######OpenITI# #META# 000.SortField :: Shamela_0000927 #META# 000.BookURI :: NOCODE #META# 010.AuthorAKA :: NODATA #META# 010.AuthorNAME :: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728هـ) #META# 011.AuthorBORN :: NOTGIVEN #META# 011.AuthorDIED :: 728 #META# 019.AuthorDIED :: NODATA #META# 020.BookTITLE :: منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية #META# 020.BookTITLESUB :: NODATA #META# 021.BookSUBJ :: كتب ابن تيمية #META# 022.BookVOLS :: 9 #META# 025.BookLANG :: NODATA #META# 029.BookTITLEalt :: NODATA #META# 030.LibURI :: Shamela_0000927 #META# 030.LibURIextra :: NODATA #META# 031.LibREADONLINE :: http://shamela.ws/browse.php/book-927 #META# 031.LibURL :: http://shamela.ws/index.php/book/927 #META# 031.LibURLFILE :: NODATA #META# 031.LibURLextra :: NODATA #META# 040.EdALL :: NODATA #META# 040.EdEDITOR :: محمد رشاد سالم #META# 041.EdNUMBER :: الأولى، 1406 هـ - 1986 م #META# 041.EdNumber :: NODATA #META# 043.EdPUBLISHER :: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية #META# 044.EdPLACE :: NODATA #META# 045.EdYEAR :: NODATA #META# 049.EdISBN :: NODATA #META# 049.EdPAGES :: NODATA #META# 049.EdPHYSICAL :: NODATA #META# 049.EdVOLUME :: NODATA #META# 090.RecMISC :: NODATA #META# 999.MiscINFO :: NODATA #META#Header#End# # PageV00P000 ### | مقدمة المؤلف ### | خطبة الكتاب # بسم الله الرحمن الرحيم # [وبه نستعين] (1) # قال الشيخ الإمام العالم، الحبر الكامل، الأوحد العلامة الحافظ، الخاشع ~~القانت، إمام الأئمة، ورباني الأمة، شيخ الإسلام، بقية الأعلام، تقي الدين، ~~خاتمة المجتهدين، (2) أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد ~~الله بن أبي القاسم بن تيمية الحراني، قدس الله روحه، ونور ضريحه (3) . # الحمد لله الذي بعث النبيين مبشرين، ومنذرين، وأنزل معهم الكتاب بالحق ~~ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ~~ما جاءتهم البينات بغيا بينهم، فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من ~~الحق بإذنه (4) ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وأشهد PageV01P003 # أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كما شهد هو سبحانه وتعالى (1) : ~~{أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو ~~العزيز الحكيم} [سورة آل عمران: 18] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي [ختم ~~به أنبياءه، وهدى به أولياءه] (2) ، ونعته (3) بقوله في القرآن الكريم: ~~{لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف ~~رحيم - فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش ~~العظيم} [سورة التوبة: 128 - 129] صلى الله عليه [وعلى آله (4) أفضل صلاة، ~~وأفضل (5) . تسليم] (6) . ### | سبب تأليف ابن تيمية للكتاب # أما بعد، فإنه قد (7) أحضر إلي طائفة من أهل السنة والجماعة كتابا صنفه ~~بعض [شيوخ الرافضة في عصرنا منفقا] (8) لهذه البضاعة، يدعو به (9) إلى مذهب ~~الرافضة الإمامية، من أمكنه دعوته من ولاة الأمور، [وغيرهم أهل الجاهلية، ~~ممن قلت معرفتهم] (10) بالعلم والدين، ولم PageV01P004 # يعرفوا أصل دين المسلمين، وأعانه على ذلك من عادتهم إعانة [الرافضة من ~~المتظاهرين بالإسلام، من] (1) أصناف الباطنية الملحدين (2) الذين هم في ~~الباطن من الصابئة (3) الفلاسفة الخارجين عن حقيقة PageV01P005 # [متابعة (1) المرسلين الذين لا يوجبون اتباع] (2) دين الإسلام (3) ، ولا ~~يحرمون [اتباع] ما سواه (4) من الأديان، بل يجعلون الملل بمنزلة المذاهب، ~~والسياسات [التي يسوغ اتباعها، وأن النبوة] نوع من السياسة العادلة التي ms0001 ~~وضعت لمصلحة العامة في الدنيا. # فإن هذا الصنف يكثرون ويظهرون [إذا كثرت الجاهلية، وأهلها] ، ولم يكن ~~هناك من أهل العلم بالنبوة، والمتابعة لها من يظهر أنوارها الماحية لظلمة ~~(5) الضلال، [ويكشف ما في خلافها من الإفك] ، والشرك، والمحال. # وهؤلاء لا يكذبون بالنبوة تكذيبا مطلقا، بل هم يؤمنون ببعض أحوالها، ~~ويكفرون [ببعض الأحوال (6) ، وهم متفاوتون فيما] يؤمنون به، ويكفرون به من ~~تلك الخلال، فلهذا يلتبس أمرهم بسبب تعظيمهم للنبوات على كثير من أهل (7) ~~[الجهالات. PageV01P006 # والرافضة، والجهمية] (1) هم الباب لهؤلاء الملحدين، منهم يدخلون إلى سائر ~~أصناف الإلحاد في أسماء الله، وآيات [كتابه المبين، كما قرر ذلك] رءوس ~~[الملحدة من] القرامطة (2) الباطنية (3) ، وغيرهم من المنافقين. # وذكر من أحضر هذا الكتاب أنه من [أعظم الأسباب في تقرير مذاهبهم] عند من ~~مال إليهم من الملوك، وغيرهم، وقد صنفه (4) للملك المعروف الذي سماه فيه ~~(5) [خدابنده (6) ، وطلبوا مني بيان ما في هذا] PageV01P007 # الكتاب من الضلال، وباطل الخطاب، لما في ذلك من نصر عباد الله المؤمنين، ~~وبيان [بطلان أقوال المفترين الملحدين] . # فأخبرتهم أن هذا الكتاب، وإن كان من أعلى (1) ما يقولونه في باب الحجة ~~والدليل، فالقوم [من أضل الناس عن سواء السبيل، فإن] الأدلة إما نقلية، ~~وإما عقلية، والقوم من أضل الناس في المنقول، والمعقول في المذاهب ~~[والتقرير، وهم من أشبه (2) الناس بمن] قال الله فيهم: {وقالوا لو كنا نسمع ~~أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} [سورة الملك: 10] ، [والقوم (3) من أكذب ~~الناس في النقليات، ومن أجهل (4) ] الناس في العقليات، يصدقون من المنقول ~~بما يعلم العلماء بالاضطرار (5) أنه من [الأباطيل، ويكذبون بالمعلوم من ~~الاضطرار (6) ] المتواتر أعظم تواتر في الأمة جيلا بعد جيل، ولا يميزون في ~~نقلة العلم، ورواة [الأحاديث (7) ] ، والأخبار (8) [بين المعروف بالكذب، ~~أو] الغلط، أو الجهل (9) بما ينقل، وبين العدل الحافظ الضابط المعروف ~~بالعلم بالآثار (10) . PageV01P008 # [وعمدتهم في نفس الأمر على التقليد] ، وإن ظنوا إقامته بالبرهانيات، ~~فتارة يتبعون المعتزلة، والقدرية (1) ، وتارة يتبعون المجسمة (2) ، ~~[والجبرية (3) ، وهم من أجهل هذه الطوائف] بالنظريات، ولهذا كانوا عند عامة ~~أهل العلم والدين من أجهل ms0002 الطوائف الداخلين في المسلمين. PageV01P009 # [ومنهم من أدخل على الدين] من الفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد، فملاحدة ~~الإسماعيلية (1) ، والنصيرية (2) ، وغيرهم من [الباطنية PageV01P010 # المنافقين من بابهم (1) دخلوا] ، وأعداء المسلمين من المشركين، وأهل ~~الكتاب بطريقهم وصلوا، واستولوا بهم على بلاد [الإسلام، وسبوا الحريم، ~~وأخذوا] الأموال، وسفكوا الدم الحرام، وجرى على الأمة بمعاونتهم من فساد ~~الدين والدنيا (2) [ما لا يعلمه إلا رب العالمين] . # إذ كان أصل المذهب من إحداث الزنادقة المنافقين الذين عاقبهم في حياته ~~علي أمير المؤمنين [رضي الله عنه] (3) ، فحرق منهم طائفة (4) بالنار، وطلب ~~قتل بعضهم، [ففروا] من سيفه البتار، وتوعد بالجلد (5) طائفة مفترية (6) ~~فيما عرف (7) عنه من الأخبار، (8) [إذ قد تواتر عنه من الوجوه الكثيرة] (8) ~~(8) أنه قال على منبر الكوفة، وقد أسمع من حضر: خير [هذه] (9) PageV01P011 # الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر، وبذلك أجاب ابنه (1) [محمد ابن ~~الحنفية] (2) فيما رواه البخاري في صحيحه (3) ، وغيره من علماء الملة ~~الحنيفية. PageV01P012 # ولهذا كانت الشيعة المتقدمون الذين صحبوا عليا، [أو كانوا (1) في ذلك ~~الزمان] لم يتنازعوا في تفضيل أبي بكر، وعمر، وإنما كان نزاعهم في [تفضيل] ~~(2) علي، وعثمان، وهذا مما يعترف به (3) [علماء الشيعة الأكابر من] ~~الأوائل، والأواخر حتى ذكر مثل ذلك (4) أبو القاسم البلخي (5) . قال: سأل ~~سائل شريك بن عبد الله بن [أبي] نمر (6) ، [فقال له: (7) أيهما أفضل أبو ~~بكر، أو علي؟ فقال له] : أبو بكر، فقال له السائل: أتقول هذا، وأنت من ~~الشيعة؟ (8) فقال: نعم إنما الشيعي [من قال مثل هذا (9) ، والله لقد] رقى ~~علي (10) هذا الأعواد، فقال: ألا إن خير (11) هذه الأمة PageV01P013 # بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر، أفكنا (1) نرد [قوله؟ أكنا (2) نكذبه؟ والله ~~ما كان] كذابا! ذكر هذا [أبو القاسم] البلخي. (3) في النقض على ابن ~~الراوندي (4) اعتراضه (5) على الجاحظ (6) . نقله عنه القاضي [عبد الجبار ~~الهمداني PageV01P014 # في كتاب] (تثبيت النبوة) (1) . ### | تحريم كتمان العلم # [ (فصل (2) .) ] . # فلما ألحوا في طلب الرد لهذا الضلال المبين، ذاكرين أن في الإعراض [عن ~~ذلك خذلانا للمؤمنين] ، وظن (3) أهل الطغيان نوعا من العجز [عن] (4) رد هذا ms0003 ~~البهتان، فكتبت ما يسره الله من البيان، [وفاء بما أخذه الله من] الميثاق ~~على أهل العلم، والإيمان، وقياما بالقسط، وشهادة PageV01P015 # لله (1) ، كما قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء ~~لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى ~~بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما ~~تعملون خبيرا} [سورة النساء: 135] ، واللي (2) هو تغيير الشهادة، [والإعراض ~~كتمانها. # والله تعالى] قد أمر بالصدق، والبيان، ونهى عن الكذب، والكتمان فيما ~~يحتاج [إلى معرفته، وإظهاره، كما قال: النبي] (3) - صلى الله عليه وسلم - ~~في الحديث المتفق عليه: ( «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا، وبينا ~~بورك [لهما في بيعهما، وإن كتما، وكذبا» (4) ] «محقت بركة بيعهما» (5) .) . # وقال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا ~~يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} [سورة المائدة: 8] ~~. PageV01P016 # ومن أعظم الشهادات ما جعل الله [أمة محمد (1) ] شهداء عليه حيث قال: ~~{وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم ~~شهيدا} [سورة البقرة: 143] . # وقال تعالى: {وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في ~~الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون ~~الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس} [سورة الحج: 78] ، والمعنى ~~[عند الجمهور أن الله سماهم] المسلمين من قبل نزول القرآن، وفي القرآن. # وقال تعالى: {ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله} [سورة البقرة: 140] ، ~~وقال تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا ~~تكتمونه} [سورة آل عمران: 187] ، وقال تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا ~~من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ~~ويلعنهم اللاعنون - إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا ~~التواب الرحيم} [سورة البقرة: 159 - 160] ، لا سيما الكتمان إذا لعن [آخر ~~هذه الأمة أولها، كما في الأثر: «إذا لعن] آخر هذه الأمة أولها، فمن كان ~~عنده علم فليظهره، فإن كاتم العلم ms0004 يومئذ ككاتم [ما أنزل الله على محمد» (2) ~~. PageV01P017 # وذلك أن أول] هذه الأمة هم (1) الذين قاموا بالدين تصديقا، وعلما، وعملا، ~~وتبليغا، فالطعن فيهم [طعن في الدين موجب للإعراض عما] بعث الله به (2) ~~النبيين. # وهذا كان مقصود أول من أظهر بدعة التشيع (3) ، فإنما كان قصده (4) [الصد ~~عن سبيل الله، وإبطال ما جاءت] به الرسل عن الله، ولهذا كانوا يظهرون ذلك ~~بحسب ضعف الملة، فظهر [في الملاحدة حقيقة هذه البدع المضلة] لكن راج كثير ~~منها على من ليس من المنافقين الملحدين، لنوع من الشبهة، والجهالة ~~[المخلوطة (5) بهوى، فقبل (6) معه الضلالة] ، وهذا أصل كل باطل. # قال الله تعالى: (7) {والنجم إذا هوى - ما ضل صاحبكم وما غوى - وما ينطق ~~عن الهوى - إن هو إلا وحي يوحى} [سورة النجم: 1 - 4] إلى قوله: {أفرأيتم ~~اللات والعزى - ومناة الثالثة الأخرى - ألكم الذكر وله الأنثى - تلك إذا ~~قسمة ضيزى - إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من ~~سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى} [سورة ~~النجم: 19 - 23] ، فنزه الله رسوله عن الضلال، والغي، والضلال عدم العلم، ~~والغي اتباع الهوى. PageV01P018 # كما قال تعالى: {وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} [سورة الأحزاب: 72] ~~، فالظلوم غاو، والجهول ضال إلا من تاب الله عليه، كما قال تعالى: {ليعذب ~~الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين ~~والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما} [سورة الأحزاب: 73] (1) . # ولهذا أمرنا الله أن نقول في صلاتنا: {اهدنا الصراط المستقيم - صراط ~~الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} ، [فالضال الذي لم يعرف ~~الحق] كالنصارى، والمغضوب عليه (2) الغاوي الذي يعرف الحق، ويعمل بخلافه ~~كاليهود. # والصراط [المستقيم يتضمن معرفة الحق] والعمل به، كما في الدعاء المأثور: ~~«اللهم أرني الحق حقا، ووفقني لاتباعه، وأرني الباطل [باطلا، ووفقني ~~لاجتنابه، ولا تجعله] مشتبها علي، فأتبع الهوى» . # وفي صحيح مسلم عن عائشة [رضي الله عنها (3) ] «أن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - (4) كان إذا قام من الليل يصلي يقول: (اللهم رب جبريل، وميكائيل، ~~وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم ms0005 الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك ~~فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من ~~تشاء إلى صراط مستقيم» ) (5) ، فمن خرج PageV01P019 # عن الصراط المستقيم كان متبعا لظنه، وما تهواه نفسه، ومن أضل ممن اتبع ~~هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين. # وهذا حال أهل البدع المخالفة للكتاب والسنة، فإنهم إن يتبعون إلا الظن، ~~وما تهوى الأنفس، ففيهم جهل، وظلم، لا سيما الرافضة، فإنهم أعظم ذوي ~~الأهواء جهلا وظلما يعادون خيار أولياء الله [تعالى] (1) من بعد النبيين، ~~من السابقين الأولين من المهاجرين، والأنصار (2) ، والذين اتبعوهم بإحسان ~~رضي الله عنهم، ورضوا عنه، ويوالون الكفار، والمنافقين من اليهود، ~~والنصارى، والمشركين، وأصناف الملحدين كالنصيرية، والإسماعيلية، وغيرهم من ~~الضالين (3) ، فتجدهم، أو كثيرا منهم إذا اختصم خصمان في ربهم من المؤمنين، ~~والكفار، واختلف الناس فيما جاءت به الأنبياء، فمنهم من آمن، ومنهم من كفر ~~- سواء كان الاختلاف بقول، أو عمل كالحروب التي بين المسلمين، وأهل الكتاب، ~~والمشركين - تجدهم يعاونون المشركين، وأهل الكتاب على المسلمين أهل القرآن. # كما قد جربه الناس منهم غير مرة في مثل إعانتهم للمشركين (4) من الترك، ~~وغيرهم على أهل الإسلام بخراسان، والعراق، والجزيرة، والشام، وغير ~~PageV01P020 # ذلك، وإعانتهم للنصارى (1) على المسلمين بالشام، ومصر، وغير ذلك في وقائع ~~متعددة من أعظمها (2) الحوادث التي كانت في الإسلام في المائة الرابعة، ~~والسابعة، فإنه (3) لما قدم كفار الترك إلى بلاد الإسلام، وقتل من المسلمين ~~ما (4) لا يحصي عدده إلا رب الأنام كانوا من أعظم الناس عداوة للمسلمين، ~~ومعاونة للكافرين (5) ، وهكذا معاونتهم لليهود أمر شهير (6) حتى جعلهم ~~الناس لهم كالحمير. ### | كلام عام عن الرافضة ### | مشابهة الرافضة لليهود والنصارى # (فصل) . # وهذا المصنف سمى كتابه (منهاج الكرامة في معرفة الإمامة) (7) ، وهو خليق ~~بأن يسمى (منهاج الندامة) ، كما أن من ادعى الطهارة، وهو من الذين لم يرد ~~الله أن يطهر قلوبهم، بل من أهل الجبت، [والطاغوت] ، والنفاق (8) كان وصفه ~~بالنجاسة، والتكدير أولى من وصفه [بالتطهير] (9) . PageV01P021 # ومن أعظم خبث القلوب أن يكون في قلب ms0006 العبد غل لخيار (1) المؤمنين، ~~[وسادات أولياء] الله بعد النبيين، ولهذا لم يجعل الله [تعالى] (2) في ~~الفيء نصيبا لمن بعدهم إلا الذين يقولون: {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين ~~سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم} ~~[سورة الحشر: 10] . # ولهذا كان بينهم وبين اليهود من [المشابهة في الخبث] (3) ، واتباع الهوى، ~~وغير ذلك من أخلاق اليهود، وبينهم وبين النصارى من المشابهة في الغلو، ~~والجهل (4) ، وغير ذلك من أخلاق النصارى ما أشبهوا به هؤلاء من وجه، وهؤلاء ~~من وجه، وما زال الناس يصفونهم بذلك. # ومن أخبر [الناس بهم] الشعبي (5) وأمثاله من علماء الكوفة، وقد ثبت عن ~~الشعبي أنه قال: (ما رأيت أحمق من الخشبية (6) لو كانوا من الطير لكانوا ~~رخما (7) ، ولو كانوا من البهائم لكانوا حمرا، والله لو طلبت منهم أن ~~PageV01P022 # يملئوا لي (1) هذا البيت ذهبا على أن أكذب على علي [لأعطوني، ووالله ما] ~~أكذب عليه أبدا) ، وقد روي هذا الكلام مبسوطا عنه أكثر من هذا، لكن (2) ~~الأظهر أن المبسوط من كلام غيره. # كما [روى أبو حفص بن] شاهين في كتاب اللطيف في السنة (3) : حدثنا (4) ~~محمد بن [أبي] القاسم (5) بن هارون، حدثنا أحمد بن الوليد الواسطي، حدثني ~~جعفر [بن نصير الطوسي الواسطي] ، عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول، عن أبيه ~~قال: قال لي (6) الشعبي: (أحذركم هذه الأهواء (7) [المضلة، وشرها الرافضة] ~~لم يدخلوا في الإسلام رغبة، ولا رهبة، ولكن مقتا لأهل الإسلام، وبغيا عليهم ~~قد حرقهم علي - رضي الله عنه - بالنار (8) ، ونفاهم إلى البلدان، منهم عبد ~~الله بن سبأ: يهودي من يهود صنعاء نفاه إلى ساباط، وعبد الله بن يسار نفاه ~~إلى خازر (9) . PageV01P023 # وآية (1) ذلك أن محنة الرافضة محنة اليهود، قالت [اليهود] (2) : لا يصلح ~~الملك إلا في آل داود، وقالت الرافضة: لا تصلح الإمامة إلا في PageV01P024 # ولد (1) علي، وقالت اليهود (2) : لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح ~~الدجال، وينزل سيف (3) من السماء، وقالت الرافضة: لا جهاد في سبيل الله حتى ~~يخرج المهدي، وينادي مناد من السماء، واليهود يؤخرون ms0007 [الصلاة إلى اشتباك ~~النجوم] ، وكذلك الرافضة يؤخرون المغرب إلى اشتباك النجوم، والحديث عن ~~النبي - صلى [الله عليه وسلم - أنه قال (4) : ( «لا تزال] أمتي على الفطرة ~~ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم.» ) (5) ، واليهود تزول عن القبلة ~~شيئا، وكذلك [الرافضة، واليهود] تنود (6) في الصلاة، وكذلك الرافضة، ~~واليهود تسدل أثوابها في الصلاة، وكذلك الرافضة، [واليهود لا يرون على ~~النساء] عدة، وكذلك الرافضة، واليهود حرفوا التوراة، وكذلك الرافضة حرفوا ~~القرآن، واليهود قالوا: [افترض الله علينا خمسين] صلاة، وكذلك الرافضة (* ~~واليهود لا يخلصون السلام على PageV01P025 # المؤمنين (1) إنما يقولون: السام عليكم، والسام الموت، وكذلك الرافضة *) ~~(2) واليهود لا يأكلون الجري، والمرماهى، [والذناب] (3) ، وكذلك الرافضة، ~~واليهود لا يرون (4) المسح على الخفين، وكذلك الرافضة. # واليهود يستحلون أموال الناس كلهم، وكذلك الرافضة، وقد أخبرنا (5) الله ~~عنهم بذلك (6) في القرآن [أنهم] (7) : {قالوا ليس علينا في الأميين سبيل} ~~[سورة آل عمران: 75] ، [وكذلك الرافضة] (8) ، واليهود تسجد على PageV01P026 # قرونها في الصلاة، وكذلك الرافضة، [واليهود لا تسجد حتى] تخفق برءوسها ~~مرارا شبه (1) الركوع، وكذلك الرافضة، واليهود تبغض (2) جبريل، ويقولون هو ~~عدونا من الملائكة، وكذلك الرافضة يقولون: غلط [جبريل] (3) بالوحي على محمد ~~- صلى الله عليه وسلم - (4) ، [وكذلك الرافضة] (5) وافقوا النصارى في خصلة ~~النصارى: ليس لنسائهم صداق إنما يتمتعون بهن تمتعا (6) ، وكذلك الرافضة ~~يتزوجون بالمتعة (7) ، ويستحلون المتعة. # وفضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلتين: سئلت اليهود من خير أهل ~~ملتكم.؟ قالوا: أصحاب موسى، وسئلت النصارى من خير أهل ملتكم؟ قالوا: حواري ~~عيسى (8) ، وسئلت الرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد - صلى الله ~~عليه وسلم - (9) أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم، فالسيف (10) عليهم مسلول إلى ~~يوم القيامة، لا تقوم لهم راية، ولا يثبت لهم قدم، ولا تجتمع لهم كلمة (11) ~~، ولا تجاب لهم دعوة، PageV01P027 # دعوتهم مدحوضة، وكلمتهم مختلفة، وجمعهم متفرق (1) كلما أوقدوا نارا للحرب ~~أطفأها الله. # قلت: هذا الكلام بعضه [ثابت عن الشعبي كقوله] : لو كانت الشيعة من ~~البهائم لكانوا (2) حمرا، ولو كانت من الطير لكانوا (3) رخما، فإن هذا ثابت ~~عنه. # قال ابن شاهين: حدثنا محمد بن العباس (4) النحوي، حدثنا ms0008 إبراهيم الحربي، ~~حدثنا أبو الربيع الزهراني (5) ، حدثنا وكيع بن الجراح، حدثنا مالك بن ~~مغول، فذكره، وأما السياق المذكور، فهو معروف عن عبد الرحمن بن مالك بن ~~مغول عن أبيه عن الشعبي. # وروى أبو عاصم خشيش بن أصرم. (6) في كتابه، ورواه من طريقه أبو عمرو ~~الطلمنكي في كتابه في الأصول قال (* أبو عاصم، حدثنا أحمد بن محمد، وعبد ~~الوارث بن إبراهيم، حدثنا السندي بن سليمان PageV01P028 # الفارسي، حدثني عبد الله *) (1) بن جعفر الرقي (2) ، عن عبد الرحمن بن ~~مالك بن مغول، عن أبيه قال (3) : (قلت لعامر الشعبي: ما ردك عن هؤلاء ~~القوم، [وقد كنت] فيهم رأسا؟ قال: رأيتهم يأخذون بأعجاز لا صدور لها، ثم ~~قال لي: يا مالك لو أردت أن يعطوني رقابهم عبيدا، أو يملئوا لي بيتي ذهبا، ~~أو يحجوا إلى بيتي هذا على أن أكذب على علي - رضي الله عنه - لفعلوا، ولا ~~والله لا أكذب عليه أبدا. يا مالك إني قد درست الأهواء (4) ، فلم أر فيها ~~(5) أحمق من الخشبية (6) ، فلو كانوا من الطير لكانوا رخما، ولو كانوا من ~~الدواب لكانوا حمرا. يا مالك لم يدخلوا في الإسلام رغبة فيه [لله] (7) ، ~~ولا رهبة من الله، ولكن مقتا من الله عليهم (8) ، وبغيا (9) منهم على أهل ~~الإسلام يريدون أن يغمصوا (10) دين الإسلام، كما غمص (11) بولص بن يوشع ملك ~~اليهود دين النصرانية، ولا تجاوز (12) PageV01P029 # صلاتهم آذانهم، قد حرقهم علي [بن أبي طالب - رضي الله عنه - بالنار] (1) ~~، ونفاهم من البلاد، منهم عبد الله بن سبأ يهودي من يهود صنعاء نفاه إلى ~~ساباط (2) ، وأبو بكر الكروس نفاه إلى الجابية (3) ، وحرق منهم قوما أتوه، ~~فقالوا: أنت هو، فقال: من أنا؟ فقالوا: أنت ربنا، فأمر بنار، فأججت، فألقوا ~~فيها، وفيهم قال (4) . علي رضي الله عنه (5) : # لما رأيت الأمر أمرا منكرا ... أججت ناري، ودعوت قنبرا (6) # يا مالك، إن محنتهم محنة اليهود قالت اليهود: لا يصلح الملك إلا في آل ~~داود، وكذلك قالت الرافضة (7) : لا تصلح الإمامة إلا في. ولد علي (8) ، ~~وقالت اليهود: لا جهاد في سبيل الله حتى يبعث الله ms0009 المسيح الدجال، وينزل ~~سيف (9) من السماء، وكذلك الرافضة قالوا: لا جهاد في. PageV01P030 # سبيل الله حتى يخرج الرضا من آل محمد، وينادي مناد من السماء: اتبعوه. # وقالت اليهود: فرض الله علينا خمسين صلاة في كل يوم وليلة، وكذلك ~~الرافضة، واليهود لا يصلون المغرب حتى تشتبك النجوم، وقد جاء عن النبي. (1) ~~- صلى الله عليه وسلم -: ( «لا تزال أمتي على الإسلام ما لم يؤخروا (2) ~~المغرب إلى اشتباك النجوم مضاهاة لليهود.» ) ، وكذلك الرافضة، واليهود إذا ~~صلوا زالوا عن القبلة شيئا، وكذلك الرافضة. # واليهود تنود. (3) في صلاتها، وكذلك الرافضة، واليهود يسدلون أثوابهم. ~~(4) في الصلاة، وقد بلغني «أن رسول الله. (5) - صلى الله عليه وسلم - مر ~~برجل سادل ثوبه، فعطفه عليه» (6) .، واليهود يسجدون في صلاة الفجر ~~PageV01P031 # الكندرة (1) ، وكذلك الرافضة. # واليهود لا يخلصون بالسلام إنما يقولون: سام عليكم، وهو الموت، وكذلك ~~الرافضة، (2 واليهود حرفوا التوراة، وكذلك الرافضة حرفوا القرآن 2) (2) ، ~~واليهود عادوا جبريل، فقالوا: هو عدونا، وكذلك الرافضة قالوا: أخطأ جبريل ~~بالوحي، واليهود يستحلون أموال الناس، وقد نبأنا الله عنهم أنهم قالوا: ~~{ليس علينا في الأميين سبيل} [سورة آل عمران: 75] ، وكذلك الرافضة [يستحلون ~~مال كل مسلم] (3) (4 [واليهود يستحلون دم كل مسلم، وكذلك الرافضة، واليهود ~~يرون غش الناس، وكذلك الرافضة] 4) (4) . PageV01P032 # واليهود لا يعدون الطلاق شيئا إلا عند كل حيضة، وكذلك الرافضة، واليهود ~~ليس لنسائهم صداق إنما يمتعوهن، وكذلك الرافضة يستحلون المتعة (1) ، ~~واليهود لا يرون العزل عن السراري، وكذلك الرافضة. # واليهود يحرمون الجري، والمرماهى، وكذلك الرافضة، واليهود حرموا الأرنب، ~~والطحال، وكذلك الرافضة، واليهود لا يرون المسح على الخفين، وكذلك الرافضة. # واليهود لا يلحدون، وكذلك الرافضة، وقد ألحد لنبينا - صلى الله عليه وسلم ~~-، واليهود يدخلون مع موتاهم في الكفن (2) سعفة رطبة (3) ، وكذلك الرافضة. # ثم قال. لي (4) : يا مالك: وفضلتهم اليهود، والنصارى بخصلة. قيل لليهود: ~~من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وقيل للنصارى: من خير أهل (5) ملتكم؟ ~~قالوا: حواري عيسى، وقيل للرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: حواري محمد ~~يعنون [بذلك] (6) طلحة، والزبير. PageV01P033 # أمروا أن يستغفروا لهم (1) فسبوهم، فالسيف عليهم مسلول (2) إلى ms0010 يوم ~~القيامة (3) ، ودعوتهم مدحوضة، ورايتهم مهزومة، وأمرهم متشتت كلما أوقدوا ~~نارا للحرب أطفأها الله، ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين. # وقد روى أبو القاسم الطبري في (شرح أصول السنة.) نحو هذا الكلام من حديث ~~وهب بن بقية الواسطي، عن محمد بن حجر الباهلي (4) ، عن عبد الرحمن بن مالك ~~بن مغول، فهذا الأثر (5) قد روي عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول من. وجوه ~~متعددة يصدق بعضها بعضا، وبعضها يزيد على بعض، لكن عبد الرحمن بن مالك [بن ~~مغول] (6) ضعيف (7) ، وذم الشعبي لهم ثابت من طرق أخرى. # لكن لفظ الرافضة إنما ظهر لما رفضوا زيد بن علي بن الحسين في خلافة هشام، ~~وقصة زيد بن علي بن الحسين كانت بعد العشرين PageV01P034 # ومائة، سنة إحدى وعشرين، أو اثنتين وعشرين ومائة في أواخر (1) خلافة ~~هشام. قال أبو حاتم البستي (2) : قتل زيد بن علي بن الحسين بالكوفة سنة ~~اثنتين وعشرين ومائة. (3) ، وصلب على خشبة، وكان من أفاضل أهل البيت، ~~وعلمائهم، وكانت الشيعة تنتحله. # [. قلت: ومن زمن خروج زيد افترقت الشيعة إلى رافضة، وزيدية، فإنه لما سئل ~~عن أبي بكر، وعمر، فترحم عليهما رفضه (4) قوم، فقال. لهم: رفضتموني، فسموا ~~رافضة (5) لرفضهم إياه، وسمي من لم يرفضه (6) من الشيعة زيديا؛ لانتسابهم ~~إليه] (7) ، ولما صلب كانت العباد تأتي إلى خشبته (8) بالليل، فيتعبدون ~~عندها (9) ، والشعبي توفي في أوائل (10) خلافة هشام، أو آخر خلافة يزيد بن ~~عبد الملك أخيه سنة خمس ومائة، أو قريبا PageV01P035 # من ذلك، فلم يكن لفظ الرافضة معروفا إذ ذاك، وبهذا وغيره (1) يعرف كذب ~~[لفظ الأحاديث المرفوعة التي فيها لفظ] (2) الرافضة. # ولكن كانوا يسمون بغير ذلك الاسم، كما كانوا (3) يسمون الخشبية لقولهم: ~~إنا لا نقاتل بالسيف إلا مع إمام معصوم، فقاتلوا بالخشب، ولهذا جاء في بعض ~~الروايات عن الشعبي قال (4) : ما رأيت أحمق من الخشبية (5) . # فيكون المعبر عنهم بلفظ الرافضة ذكره بالمعنى مع ضعف عبد الرحمن، ومع أن ~~الظاهر أن هذا الكلام إنما هو نظم عبد الرحمن بن مالك بن مغول، وتأليفه، ~~وقد سمع ms0011 طرفا منه (6) عن الشعبي، وسواء كان هو ألفه، أو نظمه لما رآه من ~~أمور الشيعة في زمانه، ولما سمعه (7) عنهم، أو لما سمع من أقوال أهل العلم ~~فيهم، أو بعضه، أو مجموع الأمرين، أو بعضه لهذا، أو بعضه لهذا، فهذا (8) ~~الكلام معروف بالدليل لا يحتاج إلى نقل (9) ، وإسناد. # وقول القائل: إن الرافضة تفعل كذا، وكذا (10) المراد به بعض الرافضة ~~PageV01P036 # كقوله تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن ~~الله} [سورة التوبة: 30] . {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم} [سورة ~~المائدة: 64] لم يقل ذلك كل يهودي، بل قاله بعضهم (1) (2 وكذلك قوله تعالى: ~~{الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم} [سورة آل عمران: 173] ~~المراد به جنس الناس، وإلا فمعلوم أن القائل لهم غير الجامع، وغير ~~المخاطبين المجموع لهم 2) (2) . # [. وما ذكره موجود في الرافضة] (3) ، وفيهم أضعاف ما ذكر (4) : مثل تحريم ~~بعضهم للحم الإوز، والجمل (5) مشابهة لليهود، ومثل جمعهم بين الصلاتين ~~دائما، فلا يصلون إلا في ثلاثة أوقات مشابهة لليهود، ومثل قولهم: إنه لا ~~يقع الطلاق إلا بإشهاد (6) على الزوج مشابهة لليهود، ومثل تنجيسهم لأبدان ~~غيرهم من المسلمين، وأهل الكتاب، وتحريمهم لذبائحهم، وتنجيس (7) ما يصيب ~~ذلك من المياه، والمائعات، وغسل الآنية التي يأكل منها غيرهم مشابهة ~~للسامرة (8) الذين هم شر اليهود، ولهذا يجعلهم الناس في. PageV01P037 # المسلمين كالسامرة في اليهود، ومثل استعمالهم التقية (1) ، وإظهار خلاف ~~ما يبطنون (2) [من العداوة] (3) مشابهة لليهود، [ونظائر ذلك كثير] (4) . ### | بعض حماقات الشيعة # وأما سائر حماقاتهم فكثيرة جدا: مثل كون بعضهم لا يشرب من نهر (5 حفره ~~يزيد مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - والذين معه (5) كانوا يشربون من ~~آبار، وأنهار 5) (6) حفرها الكفار، وبعضهم لا يأكل من التوت الشامي، ومعلوم ~~أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن معه كانوا يأكلون (7) مما يجلب من ~~بلاد الكفار من الجبن، ويلبسون ما تنسجه الكفار، بل غالب ثيابهم كانت من ~~نسج الكفار. # ومثل كونهم يكرهون التكلم بلفظ العشرة، أو فعل شيء يكون عشرة حتى في (8) ~~البناء لا يبنون على عشرة ms0012 أعمدة (9) ، ولا بعشرة جذوع، ونحو ذلك ~~PageV01P038 # لكونهم يبغضون خيار الصحابة، وهم العشرة المشهود لهم بالجنة - أبو بكر، ~~وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد [بن ~~عمرو بن نفيل] (1) ، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح - رضي الله ~~عنهم - (2) - يبغضون هؤلاء إلا علي بن أبي طالب [رضي الله عنه] (3) ، ~~ويبغضون سائر المهاجرين، والأنصار من السابقين الأولين (4) الذين بايعوا ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة - وكانوا ألفا وأربعمائة - ~~وقد أخبر الله أنه قد رضي عنهم. # وثبت في صحيح مسلم، وغيره عن جابر أيضا (5) «أن غلام حاطب بن أبي بلتعة ~~قال: يا رسول الله، والله ليدخلن حاطب النار، فقال. النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -: (كذبت إنه شهد بدرا والحديبية» .) (6) . # وهم يتبرأون من جمهور هؤلاء، بل [يتبرأون] من سائر (7) أصحاب رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - إلا نفرا قليلا نحو بضعة عشر. # ومعلوم أنه لو فرض في العالم عشرة من أكفر الناس لم يجب هجر هذا ~~PageV01P039 # الاسم [لذلك] (1) ، كما أنه سبحانه [وتعالى] (2) لما قال: {وكان في ~~المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون} [سورة النمل: 48] لم يجب هجر ~~اسم التسعة مطلقا، بل اسم العشرة قد مدح الله مسماه في مواضع (3) كقوله ~~[تعالى في متعة الحج] (4) : {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة ~~إذا رجعتم تلك عشرة كاملة} [سورة البقرة: 196] (5) ، وقال تعالى: {وواعدنا ~~موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة} [سورة ~~الأعراف: 142] (6) ، وقال تعالى: {والفجر - وليال عشر} [سورة الفجر 1 - 2] ~~، (* وقد ثبت في الصحيح «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر ~~الأواخر من شهر رمضان حتى توفاه الله تعالى» (7) ، وقال في ليلة القدر: ( ~~«التمسوها في العشر الأواخر» . *) (8) ، وقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - قال (9) ( «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب. ~~PageV01P040 # إلى الله من هذه الأيام العشر» .) (1) ، ونظائر ذلك متعددة. # [. ومن العجب أنهم يوالون لفظ التسعة، وهم يبغضون التسعة من العشرة، ~~فإنهم يبغضونهم إلا عليا] (2) . # وكذلك ms0013 هجرهم لاسم أبي بكر، وعمر، وعثمان، ولمن يتسمى بذلك حتى [إنهم] ~~يكرهون (3) معاملته، ومعلوم أن هؤلاء لو كانوا من أكفر الناس لم يشرع أن لا ~~يتسمى الرجل بمثل أسمائهم، فقد كان في الصحابة من اسمه الوليد، «وكان النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - يقنت له. (4) في الصلاة، ويقول: اللهم أنج الوليد ~~بن الوليد» (5) ، وأبوه الوليد بن المغيرة كان (6) من أعظم الناس كفرا، وهو ~~الوحيد المذكور في قوله تعالى: {ذرني ومن خلقت وحيدا} ، [سورة المدثر: 11] ~~(7) وفي الصحابة من اسمه عمرو، وفي المشركين من PageV01P041 # اسمه عمرو [مثل عمرو] (1) بن عبد ود، وأبو جهل اسمه عمرو بن هشام، (2 وفي ~~الصحابة خالد بن سعيد بن العاص من السابقين الأولين، وفي المشركين خالد بن ~~سفيان الهذلي 2) (2) ، وفي الصحابة من اسمه هشام مثل هشام بن حكيم، وأبو ~~جهل كان اسم أبيه هشاما، وفي الصحابة من اسمه عقبة مثل أبي مسعود عقبة بن ~~عمرو البدري، وعقبة بن عامر الجهني (3) . # وكان في المشركين عقبة بن أبي معيط، وفي الصحابة علي، وعثمان (4) ، وكان ~~في المشركين من اسمه علي مثل علي بن أمية بن خلف قتل يوم بدر كافرا، ومثل ~~عثمان بن [أبي] طلحة قتل قبل أن يسلم (5) ، ومثل هذا كثير. # فلم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمؤمنون يكرهون اسما من الأسماء ~~لكونه قد تسمى به كافر من الكفار، فلو (6) قدر أن المسمين بهذه PageV01P042 # [الأسماء] (1) كفار لم يوجب ذلك كراهة هذه الأسماء مع العلم لكل أحد بأن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعوهم بها، ويقر الناس على دعائهم بها، ~~وكثير منهم يزعم أنهم كانوا منافقين، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~يعلم أنهم منافقون، وهو مع هذا (2) يدعوهم بها، وعلي [بن أبي طالب رضي الله ~~عنه] (3) قد سمى أولاده بها (4) فعلم أن جواز الدعاء بهذه الأسماء (5) - ~~سواء كان [ذلك] (6) المسمى بها مسلما، أو كافرا - أمر معلوم (7) من دين ~~الإسلام، فمن كره أن يدعو أحدا بها كان من أظهر الناس مخالفة لدين الإسلام، ~~ثم مع هذا إذا تسمى الرجل عندهم ms0014 [باسم] (8) علي، أو جعفر، أو حسن، أو حسين، ~~أو نحو ذلك (9) عاملوه، وأكرموه، ولا دليل لهم. [في ذلك] (10) على أنه ~~منهم، (11 بل أهل السنة يتسمون بهذه الأسماء، فليس في التسمية بها ما يدل ~~على أنهم منهم 11) (11) ، والتسمية بتلك الأسماء قد تكون فيهم، فلا يدل على ~~أن المسمى [بها] من أهل السنة لكن القوم PageV01P043 # في غاية الجهل، والهوى. # وينبغي [أيضا] (1) أن يعلم أنه ليس كل ما أنكره بعض الناس عليهم يكون ~~باطلا، بل من أقوالهم أقوال خالفهم فيها بعض أهل السنة، ووافقهم بعض، ~~والصواب مع من وافقهم لكن ليس لهم مسألة انفردوا بها أصابوا فيها، فمن ~~الناس من يعد من بدعهم الجهر بالبسملة، وترك المسح على الخفين إما مطلقا، ~~وإما في الحضر، والقنوت في الفجر، ومتعة الحج، ومنع لزوم الطلاق البدعي (2) ~~، وتسطيح القبور، وإسبال اليدين في الصلاة، ونحو ذلك من المسائل التي تنازع ~~فيها علماء السنة، وقد يكون الصواب فيها القول (3) الذي يوافقهم، كما يكون ~~الصواب هو القول الذي يخالفهم لكن المسألة اجتهادية، فلا تنكر إلا إذا صارت ~~شعارا لأمر لا يسوغ، فتكون دليلا على ما يجب إنكاره، وإن كانت نفسها يسوغ ~~فيها الاجتهاد، ومن هذا. وضع الجريد على القبر، فإنه منقول عن بعض الصحابة، ~~وغير ذلك من المسائل. # ومن حماقتهم أيضا أنهم يجعلون للمنتظر عدة مشاهد ينتظرونه فيها كالسرادب ~~(4) الذي بسامرا الذي يزعمون أنه غاب فيه (5) ، ومشاهد أخر، وقد ~~PageV01P044 # يقيمون هناك دابة - إما بغلة، وإما فرسا، [وإما غير ذلك] (1) - ليركبها ~~إذا خرج، ويقيمون هناك إما في طرفي النهار، وإما في أوقات أخر من ينادي ~~عليه بالخروج يا مولانا اخرج [يا مولانا اخرج] (2) ، ويشهرون السلاح، ولا ~~أحد هناك يقاتلهم (3) ، وفيهم من يقول في أوقات الصلاة (4) دائما لا يصلي ~~خشية أن يخرج، وهو في الصلاة، فيشتغل بها عن [خروجه] ، وخدمته (5) ، وهم في ~~PageV01P045 # أماكن بعيدة عن مشهده كمدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - إما في العشر ~~الأواخر من [شهر] (1) رمضان، وإما في غير ذلك (2) يتوجهون إلى المشرق، ~~وينادونه بأصوات عالية يطلبون خروجه. # ومن ms0015 المعلوم أنه لو كان موجودا، وقد أمره الله بالخروج، فإنه يخرج سواء ~~نادوه، أو لم ينادوه، وإن لم يؤذن له، فهو لا يقبل منهم، وأنه إذا خرج فإن ~~الله يؤيده، ويأتيه بما يركبه، وبمن يعينه، وينصره لا يحتاج إلى أن يوقف ~~[له] (3) دائما من الآدميين من ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم ~~يحسنون صنعا. # والله سبحانه قد عاب في كتابه من يدعو من لا يستجيب له دعاءه، فقال ~~تعالى: {ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ~~- إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة ~~يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير} [سورة فاطر: 13 - 14] هذا مع أن الأصنام ~~موجودة، وكان يكون فيها (4) أحيانا شياطين تتراءى لهم، وتخاطبهم، ومن خاطب ~~معدوما كانت حالته أسوأ من حال من خاطب موجودا، وإن كان جمادا، فمن دعاء ~~المنتظر الذي لم يخلقه الله (5) كان PageV01P046 # ضلاله أعظم من ضلال هؤلاء، وإذا قال: أنا أعتقد وجوده، كان بمنزلة قول ~~أولئك: نحن نعتقد أن هذه الأصنام لها شفاعة عند الله، فيعبدون من دون الله ~~ما لا ينفعهم، ولا يضرهم (1) ، ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله. # والمقصود أن كليهما (2) يدعو من لا ينفع دعاؤه، وإن كان أولئك اتخذوهم ~~[شفعاء] (3) آلهة، وهؤلاء يقولون: هو إمام معصوم، فهم يوالون عليه، ويعادون ~~عليه كموالاة المشركين على آلهتهم، ويجعلونه ركنا في الإيمان لا يتم الدين ~~(4) إلا به، كما يجعل بعض المشركين آلهتهم كذلك. # وقد قال (5) تعالى: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم ~~يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون ~~الكتاب وبما كنتم تدرسون - ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ~~أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون} ، PageV01P047 # [سورة آل عمران: 79 - 80] (1) فإذا كان من يتخذ الملائكة والنبيين أربابا ~~بهذه الحال، فكيف بمن يتخذ إماما معدوما لا وجود له، وقد قال تعالى: ~~{اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا ~~إلا ليعبدوا ms0016 إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} [سورة التوبة: ~~31] . # وقد ثبت في الترمذي، وغيره من [حديث] «عدي بن حاتم [أنه] قال (2) : يا ~~رسول الله ما عبدوهم، فقال: (إنهم أحلوا لهم الحرام، وحرموا عليهم الحلال، ~~فأطاعوهم، فكانت تلك عبادتهم إياهم» .) (3) فهؤلاء اتخذوا أناسا (4) ~~موجودين أربابا، وهؤلاء يجعلون الحلال والحرام معلقا بالإمام المعدوم الذي ~~لا حقيقة له، ثم يعملون بكل ما يقول (5) المنتسبون إليه (6) إنه يحلله، ~~ويحرمه، وإن خالف الكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة حتى أن طائفتهم ~~PageV01P048 # إذا اختلفت على قولين قالوا: القول (1) الذي لا يعرف قائله هو الحق؛ لأنه ~~قول هذا الإمام المعصوم، فيجعلون الحلال ما حلله، والحرام ما حرمه هذا الذي ~~لا يوجد، وعند (2) من يقول إنه موجود لا يعرفه أحد، ولا يمكن أحد أن ينقل ~~عنه كلمة واحدة. # ومن حماقاتهم تمثيلهم لمن يبغضونه (* بالجماد (3) ، أو حيوان، ثم يفعلون ~~بذلك الجماد، والحيوان ما يرونه عقوبة لمن يبغضونه *) (4) مثل اتخاذهم نعجة ~~- وقد تكون نعجة حمراء لكون عائشة تسمى الحميراء (5) - يجعلونها عائشة، ~~ويعذبونها بنتف شعرها، وغير ذلك، ويرون أن ذلك عقوبة لعائشة. # ومثل اتخاذهم حلسا مملوءا سمنا، ثم يبعجون (6) بطنه، فيخرج السمن، ~~فيشربونه، ويقولون: هذا مثل ضرب عمر، وشرب دمه (7) ، ومثل تسمية بعضهم ~~لحمارين من حمر الرحا أحدهما بأبي بكر، والآخر بعمر، ثم يعاقبون (8) ~~الحمارين جعلا منهم تلك العقوبة [عقوبة] (9) لأبي بكر، وعمر. . PageV01P049 # وتارة يكتبون أسماءهم على أسفل أرجلهم [حتى أن بعض الولاة جعل يضرب رجلي ~~من فعل ذلك، ويقول: إنما ضربت أبا بكر، وعمر، ولا أزال أضربهما حتى ~~أعدمهما، ومنهم من يسمي كلابه باسم أبي بكر، وعمر، ويلعنهما، ومنهم من إذا ~~سمى كلبه، فقيل له (بكير.) يضارب من يفعل ذلك، ويقول: تسمي كلبي باسم أصحاب ~~النار، ومنهم (1) يعظم أبا لؤلؤة المجوسي الكافر الذي كان غلاما للمغيرة بن ~~شعبة لما قتل عمر، ويقولون: واثارات أبي لؤلؤة، فيعظمون (2) كافرا مجوسيا ~~باتفاق المسلمين لكونه قتل عمر - رضي الله عنه - # ومن حماقتهم إظهارهم لما يجعلونه مشهدا، فكم كذبوا الناس، وادعوا أن في ~~هذا ms0017 المكان ميتا من أهل البيت، وربما جعلوه مقتولا، فيبنون ذلك مشهدا، وقد ~~يكون ذلك قبر كافر، أو قبر بعض الناس، ويظهر ذلك بعلامات كثيرة. # ومعلوم أن عقوبة الدواب المسماة بذلك (3) ] ، ونحو هذا الفعل لا يكون إلا ~~(4) من فعل أحمق الناس، وأجهلهم، فإنه من المعلوم أنا (5) لو أردنا أن ~~نعاقب فرعون، وأبا لهب، وأبا جهل، وغيرهم ممن ثبت بإجماع المسلمين أنهم من ~~أكفر الناس مثل هذه العقوبة لكان هذا من أعظم الجهل؛ لأن (6) PageV01P050 # ذلك لا فائدة فيه، بل إذا قتل كافر يجوز قتله، أو مات حتف أنفه لم يجز ~~بعد قتله، أو موته أن يمثل به، فلا يشق بطنه، ولا (1) يجدع أنفه، وأذنه، ~~[ولا تقطع يده] (2) إلا أن يكون ذلك على سبيل المقابلة. # [فقد ثبت.] في صحيح (3) مسلم، وغيره عن بريدة «عن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - أنه كان إذا بعث أميرا على جيش، أو سرية (4) أوصاه في خاصة نفسه ~~بتقوى الله [تعالى] (5) ، وأوصاه بمن معه من المسلمين خيرا، وقال: (اغزوا ~~في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله لا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا ~~تقتلوا وليدا.» ) (6) . # وفي السنن أنه «كان في خطبته يأمر بالصدقة، وينهى عن المثلة» (7) . مع أن ~~PageV01P051 # التمثيل بالكافر بعد موته منه نكاية بالعدو لكن نهي عنه؛ لأنها زيادة ~~إيذاء (1) بلا حاجة، فإن المقصود كف شره بقتله، [وقد حصل] (2) . # فهؤلاء الذين يبغضونهم لو كانوا كفارا، وقد ماتوا لم يكن لهم بعد موتهم ~~أن يمثلوا بأبدانهم لا يضربونهم، ولا يشقون بطونهم، ولا ينتفون شعورهم مع ~~أن في ذلك نكاية فيهم، فأما إذا فعلوا ذلك بغيرهم ظنا أن ذلك يصل إليهم كان ~~غاية الجهل، فكيف إذا كان بمحرم (3) كالشاة التي يحرم إيذاؤها بغير حق، ~~فيفعلون ما لا يحصل لهم [به] (4) منفعة أصلا، بل ضرر في الدين. والدنيا، ~~والآخرة مع تضمنه غاية الحمق، والجهل. # ومن حماقتهم إقامة المأتم (5) ، والنياحة على من قد (6) قتل من سنين ~~عديدة (7) ، ومن المعلوم أن المقتول، وغيره من الموتى إذا فعل مثل ذلك بهم ~~عقب موتهم كان ms0018 ذلك مما حرمه الله، ورسوله، فقد ثبت في الصحيح (8) عن النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( «ليس منا من لطم الخدود، وشق ~~PageV01P052 # الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية» .) (1) . وثبت في الصحيح عنه (2) «أنه بريء ~~من الحالقة، والصالقة، والشاقة» (3) (4 [فالحالقة التي تحلق شعرها عند ~~المصيبة] 4) (4) ، والصالقة هي (5) التي ترفع صوتها [عند المصيبة] (6) ~~بالمصيبة، والشاقة التي تشق ثيابها. # وفي الصحيح عنه أنه قال: ( «إن النائحة إذا لم تتب قبل موتها، فإنها تلبس ~~PageV01P053 # يوم القيامة درعا من جرب، وسربالا من قطران.» ) (1) ، وفي الصحيح عنه أنه ~~قال: ( «من ينح عليه، فإنه يعذب بما ينح عليه» .) (2) ، والأحاديث في هذا ~~المعنى كثيرة. # وهؤلاء يأتون من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعوى الجاهلية، وغير ~~PageV01P054 # ذلك من المنكرات بعد موت الميت بسنين كثيرة ما لو فعلوه عقب موته لكان ~~ذلك من أعظم المنكرات التي حرمها الله ورسوله، فكيف بعد هذه المدة الطويلة. # ومن المعلوم أنه قد قتل من الأنبياء، وغير الأنبياء (1) ظلما وعدوانا من ~~هو أفضل من الحسين قتل أبوه ظلما، وهو أفضل منه. وقتل عثمان بن عفان، وكان ~~قتله أول الفتن العظيمة التي وقعت بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، ~~وترتب عليه من الشر، والفساد أضعاف ما ترتب على قتل الحسين. وقتل غير هؤلاء ~~ومات، وما فعل أحد - لا من المسلمين، ولا غيرهم - مأتما ولا نياحة على ميت، ~~ولا قتيل بعد مدة طويلة من قتله إلا هؤلاء الحمقى الذين لو كانوا من الطير ~~لكانوا رخما، ولو كانوا من البهائم لكانوا حمرا. # ومن ذلك أن بعضهم لا يوقد خشب الطرفاء (2) ؛ لأنه بلغه أن دم الحسين، وقع ~~على شجرة من الطرفاء، ومعلوم. أن تلك الشجرة بعينها لا يكره وقودها، ولو ~~كان عليها من (3) أي دم كان، فكيف بسائر الشجر الذي لم يصبه الدم؟ ! . # وحماقاتهم يطول وصفها لا يحتاج إلى أن تنقل (4) بإسناد، [ولكن ينبغي ~~PageV01P055 # أن يعلم مع هذا] (1) أن المقصود (2) أنه من ذلك الزمان القديم يصفهم ~~الناس بمثل هذا من عهد التابعين، وتابعيهم، (3 [كما ثبت بعض ذلك إما عن ~~الشعبي ms0019، وإما أن يكون من كلام عبد الرحمن، وعلى التقديرين، فالمقصود حاصل، ~~فإن عبد الرحمن كان في زمن تابعي التابعين، وإنما ذكرنا هذا؛ لأن عبد ~~الرحمن] 3) (3) ، وكثيرا من الناس لا يحتج بروايته المفردة إما لسوء حفظه، ~~وإما لتهمة. (4) في تحسين الحديث، وإن كان له علم، ومعرفة بأنواع من العلوم ~~- ولكن يصلحون (5) للاعتضاد، والمتابعة كمقاتل بن سليمان، ومحمد بن عمر ~~الواقدي، وأمثالهما، فإن كثرة الشهادات، والأخبار قد توجب العلم، وإن لم ~~يكن كل من المخبرين ثقة حافظا (6) حتى يحصل العلم بمخبر الأخبار المتواترة، ~~وإن كان المخبرون من أهل الفسوق إذا لم يحصل بينهم تشاعر (7) ، وتواطؤ، ~~والقول الحق الذي يقوم عليه الدليل يقبل من كل من قاله، وإن لم يقبل بمجرد ~~إخبار المخبر به. # فلهذا ذكرنا ما ذكره عبد الرحمن بن مالك بن مغول، فإن غاية ما فيه أنه ~~قاله ذاكرا لا آثرا (8) ، وعبد الرحمن هذا يروي عن أبيه، وعن الأعمش، وعن ~~PageV01P056 # عبيد (1) الله بن عمر، ولا يحتج بمجرد (2) مفرداته، فإنه ضعيف. # ومما ينبغي أن يعرف أن ما يوجد في جنس الشيعة من الأقوال، والأفعال ~~المذمومة، وإن كان أضعاف ما ذكر لكن قد لا يكون هذا كله في الإمامية ~~[الاثني عشرية] (3) ، ولا في الزيدية، ولكن يكون كثير منه في الغالية، وفي ~~كثير من عوامهم مثل ما يذكر عنهم من تحريم لحم الجمل، وأن الطلاق يشترط فيه ~~رضا المرأة، ونحو ذلك مما يقوله بعض عوامهم (4) ، وإن كان علماؤهم لا ~~يقولون ذلك لكن لما كان أصل مذهبهم (5) مستندا إلى جهل كانوا أكثر الطوائف ~~كذبا. وجهلا (6) . ### | الرافضة هم أضل الناس في المعقول والمنقول # (فصل) # ونحن نبين إن شاء الله تعالى طريق الاستقامة في معرفة هذا الكتاب (7) ~~(منهاج الندامة.) بحول الله وقوته، وهذا الرجل سلك مسلك PageV01P057 # سلفه شيوخ الرافضة كابن النعمان المفيد (1) ، ومتبعيه: كالكراجكي (2) ، ~~وأبي القاسم الموسوي (3) ، والطوسي (4) ، وأمثالهم، فإن الرافضة في الأصل ~~ليسوا أهل علم، وخبرة بطريق النظر، والمناظرة، ومعرفة الأدلة، وما يدخل ~~فيها من المنع، والمعارضة، كما أنهم من أجهل الناس بمعرفة المنقولات، ~~والأحاديث، والآثار ms0020، والتمييز بين صحيحها وضعيفها، وإنما عمدتهم في ~~المنقولات على تواريخ منقطعة الإسناد، وكثير منها من وضع المعروفين بالكذب، ~~بل (5) وبالإلحاد، وعلماؤهم يعتمدون على نقل مثل أبي مخنف PageV01P058 # لوط بن يحيى (1) ، وهشام بن محمد بن السائب (2) ، وأمثالهما من المعروفين ~~بالكذب عند أهل العلم مع أن أمثال هؤلاء هم من (3) أجل من يعتمدون عليه في ~~النقل إذ كانوا يعتمدون على من هو في غاية الجهل، والافتراء ممن لا يذكر في ~~الكتب، ولا يعرفه أهل العلم بالرجال. ### | الرافضة هم أكذب الطوائف # وقد اتفق أهل العلم بالنقل، والرواية، والإسناد على أن الرافضة أكذب ~~الطوائف، والكذب فيهم قديم، ولهذا كان أئمة الإسلام يعلمون امتيازهم بكثرة ~~الكذب قال: أبو حاتم الرازي (4) # . سمعت يونس بن عبد الأعلى (5) يقول: (6) قال أشهب بن عبد العزيز (7) سئل ~~مالك عن PageV01P059 # الرافضة، فقال: لا تكلمهم، ولا ترو عنهم، فإنهم يكذبون، وقال. أبو حاتم: ~~حدثنا حرملة (1) [قال] (2) : سمعت الشافعي يقول: لم أر أحدا أشهد بالزور من ~~الرافضة، وقال. مؤمل بن إهاب (3) : سمعت يزيد بن هارون (4) يقول: يكتب عن ~~كل صاحب بدعة إذا لم يكن داعية إلا الرافضة، فإنهم يكذبون، وقال. محمد بن ~~سعيد الأصبهاني (5) : سمعت شريكا يقول: أحمل العلم عن كل من لقيت إلا ~~الرافضة، فإنهم يضعون الحديث، ويتخذونه دينا، [وشريك هذا هو شريك بن عبد ~~الله القاضي، قاضي الكوفة، من أقران الثوري، وأبي حنيفة، وهو من الشيعة ~~الذي يقول بلسانه: أنا من الشيعة، وهذه شهادته فيهم] (6) ، وقال أبو معاوية ~~(7) : سمعت الأعمش يقول: أدركت الناس، وما يسمونهم إلا الكذابين، يعني ~~PageV01P060 # أصحاب المغيرة بن سعيد (1) قال. الأعمش: ولا عليكم ألا تذكروا (2) هذا، ~~فإني لا آمنهم أن يقولوا: إنا أصبنا الأعمش (3) مع امرأة. # وهذه آثار ثابتة رواها (4) [أبو عبد الله] (5) بن بطة في (الإبانة ~~الكبرى.) (6) هو وغيره، وروى أبو القاسم الطبري (* كلام الشافعي فيهم من ~~وجهين من رواية الربيع (7) قال: سمعت *) (8) . الشافعي يقول: ما رأيت في ~~أهل الأهواء قوما PageV01P061 # أشهد بالزور من الرافضة، ورواه أيضا من طريق حرملة، وزاد في ذلك: ما رأيت ~~أشهد على ms0021 الله بالزور من الرافضة، وهذا المعنى، وإن كان صحيحا، فاللفظ ~~الأول هو الثابت عن الشافعي، ولهذا ذكر الشافعي ما ذكره أبو حنيفة، وأصحابه ~~أنه يرد (1) شهادة من عرف بالكذب كالخطابية (2) ورد شهادة من عرف بالكذب ~~متفق عليه بين الفقهاء، وتنازعوا في شهادة سائر أهل الأهواء هل تقبل مطلقا؟ ~~أو ترد مطلقا؟ أو ترد شهادة الداعية إلى البدع؟ وهذا القول الثالث هو ~~الغالب على أهل الحديث لا يرون الرواية عن الداعية إلى البدع، ولا شهادته، ~~ولهذا لم يكن في كتبهم الأمهات كالصحاح، والسنن، والمسانيد (3) الرواية عن ~~المشهورين بالدعاء إلى البدع، وإن كان فيها الرواية عمن فيه نوع من ~~PageV01P062 # بدعة كالخوارج (1) ، والشيعة، والمرجئة (2) ، والقدرية، وذلك. لأنهم (3) ~~لم يدعوا الرواية عن هؤلاء للفسق كما يظنه بعضهم، ولكن من أظهر بدعته. وجب ~~الإنكار عليه بخلاف من أخفاها، وكتمها، وإذا وجب الإنكار عليه كان من ذلك ~~أن يهجر حتى ينتهي عن إظهار بدعته، ومن هجره أن لا يؤخذ عنه العلم، ولا ~~يستشهد. # وكذلك تنازع الفقهاء في الصلاة خلف أهل الأهواء، والفجور منهم من أطلق (4 ~~الإذن، ومنهم من أطلق 4) (4) المنع، والتحقيق أن الصلاة خلفهم لا ينهى عنها ~~لبطلان صلاتهم في نفسها لكن لأنهم إذا أظهروا المنكر استحقوا أن يهجروا، ~~وأن لا يقدموا في الصلاة على المسلمين، ومن هذا الباب ترك عيادتهم، وتشييع ~~جنائزهم كل هذا من باب الهجر المشروع في إنكار المنكر للنهي عنه (5) . # وإذا عرف أن هذا هو من باب العقوبات الشرعية علم أنه يختلف PageV01P063 # باختلاف الأحوال من قلة البدعة، وكثرتها، وظهور السنة، وخفائها، وأن ~~المشروع (1) قد يكون (2) هو التأليف تارة، والهجران أخرى، كما كان النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - يتألف أقواما من المشركين ممن هو (3) حديث عهد ~~بالإسلام (4) ، [ومن يخاف عليه الفتنة] (5) ، فيعطي المؤلفة قلوبهم ما لا ~~يعطي غيرهم. # قال في الحديث الصحيح: ( «إني أعطي رجالا، وأدع رجالا (6) ، والذي أدع ~~أحب إلي من الذي (7) أعطي. أعطي رجالا لما جعل الله. (8) في قلوبهم من ~~الهلع، والجزع، وأدع رجالا لما [جعل الله.] (9) في قلوبهم من الغنى ms0022، ~~والخير، منهم عمرو بن تغلب.» ) (10) # وقال: ( «إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكبه الله على ~~PageV01P064 # وجهه في النار.» ) (1) ، [أو كما قال] (2) . وكان يهجر بعض المؤمنين، (3) ~~كما هجر الثلاثة الذين خلفوا في (4) غزوة تبوك (5) ؛ لأن المقصود دعوة ~~الخلق إلى طاعة الله بأقوم طريق، فيستعمل الرغبة حيث تكون أصلح، والرهبة ~~حيث تكون أصلح. # ومن عرف هذا تبين له أن من رد الشهادة والرواية مطلقا من أهل البدع ~~المتأولين، فقوله ضعيف، فإن السلف قد دخلوا بالتأويل في أنواع عظيمة. # ومن جعل المظهرين للبدعة أئمة في العلم، والشهادة لا ينكر عليهم بهجر، ~~ولا ردع، فقوله ضعيف أيضا، وكذلك من صلى خلف المظهر للبدع، والفجور من غير ~~إنكار عليه، ولا استبدال به من هو خير منه مع القدرة على ذلك، فقوله ضعيف، ~~وهذا يستلزم إقرار المنكر الذي يبغضه الله، ورسوله مع القدرة على إنكاره، ~~وهذا لا يجوز، ومن أوجب الإعادة على [كل] (6) PageV01P065 # من صلى خلف كل (1) ذي، فجور، وبدعة، فقوله ضعيف، فإن السلف، والأئمة (2) ~~من الصحابة، والتابعين صلوا خلف هؤلاء، وهؤلاء لما كانوا ولاة عليهم، ولهذا ~~كان من أصول أهل السنة أن الصلوات التي يقيمها ولاة الأمور تصلى خلفهم على ~~أي حال كانوا، كما يحج معهم، ويغزى معهم، وهذه المسائل (3) مبسوطة في غير ~~هذا الموضع. # والمقصود هنا أن العلماء كلهم متفقون على أن الكذب في الرافضة أظهر منه ~~في سائر طوائف أهل القبلة، ومن تأمل كتب الجرح، والتعديل المصنفة في أسماء ~~الرواة، والنقلة، وأحوالهم - مثل كتب يحيى بن سعيد القطان، وعلي بن ~~المديني، ويحيى بن معين، والبخاري، وأبي زرعة، وأبي حاتم الرازي، والنسائي، ~~وأبي حاتم بن حبان، وأبي أحمد بن عدي. والدارقطني، وإبراهيم بن يعقوب ~~الجوزجاني السعدي، ويعقوب بن سفيان الفسوي (4) ، وأحمد بن عبد الله بن صالح ~~العجلي، والعقيلي، ومحمد بن عبد الله بن عمار الموصلي، والحاكم النيسابوري، ~~والحافظ عبد الغني بن سعيد المصري، وأمثال هؤلاء الذين هم جهابذة، ونقاد، ~~وأهل معرفة بأحوال الإسناد - رأى المعروف عندهم بالكذب في الشيعة (5) أكثر ~~منهم ms0023 في جميع الطوائف حتى أن أصحاب الصحيح كالبخاري PageV01P066 # لم يرو عن أحد من قدماء الشيعة مثل عاصم بن ضمرة (1) ، والحارث الأعور ~~(2) ، وعبد الله بن سلمة (3) ، وأمثالهم مع أن هؤلاء [من] (4) خيار الشيعة، ~~(5 وإنما يروي أصحاب الصحيح حديث علي عن أهل بيته 5) (5) كالحسن، والحسين ~~(6) ، ومحمد ابن الحنفية، وكاتبه [عبيد الله] (7) بن أبي رافع، أو عن (8) ~~أصحاب عبد الله (9) بن مسعود: كعبيدة السلماني، والحارث بن قيس، أو عمن ~~يشبه هؤلاء، وهؤلاء أئمة النقل، ونقاده من أبعد الناس عن الهوى، وأخبرهم ~~بالناس، وأقولهم بالحق (10) لا يخافون في الله لومة لائم. # والبدع متنوعة (11) ، فالخوارج مع أنهم مارقون يمرقون من الإسلام كما. ~~PageV01P067 # يمرق السهم من الرمية، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم، ~~واتفق الصحابة، وعلماء المسلمين على قتالهم، وصح فيهم الحديث عن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - من عشرة أوجه رواها مسلم. [في صحيحه] (1) روى البخاري ~~ثلاثة منها (2) ليسوا ممن يتعمد الكذب، بل هم معروفون بالصدق حتى يقال: إن ~~حديثهم من أصح الحديث لكنهم جهلوا، وضلوا في بدعتهم، ولم تكن بدعتهم عن ~~زندقة، وإلحاد، بل عن جهل، وضلال في معرفة معاني الكتاب. # وأما الرافضة، فأصل بدعتهم عن زندقة، وإلحاد، وتعمد الكذب كثير فيهم (3) ~~، وهم يقرون بذلك حيث يقولون: ديننا التقية، وهو أن يقول أحدهم بلسانه خلاف ~~ما في قلبه، وهذا هو الكذب والنفاق، ويدعون مع هذا أنهم هم المؤمنون دون ~~غيرهم من أهل الملة، ويصفون السابقين الأولين بالردة، والنفاق، فهم في ذلك، ~~كما قيل: رمتني بدائها، وانسلت PageV01P068 # إذ ليس في المظهرين (1) للإسلام أقرب إلى النفاق والردة منهم، ولا يوجد ~~المرتدون، والمنافقون في طائفة أكثر مما يوجد فيهم، واعتبر ذلك بالغالية من ~~النصيرية، وغيرهم، وبالملاحدة الإسماعيلية، وأمثالهم. # وعمدتهم في الشرعيات ما نقل لهم عن بعض أهل البيت، وذلك النقل منه ما هو ~~صدق، ومنه ما هو كذب عمدا، أو خطأ، وليسوا أهل معرفة بصحيح المنقول وضعيفه ~~كأهل المعرفة بالحديث، ثم إذا صح [النقل] (2) عن بعض (3) هؤلاء، فإنهم بنوا ~~وجوب قبول قول الواحد من هؤلاء ms0024 على ثلاثة أصول: على أن الواحد من هؤلاء ~~معصوم مثل عصمة الرسول، وعلى أن ما يقوله أحدهم، فإنما يقول نقلا عن الرسول ~~- صلى الله عليه وسلم -، وأنهم قد علم منهم أنهم قالوا: مهما قلنا، فإنما ~~نقوله نقلا عن الرسول، ويدعون العصمة في أهل (4) النقل، والثالث (5) : أن ~~إجماع العترة حجة، ثم يدعون أن العترة هم الاثنا عشر، ويدعون أن ما نقل عن ~~أحدهم، فقد أجمعوا [كلهم] (6) عليه. # فهذه أصول الشرعيات عندهم، وهي أصول فاسدة، كما سنبين ذلك في موضعه لا ~~يعتمدون على القرآن، ولا على الحديث، ولا على إجماع إلا لكون المعصوم منهم، ~~ولا على القياس، وإن كان، واضحا جليا (7) . PageV01P069 ### | اعتماد متأخري الإمامية على المعتزلة في المعقولات # وأما عمدتهم في النظر، والعقليات، فقد اعتمد متأخروهم على كتب المعتزلة، ~~ووافقوهم في مسائل الصفات، والقدر، والمعتزلة في الجملة (1) أعقل، وأصدق، ~~وليس في المعتزلة من يطعن في خلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان [رضوان الله ~~تعالى عليهم أجمعين] (2) ، بل هم متفقون على تثبيت خلافة الثلاثة. # وأما التفضيل، فأئمتهم، وجمهورهم كانوا يفضلون أبا بكر، وعمر [رضي الله ~~عنهما] (3) ، وفي متأخريهم من توقف في التفصيل، وبعضهم فضل عليا، فصار ~~بينهم وبين الزيدية نسب واشج (4) من جهة المشاركة في التوحيد، والعدل، ~~والإمامة، والتفضيل، وكان قدماء المعتزلة، [وأئمتهم] (5) كعمرو بن عبيد (6) ~~، وواصل بن عطاء، (7) وغيرهم متوقفين. (8) في عدالة PageV01P070 # علي، فيقولون - أو من يقول منهم -: قد فسقت إحدى الطائفتين - إما علي، ~~وإما طلحة، والزبير - لا يعينها (1) ، فإن شهد هذا، وهذا لم تقبل شهادتهما ~~لفسق أحدهما لا يعينه (2) ، وإن شهد علي مع شخص آخر عدل، ففي قبول شهادة ~~علي بينهم نزاع. # وكان متكلمو الشيعة كهشام بن الحكم (3) ، وهشام بن الجواليقي (4) ، ويونس ~~بن عبد الرحمن القمي (5) ، وأمثالهم يزيدون في إثبات الصفات على مذهب أهل ~~السنة، فلا يقنعون بما يقوله أهل السنة، والجماعة من PageV01P071 # أن (1) القرآن غير مخلوق، وأن الله يرى في الآخرة، وغير ذلك من مقالات ~~أهل السنة، [والحديث] (2) حتى يبتدعون في الغلو في الإثبات، والتجسيم، ~~والتبعيض (3) ، والتمثيل ما هو معروف من ms0025 مقالاتهم [التي ذكرها الناس] (4) . # ولكن في أواخر المائة الثالثة دخل من دخل من الشيعة في أقوال المعتزلة ~~كابن النوبختي صاحب كتاب (الآراء والديانات.) (5) ، وأمثاله، وجاء بعد (6) ~~هؤلاء المفيد بن النعمان، وأتباعه. # ولهذا تجد (7) . المصنفين في المقالات - كالأشعري - لا يذكرون عن أحد من ~~الشيعة أنه. وافق المعتزلة في توحيدهم، وعدلهم إلا عن بعض متأخريهم، وإنما ~~يذكرون عن بعض (8) قدمائهم التجسيم، وإثبات القدر، وغيره، وأول من عرف عنه ~~في الإسلام أنه قال (9) : إن الله جسم، PageV01P072 # [هو] (1) هشام بن الحكم (* بل قال: الجاحظ في كتابه " الحجج في النبوة " ~~(2) ليس على ظهرها رافضي إلا وهو يزعم أن ربه مثله، وأن البدوات تعرض له، ~~وأنه لا يعلم الشيء قبل كونه إلا بعلم يخلقه لنفسه *) (3) ، وقد كان (4) ~~ابن الراوندي، وأمثاله من المعروفين بالزندقة، [والإلحاد] (5) صنفوا (6) ~~لهم كتبا أيضا على أصولهم. ### | فصل مقدمة كتاب ابن المطهر ### | الإمامة هي أهم المطالب في أحكام الدين وأشرف مسائل المسلمين # (فصل) # قال. المصنف [الرافضي] (7) : # أما بعد (8) ، فهذه رسالة شريفة، ومقالة لطيفة، اشتملت على. PageV01P073 # أهم المطالب في أحكام الدين، وأشرف مسائل المسلمين، وهي مسألة الإمامة ~~التي يحصل بسبب إدراكها نيل درجة الكرامة، وهي أحد أركان الإيمان المستحق ~~بسببه الخلود في الجنان، والتخلص من غضب الرحمن، [فقد قال] رسول الله. (1) ~~- صلى الله عليه وسلم -: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» . # خدمت بها خزانة السلطان الأعظم مالك رقاب الأمم ملك ملوك طوائف العرب، ~~والعجم مولى النعم، ومسدي (2) الخير، والكرم شاهنشاه المكرم (3) ، غياث ~~الملة والحق. والدين الجايتو خدابنده (4) قد لخصت فيه خلاصة الدلائل، وأشرت ~~إلى رءوس المسائل (5) ، وسميتها (منهاج الكرامة في معرفة الإمامة.) (6) . # ورتبتها على فصول: الفصل الأول: في نقل المذاهب في هذه المسألة.) . # ثم ذكر الفصل الثاني: (في أن مذهب الإمامية. واجب. PageV01P074 # الاتباع.) ، ثم ذكر الفصل الثالث: (في الأدلة على إمامة علي [رضي الله ~~عنه] (1) بعد رسول الله. [- صلى الله عليه وسلم -] (2) .) ، ثم ذكر الفصل ~~الرابع: (في الاثني عشر.) ، ثم ذكر الفصل الخامس: (في إبطال خلافة أبي بكر، ~~وعمر، وعثمان.) . ### | إبطال ms0026 كلام ابن المطهر من وجوه ### | [الوجه الأول الإيمان بالله ورسوله أهم من مسألة الإمامة] # فيقال: الكلام على هذا من وجوه: # أحدها: أن يقال. أولا: إن قول القائل: (إن مسألة الإمامة أهم المطالب في ~~أحكام الدين، وأشرف مسائل المسلمين.) كذب (3) بإجماع المسلمين سنيهم، ~~وشيعيهم، بل هذا (4) كفر. # فإن الإيمان بالله، ورسوله أهم من مسألة الإمامة، وهذا معلوم بالاضطرار ~~من دين الإسلام، فالكافر لا يصير مؤمنا (5) حتى يشهد أن لا إله إلا الله، ~~وأن محمدا رسول الله (6) ، وهذا هو الذي قاتل عليه الرسول - صلى الله عليه ~~وسلم - الكفار أولا (7) ، كما استفاض عنه في الصحاح، وغيرها أنه قال: ( ~~«أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله.) ، ~~وفي رواية (8) : ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، فقد عصموا ~~مني PageV01P075 # دماءهم، وأموالهم إلا بحقها» .) (1) . # وقد قال تعالى: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ~~وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا ~~الزكاة فخلوا سبيلهم} [سورة التوبة: 5] ، (2 فأمر بتخلية سبيلهم إذا تابوا ~~من الشرك، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة 2) (2) (3 [وكذلك قال. لعلي لما ~~بعثه إلى خيبر] 3) (3) . # وكذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسير في الكفار، فيحقن دماءهم ~~بالتوبة من الكفر لا يذكر لهم الإمامة بحال، وقد قال تعالى بعد هذا: {فإن ~~تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين} [سورة التوبة: 11] ، ~~فجعلهم إخوانا في الدين بالتوبة (4 وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، ولم يذكر ~~الإمامة بحال. # ومن المتواتر 4) (4) أن (5) الكفار على عهد رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - كانوا إذا أسلموا أجرى عليهم أحكام الإسلام، ولم يذكر لهم الإمامة ~~PageV01P076 # بحال (1) ، ولا نقل هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (2) أحد من ~~أهل العلم لا نقلا خاصا (3) ، ولا عاما، بل نحن نعلم بالاضطرار عن رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يكن (4) يذكر للناس إذا أرادوا الدخول ~~في دينه الإمامة لا مطلقا، ولا معينا، فكيف تكون أهم المطالب في أحكام ~~الدين؟ . # ومما يبين ذلك أن الإمامة ms0027 - بتقدير الاحتياج إلى معرفتها - لا يحتاج ~~إليها من مات على عهد النبي. (5) - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة، ولا ~~يحتاج إلى التزام حكمها من عاش منهم إلى (6) بعد موت النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -، فكيف يكون أشرف مسائل المسلمين، وأهم المطالب في الدين لا يحتاج ~~إليه أحد على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ أوليس الذين آمنوا بالنبي. ~~[- صلى الله عليه وسلم -] (7) في حياته، واتبعوه باطنا، وظاهرا، ولم ~~يرتدوا، ولم يبدلوا هم أفضل الخلق باتفاق المسلمين: أهل السنة، والشيعة؟ ~~فكيف يكون أفضل المسلمين لا يحتاج إلى أهم المطالب في الدين، وأشرف مسائل ~~المسلمين؟ . ### | قول الرافضة إن الإمامة هي الأهم والرد على ذلك # فإن قيل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان هو الإمام في حياته، وإنما ~~يحتاج إلى الإمام بعد مماته، فلم تكن هذه المسألة أهم مسائل الدين ~~PageV01P077 # في حياته، وإنما صارت (1) أهم مسائل الدين بعد موته. # قيل: الجواب عن هذا من. وجوه: # أحدها: أنه بتقدير صحة ذلك لا يجوز أن يقال: إنها أهم مسائل الدين مطلقا، ~~بل في وقت دون وقت، وهي في خير الأوقات ليست أهم المطالب في أحكام الدين، ~~ولا أشرف مسائل المسلمين. # الثاني: أن يقال: الإيمان بالله، ورسوله في كل زمان، ومكان أعظم من مسألة ~~الإمامة، فلم تكن في. وقت من الأوقات لا الأهم، ولا الأشرف. # الثالث: أن يقال: قد كان يجب بيانها من النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~لأمته الباقين [من] (2) بعده، كما بين لهم أمور الصلاة، والزكاة، والصيام، ~~والحج، [وعين] أمر (3) الإيمان بالله (4) ، وتوحيده، واليوم الآخر، ومن ~~المعلوم أنه ليس بيان مسألة الإمامة في الكتاب والسنة كبيان (5) هذه ~~الأصول. # فإن قيل: بل الإمامة في كل زمان هي الأهم، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ~~كان نبيا إماما، وهذا كان معلوما لمن آمن به أنه [كان] (6) إمام ذلك ~~الزمان. # قيل: الاعتذار بهذا باطل من. وجوه: PageV01P078 # أحدها: أن قول القائل: الإمامة أهم المطالب في أحكام الدين: إما أن يريد ~~به إمامة الاثني عشر، أو إمام كل زمان ms0028 بعينه في زمانه بحيث يكون الأهم في ~~زماننا الإيمان بإمامة محمد المنتظر، والأهم في زمان الخلفاء الأربعة ~~الإيمان بإمامة علي عندهم، والأهم في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~الإيمان بإمامته، وإما أن يراد (1) به الإيمان بأحكام الإمامة مطلقا غير ~~معين، وإما أن يراد (2) به معنى رابعا. # أما الأول: فقد علم بالاضطرار أن هذا لم يكن معلوما شائعا بين الصحابة، ~~ولا التابعين، بل الشيعة تقول: إن كل واحد إنما يعين بنص من قبله، فبطل أن ~~يكون هذا أهم أمور الدين. # وأما الثاني: فعلى هذا التقدير يكون أهم المطالب في كل زمان الإيمان ~~بإمام ذلك الزمان، ويكون الإيمان من سنة ستين ومائتين (3) إلى هذا التاريخ ~~إنما هو الإيمان بإمامة محمد بن الحسن، ويكون هذا أعظم من الإيمان بأنه لا ~~إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ومن الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ~~ورسله، والبعث بعد الموت، ومن الإيمان بالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج ~~(4) ، وسائر الواجبات، وهذا مع أنه معلوم فساده بالاضطرار من دين ~~PageV01P079 # المسلمين (1) ، فليس هو مذهب (2) الإمامية، فإن اهتمامهم بعلي، وإمامته ~~أعظم من اهتمامهم بإمامة المنتظر، كما ذكره (3) هذا المصنف، وأمثاله من ~~شيوخ الشيعة. # وأيضا: فإن كان هذا هو أهم المطالب في الدين، فالإمامية أخسر الناس صفقة ~~في الدين؛ لأنهم جعلوا الإمام المعصوم هو الإمام المعدوم الذي لم ينفعهم في ~~دين، ولا دنيا، فلم يستفيدوا من أهم الأمور الدينية شيئا من منافع الدين، ~~ولا الدنيا. # فإن قالوا: إن المراد [أن] (4) الإيمان بحكم الإمامة مطلقا هو أهم أمور ~~الدين كان هذا أيضا باطلا للعلم الضروري أن غيرها من أمور الدين أهم منها. # وإن أريد معنى رابع، فلا بد من بيانه لنتكلم (5) عليه. # الوجه الثاني: أن يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تجب طاعته ~~على الناس لكونه إماما، بل لكونه رسول الله إلى الناس، وهذا المعنى ثابت له ~~حيا، وميتا، فوجوب طاعته على من بعده (6) كوجوب طاعته على أهل زمانه، وأهل ~~زمانه فيهم الشاهد الذي يسمع أمره، ونهيه، وفيهم الغائب الذي بلغه ms0029 الشاهد ~~أمره، ونهيه، فكما يجب على الغائب عنه في حياته طاعة PageV01P080 # أمره ونهيه، يجب ذلك على من يكون بعد موته. # وهو - صلى الله عليه وسلم - أمره شامل عام لكل مؤمن شهده، أو غاب عنه في ~~حياته، وبعد موته، وليس هذا (1) لأحد من الأئمة، ولا يستفاد هذا بالإمامة ~~حتى أنه - صلى الله عليه وسلم - إذا أمر ناسا معينين بأمور، وحكم في أعيان ~~معينة بأحكام لم يكن حكمه، وأمره مختصا بتلك المعينات، بل كان ثابتا في ~~نظائرها وأمثالها إلى يوم القيامة، فقوله -[صلى الله عليه وسلم -] (2) لمن ~~شهده: ( «لا تسبقوني بالركوع، ولا بالسجود» (3) .) هو حكم ثابت لكل مأموم ~~بإمام أن لا يسبقه بالركوع، ولا بالسجود، وقوله لمن قال: «لم أشعر، فحلقت ~~قبل أن أرمي قال: (ارم ولا حرج.) » ، ولمن قال: «نحرت قبل أن أحلق. قال: ~~(احلق ولا حرج.) » أمر لمن كان مثله (4) ، وكذلك قوله لعائشة [رضي الله ~~عنها] (5) لما حاضت، وهي معتمرة: ( «اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا ~~PageV01P081 # تطوفي بالبيت» (1) ] ، وأمثال هذا كثير بخلاف الإمام إذا أطيع (2) . # وخلفاؤه بعده في تنفيذ أمره، ونهيه كخلفائه في حياته، فكل آمر بأمر يجب ~~طاعته [فيه] (3) إنما هو منفذ لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن ~~الله أرسله إلى الناس، وفرض عليهم طاعته لا لأجل كونه إماما له شوكة، ~~وأعوان، أو لأجل أن غيره عهد إليه بالإمامة، [أو غير ذلك] (4) ، فطاعته لا ~~تقف على ما تقف عليه طاعة الأئمة من عهد من قبله، أو موافقة ذوي الشوكة (5) ~~، أو غير ذلك، بل تجب طاعته. [- صلى الله عليه وسلم -] (6) ، وإن لم يكن ~~معه أحد، وإن كذبه جميع الناس. # وكانت طاعته واجبة بمكة قبل أن يصير له أنصار، وأعوان (7) يقاتلون معه، ~~فهو (8) كما قال. سبحانه [فيه] (9) : {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله ~~الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر ~~الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين} [سورة آل عمران: 144] (10) بين ~~PageV01P082 # سبحانه وتعالى أنه ليس بموته، ولا قتله ينتقض حكم رسالته ms0030، كما ينتقض حكم ~~الإمامة بموت الأئمة وقتلهم، وأنه ليس من شرطه أن يكون خالدا لا يموت، فإنه ~~ليس هو ربا، وإنما هو رسول الله قد خلت من قبله الرسل، وقد بلغ الرسالة، ~~وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد الله حتى أتاه ~~اليقين من ربه، فطاعته واجبة بعد مماته. وجوبها في حياته وأوكد؛ لأن الدين ~~كمل، واستقر بموته، فلم يبق فيه نسخ، ولهذا جمع القرآن بعد موته لكماله، ~~واستقراره بموته. # فإذا قال. القائل: إنه كان إماما في حياته، وبعده صار الإمام غيره إن ~~أراد بذلك أنه صار بعده من هو نظيره يطاع، كما يطاع الرسول، فهذا باطل. # وإن أراد أنه قام من يخلفه في تنفيذ أمره، ونهيه، فهذا كان حاصلا في ~~حياته، فإنه إذا غاب كان هناك من يخلفه. # وإن قيل: إنه بعد موته لا يباشر معينا بالأمر بخلاف حياته. # قيل: مباشرته بالأمر ليست شرطا في. وجوب طاعته، بل تجب طاعته على من بلغه ~~أمره، [ونهيه] (1) ، كما تجب طاعته على من سمع كلامه، وقد كان يقول: ( ~~«ليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع» .) (2) . # وإن قيل: إنه في حياته كان يقضي في قضايا معينة مثل إعطاء شخص بعينه، ~~وإقامة الحد على شخص بعينه (3) ، وتنفيذ جيش بعينه. PageV01P083 # قيل: نعم وطاعته واجبة في نظير ذلك إلى يوم القيامة بخلاف الأئمة لكن قد ~~يخفى الاستدلال [على نظير ذلك] (1) ، كما يخفى العلم على من غاب عنه، ~~فالشاهد أعلم بما قال. وأفهم له من الغائب، وإن كان، فيمن غاب، وبلغ أمره ~~من هو أوعى له من بعض السامعين لكن هذا لتفاضل الناس في معرفة أمره، ونهيه ~~لا [لتفاضلهم.] (2) في وجوب طاعته عليهم، فما تجب طاعة ولي الأمر (3) بعده ~~إلا كما تجب طاعة ولاة الأمور في حياته، فطاعته. واجبة (4) شاملة لجميع ~~العباد شمولا واحدا، وإن تنوعت طرقهم في البلاغ، والسماع، والفهم، فهؤلاء ~~يبلغهم من أمره لم يبلغ هؤلاء، وهؤلاء يسمعون من أمره ما لم يسمعه هؤلاء، ~~وهؤلاء يفهمون من أمره ما لم يفهمه ms0031 هؤلاء. # وكل من أمر بما أمر به الرسول وجبت طاعته طاعة الله، ورسوله لا له، وإذا ~~كان للناس ولي أمر قادر ذو شوكة (5) ، فيأمر بما يأمر (6) ، ويحكم بما يحكم ~~انتظم الأمر بذلك، ولم يجز أن يولى غيره، ولا يمكن بعده أن يكون شخص واحد ~~مثله إنما يوجد من هو أقرب إليه من غيره، فأحق الناس بخلافة نبوته أقربهم ~~إلى الأمر بما يأمر به، والنهي عما نهى عنه، ولا يطاع أمره طاعة ظاهرة ~~غالبة إلا بقدرة، وسلطان يوجب الطاعة، كما لم يطع أمره PageV01P084 # في حياته طاعة [ظاهرة] (1) غالبة حتى صار معه من يقاتل على طاعة أمره. # فالدين كله طاعة لله، ورسوله، وطاعة الله، ورسوله هي الدين كله، فمن يطع ~~الرسول، فقد أطاع الله، ودين المسلمين بعد موته طاعة الله ورسوله، وطاعتهم ~~لولي الأمر فيما أمروا بطاعته فيه هو طاعة لله ورسوله، وأمر ولي الأمر الذي ~~أمره الله أن يأمرهم به، وقسمه وحكمه هو طاعة لله، ورسوله، فأعمال الأئمة، ~~والأمة في حياته، ومماته التي يحبها الله، ويرضاها كلها طاعة لله، ورسوله، ~~ولهذا كان أصل الدين شهادة أن لا إله إلا الله، وأن (2) محمدا رسول الله. # فإذا قيل: هو كان إماما، وأريد بذلك إمامة خارجة عن الرسالة، أو إمامة ~~يشترط فيها ما لا يشترط في الرسالة، أو إمامة (3) تعتبر فيها طاعته بدون ~~طاعة (4) (* الرسول، فهذا كله باطل، فإن (5) كل ما يطاع به داخل في رسالته، ~~وهو في كل ما يطاع فيه يطاع بأنه رسول الله، ولو قدر أنه كان إماما مجردا ~~لم يطع حتى تكون طاعته *) (6) داخلة في طاعة رسول آخر، فالطاعة إنما تجب ~~لله، ورسوله، ولمن أمرت الرسل بطاعتهم. # فإن قيل: أطيع بإمامته طاعة داخلة في رسالته كان هذا عديم التأثير، فإن ~~مجرد رسالته كافية في وجوب طاعته بخلاف الإمام، فإنه إنما يصير PageV01P085 # إماما بأعوان ينفذون أمره، وإلا كان كآحاد أهل العلم والدين إن كان من ~~أهل العلم والدين (1) . # فإن قيل: إنه - صلى الله عليه وسلم - لما صار له شوكة بالمدينة صار ms0032 له مع ~~الرسالة إمامة القدرة (2) . # قيل: بل صار رسولا له أعيان، وأنصار ينفذون أمره، ويجاهدون من خالفه، وهو ~~ما دام في الأرض من يؤمن بالله ورسوله، ويجاهد في سبيله (3) له أعوان، ~~وأنصار (4) ينفذون أمره، ويجاهدون من خالفه، فلم يستفد بالأعوان ما يحتاج ~~أن يضمه إلى الرسالة مثل كونه إماما، أو حاكما، أو. ولي أمر إذ كان هذا كله ~~داخلا في رسالته، ولكن بالأعوان حصل له كمال قدره أوجبت عليه من الأمر، ~~والجهاد ما لم يكن واجبا بدون القدرة، والأحكام تختلف باختلاف حال القدرة، ~~والعجز، والعلم، وعدمه، كما تختلف باختلاف الغنى، والفقر (5) ، والصحة، ~~والمرض، والمؤمن مطيع لله في ذلك كله، وهو مطيع لرسول الله في ذلك كله، ~~ومحمد رسول الله فيما أمر به، ونهى عنه [مطيع لله.] (6) في ذلك كله. # وإن قالت الإمامية: الإمامة واجبة بالعقل بخلاف الرسالة، فهي أهم من هذا ~~الوجه. PageV01P086 # قيل: الوجوب العقلي فيه نزاع كما سيأتي، وعلى القول بالوجوب العقلي، فما ~~يجب من الإمامة جزء من أجزاء الواجبات العقلية، وغير الإمامة أوجب من ذلك ~~كالتوحيد، والصدق، والعدل، وغير ذلك من الواجبات العقلية. # وأيضا: فلا ريب أن الرسالة يحصل بها هذا الواجب، فمقصودها جزء من مقصود ~~(1) الرسالة، فالإيمان بالرسول يحصل به مقصود الإمامة في حياته، وبعد مماته ~~بخلاف الإمامة. # وأيضا: فمن ثبت عنده أن محمدا رسول الله، وأن طاعته. واجبة عليه، واجتهد ~~في طاعته حسب الإمكان إن قيل: إنه يدخل الجنة، فقد استغنى عن مسألة ~~الإمامة. # وإن قيل: لا يدخل الجنة كان هذا خلاف نصوص القرآن، فإنه سبحانه أوجب ~~الجنة لمن أطاع الله، ورسوله في غير موضع كقوله [تعالى] (2) : {ومن يطع ~~الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين ~~والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} [سورة النساء: 69] ، وقوله: {ومن يطع ~~الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز ~~العظيم} [سورة النساء: 13] . ### | الكلام على الإمام المنتظر عند الرافضة # وأيضا: فصاحب الزمان الذي (3) يدعون إليه لا سبيل للناس إلى معرفته، ولا ~~معرفة ما يأمرهم ms0033 به، وما ينهاهم عنه، وما يخبرهم به، فإن. PageV01P087 # كان أحد لا يصير سعيدا إلا بطاعة هذا الذي لا يعرف أمره، ولا نهيه لزم ~~أنه (1) . لا يتمكن أحد من طريق النجاة، والسعادة، وطاعة الله، وهذا من ~~أعظم تكليف ما لا يطاق، وهم (2) من أعظم الناس إحالة له. # وإن (3) قيل: بل هو يأمر بما عليه الإمامية. # قيل: فلا حاجة إلى وجوده، ولا شهوده، فإن هذا معروف سواء كان هو حيا، أو ~~ميتا، وسواء كان شاهدا، أو غائبا، وإذا كان معرفة ما أمر الله به الخلق ~~ممكنا بدون هذا الإمام المنتظر علم أنه لا حاجة إليه، ولا يتوقف عليه طاعة ~~الله ورسوله (4) ، ولا نجاة أحد، ولا سعادته، وحينئذ فيمتنع القول بجواز ~~إمامة مثل هذا، فضلا عن القول بوجوب إمامة مثل هذا، وهذا أمر بين لمن تدبره ~~لكن الرافضة من أجهل الناس. # وذلك أن فعل الواجبات العقلية الشرعية، وترك المستقبحات العقلية، ~~والشرعية إما أن يكون موقوفا على معرفة ما يأمر به، وينهى عنه هذا المنتظر، ~~وإما أن لا يكون موقوفا، فإذا كان موقوفا لزم تكليف ما لا يطاق، وأن يكون ~~فعل الواجبات، وترك المحرمات موقوفا على شرط لا يقدر عليه عامة الناس، بل ~~ولا أحد منهم، فإنه ليس في الأرض من يدعي دعوى صادقة أنه رأى هذا المنتظر، ~~أو سمع كلامه، وإن لم يكن موقوفا على ذلك أمكن فعل الواجبات العقلية ~~والشرعية، وترك القبائح العقلية والشرعية بدون هذا المنتظر، فلا يحتاج ~~إليه، ولا يجب وجوده، ولا شهوده. PageV01P088 # وهؤلاء الرافضة علقوا نجاة الخلق، وسعادتهم، وطاعتهم لله ورسوله بشرط ~~ممتنع لا يقدر عليه الناس، بل (1) ولا يقدر عليه أحد منهم، وقالوا للناس: ~~لا يكون أحد ناجيا من عذاب الله بذلك، ولا يكون سعيدا إلا بذلك، ولا يكون ~~أحد مؤمنا إلا بذلك. # فلزم أحد أمرين: إما بطلان قولهم، وإما أن يكون الله قد آيس عباده من ~~رحمته، وأوجب عذابه لجميع الخلق المسلمين، وغيرهم، وعلى هذا التقدير، فهم ~~أول الأشقياء المعذبين، فإنه ليس لأحد منهم طريق إلى معرفة ms0034 أمر هذا الإمام ~~الذي يعتقدون أنه موجود غائب، ولا نهيه، ولا خبره، بل عندهم من الأقوال ~~المنقولة عن شيوخ الرافضة ما يذكرون أنه منقول عن الأئمة [المتقدمين على ~~هذا المنتظر] (2) ، وهم لا ينقلون شيئا عن المنتظر، وإن قدر أن بعضهم نقل ~~عنه شيئا علم أنه كاذب، وحينئذ فتلك الأقوال إن كانت كافية، فلا حاجة إلى ~~المنتظر، وإن لم تكن كافية، فقد أقروا بشقائهم، وعذابهم حيث كانت سعادتهم ~~موقوفة على آمر لا يعلمون بماذا أمر. # وقد رأيت طائفة من شيوخ الرافضة كابن العود الحلي (3) يقول: إذا اختلفت ~~الإمامية على قولين أحدهما يعرف قائله، والآخر لا يعرف قائله، كان القول ~~الذي لا يعرف قائله هو القول الحق الذي يجب اتباعه؛ لأن المنتظر المعصوم في ~~تلك الطائفة. PageV01P089 # وهذا غاية الجهل، والضلال، فإنه بتقدير وجود المنتظر المعصوم لا يعلم أنه ~~قال ذلك القول إذ لم ينقله عنه أحد (1) ، ولا عمن نقله عنه، فمن أين يجزم ~~بأنه قوله؟ ولم لا يجوز أن يكون القول الآخر هو قوله، وهو لغيبته، وخوفه من ~~الظالمين لا يمكنه إظهار قوله، كما يدعون ذلك فيه؟ . # فكان أصل دين هؤلاء الرافضة مبنيا على مجهول، ومعدوم لا على موجود، ولا ~~معلوم يظنون أن إمامهم موجود معصوم، وهو مفقود معدوم، ولو كان موجودا ~~معصوما، فهم معترفون بأنهم لا يقدرون أن يعرفوا أمره ونهيه، كما [كانوا] ~~(2) يعرفون أمر آبائه، ونهيهم. # والمقصود بالإمام إنما هو طاعة أمره، فإذا كان العلم بأمره ممتنعا كانت ~~طاعته ممتنعة، فكان المقصود [به] (3) ممتنعا، فكان المقصود به ممتنعا، وإذا ~~كان المقصود [به] (4) ممتنعا لم يكن. [في] (5) إثبات الوسيلة فائدة أصلا، ~~بل كان إثبات الوسيلة التي لا يحصل بها مقصودها من باب السفه، والعبث، ~~والعذاب القبيح باتفاق أهل الشرع، [وباتفاق] (6) العقلاء القائلين بتحسين ~~العقول، وتقبيحها (7) ، بل باتفاق العقلاء مطلقا، فإنهم إذا فسروا القبح ~~(8) بما يضر كانوا متفقين على أن معرفة الضار يعلم بالعقل، والإيمان بهذا ~~الإمام الذي PageV01P090 # ليس فيه منفعة، بل مضرة في العقل، والنفس، والبدن، والمال، وغير ذلك قبيح ~~شرعا ms0035، وعقلا (1) . # ولهذا كان المتبعون له من أبعد الناس عن مصلحة الدين والدنيا، لا تنتظم ~~لهم مصلحة دينهم، ولا دنياهم إن (2) لم يدخلوا في طاعة غيرهم، كاليهود ~~الذين لا تنتظم لهم مصلحة إلا بالدخول في طاعة من هو خارج عن دينهم، فهم ~~يوجبون وجود الإمام المنتظر المعصوم؛ لأن مصلحة الدين والدنيا لا تحصل إلا ~~به عندهم، وهم لم يحصل لهم بعد المنتظر مصلحة في الدين ولا في الدنيا، ~~والذين كذبوا به لم تفتهم مصلحة في الدين ولا في الدنيا، بل كانوا أقوم ~~بمصالح الدين والدنيا من أتباعه. # فعلم بذلك أن قولهم في الإمامة لا ينال به إلا ما يورث الخزي، والندامة، ~~وأنه ليس فيه شيء من الكرامة، وأن ذلك إذا كان أعظم مطالب الدين، فهم أبعد ~~الناس عن الحق، والهدى في أعظم مطالب الدين، وإن لم يكن أعظم مطالب الدين ~~ظهر بطلان ما ادعوه من ذلك، فثبت بطلان قولهم على التقديرين، وهو المطلوب. ### | إيمان الرافضة بالمنتظر ليس مثل إيمان الصوفية برجال الغيب # فإن قال هؤلاء الرافضة: إيماننا بهذا المنتظر المعصوم مثل إيمان كثير من ~~شيوخ الزهد والدين بإلياس، والخضر، والغوث، والقطب (3) ، [ورجال ~~PageV01P091 # الغيب] (1) ، ونحو ذلك من الأشخاص الذين لا يعرف (2) وجودهم، ولا بماذا ~~يأمرون، ولا عماذا ينهون (3) فكيف يسوغ لمن يوافق هؤلاء أن ينكر علينا ما ~~ندعيه؟ . # قيل: الجواب من وجوه: # أحدها: أن الإيمان بوجود هؤلاء ليس واجبا عند أحد من علماء المسلمين، ~~وطوائفهم المعروفين، وإذا كان بعض الغلاة يوجب على أصحابه الإيمان بوجود ~~هؤلاء، ويقول: إنه لا يكون مؤمنا وليا لله إلا من يؤمن بوجود هؤلاء في هذه ~~الأزمان كان قوله مردودا كقول الرافضة (* فإن من قال من هؤلاء الغلاة: إنه ~~لا يكون وليا لله إن لم يعتقد (4) الخضر، ونحو ذلك كان قوله مردودا كقول ~~الرافضة *) (5) . # الوجه الثاني: أن يقال: من الناس من يظن أن التصديق بهؤلاء يزداد به ~~PageV01P092 # الرجل (1) إيمانا وخيرا، وموالاة لله، وأن المصدق بوجود هؤلاء أكمل ~~[وأشرف] (2) ، وأفضل عند الله ممن لم يصدق بوجود هؤلاء، وهذا القول ms0036 ليس مثل ~~قول الرافضة من كل وجه، بل هو مشابه له من بعض الوجوه لكونهم جعلوا كمال ~~الدين موقوفا على ذلك. # وحينئذ فيقال: هذا القول أيضا باطل باتفاق علماء المسلمين، وأئمتهم، فإن ~~العلم بالواجبات، والمستحبات، وفعل الواجبات، والمستحبات كلها ليس موقوفا ~~على التصديق بوجود أحد من (3) هؤلاء، ومن ظن من أهل النسك، والزهد، والعامة ~~أن شيئا من الدين - واجبه، أو مستحبه - موقوفا (4) على التصديق بوجود ~~هؤلاء، فهو (5) جاهل ضال باتفاق أهل العلم، والإيمان العالمين بالكتاب ~~والسنة، إذ قد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- لم يشرع لأمته التصديق بوجود هؤلاء، ولا أصحابه كانوا يجعلون ذلك من ~~الدين، [ولا أئمة المسلمين. # وأيضا، فجميع هذه الألفاظ لفظ الغوث، والقطب، والأوتاد، والنجباء (6) ، ~~وغيرها لم ينقل أحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد معروف أنه ~~PageV01P093 # تكلم بشيء منها، ولا أصحابه، ولكن لفظ الأبدال (1) تكلم به بعض السلف، ~~ويروى فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث ضعيف، وقد PageV01P094 # بسطنا الكلام على ذلك في غير هذا الموضع] (1) . # الوجه الثالث: أن يقال: القائلون بهذه الأمور منهم من ينسب إلى أحد هؤلاء ~~ما لا تجوز نسبته إلى [أحد من] البشر (2) مثل دعوى بعضهم أن الغوث، أو ~~القطب هو الذي يمد أهل الأرض في هداهم، ونصرهم، ورزقهم، فإن هذا لا يصل إلى ~~أحد من أهل الأرض (3) إلا بواسطة نزوله على ذلك الشخص، وهذا باطل بإجماع ~~المسلمين، وهو من جنس قول النصارى في الباب. # وكذلك ما يدعيه بعضهم من أن الواحد من هؤلاء قد (4) يعلم كل ولي لله كان، ~~ويكون، واسمه (5) ، واسم أبيه، ومنزلته من الله، ونحو ذلك من PageV01P095 # المقالات الباطلة التي تتضمن أن الواحد من البشر يشارك الله في بعض ~~خصائصه مثل أنه بكل شيء عليم، أو على كل شيء قدير، ونحو ذلك، كما يقول ~~بعضهم في النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي شيوخه: إن علم أحدهم ينطبق على ~~علم الله، وقدرته منطبقة على قدرة الله، فيعلم ما يعلمه الله، ويقدر على ms0037 ما ~~يقدر الله عليه (1) . # فهذه المقالات، وما يشبهها من جنس قول النصارى، والغالية في علي، وهي ~~باطلة بإجماع علماء (2) المسلمين، ومنهم من ينسب إلى الواحد من هؤلاء ما ~~تجوز نسبته إلى الأنبياء، وصالحي المؤمنين من الكرامات كدعوة مجابة، ~~ومكاشفة (3) من مكاشفات الصالحين، ونحو ذلك. # فهذا القدر يقع كثيرا من الأشخاص الموجودين [المعاينين] (4) ، ومن نسب ~~ذلك إلى من لا يعرف وجوده، فهؤلاء وإن كانوا مخطئين في نسبة ذلك إلى شخص ~~معدوم، فخطؤهم كخطأ من اعتقد أن في البلد الفلاني رجالا من أولياء الله، ~~وليس فيه أحد، أو اعتقد في ناس معينين أنهم أولياء الله، ولم يكونوا كذلك، ~~ولا ريب أن هذا خطأ. وجهل، وضلال يقع فيه كثير من الناس لكن خطأ الإمامية، ~~وضلالهم (5) أقبح، وأعظم. # الوجه الرابع: أن يقال: الصواب الذي عليه محققو العلماء أن إلياس، ~~PageV01P096 # والخضر ماتا (1) ، وأنه ليس أحد من البشر واسطة بين الله وبين خلقه في ~~رزقه، وخلقه (2) ، وهداه، ونصره، وإنما الرسل وسائط في تبليغ رسالاته لا ~~سبيل لأحد إلى السعادة إلا بطاعة الرسل (3) ، وأما خلقه، ورزقه، وهداه، ~~ونصره (4) ، [فلا يقدر عليه إلا الله تعالى] (5) ، فهذا لا يتوقف [على حياة ~~الرسل، وبقائهم،. بل. ولا يتوقف نصر الخلق، ورزقهم على وجود الرسل أصلا] ~~(6) ، بل قد يخلق الله ذلك بما شاء من الأسباب بواسطة الملائكة، [أو غيرهم] ~~(7) ، وقد يكون لبعض البشر في ذلك من الأسباب ما هو معروف في البشر. # وأما كون ذلك لا يكون إلا بواسطة البشر (8) ، أو أن أحدا من البشر يتولى ~~ذلك كله، ونحو ذلك، فهذا كله باطل، وحينئذ فيقال: للرافضة إذا احتجوا بضلال ~~الضلال: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون} [سورة الزخرف: ~~39] . PageV01P097 # وأيضا: فمن المعلوم أن أشرف مسائل المسلمين، وأهم المطالب في الدين ينبغي ~~أن يكون ذكرها في كتاب الله أعظم من غيرها، وبيان الرسول لها أولى من بيان ~~غيرها، والقرآن مملوء بذكر توحيد الله، وذكر أسمائه. وصفاته، وآياته، ~~وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقصص، والأمر، والنهي، والحدود، ~~والفرائض بخلاف الإمامة، فكيف يكون ms0038 القرآن مملوءا بغير الأهم الأشرف؟ . # وأيضا: فإن الله تعالى قد علق السعادة بما لا ذكر فيه للإمامة، فقال: [ ~~{ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين ~~والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} [سورة النساء: 69] ، وقال] ~~(1) : {تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها ~~الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم - ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده ~~يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين} [سورة النساء: 13 - 14] ، فقد بين ~~الله في القرآن أن من أطاع الله ورسوله كان سعيدا في الآخرة، ومن عصى الله ~~ورسوله، وتعدى حدوده كان معذبا، فهذا (2) هو الفرق بين السعداء، والأشقياء، ~~ولم يذكر الإمامة. # فإن قال قائل: إن الإمامة داخلة في طاعة الله ورسوله. # قيل: غايتها (3) أن تكون كبعض الواجبات كالصلاة، والزكاة، والصيام، ~~PageV01P098 # والحج، وغير ذلك مما يدخل في طاعة الله ورسوله، فكيف تكون هي وحدها أشرف ~~مسائل المسلمين، وأهم مطالب الدين؟ . # فإن قيل: لا يمكننا طاعة (1) الرسول إلا بطاعة إمام (2) ، فإنه هو الذي ~~يعرف الشرع. # قيل: هذا [هو] (3) دعوى المذهب، ولا حجة فيه، ومعلوم أن القرآن لم يدل ~~على هذا، كما دل على سائر أصول الدين، [وقد تقدم أن هذا الإمام الذي يدعونه ~~لم ينتفع به أحد في ذلك، وسيأتي إن شاء الله تعالى أن ما جاء به الرسول لا ~~يحتاج في معرفته إلى أحد من الأئمة] (4) . ### | [الوجه الثاني الإمامية أنفسهم يجعلون الإمامة آخر المراتب في أصول الدين] # الوجه الثاني: # أن يقال: أصول الدين عن الإمامية أربعة: التوحيد، والعدل، والنبوة، ~~والإمامة، فالإمامة (5) هي آخر المراتب، والتوحيد، والعدل، والنبوة (6) قبل ~~ذلك، وهم يدخلون في التوحيد نفي الصفات، والقول بأن القرآن مخلوق، وأن الله ~~لا يرى في الآخرة، ويدخلون في العدل التكذيب بالقدر (7) ، وأن الله لا يقدر ~~أن يهدي من يشاء، ولا يقدر أن يضل من يشاء، وأنه قد يشاء ما لا يكون، ويكون ~~ما لا يشاء، وغير ذلك، فلا يقولون: إنه PageV01P099 # خالق (1) كل شيء، ولا إنه على كل شيء قدير، ولا ms0039 إنه ما شاء كان، وما لم ~~يشأ لم يكن لكن التوحيد، والعدل، والنبوة مقدم (2) على الإمامة، فكيف تكون ~~[الإمامة] (3) أشرف، وأهم؟ . # وأيضا: فإن الإمامة (4) إنما أوجبوها لكونها لطفا في الواجبات، فهي. ~~واجبة الوسائل، فكيف تكون الوسيلة أهم، وأشرف (5) من المقصود؟ . ### | [الوجه الثالث الإمامة عند الرافضة لا تحقق اللطف والمصلحة] # الوجه الثالث: # أن يقال: إن كانت الإمامة أهم مطالب الدين، وأشرف مسائل المسلمين، فأبعد ~~الناس عن هذا الأهم الأشرف هم الرافضة، فإنهم [قد] (6) قالوا في الإمامة ~~أسخف قول، وأفسده في العقل والدين، كما سنبينه إن شاء الله تعالى [إذا ~~تكلمنا عن حججهم] (7) ، ويكفيك أن مطلوبهم بالإمامة أن يكون لهم رئيس معصوم ~~يكون لطفا في مصالح دينهم، ودنياهم، وليس في الطوائف أبعد عن (8) مصلحة ~~اللطف، والإمامة منهم، فإنهم يحتالون على مجهول، ومعدوم لا يرى له عين، ولا ~~أثر، ولا يسمع له حس، ولا خبر، فلم يحصل لهم من الأمر المقصود بإمامته شيء. # وأي من فرض إماما نافعا في بعض مصالح الدين والدنيا كان خيرا ممن ~~PageV01P100 # لا ينتفع به في شيء من مصالح الإمامة، ولهذا تجدهم لما فاتهم مصلحة ~~الإمامة يدخلون في طاعة كافر، أو ظالم لينالوا به بعض مقاصدهم، فبينما هم ~~يدعون الناس إلى طاعة إمام معصوم أصبحوا يرجعون إلى طاعة ظلوم كفور، فهل ~~يكون أبعد عن مقصود الإمامة، وعن الخير والكرامة ممن سلك منهاج الندامة؟ . # وفي الجملة، فالله تعالى قد علق بولاة الأمور مصالح في الدين والدنيا، ~~سواء كانت الإمامة أهم الأمور، أو لم تكن، والرافضة أبعد الناس عن حصول هذه ~~المصلحة لهم، فقد فاتهم على قولهم الخير المطلوب من أهم مطالب الدين، وأشرف ~~مسائل المسلمين. # ولقد طلب [مني] (1) أكابر شيوخهم الفضلاء أن يخلو بي، وأتكلم معه في ذلك، ~~فخلوت به، وقررت له ما يقولونه في هذا الباب كقولهم إن الله أمر العباد، ~~ونهاهم (2 لينالوا به بعض مقاصدهم 2) (2) ، فيجب أن يفعل بهم اللطف الذي ~~يكونون عنده أقرب إلى فعل الواجب، وترك القبيح؛ لأن من دعا شخصا ليأكل ~~طعامه، فإذا كان مراده ms0040 الأكل فعل ما يعين على ذلك من الأسباب كتلقيه ~~بالبشر، وإجلاسه في مجلس يناسبه، وأمثال ذلك، وإن لم يكن مراده (3) أن يأكل ~~عبس في. وجهه، وأغلق الباب، ونحو ذلك. # وهذا أخذوه من المعتزلة ليس هو من أصول شيوخهم القدماء. # ثم قالوا: والإمام لطف؛ لأن الناس إذا كان لهم إمام يأمرهم بالواجب، ~~PageV01P101 # وينهاهم عن القبيح كانوا أقرب إلى فعل المأمور، وترك المحظور، فيجب أن ~~يكون لهم إمام، ولا بد أن يكون معصوما؛ لأنه إذا لم يكن معصوما لم يحصل به ~~المقصود، ولم تدع العصمة لأحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا لعلي، ~~فتعين أن يكون هو إياه للإجماع على انتفاء ما سواه، وبسطت له العبارة في ~~هذه المعاني. # ثم قالوا: وعلي نص على الحسن، والحسن على الحسين (1) إلى أن انتهت النوبة ~~إلى المنتظر محمد بن الحسن صاحب السرداب الغائب. # فاعترف بأن هذا تقرير مذهبهم على غاية الكمال. # قلت له: فأنا وأنت طالبان للعلم، والحق، والهدى، وهم يقولون: من لم يؤمن ~~بالمنتظر فهو كافر، فهذا المنتظر هل رأيته؟ . أو رأيت من رآه؟ أو سمعت له ~~بخبر؟ (2) أو تعرف شيئا من كلامه الذي قاله هو؟ أو ما أمر به، أو ما نهى ~~عنه مأخوذا عنه، كما يؤخذ عن (3) الأئمة؟ . # قال: لا. # قلت: فأي فائدة في إيماننا هذا؟ وأي لطف يحصل لنا بهذا، ثم كيف يجوز أن ~~يكلفنا الله بطاعة شخص، ونحن لا نعلم ما يأمر به، ولا ما ينهانا عنه، ولا ~~طريق لنا إلى معرفة ذلك بوجه من الوجوه؟ وهم من أشد الناس PageV01P102 # إنكارا لتكليف ما لا يطاق، فهل يكون في تكليف ما لا يطاق أبلغ من هذا؟ ! ~~. # فقال: إثبات هذا مبني على تلك المقدمات. # قلت: لكن المقصود لنا من تلك المقدمات هو ما يتعلق بنا نحن، وإلا فما ~~علينا ما مضى إذا لم يتعلق بنا منه أمر ولا نهي، وإذا كان كلامنا في تلك ~~المقدمات لا يحصل لنا فائدة ولا لطفا، ولا يفيدنا إلا تكليف (1) ما لا يقدر ~~عليه علم أن ms0041 الإيمان بهذا المنتظر من باب الجهل، والضلال لا من باب المصلحة ~~واللطف (2) . # والذي عنه الإمامية من النقل عن الأئمة الموتى: إن كان حقا يحصل به ~~سعادتهم، فلا حاجة (3) بهم إلى المنتظر، وإن كان (4) باطلا، فهم أيضا لم ~~ينتفعوا بالمنتظر في رد هذا الباطل، فلم ينتفعوا بالمنتظر [لا.] (5) في ~~إثبات حق، ولا في نفي باطل، ولا أمر بمعروف، ولا نهي عن منكر، ولم يحصل ~~لواحد منهم به شيء من المصلحة، واللطف المطلوب (6) من الإمامة. # والجهال الذين يعلقون أمورهم بالمجهولات كرجال الغيب، والقطب، ~~PageV01P103 # [والغوث] (1) ، والخضر، ونحو [ذلك مع جهلهم، وضلالهم] ، وكونهم (2) ~~يثبتون ما لم يحصل لهم به مصلحة، ولا لطف، ولا منفعة لا في الدين، ولا في ~~الدنيا أقل ضلالا من الرافضة. # فإن الخضر كان موجودا، وقد ذكره الله في القرآن، وفي قصته عبرة، وفوائد، ~~وقد يرى أحدهم شخصا صالحا يظنه الخضر، فينتفع به، وبرؤيته، وموعظته (3) ، ~~وإن كان غالطا في اعتقاده أنه الخضر، [فقد يرى أحدهم بعض الجن، فيظن أنه ~~الخضر، ولا يخاطبه الجني إلا بما يرى أنه يقبله منه ليربطه على ذلك، فيكون ~~الرجل أتى من نفسه لا من ذلك المخاطب له، ومنهم من يقول: لكل زمان خضر، ~~ومنهم من يقول: لكل ولي خضر، وللكفار كاليهود مواضع يقولون: إنهم يرون ~~الخضر فيها، وقد يرى الخضر على صور مختلفة، وعلى صورة هائلة، وأمثال ذلك، ~~وذلك. لأن هذا الذي يقول إنه الخضر هو جني، بل هو شيطان يظهر لمن يرى أنه ~~يضله، وفي ذلك حكايات كثيرة يضيق هذا الموضع عن ذكرها] (4) . # وعلى كل تقدير، فأصناف الشيعة أكثر ضلالا من هؤلاء، فإن منتظرهم (5) ليس ~~عنده نقل ثابت عنه، ولا يعتقدون فيمن يرونه أنه المنتظر، ولما دخل السرداب ~~كان عندهم صغيرا لم يبلغ سن التمييز، PageV01P104 # وهم يقبلون من الأكاذيب (1) أضعاف ما يقبله هؤلاء، (2 ويعرضون عن ~~الاقتداء بالكتاب والسنة أكثر من إعراض هؤلاء 2) (2) ، ويقدحون في خيار ~~المسلمين قدحا يعاديهم عليه هؤلاء، فهم أضل عن مصالح الإمامة من جميع طوائف ~~الأمة، فقد فاتهم على قولهم أهم الدين ms0042 وأشرفه. ### | [الوجه الرابع الكرامة لا تنال بمجرد معرفة الإمام] # الوجه الرابع: # أن يقال: قوله: (التي يحصل بسبب إدراكها نيل درجة الكرامة.) كلام باطل، ~~فإن مجرد معرفة الإنسان (3) إمام وقته، وإدراكه (4) بعينه لا يستحق به ~~الكرامة إن لم يوافق أمره، ونهيه (5) ، وإلا فليست معرفة إمام الوقت بأعظم ~~من معرفة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومن عرف أن محمدا رسول الله، فلم ~~يؤمن به، ولم يطع أمره لم (6) يحصل له شيء من الكرامة، ولو آمن بالنبي، ~~وعصاه، فضيع الفرائض، وتعدى الحدود (7) كان مستحقا للوعيد عند الإمامية، ~~وسائر طوائف المسلمين، فكيف بمن عرف الإمام، وهو مضيع للفرائض متعد للحدود. ~~PageV01P105 # وكثير من هؤلاء يقول: حب علي حسنة لا يضر معها سيئة (1) ، وإن (2) كانت ~~السيئات لا تضر مع حب علي، فلا حاجة إلى الإمام المعصوم الذي هو لطف في ~~التكليف، فإنه إذا لم يوجد إنما توجد سيئات ومعاص، فإن كان حب علي كافيا، ~~فسواء. وجد الإمام أو لم يوجد. ### | [الوجه الخامس الإمامة ليست من أركان الإيمان] # الوجه الخامس: # قوله: (وهي أحد أركان الإيمان المستحق بسببه الخلود في الجنان) . # فيقال. له: من جعل هذا من الإيمان إلا أهل الجهل، والبهتان؟ . وسنتكلم إن ~~شاء الله على ما ذكره من ذلك. # والله تعالى وصف المؤمنين، وأحوالهم، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد ~~فسر الإيمان، وذكر شعبه، ولم يذكر الله ولا رسوله الإمامة في أركان ~~الإيمان، ففي [الحديث] (3) الصحيح حديث جبريل لما أتى النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - في صورة أعرابي، وسأله عن الإسلام، والإيمان، والإحسان قال. ~~[له] (4) : ( «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ~~وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت.) قال: والإيمان أن ~~PageV01P106 # تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، [واليوم الآخر] (1) ، والبعث بعد ~~الموت، وتؤمن بالقدر خيره، وشره» .) ، ولم يذكر الإمامة قال: ( «والإحسان ~~أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك.» ) ، وهذا الحديث ~~متفق على صحته متلقى بالقبول أجمع أهل العلم بالنقل على صحته، وقد أخرجه ~~أصحاب الصحيح من ms0043 غير وجه، فهو متفق عليه (2) من حديث أبي هريرة، وفي ~~[أفراد] (3) مسلم من حديث عمر (4) . # وهؤلاء (5) وإن كانوا لا يقرون بصحة (6) هذه الأحاديث، فالمصنف [قد] (7) ~~احتج بأحاديث موضوعة كذب باتفاق أهل المعرفة، فإما أن نحتج بما يقوم الدليل ~~على صحته نحن وهم، أو لا نحتج بشيء من ذلك لا (8) نحن ولا هم، فإن تركوا ~~الرواية رأسا أمكن أن نترك الرواية، وأما إذا رووا هم، فلا بد من معارضة ~~الرواية [بالرواية] (9) ، والاعتماد على ما تقوم به PageV01P107 # الحجة، ونحن نبين الدلائل الدالة على كذب ما يعارضون به أهل السنة من ~~الروايات الباطلة، والدلائل الدالة على صحة ما نقله أهل العلم بالحديث، ~~وصححوه. # وهب أنا لا نحتج بالحديث، فقد قال الله تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ~~ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم ~~يتوكلون - الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون - أولئك هم المؤمنون ~~حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم} [سورة الأنفال: 2 - 4] (1) ، ~~فشهد لهؤلاء بالإيمان من غير ذكر للإمامة (2) . # وقال تعالى: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا ~~وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون} [سورة الحجرات: ~~15] ، فجعلهم صادقين في الإيمان من غير ذكر للإمامة. # وقال تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من ~~آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي ~~القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة ~~وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين ~~البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون} [سورة البقرة: 177] ، ولم يذكر ~~الإمامة. # وقال تعالى: {الم - ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين - الذين يؤمنون ~~بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون - والذين يؤمنون بما أنزل إليك ~~وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون - أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم ~~المفلحون} [سورة البقرة: 1 - 5] ، PageV01P108 # فجعلهم مهتدين مفلحين (1) ، ولم يذكر الإمامة. # وأيضا: فنحن نعلم بالاضطرار من دين محمد [بن عبد الله.] (2) - صلى الله ~~عليه وسلم ms0044 - كانوا إذا أسلموا لم يجعل إيمانهم موقوفا على معرفة الإمامة، ~~ولم يذكر لهم شيئا من ذلك، وما كان أحد أركان الإيمان لا بد أن يبينه ~~الرسول لأهل الإيمان ليحصل لهم [به] (3) الإيمان، فإذا علم بالاضطرار أن ~~هذا مما لم يكن الرسول يشترطه في الإيمان علم أن اشتراطه في الإيمان من ~~أقوال أهل البهتان. # فإن قيل: قد دخلت في عموم النصوص (4) ، أو هي من باب ما لا يتم الواجب ~~إلا به، أو دل (5) عليها نص آخر. # قيل: هذا كله لو صح لكان غايته أن تكون من بعض فروع الدين لا (6) تكون من ~~أركان الإيمان، فإن ركن الإيمان ما لا يحصل الإيمان إلا به كالشهادتين، فلا ~~يكون الرجل مؤمنا حتى يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فلو ~~كانت الإمامة ركنا في الإيمان لا يتم إيمان أحد إلا به لوجب أن يبين ذلك ~~الرسول بيانا عاما قاطعا للعذر، كما بين PageV01P109 # الشهادتين، والإيمان بالملائكة، والكتب، والرسل، واليوم الآخر، فكيف ونحن ~~نعلم بالاضطرار من دينه أن الناس الذين (1) دخلوا في دينه أفواجا لم يشترط ~~على أحد منهم في الإيمان الإيمان بالإمامة لا مطلقا، ولا معينا؟ . ### | [الوجه السادس الحديث الذي يستشهد به ابن المطهر لا أصل له] # الوجه السادس: # قوله: فقال رسول الله. (2) - صلى الله عليه وسلم -: «من مات، ولم يعرف ~~إمام زمانه مات ميتة جاهلية» . # يقال له (3) أولا: من روى هذا الحديث بهذا اللفظ، وأين إسناده؟ . وكيف ~~يجوز أن يحتج بنقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير بيان الطريق ~~الذي به يثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله؟ وهذا لو كان مجهول ~~الحال عند أهل العلم بالحديث، فكيف وهذا الحديث بهذا اللفظ لا يعرف؟ . # إنما الحديث المعروف مثل ما روى مسلم في صحيحه (4) عن نافع قال: «جاء ~~[عبد الله] (5) بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان ~~زمن يزيد بن معاوية، فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن، وسادة. PageV01P110 # فقال: إني لم آتك لأجلس ms0045 أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - يقوله. سمعته يقول: (من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة ~~لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية.) » . # وهذا حدث به (1) [عبد الله] (2) بن عمر لعبد الله بن مطيع [بن الأسود] ~~(3) لما خلعوا طاعة أمير وقتهم يزيد مع أنه كان فيه من الظلم ما كان، ثم ~~إنه اقتتل هو وهم، وفعل بأهل الحرة أمورا منكرة. # فعلم أن هذا الحديث دل على ما دل عليه سائر الأحاديث الآتية من أنه لا ~~يخرج على ولاة أمور المسلمين بالسيف، وأن من لم يكن (4) مطيعا لولاة الأمور ~~مات ميتة جاهلية، وهذا ضد قول الرافضة، فإنهم أعظم الناس مخالفة لولاة ~~الأمور، وأبعد الناس عن طاعتهم إلا كرها. # ونحن نطالبهم أولا بصحة النقل، ثم بتقدير أن يكون ناقله واحدا، فكيف يجوز ~~أن يثبت أصل الإيمان بخبر مثل هذا [الذي] (5) لا يعرف له ناقل، وإن عرف له ~~ناقل أمكن خطؤه، وكذبه، وهل يثبت أصل الإيمان إلا بطريق علمي. ### | الوجه السابع لا حجة للإمامة في الحديث # الوجه السابع: # أن يقال: إن كان هذا الحديث من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -،. ~~PageV01P111 # فليس فيه حجة لهذا القائل (1) ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم -[قد] ~~(2) قال: ( «من (3) مات ميتة جاهلية» .) (* في أمور ليست (4) من أركان ~~الإيمان التي من تركها كان كافرا. # كما في صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه - قال: قال ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( «من قتل تحت راية عمية يدعو عصبية، أو ~~ينصر عصبية، فقتلته جاهلية» *) (5) . (6) ، وهذا الحديث يتناول من قاتل في ~~العصبية، والرافضة رءوس هؤلاء، ولكن لا يكفر المسلم بالاقتتال في العصبية، ~~كما دل على ذلك الكتاب والسنة، فكيف يكفر بما هو دون (7) ذلك. # وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة [رضي الله عنه] (8) قال: قال رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم -: ( «من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، ثم مات،. ~~PageV01P112 # مات ميتة جاهلية» .) (1) ، وهذا حال الرافضة ms0046، فإنهم يخرجون عن الطاعة، ~~ويفارقون الجماعة. # وفي الصحيحين (2) عن ابن عباس [رضي الله عنهما] (3) عن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - قال: ( «من رأى من أميره شيئا يكرهه، فليصبر عليه، (4 فإن من ~~فارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهلية» .) ، وفي لفظ: ( «من رأى من أميره ~~شيئا يكرهه، فليصبر عليه 4) (4) فإن من خرج من السلطان شبرا مات ميتة ~~جاهلية» .) (5) . # وهذه النصوص مع كونها صريحة في حال الرافضة، فهي وأمثالها المعروفة عند ~~أهل العلم لا بذلك (6) اللفظ الذي نقله. ### | [الوجه الثامن الحديث حجة عليهم] # الوجه الثامن: # أن هذا الحديث الذي ذكره حجة على الرافضة؛ لأنهم لا يعرفون إمام زمانهم، ~~فإنهم يدعون أنه الغائب المنتظر محمد بن الحسن الذي دخل PageV01P113 # سرداب سامرا سنة ستين، ومائتين، أو نحوها، ولم يميز بعد (1) ، بل كان ~~عمره إما سنتين، أو ثلاثا، أو خمسا (2) ، أو نحو ذلك، وله الآن - على قولهم ~~- أكثر من أربعمائة وخمسين (3) سنة، ولم ير له عين، ولا أثر، ولا سمع له ~~حس، ولا خبر. # فليس فيهم أحد يعرفه لا بعينه، ولا صفته لكن يقولون: إن هذا الشخص الذي ~~لم يره أحد، ولم يسمع له خبر هو إمام زمانهم، ومعلوم أن هذا ليس هو معرفة ~~بالإمام. # ونظير هذا أن يكون لرجل قريب من بني عمه في الدنيا، ولا يعرف شيئا من ~~أحواله، فهذا لا يعرف ابن عمه، وكذلك المال الملتقط إذا عرف أن له مالكا، ~~ولم يعرف عينه لم يكن عارفا لصاحب اللقطة (4) ، بل هذا أعرف؛ لأن هذا (5) ~~يمكن ترتيب بعض أحكام الملك، والنسب [عليه] (6) ، وأما المنتظر، فلا يعرف ~~له حال ينتفع به في الإمامة. # فإن معرفة الإمام الذي يخرج (7) الإنسان من الجاهلية هي المعرفة التي ~~يحصل بها طاعة وجماعة، خلاف ما كان عليه أهل الجاهلية، فإنهم لم يكن لهم ~~إمام يجمعهم، ولا جماعة تعصمهم، والله (8) تعالى بعث محمدا - صلى الله عليه ~~وسلم -، وهداهم به إلى الطاعة، والجماعة، وهذا المنتظر لا. PageV01P114 # يحصل بمعرفته طاعة، ولا جماعة، فلم يعرف معرفة تخرج الإنسان من [حال] (1) ~~الجاهلية، بل المنتسبون إليه ms0047 أعظم الطوائف جاهلية، وأشبههم بالجاهلية، وإن ~~لم يدخلوا في طاعة غيرهم - إما طاعة كافر، وإما (2) طاعة مسلم هو عندهم من ~~الكفار، أو النواصب (3) - لم ينتظم لهم مصلحة لكثرة اختلافهم، وافتراقهم، ~~وخروجهم عن الطاعة، والجماعة (4) . # وهذا يتبين (5) . # بالوجه (6) ### | الوجه التاسع الأمر بطاعة الأئمة في غير المعصية # التاسع: # وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بطاعة الأئمة الموجودين (7) ~~[المعلومين] (8) الذين لهم سلطان يقدرون به على سياسة الناس لا بطاعة معدوم ~~ولا مجهول، ولا من ليس له سلطان، ولا قدرة (9) على شيء أصلا، كما أمر النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - بالاجتماع، والائتلاف، ونهى عن الفرقة، والاختلاف، ~~ولم يأمر بطاعة الأئمة مطلقا، بل أمر بطاعتهم في طاعة PageV01P115 # الله دون معصيته، وهذا يبين أن الأئمة الذين أمر بطاعتهم في طاعة الله ~~ليسوا معصومين. # ففي (1) صحيح مسلم عن عوف بن مالك الأشجعي قال: سمعت النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - يقول: ( «خيار أئمتكم الذين تحبونهم، ويحبونكم، وتصلون عليهم، ~~ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم، ويبغضونكم، وتلعنونهم، ~~ويلعنوكم.) قال: قلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم عند ذلك قال: (لا ما ~~أقاموا فيكم الصلاة ألا من ولي عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله، ~~فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة» .) (2) . # وفي [صحيح] (3) مسلم عن أم سلمة أن النبي. (4) - صلى الله عليه وسلم - ~~قال: ( «ستكون أمراء، فتعرفون، وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن ~~من رضي وتابع.) قالوا: [يا رسول الله] (5) أفلا نقاتلهم؟ قال: (لا ما صلوا» ~~.) (6) . PageV01P116 # وهذا يبين أن الأئمة هم الأمراء ولاة الأمور، وأنه يكره، وينكر ما يأتونه ~~من معصية الله، ولا تنزع (1) اليد من طاعتهم، بل يطاعون في طاعة الله، وأن ~~منهم خيارا، وشرارا من يحب، ويدعى له، ويحب الناس، ويدعو لهم، ومن يبغض، ~~ويدعو على الناس، ويبغضونه، ويدعون عليه. # وفي الصحيحين (2) [عن أبي هريرة] (3) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~قال: ( «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا ~~نبي بعدي، وستكون خلفاء، فتكثر ms0048 (4) قالوا: فما تأمر؟ قال: (فوا ببيعة ~~الأول، فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم» .) (5) ، فقد ~~أخبر أن بعده خلفاء كثيرين (6) ، وأمر أن يوفى ببيعة PageV01P117 # الأول فالأول، وأن يعطوهم (1) حقهم. # وفي الصحيحين عن [عبد الله] (2) بن مسعود قال: قال. لنا رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم -: ( «إنكم سترون بعدي أثرة، وأمورا تنكرونها.) قالوا: فما ~~تأمرنا يا رسول الله؟ قال: (أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم» .) ، وفي ~~لفظ: ( «ستكون أثرة، وأمور تنكرونها.) قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟ ~~قال: (تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم» .) (3) . # وفي الصحيحين عن عبادة بن الصامت قال: «بايعنا رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - على السمع، والطاعة في اليسر، والعسر (4) ، والمنشط، والمكره، وعلى ~~أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق حيثما كنا لا ~~نخاف في الله لومة لائم» (5) . PageV01P118 # وفي الصحيحين عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( ~~«على المرء المسلم السمع، والطاعة فيما أحب، وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا ~~أمر بمعصية، فلا سمع، ولا طاعة» .) (1) . # فإن قال: أنا أردت بقولي إنها (أهم المطالب في الدين، وأشرف مسائل ~~المسلمين.) المطالب التي تنازعت الأمة فيها بعد النبي - صلى الله عليه وسلم ~~-، وهذه هي مسألة الإمامة. # قيل له: فلا لفظ فصيح، ولا معنى صحيح، فإن ما ذكرته لا يدل على هذا ~~المعنى، بل مفهوم اللفظ، ومقتضاه أنها أهم المطالب في الدين مطلقا، وأشرف ~~مسائل المسلمين مطلقا. # وبتقدير أن يكون هذا مرادك، فهو معنى باطل، فإن المسلمين تنازعوا بعد ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسائل أشرف من هذه، وبتقدير أن تكون هي ~~الأشرف، فالذي ذكرته فيها أبطل المذاهب، وأفسد المطالب. # وذلك أن النزاع في الإمامة لم يظهر إلا في خلافة علي - رضي الله عنه - ~~(2) ، [وأما] (3) على عهد الخلفاء الثلاثة، فلم يظهر نزاع إلا ما جرى يوم ~~السقيفة، PageV01P119 # وما انفصلوا حتى اتفقوا، ومثل هذا لا يعد نزاعا، ولو قدر أن النزاع فيها ~~كان عقب موت النبي - صلى الله ms0049 عليه وسلم -، فليس كل ما (1) تنوزع فيه عقب ~~موته. [- صلى الله عليه وسلم -] (2) يكون أشرف مما تنوزع فيه بعد موته بدهر ~~طويل. # وإذا كان كذلك، فمعلوم أن مسائل (3 القدر، والتعديل، والتجوير، والتحسين، ~~والتقبيح 3) (3) ، والتوحيد، والصفات، والإثبات، والتنزيه أهم وأشرف من ~~مسائل الإمامة، ومسائل الأسماء، والأحكام، والوعد، والوعيد، والعفو، ~~والشفاعة، والتخليد أهم من مسائل الإمامة. # ولهذا كل من صنف في أصول الدين يذكر مسائل الإمامة في الآخر حتى الإمامية ~~يذكرون مسائل التوحيد، والعدل، والنبوة قبل مسائل الإمامة، وكذلك المعتزلة ~~يذكرون (4) أصولهم الخمس: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، وإنفاذ ~~الوعيد، والخامس: هو الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبه تتعلق مسائل ~~الإمامة. # ولهذا كان جماهير الأمة نالوا الخير بدون مقصود الإمامة التي تقولها ~~الرافضة، فإنهم يقرون بأن الإمام الذي هو صاحب الزمان مفقود لا ينتفع به ~~أحد، وأنه دخل السرداب سنة ستين ومائتين، أو قريبا من ذلك، وهو الآن غائب ~~أكثر من أربعمائة وخمسين سنة، فهم في هذه المدة لم ينتفعوا PageV01P120 # بإمامته لا في دين، ولا في دنيا، بل يقولون: إن عندهم علما منقولا عن ~~غيره. # فإن كانت أهم مسائل الدين، وهم لم ينتفعوا بالمقصود منها، فقد فاتهم من ~~الدين أهمه، وأشرفه، وحينئذ فلا ينتفعون بما حصل لهم من التوحيد، والعدل؛ ~~لأنه يكون ناقصا بالنسبة إلى مقصود الإمامة، فيستحقون العذاب، كيف وهم ~~يسلمون أن مقصود الإمامة إنما هو. (1) في الفروع الشرعية، وأما الأصول ~~العقلية فلا يحتاج فيها إلى الإمام، وتلك هي أهم وأشرف. # ثم بعد هذا كله، فقولكم في الإمامة من أبعد الأقوال عن الصواب، ولو لم ~~يكن فيه إلا أنكم أوجبتم الإمامة لما فيها من مصلحة الخلق في دينهم، ~~ودنياهم، وإمامكم صاحب الوقت لم يحصل لكم من جهته مصلحة لا في الدين، ولا ~~في الدنيا، فأي سعي أضل من سعي من يتعب التعب الطويل، ويكثر القال والقيل. ~~ويفارق جماعة المسلمين، ويلعن السابقين، والتابعين، ويعاون الكفار، ~~والمنافقين، ويحتال بأنواع الحيل، ويسلك ما أمكنه من السبل. ويعتضد بشهود ~~الزور، ويدلي أتباعه بحبل الغرور، ويفعل ms0050 ما يطول وصفه، ومقصوده بذلك أن ~~يكون له إمام يدله على أمر الله، ونهيه، ويعرفه ما يقربه إلى الله [تعالى] ~~(2) ؟ . # ثم إنه لما علم اسم ذلك الإمام، ونسبه لم يظفر بشيء من مطلوبه، ولا وصل ~~إليه [شيء] (3) من تعليمه، وإرشاده، ولا أمره، ولا نهيه، ولا حصل له ~~PageV01P121 # من جهته منفعة، ولا مصلحة أصلا إلا إذهاب نفسه، وماله، وقطع الأسفار، ~~وطول الانتظار بالليل والنهار، ومعاداة الجمهور لداخل في سرداب ليس له عمل، ~~ولا خطاب، ولو كان موجودا بيقين لما حصل به منفعة لهؤلاء المساكين، فكيف ~~عقلاء الناس يعلمون أنه ليس معهم إلا الإفلاس، وأن الحسن بن علي العسكري لم ~~ينسل، ولم يعقب، كما ذكر ذلك محمد بن جرير الطبري (1) ، وعبد الباقي بن ~~قانع (2) ، وغيرهما من أهل العلم بالنسب؟ . # وهم يقولون: إنه دخل السرداب بعد موت أبيه، وعمره إما سنتان، وإما ثلاث، ~~وإما خمس، وإما نحو ذلك، ومثل هذا بنص القرآن يتيم يجب أن يحفظ له ماله حتى ~~يؤنس منه الرشد، ويحضنه من يستحق حضانته من أقربائه (3) ، فإذا صار له سبع ~~سنين أمر بالطهارة، والصلاة، فمن لا توضأ، ولا صلى، وهو تحت حجر وليه في ~~نفسه، وماله بنص القرآن لو كان موجودا يشهده العيان لما جاز أن يكون هو ~~إمام أهل الإيمان، فكيف إذا كان معدوما، أو مفقودا مع طول هذه الغيبة؟ . ~~PageV01P122 # والمرأة إذا غاب عنها (1) وليها زوجها الحاكم، أو الولي الحاضر لئلا تفوت ~~مصلحة المرأة بغيبة الولي المعلوم الموجود، فكيف تضيع مصلحة الأمة (2) مع ~~طول هذه المدة مع هذا الإمام المفقود؟ . ### | الفصل الأول من منهاج الكرامة عرض عام لرأي الإمامية وأهل السنة في الإمامة # (فصل) # قال. المصنف (3) الرافضي: # (. الفصل الأول. (في نقل المذاهب في هذه المسألة.) : # ذهبت الإمامية إلى أن الله (4) عدل حكيم لا يفعل قبيحا، ولا يخل بواجب، ~~وأن أفعاله إنما تقع لغرض [صحيح] (5) ، وحكمة، وأنه لا يفعل الظلم، ولا ~~العبث، وأنه رءوف (6) بالعباد يفعل ما هو الأصلح لهم، والأنفع، وأنه تعالى ~~كلفهم تخييرا [لا إجبارا] (7) ، ووعدهم الثواب، وتوعدهم بالعقاب ms0051 على لسان ~~أنبيائه، ورسله المعصومين بحيث لا يجوز عليهم (8) الخطأ، [ولا] النسيان (9) ~~، ولا المعاصي، PageV01P123 # وإلا لم يبق وثوق بأقوالهم، [وأفعالهم] (1) ، فتنتفي فائدة البعثة. # ثم أردف الرسالة بعد موت الرسول بالإمامة، فنصب أولياء معصومين (2) ليأمن ~~الناس من غلطهم، وسهوهم، وخطئهم، فينقادون إلى أوامرهم لئلا يخلي الله ~~العالم من لطفه، ورحمته. # وأنه لما بعث الله محمدا. (3) - صلى الله عليه وسلم - (4) قام بنقل (5) ~~الرسالة، ونص على أن الخليفة بعده علي بن أبي طالب [عليه السلام] (6) ، ثم ~~من بعده على ولده (7) الحسن الزكي، (8 ثم على ولده الحسين الشهيد 8) (8) ، ~~ثم على علي بن الحسين زين العابدين، ثم على محمد بن علي الباقر، ثم على ~~جعفر بن محمد الصادق، ثم على موسى بن جعفر الكاظم، ثم على علي بن موسى ~~الرضا، ثم على محمد بن علي الجواد، ثم على علي بن محمد الهادي، ثم على ~~الحسن بن علي العسكري، ثم على الخلف الحجة PageV01P124 # محمد بن الحسن (1) [عليهم الصلاة والسلام] (2) ، وأن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - (3) لم يمت إلا عن، وصية بالإمامة.) . # قال: (وأهل السنة ذهبوا (4) إلى خلاف ذلك كله، فلم يثبتوا العدل، والحكمة ~~في أفعاله تعالى (5) ، وجوزوا عليه. (6) [فعل] (7) القبيح، والإخلال ~~بالواجب، وأنه تعالى (8) لا يفعل لغرض، (9 بل كل أفعاله لا لغرض 9) (9) من ~~الأغراض، ولا لحكمة ألبتة، وأنه يفعل الظلم، والعبث، وأنه لا يفعل ما هو ~~الأصلح لعباده (10) ، بل ما هو الفساد (11) في الحقيقة؛ لأن فعل (12) ~~المعاصي، وأنواع الكفر والظلم، وجميع أنواع الفساد الواقعة في العالم مسندة ~~(13) إليه - تعالى الله عن ذلك (14) - وأن المطيع لا يستحق ثوابا، والعاصي ~~لا يستحق عقابا، PageV01P125 # بل قد يعذب المطيع طول عمره المبالغ في امتثال أوامره تعالى كالنبي - صلى ~~الله عليه وسلم -، ويثيب العاصي طول عمره بأنواع المعاصي، وأبلغها كإبليس، ~~وفرعون. # وأن الأنبياء غير معصومين، بل قد يقع منهم الخطأ، والزلل، والفسوق، ~~والكذب، والسهو، وغير ذلك. # وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) لم ينص على إمام (2) ، وأنه مات عن ~~غير (3) . وصية، وأن الإمام بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو ms0052 بكر ~~بن أبي قحافة بمبايعة (4) عمر بن الخطاب له (5) برضاء (6) أربعة: أبي عبيدة ~~[بن الجراح] (7) ، وسالم مولى أبي (8) حذيفة، وأسيد بن حضير (9) ، وبشير بن ~~سعد [بن عبادة] (10) . # ثم من بعده عمر [بن الخطاب] (11) بنص أبي بكر عليه، ثم PageV01P126 # عثمان بن عفان بنص عمر على ستة هو أحدهم، فاختاره بعضهم، ثم علي بن أبي ~~طالب (1) لمبايعة (2) الخلق له. # ثم اختلفوا، فقال. بعضهم: إن الإمام بعده الحسن (3) ، وبعضهم قال: إنه ~~معاوية [بن أبي سفيان] (4) . # ثم ساقوا الإمامة في بني أمية إلى أن ظهر (5) السفاح من بني العباس، ~~فساقوا الإمامة إليه. # ثم انتقلت الإمامة (6) منه إلى أخيه المنصور. # ثم ساقوا الإمامة في بني العباس إلى المستعصم.) (7) . ### | رد ابن تيمية الكذب والتحريف في نقل مذهب أهل السنة ومذهب الرافضة ### | الوجه الأول إثبات القدر ونفيه معروف عند طوائف من الفريقين # قلت: فهذا النقل لمذهب أهل السنة، والرافضة فيه من الكذب، والتحريف ما ~~سنذكر (8) بعضه. # والكلام عليه من وجوه: # أحدها: # أن إدخال مسائل القدر، والتعديل، والتجوير. (9) في هذا الباب كلام باطل ~~PageV01P127 # من الجانبين، إذ كل من القولين قد قال به طوائف من [أهل] (1) السنة، ~~والشيعة، فالشيعة فيهم طوائف تثبت القدر، وتنكر مسائل التعديل، والتجوير ~~(2) ، والذين يقرون بخلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان فيهم طوائف تقول بما ذكره ~~من التعديل، والتجوير (3) كالمعتزلة، وغيرهم، ومعلوم أن المعتزلة هم أصل ~~هذا القول، وأن شيوخ الرافضة كالمفيد، والموسوي، والطوسي، والكراجكي، ~~وغيرهم إنما أخذوا ذلك من المعتزلة، وإلا فالشيعة القدماء لا يوجد في ~~كلامهم شيء من هذا. # وإن كان ما ذكره في ذلك ليس متعلقا بمذهب الإمامة، بل قد يوافقهم على ~~قولهم في الإمامية من لا يوافقهم على قولهم في القدر (4) ، وقد تقول بما ~~ذكره في القدر طوائف لا توافقهم على الإمامة (5) - كان ذكر هذا في مسألة ~~الإمامة بمنزلة سائر مسائل النزاع التي وافقوا فيها بعض المسلمين كمسائل ~~فتنة القبر، ومنكر (6) ، ونكير، والحوض، والميزان، والشفاعة، وخروج أهل ~~الكبائر من النار، وأمثال ذلك من المسائل التي لا تتعلق بالإمامة، بل هي ~~مسائل مستقلة ms0053 بنفسها، وبمنزلة المسائل العملية كمسائل الخلاف التي صنفها ~~الموسوي، وغيره من شيوخ الإمامية، فتبين أن إدخال مسائل القدر في مسألة (7) ~~الإمامية إما جهل، وإما تجاهل. PageV01P128 ### | [الوجه الثاني تمام قول الإمامية في القدر] # الوجه الثاني: # أن يقال: ما نقله عن الإمامية لم ينقله على وجهه، فإنه (1) من تمام قول ~~[الإمامية] الذي (2) حكاه - وهو قول من وافق المعتزلة. (3) في توحيدهم، ~~وعدلهم من متأخري الشيعة - أن الله لم يخلق شيئا من أفعال الحيوان: لا ~~الملائكة، ولا الأنبياء، ولا غيرهم، بل هذه الحوادث التي تحدث (4) تحدث ~~بغير قدرته، ولا خلقه. # ومن قولهم أيضا: إن الله تعالى لا يقدر أن يهدي ضالا، ولا [يقدر] أن (5) ~~يضل مهتديا، ولا يحتاج أحد من الخلق إلى أن يهديه الله، بل الله قد هداهم ~~هدى البيان، وأما الاهتداء، فهذا يهتدي بنفسه لا بمعونة الله له، وهذا ~~يهتدي بنفسه (6) لا بمعونة الله له. # ومن قولهم: إن هدى الله للمؤمنين (7) ، والكفار سواء ليس له على المؤمنين ~~نعمة في الدين أعظم من نعمته على الكافرين، بل قد هدى علي بن أبي طالب، كما ~~هدى أبا جهل بمنزلة الأب الذي يعطي أحد بنيه دراهم، ويعطي الآخر مثلها لكن ~~هذا أنفقها في طاعة الله، وهذا في معصيته (8) ، PageV01P129 # فليس للأب من الإنعام على هذا في دينه أكثر مما له من الإنعام على الآخر. # ومن أقوالهم: إنه يشاء الله ما لا يكون (1) ، ويكون ما لا يشاء. # فإن قيل: فيهم من يقول: إنه يخص بعضهم ممن علم منه أنه إذا خصه بمزيد لطف ~~(2) من عنده اهتدى بذلك (3) ، وإلا فلا. # قيل: فهذا هو حقيقة قول أهل السنة المثبتين للقدر، فإنهم يقولون: كل من ~~خصه الله بهدايته (4) إياه صار مهتديا، ومن لم يخصه بذلك لم يصر مهتديا، ~~فالتخصيص، والاهتداء متلازمان عند أهل السنة. # فإن قيل: بل قد يخصه بما لا يوجب الاهتداء، كما قال تعالى: {ولو علم الله ~~فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون} [سورة الأنفال: 23] . # قيل: هذا التخصيص حق، لكن دعوى: لا تخصيص إلا هذا، غلط ms0054 - كما سيأتي - بل ~~كل ما يستلزم الاهتداء هو من التخصيص] (5) . # وفي الجملة، فالقوم (6) لا يثبتون لله مشيئة عامة، ولا قدرة تامة (7) ، ~~ولا خلقا متناولا لكل حادث، وهذا القول أخذوه عن المعتزلة هم (8) أئمتهم ~~فيه، PageV01P130 # ولهذا كانت الشيعة فيه (1) على قولين. ### | [الوجه الثالث الإمامة عندهم لا يحصل بها اللطف] # الوجه الثالث: # أن قوله: إنه نصب أولياء معصومين لئلا يخلي الله العالم من لطفه، ورحمته. # إن أراد بقوله: إنه نصب أولياء أنه مكنهم، وأعطاهم القدرة على سياسة ~~الناس حتى ينتفع الناس بسياستهم (2) ، فهذا كذب واضح، وهم لا يقولون. ذلك، ~~بل يقولون: إن الأئمة مقهورون مظلومون عاجزون ليس لهم سلطان، ولا قدرة، ولا ~~مكنة، ويعلمون أن الله لم يمكنهم، ولم يملكهم، فلم يؤتهم (3) ولاية، ولا ~~ملكا كما آتى المؤمنين والصالحين (4) ، ولا كما آتى الكفار والفجار. # فإنه سبحانه قد آتى الملك لمن آتاه من الأنبياء، كما قال في داود: {وقتل ~~داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء} [سورة البقرة: 251] ، ~~وقال تعالى: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل ~~إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما} [سورة النساء: 54] ، وقال ~~تعالى: {وقال الملك ائتوني به} [سورة يوسف 54] . # وقال: {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} [سورة الكهف: 79] ، ~~PageV01P131 # وقال [تعالى] (1) : {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله ~~الملك} [سورة البقرة: 258] . # فقد آتى الملك لبعض الكفار، كما آتاه لبعض الأنبياء، ومن بعد علي - رضي ~~الله عنه -، والحسن لم يؤت الملك لأحد (2) من هؤلاء، كما أوتيه الأنبياء، ~~والصالحون، ولا كما أوتيه غيرهم من الملوك، فبطل أن يكون الله نصب هؤلاء ~~المعصومين على هذا الوجه. # فإن قيل: المراد بنصبهم أنه أوجب على الخلق طاعتهم، فإذا أطاعوهم هدوهم ~~لكن الخلق عصوهم. # فيقال: فلم يحصل بمجرد ذلك في العالم لا لطف، ولا رحمة، بل (3) إنما حصل ~~تكذيب الناس لهم، ومعصيتهم إياهم، وأيضا، فالمؤمنون بالمنتظر لم ينتفعوا ~~به، ولا حصل [لهم] (4) به لطف، ولا مصلحة مع كونهم يحبونه، ويوالونه فعلم ~~أنه لم يحصل ms0055 به لطف (5) ، ولا مصلحة لا لمن أقر بإمامته، ولا لمن جحدها. # فبطل ما يذكرون أن العالم حصل فيه اللطف، والرحمة بهذا المعصوم، وعلم ~~بالضرورة أن هذا (6) العالم لم يحصل فيه بهذا المنتظر شيء من ذلك لا لمن ~~آمن به، ولا لمن كفر به بخلاف الرسول، والنبي الذي بعثه الله، PageV01P132 # وكذبه قوم، فإنه انتفع به من آمن به، وأطاعه، فكان رحمة في حق المؤمن به ~~المطيع له (1) ، وأما العاصي فهو المفرط. # وهذا المنتظر لم ينتفع به لا مؤمن به (2) ، ولا كافر به (3) ، وأما سائر ~~الاثني عشر سوى علي (4) ، فكانت المنفعة بأحدهم كالمنفعة بأمثاله من أهل ~~العلم والدين من جنس تعليم العلم، والتحديث، والإفتاء (5) ، ونحو ذلك، وأما ~~المنفعة المطلوبة من الأئمة ذوي السلطان والسيف، فلم تحصل لواحد منهم، ~~فتبين أن ما ذكره من اللطف، والمصلحة بالأئمة تلبيس محض، وكذب. ### | [الوجه الرابع مقالة أهل السنة في عدل الله وحكمته] # الوجه الرابع: # أن قوله عن أهل السنة إنهم لم يثبتوا العدل، والحكمة، وجوزوا عليه فعل ~~القبيح، والإخلال بالواجب نقل باطل عنهم من وجهين: # أحدهما: أن كثيرا من أهل السنة الذين لا يقولون في الخلافة بالنص (6) على ~~علي، ولا بإمامة الاثني عشر يثبتون ما ذكره من العدل، والحكمة على الوجه ~~الذي قاله هو - وشيوخه عن هؤلاء أخذوا ذلك - كالمعتزلة، وغيرهم ممن وافقهم ~~متأخرو (7) الرافضة على القدر، فنقله عن جميع أهل السنة PageV01P133 # - الذين هم في اصطلاحه، واصطلاح العامة [من] (1) سوى الشيعة - هذا القول ~~كذب بين (2) منه. # الوجه الثاني: أن سائر أهل السنة الذين يقرون بالقدر ليس فيهم من يقول: ~~إن الله [تعالى] (3) ليس بعدل، ولا من يقول: [إنه] (4) ليس بحكيم، ولا فيهم ~~من يقول: إنه يجوز أن يترك. واجبا، ولا أن يفعل قبيحا. # فليس في المسلمين من يتكلم بمثل هذا الكلام الذي أطلقه، ومن أطلقه كان ~~(5) كافرا مباح الدم باتفاق المسلمين. # ولكن هذه مسألة القدر، والنزاع فيها معروف بين المسلمين: فأما نفاة القدر ~~- كالمعتزلة، ونحوهم - فقولهم هو الذي ذهب إليه متأخرو الإمامية. # و [أما] المثبتون (6) للقدر ms0056، وهو جمهور الأمة، وأئمتها كالصحابة، ~~والتابعين لهم بإحسان، وأهل البيت، وغيرهم، فهؤلاء تنازعوا في تفسير عدل ~~الله، وحكمته، والظلم الذي يجب تنزيهه عنه، وفي تعليل أفعاله، وأحكامه، ~~ونحو ذلك. # فقالت طائفة: إن الظلم ممتنع منه غير مقدور، وهو محال لذاته كالجمع بين ~~النقيضين (7) ، وإن كل ممكن مقدور، فليس هو ظلما، وهؤلاء. PageV01P134 # هم الذين قصدوا الرد عليهم، وهؤلاء يقولون: إنه لو عذب المطيعين، ونعم ~~العصاة لم يكن ظالما (1) ، وقالوا: الظلم التصرف فيما ليس له، والله تعالى ~~له كل شيء، أو هو مخالفة الأمر، والله لا آمر له، وهذا قول كثير من أهل ~~الكلام المثبتين للقدر، ومن وافقهم من الفقهاء أصحاب الأئمة الأربعة. # وقالت طائفة: بل الظلم مقدور ممكن، والله تعالى منزه (2) لا يفعله لعدله، ~~ولهذا مدح الله نفسه (3) حيث أخبر أنه لا يظلم الناس شيئا، والمدح إنما ~~يكون بترك المقدور [عليه] (4) لا بترك الممتنع. # قالوا: وقد قال تعالى: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا ~~هضما} [سورة طه: 112] قالوا: الظلم أن يحمل عليه سيئات غيره والهضم أن يهضم ~~حسناته. # وقال تعالى: {ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد - وما ~~ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم} [سورة هود: 100 - 101] ، فأخبر (5) أنه لم ~~يظلمهم لما أهلكهم، بل أهلكهم بذنوبهم. # وقال تعالى: {وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون} ~~[سورة الزمر: 69] ، فدل على أن القضاء بينهم بغير القسط ظلم، والله منزه ~~عنه. # وقال تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا} [سورة ~~الأنبياء: 47] . PageV01P135 # أي لا تنقص من حسناتها، ولا (1) تعاقب بغير سيئاتها، فدل على أن ذلك ظلم ~~ينزه الله عنه. # وقال تعالى: {قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد - ما يبدل القول ~~لدي وما أنا بظلام للعبيد} [سورة ق: 28 - 29] ، وإنما نزه نفسه عن أمر يقدر ~~عليه لا عن الممتنع (2) لنفسه. # ومثل هذا في القرآن في غير موضع مما يبين أن الله ينتصف من العباد، ويقضي ~~بينهم بالعدل، وأن القضاء بينهم بغير العدل ظلم ينزه (3) الله عنه، وأنه ms0057 لا ~~يحمل على أحد ذنب غيره. # وقال تعالى: (4) {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [سورة الأنعام: 164] ، فإن ذلك ~~ينزه الله عنه، بل لكل نفس ما كسبت، [وعليها ما اكتسبت] (5) . # وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أن الله [تعالى] (6) ~~يقول: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا ~~تظالموا» .) (7) ، فقد حرم على نفسه الظلم، كما كتب على نفسه الرحمة في ~~قوله: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} [سورة الأنعام: 54] . PageV01P136 # وفي [الحديث] الصحيح: (1) ( «لما قضى الله الخلق كتب في كتاب (2) فهو ~~موضوع عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي» .) (3) ، والأمر الذي كتبه الله ~~(4) على نفسه، أو حرمه على نفسه لا يكون إلا مقدورا له (5) [سبحانه] (6) ، ~~فالممتنع لنفسه لا يكتبه على نفسه، ولا يحرمه على نفسه. # وهذا القول قول أكثر أهل السنة، والمثبتين (7) للقدر من أهل الحديث، ~~والتفسير، والفقه، والكلام، والتصوف [من أتباع الأئمة الأربعة، وغيرهم] (8) ~~. # وعلى هذا القول، فهؤلاء هم (9) القائلون بعدل الله [تعالى] (10) ، ~~وإحسانه دون من يقول من القدرية: إن من فعل كبيرة حبط إيمانه، فإن هذا نوع ~~من الظلم الذي نزه الله [سبحانه] (11) نفسه عنه، وهو القائل: PageV01P137 # {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره - ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} [سورة ~~الزلزلة: 7 - 8.] . # وأما من اعتقد أن منته على المؤمنين بالهداية دون الكافرين ظلم منه، فهذا ~~جهل لوجهين: # أحدهما: أن هذا تفضل [منه] (1) ، كما قال تعالى: {بل الله يمن عليكم أن ~~هداكم للإيمان إن كنتم صادقين} [سورة الحجرات: 17] . # وكما قالت الأنبياء: {إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من ~~عباده} [سورة إبراهيم: 11] ، وقال تعالى: {وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا ~~أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين} [سورة الأنعام: ~~53] . # فتخصيص هذا بالإيمان كتخصيص هذا بمزيد علم، وقوة، وصحة، وجمال (2) ، ~~ومال. قال تعالى: {أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة ~~الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا} [سورة الزخرف: ~~32] . # وإذا خص أحد الشخصين بقوة، وطبيعة تقضي ms0058 غذاء صالحا خصه بما يناسب ذلك من ~~الصحة، [والعافية] (3) ، وإذا (4) لم يعط الآخر ذلك (5) نقص عنه، وحصل له ~~ضعف، ومرض. PageV01P138 # والظلم. (1) وضع الشيء في غير موضعه، فهو لا يضع العقوبة إلا في المحل ~~الذي يستحقها لا يضعها (2) على محسن أبدا. # وفي الصحيحين (3) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( «يمين الله ~~ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات ~~والأرض، فإنه لم يغض ما في يمينه، والقسط بيده الأخرى يقبض، ويبسط» .) (4) ~~فبين (5) أنه سبحانه يحسن، ويعدل، ولا يخرج فعله عن العدل، والإحسان، ولهذا ~~قيل: كل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل. # ولهذا يخبر أنه تعالى يعاقب الناس بذنوبهم، وأن إنعامه عليهم إحسان منه، ~~كما في الحديث الصحيح الإلهي: «يقول الله تعالى: (يا عبادي [إني حرمت الظلم ~~على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا] (6) إنما هي أعمالكم أحصيها ~~لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن PageV01P139 # وجد خيرا، فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه.» ) (1) . # وقد قال (2) تعالى: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن ~~نفسك} [سورة النساء: 79] أي ما أصابك من نعم تحبها كالنصر، والرزق، فالله ~~أنعم بذلك عليك، وما أصابك من نقم (3) تكرهها، فبذنوبك، وخطاياك، فالحسنات، ~~والسيئات هنا (4) أراد بها النعم، والمصائب، كما قال تعالى: {وبلوناهم ~~بالحسنات والسيئات} [سورة الأعراف: 68] ، وكما قال [تعالى] (5) : {إن تصبك ~~حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل} [سورة التوبة: ~~50] ، وقوله تعالى: {إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها} ~~[سورة آل عمران: 120] . # ومثل هذا قوله [تعالى] (6) : {وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم ~~سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون} [سورة الروم: 36] . # فأخبر أن ما يصيب به الناس من الخير فهو رحمة منه أحسن بها إلى ~~PageV01P140 # عباده، وما أصابهم [به] (1) من العقوبات، فبذنوبهم، وتمام الكلام على هذا ~~مبسوط في مواضع أخر (2) . # وكذلك الحكمة أجمع المسلمون على أن الله تعالى موصوف بالحكمة لكن تنازعوا ~~في تفسير ذلك. # فقالت ms0059 طائفة: الحكمة ترجع إلى علمه بأفعال العباد، وإيقاعها على الوجه ~~الذي أراده، ولم يثبتوا إلا العلم والإرادة والقدرة. # وقال الجمهور من أهل السنة، وغيرهم: بل هو حكيم في خلقه، وأمره، والحكمة ~~ليست مطلق المشيئة إذ لو كان كذلك لكان كل مريد حكيما، ومعلوم أن الإرادة ~~تنقسم إلى محمودة ومذمومة، بل الحكمة [تتضمن] (3) ما في خلقه وأمره من ~~العواقب المحمودة والغايات المحبوبة، والقول بإثبات هذه الحكمة ليس هو قول ~~المعتزلة ومن وافقهم من الشيعة فقط، بل هو قول جماهير طوائف المسلمين من ~~أهل التفسير، والفقه والحديث والتصوف والكلام وغيرهم. فأئمة الفقهاء متفقون ~~على إثبات الحكمة والمصالح في أحكامه الشرعية، وإنما ينازع. (4) في ذلك ~~PageV01P141 # طائفة من نفاة القياس (1) . وغير نفاته، وكذلك ما في خلقه من المنافع ~~والحكم والمصالح لعباده معلوم. # وأصحاب القول الأول كجهم [بن صفوان وموافقيه] : كالأشعري ومن وافقه (2) ~~من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم يقولون: ليس في القرآن لام ~~التعليل في أفعال الله، بل ليس فيه إلا لام العاقبة. # وأما الجمهور فيقولون: بل (3) لام التعليل داخلة في أفعال الله تعالى، ~~[وأحكامه] (4) . # والقاضي أبو يعلى (5) ، وأبو الحسن بن الزاغوني (6) ، ونحوهما من أصحاب ~~أحمد، وإن كانوا [قد] (7) يقولون بالأول، فهم يقولون بالثاني أيضا في غير ~~موضع، وكذلك أمثالهم من الفقهاء [أصحاب مالك، والشافعي، وغيرهما] (8) . ~~PageV01P142 # وأما ابن عقيل (1) . والقاضي. (2) في بعض المواضع، وأبو خازم بن القاضي ~~أبي يعلى (3) ، وأبو الخطاب (4) ، فيصرحون بالتعليل والحكمة في أفعال الله ~~تعالى موافقة لمن قال ذلك من أهل النظر. # والحنفية هم من أهل السنة القائلين بالقدر، وجمهورهم يقولون بالتعليل (* ~~والمصالح، والكرامية (5) ، وأمثالهم هم (6) أيضا من القائلين PageV01P143 # بالقدر المثبتين لخلافة الخلفاء المفضلين لأبي بكر، وعمر، وعثمان، وهم ~~أيضا يقولون بالتعليل *) (1) ، والحكمة، وكثير من أصحاب [مالك] (2) ، ~~والشافعي وأحمد يقولون بالتعليل، والحكمة، وبالتحسين والتقبيح [العقليين] ~~(3) كأبي بكر القفال (4) ، وأبي علي ابن أبي هريرة (5) ، وغيرهم من أصحاب ~~الشافعي، وأبي الحسن التميمي (6) ، وأبي الخطاب (7) من أصحاب أحمد. # وفي الجملة النزاع في تعليل أفعال الله وأحكامه مسألة لا تتعلق بالإمامة ~~أصلا. وأكثر ms0060 أهل السنة على إثبات الحكمة والتعليل. # ولكن الذين أنكروا ذلك من أهل السنة (8) احتجوا بحجتين: PageV01P144 # إحداهما: أن ذلك يستلزم التسلسل، فإنه إذا فعل (1) لعلة، فتلك العلة أيضا ~~حادثة، فتفتقر إلى علة إن وجب أن يكون لكل حادث علة. # وإن عقل الإحداث بغير علة لم يحتج إلى إثبات علة، فهم يقولون: إن أمكن ~~الإحداث بغير علة لم يحتج إلى علة، ولم يكن ذلك عبثا، وإن لم يكن وجود ~~الإحداث إلا لعلة، فالقول في حدوث العلة كالقول في حدوث المعلول، وذلك ~~يستلزم التسلسل. # الحجة الثانية: أنهم قالوا: من فعل لعلة كان مستكملا بها ; لأنه لو لم ~~يكن حصول العلة أولى من عدمها لم تكن علة، والمستكمل بغيره ناقص بنفسه، ~~وذلك ممتنع على الله. # وأوردوا على المعتزلة ومن وافقهم من الشيعة حجة تقطعهم على أصولهم، ~~فقالوا: العلة التي فعل لأجلها إن كان وجودها وعدمها بالنسبة (2) إليه سواء ~~امتنع أن تكون علة، وإن كان وجودها أولى، فإن كانت منفصلة عنه لزم أن ~~يستكمل بغيره، وإن كانت قائمة به لزم أن يكون محلا للحوادث. # وأما المجوزون للتعليل، فهم متنازعون، فالمعتزلة وأتباعهم من الشيعة تثبت ~~من التعليل ما لا يعقل، وهو أنه فعل لعلة منفصلة عن الفاعل مع كون وجودها ~~وعدمها [بالنسبة] (3) إليه سواء. # وأما أهل السنة القائلون بالتعليل، فإنهم يقولون: إن الله يحب ~~PageV01P145 # ، ويرضى كما دل على ذلك الكتاب والسنة، ويقولون: إن المحبة والرضا أخص من ~~الإرادة، وأما المعتزلة وأكثر أصحاب الأشعري، فيقولون: إن (1) المحبة، ~~والرضا والإرادة سواء، فجمهور أهل السنة يقولون: إن الله لا يحب الكفر ~~والفسوق والعصيان، ولا يرضاه، وإن كان داخلا في مراده، كما دخلت سائر ~~المخلوقات لما في ذلك من الحكمة، وهو وإن كان شرا بالنسبة إلى الفاعل، فليس ~~كل ما كان شرا بالنسبة إلى شخص يكون عديم الحكمة، بل لله في المخلوقات حكم ~~قد يعلمها بعض الناس، وقد لا يعلمها. # وهؤلاء يجيبون عن التسلسل بجوابين: # أحدهما: أن يقال: هذا التسلسل في الحوادث المستقبلة (2) لا في الحوادث ~~الماضية، فإنه إذا فعل ms0061 فعلا لحكمة كانت الحكمة حاصلة بعد الفعل، فإذا كانت ~~تلك الحكمة يطلب منها حكمة أخرى بعدها كان تسلسلا في المستقبل. وتلك الحكمة ~~الحاصلة محبوبة له وسبب لحكمة ثانية، فهو لا يزال سبحانه يحدث من الحكم ما ~~يحبه ويجعله سببا لما يحبه. # قالوا: والتسلسل في المستقبل جائز عند جماهير المسلمين وغيرهم من أهل ~~الملل وغير أهل الملل (3) ، فإن نعيم الجنة [وعذاب] (4) النار دائمان (5) ~~مع تجدد الحوادث فيهما، وإنما أنكر ذلك الجهم بن صفوان، PageV01P146 # فزعم أن الجنة والنار يفنيان، وأبو الهذيل العلاف (1) زعم أن حركات [أهل] ~~(2) الجنة، والنار تنقطع (3) ، ويبقون في سكون دائم. # وذلك أنهم لما اعتقدوا أن التسلسل في الحوادث ممتنع في الماضي، والمستقبل ~~قالوا هذا القول الذي ضللهم به أئمة الإسلام. # وأما تسلسل الحوادث في الماضي، ففيه أيضا قولان لأهل الإسلام: لأهل ~~الحديث والكلام وغيرهم. # فمن يقول: إنه تعالى (4) لم يزل متكلما إذا شاء، ولم يزل، فعالا إذا شاء ~~أفعالا (5) تقوم بنفسه - بقدرته (6) ، ومشيئته - شيئا بعد شيء - يقول: إنه ~~لم يزل يتكلم بمشيئته، ويفعل بمشيئته شيئا بعد شيء مع قوله: إن كل ما سوى ~~الله محدث [مخلوق كائن بعد أن لم يكن] (7) ، وإنه ليس في PageV01P147 # العالم شيء قديم مساوق لله، كما تقوله الفلاسفة القائلون بقدم الأفلاك، ~~وأنها مساوقة لله في وجوده، فإن هذا ليس من أقوال المسلمين. ### | الاستطراد في الرد على قول الفلاسفة بقدم العالم ### | مجمل الرد على قول الفلاسفة بقدم العالم # وقد بينا فساد قول هؤلاء في [غير] (1) هذا الموضع، وبينا أن قولهم بأن ~~المبدع علة تامة موجب بذاته هو نفسه يستلزم فساد قولهم، فإن العلة التامة ~~تستلزم معلولها، فلا يجوز أن يتأخر عنها شيء من معلولها. # فالحوادث مشهودة في العالم، فلو كان الصانع موجبا بذاته علة تامة مستلزمة ~~لمعلولها لم يحدث شيء من الحوادث في الوجود إذ الحادث يمتنع (2) أن يكون ~~صادرا عن علة تامة أزلية، فلو كان العالم قديما لكان مبدعه علة تامة، ~~والعلة التامة لا يتخلف عنها شيء من معلولها، فيلزم من ذلك أن لا يحدث ms0062 في ~~العالم شيء، فحدوث الحوادث دليل على أن فاعلها ليس بعلة تامة في الأزل، ~~وإذا (3) انتفت العلة التامة في الأزل بطل القول بقدم شيء من العالم لكن ~~هذا لا ينفي أن الله لم يزل متكلما إذا شاء، ولم يزل حيا فعالا لما يشاء. ### | مناقشة الفلاسفة تفصيلا على قولهم بقدم العالم # وعمدة الفلاسفة على قدم العالم هو قولهم يمتنع (4) حدوث الحوادث بلا سبب ~~حادث، فيمتنع تقدير ذات معطلة (5) عن الفعل لم تفعل، ثم فعلت من غير حدوث ~~سبب. # وهذا القول لا يدل على قدم شيء بعينه من العالم لا الأفلاك، ولا ~~PageV01P148 # غيرها إنما يدل على أنه لم يزل فعالا، وإذا (1) قدر أنه فعال لأفعال تقوم ~~بنفسه أو مفعولات حادثة شيئا بعد شيء كان ذلك وفاء بموجب هذه الحجة مع ~~القول بأن كل ما سوى الله محدث [مخلوق] (2) بعد أن لم يكن، [كما أخبرت ~~الرسل أن الله خالق كل شيء] (3) ، وإن كان النوع لم يزل متجددا، كما في ~~الحوادث المستقبلة كل منها حادث [مخلوق] (4) ، وهي لا تزال تحدث شيئا بعد ~~شيء. # قال هؤلاء: والله قد (5) أخبر أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة ~~أيام، ثم استوى على العرش، وأخبر أنه خالق كل شيء، ولا يكون المخلوق إلا ~~مسبوقا [بالعدم] (6) ، فالقرآن يدل على أن كل (7) ما سوى الله مخلوق مفعول ~~محدث. # فليس شيء من الموجودات مقارنا لله تعالى، كما يقوله [دهرية] (8) ~~الفلاسفة: إن العالم معلول له، وهو موجب له مفيض له، وهو متقدم (9) عليه ~~بالشرف، والعلية (10) ، والطبع، وليس متقدما عليه بالزمان، فإنه لو كان ~~PageV01P149 # علة تامة موجبة يقترن بها معلولها - كما زعموا - لم يكن في العالم شيء ~~محدث، فإن ذلك المحدث لا يحدث عن علة تامة أزلية يقارنها معلولها، فإن ~~المحدث المعين لا يكون أزليا. # وسواء قيل. إنه حدث بوسط أو بغير وسط (1) - كما يقولون: إن الفلك تولد ~~عنه بوسط عقل، أو عقلين، أو غير ذلك مما يقال - فإن كل قول يقتضي أن يكون ~~شيء (2) من العالم قديما لازما لذات الله فهو ms0063 باطل ; لأن ذلك يستلزم كون ~~البارئ موجبا بالذات بحيث يقارنه (3) موجبه إذ لولا ذلك لما قارنه بذلك ~~الشيء، ولو كان موجبا بالذات لم يتأخر عنه شيء من موجبه ومقتضاه، فكان يلزم ~~أن لا يكون في العالم شيء محدث. ### | بطلان القول بأن البارئ موجب بذاته للفلك # ولو قيل: إنه موجب بذاته للفلك، وأما حركات الفلك، فيوجبها شيئا بعد شيء ~~كان هذا باطلا من وجوه: # أحدها: # أن يقال: إن كانت حركة الفلك لازمة له - كما هو قولهم - امتنع إبداع ~~الملزوم دون لازمه، وكونه موجبا بالذات علة تامة للحركة ممتنع ; لأن الحركة ~~تحدث شيئا فشيئا، والعلة (* التامة الموجبة لمعلولها [في الأزل] (4) لا ~~يتأخر عنها شيء من معلولها، فلا تكون الحركة معلولة PageV01P150 # للموجب بذاته في الأزل *) (1) الذي يلزمه (2) معلوله، وإن لم تكن لازمة ~~[له] (3) فهي حادثة، فتقتضي سببا واجبا (4) حادثا، وذلك بالحادث لا يحدث عن ~~العلة التامة الأزلية إذ الموجب بذاته لا يتأخر عنه موجبه. # ولهذا كان قول هؤلاء الذين يجعلون الحوادث صادرة عن علة تامة أزلية لا ~~يحدث فيها، ولا منها شيء أشد فسادا من قول من يقول حدثت عن القادر بدون سبب ~~حادث ; لأن هؤلاء أثبتوا فاعلا. ولم يثبتوا سببا حادثا، وأولئك (5) يلزمهم ~~نفي الفاعل للحوادث ; لأن العلة التامة الموجبة بذاتها في الأزل لا تكون ~~محدثة لشيء أصلا. ولهذا كانت الحوادث عندهم إنما تحدث بحركة الفلك، وهم لا ~~يجعلون فوق الفلك شيئا أحدث حركته، بل قولهم في حركات الأفلاك وسائر ~~الحوادث من جنس قول القدرية في أفعال الحيوان، وحقيقة ذلك أنها تحدث بلا ~~محدث، لكن القدرية خصوا ذلك بأفعال الحيوان، وهؤلاء قالوا ذلك في كل حادث ~~علوي وسفلي. # الوجه الثاني: # أن الفاعل سواء كان قادرا، أو موجبا بذاته، أو قيل: هو قادر يوجب بمشيئته ~~وقدرته لا بد أن يكون موجودا عند وجود المفعول، ولا يجوز أن يكون معدوما ~~عند وجود المفعول إذ المعدوم لا يفعل موجودا، ونفس PageV01P151 # إيجابه وفعله، واقتضائه، وإحداثه لا [بد أن] يكون (1) ثابتا بالفعل عند ~~وجود المفعول الموجب المحدث ms0064 (2) فلا يكون فاعلا حقيقة إلا مع وجود المفعول. # فلو قدر أنه فعله واقتضاه (3) ، فوجد (4) بعد عدم للزم أن يكون فعله (5) ~~، وإيجابه عند عدم المفعول الموجب، وعند عدمه، فلا إيجاب، ولا فعل. # وإذا كان كذلك، فالموجب لحدوث الحوادث إذا قدر أنه يفعل الثاني بعد الأول ~~من غير أن يحدث له حال يكون بها فاعلا [للثاني] (6) . كان المؤثر التام ~~معدوما عند وجود الأثر، وهذا محال، فإن حاله عند وجود الأثر وعدمه سواء، ~~وقبله كان يمتنع أن يكون فاعلا له، فكذلك عنده، أو يقال: قبله لم يكن فاعلا ~~فكذلك عنده. # إذ لو جوز أن يحدث الحادث الثاني من غير حدوث حال للفاعل بها (7) صار ~~فاعلا لزم حدوث الحوادث كلها بلا سبب، وترجيح الفاعل لأحد طرفي الممكن - بل ~~لوجود الممكن - بلا مرجح ; لأن حاله قبل ومع وبعد (8) سواء، فتخصيص بعض ~~الأوقات بذلك الحادث تخصيص بلا مخصص، فإن كان هذا جائزا جاز حدوث كل ~~الحوادث بلا سبب PageV01P152 # حادث، وبطل (1) قولهم، وإن لم يكن جائزا بطل أيضا قولهم، فثبت بطلان قول ~~هؤلاء المتفلسفة الدهرية على تقدير النقيضين، وذلك يستلزم بطلانه في نفس ~~الأمر. # والواحد من الناس إذا قطع مسافة، وكان قطعه للجزء الثاني. مشروطا بالأول، ~~فإنه إذا قطع الأول حصل له أمور تقوم به من قدرة أو إرادة، أو غيرهما (2) ~~[تقوم بذاته] (3) بها صار (4) حاصلا في الجزء الثاني. لا أنه بمجرد (5) عدم ~~الأول صار قاطعا للثاني. # فإذا شبهوا فعله للحوادث بهذا لزمهم أن يتجدد لله أحوال تقوم به عند ~~إحداث الحوادث، وإلا فإذا (6) كان هو لم يتجدد له حال، وإنما. وجد [الحادث ~~الثاني. بمجرد] عدم الأول (7) ، فحاله قبل وبعد سواء، فاختصاص أحد الوقتين ~~بالإحداث لا بد له من مخصص، ونفس صدور الحوادث لا بد له من فاعل، والتقدير ~~أنه على حال واحدة من الأزل إلى الأبد، فيمتنع مع هذا التقدير اختصاص وقت ~~دون وقت بشيء، أو PageV01P153 # أن يكون فاعلا للحوادث، فإنه إذا كان ولا (1) يفعل هذا الحادث، وهو الآن ~~كما كان، فهو الآن لا يفعل هذا ms0065 الحادث. # وابن سينا وأمثاله من القائلين بقدم العالم بهذا احتجوا على [أهل الكلام ~~من] (2) المعتزلة، والجهمية، [ومن وافقهم] (3) ، فقالوا: إذا كان في الأزل، ~~ولا يفعل، وهو الآن على حاله، فهو الآن لا يفعل، وقد فرض فاعلا هذا خلف، ~~وإنما لزم ذلك من تقدير ذات معطلة عن الفعل. # فيقال لهم: هذا بعينه (4) حجة عليكم في إثبات ذات بسيطة لا يقوم بها فعل ~~ولا وصف مع صدور الحوادث عنها، فإن (5) كان بوسائط لازمة لها، فالوسط ~~اللازم لها قديم بقدمها، وقد قالوا: إنه يمتنع صدور الحوادث عن قديم هو على ~~حال واحد، كما كان. # الوجه الثالث: # أن يقال: هم يقولون بأن الواجب (6) فياض دائم الفيض، وإنما يتخصص بعض ~~الأوقات بالحدوث لما يتجدد من حدوث الاستعداد والقبول، وحدوث الاستعداد ~~والقبول هو سبب حدوث الحركات. # وهذا كلام باطل، فإن هذا إنما يتصور إذا كان الفاعل (7) الدائم الفيض ليس ~~هو المحدث لاستعداد القبول، كما يدعونه في العقل PageV01P154 # الفعال، فيقولون: إنه دائم الفيض، ولكن يحدث استعداد القوابل بسبب حدوث ~~الحركات الفلكية والاتصالات الكوكبية، وتلك ليست صادرة عن العقل الفعال، ~~وإنما. (1) في المبدع الأول، فهو المبدع لكل ما سواه، فعنه يصدر الاستعداد ~~والقبول والقابل والمقبول. # وحينئذ فيقال: إذا كان علة تامة موجبا بذاته، وهو دائم الفيض لا يتوقف ~~فيضه على [شيء] (2) غيره أصلا لزم أن يكون كل ما يصدر عنه بواسطة أو بغير ~~واسطة (3) لازما له قديما بقدمه، فلا يحدث عنه شيء لا بوسط ولا بغير وسط ; ~~لأن فعله وإبداعه لا يتوقف على استعداد أو قبول (4) يحدث عن غيره، ولكن هو ~~المبدع للشرط والمشروط والقابل والمقبول والاستعداد، وما يفيض على المستعد، ~~وإذا كان وحده هو الفاعل لذلك كله امتنع أن يكون علة تامة أزلية مستلزمة ~~لمعلولها ; لأن ذلك يوجب أن يكون معلوله كله أزليا قديما بقدمه، وكل ما ~~سواه معلول له، فيلزم أن يكون كل ما سواه قديما أزليا، وهذا مكابرة للحس. # ومن تدبر هذا وفهمه تبين له أن فساد قول هؤلاء معلوم بالضرورة بعد التصور ~~التام. ### | النتائج ms0066 التي أدى إليها امتناع المتكلمين عن القول بحوادث لا أول لها # وإنما عظمت حجتهم، وقويت شوكتهم على أهل الكلام المحدث [المبتدع] (5) ~~الذي ذمه السلف والأئمة من الجهمية والمعتزلة، ومن PageV01P155 # وافقهم من الأشعرية والكرامية والشيعة، ومن وافقهم من أتباع الأئمة ~~الأربعة وغيرهم، فإن هؤلاء لما اعتقدوا (1) أن الرب في الأزل كان يمتنع منه ~~الفعل والكلام بمشيئته وقدرته - وكان حقيقة قولهم أنه لم يكن قادرا في ~~الأزل على الكلام والفعل بمشيئته وقدرته لكون ذلك ممتنعا لنفسه، والممتنع ~~لا يدخل تحت المقدور - صاروا (2) حزبين: # حزبا قالوا: إنه صار قادرا على الفعل والكلام بعد أن لم يكن قادرا عليه ~~[لكونه صار الفعل والكلام ممكنا بعد أن كان (3) ممتنعا، وإنه انقلب من ~~الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي] (4) ، وهذا قول المعتزلة، والجهمية، ~~ومن. وافقهم من الشيعة، وهو قول الكرامية، وأئمة الشيعة كالهاشمية وغيرهم. # [وحزبا] قالوا (5) : صار الفعل ممكنا بعد أن كان ممتنعا منه، وأما ~~الكلام، فلا يدخل (6) تحت المشيئة، والقدرة، بل هو شيء واحد لازم لذاته، ~~وهو قول ابن كلاب (7) ، والأشعري ومن وافقهما. PageV01P156 # أو قالوا: إنه (1) حروف، أو حروف وأصوات قديمة الأعيان لا تتعلق بمشيئته، ~~وقدرته، وهو قول طوائف من أهل الكلام والحديث والفقه (2) ، ويعزى ذلك إلى ~~السالمية (3) ، وحكاه (4) الشهرستاني عن السلف، والحنابلة، وليس هو (5) قول ~~جمهور أئمة الحنابلة، ولكنه قول طائفة منهم من أصحاب مالك، والشافعي ~~وغيرهم. # وأصل هذا الكلام كان من الجهمية [أصحاب جهم بن صفوان] (6) ، وأبي الهذيل ~~العلاف ونحوهما (7) قالوا: لأن الدليل قد دل على أن دوام PageV01P157 # الحوادث ممتنع، وأنه يجب أن يكون للحوادث مبدأ لامتناع حوادث لا أول لها، ~~كما قد بسط في غير هذا الموضع. # قالوا: فإذا كان الأمر كذلك. وجب أن يكون كل ما تقارنه الحوادث محدثا، ~~فيمتنع أن يكون البارئ لم يزل فاعلا متكلما بمشيئته، وقدرته (1) . # بل يمتنع أن يكون لم يزل قادرا على ذلك ; لأن القدرة على الممتنع ممتنعة، ~~فيمتنع أن يكون قادرا على دوام الفعل والكلام بمشيئته وقدرته. ### | رد أئمة الفلاسفة وأئمة أهل الملل على المتكلمين # قالوا ms0067: وبهذا يعلم حدوث الجسم ; لأن الجسم لا يخلو عن الحوادث، وما لا ~~يخلو عن الحوادث فهو حادث. # ولم يفرق هؤلاء بين ما لا يخلو عن نوع الحوادث، وبين ما لا يخلو عن عين ~~الحوادث (2) ، ولا فرقوا فيما لا يخلو عن الحوادث بين أن يكون مفعولا ~~معلولا. أو أن يكون فاعلا. واجبا بنفسه (3) . # فقال. (4) لهؤلاء أئمة الفلاسفة، وأئمة [أهل] (5) الملل وغيرهم: فهذا ~~الدليل الذي أثبتم به حدوث العالم (6 هو يدل على امتناع حدوث العالم 6) (6) ~~، وكان ما ذكرتموه إنما يدل على نقيض ما قصدتموه. # وذلك لأن الحادث إذا حدث بعد أن لم يكن (7) محدثا، فلا بد أن PageV01P158 # يكون ممكنا، والإمكان ليس له وقت محدود، فما من وقت يقدر إلا والإمكان ~~ثابت قبله، فليس لإمكان الفعل وجواز ذلك وصحته مبدأ ينتهى إليه، فيجب أنه ~~لم يزل الفعل ممكنا جائزا صحيحا، (1 فيلزم أنه لم يزل الرب قادرا عليه 1) ~~(1) ، فيلزم جواز حوادث لا نهاية لأولها (2) . # قال المناظر عن أولئك (3) المتكلمين من الجهمية، والمعتزلة وأتباعهم: نحن ~~لا نسلم أن إمكان الحوادث لا بداية له لكن نقول إمكان الحوادث بشرط كونها ~~مسبوقة بالعدم لا بداية له، وذلك لأن الحوادث عندنا يمتنع أن تكون قديمة ~~النوع، بل يجب حدوث نوعها، ويمتنع قدم نوعها لكن لا يجب الحدوث في وقت ~~بعينه، فإمكان الحوادث بشرط (4) كونها مسبوقة العدم لا أول له بخلاف جنس ~~الحوادث. # فيقال لهم: هب أنكم تقولون ذلك لكن يقال: إمكان جنس الحوادث عندكم له ~~بداية، فإنه صار جنس الحدوث (5) عندكم ممكنا بعد أن لم يكن ممكنا، وليس ~~لهذا الإمكان وقت معين، بل ما من وقت يفرض إلا والإمكان ثابت قبله، فيلزم ~~دوام الإمكان، وإلا لزم انقلاب الجنس من الإمكان إلى الامتناع من غير حدوث ~~شيء ولا تجدد شيء. PageV01P159 # ومعلوم أن انقلاب حقيقة جنس الحدوث أو جنس (1) الحوادث، أو جنس الفعل، أو ~~جنس الإحداث، أو ما يشبه هذا من العبارات من الامتناع إلى الإمكان هو مصير ~~ذلك ممكنا جائزا بعد أن كان ممتنعا من غير سبب تجدد (2) ، وهذا ms0068 ممتنع في ~~صريح العقل، وهو أيضا انقلاب الجنس من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي، ~~فإن ذات جنس الحوادث عندهم تصير ممكنة بعد أن كانت ممتنعة. # وهذا الانقلاب لا يختص بوقت معين، فإنه ما من وقت يقدر إلا والإمكان ثابت ~~قبله، (3 فيلزم أنه لم يزل هذا الانقلاب 3) (3) ، فيلزم أنه لم يزل الممتنع ~~ممكنا، وهذا أبلغ في الامتناع من قولنا لم يزل الحادث ممكنا، فقد لزمهم ~~فيما فروا [إليه أبلغ مما لزمهم فيما فروا] (4) منه، فإنه يعقل كون الحادث ~~ممكنا (5) ، ويعقل أن هذا الإمكان لم يزل، وأما كون الممتنع ممكنا، فهو ~~ممتنع في نفسه، فكيف إذا قيل: لم يزل إمكان هذا الممتنع! . # وأيضا فما ذكروه من الشرط: وهو أن جنس الفعل، أو جنس الحوادث - بشرط (6) ~~كونها مسبوقة بالعدم - لم يزل ممكنا، فإنه يتضمن الجمع بين النقيضين أيضا، ~~فإن كون هذا (7) لم يزل يقتضي أنه لا بداية لإمكانه،. PageV01P160 # وأن إمكانه قديم أزلي، وكونه مسبوقا بالعدم يقتضي أن له بداية، وأنه ليس ~~بقديم أزلي (1) ، فصار قولهم مستلزما أن الحوادث يجب أن يكون لها بداية، ~~وأنه لا يجب أن يكون لها بداية. # وذلك لأنهم قدروا تقديرا ممتنعا، والتقدير الممتنع قد يلزمه حكم ممتنع ~~كقوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} [سورة الأنبياء: 22] . # فإن قولهم: إمكان جنس الحوادث - بشرط كونها مسبوقة بالعدم - لا بداية له ~~مضمونة أن ما له بداية ليس له بداية، فإن المشروط بسبق العدم له بداية (2) ~~، وإن (3) قدر أنه لا بداية له كان جمعا بين النقيضين. # وأيضا فيقال: هذا تقدير لا حقيقة له في الخارج، فصار بمنزلة قول القائل: ~~جنس الحوادث بشرط (4) كونها ملحوقة بالعدم هل لإمكانها نهاية؟ أم ليس ~~لإمكانها نهاية؟ فكما أن هذا يستلزم الجمع بين النقيضين في النهاية، فكذلك ~~الأمل يستلزم الجمع بين النقيضين في البداية (5) . # وأيضا فالممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح تام يجب به ~~الممكن، وقد يقولون: لا يترجح وجوده على عدمه إلا بمرجح تام يستلزم وجود ~~ذلك الممكن. # [وهذا الثاني أصوب، كما ms0069 عليه نظار المسلمين المثبتين، فإن بقاءه ~~PageV01P161 # معدوما لا يفتقر إلى مرجح، ومن قال: إنه يفتقر إلى مرجح قال: عدم مرجحه ~~يستلزم عدمه، ولكن يقال: هذا مستلزم لعدمه لا أن هذا هو الأمر الموجب ~~لعدمه، ولا يجب عدمه في نفس الأمر، بل عدمه في نفس الأمر لا علة له، فإن ~~عدم المعلول يستلزم عدم العلة، وليس هو علة له، والملزوم أعم من كونه علة] ~~(1) ; لأن ذلك المرجح التام لو لم يستلزم وجود الممكن لكان وجود الممكن مع ~~المرجح التام جائزا لا واجبا ولا ممتنعا، وحينئذ فيكون ممكنا، فيتوقف على ~~مرجح ; لأن الممكن لا يحصل إلا بمرجح. # فدل ذلك على أن الممكن إن لم يحصل مرجح يستلزم وجوده امتنع وجوده، وما ~~دام وجوده ممكنا جائزا غير لازم لا يوجد، وهذا هو الذي يقوله أئمة أهل ~~السنة المثبتين للقدر مع موافقة أئمة الفلاسفة لهم (2) ، وهذا مما احتجوا ~~به على أن الله خالق أفعال العباد. ### | القدرية التامة والإرادة الجازمة تقتضي وجود الفعل # والقدرية من المعتزلة وغيرهم تخالف في هذا، وتزعم أن القادر يمكنه ترجيح ~~الفعل على الترك بدون ما يستلزم ذلك، وادعوا أنه إن لم يكن القادر كذلك لزم ~~أن يكون موجبا بالذات لا قادرا قالوا: والقادر المختار هو الذي إن شاء فعل، ~~وإن شاء ترك، فمتى قيل: إنه لا يفعل إلا مع لزوم أن يفعل لم يكن مختارا بل ~~مجبورا. # فقال لهم الجمهور من أهل الملة وغيرهم (3) : بل هذا خطأ، فإن PageV01P162 # القادر هو الذي إن شاء فعل، وإن شاء ترك ليس هو الذي إن شاء الفعل مشيئة ~~جازمة، وهو قادر عليه قدرة تامة يبقى (1) الفعل ممكنا جائزا لا لازما واجبا ~~ولا ممتنعا محالا. # بل نحن نعلم أن القادر المختار إذا أراد الفعل إرادة جازمة، وهو قادر ~~عليه قدرة تامة لزم وجود الفعل، وصار واجبا بغيره لا بنفسه، كما قال ~~المسلمون: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وما شاء (2) سبحانه، فهو ~~قادر عليه، فإذا شاء شيئا حصل مرادا له، وهو مقدور ms0070 عليه، فيلزم (3) وجوده، ~~وما لم يشأ لم يكن، فإنه ما لم يرده وإن كان قادرا عليه لم يحصل المقتضى ~~التام لوجوده، فلا يجوز وجوده. # قالوا: ومع القدرة التامة والإرادة الجازمة يمتنع عدم الفعل، ولا يتصور ~~عدم الفعل إلا لعدم كمال القدرة أو لعدم كمال الإرادة، وهذا أمر يجده ~~الإنسان من نفسه، وهو معروف بالأدلة اليقينية، فإن فعل المختار لا يتوقف ~~إلا على قدرته وإرادته، فإنه قد يكون قادرا، ولا يريد الفعل، فلا يفعله، ~~وقد يكون مريدا للفعل لكنه عاجز عنه، فلا يفعله، أما (4) مع كمال قدرته ~~وإرادته فلا يتوقف الفعل على شيء غير ذلك، والقدرة التامة والإرادة الجازمة ~~هي المرجح التام للفعل الممكن، فمع وجودهما يجب وجود ذلك الفعل. # والرب تعالى قادر مختار يفعل بمشيئته لا مكره له، وليس هو موجبا ~~PageV01P163 # بذاته بمعنى (1) أنه علة أزلية مستلزمة للفعل، ولا بمعنى أنه يوجب بذات ~~(2) لا مشيئة لها، ولا قدرة (3) ، بل هو يوجب بمشيئته، وقدرته ما شاء ~~وجوده، وهذا هو القادر المختار، فهو قادر مختار يوجب بمشيئته ما شاء وجوده. # وبهذا التحرير يزول الإشكال. (4) في هذه المسألة، فإن الموجب بذاته إذا ~~كان أزليا يقارنه موجبه، فلو كان الرب تعالى موجبا بذاته [للعالم.] (5) في ~~الأزل [لكان كل ما في العالم مقارنا له في الأزل] (6) ، وذلك ممتنع بل ما ~~شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. فكل ما شاء الله وجوده من العالم فإنه يجب ~~وجوده بقدرته ومشيئته، وما لم يشأ يمتنع وجوده إذ لا يكون شيء إلا بقدرته، ~~ومشيئته، وهذا يقتضي وجوب وجود ما شاء تعالى وجوده. # ولفظ الموجب بالذات فيه إجمال، فإن أريد به أنه يوجب ما يحدثه بمشيئته، ~~وقدرته، فلا منافاة بين كونه فاعلا بالقدرة والاختيار، وبين كونه موجبا ~~بالذات بهذا التفسير، وإن أريد بالموجب بالذات أنه يوجب شيئا من الأشياء ~~بذات مجردة عن القدرة والاختيار، فهذا باطل ممتنع، (* وإن PageV01P164 # أريد أنه علة تامة أزلية تستلزم (1) معلولها الأزلي بحيث يكون من العالم ~~ما هو قديم بقدمه لازم لذاته أزلا وأبدا ms0071 - الفلك، أو غيره - فهذا أيضا باطل ~~*) (2) . # فالموجب بالذات إذا فسر بما يقتضي قدم شيء من العالم مع الله، أو فسر بما ~~يقتضي سلب (3) صفات الكمال عن الله، فهو باطل، وإن فسر بما يقتضي أنه ما ~~شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فهو حق، فإن ما شاء وجوده فقد وجب وجوده بقدرته ~~ومشيئته، لكن لا يقتضي هذا أنه شاء شيئا من المخلوقات بعينه في الأزل، بل ~~مشيئته لشيء معين في الأزل ممتنع لوجوه متعددة. # ولهذا كان عامة العقلاء على أن الأزلي لا يكون مرادا مقدورا، ولا أعلم ~~نزاعا بين النظار أن ما كان من صفات الرب أزليا لازما لذاته لا يتأخر منه ~~شيء لا يجوز أن يكون مرادا مقدورا، وأن ما كان مرادا مقدورا لا يكون إلا ~~حادثا شيئا بعد شيء، وإن كان نوعه لم يزل موجودا، أو كان نوعه كله حادثا ~~بعد أن لم يكن. # ولهذا كان الذين اعتقدوا أن القرآن قديم لازم لذات الله متفقين على أنه ~~لم يتكلم بمشيئته، وقدرته (4) ، وإنما يكون بمشيئته، وقدرته (5) خلق إدراك ~~في العبد لذلك المعنى القديم، والذين قالوا: كلامه قديم، وأرادوا أنه ~~PageV01P165 # قديم العين متفقون على أنه لم يتكلم بمشيئته وقدرته، سواء قالوا: هو معنى ~~واحد قائم بالذات، أو قالوا: هو حروف، أو حروف وأصوات قديمة أزلية الأعيان. # بخلاف أئمة السلف الذين قالوا: إنه يتكلم بمشيئته، وقدرته، وإنه لم يزل ~~متكلما إذا شاء، وكيف شاء، (1 فإن هؤلاء يقولون: الكلام قديم النوع، وإن ~~كلمات الله لا نهاية لها، بل لم يزل متكلما بمشيئته، وقدرته، ولم يزل يتكلم ~~كيف شاء إذا شاء 1) (1) ، ونحو ذلك من العبارات، والذين قالوا: إنه يتكلم ~~بمشيئته وقدرته، وكلامه حادث بالغير (2) قائم (3) بذاته، أو مخلوق منفصل ~~عنه يمتنع عندهم أن يكون قديما. # فقد اتفقت الطوائف كلها على أن المعين القديم الأزلي لا يكون مقدورا ~~مرادا بخلاف ما كان نوعه لم يزل موجودا شيئا بعد شيء، فهذا مما يقول أئمة ~~السلف وأهل السنة والحديث: إنه يكون بمشيئته وقدرته، كما يقول ذلك ms0072 جماهير ~~الفلاسفة الأساطين الذين يقولون بحدوث الأفلاك وغيرها وأرسطو، وأصحابه ~~الذين يقولون بقدمها. # فأئمة أهل الملل وأئمة الفلاسفة يقولون: إن الأفلاك محدثة كائنة بعد أن ~~لم تكن مع قولهم: إنه لم يزل النوع المقدور المراد موجودا شيئا بعد شيء. # ولكن كثيرا من أهل الكلام يقولون: ما كان مقدورا مرادا يمتنع أن ~~PageV01P166 # يكون لم يزل شيئا بعد شيء، ومنهم من يقول بمنع ذلك في المستقبل أيضا. # وهؤلاء هم الذين ناظرهم الفلاسفة القائلون بقدم العالم، ولما ناظروهم ~~واعتقدوا أنهم قد خصموهم وغلبوهم اعتقدوا أنهم قد خصموا أهل الملل مطلقا ~~لاعتقادهم الفاسد الناشئ عن جهلهم بأقوال أئمة أهل الملل بل وبأقوال أساطين ~~الفلاسفة القدماء وظنهم أنه (1) ليس لأئمة الملل وأئمة الفلاسفة قول إلا ~~قول هؤلاء المتكلمين، وقولهم أو قول المجوس والحرانية (2) ، أو قول من يقول ~~بقدم مادة بعينها، ونحو ذلك من الأقوال التي قد يظهر فسادها للنظار، وهذا ~~مبسوط في موضع آخر. # والمقصود هنا أن عامة العقلاء مطبقون على أن العلم بكون الشيء المعين ~~مرادا مقدورا يوجب العلم بكونه حادثا كائنا بعد أن لم يكن، بل هذا عند ~~العقلاء من المعلوم بالضرورة (3) ، ولهذا كان مجرد تصور العقلاء أن الشيء ~~مقدور للفاعل مراد له فعله بمشيئته وقدرته موجب للعلم (4) بأنه حادث، بل ~~مجرد تصورهم كون الشيء مفعولا. أو مخلوقا أو مصنوعا أو نحو ذلك من العبارات ~~يوجب العلم بأنه محدث كائن بعد أن لم يكن، ثم بعد هذا قد ينظر في أنه فعله ~~بمشيئته وقدرته، وإذا PageV01P167 # علم أن الفاعل لا يكون فاعلا إلا بمشيئته وقدرته، وما كان مقدورا مرادا، ~~فهو محدث كان هذا أيضا دليلا ثانيا (1) على أنه محدث. # ولهذا [كان] (2) كل من تصور من العقلاء أن الله تعالى خلق السماوات ~~والأرض أو خلق (3) شيئا من الأشياء كان هذا مستلزما لكون ذلك المخلوق محدثا ~~كائنا بعد أن لم يكن. # وإذا قيل لبعضهم: هو قديم مخلوق، أو قديم [محدث] (4) ، وعنى بالمخلوق ~~والمحدث ما يعنيه هؤلاء المتفلسفة الدهرية المتأخرون الذين يريدون بلفظ ~~المحدث أنه معلول، ويقولون ms0073: إنه قديم أزلي مع كونه معلولا ممكنا يقبل ~~الوجود والعدم، فإذا تصور العقل [الصريح] (5) هذا المذهب جزم بتناقضه، وأن ~~أصحابه جمعوا بين النقيضين حيث قدروا مخلوقا محدثا معلولا مفعولا ممكنا أن ~~يوجد وأن يعدم، وقدروه مع ذلك قديما أزليا واجب الوجود بغيره يمتنع عدمه. # وقد بسطنا هذا في مواضع في الكلام على المحصل وغيره، وذكرنا أن ما ذكره ~~الرازي (6) عن أهل الكلام من أنهم يجوزون وجود مفعول PageV01P168 # معلول أزلي للموجب بذاته لم يقله (1) أحد منهم، بل هم متفقون على أن كل ~~مفعول، فإنه لا يكون إلا محدثا. # وما ذكره هو وأمثاله موافقة لابن سينا من أن الممكن وجوده وعدمه قد يكون ~~قديما أزليا قول باطل عند جماهير العقلاء من الأولين والآخرين. # حتى عند أرسطو وأتباعه القدماء والمتأخرين، فإنهم موافقون لسائر العقلاء ~~في أن كل ممكن يمكن وجوده وعدمه لا يكون إلا محدثا كائنا بعد أن لم يكن، ~~وأرسطو إذا قال: إن الفلك قديم لم يجعله مع ذلك ممكنا يمكن وجوده وعدمه. # والمقصود أن العلم بكون الشيء مقدورا مرادا يوجب العلم بكونه محدثا، بل ~~العلم بكونه مفعولا يوجب العلم بكونه محدثا، فإن الفعل والخلق والإبداع ~~والصنع ونحو ذلك لا يعقل إلا مع تصور حدوث المفعول. # وأيضا، فالجمع بين كون الشيء مفعولا وبين كونه قديما أزليا مقارنا ~~لفاعله. (2) في الزمان جمع بين المتناقضين، ولا يعقل قط في الوجود ~~PageV01P169 # فاعل قارنه مفعوله المعين (1) سواء سمي [علة] فاعلة، أو لم يسم (2) ، ~~ولكن يعقل كون الشرط مقارنا للمشروط. ### | المعنى الصحيح للتقدم والتأخر # والمثل (3) الذي يذكرونه من قولهم حركت يدي، فتحرك خاتمي، أو كمي (4) ، ~~أو المفتاح (5) ، ونحو ذلك حجة عليهم لا لهم، فإن حركة اليد ليست هي العلة ~~التامة، ولا الفاعل لحركة الخاتم، [بل الخاتم] (6) مع الإصبع كالإصبع مع ~~الكف، فالخاتم متصل (7) بالإصبع، والإصبع متصلة بالكف لكن الخاتم يمكن ~~نزعها بلا ألم بخلاف الإصبع، وقد يعرض بين الإصبع والخاتم خلو يسير (8) ~~بخلاف أبعاض الكف. # ولكن حركة الإصبع شرط في حركة الخاتم، كما أن حركة الكف شرط ms0074 في حركة ~~الإصبع أعني في الحركة المعينة التي مبدؤها من اليد بخلاف الحركة التي تكون ~~للخاتم، أو للإصبع ابتداء، فإن هذه [متصلة] (9) منها إلى الكف كمن يجر إصبع ~~غيره، فيجر معه كفه. # وما يذكرونه من أن التقدم والتأخر يكون بالذات والعلة كحركة PageV01P170 # الإصبع، ويكون بالطبع كتقدم الواحد على الاثنين، و [يكون] بالمكانة (1) ~~كتقدم العالم على الجاهل، و [يكون] بالمكان (2) كتقدم الصف الأول على ~~الثاني: وتقدم مقدم المسجد على مؤخره، ويكون بالزمان كلام مستدرك. # فإن التقدم والتأخر المعروف هو التقدم والتأخر بالزمان، [فإن قبل] (3) ~~وبعد ومع ونحو ذلك، معانيها لازمة للتقدم والتأخر الزماني، وأما التقدم ~~بالعلية (4) ، أو الذات مع المقارنة في الزمان، فهذا لا يعقل ألبتة، ولا له ~~مثال مطابق في الوجود، بل هو مجرد تخيل لا حقيقة له. # وأما تقدم الواحد على الاثنين، فإن عنى به الواحد المطلق، (5 فهذا لا ~~وجود له في الخارج، ولكن في الذهن، والذهن يتصور الواحد المطلق 5) (5) قبل ~~الاثنين المطلق، فيكون متقدما في التصور تقدما زمانيا، وإن لم يعن به هذا ~~فلا تقدم، بل الواحد شرط في الاثنين مع كون الشرط لا يتأخر عن المشروط، بل ~~(6) قد يقارنه وقد يكون معه، فليس هنا تقدم واجب (7) غير التقدم الزماني. # وأما التقدم بالمكان، فذاك نوع آخر، وأصله من التقدم بالزمان، فإن ~~PageV01P171 # مقدم المسجد تكون فيه الأفعال المتقدمة بالزمان على مؤخره، فالإمام يتقدم ~~فعله بالزمان لفعل المأموم، فسمي محل الفعل المتقدم متقدما، وأصله هذا. # وكذلك التقدم بالرتبة، فإن أهل الفضائل مقدمون في الأفعال الشريفة ~~والأماكن (1) ، وغير ذلك على من هو (2) دونهم، فسمي ذلك تقدما، وأصله هذا. # وحينئذ فإن كان الرب هو الأول المتقدم على كل ما سواه (3) كان كل شيء ~~متأخرا عنه، وإن قدر أنه لم يزل فاعلا فكل فعل معين ومفعول معين هو متأخر ~~عنه. ### | الزمان المطلق مقدار الحركة المطلقة # وإذا قيل: الزمان مقدار الحركة، فليس هو مقدار حركة معينة كحركة الشمس، ~~أو الفلك (4) ، بل الزمان المطلق مقدار الحركة المطلقة، وقد كان قبل أن ~~يخلق الله (5) السماوات والأرض ms0075 والشمس والقمر حركات وأزمنة، وبعد أن يقيم ~~الله القيامة، فتذهب الشمس، والقمر تكون في الجنة حركات وأزمنة (6) ، كما ~~قال تعالى: {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا} [سورة مريم: 62] . # وجاء في الآثار أنهم يعرفون الليل والنهار بأنوار تظهر من جهة ~~PageV01P172 # العرش، وكذلك لهم في الآخرة يوم المزيد يوم الجمعة يعرف بما يظهر فيه من ~~الأنوار الجديدة القوية، وإن كانت الجنة كلها نورا يزهر، ونهرا يطرد (1) ~~لكن يظهر بعض الأوقات نور آخر يتميز به النهار عن الليل (2) . # فالرب تعالى إذا [كان] (3) لم يزل متكلما بمشيئته، فعالا بمشيئته كان ~~مقدار كلامه وفعاله (4) الذي لم يزل هو الوقت الذي يحدث فيه ما يحدث من ~~مفعولاته، وهو سبحانه متقدم على كل ما سواه التقدم الحقيقي المعقول (5) . # ولا نحتاج أن نجيب عن هذا بما ذكره الشهرستاني والرازي وغيرهما: من أن في ~~أنواع التقدمات تقدم أجزاء الزمان على بعض، وأن هذا نوع آخر، وأن تقدم الرب ~~على العالم هو من هذا الجنس. # فإن هذا قد يرد لوجهين: # أحدهما: أن تقدم بعض أجزاء الزمان على بعض هو بالزمان، فإنه PageV01P173 # ليس المراد بالتقدم بالزمان أن يكون هناك (1) زمان خارج عن التقدم ~~والمتقدم وصفاتهما، بل المراد أن المتقدم يكون قبل المتأخر (2) القبلية ~~المعقولة كتقدم اليوم على غد، وأمس على اليوم، ومعلوم أن تقدم طلوع الشمس، ~~وما يقارنه من الحوادث على الزوال نوع واحد، فلا فرق بين تقدم نفس الزمان ~~المتقدم على المتأخر، وبين تقدم ما يكون في الزمان المتقدم على ما يكون في ~~الزمان المتأخر. # الوجه الثاني: أن يقال: أجزاء (3) الزمان متصلة متلاحقة ليس فيها فصل (4) ~~عن (5) الزمان، ومن قال: إن الباري لم يزل غير فاعل، ولا يتكلم بمشيئته، ثم ~~صار. [فاعلا. و] متكلما (6) بمشيئته وقدرته يجعل بين هذا وهذا من الفصل (7) ~~ما لا نهاية له، فكيف يجعل هذا بمنزلة تقدم أجزاء الزمان بعضها على بعض (8) ~~؟ . # وبالجملة فالعلم بأن الفاعل بمشيئته وقدرته، بل الفاعل مع قطع النظر عن ~~كونه إنما يفعل بمشيئته، وقدرته - وإن كان هذا لازما له في نفس الأمر ms0076 - ~~فالعلم (9) بمجرد كونه فاعلا للشيء المعين يوجب العلم بأنه PageV01P174 # أبدعه، وأحدثه، وصنعه، (1 ونحو ذلك من معاني العبارات التي تقتضي أن ~~المفعول كان بعد أن لم يكن 1) (1) (2 وأن ما فعله بقدرته وإرادته كان بعد ~~أن لم يكن، وإن قدر دوام كونه فاعلا بقدرته، وإرادته 2) (2) . # فعلم أن إرادته لشيء معين في الأزل [ممتنع] (3) ; لأن إرادة وجوده تقتضي ~~إرادة وجود لوازمه ; لأن وجود الملزوم بدون [وجود] (4) اللازم محال، فتلك ~~الإرادة القديمة لو اقتضت وجود مراد معين في الأزل لاقتضت وجود لوازمه، وما ~~من وجود معين من المرادات إلا. وهو مقارن لشيء آخر (5) من الحوادث كالفلك ~~الذي لا ينفك عن الحوادث، وكذلك العقول والنفوس التي يثبتها هؤلاء الفلاسفة ~~هي لا تزال مقارنة للحوادث، وإن قالوا: إن الحوادث معلولة لها، فإنها ~~ملازمة مقارنة لها على كل تقدير. # وذلك أن الحوادث مشهودة في العالم، فإما أن تكون لم تزل مقارنة للعالم، ~~أو تكون حادثة فيه بعد أن لم تكن، فإن لم تزل مقارنة له ثبت أن العالم لم ~~يزل مقارنا للحوادث، وإن قيل: إنها حادثة فيه بعد أن لم تكن كان العالم ~~خاليا عن الحوادث، ثم حدثت فيه، وذلك يقتضي حدوث الحوادث بلا سبب حادث، ~~وهذا ممتنع على ما تقدم، وكما سلموه هم. PageV01P175 # فإن (1) قيل: إن هذا جائز أمكن (2) وجود العالم بما فيه من الحوادث مع ~~القول بأن الحوادث حدثت بعد أن لم تكن حادثة أعني نوع الحوادث، وإلا فكل ~~حادث معين فهو حادث بعد أن لم يكن. ### | الأقوال الثلاثة في دوام أنواع الحوادث أزلا وأبدا # وإنما النزاع في نوع الحوادث هل يمكن دوامها في المستقبل والماضي، أو في ~~المستقبل فقط، أو لا يمكن دوامها لا في الماضي ولا في المستقبل (3) على ~~ثلاثة أقوال معروفة عند أهل (4) النظر من المسلمين وغيرهم أضعفها قول من ~~يقول: لا يمكن دوامها لا في الماضي، ولا في المستقبل كقول جهم بن صفوان (5) ~~، وأبي الهذيل العلاف، وثانيها قول من يقول: يمكن دوامها في المستقبل دون ~~الماضي كقول كثير من أهل الكلام ms0077 من الجهمية والمعتزلة، ومن وافقهم من ~~الكرامية والأشعرية والشيعة، ومن وافقهم من الفقهاء وغيرهم، والقول الثالث ~~قول من يقول: [يمكن] (6) دوامها في الماضي والمستقبل. كما يقوله أئمة أهل ~~الحديث وأئمة الفلاسفة وغيرهم. # لكن القائلون بقدم الأفلاك كأرسطو، وشيعته يقولون. بدوام حوادث الفلك، ~~وأنه ما من دورة إلا وهي (7) مسبوقة بأخرى لا إلى أول وأن الله PageV01P176 # لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، [بل حقيقة قولهم: إن ~~الله لم يخلق شيئا، كما بين في موضع آخر] (1) ، وهذا كفر باتفاق أهل الملل: ~~المسلمين، واليهود والنصارى. # وهؤلاء القائلون بقدمها يقولون. بأزلية الحوادث في الممكنات، وأما الذين ~~يقولون: إن الله خالق كل شيء، [وربه، ومليكه] (2) ، وما سواه مخلوق محدث ~~كائن بعد أن لم يكن، فهم يفرقون بين الخالق الواجب، والمخلوق الممكن في ~~دوام الحوادث وهذا قول أئمة أهل الملل وأئمة الفلاسفة [القدماء] (3) ، فهم ~~وإن قالوا: إن الرب لم يزل متكلما إذا شاء، ولم (4) يزل حيا فعالا فإنهم ~~يقولون: إن ما سواه مخلوق حادث بعد أن لم يكن. # والمقصود هنا أن الفلاسفة القائلين بقدم العالم إن جوزوا حدوث الحوادث ~~بلا سبب حادث بطلت عمدتهم في قدم العالم، وإن منعوا ذلك امتنع خلو العالم ~~عن الحوادث، وهم [لا] يسلمون (5) أنه لم يخل من الحوادث. # وإذا كان [كل] (6) موجود معين من مرادات الله التي يخلقها، فإنه مقارن ~~(7) PageV01P177 # للحوادث مستلزم لها امتنع إرادته دون إرادة لوازمه التي لا ينفك عنها، ~~والله رب كل شيء، وخالقه لا رب غيره، فيمتنع أن يكون بعض ذلك بإرادته، ~~وبعضه بإرادة غيره، بل الجميع بإرادته. # وحينئذ فالإرادة الأزلية القديمة (1) إما أن تكون مستلزمة لمقارنة مرادها ~~لها، وإما أن لا تكون كذلك، فإن كان الأول لزم أن يكون المراد ولوازمه ~~قديما أزليا، والحوادث لازمة لكل مراد مصنوع، فيجب أن تكون مرادة له، وأن ~~تكون قديمة أزلية (2) ، إذ التقدير أن المراد مقارن للإرادة، فيلزم أن تكون ~~جميع الحوادث المتعاقبة قديمة أزلية، وهذا ممتنع لذاته. ### | اعتراض يشبه قول ابن ملكا والرد عليه # وإن قيل ms0078: إنه أراد القديم بإرادة قديمة، وأراد الحوادث المتعاقبة عليه ~~(3) بإرادات متعاقبة، كما قد يقوله طائفة من الفلاسفة، وهو يشبه قول صاحب ~~المعتبر (4) . PageV01P178 # قيل: أولا: كون الشيء مرادا يستلزم حدوثه، بل وتصور كونه مفعولا يستلزم ~~حدوثه، فإن مقارنة المفعول المعين لفاعله ممتنع في بداية (1) العقول. # وقيل: ثانيا: إن (2) جاز أن يكون له إرادات متعاقبة دائمة النوع لم يمتنع ~~أن يكون كل ما سواه حادثا بتلك الإرادات، فالقول حينئذ بقدم شيء من العالم ~~قول بلا حجة أصلا. # وقيل: ثالثا: إن (3) الفاعل الذي من شأنه أن يفعل شيئا بعد شيء بإرادات ~~متعاقبة يمتنع قدم شيء معين من إراداته (4) ، وأفعاله، وحينئذ فيمتنع قدم ~~شيء من مفعولاته، فيمتنع قدم شيء من العالم. # وقيل: رابعا: إذا قدر أنه في الأزل كان مريدا لذلك المعين - كالفلك - ~~إرادة مقارنة للمراد [لزم أن يكون مريدا للوازمه إرادة مقارنة للمراد] (5) ~~، فإن وجود الملزوم بدون اللازم محال، واللازم له نوع الحوادث، وإرادة ~~النوع إرادة مقارنة (6 له في الأزل محال لامتناع وجود النوع كله في الأزل. ### | قول الكلابية # وإذا قيل: اللازم له دوام 6) (6) الحوادث (7) ، فيكون مستلزما لدوام ~~الإرادة لتلك الحوادث. PageV01P179 # قيل: معلوم أن إرادة هذا الحادث ليست إرادة هذا الحادث، وإن جوزوا هذا ~~لزمهم أن يجوزوا وجود جميع الكائنات بإرادة واحدة قديمة [أزلية] (1) ، كما ~~يقوله من يقوله من المتكلمين كابن كلاب وأتباعه، وحينئذ يبطل قولهم. # وإذا كان كذلك، فالمعلول المعين القديم إذا قدر كان [مرادا] (2) بإرادة ~~قديمة أزلية باقية، ولم يقترن بها إرادة (3) شيء من الحوادث ; لأن (4) ~~الحادث لا يكون قديما، ونوع الإرادات والحوادث ليس فيه شيء بعينه قديم لكن ~~قد يقال: يقترن بها النوع الدائم (5) لكن هذا ممتنع من وجوه قد ذكر بعضها. ### | قول الأشعرية والكرامية وموافقيهم # وإن قيل: إن الإرادة القديمة الأزلية [ليست] (6) مستلزمة لمقارنة مرادها ~~لها لم يجب أن يكون المراد قديما أزليا، ولا يجوز أن يكون حادثا ; لأن ~~حدوثه بعد أن لم يكن يفتقر إلى سبب حادث كما تقدم. # وإن (7) جاز أن يقال: [إن] (8) الحوادث تحدث بالإرادة القديمة ms0079 الأزلية من ~~غير تجدد أمر من الأمور - كما يقول ذلك كثير من أهل الكلام PageV01P180 # من الأشعرية، والكرامية، [وغيرهم] (1) ، ومن وافقهم من أتباع الأئمة ~~أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم - كان هذا مبطلا لحجة هؤلاء الفلاسفة على ~~قدم العالم. # فإن أصل حجتهم أن الحوادث لا تحدث إلا بسبب حادث، فإذا جوزوا حدوثها (2) ~~عن القادر المختار بلا سبب حادث، أو جوزوا حدوثها بالإرادة القديمة الأزلية ~~بطلت عمدتهم، وهم لا يجوزون (3) ذلك. # وأصل هذا الدليل أنه لو كان شيء من العالم قديما للزم أن يكون صدر عن ~~مؤثر تام سواء سمي علة تامة، أو موجبا بالذات، أو قيل: إنه قادر مختار، ~~واختياره أزلي مقارن لمراده في الأزل (4) ، ويمتنع (5) أن يكون في الأزل، ~~ويمتنع أن يكون في الأزل قادر مختار يقارنه مراده سواء سمي ذلك علة تامة، ~~أو لم يسم، وسواء سمي موجبا بالذات، [أو لم يسم] (6) ، بل يمتنع أن يكون ~~شيء من المفعولات [المعينة] (7) العقلية مقارنا لفاعله الأزلي في الزمان، ~~وامتناع هذا معلوم بصريح العقل عند جماهير العقلاء من الأولين والآخرين، ~~ويمتنع أن يكون في الأزل علة تامة، أو موجب بالذات سواء (8) سمي قادرا ~~مختارا، أو لم يسم. PageV01P181 # وسر ذلك: أن ما كان كذلك لزم أن يقارنه أثره المسمى معلولا. أو مرادا، أو ~~موجبا بالذات، أو مبدعا، أو غير ذلك من الأسماء لكن مقارنة ذلك له في الأزل ~~تقتضي أن لا يحدث عنه شيء بعد أن لم يكن حادثا، ولو لم يكن كذلك لم يكن ~~للحوادث فاعل، بل كانت حادثة بنفسها، وهذا ممتنع بنفسه، فإثبات موجب بالذات ~~أو فاعل مختار يقارنه مراده في الأزل يستلزم أن لا يكون للحوادث. (1) فاعل، ~~وهذا محال. ### | قول ابن سينا # لا سيما قول من يقول: إن العالم صدر عن ذات بسيطة لا يقوم بها صفة ولا ~~فعل، كما يقوله ابن سينا، وأمثاله، فإن هؤلاء يقولون بصدور الأمور المختلفة ~~عن ذات بسيطة، وإن العلة البسيطة التامة الأزلية توجب معلولات مختلفة، وهذا ~~من أعظم الأقوال امتناعا في صريح المعقول. # ومهما أثبتوه ms0080 من الوسائط كالعقول وغيرها، فإنه لا يخلصهم من هذا القول ~~الباطل. # فإن تلك الوسائط ### | -[كالعقول]- # (2) صدرت عن غيرها، وصدر عنها غيرها. # فإن كانت بسيطة من كل وجه، فقد صدر المختلف الحادث (3) عن البسيط الأزلي، ~~وإن كان فيها (4) اختلاف، أو قام بها حادث، فقد صدرت أيضا (5) المختلفات ~~والحوادث عن البسيط التام [الأزلي] (6) ، PageV01P182 # وكلاهما باطل، فهم مع القول (1) بأن مبدع العالم علة له أبعد الناس عن ~~مراعاة موجب التعليل. # وهؤلاء يقولون. [أيضا] (2) : إنه علة تامة أزلية لبعض العالم كالأفلاك ~~مثلا. وليس علة تامة في الأزل لشيء من الحوادث، بل لا يصير علة تامة لشيء ~~من الحوادث إلا عند حدوثه، فيصير علة بعد أن لم يكن علة (3) مع أن حاله قبل ~~[ومع] (4) ، وبعد حال. (5) واحدة، فاختصاص كل وقت بحوادثه، وبكونه صار علة ~~تامة فيه لتلك الحوادث لا بد له من مخصص، ولا مخصص إلا الذات البسيطة، ~~وحالها في نفسها. [واحد أزلا وأبدا، فكيف يتصور أن يخص بعض الأوقات بحوادث ~~مخصوصة دون بعض مع تماثل أحوالها في نفسها؟] (6) . # وهذا بعينه تخصيص (7) لكل حال من الأحوال الحادثة (8) المتماثلة (9) عن ~~سائر أمثاله بذلك الإحداث، وبتلك المحدثات من غير مخصص يختص به ذلك المثل، ~~فقد وقع هؤلاء في أضعاف ما فروا منه وأضعاف أضعافه إلى ما لا يتناهى. ~~PageV01P183 # وإذا قيل: حدوث الحادث الأول أعد الذات لحدوث الثاني. . # قيل لهم: فالذات نفسها هي علة الجميع، ونسبتها إلى الجميع نسبة واحدة، ~~فما الموجب لكونها جعلت ذلك يعدها لهذا دون العكس مع أنه لم يقم بها شيء ~~يوجب التخصيص.؟ . # وأيضا: فكيف تصير هي فاعلة (1) لهذا الحادث بعد أن لم تكن فاعلة له (2) ~~من غير أمر يقوم بها؟ . # وأيضا: فكيف يكون معلولها يجعلها فاعلة بعد أن لم تكن فاعلة بدون فعل ~~يقوم بها؟ . # وإذا قالوا: أفعالها تختلف، وتحدث لاختلاف القوابل والشرائط وحدوث ذلك ~~الاستعداد، [و] سبب (3) ذلك الحدوث هو الحركات الفلكية والاتصالات ~~الكوكبية. # قيل لهم: هذا إن كان ممكنا، فإنما يمكن فيما يكون فيه فاعل الإعداد غير ~~فاعل الإمداد كالشمس التي ms0081 يفيض نورها وحرارتها على العالم، ويختلف فعلها، ~~ويتأخر كمال تأثيرها عن شروقها لاختلاف القوابل وحدوثها، والقوابل ليست من ~~فعل الشمس. # وكذلك ما يدعونه من العقل الفعال الذي يختلف فيضه في هذا العالم باختلاف ~~قوابله، فإن القوابل اختلفت باختلاف حركات الأفلاك، وليست حركات كل الأفلاك ~~عن العقل الفياض. PageV01P184 # فأما الذات: التي منها الإعداد، ومنها الإمداد، ومنها الفيض، ومنها ~~القبول، وهي الفاعلة للقابل والمقبول والشرط والمشروط، فلا يتصور أن يقال: ~~إنما اختلف فعلها أو فيضها أو إيجابها، [وتأخر] (1) لاختلاف القوابل ~~والشروط، أو لتأخر ذلك، فإنه يقال: القول (2) في اختلاف القوابل والشروط ~~وتأخرها كالقول في اختلاف [المقبول] (3) ، والمشروط وتأخر ذلك، فليس هناك ~~سبب وجودي يقتضي ذلك إلا مجرد الذات التي هي عندهم بسيطة، وهي [عندهم] (4) ~~علة تامة أزلية، فهل هذا القول إلا من أفسد الأقوال في صريح المعقول؟ . # وإن قالوا: السبب في ذلك أنه لم يكن إلا هذا، وأن الممكنات لا تقبل إلا ~~هذا. # قيل: الممكنات قبل وجودها ليس لها حقيقة موجودة تجعل هي السبب في تخصيص ~~أحد الموجودين بالوجود دون الآخر، ولكن بعد وجودها يعقل كون الممكن شرطا ~~لغيره ومانعا لغيره كوجود (5) أحد الضدين فإنه مانع من الآخر [دون غيره] ~~(6) ، ووجود اللازم، فإنه شرط في وجود الملزوم أي لا بد من وجوده مع وجوده ~~سواء وجدا معا، أو سبق أحدهما الآخر. PageV01P185 # وإنما يقدر وجود شيء من الممكنات، فكيف يعقل أن أحد الممكنين الجائزين ~~اللذين لم يوجد واحد منهما هو الذي أوجب في الذات البسيطة أن يوجد هذا دون ~~هذا ويجعل هذا قديما دون هذا مع أنها واحدة بسيطة نسبتها إلى جميع الممكنات ~~نسبة واحدة. # وإذا قيل: ماهية الممكن أوجبت ذلك دون وجوده. # قيل: الجواب من وجهين: # أحدهما: أن الماهية المجردة عن الوجود إنما تعقل في العلم الذي يعبر عنه ~~بالوجود الذهني دون الوجود الخارجي، والعلم تابع للمعلوم، فإن لم يكن من ~~الذات الفاعلة سبب (* يقتضي تخصيص ماهية دون ماهية بالوجود، بل كانت بسيطة ~~لا اختصاص لها بشيء من الماهيات لم يعقل *) (1) اختصاص ms0082 إحدى الماهيتين ~~بالوجود دون الأخرى، ومعلوم أن الفاعل إذا تصور ما يريد فعله قبل أن يفعله، ~~فلا بد من أن يكون فيما يراد. (2) فعله سبب يوجب تخصيصه بالإرادة، والعبد ~~لإرادته أسباب خارجة عنه (3) توجب التخصيص، وأما الرب تعالى، فلا يخرج عنه ~~إلا ما هو منه، وهو مفعوله، فإن لم يكن في ذاته ما يوجب التخصيص امتنع ~~التخصيص منه، فامتنع الفعل. # الثاني: أن يقال: هب أن ماهية الممكن ثابتة في الخارج لكن القول في (4) ~~تخصيص تلك الماهيات المقارنة لوجودها بالوجود دون PageV01P186 # بعض، كالقول في تخصيص وجودها إذ (1) كان كل ما يقدر وجوده فماهيته مقارنة ~~له. # وإن قيل: إن الماهيات أمر محقق في الخارج غني عن الفاعل، فهذا تصريح ~~بأنها واجبة بنفسها مشاركة للرب في إبداع (2) الوجود، وهذا باطل، وهذا ~~يتوجه على القول بأن المعدوم ليس بشيء، وهو الصواب، [و] على قول (3) من ~~قال: إنه شيء في الخارج أيضا. ### | البرهنة على صحة هذا الدليل من وجوه شتى # (فصل) (4) # ثم إنه يمكن تحرير (5) هذا الدليل بطريق التقسيم على كل تقدير تقوله ~~طائفة من طوائف المسلمين. # مثل أن يقال (6) : [إن] (7) الحوادث إما أن يمتنع دوامها، ويجب أن يكون ~~لها ابتداء، وإما أن لا يمتنع دوامها، بل يجوز حوادث لا أول لها. # فإن كان الأول: لزم وجود الحوادث عن القديم الواجب الوجود بنفسه من غير ~~حدوث شيء من الأشياء، كما يقول ذلك كثير من أهل الكلام PageV01P187 # سواء قالوا (1) : إنها تصدر عن القادر (2) المختار، ولم يثبتوا له إرادة ~~قديمة، كما تقوله المعتزلة والجهمية، أو قالوا: إنها تصدر عن القادر ~~المختار المريد بإرادة قديمة أزلية، كما تقوله الكلابية والأشعرية ~~والكرامية. # وعلى هذا القول فيمتنع قدم شيء من العالم، (3 فإنه ما من شيء من العالم ~~3) (3) إلا. وهو مقرون بالحوادث لم يسبقها سواء جعل كل (4) ذلك جسما، أو ~~قيل: إن هناك عقولا ونفوسا ليست أجساما، فإنه لا ريب أنها مقارنة للحوادث، ~~فإنها (* فاعلة (5) مستلزمة لها، فإذا امتنع وجود حوادث لا أول لها امتنع ~~أن يكون للحوادث *) (6) علة مستلزمة لها ms0083 سواء كانت ممكنة أو واجبة، وعلى ~~هذا التقدير فالإرادة القديمة لا تستلزم وجود المراد معها لكن يجب وجود ~~المراد في الوقت المتأخر عن الإرادة. # وإن قيل: إنه يمكن دوام الحوادث، وأن لا يكون لها ابتداء. # فيقال: على هذا التقدير يمتنع أن يكون شيء من العالم قديما أزليا لا ~~الأفلاك ولا العقول ولا النفوس ولا المواد (7) العنصرية ولا الجواهر ~~المفردة (8) ، ولا غير ذلك ; لأن كل ما كان قديما من العالم أزليا، فلا بد ~~أن PageV01P188 # يكون فاعله موجبا له بالذات سواء سمي علة تامة، أو مرجحا تاما، أو سمي ~~قادرا مختارا. # لكن وجود الموجب بالذات. [في الأزل] (1) محال ; لأنه يستلزم أن يكون ~~موجبه ومقتضاه أزليا، وهذا ممتنع لوجوه: # منها: أن المفعول المعين [للفاعل] (2) يمتنع أن يكون مقارنا له في الزمان ~~أزليا معه، لا سيما إذا اعتبر مع ذلك أن يكون فاعلا بإرادته وقدرته، فإن ~~مقارنة مقدوره المعين له بحيث يكون أزليا معه محال، بل هذا [محال] (3) ~~ممتنع فيما يقدر قائما به، فإنه يمتنع كونه (4) مرادا أزليا، فلأن يكون ~~ممتنعا فيما هو منفصل عنه بطريق الأولى. # ومنها: أنه إذا قدر علة تامة موجبا بذاته لزم أن يقارنه معلوله مطلقا، ~~فيكون كل شيء من العالم أزليا، وهذا محال خلاف المشاهدة وإجماع العقلاء. ### | القول بأن بعض العالم أزلي وبعضه ليس بأزلي يقتضي بطلان قولهم من وجوه # وإذا قيل: إن بعض العالم أزلي كالأفلاك ونوع الحركات، وبعضه ليس بأزلي ~~كآحاد الأشخاص، والحركات. # قيل: هذا يقتضي بطلان قولهم من وجوه: # أحدها: أنه إذا جاز كونه فاعلا للحوادث شيئا بعد شيء أمكن أن يكون كل ما ~~سواه حادثا، فالقول بقدم شيء معين من العالم قول بلا حجة. PageV01P189 # الثاني: أن كونه محدثا للحوادث شيئا بعد شيء بدون قيام سبب به يوجب ~~الإحداث ممتنع، فإن الذات إذا كان حالها قبل هذا، وبعد هذا، ومع هذا. (1) ~~واحدة امتنع أن تخص هذا بالإحداث دون هذا، بل امتنع أن تحدث شيئا. # الثالث: [أنه] (2) إن (3) جوز أن تحدث شيئا بدون سبب يقوم بها جاز ms0084 أن ~~يكون لجميع الحوادث ابتداء، فلا يكون في العالم شيء قديم، وإن لم يجوز ذلك ~~(4) بطل قولهم بأنها تحدث الحوادث بدون سبب يقوم بها. # الرابع: أن إحداث الحوادث إن لم يجز بدون سبب يقوم بها بطل قولهم، وإن ~~(5) افتقر إلى سبب يقوم بها لزم أن يقوم بها تلك الأمور دائما شيئا بعد ~~شيء، فلا تكون فاعلة قط إلا مع قيام ذلك بها، فيمتنع أن يكون لها مفعول ~~معين أزلا وأبدا ; لأن صدور ذلك عن ذات تفعل ما يقوم بها شيئا بعد شيء ~~ممتنع ; لأن ما تفعل بهذه الواسطة لا يكون فعلها إلا شيئا بعد شيء، فيمتنع ~~أن يكون لها فعل معين لازم لها، وإذا امتنع ذلك امتنع أن يكون لها مفعول ~~معين لازم لها. # الخامس: أنه إذا قدر أن شيئا من معلولاتها لازم لها أزلا وأبدا لم يكن ~~ذلك إلا لكون الذات علة تامة موجبة له، ومعلوم أن المعين PageV01P190 # مخصوص بقدر وصفة وحال (1) ، وهذا التخصيص الذي فيه يستلزم أن يكون ~~الاختصاص في علته، وإلا فالعلة التي لا اختصاص لها لا توجب ما هو مختص بقدر ~~وحال وصفة. # ومعلوم أنه إذا قدر أن الفاعل هو الذات المجردة عن الأحوال المتعاقبة ~~عليها سواء قيل: إنه لا يقوم بها الأحوال، أو قيل: إنها تقوم بها لكن على ~~التقديرين (2) لا تكون موجبة لشيء قديم أزلي إلا لمجرد الذات المجردة عن ~~الأحوال المتعاقبة ; لأن الأحوال المتعاقبة آحادها موجودة شيئا بعد شيء، ~~فيمتنع أن تكون موجبة (3) لشيء قديم أزلي، فإن الموجب القديم المعين الأزلي ~~أولى أن يكون قديما أزليا معينا، والأحوال المتعاقبة ليس منها (4) شيء قديم ~~معين (5) أزلي، فيمتنع أن يكون الموجب المشروط بها قديما أزليا. # فإذا قدر أنه قديم أزلي لم يكن ذلك إلا بتقدير أن تكون الذات المجردة هي ~~الموجبة والذات المجردة ليس فيها اختصاص يوجب تخصيص الفلك دون غيره بكونه ~~معلولا بخلاف ما إذا قيل: إنه حدث بعد أن لم يكن لأسباب أوجبت الحدوث، ~~والتخصيص، فإن هذا السؤال يندفع، وهذا دليل مستقل في ms0085 المسألة، ولم يتقدم ~~بعد ذكره في هذا الكتاب. PageV01P191 # السادس: أنه إذا كانت الأحوال لازمة لها كان بتقدير فعلها بدون الأحوال ~~تقديرا ممتنعا، وحينئذ فالذات المستلزمة للأحوال المتعاقبة لا تفعل بدونها، ~~وإذا كان الفاعل لا يفعل إلا بأحوال متعاقبة امتنع قدم شيء من مفعولاته ; ~~لأن القديم يقتضي علة تامة أزلية، وما يستلزم الأحوال المتعاقبة لا يكون ~~اقتضاؤه في الأزل لشيء معين تاما أزليا، بل إنما يتم اقتضاؤه لكل مفعول عند ~~وجود الأحوال التي بها يصير فاعلا. # السابع: أنه إن جاز أن يقوم بالفاعل الأحوال المتعاقبة جاز، بل وجب حدوث ~~كل ما سواه، وإن لم يجز ذلك، فإما أن يقال: يمتنع حدوث شيء، ومعلوم وجود ~~الحوادث، وإما أن يقال: بل تحدث بلا سبب حادث في الفاعل، وحينئذ فيلزم جواز ~~حدوث كل ما سوى الله تعالى، فإنه إذا جاز أن يحدث الحوادث دائما بلا سبب ~~يقتضي حدوثها، فلأن تحدث جميعها بلا سبب يقتضي حدوثها أولى، فإن هذا أقل ~~محذورا، فإذا جاز الحدوث مع المحذور الأعظم، فمع الأخف أولى. # وأيضا، فالأول إن كان مستلزما لتلك الحوادث كان الجميع قديما، وهو ممتنع ~~كما تقدم (1) ، وإن لم يكن مستلزما لتلك الحوادث كانت حادثة بعد أن لم تكن، ~~فيلزم حدوث الحوادث بدون سبب حادث، [وإن كان مستلزما لنوعها دون الآحاد، ~~فقد عرف بطلان ذلك من وجوه] (2) ، ولو (3) جاز حدوث الحوادث بدون سبب حادث ~~لجاز حدوث العالم، PageV01P192 # وإذا جاز حدوث العالم امتنع قدمه ; لأنه [لا] (1) يكون قديما إلا لقدم ~~العلة الموجبة له. # وإذا قدر أن ثم علة موجبة [له] (2) ، فإنه يجب القدم، ويمتنع الحدوث، ~~وإذا جاز حدوثه امتنع قدمه، فكذلك إذا جاز قدمه امتنع حدوثه، فإنه لا يجوز ~~قدمه إلا لقدم موجبه، ومع ذلك يمتنع حدوثه، فكما أن الممكن الذهني الذي ~~يقبل الوجود والعدم إذا حصل المقتضى التام. وجب وجوده، وإلا وجب عدمه، فما ~~شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وليس في الخارج إلا ما وجب وجوده بنفسه ~~أو بغيره، أو ما امتنع وجوده بنفسه أو ms0086 بغيره، فكذلك (3) القول في قدم ~~الممكن وحدوثه: ليس في الخارج إلا ما يجب قدمه، أو يمتنع قدمه، فإذا حصل ~~موجب قدمه بنفسه أو بغيره، وإلا امتنع قدمه، ولزم إما دوام عدمه، وإما ~~حدوثه، فمع القول بجواز حدوثه يمتنع قدم العلة الموجبة له، فيمتنع قدمه، ~~فلا يمكن أن يقال: إنه يجوز حدوثه مع إمكان أن يكون قديما، بل (4) إذا ثبت ~~جواز حدوثه ثبت امتناع قدمه. # ولهذا كان كل من جوز حدوث الحوادث (5) بدون سبب حادث يقول بحدوثه، ومن ~~قال بقدمه لم يقل أحد منهم بجواز حدوث الحوادث بدون سبب حادث - وإن كان هذا ~~القول مما يخطر بالبال تقديره بأن PageV01P193 # يقال: يمكن حدوث الحوادث بلا سبب حادث ; لأن [الفاعل] القادر المختار (1) ~~يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح، ويمكن مع ذلك قدم العالم بأن يكون ~~المختار رجح قدمه بلا مرجح - فإن هذا القول لظهور بطلانه لم يقله أحد من ~~العقلاء فيما نعلم ; لأنه مبني على مقدمتين كل منهما باطلة في نظر (2) ~~العقول - وإن كان من العقلاء من التزم بعضهما (3) ، فلا يعرف من التزمهما ~~معا (4) . # إحداهما: كون الفاعل المختار يرجح بلا سبب، فإن أكثر العقلاء يقولون: إن ~~فساد هذا معلوم بالضرورة، أو [هو] (5) قطعي غير ضروري. # والثانية: كون القادر المختار يكون فعله مقارنا له لا يحدث شيئا بعد شيء، ~~فإن هذا أيضا مما يقول العقلاء، - أو جمهورهم -: إن فساده معلوم بالضرورة، ~~أو قطعا، بل جمهور العقلاء يقولون: إن مفعول الفاعل لا يكون مقارنا له ~~أبدا. ### | موضع الارتباط بين الاستطراد في مسألة قدم العالم وبين الكلام في مشكلة القدر # ثم من النظار من قال بإحدى المقدمتين دون الأخرى، فالقدرية وبعض الجهمية ~~يقولون بالأولى، وبعض الجبرية يقولون بالأولى في حق الرب دون العبد، وأما ~~الثانية فلم يقل بها إلا من جعل الفاعل مريدا، أو جعل (6) بعض العالم قديما ~~كأبي البركات ونحوه. PageV01P194 # [. وأما القائلون بقدم شيء من العالم، فلا يقولون: بأن الفاعل مريد] (1) ~~، وهؤلاء (2) قولهم أفسد من قول أبي البركات وأمثاله، فإن كون (3) المفعول ~~المعين لم ms0087 يزل مقارنا لفاعله هو مما يقول جمهور العقلاء إنه معلوم الفساد ~~بالضرورة، فإذا قيل: مع ذلك إن الفاعل غير مريد كان زيادة ضلال، ولم يكن ~~هذا مما يقوي قولهم، بل نفس كون الفاعل فاعلا لمفعوله المعين يمنع مقارنته ~~له، وما يذكرونه من حركة الخاتم مع اليد، وحركة الشعاع مع الشمس (4) ، ~~وأمثال ذلك ليس فيه أن المفعول قارن فاعله، وإنما قارن شرطه، وليس في ~~العالم فاعل لم يزل مفعوله مقارنا له. # وأما سائر القائلين بقدم شيء من العالم، فلا يقولون. بأن الفاعل مريد. # ثم كل من الطائفتين من أعظم الناس إنكارا لمقدمة القدرية، وهو أن الفاعل ~~المختار يرجح بلا مرجح حادث، ومتى جوزوا ذلك بطل قولهم بقدم شيء من العالم، ~~فإن أصل قولهم إنما هو أن الفاعل يمتنع أن يصير فاعلا بعد أن لم يكن ~~لامتناع حدوث الحوادث بلا سبب، فيمتنع أن يكون معطلا. ثم يصير فاعلا. بل ~~إذا قدر أنه كان معطلا لزم دوام تعطيله، PageV01P195 # (1 فإذا قدر أنه فاعل لزم دوام فعله، وعندهم يمتنع ما قاله أولئك ~~المتكلمون من جواز تعطيله 1) (1) ، ثم فعله، (2 فمتى جوزوا أن يكون معطلا ~~لم يفعل لم يمكنهم نفي 2) (2) ما قاله أولئك، ولا القول بقدم شيء من ~~العالم. # لكن غاية من جوز هذا أن يصير شاكا يقول: هذا ممكن، وهذا ممكن، ولا أدري ~~أيهما الواقع، وحينئذ فيمكن أن يعلم أحدهما بالسمع، ومعلوم أن الرسل صلوات ~~الله عليهم أخبرت بأن الله خالق كل شيء، وأنه خلق السماوات والأرض، وما ~~بينهما في ستة أيام، فمن قدر أن عقله جوز الأمرين، فبقي (3) شاكا أمكنه أن ~~يعلم، وقوع أحد الجائزين بالسمع. # والعلم بصدق الرسول ليس موقوفا على العلم بحدوث العالم، وهذه طريقة صحيحة ~~لمن سلكها، فإن المقدمات الدقيقة [الصحيحة] (4) العقلية قد لا تظهر لكل ~~أحد، والله تعالى قد وسع طريق (5) الهدى لعباده، فيعلم أحد المستدلين ~~المطلوب بدليل، ويعلمه الآخر بدليل آخر، ومن علم صحة الدليلين [معا] (6) ~~كان كل منهما يدله على المطلوب، وكان PageV01P196 # اجتماع الأدلة يوجب قوة العلم، وكل منهما ms0088 يخلف الآخر إذا عزب (1) الآخر ~~عن الذهن. ### | دليل آخر على بطلان القول بقدم العالم # ولكن مع كون أحد من العقلاء لم يعلم أنه قال: هذا، ومع كون نقيضه [مما] ~~(2) يعلم بالسمع، فنحن نذكر دلالة العقل على فساده أيضا، فنقول: # كما أنه ما يثبت قدمه امتنع عدمه، فما جاز عدمه امتنع قدمه، فإنه لو كان ~~قديما لامتنع عدمه، والتقدير أنه جائز العدم، فيمتنع قدمه، وما جاز حدوثه ~~لم يمتنع عدمه، بل جاز عدمه، وقد تقدم أن ما جاز عدمه امتنع قدمه ; لأنه لو ~~كان قديما لم يجز عدمه، بل امتنع عدمه. # وتلك المقدمة متفق عليها بين النظار متكلمهم، ومتفلسفهم وغيرهم، وبيان ~~صحتها: أن ما يثبت قدمه، فإما أن يكون قديما بنفسه، أو بغيره، فالقديم ~~بنفسه واجب بنفسه، والقديم بغيره واجب بغيره، ولهذا كان كل من قال: إن ~~العالم أو شيئا منه قديم، فلا بد من أن يقول هو واجب بنفسه، أو بغيره، ولا ~~يمكنه مع ذلك أن يقول: ليس هو بواجب بنفسه، ولا بغيره، فإن القديم بنفسه لو ~~لم يكن واجبا بنفسه لكان ممكنا مفتقرا إلى غيره، فإن كان محدثا لم يكن ~~قديما، وإن كان قديما بغيره لم يكن قديما بنفسه، وقد فرض أنه قديم بنفسه، ~~فثبت أن ما هو قديم بنفسه، فهو واجب بنفسه. # وأما القديم بغيره، فأكثر العقلاء يقولون: يمتنع أن يكون شيء قديما ~~بفاعل، ومن جوز ذلك فإنه يقول: قديم بقدم موجبه الواجب بنفسه، PageV01P197 # ففاعله لا بد أن يوجبه فيكون علة موجبة أزلية إذ لو لم يوجبه، بل جاز ~~وجوده، وجاز عدمه - وهو من (1) نفسه ليس له إلا العدم - لوجب عدمه، ومع ~~وجوب العدم يمتنع وجوده فضلا عن قدمه، فما لم يكن موجودا بنفسه، ولا قديما ~~بنفسه إذا لم يكن له في الأزل ما يوجب وجوده لزم عدمه، فإن المؤثر التام ~~إذا حصل لزم وجود الأثر، وإن لم يحصل لزم عدمه. # وإذا قيل: التأثير أولى به مع إمكان عدم التأثير قيل: هذه مقدمة باطلة ~~كما تقدم، وأنتم تسلمون ms0089 صحتها، والذين ادعوا صحتها لم يقولوا بباطل قولكم، ~~فلم يجمع أحد بين هذين القولين الباطلين. # ونحن في مقام الاستدلال، فإن قلتم: نحن نقول هذا على طريق الإلزام لمن ~~قال هذا من الجبرية، والقدرية الذين يجوزون ترجيح القادر المختار بدون مرجح ~~تام يوجب الفعل، فنقول لهم هلا قلتم بأن الرب فاعل مختار، وهو مع هذا. (2) ~~فعله لازم له. # قيل لكم (3) : هؤلاء يقولون: إن الفعل القديم ممتنع لذاته، ولو قدر أن ~~الفاعل غير مختار، فكيف إذا كان الفاعل مختارا. # فقد علم أن فعل القادر المختار يمتنع أن يكون مقارنا له. # ويقولون: لا يعقل الترجيح إلا مع الحدوث، ويقولون: إن الممكن لا يعقل ~~ترجيح وجوده على عدمه إلا مع كونه حادثا، فأما الممكن المجرد بدون الحدوث ~~(4) فلا يعقل كونه مفعولا. بل يقولون: إن هذا معلوم PageV01P198 # بالضرورة، وهو كون (1) الممكن مما يمكن وجوده بدلا من عدمه، وعدمه بدلا ~~من وجوده، وهذا إنما يكون فيما يمكن أن يكون [موجودا، ويمكن أن يكون] (2) ~~معدوما، وما وجب قدمه بنفسه أو بغيره امتنع أن يكون معدوما، فيمتنع أن يكون ~~ممكنا. # قالوا: وهذا ما اتفق عليه جماهير العقلاء حتى أرسطو وأتباعه القدماء ~~يقولون: إن الممكن لا يكون إلا محدثا، وكذلك ابن رشد الحفيد، وغيره من ~~متأخريهم. # وإنما قال إن الممكن يكون قديما طائفة [منهم] (3) كابن سينا، وأمثاله، ~~واتبعه على ذلك الرازي، وغيره، ولهذا ورد على هؤلاء من الإشكالات ما ليس ~~[لهم] (4) عنه جواب صحيح، كما أورد بعض ذلك الرازي في (محصله) ، ومحققوهم ~~لا يقولون: إن المحوج إلى الفاعل هو مجرد الحدوث حتى يقولوا إن المحدث في ~~حال بقائه غني عن الفاعل، بل يقولون: إنه محتاج إلى الفاعل في حال حدوثه ~~وحال بقائه، وإن الممكن لا يحدث ولا يبقى إلا بالمؤثر. # فهذا الذي عليه جماهير المسلمين، بل عليه جماهير (5) العقلاء لا يقولون: ~~إن شيئا من العالم غني عن الله في حال بقائه، بل يقولون: متى قدر أنه ليس ~~بحادث امتنع أن يكون مفعولا محتاجا إلى المؤثر، فالقدم PageV01P199 # عندهم ينافي الحاجة ms0090 إلى الفاعل (1) ، وينافي كونه مفعولا فالحدوث (2) ~~عندهم من لوازم كون الشيء مفعولا فيمتنع عندهم أن يكون مفعول قديما، وهذا ~~ليس قول القدرية والجبرية فقط، بل هذا (3) قول جماهير العقلاء من أهل الملل ~~وغير [أهل الملل] (4) ، وهو قول جماهير أئمة الفلاسفة. # وأما (5) كون الفلك مفعولا قديما، فإنما هو قول طائفة قليلة من الفلاسفة، ~~وعند جمهور العقلاء أنه معلوم الفساد بالضرورة، ولهذا كل من تصور من ~~العقلاء أن الله خلق السماوات والأرض تصور أنها كانت بعد أن لم تكن، وكل من ~~تصور أن شيئا من الموجودات مصنوع مفعول لله تصور أنه حادث، فأما تصور أنه ~~مفعول، وأنه قديم، فهذا إنما تتصوره العقول تقديرا له، كما تتصور الجمع بين ~~النقيضين تقديرا له، والذي يقول ذلك يتعب تعبا كثيرا في تقدير إمكان ذلك، ~~وتصويره، كما يتعب سائر القائلين بأقوال ممتنعة، ثم مع هذا فالفطر ترد ذلك ~~وتدفعه، ولا تقبله (6) . # وأعجب من ذلك تسمية هؤلاء (7) العالم محدثا، ويعنون بكونه محدثا ~~PageV01P200 # أنه معلول العلة القديمة، وإذا سئل أحدهم: هل العالم محدث أو قديم؟ يقول: ~~هو محدث وقديم، ويعني بذلك أن الفلك قديم بنفسه (1) لم يزل، وأنه محدث ~~يعنون بكونه محدثا له أنه معلول (2) علة قديمة. ### | بطلان الاحتجاج بالأفول على الإمكان والحركة # وهذه العبارة يقولها ابن سينا وأمثاله من الباطنية، فإنهم يأخذون عبارات ~~المسلمين، فيطلقونها على (3) معانيهم، كما قال مثل ذلك في لفظ (الأفول.) ، ~~فإن أهل الكلام المحدث لما احتجوا بحدوث الأفعال على حدوث الفاعل الذي قامت ~~به الأفعال، وزعموا أن إبراهيم الخليل احتج بهذا، وأن المراد بالأفول (4) ~~الحركة والانتقال، وأنه استدل بذلك على حدوث المتحرك والمنتقل. نقل ابن ~~سينا هذه المادة إلى أصله، وذكر هذا في (إشاراته) فجعل هذا (5) الأفول ~~عبارة عن الإمكان، وقال: إن ما هوى في حظيرة الإمكان هوى في حظيرة الأفول ~~(6) ، ولفظه: (7) (فإن الهوى في حظيرة الإمكان أفول ما.) . # وذلك أنه أراد أن يقول بقول سلفه الفلاسفة مع قوله بما يشبه طريقة ~~المتكلمين، والمتكلمون استدلوا على حدوث الجسم بطريقة التركيب، PageV01P201 # فجعل هو التركيب ms0091 دليلا على الإمكان، والمتكلمون جعلوا دليلهم هو دليل ~~إبراهيم الخليل بقوله: {لا أحب الآفلين} [سورة الأنعام: 76] وفسروه بأن ~~الأفول هو الحركة، فقال ابن سينا: (1) (قال قوم إن هذا الشيء المحسوس موجود ~~لذاته واجب لنفسه لكنك إذا تذكرت ما قيل (2) في شرط واجب الوجود لم تجد هذا ~~المحسوس. واجبا، وتلوت (3) قوله تعالى: {لا أحب الآفلين} ، فإن الهوى في ~~حظيرة الإمكان أفول ما.) . # ويريد بالشرط أنه ليس بمركب، وأن المركب ممكن ليس بواجب، والممكن آفل لأن ~~الإمكان أفول ما (4) ، والآفل (5) عندهم هو الذي يكون موجودا بغيره، ~~ويقولون: نحن نستدل بإمكان الممكنات على الواجب، ونقول: العالم قديم لم يزل ~~ولا يزال، ونجعل معنى قوله تعالى: {لا أحب الآفلين} أي (6) لا أحب ~~الممكنين، وإن كان الممكن واجب الوجود بغيره قديما أزليا (7) لم يزل ولا ~~يزال. # ومعلوم أن كلا القولين من باب تحريف الكلم عن مواضعه، وإنما الأفول هو ~~المغيب (8) ، والاحتجاب ليس هو الإمكان، ولا الحركة PageV01P202 # وإبراهيم الخليل (1) لم يحتج بذلك على حدوث الكواكب، ولا على إثبات ~~الصانع، وإنما احتج بالأفول على بطلان عبادتها، فإن قومه كانوا مشركين ~~يعبدون الكواكب، ويدعونها من دون الله لم يكونوا يقولون: إنها هي التي خلقت ~~السماوات والأرض، فإن هذا لا يقوله عاقل، ولهذا قال: {ياقوم إني بريء مما ~~تشركون} [سورة الأنعام: 78] وقال: {أفرأيتم ما كنتم تعبدون - أنتم وآباؤكم ~~الأقدمون - فإنهم عدو لي إلا رب العالمين} [سورة الشعراء: 75 - 77] وقد بسط ~~[الكلام على] (2) هذا في غير هذا الموضع (3) . # والمقصود هنا أن هؤلاء [القوم] (4) يأخذون عبارات المسلمين التي عبروا ~~بها عن معنى، فيعبرون بها عن معنى آخر يناقض دين المسلمين ليظهر بذلك أنهم ~~موافقون للمسلمين في أقوالهم، [وأنهم] (5) يقولون: العالم محدث، وأن كل ما ~~سوى الله فهو عندنا آفل محدث بمعنى أنه معلول له، وإن كان قديما أزليا معه ~~واجبا به لم يزل ولا يزال. # وإذا كان جماهير العقلاء يقولون: إن المفعول لا يكون إلا حادثا، لا سيما ~~المفعول لفاعل باختياره، فإذا كان من هؤلاء من قال: إنه يفعل بدون سبب ~~حادث ms0092، وإنه يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح لم PageV01P203 # يلزمه أن يقول مع هذا (1) : إن مفعوله قديم رجحه بلا مرجح، فإنه يقول: إن ~~(2) هذا القول باطل، وقولي الآخر إن كان باطلا فلا أجمع بين قولين باطلين، ~~وإن كان حقا، فقول الحق لا يوجب علي (3) أن أقول الباطل، فإن الحق لا ~~يستلزم الباطل، بل الباطل قد يستلزم الحق، وهذا لا يضر [الحق] (4) ، فإنه ~~إذا وجد الملزوم وجد اللازم، فالحق لازم سواء قدر وجود الباطل أو عدمه أما ~~الباطل فلا يكون لازما للحق ; لأن لازم الحق حق، والباطل لا يكون حقا، فلا ~~يلزم من قال الحق أن يقول الباطل، وهذا ظاهر. # والمقصود هنا أنه متى قيل بجواز (5) حدوث الحوادث بدون (6) سبب حادث أمكن ~~أن يفعل الفاعل الحوادث بعد أن لم يكن فاعلا بدون سبب حادث، كما يقول ذلك ~~من يقوله من طوائف النظار من متكلمة المسلمين وغيرهم من القدرية والجبرية ~~وغيرهم، ومتى كان ذلك ممكنا في نفس الأمر لم يجب دوام الفاعل فاعلا. وأمكن ~~حدوث الزمان والمادة وغير ذلك، كما يقول ذلك من يقوله من النظار من أهل ~~الكلام، والفلسفة، ومتى كان ذلك ممكنا بطل كل ما يحتج به على قدم شيء من ~~العالم، فبطل القول بقدم العالم، وعلم أيضا امتناع قدمه ; لأنه لا يكون ~~PageV01P204 # قديما إلا إذا كان واجبا بنفسه، أو كان (1) الفاعل مستلزما بنفسه (2) له، ~~فإذا لم يكن هناك فاعل مستلزم له امتنع أن يكون قديما، وكان كل من حجج ~~القائلين بالحدوث والقائلين بالقدم مبطلة لهذا القول. # أما (3) القائلون بالقدم، فعمدتهم أن المؤثر التام يستلزم (4) أثره، ~~فيمتنع عندهم القول بمفعول قديم من غير علة تامة موجبة ; لأنه أثر عن غير ~~مؤثر تام. # وأما القائلون بالحدوث، فعمدتهم أن الفاعل المختار (5) ، بل الفاعل مطلقا ~~لا يكون مفعوله إلا حادثا، وأن مفعولا قديما ممتنع (6) . # فصار عمدة هؤلاء وهؤلاء مبطلة لهذا القول الذي لم يقله أحد، ولكن يقال ~~على سبيل الإلزام لكل من الطائفتين إذا التزمت فاسد (7) قولها دون صحيحه ~~(8) ، فإذا التزمت (القدمية) جواز ms0093 حدوث الحوادث بلا سبب، وأن الأثر لا ~~يحتاج إلى مؤثر تام، بل القادر يرجح أحد مقدوريه بلا مرجح، والتزمت ~~(الحدوثية) أن المفعول مطلقا أو المفعول بالقدرة والاختيار لم يزل قديما ~~أزليا مع فاعله مقارنا له لزم من هذين اللازمين إمكان أن يكون الفاعل قادرا ~~مختارا يرجح بلا مرجح، ومفعوله مع هذا قديما PageV01P205 # [بقدمه] (1) . لكن أحد من العقلاء لم يلتزم هذين فيما علمناه، وإن قدر ~~أنه التزم ذلك، فقد التزم ملزومين باطلين كل منهما باطل بالبرهان، والجمع ~~بينهما لم يقله أحد من العقلاء، وكان كل من العقلاء يرد عليه ببرهان قاطع، ~~ولكن هو يعارض كلام كل طائفة بكلام الطائفة الأخرى، وغايته فساد بعض قول ~~هؤلاء وفساد بعض قول هؤلاء، لكن لا يلزم أن يسلم له الجمع بين فساد كل من ~~القولين ولا الجمع بين هذا الفساد وهذا الفساد، بل هذا يكون أبلغ في رد ~~قوله. # وأيضا فإن كلا من الطائفتين فرت من أحد الفسادين، وظنت الآخر ليس بفاسد، ~~ولم تهتد إلى الجمع بين الصحيح كله والسلامة من الفاسد كله، فليس له أن ~~يلزمها ما علمت فساده مع ما لم تعلم فساده، فيلزمها الفاسد كله ويخرجها من ~~الصحيح كله، فإن غاية (2) قولها أبلق أن يكون (3) فيه بياض وسواد، [والأبلق ~~خير من الأسود] (4) . # فإن الطائفة التي قالت: إن القادر يمكنه ترجيح أحد مقدوريه على الآخر بلا ~~مرجح إنما قالته لما علمت (5) أن القادر الفاعل لا بد أن يكون فعله حادثا، ~~وأن (6) كونه فاعلا مع كون الفعل قديما جمع بين المتناقضين، ولم يهتدوا إلى ~~الفرق بين نوع الفعل، وبين عينه، بل PageV01P206 # اعتقدت أيضا أن حوادث لا أول لها ممتنع، فقالت حينئذ: فيمتنع دوام الفعل، ~~فيلزم كونه فاعلا بعد أن لم يكن، فيلزم ترجيح القادر لأحد مقدوريه على ~~الآخر بلا مرجح ; لأن القادرية لا تختص ولم تزل (1) ، وإن قيل باختصاصها، ~~أو حدوثها لزم حدوث القادرية (2) بلا محدث، وتخصيصها بغير مخصص، وأنه صار ~~قادرا بعد أن لم يكن بغير سبب، وانتقل الفعل من الامتناع إلى الإمكان ms0094 بدون ~~سبب يوجب هذا الانتقال. وإذا جاز ذلك، فجواز كونه مرجحا لأحد مقدوريه أولى ~~بالجواز. # وهذه اللوازم - وإن قال الجمهور ببطلانها - فإنهم يقولون: ألجأنا إليها ~~تلك الملزومات (3) لما ذكرناه من ظنهم أنه لا فرق بين النوع والعين، وإذا ~~قيل لهم: فقولوا مع هذه اللوازم بانتفاء تلك الملزومات، فقالوا (4) : إن ~~القادر يرجح أحد المقدورين على الآخر (5) بلا مرجح، ويحدث الحوادث بلا سبب ~~مع أن الفاعل القادر يقارنه مفعوله المعين، وأنه لا أول لعين الفعل ~~والمفعول، فقد لزمهم (6) أن يقولوا باللوازم التي يظهر بطلانها مع نفي ~~الملزومات التي أوجبت تلك في نظرهم التي فيها ما يظهر بطلانه، وفيها ما ~~يخفى بطلانه، فقد لزمهم (7) أن يقولوا باللازم الباطل PageV01P207 # الذي لا حاجة بهم (1) إليه، مع نفي ما أحوجهم إليه مع أن فيه حقا، أو فيه ~~حقا وباطلا. # وكذلك الطائفة التي قالت بقدم العالم، فإنها لما اعتقدت أن الفاعل يمتنع ~~أن يصير فاعلا بعد أن لم يكن، وأن يحدث حادثا (2) لا في وقت، ويمتنع الوقت ~~في العدم المحض، ولم يهتدوا إلى الفرق بين دوام النوع ودوام العين (3) ظنت ~~أنه يلزم قدم عين المفعول، فالتزمت مفعولا قديما أزليا لفاعل، ثم قال: من ~~قال منهم: لا يعقل (4) كون الفاعل فاعلا بالاختيار مع كون مفعوله قديما ~~مقارنا له، فقالوا: هو موجب بالذات لا فاعل بالاختيار، والتزموا (5) ما هو ~~معلوم الفساد عند جمهور العقلاء من مفعول معين مقارن لفاعله (6) أزلا وأبدا ~~حذرا من إثبات كونه (7) يصير فاعلا بعد أن لم يكن. # فإذا قيل لهم: فقولوا بهذه الأقوال مع قولكم: إنه يمكن أن يصير فاعلا بعد ~~أن لم يكن، فيرجح أحد مقدوريه بلا مرجح، فقد لزمهم أن يقولوا الباطل كله، ~~وأن يقولوا باللازم الذي يظهر بطلانه بدون الملزوم الذي فيه حق وباطل - ~~الذي ألجأهم إلى هذا اللازم. PageV01P208 # وأيضا، فإنه على هذا التقدير الذي نتكلم عليه، وهو تقدير أن لا يكون ~~الأزلي مستلزما لتلك الحوادث، بل كانت حادثة بعد أن لم تكن، فيلزم (1) أن ~~العالم كان خاليا عن جميع الحوادث، ثم ms0095 حدثت (2) فيه بلا سبب حادث، وهو شبيه ~~بقول الحرانيين القائلين (3) بالقدماء الخمسة الواجب بنفسه، والمادة، ~~والمدة، والنفس، والهيولي، كما يقوله ديمقراطيس (4) ، وابن زكريا الطبيب ~~(5) ومن. وافقهما، أو بقول يحكى عن بعض القدماء، وهو أن جواهر العالم (6) ~~أزلية، وهو القول بقدم المادة - PageV01P209 # وكانت متحركة على غير انتظام فاتفق اجتماعها، وانتظامها، فحدث هذا ~~العالم. ### | الرد على ديموقريطس وأبو بكر الرازي # وكلا القولين في غاية الفساد، وأما الأولون فيقولون: إن النفس عشقت ~~الهيولي، فعجز الرب عن تخليصها من الهيولي حتى تذوق وبال اجتماعها ~~بالهيولي، وهم قالوا هذا فرارا من حدوث حادث بلا سبب، وقد وقعوا فيما فروا ~~منه، وهو حدوث محبة النفس للهيولي، فيقال لهم: ما الموجب لذلك؟ فقد لزمهم ~~حدوث حادث بلا سبب، ولزمهم ما هو أشنع من ذلك، وهو حدوث الحوادث بدون ~~صدورها عن رب العالمين والقول بقدماء معه. # فإن قالوا بوجوب (1) وجودها لزم كون واجب الوجود مستحيلا موصوفا بما ~~يستلزم حدوثه ونقصه وإمكانه. # وإن لم تكن واجبة بأنفسها، بل به لزم أن يكون موجبا لها دون غيرها، ~~والعلة القديمة تستلزم معلولها، فيلزم من ذلك تغير (2) معلولها، واستحالته ~~من حال إلى حال بدون فعل منها، واستحالة (3) المعلول اللازم بدون تغير في ~~العلة محال، وإلا لم يكن معلولا لها، وإن جوزوا ذلك، فليجوزوا كون العالم ~~قديما أزليا لازما لذات الرب، وهو مع هذا (4) ينتقض، وتنشق السماء، وتنفطر، ~~وتقوم القيامة بدون فعل من الرب ولا حدوث شيء منه أصلا. بل بمجرد حدوث حادث ~~في العالم بلا محدث. PageV01P210 # وإن قالوا: هو بغض النفس للهيولي كان من جنس قولهم: إن سبب حدوثه محبة ~~النفس للهيولي، فإذا جاز أن يحدث بمحبة النفس بدون اختيار الرب تعالى جاز ~~أن ينتقض ببغض النفس بدون اختيار الرب. # وأما الآخرون (1) فإنهم أثبتوا حدوث العالم، فإن كانوا ينفون الصانع ~~بالكلية، فقد قالوا بحدوث الحوادث (2) بلا محدث، وإن كانوا يقولون بالصانع، ~~فقد أثبتوا إحداثه لهذا النظام بلا سبب حادث إن قالوا (3) : إن الرب لم يكن ~~يحركها قبل انتظامها، وإن قالوا: إنه كان ms0096 يحركها قبل انتظامها، ثم إنه ~~ألفها، فهؤلاء قائلون بإثبات الصانع وحدوث هذا العالم، وقولهم خير من قول ~~القائلين بقدم هذا العالم. # ثم إن قولهم يحتمل شيئين: أحدهما: إثبات شيء من العالم قديم بعينه، فيكون ~~قولهم بعض قول القائلين [بقدم هذا العالم، وهو من جنس قول القائلين ~~بالقدماء الخمسة من حيث أثبتوا قديما معينا غير الأفلاك] (4) ، وهو من جنس ~~قول أهل الأفلاك (5) حيث أثبتوا حوادث لم تزل، ولا تزال إن كانوا يقولون ~~بأن تلك المواد لم تزل متحركة، وإن قالوا: بل كانت ساكنة، ثم تحركت، فقولهم ~~من جنس قول أهل القدماء الخمسة، فما دل على فساد قول هؤلاء وهؤلاء يدل على ~~فساد قولهم، PageV01P211 # وما ذكرنا من التقسيم يأتي على كل قول، وإن كان كل قول باطل له دلائل ~~خاصة تدل على فساده. ### | [بطلان قول المعتزلة والأشاعرة بالجوهر الفرد] # وأيضا فالمتكلمون الذين يثبتون الجوهر الفرد (1) ، أو يقولون: إن الحركة ~~والسكون أمران وجوديان كجمهور المعتزلة والأشعرية وغيرهم يقولون: إن العالم ~~لم يخل من الحركة والسكون، ومن (2) الاجتماع والافتراق، وهي حادثة، فالعالم ~~مستلزم للحوادث. # وهذا مبسوط في موضعه، وفيه نزاع بين النظار، ومقدماته فيها طول ونزاع، ~~وقد لا يتقرر بعضها، فلا نبسطه في هذا الموضع إذ لا حاجة بنا إليه، وهو من ~~الكلام المذموم، فإن كثيرا من النظار يقولون: إن السكون أمر عدمي، ونقول ~~(3) : إثبات الجوهر الفرد باطل، والأجسام ليست مركبة من الجواهر الفردة (4) ~~، ولا من الهيولي والصورة، بل الجسم واحد في نفسه، وأما كون الأجسام كلها ~~تقبل التفريق، أو لا يقبله إلا بعضها، فليس هذا موضع بسطه، وبتقدير أن يقبل ~~ما يقبل التفريق (5) ، فلا يجب أن يقبله إلى غير غاية، بل يقبله إلى غاية ~~(6) ، وبعدها يكون الجسم صغيرا لا يقبل التفريق الفعلي، بل يستحيل إلى جسم ~~آخر، كما يوجد في أجزاء الماء إذا تصغرت (7) ، فإنها تستحيل هواء مع أن أحد ~~جانبيها متميز عن PageV01P212 # الآخر، فلا يحتاج إلى إثبات جزء لا يتميز منه جانب عن جانب، ولا يحتاج ~~إلى إثبات تجزئة وتفريق (1) لا يتناهى ms0097، بل تتصغر (2) الأجسام، ثم تستحيل ~~إذا تصغرت (3) ، فهذا القول أقرب إلى العقول من غيره. # فلما كان دليل أولئك مبنيا على إحدى هاتين المقدمتين إثبات الجواهر ~~الفردة (4) ، وأن الأجسام مركبة منها، أو إثبات أن السكون (5) أمر وجودي، ~~والنزاع في ذلك مشهور، والبرهان عند التحقيق لا يقوم إلا على نقيض ذلك لم ~~يبسط الكلام في تقريره (6) . # ولا يحتاج. (7) في إثبات شيء مما جاءت به الرسل إلى طرق باطلة مثل هذه ~~الطرق، وإن كان الذين دخلوا فيها أعلم وأعقل من المتفلسفة (8) المخالفين، ~~وأقرب إلى صريح المعقول وصحيح المنقول لكن بسبب ما غلطوا فيه من السمعيات ~~والعقليات شاركهم في بعض الغلط في ذلك أهل الباطل من المتفلسفة وغيرهم، ~~وضموا إليه أمورا أخرى أبعد عن العقل والشرع منه، وصاروا يحتجون على أولئك ~~المتكلمين الذين هم أولى بالشرع والعقل منهم ببطلان ما خالفوهم فيه (9) ، ~~وخالفوا فيه PageV01P213 # الحق، وصاروا يجعلون ذلك حجة على مخالفة الحق مقدرين أنه (1) لا حق عند ~~الرسل وأتباعهم إلا ما يقوله هؤلاء المتكلمون، وصاروا بمنزلة من جاور بعض ~~جهال المسلمين وفساقهم من المشركين وأهل الكتاب، فصار يورد (2) بعض ما ~~أولئك فيه من الجهل والظلم، ويجعل ذلك حجة على بطلان دين المسلمين مقدرا أن ~~دين المسلمين هو ما أولئك عليه مع كونه هو أجهل، وأظلم منهم، كما يحتج ~~طائفة (3) من أهل الكتاب من اليهود والنصارى على القدح في دين المسلمين بما ~~يجدون في بعضهم من الفواحش إما بنكاح التحليل، وإما (4) غيره، وما يجدونه ~~من الظلم، أو الكذب، أو الشرك، فإذا قوبلوا على وجه الإنصاف وجدوا الفواحش ~~والظلم والكذب والشرك (5) فيهم أضعاف ما يجدونه في المنتسبين إلى [دين] (6) ~~الإسلام، وإذا بين لهم حقيقة الإسلام تبين أنه ليس فيه شيء من تلك الفواحش، ~~والظلم، والكذب، والشرك، فإنه ما من ملة إلا وقد دخل في بعض أهلها نوع من ~~الشر لكن [الشر] (7) الذي دخل في غير المسلمين أكثر مما دخل في المسلمين ~~والخير الذي يوجد في المسلمين أكثر مما يوجد في غيرهم، وكذلك أهل السنة في ~~الإسلام ms0098 PageV01P214 # الخير فيهم (1) أكثر منه في أهل البدع، والشر [الذي] (2) في أهل البدع ~~أكثر منه في أهل السنة. # فإن قيل: ما ذكرتموه يدل على أنه يمتنع أن يكون العالم خاليا عن الحوادث ~~ثم تحدث فيه، لكن نحن نقول إنه لم يزل مشتملا على الحوادث، والقديم هو أصل ~~(3) العالم كالأفلاك، ونوع الحوادث مثل جنس حركات الأفلاك، فأما أشخاص ~~الحوادث، فإنها حادثة بالاتفاق، وحينئذ فالأزلي مستلزم لنوع (4) الحوادث لا ~~لحادث معين، فلا (5) يلزم قدم جميع الحوادث، ولا حدوث جميعها، بل يلزم قدم ~~نوعها وحدوث أعيانها، كما يقول أئمة أهل السنة منكم: إن الرب لم يزل متكلما ~~إذا شاء، وكيف شاء، ويقولون: إن الفعل من لوازم الحياة والرب لم يزل حيا، ~~فلم يزل فعالا. وهذا (6) معروف من قول أئمتكم كأحمد بن حنبل والبخاري [صاحب ~~الصحيح] (7) ، ونعيم بن حماد الخزاعي، وعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهم ممن ~~قبلهم مثل ابن عباس، وجعفر الصادق وغيرهما، ومن بعدهم. # وهم ينقلون ذلك عن أئمة أهل السنة، ويقولون: إن من خالف هذا PageV01P215 # القول فهو مبتدع ضال، وهؤلاء وأمثالهم عندكم هم أئمة أهل السنة (1) ، ~~والحديث، وهم من أعلم الناس بمقالة الرسول والصحابة والتابعين [لهم بإحسان] ~~(2) ، ومن أتبع الناس لها. # وهؤلاء وغيرهم كسفيان بن عيينة احتجوا على أن كلام الرب غير مخلوق بأن ~~الله لم يخلق شيئا إلا ب (كن.) ، فلو كانت كن مخلوقة لزم التسلسل المانع من ~~الخلق، وهذا التسلسل (3) ، فلو كانت (كن) مخلوقة لزم التسلسل في أصل كونه ~~خالقا وفاعلا فهو (4) تسلسل في أصل التأثير، وهو ممتنع باتفاق العقلاء. # بخلاف التسلسل في الآثار المعينة، فإنه إذا لم يكن خالقا إلا بقوله (كن) ~~امتنع أن يكون القول (5) مخلوقا، كما إذا قيل: لا يكون خالقا إلا بعلم ~~وقدرة امتنع أن يكون العلم والقدرة مخلوقين ; لأنه يلزم (6) أن يكون ذلك ~~المخلوق يمتنع وجوده إلا بعد وجوده، فإنه لا يكون خالقا إلا به، فيجب كونه ~~متقدما (7) على كل مخلوق، فلو كان مخلوقا للزم تقدمه (8) على نفسه، وهذه ~~(9) حجة صحيحة عقلية [شرعية] (10) . PageV01P216 # بخلاف ما إذا ms0099 قيل: إنه يخلق هذا بكن، وهذا بكن أخرى (1) ، فإن هذا يستلزم ~~وجود أثر بعد أثر، وهذا في جوازه نزاع بين العقلاء وأئمة السنة منكم، ثم إن ~~أساطين الفلاسفة وكثيرا (2) من أهل الكلام يجيز ذلك. # والمقصود أنكم إذا جوزتم وجود حادث بعد حادث عن القديم الأزلي الذي هو ~~الرب عندكم، فكذلك يقول هؤلاء في حوادث العالم التي تحدث في الفلك، وغيره. # قيل: هذا قياس باطل، وتشبيه فاسد، وذلك أن هؤلاء (3) إذا قالوا. هذا ~~قالوا: الرب نفسه يفعل شيئا بعد شيء، أو أن يتكلم بشيء، وهذا ليس بممتنع، ~~بل هو جائز في صريح العقل، فإن غاية ما يقال أن يكون وجود [الأول] (4) ~~وانقضاؤه شرطا في الثاني، كما يكون وجود الوالد شرطا في وجود الولد، وأن ~~يكون تمام فاعلية الثاني إنما حصلت عند عدم الأول، ويكون عدم الأول إذا ~~اشترط في الثاني فهو من جنس اشتراط عدم أحد الضدين في وجود الضد الآخر مع ~~أن الفاعل للضد الحادث ليس هو عدم الأول، فكيف إذا كان هو المعدم للأول. # وإذا قيل: فعله للثاني (5) مشروط بعدم الأول كان من باب اشتراط عدم الضد ~~لوجود ضده، ثم إن كان الشرط إعدام الأول كان فعله مشروطا بفعله، والإعدام ~~أمر وجودي، وأيضا، فالفاعل عند عدم الضد PageV01P217 # المانع يتم كونه مريدا قادرا، وتلك أمور (1) وجودية، وهو المقتضي لها إما ~~بنفسه، أو بما منه، فلم يحصل موجود إلا منه وعنه. # وأما هؤلاء (2) ، فيقولون: إن الفاعل الأول [لا] (3) تقوم به صفة ولا ~~فعل، بل هو ذات مجردة بسيطة، وإن الحوادث المختلفة تحدث عنها دائما بلا أمر ~~يحدث منه، وهذا مخالفة لصريح المعقول سواء سموه (4) موجبا (5) بالذات أو ~~فاعلا بالاختيار، فإن تغير المعلولات واختلافها (6) بدون تغير العلة، ~~واختلافها أمر مخالف لصريح المعقول، وفعل الفاعل المختار لأمور حادثة ~~مختلفة بدون ما يقوم به من الإرادة، بل من الإرادات المتنوعة (7) مخالف ~~لصريح المعقول. # وهؤلاء يقولون: مبدأ الحوادث كلها حركة الفلك، وليس فوقه أمور حادثة توجب ~~حركته مع أن حركات الفلك تحدث شيئا بعد شيء ms0100 بلا أسباب حادثة تحدثها، وحركات ~~الأفلاك (8) هي الأسباب لجميع الحوادث عندهم، فإذا لم يكن لها محدث كان ~~حقيقة قولهم أنه ليس لشيء من الحوادث محدث، وإن كان للفلك عندهم نفس ناطقة ~~(9) ، PageV01P218 # فحقيقة قولهم في جميع الحوادث من جنس قول القدرية في فعل الحيوان. # ولهذا اضطر (1) ابن سينا في هذا الموضع إلى جعل الحركة ليست شيئا يحدث ~~شيئا بعد شيء، بل هو أمر واحد لم يزل موجودا، كما قد (2) ذكرنا ألفاظه، ~~وبينا فسادها، وأنه إنما قال ذلك لئلا يلزمه أنه (3) يحدث عن العلة التامة ~~حادث بعد حادث، فخالف صريح العقل، والحس في حدوث الحركة شيئا بعد شيء ليسلم ~~له ما ادعاه من أن رب العالمين لم يحدث شيئا ; لأنه عنده علة تامة، وقد ~~اعترف حذاقهم بفساد قولهم. ### | مقالة ابن ملكا والرد عليها # وأما من قال منهم بقيام الإرادات المتعاقبة به - كأبي البركات وأمثاله - ~~فهؤلاء يقولون: إنه موجب بذاته للأفلاك، وموجب للحوادث المتعاقبة فيه بما ~~يقوم به من الإرادات المتعاقبة. # فيقال لهؤلاء أولا من جنس ما قيل لإخوانهم، والحجة إليهم أقرب، فإنهم ~~أقرب إلى الحق، فيقال لهم: إذا جاز أن يحدث الحوادث شيئا بعد شيء لما يقوم ~~به من الإرادات [شيئا بعد شيء] (4) ، فلماذا لا يجوز أن تكون الأفلاك حادثة ~~بعد أن لم تكن لما يقوم به من الإرادات المتعاقبة؟ . PageV01P219 # وقد تفطن لهذا طائفة من حذاق هؤلاء (1) النظار - كالأثير الأبهري (2) - ~~فقال: يجوز أن يحدث جميع ذلك لما يقوم به من إرادة (3) ، وإن كانت مسبوقة ~~بإرادة أخرى لا إلى غاية. # ويقال لهم أيضا: لم لا يجوز أن تكون السماوات والأرض بأنفسها مسبوقة (4) ~~بمادة (5) بعد مادة لا إلى غاية، وكل ما سوى الله مخلوق حادث كائن بعد أن ~~لم يكن، وإن كان كل حادث قبله حادث، كما يقوله من يقوله في الأمور القائمة ~~بذاته من إرادات، أو غيرها فإن تسلسل الحوادث ودوامها إن كان ممكنا، فهذا ~~ممكن، وإن كان ممتنعا لزم امتناع قدم الفلك فعلى التقديرين لا يلزم قدم ~~الفلك، ولا حجة لكم على ms0101 قدمه مع أن الرسل قد أخبرت بأنه مخلوق، فما الذي ~~أوجب [مخالفة] (6) ما اتفقت عليه الرسل وأهل الملل وأساطين الفلاسفة ~~القدماء من غير أن يقوم على مخالفته دليل عقلي أصلا.؟ . # إذ غاية ما يقولونه إنما هو إثبات قدم نوع الفعل لا عينه، فإن جميع ما ~~يحتج به القائلون بقدم العالم لا يدل (7) على قدم شيء بعينه من PageV01P220 # العالم (1) ، بل إذا قالوا: اعتبار أسباب الفعل - وهو الفاعل والغاية ~~والمادة، والصورة - يدل على قدم الفعل، فإنما يدل ذلك - إن دل - على قدم ~~نوعه لا عينه، وقدم نوعه ممكن مع القول بموجب سائر الأدلة العقلية الدالة ~~على أن الفعل لا يكون إلا حادثا - وإن كان حادثا شيئا بعد شيء - وأن الفاعل ~~مطلقا، أو الفاعل بالاختيار لا يكون فعله إلا حادثا، ولو كان شيئا بعد شيء، ~~وأن دوام الحوادث لمخلوق معين قديم أزلي ممتنع، وكذلك المفعول المعين ~~المقارن لفاعله (2) لم يزل معه ممتنع. # مع أن الرسل قد أخبرت بأن الله تعالى خالق كل شيء، وأن الله خلق (3) ~~السماوات والأرض. (4) في ستة أيام، فكيف عدلتم عن صحيح المنقول وصريح ~~المعقول إلى ما يناقضه، بل أثبتم قدم ما لا يدل دليل إلا على حدوثه لا على ~~قدمه. # ثم يقال لهؤلاء أيضا: إذا كان الرب فاعلا بإراداته، كما سلمتموه، وكما ~~دلت عليه الأدلة، بل إذا كان فاعلا كما سلمتموه أنتم وإخوانكم القائلون ~~بأنه قديم عن موجب قديم وموجبه فاعله، فلا يعقل فاعل مفعوله مقارن له لم ~~يتقدم عليه بزمان ابتداء (5) ، بل تقدير هذا في العقل تقدير لا يعقل. ~~PageV01P221 # وأنتم شنعتم (1) على مخالفيكم لما أثبتوا حدوثا في غير زمان، وقلتم هذا ~~لا يعقل، فيقال لكم: ولا يعقل أيضا فعل في غير زمان (2) أصلا. ولا يعقل ~~مفعول (3) مقارن لفاعله لم يتقدم عليه بزمان أصلا. ### | عود لمناقشة رأي الفلاسفة في التقدم والتأخر # وما ذكرتموه من أن التقدم بالذات أمر معقول - وهو تقدم العلة على المعلول ~~- أمر قدرتموه في الأذهان لا وجود له في الأعيان، فلا يعقل في الخارج فاعل ~~يقارنه ms0102 (4) مفعوله سواء سميتموه علة تامة، أو لم تسموه، وما تذكرونه من كون ~~الشمس فاعلة للشعاع، وهو مقارن لها في الزمان (5) مبني على مقدمتين: على أن ~~مجرد الشمس هي الفاعلة، وأنه مقارن لها بالزمان، وكلتا المقدمتين باطلة، ~~فمعلوم أن الشعاع لا يكفي في حدوثه مجرد الشمس، بل لا بد من حدوث جسم قابل ~~له، ولا بد مع ذلك من زوال الموانع. # وأيضا: فلا نسلم لكم أن الشعاع مقارن للشمس في الزمان، بل قد يقال: إنه ~~متأخر عنها، ولو (6) بجزء يسير من الزمان، وهكذا ما تمثلون به من قول ~~القائل حركت يدي فتحرك المفتاح أو كمي مبني على هاتين المقدمتين الباطلتين، ~~فمن الذي يسلم أن حركة اليد هي العلة التامة لحركة الكم، والمفتاح؟ بل ~~الفاعل للحركتين واحد لكن تحريكه للثاني PageV01P222 # مشروط بتحريكه للأول، فالحركة الأولى شرط في الثانية لا فاعلة لها، ~~والشرط يجوز أن يقارن المشروط، وإذا قدر أن أحدهما فاعل للآخر لم يسلم أنه ~~مقارن له في الزمان، بل يعقل تحريك الإنسان لما قرب منه قبل تحريكه لما بعد ~~منه، فتحريكه لشعر جلده متقدم على تحريكه لباطن ثيابه، وتحريكه لباطن ثيابه ~~متقدم على تحريكه لظاهرها، وتحريكه لقدمه متقدم (1) على تحريكه لنعله، ~~وتحريكه ليده متقدم (2) على تحريكه لكمه. # والمقارنة يراد بها شيئان (3) ، أحدهما: الاتصال كاتصال أجزاء الزمان ~~وأجزاء الحركة الحادثة شيئا بعد شيء، فكل (4) واحد (5) يكون متصلا بالآخر ~~يقال: إنه مقارن له لاتصاله به - وإن كان عقبه - ويقال أيضا لما هو معه من ~~غير تقدم في الزمان (6) أصلا. ومعلوم أن الأجسام المتصل بعضها ببعض إذا كان ~~مبدأ الحركة من أحد طرفيها، فإن الحركة تحصل فيها شيئا بعد شيء، فهي متصلة ~~مقترنة بالاعتبار الأول، ولا يقال: إنها مقترنة في الزمان بالمعنى الثاني. ~~. # ومبدأ ما يحركه الإنسان منه، فإذا حرك يده تحرك الكم المتصل بها، وتحرك ~~ما اتصل بالكم لكن حركة اليد قبل حركة الكم مع اتصالها، وهكذا سائر ~~النظائر. PageV01P223 # والإنسان إذا حرك حبلا بسرعة، فإنه تتصل الحركة بعضها ببعض مع العلم بأن ~~الطرف ms0103 الذي يلي يده تحرك قبل الطرف الآخر، ولا يعقل (1) قط فعل من الأفعال ~~إلا حادثا شيئا بعد شيء لا يعقل فعل مقارن لفاعله في الزمان أصلا. # [وإذا قيل] : (2) إن الفاعل لم يزل فاعلا كان المعقول منه أنه لم يزل ~~يحدث شيئا بعد شيء لم يعقل منه أنه لم يزل مفعوله المعين مقارنا له لم ~~يتقدم عليه بزمان أصلا. # وأيضا: فالرب تعالى إذا لم يحدث شيئا إلا بقدرته، ومشيئته (3) ، فما شاء ~~كان وما لم يشأ لم يكن: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} ~~[سورة يس: 82] فلا بد أن يريد الفعل قبل أن يفعله، ولا بد أن يكون الفعل ~~قبل المفعول، وإن كانت الإرادة والفعل موجودين عند وجود المفعول، كما يقول ~~(4) أهل السنة: إن القدرة لا بد أن تكون مع الفعل. # لكن إذا قيل: لم يزل المفعول لازما للفاعل لم يكن فرق بين الصفة القائمة ~~به وبين المفعول المخلوق [له] (5) ، فلا يكون فرق بين حياته وبين مخلوقاته، ~~بل ولا بين الخالق، والمخلوق. # والعقلاء يعلمون الفرق بين ما يفعله الفاعل - لا سيما ما يفعله ~~PageV01P224 # باختياره - وبين ما هو صفة له من لوازم ذاته، ويعلمون أن لون (1) الإنسان ~~وطوله وعرضه ليس مرادا له ولا مقدورا له ولا مفعولا له ; لأنه لازم له لا ~~يدخل تحت قدرته ومشيئته (2) ، وأما أفعاله الداخلة تحت قدرته ومشيئته (3) ~~فهي أفعال له مقدورة مرادة، فإذا قدر أن هذه لازمة لذاته كاللون (4) ، ~~والقدر كان هذا غير معقول، بل كان هذا مما يعلم [به] (5) أن هذه ليست ~~أفعالا له، ولا مفعولات، بل صفات [له] (6) . # وأيضا، فإذا كان العالم لم يخل من نوع الحوادث - كما سلمتموه، وكما يقوم ~~عليه البرهان، بل كما اتفق عليه جماهير العقلاء - لم يمكن (7) فعل العالم ~~بدون الحوادث لامتناع وجود الملزوم بدون اللازم، ولم يمكن أن يكون ملزوم ~~الحوادث المصنوع (8) المفعول قديما، وكل جزء من أجزاء العالم يمتنع أن يخلو ~~من الحوادث. # وما يدعيه هؤلاء المتفلسفة من أن العقول خالية عن الحوادث من أبطل الكلام ms0104 ~~لو كان للعقول وجود في الخارج [فكيف ولا حقيقة لها في الخارج] (9) وذلك أن ~~معلول (10) العقول عندهم - وهي النفوس PageV01P225 # الفلكية أو الأفلاك أو ما (1) شئت من العالم - مستلزم للحوادث، فإن ~~النفوس والأفلاك لا يمكن خلوها من الحوادث عندهم، ولو خلت لم تكن نفوسا، بل ~~تكون عقولا (2) . # وحينئذ فإذا كان المعلول لم يخل عن الحوادث لزم أن تكون علته لم تخل من ~~الحوادث، وإلا لزم حدوث الحوادث في المعلول بلا علة، وهو ممتنع، فإنه لا بد ~~للحوادث من سبب تحدث عنده (3) ، فإن لم يكن في علة النفوس والأفلاك ما ~~يقتضي ذلك بطل أن تكون علة لها لامتناع صدور الحوادث المختلفة عن علة بسيطة ~~على حال واحدة (4) . # وهذا مما استدل به أئمتهم (5) ، وغير أئمتهم القائلون بأن (6) الرب تقوم ~~به الأمور الاختيارية قالوا: لأن المفعولات فيها من التنوع والحدوث ما يوجب ~~أن يكون سبب ذلك عن الفاعل، وإلا لزم حدوث الحوادث بلا محدث، وإذا كان كل ~~جزء من [أجزاء] (7) العالم ملزوما للحوادث، وهو مصنوع، فإبداعه بدون ~~الحوادث ممتنع، وإحداث [الحوادث] (8) شيئا بعد شيء مع قدم ذات محلها ~~المعلول ممتنع ; لأن القديم الموجب PageV01P226 # لذاته لا يوجبها إلا مع الحوادث، فلا يكون موجبا لها قط إلا مع فعل (1) ~~حادث يقوم به، وإذا كان لا يفعل إلا بفعل حادث امتنع أن يكون المفعول (2 ~~قديما ; لأن قدم المفعول 2) (2) يقتضي قدم الفعل بالضرورة. # وإذا قيل: فعل الملزوم قديم، وفعل الحوادث حادث شيئا بعد شيء لزم أن يقوم ~~بذات الفاعل فعلان: أحدهما: فعل للذات القديمة، وهو قديم بقدمها دائم ~~بدوامها، والآخر: أفعال لحوادثها، وهي حادثة شيئا بعد شيء، فتكون ذات ~~الفاعل فاعلة للملزوم بفعل، وفاعلة للازم بفعل آخر أو أفعال، وفعلها ~~للملزوم يوجب فعلها للازم لامتناع انفكاك الملزوم عن اللازم، وإرادتها ~~للملزوم توجب إرادتها للازم ; لأن المريد للملزوم العالم بأن هذا يلزمه إن ~~لم يرد اللازم لكان إما غير مريد لوجود الملزوم، وإما غير عالم بالملزوم. # والرب تعالى مريد للملزوم (3) ، وعالم بالملزوم، فيمتنع أن يريد الملزوم ~~دون اللازم، وهذا ms0105 وإن كان لا بد منه فيما يريد إحداثه، ويريد أن يحدث له ~~حوادث متعاقبة، كما يحدث الإنسان ويحدث له أحوالا متجددة شيئا بعد شيء، ~~ويحدث الأفلاك، ويحدث حوادثها شيئا بعد شيء لكنه إذا فرض أن الملزوم غير ~~محدث له لم يعقل كونه مفعولا له، ولا يعقل [أيضا] (4) كونه معلولا له قديما ~~بقدمه، فإن المعلول له صفات ومقادير PageV01P227 # مختصة به، والعلة المجردة عن الأحوال الاختيارية إنما تستلزم ما يكون من ~~لوازمها، وإنما يكون من لوازمها ما يناسبها مناسبة المعلول لعلته، والمعلول ~~فيه من الأقدار والأعداد والصفات المختلفة ما يمتنع (1) وجود ما يشابه ذلك ~~في علته، فتمتنع المناسبة، وإذا امتنعت المناسبة امتنع كونه علة له. # وأيضا، فإذا قدر أنها موجب أزلي للمعلول الأزلي كان إيجابها له إما ~~بالذات مجردة عن أحوالها المتعاقبة، وإما مع أحوالها، والأول ممتنع، فإن ~~خلو الذات (2) عن لوازمها ممتنع، والثاني ممتنع ; لأن الذات المستلزمة ~~لصفاتها وأحوالها لا تفعل إلا بصفاتها، وأحوالها، والأحوال المتعاقبة يمتنع ~~أن يكون لها معلول معين قديم أزلي، ويمتنع أن تكون شرطا في المعلول الأزلي ~~; لأن المعلول الأزلي لا بد أن يكون مجموع علة (3) أزلية، والأحوال ~~المتعاقبة لا يكون مجموعها ولا شيء منها أزليا (4) ،. وإنما الأزلي هو ~~النوع القديم الذي يوجد شيئا فشيئا، وهذا يمتنع أن يكون شرطا في الأزل. # وهذا كما لو قيل: إن الفلك المتحرك دائما (5) يوجب ذاتا أزلية متحركة، ~~[أو غير متحركة، فإن هذا ممتنع عندهم وعند غيرهم، فإن ما كان فعله مشروطا ~~بالحركة يمتنع أن يكون مفعوله المعين قديما، ولو قدر أن PageV01P228 # المتحرك الأزلي يوجب متحركا أزليا لم يوجب] (1) إلا ما يناسبه، وأما ~~المتحركات المختلفة في قدرها وصفاتها وحركاتها فيمتنع صدورها عن متحرك حركة ~~متشابهة. # وأيضا، فإن المفعول المخلوق مفتقر إلى الفاعل من جميع الوجوه ليس له شيء ~~إلا من الفاعل، والفاعل الخالق غني عنه من جميع الوجوه، واقترانهما (2) ~~أزلا وأبدا يمنع كون أحدهما فاعلا غنيا والآخر مفعولا فقيرا، بل يمنع كونه ~~متولدا عنه، ويوجب كونه صفة له، فإن الولد وإن ms0106 تولد عن والده بغير قدرته ~~[وإرادته] (3) ، واختياره ومشيئته (4) ، فهو حادث عنه، وأما كون المتولد عن ~~الشيء ملازما للمتولد عنه مقارنا له في وجوده، فهذا أيضا لا يعقل. # ولهذا كان قول من قال من مشركي العرب: إن الملائكة أولاد الله وإنهم ~~بناته، مع ما في قولهم من الكفر والجهل (5) ، فقول هؤلاء أكفر منه من وجوه، ~~فإن أولئك يقولون: إن الملائكة حادثة كائنة بعد أن لم تكن، وكانوا يقولون: ~~إن (6) الله خلق السماوات والأرض ولم يكونوا يقولون بقدم العالم. # وأما هؤلاء فيقولون: إن العقول والنفوس - التي يسمونها الملائكة، ~~PageV01P229 # [والسماوات] (1) - قديمة بقدم الله لم يزل الله والدا لها، فهم مع قولهم ~~بأن الله ولدها يقولون: لم تزل معه، وهذا أمر لا يعقل لا في الولد ولا في ~~الفعل، فكان قولهم مخالفا لما تعرفه العقول من جميع الجهات، وسر الأمر أنهم ~~جمعوا بين النقيضين، فأثبتوا فعلا وصنعا وإبداعا (2) من غير إبداع ولا صنع ~~ولا فعل. # وقولهم في فعل الرب كقولهم في ذاته وصفاته، فأثبتوا واجب الوجود (3) ، ~~ووصفوه بما يستلزم أن يكون ممتنع الوجود، وأثبتوا صفاته، وقالوا فيها ما ~~يوجب نفي صفاته، فهم دائما يجمعون في أقوالهم بين النقيضين، وذلك أنهم في ~~الأصل معطلة محضة، ولكن أثبتوا ضربا من الإثبات، وأرادوا أن يجمعوا بين ~~الإثبات والتعطيل، فلزمهم التناقض. # ولهذا يمتنعون من أن يوصف بنفي أو إثبات (4) ، فمنهم من يقول: لا يقال: ~~هو موجود (5 ولا معدوم ولا حي ولا ميت، وقد يقولون: لا يقال: هو موجود ولا ~~يقال 5) : (5) ليس بموجود، ولا يقال: هو حي، ولا يقال: ليس بحي (6) ، ~~فيرفعون النقيضين جميعا، أو يمتنعون من إثبات أحد النقيضين ورفع النقيضين ~~ممتنع، كما أن جمع النقيضين ممتنع، والامتناع من إثبات أحد النقيضين هو ~~الإمساك عن النفي والإثبات، PageV01P230 # والحق، والباطل، وذلك جهل وامتناع عن معرفة الحق والتكلم به. # ومدار ذلك على أن الله لا يعرف ولا يذكر ولا يمجد ولا يعبد، وهو من أنواع ~~السفسطة، فإن السفسطة منها ما هو نفي للحق، ومنها ما هو نفي للعلم به، ~~ومنها ms0107 ما هو تجاهل، وامتناع عن إثباته، ونفيه، ويسمى [أصحاب هذا القول] ~~اللا أدرية (1) لقولهم: لا ندري (2) . # كما قال فرعون: {وما رب العالمين} [سورة الشعراء: 23] متجاهلا أنه لا ~~يعرفه، وأنه منكور لا يعرف، فخاطبه موسى بما بين له أنه أعرف من أن ينكر، ~~وأعظم من أن يجحد (3) ، فقال: {رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم ~~موقنين - قال لمن حوله ألا تستمعون - قال ربكم ورب آبائكم الأولين} [سورة ~~الشعراء: 24 - 26] . # وكذلك قالت الرسل لمن قال من قومهم: {إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي ~~شك مما تدعوننا إليه مريب - قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض ~~يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم} [سورة إبراهيم: 9 - 10] إلى أمثال ذلك، وهذا ~~المقام مبسوط في موضعه، ولكن نبهنا عليه هنا لاتصال الكلام به. # والمقصود هنا أنه إذا جوزنا حدوث الحوادث بلا سبب حادث امتنع القول بقدم ~~العالم، كما سنبين امتناع ذلك على القول بامتناع حدوث PageV01P231 # الحوادث بلا سبب، فيلزم القول بامتناع قدمه (1) على التقديرين، فيلزم ~~امتناع القول بقدمه على تقدير النقيضين، وهو المطلوب. ### | القول بإمكان حوادث لا أول لها مبطل للقول بقدم العالم # وهذا التقدير الذي نريد أن نتكلم عليه، وهو تقدير إمكان دوام الحوادث ~~وتسلسلها وإمكان حوادث لا أول لها، وعلى هذا القول فيمتنع حدوث حادث بلا ~~سبب حادث بالضرورة، واتفاق العقلاء فيما نعلم ; لأن ذلك ترجيح لأحد طرفي ~~الممكن بلا مرجح تام مع إمكان المرجح التام، وحدوث الحوادث بلا سبب حادث مع ~~إمكان حدوث السبب الحادث دائما. # وهذا لم يقله أحد من العقلاء [فيما نعلم] (2) ، وهو باطل ; لأن ذلك (3) ~~يقتضي ترجيح أحد المتماثلين على الآخر بلا مرجح، وذلك لأنه إذا كان نسبة ~~الحادث المعين إلى جميع الأوقات نسبة واحدة، ونسبتها إلى قدرة الفاعل ~~القديم وإرادته في جميع الأحوال نسبة واحدة، والفاعل على حال واحدة لم يزل ~~عليها كان من المعلوم بالضرورة أن تخصيص وقت بدون وقت بالإحداث ترجيح (4) ~~لأحد المتماثلين على الآخر بلا مرجح. # وأيضا فإذا قيل: إن هذا جائز، ونحن نتكلم على تقدير جواز ms0108 دوام الحوادث ~~جاز أن يريد حادثا بعد حادث لا إلى أول لا يقتضي (5) أن يريد حادثا بعينه ~~في الأزل ; لأن وجود الحادث المعين في الأزل محال PageV01P232 # بالضرورة واتفاق العقلاء، فإن المحدث المعين لا يكون قديما إذ هذا جمع ~~بين النقيضين، وإنما النزاع في دوام نوع الحوادث لا في قدم حادث معين. # وفي الجملة (1) ، فإذا قيل: بجواز دوام الحوادث، وأن نوعها قديم (2) لم ~~يقل إن نوعها حادث (3) بعد أن لم يكن، فإن ما جاز قدمه امتنع عدمه (4) . # والمراد هنا الجواز الخارجي لا مجرد الجواز الذهني الذي هو عدم العلم ~~بالامتناع، فإن ذلك لا يدل على قدم شيء بخلاف الأول، وهو العلم بإمكان قدمه ~~; لأنه إذا جاز قدمه لم يكن إلا لوجوبه بنفسه، أو لصدوره عن واجب الوجود ~~(5) ، وعلى التقديرين، فما كان واجبا بنفسه، أو لازما للواجب بنفسه لزم ~~كونه قديما، وامتنع كونه معدوما ; لأن الواجب بنفسه يجب قدمه، ويمتنع عدمه، ~~ويمتنع وجود الملزوم بدون اللازم، فيجب قدم لوازمه، ويمتنع عدمها. # وإذا قيل (6) : بجواز دوام الحوادث جاز قدم نوعها، وإنما يجوز قدمها، ~~[ويمتنع عدم نوعها] (7) إذا كان له موجب أزلي، وحينئذ فيجب قدم نوعها، (8 ~~ويمتنع عدم نوعها 8) (8) ، فلا يجب أن يكون بعض العالم أزليا، ثم إنه ~~PageV01P233 # يحدث فيه الحوادث مع القول بجواز دوامها، بل يمتنع ذلك، كما تقدم، وهذه ~~كلها مقدمات بينة لمن تدبرها وفهمها. # فتبين أنه لو كان شيء من العالم أزليا قديما للزم أن يكون فاعله موجبا ~~بالذات، ولو كان فاعل العالم موجبا بالذات لم يحدث في العالم شيء من ~~الحوادث، والحوادث فيه مشهودة (1) ، فامتنع أن يكون فاعل (2 العالم موجبا ~~بذاته، فامتنع أن يكون 2) (2) العالم قديما، كما قاله أولئك (3) الدهرية، ~~بل ويمتنع أيضا أن يكون المعين الذي هو مفعول الفاعل أزليا، لا سيما مع ~~العلم بأنه فاعل باختياره، فيمتنع أن يكون في العالم شيء أزلي على هذا ~~التقدير الذي هو تقدير إمكان الحوادث ودوامها وامتناع صدور الحوادث بلا سبب ~~حادث. # وإذا قيل: إن فاعل العالم (4) قادر مختار - كما هو مذهب ms0109 المسلمين، وسائر ~~أهل الملل، وأساطين الفلاسفة الذين كانوا قبل أرسطو (5) - فإنه لا بد أن ~~يكون الفاعل المبدع مريدا لمفعولاته حين فعله لها، كما قال تعالى: {إنما ~~قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} [سورة النحل: 40] . # ولا يكفي وجود إرادة قديمة تتناول جميع المتجددات بدون تجدد إرادة ذلك ~~الحادث المعين ; لأنه على هذا التقدير يلزم جواز حدوث الحوادث بلا سبب ~~حادث. PageV01P234 # ونحن نتكلم على التقدير الآخر، وهو امتناع حدوثها بدون سبب حادث، وإذا ~~كان على هذا التقدير لا بد من ثبوت الإرادة عند وجود المراد، ولا بد من ~~إرادة مقارنة للمراد مستلزمة له امتنع أن يكون في الأزل إرادة يقارنها ~~مرادها سواء كانت عامة لكل ما يصدر عنه (1) ، أو كانت (2) خاصة ببعض ~~المفعولات، فإن مرادها هو مفعول الرب، وهذه الإرادة هي إرادة أن يفعل، ~~ومعلوم أن الشيء الذي يريد الفاعل أن يفعله لا يكون شيئا قديما أزليا لم ~~يزل، ولا يزال، بل لا يكون إلا حادثا بعد أن لم يكن. ### | ابن سينا مخالف لأرسطو ولجمهرة الفلاسفة # وهذا معلوم بضرورة العقل عند عامة العقلاء، وهو متفق عليه عند نظار الأمم ~~المسلمين وغير المسلمين، وجماهير الفلاسفة الأولين والآخرين حتى أرسطو ~~وأتباعه، ولم ينازع في ذلك إلا شرذمة قليلة من المتفلسفة جوز بعضهم أن يكون ~~مفعولا ممكنا، وهو قديم أزلي كابن سينا وأمثاله، وجوز بعضهم مع ذلك أن يكون ~~مرادا. # وأما جماهير العقلاء فيقولون: إن فساد كل من هذين القولين معلوم بضرورة ~~العقل حتى المنتصرون (3) لأرسطو وأتباعه - كابن رشد الحفيد، وغيره - أنكروا ~~كون الممكن يكون قديما أزليا على إخوانهم كابن سينا، وبينوا أنهم خالفوا في ~~هذا القول أرسطو وأتباعه، وهو كما قال. هؤلاء. PageV01P235 # وكلام أرسطو بين في ذلك في (مقالة اللام) التي هي آخر كلامه في علم ما ~~بعد الطبيعة (1) ، وغير ذلك. # وأرسطو وقدماء أصحابه - مع سائر العقلاء - يقولون: إن الممكن الذي يمكن ~~وجوده وعدمه لا يكون إلا محدثا كائنا بعد أن لم يكن، والمفعول لا يكون إلا ~~محدثا، وهم إذا قالوا ms0110 بقدم الأفلاك لم يقولوا إنها ممكنة ولا مفعولة ولا ~~مخلوقة، بل يقولون: إنها تتحرك للتشبه بالعلة الأولى، فهي [محتاجة إلى ~~العلة الأولى] (2) التي يسميها ابن سينا وأمثاله واجب الوجود من جهة أنه لا ~~بد في حركتها من التشبه به، فهو لها (3) من جنس العلة الغائية لا أنه علة ~~فاعلة لها عند أرسطو. وذويه. # وهذا القول - وإن كان من أعظم الأقوال كفرا وضلالا ومخالفة لما عليه ~~جماهير العقلاء [من الأولين والآخرين] (4) ، ولهذا عدل متأخرو الفلاسفة ~~[عنه] (5) ، وادعوا موجبا وموجبا، كما زعمه ابن سينا، وأمثاله، PageV01P236 # وأساطين الفلاسفة قبل أرسطو لم يكونوا يقولون بقدم العالم، بل كانوا ~~مقرين بأن الأفلاك محدثة كائنة بعد أن لم تكن مع نزاع منتشر لهم في المادة ~~- فالمقصود (1) هنا أن هؤلاء مع ما فيهم من الضلال لم يرضوا لأنفسهم أن ~~يجعلوا الممكن الذي يمكن وجوده وعدمه قديما أزليا، بل قالوا: إنه لا يكون ~~إلا محدثا، ولا رضوا لأنفسهم أن يقولوا: إن المفعول المصنوع المبدع قديم ~~أزلي، ولا أن المراد الذي أراد الباري فعله هو قديم أزلي، فإن فساد هذه ~~الأقوال ظاهر في بدايه (2) العقول، وإنما ألجأ إليها من قالها من متأخريهم ~~ما التزموه من الأقوال المتناقضة التي ألجأتهم إليها. # كما أن كثيرا من أهل الكلام ألجأتهم أصول لهم فيها إلى أقوال يعلم فسادها ~~بضرورة العقل مثل إرادة أو كلام لا في محل، ومثل شيء واحد بالعين يكون ~~حقائق متنوعة (3) ، ومثل أمر سبق (4) بعضه بعضا يكون قديم الأعيان لم يزل ~~كل شيء منه قديما أزليا، وأمثال ذلك. # وما يذكره الرازي، [وأمثاله.] (5) في هذه المسألة، وغيرها من إجماع ~~الحكماء كدعواه إجماعهم على علة الافتقار هي الإمكان، وأن الممكن المعلول ~~يكون قديما أزليا، فهو إنما يذكر ما وجده في كتب ابن سينا، ويظن أن هذا ~~إجماع الفلاسفة. PageV01P237 ### | أكثر الفلاسفة يقولون إن الفعل لا يكون إلا بعد عدم # ولما كان كون المفعول لا يعقل إلا بعد العدم ظاهرا كان الفلاسفة يجعلون ~~من جملة علل الفعل (1) العدم، ويجعلون العدم من جملة المبادئ، وعندهم ms0111 من ~~جملة الأجناس العالية للأعراض أن يفعل وأن ينفعل، ويعبرون عنهما (2) بالفعل ~~والانفعال. # فإذا قيل: إن البارئ فعل شيئا من العالم لزم أن يقوم به أن يفعل، وهو ~~الفعل، فيقوم به الصفات التي سموها الأعراض، ولزم أن الفعل لا يكون إلا بعد ~~عدم لا يكون مع كون المفعول قديما أزليا، وقالوا: لما كان ما يسمونه الحركة ~~أو التغير (3) ، أو الفعل محتاجا إلى العدم، والعدم ليس بمحتاج إليه كان ~~العدم مبدءا له بهذا الاعتبار، ومرادهم أنه شرط في ذلك، فإنه لا يكون حركة ~~ولا فعل ونحو ذلك مما قد يسمونه تغيرا واستكمالا إلا بوجود بعد عدم إما عدم ~~ما كان موجودا وإما عدم مستمر كعدم المستكمل ما كان معدوما له، ثم حصل، ~~فإذن هذا المتغير والمستكمل (4) ، والمتحرك والمفعول محتاج إلى العدم، ~~والعدم غير محتاج إليه، فصار العدم مبدءا له بهذا الاعتبار، ولهذا كان ~~الفعل، والانفعال المعروف في العالم إنما هو ما (5) يحدث من تأثير الفاعل ~~وتأثير الفعل، لا يعقل فعل (6) . ولا انفعال بدون حدوث شيء بعد عدم. ~~PageV01P238 ### | حجج ابن سينا وغيره على أن الفعل لا يشترط فيه تقدم العدم ### | البرهان الأول والرد عليه # . ثم هؤلاء الشذوذ من المتأخرين الذين زعموا أن الفعل لا يشترط فيه تقدم ~~العدم قد ذكروا لهم (1) حججا ذكرها ابن سينا وغيره من متأخريهم، واستقصاها ~~الرازي في (مباحثه المشرقية) ، وذكر في ذلك ما سماه عشرة (2) براهين، وكلها ~~باطلة (3) . # قال (4) : # الأول (5) : المحتاج (6) إلى العدم السابق إما أن يكون هو وجود الفعل، ~~وإما أن يكون [هو] (7) تأثير الفاعل فيه، ومحال أن يكون المفتقر إلى العدم ~~السابق هو وجود الفعل (8) ; لأن الفعل لو افتقر في وجوده إلى العدم لكان ~~ذلك العدم مقارنا له، والعدم المقارن مناف لذلك الوجود، ومحال أن يكون ~~المفتقر إليه تأثير الفاعل (9) ; لأن تأثير الفاعل يجب أن يكون مقارنا ~~للأثر، ووجود الأثر ينافي عدمه، والمنافي لما يجب أن يكون مقارنا يجب أن ~~يكون منافيا، والمنافي لا يكون شرطا، فإذن لا الفعل PageV01P239 # في كونه موجودا. ولا (1) حاصلا. ولا الفاعل ms0112 في كونه مؤثرا يفتقر (2) إلى ~~العدم المنافي (3)) . # فيقال [في] (4) الجواب: إنه ليس المراد بكون المفعول أو فعل الفاعل ~~مفتقرا إلى العدم أن العدم مؤثر فيه حتى يجب أن يكون مقارنا له، بل المراد ~~أنه لا يكون إلا بعد العدم، كما قالوا هم: إن العدم من جملة المبادئ سواء ~~جعلوه مبدءا لمطلق الفعل [أو الحركة] (5) ، أو الحركة والتغير والاستكمال، ~~فالمقصود أنهم جعلوا ذلك مفتقرا إلى العدم بمعنى أنه لا يكون إلا بعد عدم ~~شيء لا بمعنى أن العدم مقارن له. # ومعلوم أنه إذا قيل: إن الحركة لا تكون إلا شيئا بعد شيء - أو الصوت - ~~كان الحادث من ذلك موقوفا على وجود ما قبله، وإن لم يكن مقارنا له. # وأيضا، فالشيء المعدوم إذا عدم بعد وجوده كان هذا العدم الحادث مفتقرا ~~إلى ذلك الوجود السابق، ولم يكن مقارنا له. # [وأيضا] (6) ، فهذا الذي قاله يلزمه في كل ما يحدث [فإن كل ما يحدث فإنما ~~يحدث] (7) بعد عدمه، فحدوثه متوقف على عدمه السابق لوجوده مع أن ذلك العدم ~~ليس مقارنا (8) له، فإن طردوا حجتهم لزمهم PageV01P240 # أن لا يحدث حادث، وهذه مكابرة، وهذا شأنهم في عامة (1) حججهم التي ~~يذكرونها في قدم العالم، (2 فإن مقتضاها أن لا يحدث شيء وحدوث الحوادث في ~~العالم 2) (2) مشهود (3) ، فكانت حججهم مما يعلم أنها من جنس شبه ~~السوفسطائية. # وهذا كحجتهم (4) العظمى التي يحتجون بها على أنه مؤثر تام في الأزل، وأن ~~المؤثر التام يستلزم أثره، فإن مقتضاها (5) أن لا يحدث شيء، وهم ضلوا حيث ~~لم يفرقوا بين مطلق المؤثر، وبين المؤثر في كل ممكن. # فإذا قالوا (6) : كونه مؤثرا إما أن يكون لذاته المخصوصة، أو لأمر لازم ~~لها، أو لأمر منفصل عنها، والثالث ممتنع ; لأن ذلك المنفصل هو من جملة ~~آثاره، فيمتنع أن يكون مؤثرا فيه لامتناع الدور في العلل، وعلى الأول ~~والثاني يلزم [دوام] (7) كونه مؤثرا. # قيل لهم: كونه مؤثرا يراد به أنه مؤثر في وجود كل ما صدر عنه، ويراد به ~~أنه مؤثر في شيء معين من العالم، ويراد به ms0113 أنه مؤثر في الجملة: مثل (8) أن ~~يكون مؤثرا في شيء (9) بعد شيء. PageV01P241 # والأول والثاني ممتنعان في الأزل لا سيما الأول (1) ، فإنه لا يقوله ~~عاقل، والحجة لا تدل على تأثيره في كل شيء في الأزل، ولا في شيء معين في ~~الأزل. # وأما الثالث فيناقض قولهم لا يوافقه، بل يقتضي حدوث كل ما سواه، فإذا (2) ~~كان تأثيره من لوازم ذاته، والحوادث مشهودة، بل التأثير لا يعقل إلا مع ~~الإحداث كان الإحداث الثاني مشروطا بسبق الأول وبانقضائه أيضا، وذلك من ~~لوازم ذاته شيئا بعد شيء. # فلا يكون في الحجة ما يدل على قولهم، ولا على ما يناقض ما أخبرت به ~~الرسل، وإن دل على بطلان قول طائفة من أهل الكلام المحدث في دين الإسلام من ~~الجهمية، والقدرية، ومن اتبعهم. # وكذلك ما يحتجون به على بطلان الإحداث والتأثير، ونحو ذلك من الشبه ~~المقتضية (3) نفي التأثير ونفي ترجيح وجود الممكن على عدمه، ونفي كونه ~~فاعلا لحكمة، أو لا لحكمة، وغير ذلك مما يذكر في هذا الباب، فإن جميعها ~~تقتضي أن لا يحدث في العالم حادث، وهذا خلاف المشاهدة، وكل حجة تقتضي خلاف ~~المشهود فهي من جنس [حجج] (4) السفسطة. # وهم كلهم متفقون على أن العدم من جملة العلل، وهو مأخوذ عن PageV01P242 # أرسطو قال أرسطو في (مقالة اللام) التي هي منتهى فلسفته، وهي علم ما بعد ~~الطبيعة: # (. وأما على طريق المناسبة، فأخلق بنا - إن نحن اتبعنا ما وصفنا - أن ~~نبين أن مبادئ جميع الأشياء الموجودة ثلاثة: العنصر، والصورة، والعدم. مثال ~~ذلك في الجوهر المحسوس أن الحر نظير الصورة والبرد نظير العدم والعنصر هو ~~الذي له هذان بالقوة، وفي باب الكيف يكون البياض نظير الصورة والسواد نظير ~~العدم، والشيء الموضوع لهما هو السطح في قياس العنصر، ويكون الضوء نظير ~~الصورة، والظلمة نظير العدم، والجسم القابل للضوء هو الموضوع لهما، فليس ~~يمكن على الإطلاق أن تجد عناصر هي بأعيانها عناصر لجميع الأشياء، وأما على ~~طريق المناسبة والمقايسة فأخلق بها أن توجد) . # قال: (وليس طلبنا الآن طلب عنصر الأشياء الموجودة ms0114 لكن قصدنا إنما هو طلب ~~مبدئها، وكلاهما سبب لها إلا أن (1) المبدأ قد يجوز أن يوجد خارجا عن الشيء ~~مثل السبب المحرك، وأما العناصر فلا يجوز أن تكون إلا في الأشياء التي هي ~~منها، وما كان عنصرا، فليس [مانع] (2) يمنع من أن يقال له مبدأ، وما كان ~~مبدءا، فليس له عنصر لا محالة. # وذلك أن المبدأ المحرك قد يجوز أن يكون خارجا عن المحرك، ولكن (3) المحرك ~~القريب من الأشياء الطبيعية هو مثل الصورة، وذلك أن PageV01P243 # الإنسان إنما يلده إنسان، وأما في الأشياء الوهمية، فالصورة أو العدم، ~~مثال ذلك الطب والجهل به، [والبناء والجهل به] (1) ، وفي كثير من الأمور ~~يكون السبب المحرك هو الصورة، من ذلك أن الطب من وجه ما هو الصحة ; لأنها ~~المحركة، وصورة البيت من وجه ما هي البناء، والإنسان إنما يلده إنسان (2) . # وليس قصدنا لطلب المحرك القريب لكن قصدنا للمحرك الأول الذي منه يتحرك ~~جميع الأشياء، فالأمر فيه بين أنه جوهر، وذلك أنه مبدأ الجواهر (3) ، ولا ~~يجوز أن يكون مبدأ الجواهر (4) إلا جوهرا، وهو مبدأ الجواهر (5) ، ومبدأ ~~جميع الأشياء الموجودة، ولم يكن التهيب من التصريح بهذا فيما تقدم صوابا، ~~فإن سائر الأشياء إنما هي أحداث وحالات للجوهر، وحركات له، وينبغي أن نبحث ~~عن هذا الجوهر الذي يحرك الجسم كله ما هو هل يجب أن نضع أنه نفس، أو أنه ~~عقل، أو أنه غيرهما بعد أن نحذر ونتوقى أن نحكم على المبدأ الأول بشيء من ~~الأعراض التي تلزم الأواخر من الأشياء الموجودة، ولكنه قد يوجد في أواخر ~~الأشياء الموجودة ما هو بالقوة، وأن يكون الشيء في الأوقات المختلفة على ~~حالات مختلفة، وأن لا يكون دائما على حال واحدة، والأشياء التي تقبل الكون ~~والفساد هي التي توجد بهذه الحال، فإنك تجد الشيء فيها بعينه مرة بالقوة، ~~ومرة بالفعل. PageV01P244 # مثال ذلك أن الخمر توجد بالفعل (1) بعد أن تغلى وتسكر، وقد تكون موجودة ~~بالقوة في وقت آخر إذ (2) كانت الرطوبة التي فيها تتولد إنما هي في نفس ~~الكرم واللحم. وربما كان ms0115 بالفعل، وربما كان بالقوة في العناصر التي عنها ~~تتولد، وإذا قلنا بالقوة، أو بالفعل، فليس نعني شيئا غير الصورة والعنصر، ~~ونعني بالصورة التي يمكن أن تنفرد (3) من المركب من الصورة والعنصر، فأما ~~المنفرد فمثل الضوء والظلمة إذ كان يمكن فيها أن تنفرد عن الهواء، والمركب ~~منهما فمثل البدن الصحيح، [والبدن] السقيم (4) ، وأعني بالعنصر الشيء الذي ~~يمكن فيه أن يحتمل الحالتين كلتيهما مثل البدن، فربما كان صحيحا، وربما كان ~~سقيما. # فهذا الشيء الذي بالفعل، والذي بالقوة قد يختلف لا في العناصر الموجودة ~~في الأشياء المركبة منهما أعني من الصورة والعنصر (5) لكن في الأشياء ~~الخارجة عن الأشياء المركبة أيضا التي لم يكن عنصرها عنصر الأشياء التي ~~تكون عنها ولا صورتها صورتها لكن غيرها. # فينبغي أن يكون هذا الأمر قائما في وهمك إذا قصدت البحث عن السبب الأول ~~أن بعض العلل المحركة موافقة في الصورة للشيء المتحرك (6) قريبة منه، ~~وبعضها أبعد منه أما العلة القريبة (7) ، فمثل الأب، PageV01P245 # وأما الشمس، فهي (1) علة أبعد، وأبعد من الشمس الفلك المائل، وهذه ~~الأشياء ليست عللا على طريق عنصر الشيء الحادث، أو (2) على طريق صورة، ولا ~~على طريق عدم لكنها إنما هي محركة، وهي محركة لا على أنها موافقة. (3) في ~~الصورة قريبة مثل الأب لكنها أبعد، وأقوى فعلا إذ كانت هي ابتداء العلل ~~القريبة أيضا (4)) . وذكر كلاما آخر ليس هذا موضع بسطه. ### | [البرهان الثاني والرد عليه] # ثم ذكر الرازي: # (البرهان الثاني (5) : وهو أن الفعل ممكن الوجود في الأزل لثلاثة أوجه: # أحدها: أنه لو [لم يكن كذلك] لكان ممتنعا، ثم صار ممكنا، ولكان الممتنع ~~(6) لذاته قد انقلب ممكنا لذاته (7) ، وهذا يرفع الأمان (8) عن القضايا ~~العقلية (9) . PageV01P246 # وثانيها: أنه ممكن فيما لا يزال، فإن كان إمكانه لذاته، أو لعلة دائمة ~~لزم دوام الإمكان، وإن كان لعلة حادثة كان باطلا ; لأن الكلام في إمكان ~~حدوث تلك العلة كالكلام في إمكان حدوث غيرها، فيلزم دوام إمكان (1) الفعل. # وثالثها: أن امتناع الفعل إن كان لذاته، أو لسبب واجب لذاته (2) لزم دوام ~~الامتناع، وهو باطل ms0116 بالحس والضرورة وإجماع العقلاء لوجود الممكنات، وإن كان ~~لسبب غير واجب امتنع كونه قديما، فإن ما وجب قدمه امتنع عدمه، ثم الكلام ~~(3) فيه كالكلام في الأول، [فكونه ممتنعا في الأزل لعلة حادثة ظاهر ~~البطلان، فإن القديم لا يكون لعلة حادثة] (4)) . # قال (5) : (فثبت أنه لا يمكن دعوى امتناع حصول الممكنات في الأزل، ولا ~~يمكن أن يقال: المؤثر (6) ما كان يمكن أن يؤثر فيه، ثم صار يمكن، فإن القول ~~في امتناع التأثير وإمكانه كالقول في امتناع وجود الأثر وإمكانه) . # قال (7) : فثبت أن استناد الممكنات إلى المؤثر لا يقتضي تقدم العدم ~~عليها. PageV01P247 # قال (1) : (وعلى هذه الطريقة إشكال ; لأنا نقول: (الحادث) إذا اعتبرناه ~~من حيث كونه مسبوقا بالعدم، فهو مع هذا الشرط لا يمكن أن يقال: بأن إمكانه ~~يتخصص بوقت دون وقت لما ذكرتموه من الأدلة، فإذن (2) إمكانه ثابت دائما، ثم ~~لا يلزم من دوام إمكانه خروجه عن الحدوث ; لأنا لما أخذناه من حيث كونه ~~مسبوقا بالعدم كانت مسبوقيته بالعدم جزءا ذاتيا له، والجزء الذاتي لا يرفع، ~~وإذا لم يلزم من إمكان حدوث الحادث من حيث إنه حادث خروجه عن كونه حادثا، ~~فقد بطلت هذه الحجة) . # قال (3) : (فهذا شك لا بد من حله) . # قلت: فيقال: (4) هذا الشك هو المعارضة التي اعتمد عليها في كتبه الكلامية ~~(كالأربعين) (5) ، وغيره، وعليها اعتمد الآمدي في (دقائق الحقائق) ، وغيره ~~(6) ، وهي باطلة لوجهين: أحدهما: أنه ليس فيها جواب عن حجتهم، بل هي معارضة ~~محضة، الثاني: أن يقال: قوله (الحادث) PageV01P248 # إذا (1 اعتبر من حيث هو حادث أتعني به إذا قدر أن الحوادث كلها لها أول، ~~فإذا 1) (1) اعتبر مع ذلك إمكانها، فلا أول له، أم تعني به أن كل حادث ~~تعتبره إذا اعتبر إمكانه؟ . # فإن عنيت الأول قيل لك (2) : لا نسلم إمكان هذا التقدير، فإنك قدمت أنه ~~لا بد لكل حادث من أول وجملة الحوادث مسبوقة بالعدم وأن لا يكون الفاعل ~~أحدث شيئا ثم أحدث، وقدرت [مع] (3) ذلك أن إحداثه لم يزل ممكنا، ونحن لا ~~نسلم إمكان الجمع بين هذين، فأنت (4) إنما ms0117 منعت دوام كونه محدثا في الأزل ~~لامتناع حوادث لا أول لها، ومع امتناع ذلك يستحيل أن يكون الإحداث لم يزل ~~ممكنا، فقد قدرت إمكان دوام الحدوث (5) مع امتناع دوامه، وهذا تقدير ~~لاجتماع النقيضين. # وأما إن عنيت بما تقدره حدوث حادث معين، فلا نسلم أن إمكانه أزلي، بل ~~حدوث كل حادث معين جاز أن يكون مشروطا بشروط تنافي أزليته، وهذا هو الواقع، ~~كما يعلم ذلك في كثير من الحوادث، فإن حدوث ما هو مخلوق من مادة يمتنع قبل ~~وجود المادة، [ولكن الجواب عن هذه الحجة أنها لا تقتضي إمكان قدم شيء ~~بعينه، كما قد بسط في موضع آخر، فلا يلزم من ذلك إمكان قدم شيء بعينه من ~~الممكنات، وهو المطلوب] (6) . PageV01P249 ### | [البرهان الثالث والرد عليه] # . قال. الرازي: (1) . # (. البرهان الثالث: الحوادث إذا وجدت واستمرت، فهي في حال استمرارها ~~محتاجة إلى المؤثر ; لأنها ممكنة في حال بقائها، كما كانت ممكنة في حال ~~حدوثها، والممكن يفتقر إلى المؤثر) (2) . # فيقال: هذه الحجة إنما تدل على أن الممكنات المحدثة تحتاج حال بقائها إلى ~~المؤثر، ونحن نسلم هذا. (3) كما سلمه جمهور النظار [من] (4) المسلمين، ~~وغيرهم، وإنما نازع في ذلك طائفة من متكلمي المعتزلة، وغيرهم لكن هذا لا ~~يدل على أن الممكن أن يوجد وأن يعدم يمكن مقارنته للفاعل أزلا وأبدا إلا ~~إذا بين إمكان كونه أزليا أبديا مع إمكان وجوده وعدمه، وهذا محل النزاع كيف ~~وجمهور العقلاء يقولون: لا يعقل ما يمكن أن يوجد وأن لا يوجد إلا ما يكون ~~حادثا، وأما القديم الأزلي الواجب بنفسه أو بغيره فلا يعقل فيه أن (5) يمكن ~~أن يوجد وأن لا يوجد، فإن عدمه ممتنع. # وإذا قيل: هو باعتبار ذاته يقبل الأمرين. # قيل: عن هذا جوابان: # أحدهما: أنه مبني على أن له حقيقة في الخارج غير وجوده الثابت في الخارج، ~~وهذا باطل. PageV01P250 # الثاني: أنه لو قدر أن الأمر كذلك فمع وجوب موجبه الأزلي يكون واجبا أزلا ~~وأبدا، فيمتنع العدم، كما يقوله أهل السنة في صفات الرب تعالى، وهذا لا ~~يعقل فيه أنه ms0118 يمكن وجوده وعدمه، ولا أن له فاعلا يفعله (1) ، كما أنه لا ~~يعقل مثل ذلك في الصفات اللازمة للقديم تعالى. ### | [البرهان الرابع والرد عليه] # قال الرازي: # (البرهان الرابع: أن افتقار الأثر إلى المؤثر إما لأنه (2) موجود في ~~الحال، أو لأنه كان معدوما، أو لأنه سبقه عدم (3) ، ومحال أن يكون العدم ~~السابق هو المقتضي، فإن العدم نفي محض، فلا حاجة له إلى المؤثر أصلا. ومحال ~~أن يكون هو كونه مسبوقا بالعدم ; لأن [كون] (4) الوجود مسبوقا بالعدم كيفية ~~تعرض للوجود بعد حصوله على طريق الوجوب ; لأن وقوعه على (5) نعت المسبوقية ~~بالعدم (6) كيفية لازمة بعد وقوعه، فإنه يستحيل أن يقع إلا (7) كذلك، ~~والواجب غني عن المؤثر، فإذن المفتقر هو الوجود، والوجود عارض للماهية، فلا ~~يعتبر في افتقاره إلى الفاعل تقدم العدم) (8) . PageV01P251 # والجواب أن يقال: قوله: افتقاره إلى المؤثر إما أن يكون لكذا أو لكذا. ~~إما أن يريد به إثبات السبب الذي لأجله صار مفتقرا إلى المؤثر، وإما أن ~~يريد به إثبات دليل يدل على كونه مفتقرا إلى المؤثر، فإن ما يقرن بحرف ~~اللام على جهة التعليل قد يكون علة للوجود في الوجود الخارجي، وقد يكون علة ~~للعلم بذلك وثبوته في الذهن، وهذا يسمى دليلا وبرهانا وقياس الدلالة وبرهان ~~الدلالة، والأول إذا استدل به سمي قياس العلة، وبرهان العلة، وبرهان (لم) ~~لأنه يفيد علة الأثر في الخارج، وفي الذهن (1) . # فقول القائل: الافتقار إلى المؤثر: إما أن يكون لأجل الحدوث أو الإمكان، ~~أو لمجموعهما، وما يذكره طائفة من المتأخرين من الأقوال الثلاثة في ذلك، ~~فحقيقته أن يقال: أتريدون البحث عن [نفس] (2) العلة الموجبة في نفس الأمر ~~لهذا الافتقار أم البحث عن الدليل الدال على هذا الافتقار؟ . # فإن أردتم الأول قيل لكم: هذا فرع ثبوت كون افتقار المفعول إلى الفاعل ~~إنما هو لعلة أخرى، ولم تثبتوا ذلك، بل لقائل أن يقول: كل ما سوى الله ~~مفتقر إليه لذاته، وحقيقته لا لعلة أوجبت كون ذاته وحقيقته مفتقرة إلى ~~الله، ومن المعلوم أنه لا يجب في كل حكم وصفة ms0119 توصف بها الذوات (3) أن تكون ~~ثابتة لعلة (4) ، فإن هذا يستلزم التسلسل الممتنع، PageV01P252 # فإن (1) افتقار كل ما سوى الله إلى الله هو حكم وصفة ثبت لما سواه، فكل ~~ما سواه سواء سمي محدثا أو ممكنا أو مخلوقا أو غير ذلك هو مفتقر محتاج إليه ~~لا يمكن استغناؤه عنه بوجه من الوجوه، ولا في حال من الأحوال، بل كما أن ~~غنى الرب من لوازم ذاته، ففقر الممكنات من لوازم ذاتها، وهي لا حقيقة لها ~~إلا إذا كانت موجودة، فإن المعدوم ليس بشيء، فكل [ما هو] (2) موجود سوى ~~الله، فإنه مفتقر إليه دائما حال حدوثه وحال بقائه. # وإن أريد بعلة الافتقار إلى الفاعل ما يستدل به على ذلك، فيقال: كون ~~الشيء حادثا بعد أن لم يكن دليل على أنه مفتقر إلى محدث يحدثه (3) ، وكونه ~~ممكنا لا يترجح (4) وجوده على عدمه إلا بمرجح تام، دليل على أنه مفتقر إلى ~~واجب يبدعه، وكونه ممكنا محدثا دليلان ; لأن كلا منهما (5) دليل على ~~افتقاره، وهذه الصفات وغير ذلك من صفاته: مثل كونه محدثا (6) ، وكونه، ~~فقيرا، [وكونه مخلوقا] (7) ، ونحو ذلك تدل على احتياجه إلى خالقه، فأدلة ~~احتياجه إلى خالقه (8) كثيرة، وهو محتاج إليه لذاته لا لسبب آخر. ~~PageV01P253 # وحينئذ فيمكن أن يقال: وجوده دليل على افتقاره إلى خالقه (1) ، وعدمه ~~السابق دليل على افتقاره إلى الخالق (2) ، وكونه موجودا بعدم العدم دليل ~~على افتقاره إلى الخالق، فلا منافاة بين الأقسام، وعلى هذا، فلا يصح قوله: ~~(العدم نفي محض، فلا حاجة له إلى المؤثر أصلا) وذلك أنا (3) [إذا] (4) ~~جعلنا عدمه دليلا على أنه (5) لا يوجد بعد العدم إلا بفاعل لم يجعل عدمه هو ~~المحتاج إلى المؤثر، بل نظار المسلمين يقولون: إن الممكن لا يفتقر إلى ~~المؤثر إلا في وجوده، وأما عدمه المستمر فلا يفتقر فيه إلى المؤثر. # وأما هؤلاء الفلاسفة (6) كابن سينا، [ومن تبعه] كالرازي (7) ، فيقولون: ~~إنه لا يترجح أحد طرفي الممكن على الآخر إلا بمرجح، فيقولون: لا يترجح عدمه ~~على وجوده إلا بمرجح، كما يقولون: لا يترجح وجوده على عدمه إلا ms0120 بمرجح، ثم ~~قالوا: مرجح العدم عدم المرجح، فعلة كونه معدوما عدم علة كونه موجودا. # وأما نظار المسلمين، فينكرون هذا غاية الإنكار، كما ذكر ذلك PageV01P254 # القاضي أبو بكر (1) ، والقاضي أبو يعلى وغيرهما من نظار المسلمين، وهذا ~~هو الصواب. # وقول أولئك: علة عدمه عدم علته، فيقال لهم: أتريدون أن عدم علته مستلزم ~~لعدمه، ودليل على عدمه أم تريدون أن عدم علته هو الذي جعله معدوما في ~~الخارج؟ . # أما الأول فصحيح، ولكن ليس هو قولكم. # وأما الثاني فباطل، فإن عدمه المستمر لا يحتاج إلى علة إلا كما يحتاج عدم ~~العلة إلى علة، ومعلوم أنه إذا قيل: عدم لعدم علته قيل: وذلك العدم أيضا ~~لعدم علته، وهذا مع أنه يقتضي التسلسل في العلل، والمعلولات، وهو باطل ~~بصريح العقل، فبطلانه ظاهر، ولكن المقصود بيان بعض تناقض هؤلاء الملاحدة ~~المتفلسفة المخالفين لصريح المعقول، وصحيح المنقول. # وكذلك قوله: (لأن كونه مسبوقا بالعدم كيفية تعرض للوجود بعد حصوله) . وهي ~~لازمة [له] لا علة له (2) . # فيقال: هذا ليس بصفة ثبوتية له، بل هي صفة إضافية معناها أنه كان بعد أن ~~لم يكن، ثم لو قدر أنها صفة لازمة له، فالمراد أنها دليل على افتقاره إلى ~~المؤثر، وأيضا فأنت قدرت هذا علة افتقاره لم تقدره معلول افتقاره، فكونه ~~غنيا (3) لا يمنع كونه علة، وإنما يمنع كونه معلولا. PageV01P255 # وإن (1) قال: هذه متأخرة عن افتقاره، والمتأخر لا يكون علة للمتقدم. # قيل: هذا ذكرته في مواضع أخر لا هاهنا، وجوابه أنه دليل على الافتقار لا ~~موجب له. والدليل متأخر عن المدلول عليه باتفاق العقلاء. # فإن قيل: إن كان الحدوث دليلا على الافتقار إلى المؤثر لم يلزم (2) أن ~~يكون كل مفتقر إلى المؤثر حادثا ; لأن الدليل يجب طرده، ولا يجب عكسه. # قيل: نعم، انتفاء الدلالة من هذا الوجه لا ينفي الدلالة من وجوه أخر مثل ~~أن يقال: شرط افتقاره إلى الفاعل كونه محدثا، والشرط يقارن المشروط، وهذا ~~أيضا مما يبين به (3) الاقتران فيقال: علة الافتقار [بمعنى شرط افتقاره] ~~(4) كونه محدثا أو ممكنا أو مجموعهما ms0121، والجميع حق، ومثل أن يقال: إذا أريد ~~بالعلة المقتضي لافتقاره إلى الفاعل هو حدوثه أي كونه مسبوقا بالعدم، فإن ~~كل ما كان مسبوقا بالعدم (5) هو ثابت حال افتقاره إلى الفاعل، فإن افتقاره ~~إلى الفاعل هو حال حدوثه، وتلك الحال هو فيها مسبوق بالعدم، فإن كل ما كان ~~مسبوقا بالعدم كان كائنا بعد أن لم يكن، وهذا المعنى يوجب افتقاره إلى ~~الفاعل. PageV01P256 ### | [البرهان الخامس والرد عليه] # . قال [الرازي] (1) : # (. البرهان الخامس: أنه إما أن يتوقف جهة افتقار الممكنات إلى المؤثر، أو ~~جهة تأثير المؤثرات (2) فيها على الحدوث، أو لا تتوقف، والأول قد أبطلناه ~~في باب (3) (القدم والحدوث) فثبت أن الحدوث غير معتبر في جهة الافتقار) . # فيقال: ما ذكرته في ذلك قد بين إبطاله أيضا، وأن كل ما يفتقر إلى الفاعل ~~لا يكون إلا حادثا، وأما القديم الأزلي، فيمتنع أن يكون مفعولا. والذي ~~ذكرته في كتاب (الحدوث والقدم) في (المباحث المشرقية) هو الذي جرت عادتك ~~بذكره في (المحصل) وغيره، وهو أن الحدوث عبارة عن كون الوجود مسبوقا ~~بالعدم، وبالغير، فهو صفة للوجود، فيكون متأخرا عنه، وهو متأخر عن تأثير ~~المؤثر فيه، المتأخر عن احتياجه إليه المتأخر عن علة الحاجة، فلو كان ~~الحدوث علة الحاجة إلى الحدوث، أو شرطها لزم تأخر الشيء عن نفسه بأربع ~~مراتب. # جوابه: أن هذا ليس صفة وجودية قائمة به حتى يتأخر عن وجوده، بل معناه أنه ~~كان بعد أن لم يكن، وهو إنما يحتاج إلى المؤثر في هذه الحال، وهو في هذه ~~الحال مسبوق بالعدم، والتأخرات المذكورات هنا اعتبارات عقلية ليست تأخرات ~~زمانية، والعلة هنا المراد بها المعنى الملزوم لغيره ليس المراد بها أنها ~~فاعل متقدم على مفعوله بالزمان. PageV01P257 # واللازم والملزوم (1) قد يكون زمانهما جميعا، كما يقولون: (2) الصفة ~~تفتقر إلى الموصوف، والعرض إلى الجوهر، وإن كانا موجودين معا، ويقولون: (3) ~~إنما افتقر العرض إلى الموصوف لكونه معنى قائما بغيره، وهذا المعنى مقارن ~~لافتقاره إلى الموصوف. ### | [البرهان السادس والرد عليه] # قال [الرازي] : (4) # (البرهان السادس: أن الممكن إذا لم يوجد فعدمه إما ms0122 أن يكون لأمر أو لا ~~لأمر، ومحال أن يكون لا لأمر، فإنه حينئذ يكون معدوما لما هو هو، وكل ما ~~(هويته) كافية في عدمه، فهو ممتنع الوجود، فإذن الممكن العدم (5) ممتنع ~~الوجود، هذا خلف، فتبين (6) أن يكون لأمر، ثم ذلك المؤثر لا يخلو إما أن ~~يشترط في تأثيره فيه تجدده أو لا يشترط، ومحال أن يشترط ذلك، [فإن الكلام] ~~(7) مفروض في العدم السابق على وجوده، والعدم المتجدد هو العدم بعد الوجود، ~~فإذن لا يشترط في استناد عدم الممكنات إلى ما يقتضي عدمها تجدده (8) ، وإذا ~~كان العدم الممكن مستندا إلى PageV01P258 # المؤثر من غير شرط التجدد علمنا أن الحاجة والافتقار لا يتوقف على ~~التجدد، وهو المطلوب) (1) . # فيقال: من العجائب، بل من أعظم المصائب أن يجعل مثل هذا الهذيان برهانا ~~في هذا (2) المذهب الذي حقيقته أن الله لم يخلق شيئا، بل الحوادث تحدث بلا ~~خالق، وفي إبطال أديان [أهل] (3) الملل، وسائر العقلاء من الأولين والآخرين ~~لكن هذه (4) الحجج الباطلة وأمثالها لما صارت تصد كثيرا من أفاضل الناس ~~وعقلائهم وعلمائهم عن الحق المحض الموافق لصريح المعقول وصحيح المنقول، بل ~~تخرج أصحابها عن العقل والدين كخروج الشعرة من العجين إما بالجحد والتكذيب ~~وإما بالشك والريب احتجنا إلى بيان بطلانها للحاجة إلى مجاهدة أهلها، وبيان ~~فسادها من أصلها (5) إذ كان فيها من الضرر بالعقول والأديان ما لا يحيط به ~~إلا الرحمن. # والجواب من وجوه: # أحدها: أن يقال: قد تقدم قولكم قبل هذا بأسطر إن العدم نفي محض، فلا حاجة ~~به إلى المؤثر أصلا. وجعلتم هذا مقدمة في الحجة التي قبل هذه فكيف تقولون ~~بعد هذا بأسطر المعدوم الممكن لا يكون عدمه إلا لموجب؟ . PageV01P259 # وقدمنا أن جماهير نظار المسلمين وغيرهم يقولون: إن العدم لا يفتقر إلى ~~علة، وما علمت أحدا من النظار جعل عدم الممكن مفتقرا إلى علة إلا هذه ~~الطائفة القليلة من متأخري (1) المتفلسفة كابن سينا وأتباعه وإلا فليس هذا ~~قول قدماء الفلاسفة لا أرسطو ولا أصحابه كبرقلس (2) ، والإسكندر الأفروديسي ~~(3) شارح كتبه، وثامسيطوس (4) ، ولا غيرهم [من ms0123 PageV01P260 # الفلاسفة] (1) ، ولا هو قول أحد من النظار كالمعتزلة والأشعرية والكرامية ~~وغيرهم، فليس هو قول طائفة من طوائف النظار لا المتكلمة، ولا المتفلسفة، ~~ولا غيرهم. # الوجه الثاني: أن يقال: قوله: (محال أن يكون (معدوما) لا لأمر، فإنه ~~حينئذ يكون معدوما لما هو هو، وكل ما هويته كافية في عدمه، فهو ممتنع ~~الوجود) . # فيقال: هذا تلازم باطل، فإنه إذا كان معدوما لا لأمر لم يكن معدوما لا ~~لذاته، ولا لغير ذلك، فقولك: (فإنه حينئذ يكون معدوما لما هو هو) باطل، ~~فإنه يقتضي أنه معدوم لأجل ذاته، وأن ذاته هي العلة في كونه معدوما ~~كالممتنع لذاته، وهذا يناقض قولنا معدوم لا لأمر، فكيف يكون نفي (2) الشيء ~~لازما لثبوته؟ . # فإن قيل: مراده إما أن يكون لأمر، أو لا لأمر خارجي قيل: فتكون القسمة ~~غير حاصرة، وهو أن يكون معدوما لا لعلة. # الوجه الثالث: أن يقال: الفرق معلوم بين قولنا: ذاته لا تقتضي وجوده ولا ~~عدمه، أو لا تستلزم (3) وجوده، ولا عدمه، أو لا توجب وجوده ولا عدمه، وبين ~~قولنا تقتضي وجوده أو عدمه، أو تستلزم ذلك أو توجبه، فإن ما استلزمت ذاته ~~وجوده كان واجبا بنفسه، وما استلزمت عدمه كان ممتنعا، وما لم تستلزم واحدا ~~منهما لم يكن واجبا ولا ممتنعا، بل كان هو الممكن. PageV01P261 # فإذا قيل: إنه معدوم لا لأمر لم يوجب أن يكون هناك أمر يستلزم عدمه (1) ، ~~بل يقتضي ألا يكون هناك أمر (2) يستلزم وجوده، ومعلوم أنه على هذا التقدير ~~لا يكون ممتنع الوجود. # ولهذا يقول المسلمون: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فمشيئته ~~مستلزمة لوجود مراده، وما لا يشاؤه لا يكون، فعدم مشيئته مستلزم لعدمه لا ~~أن العدم (3) فعل شيئا، بل هو ملزوم له، وإذا فسرت العلة هنا بالملزوم، ~~وكان النزاع لفظيا، ولم يكن لهم فيه حجة. # وقولنا: ذاته استلزمت وجوده، أو استلزمت عدمه (4) لا ينبغي أن يفهم منه ~~أن في الخارج شيئا كان ملزوما لغيره، فإن الممتنع ليس بشيء أصلا في الخارج ~~باتفاق العقلاء، ولكن حقيقة الأمر ms0124 أن نفسه هي اللازم، والملزوم إما الوجود ~~وإما العدم (5) ، فعدم الممتنع ملزوم عدمه، ووجود الواجب ملزوم وجوده، وأما ~~الممكن فليس له من نفسه وجود ولا عدم ملزوم [لوجود] (6) ولا عدم، بل إن حصل ~~ما يوجده، وإلا بقي معدوما. # [الوجه] (7) الرابع: أن يقال: إذا كان كل ممكن لا يعدم إلا بعلة ~~PageV01P262 # معدومة مؤثرة في عدمه، فتلك العلة المعدومة إن كان عدمها واجبا كان ~~وجودها ممتنعا، فإن المعلول يجب بوجوب علته، ويمتنع بامتناعها، وحينئذ ~~فيكون عدم الممكن علته واجبة، ووجوده ممتنعا، فإن المعلول يجب بوجوب علته، ~~ويمتنع بامتناعها، وحينئذ (1) كل ممكن يقدر إمكانه، فإنه ممتنع، وهذا فيه ~~من الجمع بين النقيضين ما هو في غاية الاستحالة: كيفية وكمية. # وإن قيل: عدم علته يفتقر إلى عدم يؤثر في وجودها وعدم ذاك المؤثر لعدم ~~مؤثر فيه، وهلم جرا، فلذلك يستلزم التسلسل الباطل الذي هو أبطل من تسلسل ~~المؤثرات الوجودية. # [الوجه] (2) الخامس: [أن يقال] (3) : إنه لو فرض أن العدم المستمر له علة ~~قديمة، وأن المعلول إذا كان عدما مستمرا كانت علته التي هي عدم مستمر علة ~~أزلية لم يلزم من ذلك أن يكون الموجود المعين الذي يمكن أن يوجد وأن يعدم ~~قديما أزليا، ويكون الفاعل له لم يزل فاعلا له بحيث يكون فاعل الموجودات لم ~~يحدث شيئا قط، فإن قياس الموجود الواجب القديم الأزلي الخالق فاعل ~~الموجودات المخلوقة على العدم المستمر المستلزم لعدم مستمر من أفسد القياس، ~~وهو قياس محض من غير جامع، فكيف يجوز الاحتجاج بمثل هذا التشبيه الفاسد في ~~مثل هذا PageV01P263 # الأصل العظيم، ويجعل (1) خلق رب العالمين لمخلوقاته مثل كون العدم علة ~~للعدم (2) . # وهل هذا إلا أفسد من قول الذين ذكر الله عنهم إذ قال: {فكبكبوا فيها هم ~~والغاوون - وجنود إبليس أجمعون - قالوا وهم فيها يختصمون - تالله إن كنا ~~لفي ضلال مبين - إذ نسويكم برب العالمين} [سورة الشعراء: 94 - 98] فإذا كان ~~هذا حال من سوى (3) بينه وبين بعض الموجودات، فكيف بمن سوى بينه وبين العدم ~~المحض. ### | [البرهان السابع والرد عليه] # قال [الرازي] (4) : # (البرهان السابع ms0125: واجب الوجود لذاته يمتنع أن يكون أكثر من واحد، فإذن ~~(5) صفات واجب الوجود - وهي تلك الأمور الإضافية والسلبية على رأي الحكماء ~~والصفات والأحوال والأحكام على اختلاف آراء المتكلمين في ذلك - ليس شيء ~~منها واجب الثبوت بأعيانها (6) ، بل هي بما (7) هي ممكنة الثبوت في نفسها. ~~(8) واجبة الثبوت نظرا إلى ذات واجب الوجود، فثبت أن التأثير لا يتوقف على ~~سبق العدم وتقدمه. PageV01P264 # فلئن قالوا: تلك الصفات والأحكام ليست من قبيل الأفعال، ونحن إنما نوجب ~~(1) سبق العدم في الأفعال، فنقول: إن مثل هذه المسائل العظيمة لا يمكن ~~التعويل فيها على مجرد الألفاظ، فهب أن ما لا يتقدمه العدم لا يسمى فعلا ~~لكن ثبت أن ما هو ممكن الثبوت لما هو هو يجوز استناده إلى مؤثر يكون دائم ~~الثبوت مع الأثر، وإذا كان ذلك معقولا لا يمكن دعوى الامتناع فيه في بعض ~~المواضع، اللهم إلا أن يمتنع صاحبه عن إطلاق لفظ الفعل، وذلك مما لا يعود ~~إلى فائدة عظيمة) (2) . # فيقال: الجواب (3) عن هذه الحجة من وجوه: # أحدها: أن قوله: (واجب الوجود لذاته يمتنع أن يكون أكثر من واحد) [إن] ~~(4) أريد به يمتنع أن يكون أكثر من إله واحد أو رب واحد أو خالق واحد أو ~~معبود واحد، أو حي واحد أو قيوم واحد أو صمد واحد أو قائم بنفسه واحد، ونحو ~~ذلك، فهذا صحيح. # لكن لا يستلزم ذلك أن لا يكون له صفات من لوازم ذاته يمتنع تحقق ذاته ~~بدونها، وأن لا يكون. (5) واجب الوجود هو تلك الذات المستلزمة لتلك الصفات، ~~والمراد بكونه واجب الوجود أنه موجود بنفسه يمتنع عليه العدم بوجه من ~~الوجوه ليس له فاعل، ولا ما يسمى علة فاعلة ألبتة، وعلى هذا فصفاته داخلة ~~في مسمى اسمه ليست ممكنة الثبوت، فإنها PageV01P265 # ليست ممكنة يمكن أن توجد ويمكن أن تعدم (1) ولا تفتقر إلى فاعل يفعلها ~~ولا علة فاعلة، بل هي من لوازم الذات التي هي بصفاتها اللازمة لها واجبة ~~الوجود، فدعوى المدعي أن الصفات اللازمة ممكنة الثبوت تقبل الوجود والعدم ~~كدعواه أن ms0126 الذات الملزومة تقبل الوجود والعدم، وإن أراد بقوله: واجب الوجود ~~واحد، أن (2) واجب الوجود هو ذات مجردة عن صفات كان هذا ممنوعا، ولم يذكر ~~عليه دليلا. # الوجه الثاني: أن يقال: دعوى المدعي أن واجب الوجود هو الذات دون صفاتها، ~~وأن صفاتها هي ممكنة الوجود إن أراد بواجب الوجود أنه يمتنع عدمه (3) من ~~غير فاعل فعله، فكلاهما يمتنع عدمه من غير فاعل فعله، وإن أراد بواجب ~~الوجود أنه القائم بنفسه الذي لا يفتقر إلى محل كان حقيقة هذا أن الصفات لا ~~بد لها من محل تقوم به بخلاف الذات لكن هذا لا يقتضي أنها ممكنة الثبوت ~~مفتقرة إلى فاعل، وإن أراد بواجب الوجود ما لا يمكن عدمه، وبممكن الوجود ما ~~يمكن وجوده وعدمه، فمعلوم أن الصفات لا يمكن عدمها، كما لا يمكن عدم الذات، ~~فوجوب الوجود يتناولهما، وإن أراد بواجب الوجود ما لا ملازم له لم يكن في ~~الوجود شيء واجب الوجود، لا سيما على قولهم بأنه ملازم لمفعولاته، فلا يكون ~~واجب الوجود. # ومن تناقض هؤلاء ومن اتبعهم - كصاحب الكتب المضنون بها: PageV01P266 # صاحب (المضنون الكبير) (1) أنهم يفسرون واجب الوجود بأنه ما لا يلازم ~~غيره لينفوا بذلك صفاته اللازمة له ويقولون: لو قلنا إن له صفات لازمة له ~~لم يكن واجب الوجود، ثم يجعلون الأفلاك وغيرها لازمة له أزلا وأبدا، ~~ويقولون: إن ذلك لا ينافي كونه واجب الوجود، فأي تناقض أعظم من هذا؟ . # الوجه الثالث: أن يقال: الواحد المجرد عن جميع الصفات ممتنع الوجود، كما ~~بسط في غير هذا الموضع (2) ، وبين (3) أنه لا بد من ثبوت معان ثبوتية مثل ~~كونه حيا وعالما وقادرا (4) ، وأنه يمتنع أن يكون كل معنى هو الآخر، أو أن ~~تكون تلك المعاني هي الذات، وما كان ممتنع الوجود امتنع أن يكون واجب ~~الوجود، فإذا ما زعم أنه واجب الوجود، فهو ممتنع، فضلا عن أن يقال: إنه ~~فاعل لصفاته، كما هو فاعل لمخلوقاته، أو إنه مؤثر، PageV01P267 # ومقتض ومستلزم لمخلوقاته، كما هو مؤثر ومقتض ومستلزم لصفاته. # [الوجه] (1) الرابع: أن يقال ms0127: قوله: (وهي تلك الأمور الإضافية والسلبية ~~على رأي الحكماء) إنما هو على رأي نفاة الصفات منهم كأرسطو وأتباعه، وأما ~~أساطين الفلاسفة فهم مثبتون للصفات، كما قد نقلنا أقوالهم في غير هذا ~~الموضع، وكذلك كثير من أئمتهم المتأخرين كأبي البركات وأمثاله. # وأيضا فنفاة الصفات منهم كابن سينا وأمثاله متناقضون يجمعون بين نفيها ~~وإثباتها، كما قد بسط [الكلام عليهم.] (2) في غير الموضع، فإن كانوا ~~مثبتيها فهم كسائر المثبتين، وإن كانوا نفاة قيل لهم: أما السلب فعدم محض، ~~وأما الإضافة مثل كونه فاعلا أو مبدءا (3) ، فإما أن تكون وجودا أو عدما، ~~فإن كانت وجودا لأنها من مقولة: (أن يفعل وأن ينفعل) - وهذه المقولة من ~~جملة الأجناس العالية العشرة التي هي أقسام الموجودات - كانت الإضافة التي ~~يوصف بها وجودا، فكانت صفاته الإضافية وجودية قائمة به، وإن كانت الإضافة ~~(4) عدما محضا فهي داخلة في السلب، فجعل الإضافة قسما ثالثا ليس وجودا ولا ~~عدما خطأ. # وحينئذ فإذا (5) لم يثبتوا صفة ثبوتية لم تكن ذاته مستلزمة لشيء (6) من ~~PageV01P268 # الصفات إلا أمرا عدميا، وأما المخلوقات فإنها موجودات: جواهر، وأعراض، ~~ومعلوم أن اقتضاء الواجب وغير الواجب للعدم المحض ليس كاقتضائه للوجود، ~~وسواء سمي ذلك استلزاما أو إيجابا، أو فعلا أو غير ذلك، فإن وجود الشيء ~~يستلزم عدم ضده، ولا يقول عاقل إنه فاعل لعدم ضده، ووجود الشيء يناقض عدم ~~نفسه، ولا يقول عاقل إن وجوده هو الفاعل لعدم عدمه (1) ، فإن عدم عدمه هو ~~وجوده، ووجوده واجب لا يكون مفعولا ولا معلولا. # وأيضا فالعدم المحض إما أن لا يكون له علة، [كما هو] (2) عند جمهور ~~العقلاء، وإما أن يقال: علته عدم علة وجوده (3) ، فيجعل علة العدم عدما، ~~ولا يجعل للعدم الممكن علة وجودية، فالعدم الواجب أولى ألا يفتقر إلى علة ~~وجودية، [فإن العدم الواجب اللازم لذاته عدم واجب، فلا يحتاج إلى علة ~~وجودية] (4) ، فإن العدم الواجب يتصف به الممتنع، والممتنع الذي يمتنع ~~وجوده لا يفتقر إلى علة وجودية، وعدم وجود الرب (5) ممتنع لنفسه، كما أن ~~وجود الرب واجب لنفسه، فلا ms0128 يكون له علة. # الوجه الخامس: قوله: (والصفات والأحوال، والأحكام (6) على اختلاف آراء ~~المتكلمين في ذلك) . PageV01P269 # فيقال. له: إثبات الصفات لله هو مذهب جماهير الأمة سلفها وخلفها، وهو ~~مذهب الصحابة والتابعين [لهم بإحسان] (1) ، وأئمة المسلمين المتبعين (2) ، ~~وأهل السنة والجماعة، وسائر طوائف أهل الكلام مثل الهشامية (3) ، والكرامية ~~والكلابية والأشعرية، وغيرهم، وإنما نازع. (4) في ذلك الجهمية، وهم عند سلف ~~الأمة وأئمتها، [وجماعتها] (5) من أبعد الناس عن الإيمان بالله ورسوله، ~~ووافقهم المعتزلة ونحوهم ممن هم عند الأمة مشهورون بالابتداع. # وأما الأحكام فهي الحكم على الله بأنه حي عالم قادر، وهذا هو الخبر عنه ~~بذلك، وهذا تثبته المعتزلة كلهم (6) مع سائر المثبتة لكن غلاة الجهمية ~~ينفون أسماءه، ويجعلونها مجازا، فيجعلون الخبر عنه كذلك، وهؤلاء هم من ~~النفاة، وعلى قولهم فالذات لم تقتض شيئا ; لأن كلام المخبرين وحكمهم أمر ~~قائم بهم ليس قائما بذات الرب، وأما من لم يثبت الأحكام (7) كأبي هاشم (8) ~~. . وأتباعه، فهؤلاء يقولون: هي لا موجودة، PageV01P270 # ولا معدومة (1) ، فلا يجعل ذلك كالموجودات. # بقي الكلام على مثبتة الصفات الذين يقولون: صفاته موجودة قائمة به (2) ، ~~ومخلوقاته موجودة بائنة (3) عنه، فهؤلاء عندهم صفاته واجبة الثبوت يمتنع ~~عليها العدم لا يقال إنها يمكن أن تكون موجودة، ويمكن أن تكون معدومة، كما ~~يقال مثل ذلك في الممكنات التي أبدعها، ولا يقولون: إن الصفات لها ذوات ~~ثابتة غير وجودها، وتلك الذوات تقبل الوجود والعدم، كما يقول ذلك من يقوله ~~في الممكنات المفعولة، فتبين أن تمثيل صفاته بمخلوقاته. (4) في غاية الفساد ~~على قول كل طائفة. # الوجه السادس: قوله: (ليس شيء منها واجب الثبوت بأعيانها، بل هي بما هي ~~ممكنة الثبوت في نفسها. (5) واجبة الثبوت نظرا إلى ذات واجب الوجود) كلام ~~ممنوع بل باطل، بل الصفات ملازمة للذات (6) لا يمكن وجود الذات بدون صفاتها ~~اللازمة ولا وجود الصفات اللازمة بدون الذات، وكل منهما لازم للآخر ملزوم ~~له، ودعوى المدعي أن PageV01P271 # الذات هي واجبة الوجود دون الصفات ممنوع وباطل، وهو بمنزلة قول من يقول: ~~(الصفات واجبة الوجود دون الذات لكن الذات واجبة نظرا ms0129 إلى وجوب الصفات) ~~سواء فسروا. (1) واجب الوجود بالموجود نفسه (2) ، أو بما لا يقبل العدم، أو ~~بما لا فاعل له ولا علة فاعلة أو نحو ذلك، وإنما يفترقان إذا فسر الواجب ~~بالقائم بنفسه، والممكن بالقائم بغيره، ومعلوم أن تفسيره بذلك باطل ووضع ~~محض، وغايته منازعة لفظية لا فائدة فيها. # الوجه السابع: قوله: (فثبت أن التأثير لا يتوقف على سبق العدم) ، فيقال. ~~له (3) : هذا إنما يصح إذا كانت الذات المستلزمة لصفاتها هي المؤثرة في ~~الصفات. # وحينئذ فلفظ التأثير إن أريد به الاستلزام فكلاهما مؤثر في الآخر إذ هو ~~مستلزم له، فيلزم أن يكون كل منهما واجبا بنفسه لا ممكنا (4) ، وهو باطل، ~~وإن أريد بلفظ التأثير أن أحدهما أبدع الآخر، أو فعله أو جعله موجودا، ونحو ~~ذلك مما يعقل. (5) في إبداع المصنوعات، فهذا باطل، فإن عاقلا لا يقول: إن ~~الموصوف أبدع صفاته اللازمة (6) ، ولا خلقها، ولا صنعها، ولا فعلها، ولا ~~جعلها موجودة، ولا نحو ذلك مما يدل على هذا المعنى. PageV01P272 # بل ما يحدث في الحي من الأعراض والصفات بغير اختياره مثل الصحة والمرض ~~والكبر ونحو ذلك لا يقول عاقل إنه فعل ذلك أو أبدعه أو صنعه، فكيف بما يكون ~~من الصفات لازما [له] (1) كحياته ولوازمها، وكذلك لا يقول عاقل هذا في غير ~~الحي مثل الجماد (2) ، والنبات، وغيرهما من الأجسام لا يقول عاقل إن شيئا ~~من ذلك فعل قدره اللازم، وفعل تخيره (3) ، وغير ذلك من صفاته اللازمة (4) ، ~~بل العقلاء كلهم المثبتون للأفعال الطبيعية والإرادية، والذين لا يثبتون ~~إلا الإرادية ليس فيهم من يجعل ما يلزم الذات من صفاتها مفعولا لها لا ~~بالإرادة ولا بالطبع، بل يفرقون بين آثارها الصادرة عنها التي هي أفعال لها ~~ومفعولات، وبين صفاتها اللازمة لها، بل. (5) وغير اللازمة. # وقد يكون للذات تأثير في حصول بعض صفاتها العارضة، فيضاف ذلك إلى فعلها ~~لحصول ذلك به كحصول العلم بالنظر والاستدلال، وحصول الشبع والري بالأكل ~~والشرب، بخلاف اللازمة، وما يحصل بدون قدرتها وفعلها واختيارها (6) ، فإن ~~هذا لا يقول عاقل: إنها مؤثرة فيه، وإنه ms0130 من أثرها، بل يقول إنه لازم لها ~~وصفة لها، وهي مستلزمة له وموصوفة به، وقد يقول إن ذلك مقوم لها ومتمم لها، ~~ونحو ذلك، وهم يسلمون PageV01P273 # أن فاعل الشيء هو فاعل صفاته اللازمة لامتناع فعل الشيء بدون صفاته (1) ~~اللازمة. # وأيضا، فالذات مع تجردها عن الصفات يمتنع أن تكون مؤثرة في شيء، فضلا عن ~~أن تكون مؤثرة في صفات نفسها، فإن شرط كونها مؤثرة أن تكون حية عالمة قادرة ~~(2) ، فلو كانت هي المؤثرة في كونها حية عالمة قادرة لكانت مؤثرة بدون ~~اتصافها بهذه الصفات، وهذا مما يعلم امتناعه بصريح العقل، بل صفاتها ~~اللازمة لها أكمل من كل موجود، فإذا امتنع أن يؤثر في شيء من الموجودات ~~بذات مجردة عن هذه الصفات، فكيف يؤثر في هذه الصفات بمجرد هذه الذات (3) . # فتبين أنه ليس هاهنا تأثير بوجه من الوجوه في صفاتها إلا أن يسمي المسمى ~~الاستلزام تأثيرا، كما تقدم، وحينئذ فيقال له: مثل هذه المسائل العظيمة لا ~~يمكن التعويل فيها على مجرد الألفاظ، فإن تسميتك لاستلزام (4) الذات ~~المتصفة بصفاتها اللازمة لها تأثيرا لا يوجب أن يجعل هذا كإبداعها ~~لمخلوقاتها، فهب أنك سميت كل استلزام تأثيرا، لكن دعواك بعد هذا أن المخلوق ~~المفعول ملازم لخالقه وفاعله، مما يعلم فساده ببديهة العقل، كما اتفق على ~~ذلك جماهير العقلاء من الأولين والآخرين، وأنت لا تعرف هذا في شيء من ~~الموجودات، لا يعرف قط شيء أبدع شيئا، وهو مقارن له بحيث يكونان متقارنين ~~في الزمان PageV01P274 # لم يسبق أحدهما الآخر، بل من المعلوم بصريح العقل أن التأثير الذي هو ~~إبداع الشيء وخلقه، وجعله موجودا لا يكون إلا بعد عدمه، وإلا فالموجود ~~الأزلي الذي لم يزل موجودا لا يفتقر قط إلى مبدع خالق يجعله موجودا، ولا ~~يكون ممكنا يقبل الوجود والعدم، بل ما وجب قدمه امتنع عدمه، فلا يمكن أن ~~يقبل العدم. # الوجه الثامن: أن تسمية تأثير الرب في مخلوقاته فعلا وصنعا وإبداعا ~~وإبداء وخلقا وبرءا (1) ، وأمثال ذلك من العبارات هو مما تواتر عن ~~الأنبياء، بل. (2) ومما اتفق عليه ms0131 جماهير العقلاء، وذلك من العبارات التي ~~تتداولها الخاصة والعامة تداولا كثيرا، ومثل هذه العبارات لا يجوز أن يكون ~~معناها المراد بها أو الذي وضعت له ما (3) لا يفهمه إلا الخاصة، فإن ذلك ~~يستلزم أن لا يكون جماهير الناس يفهم بعضهم عن بعض ما يعنونه بكلامهم، ~~ومعلوم أن المقصود من الكلام الإفهام. # وأيضا، فلو كان المراد بها غير المفهوم منها لكان الخطاب بها تلبيسا (4) ~~، وتدليسا وإضلالا. # وأيضا، فلو قدر أنهم أرادوا بها خلاف المفهوم لكان ذلك مما يعرفه خواصهم. # ومن المعلوم بالاضطرار أن خواص الصحابة وعوامهم كانوا يقرون أن ~~PageV01P275 # الله خالق كل شيء، [ومليكه] (1) ، وأن الله خلق السماوات والأرض في ستة ~~أيام، وأنه خلق السماوات والأرض، وما بينهما، فحدثت [هذه] (2) المخلوقات ~~بعد أن لم تكن. # وإذا كان كذلك حصل لنا علم بمراد الأنبياء وجماهير العقلاء بهذه ~~العبارات، واستفدنا بذلك (3) أن من قصد بها غير هذا المعنى لم يكن موافقا ~~لهم في المراد بها، فإذا ادعى أن مرادهم هو مراده في كونها ملازمة للرب ~~أزلا وأبدا، علم أنه كاذب على الأنبياء وجماهير (4) العقلاء كذبا صريحا. # كما يصنعون مثل ذلك في لفظ (الإحداث) ، فإن الإحداث معناه معقول عند ~~الخاصة والعامة، وهو مما تواتر معناه في اللغات كلها، وهؤلاء جعلوا لهم ~~وضعا (5) مبتدعا، فقالوا: الحدوث يقال: على وجهين: أحدهما: زماني، ومعناه ~~حصول الشيء بعد أن لم يكن له وجود في زمان سابق، والثاني: أن لا يكون الشيء ~~مستندا إلى ذاته (6) ، بل إلى غيره سواء كان ذلك الاستناد مخصوصا بزمان ~~معين، أو كان مستمرا في [كل] (7) الزمان قالوا: وهذا هو الحدوث (8) الذاتي. ~~PageV01P276 # وكذلك (القدم) فسروه بهذين المعنيين، وجعلوا القدم (1) بأحد معنييه معناه ~~معنى الوجوب قالوا: والدليل على إثبات الحدوث الذاتي أن كل ممكن لذاته، ~~فإنه لذاته (2) يستحق العدم، ومن غيره يستحق الوجود، وما (3) بالذات أقدم ~~مما بالغير، فالعدم في حقه (4) أقدم من الوجود تقدما بالذات، فيكون محدثا ~~[حدوثا] (5) ذاتيا. # وقد أورد عليهم الرازي سؤالا: وهو أنه لا يجوز أن يقال: الممكن يستحق ~~العدم من ذاته ms0132، فإنه لو استحق العدم من ذاته لكان ممتنعا لا ممكنا، بل ~~الممكن يصدق عليه أنه ليس من حيث هو موجود، ولا يصدق عليه أنه من حيث هو ~~ليس بموجود، والفرق بين الاعتبارين معروف، بل كما أن الممكن يستحق الوجود ~~من وجود علته، فإنه يستحق العدم من عدم علته، وإذا كان استحقاقه الوجود ~~والعدم من الغير (6) ، ولم يكن واحد منها من مقتضيات الماهية لم يكن ~~لأحدهما تقدم على الآخر، فإذن لا يكون لعدمه تقدم ذاتي على وجوده. # قال: (7) ولعل المراد من هذه الحجة [هو] (8) إن الممكن يستحق من ~~PageV01P277 # ذاته لا استحقاقية الوجود والعدم، وهذه اللا استحقاقية. (1) وصف عدمي ~~سابق على الاستحقاق، فتقرر (2) الحدوث الذاتي من هذا الوجه) . # فيقال: هذا السؤال سؤال صحيح يبين بطلان قولهم مع ما سلمه لهم من ~~المقدمات الباطلة، فإن هذا الكلام مبني على أن المعين في الخارج ذات تقبل ~~الوجود والعدم غير الوجود الثابت في الخارج، وهذا باطل، ومبني [أيضا] (3) ~~على أن عدم الممكن معلل بعدم علته، وهو باطل. # وأما الاعتذار بأن المراد أنه (4) لا يستحق من ذاته وجودا أو عدما. # فيقال: إذا قدر أن هذا هو المراد لم يكن مستحقا للعدم بحال، فإن نفسه لم ~~تقتض وجوده ولا عدمه، ولكن غيره اقتضى وجوده، ولم يقتض عدمه، فيبقى العدم ~~لم يحصل من نفسه، ولا من موجود آخر بخلاف الوجود، فلا يكون عدمه سابقا ~~لوجوده بحال. # وقوله: (اللا استحقاقية. (5) وصف عدمي) ، جوابه أن هذا العدمي هو عدم ~~النقيضين جميعا: الوجود، والعدم ليس هو عدم الوجود فقط، والنقيضين [لا ~~يرتفعان كما] (6) لا يجتمعان، فيمتنع أن يقال: [إن] (7) ارتفاع النقيضين ~~جميعا سابق (8) لوجوده، وإن أريد أنه ليس واحد من PageV01P278 # النقيضين منه، فهذا حق، وليس فيه سبق أحدهما: للآخر. # وهم يقولون: عدمه سابق لوجوده مع أنه موجود دائما فعلمت أنهم مع قولهم إن ~~الممكن قديم أزلي يمتنع أن يكون هناك عدم يسبق وجوده بوجه من الوجوه، وإنما ~~كلامهم جمع بين النقيضين في هذا وأمثاله، فإن مثل هذا التناقض كثير في ~~كلامهم ms0133، ولكن الإمكان الذي أثبته جمهور العقلاء، وأثبته قدماؤهم - أرسطو، ~~وأتباعه - هو إمكان أن يوجد الشيء وأن يعدم، وهذا الإمكان مسبوق بالعدم ~~سبقا حقيقيا، فإن كل ممكن محدث كائن بعد أن لم يكن، وبسط هذه [الأمور] له ~~(1) موضع آخر. # والمقصود هنا أنهم أفسدوا الأدلة السمعية بما أدخلوه فيها من القرمطة ~~وتحريف الكلم عن مواضعه، كما أفسدوا الأدلة العقلية (2) بما أدخلوه فيها من ~~السفسطة وقلب الحقائق المعقولة عما هي عليه وتغيير فطرة الله التي فطر ~~الناس عليها، ولهذا يستعملون الألفاظ المجملة والمتشابهة ; لأنها أدخل في ~~التلبيس والتمويه مثل لفظ (التأثير) ، (والاستناد) ليقولوا: ثبت أن (3) ما ~~هو ممكن الثبوت لما هو هو يجوز (4) استناده إلى مؤثر يكون دائم الثبوت مع ~~الأثر، والمراد في الأصل الذي قاسوا عليه على قولهم: إنه عدم لازم لوجوده ~~في الفرع أنه مبدع لمبدع ومخلوق لخالق، فأين هذا الاستناد من هذا الاستناد. ~~وأين هذا التأثير من هذا التأثير. # الوجه التاسع (5) : أن يقال: حقيقة هذه الحجة هي قياس مجرد بتمثيل ~~PageV01P279 # مجرد خال عن الجامع، فإن المدعي يدعي أنه لا يشترط في فعل الرب تعالى أن ~~يكون بعد عدم، كما أن صفاته لازمة لذاته بلا سبق عدم، وصاغ ذلك بقياس شمول ~~بقوله: (إن التأثير لا يشترط فيه سبق العدم) . # فيقال له لا نسلم أن بينهما قدرا مشتركا. كما يدل عليه ما ذكرته من ~~اللفظ، بل لا نسلم أن بينهما قدرا مشتركا يخصهما، بل القدر المشترك الذي ~~بينهما يتناول كل لازم لكل ملزوم، فيلزمه أن يجعل كل لازم مفعولا لملزومه، ~~وإن سلمنا أن بينهما قدرا مشتركا، فلا نسلم أنه مناط الحكم في الأصل حتى ~~يلحق به الفرع. # وإن ادعى ذلك دعوى كلية، وصاغه بقياس (1) شمول قيل له: الدعوى الكلية لا ~~تثبت بالمثال الجزئي، فهب أن ما ذكرته في الأصل أحد أفراد هذه القضية ~~الكلية، فلم قلت: إن سائر أفرادها كذلك؟ غايتك أن ترجع إلى قياس التمثيل، ~~ولا حجة معك على صحته هنا، ثم بعد هذا نذكر نحن الفروق الكثيرة المؤثرة، ~~وهذا الوجه ms0134 يتضمن الجواب من وجوه متعددة. ### | [البرهان الثامن والرد عليه] # قال الرازي: # (البرهان الثامن: لوازم الماهية معلولة لها، وهي غير متأخرة عنها زمانا، ~~فإن كون المثلث مساوي الزوايا لقائمتين ليس إلا لأنه مثلث، وهذا الاقتضاء ~~(2) من لوازم المثلث (3) ، بل نزيد فنقول: إن الأسباب مقارنة PageV01P280 # لمسبباتها مثل الإحراق يكون مقارنا للاحتراق، والألم عقيب (1) سوء ~~المزاج، أو تفرق الاتصال، بل نذكر شيئا لا ينازعون فيه (2) ليكون أقرب إلى ~~الغرض، وهو كون العلم علة للعالمية والقدرة للقادرية عند من يقول به، وكل ~~ذلك (3) يوجد مقارنة لآثارها غير متقدمة عليها. (4) فعلمنا أن مقارنة الأثر ~~والمؤثر في الزمان لا تبطل جهة الاستناد والحاجة) . # والجواب أن يقال: إن أريد بالماهية (5) ما هو موجود في الخارج مثل ~~المثلثات الموجودة فصفات تلك الماهية (6) اللازمة لها ليست صادرة عنها، بل ~~الفاعل للملزوم هو الفاعل للصفة اللازمة له القائمة به، ويمتنع فعله ~~لأحدهما: بدون الآخر، ومن قال: إن الموصوف علة للازمه، فإن أراد بالعلة أنه ~~ملزوم، فلا حجة له فيه، وإن أراد أنه فاعل أو مبدع أو علة فاعلة فقوله ~~معلوم الفساد ببديهة العقل، فإن الصفات القائمة بالموصوف اللازمة له إنما ~~يفعلها من فعل الموصوف، فإنه يمتنع فعله للموصوف بدون فعله لصفته اللازمة ~~[له] (7) ، وإن أريد بالماهية ما يقدر في الذهن، فتلك صورة (8) علمية، ~~والكلام فيها كالكلام في الخارجية، PageV01P281 # فالفاعل للملزوم هو الفاعل للازمه لم يكن الملزوم علة فاعلة للازم. # وقولهم: (هذا الاقتضاء من لوازم المثلث) إن أرادوا بالاقتضاء والتعليل ~~الاستلزام فهو حق، ولا حجة فيه، وإن أرادوا أنه علة فاعلة (1) ، فهذا معلوم ~~الفساد، وأما الأسباب والمسببات الموجودة في الخارج. كما في سوء المزاج ~~والألم، فمن الذي سلم أن زمانهما واحد؟ . والمستدلون أنفسهم قد قالوا في ~~حجتهم: إن وجود الألم عقب سوء المزاج، وما يوجد عقب الشيء يكون وجوده بعده، ~~لكن غايته أن يكون بلا فصل، لكن لا يكون معه في الزمان، فإن ما مع الشيء في ~~الزمان لا يقال: إنه [إنما] (2) يوجد عقبه. # وهكذا القول في كل الأسباب لا نسلم ms0135 أن زمان وجودها كلها هو زمان وجود ~~المسببات، بل لا بد من حصول تقدم زماني (3) ، وكذلك الكسر والانكسار ~~والإحراق والاحتراق، فإن الكسر هو فعل الكاسر الذي يقوم به مثل الحركة ~~القائمة بالإنسان والانكسار هو التفرق الحاصل بالمكسور، وذلك يحصل بحركة في ~~زمان، ومعلوم أن زمان تلك الحركة قبل زمان هذه لكن قد يتصل الزمان بالزمان، ~~والمتصل يقال: إنه معه لكن فرق بين [ما يكون زمانهما واحدا] (4) ، وما يكون ~~زمانهما متعاقبا. # ومن الأسباب ما يقتضي مسببه شيئا فشيئا، فإذا كمل السبب كمل مسببه مثل ~~الأكل والشرب مع الشبع والري والسكر، فكلما حصل بعض PageV01P282 # الأكل حصل جزء من الشبع [لا يحصل المسبب إلا بعد حصول السبب لا معه] (1) ~~. # وهذا قول جماهير العقلاء من أهل الكلام والفقه والفلسفة وغيرهم يقرون بأن ~~المسبب يحصل عقب السبب، ولهذا كان أئمة الفقهاء [وجماهيرهم] (2) على أنه ~~إذا قال: إذا مات أبي فأنت حرة، أو طالق، [أو غيرهما] (3) أنه إنما يحصل ~~المسبب عقب الموت لا مع الموت، وشذ بعض المتأخرين فظن حصول الجزاء مع ~~السبب، وقال: إن هذا بمنزلة العلة مع المعلول، وأن المعلول يحصل زمن العلة. # ولفظ (العلة) مجمل يراد به المؤثر في الوجود، ويراد به الملزوم، فإذا سلم ~~الاقتران. (4) في الثاني لم يسلم الاقتران. (5) في الأول، فلا يعرف في ~~الوجود مؤثر في وجود غيره مقارن له في الزمان من كل وجه، [بل] (6) لا بد أن ~~يتقدم عليه زمانا، ولا بد أن يحصل وجوده بعد عدم، ولهذا جعل الفلاسفة العدم ~~من جملة المبادئ، كما قد ذكرنا كلامهم. # ومما يمثلون به حصول الصوت مع الحركة كالطنين مع [النقرة] (7) ، وأن ~~المسبب هنا مع السبب، وهذا أيضا ممنوع، فإن وجود الحركة التي هي ~~PageV01P283 # سبب الصوت يتقدم وجود الصوت، [وإن كان وجود الصوت] (1) متصلا بوجود ~~الحركة لا ينفصل عنه لكن المقصود أنه لا يكون إلا بعده، وليس أول زمن ~~الحركة يكون أول زمن الصوت، بل لا بد من وجود الحركة والصوت يعقبها، ولهذا ~~يعطف المسبب على السبب بحرف الفاء الدالة على ms0136 التعقيب، فيقال: كسرته ~~فانكسر، وقطعته فانقطع، ويقال: ضربته بالسيف فمات، أو فقتلته، وأكل فشبع، ~~وشرب فروي، وأكل حتى شبع، وشرب حتى روي، ونحو ذلك، فالكسر والقطع فعل يقوم ~~بالفاعل مثل أن يضربه بيده أو بآلة معه، فإذا وصل إليه الأثر انكسر وانقطع، ~~فأحدهما يعقب الآخر لا يكون أول زمان هذا أول زمان هذا ولا آخر زمان هذا ~~آخر زمان هذا، بل يتقدم زمان السبب، ويتأخر زمان المسبب. # ولهذا تنازع الناس في المسبب المتولد عن فعل الإنسان، فقالت طائفة: هو ~~فعله، وقالت طائفة: هو فعل الرب، وقالت طائفة: بل الإنسان مشارك في فعله، ~~وهو حاصل بفعله وبسبب آخر، مثل خروج السهم من القوس، ومثل حصول الشبع والري ~~بالأكل والشرب. # ولولا تقدم السبب على المسبب لم يحصل هذا النزاع، فإن السبب حاصل في ~~العبد في محل قدرته وحركته، والمسبب حاصل في غير محل قدرته وحركته، ومن هذا ~~الباب حركة الكم مع حركة اليد وحركة آخر الحبل مع حركة أوله، ونظائره ~~كثيرة. # فعلم أنهم لم يجدوا في الوجود مفعولا يكون زمانه زمان فاعله بلا (2) ~~PageV01P284 # تأخر أصلا لا مع الاتصال، ولا مع الانفصال، كما يدعونه في فعل رب ~~العالمين خالق كل شيء ومليكه من أن السماوات لم تزل معه مقارنة له في ~~الزمان، زمان وجودها هو زمان وجوده لا يجوز أن يتقدم عليها بشيء من الزمان ~~ألبتة. # وأما ما ذكره من كون العلم علة للعالمية، فهذا أولا قول مثبتي الأحوال ~~كالقاضي أبي بكر، والقاضي أبي يعلى (1) ، وقبلهما أبو هاشم، وجمهور النظار ~~يقولون: إن العلم هو العالمية، وهذا هو الصواب، وعلى قول أولئك فلا يقولون ~~إن العلم هنا علة فاعلة لا بإرادة، ولا بذات، ولا بغير ذلك، بل المعلول ~~عندهم لا يوصف بالوجود فقط، ومعنى العلة عندهم الاستلزام، وهذا لا نزاع ~~فيه. ### | [البرهان التاسع والرد عليه] # قال الرازي: # (البرهان التاسع: هو أن الشيء حال اعتبار وجوده من حيث هو موجود واجب ~~الوجود لامتناع عدمه مع وجوده (2) ، وكذلك هو في حال عدمه واجب العدم ~~لامتناع كونه ms0137 موجودا معدوما (3) ، والحدوث عبارة عن ترتب هاتين الحالتين، ~~فإذا كانت الماهية. (4) [في كلتا الحالتين] (5) PageV01P285 # على كلتا الصفتين واجبة، فالماهية من حيث هي واجبة غير مفتقرة إلى مؤثر، ~~فإن الواجب (1) من حيث هو واجب يمتنع استناده (2) إلى المؤثر، فإذن (3) ~~الحدوث من حيث هو حدوث مانع عن الحاجة، فإن لم (4) تعتبر الماهية من حيث هي ~~هي لم يرتفع الوجوب، أي وجوب الوجود في زمنه، ووجوب العدم في زمنه، وهو ~~بهذا الاعتبار [لا] (5) يحتاج إلى المؤثر، فعلمنا أن الحدوث من حيث هو حدوث ~~مانع عن الحاجة، وإنما المحوج هو الإمكان) . # والجواب: أن في هذه الحجة مغالطات متعددة، وجوابها من وجوه، أحدها: أن ~~يقال: هب أنه في حال وجوده واجب الوجود لكنه واجب الوجود بغيره، وذلك [لا] ~~(6) يناقض كونه مفتقرا إلى الفاعل مفعولا له محدثا بعد أن لم يكن، فإذا (7) ~~لم يكن هذا الوجوب مانعا مما (8) يستلزم افتقاره إلى الفاعل لم يمتنع كونه ~~مفتقرا إلى الفاعل مع هذا الوجوب. # الثاني: أن قوله: (الحدوث عبارة عن ترتب هاتين الحالتين) يقال له: الحدوث ~~يتضمن هاتين الحالتين، وهو يتضمن مع ذلك أنه وجد بفاعل أوجده هو مفتقر إليه ~~لا يوجد بدون إيجاده له بعد أن لم يكن PageV01P286 # موجودا، فالحدوث يتضمن هذا المعنى، أو يستلزمه، وإذا كان الحدوث متضمنا ~~للحاجة إلى الفاعل، [أو] (1) مستلزما للحاجة إلى الفاعل لم يجز أن يقال: هو ~~مانع عن الحاجة، فإن الشيء لا يمنع لازمه (2) ، وإنما يمنع ضده. # الثالث: قوله: (الواجب من حيث هو (3) واجب يمتنع استناده إلى المؤثر) ~~ممنوع، بل الواجب بنفسه هو الذي يمتنع استناده (4) إلى المؤثر، وأما الواجب ~~بغيره، فلا يمتنع استناده إلى المؤثر، بل نفس كونه واجبا بغيره يتضمن ~~استناده إلى المؤثر، ويستلزم ذلك، فكيف يقال: إن الوجوب بالغير يمنع ~~الاستناد إلى الغير. # وإن قال: أنا أريد الواجب من حيث هو واجب مع قطع النظر عن كونه واجبا ~~بنفسه أو بغيره. # قيل له: ليس في الخارج إلا واجب بنفسه، أو بغيره، وإذا أخذ مطلقا عن ~~القيدين (5) ، فهو أمر يقدر ms0138 في الأذهان لا يوجد في الأعيان. # ثم يقال: لا نسلم أن الواجب إذا أخذ مطلقا يمتنع استناده إلى المؤثر، بل ~~الواجب إذا أخذ مطلقا لا يستلزم المؤثر، [ولا ينفي (* المؤثر] (6) ، فإن من ~~الواجب ما يستلزم المؤثر، وهو الواجب بغيره، ومنه ما ينفيه، وهو *) (7) ~~الواجب PageV01P287 # بنفسه، وصار هذا كاللون إذا أخذ مجردا لا يستلزم السواد، ولا ينفيه، ~~والحيوان إذا أخذ مجردا لا يستلزم النطق. ولا ينفيه، وكذلك سائر المعاني ~~العامة التي تجري مجرى الأجناس إذا أخذت مع قطع النظر عن بعض الأنواع لم ~~تكن (1) مستلزمة لذلك، ولا مانعة منه. # الرابع: أن قول القائل: (الحدوث من حيث هو حدوث مانع عن الحاجة إلى ~~المؤثر) (2) مما يعلم فساده ببديهة العقل، والعلم بفساد ذلك أظهر من العلم ~~بفساد قول من يقول الإمكان من حيث هو إمكان مانع عن الحاجة إلى المؤثر، فإن ~~علم الناس بأن ما حدث بعد أن لم يكن لا بد له من محدث أظهر، وأبين من علمهم ~~بأن ما قبل (3) الوجود والعدم لا بد له من مرجح، فإذا كانت الحجة النافية ~~لهذا سوفسطائية، فتلك أولى أن تكون سوفسطائية. # الخامس: أن هذه الحجة مبنية على أن في الخارج ماهية غير الوجود الحاصل في ~~الخارج، وأنه (4) يعتقب عليها الوجود والعدم، وهذا ممنوع وباطل. # السادس: أنه لو سلم ذلك، فالماهية من حيث هي هي لا تستحق وجودا ولا عدما، ~~ولا تفتقر إلى فاعل، فإن من يقول ذلك يقول الماهيات غير مجعولة وأن (5) ~~المجعول اتصافها (6) بالوجود، وإنما تفتقر إلى الفاعل إذا كانت PageV01P288 # موجودة، وإذا كانت موجودة فوجودها واجب فعلم أن افتقارها إلى الفاعل في ~~حال وجوب وجودها بالغير (1) ، لا في الحال التي لا تستحق فيها وجودا ولا ~~عدما. # السابع: أنه لو سلم أن هذه الماهية ثابتة في الخارج، وإنما هي من حيث (2) ~~هي هي مفتقرة إلى المؤثر، فليس في هذا ما يدل على وجوب كونها أزلية، بل ولا ~~على إمكان ذلك، وإذا لم يكن فيه ما يدل على ذلك لم يمتنع أن يكون هذا ~~الافتقار ms0139 لا يثبت لها إلا مع الحدوث، ولكون الحدوث شرطا في هذا الافتقار ~~(3) . # الثامن: أنا إذا سلمنا أن علة الافتقار إلى الفاعل هو الإمكان، فالإمكان ~~الذي يعقله الجمهور إمكان أن يوجد الشيء، وإمكان أن يعدم الشيء (4) ، وهذا ~~الإمكان ملازم للحدوث، فلا يعقل إمكان كون الشيء قديما أزليا واجبا بغيره، ~~وهو مع ذلك يفتقر إلى الفاعل، وهذا هو (5) الذي يدعونه. # التاسع: أنهم إذا جعلوا الوجوب مانعا من الاستناد إلى الغير، وإن كان ~~وجوبا حادثا، فالوجوب القديم الأزلي (6) أولى أن يكون مانعا من الاستناد ~~إلى الغير، والأفلاك عندهم واجبة الوجود أزلا وأبدا، ووجوب ذلك PageV01P289 # بغيرها، فإذا كان هذا الوجوب لازما (1) للماهية، والوجوب مانع من ~~الافتقار إلى الغير كان لازم الماهية مانعا لها من الافتقار، فلا تزال ~~الماهية القديمة ممنوعة من الافتقار إلى الغير (2) ، فيلزم أن لا تفتقر إلى ~~الغير أبدا، وهذا هو الذي يقوله جماهير العقلاء، وأن ما كان قديما (3) ~~يمتنع أن يكون مفعولا. # العاشر: أنه إذا قدر أن الإمكان هو المحوج إلى الغير (4) المؤثر، ~~فالتأثير هو جعل الشيء موجودا وإبداع وجوده جعل (5) ما يمكن عدمه موجودا لا ~~يعقل إلا بإحداث وجود له بعد أن لم يكن، وإلا فما كان وجوده واجبا أزليا ~~يمتنع عدمه لا يعقل حاجته إلى من يجعله موجودا، وإذا قالوا: هو واجب الوجود ~~أزلا وأبدا (6) يمتنع عدمه، وقالوا مع ذلك: إن غيره هو الذي أبدعه، وجعله ~~موجودا، وإنه يمكن وجوده وعدمه، فقد جمعوا في كلامهم من التناقض أعظم مما ~~يذكرونه عن (7) غيرهم. # الحادي عشر: أنه لو كان مجرد الإمكان مستلزما للحاجة إلى الفاعل لكان كل ~~ممكن موجودا، كما أنا إذا قلنا: الحدوث هو المحوج إلى المؤثر كان كل محدث ~~موجودا ; لأن (8) المحتاج إلى الفاعل إنما يحتاج إليه إذا فعله الفاعل، ~~وإلا فبتقدير أن لا يفعله لا حاجة به إليه، وإذا فعله الفاعل لزم ~~PageV01P290 # وجوده، فيلزم وجود كل ممكن، وهو معلوم الفساد بضرورة [العقل] (1) . # فإن قيل: المراد أن (2) الممكن لا يوجد إلا بفاعل قيل: فيكون الإمكان مع ~~الوجود يستلزم الحاجة ms0140 إلى الفاعل، وحينئذ فيحتاجون إلى بيان أنه يمكن كون ~~(3) وجود الممكن أزليا، وأن الفاعل يمكنه أن يكون مفعوله المعين أزليا، ~~وهذا إذا أثبتموه لم تحتاجوا إلى ما تقدم، فإنه لا تثبت حاجة الممكن إلى ~~الفاعل إلا في حال وجوده فعلم أن الاستدلال بمجرد الإمكان باطل. ### | [البرهان العاشر والرد عليه] # قال الرازي: # (البرهان العاشر: جهة الاحتياج لا بد وأن لا تبقى مع المؤثر، كما كانت لا ~~مع المؤثر، وإلا لبقيت الحاجة مع المؤثر إلى مؤثر آخر، فلو جعلنا الحدوث ~~جهة الاحتياج إلى المؤثر، والحدوث مع المؤثر كهو [لا] (4) مع المؤثر ; لأن ~~(5) الحدوث هو الوجود بعد العدم، وسواء (6) كان ذلك الوجود بالفاعل أو لا ~~بالفاعل، فهو وجود بعد العدم، وسواء (7) أخذ (8) حال الحدوث، أو حال ~~البقاء، فهو في كليهما وجود بعد العدم، فإذن هو [مع] (9) المؤثر كهو لا مع ~~PageV01P291 # المؤثر، فيلزم المحال (1) المذكور أما إذا جعلنا الإمكان جهة الاحتياج، ~~فهو عند المؤثر لا يبقى، كما كان عند عدم المؤثر، فإن الماهية مع المؤثر لا ~~تبقى ممكنة ألبتة فعلم أن الحدوث لا يصلح جهة الاحتياج (2)) . # فيقال: هذا من جنس الذي قبله، والجواب عن هذا من وجوه: # أحدها: أن يقال: كون الماهية [مع المؤثر] (3) لا تبقى ممكنة ألبتة هو وصف ~~ثابت لها مع الحدوث أيضا، بل لا يعلم ذلك إلا مع الحدوث، فإن الممكن الذي ~~يعلم أنه يصير واجبا بالفاعل هو المحدث أما القديم الأزلي فهو مورد النزاع. # وجمهور العقلاء يقولون: نعلم ببديهة العقل أنه لا يكون له فاعل، وبتقدير ~~أن تكون المسألة نظرية فالمنازع لم يقم على ذلك دليلا ألبتة إذ لا دليل يدل ~~(4) على قدم شيء من العالم ألبتة، وإنما غاية الأدلة الصحيحة أن تدل على ~~دوام الفاعلية، وذلك يحصل بإحداث شيء بعد شيء، وبكل حال فلا ريب أن الممكن ~~المحدث واجب بفاعله. # وحينئذ فيقال: الحدوث بعد العدم إذا كان بالفاعل اقتضى وجوب المحدث، وأما ~~إذا لم (5) يكن بالفاعل امتنع الحدوث، فلم يكن الحدوث بعد العدم مع المؤثر ~~كهو لا مع المؤثر ms0141، فإنه في هذه الحال واجب، وفي هذه ممتنع، كما أن الممكن ~~مع المؤثر واجب، وبدون المؤثر ممتنع، PageV01P292 # وإذا كان واجبا مع المؤثر مع كونه حادثا لم يحتج مع ذلك إلى مؤثر آخر. # والجواب الثاني: أن يقال: قوله: (الماهية مع المؤثر لا تبقى ممكنة ألبتة) ~~إن أراد به أنها لا تبقى محتاجة إلى المؤثر، أو لا يبقى علة (1) احتياجها ~~هو الإمكان، فهذا باطل، وهو (2) خلاف ما يقولونه دائما، وإن أراد به أنها ~~لا تبقى ممكنة العدم لوجوبها بالغير، فهذا يناقض ما يقولونه من أنها ~~باعتبار ذاتها يمكن وجودها وعدمها مع كونها واجبة بالغير، وحينئذ فبطل (3) ~~قولهم: إن القديم الأزلي يكون ممكنا، فليس شيء من القديم الأولي بممكن (4) ~~، وهذا ينعكس بانعكاس النقيض، فلا يكون شيء من الممكن بقديم أزلي، فثبت أن ~~كل ممكن لا يوجد إلا بعد عدمه، وهو المطلوب، وإذا بطل المذهب بطلت جميع ~~أدلته ; لأن القول لازم عن الأدلة، فإذا انتفى اللازم انتفت الملزومات ~~كلها. # والجواب الثالث: قوله (جهة الاحتياج لا بد وأن لا تبقى مع المؤثر. كما ~~كانت لا مع المؤثر) ، أتريد به أن المحتاج إلى المؤثر لا يكون مع عدم ~~المؤثر، [كما يكون مع المؤثر] (5) ؟ أم تريد أن علة احتياجه أو شرط احتياجه ~~أو دليل احتياجه يختلف في الحالين، فإن أردت الأول فهذا صحيح، فإن المحدث ~~بعد العدم لا يكون مع المؤثر، كما كان مع عدم المؤثر، فإنه PageV01P293 # مع عدمه معدوم، بل واجب العدم، ومع وجوده موجود، بل واجب الوجود. # (* وقوله: (لأن الحدوث هو الوجود بعد العدم سواء كان الوجود بالفاعل أو ~~بغير الفاعل *) (1) [تقدير ممتنع، فإن كونه بغير الفاعل ممتنع، فلا يكون ~~حدوث بعد العدم بغير الفاعل حتى يسوى بينه في هذه الحال وفي حال عدمها، بل ~~هذا مثل أن يقال: رجحان وجوده على عدمه سواء كان بالفاعل أو بغير الفاعل] ~~(2) . # وإن أردت بذلك أنه ما كان علة أو دليلا أو شرطا في أحد الحالين لا يكون ~~كذلك في الحال الأخرى، فهذا باطل فإن علة (3) احتياج الأثر ms0142 إلى المؤثر إذا ~~قيل: هو الإمكان (4) ، أو الحدوث، أو مجموعهما، فهو كذلك مطلقا، فإنا نعلم ~~أن المحدث لا يحدث إلا بفاعل سواء حدث أو لم يحدث والممكن لا يترجح وجوده ~~إلا بمرجح سواء ترجح أو لم يترجح لكن هذا الاحتياج إنما يحقق في حال وجوده ~~إذ ما دام (5) معدوما، فلا فاعل له. # وقولك: (وإلا لبقيت الحاجة مع المؤثر إلى موثر آخر) إنما يدل على المعنى ~~المسلم دون الممنوع، فإنه يدل على أنه بالمؤثر يحصل وجوده لا يفتقر مع ~~المؤثر إلى شيء آخر لا يدل على أنه مع المؤثر (6) لا يكون PageV01P294 # علة حاجتها (1) أو دليلها أو شرطها الحدوث أو الإمكان أو مجموعهما، بل ~~هذا المعنى هو ثابت له حال وجوده أظهر من ثبوته له حال عدمه، فإنه إنما ~~يحتاج إلى ذلك حال وجوده لا حال عدمه. # وحينئذ فإذا قلنا: احتاج إلى المؤثر لحدوثه بعد العدم، وهذا الوصف ثابت ~~له حال وجوده، كنا قد أثبتنا علة حاجته وقت وجوده، والعلة حاصلة. # وإذا قلنا: العلة هي الإمكان، وادعينا انتفاءها عند وجوده كنا قد عللنا ~~حاجته إلى المؤثر بعد (2) وقت وجوده بعلة منتفية وقت وجوده، وهذا يدل على ~~أن ما ذكره حجة عليهم لا لهم، وهذا بين لمن تدبره. # وهذا وغيره مما يبين أن القوم لما غيروا فطرة الله التي فطر عليها عباده ~~(3) ، فخرجوا عن صريح المعقول وصحيح المنقول، ودخلوا في هذا الإلحاد الذي ~~هو من أعظم جوامع الكفر والعناد صار في أقوالهم من التناقض والفساد ما لا ~~يعلمه إلا رب العباد مع دعواهم أنهم أصحاب البراهين العقلية والمعارف ~~الحكمية، وأن العلوم الحقيقية فيما يقولونه لا فيما جاءت به رسل الله الذين ~~هم أفضل الخليقة وأعلمهم بالحقيقة. # وهؤلاء الملاحدة يخالفون المعقولات والمسموعات بمثل هذه الضلالات، إذ من ~~البين أن المحتاج إلى الخالق الذي خلقه هو محتاج إليه في حال وجوده وكونه ~~مخلوقا، أما إذا قدر أنه باق على العدم، ففي تلك الحال لا يحتاج عدمه إلى ~~خالق لوجوده بل ولا فاعل لعدمه، وهم PageV01P295 # وإن ms0143 قالوا: عدمه يفتقر إلى مرجح، فالمرجح عندهم عدم العلة (1) ، فالجميع ~~عدم، لم يقولوا: إن العدم يفتقر إلى موجود. # وإذا كان هذا بينا، فقوله: (جهة الاحتجاج لا بد وأن لا تبقى مع المؤثر ~~كما كانت لا مع المؤثر) هو كلام ملبس، فإن الاحتياج إنما هو في حال كون ~~المؤثر مؤثرا، فكيف تزول حاجته إلى المؤثر في الحال التي هو فيها محتاج إلى ~~المؤثر. وكيف يكون محتاجا إلى المؤثر حين لم يؤثر فيه، وهو معدوم لا يحتاج ~~إلى مؤثر أصلا. وفي حال احتياجه إليه لا يكون محتاجا إليه؟ . # وإن قالوا: هو. (2) في حال عدمه لا يمكن وجوده إلا بمؤثر، قلنا: فهذا بعض ~~ما ذكرنا، فإن كونه لا يوجد إلا بمؤثر أمر لازم له، لا يقال: إنه ثابت له ~~في حال عدمه دون حال وجوده. # وإذا تبين أن الفعل مستلزم لحدوث المفعول، وأن إرادة الفاعل أن يفعل ~~مستلزمة لحدوث المراد، فهذا يبين أن كل مفعول وكل ما أريد فعله فهو حادث ~~بعد أن لم يكن عموما، وعلم بهذا أنه يمتنع [أن يكون ثم] (3) إرادة أزلية ~~لشيء من الممكنات يقارنها مرادها أزلا وأبدا سواء كانت عامة لكل ما يصدر ~~عنه (* أو كانت خاصة ببعض المفعولات، ثم يقال: أما كونها عامة (4) لكل ما ~~يصدر عنه *) (5) فامتناعه ظاهر متفق PageV01P296 # عليه بين العقلاء، فإن ذلك يستلزم أن يكون كل ما صدر عنه بواسطة أو بغير ~~واسطة قديما أزليا، فيلزم أن لا يحدث في العالم شيء، وهو مخالف لما يشهده ~~الخلق من حدوث الحوادث في السماء والأرض وما بينهما من حدوث الحركات ~~والأعيان والأعراض كحركة الشمس، والقمر، والكواكب، وحركة الرياح، وكالسحاب ~~والمطر وما يحدث من الحيوان والنبات (1) ، والمعدن. # وأما إرادة شيء معين، فلما تقدم، ولأنه حينئذ إما أن يقال: ليس له إلا ~~تلك الإرادة الأزلية، وإما أن يقال: له إرادات (2) تحصل شيئا بعد شيء، فإن ~~قيل بالأول، فإنه (3) على هذا التقدير يكون المريد الأزلي في الأزل مقارنا ~~لمراده الأزلي، فلا يريد شيئا من الحوادث لا بالإرادة القديمة ولا ms0144 بإرادة ~~متجددة ; لأنه إذا قدر أن المريد الأزلي يجب أن يقارنه مراده كان الحادث ~~حادثا إما بإرادة أزلية فلا يقارن المريد مراده، وإما حادثا بإرادة حادثة ~~مقارنة له، وهذا باطل لوجهين: # أحدهما: أن التقدير أنه ليس له إلا إرادة واحدة أزلية. # الثاني: أن حدوث تلك الإرادة يفتقر إلى سبب حادث، والقول في ذلك [السبب] ~~(4) الحادث كالقول في غيره: يمتنع أن يحدث بالإرادة الأزلية المستلزمة ~~لمقارنة مرادها لها، ويمتنع أن يحدث بلا إرادة لامتناع حدوث الحادث بلا ~~إرادة، فيجب على هذا التقدير أن تكون إرادة PageV01P297 # الحادث المعين مشروطة بإرادة له، وبإرادة للحادث الذي قبله، وأن الفاعل ~~المبدع لم يزل مريدا لكل ما يحدث من المرادات. # وهذا هو التقدير الثاني. وهو أن يقال: لو أراد أن يحصل (1) شيئا بعد شيء، ~~فكل مراد له محدث كائن بعد أن لم يكن، (2 وهو وحده المنفرد بالقدم ~~والأزلية، وكل ما سواه مخلوق محدث كائن بعد أن لم يكن 2) (2) ، وعلى هذا ~~التقدير، فليس فيه إلا دوام الحوادث وتسلسلها، وهذا هو [التقدير] (3) الذي ~~تكلمنا عليه، ويلزم أن يقوم بذات الفاعل ما يريده ويقدر عليه، وهذا هو قول ~~أئمة أهل الحديث وكثير من أهل الكلام والفلسفة، بل قول أساطينهم من ~~المتقدمين والمتأخرين. # فتبين أنه يجب القول بحدوث كل ما سوى الله سواء سمي جسما أو عقلا أو ~~نفسا، وأنه يمتنع كون شيء من ذلك قديما سواء قيل بجواز دوام الحوادث ~~وتسلسلها، وأنه لا أول لها، أو قيل بامتناع ذلك، وسواء قيل بأن الحادث لا ~~بد له من سبب حادث، أو قيل بامتناع ذلك، وأن القائلين بقدم العالم كالأفلاك ~~والعقول والنفوس قولهم باطل في صريح العقل الذي لم يكذب قط على كل تقدير، ~~وهذا هو المطلوب. ### | [استطراد: الكلام في الحدوث والقدم في أفعال الله وكلامه تصادمت فيه أئمة الطوائف] # وقد بسط الكلام على ما يتعلق بهذا في غير هذا الموضع، فإن هذا الأصل هو ~~[الأصل] (4) الذي تصادمت فيه أئمة الطوائف من أهل PageV01P298 # الفلسفة، والكلام، والحديث، وغيرهم، وهو الكلام في الحدوث ms0145 (1) والقدم في ~~أفعال الله وكلامه، ويدخل في ذلك الكلام في حدوث العالم والكلام في كلام ~~الله وأفعاله، والكلام في هذين الأصلين من محارات (2) العقول، فالفلاسفة ~~القائلون بقدم العالم كانوا في غاية البعد عن الحق الذي جاءت به الرسل ~~الموافق لصريح المعقول وصحيح المنقول، ولكنهم ألزموا أهل الكلام الذين ~~وافقوهم على نفي قيام الأفعال والصفات (3) بذاته، أو على نفي قيام الأفعال ~~بذاته بلوازم قولهم، فظهر بذلك من تناقض أهل الكلام ما استطال به عليهم ~~هؤلاء الملحدون، وذمهم به علماء المؤمنين (4) من السلف والأئمة وأتباعهم، ~~وكان كلامهم من الكلام الذي ذمهم به السلف لما فيه من الخطأ والضلال الذي ~~خالفوا به الحق في (5) مسائلهم ودلائلهم، فبقوا فيه مذبذبين متناقضين لم ~~يصدقوا بما جاءت به الرسل على وجهه ولا قهروا أعداء الملة بالحق الصريح ~~المعقول. # وسبب ذلك أنهم لم يحققوا ما أخبرت به الرسل، ولم يعلموه، ولم يؤمنوا به، ~~ولا حققوا موجبات العقول، فنقصوا في علمهم بالسمعيات والعقليات، [وإن] (6) ~~كان لهم منهما نصيب كبير، فوافقوا في بعض ما PageV01P299 # قالوه الكفار الذين قالوا: {لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} ~~[سورة الملك: 10] وفرعوا من الكلام في صفات الله وأفعاله ما هو بدعة مخالفة ~~للشرع، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فهي مخالفة للعقل، كما هي مخالفة للشرع. # والذي نبهنا عليه هنا يعلم به دلالة العقل الصريح على ما جاءت به الرسل، ~~ولا ريب أن كثيرا من طوائف المسلمين يخطئ في كثير من دلائله، ومسائله (1) ، ~~فلا يسوغ، ولا يمكن نصر قوله مطلقا، بل الواجب أن لا يقال إلا الحق قال ~~تعالى: {ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق} ~~[سورة الأعراف: 169] . # وإذا كان المقصود نصر حق اتفق عليه أهل الملة أو رد باطل اتفقوا على أنه ~~باطل نصر بالطريق الذي يفيد ذلك وإن لم يستقم دليله على طريقة طائفة من ~~طوائف أهل القبلة (2) بين كيف يمكن إثباته بطريقة مؤلفة من قولها وقول ~~طائفة أخرى، فإن تلك الطائفة أن توافق ms0146 طائفة من طوائف (3) المسلمين خير لها ~~من أن تخرج عن دين الإسلام، وكذلك أن توافق المعقول الصريح خير من أن تخرج ~~عن المعقول بالكلية، والقول كلما كان أفسد في الشرع كان أفسد في العقل، فإن ~~الحق لا يتناقض، والرسل إنما أخبرت بالحق، والله فطر عباده على معرفة الحق، ~~والرسل بعثت بتكميل الفطرة، لا بتغيير الفطرة. قال تعالى: (4) PageV01P300 # {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} [سورة ~~فصلت: 53] . # فأخبر أنه سيريهم الآيات الأفقية (1) والنفسية المبينة لأن القرآن الذي ~~أخبر به عباده حق، فتتطابق الدلالة البرهانية القرآنية، والبرهانية ~~العيانية، ويتصادق موجب الشرع المنقول والنظر المعقول. # لكن أهل الكلام المحدث الذي ذمه السلف والأئمة، من الجهمية والمعتزلة ومن ~~اتبعهم من المنتسبين إلى السنة من المتأخرين ابتدعوا في أصول دينهم حكما ~~ودليلا، فأخبروا عن قول أهل الملل بما لم ينطق به كتاب ولا سنة، واستدلوا ~~على ذلك بطريقة لا أصل لها في كتاب، ولا سنة، فكان القول الذي أصلوه ونقلوه ~~عن أهل الملل والدليل عليه كلاهما بدعة في الشرع لا أصل لواحد منهما في ~~كتاب ولا سنة، مع أن أتباعهم يظنون أن هذا هو دين المسلمين، فكانوا في ~~مخالفة المعقول بمنزلتهم في مخالفة المنقول، وقابلتهم الملاحدة المتفلسفة ~~الذين هم أشد مخالفة لصحيح المنقول وصريح المعقول (2) . # وما ذكرناه هنا هو (3) مما يعلم به حدوث كل ما سوى الله، وامتناع قدم شيء ~~بعينه من العالم بقدم الله يفيد المطلوب على كل تقدير من التقديرات، ويمكن ~~التعبير عنه بأنواع من العبارات، وتأليفه على وجوه (4) من التأليفات، فإن ~~المادة إذا كانت مادة صحيحة أمكن تصويرها بأنواع من الصور، وهي في ذلك يظهر ~~أنها صحيحة بخلاف الأدلة PageV01P301 # المغالطية (1) التي قد ركبت على وجه معين بألفاظ معينة، فإنها (2) متى ~~غير ترتيبها وألفاظها، ونقلت من صورة إلى صورة ظهر خطؤها، فالأولى كالذهب ~~الصحيح فإنه إذا نقل (3) من صورة إلى صورة لم يتغير جوهره، بل يتبين أنه ~~ذهب، وأما المغشوش فإنه إذا غير من صورة إلى صورة ظهر أنه ms0147 مغشوش. # وهذه الأدلة المذكورة دالة على حدوث كل ما سوى الله، وأن كل ما سوى الله ~~حادث (4) كائن بعد أن لم يكن، سواء قيل بدوام نوع الفعل كما يقوله أئمة أهل ~~الحديث وأئمة الفلاسفة أو لم يقل. # ولكن من لم يقل بذلك يظهر بينه وبين طوائف (5) أهل الملل وغيرها من ~~النزاع والخصومات والمكابرات ما أغنى الله عنه من لم يشركه في ذلك، أو ~~تتكافأ عنده الأدلة ويبقى في أنواع من الحيرة والشك [والاضطراب] (6) قد ~~عافى الله منها من هداه وبين له الحق. # قال تعالى: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل ~~معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا ~~الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا ~~لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} [سورة ~~البقرة: 213] . PageV01P302 # فالخالق سبحانه يمتنع أن يكون مقارنا له في القدم شيء من العالم كائنا ما ~~كان، سواء قيل: إنه يخلق بمشيئته وقدرته كما يقوله المسلمون وغيرهم، أو قيل ~~(1) : إنه موجب بذاته أو علة مستلزمة للمعلول، أو سمي مؤثرا؛ لكون لفظ ~~التأثير يعم هذه الأنواع، فيدخل فيه الفاعل باختياره، ويدخل فيه بذاته (2) ~~وغير ذلك، بل هو المختص بالقدم الذي استحق ما سواه كونه (3) مسبوقا بالعدم. # ولكن الاستدلال على ذلك بالطريقة الجهمية المعتزلية (4) ، طريقة الأعراض ~~والحركة والسكون التي مبناها على أن الأجسام محدثة؛ لكونها لا تخلو عن ~~الحوادث، وامتناع حوادث لا أول لها طريقة (5) مبتدعة في الشرع باتفاق أهل ~~العلم بالسنة، وطريقة (6) مخطرة مخوفة في العقل، بل مذمومة عند طوائف كثيرة ~~وإن (7) لم يعلم (8) بطلانها؛ لكثرة مقدماتها وخفائها والنزاع فيها عند ~~كثير من أهل النظر " كالأشعري في رسالته إلى أهل الثغر (9) " ومن سلك سبيله ~~في ذلك كالخطابي (10) وأبي عمر PageV01P303 # الطلمنكي (1) . وغيرهم، وهي طريقة باطلة في الشرع والعقل (2) عند محققي ~~الأئمة العالمين بحقائق المعقول والمسموع. # والاستدلال بهذه الطريق أوجب (3) نفي صفات الله القائمة به، ونفي أفعاله ~~القائمة به، وأوجبت ms0148 من بدع الجهمية ما هو معروف عند سلف الأمة، وسلطت بذلك ~~الدهرية على القدح فيما جاءت به الرسل عن الله، فلا قامت بتقرير الدين، ولا ~~قمعت أعداءه الملحدين، وهي التي أوجبت على من سلكها قولهم: إن الله لم ~~يتكلم، بل كلامه مخلوق، فإنه بتقدير صحتها تستلزم هذا القول. # وأما ما أحدثه ابن كلاب ومن اتبعه من القول بقدم شيء منه (4) معين: إما ~~معنى واحد، وإما حروف، أو حروف وأصوات معينة يقترن بعضها ببعض أزلا وأبدا، ~~فهي أقوال محدثة بعد حدوث القول بخلق القرآن، وفيها من الفساد شرعا وعقلا ~~ما يطول وصفه، لكن القائلون بها PageV01P304 # بينوا فساد قول من قال: هو مخلوق من الجهمية والمعتزلة، فكان في كلام كل ~~طائفة من هؤلاء من الفائدة (1) بيان فساد قول الطائفة الأخرى لا صحة قولها؛ ~~إذ الأقوال المخالفة للحق كلها باطلة. # وكان الناس لما بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - في ضلال عظيم كما ~~في صحيح مسلم (2) من حديث عياض بن حمار (3) عن النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- أنه (4) قال: " «إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا ~~بقايا من أهل الكتاب، وإن ربي قال لي: قم في قريش فأنذرهم، فقلت: أي رب إذن ~~يثلغوا رأسي حتى يدعوه خبزة (5) ، فقال: إني مبتليك ومبتل بك ومنزل عليك ~~كتابا لا يغسله الماء، تقرؤه نائما ويقظان، فابعث جندا، ابعث مثليهم (6) ، ~~وقاتل بمن أطاعك من عصاك، وأنفق أنفق عليك، وقال: إني خلقت عبادي حنفاء ~~فاجتالتهم الشياطين، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم ألا يشركوا بي ما ~~لم أنزل به سلطانا» . . . " الحديث بطوله (7) . PageV01P305 ### | عرض تاريخي لنشأة البدع والمذاهب الكلامية # وكان المسلمون على ما بعث الله به رسوله من الهدى ودين الحق الموافق ~~لصحيح المنقول وصريح المعقول، فلما قتل عثمان [بن عفان] (1) - رضي الله عنه ~~-، ووقعت الفتنة فاقتتل المسلمون بصفين، مرقت المارقة التي قال فيها النبي ~~- صلى الله عليه وسلم -: " «تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين، يقتلهم ~~أولى الطائفتين بالحق» (2) ". وكان مروقها لما حكم الحكمان وافترق ms0149 الناس ~~على غير اتفاق. # وحدثت أيضا بدعة (3) التشيع كالغلاة المدعين لإلهية علي (4) ، والمدعين ~~النص على علي - رضي الله عنه - (5) السابين لأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما ~~- (6) ، فعاقب [أمير المؤمنين] علي [رضي الله عنه] الطائفتين (7) : قاتل ~~المارقين، وأمر بإحراق أولئك الذين ادعوا فيه الإلهية، فإنه خرج ذات يوم ~~فسجدوا له فقال لهم: ما هذا؟ فقالوا: (8) أنت هو. قال: من أنا؟ قالوا: أنت ~~الله الذي لا إله إلا هو. فقال: ويحكم! PageV01P306 # هذا كفر، ارجعوا عنه وإلا ضربت أعناقكم، فصنعوا به في اليوم الثاني ~~والثالث كذلك فأخرهم (1) ثلاثة أيام؛ لأن المرتد يستتاب ثلاثة أيام، فلما ~~لم يرجعوا أمر بأخاديد من نار فخدت (2) عند باب كندة، وقذفهم في تلك النار، ~~وروي عنه أنه قال: لما رأيت الأمر أمرا منكرا أججت ناري ودعوت قنبرا (3) ~~وقتل هؤلاء واجب باتفاق المسلمين، لكن (4) في جواز تحريقهم نزاع: فعلي [رضي ~~الله عنه] (5) رأى تحريقهم، وخالفه ابن عباس وغيره [من الفقهاء] (6) قال ~~ابن عباس: أما أنا فلو كنت لم أحرقهم؛ لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~أن يعذب بعذاب الله، ولضربت أعناقهم؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ~~«من بدل دينه فاقتلوه» "، وهذا الحديث في صحيح البخاري. (7) وأما السبابة ~~(8) الذين يسبون أبا بكر وعمر فإن عليا لما بلغه ذلك PageV01P307 # طلب ابن السوداء (1) الذي بلغه ذلك عنه، وقيل: إنه أراد قتله فهرب منه ~~إلى أرض (2) قرقيسيا. # وأما المفضلة الذين يفضلونه على أبي بكر وعمر فروي عنه أنه قال: لا أوتى ~~بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا ضربته حد المفتري، وقد تواتر عنه (3) أنه ~~كان يقول على منبر الكوفة: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر (4) ، ~~روي هذا عنه (5) من أكثر من ثمانين وجها، ورواه البخاري وغيره (6) ، ولهذا ~~كانت الشيعة المتقدمون كلهم متفقين (7) على تفضيل أبي بكر وعمر كما ذكر ذلك ~~غير واحد. # فهاتان البدعتان: بدعة الخوارج والشيعة حدثتا في ذلك الوقت لما وقعت ~~الفتنة، ثم إنه في أواخر عصر الصحابة حدثت بدعة القدرية PageV01P308 # والمرجئة، فأنكر ذلك الصحابة والتابعون ms0150 (1) كعبد الله بن عمر وعبد الله ~~بن عباس وجابر بن عبد الله وواثلة بن الأسقع (2) . # ثم إنه في أواخر عصر التابعين من أوائل المائة الثانية (3) حدثت بدعة ~~الجهمية منكرة الصفات، وكان أول من أظهر ذلك (4) الجعد بن درهم، فطلبه خالد ~~بن عبد الله القسري فضحى به بواسط، فخطب الناس يوم النحر وقال: أيها الناس ~~ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله تعالى لم ~~يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، تعالى الله عما يقول الجعد علوا ~~كبيرا ثم نزل فذبحه (5) . # ثم ظهر بهذا المذهب الجهم بن صفوان، ودخلت فيه بعد ذلك المعتزلة، وهؤلاء ~~أول من عرف عنهم في الإسلام أنهم أثبتوا حدوث PageV01P309 # العالم بحدوث الأجسام، [وأثبتوا حدوث الأجسام] (1) بحدوث ما يستلزمها من ~~الأعراض، وقالوا: الأجسام لا تنفك عن أعراض محدثة، وما لا ينفك عن الحوادث ~~أو ما لا يسبق الحوادث فهو حادث؛ لامتناع حوادث لا أول لها. # ثم إنهم تفرقوا عن هذا الأصل، فلما قالوا بامتناع دوام الحوادث في الماضي ~~عورضوا بالمستقبل، فطرد [إماما هذه الطريقة] هذا الأصل، وهما: إمام الجهمية ~~الجهم بن صفوان (2) ، وأبو الهذيل العلاف إمام المعتزلة، وقالا بامتناع ~~دوام الحوادث في المستقبل والماضي. # ثم إن جهما قال: إذا كان الأمر كذلك لزم فناء الجنة والنار، وأنه يعدم كل ~~ما سوى الله، كما كان ما سواه معدوما. وكان هذا مما أنكره السلف والأئمة ~~على الجهمية، وعدوه من كفرهم، وقالوا: إن الله تعالى يقول: {إن هذا لرزقنا ~~ما له من نفاد} [سورة ص: 54] وقال تعالى: {أكلها دائم وظلها} [سورة الرعد: ~~35] ، إلى غير ذلك من النصوص الدالة على بقاء نعيم الجنة (3) . # وأما أبو الهذيل فقال: إن الدليل إنما دل على انقطاع الحوادث فقط، فيمكن ~~بقاء الجنة والنار، لكن تنقطع الحركات، فيبقى أهل الجنة والنار ساكنين ليس ~~فيهما حركة أصلا، ولا شيء يحدث. ولزمه على ذلك أن يثبت أجساما باقية دائمة ~~خالية عن الحوادث، فيلزم وجود أجسام بلا PageV01P310 # حوادث، فينتقض الأصل الذي أصلوه، وهو أن ms0151 الأجسام لا تخلو (1) عن الحوادث. # وهذا هو الأصل الذي أصله هشام بن الحكم وهشام بن سالم (2) الجواليقي ~~وغيرهما من المجسمة الرافضة وغير الرافضة (3) كالكرامية، فقالوا: بل يجوز ~~ثبوت جسم قديم [أزلي] (4) لا أول لوجوده، وهو خال عن جميع الحوادث. وهؤلاء ~~عندهم الجسم القديم الأزلي يخلو عن الحوادث، وأما الأجسام المخلوقة فلا ~~تخلو عن الحوادث، ويقولون: ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث، لكن لا (5) ~~يقولون: إن كل جسم فإنه لا يخلو عن الحوادث. # ثم إن هؤلاء الجهمية أصحاب هذا الأصل المبتدع احتاجوا أن يلتزموا طرد هذا ~~الأصل فقالوا: إن الرب لا تقوم به الصفات ولا الأفعال (6) فإنها أعراض ~~وحوادث، وهذه لا تقوم إلا بجسم، والأجسام محدثة، فيلزم أن لا يقوم بالرب ~~علم ولا قدرة ولا كلام ولا مشيئة ولا رحمة ولا رضا ولا غضب ولا غير ذلك من ~~الصفات، بل جميع (7) ما يوصف به من ذلك فإنما هو مخلوق منفصل عنه. ~~PageV01P311 # والجهمية كانوا يقولون: قولنا: إنه يتكلم هو (1) مجاز. والمعتزلة قالوا: ~~إنه (2) متكلم حقيقة، لكن المعنى واحد. فكان أصل هؤلاء هو (3) المادة التي ~~تشعبت عنها هذه البدع، فجاء ابن كلاب بعد هؤلاء لما ظهرت المحنة المشهورة، ~~وامتحن الإمام أحمد [بن حنبل] (4) وغيره من أئمة السنة، وثبت الله الإمام ~~أحمد بن حنبل، وجرت أمور كثيرة [معروفة] (5) ، وانتشر بين الأمة النزاع في ~~هذه المسائل، قام أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب البصري، وصنف في الرد ~~على الجهمية والمعتزلة مصنفات، وبين تناقضهم [فيها] (6) ، وكشف كثيرا من ~~عوراتهم، لكن سلم لهم ذلك الأصل الذي هو ينبوع البدع، فاحتاج لذلك أن يقول: ~~إن الرب لا تقوم به الأمور الاختيارية، ولا يتكلم بمشيئته وقدرته، ولا نادى ~~موسى حين جاء الطور، بل ولا يقوم به نداء حقيقي، ولا يكون [إيمان] (7) ~~العباد وعملهم الصالح هو السبب في رضاه ومحبته، ولا كفرهم هو السبب في سخطه ~~وغضبه، فلا يكون بعد أعمالهم لا حب ولا رضا ولا سخط ولا فرح ولا غير ذلك ~~مما أخبرت به نصوص الكتاب ms0152 والسنة. # قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} [سورة آل ~~عمران: 31] PageV01P312 # ، وقال [تعالى] (1) : {ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه ~~فأحبط أعمالهم} ) [سورة محمد: 28] ، وقال [تعالى] (2) : {فلما آسفونا ~~انتقمنا منهم} [سورة الزخرف: 55] وقال [تعالى] (3) : {إن تكفروا فإن الله ~~غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم} [سورة الزمر: 7] ، ~~وقال [تعالى] (4) : {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له ~~كن فيكون} [سورة آل عمران: 59] ، وقال [تعالى] (5) : {ولقد خلقناكم ثم ~~صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} [سورة الأعراف: 11] . # وأمثال ذلك من نصوص الكتاب والسنة التي لا تحصى (6) إلا بكلفة، وهي تبلغ ~~مئين من نصوص القرآن والحديث، كما ذكرنا طرفا منها في غير هذا الموضع (7) ، ~~وذكرنا كلام السلف والخلف في هذا الأصل، وذكرنا (8) مذاهب القدماء من ~~الفلاسفة [أيضا] (9) وموافقة أساطينهم على هذا الأصل. # ثم إنه بسبب ذلك (10) تفرق الناس في مسألة القرآن، فاحتاج ابن كلاب ~~ومتبعوه إلى أن يقولوا: هو قديم، وإنه لازم لذات الله، وإن الله لم يتكلم ~~بمشيئته وقدرته، وجعلوا جميع ما يتكلم به قديم العين، لم يقولوا: إنه ~~PageV01P313 # يتكلم بمشيئته وقدرته أزلا وأبدا، وإن كلامه قديم بمعنى أنه قديم النوع، ~~لم يزل الله متكلما بمشيئته كما قاله (1) السلف والأئمة. # ثم قالوا: إنه قديم العين، وافترقوا (2) على حزبين: حزب قالوا: يمتنع أن ~~يكون القديم هو الحروف والأصوات؛ لامتناع البقاء عليها وكونها توجد شيئا ~~بعد شيء؛ لأن المسبوق بغيره لا يكون قديما، فالقديم هو المعنى، ويمتنع وجود ~~معان لا نهاية لها في آن واحد، والتخصيص بعدد دون عدد لا موجب له، فالقديم ~~معنى واحد هو الأمر بكل مأمور، والخبر عن كل مخبر، وهو معنى التوراة ~~والإنجيل والقرآن، وهو معنى (3) آية الكرسي، وآية الدين، وقل هو الله أحد، ~~وقل أعوذ برب الفلق، وأنكروا أن يكون الكلام العربي كلام الله. # والحزب الثاني قالوا: بل الحروف أو الحروف (4) والأصوات قديمة أزلية ~~الأعيان، وقالوا: الترتيب في ذاتها لا في وجودها، وفرقوا بين الحقيقة وبين ~~وجود ms0153 الحقيقة كما يفرق كثير من أهل الكلام بين وجود الرب وبين حقيقته، ~~وكثير منهم ومن الفلاسفة يفرق بين وجود الممكنات وبين حقيقتها، وقالوا: ~~الترتيب هو [في] (5) حقيقتها لا في وجودها، بل هي موجودة أزلا وأبدا، لم ~~يسبق منها شيء شيئا (6) ، وإن كانت حقيقتها (7) PageV01P314 # مرتبة ترتيبا عقليا كترتيب الذات على الصفات، وكترتيب المعلول على العلة ~~كما يقوله المتفلسفة القائلون بقدم العالم حيث قالوا: إن الرب متقدم على ~~العالم بذاته وحقيقته ولم يتقدم عليه تقدما زمانيا، وقالوا في تقدم بعض ~~كلامه على بعض كما قال هؤلاء في تقدمه على معلوله، وهؤلاء يجعلون التقدم ~~والتأخر والترتيب نوعين: عقليا ووجوديا، ويدعون أن ما أثبتوه من الترتيب ~~والتقدم والتأخر هو عقلي لا وجودي. # وأما جمهور العقلاء فينكرون هذا، ويقولون: إن قول هؤلاء معلوم الفساد ~~بالضرورة، وإن الترتيب والتقدم والتأخر لا يعقل إلا وجود الشيء بعد غيره، ~~لا يمكن مع كونه معه إلا أن يكون بعده (1) كما يقولون: إن المعلول لا يكون ~~إلا بعد العلة ولا يكون إلا معها، وهذه الأمور قد بسطت في غير هذا الموضع ~~[بسطا كبيرا ولكن ذكر هنا ما تيسر] (2) . # والمقصود أن هذه الطريق (3) الكلامية التي ابتدعتها الجهمية والمعتزلة، ~~وأنكرها سلف الأمة وأئمتها صارت عند كثير من النظار المتأخرين (4) هي دين ~~الإسلام، بل (5) يعتقدون أن من خالفها فقد خالف دين الإسلام، مع أنه لم ~~ينطق بما فيها من الحكم، والدليل لا آية من كتاب الله، ولا خبرا عن رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أحدا من الصحابة والتابعين [لهم ~~PageV01P315 # بإحسان] (1) فكيف يكون دين الإسلام، [بل أصل أصول دين الإسلام] (2) مما ~~لم (3) يدل عليه لا كتاب ولا سنة ولا قول أحد من السلف؟ ! . ### | ظهور الفلاسفة # ثم حدث بعد هذا في الإسلام الملاحدة من المتفلسفة وغيرهم، حدثوا وانتشروا ~~بعد انقراض العصور (4) المفضلة (5) ، وصار كل زمان ومكان يضعف فيه نور ~~الإسلام يظهرون فيه، وكان من أسباب ظهورهم أنهم ظنوا أن دين الإسلام ليس ~~إلا ما يقوله أولئك المبتدعون، ورأوا ذلك (6 فسادا في العقل، فرأوا ms0154 دين ~~الإسلام المعروف 6) (6) فاسدا في العقل فكان غلاتهم طاعنين في دين الإسلام ~~بالكلية - باليد واللسان - كالخرمية أتباع بابك الخرمي (7) وقرامطة البحرين ~~أتباع أبي سعيد الجنابي وغيرهم (8) . PageV01P316 # وأما مقتصدوهم (1) وعقلاؤهم فرأوا أن ما جاء به محمد - صلى الله عليه ~~وسلم - فيه من الخير والصلاح ما لا (2) يمكن القدح فيه، بل اعترف حذاقهم ~~بما قاله (3) ابن سينا وغيره من أنه لم يقرع العالم ناموس أفضل من ناموس ~~محمد - صلى الله عليه وسلم -، وكان هذا موجب عقلهم وفلسفتهم، فإنهم نظروا ~~في أرباب النواميس من اليونان، فرأوا أن الناموس الذي جاء به موسى وعيسى ~~أعظم من نواميس أولئك بأمر عظيم، ولهذا لما ورد ناموس عيسى بن مريم [عليه ~~السلام] (4) على الروم انتقلوا عن الفلسفة اليونانية إلى دين المسيح. # وكان أرسطو قبل المسيح بن مريم - عليه السلام - بنحو ثلاثمائة سنة، كان ~~وزيرا للإسكندر بن فيلبس المقدوني (5) الذي غلب على الفرس، وهو الذي يؤرخ ~~له اليوم بالتاريخ الرومي، تؤرخ له اليهود والنصارى، وليس هذا الإسكندر هو ~~ذا القرنين (6) المذكور في القرآن كما يظن ذلك PageV01P317 # طائفة من الناس، فإن ذلك كان متقدما (1) على هذا، وذلك المتقدم هو (2) ~~الذي بنى سد يأجوج ومأجوج، وهذا المقدوني لم يصل إلى السد، وذاك كان ~~[مسلما] (3) موحدا، وهذا المقدوني كان مشركا (4) هو وأهل بلده اليونانيون، ~~[كانوا مشركين] (5) يعبدون الكواكب والأوثان وقد قيل إن آخر ملوكهم [كان] ~~(6) هو بطليموس صاحب المجسطى (7) ، وأنهم بعده انتقلوا إلى دين المسيح، فإن ~~الناموس الذي بعث به المسيح كان أعظم وأجل، بل النصارى بعد أن غيروا دين ~~المسيح وبدلوا هم أقرب إلى الهدى ودين الحق من أولئك الفلاسفة الذين كانوا ~~مشركين، وشرك أولئك الغليظ (8) هو مما أوجب إفساد دين المسيح كما ذكره ~~طائفة من أهل العلم، قالوا: كان (9) أولئك يعبدون الأصنام ويعبدون الشمس ~~والقمر والكواكب ويسجدون لها PageV01P318 # والله تعالى إنما بعث المسيح بدين الإسلام (1) كما بعث سائر الرسل بدين ~~الإسلام، وهو عبادة الله وحده لا شريك له. # قال تعالى: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من ms0155 دون الرحمن آلهة ~~يعبدون} [سورة الزخرف: 45] ، وقال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا ~~نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [سورة الأنبياء: 25] ، وقال تعالى: ~~{ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى ~~الله ومنهم من حقت عليه الضلالة} [سورة النحل: 36] . # وقد أخبر الله تعالى عن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم (2) وغيرهم من ~~الرسل والمؤمنين [إلى زمن] الحواريين (3) أن دينهم كان الإسلام، قال تعالى ~~عن نوح [عليه السلام] (4) {إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى ~~الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ~~ولا تنظرون - فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن ~~أكون من المسلمين} [سورة يونس: 71، 72] (5) ، وقال [تعالى] عن [إبراهيم] ~~الخليل [عليه الصلاة والسلام] (6) : PageV01P319 # {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه ~~في الآخرة لمن الصالحين - إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين - ~~ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يابني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا ~~وأنتم مسلمون - أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون ~~من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ~~ونحن له مسلمون} [سورة البقرة: 130، 133] (1) . # وقال تعالى عن موسى [عليه الصلاة والسلام] (2) : {ياقوم إن كنتم آمنتم ~~بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين} [سورة يونس: 84] ، وقال: {إنا أنزلنا ~~التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا} [سورة ~~المائدة: 44] ، وقال عن بلقيس: {رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب ~~العالمين} [سورة النمل: 44] ، وقال عن الحواريين: {وإذ أوحيت إلى الحواريين ~~أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون} [سورة المائدة: 111] . # ولما كان المسيح صلوات الله عليه قد بعث بما بعث به المرسلون قبله من ~~عبادة الله وحده لا شريك له، وأحل لهم بعض ما كان حرم عليهم في التوراة، ~~وبقي أتباعه على ms0156 ملته (3) مدة - قيل أقل من مائة سنة -، ثم ظهرت فيهم البدع ~~بسبب معاداتهم لليهود صاروا يقصدون خلافهم، فغلوا في المسيح، وأحلوا أشياء ~~حرمها، وأباحوا الخنزير وغير ذلك، PageV01P320 # وابتدعوا شركاء بسبب شرك الأمم، فإن أولئك المشركين من اليونان والروم ~~وغيرهم كانوا يسجدون للشمس والقمر والأوثان، فنقلتهم (1) النصارى عن عبادة ~~الأصنام المجسدة التي لها ظل إلى عبادة التماثيل المصورة في الكنائس، ~~وابتدعوا الصلاة إلى المشرق، فصلوا إلى حيث تظهر الشمس والقمر والكواكب، ~~واعتاضوا بالصلاة إليها والسجود إليها عن الصلاة لها والسجود لها. # والمقصود أن النصارى بعد تبديل دينهم كان ناموسهم ودينهم خيرا من دين ~~أولئك اليونان أتباع الفلاسفة (2) ، فلهذا كان الفلاسفة الذين رأوا دين ~~الإسلام يقولون: إن ناموس محمد - صلى الله عليه وسلم - أفضل من جميع ~~النواميس، ورأوا أنه أفضل من نواميس (3) النصارى والمجوس وغيرهم، فلم ~~يطعنوا في دين محمد - صلى الله عليه وسلم - كما طعن أولئك المظهرون للزندقة ~~من الفلاسفة، ورأوا أن ما يقوله أولئك المتكلمون فيه ما يخالف صريح المعقول ~~(4) ، فطعنوا بذلك عليهم، وصاروا يقولون: من أنصف ولم يتعصب ولم يتبع الهوى ~~لا يقول ما يقوله هؤلاء في المبدأ والمعاد. ### | أقوال الفلاسفة # وكان لهم أقوال فاسدة في العقل أيضا تلقوها من سلفهم الفلاسفة، (* ورأوا ~~أن (5) ما تقوله فيه ما يخالف العقول، وطعنوا بذلك PageV01P321 # الفلاسفة *) (1) ، ورأوا أن ما تواتر عن الرسل يخالفها فسلكوا طريقتهم ~~الباطنية (2) فقالوا: إن الرسل لم تبين العلم والحقائق التي يقوم عليها ~~البرهان في الأمور العلمية، ثم منهم من قال: إن الرسل علمت ذلك وما بينته، ~~ومنهم من يقول: إنها لم تعلمه وإنما كانوا بارعين في الحكمة العملية دون ~~الحكمة العلمية، ولكن خاطبوا الجمهور بخطاب تخييلي، خيلت لهم في أمر ~~الإيمان بالله واليوم الآخر ما ينفعهم اعتقاده في سياستهم، وإن كان ذلك ~~اعتقادا باطلا لا يطابق الحقائق. # وهؤلاء المتفلسفة (3) لا يجوزون تأويل ذلك؛ لأن المقصود بذلك عندهم ~~التخييل، والتأويل يناقض مقصوده، وهم يقرون بالعبادات، لكن يقولون مقصودها ~~إصلاح أخلاق النفس، وقد يقولون: إنها تسقط عن الخاصة العارفين بالحقائق ms0157، ~~فكانت بدعة أولئك المتكلمين مما أعانت إلحاد هؤلاء الملحدين. # وقد بسط الكلام (4) في كشف أسرارهم وبيان مخالفتهم لصريح المعقول وصحيح ~~المنقول في غير هذا الموضع، وذكر أن المعقولات (5) الصريحة موافقة لما ~~أخبرت به الرسل لا تناقض ذلك، ونبهنا في مواضع على ما يستوجب الاستغناء عن ~~الطرق الباطلة [المبتدعة] (6) وما به يعلم PageV01P322 # ما يوافق خبر الرسول، وبينا أن الطرق (1) الصحيحة في المعقول هي مطابقة ~~لما أخبر به الرسول، مثل هذه الطرق وغيرها (2) . ### | عود لمسألة قدم العالم # فإنه يعلم بصريح المعقول أن فاعل العالم إذا قيل: إنه علة تامة أزلية، ~~والعلة التامة تستلزم معلولها لزم أن لا يتخلف عنه في القدم شيء من ~~المعلول، فلا يحدث عنه شيء لا بواسطة ولا بغير واسطة (3) ، ويمتنع أن يصير ~~علة لمفعول بعد مفعول من غير أن يقوم به ما يصير علة للثاني، فيمتنع مع ~~تماثل أحواله أن تختلف مفعولاته ويحدث منها شيء. # وهذا مما لا ينازع فيه عاقل تصوره (4) تصورا جيدا، وحذاقهم معترفون بهذا، ~~كما يذكره ابن رشد الحفيد وأبو عبد الله الرازي (5) وغيرهما من أن صدور ~~المتغيرات المختلفة عن الواحد البسيط مما تنكره العقول، [وكذلك إذ سمي ~~موجبا بالذات] (6) ، وكذلك إذا قيل: مؤثر تام التأثير في الأزل، أو مرجح ~~تام الترجيح في الأزل، أو نحو ذلك، وكذلك إذا قيل: هو قادر مختار يستلزم ~~وجود مراده في الأزل، فإنه إذا استلزم وجود مراده في الأزل لزم أن لا يحدث ~~شيء من مراده، فلا يحدث في العالم شيء؛ إذ لا يحدث شيء إلا بإرادته، فلو ~~كانت إرادته أزلية مستلزمة لوجود مرادها معها في الأزل لزم أن لا يكون شيء ~~من المرادات حادثا، PageV01P323 # فلا يكون في العالم حادث وهو خلاف المشاهدة. # وهم لا يقولون به ولا (1) يقول عاقل: إنه علة تامة أزلية لجميع ~~معلولاتها، ولا موجب أزلي لجميع العالم حتى أشخاصه. ولا يقول أحد: إن جميع ~~مراده مقارن له في الأزل، بل يقولون إن أصول العالم كالأفلاك والعناصر هي ~~الأزلية القديمة (2) بأعيانها، وإن الحركات والمولدات قديمة النوع ms0158، أو ~~يقولون: إن مواد هذا العالم كالجواهر المفردة (3) أو الهيولى أو غير ذلك هي ~~قديمة أزلية بأعيانها. وهذا كله باطل؛ إذ كان قدم شيء من ذلك يستلزم أن ~~يكون فاعله مستلزما له في الأزل، سواء سمي موجبا له بذاته في الأزل، أو علة ~~تامة قديمة مستلزمة لمعلولها أو قيل: إنه فاعل بإرادته الأزلية [المستلزمة] ~~(4) للمفعول المراد في الأزل. ### | بطلان القول بأن فاعل العالم علة تامة لأصول العالم دون حوادثه # وإذا قيل: هو علة تامة لأصول العالم دون حوادثه، أو هو مريد بإرادة أزلية ~~مستلزمة لاقتران مرادها بها في الأزل، لكن تلك [الإرادة الأزلية المقارنة] ~~(5) لمرادها إنما تعلقت بأصول العالم دون حوادثه. # قيل لهم هذا باطل من وجوه: منها أن مقارنة المفعول المعين لفاعله - لا ~~سيما مقارنته له أزلا PageV01P324 # وأبدا ممتنع في صرائح (1) العقول، بل وفي بداية (2) العقول بعد التصور ~~التام. # وإذا قالوا: العلوم الضرورية لا يجتمع على جحدها طائفة من العقلاء الذين ~~لا يجوز عليهم التواطؤ على الكذب 0 # قيل لهم: لا جرم هذا القول لم يتفق عليه طائفة من العقلاء من غير تواطئ، ~~بل جماهير العقلاء من الأولين والآخرين ينكرونه غاية الإنكار، وإنما تقوله ~~طائفة واحدة بعضهم عن بعض (3) ، على سبيل مواطأة بعضهم لبعض، (* وتلقي ~~بعضهم عن بعض، ومع المواطأة تجوز المواطأة *) (4) على تعمد الكذب وعلى ~~الأمور المشتبهة كالمذاهب الباطلة التي يعلم فسادها بالضرورة، وقد توارثها ~~طائفة تلقاها بعضهم عن بعض، بخلاف الأقوال التي يقر بها الناس عن (5) غير ~~مواطأة، فتلك لا يكون منها ما يعلم فساده ببديهة العقل. ولهذا كان في عامة ~~أقوال الكفار وأهل البدع من المشركين والنصارى والرافضة والجهمية وغيرهم ما ~~يعلم فساده بضرورة العقل، ولكن قاله طائفة تلقاه بعضهم عن بعض. # ومنها أن يقال: لو كان هذا حقا لامتنع حدوث الحوادث في العالم جملة، ولم ~~يكن للحوادث محدث أصلا، وهذا من أظهر ما يعلم فساده بضرورة العقل، فإن ~~العلة إذا كانت تامة أزلية قارنها معلولها، وكان ما PageV01P325 # يحدث غير [معلولها؛ لأنه لو كان معلولا لها] لكان ms0159 قد تأخر المعلول (1) أو ~~بعض المعلول عن علته التامة، والعلة التامة لا يجوز أن يتأخر عنها لا ~~معلولها ولا بعض معلولها، فكل ما حدث لا يحدث عن علة تامة أزلية، وواجب ~~الوجود عندهم علة تامة أزلية، فيلزم أن لا يحدث عنه حادث لا بواسطة ولا ~~بغير واسطة (2) . # وما يعتذرون به في هذا المكان من قولهم: إنما تأخرت الحوادث لتأخر ~~الاستعداد ونحوه من أفسد الأقوال، فإن هذا إنما يمكن أن يقال فيما يكون علة ~~وجوده غير علة استعداده وقبوله (3) ، كما يحدث عن الشمس، فإنها تارة تلين ~~وترطب كما تلين الثمار بعد يبسها (4) بسبب ما يحصل فيها من الرطوبة، فتجتمع ~~الرطوبة المائية والسخونة الشمسية فتنضج الثمار وتلين، وتارة تجفف وتيبس ~~كما يحصل للثمار بعد تناهي نضجها، فإنه ينقطع عنها الاستمداد من الرطوبة، ~~فتبقى حرارة تفعل في رطوبة من غير إمداد، فتجففها كما تجفف الشمس والنار ~~وغيرهما لغير ذلك من الأجسام الرطبة. # والمقصود أنه في مثل ذلك قد يتأخر فعل الفاعل لعدم استعداد القابل، ولو ~~قدر أن ما يدعونه من العقل الفعال له حقيقة لكان تأخر فيضه حتى تستعد ~~القوابل من هذا الباب. وأما واجب الوجود الفاعل لكل PageV01P326 # ما سواه الذي لا يتوقف فعله على أمر آخر من غيره - لا إعداد (1) ولا ~~إمداد ولا قبول ولا غير ذلك، بل نفسه هي المستلزمة لفعله - فلو قدر أنه علة ~~تامة أزلية لوجب أن يقارنه معلوله كله، ولا يتأخر عنه شيء من مفعولاته (2) ~~، وإذا تأخر شيء من مفعولاته ولو كان مفعولا بواسطة، علم أنه لم يكن علة ~~تامة له في الأزل، وأنه صار علة بعد أن لم يكن # وإذا قيل الحركة الفلكية هي سبب حدوث الحوادث 0 # قيل: وهذا أيضا مما يعلم بطلانه، فإن الحركة الحادثة شيئا بعد شيء يمتنع ~~أن يكون الموجب لها (3) علة تامة أزلية، فإن هذه يقارنها معلولها أزلا ~~وأبدا، والحركة الحادثة شيئا بعد شيء يمتنع أن تكون مقارنة لعلتها في ~~الأزل، فعلم أن الموجب لحدوثها ليس علة تامة أزلية، بل لا بد أن ms0160 يكون الرب ~~متصفا بأفعال تقوم به شيئا بعد شيء، بسبب (4) ما يقوم به، يحدث عنه ما ~~يحدث، مثل مشيئته القائمة بذاته وكلماته القائمة بذاته وأفعاله الاختيارية ~~القائمة بذاته. # ومنها أن الحوادث بعد ذلك لا بد لها من محدث، ويمتنع أن يحدثها غيره؛ ~~لأنه لا رب غيره، ولأن القول فيه في ذلك الحدث كالقول فيه: إما أن يكون علة ~~تامة في الأزل، وإما أن لا يكون، ويعود التقسيم. # وإذا قالوا: إنما تأخر الثاني لتأخر حدوث القوابل والشروط التي بها قبل ~~الفيض 0 PageV01P327 # قيل لهم: هذا يعقل فيما إذا (1) كان حدوث القوابل من غيره، كما في حدوث ~~الشعاع عن الشمس، وكما يقولونه في العقل الفعال. وأما إذا كان هو الفاعل ~~للقابل والمقبول، والشرط والمشروط، وهو علة تامة أزلية لما يصدر عنه (2) ~~وجب مقارنة معلوله كله له، ولم يجز أن يتأخر عنه شيء، فإنه يمتنع أن يصير ~~فاعلا بعد أن لم يكن من غير إحداثه لشيء، وإحداثه لشيء (3) مع كونه (4) علة ~~تامة أزلية ممتنع، وكونه علة لنوع الحوادث مع عدم حدوث فعل يقوم به ممتنع. # ولأن صدور العالم عن فاعلين ممتنع، سواء كانا مشتركين في جميعه، أو كان ~~هذا فاعلا لبعضه وهذا فاعلا لبعضه، كما قد بسط في غير هذا الموضع (5) وهذا ~~مما لا نزاع فيه، فإنه لم يثبت أحد من العقلاء أن العالم صدر عن اثنين ~~متكافئين في الصفات والأفعال، ولا قال أحد من العقلاء: إن أصول العالم ~~القديمة صدرت عن واحد، وحوادثه صدرت عن آخر، فإن العالم لا يخلو من الحوادث ~~(6) ، وفعل الملزوم بدون لازمه ممتنع، ولو كان الفاعل للوازمه غيره لزم أن ~~لا يتم فعل واحد منهما إلا بالآخر، فيلزم الدور في الفاعلين، وكون كل ~~[واحد] (7) من الربين لا يصير ربا إلا بالآخر، ولا يصير قادرا إلا بالآخر، ~~ولا يصير فاعلا إلا بالآخر، فلا PageV01P328 # يصير هذا قادرا حتى يجعله الآخر قادرا، (1 ولا يصير هذا قادرا حتى يجعله ~~الآخر قادرا 1) (1) ، فيمتنع والحال هذه أن يصير واحد منهما قادرا وهذا ~~مبسوط في موضعه ms0161. # وذلك مما يبين أنه لا فاعل للحوادث إلا هو، وحينئذ فإن حدثت عنه بدون سبب ~~حادث لزم حدوث الحادث بلا سبب حادث، وهذا إذا جاز جاز حدوث العالم كله بلا ~~سبب (2) حادث. # وأيضا: فإنه يلزم أن يكون العالم قديما أزليا خاليا عن شيء من الحوادث، ~~وأن الحوادث حدثت فيه بعد ذلك بدون سبب حادث، وهذا ممتنع بالاتفاق والبرهان ~~لوجوه (3) كثيرة مثل اقتضائه عدم القديم (4) الواجب بنفسه أو بغيره، فإنه ~~إذا قدر معلول قديم أزلي على حال من الأحوال، ثم حدثت (5) فيه الحوادث فلا ~~بد أن يتغير من صفة إلى صفة (6) : يزول ما كان موجودا، ويحدث ما لم يكن ~~موجودا، وزوال ما كان موجودا ممتنع، فإن القديم إنما يكون قديما إذا كان ~~واجبا بنفسه أو بغيره، (* فإن (7) ما كان واجبا بنفسه أو بغيره يمتنع عدمه، ~~(8 وما كان قديما يمتنع عدمه 8) (8) أيضا، بل القديم لا يكون قديما إلا إذا ~~كان واجبا بنفسه PageV01P329 # أو بغيره، فما علم أنه كان قديما واجبا بنفسه أو بغيره *) (1) يكون العلم ~~بامتناع عدمه أوكد وأوكد. # والعالم إذا كان شيء منه قديما أزليا لا حادث فيه، ثم حدث فيه حادث فقد ~~غيره من الحال القديمة الأزلية الواجبة بنفسها أو بغيرها إلى حال أخرى ~~تخالفها، وهذا مع أنه ممتنع، فإذا كان هذا بدون سبب حادث كان ممتنعا من هذا ~~الوجه ومن هذا الوجه. # وأيضا: فالعالم لا يتصور انفكاكه عن مقارنة الحوادث، فإن الأجسام لا تخلو ~~عن مقارنة الحوادث: الحركة وغيرها، والعالم ليس فيه إلا ما هو قائم بنفسه ~~أو بغيره بلا نزاع بين العقلاء، وتلك الأعيان لا تخلو عن مقارنة الحوادث، ~~فإنها لو خلت عنها ثم قارنتها للزم حدوث الحوادث بلا سبب، وهذا باطل، وإن ~~لم يكن هذا باطلا جاز حدوث الحوادث بلا سبب، فبطل القول بقدم العالم. # ثم كثير من النظار يقول: ليس في العالم إلا جسم أو عرض. وهؤلاء منهم من ~~يفسر الجسم بما يشار إليه، ويمنع (2) كون كل جسم مركبا من الجواهر المفردة ~~(3) أو من المادة والصورة ms0162، فلا يلزمهم من الإشكال ما يتوجه على غيرهم. # وإن قدر أن فيه ما يخرج عن ذلك كما يذكره من يثبت العقول PageV01P330 # والنفوس، ويقول: إنها ليست أجساما، فالنفوس لا تفارق الأجسام، بل هي ~~مقارنة لها مدبرة لها (1) فلا تفارق الحوادث. # وأيضا: فالنفوس لا تنفك عن تصورات وإرادات حادثة، فهي دائما مقارنة ~~للحوادث، والعقول علة لذلك مستلزمة لمعلولها لا يتقدم عليها (2) بالزمان، ~~فيمتنع أن يكون في العالم ما يسبق الحوادث، فيمتنع أن يكون شيء منه قديما ~~أزليا سابقا للحوادث، وحينئذ فالمبدع لشيء منه يمتنع أن يبدعه بدون إبداع ~~لوازمه، ولوازمه يمتنع وجودها في الأزل، فيمتنع وجود شيء منه في الأزل. # فإذا قيل: فهو علة تامة أزلية للفلك مع حركته، لزم أن يكون علة أزلية ~~تامة للفلك مع حركته، فتكون حركته أزلية، والحركة لا توجد إلا شيئا فشيئا، ~~فيمتنع أن يكون جميع حركته أزلية (3) . # وإذا (4) قيل: هو علة تامة أزلية للفلك دون حركته، احتاجت حركته إلى مبدع ~~آخر، ولا مبدع (5) غيره. # وإن قيل: هو علة للحركة (6) شيئا بعد شيء، لم يكن علة تامة للحركة في ~~الأزل، لكن يصير علة تامة لشيء منها بحسب وجوده، فتكون عليته وفاعليته ~~وإرادته حادثة بعد أن لم تكن، فيمتنع أن يكون علة تامة في PageV01P331 # الأزل، وهذا القول [ظاهر] (1) ، لا ينازع فيه من فهمه، وهو مما يبين ~~امتناع كونه علة تامة أزلية لكل موجود، وامتناع كونه علة تامة للفلك مع ~~حركته الدائمة. # وهم لا يقولون: (2) إنه في الأزل علة لكل موجود، بل يقولون: إنه في الأزل ~~علة لما كان قديما بعينه كالأفلاك، وهو دائما علة لنوع الحوادث، ويصير علة ~~تامة للحادث المعين بعد أن لم يكن علة تامة له، فهذا حقيقة قولهم. # فيقال لهم: كونه يصير علة تامة لشيء بعد أن لم يكن علة له من غير أمر ~~يحدث منه ممتنع لذاته؛ لأنه لا محدث للحوادث سواه، فيمتنع أن غيره يحدث ~~فاعليته، وكونه علة فلا يحدث كونه فاعلا للمعين إلا هو، فيلزم أن يكون هو ~~المحدث؛ لكونه علة للمعين ms0163 وفاعلا له، وهذه الفاعلية كانت بعد أن لم تكن، ~~فيمتنع أن تكون صدرت عن علة تامة أزلية، لأن العلة الأزلية يقارنها ~~معلولها. # فتبين أنه يمتنع أن يصير فاعلا لشيء بعد أن لم يكن، مع القول بأنه لم يزل ~~علة تامة أزلية، وأنه لا بد أن يقوم به من الأحوال ما يوجب كونه فاعلا لما ~~يحدث عنه من الحوادث، سواء أحدثت (3) بواسطة أم بغير واسطة. # وأيضا: فإذا قدر أنه - كما يقولون - حاله قبل أن يحدث المعين ومع ~~PageV01P332 # إحداث المعين وبعد إحداث المعين سواء امتنع إحداث المعين، فيمتنع أن يحدث ~~شيئا (1) . # وأيضا: فلم يكن إحداثه للأول بأولى من إحداثه للثاني، ولا تخصيص (* الأول ~~بقدره ووصفه بأولى من الثاني إذا كان الفاعل لم يكن منه قط سبب يوجب ~~التخصيص *) (2) ، لا بقدر ولا بوصف (3) ولا غير ذلك. # وهم أنكروا على من قال من النظار: إنه فعل بعد أن لم يكن فاعلا (4) ، ~~[وقالوا: العقل الصريح يعلم أن من فعل بعد أن لم يكن فاعلا] (5) فلا بد أن ~~يتجدد له: إما قدرة، وإما إرادة، وإما علم، وإما زوال مانع، وإما سبب ما. # فيقال لهم: والعقل الصريح يعلم أن من فعل هذا الحادث بعد أن لم يكن فاعلا ~~له فلا بد أن يتجدد له سبب اقتضى فعله، فأنتم أنكرتم على غيركم ابتداء ~~الفعل بلا سبب، والتزمتم دوام المفعولات الحادثة بلا سبب، فكان ما ~~التزمتموه من حدوث الحوادث بلا سبب أعظم مما نفيتموه، بل قولكم مستلزم أنه ~~لا (6) فاعل للحوادث ابتداء، بل تحدث بلا فاعل، فإن الموجب للحوادث عندكم ~~هو حركة الفلك (7) ، وحركة الفلك حركة نفسانية تتحرك بما يحدث لها من ~~التصورات والإرادات المتعاقبة، وإن PageV01P333 # كانت تابعة لتصور كلي وإرادة كلية، ثم تلك التصورات والإرادات والحركات ~~تحدث بلا محدث [لها] (1) أصلا على قولكم؛ لأن واجب الوجود عندكم ليس فيه ما ~~يوجب فعلا حادثا أصلا، بل حاله قبل الحادث وبعده ومعه سواء، وكون الفاعل ~~يفعل الأمور الحادثة المختلفة مع أن حاله قبل وبعد ومع سواء (2 أبعد من ~~كونه يحدث ms0164 حادثا مع أن حاله قبل وبعد ومع سواء 2) (2) . # وإذا قيل: تغير فعله لتغير المفعولات 0 # قيل: فعله إن كان هو المفعولات عندكم - كما يقوله ابن سينا ونحوه من ~~جهمية الفلاسفة نفاة الصفات والأفعال - فالمتغير هو المنفصلات عنه، وهي ~~المفعولات، وليس هنا فعل هو غيرها يوصف بالتغير، فما الموجب لتغيرها ~~واختلافها وحدوث ما يحدث منها مع [أن] (3) الفاعل هو على حال واحدة؟ ! ~~وفساد (4) هذا في صريح العقل أظهر من فساد ما أنكرتموه على غيركم. # وإن كان فعله قائما بنفسه كما يقوله مثبتة الأفعال الاختيارية من أئمة ~~أهل الملل [ومن الفلاسفة] (5) المتقدمين والمتأخرين، فمن المعلوم أن تغير ~~المفعولات إنما سببه (6) هذه الأفعال PageV01P334 # وهو سبحانه المحدث لجميع المفعولات المتغيرة وتغيراتها، فيمتنع أن تكون ~~هي المؤثرة في تغير فعله القائم بنفسه؛ لأن هذا يوجب كون المعلول المخلوق ~~المصنوع هو المؤثر في الخالق الصانع الذي يسمونه علة [تامة] (1) ، وهذا ~~يوجب الدور الممتنع، فإن كون كل من الشيئين مؤثرا في الآخر من غير أن يكون ~~هناك أمر ثالث غيرهما يؤثر (2) فيهما هو من الدور القبلي الممتنع، فإن أحد ~~الفاعلين لا يفعل في الآخر حتى يفعل الآخر فيه كما في هذه الصورة، فإن ~~التغير الحادث لا يحدث حتى يحدثه هو؛ لما يقوم به من الفعل، فلو كان ذلك ~~الفعل لا يقوم (3) حتى يحدثه ذلك التغير لزم أن لا يوجد حتى يوجد ذاك، ولا ~~يوجد ذاك حتى يوجد هذا، فيلزم أن لا يوجد واحد منهما حتى يوجد هو قبل أن ~~يوجد بمرتبتين، فيلزم اجتماع النقيضين مرتين. # وإن قيل: المفعول المتغير الأول أحدث في الفاعل تغيرا، وذلك التغير أوجب ~~تغيرا ثانيا 0 # قيل: فذلك الأول إنما صدر عن فعل قائم (4) بالفاعل، فالفاعل ما قام به من ~~الفعل هو الفاعل لكل ما سواه من الحوادث المتغيرة أولا وآخرا، ولم يؤثر فيه ~~غيره ألبتة. # وإن قيل: وجود مفعوله الثاني مشروط بمفعوله الأول، فهو الفاعل للأول ~~والثاني، فلم يحتج في شيء من فعله إلى غيره، ولا أثر فيه PageV01P335 # [شيء] (1) . سواه وهذا كما أنه سبحانه ms0165 يلهم العباد أن يدعوه [فيدعونه] ~~(2) فيستجيب لهم، ويلهمهم أن يطيعوه فيطيعونه فيثيبهم، فهو سبحانه الفاعل ~~للإجابة والإثابة كما أنه أولا جعل العباد داعين مطيعين، ولم يكن في شيء من ~~ذلك مفتقرا إلى غيره ألبتة. # وكل من تدبر هذه الأمور تبين له أنه سبحانه خالق كل شيء من الأعيان ~~وصفاتها وأفعالها بأفعاله الاختيارية القائمة بنفسه كما دلت على ذلك نصوص ~~الأنبياء، واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها، ووافقهم على ذلك أساطين الفلاسفة ~~القدماء، وهذا مما يبين حدوث كل ما سواه وأنه ليس علة أزلية لمعلول قديم مع ~~أنه دائم الفاعلية، ولا يلزم من دوام كونه فاعلا أن يكون معه مفعول معين ~~قديم، بل هذا من أبطل الباطل. # وهؤلاء المتفلسفة القائلون بقدم العالم عن موجب بذاته هو علة تامة أزلية ~~[له] (3) يسلمون أنه ليس علة تامة في الأزل لكل حادث، فإن هذا لا يقوله من ~~يتصور ما يقول، فإن العلة التامة هي التي تستلزم معلولها وتستعقبه، فإذا ~~كان المعلول حادثا بعد أن لم يكن لم يكن المستلزم له أزليا؛ لما في ذلك من ~~تأخر المعلول (4) وتراخيه زمانا لا نهاية له عن العلة التامة الأزلية، فإن ~~كل حادث يوجد في العالم متأخر (5) عن الأزل تأخرا لا نهاية له، فلو كانت ~~علته التامة ثابتة في الأزل لكان المعلول PageV01P336 # متأخرا عن العلة التامة تأخرا لا نهاية له، والعلة التامة لا يكون بينها ~~وبين معلولها فصل أصلا، بل النزاع: هل يكون معها في الزمان أو يكون عقبها ~~في الزمان (1) ، ويكون معها (2) كالجزء الثاني من الزمان مع الذي قبله؟ . ~~هذا مما يتكلم فيه الناس إذ كانوا (3) متفقين على أنه متأخر عنها (4) تأخرا ~~عقليا وأنه لا ينفصل عنها. وهل يتصل بها اتصالا زمانيا أو يقترن بها ~~اقترانا زمانيا؟ هذا محل نظر الناس (5) . # والمقصود هنا أن كل ما يحدث العالم فلا تكون علته التامة المستلزمة تامة ~~(6) قبله بحيث يكون بينهما انفصال، فكيف تتقدم عليه (7) تقدما لا نهاية له؟ ~~لكن غاية ما يقولون: إنه علة تامة أزلية لما كان قديما من ms0166 العالم كالأفلاك، ~~وأما ما يحدث فيه فإنما يصير علة تامة له عند حدوثه. # ويقولون: إن حدوث الأول شرط في حدوث الثاني كالماشي الذي يقطع أرضا بعد ~~أرض، وكحركة الشمس [التي] تقطع (8) بها مسافة بعد مسافة، كالمتحرك (9) لا ~~يقطع المسافة الثانية حتى يقطع الأولى، فقطع PageV01P337 # الأولى بحركته شرط في قطع الثانية بحركته، والعلة التامة لقطع الثانية ~~إنما وجدت بعد الأولى. وهذا غاية ما يقولونه ويعبرون عنه بعبارات، فتارة ~~(1) يقولون: فيض العلة الأولى والمبدأ الأول أو واجب الوجود - وهو الله ~~تعالى - دائم، لكن يتأخر ليحصل الاستعداد والقوابل، وسبب الاستعداد ~~والقوابل [عند] (2) كثير منهم - أو أكثرهم - هو حركة الفلك، فليس عند هؤلاء ~~سبب لتغيرات العالم إلا حركة الفلك - كما يقوله ابن سينا وأمثاله - وهذا هو ~~المعروف عند أصحاب أرسطو. # وأما آخرون أعلى من هؤلاء - كأبي البركات وغيره - فيقولون: بل سبب ~~التغيرات ما يقوم بذات الرب من إرادات متجددة، بل ومن إدراكات، كما قد بسطه ~~في كتابه المعتبر. # فأولئك - كابن سينا وأمثاله - يقولون: هو بنفسه علة تامة أزلية للعالم ~~بما فيه من الحوادث المتجددة، وإن الحادث الأول كان شرطا أعد القابل (3) ~~للحادث الثاني. وهذا القول في غاية الفساد، وهو أيضا في غاية المناقضة ~~لأصولهم، وذلك أن علة الحادث الثاني لا بد أن تكون بتمامها موجودة عند ~~وجوده، وعند وجود الحادث الثاني (4) لم يتجدد للفاعل الأول أمر به يفعل إلا ~~عدم الأول، ومجرد عدم الأول لم يوجد عندهم للفاعل لا قدرة ولا إرادة ولا ~~PageV01P338 # غير ذلك، فإن الأول عندهم لا يقوم به شيء من الصفات والأفعال، ولا له ~~أحوال متنوعة أصلا، فكيف يتصور (1) أن يصدر عنه الثاني بعد أن كان صدوره ~~ممتنعا منه وحاله حاله لم يتجدد إلا أمر عدمي لم يوجب له زيادة قدرة ولا ~~إرادة ولا علم ولا غير ذلك؟ . # وهذا بخلاف (2) ما يمثلون به من حركة الإنسان وغيره من المتحركة (3) ~~بالإرادة أو (4) بالطبع، فإن المتحرك إذا قطع المسافة [الأولى] (5) صار له ~~من القدرة ما لم يكن له (6) قبل ذلك، وحصل عنده من ms0167 الإرادة ما لم يكن قبل ~~ذلك، كما يجده الإنسان من نفسه إذا مشى، فإنه يجد من نفسه عجزا عن قطع ~~المسافة البعيدة حتى يصل إليها، وهو قبل وصوله عازم على قطعها، إذا وصل ليس ~~هو مريدا في هذا (7) الحال لقطعها في هذا (8) الحال، فإذا وصل إليها صار ~~مريدا لقطعها قادرا على قطعها، وعند الإرادة الجازمة والقدرة التامة يجب ~~وجود المراد، فحينئذ تقطع لا لمجرد عدم الحركة التي بها قطع الأولى بل لما ~~تجدد له من القدرة والإرادة، فهذا (9) المتجدد المقتضي له هو ما في نفسه من ~~الإرادة الكلية PageV01P339 # والاستعداد للقدرة، وكان قطع الأولى مانعا من ذلك، فلما زال المانع (1) ~~عمل المقتضي عمله، فتمت إرادته وقدرته فقطع المسافة. # وهكذا حركة الحجر من فوق إلى أسفل، كلما نزل تجدد فيه قوة، وقبل [ذلك] ~~(2) لم يكن فيه ذلك. # وكذلك حركة الشمس والكواكب، لا سيما وهم يقولون: إن حركتها اختيارية؛ لما ~~يتجدد [لها] (3) من التصورات الجزئية والإرادات الجزئية التي تحدث لها (4) ~~شيئا فشيئا، هكذا صرح به أئمتهم: أرسطو وغيره، فإن حركتها عندهم نفسانية، ~~فالمقتضى التام للجزء الثاني من الحركة إنما وجد عنها (5) ، لم يكن المقتضى ~~التام موجودا قبل، وهو قائم بنفس المتحرك أو المحرك وهو النفس التي يتجدد ~~لها تصورات وإرادات جزئية وقوة جزئية يتحرك بها (6) شيئا بعد شيء كحركة ~~الماشي، فلا يمكنهم أن يذكروا محركا ولا متحركا حاله قبل الحركة (7) وبعدها ~~سواء والحركة تصدر عنه شيئا فشيئا، فإن هذا لا وجود له، والعقل الصريح يحيل ~~ذلك، فإن الحادث لا يحدث إلا عند حدوث موجبه التام، وهو علته التامة، وإن ~~شئت قلت: لا يترجح إلا إذا وجد مرجحه التام المستلزم له 0 PageV01P340 # والمسلمون يقولون: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فالحركة الثانية ~~لو كان مرجحها التام حاصلا عند الأولى لوجب (1) حصولها عند الأولى، بل إنما ~~يتم حصولها عند حصول المرجح التام، إما مقترنة به في الزمان أو متصلة به في ~~الزمان، وإذا كان المرجح التام لا بد أن يحصل بعد أن لم ms0168 يكن حاصلا، فلا بد ~~أن يحصل للحركة سبب حادث يوجب أن يصيرها حادثة بعد أن لم تكن حادثة، وكذلك ~~السبب الأول القريب من الحركة. # وإن كان الفاعل له إرادة [تامة] (2) عامة كلية لما يحدث شيئا بعد شيء، ~~فتلك وحدها لا تكفي، بل لا بد من إرادة أخرى جزئية لحادث حادث (3) يقارنه، ~~كما يجده الإنسان في نفسه إذا مشى في سفر أو غيره (4) إلى مكة أو غيرها، ~~فلا ريب أن المقتضى العام إما بإرادة أو غيرها قد يكون مقتضاه عاما مطلقا، ~~لكن يتأخر لتأخر الاستعدادات والقوابل إذا كانت من غيره، كما في طلوع ~~الشمس، فإنه من جهتها فيض عام، لكن يتوقف على استعداد [من] (5) القوابل ~~وارتفاع الموانع، ولهذا يختلف تأثيرها ويتأخر بحسب القوابل والشروط، وتلك ~~ليست منها. # وكذلك هم يقولون: (6) إن العقل الفعال دائم الفيض، عنه يفيض كل ~~PageV01P341 # ما في العالم من الصور (1) النفسانية والجسمانية، فعنه (2) تفيض العلوم ~~والإرادات وغير ذلك، وهم عندهم رب كل ما تحت فلك القمر، لكن ليس مستقلا ~~عندهم، بل فيضه يتوقف على حصول الاستعدادات والقوابل التي تحصل بحركات (3) ~~الأفلاك، وتلك الحركات التي فوق فلك القمر ليست منه بل من غيره، وهذا العقل ~~هو رب البشر عندهم (4) ، ومنه يفيض الوحي والإلهام، وقد يسمونه جبريل، وقد ~~يجعلون جبريل ما قام بنفس النبي من الصورة الخيالية، وهذا كله كلام (5) من ~~أبطل الباطل، كما قد بسط في موضعه. # لكن المقصود هنا أنهم يمثلون فيض واجب الوجود بفيض العقل الفعال وفيض ~~الشمس، وهو تمثيل باطل؛ لأن المفيض هنا ليس مستقلا بالفيض (6) ، بل فيضه ~~متوقف على ما يحدثه غيره من الاستعداد والقبول (7) ، وإحداث غيره له من فعل ~~غيره. فأما رب العالمين فهم يسلمون أنه (8) لا شريك له في الفيض، ولا يتوقف ~~شيء من فيضه على فعل من غيره، بل هو رب القابل والمقبول ورب المستعد ~~والمستعد له، ومنه الإعداد ومنه الإمداد. PageV01P342 # فإذا قالوا بعد هذا: إنه علة تامة أزلية، وإن فيضه عام لكنه (1) يتوقف ~~على حدوث القوابل والاستعدادات، إما بحدوث الأشكال الفلكية ms0169 والاتصالات ~~الكوكبية، وإما بغير ذلك (2) # قيل لهم: إن قلتم: هو علة أزلية لهذا الحادث لزم وجوده في الأزل. # وإن قلتم: لا يصير علة تامة إلا بحدوث القوابل # قيل لكم: فإذا كان حدوث القوابل منه فهو المحدث لهما جميعا، فقبل ~~إحداثهما لم يكن علة تامة لا لهذا ولا لهذا، ثم أحدثهما (3) جميعا: القابل ~~والمقبول، فإذا كان أحدثهما (4) بدون تجدد شيء، لزم أن يكون لم يزل علة ~~تامة لهما أو لم يصر علة تامة لهما، فيلزم إما قدم هذين الحادثين وإما ~~عدمهما. # فإنه إن لم يزل (5) علتهما لزم قدمهما، وإن لم يحدث لزم عدمهما، وأنتم ~~تجعلون علة هذين الحادثين حدثت بعد أن لم تكن، أي حدثت بتمامها بعد أن لم ~~تكن (6) ، وليس هنا شيء أوجب حدوث التمام (7) ، فإن الفاعل للتمام (8) حالة ~~بعد التمام وحالة قبل التمام (9) سواء، فيمتنع أن PageV01P343 # يكون علة تامة له في إحدى الحالين دون الأخرى، وكل ما يقدرونه مما حصل ~~تمام العلة (1) هو أيضا حادث عن الأول، فحقيقة قولكم أن حوادث العالم تحدث ~~(2) ، عنه مع أنه لم يزل علة تامة لها (3) ، أو مع أنه لم يصر علة تامة، مع ~~أن العلة التامة إنما تكون تامة عند معلولها لا قبل ولا بعد، وهذا يتقضى ~~عدم الحوادث أو قدم الحوادث، وكلاهما مخالف للمشاهدة (4) . # ولهذا كان حقيقة قولهم: إن الحوادث تحدث بلا محدث لها (5) ، وقولهم في ~~حركة الفلك يشبه قول القدرية في حركة الحيوان، فإن القدرية (6) تقول: إن ~~(7) الحيوان قادر مريد، وإنه يفعل ما يفعل (8) بدون سبب أوجب الفعل، بل مع ~~كون نسبة الأسباب الموجبة للحدوث إلى هذا الحادث وهذا الحادث سواء، فإن ~~عندهم كل ما يؤمن به المؤمن ويطيع به المطيع قد حصل لكل من أمر (9) ~~بالإيمان والطاعة، لكن المؤمن المطيع رجح الإيمان والطاعة بدون سبب اختص به ~~حصل به (10) الرجحان، والكافر بالعكس PageV01P344 # وهذا يقوله (1) هؤلاء في حركة الفلك: إنه يتحرك دائما بإرادته وقدرته من ~~غير سبب أوجب كونه مريدا قادرا، مع أن إرادته وقدرته وحركاته حادثة بعد أن ~~لم تكن ms0170 (2) حادثة من غير شيء جعله مريدا متحركا، فقد حصل الممكن بدون ~~المرجح التام الذي أوجب رجحانه، وحصل الحادث بدون السبب التام الذي أوجب ~~حدوثه. # ثم إنهم ينكرون على القدرية قولهم: إن القادر يرجح أحد مقدوريه بلا مرجح ~~بل بإرادة (* يحدثها [هو] (3) من غير أن يحدث له غيره تلك الإرادة، ~~ويقولون: إنه أوجب الإرادة بلا إرادة *) (4) . # وهؤلاء يقولون ما هو أبلغ من ذلك في حركة الفلك، وهو يناقض أصولهم ~~الصحيحة، فإذا كانوا يسلمون أن الإرادات الحادثة والحركات (5) الحادثة لا ~~تحدث إلا بسبب يوجب حدوثها، وأنه (6) عند كمال السبب يجب حدوثها، وعند نقصه ~~يمتنع حدوثها، علموا أن ما قالوه في قدم العالم وسبب الحوادث باطل. # فإنه ليس فوق الفلك عندهم سبب يوجب حدوث ما يحدث له من التصورات ~~والإرادات إلا من جنس ما للمخلوق الفقير إلى واجب PageV01P345 # الوجود، ومعلوم أن ما كان بالقوة لا يخرج إلى الفعل إلا بمخرج، فلا بد أن ~~يكون فوق الفلك ما يوجب حدوث حركته. # وما يذكره أرسطو وأتباعه أن الأول هو يحرك الفلك حركة المعشوق لعاشقه، ~~وأن الفلك يتحرك للتشبه به، وأنه بذلك علة العلل وبه قوام الفلك، إذ (1) ~~كان قوام الفلك بحركته، وقوام حركته بإرادته وشوقه، وقيام إرادته وشوقه ~~بوجود [المحبوب] (2) السابق المراد الذي تحرك للتشبه به، فهذا الكلام - مع ~~ما فيه من الكلام الباطل الذي بين في غير هذا الموضع - غايته إثبات العلة ~~الغائية لحركة الفلك، ليس فيه بيان العلة الفاعلية لحركته إلا أن يقولوا: ~~هو المحدث لتصوراته وحركاته من [غير] (3) احتياج إلى واجب الوجود وإلى ~~العلة الأولى في كونه فاعلا لذلك، كما أن المحب العاشق لا يحتاج إلى ~~المحبوب المعشوق (4) من جهة كونه فاعلا للحركة إليه، بل من جهة كونه هو ~~المراد المطلوب بالحركة، وهذا قول باستغناء الحركات المحدثة والمتحركات عن ~~رب العالمين، وأنه لا يفعل شيئا من هذه الحوادث ولا هو ربها. # فإن قالوا مع ذلك بأنه لم يبدع الفلك بل هو قديم واجب الوجود بنفسه، لم ~~يكن رب شيء من العالم وإن ms0171 قالوا: هو الذي أبدعه، كان تناقضا منهم كتناقض ~~القدرية، فإن إبداعه لذاته وصفاته يوجب أن لا PageV01P346 # يحدث منه شيء إلا بفعل الرب لذلك وإحداثه [له] (1) ، كما لا يحدث من سائر ~~الحيوانات حادث إلا بخلق الرب لذلك وإحداثه له. فقولهم متردد بين التعطيل ~~العام وبين التعطيل (2) الخاص الذي يكونون فيه شرا من القدرية (3) ، وردهم ~~إنما كان على القدرية، وهم خير منهم على كل تقدير. # وقد ذكر (4) ما ذكروه من كلام أرسطو في هذا المقام، وبين ما فيه من الخطأ ~~والضلال في غير هذا الموضع، وأن القوم من أبعد الناس عن معرفة الله ومعرفة ~~خلقه وأمره وصفاته وأفعاله، وأن اليهود والنصارى خير منهم بكثير في هذا ~~الباب، وهذه الطريقة التي سلكها أرسطو والقدماء في إثبات العلة الأولى هي ~~طريق الحركة الإرادية حركة الفلك، وأثبتوا علة غائية كما ذكر. # فلما رأى ابن سينا وأمثاله من المتأخرين ما فيها من الضلال عدلوا إلى ~~طريقة الوجود والوجوب والإمكان، وسرقوها من طريق (5) المتكلمين المعتزلة ~~وغيرهم، فإن هؤلاء احتجوا بالمحدث على المحدث، فاحتج أولئك بالممكن على ~~الواجب وهي طريقة تدل على إثبات وجود واجب، وأما إثبات تعيينه فيحتاجون فيه ~~إلى دليل آخر، وهم سلكوا (6) PageV01P347 # طريقة التركيب، وهي أيضا مسروقة من كلام المعتزلة، وإلا فكلام أرسطو في ~~الإلهيات في غاية القلة مع كثرة الخطأ فيه، ولكن ابن سينا وأمثاله وسعوه ~~وتكلموا في الإلهيات والنبوات وأسرار الآيات ومقامات العارفين، بل وفي معاد ~~الأرواح بكلام لا يوجد لأولئك، وما فيه من الصواب فجروا فيه على منهاج ~~الأنبياء، وما فيه من خطأ بنوه على أصول سلفهم الفاسدة. # ولهذا كان ابن رشد وأمثاله من المتفلسفة يقولون: إن ما ذكره ابن سينا في ~~الوحي والمنامات وأسباب العلم بالمستقبلات ونحو ذلك هو أمر ذكره من تلقاء ~~نفسه، ولم يقله قبله المشاءون سلفه. ### | رد ابن ملكا ومتابعيه على سلفهم من الفلاسفة # وأما أبو البركات صاحب " المعتبر " ونحوه، فكانوا بسبب عدم تقليدهم ~~لأولئك، وسلوكهم طريقة النظر العقلي بلا تقليد، واستنارتهم بأنوار النبوات ~~أصلح قولا في هذا ms0172 الباب من هؤلاء وهؤلاء، فأثبت (1) علم الرب بالجزئيات ورد ~~على سلفه ردا جيدا، وكذلك أثبت صفات الرب وأفعاله وبين ما بينه من خطاء ~~سلفه (2) ، ورأى فساد قولهم في أسباب الحوادث، فعدل عن ذلك إلى أن أثبت ~~للرب ما يقوم به الإرادات الموجبة للحوادث، وقولهم مبسوط في غير هذا ~~الموضع. # فهؤلاء يقولون: إنما حدثت (3) الحوادث شيئا بعد شيء لما يقوم بذات الرب ~~من الأسباب الموجبة لذلك، فلا يثبتون أمورا متجددات مختلفة PageV01P348 # عن واحد بسيط لا صفة له ولا فعل كما قال أولئك، بل وافقوا قول أساطين ~~الفلاسفة الذين كانوا قبل أرسطو الذين يثبتون ما يقوم بذات الرب من الصفات ~~والأفعال، ويقولون: إن الحادث المعين إنما حدث لما حصلت علته التامة التي ~~لم تتم إلا عند حدوثه، وتمام العلة كان بما يحدثه الرب تعالى وما يقوم به ~~من إرادته وأفعاله، أو غير ذلك (1) مما يقولونه في هذا المقام. # ولهذا يقولون: إنه لا يمكن أن يكون الرب مدبرا لهذا العالم إلا على قولنا ~~بحدوث الحوادث فيه من الإرادات والعلوم وغيرها، ويقولون إن من نفى ذلك من ~~أصحابنا وغيرهم فلم ينفه بدليل عقلي دل على ذلك، بل لمجرد تنزيه وإجلال ~~مجمل، وإنه يجب التنزيه والإجلال من هذا التنزيه والإجلال. # فإذا قيل لهؤلاء: فعند حدوث الحادث (2) الثاني لا بد من وجود العلة ~~التامة، ولا يكفي عدم الأول. # قالوا (3) : بل حصل من كمال الإرادة الجازمة والقدرة التامة ما أوجب حدوث ~~المقدور، ولا نقول إن حال الفاعل (4) قبل وبعد واحد لم يتجدد أمر يفعل به ~~الثاني، [بل تتنوع] (5) أحوال الفاعل، ونفسه هي الموجبة لتلك الأحوال ~~القائمة به، لكن وجود الحال الثاني مشروط بعدم ما PageV01P349 # يضاده، ونفس الفاعل هي الموجبة للأمور الوجودية الموجبة للحال الثاني. # فواجب الوجود لا يحتاج ما يحدث عنه أن يضاف إلى غيره، كما في الممكنات، ~~بل نفسه الواجبة هي الموجبة لكل ما يحدث عنه، وهو سبحانه الفاعل للملزوم ~~ولوازمه، والفاعل لأحد المتنافيين (1) عند عدم الآخر، وهو على كل شيء قدير. # لكن اجتماع الضدين ليس ms0173 بشيء باتفاق العقلاء، بل هو قادر على تحريك الجسم ~~بدلا عن تسكينه، وعلى تسكينه بدلا عن تحريكه، وعلى تسويده (2) بدلا عن ~~تبييضه، وعلى تبييضه (3) بدلا عن تسويده، وهو يفعل أحد الضدين دون الآخر ~~إذا حصلت إرادته التامة مع قدرته الكاملة، ونفسه هي الموجبة لذلك كله، وإن ~~كان فعلها للأول شرطا في حصول الثاني، فليست في تلك مفتقرة إلى غيرها، بل ~~كل ما سواها فقير إليها، وهي غنية عن كل ما سواها. # وهؤلاء تخلصوا مما ورد على من قبلهم ومن فساد تمثيلهم، وكان هؤلاء إذا ~~مثلوا قولهم بما يعقل (4) من حركة الحيوان والشمس، لا يرد عليهم من الفرق ~~والنقض وغير ذلك [ما يرد على] (5) من قبلهم. # لكن هؤلاء (6) يقال لهم: من أين لكم قدم شيء من العالم، وليس في ~~PageV01P350 # العقل ما يدل على [شيء من] (1) ذلك؟ وأنتم فجميع ما تذكرونه أنتم ~~وأمثالكم إنما يدل على دوام الفعل، لا على دوام فعل معين، ولا مفعول معين، ~~فمن أين لكم دوام الفلك أو مادة الفلك (2) أو العقول أو النفوس أو غير ذلك، ~~مما يقول القائلون بالقدم: إنه قديم أزلي لم يزل ولا يزال مقارنا للرب ~~تعالى قديما بقدمه أبديا بأبديته؟ . # فيخاطبون أولا مخاطبة المطالبة بالدليل، وليس لهم على ذلك دليل صحيح أصلا ~~(3) ، بل إنما طمعوا في مناظرتهم من أهل الكلام والفلسفة (4) الذين قالوا: ~~إن جنس الكلام والفعل صار ممكنا بعد أن كان ممتنعا من غير تجدد شيء، وصار ~~الفاعل قادرا على ذلك بعد أن لم يكن، وأنه يحدث الحوادث لا في زمان، وإنه ~~لم يزل القديم معطلا عن الفعل والكلام، لا يتكلم ولا يفعل من الأزل، إلى أن ~~تكلم وفعل (5) ، ثم يقول كثير منهم: إنه يتعطل عن الفعل والكلام فتفنى ~~الجنة والنار، أو تفنى حركتهما، كما قاله الجهم بن صفوان في فناء الجنة ~~والنار، وكما قاله أبو الهذيل [العلاف] (6) في فناء الحركات. وجعلوا مدة ~~فعل الرب وكلامه مدة في غاية القلة بالنسبة إلى الأزل والأبد. PageV01P351 # فطمع هؤلاء (1) في هؤلاء المبتدعين من الجهمية والمعتزلة ms0174 ومن اتبعهم (2) ~~في أصولهم، وأقاموا (3) الشناعة على أهل الملل بسبب هؤلاء المتكلمين ~~والمبتدعين (4) ، وظنوا أن لا قول إلا قول هؤلاء المبتدعين، أو قول أولئك ~~الفلاسفة الملحدين (5) ، ورأوا أن العقل يفسد قول هؤلاء المبتدعين، ورأوا ~~السمع إلى هؤلاء المبتدعين أقرب وعن الملحدين أبعد، فقالوا: إن الأنبياء ~~ضربوا الأمثال وخيلوا، ولم يمكنهم الإخبار بالحقائق. ودخلوا من باب الإلحاد ~~وتحريف الكلم عن مواضعه بحسب ما أنكروه من السمعيات، وإن كان أولئك ~~الفلاسفة الذين نفوا صفات الرب وأفعاله القائمة به - الذين قبل هؤلاء - ~~أعظم إلحادا وتحريفا للكلم عن مواضعه، من هؤلاء الذين أثبتوا الصفات ~~والأمور الاختيارية القائمة به، وقالوا مع ذلك (6) بقدم العالم. # وكلتا (7) الطائفتين خرجت عن صريح المعقول، كما خرجت عن صحيح المنقول، ~~بحسب ما أخطأته في هذا الباب، وكل من أقر بشيء من الحق كان ذلك أدعى له إلى ~~قبول غيره، وكان يلزمه من قبوله ما لم يلزم من لم يعرف ذلك الحق، وكان ~~القول بنفي الصفات والأفعال PageV01P352 # القائمة بالرب باختياره (1) ينافي كونه فاعلا ومحدثا. # ولهذا لما ذكر ابن سينا في " إشاراته " أقوال القائلين بالقدم والحدوث، ~~لم يذكر إلا قول من أثبت قدماء مع الله [تعالى] (2) غير معلولة، كالقول ~~الذي يحكى عن ذيمقراطيس بالقدماء الخمسة - واختاره ابن زكريا المتطبب (3) ~~وقول المجوس القائلين بأصلين قديمين، وقول المتكلمين من المعتزلة ونحوهم، ~~وقول أصحابه، فلم يذكر قول أئمة الملل ولا أئمة الفلاسفة الذين أثبتوا ما ~~يقوم بالرب من الأمور الاختيارية، وأنه لم يزل متكلما [بمشيئته] (4) إذا ~~شاء فعالا بمشيئته، وذكر حجج هؤلاء وهؤلاء، ثم أمر الناظر (5) أن يختار أي ~~القولين ترجح، مع تمسكه بالتوحيد الذي هو عنده نفي الصفات، فإن هذا جعله ~~أصلا متفقا عليه بينه وبين خصومه (6) . # واعترض (7) عليه الرازي بأن مسألة الصفات لا تتعلق بمسألة حدوث العالم. ~~وليس الأمر كما قاله الرازي، بل نفي الصفات مما يقوي شبهة PageV01P353 # القائلين بالقدم، ومع (1) إثبات الصفات والأفعال القائمة به يتبين فساد ~~أدلتهم إلى الغاية، بل فساد قولهم، مع [أن] (2) نفي الصفات يدل على فساد ~~قوله، أكثر ms0175 مما يدل على فساد قول منازعيه. # ولكن ابن سينا نشأ بين (* المتكلمين النفاة للصفات، وابن رشد نشأ بين ~~الكلابية، وأبو البركات نشأ ببغداد بين *) (3) علماء السنة [والحديث] (4) ، ~~فكان كل من هؤلاء بعده عن الحق بحسب بعده عن معرفة آثار الرسل، وقربه من ~~الحق بحسب قربه من ذلك. # وهؤلاء المتفلسفة رأوا ما قاله أولئك في مسألة حدوث العالم باطلا، ورأوا ~~أنهم إذا أبطلوا قول هؤلاء بقي قولهم، وجعلوا القول بدوام الفاعلية مجملا، ~~كما جعل أولئك قولهم: " إن ما لا يسبق الحوادث فهو حادث " مجملا، فقول ~~هؤلاء أوجب [أن] (5) ظن كثير ممن سمع قول هؤلاء امتناع كون الرب [تعالى] ~~(6) لم يزل متكلما إذا شاء، إذ لم يفرقوا بين النوع والعين، وقول أولئك ~~أوجب أن ظن كثير [ممن] (7) سمع قولهم دوام الفلك أو شيء من العالم، إذ لم ~~يفرقوا بين النوع والعين أيضا. PageV01P354 # ودوام الفاعلية (* مجمل يراد به دوام الفاعلية المعينة، ودوام الفاعلية ~~*) (1) المطلقة، ودوام الفاعلية (2) العامة. ومعلوم أن دوام الفاعلية ~~العامة وهو دوام (3) المفعولات كلها مما لا يقوله عاقل، ودوام الفاعلية ~~المعينة لمفعول معين مما ليس لهم عليه دليل أصلا، بل الأدلة العقلية تنفيه ~~كما نفته (4) الأدلة السمعية. # وأما دوام الفاعلية المطلقة فهذه لا تثبت قولهم، بل إنما تثبت خطأ أولئك ~~النفاة الذين خاصموهم من أهل الكلام والفلسفة، ولا يلزم من بطلان هذا القول ~~صحة [القول] (5) الآخر إلا إذا لم يكن إلا هذان القولان. فأما إذا كان هناك ~~قول ثالث لم يلزم صحة أحد القولين، فكيف إذا كان ذلك الثالث هو موجب الأدلة ~~العقلية والنقلية؟ ! # والمقصود هنا: أن كلتا (6) الطائفتين التي قالت بقدم الأفلاك ملحدة، سواء ~~قالت بقيام الصفات والأفعال بالرب أو لم تقل ذلك، فهؤلاء الفلاسفة مع كونهم ~~متفاضلين في الخطأ والصواب في العلوم الإلاهية، إنما ردهم المتوجه (7) لهم ~~على (8) البدع التي أحدثها من أحدثها من أهل الكلام، (* ونسبوها إلى الملة. ~~PageV01P355 # وأولئك المتفلسفة أبعد عن معرفة الملة من أهل الكلام *) (1) ، فمنهم من ~~ظن أن ذلك من الملة، ومنهم من كان أخبر ms0176 بالسمعيات من غيره، فجعلوا يردون من ~~كلام المتكلمين ما لم يكن معهم فيه سمع، وما كان معهم فيه سمع كانوا فيه ~~على أحد قولين: إما أن يقروه باطنا وظاهرا إن وافق معقولهم، وإلا ألحقوه ~~بأمثاله وقالوا: إن الرسل تكلمت به (2) على سبيل التمثيل والتخييل للحاجة. # وابن رشد ونحوه يسلكون هذه الطريقة، ولهذا كان هؤلاء أقرب إلى الإسلام من ~~ابن سينا وأمثاله، وكانوا في العمليات أكثر محافظة لحدود الشرع من أولئك ~~الذين يتركون واجبات الإسلام ويستحلون محرماته، وإن كان في كل من هؤلاء من ~~الإلحاد والتحريف بحسب ما خالف به الكتاب والسنة، ولهم من الصواب والحكمة ~~بحسب ما وافقوا فيه ذلك. # ولهذا كان ابن رشد في مسألة حدوث العالم ومعاد الأبدان مظهرا للوقف ~~ومسوغا للقولين، وإن كان باطنه إلى قول سلفه أميل. وقد رد على أبي حامد في ~~" تهافت التهافت " ردا أخطأ في كثير منه، والصواب مع أبي حامد، وبعضه جعله ~~من كلام ابن سينا لا من كلام سلفه، وجعل الخطأ فيه من ابن سينا، وبعضه ~~استطال فيه على أبي حامد ونسبه فيه إلى قلة الإنصاف؛ لكونه بناه على أصول ~~كلامية فاسدة، مثل كون الرب لا يفعل شيئا بسبب ولا لحكمة، وكون القادر ~~المختار يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح، وبعضه حار فيه جميعا لاشتباه ~~المقام. PageV01P356 # وقد تكلمت على ذلك، وبينت تحقيق ما قاله أبوحامد [في ذلك] (1) من الصواب ~~الموافق لأصول الإسلام، وخطأ ما خالفه من كلام ابن رشد وغيره من الفلاسفة، ~~وأن ما قالوه من الحق الموافق للكتاب والسنة لا يرد بل يقبل، وما قصر فيه ~~أبو حامد من إفساد أقوالهم الفاسدة فيمكن رده بطريق أخرى يعان بها أبو حامد ~~على قصده الصحيح، وإن كان هذا وأمثاله إنما استطالوا عليه بما وافقهم عليه ~~من أصول فاسدة، وبما (2) يوجد في كتبه من الكلام الموافق لأصولهم، وجعل هذا ~~وأمثاله ينشدون فيه (3) # يوما يمان إذا ما جئت ذا يمن ... وإن لقيت معديا فعدناني (4) ولهذا جعلوا ~~(5) كثيرا من كلامه برزخا بين المسلمين والفلاسفة ms0177 المشائين، فالمسلم يتفلسف ~~به على طريقة المشائين تفلسف مسلم، والفيلسوف يسلم به إسلام فيلسوف، فلا ~~يكون مسلما محضا ولا فيلسوفا محضا على طريقة المشائين. # وأما نفي الفلسفة مطلقا أو إثباتها فلا يمكن، إذ ليس للفلاسفة مذهب معين ~~ينصرونه، ولا قول يتفقون عليه في الإلهيات والمعاد والنبوات والشرائع، بل ~~وفي الطبيعيات والرياضيات، بل ولا في كثير من المنطق، ولا يتفقون إلا على ~~ما يتفق عليه جميع بني آدم من الحسيات المشاهدة PageV01P357 # والعقليات التي لا ينازع فيها أحد. ومن حكى عن [جميع] (1) الفلاسفة قولا ~~واحدا في هذه الأجناس، فإنه غير عالم بأصنافهم واختلاف مقالاتهم، بل حسبه ~~النظر في طريقة المشائين أصحاب أرسطو كثامسطيوس والإسكندر الأفروديسي (2) ~~وبرقلس (3) من القدماء، وكالفارابي وابن سينا والسهروردي المقتول وابن رشد ~~الحفيد وأبي البركات ونحوهم من المتأخرين. وإن كان لكل من هؤلاء في ~~الإلهيات والنبوات والمعاد قول لا ينقل عن سلفه المتقدمين، إذ ليس لهم في ~~هذا الباب علم تستفيده الأتباع، وإنما عامة علم القوم في الطبيعيات، فهناك ~~يسرحون ويتبجحون، وبه بنحوه (4) عظم من عظم أرسطو، واتبعوه؛ لكثرة كلامه في ~~الطبيعيات وصوابه في أكثر ذلك، فأما (5) الإلهيات فهو وأتباعه من أبعد ~~الناس عن معرفتها. # وجميع ما يوجد في كلام هؤلاء وغيرهم من العقليات الصحيحة ليس فيه ما يدل ~~على خلاف ما أخبرت به الرسل، وليس لهم أصلا دليل ظني فضلا عن قطعي على قدم ~~الأفلاك، بل ولا على قدم شيء منها، وإنما عامة أدلتهم أمور مجملة تدل على ~~الأنواع العامة، لا تدل على قدم شيء بعينه من العالم. فما أخبرت به الرسل ~~أن الله خلقه: كإخبارها أن الله PageV01P358 # خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، لا يقدر أحد من الناس أن ~~يقيم دليلا عقليا صحيحا على نفي ذلك. # وأما الكلام الذي يستدل به المتكلمون في الرد على هؤلاء وغيرهم فمنه صواب ~~ومنه خطأ، ومنه ما يوافق الشرع والعقل ومنه ما يخالف ذلك. وبكل حال فهم ~~أحذق في النظر والمناظرة والعلوم الكلية الصادقة وأعلم بالمعقولات المتعلقة ~~بالإلهيات (1) ، وأكثر ms0178 صوابا وأسد قولا من هؤلاء المتفلسفة، والمتفلسفة في ~~الطبيعيات والرياضيات (2) أحذق ممن لم يعرفها كمعرفتهم، مع ما فيها من ~~الخطأ. # والمقصود هنا أن يقال لأئمتهم وحذاقهم الذين ارتفعت عقولهم ومعارفهم في ~~الإلهيات عن كلام أرسطو وأتباعه، وكلام ابن سينا وأمثاله: ما الموجب أولا ~~لقولكم بقدم شيء من العالم، وأنتم لا دليل لكم على قدم شيء من ذلك؟ . # وأصل الفلسفة عندكم مبني على الإنصاف واتباع العلم (3) ، والفيلسوف هو ~~محب الحكمة، والفلسفة محبة الحكمة، وأنتم إذا نظرتم في كلام كل من تكلم في ~~هذا الباب وفي غير ذلك لم تجدوا في ذلك ما يدل على قدم شيء من العالم، مع ~~علمكم أن جمهور العالم من جميع الطوائف يقولون بأن كل ما سوى الله مخلوق ~~كائن بعد أن لم يكن: وهذا قول الرسل وأتباعهم من المسلمين واليهود والنصارى ~~وغيرهم. PageV01P359 ### | قول أكثر الفلاسفة بتقدم مادة العالم على صورته # وذلك (1) القول بحدوث هذا العالم هو قول أساطين الفلاسفة الذين كانوا قبل ~~أرسطو، بل هم يذكرون أن أرسطو أول من صرح بقدم الأفلاك، وأن المتقدمين قبله ~~من الأساطين كانوا يقولون: إن هذا العالم محدث: إما بصورته فقط، وإما ~~بمادته وصورته، وأكثرهم يقولون بتقدم (2) مادة هذا العالم على صورته. # وهذا (3) موافق لما أخبرت به الرسل [صلوات الله عليهم] (4) ، فإن الله ~~أخبر أنه: {خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء} [سورة ~~هود: 7] (5) . # وأخبر أنه: {استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو ~~كرها قالتا أتينا طائعين} [سورة فصلت: 11] . # وقد ثبت (6) في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - أنه قال: " إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق ~~السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه (7) على الماء " (8) . ~~PageV01P360 # وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - (1) عن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان ~~عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق ms0179 السماوات والأرض» "، وفي ~~رواية: «ثم خلق السماوات والأرض» (2) . والآثار متواترة عن الصحابة ~~والتابعين بما يوافق القرآن والسنة من أن الله خلق السماوات من بخار الماء ~~الذي سماه [الله] (3) دخانا. # وقد تكلم علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في أول هذه ~~المخلوقات على قولين حكاهما الحافظ أبو العلاء الهمداني (4) وغيره. أحدهما: ~~أنه هو العرش، والثاني: أنه هو القلم. ورجحوا القول الأول لما دل عليه ~~الكتاب والسنة أن الله تعالى لما قدر مقادير الخلائق بالقلم الذي أمره أن ~~يكتب في اللوح كان عرشه على الماء، فكان العرش مخلوقا قبل القلم. قالوا ~~والآثار المروية أن: " «أول ما خلق الله PageV01P361 # القلم» " (1) ، معناها من هذا العالم. وقد أخبر الله أنه خلقه في ستة ~~أيام، فكان حين خلقه زمن يقدر به (2) خلقه ينفصل إلى أيام، فعلم أن الزمان ~~كان موجودا قبل أن يخلق الله الشمس والقمر، ويخلق في هذا العالم الليل ~~والنهار. # وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في خطبته عام حجة ~~الوداع: " «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، ~~السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ~~مضر الذي بين جمادى وشعبان» (3) ". وفي PageV01P362 # الصحيح عن عمر [بن الخطاب] رضي الله عنه (1) قال: «خطبنا رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - خطبة فذكر بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل ~~النار منازلهم» (2) . # وهكذا في التوراة (3) [ما يوافق] (4) خبر الله (5) في القرآن، وأن الأرض ~~كانت مغمورة بالماء، والهواء يهب (6) فوق الماء، وأن في أول الأمر خلق الله ~~السماوات والأرض، وأنه خلق ذلك في أيام. ولهذا قال من قال من علماء أهل ~~الكتاب: ما ذكره الله في التوراة يدل على أنه خلق هذا العالم من مادة أخرى، ~~وأنه خلق ذلك في زمان (7) قبل أن يخلق الشمس والقمر. # وليس فيما أخبر [الله تعالى] به (8) في القرآن وغيره أنه خلق السماوات ~~والأرض من غير مادة، ولا أنه خلق الإنس أو الجن أو الملائكة (9) من غير ~~مادة، بل ms0180 يخبر الله أنه خلق ذلك من مادة، وإن كانت المادة مخلوقة من مادة ~~أخرى، كما خلق الإنس (10) من آدم وخلق آدم من طين، وفي صحيح PageV01P363 # مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «خلقت الملائكة من نور، ~~وخلقت الجان من مارج من نار (1) ، وخلق آدم مما وصف لكم» " (2) . # والمقصود هنا أن المنقول عن أساطين الفلاسفة القدماء لا يخالف ما أخبرت ~~به الأنبياء من خلق هذا العالم من مادة، بل المنقول عنهم أن هذا العالم ~~محدث كائن بعد أن لم يكن. # وأما قولهم في تلك المادة: هل هي قديمة الأعيان، أو محدثة بعد أن لم تكن، ~~أو محدثة من مادة أخرى بعد مادة؟ قد تضطرب النقول عنهم في هذا الباب، والله ~~أعلم بحقيقة ما يقوله كل من هؤلاء، فإنها أمة عربت كتبهم، ونقلت من لسان ~~إلى لسان، وفي مثل ذلك قد يدخل من الغلط والكذب ما لا يعلم حقيقته. ولكن ما ~~تواطأت به النقول عنهم يبقى (3) مثل المتواتر، وليس لنا غرض معين (4) في ~~معرفة قول كل واحد منهم، بل: {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ~~ولا تسألون عما كانوا يعملون} . [سورة البقرة: 134، 141] . ### | ضلال أرسطو وأتباعه وشركهم # لكن الذي لا ريب فيه أن [هؤلاء] (5) أصحاب التعاليم كأرسطو وأتباعه كانوا ~~مشركين يعبدون المخلوقات، ولا يعرفون النبوات ولا المعاد البدني، وأن ~~اليهود والنصارى خير منهم في الإلهيات والنبوات والمعاد. PageV01P364 # وإذا عرف أن نفس فلسفتهم توجب عليهم أن لا يقولوا بقدم شيء من العالم، ~~علم أنهم مخالفون لصريح المعقول، كما أنهم مخالفون لصحيح المنقول، وأنهم في ~~تبديل القواعد الصحيحة المعقولة من جنس اليهود والنصارى في تبديل ما جاءت ~~به الرسل، وهذا هو المقصود في هذا الباب. # ثم إنه إذا قدر أنه (1) ليس عندهم من المعقول ما يعرفون به أحد الطرفين، ~~فيكفي في ذلك إخبار الرسل باتفاقهم عن خلق السماوات والأرض وحدوث هذا ~~العالم، والفلسفة الصحيحة المبنية على المعقولات المحضة توجب عليهم تصديق ~~الرسل فيما أخبرت به (2) ، وتبين أنهم علموا ذلك ms0181 بطريق يعجزون عنها، وأنهم ~~أعلم بالأمور الإلهية والمعاد وما يسعد النفوس (3) ويشقيها منهم، وتدلهم ~~على أن من اتبع الرسل كان سعيدا في الآخرة، ومن كذبهم كان شقيا في الآخرة، ~~وأنه لو علم الرجل من الطبيعيات والرياضيات ما عسى أن يعلم وخرج عن دين ~~الرسل كان شقيا، وأن من أطاع الله ورسوله بحسب طاقته كان سعيدا في الآخرة ~~وإن لم يعلم شيئا من ذلك. # ولكن (4) سلفهم أكثروا الكلام في ذلك؛ لأنهم لم يكن عندهم من آثار الرسل ~~ما يهتدون به إلى توحيد الله وعبادته وما ينفع في الآخرة، وكان PageV01P365 # الشرك مستحوذا عليهم بسبب السحر والأحوال الشيطانية، وكانوا ينفقون ~~أعمارهم في رصد الكواكب ليستعينوا بذلك على السحر والشرك، وكذلك الأمور ~~الطبيعية. وكان منتهى عقلهم أمورا عقلية كلية، كالعلم بالوجود المطلق (* ~~وانقسامه إلى علة ومعلول وجوهر وعرض، وتقسيم الجواهر، ثم تقسيم الأعراض. ~~وهذا هو عندهم الحكمة العليا والفلسفة الأولى، ومنتهى ذلك العلم بالوجود ~~المطلق *) (1) الذي لا يوجد إلا في الأذهان دون الأعيان. # ومن هنا دخل من سلك مسلكهم من المتصوفة المتفلسفة كابن عربي (2) وابن ~~سبعين (3) والتلمساني (4) وغيرهم، فكان منتهى معرفتهم PageV01P366 # الوجود المطلق. ثم ظن من ظن منهم أن ذلك هو الوجود الواجب، وفي ذلك (1) ~~من الضلال ما قد بسط في غير هذا الموضع (2) . # وجعلوا غاية سعادة النفس أن تصير عالما معقولا (3) مطابقا للعالم ~~الموجود، وليس في ذلك إلا مجرد علوم مطلقة، ليس فيها علم بموجود معين، لا ~~بالله ولا بالملائكة ولا بغير ذلك. وليس فيها محبة لله ولا عبادة لله (4) ~~فليس فيها علم نافع، ولا عمل صالح، ولا ما ينجي النفوس من عذاب الله (5) ~~فضلا على أن يوجب لها السعادة. وهذا مبسوط في غير هذا الموضع (6) ، وإنما ~~جاء ذكره هنا بالعرض؛ لننبه على أن من عدل عن طريق المرسلين فليس معه في ~~خلافهم لا معقول صريح، ولا منقول صحيح، وأن من قال بقدم العالم أو شيء منه، ~~فليس معه إلا مجرد الجهل والاعتقاد الذي لا دليل عليه، وهذا الخطاب كاف في ~~هذا الباب ms0182، وتفصيله مذكور في غير هذا الموضع. # وقد سلك هذا المسلك غير واحد من أهل الملل المسلمين واليهود PageV01P367 ### | أدلة السمع على حدوث العالم لا يمكن تأويلها # والنصارى (1) وغيرهم، فبينوا فساد ما سلكه (2) القائلون بقدم العالم من ~~العقليات، وذكروا الحجج المنقولة عن أرسطو وغيره واحدة واحدة، وبينوا ~~فسادها، ثم قالوا: نتلقى هذه المسألة (3) من السمع، فالرسل قد أخبرت بما لا ~~يقوم دليل [عقلي] (4) على نقيضه، فوجب تصديقهم في هذا. # ولم يمكن تأويل ذلك لوجوه: أحدها: أنه قد علم بالاضطرار مرادهم، فليس في ~~تأويل ذلك إلا التكذيب المحض للرسل. # والثاني: أن هذا متفق عليه بين أهل الملل، سلفهم وخلفهم، باطنا وظاهرا، ~~فيمتنع مع هذا أن تكون الرسل كانت مضمرة لخلاف ذلك، كما يقوله [من يقوله] ~~(5) من هؤلاء الباطنية. # الثالث: أنه ليس في العقل ما ينافي ذلك، بل كل ما ينافيه من المعقولات ~~فهو فاسد يعلم فساده بصريح العقل. # الرابع: أن في العقليات ما يصدق ذلك، ثم كل منهم يسلك في ذلك ما تيسر له ~~من العقليات. # الخامس: أنه معلوم بالفطرة [والضرورة] (6) أنه لا بد من محدث PageV01P368 # للمحدثات، وفاعل للمصنوعات، وأن كون (1) المفعول [مقارنا لفاعله لم يزل ~~ولا يزال معه ممتنع في فطر العقول. وهذا مما يحتج به على هؤلاء، كما قد بسط ~~في موضعه، فإنه إذا بين لهم فساد قول إخوانهم، وتبين لهم أن الفاعل لا بد ~~أن يقوم به من الأحوال مما يصير به فاعلا، امتنع مع هذا أن يكون مفعوله ~~المعين] (2) مقارنا له أزلا (3) وأبدا، فإن هذا إخراج له عن أن يكون مفعولا ~~له. # السادس: أن يقال لهؤلاء وهؤلاء جميعا: أصل ما أنتم عليه الرجوع إلى ~~الوجود، والفلسفة معرفة الوجود على ما هو عليه، والفلسفة الحقيقية هي ~~العلوم الوجودية التي بها يعرف الوجود، وأنتم لا تثبتون [شيئا] (4) في ~~الغالب إلا بقياس: إما شمولي وإما تمثيلي، فهل علمتم فاعلا يلزمه مفعوله أو ~~يقارنه (5) في زمانه لا يحدث شيئا فشيئا، سواء كان فاعلا بالإرادة أو ~~بالطبع؟ . # وهل علمتم فاعلا لم يزل (6) موجبا لمفعوله ms0183، ولم يزل مفعوله معلولا له؟ ~~فهذا شيء لا تعقلونه أنتم ولا غيركم، فكيف تثبتون بالمعقول (7) ما لا يعقل ~~أصلا معينا، فضلا عن أن يعقل مطلقا (8) ؟ والمطلق فرع PageV01P369 # المعين، فما لا يكون موجودا معينا لا يعقل لا معينا ولا مطلقا، ولكن يقدر ~~تقديرا في الذهن كما تقدر الممتنعات. # يبين ذلك أن العلم بكون الشيء ممكنا في الخارج يكون العلم بوجوده، أو ~~بوجود ما ذلك الشيء أولى بالوجود منه، كما يذكره الله في كتابه في تقرير ~~إمكان المعاد كقوله: {لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس} [سورة غافر: ~~57] ، وقوله: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه} [سورة الروم: ~~27] ، وقوله: {ألم يك نطفة من مني يمنى - ثم كان علقة فخلق فسوى - فجعل منه ~~الزوجين الذكر والأنثى - أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى} [سورة ~~القيامة: 37، 40] (1) ، وقوله: {أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات ~~والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير} ~~[سورة الأحقاف: 33] ، وقوله: {وضرب لنا مثلا ونسي خلقه} [سورة يس: 78] إلى ~~قوله: {أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى} [سورة ~~يس: 81] ، وأمثال ذلك مما يدل على أن إعادة الخلق أولى بالإمكان من ~~ابتدائه، وخلق الصغير أولى بالإمكان من خلق العظيم. فأما ما لا (2) يعلم ~~أنه ممكن إذا عرض على العقل ولم يعلم امتناعه، فإمكانه ذهني، بمعنى عدم ~~العلم بالامتناع، ليس إمكانه خارجيا، بمعنى العلم بالإمكان في الخارج. # ولهذا ما تذكره طائفة من النظار كالآمدي وغيره: إذا أراد أن يقرر ~~PageV01P370 # إمكان الشيء بأنه لو قدر وجوده لم يلزم منه محال، مجرد دعوى. وغايته أن ~~يقول: لا نعلم أنه يلزم منه محال، وعدم [العلم] (1) ليس علما بالعدم (2) ، ~~فهؤلاء إذا أرادوا أن يثبتوا إمكان كون المفعول لازما لفاعله، لا بد أن ~~يعلموا ثبوت ذلك في الخارج، أو ثبوت ما ذاك أولى بالإمكان منه، وكلاهما ~~منتف. فلا يعلم قط فاعل إلا فاعلا يحدث فعله أو مفعوله، (3) لا يقارنه ~~مفعوله المعين ويلازمه، بل هذا ms0184 إلى (4) نفي كونه فاعلا ووصفه بالعجز عن نفي ~~اللازم له، أقرب منه إلى كونه فاعلا قادرا، فقد جعلوا الله مثل السوء، وهذا ~~باطل. # والواجب في الأدلة (5) الإلهية أن يسلك بها هذا المسلك فيعلم أن كل كمال ~~كان لمخلوق فالخالق أحق به، فإن كمال المخلوق من كمال خالقه، وعلى اصطلاحهم ~~كمال المعلول من كمال العلة، ولأن الواجب أكمل من الممكن، فهو أحق بكل كمال ~~ممكن لا نقص فيه من كل ممكن، ويعلم أن كل نقص تنزه عنه مخلوق فالخالق أحق ~~بتنزيهه عنه، فإن النقص يناقض الكمال، فإذا كان أحق بثبوت الكمال كان أحق ~~بنفي النقص، وهذه القضية برهانية يقينية، وهم يسلمونها. # وهم يقولون أيضا: إن الفعل صفة كمال، ويردون على من يقول من PageV01P371 # أهل الكلام إنه ليس صفة كمال ولا نقص، وقد قال تعالى: {أفمن يخلق كمن لا ~~يخلق أفلا تذكرون} [سورة النحل: 17] . # وإذا (1) كان كذلك، فمن المعقول أن الفاعل الذي يفعل بقدرته ومشيئته (2) ~~أكمل ممن لا قدرة له ولا إرادة، والفاعل (3) القادر المختار الذي يفعل شيئا ~~بعد شيء، أكمل ممن يكون مفعوله لازما له يقدر على إحداث شيء ولا تغييره من ~~حال إلى حال، إن كان يعقل فاعلا يلزمه مفعوله (4) المعين، فإن الذي يقدر أن ~~يفعل مفعولات متعددة، ويقدر على تغييرها من حال إلى حال، أكمل ممن ليس ~~كذلك. فلماذا يصفون واجب الوجود بالفعل الناقص إن كان ذلك ممكنا؟ كيف وما ~~ذكروه ممتنع، لا يعقل فاعل على الوجه الذي قالوه؟ . # بل من قدر شيئا فاعلا للازمه الذي لا يفارقه بحال، كان مخالفا لصريح ~~المعقول عند الناس، وقيل له: هذا صفة له (5) أو مشارك له ليس مفعولا له. ~~ولو قيل لعامة العقلاء السليمي الفطرة: إن الله خلق السماوات والأرض ومع ~~هذا فلم تزالا معه، لقالوا: هذا ينافي خلقه لهما، فلا يعقل خلقه لهما إلا ~~إذا خلقهما بعد أن لم تكونا موجودتين. # وأما إذا قيل: لم تزالا موجودتين (6) كان القول مع ذلك بأنه خلقهما جميعا ~~PageV01P372 # بين المتناقضين (1) في فطر الناس وعقولهم التي ms0185 لم تغير (2) عن فطرتها. # ولهذا كان مجرد إخبار الرسل بأن الله خلق السماوات والأرض ونحو ذلك كافيا ~~في الإخبار بحدوثهما، لم يحتاجوا مع ذلك أن يقولوا: خلقهما بعد (3) عدمهما، ~~ولكن أخبروا (4) بزمان خلقهما، كما في قوله تعالى: {خلق السماوات والأرض في ~~ستة أيام} [سورة يونس: 3] . # والإنسان لما كان يعلم أنه خلق بعد أن لم يكن، ذكر بذلك ليستدل به على ~~قدرة الخالق على تغيير (5) العادة. ولهذا ذكر تعالى ذلك في خلق يحيى بن ~~زكريا [عليه السلام] (6) ، وفي النشأة (7) الثانية، قال تعالى: {يازكريا ~~إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا - قال رب أنى يكون لي ~~غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا - قال كذلك قال ربك هو علي ~~هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا} [سورة مريم: 7 - 9] ، [وقال تعالى] : ~~{ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا - أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه ~~من قبل ولم يك شيئا} ] (8) [سورة مريم: 66 - 67] . # فذكر الإنسان بما يعلمه من أنه خلقه ولم يك شيئا؛ ليستدل بذلك على قدرته ~~على مثل ذلك، وعلى ما هو أهون منه. PageV01P373 # الوجه السابع: إن هؤلاء الذين قالوا بقدم العالم عن علة قديمة، قالوا مع ~~ذلك بأنه في نفسه ممكن، ليس له وجود من نفسه، وإنما وجوده من مبدعه، فوصفوا ~~الموجود الذي لم يزل موجودا، الواجب بغيره، بأنه ممكن الوجود. فخالفوا بذلك ~~طريق سلفهم وما عليه عامة بني آدم من أن الممكن لا يكون إلا معدوما، ولا ~~يعقل ما يمكن أن يوجد وأن لا يوجد إلا ما كان معدوما. وهذا قول أرسطو ~~وقدماء الفلاسفة، ولكن ابن سينا وأتباعه خالفوا هؤلاء. وقد تعقب ذلك عليهم ~~ابن رشد وغيره، وقالوا: إنه لا يعقل الممكن إلا ما أمكن وجوده وأمكن عدمه، ~~فجاز أن يكون موجودا وأن يكون معدوما، أي مستمر العدم. # ولهذا قالوا: إن الممكن (1) لا بد له من محل، كما يقال: يمكن أن تحمل ~~المرأة (2) وأن تنبت الأرض وأن يتعلم الصبي، فمحل الإمكان هو الرحم والأرض ~~والقلب ms0186، فيمكن أن يحدث في هذه المحال (3) ما هي قابلة له من الحرث والنسل ~~والعلم. # أما الشيء الذي لم يزل ولا يزال - إما بنفسه وإما بغيره - فكيف يقال: ~~يمكن أن يوجد ويمكن أن لا يوجد؟ وإذا قيل: هو باعتبار ذاته يقبل الأمرين. ~~[قيل] (4) : إن أردتم بذاته ما هو موجود في الخارج فذاك لا يقبل الأمرين، ~~فإن الوجود الواجب بغيره لا يقبل العدم، إلا أن يريدوا أنه يقبل أن يعدم ~~بعد وجوده، وحينئذ فلا يكون واجبا بغيره دائما، فمتى قبل العدم PageV01P374 # في المستقيل أو كان معدوما، لم يكن أزليا أبديا [قديما] (1) واجبا بغيره ~~دائما، كما يقول هؤلاء في العالم. # فإن أريد بقبول الوجود والعدم في حال واحدة فهو ممتنع. وإن أريد في ~~الحالين (2) : أي يقبل الوجود تارة والعدم أخرى (3) ، امتنع أن يكون أزليا ~~أبديا لتعاقب الوجود والعدم عليه. وإن أريد أن ذاته التي تقبل الوجود ~~والعدم شيء غير الوجود في الخارج، فذاك ليس بذاته. # وإن قيل: يريد به أن ما يتصوره في النفس يمكن أن يصير موجودا في الخارج ~~ومعدوما، كما يتصوره الإنسان في نفسه من الأمور. # قيل: هذا أيضا يبين أن الإمكان مستلزم للعدم؛ لأن ما ذكرتموه إنما هو في ~~شيء يتصوره الفاعل في نفسه، يمكن أن يجعله موجودا في الخارج ويمكن أن يبقى ~~معدوما، وهذا إنما يعقل فيما يعدم تارة ويوجد أخرى، وأما ما لم يزل موجودا ~~واجبا (4) بغيره، فهذا لا يعقل فيه الإمكان أصلا، وإذا قال قائل: ذاته تقبل ~~الوجود والعدم، كان متكلما بما لا يعقل. # وهذا الموضع قد تفطن له أذكياء النظار، فمنهم من أنكره على ابن سينا ~~وأتباعه، كما أنكر ذلك ابن رشد. ومنهم من جعل هذا سؤالات واردة على الممكن، ~~كما يفعله الرازي وأتباعه، ولم يجيبوا عنه (5) بجواب صحيح. PageV01P375 # وسبب ذلك أنهم اتبعوا ابن سينا في تجويزه أن يكون الشيء ممكنا بنفسه ~~واجبا بغيره دائما أزلا وأبدا. بل هذا باطل كما عليه جماهير الأمم من أهل ~~الملل والفلاسفة وغيرهم، وعليه نظر المسلمين، [وعليه أئمة الفلاسفة - أرسطو ms0187 ~~وأتباعه] (1) -: لا يكون الممكن عندهم إلا ما يكون معدوما تارة وموجودا ~~أخرى، فالإمكان والعدم متلازمان. # وإذا كان ما سوى الرب تعالى ليس موجودا بنفسه، بل كان ممكنا، وجب أن يكون ~~معدوما في بعض الأحوال، ولا بد ليصح وصفه بالإمكان. # وهذا برهان مستقل في أن كل ما سوى الله محدث كائن بعد أن لم يكن، وأنه ~~[سبحانه] (2) خالق كل شيء بعد أن لم يكن شيئا، فسبحان من تفرد (3) بالبقاء ~~والقدم، وألزم ما سواه بالحدوث عن العدم. # يوضح ذلك أنه إما أن يقال (4) : وجود كل شيء في الخارج عين ماهيته، كما ~~هو قول نظار أهل السنة الذين يقولون: إن المعدوم ليس بشيء في الخارج [أصلا] ~~(5) ، ويقولون: إنه ليس في الخارج (6) للموجودات ماهيات غير ما هو الموجود ~~في الخارج، فيخالفون من يقول: المعدوم شيء، من المعتزلة وغيرهم، ومن قال: ~~إن وجود كل شيء الثابت في الخارج مغاير لماهيته ولحقيقته الثابتة في ~~الخارج، كما يقول ذلك من يقوله من المتفلسفة ونحوهم. PageV01P376 # وإما أن يقال: وجود الشيء في الخارج زائد على ماهيته. # فإن قيل بالأول، لم يكن للعالم في الخارج ذات غير ما هو موجود (1) في ~~الخارج، حتى يقال: إنها تقبل الوجود والعدم. # وإن قيل بالثاني، فإن (2) قدر أنه لم يزل موجودا، لم يكن للذات حال تقبل ~~الوجود والعدم، بل لم تزل متصفة بالوجود. # فقول القائل: إن الممكن هو الذي يقبل الوجود والعدم، مع قوله بأنه لم يزل ~~موجودا، جمع بين قولين متناقضين. # وإذا قيل: هو ممكن باعتبار ذاته، كان قوله أيضا متناقضا، سواء عنى بذاته ~~الوجود (3) في الخارج أو شيئا آخر يقبل الوجود في الخارج. فإن تلك إذا لم ~~تزل موجودة، ووجودها واجب، لم تكن قابلة للعدم أصلا، ولم يكن عدمها ممكنا ~~أصلا. # وقول القائل: هي باعتبار ذاتها غير موجودة، مع قوله: [إنها] (4) لم تزل ~~موجودة، معناه أن الذات لم تزل موجودة واجبة بغيرها يمتنع عدمها، هي ~~باعتبار الذات تقبل الوجود والعدم، ويمكن فيها هذا وهذا، وبسط هذا بتمام ~~الكلام على الممكن (5) ، كما قد ms0188 بسطوه في موضعه. # يبين ذلك أن الممكن هو الفقير الذي لا يوجد بنفسه، وإنما يوجده غيره، فلا ~~بد أن يكون هنا شيء يوصف بالفقر والإمكان [وقبول PageV01P377 # العدم] (1) ، ثم يوصف بالغنى والوجود، فأما ما لم يزل موجودا غنيا، فكيف ~~يوصف بفقر وإمكان؟ فإنه إن حكم بالفقر والإمكان وقبول العدم على الموجود ~~الغني، كان ذلك ممتنعا فيه - كما تقدم - إذا كان لا يقبل العدم ألبتة، وإن ~~حكم بالفقر والإمكان وقبول العدم على ما في الذهن، بمعنى (2) أنه يفتقر ~~وجوده في الخارج إلى فاعل، فهذا يؤيد ما قلناه من أنه لا بد أن يكون معدوما ~~ثم يوجد. # وإن قيل: بل فاعله يتصوره في نفسه مع دوام فعله له، والممكن هو ما في ~~النفس. # قيل: ما في النفس الواجب واجب به لا يقبل العدم، وما في الخارج واجب به ~~لا يقبل العدم، فأين القابل للوجود والعدم؟ . # وإن قيل: ما تصور في النفس يقبل الوجود والعدم في الخارج. # قيل: هذا ممتنع مع وجوب وجوده [دائما (3) في الخارج، بل هذا معقول فيما ~~يعدم تارة ويوجد أخرى، فإذا كان كل ما سوى الله ممكنا فقيرا، وجب أن يكون ~~موجودا تارة ومعدوما أخرى (4) . # وهذا الدليل مستقر في فطر الناس، فكل من يتصور شيئا من الأشياء محتاجا ~~إلى الله مفتقرا إليه، ليس موجودا بنفسه بل وجوده بالله، تصور أنه مخلوق ~~كائن بعد أن لم يكن. فأما إذا قيل: هو فقير مصنوع محتاج، وأنه دائما معه لم ~~يحدث عن عدم، لم يعقل هذا ولم يتصور إلا كما PageV01P378 # تتصور الممتنعات، بأن يقدر في الذهن تقديرا لا يتصور تحققه في الخارج، ~~فإن تحققها (1) في الخارج ممتنع. # وعلى هذا فإذا قيل: المحوج إلى المؤثر هو الإمكان أو هو الحدوث، لم يكن ~~بين القولين منافاة، فإن كل ممكن حادث، وكل حادث ممكن، فهما متلازمان. ~~ولهذا جمع بين القولين من قال: إن (2) المحوج إلى المؤثر هو الإمكان ~~والحدوث جميعا. فالأقوال الثلاثة صحيحة في نفس الأمر، وإنما وقع النزاع لما ~~ظن من ظن أنه يكون الشيء ms0189 ممكنا مع كونه غير حادث. # وهذا الذي قرر في امتناع كون العالم قديما، وامتناع كون فاعله علة قديمة ~~أزلية صحيح، سواء قيل: إنه مريد بإرادة أزلية مستلزمة لاقتران مرادها بها ~~(3) ، أو قيل: ليس بمريد، وسواء قيل: إنه علة للفلك مع حركته، أو للفلك ~~بدون حركته. # وهكذا القول في كل ما يقدر (4) قديما معه، فإنه لا بد أن يكون مقارنا ~~لشيء من الحوادث، أو ممكنا أن يقارنه شيء من الحوادث. وعلى التقديرين يمتنع ~~أن يكون قديما مع الله [تعالى] (5) ؛ لأن القديم لا يكون إلا عن موجب تام ~~مستلزم لموجبه، وثبوت هذا في الأزل يقتضي أنه لا يحدث عنه شيء، والحوادث لا ~~تحدث إلا عنه، فلا يكون موجبا أزليا PageV01P379 # إلا إذا حدث عنه شيء، ولكن فاعل العالم يمتنع أن لا يحدث عنه شيء، فيمتنع ~~أن يكون موجبا بالذات في الأزل. ### | الأقوال المختلفة في إرادة الله تعالى # وإذا قيل: هو مريد بإرادة أزلية مقارنة لمرادها الذي هو العالم، أو يتأخر ~~(1) عنها مرادها الذي هو حوادثه، كان القول كذلك، فإنه إذا لم يكن له [إلا] ~~(2) إرادة أزلية مقارنة لمرادها (3) ، امتنع أن تحدث عنه الحوادث، لكنه ~~يمتنع أن لا تحدث عنه الحوادث، فيمتنع أن لا يكون له [إلا] (4) إرادة أزلية ~~مقارنة لمرادها، مع أن الإرادة لمفعولات لازمة للفاعل غير معقول (5) ، بل ~~إنما يعقل في حق الفاعل بإراداته أن يفعل (6) شيئا بعد شيء، ولهذا لم يقل ~~أحد: إن الرب (7) يتكلم بمشيئته وقدرته، وإن الكلام المقدور المعين قديم ~~لازم لذاته، فإذا لم يعقل هذا في المقدور القائم به، فكيف يعقل في المباين ~~له؟ . # وإذا قيل: له إرادة أزلية مقارنة للمراد، وإرادة أخرى حادثة [مع الحوادث] ~~(8) . # قيل: فحدوث هذه الإرادة الحادثة: إن كان بتلك الإرادة الأزلية التي يجب ~~مقارنة مرادها لها، كان ذلك ممتنعا؛ لأن الثانية حادثة، فيمتنع أن ~~PageV01P380 # تكون مقارنة للقديمة التي قارنها (1) مرادها. وإن كان بدون تلك الإرادة، ~~لزم حدوث الحوادث بدون إرادته، وهذا يقتضي جواز حدوث الحوادث بدون إرادته، ~~فلا يكون فاعلا مختارا، فإن الإرادة ms0190 الحادثة إن كانت فعله فقد حدثت بغير ~~إرادة، وإن لم تكن فعله كان قد حدث حادث بلا فعله، وهذا ممتنع، وهو مما ~~أنكره جماهير الناس على المعتزلة البصريين في قولهم بحدوث إرادة الله بدون ~~إرادة أخرى، وبقيام إرادته (2) لا في محل. # وإن قيل: بل لم تزل تقوم به الإرادات للحوادث، كما يقول ذلك من يقوله من ~~أهل الحديث والفلاسفة الذين يقولون: لم يزل يتكلم إذا شاء، ولم يزل فعالا ~~لما يشاء. # قيل: فعلى هذا التقدير ليس هنا إرادة قديمة لمفعول قديم. # وإن قيل: يجتمع فيه هذا وهذا. # قيل: فهذا ممتنع من جهة امتناع كون المفعول المعين للفاعل - لا سيما ~~المختار - ملازما له، ومن جهة كون المفعول بالإرادة لا بد وأن تتقدمه ~~الإرادة، وأن تثبت إلى أن يوجد، [بل] (3) هذا في كل مفعول، ومن جهة أن ما ~~قامت به الإرادات المتعاقبة كانت مراداته أيضا متعاقبة، وكذلك أفعاله ~~القائمة بنفسه، وكانت تلك (4) الإرادات من لوازم نفسه، PageV01P382 # لم يجز أن تكون (1) مرادة لإرادة قديمة؛ لأنها إن كانت ملزومة لمرادها، ~~لزم كون الحادث المعين في الأزل، وإن كان مرادها متأخرا عنها، كانت تلك ~~الإرادة كافية في حصول المرادات المتأخرة، فلم يكن هناك ما يقتضي وجودها ~~فلا [توجد] (2) ؛ إذ الحادث لا يوجد إلا لوجود مقتضيه التام. # فإن قدر أن الفاعل يريد شيئا بعد شيء، ويفعل شيئا بعد شيء، لزم أن يكون ~~هذا من لوازم نفسه، فتكون (3) نفسه مقتضية لحدوث أفعاله شيئا بعد شيء، ~~فتكون (4) مفعولاته شيئا بعد شيء بطريق الأولى [والأحرى] (5) . # وإذا كان كذلك، كانت نفسه مقتضية لحدوث كل من هذه الأفعال والمفعولات، ~~وإذا كانت نفسه مقتضية لذلك، امتنع مع ذلك أن تكون مقتضية لقدم فعل ومفعول ~~مع إرادتهما المستلزمة لهما، فإن ذاته تكون مقتضية لأمرين متناقضين؛ لأن ~~اقتضاءها (6) حدوث أفراد الفعل والمفعول (7) وقدم النوع مناقض (8) ~~لاقتضائها قدم (9) عين الفعل والمفعول (10) . PageV01P383 # وإن قدر أن هذا المفعول غير تلك المفعولات، فإنه ملزوم لها لا يوجد ~~بدونها ولا توجد إلا به، فهما متلازمان، وإذا تلازمت المفعولات، فتلازم ms0191 ~~أفعالها وإرادتها أولى، فيكون كل من القدماء الثلاثة: الإرادة المعينة (1) ~~، وفعلها، ومفعولها، ملزوما لحوادث لا نهاية لها لازما (2) . # وحينئذ فالذات في فعلها للمفعول المعين علة تامة أزلية موجبة له، وهي في ~~سائر الحوادث ليست علة أزلية تحدث فاعليتها وتمام إيجابها شيئا بعد شيء. # والذات موصوفة بغاية الكمال الممكن، فإن كان كمالها في أن يكون ما فيها ~~بالقوة هو بالفعل، من غير اعتبار إمكان ذلك، ولا كون (3) دوام الإحداث هو ~~أكمل من أن لا يحدث عنها شيء - كما قد يقوله هؤلاء الفلاسفة - فيجب أن لا ~~يحدث عنها شيء (* أصلا، ولا يكون في الوجود حادث. وإن كان كمالها في أن ~~تحدث شيئا *) (4) بعد شيء؛ لأن ذلك أكمل من أن [لا] (5) يمكنها إحداث شيء ~~بعد شيء، ولأن الفعل صفة كمال، والفعل لا يعقل إلا على هذا الوجه، ولأن ~~حدوث الحوادث دائما أكمل من أن لا يحدث شيء، ولأن هذا الذي بالقوة هو جنس ~~الفعل، وهذا بالفعل دائما. # وأما كون كل من المفعولات أو شيء من المفعولات أزليا فهذا ليس ~~PageV01P383 # بالقوة، فيمتنع أن يكون بالفعل، فليس في مقارنة مفعولها المعين لها كمال، ~~سواء كان ممتنعا أو كان نقصا ينافي الكمال الواجب لها، لا سيما ومعلوم أن ~~إحداث نوع المفعولات شيئا بعد شيء أكمل من أن يكون منها ما هو مقارن الفاعل ~~(1) أزليا معه (2) . # فعلى التقديرين يجب نفيه عنها، فلا يكون له (3) مفعول مقارن لها، فلا ~~يكون في العالم شيء قديم، وهو المطلوب. وهذا برهان مستقل متلقى (4) من ~~قاعدة الكمال الواجب له وتنزهه (5) عن النقص. # ومما يوضح ذلك أن يقال: من المعلوم بالضرورة أن إحداث مفعول بعد مفعول لا ~~إلى نهاية أكمل من أن لا يفعل إلا مفعولا واحدا لازما لذاته، إن قدر ذلك ~~ممكنا. وإذا كان ذلك أكمل فهو ممكن (6) ؛ لأن التقدير أن الذات يمكنها أن ~~تفعل شيئا بعد شيء، بل يجب ذلك لها، وإذا كان هذا ممكنا - بل هو واجب لها - ~~وجب اتصافها به دون نقيضه الذي هو أنقض منه، وليس في هذا ms0192 تعطيل عن الفعل، ~~بل هو اتصاف بالفعل على أكمل الوجوه. # وبيان هذا أن الفعل المعين، والمفعول المعين المقارن له أزلا وأبدا، إما ~~أن يكون ممكنا، وإما أن يكون ممتنعا. فإن كان ممتنعا، امتنع قدم ~~PageV01P384 # شيء من العالم، وهو المطلوب. وإن كان ممكنا، فإما أن يكون هو الأكمل أو ~~لا يكون. فإن كان هو الأكمل، وجب أن لا يحدث شيء. وإحداثه حينئذ عدول عن ~~الأكمل، وهو محال. وإن لم يكن هو الأكمل، فالأكمل نقيضه، وهو إحداث شيء بعد ~~شيء، فلا يكون شيء من الأفعال قديما. # وهذا لا يرد عليه إلا سؤالا معلوم الفساد، وهو أن يقال: ما كان يمكن إلا ~~هذا، فلا يمكن في الفلك أن يتأخر وجوده، ولا في الحوادث أن يكون منها شيء ~~قديم. # قيل: إن أردتم امتناع هذا لذاته فهو مكابرة، فإنه لو قدر قبل الفلك فلك، ~~وقبله فلك، لم يكن امتناع هذا بأعظم من امتناع دوام الفلك، بل إذا كان ~~الواحد من النوع يمكن دوامه، فدوام النوع أولى. # ولهذا لا يعقل (1) أن يكون واحد من البشر قديما أزليا، مع امتناع قدم ~~نوعه واحدا بعد واحد. وإن قدرتم أنه ممتنع لأمر يرجع إلى غيره: لوجود مضاد ~~له، أو لانتفاء حكمة الفاعل، ونحو ذلك، فكل أمر ينافي قدم نوع المفعول، فهو ~~أشد منافاة لقدم عينه. فإن جاز قدم عينه، فقدم النوع من حدوث الأفراد أجوز، ~~وإن امتنع هذا الثاني، فالأول أشد امتناعا، وكل شيء أوجب حدوث أفراد بعض ~~المفعولات الممكن قدمها، فهو أيضا موجب لحدوث نظيره. # وهب أنهم يقولون: الحركة لذاتها لا تقبل البقاء، لكن الحوادث جواهر كثيرة ~~شيئا بعد شيء، فالعناصر الأربعة إن أمكن أن تكون قديمة PageV01P385 # الأعيان، أمكن إبقاؤها (1) قديمة الصورة، فلا يجوز استحالتها من حال إلى ~~حال، وهو خلاف المشاهدة، وإن لم يمكن قدم أعيانها حصل المطلوب. # وإن قيل: هذا ممكن دون هذا، كان مكابرة. # وإن قيل: الموجب لاستحالتها حركة الأفلاك. # قيل: من المعلوم بالاضطرار إمكان تحرك الأفلاك (2) دون استحالة العناصر، ~~كما أمكن تحرك الفلك الأعلى ms0193 دون استحالة الثاني. وتقدير استحالة الفلك ~~الثاني والثالث وبقائهما (3) ، كتقدير استحالة العناصر وبقائها، لا يمكن أن ~~يقال: هذا ممكن لذاته (4) دون الآخر. فعلم أن ذلك يرجع إلى أمر خارج يتعلق ~~بالمفعولات المتعلقة بمشيئة الفاعل وحكمته. # وهذا لا ريب فيه، فإننا لا ننازع أن فعل الشيء يوجب (5) فعل لوازمه، ~~وينافي وجود أضداده، وأن الحكمة المطلوبة من فعل شيء، قد يكون لها شروط ~~وموانع. فالخالق الذي اقتضت حكمته إحداث أنواع الحيوانات والنباتات ~~والمعادن، اقتضت أن تنقل موادها (6) من حال إلى حال. ولكن المقصود أنه ليس ~~لأحد الجسمين حقيقة اقتضت PageV01P386 # اختصاصه بالقدم بحسب ذاته دون الأخرى، لا سيما ولا حقيقة لوجود شيء سوى ~~الموجود الثابت في الخارج، فلا اقتضاء لحقيقته قبل وجود حقيقته، ولكن ~~الباري [تعالى] (1) يعلم ما يريد أن يفعله، فعلمه وإرادته هو الذي يوجب ~~الاختصاص. # فقد تبين أنه إذا كان مقارنة المفعول المعين للفاعل أزلا وأبدا ممتنعا أو ~~نقصا، امتنع قدم شيء من العالم، فكيف إذا كان كل منهما ثابتا هو ممتنع، ومع ~~تقدير إمكانه فهو نقص؟ فإن قدم نوعه أكمل من قدم عينه، وهو أولى بالإمكان ~~منه. فإذا كان أولى بالإمكان وهو أكمل، امتنع أن يكون نقيضه هو الممكن، ~~وإذا امتنع ذلك امتنع قدم شيء من العالم. # وعلى هذا فكل ما يذكرونه من دوام فاعلية الرب هو حجة عليهم، فإن فاعلية ~~النوع أكمل من فاعلية الشخص، وهو الذي يشهد به [الشخص] (2) قطعا وحسا، فإنا ~~نشهد بفاعلية نوع شيئا بعد شيء، فإن كان دوام الفاعلية ممكنا، فهذا ممكن ~~لوجوده، ولسنا نعلم دوام الفاعلية لشيء معين، فلا يلزم من علمنا بدوام ~~الفاعلية، دوام شيء معين أصلا. ودوام النوع يقتضي حدوث أفراده، فكل ما سوى ~~الله حادث بعد أن لم يكن، وهو المطلوب، فتبين أن القول بمقارنة مراده له ~~(3) في الأزل ممتنع، يمنع صدور الحوادث عنه. # وهذا لا يحتاج فيه إلى أن يقال: الإرادة الحادثة لا يقارنها مرادها، ~~PageV01P387 # بل يمكن أن يقال مع ذلك: [إن] (1) الإرادة الحادثة يقارنها مرادها، كما ~~يقولون: إن القدرة ms0194 الحادثة يقارنها مقدورها، وإن كان من الناس من ينازع في ~~ذلك. ### | التقديرات الثلاثة في مقارنة المراد للإرادة # والمقصود هنا: أنه إذا قيل بأن الإرادة يجب أن يقارنها مرادها (2) ، كان ~~[ذلك] (3) دليلا على حدوث كل ما سوى الله. وإن قيل: يجوز أن يقارنها مرادها ~~ويجوز أن لا يقارنها، أو قيل: يمتنع مقارنة مرادها لها، فعلى التقديرات ~~الثلاثة يجب حدوث كل ما سوى الله. # أما (4) على تقدير وجوب مقارنة المراد للإرادة، فلأنه إن كانت الإرادة ~~أزلية، لزم أن يكون جميع المرادات أزلية، فلا يحدث شيء، وهو خلاف الحس ~~والعيان. وهذا مثل قولنا: لو كان موجبا بذاته أزليا (5) ، أو علة تامة ~~لمعلوله، لزم أن يكون جميع موجبه ومعلوله مقارنا له أزليا، فيمتنع حدوث شيء ~~عنه. # وإن كان هناك إرادة حادثة، فإن الكلام (6) فيها كالكلام في غيرها من ~~الحوادث: إن حدثت عن تلك الإرادة الأزلية التي يجب مقارنة مرادها لها كان ~~ممتنعا، وإن حدثت بلا إرادة ولا سبب حادث كان ذلك ممتنعا. # فتبين أنه على القول بوجوب مقارنة المراد للإرادة يمتنع قدم شيء من ~~PageV01P388 # العالم، سواء قيل بقدم الإرادة أو حدوثها، أو قدم شيء منها وحدوث شيء ~~آخر. # وإن قيل بأن المراد يجوز مقارنته للإرادة ويجوز تأخره عنها، فإنه على هذا ~~التقدير يجوز حدوث جميع (1) العالم بإرادة قديمة أزلية من غير تجدد شيء، ~~كما تقول ذلك الكلابية ومن وافقهم من الأشعرية والكرامية والفقهاء ~~المنسوبين إلى الأئمة الأربعة وغيرهم. وعلى هذا التقدير فإنه يجوز حدوث ~~الحوادث بلا سبب حادث، وترجيح أحد المتماثلين على الآخر بمجرد الإرادة ~~القديمة، وعلى هذا التقدير فإنه يبطل حجة القائلين بقدم العالم. # وهؤلاء إنما قالوا هذا لاعتقادهم بطلان التسلسل في الآثار وامتناع حوادث ~~لا أول لها. فإن كان ما قالوه حقا، وأنه يمتنع حوادث لا أول لها، لزم حينئذ ~~حدوث العالم، وامتنع القول بقدمه؛ لأنه لا يخلو شيء منه عن مقارنة شيء من ~~الحوادث. حتى العقول والنفوس عند من يقول بإثباتها، فإنها عندهم لا بد أن ~~تقارن الحوادث، فإذا امتنع حوادث ms0195 لا أول لها، كان ما لم يسبق الحوادث ~~بمنزلتها، يمتنع قدمه كما يمتنع قدمها. # وإن كان ما قاله هؤلاء باطلا، أمكن دوام الحوادث، وعلى هذا التقدير فيجوز ~~مقارنة المراد للإرادة (2) في الأزل، ويمتنع حدوث شيء إلا بسبب حادث، ~~وحينئذ فيمتنع كون شيء (3) من العالم أزليا، وإن جاز أن PageV01P389 # يكون نوع الحوادث دائما لم يزل، فإن الأزل ليس هو عبارة عن شيء محدد، بل ~~ما من وقت يقدر إلا وقبله وقت آخر، فلا يلزم من دوام النوع قدم شيء بعينه. # وإنما قيل: يمتنع قدم شيء بعينه؛ لأنه إذا جاز أن يقارنها المراد في ~~الأزل، وجب أن يقارنها المراد؛ لأن الإرادة التي يجوز مقارنة مرادها لها لا ~~يتخلف عنها مرادها (1) إلا لنقص في القدرة، وإلا فإذا كانت القدرة تامة، ~~والإرادة التي يمكن مقارنة مرادها لها حاصلة، لزم حصول المراد لوجود ~~المقتضى التام للفعل، إذ لو لم يلزم (2) مع كون المراد ممكنا، لكان حصوله ~~بعد ذلك يستلزم ترجيح أحد المتماثلين على الآخر بدون مرجح. وهو باطل على ~~هذا التقدير. # ولهذا كان الذين يقولون بامتناع شيء من الحوادث في الأزل، يقولون: إن ~~حصول شيء من الإرادات (3) في الأزل ممتنع، لا يقولون بأنه ممكن، وأنه يمكن ~~مقارنة مراده له. # لكن أورد الناس عليهم أنه إذا كان نسبة جميع الأوقات والحوادث إلى ~~الإرادة الأزلية نسبة واحدة، فترجيح أحد الوقتين - أو ما يقدر (4) فيه ~~الوقت بالحدوث - ترجيح بلا مرجح، وتخصيص لأحد المتماثلين بلا مخصص. ~~PageV01P390 # وهذا الكلام لا يقدح في مقصودنا هنا، فإنا لم ننصر (1) هذا القول، ولكن ~~بينا امتناع قدم شيء من العالم على كل تقدير، وأن دوام الحوادث سواء كان ~~ممكنا أو ممتنعا، فإنه يجب حدوث كل شيء من العالم على التقديرين (2) ، وأن ~~الإرادة سواء قيل بوجوب مقارنة مرادها لها أو بجواز تأخره عنها، يلزم حدوث ~~كل شيء من العالم على كل من التقديرين (3) . # فإن القائلين بتأخر مرادها، إنما قالوا ذلك فرارا من القول بدوام الحوادث ~~ووجود حوادث لا أول لها. وعلى هذا التقدير فيلزم حدوث ms0196 العالم، وإلا فلو جاز ~~دوام الحوادث، لجاز عندهم وجود المراد في الأزل، ولو جاز ذلك لم يقولوا ~~بتأخر المراد عن الإرادة القديمة الأزلية، مع ما في ذلك من ترجيح أحد ~~المتماثلين على الآخر [بلا مرجح] (4) وما في ذلك من الشناعة عليهم، ونسبة ~~كثير من العقلاء إلى أنهم خالفوا صريح المعقول. # فإنهم إنما صاروا إلى هذا القول (5) ؛ لاعتقادهم امتناع حوادث لا أول ~~لها، فاحتاجوا لذلك أن يثبتوا إرادة قديمة أزلية يتأخر عنها المراد، ويحدث ~~بعد ذلك من غير سبب حادث، واحتاجوا أن يقولوا: إن نفس الإرادة تخصص أحد ~~المتماثلين على الآخر. # وإلا فلو اعتقدوا جواز دوام الحوادث وتسلسلها، لأمكن أن يقولوا بأنه ~~PageV01P391 # تحدث الإرادات والمرادات، ويقولون بجواز قيام الحوادث بالقديم، ولرجعوا ~~عن قوله: (* بأن (1) نفس الإرادة القديمة تخصص أحد المثلين في المستقبل، ~~وعن قولهم *) (2) بحدوث الحوادث بلا سبب حادث، وكانوا على هذا التقدير لا ~~يقولون بقدم شيء من العالم، بل يقولون: إن كل ما سوى الله فإنه حادث كائن ~~(3) بعد أن لم يكن. # وكان هذا لازما على هذا التقدير؛ لأنه حينئذ إذا لم يجز حدوث شيء من ~~الحوادث إلا بسبب [حادث] (4) ، ولم يترجح أحد الوقتين بحدوث شيء فيه إلا ~~بمرجح يقتضي ذلك، لا يكون تأخر المراد عن الإرادة إلا لتعذر المراد، [إذ] ~~(5) لو كان [المراد] (6) ممكنا أن يقارن الإرادة وممكنا أن يتأخر عنها، ~~لكان تخصيص أحد الزمانين بالإحداث تخصيصا بلا مخصص. # فعلم أنه يجب أحد الأمرين على هذا التقدير: وجوب (7) مقارنة المراد ~~للإرادة أو امتناعه (8) ، وأنه يجب مقارنته للإرادة إذا كان ممكنا، وأنه لا ~~يتأخر إلا لتعذر مقارنته: إما (9) لامتناعه في نفسه، وإما لامتناع لوازمه. ~~PageV01P392 # وامتناع اللازم يقتضي امتناع الملزوم، لكن يكون امتناعه لغيره لا لنفسه. ~~كما يقول المسلمون: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فما شاء [الله] وجب ~~(1) كونه بمشيئته لا بنفسه، وما لم يشأ يمتنع كونه لا بنفسه بل لأنه لا ~~يكون إلا بمشيئته، فإذا لم يشأ امتنع كونه. # وإذا كان على هذا التقدير أحد الأمرين ms0197 لازما: إما مقارنة المراد ~~[للإرادة] (2) ، وإما امتناعه لنفسه أو لغيره، دل ذلك على أنه لو كان شيء ~~من العالم يمكن أن يكون قديما لوجب (3 أن يكون قديما لوجوب 3) (3) مقارنته ~~له في الأزل. إذ التقدير أنه لا بد من وجوب المقارنة أو امتناع المراد، فإن ~~كان المراد ممكنا في الأزل لزم وجوب المقارنة (4) ، لكن وجوب المقارنة ~~ممتنع؛ لأن ذلك يستلزم أن لا يحدث شيء من الحوادث كما تقدم، فلزم القسم ~~الآخر: وهو امتناع شيء من المراد المعين في الأزل، وهو المطلوب. # فأما إذا قيل بأنه يجب تأخر المراد عن الإرادة - كما يقول [ذلك] كثير (5) ~~من أهل الكلام - فبتقدير كونه مريدا يمتنع قدم شيء من العالم، وهو المطلوب. # فتبين حدوث كل ما سوى الله على كل تقدير، وهو المطلوب # واعلم أن من فهم هذه الطريق (6) استفاد بها أمورا: PageV01P393 # أحدها: ثبوت حدوث كل ما سوى الله، حتى إذا قدر أن هناك موجودا سوى ~~الأجسام - كما يقول من يثبت العقول والنفوس من المتفلسفة والمتكلمة: إنها ~~جواهر قائمة بأنفسها وليست أجساما - فإن هذه الطريق (1) يعلم بها حدوث ذلك. # وطائفة من متأخري أهل الكلام - كالشهرستاني (2) . والرازي والآمدي وغيرهم ~~- قالوا: إن قدماء أهل الكلام لم يقيموا دليلا على نفي هذه، ودليلهم على ~~حدوث الأجسام لا يتناول هذه. # وقد بين في غير هذا الموضع أن هؤلاء النظار - كأبي الهذيل والنظام (3) ~~والهشامين (4) وابن كلاب وابن كرام والأشعري والقاضي أبي بكر (5) [وأبي ~~المعالي] PageV01P394 # (1) وأبي علي (2) وأبي هاشم وأبي الحسين البصري (3) وأبي بكر بن العربي ~~(4) وأبي الحسن التميمي والقاضي أبي يعلى و [أبي الوفاء] بن عقيل ~~PageV01P395 # وأبي الحسن بن الزاغوني (1) وغير هؤلاء (2) - يثبتون (3) امتناع وجود (4) ~~موجود ممكن قائم بنفسه لا يشار إليه، فبينوا بطلان ثبوت تلك المجردات في ~~الخارج، لكن منهم من أبطل ثبوت ما لا يشار إليه مطلقا، ومنهم من أبطل ذلك ~~في الممكنات. # ومما يستفاد بهذه الطريق التي قررناها: الخلاص عن إثبات الحدوث بلا سبب ~~حادث، والخلاص عن نفي ما يقوم بذات الله من صفاته وأفعاله. # ومما يستفاد بذلك ms0198: أنها برهان باهر على بطلان قول القائلين بقدم العالم ~~أو شيء منه، وهو متضمن الجواب (5) عن عمدتهم. # ومما يستفاد بذلك: الاستدلال على المطلوب من غير احتياج إلى الفرق بين ~~الموجب بالذات والفاعل بالاختيار. وذلك أن كثيرا من أهل النظر غلطوا في ~~الفرق بين هذا وهذا، من المعتزلة والشيعة، وصار كثير من الناس كالرازي ~~وأمثاله مضطربين في هذا المقام، فتارة يوافقون المعتزلة على الفرق وتارة ~~يخالفونهم. وإذا خالفوهم فهم مترددون بين أهل السنة وبين الفلاسفة أتباع ~~أرسطو. # وأصل ذلك أنا نعلم أن القادر المختار يفعل بمشيئته وقدرته، لكن هل يجب ~~وجود المفعول عند وجود الإرادة الجازمة والقدرة التامة أم لا؟ . ~~PageV01P396 # فمذهب الجمهور من أهل السنة المثبتين للقدر، وغيرهم من نفاة القدر، أنه ~~يجب وجود المفعول (1) عند وجود المقتضى التام، وهو الإرادة الجازمة والقدرة ~~التامة. # وطائفة [أخرى] (2) من مثبتة القدر: الجهمية وموافقيهم، ومن نفاة القدر: ~~المعتزلة وغيرهم لا توجب (3) ذلك، بل يقولون: القادر هو الذي يفعل على وجه ~~الجواز لا على وجه الوجوب، ويجعلون هذا هو الفرق بينه وبين الموجب بالذات. ~~وهؤلاء يقولون: إن القادر المختار يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح، ~~كالجائع مع الرغيفين والهارب مع الطريقين. # ثم القدرية من هؤلاء يقولون: العبد قادر يرجح أحد مقدوريه بلا مرجح، كما ~~يقولون مثل ذلك في الرب. ولهذا كان [من] (4) قول هؤلاء القدرية: إن الله لم ~~ينعم على أهل الطاعة بنعم (5) خصهم بها حتى أطاعوه بها (6) ، بل تمكينه ~~للمطيع وغيره سواء؛ لكن هذا رجح الطاعة بلا مرجح، بل بمجرد قدرته من غير ~~سبب أوجب ذلك، وهذا رجح المعصية بمجرد قدرته، من غير سبب أوجب ذلك. # وأما الجبرية - كجهم وأصحابه - فعندهم أنه ليس للعبد قدرة ألبتة. ~~PageV01P397 # والأشعري يوافقهم في المعنى فيقول: ليس للعبد قدرة (1) مؤثرة، ويثبت شيئا ~~يسميه قدرة يجعل وجوده كعدمه، وكذلك الكسب الذي يثبته. # وهؤلاء لا (2) يمكنهم أن يحتجوا على بطلان قول القدرية بأن رجحان فاعلية ~~العبد على تاركيته لا بد لها من مرجح - كما يفعل ذلك الرازي وطائفة من ~~الجبرية ms0199 - ولهذا لم يذكر الأشعري وقدماء أصحابه هذه الحجة. # وطائفة من الناس - كالرازي وأتباعه - إذا ناظروا المعتزلة في مسائل القدر ~~أبطلوا هذا الأصل، وبينوا (3) أن الفعل يجب وجوده عند وجود المرجح التام، ~~وأنه يمتنع فعله بدون المرجح التام، ونصروا (4) أن القادر المختار لا يرجح ~~أحد مقدوريه على الآخر إلا بالمرجح [التام] (5) . وإذا ناظروا الفلاسفة في ~~مسألة حدوث العالم وإثبات الفاعل المختار، وإبطال قولهم بالموجب بالذات، ~~سلكوا مسلك المعتزلة والجهمية في القول بأن القادر المختار يرجح أحد ~~مقدوريه على الآخر بلا مرجح، وعامة الذين سلكوا مسلك أبي عبد الله بن ~~الخطيب (6) وأمثاله (7) تجدهم يتناقضون هذا التناقض. PageV01P398 # وفصل الخطاب أن يقال: أي شيء يراد بلفظ الموجب بالذات؟ إن عني [به] (1) ~~أنه يوجب بذات مجردة عن المشيئة والقدرة، فهذه الذات لا حقيقة لها ولا ثبوت ~~في الخارج، فضلا عن أن تكون موجبة. # والفلاسفة يتناقضون، فإنهم يثبتون للأول غاية، ويثبتون العلل الغائية في ~~إبداعه، وهذا يستلزم الإرادة. # وإذا فسروا الغاية بمجرد العلم، وجعلوا العلم مجرد الذات، كان هذا في ~~غاية الفساد والتناقض، فإنا نعلم بالضرورة أن الإرادة ليست مجرد العلم، وأن ~~العلم ليس هو مجرد (2) العالم، لكن هذا من تناقض هؤلاء الفلاسفة في هذا ~~الباب، فإنهم يجعلون المعاني المتعددة معنى واحدا (3) ، فيجعلون العلم هو ~~القدرة وهو الإرادة، ويجعلون الصفة هي نفس الموصوف، كما يجعلون العلم هو ~~[نفس] (4) العالم، والقادر هو القدرة، والإرادة هي المريد، والعشق هو ~~العاشق. # وهذا قد صرح به فضلاؤهم - وحتى المنتصرون لهم - مثل ابن رشد الحفيد، الذي ~~رد على [أبي حامد] الغزالي (5) في " تهافت التهافت (6) " وأمثاله. # وأيضا: فلو قدر وجود ذات مجردة عن المشيئة والاختيار، فيمتنع أن يكون ~~العالم صادرا عن موجب بالذات بهذا التفسير؛ لأن الموجب PageV01P399 # بالذات بهذا الاعتبار يستلزم موجبه ومقتضاه، فلو كان مبدع العالم موجبا ~~بالذات بهذا التفسير، لزم أن لا يحدث في العالم شيء، وهو خلاف المشاهدة. ~~فقولهم بالموجب بالذات يستلزم نفي صفاته ونفي أفعاله ونفي حدوث شيء من ~~العالم، وهذا كله معلوم البطلان. # وأبطل من ذلك أنهم ms0200 جعلوه واحدا بسيطا، وقالوا: إنه لا يصدر عنه إلا واحد، ~~ثم احتالوا في صدور الكثرة عنه بحيل تدل على عظيم (1) حيرتهم وجهلهم بهذا ~~الباب، كقولهم: إن الصادر الأول هو العقل الأول، وهو موجود، واجب بغيره، ~~ممكن بنفسه، ففيه ثلاث جهات، فصدر عنه باعتبار وجوبه عقل آخر، وباعتبار ~~وجوده نفس، وباعتبار إمكانه [فلك. وربما قالوا: وباعتبار وجوده صورة الفلك، ~~وباعتبار إمكانه] (2) مادته. وهم متنازعون في النفس الفلكية: هل هي جوهر ~~مفارق له، [أم] (3) عرض قائم به (4) ؟ . # ولهذا أطنب الناس في بيان فساد كلامهم، وذلك أن هذا الواحد الذي فرضوه لا ~~يتصور وجوده إلا في الأذهان لا في الأعيان. ثم قولهم: الواحد لا يصدر عنه ~~إلا واحد قضية كلية، وهم لو علموا ثبوتها في [بعض] (5) الصور، لم يلزم أن ~~تكون كلية إلا بقياس التمثيل، فكيف وهم لا يعلمون واحدا صدر عنه شيء؟ . ~~PageV01P400 # وما (1) يمثلون به من صدور التسخين عن النار والتبريد عن الماء باطل، فإن ~~تلك الآثار لا تصدر إلا عن شيئين: فاعل وقابل، والأول تعالى كل ما سواه ~~صادر عنه، ليس هناك قابل موجود. # وإن قالوا: الماهيات الثابتة في الخارج الغنية عن الفاعل هي القابل، كان ~~هذا باطلا من وجوه: منها: أن هذا بناء على أصلهم الفاسد، وهو إثبات ماهيات ~~موجودة في الخارج مغايرة للأعيان الموجودة، وهذا باطل قطعا. وما يذكرونه من ~~أن المثلث (2) يتصور قبل أن يعلم وجوده لا يدل على ثبوت (3) المثلث (4) في ~~الخارج، بل يدل على ثبوته في الذهن، ولا ريب في حصول الفرق بين ما في ~~الأذهان وما في الأعيان. ومن هنا كثر غلطهم، فإنهم تصوروا أمورا في ~~الأذهان، فظنوا ثبوتها في الأعيان، كالعقول والماهيات الكلية والهيولى ونحو ~~ذلك. # ومنها: أن الماهيات هي بحسب ما يوجد، فكل ما وجد له عندهم ماهية، كما ~~يقوله من يقول: إن المعدوم شيء، من المعتزلة والشيعة، فلا يجوز (5) قصر ~~الموجودات على أمور لتوهم (6) أنه لا ماهية تقبل الوجود غيرها. PageV01P401 # ومنها: أن يقال: الماهيات الممكنة في نفسها لا نهاية لها. # ومنها: أن ms0201 يقال: الواحد المشهود الذي تصدر عنه الآثار له قوابل موجودة، ~~والباري تعالى هو المبدع لوجود كل ما سواه، فلا يعلم أمر صادر عن ممكن إلا ~~عن شيئين فصاعدا، مع أنه قد يكون هناك مانع يمنع التأثير (1) ، وليس في ~~الموجودات ما يصدر عنه وحده شيء إلا الله [تعالى] (2) . ### | بطلان ما يزعمه الفلاسفة من أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد # فقولهم: الواحد لا يصدر عنه إلا واحد قضية كلية: إن أدرجوا فيها [ما] (3) ~~سوى الله فذاك لا يصدر عنه وحده شيء، وإن لم يريدوا بها إلا الله وحده فهذا ~~محل النزاع وموضع الدليل، فكيف يكون المدلول عليه هو الدليل، وذلك الواحد ~~لا يعلمون حقيقته ولا كيفية الصدور عنه؟ . # وأيضا: فالواحد الذي يثبتونه، هو وجود مجرد عن الصفات الثبوتية عن ~~[بعضهم]- كابن سينا وأتباعه (4) - أو عن الثبوتية والسلبية عند بعضهم، وهذا ~~لا حقيقة له في الخارج، بل يمتنع تحققه في الخارج، وإنما هو [أمر] (5) يقدر ~~في الأذهان، كما تقدر الممتنعات. ولهذا (6) كان ما ذكره ابن سينا في هذا ~~الباب مما نازعه فيه ابن رشد وغيره من الفلاسفة، وقالوا: إن هذا ليس [هو] ~~قول [أئمة] الفلاسفة (7) ، وإنما ابن PageV01P402 # سينا وأمثاله أحدثوه، ولهذا لم يعتمد عليه أبو البركات [صاحب " المعتبر ~~"] (1) ، وهو من أقرب هؤلاء إلى اتباع الحجة الصحيحة بحسب نظره، والعدول عن ~~تقليد سلفهم، مع أن أصل (2) أمرهم وحكمتهم أن العقليات لا تقليد فيها. # . وأيضا: فإذا لم يصدر [عنه] (3) إلا واحد - كما يقولونه في العقل الأول ~~فذلك الصادر الأول إن كان واحدا من كل وجه، لزم أن لا يصدر عنه إلا واحد، ~~وهلم جرا. وإن كان فيه كثرة ما بوجه من الوجوه - والكثرة وجودية - كان قد ~~صدر (4) عن الأول أكثر من واحد، وإن كانت عدمية لم يصدر عنها وجود، فلا ~~يصدر عن الصادر الأول واحد. # وأما احتجاجهم على ذلك بقولهم: لو صدر عنه شيئان، لكان مصدر هذا غير مصدر ~~ذلك (5) ، ولزم التركيب. # فيقال أولا: ليس الصدور عن الباري كصدور الحرارة عن النار، بل هو ms0202 فاعل ~~بالمشيئة والاختيار، ولو قدر تعدد المصدر فهو تعدد أمور إضافية، وتعدد ~~الإضافات والسلوب ثابتة له بالاتفاق، ولو فرض أنه تعدد صفات، فهذا يستلزم ~~القول بثبوت الصفات، وهذا حق. # وقولهم: إن هذا تركيب، والتركيب (* ممتنع، قد بينا [فساده] بوجوه ~~PageV01P403 # كثيرة [في غير هذا الموضع] وبينا أن (1) لفظ التركيب والافتقار والجزء ~~والغير ألفاظ مشتركة مجملة، وأنها لا تلزم بالمعنى الذي دل الدليل على ~~نفيه، وإنما تلزم بالمعنى الذي لا *) (2) ينفيه الدليل، بل يثبته الدليل. # والمقصود هنا (3) أن الموجب بالذات إذا فسر بهذا فهو باطل، وأما إذا فسر ~~الموجب بالذات [بأنه] (4) الذي يوجب مفعوله بمشيئته وقدرته، لم يكن هذا ~~المعنى منافيا لكونه فاعلا بالاختيار، بل يكون فاعلا بالاختيار، موجبا ~~بذاته التي هي فاعل قادر مختار، وهو موجب بمشيئته وقدرته. # وإذا تبين أن الموجب بالذات يحتمل معنيين: أحدهما لا ينافي كونه فاعلا ~~بمشيئته [وقدرته] (5) (5 والآخر ينافي كونه فاعلا بمشيئته وقدرته 5) (6) ، ~~فمن قال: القادر لا يفعل إلا على وجه الجواز - كما يقوله من يقوله من ~~القدرية والجهمية - يجعل الفعل بالاختيار منافيا للإيجاب، لا يجامعه (7) ~~بوجه من الوجوه، ويقولون: إن القادر المختار لا يكون قادرا [مختارا] (8) ~~إلا إذا فعل على وجه الجواز لا على وجه الوجوب. PageV01P404 # والجمهور (1) من أهل السنة وغيرهم يقولون: القادر هو الذي إن شاء فعل وإن ~~لم يشأ (2) لم يفعل، لكنه إذا شاء أن يفعل مع قدرته، لزم وجود فعله، فما ~~شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فإنه قادر على ما يشاء، ومع القدرة التامة ~~والمشيئة الجازمة يجب وجود الفعل. # ولهذا صارت الأقوال ثلاثة: فالفلاسفة يقولون بالموجب بالذات المجردة عن ~~الصفات، أو الموصوف بالصفات الذي يجب أن يقارنه موجبه المعين أزلا وأبدا. # والقدرية من المعتزلة وغيرهم [من الجهمية، ومن وافقهم من غيرهم] (3) ، ~~يقولون بالفاعل المختار الذي يفعل على وجه الجواز لا على وجه الوجوب (4) . # ثم منهم من يقول: يفعل لا بإرادة، بل المريد عندهم هو الفاعل العالم. ~~ومنهم من يقول بحدوث الإرادة، وما يحدثه (5) من إرادة أو فعل فهو يحدثه ms0203 (6) ~~بمجرد القدرة، فإن القادر عندهم يرجح (7) بلا مرجح. ثم القدرية من هؤلاء ~~يقولون: يريد (8) ما لا يكون، ويكون ما لا يريد، وقد يشاء ما لا يكون، ~~ويكون ما لا يشاء، [بخلاف المجبرة] (9) . PageV01P405 # والجمهور من أهل السنة وغيرهم المثبتين للقدر والصفات، يقولون: إنه فاعل ~~بالاختيار، وإذا شاء شيئا كان، وإرادته وقدرته من لوازم ذاته، سواء قالوا ~~بإرادة واحدة قديمة، أو بإرادات متعاقبة، أو بإرادات (1) قديمة تستوجب حدوث ~~إرادات أخر. فعلى كل قول (2) من هذه الأقوال الثلاثة يجب عندهم وجود مراده. # وإذا فسر الإيجاب بالذات بهذا المعنى كان النزاع لفظيا، فالدليل الذي ~~ذكرناه يمكن (3) تصوره (4) بلفظ الموجب بالذات، ولفظ العلة والمعلول، ولفظ ~~المؤثر والأثر، ولفظ الفاعل المختار، وهو بجميع هذه العبارات يبين امتناع ~~قدم شيء من العالم، ووجوب حدوث كل ما سوى الله. # وهنا أمر آخر، وهو أن الناس تنازعوا في الفاعل المختار: هل يجب أن تكون ~~إرادته قبل الفعل ويمتنع مقارنتها له؟ أم يجب مقارنة إرادته - التي هي ~~القصد - للفعل، وما يتقدم الفعل يكون عزما لا قصدا؟ أم يجوز كل من الأمرين؟ ~~على ثلاثة أقوال. # ونحن قد بينا وجوب حدوث كل ما سوى الله على كل قول (5) من الأقوال ~~الثلاثة: قول من يوجب المقارنة، [وقول من يقول (6) بأن المقارنة] (7) ~~ممتنعة، وقول من يجوز الأمرين. PageV01P406 # وكذلك تنازعوا في القدرة: هل يجب مقارنتها للمقدور [ويمتنع تقديمها] (1) ~~؟ أم يجب تقدمها على المقدور (2 ويمتنع مقارنتها؟ أم تتصف بالتقدم ~~والمقارنة 2) (2) ؟ على ثلاثة أقوال أيضا (3) . # وفصل الخطاب أن الإرادة الجازمة مع القدرة التامة مستلزمة للفعل ومقارنة ~~له، فلا يكون [الفعل] (4) بمجرد قدرة متقدمة غير مقارنة، ولا بمجرد إرادة ~~متقدمة غير مقارنة، بل لا بد عند وجود الأثر من وجود المؤثر التام، ولا ~~يكون الفعل بفاعل معدوم حين الفعل (5) ، ولا بقدرة معدومة حين الفعل، (6 ~~ولا بإرادة معدومة حين الفعل 6) (6) ، وقبل [الفعل] (7) لا تجتمع الإرادة ~~الجازمة والقدرة التامة، فإن ذلك مستلزم للفعل، فلا يوجد إلا مع الفعل، لكن ~~قد يوجد قبل الفعل قدرة بلا إرادة، وإرادة بلا قدرة، كما ms0204 قد يوجد عزم على ~~أن يفعل، فإذا حضر وقت الفعل قوي العزم فصار قصدا، فتكون الإرادة حين الفعل ~~أكمل مما كانت (8) قبله، [وكذلك القدرة حين الفعل أكمل مما كانت قبله] (9) ~~. # وبهذا كان العبد قادرا قبل الفعل القدرة المشروطة في الأمر التي بها ~~PageV01P407 # يفارق العاجز (1) كما في قوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [سورة ~~التغابن: 16] ، وقوله: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} ~~[سورة آل عمران: 97] ، وقوله: {فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا} [سورة ~~المجادلة: 4] . فإن هذه الاستطاعة لو لم تكن [إلا] (2) مقارنة للفعل، لم ~~يجب الحج على من لم يحج، ولا وجب على من لم يتق الله أن يتقي الله، ولكان ~~كل من لم يصم الشهرين المتتابعين غير مستطيع للصيام، وهذا كله خلاف هذه ~~النصوص وخلاف إجماع المسلمين. # فمن نفى هذه القدرة من المثبتين للقدر، وزعم أن الاستطاعة لا تكون إلا مع ~~الفعل، فقد بالغ في مناقضة القدرية الذين يقولون: لا تكون الاستطاعة إلا ~~قبل الفعل. # فإن هؤلاء أخطئوا حيث زعموا ذلك، وقالوا: إن كل ما يقدر (3) به العبد على ~~الإيمان والطاعة فقد (4) سوى الله فيه بين المؤمن والكافر، بل سوى بينهما ~~في كل ما يمكن (5) أن يعطيه للعبد (6) مما به يؤمن ويطيع. # وهذا القول فاسد قطعا، فإنه لو كانا متساويين في جميع أسباب الفعل، لكان ~~اختصاص أحدهما بالفعل دون الآخر ترجيحا لأحد المتماثلين على الآخر من غير ~~مرجح. وهذا هو أصل هؤلاء القدرية PageV01P408 # الذين يقولون: إن الفاعل القادر يرجح أحد طرفي مقدوريه (1) على الآخر بلا ~~مرجح، وهذا باطل وإن وافقهم عليه بعض المثبتين للقدر. # وأما المثبتون للقدر المخالفون لهم في هذا الأصل، فمنهم طائفة إذا تكلموا ~~في مسائل القدر وخلق أفعال العباد، (2 قالوا: إن القادر لا يرجح أحد ~~مقدوريه على الآخر إلا بمرجح 2) (2) ، لكن إذا تكلموا في مسائل فعل الله، ~~وحدوث العالم، والفرق بين الموجب والمختار، ومناظرة الدهرية، تجد كثيرا ~~منهم يناظرهم مناظرة من قال من القدرية والجهمية المجبرة بأن الفاعل ~~المختار يرجح أحد مقدوريه بلا مرجح ms0205. # وبهذا ظهر (3) اضطرابهم في هذه الأصول [الكبار] (4) ، التي يدورون فيها ~~بين أصول القدرية والجهمية المجبرة المعطلة لحقيقة الأمر والنهي، والوعد ~~والوعيد، ولصفة (5) الله في خلقه وأمره، وبين أصول الفلاسفة الدهرية ~~المشركين. ### | نقد فلاسفة اليونان المشركين # وإن كانوا من الصابئين فهم من الصابئين (6) المشركين، لا من الصابئين ~~الحنفاء الذين أثنى عليهم القرآن، فإن أولئك يعبدون (7) الكواكب ويبنون لها ~~(8) الهياكل، ويتخذون فيها الأصنام، وهذا دين PageV01P409 # المشركين، وهو دين أهل مقدونية وغيرها من مدائن هؤلاء الفلاسفة الصابئة ~~المشركين. # والإسكندر الذي وزر له أرسطو هو (1) الإسكندر بن فيلبس المقدوني الذي ~~تؤرخ له اليهود والنصارى، وكان قبل المسيح [عليه السلام] (2) بثلاثمائة ~~عام، ليس هو ذا القرنين المذكور في القرآن، فإن هذا كان متقدما عليه وهو من ~~الحنفاء، وذاك هو ووزيره [أرسطو] (3) كفار يقولون بالسحر والشرك. # ولهذا كانت الإسماعيلية أخذت ما يقوله هؤلاء في (4) العقل والنفس، وما ~~تقوله المجوس من النور والظلمة، فركبوا من ذلك ومن التشيع، وعبروا عن ذلك ~~بالسابق والتالي، كما قد بسط في موضعه. # وأصل المشركين والمعطلة (5) باطل، وكذلك أصل المجوس، والقدرية تخرج بعض ~~(6) الحوادث عن خلق الله وقدرته، ويجعلون له شريكا في الملك. # وهؤلاء الدهرية شر منهم في ذلك، فإن قولهم يستلزم إخراج جميع الحوادث عن ~~خلق الله وقدرته وإثبات شركاء كثيرين له في الملك، بل يستلزم تعطيل الصانع ~~بالكلية. ولهذا كان (7) معلمهم الأول أرسطو PageV01P410 # وأتباعه إنما يثبتون الأول - الذي يسمونه العلة الأولى - بالاستدلال ~~بحركة الفلك (1) ، فإنهم قالوا: هي اختيارية شوقية، فلا بد أن يكون لها ~~محرك [منفصل] (2) عنها، وزعموا أن المتحرك بالإرادة لا بد له من محرك منفصل ~~عنه، وإن كان هذا قولا لا دليل عليه، بل هو باطل. # قالوا: والمحرك لها يحركها، كما يحرك الإمام المقتدى به للمأموم المقتدي، ~~وقد يشبهونها بحركة المعشوق للعاشق، فإن المحبوب المراد يتحرك [إليه] (3) ~~المحب المريد من غير حركة من (4) المحبوب. قالوا: وذلك العشق هو عشق التشبه ~~بالأول (5) . ### | موافقة الفارابي وابن سينا لأرسطو في القول بالحركة الشوقية # وهكذا وافقه متأخروهم كالفارابي وابن سينا وأمثالهما، وهؤلاء ms0206 كلهم ~~يقولون: إن سبب الحوادث في العالم إنما هو حركات الأفلاك (6) ، وحركات ~~الأفلاك حادثة عن تصورات حادثة وإرادات (7) حادثة شيئا بعد شيء، وإن كانت ~~تابعة لتصور كلي [وإرادة كلية] (8) ، كالرجل الذي يريد PageV01P411 # القصد إلى بلد معين، مثل مكة مثلا، فهذه إرادة كلية [تتبع تصورا كليا] ~~(1) ، ثم إنه لا بد أن يتجدد له تصورات لما يقطعه من المسافات، وإرادات ~~لقطع تلك المسافات، فكهذا حركة (2) الفلك عندهم. لكن مراده الكلي هو التشبه ~~(3) بالأول، ولهذا قالوا: الفلسفة هي التشبه بالأول بحسب الإمكان (4) . # فإذا (5) كان الأمر كذلك عندهم، فمعلوم أن العلة الغائية المنفصلة عن ~~المعلول لا تكون هي العلة الفاعلة، وإذا كان الفلك ممكنا متحركا بإرادته ~~واختياره، فلا بد من مبدع [له] (6) أبدعه كله بذاته وصفاته وأفعاله ~~كالإنسان، ولا بد لهذه التصورات والإرادات والحركات الحادثة أن تنتهي إلى ~~واجب بنفسه قديم تكون صادرة عنه، سواء قيل: إنها صادرة بوسط أو بغير وسط. # وهؤلاء لم يثبتوا شيئا من ذلك، بل لم يثبتوا إلا علة غائية للحركة، ~~PageV01P412 # فكان حقيقة قولهم أن جميع الحوادث من العالم العلوي والسفلي ليس لها فاعل ~~يحدثها أصلا، بل ولا لما يستلزم هذه الحوادث (1) [والعناصر] (2) ، وكل من ~~أجزاء العالم مستلزم للحوادث (3) . # ومن المعلوم في بدائة (4) العقول أن الممكن المفتقر إلى غيره ممتنع (5) ~~وجوده بدون واجب الوجود، وأن الحوادث يمتنع وجودها بدون محدث. ومتأخروهم - ~~كابن سينا وأمثاله - يسلمون (6) أن العالم كله ممكن [بنفسه] (7) ليس بواجب ~~بنفسه، ومن نازع في ذلك من غلاتهم فقوله معلوم الفساد بوجوه كثيرة، فإن ~~الفقر والحاجة لازمان (8) لكل جزء من أجزاء العالم، لا يقوم منه شيء (9) ~~إلا بشيء منفصل عنه. # وواجب الوجود مستغن عنه (10) بنفسه، لا يفتقر إلى غيره بوجه من الوجوه، ~~وليس في العالم شيء يكون [هو] (11) وحده محدثا لشيء من الحوادث، وكل من ~~الأفلاك له حركة تخصه، ليست حركته عن حركة PageV01P413 # الأعلى حتى يقال (1) أن الأعلى هو المحدث لجميع الحركات، ولا في الوجود ~~شيء حادث (2) عن سبب بعينه - لا عن حركة الشمس ولا القمر ولا الأفلاك (3) ~~ولا ms0207 العقل الفعال ولا شيء مما يظن - بل أي جزء من العالم اعتبرته وجدته لا ~~يستقل بإحداث شيء، ووجدته إذا كان له أثر في شيء - كالسخونة التي تكون ~~للشمس مثلا - فله مشاركون في ذلك الشيء بعينه، كالفاكهة التي للشمس مثلا ~~أثر في إنضاجها ثم إيباسها وتغيير ألوانها ونحو ذلك، لا يكون إلا بمشاركة ~~من الماء والهواء والتربة (4) وغير ذلك من الأسباب، ثم كل من هذه الأسباب ~~لا يتميز أثره عن أثر الآخر، بل هما متلازمان. # فإذا قالوا: العقل الفعال للفعل (5) خلع عليه صورة عند استعداده، [و] ~~بالامتزاج (6) قبل الصورة، مثلا كالطين (7) الذي يحدث [فيه] (8) عن امتزاج ~~الماء والتراب (9) أثر ملازم لهذا الامتزاج، لا يمكن وجود أحدهما دون ~~الآخر، فإذا كان المؤثر فيهما اثنين (10) لزم أن يكونا متلازمين، لامتناع ~~PageV01P414 # وجود أثر أحدهما دون (1) الآخر، ويمتنع اثنان متلازمان كل منهما واجب ~~الوجود؛ لأن واجب الوجود لا يكون وجوده مشروطا بوجود غيره، ولا تأثيره ~~مشروطا بتأثير غيره، إذ لو كان كذلك لكان مفتقرا إلى غيره، فلا يكون واجبا ~~بنفسه غنيا عما سواه، فكل ما (2) افتقر إلى غيره في نفسه أو شيء من صفاته ~~أو أفعاله (3) ، لا يكون مستغنيا بنفسه، بل يكون مفتقرا إلى غيره، [ومن كان ~~فقيرا إلى غيره ولو بوجه] (4) ، لم يكن غناه ثابتا له بنفسه. # وقد علم بالاضطرار أنه لا بد من (5) وجود غني بنفسه عما سواه من (6) كل ~~وجه، فإن الموجود إما ممكن وإما واجب، والممكن لا بد له من واجب، فثبت وجود ~~الواجب على التقديرين. # وكذلك يقال للوجود (7) : إما محدث وإما قديم، والمحدث لا بد له من قديم، ~~فثبت وجود القديم على التقديرين. # وكذلك يقال: إما فقير وإما غني، والفقير لا بد له من غني، فثبت وجود ~~الغني على التقديرين. # وكذلك يقال: الموجود (8) إما قيوم وإما غير قيوم، وغير القيوم لا بد له ~~من قيوم، فثبت وجود القيوم على التقديرين. PageV01P415 # وكذلك يقال: إما مخلوق وإما غير مخلوق، والمخلوق لا بد له من خالق غير ~~المخلوق، فثبت وجود الموجود الذي ليس ms0208 بمخلوق على التقديرين. # ثم ذلك الموجود الواجب بنفسه [القديم] (1) الغني بنفسه القيوم الخالق ~~الذي ليس بمخلوق، يمتنع أن يكون مفتقرا إلى غيره بجهة من الجهات، فإنه إن ~~افتقر إلى مفعوله، ومفعوله مفتقر إليه، لزم الدور في المؤثرات. وإن افتقر ~~إلى غيره، وذلك الغير مفتقر إلى غيره، لزم التسلسل في المؤثرات. وكل من ~~هذين معلوم البطلان بصريح العقل واتفاق العقلاء. # فإن امتنع (2) أن يكون فاعلا [لنفسه، فهو يمتنع أن يكون فاعلا لفاعل] (3) ~~بنفسه بطريق الأولى، وسواء عبر (4) بلفظ الفاعل أو الصانع (5) أو الخالق أو ~~العلة أو المبدأ أو المؤثر، فالدليل يصح بجميع هذه العبارات. # وكذلك يمتنع تقدير مفعولات ليس فيها فاعل غير مفعول، وهو تقدير آثار (* ~~ليس فيها مؤثر، وتقدير ممكنات ليس فيها واجب بنفسه، فإن كل واحد من ذلك *) ~~(6) ممكن فقير، ومجموعها مفتقر إلى كل من آحادها (7) ، فهو PageV01P416 # أيضا فقير ممكن، وكلما زادت السلسلة زاد (1) الفقر والاحتياج، وهو في ~~الحقيقة تقدير معدومات لا تتناهى، فإن كثرتها لا تخرجها عن كونها معدومات، ~~فيمتنع أن يكون فيها موجود، وهذا كله مبسوط في موضعه. # والمقصود هنا أنه لا بد من وجود الموجود الغني القديم الواجب بنفسه، ~~الغني عما سواه من كل وجه، بحيث لا يكون مفتقرا إلى غيره بوجه من الوجوه، ~~وكل ما في العالم فهو مفتقر إلى غيره، والفقر (2) ظاهر في كل جزء من العالم ~~لمن تدبره، لا يحدث شيئا (3) بنفسه ألبتة، بل لا يستغني بنفسه ألبتة، ~~فيمتنع أن يكون واجب الوجود. # فلا بد أن يكون الواجب القيوم الغني مباينا للعالم، ويجب أن يثبت له كل ~~كمال [ممكن الوجود] (4) لا نقص فيه، فإنه إن لم يتصف به (* لكان الكمال: ~~إما ممتنعا عليه، وهو محال: لأن التقدير أنه ممكن الوجود، ولأن (5) ~~الممكنات *) (6) متصفة (7) بكمالات عظيمة، والخالق أحق بالكمال من المخلوق، ~~والقديم أحق به من الحادث، والواجب أحق به من الممكن؛ لأنه أكمل وجودا منه، ~~والأكمل أحق بالكمال من غير الأكمل، ولأن كمال المخلوق من الخالق، فخالق ~~الكمال أحق بالكمال، وهم يقولون: PageV01P417 # كمال المعلول ms0209 من كمال (1) العلة. وإذا لم يكن الكمال ممتنعا عليه، فلا بد ~~أن يكون واجبا له، إذ لو كان ممكنا غير واجب ولا ممتنع لافتقر في ثبوته له ~~إلى غيره، وما كان كذلك لم يكن واجب الوجود بنفسه، فما أمكن له من الكمال ~~فهو واجب له. ### | امتناع مقارنة المفعول للواجب # ويمتنع (2) أن يكون مفعوله مقارنا له أزليا معه لوجوه: أحدها: أن مفعوله ~~مستلزم للحوادث لا ينفك عنها، وما يستلزم الحوادث يمتنع (3) أن يكون معلولا ~~لعلة تامة أزلية، فإن معلول العلة التامة الأزلية لا يتأخر منه (4) شيء، ~~ولو تأخر منه (5) شيء لكانت علة (6) بالقوة لا بالفعل، ولافتقرت في كونها ~~فاعلة له إلى شيء منفصل عنها، وذلك ممتنع. فوجب أن يكون مفعولا له لا يكون ~~عنه إلا شيئا (7) بعد شيء (8) ، فكل ما هو مفعول له فهو حادث بعد أن لم ~~يكن، ولأن كونه مقارنا له في الأزل يمنع (9) كونه مفعولا له، فإن كون الشيء ~~مفعولا مقارنا ممتنع عقلا. # ولا يعقل في الموجودات شيء معين هو علة تامة لمعلول مباين له PageV01P418 # أصلا، [بل] (1) كل ما يقال: إنه علة: إما أن يكون تأثيره متوقفا على غيره ~~فلا تكون تامة، وإما أن [لا] (2) يكون مباينا له على رأي من يقول: العلم ~~علة للعالمية عند من يثبت الأحوال، وإلا فجمهور الناس يقولون: العلم هو ~~العالمية. # وأما إذا قيل: الذات موجبة للصفات أو علة لها، فليس لها (3) في الحقيقة ~~فعل ولا تأثير أصلا. # وإما إذا قدر شيء مؤثر في غيره، وقدر أنهما متقارنان (4) متساويان لم ~~يسبق أحدهما الآخر سبقا زمانيا، فهذا لا يعقل أصلا. # وأيضا: فكونه متقدما على غيره من كل وجه صفة كمال، إذ المتقدم على غيره ~~من كل وجه أكمل ممن يتقدم (5) من وجه دون وجه. # وإذا قيل: الفعل أو تقدير الفعل لا يجوز أن يكون له ابتداء أو غير ذلك ~~كالحركة أو الزمان. # قيل: إن كان هذا باطلا فقد اندفع، وإن كان صحيحا فالمثبت إنما هو الكمال ~~الممكن الوجود. # وحينئذ فإذا كان النوع دائما، فالممكن ms0210 والأكمل (6) هو التقدم على كل فرد ~~من الأفراد، بحيث لا يكون في أجزاء العالم شيء يقارنه (7) بوجه من ~~PageV01P419 # الوجوه، وأما دوام الفعل فهو أيضا من الكمال، فإن الفعل إذا كان صفة ~~كمال، فدوامه دوام الكمال، وإن لم يكن صفة كمال، لم يجب دوامه. فعلى ~~التقديرين لا يكون شيء من العالم قديما معه، والكلام على هذا مبسوط في غير ~~هذا الموضع. ### | وجه الارتباط بين الكلام في قدم العالم ومسألة الحكمة والتعليل # وإنما [كان] المقصود [هنا] التنبيه (1) على مآخذ المسلمين في مسألة ~~التعليل. فالمجوزون للتعليل يقولون: الذي دل عليه الشرع والعقل أن كل ما ~~سوى الله محدث كائن بعد أن لم يكن، وأما كون الرب لم يزل معطلا عن الفعل ثم ~~فعل، فهذا ليس في الشرع ولا في العقل (2) ما يثبته، بل كلاهما يدل على ~~نقيضه. # وإذا عرف الفرق بين نوع الحوادث وبين أعيانها، وعلم الفرق بين قول ~~المسلمين وأهل الملل وأساطين الفلاسفة الذين يقولون بحدوث كل واحد واحد من ~~العالم العلوي والسفلي، وبين قول أرسطو وأتباعه الذين يقولون بقدم الأفلاك ~~والعناصر، تبين (3) ما في هذا الباب من الخطأ والصواب، وهو من أجل المعارف ~~وأعلى العلوم، فهذا جواب من يقول بالتعليل لمن احتج عليه بالتسلسل في ~~الآثار (4) . ### | [حجة الاستكمال] # وأما حجة الاستكمال (5) فقالوا: الممتنع أن يكون الرب تعالى مفتقرا ~~PageV01P420 # إلى غيره، أو أن يكون ناقصا في الأزل عن كمال يمكن وجوده في الأزل ~~كالحياة والعلم. وإذا كان هو القادر الفاعل لكل شيء، لم يكن محتاجا إلى ~~غيره بوجه من الوجوه، بل العلل المفعولة هي مقدورة ومرادة له. والله تعالى ~~يلهم عباده الدعاء ويجيبهم، ويلهمهم التوبة ويفرح بتوبتهم إذا تابوا، ~~ويلهمهم العمل ويثيبهم إذا عملوا، ولا يقال: إن المخلوق أثر في الخالق (1) ~~أو (2) جعله فاعلا للإجابة (3) والإثابة والفرح [بتوبتهم] (4) ، فإنه ~~سبحانه هو الخالق لذلك كله، له الملك وله الحمد لا شريك له في شيء من ذلك، ~~ولا يفتقر فيه إلى غيره. والحوادث التي لا يمكن وجودها إلا متعاقبة، لا ~~يكون عدمها في الأزل ms0211 نقصا. # قالوا (5) : وأما قولهم هذا يستلزم قيام الحوادث به (6) . # فيقال: أولا: هذا قول من هم من أكبر شيوخ المعتزلة والشيعة (7) - كهشام ~~بن الحكم وأبي الحسين البصري ومن تبعهما - وهو لازم لسائرهم، والشيعة ~~المتأخرون أتباع المعتزلة البصريين (8) في هذا الباب، هم والمعتزلة ~~البصريون يقولون: إنه صار مدركا بعد أن لم يكن، (* لأن PageV01P421 # الإدراك عندهم كالسمع والبصر إنما يتعلق بالموجود، وهم يقولون: صار مريدا ~~بعد أن لم يكن *) (1) . وأما البغداديون فإنهم وإن أنكروا الإدراك والإرادة ~~فهم يقولون (2) : صار فاعلا بعد أن لم يكن. قالوا: وهذا قول بتجدد أحكام له ~~وأحوال. # ولهذا قيل: إن هذه المسألة تلزم سائر الطوائف حتى الفلاسفة، وقد قال بها ~~من أساطينهم الأولين وفضلائهم المتأخرين غير واحد، ويقال (3) : إن ~~[الأساطين] (4) الذين كانوا قبل أرسطو أو كثيرا منهم (5) كانوا يقولون بها، ~~وقال بها أبو البركات صاحب " المعتبر " وغيره، وهو قول طوائف من أهل الكلام ~~من المرجئة والشيعة (6) والكرامية وغيرهم كأبي معاذ التومني (7) والهشامين. # وأما جمهور أهل السنة والحديث فإنهم يقولون بها أو بمعناها، وإن كان منهم ~~من لا يختار إلا (8) أن يطلق الألفاظ الشرعية، ومنهم من يعبر PageV01P422 # عن المعنى الشرعي (1) بالعبارات الدالة عليه، مثل حرب الكرماني (2) ، ~~ونقله عن الأئمة، ومثل عثمان بن سعيد الدارمي (3) ، ونقله عن أهل السنة، ~~ومثل البخاري صاحب الصحيح، [وأبي بكر] بن خزيمة (4) الملقب إمام الأئمة، ~~ومثل أبي عبد الله بن حامد (5) ، وأبي إسماعيل الأنصاري (6) الملقب بشيخ ~~الإسلام، ومن لا يحصي عدده إلا الله. # والمعتزلة كانوا ينكرون أن يقوم بذات الله (7) صفة أو فعل، وعبروا عن ذلك ~~بأنه لا تقوم به الأعراض والحوادث، فوافقهم [أبو محمد عبد الله بن سعيد] بن ~~كلاب (8) على [نفي] (9) ما يتعلق بمشيئته وقدرته، وخالفهم في PageV01P423 # نفي الصفات ولم يسمها أعراضا. ووافقه على ذلك الحارث المحاسبي أبو عبد ~~الله الحارث بن أسد المحاسبي من شيوخ الصوفية، توفي ببغداد سنة 243 ترجمته ~~في طبقات الشافعية 2/275 - 279؛ شذرات الذهب 2؛ الشعراني: الطبقات الكبرى ~~1/64؛ السلمي: طبقات الصوفية، ص 56 - 60؛ الخلاصة للخزرجي، ص 57؛ ميزان ~~الاعتدال 1/430 - 431؛ الأعلام 2/153 - 154؛ سزكين م [0 - 9] ج 1، ص [0 - ~~9] 13 - 119.، ويقال ms0212 إنه رجع عن ذلك، وبسبب مذهب ابن كلاب هجره الإمام أحمد ~~بن حنبل، وقيل: إنه تاب منه. # وصار النزاع في هذا [الأصل] الأصل: ساقطة من (ن) فقط. بين طوائف الفقهاء، ~~فما من طائفة من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي [وأحمد] إلا [وفيهم] من ~~يقول (1) بقول ابن كلاب في هذا الأصل، كأبي الحسن التميمي والقاضي أبي بكر ~~والقاضي أبي يعلى [وأبي المعالي] الجويني (2) وابن عقيل وابن الزاغوني، ~~وفيهم من يقول بقول جمهور أهل الحديث كالخلال (3) وصاحبه أبي بكر عبد ~~العزيز (4) وأبي عبد الله بن حامد وأبي PageV01P424 # عبد الله بن منده (1) وأبي إسماعيل الأنصاري وأبي نصر السجزي (2) وأبي ~~بكر محمد بن إسحق بن خزيمة وأتباعه (3) . # وجماع [القول في] ذلك ن، م: وجماع ذلك. أن الباري تعالى هل يقوم به ما ~~يتعلق بمشيئته وقدرته كالأفعال الاختيارية على هذين القولين؟ . # قال المثبتون لذلك وللتعليل: نحن نقول لمن أنكر ذلك من المعتزلة والشيعة ~~ونحوهم: أنتم تقولون: [إن الرب] (4) كان معطلا في الأزل لا يتكلم ولا يفعل ~~شيئا، ثم أحدث الكلام والفعل بلا سبب حادث أصلا، فلزم ترجيح أحد طرفي ~~الممكن على الآخر بلا مرجح، وبهذا استطالت عليكم الفلاسفة وخالفتهم أئمة ~~أهل الملل وأئمة الفلاسفة في ذلك، وظننتم أنكم أقمتم الدليل على حدوث ~~العالم بهذا، حيث ظننتم أن ما لا يخلو عن نوع الحوادث يكون حادثا لامتناع ~~حوادث لا نهاية لها. # وهذا الأصل ليس معكم به كتاب ولا سنة ولا أثر عن الصحابة والتابعين، بل ~~الكتاب والسنة والآثار عن الصحابة [والقرابة] وأتباعهم (5) PageV01P425 # بخلاف ذلك، والنص والعقل دل على أن كل ما سوى الله [تعالى مخلوق] حادث ~~(1) كائن بعد أن لم يكن، ولكن لا يلزم (2) من حدوث كل فرد فرد مع كون ~~الحوادث متعاقبة [حدوث النوع] (3) ، فلا يلزم من ذلك أنه لم يزل الفاعل ~~المتكلم معطلا عن الفعل (4) والكلام، ثم حدث ذلك بلا سبب (5) ، كما لم يلزم ~~[مثل] (6) ذلك في المستقبل، فإن كل فرد فرد من المستقبلات المنقضية (7) ~~فان، وليس النوع فانيا. كما قال تعالى: {أكلها دائم ms0213 وظلها} [سورة الرعد: ~~35] ، وقال: {إن هذا لرزقنا ما له من نفاد} [سورة ص: 54] . فالدائم الذي لا ~~ينفد - أي لا ينقضي - هو (8) النوع، وإلا فكل فرد من أفراده نافد منقض ليس ~~بدائم. # وذلك أن الحكم الذي توصف به الأفراد إذا كان لمعنى موجود في الجملة [وصفت ~~به الجملة، مثل وصف كل فرد بوجود أو إمكان أو بعدم، فإنه يستلزم وصف ~~الجملة] (9) بالوجود والإمكان والعدم؛ لأن طبيعة الجميع هي (10) طبيعة كل ~~واحد واحد، وليس المجموع إلا الآحاد الممكنة أو الموجودة أو المعدومة. ~~PageV01P426 # وأما إذا كان ما وصف به الأفراد لا يكون صفة للجملة، لم يلزم أن يكون حكم ~~الجملة حكم الأفراد، كما في أجزاء البيت والإنسان [والشجرة] (1) ، فإنه ليس ~~كل منها بيتا ولا إنسانا [ولا شجرة] (2) ، وأجزاء الطويل والعريض والدائم ~~والممتد لا يلزم أن يكون كل منها طويلا وعريضا ودائما وممتدا (3) . # وكذلك إذا وصف كل واحد واحد من المتعاقبات بفناء أو حدوث، لم يلزم أن ~~يكون النوع منقطعا أو حادثا (4) بعد أن لم يكن؛ لأن حدوثه معناه أنه وجد ~~بعد أن لم يكن، كما أن فناءه معناه أنه عدم بعد وجوده. وكونه عدم بعد ~~وجوده، أو وجد بعد عدمه أمر (5) يرجع إلى وجوده وعدمه، لا إلى نفس الطبيعة ~~الثابتة للمجموع، كما في الأفراد الموجودة (6) أو المعدومة أو الممكنة، ~~فليس إذا كان هذا المعين (7) لا يدوم، يلزم أن يكون نوعه (8) لا يدوم؛ لأن ~~الدوام تعاقب الأفراد، وهذا أمر يختص به المجموع، لا يوصف به الواحد، وإذا ~~حصل للمجموع بالاجتماع حكم PageV01P427 # يخالف به حكم الأفراد، لم يجب مساواة المجموع للأفراد في أحكامه. # وبالجملة، فما يوصف به الأفراد قد توصف به الجملة وقد لا توصف به، فلا ~~يلزم من حدوث الفرد حدوث النوع إلا إذا ثبت أن هذه الجملة موصوفة بصفة هذه ~~الأفراد. # وضابط ذلك أنه إن كان بانضمام هذا الفرد إلى هذا الفرد يتغير ذلك الحكم ~~الذي لذلك الفرد (1) ، لم يكن حكم المجموع حكم الأفراد، وإن لم يتغير ذلك ~~الحكم الذي لذلك الفرد، كان ms0214 حكم المجموع حكم أفراده (2) . # مثال الأول: أنا إذا ضممنا هذا الجزء إلى هذا الجزء، صار المجموع (3) ~~أكثر وأطول وأعظم من كل فرد، فلا يكون في مثل هذا حكم (4) المجموع حكم ~~الأفراد. فإذا قيل: إن (5) هذا اليوم طويل، لم يلزم أن يكون جزؤه طويلا. ~~وكذلك إذا قيل: هذا الشخص أو الجسم (6) طويل أو ممتد، أو قيل: إن هذه ~~الصلاة طويلة، أو قيل: [إن] (7) هذا النعيم دائم، لم يلزم أن يكون كل جزء ~~منه دائما. # قال الله تعالى: {أكلها دائم وظلها} [سورة الرعد: 35] ، وليس كل جزء ~~PageV01P428 # من أجزاء (1) الأكل دائما. وكذلك في الحديث (2) الصحيح قوله - صلى الله ~~عليه وسلم -: " «أحب العمل إلى الله أدومه» " (3) وقول عائشة [رضي الله ~~عنها] (4) : «وكان عمله ديمة» (5) . فإذا كان عمل المرء دائما، لم يلزم أن ~~يكون كل جزء منه دائما. PageV01P429 # وكذلك إذا قيل: هذا المجموع عشر أوقية أو نش (1) أو إستار (2) ، لم يلزم ~~أن يكون كل جزء (3) من أجزائه عشر أوقية ولا نشا ولا إستارا (4) ؛ لأن ~~المجموع حصل بانضمام الأجزاء بعضها إلى بعض، والاجتماع ليس موجودا (5) ~~للأفراد. # وهذا بخلاف ما إذا قيل (6) : كل جزء من الأجزاء معدوم أو موجود أو ممكن ~~أو واجب أو ممتنع، فإنه يجب في المجموع أن يكون معدوما أو موجودا أو ممكنا ~~أو واجبا أو ممتنعا، وكذلك إذا قلت: كل واحد من الزنج أسود، فإنه يجب أن ~~يكون معدوما أو موجودا أو ممكنا أو واجبا أو ممتنعا، وكذلك إذا قلت: كل ~~واحد من الزنج أسود، فإنه يجب أن يكون المجموع سودا؛ لأن اقتران الموجود ~~بالموجود لا يخرجه عن كونه موجودا، واقتران المعدوم بالمعدوم لا يخرجه عن ~~العدم (7) ، واقتران الممكن لذاته والممتنع لذاته بنظيره لا يخرجه عن كونه ~~ممكنا لذاته وممتنعا لذاته. # بخلاف ما لا يكون ممتنعا لذاته (8) إلا إذا انفرد وهو بالاقتران يصير ~~PageV01P430 # ممكنا، كالعلم مع الحياة، فإنه وحده ممتنع ومع الحياة ممكن. وكذلك أحد ~~الضدين هو وحده ممكن ومع الآخر ممتنع اجتماعهما، فالمتلازمان يمتنع انفراد ~~أحدهما، والمتضادان يمتنع اجتماعهما. # وبهذا يتبين الفرق ms0215 بين دوام الآثار الحادثة الفانية واتصالها، وبين وجود ~~علل ومعلولات ممكنة لا نهاية لها. فإن من الناس من سوى بين القسمين في ~~الامتناع، كما يقوله كثير من أهل الكلام، ومن الناس من توهم أن التأثير ~~واحد في الإمكان والامتناع، ثم لم يتبين له امتناع علل ومعلولات لا تتناهى، ~~وظن أن هذا موضع (1) مشكل لا يقوم على امتناعه حجة، وإن لم يكن قولا لأحد، ~~كما ذكر ذلك الآمدي في " رموز الكنوز " (2) . والأبهري (3) [ومن اتبعهما] ~~(4) . # والفرق بين النوعين حاصل، فإن الحادث المعين إذا ضم إلى الحادث المعين، ~~حصل من الدوام والامتداد وبقاء النوع ما لم يكن حاصلا للأفراد، فإذا كان ~~المجموع طويلا ومديدا ودائما وكثيرا وعظيما، لم يلزم أن يكون كل فرد طويلا ~~ومديدا ودائما وكثيرا وعظيما. وأما العلل والمعلولات المتسلسلة فكل منهما ~~ممكن، وبانضمامه إلى الآخر لا يخرج عن الإمكان، وكل منهما معدوم، وبانضمامه ~~إلى الآخر لا يخرج PageV01P431 # عن العدم. فاجتماع المعدومات الممكنة (* لا يجعلها موجودة، بل ما فيها من ~~الافتقار إلى الفاعل حاصل عند اجتماعها *) (1) ، (2) أعظم من حصوله عند ~~افتراقها (3) ، وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع. ### | أدلة القائلين بامتناع ما لا نهاية له من الحوادث والرد عليهم # وعمدة من يقول بامتناع ما لا نهاية له من الحوادث، إنما هي دليل التطبيق ~~والموازنة (4) والمسامتة المقتضي تفاوت الجملتين، ثم يقولون: (5) والتفاوت ~~فيما لا يتناهى (* محال، مثال ذلك أن يقدروا الحوادث من [زمن] (6) الهجرة ~~إلى ما لا يتناهى *) (7) في المستقبل أو الماضي، والحوادث من زمن الطوفان ~~إلى ما لا يتناهى [أيضا] (8) ثم يوازنون الجملتين، فيقولون: إن تساوتا (9) ~~لزم أن يكون الزائد كالناقص، وهذا ممتنع، فإن إحداهما زائدة على الأخرى بما ~~بين الطوفان والهجرة، وإن تفاضلتا لزم أن يكون فيما لا يتناهى تفاضل، وهو ~~ممتنع. # والذين نازعوهم من أهل الحديث والكلام والفلسفة منعوا هذه المقدمة، ~~وقالوا: لا نسلم أن حصول مثل هذا التفاضل [في ذلك] PageV01P432 # ممتنع (1) ، بل نحن نعلم أنه من الطوفان إلى ما لا نهاية له في المستقبل ~~أعظم من ms0216 الهجرة إلى ما لا نهاية له في المستقبل، وكذلك [من الهجرة إلى ما ~~لا بداية له (2) في الماضي أعظم من الطوفان إلى ما لا بداية له في الماضي، ~~وإن كان كل منهما لا بداية له (3) ، فإن] (4) ما لا نهاية له من هذا الطرف ~~وهذا الطرف، ليس أمرا محصورا محدودا موجودا حتى يقال هما متماثلان (5) في ~~المقدار، فكيف يكون أحدهما أكثر؟ بل كونه لا يتناهى معناه أنه يوجد شيئا ~~بعد شيء دائما، فليس هو مجتمعا محصورا. # والاشتراك في عدم التناهي لا يقتضي التساوي في المقدار، إلا إذا كان كل ~~ما يقال عليه إنه لا يتناهى له قدر محدود (6) ، وهذا باطل. فإن ما لا ~~يتناهى ليس له حد محدود ولا مقدار معين، بل هو بمنزلة العدد المضعف، فكما ~~أن اشتراك الواحد والعشرة والمائة والألف في التضعيف (7) الذي لا يتناهى لا ~~يقتضي تساوي مقاديرها، فكذلك هذا. # وأيضا: فإن هذين هما متناهيان من أحد الطرفين وهو الطرف المستقبل، وغير ~~متناهيين من الطرف الآخر وهو الماضي. PageV01P433 # وحينئذ فقول (1) القائل: يلزم (2) التفاضل فيما لا يتناهى غلط، فإنه إنما ~~حصل في المستقبل وهو الذي يلينا وهو متناه، ثم هما لا يتناهيان من الطرف ~~الذي لا يلينا وهو الأزل (3) وهما متفاضلان (4) من الطرف الذي يلينا وهو ~~طرف الأبد. # فلا يصح أن يقال: وقع التفاوت فيما لا يتناهى، إذ هذا (5) يشعر بأن ~~التفاوت حصل في الجانب الذي لا آخر له، وليس الأمر (6) كذلك، بل إنما حصل ~~التفاضل (7) من الجانب [المنتهى] (8) الذي له آخر فإنه لم ينقض (9) . # ثم للناس في هذا جوابان (10) ، أحدهما: قول من يقول: ما مضى من الحوادث ~~فقد عدم، وما لم يحدث لم يكن، فالتطبيق في مثل هذا أمر يقدر في الذهن لا ~~حقيقة له في الخارج، كتضعيف الأعداد: فإن تضعيف الواحد أقل من تضعيف ~~العشرة، وتضعيف العشرة أقل من تضعيف المائة، وكل ذلك لا نهاية له، لكن ليس ~~هو أمرا موجودا في الخارج. PageV01P434 # ومن قال هذا فإنه يقول: إنما يمتنع (1) اجتماع ما لا يتناهى إذا كان ms0217 ~~مجتمعا في الوجود، سواء كانت أجزاؤه (2) (3 متصلة كالأجسام، أو كانت 3) (3) ~~منفصلة كنفوس الآدميين (4) ، ويقول: كل ما اجتمع في الوجود فإنه يكون ~~متناهيا، ومنهم من يقول: المتناهي هو المجتمع المتعلق بعضه ببعض بحيث يكون ~~له ترتيب وضعي كالأجسام، أو طبيعي (5) كالعلل وأما ما لا يتعلق بعضه ببعض ~~كالنفوس، فلا يجب هذا فيها، فهذان قولان. # وأما القائلون بامتناع ما لا يتناهى وإن عدم بعد وجوده، فمنهم من قال به ~~في الماضي والمستقبل، كقول جهم (6) وأبي الهذيل، ومنهم من فرق بين الماضي ~~والمستقبل، وهو قول كثير من أهل الكلام ومن وافقهم. قالوا: لأنك إذا (7) ~~قلت: لا أعطيك درهما إلا أعطيك (8) بعده درهما، كان هذا ممكنا. ولو قلت: لا ~~أعطيك درهما حتى أعطيك قبله درهما، كان هذا ممتنعا، وعلى هذا اعتمد (9) أبو ~~المعالي في " إرشاده " (10) وأمثاله PageV01P435 # من النظار. # وهذا التمثيل والموازنة ليست صحيحة، بل الموازنة الصحيحة أن تقول: ما ~~أعطيتك درهما إلا أعطيتك قبله درهما، فتجعل ماضيا قبل ماض، كما جعلت هناك ~~مستقبلا بعد مستقبل. # وأما قول القائل: لا أعطيك حتى أعطيك، فهو نفي للمستقبل حتى يحصل مثله ~~(1) في المستقبل ويكون قبله، فقد (2) نفى المستقبل حتى يوجد المستقبل، وهذا ~~ممتنع، لم ينف (3) الماضي حتى يكون قبله ماض فإن هذا ممكن، والعطاء ~~المستقبل ابتداؤه من المعطي، والمستقبل الذي له ابتداء وانتهاء لا يكون ~~قبله ما لا نهاية له، فإن وجود ما لا نهاية له فيما يتناهى ممتنع. # فهذه الأقوال الأربعة للناس فيما لا يتناهى. ### | [التسلسل نوعان] # والتسلسل نوعان: تسلسل في المؤثرات كالتسلسل في العلل والمعلولات، وهو ~~التسلسل في الفاعلين والمفعولات، فهذا ممتنع باتفاق العقلاء. # ومن هذا الباب تسلسل الفاعلين والخالقين والمحدثين مثل أن يقول: هذا ~~المحدث له محدث، وللمحدث محدث [آخر] (4) إلى ما لا يتناهى. فهذا مما اتفق ~~العقلاء - فيما أعلم - على امتناعه؛ لأن كل محدث لا PageV01P436 # يوجد بنفسه، فهو معدوم باعتبار نفسه، [وهو ممكن باعتبار نفسه] (1) ، فإذا ~~قدر من ذلك ما لا يتناهى، لم تصر الجملة موجودة واجبة بنفسها، فإن انضمام ~~المحدث إلى المحدث ms0218 والمعدوم إلى المعدوم والممكن إلى الممكن، لا يخرجه عن ~~كونه مفتقرا (2) إلى الفاعل له، بل كثرة ذلك تزيد حاجتها وافتقارها إلى ~~الفاعل، وافتقار المحدثين الممكنين أعظم من افتقار أحدهما، كما أن عدم ~~الاثنين أعظم من عدم أحدهما. فالتسلسل في هذا والكثرة لا تخرجه عن الافتقار ~~والحاجة، بل تزيده حاجة وافتقارا. # فلو قدر من الحوادث والمعدومات والممكنات ما لا نهاية له، وقدر أن بعض ~~ذلك معلول لبعض أو لم يقدر ذلك، فلا يوجد [شيء من] (3) ذلك إلا بفاعل صانع ~~لها خارج عن هذه الطبيعة المشتركة المستلزمة للافتقار والاحتياج، فلا يكون ~~فاعلها معدوما ولا محدثا ولا ممكنا يقبل الوجود والعدم، بل لا يكون إلا ~~موجودا بنفسه واجب الوجود لا يقبل العدم قديما ليس بمحدث، فإن كل ما ليس ~~كذلك فإنه مفتقر إلى من يخلقه وإلا لم يوجد. # وأما التسلسل في الآثار كوجود حادث بعد حادث، فهذا فيه الأقوال الثلاثة ~~المتقدمة: إما منعه في الماضي والمستقبل، كقول جهم وأبي الهذيل. وإما منعه ~~في الماضي فقط، كقول كثير من أهل الكلام. وإما PageV01P437 ### | الدور نوعان # تجويزه فيهما، كقول أكثر أهل الحديث والفلاسفة، وهذا مبسوط في غير هذا ~~الموضع. # وكذلك الدور نوعان: دور قبلي: وهو أنه لا يكون هذا إلا بعد هذا، ولا هذا ~~إلا بعد هذا، وهذا ممتنع باتفاق العقلاء. وأما الدور المعي الاقتراني مثل ~~المتلازمين اللذين يكونان في زمان واحد كالأبوة والبنوة، وعلو أحد الشيئين ~~على الآخر مع سفول الآخر، وتيامن هذا عن ذاك مع تياسر (1) الآخر عنه، ونحو ~~ذلك من الأمور المتلازمة التي لا توجد إلا معا، فهذا الدور ممكن. وإذا لم ~~يكن واحد منهما فاعلا للآخر ولا تمام للفاعل (2) ، بل كان الفاعل لهما ~~غيرهما، جاز ذلك. # وأما إذا كان أحدهما فاعلا للآخر (3) ، أو من تمام كون الفاعل فاعلا، صار ~~من الدور الممتنع. ### | امتناع وجود إلهين # ولهذا امتنع ربان مستقلان أو متعاونان. أما المستقلان، فلأن استقلال ~~أحدهما بالعالم (4) يوجب أن يكون (5) الآخر لم يشركه فيه، فإذا كان الآخر ~~مستقلا لزم أن يكون كل ms0219 منهما فعله، وكل منهما لم يفعله، وهو جمع بين ~~النقيضين. # وأما المتعاونان، فإن قيل: إن كلا منهما قادر على الاستقلال حال كون ~~الآخر مستقلا به (6) ، لزم القدرة على اجتماع النقيضين وهو ممتنع، ~~PageV01P438 # فإنه حال قدرة أحدهما على الاستقلال يمتنع قدرة الآخر على الاستقلال، ولا ~~يكونان (1) في حال واحدة كل منهما قادر على الاستقلال، فإن ذلك يقتضي وجوده ~~مرتين في حال واحدة. لكن الممكن أن يقدر هذا إذا لم يكن الآخر فاعلا (2) ~~وبالعكس، فقدرة كل منهما مشروطة بعدم فعل الآخر معه، ففي حال فعل كل واحد ~~(3) منهما يمتنع قدرة الآخر. # وإن قيل: إن المتعاونين لا يقدران في حال واحدة على الاستقلال، كما هو ~~الممكن الموجود في المتعاونين من المخلوقين، كان هذا باطلا [أيضا كما ~~سيأتي] (4) . # والمقصود أنهما إن كانا قادرين على الاستقلال، أمكن أن يفعل هذا مقدوره ~~وهذا مقدوره، فيلزم اجتماع النقيضين، وإلا لزم أن تكون قدرة أحدهما مشروطة ~~بتمكين الآخر له، وهذا ممتنع كما سيأتي. # وأيضا، فيمكن أن يريد أحدهما (5) ضد مراد الآخر، فيريد هذا تحريك جسم ~~وهذا تسكينه، واجتماع الضدين ممتنع. وإن لم يمكن أحدهما إرادة الفعل إلا ~~بشرط موافقة الآخر له، كان عاجزا وحده، ولم يصر قادرا إلا بموافقة الآخر ~~PageV01P439 # وكذا (1) إذا قدر أنه ليس واحد منهما قادرا على الاستقلال، بل لا يقدر ~~إلا بمعاونة الآخر كما في المخلوقين، أو قيل: يمكن كل (2) منهما الاستقلال ~~بشرط تخلية الآخر بينه وبين الفعل، ففي جميع هذه الأقسام يلزم أن تكون قدرة ~~كل منهما لا تحصل إلا بإقدار الآخر له، وهذا ممتنع، فإنه من جنس الدور في ~~المؤثرات في الفاعلين والعلل الفاعلة (3) . فإن ما به يتم كون الفاعل فاعلا ~~يمتنع فيه الدور، كما يمتنع في ذات الفاعل، والقدرة شرط في الفعل، فلا يكون ~~الفاعل فاعلا إلا بالقدرة، (* فإذا كانت قدرة هذا لا تحصل إلا بقدرة ذاك ~~(4) ، وقدرة ذاك (5) لا تحصل إلا بقدرة هذا *) (6) كان هذا دورا ممتنعا. # كما أن ذات ذاك إذا لم تحصل إلا بهذا، وذات هذا لم تحصل إلا ms0220 بذات ذاك (7) ~~كان هذا دورا ممتنعا، إذ كان كل منهما هو الفاعل للآخر، بخلاف ما إذا كان ~~ملازما له أو شرطا فيه (8) والفاعل غيرهما، فإن هذا جائز، كما ذكر في ~~الأبوة والبنوة. # وكذلك الواحد الذي يريد أحد الضدين بشرط (9) أن لا يريد الضد PageV01P440 # الآخر، فإن هذا لا يقدح في كونه قادرا. وأما إذا كان لا يقدر حتى يعينه ~~الآخر على القدرة، أو حتى يخليه فلا يمنعه من الفعل، فإن ذلك يقدح في كونه ~~وحده قادرا. # وهذه المعاني قد بسطت في غير هذا الموضع، لكن لما كان الكلام في التسلسل ~~والدور كثيرا ما يذكر في هذه المواضع المشكلة المتعلقة بما يذكر من الدلائل ~~في توحيد الله وصفاته وأفعاله، وكثير من الناس قد لا يهتدي للفروق الثابتة ~~بين الأمور المتشابهة، حتى يظن فيما هو دليل صحيح أنه ليس دليلا صحيحا، أو ~~يظن ما ليس بدليل دليلا، أو يحار ويقف ويشتبه الأمر عليه، أو يسمع كلاما ~~طويلا مشكلا لا يفهم معناه، أو يتكلم بما لا يتصور حقيقته، نبهنا (1) على ~~ذلك هنا تنبيها لطيفا؛ إذ هذا ليس (2) موضع بسطه. ### | [الأخطاء التي وقع فيها المعتزلة والشيعة نتيجة ظنهم أن التسلسل نوع واحد] # والناس لأجل هذا دخلوا في أمور كثيرة، فالذين قالوا: القرآن مخلوق وإن ~~الله لا يرى في الآخرة من المعتزلة والشيعة [وغيرهم] (3) ، إنما أوقعهم ~~ظنهم أن التسلسل نوع واحد، فالتزموا لأجل ذلك أن الخالق لم يكن متكلما (4) ~~ولا متصرفا بنفسه حتى أحدث كلاما منفصلا عنه، وجعلوا خلق كلامه كخلق ~~السماوات والأرض. فلما طالبهم الناس بأن الحادث لا بد له من سبب حادث، ~~وقعوا في المكابرة، وقالوا: يمكن PageV01P441 # القادر أن يرجح أحد المثلين بلا مرجح، كما في الجائع مع الرغيفين، ~~والهارب مع الطريقين. # وجمهور العقلاء قالوا: نعلم بالاضطرار أنه إن لم يوجد المرجح التام لأحد ~~المثلين امتنع الرجحان، وإلا فمع التساوي من كل وجه يمتنع الرجحان. ### | تجويز المعتزلة والشيعة الترجيح بلا مرجح مكن الفلاسفة من القول بقدم العالم # والفلاسفة جعلوا هذا (1) حجة في قدم العالم ms0221، فقالوا: الحدوث بلا سبب حادث ~~ممتنع، فيلزم أن يكون قديما صادرا عن موجب بالذات. # وكانوا أضل من المعتزلة من وجوه متعددة: مثل كون قولهم يستلزم أن لا يحدث ~~شيء، ومن جهة أن قولهم يتضمن أن الممكنات لا فاعل لها، فإن الفعل بدون ~~الإحداث غير معقول، ومن جهة (* أن في قولهم من وصف الله [تعالى] (2) ~~بالنقائص في ذاته وصفاته وأفعاله ما يطول وصفه (3) ، ومن جهة *) (4) أن ~~العالم مستلزم للحوادث ضرورة؛ لأن الحوادث مشهودة، فإما أن تكون لازمة [له] ~~(5) أو حادثة فيه، والموجب بالذات المستلزم لمعلوله لا يحدث عنه شيء، فيلزم ~~أن لا يكون للحوادث فاعل بحال، وهم يجوزون حوادث لا تتناهى - كما يوافقهم ~~عليه جمهور أهل الحديث والسنة - وحينئذ فلا يمتنع أن يكون كل [شيء] (6) من ~~العالم حادثا. PageV01P442 # والله تعالى لم يزل موصوفا بصفات الكمال: [لم يزل] (1) متكلما إذا شاء ~~قادرا على الفعل، وليس شيء من الفعل والمفعول إلا حادثا معينا (2) ، إذ كل ~~فعل [معين] (3) يجب أن يكون مسبوقا بعدمه، وإلا فالفاعل إن (4) قدر موجبا ~~بذاته، لزمه مفعوله ولم يحدث عنه شيء، هو مكابرة للحس. وإن قدر غير موجب ~~بذاته، لم يقارنه شيء من المفعولات (5) - وإن كان دائم الفعل - إذ كان نوع ~~الفعل من لوازم ذاته. # وأما الأفعال والمفعولات المعينة فليست لازمة للذات، بل كل منها معلق بما ~~قبله؛ لامتناع اجتماع الحوادث في زمان واحد. فالفعل الذي لا يكون إلا حادثا ~~يمتنع أن يجتمع في زمان واحد، فضلا عن أن يكون كل من أجزائه أزليا، بل يوجد ~~شيئا فشيئا. # وأما الفعل الذي لا يكون إلا قديما، فهذا أولا ممتنع لذاته؛ فإن الفعل ~~والمفعول المعين (6) المقارن للفاعل ممتنع، فلا يحدث به شيء من الحوادث؛ ~~لأن الفعل القديم إذا قدر أنه فعل تام لزمه (7) مفعوله. # وهذه المواضع قد بسطنا الكلام عليها في غير هذا الموضع (8) ، وبينا ~~PageV01P443 # نزاع الناس في كل واحد واحد (1) منها. وإنما كان القصد هنا التنبيه على ~~[أصل] (2) مسألة التعليل، فإن هذا المبتدع أخذ يشنع على أهل السنة، فذكر ~~(3) مسائل لا ms0222 يذكر حقيقتها ولا أدلتها، وينقلها على الوجه الفاسد. # وما ينقله عن أهل السنة خطأ أو كذب عليهم أو على كثير منهم، وما قدر أنه ~~صدق فيه عن بعضهم، فقولهم فيه خير من قوله. فإن غالب شناعته على الأشعرية ~~ومن وافقهم، والأشعرية خير من المعتزلة والرافضة عند كل من يدري ما يقول، ~~ويتقي الله فيما يقول. # وإذا قيل: إن في كلامهم - وكلام من قد وافقهم (4) أحيانا من أصحاب الأئمة ~~الأربعة وغيرهم - ما هو ضعيف، فكثير من ذلك الضعيف إنما تلقوه من (5) ~~المعتزلة، فهم أصل الخطأ في هذا الباب، وبعض ذلك أخطئوا فيه لإفراط ~~المعتزلة في الخطأ، فقابلوهم مقابلة انحرفوا فيها، [كالجيش الذي يقاتل ~~الكفار فربما حصل منه إفراط وعدوان] (6) ، وهذا مبسوط في موضعه. ~~PageV01P444 ### | رد الأشاعرة ومن وافقهم على المعتزلة والشيعة # قال هؤلاء للمعتزلة والشيعة (1) : ولما كان هذا الدليل عمدتكم، استطال ~~عليكم الفلاسفة الدهرية، كابن سينا وأمثاله، وهذا الدليل مناف في الحقيقة ~~لحدوث العالم لا مستلزم له، فإنه إذا كان هذا الحادث لا بد له من سبب حادث، ~~وكان هذا الدليل مستلزما لحدوث الحادث بلا سبب، لزم أن لا يكون الله أحدث ~~شيئا. فإذا جوزنا ترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجح، انسد طريق إثبات الصانع ~~الذي سلكتموه. # وقالوا أيضا للمعتزلة والشيعة (2) : أنتم مع هذا عللتم (3) أفعال الله ~~تعالى بعلل حادثة. فيقال لكم: هل توجبون للحوادث سببا حادثا أم لا؟ فإن ~~قلتم: نعم، لزم تسلسل الحوادث، وبطل ما ذكرتموه. # وإن لم توجبوا ذلك، قيل لكم: وكذلك ليس لها غاية حادثة بعدها، فإن ~~المعقول أن الفاعل المحدث لا بد لفعله من سبب ولا بد له من غاية. فإذا ~~قلتم: لا سبب لإحداثه. قيل لكم: ولا غاية مطلوبة له بالفعل. # فإن قلتم: لا يعقل فاعل لا يريد حكمة إلا وهو عابث (4) . قيل لكم: ولا ~~نعقل فاعلا يحدث شيئا بغير سبب حادث أصلا، بل هذا أشد امتناعا في العقل من ~~ذاك، فلماذا أثبتم الغاية ونفيتم السبب الحادث؟ . PageV01P445 # وقيل لكم (1) أيضا: الذي يعقل من الفاعل أن يفعل ms0223 لغاية تعود إليه، وأما ~~(2) فاعل يفعل لغاية تعود إلى غيره، فهذا غير معقول. # وإذا كان هذا قول الشيعة المتبعين للمعتزلة في حكمة الله تعالى، فقد ~~يقال: [قول] (3) من يقول: إنه يفعل لمحض المشيئة بلا علة (4) ، خير من هذا ~~القول، فإن هذا سلم (5) من التسلسل، وسلم من كونه يفعل لحكمة منفصلة عنه. ~~والمعتزلة تسلم له (6) امتناع التسلسل، فعلم أن قول هؤلاء خير من قول هذا ~~المنكر عليهم. # وأما من قال بالتعليل من أهل [السنة] والحديث، [كما تقدم] ، فذاك (7) سلم ~~من هذا وهذا، وقد كتبت في مسألة التعليل مصنفا (8) مستقلا بنفسه لما سئلت ~~عنها (9) وليس هذا موضع بسطه. # والمقصود هنا التنبيه على أن أقوال أهل السنة خير من أقوال الشيعة، وأنه ~~إن كان قول بعض أهل السنة ضعيفا، فقول الشيعة أضعف منه PageV01P446 ### | استمرار مناقشة مزاعم ابن المطهر ### | [فصل قول الرافضي بأن أهل السنة جوزوا على الله فعل القبيح والإخلال بالواجب والرد عليه] # (فصل (1)) وأما قول الرافضي (2) " وجوزوا عليه فعل القبيح والإخلال ~~بالواجب (3) ". # فيقال له: ليس في [طوائف] (4) المسلمين من يقول: إن الله تعالى يفعل ~~قبيحا أو يخل بواجب، ولكن المعتزلة ونحوهم ومن وافقهم من الشيعة النافين ~~للقدر، يوجبون على الله من جنس ما يوجبون على العباد، ويحرمون عليه ما ~~يحرمونه على العباد، ويضعون له شريعة [بقياسه] (5) على خلقه، فهم مشبهة ~~الأفعال (6) . # وأما المثبتون للقدر من أهل السنة والشيعة، فمتفقون على أن الله تعالى لا ~~يقاس بخلقه في أفعاله، كما لا يقاس بهم في ذاته وصفاته، فليس كمثله شيء لا ~~في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، وليس PageV01P447 # ما وجب على أحدنا وجب مثله على الله [تعالى] (1) ، ولا ما حرم على أحدنا ~~حرم مثله على الله [تعالى] (2) ، ولا ما قبح منا قبح من الله، ولا ما حسن ~~من الله [تعالى] (3) حسن من أحدنا، وليس لأحد منا أن يوجب على الله [تعالى] ~~(4) شيئا ولا يحرم عليه شيئا. # فهذا أصل قولهم الذي اتفقوا عليه، واتفقوا على أن الله [تعالى] (5) إذا ~~وعد عباده بشيء كان ms0224 وقوعه واجبا بحكم وعده، فإنه الصادق في خبره الذي لا ~~يخلف الميعاد، واتفقوا على أنه لا يعذب أنبياءه ولا عباده الصالحين، بل ~~يدخلهم الجنة (6) ، كما أخبر. # لكن تنازعوا في مسألتين: إحداهما: أن العباد هل يعلمون بعقولهم حسن بعض ~~الأفعال (7) ، ويعلمون أن الله متصف بفعله، ويعلمون قبح بعض الأفعال، ~~ويعلمون أن الله منزه عنه؟ (8) على قولين معروفين (9) : أحدهما: أن العقل ~~لا يعلم به حسن فعل ولا قبحه، أما في حق الله فلأن القبيح منه ممتنع لذاته، ~~وأما في حق العباد فلأن الحسن والقبح لا يثبت إلا بالشرع. وهذا قول الأشعري ~~وأتباعه، وكثير من الفقهاء من PageV01P448 # أصحاب مالك والشافعي وأحمد. وهؤلاء لا ينازعون في الحسن والقبيح (1) إذا ~~فسر بمعنى الملائم والمنافي أنه قد يعلم بالعقل، وكذلك لا ينازعون - أو لا ~~ينازع أكثرهم أو كثير منهم - في أنه إذا عني به كون الشيء صفة كمال أو صفة ~~نقص (2) أنه يعلم بالعقل. # والقول الثاني: أن العقل [قد] يعلم [به] حسن كثير (3) من الأفعال وقبحها ~~في حق الله وحق عباده. وهذا مع أنه قول المعتزلة فهو قول الكرامية وغيرهم ~~[من الطوائف] (4) ، وهو قول جمهور الحنفية، وكثير من أصحاب مالك والشافعي ~~(5) وأحمد، كأبي بكر الأبهري (6) وغيره من أصحاب مالك، وأبي الحسن التميمي، ~~وأبي الخطاب [الكلوذاني] (7) [من أصحاب أحمد] (8) ، وذكر أن هذا [القول] ~~قول (9) أكثر أهل العلم، PageV01P449 # وهو قول أبي علي بن أبي هريرة و [أبي بكر] القفال (1) وغيرهما من أصحاب ~~الشافعي، و [هو قول] طوائف (2) من أئمة أهل الحديث. # وعدوا القول الأول من أقوال أهل البدع، كما ذكر ذلك أبو نصر السجزي في ~~رسالته المعروفة في السنة، وذكره صاحبه أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني (3) ~~في شرح قصيدته المعروفة في السنة. # وفي المسألة قول ثالث اختاره الرازي في آخر مصنفاته، وهو القول بالتحسين ~~والتقبيح العقليين (4) في أفعال (5) العباد دون أفعال الله تعالى. # وقد تنازع أئمة الطوائف في الأعيان قبل ورود السمع، فقالت الحنفية وكثير ~~من الشافعية والحنبلية: إنها على الإباحة، مثل ابن سريج (6) ، وأبي إسحاق ~~المروزي ms0225 (7) ، وأبي الحسن التميمي، وأبي الخطاب PageV01P450 # وقالت طوائف: إنها على الحظر، كأبي علي بن أبي هريرة، وابن حامد، والقاضي ~~أبي يعلى، وعبد الرحمن الحلواني، (1) وغيرهم. # مع أن أكثر الناس يقولون: إن القولين لا يصحان إلا على قولنا بأن العقل ~~يحسن ويقبح، وإلا فمن قال: إنه لا يعرف بالعقل حكم امتنع أن يصفها قبل ~~الشرع بحظر أو إباحة (2) كما قال ذلك الأشعري، وأبو الحسن الجزري، (3) وأبو ~~بكر الصيرفي (4) و [أبو الوفاء] بن عقيل، (5) وغيرهم. # المسألة الثانية: تنازعوا هل يوصف الله [تعالى] (6) بأنه أوجب على نفسه ~~وحرم على نفسه، أو لا معنى للوجوب إلا إخباره (7) بوقوعه، ولا للتحريم (8) ~~إلا إخباره بعدم وقوعه. PageV01P451 # فقالت طائفة بالقول الثاني، وهو قول من يطلق أن الله لا يجب عليه شيء ولا ~~يحرم عليه شيء. # وقالت طائفة: بل هو أوجب (1) على نفسه، وحرم على نفسه كما نطق بذلك ~~الكتاب والسنة في مثل قوله [تعالى] (2) {كتب ربكم على نفسه الرحمة} [سورة ~~الأنعام: 54] وقوله {وكان حقا علينا نصر المؤمنين} [سورة الروم: 47] وقوله ~~في الحديث الإلهي [الصحيح] (3) " «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته ~~بينكم محرما» " (4) . # وأما أن العباد يوجبون عليه ويحرمون عليه فممتنع عند أهل السنة [كلهم] ~~(5) . ومن قال: إنه أوجب على نفسه (6) أو حرم على نفسه فهذا الوجوب (7) ~~والتحريم يعلم عندهم بالسمع، وهل يعلم بالعقل؟ على قولين لأهل السنة. # وإذا كانت (8) هذه الأقوال كلها معروفة لأهل السنة، بل لأهل PageV01P452 # المذهب الواحد منهم، كمذهب أحمد وغيره من الأئمة (1) فمن قال من أهل ~~السنة: إن الله لا يجب عليه شيء ولا يحرم عليه شيء امتنع عنده أن يكون مخلا ~~بواجب أو فاعلا لقبيح، ومن قال: إنه أوجب على نفسه أو حرم على نفسه فهم ~~متفقون على أنه لا يخل بما كتبه على نفسه ولا (2) يفعل ما حرمه على نفسه. # فتبين أنه ليس في أهل السنة من يقول إنه يخل بواجب أو يفعل قبيحا، لكن ~~هذا المبتدع (3) سلك مسلك أمثاله فحكى (4) عن أهل السنة أنهم يجوزون عليه ~~[تعالى] (5) الإخلال بالواجب وفعل ms0226 القبيح. # وهذا حكاه بطريق الإلزام لإحدى الطائفتين الذين يقولون: لا يجب عليه شيء ~~فله أن يخل بكل شيء، فقال: هؤلاء يقولون: (6 إنه يخل بالواجب، أي ما هو ~~عندي واجب. وكذلك هؤلاء يقولون 6) (6) : لا يقبح منه شيء. فقال: إنهم جوزوا ~~عليه فعل القبيح، (7 أي: فعل ما هو قبيح عندهم 7) (7) أو فعل ما هو قبيح من ~~أفعال العباد. فهذا نقل عنهم بطريق الإلزام الذي اعتقدوه (8) . PageV01P453 # وأيضا، فأهل السنة يؤمنون بالقدر، وأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم ~~يكن، وأن الهدى بفضل منه. والقدرية يقولون: إنه يجب عليه أن يفعل بكل عبد ~~ما يظنونه هم واجبا عليه، ويحرم عليه ضد ذلك، فيوجبون عليه أشياء ويحرمون ~~[عليه] (1) أشياء، وهو لم يوجبها على نفسه ولا علم وجوبها بشرع ولا عقل، ثم ~~يحكون عن (2) من لم يوجبها أنه يقول: إن الله يخل بالواجب، وهذا تلبيس في ~~نقل المذهب وتحريف له. # [وأصل قول هؤلاء القدرية تشبيه الله بخلقه في الأفعال، فيجعلون ما حسن ~~منه حسن من العبد، وما قبح من العبد قبح منه، وهذا تمثيل باطل] (3) . ### | [فصل الرد على قول الرافضي إن الله لا يفعل لغرض ولا حكمة] # وأما قوله: " وذهبوا إلى أنه لا يفعل لغرض، بل كل أفعاله لا لغرض من ~~الأغراض ولا لحكمة ألبتة (4) ". PageV01P454 # فيقال له: # أما تعليل أفعاله وأحكامه بالحكمة، ففيه قولان مشهوران لأهل السنة، ~~والنزاع في كل مذهب من المذاهب الأربعة، والغالب عليهم عند الكلام في الفقه ~~وغيره التعليل. وأما في الأصول فمنهم من يصرح بالتعليل ومنهم من يأباه، ~~وجمهور أهل السنة على إثبات الحكمة والتعليل في أفعاله وأحكامه. # وأما لفظ الغرض فالمعتزلة تصرح، به وهم من القائلين بإمامة أبي بكر وعمر ~~وعثمان [رضي الله عنهم] (1) . وأما الفقهاء ونحوهم فهذا اللفظ يشعر عندهم ~~بنوع من النقص: إما ظلم وإما حاجة، فإن كثيرا من الناس إذا قال: فلان له ~~غرض في هذا، أو فعل هذا لغرضه، أرادوا أنه فعله لهواه ومراده المذموم، ~~والله منزه عن ذلك. فعبر أهل السنة بلفظ الحكمة والرحمة ms0227 والإرادة ونحو ذلك ~~مما جاء به النص. [وطائفة من المثبتين للقدر من المعتزلة يعبرون بلفظ الغرض ~~أيضا، ويقولون: إنه يفعل لغرض، كما يوجد ذلك في كلام طائفة من المنتسبين ~~إلى السنة] (2) . # وأما قوله: " إنه يفعل الظلم والعبث " (3) . # فليس في أهل الإسلام من يقول: إن الله يفعل ما هو ظلم (4) منه ولا عبث ~~منه. تعالى الله عن ذلك. PageV01P455 # بل الذين يقولون: إنه خالق كل شيء [من أهل السنة والشيعة] (1) . # يقولون: إنه خلق أفعال عباده، فإنها من جملة الأشياء، ومن المخلوقات ما ~~هو مضر لبعض الناس، ومن ذلك الأفعال (2) التي هي ظلم من فاعلها وإن لم تكن ~~ظلما من خالقها، كما أنه إذا خلق فعل العبد الذي هو صوم لم يكن هو صائما، ~~وإذا خلق فعله الذي هو طواف لم يكن هو طائفا، وإذا خلق فعله الذي هو ركوع ~~وسجود لم يكن هو راكعا ولا ساجدا (3) ، وإذا خلق جوعه وعطشه لم يكن جائعا ~~ولا عطشانا؛ فالله تعالى إذا خلق في محل صفة أو فعلا لم يتصف هو بتلك الصفة ~~ولا ذلك الفعل، إذ لو كان كذلك لاتصف بكل ما خلقه من الأعراض. # ولكن هذا الموضع زلت فيه الجهمية من المعتزلة، ومن اتبعهم من الشيعة ~~الذين يقولون: ليس لله كلام إلا ما خلقه في غيره، وليس له فعل إلا ما كان ~~منفصلا عنه، فلا (4) يقوم به عندهم لا فعل ولا قول، وجعلوا (5) كلامه الذي ~~يكلم (6) به ملائكته وعباده، والذي كلم به موسى، والذي أنزله على عباده، هو ~~ما خلقه في غيره. # فيقال لهم (7) : الصفة إذا قامت بمحل عاد حكمها على ذلك المحل ~~PageV01P456 # لا على غيره (1) فإذا خلق حركة في محل كان ذلك المحل هو المتحرك بها لم ~~يكن المتحرك بها هو الخالق لها. وكذلك إذا خلق لونا أو ريحا أو علما أو ~~قدرة في محل، كان ذلك المحل هو المتلون بذلك اللون، المتروح بتلك الريح، ~~العالم بذلك العلم، القادر بتلك القدرة. فكذلك إذا خلق كلاما في محل، كان ~~ذلك المحل (2) هو المتكلم بذلك ms0228 الكلام، وكان ذلك الكلام كلاما لذلك المحل ~~لا لخالقه، فيكون الكلام الذي سمعه موسى وهو قوله {إنني أنا الله} [سورة ~~طه: 14] كلام الشجرة لا كلام الله، لو كان ذلك مخلوقا. # واحتجت المعتزلة وأتباعهم الشيعة (3) على ذلك بالأفعال، فقالت: كما أنه ~~عادل محسن بعدل وإحسان يقوم بغيره، فكذلك هو متكلم بكلام يقوم بغيره. وكان ~~هذا حجة على من سلم الأفعال لهم كالأشعري ونحوه، فإنه ليس عنده فعل يقوم ~~به، بل يقول: الخلق هو المخلوق لا غيره، وهو قول طائفة من أصحاب مالك ~~والشافعي وأحمد، وهو أول قولي القاضي أبي يعلى. # لكن جمهور الناس يقولون: الخلق غير المخلوق، وهذا مذهب الحنفية، وهو الذي ~~(4) ذكره البغوي (5) \ 248. عن أهل السنة، والذي ذكره (6) PageV01P457 # أبو بكر الكلاباذي عن الصوفية في كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف (1) ، وهو ~~قول أئمة أصحاب أحمد كأبي بكر عبد العزيز، وابن حامد، وابن شاقلا (2) ، ~~وغيرهم (3) ، [وهو] آخر قولي القاضي [أبي يعلى] (4) ، واختيار أكثر (5) ~~أصحابه كأبي الحسين ابنه (6) وغير هؤلاء، وإنما اختار القول الآخر (7) ~~طائفة منهم كابن عقيل ونحوه. # ولما كان هذا قول الأشعري [ونحوه] (8) ، وهو مع سائر أهل السنة ~~PageV01P458 # يقولون: إن الله خالق أفعال العباد، لزمه أن يقول: إن أفعال العباد فعل ~~لله تعالى (1) ، إذ كان فعله عنده هو مفعوله (2) ، فجعل أفعال العباد فعلا ~~لله، ولم يقل: هي فعلهم - في المشهور عنه - إلا على وجه المجاز، بل قال: هي ~~كسبهم. وفسر الكسب بأنه ما يحصل (3) في محل القدرة المحدثة مقرونا به. ~~ووافقه على ذلك [طائفة من الفقهاء] (4) من أصحاب مالك والشافعي وأحمد. # وأكثر الناس طعنوا في هذا الكلام، وقالوا: عجائب الكلام ثلاثة: طفرة ~~النظام، وأحوال أبي هاشم، وكسب الأشعري. وأنشد في ذلك: # مما يقال ولا حقيقة تحته ... معقولة تدنو إلى الأفهام # الكسب عند الأشعري والحال عند البهشمي (5) وطفرة النظام (6) . # وأما سائر أهل السنة فيقولون: [إن] (7) أفعال العباد فعل لهم حقيقة، وهو ~~أحد القولين للأشعري. ويقول جمهورهم الذين (8) يفرقون بين PageV01P459 # الخلق والمخلوق: إنها مخلوقة لله ومفعولة له، ليست هي نفس فعله وخلقه ~~الذي ms0229 هو صفته القائمة به. # فهذه الشناعات التي يذكرها هؤلاء لا تتوجه على قول جمهور أهل السنة، ~~وإنما ترد على طائفة من المثبتة كالأشعري وغيره. # فقوله عن أهل السنة: إنهم يقولون: إنه يفعل الظلم والعبث، إن أراد ما هو ~~منه ظلم وعبث فهذا [منه] (1) فرية عليهم (2) وإن قاله بطريق الإلزام فهم لا ~~يسلمون له أنه ظلم، ولهم في تفسير الظلم نزاع قد (3) تقدم تفسيره. وإن أراد ~~ما هو ظلم وعبث من العبد، فهذا لا محذور في كون (4) الله يخلقه، وجمهورهم ~~لا يقولون: إن هذا الظلم والعبث فعل الله (5) ، بل يقولون: إنه فعل العبد ~~لكنه مخلوق لله، كما أن قدرة العبد وسمعه وبصره مخلوق لله تعالى، وليس هو ~~سمع الحق ولا بصره ولا قدرته. ### | [فصل الرد على قول الرافضي إنهم يقولون إن الله تعالى لا يفعل الأصلح] # فصل. # وأما قوله عنهم: إنهم يقولون: [إنه] (6) لا يفعل ما هو الأصلح ~~PageV01P460 # لعباده بل ما هو الفساد؛ لأن فعل (1) المعاصي وأنواع الكفر وجميع أنواع ~~الفساد الواقعة في العالم مسندة إليه، تعالى الله عن ذلك. # يقال: هذا الكلام وإن قاله طائفة من متكلمي أهل الإثبات، فهو قول طائفة ~~من متكلمي الشيعة أيضا. وأئمة أهل السنة وجمهورهم لا يقولون ما ذكر، بل ~~الذي (2) يقولونه: إن الله خالق كل شيء وربه ومليكه، وإنه لا يخرج عن ملكه ~~وخلقه وقدرته شيء، وقد دخل في ذلك جميع أفعال الحيوان، فهو خالق لعبادات ~~الملائكة والمؤمنين وسائر حركات العباد. # والقدرية ينفون عن ملكه خيار ما في ملكه، وهو طاعة الملائكة والأنبياء ~~والمؤمنين (3) فيقولون: لم يخلقها الله تعالى، ولا يقدر على أن يستعمل ~~العبد فيها، ولا يلهمه إياها، ولا يقدر أن يجعل من لم يفعلها فاعلا لها. # وقد قال الخليل - عليه السلام -: {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة ~~مسلمة لك} [سورة البقرة: 128] فطلب من الله أن يجعله مسلما لله (4) ومن ~~ذريته أمة مسلمة له، وهو صريح في أن الله تعالى يجعل الفاعل فاعلا. وقال: ~~{رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي} [سورة إبراهيم ms0230: 40] ، فقد طلب من الله ~~[تعالى] أن (5) \ 3 461 3 يجعله مقيم الصلاة، فعلم PageV01P461 # أن الله هو الذي يجعل المصلي (1) مصليا. وقد أخبر عن الجلود والجوارح ~~إخبار مصدق لها أنها قالت: {أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء} [سورة فصلت: 21] ~~فعلم أنه ينطق جميع الناطقين. # وأما كونه لا يفعل ما هو الأصلح لعباده أو لا يراعي مصالح العباد، فهذا ~~مما اختلف فيه الناس. # فذهبت طائفة من المثبتين للقدر إلى ذلك، وقالوا: خلقه وأمره متعلق بمحض ~~المشيئة لا يتوقف على مصلحة، وهذا قول الجهم (2) # وذهب جمهور العلماء إلى أنه إنما أمر العباد بما فيه صلاحهم، ونهاهم عما ~~فيه فسادهم، وأن فعل المأمور به مصلحة [عامة] (3) لمن فعله، وأن إرساله ~~الرسل مصلحة عامة، وإن كان فيه ضرر على بعض الناس لمعصيته، فإن الله كتب في ~~كتاب (4) فهو عنده [موضوع] (5) فوق العرش: " «إن رحمتي تغلب غضبي» "، وفي ~~رواية: " «إن رحمتي سبقت غضبي» " أخرجاه في الصحيحين عن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - (6) . PageV01P462 # فهم يقولون: فعل المأمور به وترك المنهي عنه مصلحة لكل فاعل وتارك، وأما ~~نفس الأمر وإرسال الرسل فمصلحة عامة (1) للعباد وإن تضمن شرا لبعضهم، وهكذا ~~سائر ما يقدره الله تغلب فيه المصلحة والرحمة والمنفعة، وإن كان في ضمن ذلك ~~ضرر لبعض الناس فلله في ذلك (2) حكمة أخرى. # وهذا قول أكثر الفقهاء وأهل الحديث والتصوف، [وطوائف من] أهل الكلام (3) ~~- غير المعتزلة - مثل الكرامية، وغيرهم. وهؤلاء يقولون: وإن كان في بعض ما ~~يخلقه ما فيه ضرر لبعض الناس، أو هو سبب ضرر - كالذنوب - فلا بد في كل ذلك ~~من حكمة ومصلحة لأجلها خلقها الله، وقد غلبت رحمته غضبه، وهذه المسائل ~~مبسوطة في غير هذا الموضع. # وهو لم يذكر إلا مجرد حكاية الأقوال، فبينا ما في ذلك النقل من الصواب ~~والخطأ. فإن هذا الذي نقله ليس من كلام شيوخه الرافضة، بل هو من كلام ~~المعتزلة كأصحاب أبي علي، وأبي هاشم، وأبي الحسين البصري، وغيرهم. # وهؤلاء ذكروا ذلك ردا على الأشعرية (4) خصوصا، فإن الأشعرية وبعض ~~المثبتين للقدر وافقوا الجهم بن صفوان ms0231 في أصل قوله في الجبر، وإن نازعوه في ~~بعض ذلك نزاعا لفظيا أتوا بما لا يعقل، لكن لا يوافقونه PageV01P463 # على قوله \ في نفي الصفات بل يثبتون الصفات؛ فلهذا (1) بالغوا في مخالفة ~~(2) المعتزلة في مسائل القدر حتى نسبوا إلى الجبر، وأنكروا الطبائع والقوى ~~التي في الحيوان أن يكون لها تأثير أو سبب في الحوادث (3) أو يقال: فعل ~~بها، وأنكروا أن يكون للمخلوقات حكمة وعلة (4) . # ولهذا قيل: إنهم أنكروا أن يكون الله يفعل لجلب منفعة لعباده أو دفع ~~مضرة. وهم لا يقولون: إنه [لا] يفعل مصلحة ما (5) فإن هذا مكابرة، بل ~~يقولون: إن ذلك (6) ليس بواجب عليه وليس بلازم وقوعه منه، ويقولون: إنه لا ~~يفعل شيئا لأجل شيء ولا بشيء، وإنما اقترن هذا بهذا لإرادته لكليهما (7) ، ~~فهو يفعل أحدهما مع صاحبه لا به ولا لأجله (8) ، والاقتران بينهما (9) مما ~~جرت به عادته لا لكون (10) أحدهما سببا للآخر ولا حكمة له، ويقولون: إنه ~~ليس في القرآن في خلقه وأمره لام تعليل. PageV01P464 # وقد وافقهم على ذلك طائفة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، مع أن ~~أكثر الفقهاء الذين يوافقونهم على هذا في كتب الكلام، يقولون بضد ذلك في ~~مسائل الفقه والتفسير والحديث وأدلة الفقه، وكلامهم في أصول الفقه تارة ~~يوافق هؤلاء وتارة يوافق هؤلاء. # لكن جمهور أهل السنة من هؤلاء الطوائف وغيرهم يثبتون القدر، [ويثبتون] ~~الحكمة [أيضا] والرحمة (1) وأن لفعله غاية محبوبة وعاقبة محمودة، وهذه ~~مسألة عظيمة جدا قد بسطت في غير هذا الموضع. # ففي الجملة لم تثبت المعتزلة والشيعة نوعا من الحكمة والرحمة، إلا وقد ~~أثبت أئمة أهل (2) السنة ما هو أكمل من ذلك وأجل منه، مع إثباتهم قدرة الله ~~التامة ومشيئته النافذة وخلقه العام (3) . # هؤلاء لا يثبتون هذا، ومتكلمو الشيعة المتقدمون كالهشامين وغيرهما (4) ~~كانوا يثبتون القدر، كما يثبته غيرهم، وكذلك الزيدية منهم من يثبته ومنهم ~~من ينفيه. فالشيعة في القدر على قولين، كما أن المثبتين لخلافة الخلفاء ~~الثلاثة [في القدر] (5) على قولين. # فلا يوجد لأهل السنة قول ضعيف إلا وفي الشيعة من يقوله ms0232 ويقول PageV01P465 # ما هو أضعف منه، ولا يوجد للشيعة (1) قول قوي إلا وفي أهل السنة من يقوله ~~ويقول ما هو أقوى منه، ولا يتصور أن (2) يوجد للشيعة قول قوي لم يقله [أحد ~~من] (3) أهل السنة. فثبت أن أهل السنة أولى بكل خير منهم، كما أن المسلمين ~~أولى بكل خير من اليهود والنصارى. ### | [فصل الرد على قول الرافضي إنهم يقولون إن المطيع لا يستحق ثوابا والعاصي لا يستحق عقابا] # فصل. # وأما قوله: إنهم يقولون: # " إن المطيع لا يستحق ثوابا، والعاصي لا يستحق عقابا، بل قد يعذب المطيع ~~طول عمره المبالغ في امتثال أوامره كالنبي، ويثيب العاصي طول عمره بأنواع ~~المعاصي وأبلغها كإبليس وفرعون (4) ". # فهذا (5) فرية على أهل السنة، ليس فيهم من يقول: إن الله يعذب نبيا ولا ~~مطيعا، ولا من يقول: إن الله يثيب إبليس وفرعون (6) [بل] (7) ولا يثيب ~~عاصيا على معصيته؛ لكن يقولون: إنه يجوز أن يعفو عن PageV01P466 # المذنب (1) من المؤمنين، وأنه يخرج أهل الكبائر من النار فلا يخلد فيها ~~أحدا من (2) أهل التوحيد، ويخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان. ~~والإمامية توافقهم (3) على ذلك. # وأما الاستحقاق فهم يقولون: إن العبد لا يستحق بنفسه على الله شيئا وليس ~~له أن يوجب على ربه شيئا لا لنفسه ولا لغيره؛ ويقولون: إنه لا بد أن يثيب ~~المطيعين كما وعد، فإنه صادق في وعده لا يخلف الميعاد، فنحن نعلم أن الثواب ~~يقع لإخباره (4) لنا بذلك. وأما إيجابه ذلك على نفسه، وإمكان معرفة ذلك ~~بالعقل، فهذا فيه نزاع بين أهل السنة كما تقدم [التنبيه عليه] (5) . # فقول القائل: إنهم يقولون: إن [المطيع] لا يستحق (6) ثوابا: إن أراد أنه ~~هو لا يوجب بنفسه على ربه ثوابا (7) ولا أوجبه (8) غيره من المخلوقين، ~~فهكذا (9) تقول أهل السنة. وإن أراد أن هذا الثواب ليس أمرا ثابتا معلوما ~~وحقا واقعا، فقد أخطأ. وإن أراد أنه هو سبحانه وتعالى لا يحقه PageV01P467 # بخبره (1) فقد أخطأ على أهل السنة. وإن أراد أنه لم يحقه (2) بمعنى أنه ~~لم (3) يوجبه على نفسه، ويجعله ms0233 حقا على نفسه كتبه على نفسه، فهذا فيه نزاع ~~[قد] (4) تقدم. # وهو بعد أن وعد بالثواب، أو أوجب مع ذلك على نفسه الثواب، يمتنع منه خلاف ~~خبره، وخلاف حكمه الذي كتبه على نفسه، وخلاف موجب أسمائه الحسنى وصفاته ~~العلى. # ولكن لو قدر أنه عذب من يشاء لم يكن لأحد منعه، كما قال تعالى {قل فمن ~~يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض ~~جميعا} [سورة المائدة: 17] . # وهو سبحانه لو ناقش من ناقشه من خلقه يعذبه، كما ثبت في الصحيح عن عائشة ~~- رضي الله عنها - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من نوقش الحساب ~~عذب " قالت: قلت: يا رسول الله أليس الله يقول: {فأما من أوتي كتابه بيمينه ~~- فسوف يحاسب حسابا يسيرا} [سورة الانشقاق: 7، 8] فقال (5) : " ذلك العرض ~~ومن نوقش الحساب عذب» (6) . PageV01P468 # وفي الصحيح عنه [صلى الله عليه وسلم] (1) أنه قال: " «لن يدخل أحد منكم ~~الجنة بعمله ". قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: " ولا أنا إلا أن ~~يتغمدني الله برحمة منه وفضل» " (2) وفي الحديث الذي رواه أبو داود وغيره: ~~" «لو أن الله عذب (3) أهل سماواته وأهل (4) أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ~~ولو رحمهم لكانت رحمته لهم خيرا [لهم] (5) من أعمالهم» (6) . PageV01P469 # وهذا قد يقال لأجل المناقشة في الحساب والتقصير في [حقيقة] الطاعة (1) ، ~~وهو قول من يجعل الظلم مقدورا غير واقع، وقد يقال بأن الظلم لا حقيقة له، ~~وأنه مهما قدر من الممكنات لم يكن ظلما. والتحقيق أنه إذا قدر أن الله فعل ~~ذلك فلا يفعله إلا بحق، لا يفعله وهو ظالم، لكن إذا لم يفعله فقد يكون ظلما ~~يتعالى الله عنه. ### | [فصل الرد على قول الرافضي إنهم يقولون إن الأنبياء غير معصومين] # فصل # وأما ما نقله عنهم أنهم يقولون: " إن الأنبياء غير معصومين " (2) فهذا ~~الإطلاق نقل باطل عنهم. # فإنهم متفقون على أن الأنبياء معصومون فيما يبلغونه عن الله PageV01P470 # [تعالى] (1) ، وهذا هو مقصود الرسالة، فإن الرسول هو الذي يبلغ عن الله ~~أمره ونهيه وخبره ms0234 (2) ، وهم معصومون في تبليغ الرسالة (3) باتفاق المسلمين، ~~بحيث لا يجوز أن يستقر في ذلك شيء من الخطأ. # وتنازعوا هل يجوز أن يسبق على لسانه ما يستدركه الله تعالى ويبينه له ~~بحيث لا يقره على الخطأ. كما نقل أنه ألقي على لسانه [صلى الله عليه وسلم] ~~(4) : تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن (5) لترتجى؛ ثم إن الله تعالى نسخ ~~ما ألقاه الشيطان وأحكم آياته. فمنهم من لم يجوز ذلك ومنهم من جوزه إذ لا ~~محذور فيه؛ فإن الله [تعالى] (6) ينسخ ما يلقي الشيطان ويحكم الله آياته ~~والله عليم حكيم، {ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض ~~والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد} [سورة الحج: 53] (7) . # وأما قوله بل (8) قد يقع منهم الخطأ (9) " PageV01P471 # فيقال له: هم متفقون على أنهم لا يقرون [على] (1) خطأ في الدين أصلا ولا ~~على فسوق (2) ولا كذب، ففي الجملة كل ما يقدح في نبوتهم وتبليغهم عن الله ~~فهم متفقون على تنزيههم عنه. وعامة الجمهور الذين يجوزون عليهم الصغائر ~~يقولون: إنهم معصومون من الإقرار عليها، فلا يصدر عنهم ما يضرهم. # كما جاء في الأثر: كان داود بعد التوبة خيرا منه قبل الخطيئة، والله يحب ~~التوابين ويحب المتطهرين [سورة البقرة: 222] ، وإن العبد ليفعل السيئة ~~فيدخل بها الجنة. # وأما النسيان والسهو في الصلاة فذلك واقع منهم، وفي وقوعه حكمة استنان ~~المسلمين بهم كما روي في موطأ مالك: " «إنما أنسى أو أنسى لأسن» " (3) . ~~وقد قال - صلى الله عليه وسلم - " «إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت ~~فذكروني» " أخرجاه في الصحيحين (4) . «ولما صلى PageV01P472 # بهم خمسا، فلما سلم قالوا: له [يا رسول الله] (1) أزيد في الصلاة؟ قال: ~~وما ذاك؟ قالوا: صليت خمسا» ، [فقال] الحديث (2) . # وأما الرافضة فأشبهوا النصارى، فإن الله تعالى أمر الناس بطاعة الرسل ~~فيما أمروا به، وتصديقهم فيما أخبروا به، ونهى الخلق عن الغلو والإشراك ~~بالله، فبدلت النصارى دين الله، فغلوا في المسيح فأشركوا به، وبدلوا دينه ~~فعصوه وعظموه فصاروا عصاة بمعصيته، وبالغوا فيه خارجين عن أصلي الدين وهما ~~الإقرار لله ms0235 بالوحدانية ولرسله بالرسالة: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن ~~محمدا عبده ورسوله، فالغلو أخرجهم عن التوحيد حتى قالوا بالتثليث والاتحاد، ~~وأخرجهم عن طاعة الرسول وتصديقه حيث أمرهم أن يعبدوا الله ربه وربهم، ~~فكذبوه في قوله: إن الله ربه وربهم (3) وعصوه فيما أمرهم به. PageV01P473 # وكذلك الرافضة غلوا في الرسل، بل في الأئمة، حتى اتخذوهم أربابا من دون ~~الله، فتركوا عبادة الله وحده لا شريك له التي أمرهم بها الرسل، وكذبوا ~~الرسول فيما أخبر به (1) من توبة الأنبياء واستغفارهم، فتجدهم يعطلون ~~المساجد التي أمر الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فلا يصلون فيها جمعة ولا ~~جماعة، وليس لها عندهم كبير (2) حرمة، وإن صلوا فيها صلوا فيها وحدانا، ~~ويعظمون المشاهد المبنية (3) على القبور فيعكفون عليها مشابهة للمشركين، ~~ويحجون إليها كما يحج الحاج إلى البيت العتيق، ومنهم من يجعل الحج إليها ~~أعظم من الحج إلى الكعبة، بل يسبون من لا يستغني بالحج إليها عن الحج الذي ~~فرضه الله على عباده، ومن لا يستغني بها عن الجمعة والجماعة. # وهذا من جنس دين النصارى والمشركين الذين يفضلون عبادة الأوثان على عبادة ~~الرحمن. وقد ثبت في الصحاح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ~~«لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» " (4) . وقال قبل ~~أن يموت بخمس: «إن من كان قبلكم كانوا PageV01P474 # يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك» ~~". رواه مسلم (1) . وقال: " «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، ~~والذين يتخذون القبور مساجد» " رواه [الإمام] أحمد وابن حبان (2) في صحيحه ~~(3) وقال " «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا ~~قبور أنبيائهم مساجد» ". رواه مالك في الموطأ (4) . PageV01P475 # وقد صنف شيخهم ابن النعمان، المعروف عندهم بالمفيد -[وهو شيخ الموسوي ~~والطوسي] (1) - كتابا سماه: " مناسك المشاهد " جعل قبور المخلوقين تحج كما ~~تحج [الكعبة] (2) البيت الحرام الذي جعله الله قياما للناس، وهو أول بيت ~~وضع للناس فلا يطاف إلا به، ولا يصلى إلا إليه (3) ولم يأمر الله إلا ms0236 بحجه ~~(4) . # وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ~~يأمر بما ذكروه من أمر المشاهد، ولا شرع لأمته مناسك عند قبور الأنبياء ~~والصالحين، بل هذا من دين المشركين الذين قال الله فيهم: {وقالوا لا تذرن ~~آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا} [سورة نوح: 23] قال ~~ابن عباس [وغيره] : (5) هؤلاء كانوا قوما صالحين في PageV01P476 # قوم نوح لما ماتوا عكفوا على قبورهم، فطال عليهم الأمد، فصوروا تماثيلهم ~~ثم عبدوهم. (1) # وقد ثبت في الصحيح (2) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه قال: " لا ~~تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها» " (3) . [وقد ثبت في] صحيح مسلم وغيره ~~(4) عن أبي الهياج الأسدي قال: قال [لي] (5) علي بن أبي طالب: «ألا أبعثك ~~على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا أدع قبرا مشرفا ~~إلا سويته، ولا تمثالا إلا طمسته» (6) . فقرن بين طمس التماثيل وتسوية ~~القبور المشرفة؛ لأن كليهما (7) ذريعة إلى PageV01P477 # الشرك كما في الصحيحين أن أم سلمة وأم حبيبة ذكرتا للنبي - صلى الله عليه ~~وسلم - كنيسة رأينها بأرض الحبشة. وذكرتا من حسنها وتصاوير فيها، فقال: " ~~إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك ~~التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة " (1) . # والله أمر في كتابه (2) بعمارة المساجد، ولم يذكر المشاهد. فالرافضة ~~بدلوا دين الله فعمروا المشاهد، وعطلوا المساجد، مضاهاة للمشركين، ومخالفة ~~للمؤمنين. # قال تعالى {قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد} [سورة ~~الأعراف: 29] لم يقل: عند كل مشهد. وقال: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد ~~الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون - ~~إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ~~ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} [سورة التوبة: 17، 18] ~~ولم يقل: إنما يعمر (3) مشاهد الله، بل عمار المشاهد يخشون بها غير الله ~~ويرجون غير الله (4) . PageV01P478 # وقال تعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله ms0237 أحدا} [سورة الجن: 18] ~~ولم يقل: وأن المشاهد [لله. وقال: {ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا} [سورة ~~الحج: 40] ولم يقل: ومشاهد] (1) . وقال: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر ~~فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال - رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ~~ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة} [سورة النور 36، 37] (2) . # وأيضا فقد علم بالنقل المتواتر، بل علم بالاضطرار (3) من دين الإسلام، أن ~~رسول الله (4) - صلى الله عليه وسلم - شرع لأمته عمارة المساجد بالصلوات، ~~والاجتماع للصلوات الخمس ولصلاة الجمعة والعيدين وغير ذلك، وأنه لم يشرع ~~لأمته أن يبنوا على قبر نبي ولا رجل صالح (* لا من أهل البيت ولا غيرهم، لا ~~مسجدا (5) ولا مشهدا. ولم يكن على عهده - صلى الله عليه وسلم - *) (6) في ~~الإسلام مشهد (6 مبني على قبر، وكذلك على عهد خلفائه الراشدين وأصحابه ~~الثلاثة وعلي بن أبي طالب ومعاوية، لم يكن على عهدهم مشهد 6) (7) مبني لا ~~على قبر نبي ولا غيره، لا على قبر إبراهيم الخليل ولا على (8) غيره. ~~PageV01P479 # بل لما قدم المسلمون إلى الشام غير مرة، ومعهم عمر بن الخطاب وعثمان بن ~~عفان وعلي بن أبي طالب وغيرهم، ثم (1) لما قدم عمر لفتح بيت المقدس، ثم لما ~~قدم لوضع الجزية على أهل الذمة ومشارطتهم، ثم لما قدم إلى سرغ (2) ، ففي ~~جميع هذه المرات (3) لم يكن أحدهم يقصد السفر إلى قبر (4) الخليل، ولا كان ~~هناك مشهد، بل كان هناك البناء المبني على المغارة، وكان مسدودا (5) بلا ~~باب [له] (6) مثل حجرة (7) النبي - صلى الله عليه وسلم -. # ثم لم يزل الأمر هكذا في خلافة بني أمية وبني العباس، إلى أن ملك النصارى ~~تلك البلاد في أواخر المائة الخامسة، فبنوا ذلك البناء واتخذوه كنيسة ~~[ونقبوا باب البناء؛ فلهذا تجد الباب منقوبا لا مبنيا] (8) ، ثم لما استنقذ ~~المسلمون منهم تلك الأرض اتخذها من اتخذها مسجدا. # بل كان الصحابة إذا رأوا أحدا بنى مسجدا على قبر نهوه عن ذلك، ولما ظهر ~~قبر دانيال بتستر (9) كتب فيه أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - ~~PageV01P480 # إلى عمر - رضي ms0238 الله عنه -، فكتب إليه عمر أن تحفر بالنهار ثلاثة عشر ~~قبرا، وتدفنه بالليل في واحد منها لئلا يفتتن الناس به (1) . # وكان عمر بن الخطاب إذا رآهم يتناوبون مكانا يصلون فيه لكونه موضع نبي ~~ينهاهم عن ذلك، ويقول: إنما هلك من كان قبلكم باتخاذ آثار أنبيائهم مساجد، ~~من أدركته الصلاة فيه فليصل (2) وإلا فليذهب. # فهذا وأمثاله مما كانوا يحققون به التوحيد الذي أرسل الله به الرسول ~~إليهم، ويتبعون في ذلك سنته - صلى الله عليه وسلم -. # والإسلام مبني على أصلين: أن لا تعبد إلا الله، وأن نعبده بما شرع، لا ~~نعبده بالبدع. # فالنصارى خرجوا عن الأصلين، وكذلك المبتدعون من هذه الأمة من الرافضة ~~وغيرهم. # وأيضا، فإن النصارى يزعمون أن الحواريين الذين اتبعوا المسيح أفضل من ~~إبراهيم وموسى وغيرهما من الأنبياء والمرسلين، ويزعمون أن الحواريين رسل ~~شافههم الله بالخطاب؛ لأنهم يقولون: إن الله هو المسيح، ويقولون أيضا: إن ~~المسيح ابن الله. # والرافضة تجعل الأئمة الاثني عشر أفضل من السابقين الأولين من ~~PageV01P481 # المهاجرين والأنصار، وغاليتهم يقولون: إنهم أفضل من الأنبياء لأنهم ~~يعتقدون فيهم الإلهية كما اعتقدته النصارى في المسيح. # والنصارى يقولون: إن الدين مسلم للأحبار والرهبان، فالحلال ما حللوه ~~والحرام ما حرموه، والدين ما شرعوه. # (1 والرافضة تزعم أن الدين مسلم إلى الأئمة، فالحلال ما حللوه والحرام ما ~~حرموه، والدين ما شرعوه 1) (1) . # وأما من دخل في غلوة الشيعة كالإسماعيلية الذين يقولون بإلهية الحاكم ~~ونحوه من أئمتهم، ويقولون: إن محمد بن إسماعيل نسخ (2) شريعة محمد بن عبد ~~الله، وغير ذلك من المقالات التي هي من مقالات الغالية (3) من الرافضة، ~~فهؤلاء شر من أكثر الكفار من اليهود والنصارى والمشركين، وهم ينتسبون إلى ~~الشيعة يتظاهرون بمذاهبهم (4) . ### | اعتراض: الغلو موجود في كثير من المنتسبين إلى السنة والرد عليه # فإن قيل: ما وصفت به الرافضة من الغلو والشرك والبدع موجود كثير منه في ~~كثير من المنتسبين إلى السنة، فإن في كثير منهم غلوا في مشايخهم وإشراكا ~~بهم وابتداعا لعبادات غير مشروعة، وكثير منهم يقصد قبر من يحسن الظن به: ~~إما ms0239 ليسأله حاجاته (5) وإما ليسأل الله به حاجة (6) ، وإما لظنه أن الدعاء ~~عند قبره أجوب منه في المساجد. PageV01P482 # ومنهم (1) من يفضل زيارة قبور شيوخهم على الحج، ومنهم من يجد عند قبر من ~~يعظمه من الرقة والخشوع ما لا يجده في المساجد والبيوت، وغير ذلك مما يوجد ~~في الشيعة. # ويروون أحاديث مكذوبة من جنس أكاذيب الرافضة، مثل قولهم: لو أحسن أحدكم ~~ظنه بحجر نفعه الله به. وقولهم: إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور. ~~وقولهم: قبر فلان هو الترياق المجرب. # ويروون عن بعض شيوخهم أنه قال لصاحبه: إذا كان لك حاجة فتعال إلى قبري ~~واستغث بي، ونحو ذلك، فإن في المشايخ من يفعل بعد مماته كما كان يفعل في ~~حياته. وقد يستغيث الشخص بواحد منهم، فيتمثل له الشيطان في صورته: إما حيا ~~وإما ميتا، وربما قضى حاجته أو [قضى بعض حاجته] (2) ، كما يجري نحو ذلك ~~للنصارى مع شيوخهم، ولعباد الأصنام من العرب والهند والترك وغيرهم. # قيل: هذا كله مما نهى الله عنه ورسوله، وكل ما نهى الله عنه ورسوله فهو ~~مذموم منهي عنه، سواء كان فاعله منتسبا إلى السنة أو إلى التشيع، ولكن ~~الأمور المذمومة المخالفة للكتاب والسنة في هذا وغيره هي في الرافضة أكثر ~~منها في أهل السنة، [فما يوجد في أهل السنة] (3) من الشر ففي الرافضة أكثر ~~منه، وما يوجد في الرافضة من الخير ففي أهل السنة أكثر منه. PageV01P483 # وهذا حال أهل الكتاب مع المسلمين: فما يوجد في المسلمين شر إلا وفي أهل ~~الكتاب أكثر منه، ولا يوجد في أهل الكتاب خير إلا وفي المسلمين أعظم منه. # ولهذا يذكر سبحانه مناظرة الكفار من المشركين وأهل الكتاب بالعدل، فإن ~~ذكروا عيبا في المسلمين لم يبرئهم منه، لكن يبين أن عيوب الكفار أعظم. # كما قال [تعالى] (1) : {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه ~~كبير} ثم قال: {وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه ~~أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل} [سورة البقرة: 217] . # وهذه الآية نزلت لأن سرية ms0240 من المسلمين ذكر أنهم قتلوا ابن الحضرمي في آخر ~~يوم من رجب، فعابهم المشركون بذلك، فأنزل الله هذه الآية. (2) . # وقال تعالى: {قل ياأهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل ~~إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون - قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة ~~عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت ~~أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل} [سورة المائدة: 59، 60] (3) ، أي من ~~لعنه الله وجعل منهم الممسوخين وعبدة PageV01P484 # الطاغوت ف: " جعل " معطوف على " لعن "، ليس المراد: وجعل (1) منهم من عبد ~~الطاغوت، كما ظنه بعض الناس، فإن اللفظ لا يدل على ذلك والمعنى لا يناسبه، ~~فإن المراد ذمهم على ذلك لا الإخبار بأن الله جعل فيهم من يعبد الطاغوت، إذ ~~مجرد الإخبار بهذا لا ذم فيه لهم (2) ، بخلاف جعله منهم القردة والخنازير ~~فإن ذلك عقوبة منه لهم على ذنوبهم وذلك خزي لهم (3) ، فعابهم بلعنة الله ~~وعقوبته بالشرك الذي فيهم وهو عبادة الطاغوت. (4) . # والرافضة فيهم من لعنة الله وعقوبته بالشرك ما يشبهونهم به من بعض ~~الوجوه، فإنه قد ثبت بالنقول المتواترة أن فيهم من يمسخ كما مسخ (5) أولئك. ~~وقد صنف الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد [المقدسي] (6) كتابا سماه: ~~" النهي عن سب الأصحاب، وما ورد فيه من PageV01P485 # الذم والعقاب " وذكر فيه حكايات (1 معروفة في ذلك، وأعرف أنا حكايات 1) ~~(1) أخرى لم يذكرها هو. # وفيهم من الشرك والغلو ما ليس في سائر طوائف الأمة؛ ولهذا أظهر ما يوجد ~~الغلو في طائفتين: في النصارى والرافضة. ويوجد أيضا في طائفة ثالثة من أهل ~~النسك والزهد والعبادة الذين يغلون في شيوخهم ويشركون بهم. (2) ### | [فصل الرد على قول الرافضي إنهم يقولون إن النبي لم ينص على إمامة أحد وإنه مات عن غير وصية] ### | النصوص الدالة على استحقاق أبي بكر الخلافة # فصل # وأما قوله عن أهل السنة:. # إنهم يقولون: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينص على إمامة أحد (3) ~~وإنه مات عن غير وصية (4) . # فالجواب أن ms0241 يقال: ليس هذا قول جميعهم، بل قد ذهبت طوائف من أهل السنة إلى ~~أن إمامة أبي بكر ثبتت بالنص (5) ، والنزاع في ذلك معروف في مذهب أحمد ~~وغيره [من الأئمة] (6) . PageV01P486 # وقد ذكر القاضي أبو يعلى (1) في ذلك روايتين عن [الإمام] (2) أحمد: ~~إحداهما أنها ثبتت بالاختيار (3) . قال: " وبهذا قال جماعة من أهل الحديث ~~والمعتزلة والأشعرية "، وهذا اختيار القاضي أبي يعلى وغيره. # والثانية: أنها ثبتت بالنص الخفي والإشارة [قال] (4) : " وبهذا قال الحسن ~~البصري وجماعة من أهل الحديث " (5) وبكر بن أخت عبد الواحد (6) ، والبيهسية ~~من الخوارج (7) . # وقال شيخه أبو عبد الله بن حامد (8) : " فأما الدليل على استحقاق ~~PageV01P487 # أبي بكر الخلافة دون غيره من أهل البيت والصحابة فمن كتاب الله وسنة نبيه ~~". # قال: " وقد اختلف أصحابنا في الخلافة: هل أخذت من حيث النص أو الاستدلال؟ ~~فذهب طائفة من أصحابنا إلى أن ذلك بالنص، وأنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر ~~ذلك نصا، وقطع البيان على عينه حتما. ومن أصحابنا من قال إن ذلك بالاستدلال ~~الجلي ". # قال ابن حامد: والدليل على إثبات ذلك بالنص أخبار. # من ذلك ما أسنده البخاري، عن جبير بن مطعم، قال: «أتت امرأة إلى النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - فأمرها أن ترجع إليه. فقالت: أرأيت إن جئت فلم أجدك؟ ~~كأنها تريد الموت. قال: " إن لم تجديني فأتي أبا بكر» ". # وذكر [له] (1) سياقا آخر (2) وأحاديث أخر. قال: وذلك نص على إمامته ". ~~PageV01P488 # قال: وحديث سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة بن اليمان، ~~قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " «اقتدوا باللذين من بعدي أبي ~~بكر وعمر» " (1) . # قال: (2) " وأسند البخاري، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - يقول (3) «بينا أنا نائم (4) رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت ~~منها (5) ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين، ~~وفي نزعه ضعف، والله يغفر له (6) ، ثم استحالت غربا فأخذها عمر بن الخطاب ~~فلم أر عبقريا يفري فريه (7) ، حتى ضرب الناس بعطن» (8) " قال: " وذلك نص ~~في ms0242 الإمامة ". PageV01P489 # قال: " ويدل عليه ما أخبرنا أبو بكر بن مالك، وروى عن مسند أحمد، عن حماد ~~بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة (1) ، عن ~~أبيه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما: " «أيكم رأى رؤيا؟ ~~" فقلت: أنا رأيت يا رسول الله كأن ميزانا دلي من السماء، فوزنت بأبي بكر ~~فرجحت بأبي بكر، ثم وزن أبو بكر بعمر فرجح أبو بكر بعمر، ثم وزن عمر بعثمان ~~فرجح عمر بعثمان، ثم رفع الميزان. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافة ~~نبوة، ثم يؤتي الله الملك لمن (2) يشاء» (3) ". PageV01P490 # قال: " وأسند أبو داود، عن جابر الأنصاري، قال: قال رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم -: " «رأى الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - (1) ونيط عمر بأبي بكر، ونيط عثمان بعمر. " قال جابر: فلما ~~قمنا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلنا: أما الرجل (2) الصالح ~~فرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأما نوط بعضهم ببعض فهم ولاة هذا ~~الأمر الذي بعث الله به نبيه» (3) . # قال: " ومن ذلك حديث صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، «عن عائشة - رضي ~~الله عنها - قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله PageV01P491 # عليه وسلم - اليوم الذي بدئ (1) به فيه، فقال: " ادعي لي أباك وأخاك حتى ~~أكتب لأبي بكر كتابا ". ثم قال: " يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر» ". وفي ~~لفظ: " «فلا يطمع في هذا الأمر طامع» ". وهذا الحديث في الصحيحين (2) . # ورواه من طريق أبي داود الطيالسي، عن ابن أبي مليكة، «عن عائشة قالت: لما ~~ثقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ادعي لي عبد الرحمن بن أبي ~~بكر لأكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه الناس " (3) . ثم قال: " معاذ الله ~~أن يختلف المؤمنون في أبي بكر» (4) ". وذكر أحاديث PageV01P492 # تقديمه في الصلاة، وأحاديث أخر لم أذكرها لكونها ليست مما يثبته (1) أهل ~~الحديث. ### | أدلة ابن حزم على أن الرسول نص على خلافة أبي بكر نصا جليا ms0243 # وقال أبو محمد بن حزم في كتابه في (2) " الملل والنحل " (3) اختلف الناس ~~في الإمامة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت (4) طائفة: إن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستخلف أحدا، ثم اختلفوا (5) فقال بعضهم: ~~[لكن] (6) لما استخلف أبا بكر (7) على الصلاة كان ذلك دليلا على أنه أولاهم ~~بالإمامة والخلافة على الأمر (8) . وقال بعضهم: لا، ولكن كان أبينهم (9) ~~فضلا فقدموه لذلك. # وقالت طائفة: بل نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على استخلاف أبي ~~بكر بعده على أمور الناس نصا جليا. # قال أبو محمد: وبهذا نقول لبراهين، أحدها إطباق الناس كلهم، PageV01P493 # وهم الذين قال الله فيهم: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم ~~وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم ~~الصادقون} [سورة الحشر: 8] . # فقد اتفق (1) هؤلاء الذين شهد الله لهم بالصدق وجميع إخوانهم من الأنصار ~~- رضي الله عنهم - على أن سموه خليفة رسول - الله صلى الله عليه وسلم -. # ومعنى الخليفة في اللغة هو الذي يستخلفه المرء لا الذي يخلفه دون أن ~~يستخلفه [هو] (2) ، لا يجوز غير هذا ألبتة في اللغة بلا خلاف. تقول: (3) ~~استخلف فلان فلانا يستخلفه فهو خليفة (4) ومستخلفه، فإن قام مكانه دون أن ~~يستخلفه (5) لم يقل إلا: خلف فلان فلانا يخلفه فهو خالف. # قال (6) : " ومحال أن يعنوا بذلك الاستخلاف على الصلاة لوجهين ضرورين: ~~أحدهما: أنه لم (7) يستحق أبو بكر قط (8) هذا الاسم على PageV01P494 # الإطلاق في حياة رسول الله (1) - صلى الله عليه وسلم -، وهو حينئذ خليفته ~~[على الصلاة] (2) ، فصح [يقينا] (3) أن خلافته المسمى بها (4) هي غير ~~خلافته على الصلاة. # والثاني أن كل من استخلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حياته ~~كعلي في غزوة تبوك، وابن أم مكتوم في غزوة الخندق، وعثمان بن عفان في غزوة ~~ذات الرقاع، وسائر من استخلفه على البلاد باليمن والبحرين والطائف وغيرها، ~~لم يستحق أحد منهم قط بلا خلاف بين أحد من الأمة (5) أن يسمى خليفة رسول ~~الله [صلى الله عليه وسلم] (6) ، فصح يقينا بالضرورة التي لا محيد عنها ms0244 ~~أنها الخلافة (7) بعده على أمته. # ومن المحال (8) أن يجمعوا على ذلك وهو (9) لم يستخلفه نصا، ولو لم يكن ~~هاهنا (10) إلا استخلافه في الصلاة (11) لم يكن (12) أبو بكر أولى بهذه ~~التسمية (13) من سائر من ذكرنا (14) ". PageV01P495 # قال (1) : " وأيضا فإن الرواية قد صحت «أن (2) امرأة قالت: يا رسول الله ~~أرأيت إن رجعت فلم (3) أجدك؟ كأنها تعني (4) الموت. قال: فأتى أبا بكر» " ~~قال (5) : " وهذا نص جلي على استخلاف أبي بكر ". # قال (6) : " وأيضا فإن الخبر قد جاء من الطرق الثابتة «أن رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة (7) في مرضه الذي توفي فيه (8) : " لقد ~~هممت أن أبعث إلى أبيك وأخيك، وأكتب كتابا وأعهد عهدا، لكيلا (9) يقول ~~قائل: أنا أحق، أو يتمنى متمن، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر» (10) . # (* وروي (11) : «ويأبى الله ورسوله والمؤمنون [إلا أبا بكر» ] (12) *) ~~(13) . وروي PageV01P496 # [أيضا] (1) : «ويأبى الله والنبيون إلا أبا بكر» " قال: (2) " فهذا نص ~~جلي على استخلافه - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر على ولاية الأمة " بعده. # قال (3) : " واحتج من قال: لم يستخلف [أبا بكر] (4) بالخبر المأثور عن ~~عبد الله بن عمر عن عمر (5) ، أنه قال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني ~~- يعني أبا بكر - وإلا أستخلف فلم يستخلف من هو خير مني، يعني رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم -. وبما روي عن عائشة [رضي الله عنها] (6) إذ (7) سئلت: ~~من كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستخلفا لو استخلف؟ (8) ". ~~PageV01P497 # قال (1) " ومن المحال (2) أن يعارض إجماع الصحابة الذي (3) ذكرنا عنهم ~~(4) ، والأثران الصحيحان المسندان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ~~لفظه، بمثل هذين الأثرين الموقوفين على عمر وعائشة (5) - رضي الله عنهما - ~~(6) مما لا تقوم به (7) حجة ظاهرة (8) ، من أن (9) هذا الأثر خفي على عمر ~~(10) كما خفي عليه كثير من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~كالاستئذان (11) PageV01P498 # وغيره، أو أنه (1) أراد استخلافا بعهد مكتوب، ونحن نقر أن استخلاف أبي ~~بكر (2) لم يكن بعهد مكتوب (3) . # وأما الخبر في ذلك عن عائشة (4) فكذلك أيضا (5) . وقد يخرج كلاهما (6) ~~على سؤال سائل ms0245، وإنما الحجة في روايتهما لا في قولهما (7) . ". # قلت: والكلام في تثبيت خلافة أبي بكر وغيره مبسوط في غير هذا الموضع، ~~وإنما المقصود هنا البيان لكلام الناس في خلافته: هل حصل عليها نص جلي أو ~~نص خفي؟ (8) وهل ثبتت بذلك أو بالاختيار من أهل الحل والعقد؟ # فقد تبين أن كثيرا من السلف والخلف قالوا فيها بالنص الجلي أو الخفي، ~~وحينئذ فقد بطل قدح الرافضي في أهل السنة بقوله: إنهم يقولون: إن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - لم ينص على إمامة أحد، وأنه مات من غير وصية، وذلك ~~(9) أن هذا القول لم يقله جميعهم، فإن كان PageV01P499 # حقا فقد قاله بعضهم، وإن كان الحق هو نقيضه فقد قال بعضهم ذلك. فعلى ~~التقديرين لم يخرج الحق عن أهل السنة. ### | قول الراوندية بالنص على خلافة العباس # وأيضا فلو قدر أن القول بالنص هو الحق لم يكن في ذلك حجة للشيعة، فإن ~~الراوندية (1) تقول بالنص على العباس كما قالوا هم بالنص على علي. # قال القاضي أبو يعلى وغيره: " واختلف الراوندية فذهب جماعة منهم إلى أن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على العباس بعينه واسمه، وأعلن ذلك وكشفه ~~وصرح به، وأن الأمة جحدت (2) هذا النص وارتدت وخالفت أمر النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - (3) عنادا. ومنهم من قال: إن النص على العباس وولده من بعده ~~إلى أن تقوم الساعة " (4) يعني هو نص خفي. # فهذان قولان للراوندية كالقولين للشيعة، فإن الإمامية تقول: إنه نص على ~~[علي بن أبي طالب]- رضي الله عنه - (5) من طريق التصريح والتسمية ~~PageV01P500 # بأن هذا هو الإمام من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا. والزيدية (1) تخالفهم في ~~هذا. # ثم من الزيدية من يقول: إنما نص عليه بقوله: «من كنت مولاه فعلي مولاه» ~~(2) ، «وأنت مني بمنزلة هارون من موسى» (3) ، وأمثال ذلك من النص ~~PageV01P501 # الخفي الذي يحتاج إلى تأمل لمعناه. وحكي عن الجارودية من الزيدية (1) أن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على علي بصفة لم تكن توجد إلا فيه، لا من ~~جهة التسمية. # فدعوى الراوندية في النص من ms0246 جنس دعوى الرافضة، وقد ذكر في الإمامية أقوال ~~أخر. # قال [أبو محمد] بن حزم (2) " اختلف القائلون بأن الإمامة (3) لا تكون (4) ~~إلا في صليبة قريش (5) ، فقالت طائفة: هي جائزة في PageV01P502 # جميع ولد فهر بن مالك بن النضر (1) ؛ وهذا قول أهل السنة وجمهور المرجئة ~~(2) وبعض المعتزلة. # وقالت طائفة: لا تجوز الخلافة إلا في ولد العباس [بن عبد المطلب] (3) ، ~~وهم الراوندية (4) . # وقالت طائفة: لا تجوز [الخلافة] (5) إلا في ولد علي بن أبي طالب (6) . # وقالت طائفة: لا تجوز [الخلافة] (7) إلا في ولد جعفر بن أبي طالب (8) (* ~~ثم قصروها (9) على عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب *) ~~(10) . وبلغنا عن بعض بني الحارث بن عبد المطلب أنه كان PageV01P503 # يقول: لا تجوز الخلافة إلا لبني (1) عبد المطلب خاصة، ويراها في جميع ولد ~~(2) عبد المطلب، وهم: أبو طالب وأبو لهب والعباس والحارث (3) ". # قال (4) : " وبلغنا (5) [عن رجل كان بالأردن يقول: لا تجوز الخلافة إلا ~~في بني عبد شمس (6) ، وكان له (7) في ذلك تأليف مجموع ". # قال (8) : " ورأينا (9) كتابا مؤلفا لرجل من ولد عمر بن الخطاب (10) يحتج ~~فيه أن (11) الخلافة لا تجوز إلا في ولد أبي بكر وعمر خاصة (12) "، وسيأتي ~~تمام الكلام على تنازع الناس في الإمامة إن شاء الله تعالى. # والمقصود هنا أن أقوال الرافضة معارضة بنظيرها، فإن دعواهم النص على علي، ~~كدعوى أولئك النص على العباس، وكلا القولين مما يعلم فساده بالاضطرار، ولم ~~يقل أحد من أهل العلم شيئا من هذين القولين، PageV01P504 # وإنما ابتدعهما أهل الكذب كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه؛ ولهذا لم ~~يكن أهل الدين من ولد العباس وعلي يدعوان هذا ولا هذا، بخلاف النص على أبي ~~بكر فإن القائلين به طائفة من أهل العلم، وسنذكر إن شاء الله تعالى فصل ~~الخطاب في هذا الباب. # لكن المقصود أن لهم أدلة وحججا من جنس أدلة المستدلين في موارد النزاع، ~~ويكفيك أن أضعف ما استدلوا به استدلالهم بتسميته خليفة رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم -، فإنه قد تقدم أن القائلين بالنص على أبي ms0247 بكر منهم من قال ~~بالنص الخفي، ومنهم من قال بالنص الجلي. # وأيضا، فقد روى ابن بطة (1) بإسناده، قال حدثنا أبو الحسن بن أسلم الكاتب ~~(2) ، حدثنا الزعفراني (3) ، حدثنا يزيد بن هارون (4) حدثنا المبارك بن ~~فضالة (5) ، أن عمر بن عبد العزيز بعث محمد بن الزبير PageV01P505 # الحنظلي (1) إلى الحسن فقال: هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~استخلف أبا بكر؟ فقال: أوفي شك صاحبك؟ نعم، والله الذي لا إله إلا هو ~~استخلفه، لهو أتقى من أن يتوثب عليها. قال ابن المبارك: استخلافه هو أمره ~~أن يصلي بالناس، وكان هذا عند الحسن استخلافا ". # قال: " وأنبأنا أبو القاسم عبد الله بن محمد (2) حدثنا أبو خيثمة زهير بن ~~حرب (3) ، حدثنا يحيى بن سليم (4) . حدثنا جعفر بن PageV01P506 # محمد (1) - 105، وفيها أنه مات 148.، عن أبيه (2) ، عن عبد الله بن جعفر ~~(3) قال: ولينا أبو بكر فخير خليفة أرحمه بنا وأحناه علينا (4) . قال: ~~وسمعت معاوية بن قرة (5) يقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استخلف ~~أبا بكر " (6) . # ثم القائلون بالنص على أبي بكر من قال بالنص الجلي، واستدلوا على ذلك ~~باتفاق الصحابة على تسميته خليفة رسول الله PageV01P507 # - صلى الله عليه وسلم - قالوا (1) : والخليفة إنما يقال لمن استخلفه ~~غيره، واعتقدوا أن الفعيل بمعنى المفعول، فدل ذلك على أن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - استخلف (2) على أمته. # والذين نازعوهم في هذه الحجة قالوا: الخليفة يقال لمن استخلفه غيره، ولمن ~~خلف غيره فهو فعيل بمعنى فاعل، كما يقال: خلف فلان فلانا. كما قال النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين (3) : " «من جهز غازيا فقد غزا، ومن خلفه ~~في أهله بخير فقد غزا» " (4) . وفي الحديث الآخر: " «اللهم أنت الصاحب في ~~السفر والخليفة في الأهل، اللهم اصحبنا في سفرنا واخلفنا في أهلنا» " (5) . ~~PageV01P508 # وقال تعالى: {وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات} ~~[سورة الأنعام: 165] . وقال تعالى: {ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم ~~لننظر كيف تعملون} [سورة يونس: 14] (1) وقال تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة ~~إني جاعل في الأرض خليفة} [سورة البقرة: 30] . وقال ms0248: {ياداود إنا جعلناك ~~خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق} [سورة ص: 26] (2) ، أي خليفة عمن ~~قبلك من الخلق، ليس المراد أنه (3) خليفة عن الله، وأنه من الله كإنسان ~~العين من العين، كما يقول ذلك بعض الملحدين القائلين بالحلول والاتحاد، ~~كصاحب " الفتوحات المكية "، وأنه الجامع لأسماء الله الحسنى، وفسروا بذلك ~~قوله تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها} [سورة البقرة: 31] (4) وأنه مثل الله ~~الذي نفي عنه PageV01P509 # الشبه (1) بقوله {ليس كمثله شيء} (2) ، [سورة الشورى: 11] ، إلى أمثال ~~هذه المقالات التي فيها من تحريف المنقول (3) وفساد المعقول ما ليس هذا ~~موضع بسطه (4) . # والمقصود هنا أن الله لا يخلفه غيره، فإن الخلافة إنما تكون عن غائب، وهو ~~سبحانه شهيد مدبر لخلقه لا يحتاج في تدبيرهم إلى غيره، وهو [سبحانه] (5) ~~خالق الأسباب والمسببات جميعا، بل هو سبحانه يخلف عبده المؤمن إذا غاب عن ~~أهله. ويروى (6) أنه قيل لأبي بكر: يا خليفة الله. فقال: بل أنا خليفة رسول ~~الله، وحسبي ذاك. ### | الأحاديث الدالة على ثبوت خلافة أبي بكر # وقالت طائفة: بل ثبتت بالنص المذكور في الأحاديث التي تقدم PageV01P510 # [إيراد بعضها] (1) مثل قوله في الحديث الصحيح: «لما جاءته المرأة (2) ~~تسأله عن أمر، فقالت: أرأيت إن لم أجدك؟ كأنها تعني الموت، فقال: " ائتي ~~أبا بكر» " (3) . ومثل (4) قوله - صلى الله عليه وسلم - (5) في [الحديث] ~~الصحيح لعائشة [رضي الله عنها] (6) : " «ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي ~~بكر كتابا لا يختلف عليه الناس بعدي ". ثم قال: " يأبى الله والمؤمنون إلا ~~أبا بكر» " (7) . # ومثله قوله في [الحديث] الصحيح (8) : " «رأيت (9) كأني على قليب أنزع ~~منها، فأخذها ابن أبي قحافة فنزع ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، والله ~~يغفر له، ثم أخذها ابن الخطاب فاستحالت غربا فلم أر عبقريا [من الناس] (10) ~~يفري فريه حتى ضرب (11) الناس بعطن» " (12) . PageV01P511 # ومثل قوله: " «مروا أبا بكر فليصل بالناس» ". وقد روجع في ذلك مرة بعد ~~مرة، فصلى بهم مدة مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - من يوم الخميس إلى يوم ~~الخميس إلى يوم الاثنين، وخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة ms0249 فصلى بهم ~~جالسا، وبقي أبو بكر يصلي بأمره سائر الصلوات، وكشف الستارة يوم مات وهم ~~يصلون خلف أبي بكر فسر بذلك (1) ، وقد قيل: إن آخر صلاة صلاها النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - كانت خلف أبي بكر، وقيل: ليس كذلك. # ومثل قوله في [الحديث] (2) الصحيح على منبره: " «لو كنت متخذا من أهل (3) ~~الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا ~~خوخة أبي بكر» " (4) . PageV01P512 # وفي سنن أبي داود وغيره من حديث الأشعث، عن الحسن، عن أبي بكرة «أن النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - قال ذات يوم: " من رأى (1) منكم رؤيا؟ " فقال رجل: ~~أنا رأيت كأن ميزانا نزل (2) من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي ~~بكر، ثم وزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم رفع ~~الميزان. فرأيت الكراهية في وجه النبي - صلى الله عليه وسلم» - " (3) . # ورواه أيضا من حديث حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن عبد الرحمن ~~بن أبي بكرة، عن أبيه، فذكر مثله، ولم يذكر الكراهية. فاستاء لها (4) النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - يعني ساءه ذلك - فقال: " «خلافة نبوة، ثم يؤتي الله ~~الملك من يشاء» " (5) . فبين [النبي] (6) PageV01P513 # - صلى الله عليه وسلم - أن ولاية هؤلاء خلافة نبوة (1) ، ثم بعد ذلك ملك، ~~وليس فيه ذكر علي؛ لأنه لم يجتمع الناس في زمانه بل كانوا مختلفين، لم ~~ينتظم فيه خلافة النبوة ولا الملك. # وروى أبو داود أيضا من حديث ابن شهاب، عن عمرو بن أبان، عن جابر أنه كان ~~يحدث «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أري (2) الليلة رجل صالح ~~أن أبا بكر نيط برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونيط عمر بأبي بكر، ~~ونيط عثمان بعمر ". قال جابر: فلما قمنا من عند رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - قلنا: أما الرجل الصالح فرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأما ~~المنوط بعضهم ببعض، فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه» " (3) . # وروى أبو داود ms0250 أيضا من حديث حماد بن سلمة، عن أشعث بن عبد الرحمن، عن ~~أبيه، عن سمرة بن جندب، «أن رجلا قال: يا رسول الله، رأيت كأن دلوا أدلي من ~~السماء، فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيها (4) فشرب شربا ضعيفا، ثم جاء عمر فأخذ ~~بعراقيها (5) فشرب حتى تضلع، PageV01P514 # ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها (1) فشرب حتى تضلع، ثم جاء علي فأخذ بعراقيها ~~(2) فانتشطت فانتضح عليه منها شيء» (3) . # وعن سعيد بن جهمان، عن سفينة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ~~-: " «خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء» ". أو [قال] ~~(4) : " الملك ". قال سعيد: قال لي سفينة: [أمسك] ، مدة (5) أبي بكر سنتان ~~(6) ، وعمر عشر، وعثمان اثنتا عشرة (7) ، وعلي كذا. قال سعيد: قلت لسفينة: ~~إن هؤلاء يزعمون أن عليا لم يكن بخليفة. قال: كذبت أستاه بني الزرقاء، يعني ~~بني مروان (8) . و [أمثال] PageV01P515 # هذه (1) الأحاديث ونحوها مما يستدل بها من قال: إن خلافته ثبتت بالنص. ~~والمقصود هنا أن كثيرا من أهل السنة يقولون (2) : إن خلافته ثبتت بالنص، ~~وهم يسندون ذلك إلى أحاديث معروفة صحيحة. ولا ريب أن قول هؤلاء أوجه من قول ~~من يقول: إن خلافة علي أو العباس ثبتت بالنص، فإن هؤلاء ليس معهم إلا مجرد ~~الكذب والبهتان، الذي يعلم بطلانه بالضرورة كل من كان عارفا بأحوال ~~الإسلام، أو استدلال بألفاظ لا تدل على ذلك، كحديث استخلافه في غزوة تبوك ~~ونحوه مما سنتكلم عليه إن شاء الله تعالى. # فيقال لهذا: إن وجب أن يكون الخليفة منصوصا عليه، كان القول بهذا النص ~~أولى من القول بذاك (3) ، وإن لم يجب هذا، بطل ذاك. # والتحقيق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دل المسلمين على استخلاف أبي ~~بكر، وأرشدهم إليه بأمور متعددة من أقواله وأفعاله، وأخبر بخلافته إخبار ~~راض بذلك حامد له، وعزم على أن يكتب بذلك عهدا، ثم علم أن المسلمين يجتمعون ~~عليه فترك الكتاب اكتفاء بذلك، ثم عزم على ذلك في مرضه يوم الخميس، ثم لما ~~حصل لبعضهم (4) شك: هل PageV01P516 # ذلك القول من جهة المرض ms0251، أو هو قول يجب اتباعه؟ ترك الكتابة اكتفاء بما ~~علم أن الله يختاره والمؤمنون من خلافة أبي بكر [رضي الله عنه] (1) . # فلو كان التعيين مما يشتبه على الأمة، لبينه النبي (2) - صلى الله عليه ~~وسلم - بيانا قاطعا للعذر، لكن لما دلتهم (3) دلالات متعددة على أن أبا بكر ~~هو المتعين (4) وفهموا ذلك، حصل المقصود (* والأحكام يبينها - صلى الله ~~عليه وسلم - تارة بصيغة عامة (5) وتارة بصيغة خاصة *) (6) ولهذا قال عمر ~~[بن الخطاب] (7) في خطبته التي خطبها بمحضر من المهاجرين والأنصار: " وليس ~~فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل (8) أبي بكر " رواه البخاري ومسلم (9) . ~~PageV01P517 # وفي الصحيحين [أيضا] (1) عنه أنه قال يوم السقيفة بمحضر من المهاجرين ~~والأنصار: " أنت (2) خيرنا وسيدنا وأحبنا إلى رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - (3) " ولم ينكر ذلك منهم منكر، ولا قال أحد من الصحابة: إن غير أبي ~~بكر من المهاجرين أحق بالخلافة منه، ولم ينازع أحد في خلافته إلا بعض ~~الأنصار طمعا في أن يكون من الأنصار أمير ومن المهاجرين أمير، وهذا مما ثبت ~~بالنصوص المتواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بطلانه، ثم الأنصار ~~جميعهم بايعوا أبا بكر (4) إلا سعد بن عبادة لكونه هو الذي كان يطلب ~~الولاية (5) . PageV01P518 # ولم يقل [قط] (1) أحد من الصحابة: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص ~~على غير أبي بكر - رضي الله عنه - (2) : لا على العباس ولا على علي ولا على ~~(3) غيرهما، ولا ادعى العباس ولا علي -[ولا أحد] (4) ممن يحبهما - الخلافة ~~لواحد منهما، ولا أنه منصوص عليه. بل ولا قال أحد من الصحابة: إن في قريش ~~من هو أحق بها من أبي بكر: لا من بني هاشم، ولا من غير بني هاشم (5) . وهذا ~~كله مما يعلمه (6) العلماء العالمون (7) بالآثار والسنن والحديث، وهو معلوم ~~عندهم بالاضطرار. # وقد نقل عن بعض بني عبد مناف، مثل أبي سفيان وخالد بن سعيد (8) ، أنهم ~~أرادوا أن لا تكون الخلافة [إلا] (9) في بني عبد مناف، PageV01P519 # وأنهم ذكروا ذلك لعثمان وعلي (1) فلم يلتفتا (2) إلى من قال ذلك، لعلمهما ~~وعلم سائر المسلمين أنه ms0252 ليس في القوم مثل أبي بكر. # ففي الجملة جميع من نقل عنه من الأنصار وبني عبد مناف (3) أنه طلب تولية ~~غير أبي بكر، لم يذكر حجة دينية شرعية، ولا ذكر أن غير أبي بكر أحق وأفضل ~~من أبي بكر، وإنما نشأ كلامه عن حب لقومه وقبيلته، وإرادة منه أن تكون ~~الإمامة (4) في قبيلته. # ومعلوم أن مثل هذا ليس من الأدلة الشرعية ولا الطرق الدينية، ولا هو مما ~~أمر الله (5) ورسوله المؤمنين باتباعه، بل هو شعبة (6) جاهلية، ونوع عصبية ~~للأنساب (7) والقبائل. وهذا مما بعث الله محمدا (8) [صلى الله عليه وسلم] ~~(9) بهجره وإبطاله. # وفي الصحيح عنه أنه (10) قال: " «أربع من أمر الجاهلية في أمتي لن ~~يدعوهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والنياحة على الميت، والاستقاء ~~بالنجوم» " (11) . PageV01P520 # وفي المسند عن أبي بن كعب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: " ~~«من سمعتموه يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أمه ولا تكنوا» (1) ". # وفي السنن عنه أنه قال: " «إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها ~~بالآباء، الناس رجلان: مؤمن تقي، وفاجر شقي» " (2) . # وأما كون الخلافة في قريش، فلما كان هذا من شرعه ودينه (3) ، كانت النصوص ~~بذلك معروفة منقولة مأثورة يذكرها الصحابة. بخلاف PageV01P521 # كون الخلافة في بطن من قريش أو غير قريش، فإنه لم ينقل أحد من الصحابة ~~فيه نصا، بل ولا قال أحد: إنه [كان] في قريش (1) من هو أحق بالخلافة في دين ~~الله وشرعه من أبي بكر. # ومثل هذه الأمور كلما تدبرها العالم، وتدبر (2) النصوص الثابتة وسير (3) ~~الصحابة، حصل له علوم ضرورية لا يمكنه دفعها عن قلبه أنه كان من الأمور ~~المشهورة عند المسلمين أن أبا بكر مقدم على غيره، وأنه كان عندهم أحق ~~بخلافة النبوة، وأن الأمر في ذلك بين ظاهر عندهم، ليس فيه اشتباه عليهم؛ ~~ولهذا قال [رسول الله] (4) - صلى الله عليه وسلم -: " «يأبى الله والمؤمنون ~~إلا أبا بكر» ". # ومعلوم أن هذا العلم الذي عندهم بفضله وتقدمه، إنما استفادوه من النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - بأمور سمعوها وعاينوها، [و] حصل (5) بها ms0253 لهم من العلم ~~ما علموا [به] (6) أن الصديق أحق الأمة بخلافة نبيهم، وأفضلهم عند نبيهم ~~وأنه ليس فيهم من يشابهه حتى يحتاج في ذلك إلى مناظرة. PageV01P522 # ولم يقل أحد من الصحابة قط (1) : إن عمر [بن الخطاب] (2) ، أو عثمان، أو ~~عليا، [أو غيرهم] (3) أفضل من أبي بكر، أو أحق بالخلافة منه. وكيف يقولون ~~(4) ذلك، وهم دائما يرون من تقديم النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر ~~على غيره، وتفضيله له، وتخصيصه بالتعظيم، ما قد ظهر للخاص والعام؟ ! حتى أن ~~أعداء النبي - صلى الله عليه وسلم - من المشركين وأهل الكتاب والمنافقين، ~~يعلمون أن لأبي بكر من الاختصاص ما ليس لغيره. # كما ذكره أبو سفيان بن حرب يوم أحد. قال: أفي القوم محمد؟ أفي القوم ~~محمد؟ ثلاثا. ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ~~[أفي القوم ابن أبي قحافة] (5) ؟ ثم قال (6) أفي القوم ابن الخطاب؟ أفي ~~القوم ابن الخطاب؟ [أفي القوم ابن الخطاب؟] (7) وكل ذلك يقول لهم النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - (8) : " «لا تجيبوه» " أخرجاه في الصحيحين (9) كما ~~سيأتي ذكره بتمامه إن شاء الله تعالى (10) . PageV01P523 # حتى إني أعلم طائفة من حذاق المنافقين ممن يقول: إن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - كان رجلا عاقلا أقام الرياسة بعقله وحذقه، يقولون: إن أبا بكر ~~كان مباطنا له على ذلك يعلم أسراره على ذلك، بخلاف عمر وعثمان وعلي. # فقد ظهر لعامة الخلائق أن أبا بكر [رضي الله عنه] (1) كان أخص الناس ~~بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فهذا النبي وهذا صديقه، فإذا كان محمد أفضل ~~النبيين فصديقه أفضل الصديقين. # فخلافة أبي بكر الصديق دلت النصوص الصحيحة على صحتها وثبوتها ورضا الله ~~ورسول [الله صلى الله عليه وسلم] له (2) بها، وانعقدت بمبايعة المسلمين له ~~واختيارهم إياه اختيارا استندوا فيه إلى ما علموه من تفضيل الله ورسوله، ~~وأنه أحقهم بهذا الأمر عند الله ورسوله، فصارت ثابتة بالنص والإجماع جميعا. # ولكن النص دل على رضا الله ورسوله بها (3) ، وأنها حق، وأن الله أمر بها ~~وقدرها، وأن ms0254 المؤمنين يختارونها، وكان هذا أبلغ من مجرد العهد بها؛ لأنه ~~حينئذ كان يكون طريق ثبوتها مجرد العهد. # وأما إذا كان المسلمون قد اختاروه من غير عهد، ودلت النصوص على صوابهم ~~فيما فعلوه، ورضا الله ورسوله بذلك، كان ذلك دليلا على PageV01P524 # أن الصديق كان (1) فيه من الفضائل التي بان بها عن غيره، ما علم المسلمون ~~به أنه أحقهم بالخلافة، وأن (2) ذلك لا يحتاج فيه إلى عهد خاص. # كما قال (3) النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يكتب لأبي بكر، ~~[فقال لعائشة: " «ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا، فإني أخاف ~~أن يتمنى متمن، ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر» ~~". أخرجاه في الصحيحين. وفي البخاري: " «لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر ~~وابنه وأعهد، أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون، ويدفع الله ويأبى ~~المؤمنون» " (4) . # فبين صلى الله عليه وسلم أنه يريد أن يكتب كتابا خوفا، ثم علم أن الأمر ~~واضح ظاهر ليس مما يقبل النزاع فيه، والأمة حديثة عهد بنبيها، وهم خير أمة ~~أخرجت للناس، وأفضل قرون هذه الأمة، فلا يتنازعون في هذا الأمر الواضح ~~الجلي، فإن النزاع إنما يكون لخفاء العلم أو لسوء القصد، وكلا الأمرين ~~منتف، فإن العلم بفضيلة أبي بكر جلي، وسوء القصد لا يقع من جمهور الأمة ~~الذين هم أفضل القرون] (5) ؛ ولهذا قال (6) : " «يأبى الله والمؤمنون إلا ~~أبا بكر» "، فترك ذلك لعلمه بأن [ظهور] (7) PageV01P525 # فضيلة [أبي بكر] الصديق (1) واستحقاقه (2) لهذا الأمر يغني عن العهد فلا ~~يحتاج إليه، فتركه لعدم الحاجة وظهور فضيلة الصديق واستحقاقه، وهذا أبلغ من ~~العهد. ### | [فصل بطلان مزاعم ابن المطهر عن بيعة أبي بكر] # فصل # وأما قول [الرافضي] (3) . # إنهم يقولون: إن (4) الإمام بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو ~~بكر، بمبايعة عمر، برضا أربعة (5) . # فيقال له: ليس (6) هذا قول أئمة أهل (7) السنة، وإن كان بعض أهل الكلام ~~يقولون: إن الإمامة تنعقد ببيعة أربعة، كما قال بعضهم: تنعقد ببيعة ~~PageV01P526 # اثنين، وقال بعضهم: تنعقد ببيعة واحد، فليست هذه أقوال ms0255 أئمة السنة (1) . # بل الإمامة عندهم تثبت بموافقة أهل الشوكة عليها، ولا يصير الرجل إماما ~~حتى يوافقه أهل الشوكة عليها (2) الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة، فإن ~~المقصود من الإمامة إنما يحصل بالقدرة والسلطان، فإذا بويع بيعة حصلت بها ~~القدرة والسلطان صار إماما. # ولهذا قال أئمة السلف (3) : من صار له قدرة وسلطان يفعل بهما (4) مقصود ~~الولاية، فهو من أولي الأمر الذين أمر الله بطاعتهم ما لم يأمروا بمعصية ~~الله، فالإمامة ملك وسلطان، والملك لا يصير ملكا بموافقة واحد ولا اثنين ~~ولا أربعة، إلا أن تكون موافقة هؤلاء تقتضي موافقة غيرهم بحيث يصير ملكا ~~بذلك. وهكذا كل أمر يفتقر إلى المعاونة عليه لا يحصل إلا بحصول من يمكنهم ~~التعاون عليه؛ ولهذا لما بويع علي - رضي الله عنه - (5) وصار معه شوكة صار ~~إماما. # ولو كان جماعة في سفر فالسنة أن يؤمروا أحدهم، كما قال النبي - صلى الله ~~عليه وسلم -: " «لا يحل لثلاثة يكونون في سفر إلا أن يؤمروا PageV01P527 # واحدا منهم» (1) " فإذا أمره أهل القدرة منهم صار أميرا. فكون الرجل ~~أميرا وقاضيا وواليا وغير ذلك من الأمور التي مبناها على القدرة والسلطان، ~~متى حصل ما يحصل به من القدرة والسلطان حصلت وإلا فلا؛ إذ المقصود بها عمل ~~أعمال لا تحصل إلا بقدرة، فمتى حصلت القدرة التي بها يمكن تلك الأعمال (2) ~~كانت حاصلة وإلا فلا. # وهذا مثل كون الرجل راعيا للماشية، متى سلمت إليه بحيث يقدر أن يرعاها، ~~كان راعيا لها وإلا فلا، فلا (3) عمل إلا بقدرة عليه، فمن لم يحصل له ~~القدرة على العمل لم يكن عاملا. # والقدرة على سياسة الناس إما بطاعتهم له، وإما بقهره لهم، فمتى ~~PageV01P528 # صار قادرا على سياستهم بطاعتهم أو بقهره، فهو ذو سلطان مطاع، إذا أمر ~~بطاعة الله. # ولهذا قال أحمد في رسالة عبدوس بن مالك العطار (1) : " أصول السنة عندنا ~~التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إلى أن قال: ~~" ومن ولي الخلافة فأجمع عليه الناس ورضوا به، ومن غلبهم بالسيف حتى صار ~~خليفة وسمي ms0256 أمير المؤمنين، فدفع الصدقات إليه جائز برا كان أو فاجرا ". # وقال في رواية إسحاق بن منصور (2) ، وقد سئل عن حديث النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - " «من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية» " (3) ما معناه؟ ~~فقال: تدري ما الإمام؟ الإمام الذي يجمع عليه المسلمون، كلهم يقول: هذا ~~إمام؛ فهذا معناه PageV01P529 # والكلام هنا في مقامين: أحدهما: في كون أبي بكر كان هو المستحق للإمامة، ~~وأن مبايعتهم (1) له مما يحبه الله ورسوله، فهذا ثابت بالنصوص والإجماع. # والثاني: أنه متى صار إماما، فذلك بمبايعة أهل القدرة له. وكذلك عمر لما ~~عهد إليه أبو بكر، إنما صار إماما لما بايعوه وأطاعوه، ولو قدر أنهم لم ~~ينفذوا عهد أبي بكر ولم يبايعوه لم يصر إماما، سواء كان ذلك جائزا أو غير ~~جائز. # فالحل والحرمة متعلق بالأفعال، وأما نفس الولاية والسلطان فهو عبارة عن ~~القدرة الحاصلة، ثم قد تحصل على وجه يحبه الله ورسوله، كسلطان الخلفاء ~~الراشدين، وقد تحصل على وجه فيه معصية، كسلطان الظالمين. # ولو قدر أن عمر وطائفة معه بايعوه، وامتنع سائر الصحابة عن البيعة، لم ~~يصر إماما بذلك، وإنما صار إماما بمبايعة جمهور الصحابة، الذين هم أهل ~~القدرة والشوكة. ولهذا لم يضر تخلف سعد بن عبادة؛ لأن ذلك [لا] (2) يقدح في ~~مقصود الولاية، فإن المقصود حصول القدرة والسلطان اللذين بهما تحصل (3) ~~مصالح الإمامة، وذلك قد حصل بموافقة الجمهور على ذلك. PageV01P530 # فمن قال إنه يصير إماما بموافقة واحد أو اثنين أو أربعة، وليسوا هم ذوي ~~القدرة والشوكة، فقد غلط؛ كما أن من ظن أن تخلف الواحد أو الاثنين والعشرة ~~يضره، فقد غلط. # وأبو بكر بايعه المهاجرون والأنصار، الذين هم بطانة رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم -، والذين بهم صار للإسلام قوة وعزة، وبهم قهر المشركون، وبهم ~~فتحت جزيرة العرب، فجمهور الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~هم الذين بايعوا أبا بكر. وأما كون عمر أو غيره (1) سبق إلى البيعة، فلا بد ~~في كل بيعة (2) من سابق، ولو قدر أن بعض الناس كان ms0257 كارها للبيعة، لم يقدح ~~ذلك في مقصودها، فإن نفس الاستحقاق لها ثابت بالأدلة الشرعية الدالة على ~~أنه أحقهم بها، ومع قيام الأدلة الشرعية لا يضر من خالفها، ونفس حصولها ~~ووجودها ثابت بحصول القدرة والسلطان، بمطاوعة (3) ذوي الشوكة. # فالدين الحق لا بد فيه من الكتاب الهادي والسيف الناصر، كما قال تعالى: ~~{لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس ~~بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ~~ورسله بالغيب} [سورة الحديد: 25] (4) . PageV01P531 # فالكتاب يبين ما أمر الله به وما نهى عنه، والسيف ينصر ذلك ويؤيده. # وأبو بكر ثبت بالكتاب والسنة أن الله أمر بمبايعته، والذين بايعوه كانوا ~~أهل السيف المطيعين لله في ذلك، فانعقدت خلافة النبوة في حقه بالكتاب ~~والحديد. # وأما عمر (1) فإن أبا بكر عهد إليه وبايعه المسلمون بعد موت أبي بكر، ~~فصار إماما لما حصلت له القدرة والسلطان بمبايعتهم له (2) . # وأما قوله: ثم عثمان [بن عفان] (3) بنص عمر على ستة هو أحدهم، فاختاره ~~بعضهم (4) . ### | كانت بيعة عثمان بإجماع المسلمين # فيقال أيضا: عثمان لم يصر إماما باختيار بعضهم، بل بمبايعة الناس له، ~~وجميع المسلمين بايعوا عثمان [بن عفان] (5) ، ولم يتخلف (6) عن بيعته أحد. # قال الإمام أحمد في رواية حمدان بن علي (7) : " ما كان في القوم ~~PageV01P532 # أوكد بيعة من عثمان (1) كانت بإجماعهم " فلما بايعه ذوو الشوكة والقدرة ~~صار إماما، وإلا فلو قدر أن عبد الرحمن بايعه، ولم يبايعه علي ولا غيره من ~~الصحابة أهل الشوكة لم يصر إماما. # ولكن عمر لما جعلها شورى في ستة: عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد ~~الرحمن بن عوف، ثم إنه خرج طلحة والزبير وسعد باختيارهم، وبقي عثمان وعلي ~~وعبد الرحمن [بن عوف] (2) ، واتفق الثلاثة باختيارهم على أن عبد الرحمن [بن ~~عوف] (3) لا يتولى ويولي أحد الرجلين، وأقام عبد الرحمن ثلاثا حلف أنه لم ~~يغتمض فيها بكبير نوم يشاور السابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان، ويشاور ~~أمراء الأنصار، وكانوا قد حجوا مع عمر ذلك العام، فأشار عليه المسلمون ~~بولاية عثمان، وذكر (4) أنهم ms0258 كلهم قدموا عثمان فبايعوه، لا عن رغبة أعطاهم ~~إياها، ولا عن رهبة أخافهم بها. # ولهذا قال غير واحد من السلف والأئمة كأيوب السختياني (5) وأحمد ~~PageV01P533 # [بن حنبل] (1) ، والدارقطني (2) ، وغيرهم (3) : من لم يقدم عثمان على علي ~~(4) فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار. وهذا من الأدلة الدالة على أن عثمان ~~أفضل لأنهم قدموه باختيارهم واشتوارهم. ### | اتفاق المسلمين على بيعة أبي بكر أعظم من اتفاقهم على بيعة علي # وأما قوله: " ثم علي بمبايعة الخلق له " (5) . # فتخصيصه عليا بمبايعة الخلق له، دون أبي بكر وعمر وعثمان، كلام ظاهر ~~البطلان. وذلك أنه من المعلوم لكل من عرف سيرة القوم أن اتفاق الخلق ~~ومبايعتهم لأبي بكر وعمر وعثمان، أعظم من اتفاقهم على بيعة علي رضي الله ~~[عنه] وعنهم أجمعين، (6) وكل أحد يعلم أنهم اتفقوا على [بيعة] (7) عثمان ~~أعظم مما اتفقوا على [بيعة] (8) علي. والذين بايعوا عثمان في أول الأمر ~~أفضل من الذين بايعوا عليا، فإنه بايعه علي وعبد الرحمن بن عوف وطلحة ~~والزبير] وعبد الله] بن مسعود والعباس PageV01P534 # [بن عبد المطلب] وأبي (1) بن كعب وأمثالهم، مع سكينة وطمأنينة، بعد (2) ~~مشاورة المسلمين ثلاثة أيام. # وأما علي [رضي الله عنه] (3) فإنه بويع عقيب (4) قتل عثمان [رضي الله ~~عنه] (5) والقلوب مضطربة مختلفة، وأكابر الصحابة متفرقون، وأحضر طلحة ~~إحضارا حتى قال من قال: إنهم جاءوا به مكرها، وأنه قال، بايعت واللج - أي ~~السيف - (6) على قفي. # وكان لأهل الفتنة بالمدينة شوكة لما قتلوا عثمان، وماج الناس لقتله موجا ~~عظيما. وكثير من الصحابة لم يبايع عليا، كعبد الله بن عمر وأمثاله، وكان ~~الناس معه ثلاثة أصناف: صنف قاتلوا معه، وصنف قاتلوه، وصنف لم يقاتلوه ولم ~~يقاتلوا معه. فكيف يجوز أن يقال في علي: بمبايعة الخلق له، ولا يقال مثل ~~ذلك في مبايعة (7) الثلاثة ولم يختلف عليهم (8) أحد؟ بل (9) بايعهم (10) ~~الناس كلهم لا سيما عثمان. PageV01P535 # وأما أبو بكر فتخلف عن بيعته سعد؛ لأنهم كانوا قد عينوه للإمارة (1) فبقي ~~في نفسه ما يبقى في نفوس البشر. ولكن هو مع هذا - رضي الله عنه - لم يعارض، ~~ولم يدفع ms0259 حقا ولا أعان على باطل. [بل قد روى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ~~في مسند الصديق، عن عفان (2) ، عن أبي عوانة (3) ، عن داود بن عبد الله ~~الأودي، عن حميد بن عبد الرحمن - هو الحميري - فذكر حديث السقيفة، وفيه أن ~~الصديق قال: ولقد علمت يا سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ~~وأنت قاعد: " «قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع ~~لفاجرهم» " قال: فقال له سعد: صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء. فهذا مرسل ~~حسن (4) ولعل حميدا أخذه عن بعض الصحابة الذين شهدوا ذلك، وفيه فائدة ~~PageV01P536 # جليلة (1) جدا، وهي أن سعد بن عبادة نزل عن مقامه الأول في دعوى الإمارة، ~~وأذعن للصديق بالإمارة، فرضي الله عنهم أجمعين] (2) . # ولهذا اضطرب الناس في خلافة علي على أقوال: ### | أقوال الناس في خلافة علي # فقالت طائفة: إنه إمام وإن معاوية إمام، وإنه يجوز نصب إمامين [في وقت] ~~(3) إذا لم يمكن الاجتماع على إمام واحد، وهذا يحكى عن الكرامية وغيرهم. # وقالت طائفة: لم يكن في ذلك الزمان إمام عام، بل كان زمان فتنة، وهذا قول ~~طائفة من أهل الحديث البصريين وغيرهم. ولهذا لما أظهر الإمام أحمد التربيع ~~بعلي في الخلافة وقال: من لم يربع بعلي في الخلافة فهو أضل من حمار أهله، ~~أنكر ذلك طائفة من هؤلاء، وقالوا: قد أنكر خلافته من لا يقال: هو أضل من ~~حمار أهله، يريدون من تخلف عنها من الصحابة. واحتج أحمد وغيره على خلافة ~~علي بحديث سفينة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «تكون خلافة النبوة ~~ثلاثين سنة ثم تصير ملكا» "، [و] (4) هذا الحديث قد رواه أهل السنن كأبي ~~داود وغيره (5) . # وقالت طائفة ثالثة: بل علي هو الإمام، وهو مصيب في قتاله لمن قاتله، ~~وكذلك من قاتله من الصحابة كطلحة والزبير كلهم مجتهدون PageV01P537 # مصيبون. وهذا قول من يقول: كل مجتهد مصيب، كقول البصريين من المعتزلة: ~~[أبي الهذيل] (1) وأبي علي، وأبي هاشم، ومن وافقهم من الأشعرية: كالقاضي ~~أبي بكر، وأبي حامد (2) ، وهو المشهور عن [أبي الحسن ms0260] الأشعري (3) . وهؤلاء ~~[أيضا] (4) يجعلون معاوية مجتهدا مصيبا في قتاله، كما أن عليا مصيب. # وهذا قول طائفة [من الفقهاء] (5) من أصحاب أحمد وغيرهم، ذكره [أبو عبد ~~الله] (6) بن حامد، ذكر [لأصحاب أحمد] (7) في المقتتلين يوم الجمل وصفين ~~ثلاثة أوجه: أحدها: (8) كلاهما مصيب، والثاني: المصيب واحد لا بعينه، ~~والثالث: أن عليا هو المصيب ومن خالفه مخطئ. والمنصوص عن أحمد وأئمة السلف ~~(9) أنه لا يذم أحد منهم (10) وأن عليا أولى بالحق [من غيره] (11) . أما ~~تصويب القتال فليس هو قول أئمة السنة، بل هم يقولون إن تركه كان أولى. ~~PageV01P538 # وطائفة رابعة تجعل عليا هو الإمام، وكان مجتهدا مصيبا في القتال، ومن ~~قاتله (1) كانوا [مجتهدين] (2) مخطئين، وهذا قول كثير من أهل الرأي والكلام ~~(3) ، من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم. # وطائفة خامسة تقول: إن عليا مع كونه كان خليفة وهو أقرب إلى الحق من ~~معاوية، فكان (4) ترك القتال أولى، وينبغي الإمساك عن القتال لهؤلاء ~~وهؤلاء، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «ستكون فتنة القاعد فيها ~~خير من القائم، والقائم فيها (5) خير من الساعي» " (6) . وقد ثبت عنه - صلى ~~الله عليه وسلم - أنه قال عن الحسن: " «إن ابني هذا سيد، PageV01P539 # وسيصلح الله به بين فئتين (1) عظيمتين من المسلمين» " (2) . فأثنى على ~~الحسن بالإصلاح، ولو كان القتال واجبا أو مستحبا، لما مدح تاركه. # قالوا: وقتال البغاة لم يأمر الله به ابتداء، ولم يأمر بقتال كل باغ، بل ~~قال [تعالى] (3) {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت ~~إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} [سورة ~~الحجرات: 9] ، فأمر إذا اقتتل المؤمنون بالإصلاح بينهم، فإن بغت إحداهما ~~[على الأخرى] (4) قوتلت. # قالوا: ولهذا لم يحصل بالقتال مصلحة، والأمر الذي يأمر الله به لا بد أن ~~تكون مصلحته راجحة على مفسدته. وفي سنن أبي داود، حدثنا الحسن بن علي، ~~حدثنا يزيد، أنبأنا هشام، عن محمد يعني ابن PageV01P540 # سيرين، قال: «قال حذيفة: ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلا أنا أخافها ~~عليه إلا محمد بن مسلمة (1) ، فإني ms0261 سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~يقول: " لا تضرك الفتنة» " (2) . # قال أبو داود: حدثنا عمرو بن مرزوق، حدثنا شعبة عن الأشعث بن سليم، [عن ~~أبي بردة، عن ثعلبة بن ضبيعة، قال: دخلنا (3) على حذيفة فقال: إني لأعرف ~~رجلا لا تضره الفتن شيئا. قال: فخرجنا فإذا فسطاط مضروب، فدخلنا (4) فإذا ~~فيه محمد بن مسلمة] (5) ، فسألناه عن ذلك، فقال: ما أريد أن يشتمل علي شيء ~~من أمصاركم (6) حتى تنجلي عما انجلت (7) . # فهذا الحديث يبين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن محمد بن مسلمة ~~لا تضره الفتنة، وهو ممن اعتزل في القتال فلم يقاتل لا مع علي PageV01P541 # ولا مع معاوية، كما اعتزل سعد بن أبي وقاص، وأسامة بن زيد، وعبد الله بن ~~عمر (1) ، وأبو بكرة، وعمران بن حصين، وأكثر السابقين الأولين. # وهذا يدل على أنه ليس هناك قتال واجب ولا مستحب، إذ لو كان كذلك لم يكن ~~ترك ذلك مما يمدح به الرجل، بل كان من فعل الواجب أو المستحب (2) أفضل ممن ~~تركه، ودل ذلك على أن القتال قتال فتنة. # كما ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «ستكون ~~فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم [فيها] (3) خير من الماشي، ~~والماشي خير من الساعي، والساعي خير من الموضع» " (4) - 31.، وأمثال ذلك من ~~الأحاديث الصحيحة التي تبين أن ترك القتال كان خيرا من فعله من الجانبين، ~~وعلى هذا جمهور [أئمة] (5) أهل الحديث والسنة؛ وهذا مذهب مالك، والثوري (6) ~~وأحمد وغيرهم. PageV01P542 # وهذه أقوال من يحسن القول في علي وطلحة والزبير ومعاوية، ومن سوى هؤلاء ~~من الخوارج والروافض والمعتزلة فمقالاتهم في الصحابة لون آخر، فالخوارج ~~تكفر عليا وعثمان ومن والاهما (1) ؛ والروافض تكفر جمهور (2) الصحابة ~~كالثلاثة ومن والاهم وتفسقهم (3) ، ويكفرون من قاتل PageV01P543 # عليا ويقولون: هو إمام معصوم (1) ، وطائفة من المروانية تفسقه وتقول: إنه ~~ظالم معتد (2) ، وطائفة من المعتزلة تقول: قد فسق إما هو وإما من قاتله، ~~لكن لا يعلم عينه، وطائفة أخرى منهم تفسق معاوية وعمرا دون طلحة والزبير ~~وعائشة (3) . PageV01P544 # والمقصود أن ms0262 الخلاف في خلافة علي وحروبه (1) كثير منتشر (2) بين السلف ~~والخلف، فكيف تكون مبايعة الخلق له أعظم من مبايعتهم للثلاثة قبله، [رضي ~~الله عنهم أجمعين؟] (3) . # فإن قال: أردت بقولي (4) أن أهل السنة يقولون: إن خلافته انعقدت بمبايعة ~~الخلق له لا بالنص. # فلا ريب أن أهل السنة وإن كانوا يقولون: إن النص على أن عليا من الخلفاء ~~الراشدين، لقوله: " «خلافة النبوة ثلاثون سنة» "، فهم يروون (5) النصوص ~~الكثيرة في صحة خلافة غيره. # وهذا أمر معلوم عند أهل العلم بالحديث (6) ، يروون في صحة خلافة الثلاثة ~~نصوصا كثيرة، بخلاف خلافة علي فإن نصوصها قليلة، فإن الثلاثة اجتمعت (7) ~~الأمة عليهم فحصل بهم مقصود الإمامة، وقوتل بهم PageV01P545 # الكفار، وفتحت بهم الأمصار. وخلافة علي لم يقاتل فيها كفار (1) ، ولا فتح ~~مصر، وإنما كان السيف بين أهل القبلة. # وأما النص الذي تدعيه الرافضة، فهو كالنص الذي تدعيه الراوندية على ~~العباس (2) ، وكلاهما معلوم الفساد بالضرورة عند أهل العلم، ولو لم يكن في ~~إثبات خلافة علي إلا هذا لم تثبت له إمامة قط، كما لم تثبت للعباس إمامة ~~بنظيره. ### | التعليق على ما نسبه ابن المطهر إلى أهل السنة من أقوال عن الإمامة بعد علي # وأما قوله: " ثم اختلفوا، فقال بعضهم: إن الإمام بعده الحسن، وبعضهم قال: ~~إنه معاوية (3) ". # فيقال:. أهل السنة لم يتنازعوا في هذا، بل هم يعلمون أن الحسن بايعه أهل ~~العراق مكان أبيه، وأهل الشام كانوا مع معاوية قبل ذلك. # وقوله: " ثم ساقوا الإمامة في بني أمية ثم في بني العباس (4) ". ~~PageV01P546 # فيقال: أهل السنة لا يقولون إن الواحد من هؤلاء كان هو الذي يجب أن يولى ~~دون من سواه، ولا يقولون إنه تجب طاعته في كل ما يأمر به، بل أهل السنة ~~يخبرون بالواقع ويأمرون بالواجب، فيشهدون بما وقع (1) ، ويأمرون بما أمر ~~الله (2) ورسوله، فيقولون: هؤلاء هم الذين تولوا، وكان لهم سلطان وقدرة ~~يقدرون بها على مقاصد الولاية: من إقامة الحدود، وقسم الأموال، وتولية ~~الولايات (3) ، وجهاد العدو، وإقامة الحج والأعياد والجمع، وغير ذلك من ~~مقاصد الولايات (4) . # ويقولون: إن الواحد ms0263 من هؤلاء ونوابهم وغيرهم لا يجوز أن يطاع في معصية ~~الله، بل يشارك فيما يفعله من طاعة الله: فيغزى معه الكفار، ويصلى معه ~~الجمعة والعيدان، ويحج معه، ويعاون في إقامة الحدود والأمر بالمعروف والنهي ~~عن المنكر، وأمثال ذلك، فيعاونون على البر والتقوى، ولا يعاونون على الإثم ~~والعدوان. # ويقولون: إنه قد تولى غير هؤلاء: تولى بالغرب طائفة من بني أمية وطائفة ~~من بني علي (5) ، ومن المعلوم أن الناس لا يصلحون إلا بولاة، وأنه لو تولى ~~من هو دون هؤلاء من الملوك الظلمة لكان ذلك خيرا من PageV01P547 # عدمهم، كما يقال: ستون سنة مع إمام جائر، خير من ليلة واحدة بلا إمام. # ويروى عن علي - رضي الله عنه - (1) أنه قال: لا بد للناس من إمارة برة ~~كانت أو فاجرة. قيل له: هذه البرة قد عرفناها فما بال الفاجرة؟ قال: يؤمن ~~بها السبيل، ويقام به الحدود، ويجاهد به العدو، ويقسم بها الفيء. ذكره علي ~~بن معبد في كتاب " الطاعة والمعصية " (2) . # وكل من تولى كان خيرا من المعدوم المنتظر الذي تقول الرافضة: إنه الخلف ~~الحجة، فإن هذا لم يحصل بإمامته شيء من المصلحة لا في الدنيا ولا في الدين ~~أصلا، فلا فائدة في إمامته إلا الاعتقادات الفاسدة والأماني الكاذبة ~~[والفتن بين الأمة] (3) وانتظار من لا يجيء، فتطوى الأعمار ولم يحصل من ~~فائدة هذه الإمامة شيء. # والناس لا يمكنهم بقاء أيام قليلة بلا ولاة أمور، بل كانت تفسد أمورهم ~~(4) ، فكيف تصلح أمورهم إذا لم يكن لهم إمام إلا من لا يعرف ولا يدري ما ~~يقول، ولا يقدر على شيء من أمور الإمامة بل هو معدوم؟ PageV01P548 # وأما آباؤه فلم يكن لهم قدرة ولا سلطان (1) الإمامة، بل كان لأهل العلم ~~والدين منهم إمامة أمثالهم من جنس الحديث والفتيا ونحو ذلك، لم يكن لهم ~~سلطان الشوكة؛ فكانوا عاجزين عن الإمامة، سواء كانوا أولى بالإمامة (2) أو ~~لم يكونوا أولى. # فبكل حال ما مكنوا ولا ولوا ولا كان يحصل لهم (3) المطلوب من الولاية ~~لعدم القدرة والسلطان، ولو أطاعهم المؤمن لم يحصل ms0264 له بطاعتهم المصالح التي ~~تحصل بطاعة الأئمة: من جهاد الأعداء وإيصال الحقوق إلى مستحقيها - أو بعضهم ~~- وإقامة الحدود. # فإن قال القائل: إن الواحد من هؤلاء أو من غيرهم إمام، أي ذو سلطان وقدرة ~~يحصل بهما مقاصد الإمامة (4) ؛ كان هذا مكابرة للحس، ولو كان [ذلك] (5) ~~كذلك، لم يكن هناك متول يزاحمهم ولا يستبد بالأمر دونهم، وهذا لا يقوله ~~أحد. # وإن قال: إنهم أئمة بمعنى أنهم هم الذين كانوا (6) يجب أن يولوا، وأن ~~الناس عصوا بترك توليتهم، فهذا بمنزلة أن يقال: فلان كان يستحق أن يولى (7 ~~إمامة الصلاة وأن يولى 7) (7) القضاء، ولكن لم يول ظلما وعدوانا. ~~PageV01P549 ### | تفصيل القول في بيان رأي أهل السنة في الإمامة # ومن المعلوم أن أهل السنة لا ينازعون في أنه كان بعض أهل الشوكة بعد ~~الخلفاء الأربعة يولون شخصا وغيره أولى بالولاية منه، وقد كان عمر بن عبد ~~العزيز يختار أن يولي القاسم بن محمد (1) بعده، لكنه لم يطق ذلك لأن أهل ~~الشوكة لم يكونوا موافقين (2) على ذلك، (3 ولأنه كان قد عقد العهد معه ~~ليزيد بن عبد الملك بعده، فكان يزيد هو ولي العهد 3) (3) . # وحينئذ فأهل الشوكة الذين قدموا المرجوح وتركوا الراجح، أو الذي تولى ~~بقوته وقوة أتباعه ظلما وبغيا، يكون إثم هذه الولاية على من ترك الواجب مع ~~قدرته على فعله أو أعان على الظلم، وأما من لم يظلم ولا أعان ظالما وإنما ~~أعان على البر والتقوى، فليس عليه في هذا شيء. # ومعلوم أن صالحي المؤمنين لا يعاونون الولاة إلا على البر والتقوى، لا ~~يعاونونهم على الإثم والعدوان، فيصير هذا بمنزلة الإمام الذي يجب تقديمه في ~~الشرع لكونه أقرأ وأعلم بالسنة، أو أقدم هجرة وسنا، إذا قدم ذوو الشوكة من ~~هو دونه، فالمصلون خلفه الذين لا يمكنهم الصلاة إلا خلفه، أي ذنب لهم في ~~ذلك؟ PageV01P550 # وكذلك الحاكم الجاهل أو الظالم أو المفضول إذا طلب المظلوم منه أن ينصفه ~~ويحكم له بحقه: فيحبس (1) له غريمه، [أو يقسم له ميراثه] (2) ، أو يزوجه ~~بأيم لا ولي لها غير السلطان أو ms0265 نحو ذلك، فأي شيء عليه من إثمه، أو إثم من ~~ولاه وهو لم يستعن به إلا على حق لا على باطل؟ . # وقد قال تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [سورة التغابن: 16] وقال النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - " «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» " [رواه ~~البخاري ومسلم] (3) . # ومعلوم أن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد ~~وتقليلها، بحسب الإمكان. # وأهل السنة يقولون: ينبغي أن يولى الأصلح للولاية إذا أمكن: [إما] (4) ~~وجوبا عند أكثرهم، وإما استحبابا عند بعضهم، وأن من عدل عن PageV01P551 # الأصلح مع قدرته - لهواه - فهو ظالم، ومن كان عاجزا عن تولية الأصلح مع ~~محبته لذلك فهو معذور. # ويقولون: من تولى فإنه يستعان به على طاعة الله بحسب الإمكان، [ولا يعان ~~إلا على طاعة الله] (1) ، ولا يستعان به على معصية الله، ولا يعان على ~~معصية الله. # (2 أفليس قول أهل السنة في الإمامة خيرا من قول من يأمر بطاعة معدوم أو ~~عاجز 2) (2) لا يمكنه الإعانة المطلوبة من الأئمة؟ . # ولهذا كانت الرافضة لما عدلت عن مذهب أهل السنة في معاونة أئمة المسلمين ~~والاستعانة بهم، دخلوا في معاونة الكفار والاستعانة بهم، فهم يدعون إلى ~~الإمام المعصوم، ولا يعرف لهم إمام موجود يأتمون به إلا كفور أو ظلوم (3) ، ~~فهم كالذي يحيل بعض (4) العامة على أولياء الله رجال الغيب، ولا رجال عنده ~~(5) إلا أهل الكذب والمكر (6) الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن ~~سبيل الله، أو الجن أو الشياطين الذين يحصل بهم لبعض الناس أحوال شيطانية. ~~PageV01P552 # فلو قدر أن ما تدعيه الرافضة من النص هو حق موجود، وأن الناس لم يولوا ~~المنصوص عليه، لكانوا قد تركوا من يجب توليته وولوا غيره. وحينئذ فالإمام ~~الذي قام (1) بمقصود الإمامة هو هذا المولى دون ذلك (2) الممنوع المقهور. ~~نعم ذلك يستحق أن يولى، لكن ما ولي، فالإثم على من ضيع حقه وعدل عنه، لا ~~على من لم يضيع حقه ولم يعتد. # وهم يقولون: إن الإمام وجب نصبه لأنه لطف ومصلحة للعباد، فإذا كان الله - ~~ورسوله - يعلم أن الناس لا يولون ms0266 هذا المعين إذا أمروا بولايته، كان أمرهم ~~بولاية من يولونه وينتفعون بولايته، أولى من أمرهم بولاية من لا يولونه ولا ~~ينتفعون بولايته، كما قيل في إمامة الصلاة والقضاء وغير ذلك، فكيف إذا كان ~~ما يدعونه من النص من أعظم الكذب والافتراء؟ . # والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر أمته بما سيكون وما يقع بعده من ~~التفرق، فإذا نص لأمته على إمامة شخص يعلم أنهم لا يولونه، بل يعدلون عنه ~~ويولون غيره يحصل لهم بولايته مقاصد (3) الولاية، وأنه إذا أفضت النوبة إلى ~~المنصوص حصل من سفك دماء [الأمة] ما لم (4) يحصل قبل ذلك (5) ولم يحصل من ~~مقاصد الولاية ما حصل بغير المنصوص، كان الواجب العدول عن المنصوص. ~~PageV01P553 # مثال ذلك أن ولي الأمر إذا كان عنده شخصان ويعلم أنه إن ولى أحدهما أطيع ~~وفتح البلاد وأقام الجهاد وقهر الأعداء، وأنه إذا ولى الآخر لم يطع ولم ~~يفتح شيئا من البلاد، بل يقع في الرعية الفتنة والفساد، كان من المعلوم لكل ~~عاقل [أنه ينبغي] (1) أن يولي من يعلم أنه إذا ولاه حصل به الخير والمنفعة، ~~لا من إذا ولاه لم يطع وحصل بينه وبين الرعية الحرب والفتنة، فكيف مع علم ~~الله ورسوله بحال ولاية الثلاثة وما حصل فيها من مصالح الأمة في دينها ~~ودنياها لا ينص عليها، وينص على ولاية من لا يطاع بل يحارب ويقاتل حتى لا ~~يمكنه قهر الأعداء، ولا إصلاح الأولياء؟ وهل يكون من ينص على ولاية هذا دون ~~ذاك إلا جاهلا، إن لم يعلم الحال، أو ظالما مفسدا، إن علم ونص؟ . # والله ورسوله بريء من الجهل والظلم، وهم يضيفون إلى الله ورسوله العدول ~~عما فيه مصلحة العباد إلى ما ليس فيه إلا الفساد. # واذا قيل: إن الفساد حصل من معصيتهم له (2) لا (3) من تقصيره. # قيل: أفليس ولاية من يطيعونه فتحصل (4) المصلحة، أولى من ولاية من يعصونه ~~فلا تحصل المصلحة بل المفسدة؟ . # ولو كان للرجل ولد وهناك مؤدبان: إذا أسلمه إلى أحدهما تأدب PageV01P554 # وتعلم (1) ، وإذا أسلمه إلى الآخر فر وهرب ms0267، أفليس إسلامه إلى ذاك أولى؟ ~~ولو قدر أن ذاك أفضل فأي منفعة في فضيلته إذا لم يحصل للولد به منفعة ~~لنفوره عنه؟ . # ولو خطب المرأة رجلان، أحدهما أفضل من الآخر لكن المرأة تكرهه، وإن زوجت ~~به (2) لم تطعه، بل تخاصمه وتؤذيه، فلا تنتفع به ولا ينتفع [هو] (3) بها، ~~والآخر تحبه ويحبها ويحصل به مقاصد النكاح، أفليس تزويجها بهذا المفضول ~~أولى باتفاق العقلاء، ونص من ينص [على] (4) تزويجها بهذا المفضول (5) أولى ~~من النص على تزويجها بهذا؟ . # فكيف يضاف إلى الله ورسوله ما لا يرضاه إلا جاهل أو ظالم (6) ؟ . # وهذا ونحوه مما يعلم به بطلان النص بتقدير أن يكون علي هو الأفضل الأحق ~~بالأمر (7) لكن لا يحصل بولايته إلا ما حصل، وغيره ظالما يحصل به ما حصل من ~~المصالح، فكيف إذا لم يكن الأمر كذلك لا في هذا ولا في هذا؟ . PageV01P555 # فقول أهل السنة خبر صادق وقول حكيم، وقول الرافضة خبر كاذب وقول سفيه (1) ~~. فأهل السنة يقولون: الأمير والإمام والخليفة ذو السلطان الموجود الذي له ~~القدرة على عمل مقصود الولاية، كما أن إمام الصلاة هو [الذي] (2) يصلي ~~بالناس وهم يأتمون به، ليس إمام الصلاة من يستحق أن يكون إماما وهو لا يصلي ~~بأحد، لكن [هذا] (3) ينبغي أن يكون إماما. والفرق بين الإمام وبين من ينبغي ~~أن يكون هو الإمام، لا يخفى إلا على الطغام. # ويقولون: إنه يعاون على البر والتقوى دون الإثم والعدوان، ويطاع في طاعة ~~الله دون معصيته، ولا يخرج عليه بالسيف، وأحاديث النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - إنما تدل على هذا. كما في الصحيحين، عن ابن عباس [رضي الله عنهما] ~~(4) ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «من رأى من أميره شيئا يكرهه ~~فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس يخرج عن (5) السلطان شبرا فمات [عليه] ~~(6) إلا مات ميتة جاهلية» (7 وفي لفظ: " «أنه من فارق الجماعة شبرا فمات ~~عليه (7) إلا مات ميتة جاهلية» " 7) (8) ، فجعل المحذور هو الخروج عن ~~السلطان ومفارقة الجماعة، وأمر بالصبر على ما يكره من الأمير، لم يخص ms0268 بذلك ~~سلطانا معينا ولا أميرا معينا ولا جماعة معينة. PageV01P556 # وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة [رضي الله عنه] (1) ، عن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - قال: " «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة ثم مات، مات ميتة ~~جاهلية، ومن قتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة ~~(2) فقتل فقتلته جاهلية، ومن خرج على أمتي (* يضرب برها وفاجرها، ولا ~~يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده (3) فليس مني *) (4) ولست منه» " ~~(5) . فذم الخروج عن الطاعة ومفارقة الجماعة وجعل ذلك ميتة جاهلية؛ لأن أهل ~~الجاهلية لم يكن لهم رأس يجمعهم. # والنبي - صلى الله عليه وسلم - دائما يأمر بإقامة رأس، حتى أمر بذلك في ~~السفر إذا كانوا ثلاثة، فأمر بالإمارة في أقل عدد وأقصر اجتماع. # وفي صحيح مسلم، «عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله إنا ~~كنا في جاهلية وشر فجاءنا (6) الله بهذا الخير، فهل بعد PageV01P557 # هذا الخير من شر؟ قال: " نعم ". قلت: (1) فهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: ~~" نعم، وفيه دخن ". قلت: وما دخنه؟ قال: " قوم يستنون بغير سنتي (2) ، ~~ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر ". فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: ~~" نعم دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها ". فقلت: يا رسول ~~الله صفهم لنا. " قال نعم، قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ". قلت: يا ~~رسول الله، فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: " تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ". ~~قلت: فإن لم يكن [لهم] (3) جماعة ولا إمام؟ قال: " فاعتزل تلك الفرق كلها، ~~ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك» " (4) . # وفي لفظ [آخر] (5) «قلت: [وهل] (6) وراء ذلك الخير من (7) شر؟ قال: ~~PageV01P558 # " نعم ". قلت: كيف؟ قال: " يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنون ~~بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس " (1) . قال: ~~قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: " تسمع وتطيع للأمير، وإن ~~ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع» " (2) . # وهذا جاء مفسرا في حديث آخر ms0269 عن حذيفة؛ قال عن الخير الثاني: " «صلح على ~~دخن، وجماعة على أقذاء فيها، وقلوب لا ترجع إلى ما كانت عليه» (3) ". # فكان الخير الأول النبوة (4) وخلافة النبوة التي لا فتنة فيها، وكان الشر ~~ما حصل من الفتنة بقتل عثمان وتفرق الناس، حتى صار حالهم شبيها بحال ~~الجاهلية يقتل بعضهم بعضا. # ولهذا قال الزهري (5) : وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله PageV01P559 # - صلى الله عليه وسلم - متوافرون، فأجمعوا أن كل دم أو مال أو فرج أصيب ~~بتأويل القرآن فهو هدر، أنزلوهم منزلة الجاهلية. فبين أنهم جعلوا هذا غير ~~مضمون، كما أن ما يصيبه أهل الجاهلية بعضهم من بعض غير مضمون؛ لأن الضمان ~~إنما يكون مع العلم بالتحريم، فأما مع الجهل بالتحريم، كحال الكفار ~~والمرتدين والمتأولين من أهل القبلة، فالضمان منتف. # ولهذا لم يضمن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسامة بن زيد (1) دم المقتول ~~الذي قتله متأولا، مع قوله: " «أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ أقتلته ~~بعد أن قال لا إله إلا الله؟ أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله» ؟ " (2) ~~ولهذا لا تقام الحدود إلا على من علم التحريم (3) . # والخير الثاني اجتماع الناس لما اصطلح الحسن ومعاوية، لكن كان (4) صلحا ~~على دخن، وجماعة على أقذاء، فكان في النفوس PageV01P560 # ما فيها، أخبر [رسول الله] (1) - صلى الله عليه وسلم - بما هو الواقع. # وحذيفة حدث (2) بهذا في خلافة عمر وعثمان قبل الفتنة، فإنه لما بلغه مقتل ~~عثمان علم أن الفتنة قد جاءت، فمات بعد ذلك بأربعين يوما قبل الاقتتال (3) ~~. # وهو - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر أنه بعد ذلك يقوم أئمة لا يهتدون ~~بهديه ولا يستنون بسنته، وبقيام رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان الإنس، ~~وأمر مع هذا بالسمع والطاعة للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فتبين (4) أن ~~الإمام الذي يطاع هو من [كان] (5) له سلطان، سواء كان عادلا أو ظالما. # وكذلك في الصحيح حديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «من ~~خلع يدا من طاعة [إمام] (6) لقي الله يوم القيام لا حجة له ms0270، ومن مات وليس ~~في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية، لكنه لا يطاع أحد في معصية الله» " (7) . ~~PageV01P561 # كما في الصحيح عن علي - رضي الله عنه - (1) - قال: «بعث رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - سرية، واستعمل عليهم رجلا من الأنصار، وأمرهم أن يسمعوا ~~له ويطيعوا، فأغضبوه في شيء، فقال: اجمعوا لي حطبا، فجمعوا. ثم قال: أوقدوا ~~نارا، فأوقدوا نارا (2) . ثم قال: ألم يأمركم رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى. قال: فادخلوها. فنظر بعضهم إلى ~~بعض فقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من النار، ~~فكانوا كذلك، وسكن غضبه وطفئت النار. فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - فقال: " لو دخلوها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في ~~المعروف» (3) ". وفي لفظ: " «لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في ~~المعروف» " (4) # وكذلك في الصحيحين (5) عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~PageV01P562 # أنه قال: " «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر ~~بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» (1) ". # وعن كعب بن عجرة قال: «خرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن ~~معه تسعة: خمسة وأربعة، أحد العددين من العرب، والآخر من العجم، فقال: " ~~اسمعوا، هل سمعتم أنه سيكون بعدي (2) أمراء، من دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، ~~وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه، وليس يرد علي الحوض، ومن لم يدخل ~~عليهم ولم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فهو مني وأنا منه، وسيرد ~~علي الحوض» " رواه أحمد، والنسائي وهذا لفظه، والترمذي وقال: حديث صحيح ~~غريب (3) . # وفي الصحيحين (4) «عن عبادة [بن الصامت] (5) قال: دعانا النبي ~~PageV01P563 # - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه، فقال (1) فيما أخذ علينا أن بايعنا ~~على: " السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن ~~لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان» (2) ~~". # وفي صحيح مسلم عن عرفجة بن شريح قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~يقول: " «إنه سيكون ms0271 هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع ~~فاضربوه بالسيف كائنا من كان» (3) ". وفي لفظ: " «من أتاكم وأمركم على رجل ~~واحد، يريد أن يشق عصاكم أو يفرق (4) جماعتكم فاقتلوه» (5) ". PageV01P564 # وفي صحيح مسلم، عن أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ~~«سيكون أمراء تعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي ~~وتابع ". قالوا: أفلا ننابذهم؟ قال: " لا ما صلوا» " (1) . # وفيه أيضا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «من ولي عليه وال فرآه ~~يأتي شيئا من معصية الله، فلينكر ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من ~~طاعة» " (2) . # تم الجزء الأول بحمد الله، ويليه الجزء الثاني إن شاء الله وأوله: قال ~~المصنف الرافضي: الفصل الثاني في أن مذهب الإمامية واجب الاتباع. ~~PageV01P565 ### | [الفصل الثاني في أن مذهب الإمامية واجب الاتباع] ### | [مقدمة الفصل الثاني] # الباب الثاني # قال الرافضي: (1) الفصل الثاني (2) # في أن مذهب الإمامية واجب الاتباع. # ومضمون ما ذكره: أن الناس اختلفوا بعد النبي - صلى الله عليه وسلم (3) ، ~~فيجب النظر في الحق واعتماد الإنصاف، ومذهب الإمامية واجب الاتباع لأربعة ~~أوجه: لأنه أحقها وأصدقها ; ولأنهم باينوا جميع الفرق في أصول العقائد ; ~~ولأنهم جازمون بالنجاة لأنفسهم ; ولأنهم (4) أخذوا دينهم عن الأئمة ~~المعصومين (5) # وهذا حكاية لفظه: # قال الرافضي: PageV02P007 # إنه (1) لما عمت البلية بموت النبي - صلى الله عليه وسلم، واختلف الناس ~~بعده، وتعددت آراؤهم بحسب تعدد أهوائهم، فبعضهم طلب الأمر لنفسه بغير حق، ~~وبايعه (2) أكثر الناس طلبا للدنيا، كما اختار عمر بن سعد (3) ملك الري ~~أياما يسيرة (4) لما خير بينه وبين قتل الحسين (5) مع علمه بأن من قتله في ~~النار (6) ، وإخباره بذلك (7) في شعره (8) ; حيث يقول: PageV02P008 # فوالله ما أدري وإني لصادق ... أفكر (1) في أمري (2) على خطرين # أأترك ملك الري والري منيتي ... أم (3) أصبح مأثوما بقتل حسين # وفي قتله النار التي ليس دونها ... حجاب وملك الري (4) قرة عيني. # وبعضهم اشتبه الأمر عليه (5) ورأى (6) لطالب (7) الدنيا متابعا (8) فقلده ~~[وبايعه] (9) وقصر في نظره، فخفي عليه الحق، فاستحق (10) المؤاخذة من الله ms0272 ~~(11) بإعطاء (12) الحق [لغير] (13) مستحقه بسبب إهمال النظر. # وبعضهم قلد لقصور فطنته (14) ، ورأى الجم الغفير، PageV02P009 # فتابعهم (1) ، وتوهم أن الكثرة تستلزم الصواب، وغفل عن قوله تعالى: ~~{وقليل ما هم} ، [سورة ص: 24] ، {وقليل من عبادي الشكور} ، [سورة سبأ: 13] ~~. # وبعضهم طلب الأمر لنفسه بحق [له] (2) ، وبايعه الأقلون الذي أعرضوا عن ~~الدنيا وزينتها، ولم يأخذهم (3) في الله لومة لائم، بل أخلصوا لله (4) ~~واتبعوا ما أمروا به من طاعة من يستحق التقديم. # وحيث حصل (5) للمسلمين هذه البلية، وجب على كل أحد النظر في الحق واعتماد ~~الإنصاف، وأن يقر الحق مستقره (6) ولا يظلم مستحقه، فقد قال تعالى (7) : ~~{ألا لعنة الله على الظالمين} ، [سورة هود: 18] . # وإنما كان مذهب الإمامية واجب الاتباع لوجوه (8) ". هذا لفظه. ~~PageV02P010 # فيقال: إنه [قد] (1) جعل المسلمين بعد نبيهم أربعة أصناف، وهذا من أعظم ~~الكذب، فإنه لم يكن في الصحابة المعروفين أحد من هذه الأصناف الأربعة، فضلا ~~عن أن لا يكون فيهم أحد إلا من هذه الأصناف: إما طالب للأمر (2) بغير حق ~~(3) كأبي بكر في زعمه، وإما طالب للأمر بحق كعلي في زعمه، وهذا كذب على علي ~~- رضي الله عنه - وعلى أبي بكر - رضي الله عنه (4) -، فلا علي طلب الأمر ~~لنفسه قبل قتل عثمان، ولا أبو بكر طلب الأمر لنفسه، فضلا عن أن يكون طلبه ~~بغير حق. وجعل القسمين الآخرين: [إما مقلدا لأجل الدنيا] (5) ، وإما مقلدا ~~لقصوره في النظر. # وذلك أن الإنسان يجب عليه أن يعرف الحق وأن يتبعه، وهذا [هو] (6) الصراط ~~المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم (7) من النبيين والصديقين والشهداء ~~والصالحين، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، وهذا هو الصراط الذي أمرنا الله ~~أن نسأله (8) هدايتنا إياه في كل صلاة، بل في كل ركعة. # وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «اليهود مغضوب ~~PageV02P011 # عليهم والنصارى ضالون» (1) ". وذلك أن اليهود عرفوا الحق ولم يتبعوه ~~استكبارا وحسدا وغلوا واتباعا للهوى، وهذا هو الغي، والنصارى ليس لهم علم ~~بما يفعلونه من العبادة والزهد والأخلاق، بل فيهم الجهل والغلو والبدع ~~والشرك جهلا منهم، وهذا هو الضلال ms0273، وإن كان كل من الأمتين فيه ضلال وغي، ~~لكن الغي أغلب على اليهود، والضلال أغلب على النصارى. # ولهذا وصف الله اليهود بالكبر والحسد، واتباع الهوى والغي وإرادة العلو ~~في الأرض (2) والفساد. قال تعالى: {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم ~~استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون} ، [سورة البقرة: 87] ، وقال تعالى: ~~{أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} ، [سورة النساء: 54] ، وقال: ~~{سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا ~~يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه ~~سبيلا} PageV02P012 # ، [سورة الأعراف: 146] ، وقال تعالى: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ~~لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا} ، [سورة الإسراء: 4] . # ووصف النصارى بالشرك والضلال والغلو والبدع، فقال تعالى: {اتخذوا أحبارهم ~~ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها ~~واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} ، [سورة التوبة: 31] ، وقال تعالى: ~~{قل ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا ~~من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل} ، [سورة المائدة: 77] ، وقال ~~تعالى: {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما ~~رعوها حق رعايتها} ، [سورة الحديد: 27] ، وهذا مبسوط في غير هذا الموضع. # وقد نزه الله نبيه عن الضلال والغي، فقال: {والنجم إذا هوى - ما ضل ~~صاحبكم وما غوى - وما ينطق عن الهوى} ، [سورة النجم: 1 - 3] (1) ، فالضال ~~الذي لا يعرف الحق، والغاوي الذي يتبع هواه، وقال تعالى: {واذكر عبادنا ~~إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار} ، [سورة ص: 45] ، فالأيدي ~~القوة (2) في طاعة الله، والأبصار البصائر في الدين. # وقال تعالى: {والعصر - إن الإنسان لفي خسر - إلا الذين آمنوا وعملوا ~~الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} . # وإذا كان الصراط المستقيم لا بد فيه من العلم بالحق والعمل به، ~~PageV02P013 # وكلاهما (1) واجب، لا يكون الإنسان مفلحا ناجيا إلا بذلك، وهذه الأمة خير ~~الأمم، وخيرها القرن الأول (2) ، كان القرن الأول أكمل الناس في العلم ~~النافع والعمل الصالح. # وهؤلاء المفترون ms0274 وصفوهم بنقيض ذلك، بأنهم لم يكونوا يعلمون الحق ~~ويتبعونه، بل كان أكثرهم عندهم يعلمون الحق ويخالفونه، كما يزعمونه في ~~الخلفاء الثلاثة وجمهور الصحابة والأمة، وكثير منهم عندهم لا يعلم الحق، بل ~~اتبع الظالمين تقليدا لعدم نظرهم المفضي إلى العلم، والذي لم ينظر قد يكون ~~تركه النظر لأجل الهوى وطلب الدنيا، وقد يكون لقصوره ونقص إدراكه. # وادعى أن منهم من طلب الأمر لنفسه بحق، يعني عليا (3) ، وهذا مما علمنا ~~بالاضطرار أنه لم يكن، فلزم من ذلك - على قول هؤلاء - أن تكون الأمة كلها ~~[كانت] (4) ضالة بعد نبيها (5) ليس فيها مهتد، فتكون اليهود والنصارى بعد ~~النسخ والتبديل خيرا منهم ; لأنهم [كانوا] (6) ، كما قال الله [تعالى] (7) ~~: {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} ، [سورة الأعراف: 157] ، وقد ~~«أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن اليهود والنصارى PageV02P014 # افترقت على اثنتين وسبعين» (1) فرقة فيها واحدة ناجية (2) ، وهذه الأمة ~~على موجب ما ذكر (3) لم يكن فيهم بعد موت النبي [صلى الله عليه وسلم] (4) ~~أمة تقوم بالحق (5) ولا تعدل به. # وإذا لم يكن ذلك في خيار قرونهم، ففيما بعد ذلك أولى. فيلزم من ذلك أن ~~يكون اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل خيرا من خير أمة أخرجت للناس، ~~فهذا لازم لما يقوله هؤلاء المفترون. # فإن كان هذا في حكايته لما جرى عقب موت النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~PageV02P015 # من (1) اختلاف الأمة، فكيف [بسائر] (2) ما ينقله ويستدل به؟ ### | الرد على القسم الأول من كلام ابن المطهر في المقدمة من وجوه ### | [الوجه الأول في الرد على قول ابن المطهر: تعددت آراؤهم بحسب تعدد أهوائهم] # ونحن نبين فساد (3) ما في هذه الحكاية من الأكاذيب من وجوه كثيرة فنقول: # أما قوله (4) : " لما عمت البلية [على كافة المسلمين] (5) بموت النبي - ~~صلى الله عليه وسلم (6) - واختلف الناس بعده (7) ، وتعددت آراؤهم بحسب ~~أهوائهم (8) ، فبعضهم طلب الأمر لنفسه [بغير حق] (9) ، وبايعه (10) أكثر ~~الناس طلبا للدنيا، كما اختار عمر بن سعد (11) ملك الري أياما يسيرة، لما ~~خير بينه وبين قتل الحسين، مع علمه بأن في قتله النار ms0275 وإخباره بذلك (12) في ~~شعره " PageV02P016 # فيقال: في هذا الكلام من الكذب والباطل (1) وذم خيار الأمة بغير حق ما لا ~~يخفى، وذلك (2) من وجوه: # أحدها: " قوله تعددت آراؤهم بحسب تعدد أهوائهم "، فيكونون كلهم متبعين ~~أهواءهم: ليس فيهم طالب حق ولا مريد لوجه الله تعالى (3) والدار الآخرة، ~~ولا من كان قوله عن اجتهاد واستدلال، وعموم لفظه يشمل عليا وغيره. # وهؤلاء الذين وصفهم بهذا هم الذين أثنى الله عليهم هو ورسوله - ورضي عنهم ~~ووعدهم الحسنى، كما قال تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ~~والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها ~~الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} ، [سورة التوبة: 100] ، وقال ~~تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ~~ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك ~~مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى ~~على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا ~~الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما} ، [سورة الفتح: 29] ، وقال تعالى: {إن ~~الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ~~ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض} إلى قوله: {أولئك هم المؤمنون حقا لهم ~~مغفرة ورزق كريم - والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم} ~~PageV02P017 # [سورة الأنفال: 72 - 75] ، وقال: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح ~~وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله ~~الحسنى} [سورة الحديد: 10] ، وقال تعالى: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا ~~من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك ~~هم الصادقون - والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ~~ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ~~ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون - والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا ~~اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين ~~آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم} [سورة الحشر ms0276: 8 - 10] . # وهذه الآيات تتضمن الثناء على المهاجرين والأنصار، وعلى الذين جاءوا من ~~بعدهم يستغفرون لهم ويسألون الله أن لا يجعل في قلوبهم غلا لهم، وتتضمن أن ~~هؤلاء الأصناف هم المستحقون للفيء. # ولا ريب أن [هؤلاء] (1) الرافضة خارجون من الأصناف الثلاثة، فإنهم لم ~~يستغفروا للسابقين الأولين (2) ، وفي قلوبهم غل عليهم. ففي (3) الآيات ~~الثناء على الصحابة وعلى أهل السنة الذين يتولونهم، وإخراج الرافضة من ذلك، ~~وهذا نقيض (4) مذهب الرافضة. PageV02P018 # وقد روى ابن بطة وغيره من حديث [أبي بدر قال: حدثنا] (1) عبد الله بن ~~زيد، عن طلحة بن مصرف، عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص قال: الناس على ~~ثلاث (2) منازل، فمضت منزلتان وبقيت واحدة، فأحسن ما أنتم عليه كائنون أن ~~تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت، ثم قرأ: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا ~~من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا} هؤلاء المهاجرون وهذه ~~منزلة قد مضت. # ثم قرأ (3) : {والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر ~~إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم ~~خصاصة} (4) ، ثم قال: هؤلاء الأنصار وهذه منزلة قد مضت. # ثم قرأ: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين ~~سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم} ، ~~فقد مضت هاتان وبقيت هذه المنزلة، فأحسن ما أنتم عليه كائنون أن تكونوا ~~بهذه المنزلة التي بقيت أن تستغفروا الله لهم (5) . # وروى أيضا بإسناده عن مالك بن أنس أنه قال: من سب السلف فليس له في الفيء ~~نصيب ; لأن الله تعالى يقول: {والذين جاءوا من بعدهم} الآية (6) . ~~PageV02P019 # وهذا معروف من مالك وغير مالك (1) من أهل العلم، كأبي عبيد القاسم بن ~~سلام، وكذلك ذكره أبو حكيم النهرواني من أصحاب أحمد وغيره من الفقهاء. # وروى أيضا عن الحسن بن عمارة، عن الحكم (2) ، عن مقسم، عن ابن عباس [- ~~رضي الله عنهما] (3) قال: أمر الله بالاستغفار لأصحاب النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - وهو يعلم أنهم يقتتلون. # وقال (4) عروة: قالت لي عائشة ms0277 [رضي الله عنها] (5) : يا ابن أختي (6) ~~أمروا أن يستغفروا لأصحاب محمد (7) - صلى الله عليه وسلم - فسبوهم (8) . # وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري [رضي الله عنه] (9) قال: قال ~~PageV02P020 # رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " «لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق ~~مثل أحد ذهبا (1) ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» (2) . # وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة [رضي الله عنه] (3) . أن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - قال: " «لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق ~~(4) مثل أحد [ذهبا (5) ] ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» (6) ". # وفي صحيح مسلم أيضا، عن جابر [بن عبد الله] (7) قال: قيل لعائشة: إن ناسا ~~يتناولون أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] (8) حتى أبا PageV02P021 # بكر وعمر، فقالت: وما تعجبون من هذا؟ (1) انقطع عنهم العمل فأحب الله أن ~~لا يقطع عنهم الأجر (2) . # وروى ابن بطة بالإسناد الصحيح عن عبد الله بن أحمد (* قال: حدثني أبي، ~~حدثنا معاوية (3) . حدثنا رجاء، عن مجاهد، عن ابن عباس [رضي الله عنهما] ~~(4) . قال: لا تسبوا أصحاب محمد (5) -. فإن الله قد أمر (6) . بالاستغفار ~~لهم وهو يعلم أنهم سيقتتلون (7) . PageV02P022 # ومن طريق أحمد، عن عبد الرحمن *) (1) (2) بن مهدي، وطريق غيره عن وكيع ~~وأبي نعيم، ثلاثتهم عن الثوري، عن نسير بن ذعلوق (3) .: سمعت عبد الله بن ~~عمر يقول: لا تسبوا أصحاب محمد (4) ، فلمقام أحدهم ساعة، يعني مع رسول الله ~~(5) - صلى الله عليه وسلم - خير من عمل أحدكم أربعين سنة. # وفي رواية وكيع: خير من عبادة أحدكم عمره (6) . PageV02P023 # وقال تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما ~~في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا - ومغانم كثيرة يأخذونها ~~وكان الله عزيزا حكيما - وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف ~~أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما - وأخرى لم ~~تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرا} [سورة الفتح: ~~18 - 21] . # والذين بايعوه (1) . تحت الشجرة بالحديبية عند جبل التنعيم (2) \ 321. ~~كانوا أكثر من ألف وأربعمائة، بايعوه لما صده المشركون ms0278 عن العمرة، ثم صالح ~~المشركين صلح الحديبية المعروف، وذلك سنة ست من الهجرة في ذي القعدة، ثم ~~رجع [بهم] (3)) ، (م) . إلى المدينة وغزا بهم خيبر، ففتحها (4) . الله ~~عليهم في أول سنة سبع، وقسمها (5) . بينهم، ومنع الأعراب المتخلفين (6) . ~~عن الحديبية من ذلك. PageV02P024 # كما قال [الله تعالى] (1) .: {سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم ~~لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال ~~الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا} [سورة ~~الفتح: 15] . # وقد أخبر سبحانه أنه رضي عنهم (2) ، وأنه علم ما في قلوبهم، وأنه أثابهم ~~(3) . فتحا قريبا. # وهؤلاء هم أعيان من بايع أبا بكر وعمر وعثمان بعد موت النبي - صلى الله ~~عليه وسلم، لم يكن في المسلمين من يتقدم عليهم، بل كان المسلمون [كلهم] (4) ~~. يعرفون فضلهم عليهم ; لأن الله تعالى بين فضلهم في القرآن بقوله تعالى: ~~{لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين ~~أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى} [سورة الحديد: 10] (5) ، ففضل ~~المنفقين المقاتلين قبل الفتح، والمراد بالفتح هنا صلح الحديبية، ولهذا سئل ~~النبي - صلى الله عليه وسلم: أوفتح (6) . هو؟ فقال " نعم " (7)) . ~~PageV02P025 # وأهل العلم يعلمون أن فيه (1) . أنزل الله تعالى: {إنا فتحنا لك فتحا ~~مبينا - ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك ~~صراطا مستقيما - وينصرك الله نصرا عزيزا} [سورة الفتح: 1 - 3] (2) ، فقال ~~بعض المسلمين: يا رسول الله! هذا لك فما لنا [يا رسول الله] ؟ (3) ; فأنزل ~~الله تعالى: {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع ~~إيمانهم} [سورة الفتح: 4] . # وهذه الآية نص في تفضيل المنفقين المقاتلين قبل الفتح على المنفقين ~~المقاتلين (4) بعده، ولهذا ذهب جمهور العلماء إلى أن السابقين في قوله ~~تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار} [سورة التوبة: 100] هم ~~هؤلاء الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، وأهل بيعة الرضوان كلهم منهم، ~~وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة. # وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين (5) . هم من صلى [إلى] (6) . ~~PageV02P026 # القبلتين ms0279، وهذا ضعيف، فإن الصلاة إلى القبلة المنسوخة ليس بمجرده فضيلة ; ~~ولأن النسخ ليس من فعلهم الذي يفضلون به ; ولأن التفضيل بالصلاة إلى ~~القبلتين لم يدل عليه دليل شرعي، كما دل على التفضيل بالسبق إلى الإنفاق ~~والجهاد والمبايعة تحت الشجرة، ولكن فيه سبق الذين أدركوا ذلك على (1) . من ~~لم يدركه (2) ، كما أن الذين أسلموا قبل أن تفرض الصلوات الخمس، هم سابقون ~~على من تأخر إسلامه عنهم (3) ، والذين أسلموا قبل أن تجعل صلاة الحضر أربع ~~ركعات هم سابقون على من تأخر إسلامه عنهم (4) ، والذين أسلموا قبل أن يؤذن ~~في الجهاد، أو قبل أن يفرض، هم سابقون على من أسلم بعدهم، والذين أسلموا ~~قبل أن يفرض صيام شهر رمضان، هم سابقون على من أسلم بعدهم، والذين أسلموا ~~قبل أن يفرض (5) . الحج، هم سابقون على من تأخر عنهم، [والذين أسلموا قبل ~~تحريم الخمر هم سابقون على من أسلم بعدهم] (6) ، والذين أسلموا قبل تحريم ~~الربا كذلك، فشرائع الإسلام من الإيجاب والتحريم كانت تنزل شيئا فشيئا، وكل ~~من أسلم قبل أن تشرع شريعة (7) . فهو سابق على من تأخر عنه، وله بذلك ~~فضيلة، ففضيلة من أسلم قبل نسخ القبلة على من أسلم بعده (8) . هي من هذا ~~الباب. PageV02P027 # وليس مثل هذا مما (1) . يتميز به السابقون الأولون عن التابعين، إذ ليس ~~بعض هذه الشرائع بأولى بجعله (2) . خيرا من بعض ; ولأن القرآن والسنة قد ~~دلا على تقديم (3) . أهل الحديبية، فوجب أن تفسر هذه الآية بما يوافق سائر ~~النصوص. # وقد علم بالاضطرار أنه كان في هؤلاء السابقين الأولين أبو بكر وعمر وعلي ~~(4) . وطلحة والزبير، وبايع النبي - صلى الله عليه وسلم -[بيده] (5) . عن ~~عثمان ; لأنه كان (6) . غائبا قد أرسله إلى أهل مكة ليبلغهم رسالته، وبسببه ~~بايع [النبي - صلى الله عليه وسلم] (7) . الناس لما بلغه أنهم قتلوه. # وقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر [بن عبد الله] (8) . - رضي الله عنه - أن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (9) : " «لا يدخل النار أحد بايع تحت ~~الشجرة» . (10) ". PageV02P028 # وقال تعالى: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار ms0280 الذين اتبعوه ~~في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم ~~رءوف رحيم} [سورة التوبة: 117] (1) ، فجمع بينهم وبين الرسول في التوبة. # وقال [تعالى] (2) .: {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ~~في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم ~~يهاجروا} [سورة الأنفال: 72] (3) . إلى قوله: {والذين آمنوا من بعد وهاجروا ~~وجاهدوا معكم فأولئك منكم} [سورة الأنفال: 75] ، فأثبت الموالاة (4) . ~~بينهم. # وقال للمؤمنين: PageV02P029 # {ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ~~ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} [سورة المائدة: ~~51] إلى قوله: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ~~ويؤتون الزكاة وهم راكعون - ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب ~~الله هم الغالبون} [المائدة: 55 - 56] (1) ، وقال: {والمؤمنون والمؤمنات ~~بعضهم أولياء بعض} [سورة التوبة: 71] ، فأثبت الموالاة بينهم، وأمر ~~بموالاتهم، والرافضة تتبرأ (2) . منهم، ولا تتولاهم (3) ، وأصل الموالاة ~~المحبة، وأصل المعاداة البغض، وهم يبغضونهم ولا يحبونهم. # وقد وضع بعض الكذابين حديثا مفترى أن هذه الآية نزلت في علي لما تصدق ~~بخاتمه في الصلاة (4) ، وهذا كذب (5) . بإجماع أهل العلم [بالنقل] (6) ، ~~وكذبه بين (7) ، من وجوه كثيرة: # منها: أن قوله (الذين) صيغة جمع، وعلي واحد. # ومنها: أن (الواو) (8) . ليست واو الحال، إذ لو كان كذلك لكان ~~PageV02P030 # لا يسوغ (1) . أن يتولى إلا من أعطى الزكاة في حال الركوع، فلا يتولى ~~سائر الصحابة والقرابة (2) \ 5. # ومنها: أن المدح إنما يكون بعمل واجب أو مستحب (3) ، وإيتاء (4) . الزكاة ~~في نفس الصلاة ليس واجبا ولا مستحبا [باتفاق علماء الملة] (5) . فإن في ~~الصلاة شغلا. # ومنها: أنه لو كان إيتاؤها في الصلاة حسنا، لم يكن فرق بين حال الركوع ~~وغير حال الركوع، بل إيتاؤها في القيام والقعود أمكن. # ومنها: أن عليا لم يكن عليه زكاة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم. # (* ومنها: أنه لم يكن له أيضا خاتم، ولا كانوا يلبسون الخواتم، حتى كتب ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - كتابا إلى كسرى، فقيل له: إنهم لا ms0281 يقبلون ~~كتابا إلا مختوما، فاتخذ خاتما من ورق ونقش فيها: محمد رسول الله *) (6) . # ومنها: أن إيتاء غير الخاتم في الزكاة خير من إيتاء الخاتم، فإن أكثر ~~الفقهاء يقولون: لا يجزئ (7) . إخراج الخاتم في الزكاة. # ومنها: أن هذا الحديث فيه أنه أعطاه السائل (8) ، والمدح في الزكاة أن ~~PageV02P031 # يخرجها ابتداء ويخرجها على الفور، لا ينتظر أن يسأله سائل. # ومنها: أن الكلام في سياق النهي عن موالاة الكفار، والأمر بموالاة ~~المؤمنين، كما يدل عليه سياق الكلام. # وسيجيء إن شاء الله تمام الكلام على هذه الآية، فإن الرافضة لا يكادون ~~يحتجون بحجة إلا كانت [حجة] (1) . عليهم لا لهم، كاحتجاجهم بهذه الآية على ~~الولاية التي هي الإمارة، وإنما هي في الولاية التي هي ضد العداوة، ~~والرافضة مخالفون لها. (2) # والإسماعيلية (3) والنصيرية ونحوهم يوالون الكفار من اليهود والنصارى ~~والمشركين والمنافقين، ويعادون المؤمنين من المهاجرين والأنصار والذين (4) ~~. . اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين، وهذا أمر مشهور فيهم (5) ، يعادون خيار ~~عباد الله المؤمنين، ويوالون اليهود والنصارى والمشركين من الترك وغيرهم. # وقال تعالى: {ياأيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} [سورة ~~الأنفال: 64] ، أي: [الله] كافيك (6) . وكافي من اتبعك (7) . من المؤمنين. ~~والصحابة أفضل من اتبعه من المؤمنين وأولهم (8) . PageV02P032 # وقال تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح - ورأيت الناس يدخلون في دين الله ~~أفواجا - فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} (1) ، والذين رآهم النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - يدخلون في دين الله أفواجا هم الذين كانوا على عصره. # وقال تعالى: {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم} [سورة ~~الأنفال: 62 - 63] ، وإنما أيده في حياته بالصحابة. # وقال تعالى: {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون - لهم ما يشاءون ~~عند ربهم ذلك جزاء المحسنين - ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم ~~أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون} [سورة الزمر: 33 - 35] . وهذا الصنف الذي ~~يقول الصدق ويصدق به، خلاف الصنف الذي يفتري الكذب، أو يكذب بالحق لما ~~جاءه، كما سنبسط القول فيهما (2) . إن شاء الله. # والصحابة الذين كانوا يشهدون (3) . أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول ms0282 ~~الله، وأن القرآن حق (4) ، هم أفضل من جاء بالصدق وصدق به بعد الأنبياء. ~~PageV02P033 # وليس في الطوائف المنتسبة إلى القبلة [أعظم] (1) . افتراء [للكذب] (2) . ~~على الله، وتكذيبا بالحق من المنتسبين إلى التشيع (3) ، ولهذا لا يوجد ~~الغلو في طائفة أكثر مما يوجد فيهم. ومنهم من ادعى إلهية البشر، وادعى ~~النبوة في غير النبي - صلى الله عليه وسلم، وادعى العصمة في الأئمة، ونحو ~~ذلك (4) . مما هو أعظم مما يوجد في سائر الطوائف، واتفق أهل العلم على أن ~~الكذب ليس في طائفة من الطوائف (5) . المنتسبين إلى القبلة أكثر منه فيهم. # قال تعالى: {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى} [سورة النمل: 59] ~~. قال طائفة من السلف: هم أصحاب محمد [صلى الله عليه وسلم] (6) . . ولا ريب ~~أنهم أفضل المصطفين من هذه الأمة التي قال الله فيها: {ثم أورثنا الكتاب ~~الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ~~بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير - جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ~~ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير - وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ~~ربنا لغفور شكور - الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا ~~يمسنا فيها لغوب} [سورة فاطر: 32 - 35] (7) ، فأمة محمد - صلى الله عليه ~~وسلم - هم (8) . PageV02P034 # الذين أورثوا الكتاب بعد الأمتين قبلهم: اليهود والنصارى، وقد أخبر الله ~~أنهم الذين اصطفى. # وتواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «خير القرون القرن ~~الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» " (1) \ 156. ومحمد - ~~صلى الله عليه وسلم - وأصحابه هم المصطفون من المصطفين من عباد الله. ~~PageV02P035 # قال تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ~~تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر ~~السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره ~~فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين ~~آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما} [سورة الفتح: 29] (1) . # وقال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا ms0283 منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في ~~الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ~~وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك ~~فأولئك هم الفاسقون} [سورة النور: 55] . فقد وعد الله الذين آمنوا [وعملوا ~~الصالحات] (2) . بالاستخلاف، كما وعدهم في تلك الآية مغفرة وأجرا عظيما، ~~والله لا يخلف الميعاد، فدل ذلك على أن الذين استخلفهم كما استخلف الذين من ~~قبلهم ومكن لهم دين الإسلام، وهو الدين الذي ارتضاه لهم، كما قال تعالى: ~~{ورضيت لكم الإسلام دينا} PageV02P036 # [سورة المائدة: 3] ، وبدلهم من بعد خوفهم أمنا، لهم منه المغفرة (1) . ~~والأجر العظيم. # وهذا يستدل به من وجهين: يستدل به (2) . على أن المستخلفين مؤمنون عملوا ~~الصالحات (3) . ; لأن الوعد لهم لا لغيرهم، ويستدل به على أن هؤلاء مغفور ~~لهم، ولهم مغفرة وأجر (4) . عظيم ; لأنهم آمنوا وعملوا الصالحات فتناولتهم ~~الآيتان: آية النور وآية الفتح. # ومن المعلوم أن هذه النعوت منطبقة على الصحابة على زمن أبي بكر وعمر ~~وعثمان، فإنه إذ ذاك حصل الاستخلاف، وتمكن الدين والأمن بعد الخوف، لما ~~قهروا فارس والروم، وفتحوا الشام والعراق ومصر وخراسان وإفريقية، ولما قتل ~~عثمان وحصلت الفتنة لم يفتحوا شيئا من بلاد الكفار، بل طمع فيهم الكفار ~~بالشام وخراسان، وكان بعضهم يخاف بعضا. # وحينئذ فقد دل القرآن على إيمان أبي بكر وعمر وعثمان، ومن كان معهم في ~~زمن الاستخلاف والتمكين والأمن. والذين كانوا في زمن الاستخلاف والتمكين ~~والأمن، وأدركوا زمن الفتنة - كعلي وطلحة والزبير وأبي موسى [الأشعري] (5) ~~. ومعاوية وعمرو بن العاص - دخلوا في الآية ; لأنهم استخلفوا ومكنوا ~~وأمنوا. PageV02P037 # وأما من (1) . حدث في زمن الفتنة، كالرافضة الذين حدثوا في الإسلام في ~~زمن الفتنة والافتراق، وكالخوارج المارقين (2) . فهؤلاء لم يتناولهم النص، ~~فلم يدخلوا فيمن وصف بالإيمان والعمل الصالح المذكورين في هذه الآية ; ~~لأنهم: أولا: ليسوا من الصحابة المخاطبين بهذا، ولم يحصل لهم من الاستخلاف ~~والتمكين والأمن بعد الخوف ما حصل للصحابة، بل لا يزالون خائفين مقلقلين ~~(3) . غير ممكنين. # فإن قيل: لم قال: {وعد الله الذين آمنوا ms0284 وعملوا الصالحات منهم} [سورة ~~الفتح: 29] ، ولم يقل: وعدهم كلهم؟ قيل: كما قال: {وعد الله الذين آمنوا ~~منكم وعملوا الصالحات} [سورة النور: 55] ، ولم يقل: وعدكم (4) . # و " من " تكون لبيان الجنس، فلا يقتضي أن يكون قد بقي من المجرور بها شيء ~~خارج عن ذلك الجنس، كما في قوله [تعالى] (5) .: {فاجتنبوا الرجس من ~~الأوثان} [سورة الحج: 30] ، فإنه لا يقتضي أن يكون من الأوثان ما ليس برجس. # وإذا قلت: ثوب من حرير، فهو كقولك: ثوب حرير. وكذلك قولك: باب من حديد، ~~كقولك: باب حديد، وذلك لا يقتضي أن يكون هناك حرير وحديد غير المضاف إليه، ~~وإن كان الذي يتصوره كليا، PageV02P038 # فإن الجنس الكلي هو ما لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه، وإن لم يكن ~~مشتركا فيه في الوجود، فإذا كانت " من " لبيان الجنس (* كان التقدير: {وعد ~~الله الذين آمنوا منكم وعملوا} من هذا الجنس، وإن كان الجنس كلهم مؤمنين *) ~~(1) . مصلحين (2) . # وكذلك إذا قال: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات} من هذا الجنس ~~والصنف {مغفرة وأجرا عظيما} لم يمنع ذلك أن يكون جميع هذا الجنس مؤمنين ~~صالحين (3) . # ولما قال لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم: {ومن يقنت منكن لله ورسوله ~~وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما} [سورة الأحزاب: 31] ~~(4) ، لم يمنع أن يكون كل منهن تقنت لله ورسوله وتعمل صالحا. # ولما قال تعالى: {وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ~~ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح ~~فأنه غفور رحيم} [سورة الأنعام: 54] ، لم يمنع هذا (5) . أن يكون كل منهم ~~متصفا بهذه الصفة، ويجوز أن يقال: إنهم لو عملوا سوءا بجهالة ثم تابوا من ~~بعده وأصلحوا لم يغفر إلا لبعضهم. PageV02P039 # ولهذا تدخل " من " هذه في النفي لتحقيق نفي الجنس، كما في قوله تعالى: ~~{وما ألتناهم من عملهم من شيء} [سورة الطور: 21] ، وقوله: {وما من إله إلا ~~الله} [سورة آل عمران: 62] ، وقوله (1) .: {فما منكم من أحد عنه حاجزين} ~~[سورة الحاقة: 47] . # ولهذا إذا دخلت في ms0285 النفي تحقيقا أو تقديرا أفادت نفي الجنس قطعا، ~~فالتحقيق ما ذكر، والتقدير: كقوله تعالى: {إله إلا الله} [سورة آل عمران: ~~62] ، [وقوله] (2) . {لا ريب فيه} [سورة البقرة: 2] ونحو ذلك، بخلاف ما إذا ~~لم تكن " من " موجودة، كقولك: ما رأيت رجلا، فإنها ظاهرة لنفي الجنس، ولكن ~~قد يجوز أن ينفى بها الواحد من الجنس، كما قال سيبويه: يجوز أن يقال: ما ~~رأيت رجلا بل رجلين، فتبين (3) . أنه يجوز إرادة الواحد، وإن كان الظاهر ~~نفي الجنس، بخلاف ما إذا دخلت " من " فإنها تنفي نفي الجنس قطعا (4) . # ولهذا لو قال لعبيده: من أعطاني منكم ألفا فهو حر، فأعطاه كل واحد ألفا، ~~عتقوا كلهم، وكذلك لو قال لنسائه: من أبرأتني منكن من صداقها فهي طالق، ~~فأبرأنه كلهن، طلقن كلهن. فإن المقصود بقوله: " منكم " بيان جنس المعطى ~~والمبرئ لا إثبات هذا الحكم لبعض العبيد والأزواج. # فإن قيل: فهذا كما لا يمنع أن يكون كل المذكور متصفا بهذه الصفة ~~PageV02P040 # فلا يوجب ذلك أيضا، [فليس] (1) . في قوله: {وعد الله الذين آمنوا منكم ~~وعملوا الصالحات} ما يقتضي (2) . أن يكونوا كلهم كذلك. # قيل: نعم، ونحن لا ندعي أن مجرد هذا اللفظ دل على أن جميعهم موصوفون ~~بالإيمان والعمل الصالح، ولكن مقصودنا أن " من " لا ينافي شمول هذا الوصف ~~لهم، فلا يقول قائل: [إن] (3) . الخطاب دل على أن المدح شملهم وعمهم بقوله: ~~{محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} (4) . إلى آخر ~~الكلام. # ولا ريب أن هذا مدح لهم بما ذكر من الصفات: وهو الشدة على الكفار والرحمة ~~بينهم، والركوع والسجود يبتغون فضلا من الله ورضوانا، والسيما في وجوههم من ~~أثر السجود، وأنهم يبتدئون من ضعف إلى كمال القوة والاعتدال كالزرع. # والوعد بالمغفرة والأجر العظيم ليس على مجرد هذه الصفات، بل على الإيمان ~~والعمل الصالح، فذكر ما به يستحقون الوعد، وإن كانوا (5) . كلهم بهذه ~~الصفة، ولولا ذكر ذلك لكان يظن أنهم بمجرد ما ذكر (* يستحقون المغفرة ~~والأجر العظيم، ولم يكن فيه بيان سبب الجزاء، بخلاف ما إذا ذكر *) (6) . ~~الإيمان ms0286 PageV02P041 # والعمل الصالح، فإن الحكم إذا علق باسم مشتق مناسب، كان ما منه الاشتقاق ~~سبب الحكم. # فإن قيل: فالمنافقون كانوا في الظاهر مسلمين، قيل: المنافقون لم يكونوا ~~متصفين بهذه الصفات، ولم يكونوا مع الرسول والمؤمنين، ولم يكونوا منهم، كما ~~قال تعالى: {فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا ~~في أنفسهم نادمين - ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد ~~أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين} [سورة المائدة: 52 - 53] ~~(1) . # وقوله تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة ~~الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله ~~بأعلم بما في صدور العالمين - وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين} ~~[سورة العنكبوت: 10 - 11] . # وقال: {إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا - الذين يتربصون ~~بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب ~~قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة} ~~[سورة النساء: 140 - 141] . إلى قوله: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من ~~النار ولن تجد لهم نصيرا - إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا ~~دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما} [سورة ~~النساء: 145 - 146] . PageV02P042 # وقال تعالى: {ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون} ~~[سورة التوبة: 56] . # وقال تعالى: {ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا ~~منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون} [سورة المجادلة: 14] (1) ، فأخبر أن ~~المنافقين ليسوا من المؤمنين ولا من أهل الكتاب: وهؤلاء لا يوجدون في طائفة ~~من المتظاهرين بالإسلام أكثر منهم في الرافضة ومن انضوى (2) . إليهم. # وقد قال تعالى (3) .: {يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم ~~يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على ~~كل شيء قدير} [سورة التحريم: 8] . # وقال تعالى: {يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس ~~من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا} [سورة الحديد: 13] ، فدل هذا ms0287 ~~على أن المنافقين لم يكونوا داخلين في الذين آمنوا معه، والذين كانوا ~~منافقين، منهم من تاب عن نفاقه وانتهى عنه، (4) . الغالب، بدليل قوله ~~تعالى: {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة ~~لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين - أينما ثقفوا أخذوا ~~وقتلوا تقتيلا} [سورة الأحزاب: PageV02P043 ### | 60 - 61 # ] ، فلما لم يغره الله بهم ولم يقتلهم تقتيلا، بل كانوا يجاورونه ~~بالمدينة، دل ذلك على أنهم انتهوا. # والذين كانوا معه بالحديبية كلهم بايعه (1) . تحت الشجرة إلا الجد بن قيس ~~(2) ، فإنه اختبأ تحت (3) . جمل أحمر. # وكذا جاء في الحديث: " «كلهم يدخل الجنة إلا صاحب الجمل الأحمر» " (4) . ~~PageV02P044 # [وبالجملة] (1) . فلا ريب أن المنافقين كانوا مغمورين أذلاء مقهورين (2) ~~، لا سيما في آخر أيام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي غزوة تبوك ; لأن ~~الله تعالى قال: {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ~~ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون} [سورة المنافقين: ~~8] ، فأخبر أن العزة للمؤمنين لا للمنافقين، فعلم أن العزة والقوة كانت في ~~المؤمنين، وأن المنافقين كانوا أذلاء بينهم. # فيمتنع أن يكون الصحابة الذين كانوا أعز المسلمين من المنافقين، بل ذلك ~~يقتضي أن من كان أعز كان أعظم إيمانا، ومن المعلوم (3) . أن PageV02P045 # السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار - الخلفاء الراشدين (1) . وغيرهم ~~- كانوا أعز الناس، وهذا كله مما يبين أن المنافقين كانوا ذليلين في ~~المؤمنين، فلا يجوز أن يكون الأعزاء من الصحابة منهم، ولكن هذا الوصف مطابق ~~للمتصفين به من الرافضة وغيرهم. # والنفاق والزندقة في الرافضة أكثر منه في سائر الطوائف، بل لا بد لكل ~~منهم من شعبة نفاق، فإن أساس النفاق الذي بني عليه الكذب، وأن يقول الرجل ~~بلسانه ما ليس في قلبه، كما أخبر الله تعالى عن المنافقين أنهم يقولون ~~بألسنتهم ما ليس في قلوبهم. # والرافضة تجعل هذا من أصول دينها وتسميه التقية، وتحكي هذا عن أئمة أهل ~~البيت الذين برأهم الله عن ذلك، حتى يحكوا (2) . عن جعفر الصادق أنه قال: ~~التقية ديني ودين آبائي (3) . # وقد نزه الله المؤمنين من ms0288 أهل البيت وغيرهم عن ذلك، بل كانوا من أعظم ~~الناس صدقا وتحقيقا للإيمان، وكان دينهم التقوى لا التقية (4) . # وقول الله تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن ~~يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة} PageV02P046 # [سورة آل عمران: 28] إنما هو الأمر بالاتقاء من الكفار (1) . لا الأمر ~~(2) . بالنفاق والكذب. # والله تعالى قد أباح لمن أكره على كلمة الكفر أن يتكلم بها إذا كان قلبه ~~مطمئنا بالإيمان، لكن لم يكره أحد من أهل البيت على شيء [من ذلك] (3) ، حتى ~~أن أبا بكر [رضي الله عنه] رضي الله عنه: (4) . لم يكره أحدا لا منهم ولا ~~من غيرهم على مبايعته (5) ، فضلا أن يكرههم على مدحه والثناء عليه، بل كان ~~علي وغيره من أهل البيت يظهرون ذكر (6) . فضائل الصحابة والثناء عليهم ~~والترحم عليهم والدعاء لهم، ولم يكن أحد يكرههم على شيء منه باتفاق الناس. # وقد كان في زمن بني أمية وبني العباس خلق عظيم (7) . دون علي وغيره (8) . ~~في الإيمان والتقوى يكرهون منهم أشياء ولا يمدحونهم ولا يثنون عليهم ولا ~~يقربونهم، ومع هذا لم يكن هؤلاء يخافونهم ولم يكن أولئك يكرهونهم، مع أن ~~الخلفاء [الراشدين] (9) . كانوا باتفاق الخلق PageV02P047 # أبعد عن قهر الناس وعقوبتهم على طاعتهم من هؤلاء، فإذا لم يكن الناس مع ~~هؤلاء مكرهين على أن يقولوا بألسنتهم خلاف ما في قلوبهم (1) ، فكيف يكونون ~~مكرهين مع الخلفاء على ذلك ; بل على الكذب وشهادة الزور وإظهار الكفر - كما ~~تقوله الرافضة - من غير أن يكرههم أحد على ذلك؟ . # فعلم أن ما تتظاهر به الرافضة، هو من باب الكذب والنفاق، وأن يقولوا ~~بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، لا من باب ما يكره المؤمن عليه من التكلم ~~بالكفر. # وهؤلاء أسرى المسلمين في بلاد الكفار غالبهم يظهرون دينهم، والخوارج مع ~~تظاهرهم بتكفير الجمهور وتكفير عثمان وعلي ومن والاهما يتظاهرون بدينهم، ~~وإذا سكنوا بين الجماعة سكنوا على الموافقة والمخالفة (2) . والذي يسكن في ~~مدائن الرافضة فلا يظهر الرفض، وغايته إذا ضعف أن يسكت عن ذكر مذهبه ms0289، لا ~~يحتاج أن يتظاهر بسبب الخلفاء والصحابة إلا أن يكونوا قليلا. # فكيف يظن بعلي [رضي الله عنه] (3) . وغيره من أهل البيت أنهم كانوا أضعف ~~دينا وقلوبا (4) . من الأسرى في بلاد الكفر، ومن عوام [أهل] (5) . ~~PageV02P048 # السنة، ومن النواصب (1) ".؟ مع أنا قد علمنا بالتواتر أن أحدا لم يكره ~~عليا ولا أولاده (2) . على ذكر فضائل الخلفاء والترحم عليهم، بل كانوا ~~يقولون ذلك من غير إكراه ; ويقوله أحدهم لخاصته، كما ثبت ذلك بالنقل ~~المتواتر (3) . # (4 وأيضا فقد يقال في قوله تعالى 4) (4) .: {وعد الله الذين آمنوا منكم ~~وعملوا الصالحات} [سورة النور: 55] إن ذلك وصف للجملة بوصف يتضمن حالهم (5) ~~. عند الاجتماع كقوله تعالى: {ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره ~~فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار} [سورة الفتح: 29] ، ~~والمغفرة والأجر في الآخرة يحصل لكل واحد واحد، فلا بد أن يتصف بسبب ذلك ~~وهو الإيمان والعمل الصالح، إذ قد يكون في الجملة منافق. # وفي الجملة كل (6) . ما في القرآن من خطاب المؤمنين والمتقين (7) . ~~PageV02P049 # والمحسنين ومدحهم والثناء عليهم، فهم أول من دخل في ذلك من هذه الأمة (1) ~~، وأفضل من دخل في ذلك من هذه الأمة ; كما استفاض عن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - من غير وجه أنه قال: خير القرون القرن الذي بعثت فيهم (2) . ثم ~~الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (3) . ### | [الوجه الثاني كذب ابن المطهر وتحريفه فيما نقله عن حال الصحابة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم] # الوجه الثاني: في بيان كذبه وتحريفه فيما نقله عن حال الصحابة بعد موت ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - (4) . # قوله: " فبعضهم (5) . طلب الأمر لنفسه بغير حق، وبايعه أكثر الناس طلبا ~~للدنيا ". # وهذا إشارة إلى أبي بكر فإنه هو الذي بايعه أكثر الناس، ومن المعلوم أن ~~أبا بكر لم يطلب الأمر لنفسه لا بحق ولا بغير حق، بل قال: قد رضيت لكم أحد ~~هذين الرجلين: إما عمر بن الخطاب وإما أبا عبيدة. قال عمر: فوالله لأن أقدم ~~فتضرب عنقي، لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي [من] (6) . أن أتأمر على ms0290 قوم ~~فيهم أبو بكر. وهذا اللفظ في الصحيحين (7) \ 247. PageV02P050 # [وقد روي] (1) . عنه أيضا (2) . أنه قال: أقيلوني أقيلوني (3) ، ~~فالمسلمون اختاروه وبايعوه لعلمهم بأنه خيرهم، كما قال له عمر يوم السقيفة ~~بمحضر المهاجرين والأنصار: أنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم، ولم ينكر ذلك أحد، وهذا أيضا في الصحيحين (4) . . ~~والمسلمون اختاروه كما قال [النبي] (5) . - صلى الله عليه وسلم - في ~~[الحديث] (6) الصحيح لعائشة: " «ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر ~~كتابا لا يختلف عليه الناس من بعدي ". ثم قال: " يأبى الله» PageV02P051 # والمؤمنون (* إلا أبا بكر (1) ، فأبى الله وعباده المؤمنون *) (2) . أن ~~يتولى (3) . غير أبي بكر، فالله هو ولاه قدرا وشرعا، وأمر المؤمنين ~~بولايته، وهداهم إلى أن ولوه من غير أن يكون طلب ذلك لنفسه ". ### | [الوجه الثالث في بيان زهد أبي بكر وزهد من بايعه] # الوجه الثالث: أن يقال: فهب أنه طلبها وبايعه أكثر الناس، فقولكم: إن ذلك ~~طلب للدنيا كذب ظاهر، فإن أبا بكر - رضي الله عنه - (4) . لم يعطهم دنيا، ~~وكان قد أنفق ماله في حياة النبي، صلى الله عليه وسلم، «ولما رغب النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - في الصدقة جاء بماله كله، فقال له: ما تركت لأهلك؟ ~~قال: تركت لهم الله ورسوله» (5) . PageV02P052 # والذين بايعوه هم أزهد (1) . الناس في الدنيا، وهو الذين أثنى الله عليهم ~~; وقد علم الخاص والعام زهد عمر وأبي عبيدة وأمثالهما، وإنفاق الأنصار ~~أموالهم: كأسيد (2) . بن حضير وأبي طلحة [وأبي أيوب] وأمثالهم (3) ، ولم ~~يكن عند موت النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم بيت مال يعطيهم ما فيه، ولا ~~كان هناك ديوان للعطاء يفرض لهم فيه، فالأنصار (4) . كانوا في أملاكهم ~~وكذلك المهاجرون (5) .: من كان له شيء من مغنم أو غيره فقد كان له. # وكانت سيرة أبي بكر في قسم الأموال (6) . التسوية، وكذلك سيرة علي [رضي ~~الله عنه] (7) ، فلو بايعو عليا أعطاهم ما أعطاهم أبو بكر، مع كون قبيلته ~~أشرف القبائل، وكون بني عبد مناف - وهم (8) . أشرف قريش الذين هم أقرب ~~العرب - من بني أمية [وغيرهم] (9) . إذ ذاك، كأبي ms0291 سفيان بن حرب [وغيره] ~~(10) ، وبني هاشم - كالعباس وغيره - كانوا معه. PageV02P053 # وقد (1) . أراد أبو سفيان (2) . أن تكون الإمارة (3) . في بني عبد مناف - ~~على عادة الجاهلية - فلم يجبه إلى ذلك علي ولا عثمان ولا غيرهما لعلمهم ~~ودينهم (4) . # فأي رياسة وأي مال كان لجمهور المسلمين بمبايعة أبي بكر؟ لا سيما وهو ~~يسوي بين السابقين الأولين وبين آحاد المسلمين في العطاء، ويقول: إنما ~~أسلموا لله، وأجورهم (5) . على الله، وإنما هذا المتاع بلاغ. وقال لعمر لما ~~أشار عليه بالتفضيل في العطاء: أفأشتري منهم إيمانهم؟ فالسابقون الأولون من ~~المهاجرين والأنصار الذين بايعوه (6) . أولا، كعمر وأبي عبيدة وأسيد بن ~~حضير وغيرهم، سوى بينهم وبين الطلقاء الذين أسلموا عام الفتح، بل وبين من ~~أسلم (7) . بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهل حصل لهؤلاء من ~~الدنيا بولايته شيء؟ PageV02P054 ### | [الوجه الرابع أن يقال أهل السنة مع الرافضة كالمسلمين مع النصارى] # ، فإن المسلمين يؤمنون بأن المسيح عبد الله ورسوله، ولا يغلون فيه غلو ~~النصارى، ولا يجفون جفاء اليهود. والنصارى تدعي فيه الإلهية، وتريد أن ~~تفضله على محمد وإبراهيم وموسى، بل تفضل الحواريين على هؤلاء الرسل، كما ~~تريد الروافض أن تفضل من قاتل مع علي كمحمد بن أبي بكر والأشتر النخعي، على ~~أبي بكر وعمر وعثمان وجمهور الصحابة من (1) المهاجرين والأنصار، فالمسلم ~~إذا ناظر النصراني لا يمكنه أن يقول في عيسى إلا الحق، لكن إذا أردت أن ~~تعرف جهل النصراني (2) وأنه لا حجة له، فقدر المناظرة بينه وبين اليهودي ~~(3) ; فإن النصراني لا يمكنه أن يجيب عن شبهة اليهودي إلا بما يجيب به ~~المسلم ; فإن لم يدخل في دين الإسلام وإلا كان منقطعا مع اليهودي، فإنه إذا ~~أمر (4) بالإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم، فإن قدح في نبوته بشيء من ~~الأشياء، لم يمكنه أن يقول شيئا إلا قال له اليهودي (5) في المسيح ما هو ~~أعظم من ذلك، فإن البينات لمحمد أعظم من البينات للمسيح، وبعد أمر محمد (6) ~~عن الشبهة أعظم من بعد المسيح عن PageV02P055 # الشبهة (1) ، فإن جاز القدح فيما دليله أعظم وشبهته ms0292 أبعد عن الحق، فالقدح ~~فيما دونه أولى، وإن كان القدح في المسيح باطلا، فالقدح في محمد أولى ~~بالبطلان، فإنه إذا بطلت الشبهة القوية، فالضعيفة أولى بالبطلان، وإذا ثبتت ~~الحجة التي غيرها أقوى منها فالقوية أولى بالثبات. # (2 ولهذا كان مناظرة كثيرة من المسلمين للنصارى من هذا الباب، كالحكاية ~~المعروفة عن القاضي أبي بكر بن الطيب 2) (2) لما أرسله المسلمون إلى ملك ~~النصارى بالقسطنطينية، فإنهم عظموه وعرف النصارى (3) قدره، فخافوا أن لا ~~يسجد للملك إذا دخل، فأدخلوه من باب صغير ليدخل منحنيا، ففطن لمكرهم، فدخل ~~مستدبرا (4) متلقيا لهم بعجزه، ففعل نقيض ما قصدوه، ولما جلس وكلموه أراد ~~بعضهم القدح في المسلمين، فقال له: ما قيل في عائشة امرأة نبيكم؟ يريد ~~إظهار قول الإفك الذي يقوله [من يقوله من] الرافضة أيضا (5) ، فقال القاضي: ~~ثنتان قدح فيهما ورميتا بالزنا (6) إفكا وكذبا: مريم وعائشة، فأما مريم ~~فجاءت بالولد تحمله من غير زوج، وأما عائشة فلم تأت بولد مع أنه (7) كان ~~لها زوج، فأبهت النصارى. PageV02P056 # وكان مضمون كلامه أن ظهور براءة عائشة أعظم من ظهور براءة مريم، وأن ~~الشبهة إلى مريم أقرب منها إلى عائشة، فإذا كان مع هذا قد ثبت كذب القادحين ~~في مريم، فثبوت كذب القادحين في عائشة أولى (1) . # ومثل هذه المناظرة أن يقع التفضيل بين طائفتين، ومحاسن إحداهما أكثر ~~وأعظم (2) ، ومساويها (3) أقل وأصغر، فإذا ذكر ما فيها من ذلك عورض بأن ~~مساوئ تلك أعظم ; كقوله تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال ~~فيه كبير} [ثم قال] (4) {وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج ~~أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل} [سورة البقرة: 217] (5) ، ~~فإن الكفار عيروا سرية من سرايا المسلمين بأنهم قتلوا ابن الحضرمي في الشهر ~~الحرام، فقال تعالى: هذا كبير وما عليه المشركون من الكفر بالله والصد عن ~~سبيله وعن المسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله، فإن هذا صد عما لا ~~تحصل النجاة PageV02P057 # والسعادة إلا به، وفيه من انتهاك المسجد الحرام ما هو أعظم من انتهاك ms0293 ~~الشهر الحرام. # لكن هذا النوع (1) قد اشتملت كل من الطائفتين فيه (2) على ما يذم، وأما ~~النوع الأول فيكون كل من الطائفتين لا يستحق الذم، بل هناك شبه (3) في ~~الموضعين وأدلة في الموضعين (4) ، وأدلة أحد الصنفين أقوى وأظهر، وشبهته ~~(5) أضعف وأخفى، فيكون أولى بثبوت الحق ممن تكون أدلته أضعف وشبهته أقوى. # وهذا حال النصارى واليهود مع المسلمين، وهو حال أهل البدع مع أهل السنة ~~[لا سيما الرافضة] (6) . # وهكذا أمر [أهل] (7) السنة مع الرافضة في أبي بكر وعلي، فإن الرافضي لا ~~يمكنه أن يثبت إيمان علي وعدالته وأنه من أهل الجنة - فضلا عن إمامته - إن ~~(8) لم يثبت ذلك لأبي بكر وعمر وعثمان، وإلا فمتى أراد إثبات ذلك لعلي وحده ~~لم تساعده الأدلة، كما أن النصراني إذا أراد إثبات نبوة المسيح دون محمد لم ~~تساعده الأدلة، فإذا PageV02P058 # قالت (1) له الخوارج الذين يكفرون عليا أو النواصب الذين يفسقونه: إنه ~~كان ظالما طالبا للدنيا، وإنه طلب الخلافة لنفسه وقاتل عليها بالسيف، وقتل ~~على ذلك ألوفا من المسلمين حتى عجز عن انفراده بالأمر، وتفرق عليه أصحابه ~~وظهروا عليه فقاتلوه، فهذا (2) الكلام إن كان فاسدا ففساد كلام الرافضي في ~~أبي بكر وعمر أعظم (3) ، وإن كان ما قاله في أبي بكر وعمر متوجها مقبولا ~~فهذا أولى بالتوجه والقبول ; لأنه من المعلوم للخاصة والعامة أن من ولاه ~~الناس باختيارهم ورضاهم من غير أن يضرب أحدا لا بسيف ولا عصا، ولا أعطى ~~أحدا ممن ولاه مالا (4) ، واجتمعوا عليه فلم يول أحدا من أقاربه وعترته، ~~ولا خلف لورثته مالا من مال المسلمين وكان له مال [قد] أنفقه (5) في سبيل ~~الله فلم يأخذ بدله، وأوصى أن يرد إلى بيت مالهم ما كان عنده لهم، وهو جرد ~~قطيفة وبكر وأمة سوداء (6) ونحو ذلك، حتى قال عبد الرحمن بن عوف لعمر: ~~أتسلب هذا آل أبي بكر؟ قال: كلا والله، لا يتحنث فيها (7) أبو بكر وأتحملها ~~أنا. وقال: يرحمك الله يا أبا بكر لقد أتعبت الأمراء بعدك (8) . ~~PageV02P059 # ثم مع هذا لم يقتل مسلما على ولايته ms0294، ولا قاتل مسلما بمسلم، بل قاتل بهم ~~المرتدين [عن دينهم] (1) والكفار، حتى شرع بهم في فتح الأمصار، واستخلف ~~القوي الأمين العبقري، الذي فتح الأمصار ونصب الديوان وعمر (2) بالعدل ~~والإحسان. # فإن جاز للرافضي أن يقول: إن هذا كان طالبا (3) للمال (4) والرياسة، أمكن ~~الناصبي أن يقول: كان علي ظالما طالبا للمال والرياسة، قاتل على الولاية ~~حتى قتل المسلمين بعضهم بعضا، ولم يقاتل كافرا، ولم يحصل للمسلمين في مدة ~~ولايته إلا شر وفتنة في دينهم ودنياهم. # فإن جاز أن يقال: علي كان مريدا لوجه الله، والتقصير من غيره من الصحابة، ~~أو يقال: كان مجتهدا مصيبا وغيره مخطئا مع هذه (5) الحال، فأن (6) يقال: ~~كان أبو بكر وعمر مريدين وجه الله مصيبين، والرافضة مقصرون في معرفة حقهم ~~مخطئون في ذمهم بطريق الأولى [والأحرى] (7) ، فإن أبا بكر وعمر كان بعدهما ~~عن شبهة طلب الرياسة والمال أشد من بعد علي عن ذلك، وشبهة الخوارج الذين ~~ذموا عليا وعثمان وكفروهما أقرب من شبهة الرافضة الذين ذموا أبا بكر وعمر ~~PageV02P060 # وعثمان وكفروهم (1) ، فكيف بحال الصحابة [والتابعين] (2) الذين تخلفوا عن ~~بيعته أو قاتلوه؟ فشبهتهم أقوى من شبهة من قدح في أبي بكر وعمر وعثمان، فإن ~~أولئك قالوا: ما يمكننا أن نبايع إلا من يعدل علينا (3) ويمنعنا ممن يظلمنا ~~ويأخذ حقنا ممن ظلمنا، فإذا لم يفعل هذا كان عاجزا أو ظالما وليس علينا أن ~~نبايع عاجزا أو ظالما (4) . # وهذا الكلام إذا كان باطلا، فبطلان قول من يقول: إن أبا بكر وعمر كانا ~~ظالمين طالبين للمال والرياسة (5) أبطل وأبطل. وهذا الأمر لا يستريب فيه من ~~له بصر ومعرفة، وأين (6) شبهة مثل أبي موسى الأشعري (* الذي وافق عمرا (7) ~~على عزل علي ومعاوية، وأن يجعل الأمر شورى في المسلمين *) (8) من شبهة عبد ~~الله بن سبأ (9) وأمثاله الذين يدعون أنه إمام معصوم، أو أنه إله أو نبي ~~(10) ؟ بل أين شبهة الذين رأوا أن يولوا معاوية من شبهة الذين يدعون أنه ~~إله أو نبي؟ فإن هؤلاء كفار باتفاق المسلمين بخلاف أولئك. PageV02P061 # ومما يبين هذا أن الرافضة ms0295 تعجز عن إثبات إيمان علي وعدالته [مع كونهم على ~~مذهب الرافضة، ولا يمكنهم ذلك إلا إذا صاروا من أهل السنة] (1) ، فإذا قالت ~~لهم الخوارج وغيرهم ممن تكفره أو تفسقه: لا نسلم أنه كان مؤمنا، بل كان ~~كافرا أو ظالما - كما يقولون [هم] (2) في أبي بكر وعمر - لم يكن لهم دليل ~~على إيمانه وعدله (3) إلا وذلك (4) الدليل على إيمان (5) أبي بكر وعمر ~~وعثمان أدل. # فإن احتجوا بما تواتر من إسلامه وهجرته وجهاده، فقد تواتر ذلك عن هؤلاء، ~~بل تواتر إسلام معاوية ويزيد وخلفاء بني أمية وبني العباس، وصلاتهم وصيامهم ~~وجهادهم للكفار، فإن ادعوا في واحد من هؤلاء النفاق أمكن الخارجي أن يدعي ~~النفاق، وإذا ذكروا شبهة ذكر ما هو أعظم منها. # وإذا قالوا ما تقوله أهل الفرية من أن أبا بكر وعمر كانا منافقين في ~~الباطن عدوين للنبي - صلى الله عليه وسلم - أفسدا دينه بحسب الإمكان، أمكن ~~الخارجي أن يقول ذلك في (* علي، ويوجه ذلك بأن يقول: كان يحسد ابن عمه، ~~والعداوة (6) في الأهل، وأنه كان يريد فساد دينه فلم PageV02P062 # يتمكن من ذلك في *) (1) حياته وحياة الخلفاء الثلاثة ; حتى سعى في قتل ~~الخليفة الثالث وأوقد الفتنة حتى تمكن من (2) قتل أصحاب محمد وأمته بغضا له ~~وعداوة، وأنه كان مباطنا للمنافقين الذين ادعوا فيه الإلهية والنبوة، وكان ~~يظهر (3) خلاف ما يبطن ; لأن دينه التقية، فلما أحرقهم بالنار أظهر إنكار ~~ذلك، وإلا فكان في الباطن معهم، ولهذا كانت الباطنية من أتباعه وعندهم سره، ~~وهم ينقلون عنه الباطن الذين ينتحلونه. # ويقول الخارجي مثل هذا الكلام الذي يروج على كثير من الناس أعظم (4) مما ~~يروج كلام الرافضة في الخلفاء الثلاثة ; لأن شبه (5) الرافضة أظهر فسادا من ~~شبه (6) الخوارج والنواصب (7) ، والخوارج (8) أصح منهم عقلا وقصدا، ~~والرافضة أكذب وأفسد دينا. # وإن أرادوا إثبات إيمانه وعدالته بنص (9) القرآن عليه، قيل لهم (10) : ~~القرآن عام، وتناوله له ليس بأعظم (11) من تناوله لغيره، (* وما من آية ~~يدعون اختصاصها به إلا أمكن أن يدعى اختصاصها PageV02P063 # أو اختصاص مثلها أو أعظم منها بأبي ms0296 بكر وعمر، فباب الدعوى بلا حجة ممكنة، ~~والدعوى في فضل الشيخين أمكن منها *) (1) في فضل غيرهما. # وإن قالوا: ثبت (2) ذلك بالنقل والرواية ; فالنقل والرواية في أولئك أشهر ~~وأكثر (3) ; فإن ادعوا تواترا فالتواتر هناك أصح، وإن اعتمدوا على نقل ~~الصحابة فنقلهم لفضائل أبي بكر وعمر أكثر. # ثم هم يقولون: إن الصحابة ارتدوا إلا نفرا قليلا، فكيف تقبل رواية هؤلاء ~~في فضيلة أحد؟ ولم يكن في الصحابة رافضة كثيرون يتواتر نقلهم، فطريق النقل ~~مقطوع عليهم إن لم يسلكوا طريق (* أهل السنة، كما هو مقطوع على النصارى في ~~إثبات نبوة المسيح إن لم يسلكوا طريق *) (4) المسلمين. # وهذا كمن أراد أن يثبت فقه ابن عباس دون علي، أو فقه ابن عمر دون أبيه، ~~أو فقه علقمة والأسود (5) دون ابن مسعود، ونحو ذلك من الأمور التي يثبت ~~فيها للشيء حكم دون ما هو أولى (6) بذلك الحكم منه، فإن هذا تناقض ممتنع ~~عند من سلك طريق العلم والعدل. PageV02P064 # ولهذا كانت الرافضة من أجهل الناس وأضلهم (1) ، كما أن النصارى من أجهل ~~الناس، والرافضة من أخبث الناس، كما أن اليهود من أخبث الناس، ففيهم نوع من ~~ضلال النصارى، ونوع من خبث اليهود. ### | [الوجه الخامس تمثيل ابن المطهر بقصة عمر بن سعد من أقبح القياس] # الوجه الخامس: أن يقال: تمثيل هذا بقصة عمر بن سعد (2 لما خيره عبيد الله ~~بن زياد بين الخروج في السرية التي أرسلها إلى الحسين، وبين عزله عن الري ~~من أقبح القياس، فإذا كان عمر بن سعد 2) (2) طالبا للرياسة والمال مقدما ~~على المحرم لأجل ذلك، أفيلزم (3) أن يكون السابقون الأولون بهذه الحال؟ . # وهذا أبوه سعد بن أبي وقاص كان من أزهد الناس في الإمارة والولاية، ولما ~~وقعت الفتنة اعتزل الناس في قصره بالعقيق (4) ، وجاءه [عمر] ابنه (5) هذا ~~فلامه على ذلك، وقال [له] (6) : الناس في المدينة يتنازعون الملك وأنت ~~هاهنا (7) ! فقال: اذهب فإني سمعت رسول الله (8) - صلى الله عليه وسلم - ~~يقول: " «إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي» " (9) . PageV02P065 # وهذا ولم يكن قد بقي أحد (1) من أهل ms0297 الشورى غيره وغير علي - رضي الله ~~عنهما (2) ، وهو الذي فتح العراق وأذل جنود (3) كسرى، وهو آخر العشرة موتا، ~~فإذا لم يحسن أن يشبه بابنه عمر أيشبه (4) به أبو بكر وعمر وعثمان؟ . # هذا وهم لا يجعلون محمد بن أبي بكر بمنزلة أبيه، بل يفضلون محمدا ~~ويعظمونه ويتولونه لكونه آذى عثمان، وكان من خواص أصحاب علي ; لأنه كان ~~ربيبه، ويسبون أباه أبا بكر ويلعنونه. # فلو أن النواصب فعلوا بعمر بن سعد مثل ذلك: فمدحوه على قتل الحسين لكونه ~~كان من شيعة عثمان، ومن المنتصرين له (5) ، وسبوا أباه سعدا لكونه تخلف عن ~~القتال مع معاوية والانتصار لعثمان ; هل كانت النواصب لو فعلت ذلك إلا من ~~جنس الرافضة؟ بل الرافضة شر منهم، فإن أبا بكر أفضل من سعد، وعثمان كان ~~أبعد عن استحقاق القتل من الحسين، وكلاهما مظلوم شهيد، رضي الله عنهما. ~~PageV02P066 # ولهذا كان الفساد الذي حصل في الأمة بقتل عثمان أعظم من الفساد الذي حصل ~~في الأمة بقتل الحسين، وعثمان من السابقين الأولين وهو خليفة مظلوم طلب منه ~~أن ينعزل (1) بغير حق فلم ينعزل، ولم يدفع (2) عن نفسه حتى قتل، والحسين - ~~رضي الله عنه - لم يكن متوليا وإنما كان طالبا للولاية حتى رأى أنها ~~متعذرة، وطلب (3) منه أن يستأسر نفسه (4) ; ليحمل إلى يزيد مأسورا فلم يجب ~~إلى ذلك، وقاتل حتى قتل شهيدا مظلوما (5) ، فظلم عثمان كان أعظم، وصبره ~~وحلمه [كان] (6) أكمل، وكلاهما مظلوم شهيد. # ولو مثل ممثل طلب علي والحسين للأمر (7) بطلب الإسماعيلية كالحاكم (8) ~~وأمثاله، وقال: إن عليا والحسين (9) كانا ظالمين طالبين PageV02P067 # للرياسة بغير حق، بمنزلة الحاكم وأمثاله من ملوك بني عبيد، أما كان يكون ~~كاذبا مفتريا في ذلك لصحة إيمان علي والحسين ودينهما وفضلهما، ولنفاق هؤلاء ~~وإلحادهم؟ . # وكذلك من شبه عليا والحسين ببعض من قام من الطالبيين أو غيرهم بالحجاز أو ~~الشرق أو الغرب يطلب الولاية بغير حق ويظلم الناس في أموالهم وأنفسهم (1) ، ~~أما كان يكون ظالما كاذبا؟ . # فالمشبه لأبي بكر وعمر بعمر بن سعد أولى بالكذب والظلم، ثم غاية عمر بن ms0298 ~~سعد وأمثاله أن يعترف بأنه طلب الدنيا بمعصية يعترف (2) أنها معصية، وهذا ~~ذنب كثير [وقوعه] من المسلمين (3) . # وأما الشيعة فكثير منهم يعترفون بأنهم إنما (4) . قصدوا بالملك إفساد دين ~~الإسلام ومعاداة النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما يعرف ذلك من خطاب ~~الباطنية وأمثالهم من الداخلين في الشيعة، فإنهم يعترفون بأنهم في الحقيقة ~~لا يعتقدون دين الإسلام، وإنما يتظاهرون بالتشيع لقلة عقل الشيعة وجهلهم، ~~ليتوسلوا بهم إلى أغراضهم. # وأول هؤلاء - بل خيارهم - هو المختار بن أبي عبيد الكذاب (5) . فإنه ~~PageV02P068 # كان أمير (1) الشيعة، وقتل عبيد الله (2) بن زياد، وأظهر الانتصار للحسين ~~حتى قتل قاتله، وتقرب بذلك إلى محمد بن الحنفية (3) وأهل البيت، ثم ادعى ~~النبوة وأن جبريل يأتيه. # وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «سيكون ~~في ثقيف كذاب ومبير» (4) " فكان الكذاب هو المختار بن أبي PageV02P069 # عبيد، وكان المبير هو الحجاج بن يوسف الثقفي (1) . # ومن المعلوم أن عمر بن سعد أمير السرية التي قتلت (2) الحسين، مع ظلمه ~~وتقديمه الدنيا على الدين، لم يصل في المعصية إلى فعل المختار بن أبي عبيد ~~الذي أظهر الانتصار للحسين وقتل قاتله، بل [كان] (3) هذا أكذب وأعظم ذنبا ~~من عمر بن سعد، فهذا الشيعي شر من ذلك الناصبي، بل والحجاج [بن يوسف] (4) ~~خير من المختار [بن أبي عبيد] (5) ، فإن الحجاج كان مبيرا كما سماه النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - يسفك الدماء بغير حق، والمختار كان كذابا يدعي النبوة ~~(6) وإتيان جبريل PageV02P070 # إليه، وهذا الذنب أعظم من قتل النفوس، فإن هذا كفر، وإن كان لم يتب منه ~~كان مرتدا، والفتنة أعظم من القتل. # وهذا باب مطرد، لا تجد أحدا ممن تذمه الشيعة بحق أو باطل إلا وفيهم من هو ~~شر منه، ولا تجد أحدا ممن تمدحه الشيعة إلا وفيمن تمدحه الخوارج من هو خير ~~منه، فإن الروافض شر من النواصب، والذين تكفرهم أو تفسقهم الروافض هم أفضل ~~من الذين تكفرهم أو تفسقهم النواصب. # وأما أهل السنة فيتولون جميع المؤمنين، ويتكلمون بعلم وعدل، ليسوا من ms0299 أهل ~~الجهل ولا من أهل الأهواء، ويتبرءون من طريقة الروافض والنواصب [جميعا] (1) ~~، ويتولون السابقين والأولين [كلهم] (2) ، ويعرفون قدر الصحابة وفضلهم ~~ومناقبهم، ويرعون حقوق أهل البيت التي شرعها الله لهم، ولا يرضون بما فعله ~~المختار ونحوه من الكذابين، ولا ما فعله (3) . الحجاج ونحوه من الظالمين، ~~ويعلمون مع هذا مراتب السابقين الأولين، فيعلمون أن لأبي بكر وعمر من ~~التقدم والفضائل ما لم يشاركهما (4) فيها أحد [من الصحابة] (5) ، لا عثمان ~~ولا علي [ولا غيرهما] (6) . PageV02P071 # وهذا كان متفقا عليه في الصدر الأول، [إلا أن يكون خلافا شاذا لا يعبأ ~~به] (1) ، حتى أن الشيعة الأولى (2) أصحاب علي لم يكونوا يرتابون في تقديم ~~أبي بكر وعمر عليه. # كيف وقد ثبت عن علي (3) [من وجوه متواترة] (4) أنه كان يقول: " خير هذه ~~الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر " (5) ولكن كان طائفة من شيعة علي ~~PageV02P072 # تقدمه (1) على عثمان، وهذه المسألة (2) أخفى من تلك. # ولهذا كان أئمة [أهل] (3) السنة كلهم (4) متفقين على تقديم أبي بكر وعمر ~~(5 من وجوه متواترة 5) (5) ، [كما هو مذهب أبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد ~~بن حنبل والثوري والأوزاعي والليث بن سعد، وسائر أئمة المسلمين من أهل ~~الفقه والحديث والزهد والتفسير من المتقدمين والمتأخرين] (6) . # وأما عثمان وعلي فكان طائفة من أهل المدينة يتوقفون فيهما (7) ، وهي إحدى ~~الروايتين عن مالك، وكان طائفة من الكوفيين يقدمون عليا، وهي إحدى ~~الروايتين عن [سفيان] الثوري (8) ، ثم قيل: إنه رجع عن ذلك لما اجتمع به ~~أيوب السختياني (9) وقال: من قدم عليا على عثمان فقد أزرى PageV02P073 # بالمهاجرين والأنصار. [وسائر أئمة السنة على تقديم عثمان، وهو مذهب ~~جماهير أهل الحديث، وعليه يدل النص والإجماع والاعتبار] (1) . # وأما ما يحكى عن بعض المتقدمين من تقديم جعفر أو تقديم طلحة أو نحو ذلك، ~~فذلك في أمور مخصوصة لا تقديما عاما، [وكذلك ما ينقل عن بعضهم في علي] (2) ~~. PageV02P074 ### | الرد على القسم الثاني من المقدمة # وأما قوله (1) : " وبعضهم اشتبه الأمر عليه (2) ورأى (3) لطالب الدنيا ~~متابعا (4) ، فقلده [وبايعه] (5) وقصر في نظره، فخفي عليه الحق، فاستحق (6) ~~، المؤاخذة من الله (7) بإعطاء الحق لغير ms0300 مستحقه " # قال: " وبعضهم قلد لقصور فطنته، ورأى الجم الغفير فتابعه، وتوهم (8) أن ~~الكثرة تستلزم الصواب، وغفل عن قوله تعالى: {وقليل ما هم} [سورة ص: 24] ، ~~{وقليل من عبادي الشكور} [سورة سبأ: 13] ". # فيقال لهذا المفتري الذي جعل الصحابة الذين بايعوا أبا بكر ثلاثة أصناف: ~~أكثرهم طلبوا الدنيا، وصنف قصروا في النظر، وصنف عجزوا عنه ; لأن الشر إما ~~أن يكون لفساد القصد، وإما أن يكون للجهل، والجهل إما أن يكون لتفريط في ~~النظر، وإما أن يكون لعجز عنه. وذكر (9) أنه كان في الصحابة (10) وغيرهم من ~~قصر في النظر حين بايع أبا بكر، ولو نظر لعرف الحق، وهذا يؤاخذ على تفريطه ~~بترك النظر الواجب. وفيهم PageV02P075 # من عجز عن النظر فقلد الجم الغفير، يشير بذلك إلى [سبب] (1) مبايعة أبي ~~بكر. # فيقال له: وهذا من الكذب الذي لا يعجز عنه أحد. والرافضة قوم بهت، فلو ~~طلب من هذا المفتري دليل على ذلك، لم يكن له على ذلك دليل. # والله [تعالى] (2) قد حرم القول بغير علم، فكيف إذا كان المعروف (3) ضد ~~ما قاله؟ فلو لم نكن نحن عالمين بأحوال الصحابة، لم يجز أن نشهد عليهم بما ~~لا نعلم من فساد القصد والجهل بالمستحق. # قال تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك ~~كان عنه مسئولا} [سورة الإسراء: 36] ، وقال تعالى: {ها أنتم هؤلاء حاججتم ~~فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم} [سورة آل عمران: 66] . # فكيف إذا كنا نعلم أنهم كانوا أكمل هذه الأمة (4) عقلا [وعلما] (5) ~~ودينا؟ كما قال فيهم [عبد الله] بن مسعود (6) : من كان [منكم] (7) مستنا ~~PageV02P076 # فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة. أولئك أصحاب محمد ~~كانوا والله أفضل هذه الأمة وأبرها قلوبا (1) ، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا ~~(2) ، قوم اختارهم الله (3) لصحبة نبيه (4) وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم ~~(5) واتبعوهم في آثارهم، (6 وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم 6) (6) ~~، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم. رواه غير واحد منهم ابن بطة عن قتادة. # وروى هو غيره بالأسانيد المعروفة ms0301 إلى زر بن حبيش، قال: قال [عبد الله] بن ~~مسعود (7) : إن الله [تبارك] PageV02P077 # وتعالى (1) نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد (2) خير قلوب العباد ~~فاصطفاه لنفسه وابتعثه (3) برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد - ~~صلى الله عليه وسلم - (4) فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء ~~نبيه، يقاتلون على دينه، فما رآه (5) المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما ~~رآه (6) المسلمون سيئا فهو عند الله سيئ. PageV02P078 # وفي رواية: [قال أبو بكر بن عياش - الراوي لهذا الأثر عن عاصم بن أبي ~~النجود، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه] (1) : وقد ~~رأى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جميعا أن يستخلفوا أبا بكر. # وقول (2) [عبد الله] (3) بن مسعود: كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها ~~علما، وأقلها تكلفا، كلام جامع، بين فيه حسن قصدهم ونياتهم ببر القلوب، ~~وبين فيه كمال المعرفة ودقتها بعمق العلم، وبين فيه تيسر ذلك عليهم ~~وامتناعهم من القول بلا علم بقلة التكلف (4) . # وهذا خلاف ما قاله [هذا] (5) المفتري، الذي وصف أكثرهم بطلب الدنيا ~~وبعضهم بالجهل: إما عجزا وإما تفريطا. # والذي قاله عبد الله حق، فإنهم خير هذه الأمة، كما تواترت بذلك الأحاديث ~~عن النبي - صلى الله عليه وسلم ; حيث قال: " «خير القرون القرن الذي بعثت ~~فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» " (6) . وهم أفضل الأمة، الوسط ~~الشهداء على الناس، الذين هداهم الله لما اختلف (7) فيه من الحق بإذنه، ~~والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم فليسوا من PageV02P079 # المغضوب عليهم الذين يتبعون أهواءهم، ولا من الضالين (1) الجاهلين كما ~~قسمهم هؤلاء المفترون إلى ضلال وغواة، بل لهم كمال العلم وكمال القصد، إذا ~~لو لم يكن كذلك (2) للزم أن لا تكون هذه الأمة خير الأمم، وأن (3) لا ~~يكونوا خير الأمة، وكلاهما خلاف الكتاب والسنة. # وأيضا فالاعتبار العقلي (4) يدل على ذلك، فإن من تأمل أمة محمد [صلى الله ~~عليه وسلم] (5) ، وتأمل أحوال اليهود والنصارى والصابئين (6) والمجوس ~~والمشركين، تبين له من فضيلة هذه الأمة على سائر ms0302 الأمم في العلم النافع ~~والعمل الصالح ما يضيق هذا الموضع عن بسطه. # والصحابة أكمل الأمة في ذلك بدلالة الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار، ~~ولهذا لا تجد أحدا من أعيان الأمة إلا وهو معترف بفضل الصحابة عليه وعلى ~~أمثاله، وتجد من ينازع في ذلك كالرافضة [من أجهل] (7) الناس. # ولهذا لا يوجد في أئمة الفقه الذين يرجع إليهم رافضي، ولا في أئمة الحديث ~~[ولا في أئمة] (8) الزهد والعبادة، ولا في الجيوش المؤيدة PageV02P080 # المنصورة جيش رافضي (1) ، ولا في الملوك الذين نصروا الإسلام وأقاموه ~~وجاهدوا [عدوه] (2) من هو رافضي، ولا في الوزراء الذين لهم سيرة محمودة من ~~هو رافضي. # وأكثر ما تجد الرافضة إما في (3) الزنادقة المنافقين (4) الملحدين، وإما ~~في جهال ليس لهم علم لا (5) بالمنقولات ولا بالمعقولات، قد نشأوا بالبوادي ~~والجبال، أو تحيزوا عن (6) المسلمين فلم يجالسوا أهل العلم والدين، وإما في ~~ذوي الأهواء ممن قد حصل له بذلك رياسة ومال، أو [له] (7) نسب يتعصب له كفعل ~~[أهل] (8) الجاهلية. # وأما من هو عند المسلمين من أهل العلم والدين، فليس في هؤلاء رافضي لظهور ~~الجهل والظلم في قولهم، وتجد ظهور الرفض (9) في شر الطوائف كالنصيرية ~~والإسماعيلية والملاحدة الطرقية (10) ، وفيهم من PageV02P081 # الكذب والخيانة وإخلاف (1) الوعد ما يدل على نفاقهم، كما في الصحيحين عن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، ~~وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان " زاد مسلم: " وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم» ~~" (2) . # وأكثر ما توجد هذه الثلاث في طوائف أهل القبلة في الرافضة. # وأيضا فيقال لهذا المفتري: هب أن الذين بايعوا الصديق كانوا كما ذكرت: ~~إما طالب دنيا، وإما جاهل فقد جاء بعد أولئك في قرون الأمة من يعرف كل أحد ~~ذكاءهم وزكاءهم (3) ، مثل: سعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء بن أبي رباح ~~وإبراهيم النخعي وعلقمة والأسود وعبيدة السلماني وطاوس ومجاهد وسعيد بن ~~جبير وأبي الشعثاء جابر بن زيد (4) ، PageV02P082 # [وعلي بن زيد] (1) وعلي بن الحسين (2) وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ~~وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد ms0303 [بن أبي بكر] (3) وأبي بكر بن عبد الرحمن ~~بن الحارث بن هشام ومطرف بن الشخير ومحمد بن واسع وحبيب العجمي ومالك بن ~~دينار ومكحول والحكم بن عتيبة (4) ويزيد بن أبي حبيب، ومن لا يحصي عددهم ~~(5) إلا الله. # ثم بعدهم مثل (6) أيوب السختياني وعبد الله بن عون ويونس بن عبيد ~~PageV02P083 # وجعفر بن محمد والزهري وعمرو بن دينار ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة بن ~~أبي عبد الرحمن وأبي الزناد ويحيى بن أبي كثير وقتادة ومنصور بن المعتمر ~~والأعمش وحماد بن أبي سليمان وهشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة. # ومن بعد هؤلاء مثل مالك بن أنس وحماد بن زيد وحماد بن سلمة والليث [بن ~~سعد] (1) والأوزاعي وأبي حنيفة وابن أبي ليلى وشريك وابن أبي ذئب وابن ~~الماجشون. # ومن بعدهم مثل يحيى بن سعيد [القطان] (2) وعبد الرحمن بن مهدي ووكيع بن ~~الجراح وعبد الرحمن بن القاسم وأشهب بن عبد العزيز وأبي يوسف ومحمد [بن ~~الحسن] (3) والشافعي وأحمد [بن حنبل] (4) وإسحاق [بن راهويه] (5) وأبي عبيد ~~وأبي ثور ومن لا يحصي عدده إلا الله، ممن ليس لهم غرض في تقديم غير الفاضل ~~لا لأجل رياسة ولا مال، وممن هم من أعظم (6) الناس نظرا في العلم وكشفا ~~لحقائقه، وهم كلهم متفقون على تفضيل أبي بكر وعمر. # (* بل الشيعة الأولى الذين كانوا على عهد علي كانوا يفضلون أبا بكر ~~PageV02P084 # وعمر. وقال ابن القاسم: سألت مالكا عن أبي بكر وعمر *) (1) ، فقال: ما ~~رأيت أحدا [ممن] (2) أقتدي به (3) يشك في تقديمهما، يعني على علي وعثمان ~~(4) ، فحكى إجماع أهل المدينة (5) على تقديمهما. # وأهل المدينة لم يكونوا مائلين إلى بني أمية كما كان أهل الشام، بل قد ~~خلعوا بيعة يزيد، وحاربهم عام الحرة وجرى بالمدينة ما جرى (6) ، ولم يكن ~~أيضا قتل علي (7) منهم أحدا كما قتل من أهل البصرة ومن أهل (8) الشام بل ~~كانوا يعدونه (9) من علماء المدينة إلى أن خرج منها، وهم PageV02P085 # متفقون على تقديم أبي بكر وعمر، (1 فهؤلاء الذين هم أعلم الناس وأدين ~~الناس يرون تفضيله فضلا عن خلافته 1) (1) . # وروى ms0304 البيهقي بإسناده عن الشافعي قال: لم يختلف الصحابة والتابعون في ~~تقديم أبي بكر وعمر. # وقال شريك [بن عبد الله] بن أبي نمر (2) ، وقال له قائل: أيما أفضل أبو ~~بكر أو علي؟ فقال [له] (3) : أبو بكر (4) . فقال له السائل: أتقول (5) هذا ~~وأنت من الشيعة؟ فقال: نعم، إنما الشيعي من يقول هذا، والله لقد رقى علي ~~هذه الأعواد، فقال: ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، أفكنا ~~نرد قوله؟ أفكنا نكذبه؟ والله ما كان كذابا. وذكر هذا القاضي عبد الجبار في ~~كتاب " تثبيت النبوة " له، وعزاه إلى كتاب أبي القاسم البلخي الذي صنفه في ~~النقض على ابن الراوندي اعتراضه على الجاحظ (6) . PageV02P086 # (1 فهؤلاء الذين هم أعلم الناس وأدين الناس يرون تفضيله فضلا عن خلافته ~~1) (1) ، فكيف يقال [مع هذا] (2) : إن الذين بايعوه كانوا طلاب الدنيا أو ~~جهالا؟ ولكن هذا وصف [الطاعن] (3) فيهم، فإنك لا تجد في طوائف أهل (4) ~~القبلة أعظم جهلا من الرافضة، ولا أكثر حرصا على الدنيا. # وقد تدبرتهم فوجدتهم لا يضيفون إلى الصحابة (5 عيبا إلا وهم أعظم الناس ~~اتصافا به والصحابة 5) (5) أبعد الناس (6) عنه، فهم أكذب الناس بلا ريب (7) ~~كمسيلمة الكذاب إذ قال: أنا نبي صادق ومحمد كذاب \ 8 29) (8) ، ولهذا يصفون ~~أنفسهم بالإيمان ويصفون الصحابة بالنفاق، وهم أعظم الطوائف نفاقا، والصحابة ~~أعظم الخلق إيمانا. ### | الرد على القسم الأخير من المقدمة # وأما قوله (9) : " وبعضهم طلب الأمر لنفسه بحق [له] (10) وبايعه الأقلون ~~الذين أعرضوا عن الدنيا وزينتها، ولم تأخذهم (11) في الله لومة لائم، بل ~~PageV02P087 # أخلصوا لله واتبعوا ما أمروا به من (1) طاعة من يستحق التقديم، وحيث حصل ~~للمسلمين هذه البلية، وجب على كل أحد النظر في الحق واعتماد الإنصاف (2) ، ~~وأن يقر الحق مقره (3) ولا يظلم مستحقه، فقد قال تعالى: {ألا لعنة الله على ~~الظالمين} [سورة هود: 18] . فيقال له: أولا: قد كان الواجب أن يقال: لما ~~ذهب طائفة إلى كذا وطائفة إلى كذا، وجب أن ينظر أي القولين أصح، فأما إذا ~~رضيت إحدى الطائفتين باتباع الحق والأخرى باتباع الباطل، فإن كان (4) هذا ~~قد ms0305 تبين فلا حاجة إلى النظر، وإن لم يتبين بعد لم يذكر حتى يتبين. # ويقال له: ثانيا: قولك: إنه طلب الأمر لنفسه بحق له وبايعه الأقلون، كذب ~~على علي [رضي الله عنه] (5) ، فإنه لم يطلب الأمر لنفسه في خلافة أبي بكر ~~وعمر وعثمان، وإنما طلبه لما قتل عثمان وبويع ; وحينئذ فأكثر الناس كانوا ~~معه، لم يكن معه الأقلون. # وقد اتفق [أهل] (6) السنة والشيعة على أن عليا لم يدع إلى مبايعته في ~~خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، ولا بايعه على ذلك أحد. ولكن الرافضة تدعي أنه ~~كان يريد ذلك، وتعتقد أنه الإمام المستحق للإمامة دون غيره، PageV02P088 # لكن كان عاجزا عنه. وهذا لو كان حقا لم يفدهم، فإنه لم يطلب الأمر لنفسه ~~ولا بايعه (1) أحد على ذلك، فكيف إذا كان باطلا؟ . # وكذلك قوله: " بايعه الأقلون " كذب على الصحابة، فإنه لم يبايع منهم أحد ~~لعلي في (2) عهد الخلفاء الثلاثة، ولا يمكن أحد (3) أن يدعي هذا، ولكن غاية ~~ما يقول القائل: إنه كان فيهم من يختار مبايعته. # ونحن نعلم أن عليا لما تولى، كان كثير من الناس يختار ولاية معاوية ~~وولاية غيرهما (4) ، ولما بويع عثمان كان في نفوس بعض الناس ميل إلى غيره، ~~فمثل هذا لا يخلو من الوجود (5) ، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم ~~- بالمدينة وبها وما حولها منافقون، كما قال تعالى: {وممن حولكم من الأعراب ~~منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم} [سورة ~~التوبة: 101] . وقد قال (6) تعالى عن المشركين: {وقالوا لولا نزل هذا ~~القرآن على رجل من القريتين عظيم} [سورة الزخرف: 31] ، فأحبوا أن ينزل ~~القرآن (7) على من يعظمونه من أهل مكة والطائف، قال تعالى: PageV02P089 # {أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا ~~بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا} [سورة الزخرف: 32] . # وأما وصفه لهؤلاء بأنهم [الذين] (1) أعرضوا عن الدنيا وزينتها، وأنهم لا ~~تأخذهم في الله لومة لائم، فهذا من أبين الكذب، فإنه لم ير (2) الزهد ~~والجهاد في طائفة أقل منه في الشيعة ms0306، والخوارج المارقون كانوا أزهد منهم ~~وأعظم قتالا، حتى يقال في المثل: حملة خارجية، وحروبهم مع جيوش بني أمية ~~وبني العباس وغيرهما بالعراق والجزيرة وخراسان والمغرب وغيرها معروفة، ~~وكانت لهم ديار يتحيزون فيها لا يقدر عليهم أحد (3) . # وأما الشيعة فهم دائما مغلوبون مقهورون منهزمون، وحبهم للدنيا وحرصهم ~~عليها ظاهر. ولهذا كاتبوا الحسين - رضي الله عنه، فلما أرسل إليهم ابن عمه، ~~ثم قدم بنفسه غدروا به، وباعوا الآخرة بالدنيا، وأسلموه إلى عدوه، وقاتلوه ~~مع عدوه، فأي زهد عند (4) هؤلاء، وأي جهاد عندهم؟ . # وقد ذاق منهم علي [بن أبي طالب]- رضي الله عنه - (5) من الكاسات المرة ما ~~لا يعلمه إلا الله، [حتى دعا عليهم] (6) فقال: اللهم قد (7) PageV02P090 # سئمتهم وسئموني، فأبدلني بهم خيرا منهم، وأبدلهم بي شرا مني (1) وقد ~~كانوا يغشونه ويكاتبون من يحاربه، ويخونونه في الولايات والأموال. # هذا ولم يكونوا بعد صاروا رافضة، إنما سموا شيعة علي لما افترق الناس ~~فرقتين: فرقة شايعت أولياء عثمان، وفرقة شايعت عليا [رضي الله عنهما] (2) # فأولئك خيار الشيعة، وهم من شر الناس معاملة لعلي [بن أبي طالب ~~PageV02P091 # - رضي الله عنه] وابنيه (1) : سبطي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~وريحانتيه في الدنيا: الحسن والحسين، وأعظم الناس قبولا للوم اللائم في ~~الحق، وأسرع الناس إلى فتنة وأعجزهم عنها، يغرون من يظهرون نصره من أهل ~~البيت، حتى إذا اطمأن إليهم ولامهم عليه اللائم، خذلوه وأسلموه وآثروا عليه ~~الدنيا. # ولهذا أشار عقلاء المسلمين ونصحاؤهم على الحسين أن لا يذهب (2) إليهم ~~مثل: [عبد الله] بن عباس، و [عبد الله] بن عمر (3) ، وأبي بكر بن عبد ~~الرحمن بن الحارث بن هشام (4) وغيرهم، لعلمهم بأنهم يخذلونه ولا ينصرونه، ~~ولا يوفون له بما كتبوا له إليه. وكان الأمر كما رأى هؤلاء، ونفذ فيهم دعاء ~~عمر [بن الخطاب]- رضي الله عنه - (5) ثم دعاء علي بن أبي طالب (6) ، حتى ~~سلط الله عليهم الحجاج [بن يوسف] (7) ، فكان (8) لا يقبل PageV02P092 # من محسنهم ولا يتجاوز عن مسيئهم، ودب شرهم إلى من لم يكن منهم حتى عم ~~الشر. # وهذه كتب المسلمين ms0307 التي ذكر فيها زهاد الأمة ليس فيهم رافضي، وهؤلاء ~~المعروفون في الأمة بقول (1) الحق وأنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم ليس ~~فيهم رافضي، كيف والرافضي من جنس المنافقين مذهبه التقية، فهل هذا (2) حال ~~من لا تأخذه في الله لومة لائم؟ . # إنما هذه حال من نعته الله في كتابه بقوله: {ياأيها الذين آمنوا من يرتد ~~منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة ~~على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله ~~يؤتيه من يشاء والله واسع عليم} [سورة المائدة: 54] (3) . # وهذا (4) حال من قاتل المرتدين وأولهم (5) الصديق ومن اتبعه إلى يوم ~~القيامة، فهم الذين جاهدوا المرتدين كأصحاب مسيلمة الكذاب ومانعي الزكاة ~~وغيرهما، وهم الذين فتحوا الأمصار وغلبوا فارس والروم، وكانوا أزهد الناس ; ~~كما قال [عبد الله] بن مسعود (6) لأصحابه: أنتم أكثر صلاة PageV02P093 # وصياما من أصحاب محمد وهم كانوا خيرا منكم. قالوا: ولم يا أبا عبد ~~الرحمن؟ قال: لأنهم كانوا أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة. # [فهؤلاء هم الذين (1) لا تأخذهم في الله لومة لائم ; بخلاف الرافضة فإنهم ~~أشد الناس خوفا من لوم اللائم ومن عدوهم. وهم كما قال تعالى: {يحسبون كل ~~صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون} [سورة المنافقون: 4] ~~، ولا يعيشون في أهل القبلة إلا من جنس اليهود في أهل الملل. # ثم يقال: من هؤلاء الذين زهدوا في الدنيا ولم تأخذهم في الله لومة لائم، ~~ممن لم يبايع أبا بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - وبايع عليا؟ فإنه من ~~المعلوم أن في زمن الثلاثة لم يكن أحد منحازا عن الثلاثة، مظهرا لمخالفتهم ~~ومبايعة علي، بل كل الناس كانوا مبايعين لهم، فغاية ما يقال إنهم كانوا ~~يكتمون تقديم علي، وليست هذه حال من لا تأخذه في الله لومة لائم. # وأما في حال ولاية علي، فقد كان - رضي الله عنه - من أكثر الناس [لوما] ~~(2) لمن معه على قلة جهادهم ونكولهم عن القتال، فأين هؤلاء الذين لا تأخذهم ~~في الله لومة ms0308 لائم من هؤلاء الشيعة؟ . # وإن كذبوا على أبي ذر من الصحابة وسلمان وعمار وغيرهم، فمن المتواتر أن ~~هؤلاء كانوا من أعظم الناس تعظيما لأبي بكر وعمر واتباعا لهما، وإنما ينقل ~~عن بعضهم التعنت على عثمان لا على أبي بكر PageV02P094 # وعمر، وسيأتي الكلام على ما جرى لعثمان - رضي الله عنه، ففي خلافة أبي ~~بكر وعمر وعثمان لم يكن أحد يسمى من الشيعة، ولا تضاف الشيعة إلى أحد، لا ~~عثمان ولا علي ولا غيرهما، فلما قتل عثمان تفرق المسلمون، فمال قوم إلى ~~عثمان، ومال قوم إلى علي، واقتتلت الطائفتان، وقتل حينئذ شيعة عثمان شيعة ~~علي. # وفي صحيح مسلم عن سعد بن هشام أنه أراد أن يغزو في سبيل الله وقدم ~~المدينة، فأراد أن يبيع عقارا [له] بها، فيجعله في السلاح والكراع، ويجاهد ~~الروم حتى يموت، فلما قدم المدينة لقي أناسا من أهل المدينة فنهوه عن ذلك، ~~وأخبروه أن رهطا ستة أرادوا ذلك في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم، ~~فنهاهم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: " أليس لكم بي أسوة؟ " فلما ~~حدثوه بذلك راجع امرأته، وقد كان طلقها، وأشهد على رجعتها. فأتى ابن عباس ~~وسأله عن وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم، فقال له ابن عباس: ألا أدلك ~~على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: من؟ قال: ~~عائشة - رضي الله عنها، فأتها فاسألها، ثم ائتني فأخبرني بردها عليك. قال: ~~فانطلقت إليها، فأتيت على حكيم بن أفلح، فاستلحقته إليها، فقال: ما أنا ~~بقاربها ; لأني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئا فأبت فيهما إلا ~~مضيا. قال: فأقسمت عليه، فجاء فانطلقنا إلى عائشة - رضي الله عنها - وذكر ~~الحديث (1) . PageV02P095 # وقال معاوية لابن عباس: أنت على ملة علي؟ فقال لا على ملة علي ولا على ~~ملة عثمان أنا على ملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم. # وكانت الشيعة أصحاب علي يقدمون عليه أبا بكر وعمر، وإنما كان النزاع في ~~تقدمه على عثمان. ولم يكن حينئذ يسمى أحد لا إماميا ms0309 ولا رافضيا] (1) ، ~~وإنما سموا رافضة وصاروا رافضة (2) لما خرج زيد بن علي بن الحسين بالكوفة ~~في خلافة هشام، فسألته الشيعة عن أبي بكر وعمر، فترحم عليهما، فرفضه قوم، ~~فقال: رفضتموني رفضتموني فسموا رافضة، وتولاه قوم فسموا زيدية [لانتسابهم ~~إليه] (3) . ومن حينئذ انقسمت الشيعة إلى رافضة إمامية وزيدية، وكلما زادوا ~~في البدعة زادوا في الشر، فالزيدية خير من الرافضة: أعلم وأصدق وأزهد ~~وأشجع. # ثم بعد أبي بكر عمر [بن الخطاب] ، وهو (4) الذي لم تكن تأخذه في ~~PageV02P096 # الله لومة لائم، وكان أزهد الناس باتفاق الخلق كما قيل فيه: رحم الله عمر ~~لقد تركه الحق ما له [من] (1) صديق. ### | فصل كلام ابن المطهر بعد المقدمة وجوب اتباع مذهب الإمامية لوجوه ### | [الوجه الأول حتى الرابع من وجوه قول الرافضي وإنما كان مذهب الإمامية واجب الاتباع] # (فصل) قال الرافضي (2) : " وإنما كان مذهب الإمامية واجب الاتباع لوجوه: ~~الأول: لما نظرنا في المذاهب وجدنا أحقها وأصدقها وأخلصها عن شوائب الباطل، ~~وأعظمها تنزيها لله تعالى ولرسله (3) ولأوصيائه، وأحسن المسائل الأصولية ~~والفروعية مذهب الإمامية. # لأنهم اعتقدوا أن الله هو المخصوص بالأزلية والقدم، وأن كل ما سواه محدث ~~; لأنه (4) واحد، [وأنه] (5) ليس بجسم [ولا جوهر، وأنه ليس بمركب ; لأن كل ~~مركب محتاج (6) إلى جزئه ; لأن جزأه PageV02P097 # غيره، ولا عرض] (1) ولا في مكان وإلا لكان محدثا، بل نزهوه عن مشابهة ~~المخلوقات. # وأنه تعالى قادر على جميع المقدورات، عدل (2) حكيم لا يظلم أحدا، ولا ~~يفعل القبيح - وإلا يلزم الجهل أو الحاجة (3) ، تعالى الله عنهما - ويثيب ~~المطيع لئلا يكون ظالما، ويعفو عن العاصي أو يعذبه بجرمه من غير ظلم له. # وأن أفعاله محكمة [متقنة] (4) واقعة لغرض ومصلحة وإلا لكان عابثا، وقد ~~قال سبحانه وتعالى: {وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين} [سورة ~~الدخان: 38] (5) ، وأنه أرسل الأنبياء لإرشاد العالم. # وأنه تعالى غير مرئي ولا مدرك بشيء من الحواس (6) لقوله تعالى: {لا تدركه ~~الأبصار وهو يدرك الأبصار} [سورة الأنعام: 103] (7) ، وأنه (8) ليس في جهة. ~~PageV02P098 # وأن أمره ونهيه وإخباره حادث لاستحالة أمر المعدوم ونهيه وإخباره. # وأن الأنبياء ms0310 معصومون عن (1) الخطأ والسهو والمعصية صغيرها وكبيرها من ~~أول العمر إلى آخره، وإلا لم يبق وثوق (2) بما يبلغونه فانتفت فائدة البعثة ~~ولزم التنفير عنهم. (3) # وأن الأئمة معصومون كالأنبياء في ذلك كما تقدم (4) . # وأخذوا أحكامهم (5) الفروعية عن (6) الأئمة المعصومين، الناقلين عن جدهم ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (7) الآخذ ذلك من (8) الله تعالى بوحي ~~(9) جبريل إليه، يتناقلون ذلك عن الثقات خلفا عن سلف، إلى أن تتصل الرواية ~~بأحد المعصومين ولم يلتفتوا إلى القول بالرأي والاجتهاد، وحرموا الأخذ ~~بالقياس والاستحسان إلى آخره ". PageV02P099 # فيقال: الكلام على هذا من وجوه: أحدها: أن يقال: ما ذكره من الصفات ~~والقدر لا يتعلق بمسألة الإمامة أصلا، بل يقول بمذهب (1) الإمامية من لا ~~يقول بهذا، ويقول بهذا من لا يقول بمذهب الإمامية، ولا أحدهما مبني على ~~الآخر، فإن الطريق إلى ذلك عند القائلين به هو العقل، وأما تعيين الإمام ~~فهو (2) عندهم من السمع، فإدخال هذا في مسألة الإمامة مثل إدخال سائر مسائل ~~النزاع، وهذا خروج عن المقصود. # الوجه الثاني: أن يقال: هذا قول المعتزلة في التوحيد والقدر، والشيعة ~~المنتسبون إلى أهل البيت، الموافقون لهؤلاء المعتزلة، أبعد الناس عن مذاهب ~~أهل البيت في التوحيد والقدر، فإن أئمة أهل البيت كعلي وابن عباس، ومن ~~بعدهم كلهم متفقون على ما اتفق عليه سائر الصحابة والتابعين لهم بإحسان من ~~إثبات الصفات والقدر. # والكتب المشتملة (3) على المنقولات الصحيحة مملوءة بذلك، ونحن نذكر بعض ~~ما في ذلك عن علي [رضي الله عنه] (4) وأهل بيته ليتبين أن هؤلاء الشيعة ~~مخالفون لهم في أصول دينهم. # الوجه الثالث: أن ما ذكره من (5) الصفات والقدر ليس من خصائص الشيعة، ولا ~~هم أئمة القول به، ولا هو شامل لجميعهم، بل أئمة ذلك هم PageV02P100 # المعتزلة، وعنهم أخذ ذلك متأخرو الشيعة. وكتب الشيعة مملوءة بالاعتماد في ~~ذلك على طرق (1) المعتزلة، وهذا كان من أواخر المائة الثالثة، وكثر في ~~المائة الرابعة لما صنف لهم المفيد وأتباعه كالموسوي والطوسي (2) . # وأما قدماء الشيعة فالغالب عليهم ضد هذا القول، كما هو قول الهشامين (3) ~~وأمثالهما، فإن ms0311 كان هذا (4) القول حقا أمكن القول به وموافقة المعتزلة مع ~~إثبات خلافة الثلاثة، وإن كان باطلا فلا حاجة إليه، وإنما PageV02P101 # ينبغي أن يذكر ما يختص بالإمامة (1) ، كمسألة إثبات الاثنى عشر وعصمتهم. # الوجه الرابع: أن يقال: ما في هذا الكلام من حق فأهل السنة قائلون به - ~~أو جمهورهم - وما كان فيه من باطل فهو رد، فليس اعتقاد ما في هذا القول من ~~الحق خارجا عن أقوال أهل السنة، ونحن نذكر ذلك مفصلا. ### | الوجه الخامس وفيه الرد التفصيلي على القسم الأول من كلام ابن المطهر ### | التعليق على قوله إن الله منزه عن مشابهة المخلوقات # الوجه الخامس: قوله: " إنهم اعتقدوا أن الله هو المخصوص بالأزلية والقدم ~~(2) ، وأن كل ما سواه محدث ; لأنه واحد، وأنه ليس بجسم ولا في مكان، وإلا ~~لكان محدثا، بل نزهوه عن مشابهة (3) المخلوقات " (4) . # فيقال له: هذا إشارة إلى مذهب الجهمية والمعتزلة، ومضمونه أنه ليس لله ~~علم (5) ولا قدرة ولا حياة، وأن أسماءه الحسنى: كالعليم والقدير والسميع ~~والبصير والرءوف والرحيم ونحو ذلك، لا تدل على صفات له قائمة به، وأنه لا ~~يتكلم ولا يرضى ولا يسخط، ولا يحب ولا يبغض، ولا يريد إلا ما يخلقه منفصلا ~~عنه من الكلام والإرادة، وأنه لم يقم به كلام. # وأما قوله: " إن الله منزه عن مشابهة المخلوقات " PageV02P102 # فيقال له] (1) : أهل السنة أحق بتنزيهه عن مشابهة المخلوقات من الشيعة، ~~فإن التشبيه والتجسيم المخالف للعقل والنقل لا يعرف في أحد من طوائف الأمة ~~أكثر منه في طوائف الشيعة، وهذه كتب المقالات كلها تخبر عن أئمة الشيعة ~~المتقدمين من المقالات المخالفة للعقل والنقل في التشبيه والتجسيم بما لا ~~يعرف نظيره عن أحد من سائر الطوائف، ثم قدماء الإمامية ومتأخروهم متناقضون ~~في هذا الباب، فقدماؤهم غلوا في التشبيه والتجسيم، ومتأخروهم غلوا في النفي ~~والتعطيل، فشاركوا في ذلك الجهمية والمعتزلة دون سائر طوائف الأمة. # وأما أهل السنة المثبتون لخلافة الثلاثة، فجميع أئمتهم وطوائفهم المشهورة ~~متفقون على نفي التمثيل عن الله تعالى، والذين أطلقوا لفظ " الجسم " على ~~الله من الطوائف ms0312 المثبتين لخلافة الثلاثة كالكرامية، هم أقرب إلى صحيح ~~المنقول وصريح المعقول من الذين أطلقوا لفظ " الجسم " من الإمامية. # وقد ذكر أقوال الإمامية في ذلك غير واحد منهم (2) ومن غيرهم، كما ~~PageV02P103 # ذكرها ابن النوبختي في كتابه الكبير (1) ، وكما ذكرها أبو الحسن الأشعري ~~في كتابه المعروف في " مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين " (2) وكما ذكرها ~~الشهرستاني في كتابه المعروف " بالملل والنحل " (3) ، وكما ذكرها غير هؤلاء ~~(4) . # وطوائف السنة والشيعة تحكي عن قدماء أئمة الإمامية من منكر PageV02P104 # التجسيم والتشبيه، ما لا يعرف مثله عن الكرامية وأتباعهم ممن يثبت إمامة ~~الثلاثة. # وأما من لا يطلق على الله اسم " الجسم "، كأئمة أهل الحديث والتفسير ~~والتصوف والفقه، مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم، وشيوخ المسلمين المشهورين في ~~الأمة، ومن قبلهم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فهؤلاء ليس فيهم من ~~يقول: إن الله جسم، وإن كان أيضا ليس من السلف والأئمة من قال: إن الله ليس ~~بجسم. ولكن من نسب التجسيم إلى بعضهم، فهو بحسب ما اعتقده من معنى الجسم ~~ورآه لازما لغيره. # فالمعتزلة والجهمية ونحوهم من نفاة الصفات يجعلون كل من أثبتها مجسما ~~مشبها، ومن هؤلاء من يعد من المجسمة والمشبهة من الأئمة المشهورين كمالك ~~والشافعي وأحمد وأصحابهم، كما ذكر ذلك أبو حاتم صاحب كتاب " الزينة " (1) ، ~~وغيره لما ذكر طوائف المشبهة PageV02P105 # فقال (1) : " ومنهم طائفة يقال لهم المالكية ينتسبون إلى رجل يقال له ~~مالك بن أنس، ومنهم طائفة يقال لهم الشافعية ينتسبون إلى رجل يقال له ~~الشافعي ". # وشبهة هؤلاء أن الأئمة المشهورين كلهم يثبتون الصفات لله تعالى، ويقولون: ~~إن القرآن كلام الله ليس بمخلوق، ويقولون: إن الله يرى في الآخرة. # هذا مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان من أهل البيت وغيرهم، وهذا مذهب ~~الأئمة المتبوعين مثل مالك بن أنس والثوري والليث بن سعد والأوزاعي، وأبي ~~حنيفة (والشافعي) (2) ، وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود، ومحمد بن خزيمة ومحمد ~~بن نصر المروزي (3) ، وأبي بكر PageV02P106 # بن المنذر (1) ومحمد بن جرير الطبري وأصحابهم. # والجهمية والمعتزلة يقولون: من أثبت لله الصفات، وقال: إن الله يرى في ~~الآخرة، والقرآن كلام ms0313 الله ليس بمخلوق، فإنه مجسم مشبه، والتجسيم باطل. ~~وشبهتهم في ذلك أن الصفات أعراض لا تقوم إلا بجسم، وما قام به الكلام وغيره ~~من الصفات لا يكون إلا جسما، ولا يرى إلا ما هو جسم أو قائم بجسم. # ولهذا صار مثبتة الصفات معهم ثلاث طوائف: طائفة نازعتهم في المقدمة ~~الأولى، وطائفة نازعتهم في المقدمة الثانية، وطائفة نازعتهم نزاعا مطلقا في ~~واحدة من المقدمتين، ولم تطلق في النفي والإثبات ألفاظا مجملة مبتدعة لا ~~أصل لها في الشرع، ولا هي صحيحة في العقل، بل اعتصمت بالكتاب والسنة وأعطت ~~العقل حقه، فكانت موافقة لصريح المعقول، وصحيح المنقول. # فالطائفة الأولى الكلابية ومن وافقهم، والطائفة الثانية الكرامية ومن ~~وافقهم. # فالأولى قالوا: إنه تقوم به (2) الصفات، ويرى في الآخرة، والقرآن ~~PageV02P107 # كلام الله قائم بذاته، وليست الصفات أعراضا ولا الموصوف جسما [000] (1) ~~لم نسلم أن ذلك ممتنع. PageV02P108 # ثم كثير من الناس يشنع على الطائفة الأولى بأنها مخالفة لصريح العقل ~~والنقل بالضرورة ; حيث أثبتت رؤية لمرئي لا بمواجهة، وأثبتت كلاما لمتكلم ~~يتكلم لا بمشيئته وقدرته. # وكثير منهم يشنع على الثانية بأنها مخالفة للنظر العقلي الصحيح. # ولكن مع هذا فأكثر الناس يقولون: إن النفاة المخالفين للطائفتين من ~~الجهمية والمعتزلة، وأتباعهم من الشيعة، أعظم مخالفة لصريح المعقول - بل ~~ولضرورة العقل - من الطائفتين. # وأما مخالفة هؤلاء لنصوص الكتاب والسنة، وما استفاض عن سلف الأمة، فهذا ~~أظهر وأشهر من أن يخفى على عالم، ولهذا أسسوا دينهم على أن باب التوحيد ~~والصفات لا يتبع فيه ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، وإنما يتبع فيه ما ~~رأوه بقياس عقولهم، وأما نصوص الكتاب والسنة، فإما أن يتأولوها، وإما أن ~~يفوضوها، وإما أن يقولوا: مقصود الرسول أن يخيل إلى الجمهور اعتقادا ~~ينتفعون به في الدنيا، وإن كان كذبا وباطلا، كما يقول ذلك من يقوله من ~~المتفلسفة وأتباعهم، وحقيقة قولهم أن الرسل كذبت فيما أخبرت به عن الله ~~وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ; لأجل ما رأوه من مصلحة الجمهور في ~~الدنيا. # وأما الطائفة الثالثة، فأطلقوا في النفي والإثبات ms0314 ما جاء به الكتاب ~~والسنة، وما تنازع النظار في نفيه وإثباته من غير اعتصام بالكتاب والسنة، ~~لم توافقهم فيه على ما ابتدعوه في الشرع وخالفوا به العقل، بل إما أن ~~يمسكوا عن التكلم بالبدع نفيا وإثباتا، وإما أن يفصلوا القول في اللفظ # PageV02P109 # والملفوظ المجمل، فما كان في إثباته من حق يوافق الشرع أو العقل أثبتوه، ~~وما كان من نفيه حق (1) في الشرع أو العقل نفوه، ولا يتصور عندهم تعارض ~~الأدلة الصحيحة العلمية، لا السمعية ولا العقلية. # والكتاب والسنة يدل بالإخبار تارة، ويدل بالتنبيه تارة، والإرشاد والبيان ~~للأدلة العقلية تارة، وخلاصة ما عند أرباب النظر العقلي في الإلهيات من ~~الأدلة اليقينية والمعارف الإلهية قد جاء به الكتاب والسنة، مع زيادات ~~وتكميلات لم يهتد إليها إلا من هداه الله بخطابه، فكان فيما جاء به الرسول ~~(2) من الأدلة العقلية والمعارف اليقينية فوق ما في عقول جميع العقلاء من ~~الأولين والآخرين. # وهذه الجملة لها بسط عظيم قد بسط من ذلك ما بسط في مواضع متعددة، والبسط ~~التام لا يتحمله هذا المقام، فإن لكل مقام مقالا. # ولكن الرافضة لما اعتضدت بالمعتزلة، وأخذوا يذمون أهل السنة بما هم فيه ~~مفترون: عمدا أو جهلا، ذكرنا ما يناسب ذلك في هذا المقام. # والمقصود هنا أن أهل السنة] (3) متفقون على أن الله ليس كمثله شيء، لا في ~~ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله. ولكن لفظ " التشبيه " في كلام هؤلاء ~~النفاة المعطلة (4) لفظ مجمل، فإن أراد بلفظ (5) التشبيه ما نفاه ~~PageV02P110 # (1 القرآن ودل عليه العقل فهذا حق، فإن خصائص الرب تعالى لا يوصف بها شيء ~~1) (1) من المخلوقات، ولا يماثله [شيء من المخلوقات في] (2) شيء من صفاته. # مذهب سلف الأمة وأئمتها أن يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به ~~رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، يثبتون لله ما ~~أثبته من الصفات، وينفون عنه مماثلة (3) المخلوقات، [يثبتون له صفات ~~الكمال، وينفون عنه ضروب (4) الأمثال، ينزهونه عن النقص والتعطيل، وعن ~~التشبيه والتمثيل] (5) ، إثبات بلا تشبيه (6) ، وتنزيه ms0315 بلا تعطيل: {ليس ~~كمثله شيء} رد على الممثلة، {وهو السميع البصير} [سورة الشورى: 11] رد على ~~المعطلة. # ومن جعل صفات الخالق مثل صفات المخلوق فهو المشبه المبطل المذموم. وإن ~~أراد بالتشبيه أنه لا يثبت لله شيء من الصفات، فلا يقال: له علم ولا قدرة ~~ولا حياة ; لأن العبد موصوف بهذه الصفات ; فلزمه (7) أن لا يقال له: حي ~~عليم قدير ; لأن العبد يسمى بهذه الأسماء، وكذلك في كلامه وسمعه وبصره ~~ورؤيته وغير ذلك. PageV02P111 # وهم يوافقون أهل السنة (* (1) على أن الله موجود حي عليم قادر، والمخلوق ~~يقال له: [موجود] (2) حي عليم قدير ولا يقال: هذا تشبيه (3) يجب نفيه. # [وهذا مما يدل عليه الكتاب والسنة (4) وصريح العقل، ولا يمكن أن يخالف ~~فيه عاقل، فإن الله تعالى سمى نفسه بأسماء، وسمى بعض عباده بأسماء، وكذلك ~~سمى صفاته بأسماء، وسمى بعضها صفات خلقه، وليس المسمى كالمسمى، فسمى نفسه ~~حيا عليما قديرا، رءوفا رحيما، عزيزا حكيما، سميعا بصيرا، ملكا مؤمنا، ~~جبارا متكبرا، كقوله: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [سورة البقرة: 255] ~~، وقوله: {إنه عليم قدير} [سورة الشورى: 50] ، وقال: {ولكن يؤاخذكم بما ~~كسبت قلوبكم والله غفور حليم} [سورة البقرة: 225] ، وقال: {والله عزيز ~~حكيم} [سورة البقرة: 228، 240] ، وقال: {إن الله بالناس لرءوف رحيم} [سورة ~~الحج: 65] ، وقال: {إن الله كان سميعا بصيرا} [سورة النساء: 58] ، وقال: ~~{هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز ~~الجبار المتكبر} [سورة الحشر: 23] . # وقد سمى بعض عباده حيا، فقال: {يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي} ~~[سورة الروم: 19] . PageV02P112 # وبعضهم عليما بقوله: {وبشروه بغلام عليم} [سورة الذاريات: 28] (1) ، ~~وبعضهم حليما بقوله: {فبشرناه بغلام حليم} [سورة الصافات: 101] ، وبعضهم ~~رءوفا رحيما بقوله: {بالمؤمنين رءوف رحيم} [سورة التوبة: 128] ، وبعضهم ~~سميعا بصيرا (بقوله: {فجعلناه سميعا بصيرا} [سورة الإنسان: 2] ) (2) ، ~~وبعضهم عزيزا بقوله: {قالت امرأة العزيز} [سورة يوسف: 51] ، وبعضهم ملكا ~~بقوله: {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} [سورة الكهف: 79] ، وبعضهم ~~مؤمنا بقوله: {أفمن كان مؤمنا} [سورة السجدة: 18] ، وبعضهم جبارا متكبرا ~~بقوله: {كذلك يطبع الله على كل قلب ms0316 متكبر جبار} [سورة غافر: 35] . # ومعلوم أنه لا يماثل الحي الحي، ولا العليم العليم، ولا العزيز العزيز، ~~ولا الرءوف الرءوف، ولا الرحيم الرحيم، ولا الملك الملك، ولا الجبار ~~الجبار، ولا المتكبر المتكبر. # وقال: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} [سورة البقرة: 255] ، وقال: ~~{أنزله بعلمه} [سورة النساء: 166] ، وقال: {وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا ~~بعلمه} [سورة فاطر: 11] ، وقال: {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} [سورة ~~الذاريات: 58] ، وقال: {أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة} ~~[سورة فصلت: 15] . # وفي الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال: «كان رسول الله - صلى الله ~~PageV02P113 # عليه وسلم - يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من ~~القرآن، يقول: " إذا هم أحدكم بالأمر فيركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ~~ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، ~~فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم ~~أن هذا الأمر - يسميه - خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، فاقدره لي ~~ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي ~~وعاقبة أمري، فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به» ~~(1) . # وفي حديث عمار بن ياسر الذي رواه النسائي وغيره، عن عمار بن ياسر أن (2) ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو بهذا الدعاء: " «اللهم بعلمك الغيب، ~~وبقدرتك على الخلق، أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة ~~خيرا لي، اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في ~~الغضب والرضا، وأسألك القصد في PageV02P114 # الفقر والغنى، وأسألك نعيما لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا ~~بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، ~~والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة ~~الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين» " (1) . # فقد سمى الله ورسوله صفات الله تعالى علما وقدرة وقوة، وقد قال الله ~~تعالى (2) : {الله الذي ms0317 خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد ~~قوة ضعفا وشيبة} [سورة الروم: 54] ، وقال: {وإنه لذو علم لما علمناه} [سورة ~~يوسف: 68] ، ومعلوم أنه ليس العلم كالعلم، ولا القوة كالقوة، ونظائر هذا ~~كثيرة. # وهذا لازم لجميع العقلاء، فإن من نفى بعض ما وصف الله به نفسه كالرضا ~~والغضب والمحبة والبغض ونحو ذلك، وزعم أن ذلك يستلزم التشبيه والتجسيم. # قيل له: فأنت تثبت له الإرادة والكلام والسمع والبصر، مع أن ما تثبته ليس ~~مثل صفات المخلوقين، فقل فيما أثبته مثل قولك فيما نفيته وأثبته الله ~~ورسوله إذ لا فرق بينهما. # فإن قال: أنا لا أثبت شيئا من الصفات. # قيل له: فأنت تثبت له الأسماء الحسنى مثل: حي وعليم وقدير، PageV02P115 # والعبد يسمى بهذه الأسماء، وليس ما تثبت للرب من هذه الأسماء مماثلا لما ~~تثبت للعبد، فقل في صفاته نظير قولك ذلك في مسمى أسمائه. # فإن قال: وأنا لا أثبت له الأسماء الحسنى، بل أقول هي مجاز، أو هي أسماء ~~لبعض مبتدعاته، كقول غلاة الباطنية والمتفلسفة. # قيل له: فلا بد أن تعتقد أنه حق قائم بنفسه، والجسم موجود قائم بنفسه ~~وليس هو مماثلا له. # فإن قال: أنا لا أثبت شيئا، بل أنكر وجود الواجب. # قيل له: معلوم بصريح العقل أن الموجود إما واجب بنفسه، وإما غير واجب ~~بنفسه، وإما قديم أزلي، وإما حادث كائن بعد أن لم يكن، وإما مخلوق مفتقر ~~إلى خالق، وإما غير مخلوق ولا مفتقر إلى خالق، وإما فقير إلى ما سواه، وإما ~~غني عما سواه. # وغير الواجب بنفسه لا يكون إلا بالواجب بنفسه، والحادث لا يكون إلا ~~بقديم، والمخلوق لا يكون إلا بخالق، والفقير لا يكون إلا بغني عنه، فقد لزم ~~على تقدير النقيضين وجود موجود واجب بنفسه قديم أزلي خالق غني عما سواه، ~~وما سواه بخلاف ذلك. # وقد علم بالحس والضرورة وجود موجود حادث كائن بعد أن لم يكن، والحادث لا ~~يكون واجبا بنفسه، ولا قديما أزليا، ولا خالقا لما سواه، ولا غنيا عما ms0318 ~~سواه، فثبت بالضرورة وجود موجودين: أحدهما غني والآخر فقير، وأحدهما خالق ~~والآخر مخلوق، وهما متفقان في كون كل منهما شيئا موجودا ثابتا، بل وإذا كان ~~المحدث جسما فكل منهما قائم بنفسه. # PageV02P116 # ومن المعلوم أيضا أن أحدهما ليس مماثلا للآخر في حقيقته، إذ لو كان كذلك ~~لتماثلا فيما يجب ويجوز ويمتنع ; وأحدهما يجب قدمه وهو موجود بنفسه ; ~~وأحدهما غني عن كل ما سواه والآخر ليس بغني، وأحدهما خالق والآخر ليس ~~بخالق، فلو تماثلا للزم أن يكون كل منهما واجب القدم ليس بواجب القدم، ~~موجودا بنفسه ليس بموجود بنفسه، غنيا عما سواه ليس بغني عما سواه، خالقا ~~ليس بخالق، فيلزم اجتماع النقيضين على تقدير تماثلهما، [وهو] (1) منتف ~~بصريح العقل، كما هو منتف بنصوص الشرع، مع اتفاقهما في أمور أخرى، كما أن ~~كلا منهما موجود ثابت له حقيقة وذات هي نفسه، والجسم قائم بنفسه، وهو قائم ~~بنفسه. # فعلم بهذه البراهين البينة اتفاقهما من وجه واختلافهما من وجه، فمن نفى ~~ما اتفقا فيه كان معطلا قائلا للباطل، ومن جعلهما متماثلين كان مشبها قائلا ~~للباطل، والله أعلم] *) (2) . # وذلك ; لأنهما وإن اتفقا في مسمى ما اتفقا فيه (3) ، فالله تعالى مختص ~~بوجوده وعلمه وقدرته [وسائر صفاته] (4) ، والعبد لا يشركه في شيء من ذلك، ~~والعبد [أيضا] (5) مختص بوجوده وعلمه وقدرته، والله تعالى (6) منزه ~~PageV02P117 # عن مشاركة العبد في خصائصه، وإذا اتفقا في مسمى الوجود والعلم والقدرة، ~~فهذا المشترك مطلق كلي يوجد في الأذهان لا في الأعيان، والموجود (1) في ~~الأعيان مختص لا اشتراك فيه. # وهذا موضع اضطرب فيه كثير من النظار ; حيث توهموا أن [الاتفاق في] (2) ~~مسمى هذه الأشياء يوجب أن يكون الوجود الذي للرب هو الوجود الذي للعبد. # وطائفة ظنت أن لفظ " الوجود " يقال بالاشتراك اللفظي، وكابروا عقولهم، ~~فإن هذه الأسماء عامة قابلة للتقسيم، كما يقال: الموجود ينقسم إلى واجب ~~وممكن وقديم وحادث. ومورد التقسيم [مشترك] (3) بين الأقسام، واللفظ المشترك ~~كلفظ " المشترى " الواقع على المبتاع والكوكب لا ينقسم معناه، ولكن يقال ~~لفظ " المشترى " يقال على كذا وعلي كذا. # وطائفة ms0319 ظنت أنها إذا سمت هذا اللفظ ونحوه مشككا لكون الوجود بالواجب أولى ~~منه بالممكن، خلصت من هذه الشبهة، وليس كذلك. فإن تفاضل المعنى المشترك ~~الكلي لا يمنع (4) أن يكون أصل المعنى مشتركا بين اثنين، كما أن معنى " ~~السواد " مشترك بين هذا السواد وهذا السواد، وبعضه أشد من بعض. PageV02P118 # وطائفة ظنت أن من قال: الوجود متواطئ عام، فإنه يقول: وجود الخالق زائد ~~على حقيقته، ومن قال: حقيقته هي وجوده، قال: إنه مشترك اشتراكا لفظيا، ~~وأمثال هذه المقالات التي قد بسط الكلام عليها في غير هذا الموضع. # وأصل خطأ هؤلاء توهمهم أن هذه الأسماء العامة الكلية يكون مسماها المطلق ~~الكلي هو بعينه ثابتا في هذا المعين [وهذا المعين] (1) ، وليس كذلك فإن ما ~~يوجد في الخارج لا يوجد مطلقا كليا، لا يوجد إلا معينا مختصا. (* وهذه ~~الأسماء إذا سمي بها كان مسماها مختصا به، (2 وإذا سمي بها العبد كان ~~مسماها مختصا به 2) (2) *) (3) فوجود الله وحياته لا يشركه فيها (4) غيره، ~~بل وجود هذا الموجود المعين لا يشركه فيه غيره، فكيف بوجود الخالق؟ . # وإذا قيل: قد اشتركا في مسمى الوجود (5) ، فلا بد أن يتميز أحدهما عن ~~الآخر بما يخصه، وهو الماهية والحقيقة التي تخصه. # قيل: اشتراكا في الوجود المطلق الذهني، لا اشتراكا في مسمى الحقيقة (6) ~~والماهية والذات والنفس. وكما أن حقيقة هذا تخصه، PageV02P119 # فكذلك وجوده يخصه، والغلط نشأ من جهة [أخذ] (1) الوجود مطلقا، وأخذ ~~الحقيقة مختصة، وكل منهما يمكن أخذه مطلقا ومختصا، فالمطلق مساو للمطلق، ~~والمختص مساو للمختص، فالوجود المطلق مطابق للحقيقة المطلقة، ووجوده (2) ~~المختص مطابق لحقيقته المختصة، والمسمى بهذا وهذا واحد، وإن تعددت جهة ~~التسمية، كما يقال: هذا هو ذاك فالمشار إليه واحد، لكن بوجهين مختلفين. # [وأيضا فإذا اشتركا في مسمى الوجود الكلي، فإن أحدهما يمتاز عن الآخر ~~بوجوده الذي يخصه، كما أن الحيوانين والإنسانين إذا اشتركا في مسمى ~~الحيوانية والإنسانية، فإنه يمتاز أحدهما عن الآخر بحيوانية تخصه وإنسانية ~~تخصه، فلو قدر أن الوجود الكلي ثابت في الخارج، لكان التمييز يحصل بوجود ~~خاص، لا ms0320 يحتاج أن يقال: هو مركب من وجود وماهية، فكيف والأمر بخلاف ذلك؟ . # ومن قال: إنه وجود مطلق بشرط سلب كل أمر ثبوتي، فقوله أفسد من هذه ~~الأقوال] (3) وهذه المعاني مبسوطة في غير هذا الموضع. # والمقصود أن إثبات الأسماء والصفات لله، لا يستلزم أن يكون سبحانه مشبها ~~مماثلا لخلقه. ### | [التعليق على قوله أن الله هو المخصوص بالأزلية والقدم] # وأما قوله: " إنهم اعتقدوا أن الله هو المخصوص بالأزلية والقدم " (4) . ~~PageV02P120 # فيقال: أولا: جميع المسلمين يعتقدون أن كل ما سوى الله مخلوق حادث بعد أن ~~لم يكن، وهو المختص بالقدم والأزلية. # ثم يقال: ثانيا: الذي جاء به الكتاب والسنة هو توحيد الإلهية (1) ، فلا ~~إله إلا هو، فهذا هو التوحيد الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه، كما قال ~~تعالى: {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم} [سورة البقرة: 163] ~~، وقال تعالى (2) : {وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد} ~~[سورة النحل: 51] ، وقال: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه ~~لا إله إلا أنا فاعبدون} [سورة الأنبياء: 25] . # ومثل هذا في القرآن كثير، كقوله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} ~~[سورة محمد: 19] ، وقوله: {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله ~~يستكبرون} [سورة الصافات: 35] . # وبالجملة فهذا أول ما دعا إليه الرسول [وآخره] (3) ; حيث قال: " «أمرت أن ~~أقاتل الناس حتى يقولوا (4) لا إله إلا الله وإني رسول الله» " (5) . ~~PageV02P121 # وقال لعمه أبي طالب: " «يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند ~~الله» " (1) وقال: " «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة» " (2) . # وقال: " «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله» " (3) . # وكل هذه الأحاديث في الصحاح. PageV02P122 # وهذا من أظهر ما يعلم [بالاضطرار] (1) من دين النبي - صلى الله عليه وسلم ~~-، وهو توحيد الإلهية: أنه لا إله إلا الله (2) . # وأما كون القديم الأزلي واحدا، فهذا اللفظ لا يوجد لا في كتاب [الله] ولا ~~في سنة [نبيه] (3) ، بل (4) ولا جاء اسم " القديم " في أسماء الله تعالى، ~~وإن كان من ms0321 أسمائه " الأول ". # والأقوال نوعان: فما كان منصوصا في الكتاب [والسنة] (5) ، وجب الإقرار به ~~على كل مسلم، وما لم يكن له أصل في النص والإجماع، لم يجب قبوله ولا رده ~~حتى يعرف معناه. # فقول القائل: القديم الأزلي واحد، وإن الله مخصوص بالأزلية والقدم، لفظ ~~مجمل. فإن أراد به أن الله بما يستحقه من صفاته اللازمة له هو القديم ~~الأزلي دون مخلوقاته، فهذا حق. ولكن هذا مذهب أهل السنة والجماعة. # وإن أراد به أن القديم الأزلي هو الذات التي لا صفات لها: لا حياة \ 8 ~~11) (6) ولا علم ولا قدرة ; لأنه لو كان لها صفات (7) لكانت قد شاركتها في ~~القدم، ولكانت إلها مثلها. PageV02P123 # [فهذا الاسم هو اسم للرب (1) الحي العليم القدير، ويمتنع حي لا حياة له، ~~وعليم لا علم له، وقدير لا قدرة له، كما يمتنع مثل ذلك في نظائره. # وإذا قال القائل: صفاته زائدة على ذاته، فالمراد أنها زائدة على ما أثبته ~~النفاة، لا أن في نفس الأمر ذاتا مجردة عن الصفات وصفات زائدة عليها، فإن ~~هذا باطل. # ومن حكى عن أهل السنة أنهم يثبتون مع الله ذواتا قديمة بقدمه، وأنه مفتقر ~~إلى تلك الذوات، فقد كذب عليهم. فإن للنظار في هذا المقام أربعة أقوال: ~~ثبوت الصفات، وثبوت الأحوال، ونفيهما جميعا، وثبوت الأحوال دون الصفات (2) ~~PageV02P124 # فالأول: قول جمهور نظار المثبتة الصفاتية، يقولون: إنه عالم بعلمه، وقادر ~~بقدرته، وعلمه نفس عالميته، وقدرته نفس قادريته. # وعقلاء النفاة كأبي الحسين البصري (1) وغيره يسلمون أن كونه حيا ليس هو ~~كونه عالما، وكونه عالما ليس هو كونه قادرا، وكذلك مثبتة الأحوال منهم (2) ~~، وهذا بعينه هو مذهب جمهور المثبتة للصفات دون الأحوال. # ولكن من أثبت الأحوال مع الصفات، كالقاضي أبي بكر والقاضي PageV02P125 # أبي يعلى وأبي المعالي في أول قوله (1) ، فهؤلاء يتوجه رد النفاة إليهم ~~(2) . # وأما من نفى الصفات والأحوال جميعا، كأبي علي وغيره من المعتزلة، فهؤلاء ~~يسلمون ثبوت الأسماء والأحكام، فيقولون: نقول: إنه حي عليم قدير، فيخبر عنه ~~بذلك ويحكم بذلك ونسميه بذلك. # فإذا قالوا لبعض الصفاتية: أنتم توافقون ms0322 على أنه خالق عادل، وإن لم يقم ~~بذاته خلق وعدل، فكذلك حي عليم قدير. # قيل: موافقة هؤلاء لكم لا تدل على صحة قولكم، فالسلف والأئمة وجمهور ~~المثبتة يخالفونكم جميعا، ويقولون: إنه يقوم بذاته أفعاله سبحانه وتعالى. # ثم هذه الأسماء دلت على خلق ورزق، كما دل متكلم ومريد على كلام وإرادة، ~~ولكن هؤلاء النفاة جعلوا المتكلم والمريد والخالق والعادل يدل على معان ~~منفصلة عنه، وجعلوا الحي والعليم والقدير لا تدل على معان لا قائمة به ولا ~~منفصلة عنه، وجعلوا كل ما وصف الرب به نفسه من كلامه ومشيئته وحبه وبغضه ~~ورضاه وغضبه إنما هي مخلوقات منفصلة عنه، فجعلوه موصوفا بما هو منفصل عنه، ~~فخالفوا صريح العقل والشرع واللغة. PageV02P126 # فإن العقل الصريح يحكم بأن الصفة إذا قامت بمحل عاد حكمها على ذلك المحل ~~لا على غيره، فالمحل الذي قامت به الحركة والسواد والبياض كان متحركا أسود ~~أبيض لا غيره، وكذلك الذي قام به الكلام والإرادة والحب والبغض والرضا، هو ~~الموصوف بأنه المتكلم المريد المحب المبغض الراضي دون غيره، وما لم يقم به ~~الصفة لا يتصف بها، فما لم يقم به كلام وإرادة وحركة وسواد وفعل، لا يقال ~~له: متكلم ولا مريد ولا متحرك [ولا أسود] (1) ولا فاعل، وأما إذا لم يكن ~~هناك معنى يتصف به، فلا يسمى بأسماء المعاني. # وهؤلاء سموه حيا عالما قادرا، مع أنه عندهم لا حياة له ولا علم ولا قدرة، ~~وسموه مريدا متكلما مع أن الإرادة والكلام قائم بغيره. وكذلك من سماه خالقا ~~فاعلا، مع أنه لم يقم به خلق ولا فعل، فقوله من جنس قولهم. # ونصوص الكتاب والسنة قد أثبتت اتصافه بالصفات القائمة به، واللغة توجب أن ~~صدق المشتق مستلزم لصدق المشتق منه، فيوجب إذا صدق اسم الفاعل والصفة ~~المشبهة، أن يصدق مسمى المصدر، فإذا قيل: قائم وقاعد، كان ذلك مستلزما ~~للقيام والقعود، وكذلك إذا قيل: فاعل وخالق، كان ذلك مستلزما للفعل والخلق، ~~وكذلك إذا قيل: متكلم ومريد، كان ذلك مستلزما للكلام والإرادة، وكذلك إذا ~~قيل: حي ms0323 عالم قادر، كان ذلك مستلزما للحياة والعلم والقدرة. # ومن نفى قيام الأفعال، وقال: لو كان خالقا بخلق، لكان إن كان PageV02P127 # قديما لزم قدم المخلوق، وإن كان حادثا لزم أن يكون له خلق آخر، فيلزم ~~التسلسل، ويلزم قيام الحوادث. # قد أجابه الناس بأجوبة متعددة، كل على أصله: فطائفة قالت بقدم الخلق دون ~~المخلوق، وعارضوه بالإرادة، فإنه يقول: إنها قديمة مع أن المراد محدث. ~~قالوا: فكذلك الخلق، وهذا جواب كثير من الحنفية والحنبلية والصوفية وأهل ~~الحديث وغيرهم. # وطائفة قالت: بل الخلق لا يفتقر إلى خلق آخر، كما أن المخلوق عنده كله لا ~~يفتقر إلى خلق، فإذا لم يفتقر شيء من الحوادث إلى خلق عنده، فأن (1) لا ~~يفتقر الخلق الذي به خلق المخلوق إلى خلق أولى، وهذا جواب كثير من المعتزلة ~~والكرامية وأهل الحديث والصوفية وغيرهم. # ثم من هؤلاء من يقول: الخلق قائم به. ومنهم من يقول: قائم بالمخلوق، ~~ومنهم من يقول: قائم لا في محل، كما يقول البصريون من المعتزلة في الإرادة. # وطائفة التزمت التسلسل، ثم هؤلاء صنفان: منهم من قال بوجود معان لا نهاية ~~لها في آن واحد، وهذا قول ابن عباد (2) وأصحابه. PageV02P128 # ومنهم من قال: بل تكون شيئا بعد شيء، وهو قول كثير من أئمة الحديث والسنة ~~وأئمة الفلاسفة. # وأما التسلسل فمن الناس من لم يلتزمه، وقال: كما أنه يجوز عندكم حوادث ~~منفصلة لا ابتداء لها، فكذلك يجوز قيام حوادث بذاته لا ابتداء لها، وهذا ~~قول كثير من الكرامية والمرجئة والهشامية وغيرهم. # ومنهم من قال: بل التسلسل جائز في الآثار دون المؤثرات، والتزم أنه يقوم ~~بذاته ما لا يتناهى شيئا بعد شيء، ويقول: إنه لم يزل متكلما بمشيئته ولا ~~نهاية لكلماته، وهذا قول أئمة الحديث وكثير من النظار. # والكلام على قيام الأمور الاختيارية بذاته مبسوط في موضع آخر. # (1 فهذا قول المعتزلة والشيعة الموافقين لهم، وهو قول باطل ; لأن صفة ~~الإله لا يجب أن تكون إلها، كما أن صفة النبي لا يجب أن تكون نبيا 1) (1) . ~~PageV02P129 # وإذا كانت صفة النبي المحدث] (1) موافقة ms0324 (2) له في الحدوث، لم يلزم أن ~~تكون نبيا مثله، فكذلك صفة الرب اللازمة له إذا كانت قديمة بقدمه لم يلزم ~~أن تكون إلها مثله. # فهؤلاء مذهبهم (3) نفي صفات الكمال (4) اللازمة لذاته، وشبهتهم التي أشار ~~إليها (5) ، أنها لو كانت قديمة لكان القديم أكثر من واحد، كما يقول ابن ~~سينا وأمثاله. # وأخذ ذلك ابن سينا وأمثاله من المتفلسفة عن المعتزلة، فقالوا (6) : لو ~~كان له صفة واجبة (7) لكان الواجب أكثر من واحد، وهذا تلبيس، فإنهم إن ~~أرادوا أن يكون الإله القديم، أو الإله الواجب، أكثر من واحد، فالتلازم (8) ~~باطل، فليس يجب أن تكون صفة الإله إلها، ولا صفة الإنسان إنسانا، ولا صفة ~~النبي نبيا، [ولا صفة الحيوان حيوانا] (9) . # وإن أرادوا أن الصفة توصف بالقدم (* كما يوصف الموصوف بالقدم، فهو كقول ~~(10) القائل: توصف صفة المحدث بالحدوث *) (11) ، كما يوصف الموصوف بالحدوث. ~~PageV02P130 # وكذلك إذا قيل: توصف بالوجوب (1 كما يوصف الموصوف بالوجوب 1) (1) ، فليس ~~المراد أنها (2) : توصف بوجوب أو قدم أو حدوث (3) على سبيل الاستقلال، فإن ~~الصفة لا تقوم بنفسها ولا تستقل بذاتها، ولكن المراد أنها (4) قديمة واجبة ~~بقدوم الموصوف ووجوبه، إذا عني بالواجب ما لا فاعل له، وعني بالقديم (5) ما ~~لا أول له، وهذا حق لا محذور فيه. # [وقد بسط الكلام على هذا بسطا مستوفى في مواضع، بين ما في لفظ " واجب ~~الوجود " و " القديم " من الإجمال، وشبهة نفاة الصفات، وهو لم يذكر هنا إلا ~~شيئا مختصرا، قد ذكرنا ما يناسب هذا الموضع. # وبينا في موضع آخر أن لفظ " القديم " و " واجب الوجود " فيه إجمال. فإذا ~~أريد بالقديم القائم بنفسه، أو الفاعل القديم، أو الرب القديم، ونحو ذلك، ~~فالصفة ليست قديمة بهذا الاعتبار، بل هي صفة القديم. وإذا أريد مالا ابتداء ~~له، ولم يسبقه عدم مطلقا فالصفة قديمة. # وكذلك لفظ " واجب الوجود " إن أريد به القائم بنفسه الموجود بنفسه، ~~فالصفة ليست واجبة، بل هي صفة واجب الوجود، وإن أريد ما لا فاعل له، أو ما ~~ليس له علة فاعلة، فالصفة واجبة الوجود، وإن أريد به مالا تعلق ms0325 له بغيره، ~~فليس في الوجود واجب الوجود بهذا الاعتبار، فإن PageV02P131 # البارئ تعالى خالق لكل ما سواه، فله تعلق (1) بمخلوقاته، وذاته ملازمة ~~لصفاته، وصفاته ملازمة لذاته، وكل من صفاته اللازمة ملازمة لصفته الأخرى. # وبينا أن واجب الوجود الذي دلت عليه الممكنات، والقديم الذي دلت عليه ~~المحدثات، الذي هو الخالق الموجود بنفسه، الذي لم يزل ولا يزال ويمتنع ~~عدمه، فإن تسمية الرب واجبا بذاته وجعل ما سواه ممكنا، ليس هو قول أرسطو ~~وقدماء الفلاسفة، ولكن كانوا يسمونه مبدءا وعلة، ويثبتونه من جهة الحركة ~~الفلكية، فيقولون: إن الفلك يتحرك للتشبه به. # فركب ابن سينا وأمثاله مذهبا من قول أولئك وقول المعتزلة، فلما قالت ~~المعتزلة: الموجود ينقسم إلى قديم وحادث، وإن القديم لا صفة له، قال هؤلاء: ~~إنه ينقسم إلى واجب وممكن، والواجب لا صفة له، ولما قال أولئك: يمتنع تعدد ~~القديم، قال هؤلاء: يمتنع تعدد الواجب] (2) . ### | التعليق على قوله أن كل ما سواه محدث # وأما قوله: " إن [كل] (3) ما سواه محدث " (4) فهذا حق، والضمير في " ما ~~سواه " عائد إلى الله، وهو إذا ذكر باسم مظهر PageV02P132 # أو مضمر، دخل في مسمى اسمه (1) صفاته، فهي لا تخرج (2) عن مسمى أسمائه. # فمن قال: دعوت الله أو عبدته، فهو إنما دعا الحي [القيوم] (3) ، العليم ~~القدير، الموصوف بالعلم والقدرة وسائر صفات الكمال. ### | التعليق على قوله لأنه واحد وليس بجسم ولا جوهر # وأما قوله: " لأنه واحد وليس (4) بجسم " (5) . # فإن أراد بالواحد ما أراده (6) الله ورسوله بمثل (7) قوله: {وإلهكم إله ~~واحد} [سورة البقرة: 163] ، وقوله: {وهو الواحد القهار} [سورة الرعد: 16] ~~(8) [ونحو ذلك] (9) ، فهذا حق. # وإن أراد بالواحد ما تريده الجهمية نفاة الصفات من أنه ذات مجردة عن ~~الصفات، فهذا " الواحد " لا حقيقة له في الخارج، وإنما يقدر في الأذهان لا ~~في الأعيان، ويمتنع وجود ذات مجردة عن الصفات، ويمتنع PageV02P133 # وجود حي عليم (1) قدير لا حياة له ولا علم ولا قدرة، فإثبات الأسماء دون ~~الصفات سفسطة في العقليات وقرمطة في السمعيات. # وكذلك قوله: " ليس بجسم "، لفظ الجسم فيه إجمال. # قد يراد به ms0326 المركب الذي كانت أجزاؤه مفرقة (2) فجمعت، أو ما يقبل التفريق ~~والانفصال، أو المركب من مادة وصورة، [أو المركب من الأجزاء المفردة التي ~~تسمى الجواهر الفردة] (3) . والله [تعالى] (4) منزه عن [ذلك كله] : عن أن ~~يكون كان متفرقا فاجتمع (5) ، أو أن يقبل التفريق والتجزئة التي هي مفارقة ~~(6) بعض الشيء بعضا وانفصاله عنه، أو غير ذلك من التركيب الممتنع [عليه] ~~(7) . # وقد يراد بالجسم ما يشار إليه، أو ما يرى، أو ما تقوم به الصفات ; والله ~~تعالى يرى في الآخرة، وتقوم به الصفات، ويشير إليه الناس عند الدعاء ~~بأيديهم وقلوبهم (8) ووجوههم وأعينهم. # فإن أراد بقوله: " ليس بجسم " هذا المعنى. PageV02P134 # قيل له: (* هذا المعنى الذي قصدت نفيه (1) بهذا اللفظ معنى ثابت بصحيح ~~المنقول وصريح المعقول، وأنت لم تقم دليلا على نفيه. # وأما اللفظ فبدعة نفيا وإثباتا، فليس في الكتاب ولا السنة ولا قول أحد من ~~سلف الأمة وأئمتها إطلاق لفظ " الجسم " في صفات الله تعالى، لا نفيا ولا ~~إثباتا. # وكذلك لفظ " الجوهر " و " المتحيز " ونحو ذلك من الألفاظ التي تنازع أهل ~~الكلام المحدث فيها نفيا وإثباتا. # وإن قال:. . كل ما يشار إليه ويرى وترفع إليه الأيدي، فإنه لا يكون إلا ~~جسما مركبا من الجواهر الفردة (2) ، أو من المادة والصورة. # قيل له: هذا محل نزاع، فأكثر العقلاء ينفون ذلك، وأنت لم تذكر على ذلك ~~دليلا، وهذا منتهى نظر النفاة، فإن عامة ما عندهم أن تقوم به الصفات، ويقوم ~~به الكلام والإرادة والأفعال، وما يمكن رؤيته بالأبصار لا يكون إلا جسما ~~مركبا من الجواهر الفردة (3) ، أو من المادة والصورة، وما يذكرونه من ~~العبارة فإلى هذا يعود. # وقد تنوعت طرق أهل الإثبات في الرد عليهم، فمنهم من سلم لهم أنه يقوم به ~~الأمور الاختيارية من الأفعال وغيرها ولا يكون إلا جسما، ونازعهم فيما يقوم ~~به من الصفات التي لا يتعلق منها شيء بالمشيئة والقدرة. PageV02P135 # ومنهم من نازعهم في هذا وهذا، وقال: بل لا يكون هذا جسما ولا هذا جسما، ~~ومنهم من سلم لهم أنه جسم، ونازعهم في كون ms0327 القديم ليس بجسم. # وحقيقة الأمر أن لفظ " الجسم " فيه منازعات لفظية ومعنوية، والمنازعات ~~(1) اللفظية غير معتبرة في المعاني العقلية، وأما المنازعات المعنوية فمثل ~~تنازع الناس فيما يشار إليه إشارة حسية: هل يجب أن يكون مركبا من الجواهر ~~الفردة (2) ، أو من المادة والصورة، أو لا يجب واحد منهما، فذهب كثير من ~~النظار من المعتزلة والأشعرية (3) ومن وافقهم إلى أنه لا بد أن يكون مركبا ~~من الجواهر الفردة (4) ، ثم جمهور هؤلاء قالوا: إنه مركب من جواهر متناهية، ~~وقال بعض (5) النظار: بل من جواهر غير متناهية (6) . # وذهب كثير من النظار من المتفلسفة إلى أنه يجب أن يكون مركبا من المادة ~~والصورة، ثم من الفلاسفة من طرد هذا في جميع الأجسام كابن PageV02P136 # سينا، ومنهم من قال بل هذا في الأجسام العنصرية دون الفلكية، وزعم أن هذا ~~قول أرسطو والقدماء. # وكثير من المصنفين لا يذكر إلا هذين القولين، ولهذا كان من لم يعرف إلا ~~هذه المصنفات لا يعرف إلا هذين القولين. # والقول الثالث: قول جماهير العقلاء وأكثر طوائف النظار: أنه ليس مركبا لا ~~من هذا ولا من هذا، وهذا قول ابن كلاب إمام الأشعري وغيره، وهو قول كثير من ~~الكرامية، وهو قول الهشامية، والنجارية (1) والضرارية (2) . PageV02P137 # ثم هؤلاء منهم من قال: ينتهي بالتقسيم إلى جزء لا يتجزأ، كقول الشهرستاني ~~وغيره، ومنهم من قال: بل لا يزال قابلا للانقسام إلى أن يصغر فيستحيل معه ~~(1) تمييز بعضه عن بعض، كما قال ذلك من قال من الكرامية وغيرهم من نظار ~~المسلمين، وهو قول من قاله من أساطين الفلاسفة، مع قول بعضهم: إنه مركب من ~~المادة والصورة. # وبعض المصنفين في الكلام يجعل إثبات الجوهر الفرد هو قول المسلمين، وأن ~~نفيه هو قول الملحدين. # وهذا لأن هؤلاء لم يعرفوا من الأقوال المنسوبة إلى المسلمين إلا ما وجدوه ~~في كتب شيوخهم أهل الكلام المحدث في الدين الذي ذمه السلف والأئمة، كقول ~~أبي يوسف: من طلب العلم بالكلام تزندق (2) ; وقول الشافعي: حكمي في أهل ~~الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال PageV02P138 # ويطاف بهم في العشائر ms0328 والقبائل، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، ~~وأقبل على الكلام (1) وكقول أحمد بن حنبل: علماء الكلام زنادقة (2) ، ~~وقوله: ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح (3) ، وأمثال ذلك. # وإلا فالقول بأن الأجسام مركبة من الجواهر المنفردة قول لا يعرف عن أحد ~~من أئمة المسلمين، لا من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان، ولا من بعدهم من ~~الأئمة المعروفين، بل القائلون بذلك يقولون: إن الله تعالى لم يخلق منذ خلق ~~الجواهر المنفردة شيئا قائما بنفسه، لا سماء ولا أرضا، ولا حيوانا ولا ~~نباتا، ولا معادن، ولا إنسانا ولا غير إنسان، بل إنما يحدث تركيب تلك ~~الجواهر القديمة فيجمعها ويفرقها، فإنما يحدث أعراضا قائمة بتلك الجواهر، ~~لا أعيانا قائمة بأنفسها. فيقولون: إنه إذا خلق السحاب والمطر والإنسان، ~~وغيره من الحيوان والأشجار والنبات والثمار، لم يخلق عينا قائمة بنفسها، ~~وإنما خلق أعراضا قائمة بغيرها. وهذا خلاف ما دل عليه السمع والعقل ~~والعيان، ووجود جواهر لا تقبل القسمة منفردة عن الأجسام مما يعلم بطلانه ~~بالعقل والحس، فضلا عن أن يكون الله تعالى لم يخلق عينا قائمة بنفسها إلا ~~ذلك، وهؤلاء PageV02P139 # يقولون: إن الأجسام لا يستحيل بعضها إلى بعض، بل الجواهر التي كانت مثلا ~~في الأول هي بعينها باقية في الثاني، وإنما تغيرت أعراضها. # وهذا خلاف ما أجمع عليه العلماء - أئمة الدين وغيرهم من العقلاء - من ~~استحالة بعض الأجسام إلى بعض، كاستحالة الإنسان وغيره من الحيوان بالموت ~~ترابا، واستحالة الدم والميتة والخنزير وغيرها من الأجسام النجسة ملحا أو ~~رمادا، واستحالة العذرات ترابا، واستحالة العصير خمرا، ثم استحالة الخمر ~~خلا، واستحالة ما يأكله الإنسان ويشربه بولا ودما وغائطا ونحو ذلك، وقد ~~تكلم علماء المسلمين في النجاسة: هل تطهر بالاستحالة أم لا؟ ولم ينكر أحد ~~منهم الاستحالة. # ومثبتة الجوهر الفرد قد فرعوا عليه من المقالات التي يعلم العقلاء فسادها ~~ببديهة العقل ما ليس هذا موضع بسطه، مثل تفليك الرحى والدولاب والفلك وسائر ~~الأجسام المستديرة المتحركة (1) ، وقول من قال منهم: إن الفاعل المختار ~~يفعل كلما تحركت، ومثل قول كثير منهم: PageV02P140 # إن ms0329 الإنسان إذا مات فجميع جواهره باقية قد تفرقت، ثم عند الإعادة يجمعها ~~الله تعالى. # ولهذا صار كثير من حذاقهم إلى التوقف في آخر أمرهم، كأبي الحسين البصري ~~(1) وأبي المعالي الجويني وأبي عبد الله الرازي، وكذلك ابن عقيل والغزالي ~~وأمثالهما من النظار الذين تبين لهم فساد أقوال هؤلاء، يذمون أقوال هؤلاء ~~يقولون: إن أحسن أمرهم الشك، وإن كانوا قد وافقوهم في كثير من مصنفاتهم على ~~كثير مما قالوه من الباطل، وبسط الكلام على فساد قول القائلين بتركيب ~~الجواهر الفردة (2) المحسوسة أو الجواهر المعقولة له موضع آخر. # وكذلك ما يثبته المشاءون من الجواهر العقلية: كالعقول والنفوس المجردة، ~~كالمادة والمدة والمثل الأفلاطونية، والأعداد المجردة التي يثبتها - أو ~~بعضها - كثير من المشائين أتباع فيثاغورس وأفلاطون (3) وأرسطو. وإذا حقق ~~الأمر عليهم لم يكن لما أثبتوه من العقليات وجود إلا في الأذهان لا في ~~الأعيان، وهذا لبسطه موضع آخر (4) ، وهذا المصنف لم يذكر لقوله إلا مجرد ~~الدعوى، فلذلك لم نبسط القول فيه. # وإنما المقصود التنبيه على أن آخر ما ينتهى إليه أصل هؤلاء - الذي ~~PageV02P141 # نفوا به ما ثبت (1) بالكتاب والسنة وإجماع السلف، بل ولما ثبت بالفطرة ~~العقلية التي اشترك فيها جميع أهل الفطر التي لم تفسد فطرتهم بما تلقنوه من ~~الأقوال الفاسدة، بل ولما ثبت بالبراهين العقلية - فالذي ينتهي إليه أصلهم ~~هو أنه لو كان متصفا بالصفات، أو متكلما بكلام يقوم به، ومريدا بما يقوم به ~~من الإرادة الحسية، وكانت رؤيته (ممكنة) في الدنيا أو في الآخرة (2) ، لكان ~~مركبا من الجواهر المفردة الحسية أو الجواهر العقلية: المادة والصورة. # وهذا التلازم باطل عند جماهير العقلاء فيما نشاهد، فإن الناس يرون ~~الكواكب وغيرها من الأجسام، وهي عند جماهير العقلاء ليست مركبة لا من هذا ~~ولا من هذا. # ولو قدر أن هذا التلازم حق، فليس في حججهم حجة صحيحة يوجب انتفاؤها ~~اللازم، بل كل من الطائفتين تطعن في حجج الفريق الآخر وتبين فسادها، فأولئك ~~يقولون: إن كل ما كان كذلك فهو محدث. ومنازعوهم يطعنون في المقدمتين ~~ويبينون فسادهما، والآخرون ms0330 يقولون: إن كل مركب فهو مفتقر إلى أجزائه، ~~وأجزاؤه غيره، فكل مركب مفتقر إلى غيره، ومنازعوهم يثبتون فساد هذه الحجة ~~وما فيها من الألفاظ المجملة والمعاني المتشابهة، كما قد بسط في موضع آخر. # ولهذا يقول من يقول من العقلاء العارفين بحقيقة قول هؤلاء وهؤلاء: ~~PageV02P142 # إن الواحد الذي يثبته هؤلاء لا يتحقق إلا في الأذهان لا في الأعيان. # ولهذا لما بنى (1) الفلاسفة الدهرية على قولهم بأن الواحد لا يصدر عنه ~~إلا واحد، كان من أول ما يبين فساد قولهم أن الواحد الذي ادعوا فيه ما ~~ادعوا لا حقيقة له في الخارج، بل يمتنع (2) وجوده فيه، وإنما يقدر في ~~الأذهان كما يقدر سائر الممتنعات. # وكذلك سائر الجهمية والمعتزلة نفاة الصفات لما أثبتوا واحدا لا يتصف بشيء ~~من الصفات، كانوا عند أئمة العلم الذين يعرفون حقيقة قولهم، إنما توحيدهم ~~تعطيل مستلزم لنفي الخالق، وإن كانوا قد أثبتوه فهم متناقضون، جمعوا بين ما ~~يستلزم نفيه وما يستلزم إثباته. # ولهذا وصفهم أئمة الإسلام بالتعطيل، وأنهم دلاسون ولا يثبتون شيئا ولا ~~يعبدون شيئا ونحو ذلك، كما هو موجود في كلام غير واحد من أئمة الإسلام، مثل ~~عبد العزيز بن الماجشون (3) وعبد الله بن المبارك (4) وحماد PageV02P143 # بن زيد (1) ومحمد بن الحسن (2) وأحمد بن حنبل وغير هؤلاء *) (3) ولا بد ~~للدعوى من دليل. ### | التعليق على قوله ولا في مكان # وكذلك قوله: " ولا (4) في مكان " (5) . # فقد يراد بالمكان (6) ما يحوي الشيء ويحيط به (7) ، [وقد يراد به ما ~~يستقر الشيء عليه بحيث يكون محتاجا إليه، وقد يراد به ما كان الشيء فوقه ~~وإن لم يكن محتاجا إليه] (8) ، وقد يراد به ما فوق [العالم] (9) وإن لم يكن ~~شيئا موجودا. PageV02P144 # فإن قيل: هو في مكان بمعنى (1) إحاطة غيره به وافتقاره إلى غيره. # فالله منزه عن الحاجة إلى الغير وإحاطة الغير به ونحو ذلك. # وإن أريد بالمكان ما فوق العالم وما هو الرب فوقه؛ قيل: [إذا لم يكن] (2) ~~إلا خالق أو مخلوق، والخالق بائن من المخلوق (3) ، كان هو الظاهر الذي ليس ~~فوقه شيء. # وإذا ms0331 قال [القائل] (4) : هو سبحانه فوق سماواته على عرشه (5) بائن من ~~خلقه ; فهذا المعنى حق سواء: سميت ذلك مكانا أو لم تسمه. # وإذا عرف المقصود فمذهب أهل السنة والجماعة (6) ما دل عليه الكتاب والسنة ~~واتفق عليه سلف الأمة، وهو القول (7) المطابق لصحيح المنقول وصريح المعقول. ### | [الكلام على قوله وإلا لكان محدثا] ### | الرد على دليل الرافضة والمعتزلة # وأما قوله: " وإلا لكان محدثا " فمضمونه أنه لو كان جسما أو في مكان لكان ~~محدثا. # [فيقال له: قد بينا ما ينفى عنه من معاني الجسم والمكان، وبينا ما لا ~~يجوز نفيه عنه، وإن سماه بعض الناس جسما ومكانا، لكن ما الدليل على أنه لو ~~كان كذلك لكان محدثا] (8) وأنت (9) لم تذكر دليلا على ذلك؟ PageV02P145 # وكأنه (1) اكتفى بالدليل المشهور الذي يذكره [سلفه] وشيوخه (2) المعتزلة: ~~من أنه لو كان جسما لم يخل عن الحركة والسكون، وما لم يخل (3) عن الحوادث ~~فهو حادث لامتناع حوادث لا أول لها. ثم يقولون: ولو [كان] قام به (4) علم ~~وقدرة وحياة وكلام (5) ونحو ذلك من الصفات لكان جسما. # وهذا الدليل عنه (6) جوابان: أحدهما: أن يقال [له: هو] عندك (7) حي عليم ~~قدير، ومع هذا فليس بجسم عندك، مع أنك لا تعلم حيا عليما قديرا (8) إلا ~~جسما فإن كان قولك (9) حقا أمكن أن يكون له حياة وعلم وقدرة، وأن يكون ~~مباينا للعالم عاليا عليه وليس بجسم. # فإن قلت: لا أعقل مباينا عاليا إلا جسما؛ قيل لك: ولا يعقل حي عليم قدير ~~إلا جسم، فإن أمكن أن يكون مسمى (10) بهذه الأسماء ما ليس بجسم، أمكن أن ~~يتصف بهذه الصفات ما ليس بجسم، وإلا فلا ; لأن الاسم (11) مستلزم للصفة. ~~PageV02P146 # وكذلك إذا قال: لو كان فوق العالم لكان جسما، ولكان إما أكبر من العالم ~~وإما أصغر وإما مساويا له، وكل ذلك ممتنع، فيقال له: إن كثيرا من الناس ~~يقولون: إنه فوق العالم وليس بجسم. # فإذا قال النافي (1) : قول هؤلاء معلوم فساده بضرورة العقل، قيل له: فأنت ~~تقول: إنه موجود قائم بنفسه، وليس بداخل في العالم ولا خارج ms0332 عنه، ولا مباين ~~له ولا محايث (2) له، وأنه لا يقرب منه شيء ولا يبعد منه شيء، [ولا يصعد ~~إليه شيء] (3) ولا ينزل منه شيء، وأمثال ذلك من النفي الذي إذا عرض على ~~الفطرة السليمة جزمت جزما قاطعا أن هذا باطل وأن وجود مثل هذا ممتنع، وكان ~~جزمها ببطلان هذا أقوى من جزمها ببطلان كونه فوق العالم وليس بجسم. # فإن كان حكم الفطرة السليمة مقبولا وجب بطلان مذهبك، فلزم أن يكون فوق ~~العالم، وإن كان مردودا بطل ردك لقول من يقول: إنه فوق العالم وليس بجسم، ~~فإن الفطرة الحاكمة بامتناع هذا هي الحاكمة بامتناع هذا، فيمتنع قبول حكمها ~~في أحد الموضعين دون الآخر. # وذلك أن هؤلاء النفاة يزعمون أن الحكم بهذا المنع من حكم الوهم المردود ~~لا من حكم العقل المقبول، ويقولون: إن الوهم هو أن يدرك في المحسوسات (4) ~~ما ليس بمحسوس، كما تدرك الشاة عداوة الذئب PageV02P147 # وتدرك السخلة (1) صداقة أمها، ويقولون: الحكم الفطري الموجود في قلوب بني ~~آدم، بامتناع وجود مثل هذا هو حكم الوهم لا حكم العقل (2) ، فإن حكم الوهم ~~إنما يقبل في المحسوسات لا فيما ليس بمحسوس (3) . # فيقال لهم: إن كان هذا صحيحا فقولكم: إنه يمتنع أن يكون فوق العالم وليس ~~بجسم هو أيضا من حكم الوهم ; لأنه حكم فيما ليس بمحسوس عندكم، وكذلك حكمه ~~بأن كل ما يرى (4) فلا بد أن يكون بجهة من الرائي هو حكم الوهم أيضا. # وكذلك سائر ما يدعون امتناعه على الرب [هو] (5) مثل دعوى امتناع كونه لا ~~مباينا ولا محايثا (6) ، فإن كان حكم الفطرة بهذا الامتناع مقبولا في ~~PageV02P148 # شيء من ذلك قبل في نظيره، وإلا فقبوله في أحد المتماثلين ورده في الآخر ~~تحكم. # وهؤلاء بنوا كلامهم على أصول متناقضة، فإن الوهم عندهم قوة في النفس تدرك ~~في المحسوسات ما ليس بمحسوس، وهذا الوهم لا يدرك إلا معنى جزئيا لا كليا ~~كالحس والتخيل، وأما الأحكام الكلية فهي عقلية، فحكم الفطرة بأن كل موجودين ~~إما متحايثان (1) وإما متباينان، وبأن ما لا يكون داخل العالم ms0333 ولا خارجه لا ~~يكون إلا معدوما، وأنه يمتنع وجود ما هو كذلك، ونحو ذلك، أحكام كلية عقلية، ~~ليست أحكاما جزئية شخصية في جسم معين حتى يقال: إنها من حكم الوهم. # وأيضا فإنهم يقولون: [إن] (2) حكم الوهم فيما ليس بمحسوس باطل ; لأنه ~~إنما يدرك ما في المحسوسات من المعاني التي ليست محسوسة، أي: لا يمكن ~~إحساسها، ومعلوم أن كون رب العالمين لا تمكن رؤيته أو تمكن مسألة مشهورة، ~~[فسلف الأمة] (3) وأئمتها وجمهور نظارها وعامتها على أن الله يمكن رؤيته ~~ورؤية الملائكة والجن وسائر ما يقوم بنفسه، فإذا ادعى المدعي أنه لا يمكن ~~رؤيته ولا رؤية الملائكة (4) التي يسميها هو (5) المجردات PageV02P149 # والنفوس والعقول، فهو يدعي وجود موجود قائم بنفسه لا يمكن الإحساس به ~~بحال. # فإذا احتج عليه بالقضايا الفطرية التي تحكم بها الفطرة كما تحكم بسائر ~~القضايا الفطرية، لم يكن له أن يقول: هذا حكم الوهم فيما ليس بمحسوس، فلا ~~يقبل ; لأن الوهم إنما يدرك ما في المحسوس ; فإنه يقال له: إنما يثبت أن ~~هذا مما لا يمكن أن يرى ويحس به إذا ثبت أن هذا الحكم باطل، وإنما يثبت أن ~~هذا الحكم باطل إذا ثبت وجود موجود لا يمكن أن يرى ويحس به، وأنت لم تثبت ~~هذا الموجود، إلا بدعواك أن هذا الحكم باطل، ولم تثبت أن هذا الحكم باطل ~~(1) إلا بدعواك وجود هذا الموجود، فصار حقيقة قولك دعوى مجردة بلا دليل. # فإذا ثبت امتناع رؤيته بإبطال هذا الحكم، كان هذا دورا ممتنعا، وكنت قد ~~جعلت الشيء مقدمة في إثبات نفسه، فإنه يقال لك: لم تثبت إمكان وجود غير ~~محسوس إن لم تثبت بطلان هذا الحكم، ولا تثبت بطلانه إن لم تثبت موجودا ~~قائما بنفسه لا يمكن رؤيته ولا الإحساس به. # فإذا قلت: الوهم يسلم (2) مقدمات تستلزم ثبوت هذا، قيل لك: ليس الأمر ~~كذلك، فإنه لم يسلم مقدمة مستلزمة لهذا أصلا، بل جميع ما ينبني عليه ثبوت ~~إمكان هذا، وإمكان وجود ما لا يمكن رؤيته ولا يشار إليه، مقدمات متنازع ~~فيها ms0334 بين العقلاء، ليس فيها مقدمة واحدة متفق عليها، فضلا عن أن تكون ~~ضرورية أو حسية يسلمها الوهم. PageV02P150 # ثم يقال لك: إذا جوزت أن يكون في الفطرة حاكمان بديهيان: أحدهما حكمه ~~باطل، والآخر حكمه حق، لم يوثق بشيء من حكم الفطرة، حتى يعلم أن ذلك من حكم ~~الحاكم الحق، ولا يعرف عن ذلك حتى يعرف أنه ليس من الحكم الباطل، ولا يعرف ~~أنه باطل حتى تعرف المقدمات البديهية الفطرية، التي بها يعلم أن ذلك الحكم ~~باطل، فيلزم من هذا (1) أن لا يعرف شيء بحكم الفطرة، فإنه لا يعرف الحق حتى ~~يعرف الباطل، ولا يعرف الباطل حتى يعرف الحق، فلا يعرف الحق بحال. # وأيضا، فالأقيسة القادحة في تلك الأحكام الفطرية البديهية أقيسة نظرية، ~~والنظريات مؤلفة من البديهيات، فلو جاز القدح في البديهيات بالنظريات لزم ~~فساد البديهيات والنظريات، فإن فساد الأصل يستلزم فساد فرعه، فتبين أن من ~~سوغ القدح في القضايا البديهية الأولية [الفطرية بقضايا] نظرية (2) ، فقوله ~~باطل يستلزم فساد العلوم العقلية بل والسمعية. # وأيضا لفظ " الوهم " في اللغة العامة يراد به الخطأ، وأنت أردت به قوة ~~تدرك ما في الأجسام من المعاني التي ليست محسوسة، وحينئذ فالحاكم بهذا ~~الامتناع إن كان حكم به في غير جسم فليس هو الوهم، وإن كان إنما حكم به في ~~جسم فحكمه صادق فيه، فلم قلت: إن هذا هو حكم الوهم فيما لا يقبل حكمه فيه؟ ~~. # ومعلوم أن ما تحكم به (3) الفطرة السليمة من القضايا الكلية المعلومة ~~PageV02P151 # لها، ليس فيها ما يحصل (1) بعضه من حكم الوهم الباطل، وبعضه من حكم العقل ~~الصادق، وإنما يعلم أن الحكم من حكم الوهم الباطل إذا عرف بطلانه، فأما أن ~~يدعي بطلانه بدعوى كونه من حكم الوهم، فهذا غير ممكن، [وبسط هذه الأمور له ~~موضع آخر] (2) . # والمقصود هنا أن هذا المبتدع وأمثاله من نفاة ما أثبته الله ورسوله لنفسه ~~من معاني الأسماء والصفات من الجهمية والمعتزلة، ومن وافقهم من المتفلسفة ~~والرافضة [وغيرهم] (3) ، لا يعتمدون فيما يقولونه على دليل صحيح لا سمعي ~~ولا ms0335 عقلي. # أما السمعيات فليس معهم نص واحد يدل على قولهم [لا قطعا ولا ظاهرا] (4) ، ~~ولكن نصوص الكتاب والسنة متظاهرة على نقيض (5) قولهم، ودالة على ذلك أعظم ~~من دلالتها على المعاد والملائكة وغير ذلك مما أخبر الله به رسوله، ولهذا ~~سلط الله عليهم (6) الدهرية المنكرون للقيامة ولمعاد الأبدان، وقالوا: إذا ~~جاز لكم أن تتأولوا ما ورد في الصفات، جاز لنا أن نتأول ما ورد في المعاد، ~~وقد أجابوهم بأنا قد علمنا ذلك بالاضطرار من دين الرسول. PageV02P152 # فقال لهم أهل الإثبات: وهكذا العلم بالصفات (1) في الجملة هو مما يعلم ~~بالضرورة مجيء الرسول به، وذكره في الكتاب والسنة أعظم من ذكر الملائكة ~~والمعاد، مع أن المشركين من العرب لم تكن تنازع فيه كما كانت تنازع في ~~المعاد، مع أن التوراة مملوءة من ذلك، ولم ينكره الرسول على اليهود كما ~~أنكر عليهم ما حرفوه وما وصفوا به الرب من النقائص كقولهم: {إن الله فقير ~~ونحن أغنياء} [سورة آل عمران: 181] ، و {يد الله مغلولة} [سورة المائدة: ~~64] # [ونحو ذلك] (2) ، وذلك مما يدل على أن الله (3) أظهر في السمع والعقل من ~~المعاد، فإذا كانت نصوص المعاد لا [يجوز] (4) تحريفها فهذا بطريق الأولى، ~~وهذه الأمور مبسوطة في موضع آخر (5) . # والجواب الثاني: (6) أن يقال: هذا الدليل قد عرف ضعفه ; لأنه إذا كان هذا ~~الحادث ليس بدائم، وهذا ليس بدائم باق، يجب أن يكون نوع الحوادث ليست ~~بدائمة (7) باقية كما أنه إذا كان هذا الحادث ليس بباق، [وهذا الحادث ليس ~~بباق] (8) ، يجب أن يكون نوع الحوادث ليس بباق. PageV02P153 # بل هي باقية دائمة في المستقبل في الكتاب (1) والسنة وإجماع سلف الأمة ~~وجمهورها (2) ، كما قال تعالى: {أكلها دائم وظلها} [سورة الرعد: 35] ، ~~والمراد دوام نوعه (3) ، لا دوام كل فرد فرد. # قال تعالى: {لهم فيها نعيم مقيم} [سورة التوبة: 21] ، والمقيم هو نوعه. ~~وقال: {إن هذا لرزقنا ما له من نفاد} [سورة ص: 54] ، والمراد أن نوعه لا ~~ينفد وإن كان كل جزء منه ينفد، أي: ينقضي وينصرم (4) . # وأيضا فإن ذلك يستلزم حدوث الحوادث بلا سبب ms0336، وذلك ممتنع في صريح العقل. ~~وهذا الدليل هو أصل الكلام الذي ذمه السلف وعابوه ; لأنهم رأوه باطلا لا ~~يقيم حقا ولا يهدم باطلا، [وقد تقدم الكلام على هذا في مسألة الحدوث] (5) . # وتمام كشف (6) ذلك أن نقول في: الوجه الخامس (7) : إن الناس عليهم أن ~~يؤمنوا بالله ورسوله، فيصدقوه فيما أخبر، ويطيعوه فيما أمر فهذا أصل ~~السعادة وجماعها. PageV02P154 # والقرآن كله يقرر هذا الأصل قال تعالى: {الم - ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى ~~للمتقين - الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون - ~~والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون - أولئك ~~على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} [سورة البقرة: 1 - 5] ، فقد وصف ~~سبحانه بالهدى والفلاح المؤمنين الموصوفين في هذه الآيات. # وقال تعالى لما أهبط آدم من الجنة: {فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي ~~فلا يضل ولا يشقى - ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة ~~أعمى - قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا - قال كذلك أتتك آياتنا ~~فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} [سورة طه: 123 - 126] ، فقد أخبر أن من اتبع ~~الهدى الذي أتانا منه، وهو ما جاءت به الرسل، فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض ~~عن ذكره، وهو الذكر الذي أنزله، وهو كتبه التي بعث بها رسله (1) ، بدليل ~~أنه قال بعد ذلك: {كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} . # والذكر مصدر يضاف تارة (2) إلى الفاعل وتارة إلى المفعول، كما يقال: دق ~~الثوب، ودق القصار (3) ، ويقال (4) : أكل زيد، وأكل الطعام، PageV02P155 # ويقال: ذكر الله أي: ذكر العبد لله (1) ، ويقال: ذكر الله أي: ذكر الله ~~الذي ذكره هو مثل ذكره عبده (2) ، ومثل القرآن الذي هو (3) ذكره. # وقد يضاف الذكر إضافة الأسماء المحضة، فقوله: {ذكري} إن أضيف إضافة ~~المصادر كان (4) المعنى: الذكر الذي ذكرته، وهو كلامه الذي أنزله، وإن أضيف ~~إضافة الأسماء المحضة، فذكره هو ما اختص به من الذكر، والقرآن مما (5) اختص ~~به من الذكر. # قال تعالى: {وهذا ذكر مبارك أنزلناه} [سورة الأنبياء: 50) وقال: {ما ~~يأتيهم من ذكر من ms0337 ربهم محدث} [سورة الأنبياء: 2] ، وقال: {إن هو إلا ذكر ~~وقرآن مبين} [سورة يس: 69] ، وقال: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل ~~إليهم} [سورة النحل: 44] ، وقال فيما يذكره من (6) ضمان الهدى والفلاح لمن ~~اتبع الكتاب والرسول: {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي ~~أنزل معه أولئك هم المفلحون} [سورة الأعراف: 157] ، وقال: {الر كتاب ~~أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز ~~الحميد} [سورة إبراهيم: 1] ، ونظائره في القرآن كثيرة. ### | الإثبات المفصل لصفات الكمال والنفي المجمل لصفات النقص # وإذا كان كذلك، فالله سبحانه بعث الرسل بما يقتضي الكمال من PageV02P156 # إثبات أسمائه وصفاته على وجه التفصيل، والنفي على طريق الإجمال للنقص ~~والتمثيل، فالرب تعالى (1) موصوف بصفات الكمال [التي لا غاية فوقها، منزه ~~عن النقص بكل وجه ممتنع، وأن يكون له مثيل في شيء من صفات الكمال] (2) ، ~~فأما صفات النقص فهو منزه عنها مطلقا وأما صفات الكمال فلا يماثله - بل ولا ~~يقاربه - (3) فيها شيء من الأشياء. # والتنزيه يجمعه نوعان: نفي النقص، ونفي مماثلة غيره له في صفات الكمال، ~~كما دل على ذلك سورة: {قل هو الله أحد} وغيرها [من القرآن] (4) ، مع دلالة ~~العقل على ذلك، وإرشاد القرآن إلى ما يدل على ذلك من العقل، بل وقد أخبر ~~الله أن في الآخرة من أنواع النعيم ما له شبه (5) في الدنيا، كأنواع ~~المطاعم والمشارب والملابس والمناكح وغير ذلك، وقد قال ابن عباس: ليس في ~~الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء (6) ، فحقائق تلك PageV02P157 # أعظم من حقائق هذه بما (1) لا يعرف قدره، وكلاهما مخلوق، والنعيم [الذي] ~~(2) لا يعرف جنسه قد أجمله الله [سبحانه وتعالى] (3) بقوله: {فلا تعلم نفس ~~ما أخفي لهم من قرة أعين} [سورة السجدة: 17] . # وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[أنه] (4) قال: " «يقول الله ~~تعالى: أعددت (5) لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر ~~على قلب بشر» (6) فإذا كان هذان المخلوقان متفقين في الاسم مع أن بينهما في ~~الحقيقة PageV02P158 # تباينا لا يعرف في الدنيا قدره (1) ، فمن ms0338 المعلوم أن ما يتصف به الرب من ~~صفات الكمال مباين لصفات خلقه، أعظم من مباينة مخلوق لمخلوق، ولهذا قال ~~أعلم (2) الخلق بالله في [الحديث] الصحيح (3) : " «لا أحصي ثناء عليك، أنت ~~كما أثنيت على نفسك» " (4) # وقال في الدعاء [المأثور] (5) الذي رواه أحمد وابن حبان في صحيحه، عن ابن ~~مسعود - رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «ما أصاب ~~عبدا هم قط ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك [ابن عبدك] (6) وابن أمتك، ناصيتي ~~بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو ~~أنزلته في كتابك، أو علمته (7) أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب ~~PageV02P159 # عندك أن تجعل القرآن (1) ربيع قلبي، ونور صدري (2) ، وجلاء حزني، وذهاب ~~همي وغمي ; إلا أذهب الله همه وغمه، وأبدله مكان حزنه فرحا (3) » . قالوا: ~~يا رسول الله! أفلا نتعلمهن؟ قال: بلى، ينبغي لكل من سمعهن أن يتعلمهن " ~~(4) فبين (5) أن لله أسماء استأثر بها في علم الغيب عنده لا يعلمها ملك ولا ~~نبي. # وأسماؤه تتضمن صفاته، ليست أسماء أعلام محضة، كاسمه: العليم، والقدير، ~~والرحيم، والكريم، والمجيد، والسميع، والبصير، وسائر أسمائه الحسنى سبحانه ~~وتعالى. # وهو سبحانه مستحق للكمال المطلق ; لأنه واجب الوجود بنفسه، يمتنع العدم ~~عليه، ويمتنع (6) أن يكون مفتقرا إلى غيره بوجه من الوجوه، إذ لو افتقر إلى ~~غيره بوجه من الوجوه كان محتاجا إلى الغير، والحاجة إما إلى (7) حصول كمال ~~له، وإما إلى دفع ما ينقص كماله، ومن احتاج PageV02P160 # في شيء من كماله إلى غيره لم يكن كماله موجودا بنفسه، بل بذلك الغير، وهو ~~بدون ذلك الكمال ناقص، والناقص لا يكون واجبا بنفسه، بل ممكنا مفتقرا إلى ~~غيره ; لأنه لو كان واجبا بنفسه مع كونه ناقصا مفتقرا إلى كمال من غيره، ~~لكان الذي يعطيه الكمال: إن كان ممكنا فهو مفتقر إلى واجب آخر، والقول في ~~هذا كالقول في الأول، وإن كان واجبا ناقصا، فالقول فيه كالقول في الأول ; ~~وإن كان واجبا كاملا فهذا هو الواجب بنفسه، وذاك ms0339 الذي قدر واجبا ناقصا فهو ~~مفتقر إلى هذا في كماله، وذاك (1) غني عنه، فهذا هو رب ذاك، وذاك عبده، ~~ويمتنع مع كونه مربوبا معبدا أن يكون واجبا، ففرض كونه واجبا ناقصا محال. # وأيضا، فيمتنع أن يكون نفس ما هو واجب بنفسه فيه نقص يفتقر في زواله إلى ~~غيره ; لأن ذلك النقص حينئذ يكون ممكن الوجود وإلا لما قبله، وممكن العدم ~~وإلا لكان لازما له لا يقبل الزوال، والتقدير أنه ممكن (2) زواله بحصول ~~الكمال الممكن الوجود، فإن ما هو ممتنع لا يكون كمالا، وما هو ممكن: فإما ~~أن يكون للواجب أو من الواجب، ويمتنع أن يكون المخلوق أكمل من الخالق، ~~فالخالق (3) الواجب بنفسه أحق بالكمال الممكن الوجود الذي لا نقص فيه، فلا ~~تكون ذاته مستلزمة لذلك الكمال ; فيكون ذلك الكمال - إذا وجد - مفتقرا إليه ~~وإلى ذلك الغير الآخر، يحصل بهما جميعا، وكل منهما واجب بنفسه فلا يكون ~~PageV02P161 # ذلك الأثر لا من هذا ولا من هذا، بل هو شيء (1) منفصل عنهما. # وتحقيق ذلك أن كمال الشيء هو من نفس الشيء وداخل فيه، فالواجب بنفسه لا ~~يكون واجبا إن لم يكن ما هو داخل (2) في نفسه واجب الوجود لا يفتقر فيه إلى ~~سبب منفصل عنه، فمتى افتقر فيما هو داخل فيه إلى سبب منفصل عنه لم تكن نفسه ~~واجبة بنفسه، وما لا يكون داخلا في نفسه، لا يكون من كماله أيضا، بل يكون ~~شيئا مباينا له، وإنما يكون ذلك شيئين: أحدهما واجب بنفسه والآخر شيء قرن ~~به وضم إليه. # وأيضا، فنفس واجب الوجود هو أكمل الموجودات، إذ الواجب أكمل من الممكن ~~بالضرورة، فكل كمال ممكن له: إن كان لازما له امتنع أن يكون كماله مستفادا ~~من غيره، أو أن (3) يحتاج فيه إلى غيره. # وإن لم يكن لازما له: فإن لم يكن قابلا له من قبول غيره من الممكنات له، ~~كان الممكن أكمل من الواجب، وما لا يقبله [لا] (4) واجب ولا ممكن ليس كمالا ~~; وإن كان قابلا له ولم تكن ذاته مستلزمة (5) له، كان ms0340 غيره معطيا له إياه، ~~والمعطي للكمال هو أحق بالكمال، فيكون ذلك المعطي أكمل منه، وواجب الوجود ~~لا يكون غيره أكمل منه. # وإذا قيل: ذلك الغير واجب أيضا. PageV02P162 # فإن لم يكن كاملا بنفسه كان كل منهما معطيا للآخر الكمال، وهذا ممتنع ; ~~[لأنه] (1) يستلزم كون كل من الشيئين مؤثرا في الآخر أثرا لا يحصل إلا بعد ~~تأثير الآخر، فإن هذا لا يفيد ذلك الكمال للآخر حتى يكون كاملا، ولا يكون ~~كاملا حتى يفيده الآخر الكمال، وهذا ممتنع، كما يمتنع أن لا يوجد هذا حتى ~~يوجده (2) ذاك، ولا يوجد ذاك حتى يوجده هذا. # وإن كان ذلك الغير واجبا كاملا بنفسه مكملا لغيره (3) ، والآخر واجب ناقص ~~يحتاج في كماله إلى ذلك الكامل المكمل، كان جزء منه مفتقرا إلى ذاك ; وما ~~افتقر جزء منه إلى غيره لم تكن جملته واجبة بنفسها. # وإيضاح ذلك: أن الواجب بنفسه: إما أن يكون شيئا واحدا لا جزء له، أو يكون ~~أجزاء. فإن كان شيئا واحدا لا جزء له، امتنع أن يكون له بعض، فضلا عن أن ~~يقال: بعضه يفتقر إلى الغير وبعضه لا يفتقر إلى الغير، وامتنع أن يكون ~~شيئين: أحدهما نفسه، والآخر كماله. # وإن قيل: هو جزءان أو أجزاء، كان الواجب هو مجموع تلك الأجزاء، فلا يكون ~~واجبا بنفسه حتى يكون المجموع واجبا بنفسه، (* فمتى كان البعض مفتقرا إلى ~~سبب منفصل عن المجموع لم يكن واجبا بنفسه *) (4) PageV02P163 # وهذا المقام برهان بين لمن تأمله. وبيانه أن الناس متنازعون في إثبات ~~الصفات لله: فأهل السنة يثبتون الصفات لله، وكثير من الفلاسفة والشيعة ~~يوافقهم على ذلك، وأما الجهمية وغيرهم - كالمعتزلة (1) ومن وافقهم من ~~الشيعة والفلاسفة كابن سينا ونحوه - فإنهم ينفون الصفات عن الله تعالى، ~~ويقولون: (2) : إن إثباتها تجسيم وتشبيه وتركيب (3) ### | عمدة الفلاسفة على نفي الصفات هي حجة التركيب # وعمدة ابن سينا [وأمثاله] (4) على نفيها هي (5) حجة التركيب، وهو أنه لو ~~كان له صفة لكان مركبا، والمركب مفتقر إلى جزئيه، وجزءاه (6) غيره، ~~والمفتقر إلى غيره لا يكون واجبا بنفسه. # وقد تكلم الناس ms0341 على إبطال هذه الحجة من وجوه كثيرة بسبب أن لفظ " التركيب ~~" و " الجزء " و " الافتقار " و " الغير " ألفاظ مجملة. # فيراد بالمركب ما ركبه غيره، وما كان متفرقا فاجتمع، وما يقبل التفريق، ~~والله سبحانه منزه عن هذا بالاتفاق، وأما الذات الموصوفة بصفات لازمة لها، ~~فإذا سمى المسمي هذا تركيبا، كان هذا اصطلاحا له ليس هو المفهوم من لفظ ~~المركب. # والبحث إذا كان في المعاني العقلية لم يلتفت فيه إلى اللفظ. PageV02P164 # فيقال: هب أنكم سميتم هذا تركيبا (1) فلا دليل لكم على نفيه. ومن هذا ~~الوجه ناظرهم أبو حامد الغزالي في " التهافت ". # وكذلك لفظ " الجزء " يراد به بعض الشيء الذي ركب منه، كأجزاء المركبات من ~~الأطعمة والنباتات والأبنية (2) ، وبعضه الذي يمكن [فصله] (3) عنه كأعضاء ~~الإنسان، ويراد به صفته اللازمة له كالحيوانية للحيوان والإنسانية للإنسان ~~والناطقية للناطق، ويراد به بعضه الذي لا يمكن تفريقه كجزء الجسم الذي لا ~~يمكن مفارقته له: إما الجوهر الفرد، وإما المادة والصورة عند من يقول بثبوت ~~ذلك [ويقول: إنه] (4) لا يوجد إلا بوجود الجسم، وإما غير ذلك عند من لا ~~يقول بذلك. # فإن الناس متنازعون في الجسم: هل هو مركب من المادة والصورة، أو من ~~الجواهر المنفردة، أو لا من هذا [ولا من هذا] (5) ؟ على ثلاثة أقوال. وأكثر ~~العقلاء على القول الثالث كالهشامية والنجارية والضرارية والكلابية ~~[والأشعرية] (6) وكثير من الكرامية، وكثير من أهل الفقه والحديث والتصوف ~~والمتفلسفة وغيرهم. # والمقصود هنا أن لفظ " الجزء " (7) له عدة معان بحسب PageV02P165 # الاصطلاحات. # وكذلك لفظ " الغير يراد به ما باين (1) الشيء، فصفة الموصوف وجزؤه ليس ~~غيرا له بهذا الاصطلاح، وهذا هو الغالب على الكلابية والأشعرية، وكثير من ~~أهل الحديث والتصوف، والفقهاء أتباع الأئمة الأربعة، وكثير من الشيعة. # وقد يقولون: الغيران ما جاز مفارقة أحدهما الآخر (2) بزمان أو مكان أو ~~وجود، وقد يراد بلفظ " الغير " (3) ما لم يكن هو الآخر، وهذا هو الغالب على ~~اصطلاح المعتزلة والكرامية ومن وافقهم من الشيعة والفلاسفة. # وكذلك لفظ " الافتقار " يراد به [التلازم] (4) ، ويراد به افتقار المعلول ~~إلى علته الفاعلة ms0342، ويراد به افتقاره إلى محله وعلته القابلة (5) . # وهذا اصطلاح المتفلسفة الذين يقسمون لفظ العلة إلى: (* فاعلية وغائية ~~ومادية وصورية، ويقولون: المادة - وهي القابل - والصورة هما علتا الماهية ~~*) (6) ، والفاعل والغاية هما علتا وجود الحقيقة، وأما سائر النظار فلا ~~يسمون المحل الذي هو القابل علة. ### | [مناقشة الحجة التي احتج بها هؤلاء الفلاسفة ومن وافقهم على نفي الصفات] # فهذه الحجة التي احتج بها هؤلاء الفلاسفة ومن وافقهم على نفي الصفات، ~~مؤلفة من ألفاظ مجملة. # فإذا قالوا: " لو كان موصوفا بالعلم والقدرة ونحو ذلك من الصفات ~~PageV02P166 # لكان مركبا، والمركب مفتقر إلى جزئه، وجزؤه غيره (1) ، والمفتقر إلى غيره ~~لا يكون واجبا بنفسه ". # قيل لهم: قولكم: " لكان مركبا ". # إن أردتم به: لكان غيره قد ركبه، أو لكان مجتمعا بعد افتراقه، أو لكان ~~قابلا للتفريق، فاللازم (2) باطل، فإن الكلام هو في (3) الصفات اللازمة ~~للموصوف التي يمتنع وجوده بدونها، فإن الرب [سبحانه] (4) يمتنع أن يكون ~~موجودا وهو ليس بحي ولا عالم ولا قادر، وحياته وعلمه وقدرته صفات لازمة ~~لذاته. # وإن أردتم بالمركب الموصوف (5) أو ما يشبه ذلك. # قيل لكم 11) (6) : ولم 12) (7) قلتم: إن ذلك ممتنع؟ # قولهم: " والمركب مفتقر إلى غيره ". # قيل: أما المركب بالتفسير الأول فهو مفتقر إلى ما يباينه، وهذا ممتنع على ~~الله. وأما الموصوف بصفات الكمال اللازمة لذاته الذي سميتموه أنتم مركبا، ~~فليس في اتصافه هنا بها ما يوجب كونه مفتقرا إلى مباين له. # فإن قلتم: هي غيره، وهو لا يوجد إلا بها، وهذا افتقار إليها. PageV02P167 # قيل لكم (1) : إن أردتم بقولكم: " هي غيره " أنها مباينة له، فذلك باطل ~~(2) . وإن أردتم أنها ليست إياه، قيل لكم (3) : وإذا لم تكن الصفة هي ~~الموصوف فأي محذور في هذا؟ # فإذا قلتم: هو مفتقر إليها. # قيل: أتريدون بالافتقار أنه مفتقر إلى فاعل يفعله، أو محل يقبله؟ أم ~~تريدون أنه مستلزم لها فلا يكون موجودا إلا وهو متصف بها؟ (4 فإن أردتم ~~الأول، كان هذا باطلا، وإن أردتم الثاني، قيل: وأي محذور في هذا؟ # وإن قلتم: هي مفتقرة إليه 4) (4) . # قيل: أتريدون أنها مفتقرة إلى ms0343 فاعل يبدعها، أو (5) إلى محل تكون موصوفة ~~به؟ # أما الثاني فأي محذور فيه؟ وأما الأول فهو باطل (6) ، إذ الصفة اللازمة ~~للموصوف لا يكون فاعلا لها. # وإن قلتم: هو موجب لها، أو علة لها، أو مقتض لها، فالصفة إن كانت واجبة، ~~فالواجب لا يكون معلولا، ويلزم تعدد الواجب وهو الصفة والموصوف ; وإن كانت ~~ممكنة بنفسها، فالممكن بنفسه لا يوجد PageV02P168 # إلا بموجب، فتكون الذات هي الموجبة، والشيء الواحد لا يكون فاعلا وقابلا. # قيل لكم: لفظ الواجب بنفسه والممكن بنفسه قد صار فيه اشتراك في خطابكم، ~~فقد يراد بالواجب بنفسه ما لا مبدع له ولا علة فاعلة، ويراد بالواجب بنفسه ~~(1) ما لا مبدع له ولا محل، ويراد بالواجب بنفسه ما لا يكون له (2) صفة ~~لازمة ولا [يكون] موصوفا ملزوما (3) . # فإن أردتم بالواجب بنفسه ما لا مبدع له ولا علة فاعلة، فالصفة واجبة ~~بنفسها، وإن أردتم ما لا محل له يقوم به فالصفة ليست واجبة بنفسها بل ~~الموصوف هو الواجب بنفسه، وإن أردتم بالواجب ما ليس بملزوم لصفة ولا لازم ~~فهذا لا حقيقة له، بل هذا لا يوجد إلا في الأذهان لا في الأعيان، وأنتم ~~قدرتم شيئا في أذهانكم ووصفتموه بصفات يمتنع معها (4) وجوده، فجعلتم ما هو ~~واجب الوجود بنفسه ممتنع الوجود، وهذه الأمور قد بسطت في غير هذا الموضع. # والغرض هنا (5) التنبيه على هذا، إذ المقصود في هذا المقام يحصل على ~~التقديرين، فنقول: واجب الوجود بنفسه سواء قيل بثبوت الصفات له وسمي ذلك ~~تركيبا أو لم يسم، أو قيل بنفي الصفات عنه، يمتنع أن PageV02P169 # يكون مفتقرا إلى شيء مباين له. وذلك أنه إذا (1) قدر أنه ليس فيه معان ~~متعددة بوجه من الوجوه - كما يظنه من يظنه من نفاة الصفات - فهذا يمتنع أن ~~يكون له كمال مغاير له، وأن يكون شيئين، وحينئذ فلو كان فيه ما هو مفتقر ~~إلى غيره للزم تعدد المعاني فيه، وهذا ممتنع على التقديرين (2) . # وإن قيل: إن فيه معان متعددة ; فواجب الوجود هو مجموع تلك الأمور ~~المتلازمة، إذ يمتنع وجود ms0344 شيء منها دون شيء، وحينئذ فلو افتقر شيء من ذلك ~~المجموع إلى أمر منفصل لم يكن واجب الوجود، فهو سبحانه مستلزم لحياته وعلمه ~~وقدرته وسائر صفات كماله، وهذا هو الموجود الواجب بنفسه، وهذه الصفات لازمة ~~لذاته، وذاته مستلزمة لها، وهي داخلة في مسمى اسم نفسه ; وفي سائر أسمائه ~~تعالى، فإذا كان واجبا بنفسه وهي داخلة في مسمى اسم نفسه (3) لم يكن موجودا ~~إلا بها، فلا يكون مفتقرا فيها إلى شيء مباين له أصلا. # ولو قيل: إنه يفتقر في كونه حيا أو عالما أو قادرا إلى غيره، فذلك الغير: ~~إن كان ممكنا كان مفتقرا إليه، وكان هو سبحانه ربه، فيمتنع أن يكون ذلك ~~مؤثرا فيه ; لأنه يلزم أن يكون هذا مؤثرا في هذا، وهذا مؤثرا في هذا، ~~وتأثير كل منهما في الآخر لا يكون إلا بعد حصول أثره فيه ; لأن التأثير لا ~~يحصل إلا مع كونه حيا عالما قادرا، فلا يكون هذا حيا عالما قادرا ~~PageV02P170 # حتى يجعله الآخر كذلك، (1 ولا يكون هذا حيا عالما قادرا حتى يجعله الآخر ~~كذلك 1) (1) فلا يكون أحدهما حيا عالما قادرا إلا بعد أن يجعل الذي جعله ~~حيا عالما قادرا [حيا عالما قادرا] (2) ، ولا يكون حيا عالما قادرا [إلا ~~بعد كونه حيا علما قادرا] (3) بدرجتين. # وهذا كله مما يعلم امتناعه بصريح العقل، وهو من المعارف الضرورية التي لا ~~ينازع فيها العقلاء، وهذا من الدور القبلي: دور العلل ودور الفاعلين ودور ~~المؤثرين، وهو ممتنع باتفاق العقلاء، بخلاف دور المتلازمين، وهو أنه لا ~~يكون هذا إلا مع هذا (4 ولا يكون هذا إلا مع هذا 4) (4) ، فهذا جائز سواء ~~كانا لا فاعل لهما كصفات [الله] (5) أو كانا مفعولين والمؤثر التام فيهما ~~غيرهما. # وهذا جائز (6) ، فإن الله يخلق الشيئين معا للذين لا يكون أحدهما إلا مع ~~الآخر: كالأبوة والبنوة، فإن الله إذا خلق الولد فنفس خلقه للولد جعل هذا ~~أبا وهذا ابنا، وإحدى الصفتين لم تسبق الأخرى ولا تفارقها، بخلاف ما إذا ~~كان أحد الأمرين هو من تمام المؤثر في الآخر فإن ms0345 هذا ممتنع، فإن الأثر لا ~~يحصل إلا بالمؤثر التام، فلو كان تمام هذا المؤثر من PageV02P171 # تمام ذاك (1) ، وتمام ذاك المؤثر من تمام هذا (2) ، كان كل من التمامين ~~(3) متوقفا على تمام مؤثره، وتمام مؤثره موقوفا عليه نفسه، فإن الأثر لا ~~يوجد إلا بعد تمام مؤثره، فلا (4) يكون كل من الأثرين من تمام نفسه التي تم ~~تأثيرها به، فأن لا يكون من تمام المؤثر في تمامه بطريق الأولى، فإن الشيء ~~إذا امتنع أن يكون علة أو فاعلا أو مؤثرا (* في نفسه، أو في تمام كونه علة ~~ومؤثرا *) (5) وفاعلا له، أو لشيء من تمامات تأثيره ; فلأن يمتنع كونه ~~فاعلا لفاعل نفسه، أو مؤثرا في المؤثر في نفسه وفي تمامات تأثير ذلك، أولى ~~وأحرى. # فتبين أنه يمتنع كون شيئين كل منهما معطيا للآخر) (6) شيئا من صفات ~~الكمال أو شيئا مما به يصير معاونا له على الفعل (7) ، سواء أعطاه كمال علم ~~أو قدرة أو حياة أو غير ذلك، فإن هذا كله يستلزم الدور في تمام الفاعلين ~~وتمام المؤثرين، وهذا ممتنع. # وبهذا يعلم أنه يمتنع أن يكون للعالم صانعان متعاونان لا يفعل أحدهما إلا ~~بمعاونة الآخر، ويمتنع أيضا أن يكونا مستقلين ; لأن PageV02P172 # استقلال أحدهما يناقض استقلال الآخر، وسيأتي بسط هذا (1) . # والمقصود هنا أنه يمتنع أن يكون أحدهما يعطي الآخر كماله، ويمتنع أن يكون ~~الواجب بنفسه مفتقرا في كماله إلى غيره، فيمتنع أن يكون مفتقرا إلى غيره ~~بوجه من الوجوه، فإن الافتقار: إما في تحصيل الكمال، وإما في منع سلبه ~~الكمال، فإنه إذا كان كاملا بنفسه ولا يقدر غيره (2) أن يسلبه كماله، لم ~~يكن محتاجا بوجه من الوجوه، فإن ما ليس كمالا له فوجوده ليس مما يمكن أن ~~يقال: إنه يحتاج [إليه] (3) ؛ إذ حاجة الشيء إلى ما ليس من كماله ممتنعة، ~~وقد تبين أنه لا يحتاج إلى غيره في حصول كماله، وكذلك (4) لا يحتاج في منع ~~سلب الكمال كإدخال نقص عليه، وذلك لأن ذاته (5) إن كانت مستلزمة لذلك ~~الكمال امتنع وجود الملزوم بدون اللازم، فيمتنع أن يسلب ms0346 ذلك الكمال مع كونه ~~واجب الوجود بنفسه، وكون لوازمه يمتنع عدمها. # فإن قيل: إن ذاته لا تستلزم كماله (6) ، كان مفتقرا في حصول ذلك الكمال ~~إلى غيره، وقد تبين أن ذلك ممتنع. # فتبين أنه يمتنع احتياجه إلى غيره في تحصيل شيء أو دفع شيء، وهذا هو ~~المقصود، فإن الحاجة لا تكون إلا لحصول شيء أو دفع PageV02P173 # شيء: إما حاصل يراد إزالته، أو ما لم يحصل بعد فيطلب منعه. ومن كان لا ~~يحتاج (1) إلى غيره في جلب شيء ولا في دفع شيء امتنعت حاجته مطلقا، فتبين ~~أنه غني عن غيره مطلقا. # وأيضا، فلو قدر أنه محتاج إلى الغير، لم يخل: إما أن يقال: إنه يحتاج ~~إليه في شيء (2) من لوازم وجوده، أو شيء من العوارض له. # أما الأول فيمتنع، فإنه لو افتقر إلى غيره في شيء من لوازمه لم يكن ~~موجودا إلا بذلك الغير ; لأن وجود الملزوم بدون اللازم ممتنع، فإذا كان لا ~~يوجد إلا بلازمه، ولازمه لا يوجد إلا بذلك الغير، لم يكن هو موجودا [إلا ~~بذلك الغير، فلا يكون موجودا بنفسه، بل يكون: إن وجد ذلك الغير وجد، وإن لم ~~يوجد لم يوجد، ثم ذلك الغير: إن لم يكن موجودا] (3) بنفسه واجبا بنفسه ~~افتقر إلى فاعل مبدع، فإن كان هو الأول لزم الدور في العلل: وإن كان غيره ~~لزم التسلسل في العلل، وكلاهما ممتنع باتفاق العقلاء كما قد بسط في موضع ~~آخر. # وإن كان ذلك الغير واجبا بنفسه موجودا بنفسه (4) والأول كذلك (5) ، كان ~~كل منهما لا يوجد إلا بوجود الآخر، وكون كل من الشيئين لا يوجد إلا مع ~~الآخر جائز إذا كان لهما سبب غيرهما، كالمتضايفين مثل الأبوة والبنوة، ~~PageV02P174 # فلو كان لهما سبب غيرهما، كانا ممكنين يفتقران (1) إلى واجب بنفسه، ~~والقول فيه كالقول فيهما. # وإذا كانا واجبين بأنفسهما، امتنع أن يكون وجود كل منهما أو وجود شيء من ~~لوازمه بالآخر ; لأن كلا منهما يكون علة أو جزء علة في الآخر، فإن كلا ~~منهما لا يتم إلا بالآخر، وكل منهما لا ms0347 يمكن أن يكون علة ولا جزء علة إلا ~~إذا كان موجودا، وإلا فما لم يوجد لا يكون مؤثرا في غيره ولا فاعلا لغيره، ~~فلا (2) يكون هذا مؤثرا في ذاك حتى يوجد هذا، (* ولا يكون ذاك مؤثرا في هذا ~~حتى يوجد ذاك (3) *) (4) ، فيلزم أن لا يوجد هذا حتى يوجد ذاك (5) ولا يوجد ~~ذاك حتى يوجد هذا، ولا يوجد هذا حتى يوجد مفعول هذا، فيكون هذا فاعل فاعل ~~هذا، وكذلك لا يوجد ذاك حتى يوجد فاعل [ذاك] (6) ، فيكون ذاك فاعل فاعل ~~ذاك. # ومن المعلوم أن كون الشيء علة لنفسه، أو جزء علة لنفسه، أو شرط علة نفسه، ~~ممتنع بأي عبارة عبر عن هذا المعنى، فلا يكون فاعل نفسه، ولا جزءا من ~~الفاعل، ولا شرطا في الفاعل لنفسه، ولا تمام الفاعل لنفسه، ولا يكون مؤثرا ~~في نفسه، ولا تمام المؤثر في نفسه، فالمخلوق PageV02P175 # لا يكون رب نفسه، ولا يحتاج الرب نفسه بوجه من الوجوه إليه في خلقه (1) ؛ ~~إذ لو احتاج إليه في خلقه لم يخلقه حتى يكون، ولا يكون حتى يخلقه، فيلزم ~~الدور القبلي لا المعي (2) . # وإذا لم يكن مؤثرا في نفسه فلا يكون مؤثرا في المؤثر في نفسه (* بطريق ~~الأولى، فإذا قدر واجبان كل واحد منهما له تأثير ما في الآخر، لزم أن يكون ~~كل منهما مؤثرا في المؤثر في نفسه *) (3) وهذا ممتنع [كما تبين] (4) ، ~~فيمتنع تقدير واجبين كل منهما مؤثر في الآخر بوجه من الوجوه، فامتنع أن ~~يكون الواجب بنفسه مفتقرا في شيء من لوازمه إلى غيره، سواء قدر أنه واجب أو ~~ممكن. # وهذا مما يعلم به امتناع أن يكون للعالم صانعان، فإن الصانعين إن كانا ~~مستقلين كل منهما فعل الجميع، كان هذا متناقضا [ممتنعا] (5) لذاته، فإن فعل ~~أحدهما للبعض يمنع استقلال الآخر به، فكيف باستقلاله به؟ ! # ولهذا اتفق العقلاء (6) على امتناع اجتماع مؤثرين تامين في أثر واحد ; ~~لأن ذلك جمع بين النقيضين؛ إذ كونه (7) وجد بهذا وحده يناقض كونه ~~PageV02P176 # وجد بالآخر وحده، وإن كانا متشاركين متعاونين، فإن كان فعل كل ms0348 واحد (1) ~~منهما مستغنيا عن فعل الآخر وجب أن يذهب كل إله بما خلق، فتميز مفعول هذا ~~[عن مفعول هذا] (2) ، ولا يحتاج إلى الارتباط به، وليس الأمر كذلك، بل ~~العالم كله متعلق بعضه ببعض، هذا مخلوق من هذا وهذا [مخلوق] من هذا (3) ، ~~وهذا محتاج إلى هذا من جهة كذا، وهذا محتاج إلى هذا من جهة كذا، لا يتم شيء ~~من أمور العالم إلا بشيء [آخر منه] (4) . # وهذا يدل على أن العالم كله فقير إلى غيره لما فيه من الحاجة، ويدل على ~~أنه ليس فيه فعل لاثنين، بل كله مفتقر إلى واحد. # فالفلك الأطلس الذي هو أعلى الأفلاك في جوفه سائر الأفلاك، والعناصر ~~والمولدات والأفلاك متحركات بحركات مختلفة [مخالفة] (5) لحركة التاسع، فلا ~~يجوز أن تكون حركته هي سبب تلك الحركات المخالفة لحركته إلى (6) جهة أخرى ~~أكثر مما (7) يقال: إن الحركة الشرقية هو سببها، وأما الحركات الغربية فهي ~~مضادة لجهة حركته، فلا يكون هو سببها، [وهذا] (8) مما يسلمه هؤلاء (9) ~~PageV02P177 # وأيضا فالأفلاك في جوفه بغير اختياره، ومن جعل غيره فيه بغير اختياره كان ~~مقهورا مدبرا، كالإنسان الذي جعل في باطنه أحشاؤه، فلا يكون واجبا بنفسه، ~~فأقل درجات الواجب بنفسه أن لا يكون مقهورا مدبرا، [فإنه إذا كان مقهورا ~~مدبرا] (1) كان مربوبا أثر فيه غيره، ومن أثر فيه غيره كان وجوده (2) ~~متوقفا على وجود ذلك الغير، سواء كان الأثر كمالا أو نقصا، فإنه إذا (3) ~~كان زيادة كان كماله موقوفا على الغير، وكماله منه فلا يكون موجودا بنفسه، ~~وإن كان نقصا [كان غيره قد] (4) نقصه، ومن نقصه غيره لم يكن ما نقصه هو ~~واجب الوجود بنفسه (5) ، فإن [ما] كان (6) واجب الوجود بنفسه يمتنع عدمه، ~~فذاك الجزء المنقوص ليس واجب الوجود (7) ولا من لوازم واجب الوجود، وما لم ~~يكن كذلك لم يكن عدمه نقصا؛ إذ النقص عدم كمال، والكمال الممكن هو من لوازم ~~واجب الوجود كما تقدم، والتقدير أنه نقص، فتبين أن من نقصه غيره شيئا من ~~لوازم وجوده، PageV02P178 # أو أعطاه (1) شيئا من لوازم وجوده، لم يكن ms0349 واجب الوجود بنفسه. # فالفلك الذي قد حشي بأجسام كثيرة بغير اختياره محتاج إلى ذلك الذي حشاه ~~بتلك الأجسام، فإنه إذا كان حشوه كمالا له، لم يوجد كماله إلا بذلك الغير، ~~فلا يكون واجبا بنفسه، وإن كان نقصا فيه كان غيره قد سلبه الكمال الزائل ~~(2) بذلك النقص، فلا تكون ذاته مستلزمة لذلك الكمال، إذا لو استلزمته لعدمت ~~بعدمه، وكماله من تمام نفسه، فإذا كان جزء نفسه غير واجب، لم تكن نفسه ~~واجبة كما تقدم بيانه. # وأيضا، فالفلك الأطلس إن قيل: إنه لا تأثير له (3) في شيء من العالم، وجب ~~أن لا يكون هو المحرك للأفلاك التي فيه، وهي متحركة بحركته، ولها حركة ~~تخالف حركته، فيكون في الفلك الواحد قوة تقتضي حركتين متضادتين، وهذا ممتنع ~~فإن الضدين لا يجتمعان، ولأن المقتضي للشيء لو كان مقتضيا لضده الذي لا ~~يجامعه، لكان فاعلا له غير فاعل [له] (4) ، 8 فإن كان مريدا له [كان مريدا] ~~(5) غير مريد، وهو جمع بين [النقيضين] (6) ، وإن كان له تأثير في تحريك ~~الأفلاك، أو غير ذلك فمعلوم أنه غير مستقل بالتأثير ; لأن تلك الأفلاك لها ~~حركات تخصها من غير تحريكه ; ولأن ما يوجد في الأرض من الآثار لا بد فيه من ~~الأجسام PageV02P179 # العنصرية، وتلك الأجسام إن لم يكن فاعلا لها فهو محتاج إلى ما لم (1) ~~يفعله، وإن قدر أنه المؤثر فيها فليس مؤثرا مستقلا فيها ; لأن الآثار ~~الحاصلة فيها لا تكون (2) إلا باجتماع اتصالات وحركات تحصل بغيره. # فتبين أن تأثيره مشروط بتأثير غيره، وحينئذ فتأثيره من كماله، فإن المؤثر ~~أكمل من غير المؤثر، وهو مفتقر في هذا الكمال إلى غيره، فلا يكون واجبا ~~بنفسه، فتبين أنه ليس واجبا بنفسه من هذين الوجهين، وتبين [أيضا] أن فاعله ~~(3) ليس مستغنيا عن فاعل تلك الأمور التي يحتاج إليها الفلك، لكون الفلك ~~ليس متميزا مستغنيا من كل وجه عن كل ما سواه، بل هو محتاج إلى ما سواه من ~~المصنوعات، فلا يكون واجبا بنفسه، ولا مفعولا لفاعل مستغن عن فاعل ما سواه. ### | امتناع وجود ربين ms0350 للعالم # وإذا كان الأمر في الفلك الأطلس هكذا، فالأمر في غيره أظهر، فأي شيء ~~اعتبرته من العالم (4) وجدته مفتقرا إلى شيء آخر من العالم، فيدلك ذلك مع ~~كونه [ممكنا مفتقرا ليس بواجب بنفسه] (5) على (6) أنه مفتقر إلى فاعل ذلك ~~الآخر (7) ، فلا يكون في العالم فاعلان فعل كل منهما ومفعوله مستغن عن فعل ~~الآخر ومفعوله، وهذا كالإنسان مثلا فإنه يمتنع أن يكون PageV02P180 # الذي خلقه غير الذي خلق ما (1) يحتاج إليه، فالذي خلق مادته كمني الأبوين ~~ودم الأم هو الذي خلقه، والذي خلق الهواء الذي يستنشقه والماء الذي يشربه ~~هو الذي خلقه ; لأن خالق ذلك [لو] (2) كان خالقا غير خالقه، فإن كانا ~~خالقين كل منهما مستغن عن الآخر في فعله ومفعوله، كان ذلك ممتنعا ; لأن ~~الإنسان محتاج إلى المادة والرزق، فلو كان خالق مادته ورزقه غير خالقه، لم ~~يكن مفعول أحدهما مستغنيا عن مفعول الآخر. # فتبين [بذلك] (3) أنه يمتنع أن يكون للعالم فاعلان، مفعول كل منهما مستغن ~~عن مفعول الآخر، كما قال تعالى: {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله ~~إذا لذهب كل إله بما خلق} [سورة المؤمنون: 91] . # ويمتنع (4) أن يكونا مستقلين ; لأنه جمع بين النقيضين، ويمتنع أن يكونا ~~متعاونين متشاركين، كما يوجد ذلك في المخلوقين يتعاونون على المفعولات ; ~~لأنه حينئذ لا يكون أحدهما فاعلا إلا بإعانة الآخر له، وإعانته فعل منه لا ~~يحصل إلا بقدرته، بل [وبعلمه] (5) وإرادته، فلا يكون هذا معينا لذاك حتى ~~يكون ذاك معينا لهذا، ولا يكون ذاك (6) معينا لهذا حتى يكون هذا معينا لذاك ~~; وحينئذ لا يكون هذا معينا لذاك ولا ذاك PageV02P181 # معينا لهذا، كما لا يكون الشيء معينا لنفسه بطريق الأولى، فالقدرة التي ~~بها يفعل الفاعل لا تكون حاصلة بالقدرة التي يفعل بها الفاعل الآخر، بل إما ~~أن تكون (1) من لوازم ذاته، وهي قدرة الله تعالى، أو تكون حاصلة بقدرة غيره ~~كقدرة العبد، فإذا قدر ربان متعاونان (2) لا يفعل أحدهما حتى يعينه الآخر، ~~لم يكن أحدهما قادرا على الفعل بقدرة لازمة لذاته، ولا ms0351 يمكن أن تكون قدرته ~~حاصلة من الآخر ; لأن الآخر لا يجعله قادرا حتى يكون هو قادرا، فإذا لم تكن ~~قدرة واحد منهما من نفسه، لم يكن لأحدهما قدرة بحال. # فتبين امتناع كون العالم له ربان، وتبين امتناع كون واجب الوجود له كمال ~~يستفيده من غيره، وتبين امتناع أن يؤثر في واجب الوجود غيره، وهو سبحانه ~~مستحق للكمال الذي لا غاية فوقه، وذلك الكمال لازم له ; لأن الكمال الذي ~~يكون كمالا [للموجود] (3) ، إما أن يكون واجبا له، أو ممتنعا عليه، أو ~~جائزا عليه، فإن كان واجبا له فهو المطلوب، وإن كان ممتنعا لزم أن يكون ~~الكمال الذي للموجود ممكنا للممكن ممتنعا على الواجب، فيكون الممكن أكمل من ~~الواجب. ### | عود إلى الكلام على اتصاف الله بصفات الكلام # وأيضا، فالممكنات فيها كمالات موجودة، وهي من الواجب بنفسه، والمبدع ~~للكمال المعطي له الخالق له أحق بالكمال؛ إذ الكمال إما وجود، وإما كمال ~~وجود، ومن أبدع الموجود كان أحق بأن يكون موجودا؛ إذ PageV02P182 # المعدوم لا يكون مؤثرا في الموجود (1) ، وهذا كله معلوم. فتبين أن الكمال ~~ليس ممتنعا عليه، وإذا كان جائزا أن يحصل وجائزا أن لا يحصل، لم يكن حاصلا ~~إلا بسبب آخر، فيكون واجب الوجود مفتقرا في كماله إلى غيره، وقد تبين بطلان ~~هذا أيضا. # فتبين أن الكمال لازم لواجب الوجود واجب له يمتنع سلب الكمال عنه، ~~والكمال أمور وجودية، فالأمور العدمية لا تكون كمالا إلا إذا تضمنت أمورا ~~وجودية، إذ العدم المحض ليس بشيء فضلا عن أن يكون كمالا، فإن الله سبحانه ~~إذا ذكر ما يذكره من تنزيهه ونفي النقائص عنه، ذكر ذلك في سياق إثبات صفات ~~الكمال له، كقوله تعالى: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا ~~نوم} [سورة البقرة: 255] فنفي السنة والنوم يتضمن كمال الحياة والقيومية، ~~وهذه من صفات الكمال. # وكذلك قوله: {لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض} [سورة ~~سبأ: 3] ، فإن نفي عزوب ذلك عنه يتضمن علمه به، وعلمه به من صفات الكمال ms0352. # وكذلك قوله: {ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما ~~مسنا من لغوب} [سورة ق: 38] ، فتنزيهه لنفسه عن مس اللغوب يقتضي كمال ~~قدرته، والقدرة من صفات الكمال، فتنزيهه يتضمن كمال حياته وقيامه وعلمه ~~وقدرته، وهكذا نظائر ذلك. # فالرب تعالى موصوف بصفات الكمال التي لا غاية فوقها، إذ كل غاية تفرض ~~كمالا إما أن تكون واجبة له أو ممكنة أو ممتنعة. والقسمان PageV02P183 # الأخيران (1) باطلان فوجب الأول، فهو منزه عن النقص وعن مساواة شيء من ~~الأشياء له في صفات الكمال، بل هذه المساواة هي من النقص أيضا، وذلك لأن ~~المتماثلين يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر، ويجب له ما يجب له، ويمتنع ~~عليه ما يمتنع عليه، فلو قدر أنه ماثل شيئا في شيء من الأشياء، للزم ~~اشتراكهما فيما يجب ويجوز ويمتنع [على] (2) ذلك الشيء، وكل ما سواه ممكن ~~قابل للعدم، بل معدوم مفتقر إلى فاعل وهو مصنوع مربوب محدث، فلو ماثل غيره ~~في شيء من الأشياء، للزم أن يكون هو والشيء الذي ماثله فيه ممكنا قابلا ~~للعدم، بل معدوما مفتقرا إلى فاعل، مصنوعا مربوبا محدثا، وقد تبين أن كماله ~~لازم لذاته لا يمكن أن يكون مفتقرا فيه إلى غيره، فضلا عن أن يكون ممكنا أو ~~مصنوعا أو محدثا، فلو قدر مماثلة غيره له في شيء من الأشياء، للزم كون ~~الشيء الواحد موجودا معدوما، ممكنا واجبا، قديما محدثا، وهذا جمع بين ~~النقيضين. # فالرب تعالى مستحق للكمال على وجه التفصيل كما أخبرت به الرسل، فإن الله ~~[تعالى] (3) أخبر أنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه سميع بصير، ~~وأنه عليم قدير، عزيز حكيم، غفور رحيم، ودود مجيد، وأنه يحب المتقين ~~والمحسنين والصابرين، ويرضى عن (4) الذين PageV02P184 # آمنوا وعملوا الصالحات، ولا يحب الفساد، ولا يرضى لعباده الكفر، وأنه خلق ~~السماوات والأرض [وما بينهما] (1) في ستة أيام ثم استوى على العرش، وأنه ~~كلم موسى تكليما وناداه وناجاه، إلى غير ذلك مما جاء به الكتاب والسنة. # وقال في التنزيه: {ليس كمثله شيء} [سورة الشورى ms0353: 11] ، {هل تعلم له سميا} ~~[سورة مريم: 65) {فلا تضربوا لله الأمثال} [سورة النحل: 74] ، {ولم يكن له ~~كفوا أحد} ، {فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون} [سورة البقرة: 22] فنزه ~~نفسه عن النظير باسم الكفء والمثل والند والسمي (2) . # وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع، وكتبنا رسالة مفردة في قوله: ~~{ليس كمثله شيء} ، وما فيها من الأسرار والمعاني الشريفة (3) . # فهذه طريقة الرسل وأتباعهم من سلف الأمة وأئمتها: إثبات مفصل، ونفي مجمل ~~(4) ، إثبات صفات الكمال على وجه التفصيل، ونفي النقص والتمثيل، كما دل على ~~ذلك سورة: {قل هو الله أحد الله الصمد} ، وهي تعدل ثلث القرآن [كما ثبت ذلك ~~في الحديث PageV02P185 # الصحيح] (1) ، وقد كتبنا تصنيفا [مفردا] في تفسيرها (2) وآخر في كونها ~~تعدل ثلث القرآن (3) . # فاسمه الصمد يتضمن صفات الكمال، كما روى الوالبي، عن ابن عباس [- رضي ~~الله عنهما] (4) أنه قال: [هو] (5) العليم الذي كمل في علمه، والقدير الذي ~~كمل في قدرته، والسيد الذي كمل في سؤدده، والشريف الذي كمل في شرفه، ~~والعظيم الذي كمل في عظمته، والحليم الذي كمل في حلمه، والحكيم الذي كمل في ~~حكمته، وهو الذي كمل في أنواع الشرف والسؤدد، هو الله [سبحانه وتعالى] (6) ~~هذه صفته [لا تنبغي إلا له] (7) . # والأحد يتضمن نفي المثل عنه (8) ، والتنزيه الذي يستحقه [الرب] (9) ~~PageV02P186 # يجمعه نوعان: [أحدهما] (1) نفي النقص عنه، والثاني: نفي مماثلة شيء من ~~الأشياء فيما يستحقه من صفات الكمال، فإثبات صفات الكمال له مع نفي مماثلة ~~غيره له يجمع ذلك، كما دلت عليه هذه السورة. # وأما المخالفون لهم من المشركين والصابئة، ومن اتبعهم من الجهمية ~~والفلاسفة والمعتزلة ونحوهم، فطريقتهم (2) : نفي مفصل وإثبات مجمل، ينفون ~~صفات الكمال، ويثبتون ما لا يوجد إلا في الخيال، فيقولون: [ليس بكذا ولا ~~كذا. فمنهم من يقول] (3) : ليس له صفة ثبوتية، بل إما سلبية، وإما إضافية، ~~وإما مركبة منهما، كما يقوله من يقوله من الصابئة والفلاسفة، كابن سينا ~~وأمثاله، ويقول: هو وجود مطلق بشرط سلب الأمور الثبوتية عنه. ومنهم من ~~يقول: وجود مطلق بشرط الإطلاق. # وقد قرروا في منطقهم ms0354 ما هو معلوم بالعقل الصريح: أن المطلق بشرط الإطلاق ~~إنما وجوده في الأذهان لا في الأعيان، فلا يتصور في الخارج حيوان مطلق بشرط ~~الإطلاق، ولا إنسان مطلق بشرط الإطلاق، ولا جسم مطلق بشرط الإطلاق، فيبقى ~~واجب الوجود ممتنع الوجود في الخارج، وهذا مع أنه تعطيل وجهل وكفر فهو جمع ~~بين النقيضين. # ومن قال: مطلق بشرط سلب الأمور الثبوتية، فهذا أبعد من المطلق بشرط (4) ~~الإطلاق، فإن هذا قيده (5) بسلب الأمور الوجودية (6) دون PageV02P187 # العدمية، وهذا (1) أولى بالعدم مما قيد (2) بسلب الأمور الوجودية ~~والعدمية (3) ، وهو أيضا أبلغ في الامتناع، فإن الموجود المشارك لغيره في ~~الوجود لا يمتاز عنه بوصف عدمي بل بأمر وجودي، فإذا قدر وجود لا يتمير عن ~~غيره إلا بعدم، كان أبلغ في الامتناع من وجود يتميز بسلب الوجود والعدم. # وأيضا، فإن هذا يشارك سائر الموجودات في مسمى الوجود، ويمتاز عنها ~~بالعدم، وهي تمتاز عنه بالوجود، فيكون على قول هؤلاء: أي موجود من الممكنات ~~قدر فهو أكمل من الواجب، وهذا [في] غاية [الفساد] والكفر (4) . # وإن قالوا: هو مطلق لا بشرط، كما يقوله [الصدر] القونوي (5) وأمثاله ~~PageV02P188 # من القائلين بوحدة الوجود، فالمطلق لا بشرط هو موضوع العلم الإلهي (1) ~~عندهم، الذي هو الحكمة العليا والفلسفة الأولى عندهم، فإن الوجود المطلق لا ~~بشرط ينقسم إلى: واجب وممكن، وعلة ومعلول، وجوهر وعرض، وهذا موضوع (2) ~~العلم الأعلى عندهم (3) الناظر في الوجود ولواحقه. # ومن المعلوم أن الوجود المنقسم إلى واجب وممكن لا يكون هو الوجود الواجب ~~المطلق بشرط الإطلاق، وهو الذي يسمونه الكلي الطبيعي، ويتنازعون في وجوده ~~في الخارج، والتحقيق أنه يوجد في الخارج معينا لا كليا، فما هو كلي في ~~الأذهان يوجد في الأعيان، لكن لا يوجد كليا. # فمن قال: الكلي الطبيعي موجود في الخارج، وأراد هذا المعنى فقد أصاب. # وأما إن قال: إن (4) في الخارج ما هو كلي في الخارج - كما يقتضيه كلام ~~كثير من هؤلاء الذين تكلموا في المنطق والإلهيات - وادعى أن في الخارج ~~إنسانا مطلقا كليا، [وفرسا مطلقا كليا] (5) ، وحيوانا مطلقا PageV02P189 # [كليا] (1) ، فهو مخطئ ms0355 خطأ ظاهرا: سواء ادعى أن هذه الكليات مجردة عن ~~الأعيان أزلية - كما يذكرونه عن أفلاطون (2) ويسمون ذلك " المثل ~~الأفلاطونية " أو ادعى أنها لا تكون إلا مقارنة للمعينات، أو ادعى (3) أن ~~المطلق جزء من المعين - كما يذكرونه عن أرسطو وشيعته، كابن سينا وأمثاله - ~~ويقولون: إن النوع مركب من الجنس والفصل، [وإن] الإنسان (4) مركب من ~~الحيوان والناطق، والفرس مركب من الحيوان والصاهل، فإن هذا إن أريد به أن ~~الإنسان متصف بهذا وهذا فهذا حق، ولكن الصفة لا تكون سبب وجود (5) الموصوف ~~ولا متقدمة عليه لا في الحس ولا في العقل، ولا يكون الجوهر القائم بنفسه ~~مركبا من عرضين. # وإن أراد به أن الإنسان الموجود في الخارج فيه جوهران قائمان بأنفسهما: ~~أحدهما الحيوان، والآخر الناطق، فهذا مكابرة للعقل والحس. # وإن أريد بهذا التركيب تركيب الإنسان العقلي المتصور (6) في الأذهان لا ~~الموجود في الأعيان فهذا صحيح، لكن ذلك الإنسان هو بحسب ما يركبه الذهن، ~~فإن ركبه من الحيوان والناطق تركب منهما، وإن ركبه من الحيوان والصاهل تركب ~~منهما، فدعوى المدعي: أن إحدى PageV02P190 # الصفتين (1) ذاتية مقومة للموصوف لا يتحقق بدونها لا في الخارج ولا في ~~الذهن، والأخرى عرضية يتقوم الموصوف بدونها مع كونها مساوية لتلك في اللزوم ~~- تفريق بين المتماثلين. # والفروق التي يذكرونها بين الذاتي والعرضي - اللازم للماهية - هي ثلاثة، ~~وهي فروق منتقضة وهم معترفون بانتقاضها، كما يعترف بذلك ابن سينا ومتبعوه ~~شارحو " الإشارات "، وكما ذكره صاحب " المعتبر " (2) وغيرهم، والكلام على ~~هذا مبسوط في غير هذا الموضع (3) . # وكذلك الكلام على قولهم وقول (4 من وافقهم من 4) (4) القائلين بوحدة ~~الوجود في وجود واجب الوجود مبسوط في غير هذا الموضع، والمقصود هنا كلام ~~جملي على ما جاءت به الرسل صلوات الله [وسلامه] (5) عليهم أجمعين، وهذا كله ~~مبسوط في مواضعه. PageV02P191 # لكن هذا الإمامي لما أخذ يذكر عن طائفته أنهم المصيبون في التوحيد دون ~~غيرهم احتجنا إلى التنبيه على ذلك، فنقول: أما [ما] ذكره [من] لفظ (1) ~~الجسم وما يتبع ذلك، فإن هذا اللفظ لم ينطق به في صفات الله تعالى ms0356 لا كتاب ~~ولا سنة، لا نفيا ولا إثباتا، ولا تكلم به أحد من الصحابة والتابعين ~~وتابعيهم، لا أهل البيت ولا غيرهم. # ولكن لما ابتدعت الجهمية القول بنفي الصفات في آخر (2) الدولة الأموية، ~~ويقال: إن أول من ابتدع ذلك هو الجعد بن درهم معلم مروان بن محمد آخر خلفاء ~~بني أمية، وكان هذا الجعد من حران (3) ، وكان فيها أئمة الصابئة والفلاسفة، ~~والفارابي كان قد أخذ الفلسفة عن متى ثم دخل إلى حران فأخذ ما أخذه منها عن ~~أولئك الصابئة الذين كانوا بحران، وكانوا يعبدون الهياكل العلوية ويبنون ~~(4) : هيكل العلة الأولى، هيكل العقل الأول، هيكل النفس الكلية، هيكل زحل، ~~هيكل المشترى، هيكل المريخ، هيكل الشمس، هيكل الزهرة، هيكل عطارد، هيكل ~~القمر، ويتقربون بما هو معروف عندهم (5) من أنواع العبادات والقرابين ~~والبخورات وغير ذلك (6) . PageV02P192 # وهؤلاء هم أعداء إبراهيم الخليل الذي دعاهم إلى عبادة الله وحده، وكان ~~مولده (1 عند أكثر الناس 1) (1) [إما بالعراق أو] (2) بحران (3 كما في ~~التوراة 3) (3) ، ولهذا ناظرهم في عبادة الكواكب والأصنام، وحكى الله عنه ~~أنه، لما رأى أنه (4) كوكبا {قال هذا ربي} [إلى قوله: {لا أحب الآفلين} ] ~~(5) إلى قوله: {فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال ~~ياقوم إني بريء مما تشركون - إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا ~~وما أنا من المشركين} [سورة الأنعام: 76 - 79] الآيات. # وقد ظن طائفة من الجهمية والمعتزلة وغيرهم أن مراده بقوله: {هذا ربي} أن ~~هذا خالق العالم، وأنه (6) استدل بالأفول - وهو الحركة والانتقال - على عدم ~~ربوبيته، وزعموا أن هذه الحجة هي الدالة على حدوث الأجسام وحدوث العالم. ~~PageV02P193 ### | فساد استدلال الفلاسفة بآيات سورة الأنعام # وهذا غلط من وجوه: أحدها: أن هذا القول لم يقله أحد من العقلاء، لا قوم ~~إبراهيم ولا غيرهم، ولا توهم أحدهم (1) أن كوكبا أو القمر أو الشمس خلق هذا ~~العالم، وإنما كان قوم إبراهيم مشركين يعبدون هذه الكواكب زاعمين أن في ذلك ~~جلب منفعة أو دفع مضرة، على طريقة الكلدانيين (2) والكشدانيين (3) " ~~[وغيرهم من المشركين أهل الهند وغيرهم] (4) ، وعلى ms0357 طريقة هؤلاء صنف الكتاب ~~الذي صنفه أبو عبد الله بن الخطيب الرازي (5) في السحر والطلسمات (6) ودعوة ~~الكواكب (7) ، وهذا دين المشركين من PageV02P194 # الهند والخطا (1) والنبط (2) والكلدانيين والكشدانيين (3) # ولهذا قال الخليل: {ياقوم إني بريء مما تشركون} [سورة الأنعام: 77] وقال: ~~{أفرأيتم ما كنتم تعبدون - أنتم وآباؤكم الأقدمون - فإنهم عدو لي إلا رب ~~العالمين} [سورة الشعراء: 75 - 77] ، وأمثال ذلك. # وأيضا، فالأفول في لغة العرب هو المغيب والاحتجاب، ليس هو الحركة ~~والانتقال (4) . PageV02P195 # وأيضا، فلو كان احتجاجه (1) بالحركة والانتقال لم ينتظر [إلى] (2) أن ~~يغيب، بل كان نفس (3) الحركة التي يشاهدها من حين تطلع إلى أن (4) تغيب هي ~~(5) الأفول. # وأيضا، فحركتها (6) بعد المغيب والاحتجاب غير مشهودة ولا معلومة. # وأيضا، فلو كان قوله: {هذا ربي} أي (7) : هذا رب العالمين، لكانت قصة ~~إبراهيم [عليه السلام] (8) حجة عليهم ; لأنه (9) حينئذ لم تكن الحركة عنده ~~(10) مانعة من كونه رب العالمين، وإنما المانع هو الأفول (11) . # ولما (12) حرف هؤلاء لفظ " الأفول " سلك ابن سينا [هذا المسلك] (13) ~~PageV02P196 # في " إشاراته " (1) فجعل الأفول هو الإمكان، وجعل كل ممكن آفلا، وأن ~~الأفول هوي في حظيرة الإمكان (2) وهذا يستلزم أن يكون ما سوى الله آفلا (3) ~~. # ومعلوم أن هذا من أعظم الافتراء على اللغة والقرآن ومن أعظم القرمطة ولو ~~كان كل ممكن آفلا لم يصح قوله: {فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي ~~فلما أفل قال لا أحب الآفلين} فإن قوله: {فلما أفل} يقتضي حدوث الأفول له، ~~وعلى قول هؤلاء المفترين على اللغة والقرآن: " الأفول " لازم له لم يزل ولا ~~يزال آفلا (4) ، ولو كان مراد إبراهيم بالأفول الإمكان، والإمكان حاصل في ~~الشمس والقمر والكوكب في كل وقت، لم يكن به حاجة إلى أن ينتظر أفولها. # وأيضا، فجعل القديم الأزلي الواجب [بغيره] (5) أزلا وأبدا ممكنا قول ~~انفرد به ابن سينا ومن تابعه (6) ، وهو قول (7) مخالف لجمهور العقلاء من ~~سلفهم وخلفهم (8) . PageV02P197 ### | عود إلى الكلام على معاني لفظ الجسم # والمقصود هنا أنه لما ظهرت الجهمية نفاة الصفات تكلم الناس في " الجسم " ~~وفي إدخال لفظ " الجسم " في أصول الدين وفي التوحيد، وكان ms0358 هذا من الكلام ~~المذموم عند السلف والأئمة، فصار الناس في لفظ " الجسم " على ثلاثة أقوال: # طائفة تقول: إنه جسم، وطائفة تقول: ليس بجسم، وطائفة تمتنع عن إطلاق ~~القول بهذا، وهذا لكونه بدعة في الشرع أو لكونه (1) في العقل يتناول حقا ~~وباطلا، فمنهم من يكف عن التكلم في ذلك، ومنهم من يستفصل المتكلم (2) : فإن ~~ذكر في النفي أو الإثبات (3) معنى صحيحا قبله، وعبر عنه بعبارة شرعية (4) ، ~~لا يعبر عنها بعبارة مكروهة في الشرع ; وإن ذكر معنى باطلا رده. # وذلك أن لفظ " الجسم " فيه اشتراك بين معناه في اللغة ومعانيه المصطلح ~~عليها، وفي المعنى منازعات عقلية، فيطلقه كل قوم بحسب اصطلاحهم وحسب ~~اعتقادهم، فإن الجسم عند أهل اللغة هو البدن، أو البدن ونحوه مما هو غليظ ~~كثيف، هكذا نقله غير واحد من أهل اللغة. # ومنه قوله تعالى: {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم} [سورة المنافقون: 4] وقوله ~~تعالى: {وزاده بسطة في العلم والجسم} [سورة البقرة: 247] . # ثم قد يعنى به نفس الشيء الغليظ الكثيف، وقد يعنى به نفس غلظه وكثافته. ~~PageV02P198 # وعلى هذا فالزيادة في الجسم الذي هو الطول والعرض وهو القدر، وعلى الأول ~~فالزيادة في نفس المقدر الموصوف. # وقد يقال: هذا الثوب له جسم، أي: غلظ وثخن، ولا يسمى الهواء جسما، ولا ~~النفس الخارج من فم (1) الإنسان ونحو ذلك عندهم (2) جسما. # وأما أهل الكلام والفلسفة فالجسم عندهم أعم من ذلك، كما أن لفظ " الجوهر ~~" في اللغة أخص من معناه في اصطلاحهم، فإنهم يعنون بالجوهر ما قام بنفسه أو ~~المتحيز أو ما إذا وجد كان وجوده لا في موضع (3) ، أي: لا في محل يستغني ~~عنه ; والجوهر في اللغة الجوهر المعروف. # ثم قد يعبرون عن الجسم بأنه ما يشار إليه، أو ما يقبل (4) الإشارة الحسية ~~بأنه هنا أو هناك، وقد يعبرون عنه بما قبل الأبعاد الثلاثة: الطول والعرض ~~والعمق، أو بما كان فيه الأبعاد الثلاثة: الطول والعرض والعمق (5) . # ولفظ البعد: الطول (6) والعرض والعمق في اصطلاحهم أعم من PageV02P199 # معناه في اللغة، فإن أهل اللغة يقسمون الأعيان إلى طويل وقصير ms0359، والمسافة ~~والزمان إلى قريب وبعيد، والمنخفض من (1) الأرض إلى عميق وغير عميق. # وهؤلاء عندهم كل ما يراه الإنسان من الأعيان فهو طويل عريض عميق، حتى ~~الحبة - بل الذرة وما هو أصغر من ذرة - هو في اصطلاحهم طويل عريض عميق. # وقد يعبرون عن الجسم بالمركب أو المؤلف (2) ، ومعنى ذلك عندهم أعم من ~~معناه في اللغة، فإن المركب (3) والمؤلف في اللغة ما ركبه مركب أو ألفه ~~مؤلف، كالأدوية المركبة من المعاجين والأشربة ونحو ذلك، وبالمركب ما ركب ~~على غيره أو فيه (4) ، كالباب المركب في موضعه ونحوه. # ومنه قوله تعالى: {في أي صورة ما شاء ركبك} [سورة الانفطار: 8] . ~~وبالتأليف: التوفيق بين القلوب ونحو ذلك. ومنه قوله تعالى: PageV02P200 # {والمؤلفة قلوبهم} [سورة التوبة: 60] ، وقوله: {وألف بين قلوبهم لو أنفقت ~~ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم} ~~[سورة الأنفال: 63] ، وقوله: {إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم ~~بنعمته إخوانا} [سورة آل عمران: 103] . # وللناس اصطلاحات في المؤلف والمركب، كما للنحاة اصطلاح، فقد يعنون بذلك ~~الجملة التامة، وقد يعنون به (1) ما ركب تركيب مزج كبعلبك، وقد يعنون به ~~المضاف وما يشبهه وهو ما ينصب في النداء. # وللمنطقيين ونحوهم من أهل الكلام اصطلاحات أخر يعنون به ما دل جزؤه على ~~جزء معناه، فيدخل في ذلك المضاف إذا قصد به الإضافة دون العلمية، فلا (2) ~~يدخل فيه بعلبك ونحوه. # ومنهم من يسوي بين المؤلف والمركب ومنهم من يفرق بينهما، وهذا كله تأليف ~~في الأقوال. # وأما التأليف في الأعيان، فأولئك إذا قالوا: [إن] (3) الجسم هو المؤلف ~~والمركب، لم يعنوا (4) به ما كان مفترقا فاجتمع ولا ما يقبل التفريق، بل ~~يعنون به ما تميز منه جانب عن جانب، كالشمس والقمر وغيرهما من الأجسام. # وأما المتفلسفة فالمؤلف والمركب عندهم (5) أعم من هذا، يدخلون ~~PageV02P201 # في ذلك تأليفا عقليا لا يوجد في الأعيان، ويدعون أن النوع مؤلف من الجنس ~~والفصل، فإذا قلت: الإنسان حيوان ناطق، قالوا: الإنسان مؤلف من هذين، وإنما ~~هو موصوف بهما. # ثم تنازع (1) هؤلاء في ms0360 الجسم: هل هو مركب من أجزاء لا تقبل القسمة، وهي ~~الجوهر الفرد عندهم، وهو شيء لم يدركه أحد بحسه، وما من شيء نفرضه إلا وهو ~~أصغر منه عند القائلين به ; أو مركب من المادة والصورة تركيبا عقليا؟ # وإذا حقق الأمر عليهم في المادة لم يوجد إلا نفس الجسم وأعراضه: تارة ~~يعنى بالمادة الجسم الذي هو جوهر، والصورة شكله واتصاله القائم به. وتارة ~~يعنى بالصورة نفس الجسم (2) الذي هو الجوهر، وبالمادة القدر المطلق الذي ~~يعم الأجسام كلها، أو يعنى بها ما منه خلق الجسم (3) . # وقد يعنى بالصورة العرضية (4) التي هي الاتصال والشكل القائم به، فالجسم ~~هو المتصل، والصورة هي (5) الاتصال، فالصورة هنا عرض، والمادة الجسم، ~~كالصورة (6) الصناعية: كشكل السرير فإنه صورته (7) والخشب مادته. ~~PageV02P202 # ولفظ المادة والهيولي يعنى به عندهم هذه الصورة الصناعية، وهي عرض يحدث ~~بفعل الآدميين، ويعنى به (1) الصورة الطبيعية وهي نفس الأجسام، وهي جواهر ~~(2) ومادة وما منها خلقت. # وقد يعنى بالمادة [المادة] (3) الكلية وهي ما تشترك فيه الأجسام من القدر ~~ونحوه. # وهذه كليات حاصلة في الأذهان، وهي في الخارج معينة: إما أعراض وإما ~~جواهر. # وقد يعنى بالمادة [المادة] (4) الأزلية وهي المجردة عن الصورة. وهذه ~~يثبتها أفلاطن (5) ، وسائر العقلاء أنكروها، وفي الحقيقة هي ثابتة في الذهن ~~لا في الخارج، والأجسام مشتركة في كون كل واحد (6) منها له قدر يخصه، فهي ~~مشتركة في نوع المقدار لا في عينه، فصارت الأجسام مشتركة في المقدار، ~~فقالوا: بينها مادة مشتركة [وهيولي مشتركة] (7) ، ولم يهتدوا إلى الفرق بين ~~الاشتراك في الكلي المطلق والاشتراك في الشيء المعين، فاشتراك الأجسام في ~~الجسمية والامتداد والمقدار الذي يظن أنه المادة ونحو ذلك، كاشتراك الناس ~~في الإنسانية، واشتراك الحيوانات (8) في الحيوانية. PageV02P203 # وهؤلاء ظنوا أن هذه الكليات (1) موجودة في الخارج مشتركة، وذلك غلط، فإن ~~ما في الخارج ليس فيه اشتراك، بل لكل موجود شيء يخصه لا يشركه فيه غيره، ~~والاشتراك يقع في الأمور العامة الكلية المطلقة، وتلك لا تكون عامة مطلقة ~~كلية إلا في الأذهان لا في الأعيان، فما فيه الاشتراك ms0361 ليس فيه إلا العلم ~~والعقل (2) ، وما به الاختصاص والامتياز - وهو (3) الموجود في الخارج - لا ~~اشتراك فيه، وإنما فيه اشتباه وتماثل يسمى اشتراكا، كالاشتراك في المعنى ~~العام، والانقسام بحسب الاشتراك، فمن لم يفرق بين قسمة الكلي إلى جزئياته، ~~[والكل إلى أجزائه] (4) ، كقسمة الكلمة إلى: اسم، وفعل، وحرف (5) ، وإلا ~~غلط كما غلط كثير من الناس في هذا الموضع. # ولما قالت طائفة من النحاة كالزجاجي (6) وابن جني (7) : الكلام ينقسم ~~PageV02P204 # إلى: اسم، وفعل، وحرف، أو الكلام كله ثلاثة: اسم وفعل وحرف، اعترض على ~~ذلك من لم يعرف مقصودهم، ولم يجعل القسمة نوعين كالجزولي (1) ; حيث قال: كل ~~جنس قسم إلى أنواعه أو أشخاصه (2) ، أو نوع قسم إلى أشخاصه، فاسم المقسوم ~~صادق على الأنواع والأشخاص، وإلا فليست أقساما له. # وكلام أبي البقاء (3) في تفسير ابن جني أقرب ; حيث قال: معناه أجزاء ~~الكلام ونحو ذلك. PageV02P205 # ومن المعلوم أن قسمة كل الشيء الموجود في الخارج إلى أبعاضه وأجزائه، ~~أشهر من قسمة المعنى العام الذي في الذهن إلى أنواعه وأشخاصه، كقوله تعالى: ~~{ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر} [سورة القمر: 28] ، وقوله: ~~{وإذا حضر القسمة أولو القربى} [سورة النساء: 8] وقوله عليه الصلاة ~~والسلام: " «والله إني ما أعطي أحدا (1) ولا أمنع أحدا وإنما أنا قاسم أقسم ~~بينكم» " (2) ، وقوله: " «لا تعضية في الميراث (3) إلا ما حمل القسم» " (4) ~~. وقول الصحابة [رضوان الله PageV02P206 # عليهم] (1) : «قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرض خيبر بين من حضر ~~(2) الحديبية، وقسم غنائم حنين بالجعرانة (3) . مرجعه من الطائف ; وقسم ~~ميراث سعد بن الربيع» (4) . # وقول الفقهاء: باب (5) . قسم الغنائم والفيء والصدقات (6) ، وقسمة ~~الميراث، وباب القسمة، وذكر المشاع والمقسوم، وقسمة الإجبار والتراضي ونحو ~~ذلك. # وقول الحاسب: الضرب والقسمة إنما يراد به قسمة الأعيان الموجودة في ~~الخارج، فيأخذ أحد الشريكين قسما والآخر قسما، وليس (7) كل اسم PageV02P207 # من أسماء المقسوم يجب أن يصدق على كل منهما منفردا، فإذا قسم بينهم جزور ~~فأخذ هذا فخذا وهذا رأسا وهذا ظهرا لم يكن اسم الجزور صادقا على هذه ~~الأبعاض، وكذلك لو قسم بينهم ms0362 شجرة فأخذ هذا نصف ساقها، وهذا نصفا، وهذا ~~أغصانها لم يكن اسم المقسوم صادقا على الأبعاض، ولو قسم بينهم سهم، كما كان ~~الصحابة يقسمون، فيأخذ هذا القدح وهذا النصل، لم يكن هذا [سهما] (1) ولا ~~هذا سهما. # فإذا كان اسم المقسوم لا يقع إلا حال الاجتماع، (2 زال بالانقسام، وإن ~~كان يقال حال الاجتماع 2) (2) والافتراق، كانقسام الماء والتمر ونحو ذلك، ~~صدق فيهما ; وعلى التقديرين فالمقسوم هنا موجودات (3) في الخارج. # وإذا قلنا: الحيوان ينقسم إلى ناطق وبهيم، لم نشر إلى حيوان معين موجود ~~في الخارج فنقسمه قسمين (4) ، بل هذا اللفظ والمعنى يدخل فيه ما كان وما لم ~~يكن [بعد] (5) ويتناول جزئيات لم تخطر بالذهن، فهذه المعاني الكلية لا توجد ~~في الخارج كلية. # فإذا قيل: الأجسام تشترك في مسمى الجسم أو في المقدار المعين (6) أو غير ~~ذلك، كان هذا المشترك معنى كليا، والمقدار المعين PageV02P208 # لهذا الجسم ليس هو (1) المقدار المعين لهذا الجسم المعين (2) وإن كان ~~مساويا له، وأما إن كان أكبر منه فهنا اشتركا (3) في نوع القدر لا في هذا ~~القدر، فالاشتراك الذي بين الأجسام هو في هذه الأمور. # وأما ثبوت شيء موجود في الخارج، هو في هذا الإنسان وهو بعينه في هذا ~~الإنسان، فهو مكابرة سواء في ذلك المادة والحقائق الكلية، ولكن هؤلاء ظنوا ~~ما في الأذهان ثابتا في الأعيان، والكلام على هذا مبسوط في غير هذا الموضع. # والمقصود هنا أن هذا (4) الباب التأليف والتركيب في اصطلاح هؤلاء ~~المتفلسفة من المتكلمين والمنطقيين ومن وافقهم [هو] نوع (5) آخر غير تلك ~~الأنواع، والمركب لا بد له من مفرد. وإذا حقق الأمر على هؤلاء لم يوجد ~~عندهم معنى مفرد يتركب منه هذه المؤلفات، وإنما يوجد ذلك في الأذهان لا في ~~الأعيان، فالبسيط المفرد الذي يقدرونه (6) - كالحيوانية المطلقة والجسمية ~~المطلقة وأمثال ذلك - لا يوجد (7) في الخارج إلا صفات معينة لموصوفات ~~معينة، فهذه الأمور مما تدخل في لفظ المؤلف والمركب بحسب الاصطلاحات ~~الوضعية، مع ما فيها من الاعتبارات العقلية. PageV02P209 # وهم متنازعون في الجسم: هل هو مؤلف من الجواهر ms0363 المفردة (1) التي لا تقبل ~~الانقسام، كما يقوله كثير من أهل الكلام ; أو مؤلف من المادة والصورة، كما ~~يقوله كثير من المتفلسفة ; أو لا مؤلف لا من هذا ولا من هذا، كما يقوله ~~كثير من الطوائف، على ثلاثة أقوال أصحها الثالث. # وكل من أصحاب الأقوال الثلاثة متنازعون هل يقبل القسمة إلى غير نهاية، ~~والصحيح أنه لا يقبل الانقسام إلى غير نهاية، لكن مثبتة الجوهر الفرد ~~يقولون: ينتهي إلى حد لا يقبل القسمة مع وجوده، وليس كذلك، بل إذا تصغرت ~~الأجزاء استحالت، كما في أجزاء الماء إذا تصغرت (2) فإنها تستحيل فتصير (3) ~~هواء، فما دامت موجودة فإنه (4) يتميز منها جانب عن جانب، فلا يوجد شيء لا ~~يتميز بعضه عن بعض، كما يقوله مثبتة الجوهر الفرد، ولا يمكن انقسامه إلى ما ~~لا يتناهى، بل إذا صغر (5) لم يقبل القسمة الموجودة في الخارج، وإن كان ~~بعضه غير البعض الآخر (6) ، بل إذا تصرف (7) فيه بقسمة أو نحوها استحال، ~~فالأجزاء الصغيرة - ولو عظم صغرها - يتميز منها شيء عن شيء في نفسه وفي ~~الحس والعقل، لكن لا يمكن فصل بعضه عن بعض بالتفريق، بل يفسد ويستحيل لضعف ~~قوامه عن احتمال ذلك، وبسط هذا له موضع آخر. PageV02P210 # ثم القائلون بأن الجسم مركب من جواهر منفردة تنازعوا (1) : هل هو جوهر ~~واحد بشرط انضمام مثله إليه، أو جوهران فصاعدا، أو أربعة، أو ستة، أو ~~ثمانية، أو ستة عشر، أو اثنان وثلاثون، على أقوال معروفة لهم. # ففي لفظ الجسم والجوهر والمتحيز من الاصطلاحات والآراء المختلفة ما فيه، ~~فلهذا وغيره لم يسغ إطلاق إثباته ولا نفيه. # بل إذا قال القائل: إن الباري [تعالى] (2) جسم. # قيل له: أتريد أنه مركب من الأجزاء كالذي كان متفرقا فركب؟ أو [أنه يقبل] ~~(3) التفريق: سواء قيل: اجتمع بنفسه، أو جمعه غيره (4) ؟ أو أنه من جنس شيء ~~من المخلوقات؟ أو أنه مركب من المادة والصورة؟ أو من (5) الجواهر المنفردة؟ # فإن قال هذا. # قيل: هذا باطل. # وإن قال: أريد [به] أنه (6) موجود أو قائم بنفسه - كما يذكر عن هشام ~~ومحمد ms0364 بن كرام وغيرهما [ممن أطلق هذا اللفظ] (7) - أو أنه موصوف ~~PageV02P211 # بالصفات، أو أنه يرى في الآخرة، أو أنه يمكن رؤيته، أو أنه مباين للعالم ~~فوقه (1) ، ونحو هذه المعاني الثابتة بالشرع والعقل. # قيل له: هذه معان صحيحة، ولكن (2) إطلاق هذا اللفظ على هذا بدعة في ~~الشرع، مخالف للغة. فاللفظ إذا احتمل المعنى الحق والباطل لم يطلق، بل يجب ~~أن يكون اللفظ مثبتا للحق نافيا للباطل. # وإذا قال: ليس بجسم. # قيل: أتريد بذلك أنه لم يركبه غيره، ولم يكن أجزاء متفرقة فركب (3) ، أو ~~أنه (4) لا يقبل التفريق والتجزئة كالذي ينفصل بعضه عن بعض؟ # أو أنه ليس مركبا من الجواهر المنفردة، ولا من المادة والصورة ونحو هذه ~~المعاني.؟ ### | مناقشة نفاة الصفات إجمالا # أو تريد به شيئا يستلزم نفي اتصافه بالصفات بحيث لا يرى، ولا يتكلم (5) ~~بكلام يقوم به، ولا يباين خلقه، ولا يصعد إليه شيء، ولا ينزل منه شيء، ولا ~~تعرج إليه الملائكة ولا الرسول، ولا ترفع إليه PageV02P212 # الأيدي، ولا يعلو على (1) شيء، ولا يدنو منه شيء، ولا هو داخل (2) العالم ~~ولا خارجه، ولا مباين له ولا محايث (3) له، ونحو ذلك من المعاني السلبية ~~التي لا يعقل أن (4) يتصف بها إلا المعدوم. # فإن قال: أردت الأول. # قيل: المعنى صحيح، لكن المطلقون لهذا النفي أدخلوا فيه (5) هذه المعاني ~~السلبية، ويجعلون ما يوصف به (6) من صفات الكمال الثبوتية مستلزمة لكونه ~~جسما، فكل (7) ما يذكر من الأمور الوجودية يقولون: هذا تجسيم ولا ينتفي (8) ~~ما يسمونه تجسيما إلا بالتعطيل (9) المحض. # ولهذا كل من نفى شيئا قال لمن أثبته: إنه مجسم (10) . # [فغلاة النفاة من الجهمية والباطنية يقولون لمن أثبت له الأسماء الحسنى: ~~إنه مجسم. ومثبتة الأسماء دون الصفات من المعتزلة ونحوهم يقولون لمن أثبت ~~الصفات: إنه مجسم. ومثبتة الصفات دون PageV02P213 # ما يقوم به من الأفعال الاختيارية يقولون لمن أثبت ذلك: إنه مجسم ; وكذلك ~~سائر النفاة. # وكل من نفى ما أثبته الله ورسوله بناء على أن إثباته تجسيم يلزمه فيما ~~أثبته الله ورسوله] (1) . # ومنتهى هؤلاء النفاة إلى إثبات وجود ms0365 مطلق، وذات مجردة عن الصفات، والعقل ~~الصريح يعلم أن الوجود المطلق والذات المجردة عن الصفات إنما يكون في ~~الأذهان لا في الأعيان، فالذهن يجرد هذا ويقدر هذا التوحيد الذي يفرضونه، ~~كما يقدر إنسانا مطلقا وحيوانا مطلقا، ولكن ليس كل ما قدرته الأذهان كان ~~وجوده في الخارج في حيز الإمكان. # ومن هنا يظهر غلط من قصد إثبات إمكان هذا بالتقدير العقلي، كما ذكره ~~الرازي (2) ، فقال (3) : العقل يعلم أن الشيء: إما أن يكون متحيزا، وإما أن ~~يكون قائما بالمتحيز، وإما أن يكون لا متحيزا ولا حالا (4) . PageV02P214 # فيقال له: تقدير العقل لهذه الأقسام لا يقتضي وجودها في الخارج ولا إمكان ~~وجودها في الخارج، فإن هذا مثل أن يقال: الشيء إما أن يكون واجبا، وإما أن ~~يكون ممكنا، وإما أن يكون لا واجبا ولا ممكنا ; والشيء إما أن يكون قديما ~~وإما أن يكون محدثا، وإما أن يكون لا قديما ولا محدثا ; والشيء إما أن يكون ~~قائما بنفسه، وإما [أن يكون] قائما بغيره (1) ، وإما أن يكون لا قائما ~~بنفسه ولا قائما بغيره، والشيء إما أن يكون موجودا، وإما أن يكون معدوما، ~~وإما أن يكون لا موجودا ولا معدوما. # فإن أمثال هذه التقديرات والتقسيمات لا تثبت إمكان الشيء ووجوده في ~~الخارج، بل إمكان الشيء يعلم بوجوده أو بوجود (2) نظيره أو وجود ما يكون ~~الشيء أولى بالوجود من ذلك الذي علم وجوده، أو بنحو ذلك من الطرق. # والإمكان (3) الخارجي يثبت بمثل هذه الطرق، وأما الإمكان الذهني فهو أن ~~لا يعلم امتناع الشيء، ولكن عدم العلم بالامتناع ليس علما بالإمكان. # فإن قال النافي: كل ما اتصف بأنه حي عليم قدير، أو ما كان له حياة وعلم ~~وقدرة، أو ما يجوز أن يرى، أو ما يكون فوق العالم، أو نحو ذلك PageV02P215 # من المعاني التي أثبتها الكتاب والسنة، لا يوصف بها إلا ما هو [جسم] (1) ~~مركب من الجواهر المنفردة (2) أو من المادة والصورة، وذلك ممتنع. # قيل: جمهور العقلاء لا يقولون: إن هذه الأجسام المشهودة - كالسماء ~~والكواكب - مركبة لا من الجواهر ms0366 الفردة (3) ولا من المادة والصورة، فكيف ~~يلزمهم أن يقولوا بلزوم هذا التركيب في رب العالمين؟ ! # وقد بين في غير هذا الموضع فساد حجج الطائفتين وفساد (4) حجج نفيهم لهذين ~~المعنيين، وأن (5) هؤلاء يبطلون حجة هؤلاء الموافقين لهم في الحكم، وهؤلاء ~~يبطلون حجة هؤلاء، فلم يتفقوا على صحة حجة واحدة بنفي ما جعلوه مركبا، بل ~~هؤلاء يحتجون بأن المركب مفتقر إلى أجزائه، فيبطل أولئك هذه الحجة، وهؤلاء ~~يحتجون بأن ما كان كذلك لم يخل عن الأعراض الحادثة، وما لم يخل عن الحوادث ~~فهو محدث، وأولئك يبطلون حجة هؤلاء، بل يمنعونهم المقدمتين، وهذه الأمور ~~مبسوطة في غير هذه الموضع، وإنما نبهنا [هنا] (6) على هذا الباب. # والأصل الذي [يجب] على المسلمين (7) أن ما ثبت عن الرسول وجب PageV02P216 # الإيمان به، فيصدق خبره ويطاع أمره، وما لم يثبت عن الرسول فلا يجب الحكم ~~فيه بنفي ولا إثبات حتى يعلم مراد المتكلم ويعلم صحة نفيه أو إثباته. # وأما الألفاظ المجملة فالكلام فيها بالنفي والإثبات دون الاستفصال يوقع ~~في الجهل والضلال، والفتن والخبال، والقيل والقال، وقد قيل: أكثر اختلاف ~~العقلاء من جهة اشتراك الأسماء. # وكل من الطائفتين نفاة الجسم ومثبتيه موجودون في الشيعة وفي أهل السنة ~~المقابلين للشيعة، أعني الذين يقولون بإمامة الخلفاء الثلاثة. # وأول ما ظهر إطلاق لفظ الجسم من متكلمة الشيعة كهشام بن الحكم، كذا نقل ~~ابن حزم وغيره. ### | مقالات الرافضة في التجسيم # قال أبو الحسن الأشعري في كتاب: " مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين " ~~(1) : " اختلف (2) الروافض أصحاب الإمامة في التجسيم، وهم ست فرق: فالفرقة ~~(3) الأولى الهشامية، أصحاب هشام بن الحكم الرافضي: يزعمون أن معبودهم جسم، ~~وله نهاية وحد، طويل عريض عميق، طوله PageV02P217 # مثل عرضه، وعرضه مثل عمقه، لا يوفى بعضه على (1) بعض (2) ، وزعموا أنه ~~نور ساطع، له قدر من الأقدار، في مكان دون مكان، كالسبيكة الصافية يتلألأ ~~(3) كاللؤلؤة المستديرة من جميع جوانبها، ذو لون وطعم ورائحة ومجسة " وذكر ~~كلاما طويلا (4) . # " والفرقة الثانية من الرافضة: يزعمون أن ربهم ليس بصورة ولا كالأجسام، ~~وإنما يذهبون في قولهم: إنه جسم ms0367، إلى أنه موجود، ولا (5) يثبتون البارئ ذا ~~أجزاء مؤتلفة وأبعاض متلاصقة (6) ، ويزعمون أن الله (7) على العرش مستو بلا ~~مماسة ولا كيف. # والفرقة الثالثة من الرافضة (8) : يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان، ~~ويمنعون أن يكون جسما. # والفرقة الرابعة من الرافضة الهشامية - أصحاب هشام بن سالم الجواليقي -: ~~يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان، وينكرون أن يكون لحما ودما، ويقولون: هو ~~(9) نور ساطع يتلألأ بياضا (10) ، وأنه ذو حواس PageV02P218 # خمس كحواس الإنسان، له يد ورجل (1) ، وأنف وأذن، وفم وعين (2) ، وأنه ~~يسمع بغير ما به يبصر (3) ، وكذلك سائر حواسه متغايرة عندهم ". # قال: " وحكى أبو عيسى الوراق أن هشام بن سالم كان يزعم أن لربه وفرة (4) ~~سوداء (5) ، وأن ذلك نور أسود. # والفرقة الخامسة: يزعمون أن لرب العالمين (6) ضياء خالصا ونورا بحتا (7) ~~، وهو كالمصباح الذي من حيث جئته يلقاك بأمر واحد (8) ، وليس بذي صورة ولا ~~أعضاء، ولا اختلاف في الأجزاء، وأنكروا أن يكون على صورة الإنسان، أو [على] ~~(9) صورة شيء من الحيوان ". # قال (10) : " والفرقة السادسة من الرافضة (11) : يزعمون أن ربهم ليس بجسم ~~(12) ولا بصورة (13) ، ولا يشبه الأشياء، ولا يتحرك ولا يسكن ولا يماس. ~~PageV02P219 # وقالوا في التوحيد بقول المعتزلة والخوارج ". # قال أبو الحسن الأشعري (1) : " وهؤلاء قوم من متأخريهم (2) ، فأما ~~أوائلهم فإنهم كانوا يقولون بما حكيناه (3) عنهم من التشبيه ". # قلت: وهذا الذي ذكره [أبو الحسن] (4) الأشعري عن قدماء الشيعة من القول ~~بالتجسيم قد اتفق على نقله عنهم أرباب المقالات، حتى نفس الشيعة كابن ~~النوبختي وغيره ذكر [ذلك عن] هؤلاء الشيعة (5) . # وقال أبو محمد بن حزم وغيره: أول من قال في الإسلام: إن الله جسم [هشام ~~بن الحكم] (6) ، وكان الذين يناقضونه في ذلك المتكلمين (7) من المعتزل كأبي ~~الهذيل العلاف. # فالجهمية والمعتزلة أول من قال: إن الله ليس بجسم. # فكل من القولين قاله قوم من الإمامية ومن أهل السنة الذين ليسوا بإمامية. # وإثبات الجسم قول محمد بن كرام وأمثاله ممن يقول بخلافة الخلفاء (8) ~~الثلاثة، والنفي (9) قول أبي الحسن الأشعري وغيره ممن يقول PageV02P220 # بخلافة الخلفاء الثلاثة، وقول كثير من أتباع الأئمة الأربعة ms0368: أصحاب أبي ~~حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم. ### | معنى لفظ أهل السنة وموقفهم من إطلاق لفظ الجسم # فلفظ " أهل السنة " يراد به من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة، فيدخل (1) في ~~ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة، وقد يراد به أهل الحديث والسنة المحضة، فلا ~~يدخل فيه إلا من يثبت (2) الصفات لله تعالى ويقول: إن القرآن غير مخلوق، ~~وإن الله يرى في الآخرة، ويثبت القدر، وغير ذلك من الأصول (3) المعروفة عند ~~أهل الحديث والسنة. # وهذا الرافضي -[يعني المصنف] (4) - جعل أهل السنة بالاصطلاح الأول، وهو ~~اصطلاح العامة: كل من ليس برافضي، قالوا: هو من أهل السنة. ثم أخذ ينقل ~~عنهم مقالات لا يقولها إلا بعضهم مع تحريفه لها، فكان في نقله من الكذب ~~والاضطراب ما لا يخفى على ذوي الألباب. # وإذا عرف [أن] مراده (5) بأهل السنة السنة العامة، فهؤلاء متنازعون في ~~إثبات الجسم ونفيه كما تقدم، والإمامية أيضا متنازعون في ذلك. # وأئمة النفاة هم الجهمية من المعتزلة ونحوهم يجعلون من أثبت الصفات ~~مجسما، بناء عندهم على أن الصفات (6) لا تقوم إلا بجسم PageV02P221 # ويقولون: إن الجسم مركب من الجواهب المفردة (1) ، أو من المادة والصورة. # فقال لهم أهل الإثبات: قولكم منقوض بإثبات الأسماء الحسنى، فإن الله حي ~~عليم قدير، فإن (2) أمكن إثبات حي عليم قدير وليس بجسم، أمكن أن يكون له ~~حياة وعلم وقدرة وليس بجسم، وإن لم يمكن إثبات (3) ذلك، فما كان جوابكم عن ~~إثبات الأسماء كان جوابنا عن إثبات الصفات. # ثم المثبتون للصفات منهم من يثبت الصفات المعلومة بالسمع، كما يثبت ~~الصفات المعلومة بالعقل، وهذا قول أهل السنة الخاصة - أهل الحديث ومن ~~وافقهم - وهو (4) قول أئمة الفقهاء وقول أئمة الكلام من أهل الإثبات، كأبي ~~محمد بن كلاب وأبي العباس القلانسي (5) وأبي الحسن PageV02P222 # الأشعري وأبي عبد الله بن مجاهد (1) وأبي الحسن الطبري (2) والقاضي أبي ~~بكر بن (3) الباقلاني، ولم يختلف في ذلك قول الأشعري وقدماء أئمة أصحابه. ~~لكن المتأخرون من أتباعه كأبي المعالي وغيره لا يثبتون إلا الصفات العقلية، ~~وأما الخبرية فمنهم من ينفيها ومنهم من يتوقف ms0369 فيها [كالرازي والآمدي ~~وغيرهما] (4) . # ونفاة الصفات الخبرية منهم [من يتأول نصوصها، ومنهم] (5) من يفوض معناها ~~إلى الله. PageV02P223 # وأما من أثبتها كالأشعري وأئمة أصحابه. فهؤلاء يقولون: تأويلها بما يقتضي ~~نفيها [تأويل] (1) باطل، فلا يكتفون بالتفويض، بل يبطلون تأويلات النفاة. # وقد ذكر الأشعري ذلك في عامة كتبه " كالموجز " و " المقالات الكبير " و " ~~المقالات الصغير " و " الإبانة " (2) وغير ذلك، ولم يختلف في ذلك كلامه، ~~لكن طائفة ممن توافقه وممن تخالفه يحكون له قولا آخر، أو تقول (3) : أظهر ~~غير ما أبطن ; وكتبه تدل على بطلان هذين الظنين. # وأما القول الثالث - وهو القول الثابت عن أئمة السنة المحضة، كالإمام ~~أحمد وذويه (4) - فلا يطلقون لفظ الجسم لا نفيا ولا إثباتا لوجهين: ~~PageV02P224 # أحدهما: أنه ليس مأثورا لا في كتاب ولا سنة، ولا أثر عن أحد من الصحابة ~~والتابعين [لهم بإحسان، ولا غيرهم من أئمة المسلمين] (1) ، فصار من البدع ~~المذمومة. # الثاني: أن معناه يدخل فيه حق وباطل، فالذين أثبتوه أدخلوا فيه من النقص ~~والتمثيل ما هو باطل، والذين نفوه أدخلوا فيه من التعطيل والتحريف ما هو ~~باطل. ### | موقف النفاة كالمعتزلة وموافقيهم # وملخص (2) ذلك أن الذين نفوه أصل قولهم أنهم أثبتوا حدوث العالم بحدوث ~~الأجسام، فقالوا: الجسم لا يخلو عن الحركة والسكون، وما لا يخلو عنهما فإنه ~~لا يخلو عن حادث ; لأن الحركة حادثة شيئا بعد شيء، والسكون إما عدم الحركة ~~وإما ضد يقابل الحركة، وبكل حال فالجسم لا يخلوا عن الحركة والسكون، ~~والسكون يمكن (3) تبديله بالحركة، فكل جسم يقبل الحركة فلا يخلو منها أو ~~مما يقابلها (4) ، فإن كان لا يخلو منها - كما تقوله الفلاسفة في الفلك - ~~فإنه حادث (5) ، وإن كان لا يخلو مما يقابلها (6) فإنه [يقبل] (7) الحركة، ~~وما قبل الحركة أمكن PageV02P225 # أن لا يخلو منها، فأمكن أن يخلو من (1) الحوادث، وما أمكن لزوم [دليل] ~~(2) الحدوث له كان حادثا، فإن الرب تعالى لا يجوز أن يلزمه دليل الحدوث. # ثم منهم من اكتفى بقوله: ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث، فإن ما لا يخلو ~~عنها لا يسبقها (3 فلا يكون ms0370 قبلها 3) (3) ، وما لا يكون إلا مقارنا للحادث ~~لا قبله ولا يكون إلا حادثا. # وكثير من الكتب المصنفة لا يوجد فيها إلا هذا. وأما حذاق هؤلاء فتفطنوا ~~للفرق بين عين (4) الحادث ونوع الحادث، فإن المعلوم أن ما لا يسبق الحادث ~~المعين فهو حادث، وأما ما لا يسبق نوع الحادث فهذا لا يعلم حدوثه، وإن (5) ~~لم يعلم امتناع دوام الحوادث وأن لها (6) ابتداء، وأنه يمتنع تسلسل الحوادث ~~ووجود حوادث لا أول لها، فصار الدليل موقوفا على امتناع (7) حوادث لا أول ~~لها. # وهذا الموضع هو المهم الأعظم في هذا الدليل، وفيه كثر (8) الاضطراب، ~~والتبس الخطأ بالصواب. PageV02P226 # وآخرون سلكوا أعم من هذا فقالوا: الجسم لا يخلو عن الأعراض، والأعراض ~~حادثة لا تبقى زمانين. # ومنهم من يقول: الجسم لا يخلو عن نوع من أنواع (1) الأعراض لأنه قابل له، ~~والقابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده. # ومنهم من قال: الجسم لا يخلو عن الاجتماع والافتراق والحركة والسكون، ~~وهذه الأنواع الأربعة هي الأكوان، فالجسم (2) لا يخلو عن الأكوان. # والكلام في هذه الطرق ولوازمها كثير قد بسط في غير هذا الموضع، والمقصود ~~هنا التنبيه. # وهذا الكلام، وإن كان أصله من المعتزلة، فقد دخل في كلام [المثبتين ~~للصفات، حتى في كلام] (3) المنتسبين إلى السنة الخاصة: المنتسبين (4) إلى ~~الحديث والسنة، وهو موجود في كلام كثير من أصحاب مالك والشافعي وأبي حنيفة ~~وأحمد (5) وغيرهم. ### | موقف الأشعري من إثبات الصفات # وهذا من الكلام الذي بقي على الأشعري من بقايا كلام المعتزلة، فإنه خالف ~~(6) المعتزلة لما رجع عن مذهبهم في أصولهم التي اشتهروا فيها بمخالفة (7) ~~[أهل] (8) السنة كإثبات الصفات والرؤية، وأن القرآن غير PageV02P227 # مخلوق، وإثبات القدر، وغير ذلك من مقالات أهل السنة والحديث، وذكر في ~~كتاب " المقالات " أنه يقول بما ذكره عن أهل السنة والحديث (1) . # وذكر في " الإبانة " أنه يأتم بقول الإمام أحمد. قال (2) : " فإنه (3) ~~الإمام الكامل، والرئيس الفاضل (4) ، الذي أبان [الله] به الحق (5) ، وأوضح ~~به المنهاج (6) ، وقمع به بدع المبتدعين، وزيغ الزائغين، وشك الشاكين ". # وقال (7) : " فإن قال قائل (8) : قد أنكرتم قول الجهمية ms0371 والمعتزلة ~~والقدرية [والمرجئة] (9) " واحتج في ضمن ذلك بمقدمات سلمها PageV02P228 # للمعتزلة مثل هذا الكلام، فصارت المعتزلة [وغيرهم من أهل الكلام] (1) ~~يقولون (2) : إنه متناقض في ذلك. # وكذلك سائر أهل السنة والحديث يقولون: إن هذا تناقض (3) ، وإن هذه بقية ~~(4) بقيت عليه من كلام المعتزلة. # وأصل ذلك هو هذا الكلام، وهو موجود في كلام كثير من أصحاب أحمد والشافعي ~~ومالك، وكثير من هؤلاء يخالف الأشعري في مسائل، وقد [وافقه] (5) على الأصل ~~الذي ترجع إليه تلك المسائل، فيقول الناس في تناقضه كما قالوه في تناقض ~~الأشعري، وكما قالوه في تناقض المعتزلة وتناقض الفلاسفة، فما من طائفة فيها ~~نوع يسير من مخالفة السنة المحضة والحديث إلا ويوجد في كلامها من التناقض ~~بحسب ذلك، وأعظمهم تناقضا أبعدهم عن السنة، كالفلاسفة ثم المعتزلة ~~والرافضة. # فلما اعتقد هؤلاء أنهم (6) أثبتوا بهذا الدليل حدوث الجسم، لزم انتفاء ~~ذلك عن الله ; لأن الله قديم ليس بمحدث، فقالت المعتزلة: ما قامت به الصفات ~~فهو جسم ; لأن الصفات أعراض، والعرض لا يقوم PageV02P229 # إلا بجسم، فنفت الصفات، ونفت أيضا قيام الأفعال الاختيارية به ; لأنها ~~أعراض ولأنها حوادث، فقالت: القرآن مخلوق ; لأن القرآن كلام وهو عرض ; ~~ولأنه يفتقر إلى الحركة وهي حادثة، فلا يقوم إلا بجسم. # وقالت أيضا: إنه لا يرى في الآخرة ; لأن العين لا ترى إلا جسما أو قائما ~~بجسم. # وقالت: ليس [هو] (1) فوق العالم ; لأن ذلك مقام (2) مكان، والمكان لا ~~يكون [به] (3) إلا جسم (4) ، أو ما يقوم بجسم. # وهذا هو المذهب الذي ذكره هذا الإمامي، وهو لم يبسط الكلام فيه، فلذا (5) ~~اقتصرنا (6) على هذا القدر؛ إذ الكلام على ذلك مبسوط في موضع آخر. # فقالت مثبتة الصفات للمعتزلة: أنتم تقولون: إن الله حي عليم قدير، وهذا ~~لا يكون إلا جسما، فإن طردتم قولكم لزم أن يكون الله جسما، وإن قلتم: بل ~~يسمى بهذه الأسماء من ليس بجسم (7) ، قيل لكم: وتثبت هذه الصفات لمن ليس ~~بجسم. # وقالوا لهم أيضا: إثبات حي بلا حياة، وعالم بلا علم، وقادر PageV02P230 # بلا قدرة، مثل إثبات أسود بلا سواد ms0372، وأبيض بلا بياض، وقائم بلا قيام، ~~ومصل بلا صلاة، ومتكلم بلا كلام، وفاعل بلا فعل، وهذا (1) مما يعلم فساده ~~لغة وعقلا. # وقالوا لهم أيضا: أنتم تعلمون أنه حي عالم قادر، وليس كونه حيا هو كونه ~~عالما، ولا كونه عالما هو كونه قادرا. # فهذه المعاني التي تعقلونها وتثبتونها (2) هي الصفات، سواء سميتموها ~~أحكاما أو أحوالا أو معاني أو غير ذلك، فليس الاعتبار بالألفاظ بل بالمعاني ~~المعقولة. # ومن تدبر كلام أئمة المعتزلة والشيعة والفلاسفة نفاة الصفات وجدهم في ~~غاية التناقض، كما تقول الفلاسفة: إنه عاقل (3) ومعقول وعقل، وعاشق ومعشوق ~~وعشق. # ثم يقولون: هذا المعنى هو هذا المعنى، وإن العالم هو العلم، فيجعلون إحدى ~~الصفتين هي الأخرى، ويجعلون الموصوف هو الصفة. # وأيضا، فما يشنع به هؤلاء على أهل السنة هم يقولون به بغير اختيارهم. ومن ~~تدبر كلام أبي الحسين البصري (4) وأمثاله من أئمة المعتزلة، وجد المعاني ~~التي يثبتها (5) هي قول الصفاتية، لكن ليس هذا موضع بسط ذلك؛ إذ الكلام هنا ~~مختصر بحسب هذا المقام، وقد نبهنا PageV02P231 # على أن أهل السنة يقولون (1) بالحق مطلقا، وأنه ما من قول يثبت بشرع (2) ~~وعقل إلا وقد قال به أئمة (3) أهل السنة، وهذا هو المقصود في هذا المقام. ### | [الوجه السادس وفيه أن أكثر متقدمي الإمامية كانوا مجسمة] # الوجه السادس (4) : أن يقال لهذا الإمامي: أنت قلت: مذهب الإمامية أحقها ~~وأصدقها وأخلصها عن شوائب الباطل ; لأنهم اعتقدوا أن الله هو المخصوص ~~بالأزلية والقدم، وأن [كل] (5) ما سواه محدث ; لأنه واحد (6) وليس بجسم ولا ~~في مكان وإلا لكان محدثا. # وقد تبين أن أكثر [متقدمي] (7) الإمامية كانوا بضد هذا: كهشام بن الحكم، ~~وهشام بن سالم، ويونس (8) بن عبد الرحمن القمي مولى آل يقطين، وزراة بن ~~أعين (9) PageV02P232 # وأبي مالك الحضرمي (1) ، وعلي بن ميثم (2) ، وطوائف كثيرين هم ~~PageV02P233 # أئمة الإمامية قبل (1) المفيد والطوسي (2) والموسوي والكراجكي (3) . # وقد تقدم أن هذا قول قدماء الإمامية فإن (4) قول المعتزلة إنما حدث فيهم ~~متأخرا، وحينئذ فليست الإمامية كلها على ما ذكرته، ثم إن كان ما ذكرته هو ~~الصواب فشيوخ الإمامية ms0373 المتقدمون على غير الصواب، وإن كان خطأ فشيوخهم ~~المتأخرون على هذا الخطأ، فقد لزم بالضرورة أن شيوخ الإمامية ضلوا في ~~التوحيد: إما متقدموهم وإما متأخروهم. ### | [الوجه السابع وفيه عرض لمقالات الرافضة] # الوجه السابع (5) : أن يقال: أنت ذكرت اعتقادا ولم تذكر عليه دليلا (6) : ~~لا شرعيا ولا عقليا. ولا ريب أن الرافضة أجهل وأضل [وأقل] (7) من أن ~~يناظروا علماء السنة، لكن يناظر بعضهم بعضا، كما يتناظرون دائما في ~~المعدوم: هل هو شيء أو ليس بشيء؟ # فيقال لهذا الإمامي النافي: أنت لم تقم حجة على شيوخك [الإمامية] (8) ~~القائلين بأن الله في مكان دون مكان، وأنه يتحرك، وأنه تقوم به الحوادث. # قال الأشعري (9) : " واختلفت الروافض (10) في حملة العرش [أيحملون ~~PageV02P234 # العرش] (1) أم يحملون البارئ عز وجل؟ وهم فرقتان: فرقة يقال لها: " ~~اليونسية " أصحاب يونس بن عبد الرحمن القمي مولى آل يقطين (2) يزعمون أن ~~الحملة يحملون الباري، واحتج يونس في (3) أن الحملة تطيق حمله وشبههم (4) ~~بالكركي (5) وأن رجليه تحملانه وهما دقيقتان. # وقالت فرقة أخرى: إن الحملة تحمل العرش، والبارئ (6) يستحيل أن يكون ~~محمولا ". # قال الأشعري (7) : " واختلف الروافض في القول بأن الله (8) عالم حي (9) ~~قادر سميع بصير إله. وهم تسع (10) فرق: فالفرقة الأولى منهم: " الزرارية " ~~أصحاب زرارة بن أعين الرافضي يزعمون أن الله لم يزل غير سميع ولا عليم ولا ~~بصير حتى خلق ذلك لنفسه، وهم يسمون التيمية (11) ، ورئيسهم زرارة بن أعين. ~~PageV02P235 # والفرقة الثانية منهم: " السيابية " أصحاب عبد الرحمن بن سيابة (1) يقفون ~~في هذه المعاني، ويزعمون أن القول فيها ما يقول جعفر كائنا قوله [ما كان] ~~(2) ، ولا يعرفون (3) في هذه الأشياء (4) قولا. # والفرقة الثالثة منهم: يزعمون أن الله تعالى لا يوصف بأنه لم يزل (5) ~~إلها قادرا ولا (6) سميعا بصيرا حتى يحدث الأشياء ; لأن (7) الأشياء التي ~~كانت قبل أن تكون ليست بشيء، ولن (8) يجوز أن يوصف بالقدرة لا (9) على شيء ~~وبالعلم [لا بشيء] (10) . وكل الروافض (11) - إلا شرذمة قليلة - يزعمون أن ~~الله يريد الشيء (12) ثم يبدو له فيه ". PageV02P236 # قال (1) : " والفرقة الرابعة من الروافض (2) : يزعمون أن الله لم يزل لا ms0374 ~~حيا ثم صار حيا. # والفرقة الخامسة من الروافض: وهم أصحاب " شيطان الطاق " (3) يزعمون أن ~~الله عالم في نفسه ليس بجاهل، ولكنه (4) إنما يعلم الأشياء إذا قدرها ~~وأرادها، فأما قبل أن يقدرها ويريدها (5) فمحال أن يعلمها، لا لأنه ليس ~~بعالم، ولكن الشيء لا يكون شيئا حتى يقدره ويشيئه (6) بالتقدير، والتقدير ~~عندهم الإرادة ". PageV02P237 # قال (1) : " و [الفرقة] السادسة (2) من الرافضة (3) : أصحاب هشام بن ~~الحكم يزعمون أنه محال أن يكون الله لم يزل عالما بالأشياء بنفسه، وأنه ~~إنما يعلم الأشياء بعد أن لم يكن بها عالما، وأنه يعلمها [بعلم] (4) ، وأن ~~العلم صفة له، ليست هي هو (5) ، ولا هي غيره (6) ولا بعضه فلا يجوز (7) أن ~~يقال: العلم (8) محدث أو قديم لأن العلم صفة (9) ، والصفة لا توصف. قال: ~~ولو كان لم يزل عالما لكانت المعلومات لم تزل ; لأنه لا يصح عالم إلا ~~بمعلوم موجود. قال: ولو كان عالما بما يفعله عباده لم تصح المحنة والاختبار ~~(10) ". # قال (11) : " وقال هشام في سائر صفات الله (12) كقدرته وحياته وسمعه ~~وبصره وإرادته، إنها صفات الله (13) ، لا هي الله، ولا غير الله. وقد ~~PageV02P238 # اختلف عنه في القدرة والحياة: فمنهم (1) من يحكي عنه أنه كان يقول (2) : ~~إن البارئ لم يزل قادرا حيا، ومنهم من ينكر أن يكون قال ذلك ". # قال (3) : " والفرقة السابعة من الرافضة: لا يزعمون أن البارئ عالم في ~~نفسه كما قال (4) شيطان الطاق، ولكنهم (5) يزعمون أن الله لا يعلم الشيء ~~حتى يؤثر أثره، والتأثير عندهم الإرادة، فإذا أراد الشيء علمه، وإذا لم ~~يرده لم يعلمه. ومعنى أراد عندهم أنه تحرك حركة (6) هي إرادة، فإذا تحرك ~~علم الشيء، وإلا لم يجز الوصف له بأنه عالم به (7) ". # قال: " والفرقة الثامنة من الرافضة: يزعمون (8) أن معنى أن الله يعلم أنه ~~يفعل، فإن قيل لهم: أتقولون (9) : [إن] (10) الله سبحانه لم يزل عالما ~~PageV02P239 # بنفسه؟ اختلفوا. فمنهم من يقول: لم يزل لا يعلم بنفسه (1) حتى فعل العلم؛ ~~لأنه قد كان ولما يفعل، ومنهم من يقول: لم يزل يعلم بنفسه (2) . فإن قيل ~~لهم: [فلم] (3) يزل يفعل؟ قالوا: نعم ms0375، ولا نقول بقدم (4) الفعل ". # قال: " ومن الرافضة من يزعم أن الله يعلم ما يكون قبل أن يكون، إلا أعمال ~~العباد فإنه لا يعلمها إلا في (5) حال كونها ". # قال: " والفرقة التاسعة من الرافضة: يزعمون أن الله تعالى [لم يزل] (6) ~~عالما حيا (7) قادرا، ويميلون إلى نفي التشبيه، ولا يقرون (8) بحدوث العلم ~~(9) ، ولا بما حكيناه من التجسيم وسائر ما أخبرنا به من التشبيه [عنهم] ~~(10) ". # قال (11) : واختلفت (12) الروافض في إرادة الله سبحانه (13) ، وهم أربع ~~فرق: PageV02P240 # فالفرقة الأولى منهم: أصحاب هشام بن الحكم وهشام الجواليقي: يزعمون أن ~~إرادة الله حركة وهي معنى (1) ، لا هي الله (2) ولا هي (3) غيره، وأنها (4) ~~صفة لله ليست غيره، وذلك (5) [أنهم] (6) يزعمون أن الله إذا أراد الشيء (7) ~~تحرك، فكان ما أراد (8) . # والفرقة الثانية منهم: أبو مالك الحضرمي وعلي بن ميثم (9) ومن تابعهما: ~~يزعمون أن إرادة الله غيره، وهي حركة الله، كما قال هشام، إلا أن هؤلاء ~~خالفوه فزعموا أن الإرادة حركة، وأنها غير الله بها يتحرك. # والفرقة الثالثة منهم: القائلون (10) بالاعتزال والإمامة (11) : يزعمون ~~أن إرادة الله ليست بحركة، فمنهم من أثبتها (12) غير المراد فيقول: إنها ~~مخلوقة لله لا بإرادة (13) ، ومنهم من يقول: إرادة الله (14) لتكوين الشيء ~~هو الشيء، PageV02P241 # وإرادته لأفعال (1) العباد هي أمره إياهم بالفعل، وهي غير فعلهم، وهم ~~يأبون أن يكون الله أراد المعاصي فكانت. # والفرقة الرابعة منهم يقولون: لا نقول قبل الفعل: إن الله أراد (2) ، ~~فإذا فعلت (3) الطاعة قلنا: أرادها، وإذا فعلت المعصية (4) فهو كاره لها ~~غير محب لها (5) ". # قلت: القول الثالث هو قول متأخري الشيعة، كالمفيد وأتباعه الذين اتبعوا ~~المعتزلة، وهم طائفة صاحب هذا الكتاب، والقول الأول (6) قول البصريين من ~~المعتزلة، والثاني قول البغداديين، فصار هؤلاء الشيعة على قول (7) ~~المعتزلة. (8) (* فهذه المقالات التي نقلت في التشبيه والتجسيم لم نر (9) ~~الناس نقلوها عن طائفة من المسلمين أعظم مما نقلوها عن قدماء الرافضة. ثم ~~الرافضة حرموا الصواب في هذا الباب كما حرموه في غيره، فقدماؤهم ~~PageV02P242 # يقولون بالتجسيم الذي هو قول غلاة (1) المجسمة، ومتأخروهم يقولون بتعطيل ~~الصفات موافقة لغلاة المعطلة من ms0376 المعتزلة ونحوهم، فأقوال أئمتهم دائرة بين ~~التعطيل والتمثيل (2) ، لم تعرف لهم مقالة متوسطة بين هذا وهذا. # وأئمة المسلمين من أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم ~~متفقون على القول الوسط (3) المغاير لقول أهل التمثيل [وقول أهل] التعطيل ~~(4) ، وهذا مما يبين مخالفة الرافضة لأئمة أهل بيت رسول الله (5) - صلى ~~الله عليه وسلم - في أصول دينهم، كما هم مخالفون لأصحابه، بل ولكتاب الله ~~وسنة رسوله. # وهذا لأن مبنى مذهب القوم على الجهل والكذب والهوى، وهم وإن كانوا يدعون ~~اتباع الأئمة الاثني عشر في الشرائع (6) ، فلو قدر من يجوز له التقليد ~~إماما من أئمة أهل البيت (7) - كعلي بن الحسين وأبي جعفر الباقر وجعفر ~~الصادق وأمثالهم - لكان ذلك سائغا (8) جائزا عند أهل PageV02P243 # السنة، لم تقل أهل السنة: إنه لا يجوز لمن يجوز له التقليد تقليد هؤلاء ~~وأمثالهم، بل أهل السنة متفقون على أن تقليد الواحد من هؤلاء وأمثالهم ~~كتقليد أمثالهم، يسوغ هذا لمن يسوغ له ذلك. # وأكثر علماء السنة على أن التقليد في الشرائع لا يجوز إلا لمن عجز عن ~~الاستدلال ; هذا منصوص (1) الشافعي وأحمد، وعليه أصحابهما، وما حكي عن أحمد ~~من تجويز تقليد العالم للعالم غلط عليه، ولكن هذا القول حكي (2) عن محمد بن ~~الحسن -[صاحب أبي حنيفة] (3) - قيل عنه: يجوز تقليد الأعلم، وقيل: العالم. # وهذا النزاع إذا لم يكن تبين له (4) القول الموافق للكتاب والسنة، فإن ~~تبين له (5) ما جاء به الرسول لم يجز [له] (6) التقليد في خلافه باتفاق ~~المسلمين، وأما تقليد العاجز عن الاستدلال فيجوزه الجمهور، ومنع منه طائفة ~~من أهل الظاهر. # وجمهور علماء المسلمين على أن القدرة على الاجتهاد والاستدلال مما ينقسم ~~ويتبعض، فقد يكون الرجل قادرا على الاجتهاد والاستدلال في مسألة أو نوع من ~~العلم دون الآخر، وهذا حال أكثر علماء PageV02P244 # المسلمين، لكن يتفاوتون في القوة والكثرة، فالأئمة المشهورون أقدر على ~~الاجتهاد والاستدلال في أكثر مسائل الشرع من غيرهم. وأما أن يدعى أن واحدا ~~منهم قادر على أن يعرف حكم الله في كل مسألة من الدين بدليلها ms0377، فمن ادعى ~~هذا فقد ادعى ما لا علم له به (1) ، بل ادعى ما يعرف (2) أنه باطل *) (3) . ### | [فصل موافقة جعفر الصادق لسائر السلف في مسألة القرآن] # (فصل) والمقصود هنا أن يقال لهذا الإمامي وأمثاله: ناظروا إخوانكم هؤلاء ~~الرافضة في التوحيد، وأقيموا الحجة على صحة قولكم ثم ادعوا إلى ذلك، ودعوا ~~أهل السنة والتعرض لهم (4) ، فإن هؤلاء يقولون: إن قولهم في التوحيد هو ~~الحق، وهم (5) كانوا في عصر جعفر الصادق وأمثاله، فهم يدعون أنهم أعلم منكم ~~بأقوال الأئمة، لا سيما وقد استفاض عن جعفر الصادق (6) أنه سئل عن القرآن: ~~أخالق هو أم مخلوق؟ فقال: ليس بخالق ولا مخلوق ولكنه كلام الله. (7 [وهذا ~~مما اقتدى به الإمام أحمد في المحنة، فإن جعفر 7) (7) بن محمد من أئمة ~~الدين باتفاق أهل السنة PageV02P245 # وهذا قول السلف قاطبة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان (1) وسائر أئمة ~~المسلمين: أن القرآن كلام الله] (2) ليس بمخلوق، ولكنهم لم يقولوا ما قاله ~~ابن كلاب [ومن اتبعه من] أنه (3) قديم لازم لذات الله، وأن (4) الله لا ~~يتكلم (5) بمشيئته وقدرته، بل هذا قول محدث أحدثه ابن كلاب (6) واتبعه عليه ~~طوائف. # وأما السلف فقولهم (7) إنه لم يزل متكلما، وإنه (8) يتكلم بمشيئته وقدرته ~~(9) . # (* وكذلك قالوا بلزوم الفاعلية، ونقلوا عن جعفر [الصادق] (10) بن محمد ~~أنه قال بدوام الفاعلية المتعدية، وأنه لم يزل محسنا بما لم يزل ~~PageV02P246 # فيما (1) لم يزل إلى ما لم يزل، كما نقل ذلك الثعلبي عنه [بإسناده] (2) ~~في تفسير قوله: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا} [سورة المؤمنون: 115] ، مع قول ~~(3) جعفر وسائر المسلمين وأهل الملل وجماهير العقلاء من غير أهل الملل أن ~~الله تعالى خالق كل شيء، وأن ما سواه محدث [كائن بعد أن لم يكن] (4) ، ليس ~~[مع] (5) الله شيء من العالم قديم بقدم الله *) (6) . # وأما هشام بن الحكم وهشام بن سالم وغيرهما من شيوخ الإمامية فكانوا ~~يقولون: [إن] (7) القرآن ليس بخالق ولا مخلوق (7 ولكنه كلام الله 7) (8) ، ~~كما قاله (9) جعفر بن محمد و [سائر] أئمة السنة (10) (* ولكن لا أعرف هل ~~يقولون بدوام كونه متكلما بمشيئته، كما يقوله ms0378 أئمة أهل السنة، أم ~~PageV02P247 # يقولون: تكلم بعد أن لم يكن متكلما، كما تقوله الكرامية وغيرهم *) (1) . ### | مقالات الروافض في القرآن # قال الأشعري (2) : " واختلفت الروافض في القرآن، وهم فرقتان: فالفرقة ~~الأولى منهم هشام بن الحكم وأصحابه: يزعمون أن القرآن لا خالق ولا مخلوق، ~~وزاد بعض من يخبر عن (3) المقالات في الحكاية عن هشام فزعم (4) أنه كان ~~يقول: لا خالق ولا مخلوق، ولا يقال (5) أيضا: غير مخلوق ; لأنه صفة والصفة ~~لا توصف ". # قال: " وحكى زرقان عن هشام بن الحكم (6) أنه قال: القرآن على ضربين: إن ~~كنت تريد المسموع فقد خلق الله الصوت المقطع وهو (7) رسم القرآن، فأما ~~القرآن (8) فهو فعل الله (9) مثل العلم والحركة، لا هو هو، ولا غيره (10) . # والفرقة الثانية منهم: يزعمون أنه مخلوق محدث لم يكن ثم كان، كما تزعم ~~المعتزلة والخوارج ". # قال: " وهؤلاء قوم من المتأخرين منهم (11) ". PageV02P248 # قلت (1) : ومعلوم أن قول جعفر [بن محمد] (2) الصادق، وهؤلاء (3 الذين ~~قالوا من السلف 3) (3) : ليس بمخلوق، لم يريدوا أنه ليس بمكذوب، بل أرادوا ~~أنه لم يخلقه (4) ، كما قالت المعتزلة، وهذا قول متأخري الرافضة. (5) (*) ~~فإن [طائفة من متأخري الإمامية] كأبي القاسم الموسوي (6) المعروف بالمرتضى ~~وغيره لما وافقوا المعتزلة على أنه محدث منفصل عن الله، وأنه لم يكن يمكنه ~~أن يتكلم ثم صار متكلما بعد أن لم يكن متكلما، وليس له كلام يقوم به، بل ~~كلامه من جملة مصنوعاته المنفصلة عنه، ثم سمعوا عن السلف من أهل البيت مثل ~~جعفر بن محمد وغيره أنهم قالوا: إنه غير مخلوق (7) . قالوا: لا نقول إنه ~~مخلوق متابعة لهؤلاء، بل نقول: إنه محدث مجعول (8) موافقة (9) لما ظنوه من ~~لفظ القرآن في قوله: {إنا جعلناه قرآنا عربيا} [سورة الزخرف: 3] ، وقوله: ~~{ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} [سورة الأنبياء: 2] . # وكثير (10) من الناس - غير الشيعة (11) - يقولون: غير مخلوق، PageV02P249 # ويقصدون (1) في هذا المعنى أنه غير مكذوب مفترى، فإنه يقال: خلق (2) هذا ~~الحديث واختلقه [إذا افتراه] (3) . قال تعالى عن إبراهيم: {إنما تعبدون من ~~دون الله أوثانا وتخلقون إفكا} [سورة العنكبوت: 17] ، وقال عن قوم هود ms0379: ~~قالوا: {إن هذا إلا خلق الأولين - وما نحن بمعذبين} [سورة الشعراء: 137 - ~~138] . # فيقال لهؤلاء: كل من تدبر الآثار المنقولة عن السلف، وما وقع من النزاع ~~بين الأمة في أن القرآن مخلوق أو غير مخلوق، علم أنه لم يكن نزاعهم في أنه ~~مفترى أو غير مفترى، فإن من يقر بأن محمدا رسول الله لا يقول: إن القرآن ~~مفترى، بل إنما يقول: إنه مفترى من قال (4) : إن محمدا كاذب افترى القرآن، ~~كما قال تعالى: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله} [سورة يونس: 38] ، ~~وقال: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات} [سورة هود: 13] ، ~~وقال تعالى: {وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم ~~آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا} [سورة الفرقان: 4] ، وقال: {أم يقولون افتراه ~~قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون} [سورة هود: 35] . # والذين تنازعوا في القرآن: هل هو مخلوق أو غير مخلوق، كانوا مقرين بأن ~~محمدا رسول الله وأنه مبلغ للقرآن عن الله [تعالى] (5) لم يفتره ~~PageV02P250 # هو، ولكن الجهمية والمعتزلة لما كان أصلهم أن الرب لا تقوم به الصفات ~~والأفعال والكلام، لزمهم أن يقولوا: كلامه بائن عنه مخلوق [من مخلوقاته] ~~(1) . وكان أول من ظهر عنه هذا (2) الجعد بن درهم (3) ثم الجهم [ابن صفوان] ~~(4) ، ثم صار هذا في المعتزلة. ### | أقوال أئمة الإسلام في القرآن # ولما ظهر هذا سألوا أئمة الإسلام مثل جعفر الصادق (5) وأمثاله، فقالوا ~~لجعفر [الصادق] (6) : القرآن خالق أم مخلوق؟ (7) فقال: ليس بخالق ولا ~~مخلوق، ولكنه كلام الله. ومعلوم أن قوله: " ليس بخالق ولا مخلوق " لم يرد ~~به [أنه] (8) ليس بكاذب ولا مكذوب، لكن أراد [أنه] (9) ليس هو الخالق ~~للمخلوقات، ولا هو من المخلوقات ولكنه كلام الخالق. # وكذلك ما نقل عن علي بن أبي طالب -[رضي الله عنه] (10) - لما قيل ~~PageV02P251 # له: حكمت مخلوقا! ؟ قال: لم أحكم مخلوقا وإنما حكمت القرآن. # وما رواه ابن أبي حاتم في " الرد على الجهمية " (1) . قال: " كتب إلي حرب ~~الكرماني، ثنا محمد بن المصفى، (2) ثنا عبد الله بن محمد، عن عمرو ms0380 بن جميع، ~~عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس قال: لما حكم علي الحكمين، قالت الخوارج: ~~حكمت رجلين؟ قال: ما حكمت مخلوقا، إنما حكمت القرآن. # حدثنا الأشج، ثنا يحيى بن يمان، ثنا حسن بن صالح، عن عبد الله بن الحسن، ~~قال: قال علي للحكمين: احكما بالقرآن كله، فإنه كله لي ". # وقال ابن أبي حاتم: " ثنا أبي (3) ، ثنا الصهيبي ابن عم علي بن عاصم وعلي ~~بن صالح، عن عمران بن حدير (4) ، عن عكرمة قال: كان ابن PageV02P252 # عباس في جنازة فسمع رجلا يقول: يا رب القرآن ارحمه. فقال ابن عباس: مه، ~~القرآن منه، القرآن كلام الله وليس بمربوب، منه خرج وإليه يعود. # حدثنا محمد بن عمار بن الحارث، ثنا أبو مروان الطبري بمكة - يعني الحكم ~~بن محمد - ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار: سمعت مشيختنا منذ سبعين ~~سنة يقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق. وفي رواية: منه بدأ وإليه يعود ". ~~وهذا رواه (1) غير واحد عن [سفيان] (2) بن عيينة عن عمرو، ورواه البخاري في ~~كتاب " خلق أفعال العباد " (3) . # وقال ابن أبي حاتم: " ثنا أبي، ثنا العباس بن عبد العظيم، ثنا رويم بن ~~يزيد المقري، ثنا عبد الله بن عباس، عن يونس بن بكير، عن جعفر بن محمد، عن ~~أبيه قال: سئل علي بن الحسين عن القرآن، فقال: ليس بخالق ولا مخلوق ولكنه ~~كلام الخالق، ورواه أبو زرعة، عن يحيى بن منصور، عن رويم، فذكره. # وحدثنا (4) جعفر بن محمد بن هارون، ثنا عبد الرحمن بن مصعب، ثنا موسى بن ~~داود الكوفي عن رجل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه أنه سأله: إن قوما يقولون: ~~القرآن مخلوق؟ فقال: ليس بخالق ولا مخلوق ولكنه كلام الله. PageV02P253 # حدثنا موسى بن سهل الرملي، ثنا موسى بن داود، ثنا معبد أبو عبد الرحمن عن ~~معاوية (1) بن عمار الذهبي، قال: قلت لجعفر بن محمد: إنهم يسألوني عن ~~القرآن: مخلوق أو خالق؟ فقال: إنه ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله. # وحدثنا أبو زرعة، ثنا سويد بن سعيد، عن ms0381 معاوية، فذكره. # وحدثنا أبي (2) ، قال: حدثنا الحسن بن الصباح، ثنا معبد بمثله. # حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلي، قال: قال أبي (3) : وحدثت ~~(4) عن موسى بن داود بهذا الحديث عن معبد، قال (5) : رأيت معبدا هذا ولم ~~يكن به بأس، وأثنى عليه (6) ثم قال: كان يفتي برأي ابن أبي ليلى. # حدثنا عبد الله مولى المهلب بن أبي صفرة، ثنا علي بن أحمد بن علي بن جعفر ~~بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن أخيه موسى بن جعفر، قال: سئل أبي [جعفر بن ~~محمد] (7) عن القرآن: خالق أو مخلوق؟ قال: لو كان خالقا لعبد، ولو كان ~~مخلوقا لنفد ". # ومثل هذه الآثار كثيرة عن الصحابة والتابعين والأئمة من أهل البيت (8) ~~PageV02P254 # وغيرهم. فعلي -[رضي الله عنه] (1) - لم يرد بقوله: ما حكمت مخلوقا وإنما ~~حكمت القرآن، أي: ما حكمت كلاما مفترى ; فإن الخوارج إنما قالوا له: حكمت ~~مخلوقا من الناس! ؟ - وهما أبو موسى وعمرو بن العاص (2) - فقال: لم أحكم ~~مخلوقا، وإنما حكمت القرآن، وهو كلام الله. # فالحكم لله، وهو سبحانه يصف كلامه بأنه يحكم ويقص (3) [ويفتي] (4) ، ~~كقوله: {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل} [سورة النمل: 76] وكقوله (5) : ~~{ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في ~~يتامى النساء} [سورة النساء: 127] أي: وما يتلى عليكم يفتيكم فيهن. # وقوله: {وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه} ~~[سورة البقرة: 213) . # وإذا أضيف الحكم والقصص والإفتاء (6) إلى القرآن - الذي هو كلام الله - ~~فالله هو الذي (7) حكم به وأفتى به وقص به، كما أضاف ذلك إلى نفسه في غير ~~موضع. PageV02P255 # فهذا هو مراد علي [بن أبي طالب] وجعفر [بن محمد] وغيرهما (1) من أهل ~~البيت -[رضوان الله عليهم] (2) - وسائر سلف الأمة بلا ريب. فتبين أن هؤلاء ~~الرافضة مخالفون لأئمة أهل البيت وسائر السلف في مسألة القرآن كما خالفوهم ~~في غيرها. # وأما قولهم: إنه مجعول، فالله لم يصفه بأنه مجعول معدى إلى مفعول واحد، ~~بل قال: {إنا جعلناه قرآنا عربيا} [سورة الزخرف: 3] ، فإذا ms0382 قالوا: هو مجعول ~~قرآنا عربيا، فهذا حق. وأما قوله تعالى: {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} ~~[سورة الأنبياء: 2] ، فهذه الآية تدل على أن " الذكر " نوعان: محدث وغير ~~محدث، كما تقول: ما جاءني من رجل عدل إلا قبلت شهادته، وصفة النكرة ~~للتخصيص، وعندهم كل ذلك محدث، والمحدث في القرآن ليس هو المحدث في كلامهم، ~~فلم يوافقوا القرآن. # ثم إذا قيل: هو محدث (3) ، لم يلزم من ذلك أن يكون مخلوقا بائنا (4) عن ~~الله، بل إذا تكلم الله به (5) بمشيئته وقدرته وهو قائم به، جاز أن يقال: ~~هو محدث، وهو مع ذلك كلامه القائم بذاته وليس بمخلوق. # وهذا قول كثير من أئمة السنة والحديث. وقد احتج البخاري وغيره على ذلك ~~بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «إن الله يحدث من أمره ما ~~PageV02P256 # يشاء (1) ، وإن مما أحدث أن لا تكلموا (2) في الصلاة» " (3) . ومعلوم أن ~~الذي أحدثه هو أمره أن لا يتكلموا في الصلاة، لا عدم تكلمهم في الصلاة، فإن ~~ذلك يكون باختيارهم. ومنهم من تكلم بعد النهي، لكن نهوا عن ذلك، ولهذا قال: ~~يحدث من أمره ما يشاء (4) . ### | معارضة أدلة الإمامية بأدلة غيرهم من المبتدعة # والمقصود هنا (5) أنه (*) (6) يقال لهذا الإمامي (7) : إخوانك هؤلاء ~~يقولون: إن قولهم هو الحق دون قولك، وأنت لم تحتج لقولك إلا بمجرد قولك: ~~إنه ليس بجسم، (7 وهؤلاء إخوانك يقولون: إنه جسم 7) (8) ، فناظرهم فإنهم ~~إخوانك في الإمامة وخصومك في التوحيد. # وهكذا ينبغي لك أن تناظر الخوارج الذين هم خصومك، وأما (9) أهل السنة فهم ~~وسط بينك وبين خصومك، وأنت لا تقدر على قطع [خصومك لا] هؤلاء ولا هؤلاء ~~(10) PageV02P257 # فإن قلت: حجتي على هؤلاء أن كل جسم محدث قال لك إخوانك: بل الجسم عندنا ~~ينقسم إلى (1) قسمين: قديم ومحدث، كما أن القائم بنفسه والموجود (2) والحي ~~(3) والعالم والقادر ينقسم إلى قديم ومحدث. # فإن قال النافي: الجسم لا يخلو عن الحوادث، (* وما لم يخل عن الحوادث فهو ~~حادث. # قال له إخوانه: لا نسلم أنه لا يخلو عن (4) الحوادث، وإن سلمنا ذلك فلا ~~نسلم أن ms0383 ما لم يخل عن الحوادث فهو حادث. # فإن (5) قال: الدليل على أنه لا يخلو من الحوادث *) (6) أنه لا يخلو من ~~الأعراض، والأعراض حادثة (7) [فإن العرض لا يبقى زمانين. # وعلى هذا اعتمد كثير من الكلابية في حدوث العالم، وعليه أيضا اعتمد ~~الآمدي (8) وطعن في كل دليل غيره، وذكر أن هذه طريقة الأشعرية. # وضعف ذلك من تعقب كلامه، وقال: هذا يقتضي بناء هذا الأصل العظيم على هذه ~~المقدمة الضعيفة،] وقد رأيت كلام الأشعري نفسه، PageV02P258 # فرأيته اعتمد على أن الأجسام لا تخلو من الاجتماع والافتراق بناء على أن ~~الأجسام مركبة من الجواهر المنفردة، فاحتج باستلزامها لهذا النوع من ~~الأعراض، وهذا النوع حادث؛ لأنه من الأكوان لكنه مبني على الجوهر الفرد، ~~وجمهور العقلاء من المسلمين وغيرهم على نفيه. # والمقصود هنا ذكر ما يبين أصول الطوائف، وأن قول هؤلاء الرافضة المعتزلة ~~من أفسد أقوال طوائف الأمة، فإنه ليس معهم حجة شرعية ولا عقلية يمكنهم ~~الانتصاف بها من إخوانهم أهل البدع، وإن كان أولئك ضالين مبتدعين أيضا (1) ~~، وهم مناقضون لهم غاية المناقضة، فكيف تكون لهم حجة على أهل السنة الذين ~~هم وسط في الإسلام كما أن الإسلام وسط في الملل؟ ! # فإذا قال النافي: الدليل على حدوثها استلزامها للأعراض (2) ] (3) . # قالوا له (4) : ليس هذا قولك و [قول] أئمتك (5) المعتزلة وإنما هو قول ~~PageV02P259 # الأشعرية (1) ، وأما المعتزلة فعندهم أنه قد يخلو عن كثير من الأعراض، ~~وإنما يقولون ذلك في الأكوان أو في الألوان (2) . # وقالوا: لا نسلم أن الأعراض حادثة وأنها لا تبقى زمانين، وهذا القول ~~معلوم البطلان بالضرورة عند جمهور العقلاء، مع أنه ليس قولك وقول شيوخك ~~المعتزلة والرافضة. # [فإن] (3) قال الإمامي النافي: الدليل على أن الجسم لا يخلو من (4) ~~الحوادث أنه لا يخلو من الأكوان، والأكوان حادثة، (* إذ لا يخلو (5) عن ~~الحركة والسكون، وهما حادثان. # قالوا له: لا نسلم أن الأكوان كلها (6) حادثة *) (7) ، ولا نسلم أن ~~السكون حادث، بل يجوز أن يكون لنا جسم قديم أزلي ساكن، ثم تحرك بعد أن لم ~~يكن متحركا (8) ; لأن السكون إن كان عدميا ms0384 جاز أن يحدث أمر وجودي، وإن كان ~~وجوديا جاز أن يزول بحادث (9) . # قال النافي: القديم لا يزول. # قال إخوانه: القديم إن كان معنى عدميا جاز زواله باتفاق (10) [العقلاء] ~~(11) ، (11 فإنه ما من حادث إلا وعدمه قديم 11) (12) ، والسكون عند كثير ~~PageV02P260 # من الناس عدمي، ونحن نختار أنه عدمي فيجوز زواله، وإن كان وجوديا فلا ~~نسلم أنه لا يجوز زواله. # [فإن] قال النافي (1) : السكون [وجودي] ، وإذا كان (2) وجوديا قديما، ~~فالمقتضي (3) لقدمه قديم من لوازم الواجب، فيكون واجبا بوجوب سببه (4) . # قال إخوانه المجسمة: هذا الموضع يرد على جميع الطوائف المنازعين (5) لنا ~~من الشيعة والمعتزلة والأشعرية وغيرهم، فإنهم وافقونا على أن البارئ فعل ~~بعد أن لم يكن فاعلا، فعلم جواز حدوث الحوادث [كلها] (6) بلا (7) سبب حادث. ~~[وهم يصرحون بأنه يجوز - بل يجب (8) - حدوث الحوادث كلها بغير (9) سبب ~~حادث] (10) (11 لامتناع حوادث لا أول لها عندهم 11) (11) ، وإذا جاز ذلك ~~اخترنا (12) أن يكون السكون عدميا، والحادث هو (13) الحركة التي هي وجودية، ~~فإذا جاز إحداث جرم بلا سبب حادث فإحداث حركة بلا سبب حادث أولى. # ولو قيل: إن السكون وجودي، فإذا جاز وجود أعيان بعد أن لم تكن، ~~PageV02P261 # وذلك تحول (1) من أن لا يفعل إلى أن يفعل ; سواء سمي مثل هذا تغيرا ~~وانتقالا (2) أو لم يسم، جاز أن يتحرك الساكن وينتقل (3) من السكون إلى ~~الحركة (4) [وإن كانا وجوديين (5) . # وقول القائل: المقتضي لقدمه من لوازم الوجوب. # جوابه أن يقال: قد يكون بقاؤه مشروطا بعدم تعلق الإرادة بزواله أو بغير ~~ذلك، كما يقولونه في سبب الحوادث، فإن الواجب انتقل من أن لا يفعل إلى أن ~~يفعل، فما كان جوابهم عن ذلك (6) كان جوابا عن هذا، وإن قالوا بدوام ~~الفاعلية بطل قولهم وقولنا. # وبالجملة (7) هل يجوز (8) أن يحدث عن القديم أمر بلا سبب حادث، وترجيح ~~أحد طرفي الممكن بمجرد القدرة؟ وحينئذ فيجوز أن يحدث القادر ما به يزيل ~~السكون الماضي من الحركة، سواء كان ذلك السكون وجوديا أو عدميا] (9) . # قال النافي: هذا يلزم منه أن يكون البارئ محلا للحركة وللحوادث (10) أو ~~للأعراض، وهذا ms0385 باطل. PageV02P262 # قال إخوانه الإمامية: قد صادرتنا على المطلوب فهذا صريح قولنا، فإنا نقول ~~(1) : إنه يتحرك وتقوم به الحوادث والأعراض، فما الدليل على بطلان قولنا؟ # قال النافي: لأن ما قامت به الحوادث لم يخل منها، وما لا يخلو من الحوادث ~~فهو حادث. # قال إخوانه: قولك: ما قامت به الحوادث لم يخل منها، فهذا (2) ليس قول ~~الإمامية ولا قول المعتزلة، وإنما هو قول الأشعرية. وقد اعترف الرازي ~~والآمدي وغيرهما بضعفه وأنه لا دليل عليه، وهم وأنتم تسلمون لنا أنه أحدث ~~الأشياء بعد أن لم يكن هناك حادث بلا سبب حادث، فإذا حدثت (3) الحوادث من ~~غير أن يكون لها أسباب حادثة، جاز أن تقوم به بعد أن لم تكن قائمة به. # فهذا القول الذي يقوله هؤلاء الإمامية، ويقوله (4) من يقوله من الكرامية ~~وغيرهم: من إثبات أنه جسم قديم، وأنه فعل بعد أن لم يكن فاعلا، أو تحرك (5) ~~بعد أن لم يكن متحركا، لا يمكن لهؤلاء الإمامية (6) وموافقيهم من المعتزلة ~~[والكلابية] (7) إبطاله، فإن أصل قولهم بامتناع (* الحوادث به، PageV02P263 # وهؤلاء قد جوزوا ذلك *) (1) ، [ثم الكلابية (2) لا تنفي قيام الحوادث به ~~لانتفاء (3) الصفات، فإنهم يقولون: بقيام أعيان الصفات القديمة به، وإنما ~~ينفون قدم النوع لتجدد أعيانه فإنها حوادث. # وعمدتهم في نفي ذلك أن ما قبل الحوادث لم يخل منها، وهذه مقدمة باطلة عند ~~العقلاء، وقد اعترف بذلك غير واحد من حذاقهم، كالرازي والآمدي وغيرهما، ~~وأما أبو المعالي وأمثاله فلم يقيموا حجة عقلية على هذا المطلوب، وإنما ~~اعتمدوا على تناقض (4) أقوال من نازعهم من الكرامية والفلاسفة وغيرهما. # وتناقض أقوال هذه الطوائف يدل على فساد قولها بمجموع الأمرين، لا يدل على ~~صحة أحدهما بعينه، وحينئذ فإذا كان هناك قول ثالث يمكن القول به مع فساد ~~أحدهما أو كليهما (5) لم يلزم صحة قول الكلابية وجميع الطوائف المختلفين ~~المخالفين للكتاب والسنة، وإنما عندهم إفساد بعضهم قول الآخرين وبيان ~~تناقضه، ليس عندهم قول صحيح يقال به. # ولهذا كانت الفائدة المستفادة من كلامهم نقض بعضهم كلام بعض فلا يعتقد ~~شيء منها، ثم ms0386 إن عرف الحق الذي جاء به الرسول فهو الصواب الموافق لصريح ~~المعقول، وإلا استفيد من ذلك السلامة من PageV02P264 # تلك الاعتقادات الباطلة، وإن لم يعرف الحق فالجهل البسيط خير من الجهل ~~المركب، وعدم اعتقاد الأقوال الباطلة خير من اعتقاد شيء منها] (1) . # (2 وأما المعتزلة فتنفي 2) (2) قيام الحوادث به؛ لأنها أعراض فلا تقوم ~~به، وهؤلاء يقولون: بل تقوم به الأعراض. # وعمدة المعتزلة أنه لو قامت به لكان جسما ; وهؤلاء التزموا أنه جسم. ~~وعمدة هؤلاء في نفي كونه جسما أن الجسم لا يخلو من الحوادث. وهؤلاء قد ~~نازعوهم في هذا وقالوا: بل يخلو (3) عن الحوادث، وقالوا: إن البارئ جسم ~~قديم ; كما تقولون أنتم: إنه (4) ذات قديمة، وإنه فعل بعد أن لم يكن فاعلا، ~~[وتجعلون مفعوله هو فعله] (5) . لكن هؤلاء يقولون: له (6) فعل قائم به ~~ومنفصل عنه ; وهؤلاء يقولون: [له] (7) مفعول منفصل عنه، ولا يقوم به فعل. # وعمدة هؤلاء أنه في الأزل: إن كان ساكنا لم تجز عليه الحركة (8) ; لأن ~~السكون معنى وجودي أزلي فلا يزول، وإن كان متحركا لزم حوادث لا تتناهى، ~~وهؤلاء يقولون: بل كان ساكنا في الأزل، ويقولون: إن (9) PageV02P265 # السكون عدم الحركة، (1 أو عدم الحركة عما يمكن تحريكه 1) (1) ، أو عدمها ~~(2) عما من شأنه أن يتحرك، فلا يسلمون أن السكون أمر وجودي، كما يقولون مثل ~~ذلك (3) في العمى والصمم والجهل البسيط. # (* والقول بأن هذه الأمور عدمية ليس هو قول من يقوله من الفلاسفة وحدهم، ~~كما يظنه بعض المصنفين في الكلام، بل هو قول كثير من النظار المتكلمين أهل ~~القبلة [والصلاة] (4) ، وتنازعهم في هذا كتنازعهم في نظائره، مثل بقاء ~~الأعراض وتماثل الأجسام وغير ذلك *) (5) . # وإن قالوا: إنه وجودي، فلا يسلمون أن (6) كل أزلي يزول، بل يقولون في ~~تبدل (7) السكون بالحركة ما يقوله مناظروهم في تبدل (8) الامتناع بالإمكان، ~~فإن الطائفتين اتفقتا على أن الفعل كان ممتنعا في الأزل فصار ممكنا، فهكذا ~~يقوله هؤلاء في السكون الوجودي إن (9) كان تبدله بالحركة في الأزل (10) ~~ممتنعا وهو - فيما لا يزال - ممكن فتبدل (11) حيث أمكن التبدل (12) ، كما ~~يقولون جميعا ms0387: إنه حدث (13) الفعل حيث كان الحدوث ممكنا. PageV02P266 # فهذا بحث هؤلاء الإمامية والكرامية مع هؤلاء الإمامية ومن وافقهم من ~~المعتزلة [والكلابية] (1) وأتباعهم (2) في هذه الأمور التي يعتمدون فيها ~~على العقل (3) ، وقد أجابهم طائفة من المعتزلة والشيعة (4) ومن وافقهم بأن ~~الدليل [الدال] (5) على حدوث العالم هو هذا الدليل الدال على حدوث الأجسام، ~~فإن لم يكن هذا صحيحا انسد طريق معرفة (6) حدوث العالم وإثبات الصانع (7) . # فقال (8) المخالف لهؤلاء: لا نسلم أن هذا هو الطريق إلى معرفة (9) حدوث ~~العالم ولا إلى إثبات الصانع، بل هذا طريق محدث في الإسلام، لم يكن أحد من ~~الصحابة ولا القرابة (10) ولا التابعين يسلك هذه الطريق (11) ، وإنما سلكها ~~الجهم بن صفوان وأبو الهذيل العلاف ومن وافقهما، ولو كان العلم بإثبات ~~الصانع وحدوث العالم (12) لا يتم إلا بهذه الطريق لكان بيانها من الدين، ~~ولم يحصل الإيمان إلا بها. # ونحن نعلم بالاضطرار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر هذه الطريق ~~لأمته، ولا دعاهم بها ولا إليها (13) ولا أحد من الصحابة. فالقول بأن (14) ~~الإيمان موقوف عليها مما يعلم بطلانه بالضرورة من دين الإسلام، PageV02P267 # وكل أحد يعلم أنها طريق محدثة لم يسلكها السلف، والناس متنازعون في ~~صحتها، فكيف يقولون: إن العلم بالصانع والعلم بحدوث العالم موقوف عليها؟ # وقالوا: (1) [بل هذه الطريقة تنافي العلم بإثبات الصانع، وكونه خالقا ~~للعالم آمرا بالشرائع، مرسلا للرسل، فالذين ابتدعوها من الجهمية والمعتزلة ~~ومن وافقهم قالوا: إنها صحيحة في العقل، وإن العلم بالنبوة وصحة دين ~~الإسلام لا يتم إلا بها. # وقولهم: إن العلم بذلك لا يتم إلا بها، مما أنكره عليهم جماهير الأمة من ~~الأولين والآخرين، لا سيما السلف والأئمة، وكلامهم في تبديع أهل هذا الكلام ~~وذمه وذم أهله ونسبتهم إلى الجهل وعدم العلم من الأمور المتواترة عن السلف. # وكذلك القول بصحتها من جهة العقل هو مما أنكره جمهور أئمة الأمة (2) ، ~~لكن سلم ذلك طوائف من الكرامية والكلابية وغيرهم، ونازعوهم في موجب هذه ~~الطريق، ونازعوهم أيضا في توقف صحة دين الإسلام عليها، كما ذكر ذلك غير ~~واحد ms0388 ; مثل ما ذكره أبو الحسن الأشعري في " رسالته إلى أهل الثغر بباب ~~الأبواب " (3) ، وذكره الخطابي PageV02P268 # وأبو عمر الطلمنكي الأندلسي (1) والقاضي أبو يعلى (2) وغير واحد. # وأما أئمة السنة وطوائف من أهل الكلام فبينوا أن هذه طريقة باطلة في ~~العقل أيضا، وأنها تنافي صحة دين الإسلام، فضلا عن أن تكون شرطا في العلم ~~به، وأين اللازم لدين الإسلام من المنافي له؟ ! # وبينوا أن تقدير ذات لم تزل غير فاعلة ولا متكلمة بمشيئتها وقدرتها، ثم ~~حدوث ما يحدث من مفعولات - مثل كلام مؤلف منظوم وأعيان وغير ذلك - بدون سبب ~~حادث، مما يعلم بطلانه بصريح المعقول، وهو مناقض لكونه سبحانه خلق السماوات ~~والأرض، ولكون القرآن كلام الله، وغير ذلك مما أخبر به الرسل، بل حقيقته أن ~~الرب لم يفعل شيئا ولم يتكلم بشيء لامتناع ما ذكروه من أن يكون فعالا أو ~~مقالا له، كما قد بسط في غير هذا الموضع، إذ المقصود هنا التنبيه على مجامع ~~الطرق والمقالات. # قالت النفاة: فإذا كانت طرقنا في إثبات العلم بالصانع وحدوث السماوات ~~والأرض وإثبات العلم بالنبوة طرقا باطلة] (3) فما الطريق إلى ذلك؟ (4) # قالوا: [أولا] : لا يجب (5) علينا في هذا المقام بيان ذلك، بل المقصود ~~[ههنا] (6) أن هذه طريق محدثة مبتدعة يعلم أنها ليست هي PageV02P269 # الطريق (1) التي جاء بها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فيمتنع أن تكون ~~واجبة أو يكون العلم الواجب أو الإيمان [بصدقه] (2) موقوفا عليها. # وقالوا: (3) كل من العلم بالصانع وحدوث العالم له طرق كثيرة متعددة. ### | طرق إثبات وجود الله عند أهل السنة # أما إثبات الصانع فطرقه لا تحصى، بل الذي عليه جمهور العلماء (4) أن ~~الإقرار بالصانع فطري ضروري مغروز (5) في الجبلة، (6) ، [ولهذا كانت دعوة ~~عامة الرسل إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وكان عامة الأمة مقرين بالصانع ~~مع إشراكهم به بعبادة ما دونه، والذين أظهروا إنكار الصانع كفرعون خاطبتهم ~~الرسل خطاب من يعرف أنه حق، كقول موسى لفرعون: {لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا ~~رب السماوات والأرض بصائر} [سورة الإسراء: 102] ، ولما قال فرعون: {وما ms0389 رب ~~العالمين} [سورة الشعراء: 23] ، قال له موسى: {رب السماوات والأرض وما ~~بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم ~~الأولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون قال رب المشرق والمغرب وما ~~بينهما إن كنتم تعقلون} [سورة الشعراء: 24 - 28] . PageV02P270 # ولما قال فرعون: {فمن ربكما ياموسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم ~~هدى} [سورة طه: 49 - 50] ، فكان جواب موسى له جوابا للمتجاهل الذي يظهر أنه ~~لا يعرف الحق وهو معروف عنده، فإن سؤال فرعون بقوله: {وما رب العالمين} ~~استفهام إنكار لوجوده، ليس هو استفهام طلب لتعريف ماهيته كما ظن ذلك بعض ~~المتأخرين، وقالوا: إن فرعون طالبه ببيان الماهية، فعدل عن ذلك لامتناع ~~الجواب بذكرها، فإن هذا غلط منهم، فإن فرعون لم يكن مقرا بالصانع ألبتة، بل ~~كان جاحدا له، وكان استفهامه استفهام إنكار لوجوده، ولهذا قال: {ما علمت ~~لكم من إله غيري} [سورة القصص: 38] ، وقال: {أنا ربكم الأعلى} [سورة ~~النازعات: 24] ، ولو كان مقرا بوجوده طالبا لمعرفة ماهيته لم يقل هذا، ~~ولكان موسى ما أجابه إجابة لم تذكر فيها ماهيته (1) . # مع أن القول بأن الماهية هي ما يقوله المنطقيون من ذكر الذاتي المشترك ~~والذاتي المميز، وهما الجنس والفصل، كلام باطل قد بسط الكلام عليه في غير ~~هذا الموضع، وبين أن الماهية المغايرة للوجود الخارجي إنما هي ما يتصور في ~~الذهن، فإن ما في الأذهان من الصور الذهنية ليس هو نفس الموجودات الخارجية. # وأما دعوى أهل المنطق اليوناني أن في الخارج ماهية ووجودا غير ~~PageV02P271 # الماهية، وأن الصفات اللازمة تنقسم إلى لازمة مقومة داخلة في الماهية، ~~ومفارقة عرضية لها غير مقومة، وإلى لازمة لوجودها الخارجي دون ماهيتها ~~الخارجية، فكلام باطل من وجوه متعددة، كما قد بسط هذا في موضعه، وبين أن ~~الصفات تنقسم إلى لازمة للموصوف وعارضة له فقط، كما عليه نظار المسلمين من ~~جميع الطوائف، وبين كلام نظار المسلمين في الحد والبرهان، وأن كلامهم في ~~صريح المعقول أصح من كلام المتفلسفة اليونان ومن اتبعهم من المنتسبين إلى ~~الملل ms0390] (1) . # وأيضا فنفس حدوث الإنسان يعلم (2) به (3) صانعه، وكذلك حدوث كل ما يشاهد ~~(4) حدوثه، وهذه الطريقة مذكورة في القرآن (5) . # وأيضا، فالوجود يستلزم إثبات موجد قديم واجب بنفسه (6) ، ونحن نعلم أن من ~~الموجودات ما هو حادث، فقد علم بالضرورة انقسام الموجود (7) إلى قديم واجب ~~بنفسه وإلى محدث. ### | [طرق إثبات حدوث العالم] # وأما حدوث العالم فيمكن علمه (8) بالسمع وبالعقل، فإنه يمكن العلم ~~بالصانع إما بالضرورة والفطرة، وإما بمشاهدة حدوث المحدثات (9) ، ~~PageV02P272 # وإما بغير ذلك، ثم يعلم صدق الرسول بالطرق الدالة على ذلك وهي كثيرة، ~~ودلالة المعجزات طريق من الطرق، وطريق التصديق لا تنحصر في المعجزات، ثم ~~يعلم بخبر الرسول حدوث العالم. # وأما بالعقل فيعلم (1) أن العالم لو كان قديما لكان: إما واجبا بنفسه، ~~وهذا باطل كما تقدم التنبيه عليه (2) من أن كل جزء من أجزاء العالم مفتقر ~~إلى غيره، والمفتقر إلى غيره لا يكون واجبا بنفسه ; وإما واجبا بغيره فيكون ~~المقتضي له موجبا بذاته بمعنى (3) أنه مستلزم لمقتضاه، سواء كان شاعرا ~~مريدا أم (4) لم يكن، فإن القديم الأزلي إذا قدر أنه معلول مفعول (5) ، فلا ~~بد من أن تكون علة (6) تامة مقتضية له في الأزل، وهذا هو الموجب بذاته، ولو ~~كان مبدعه موجبا بذاته (7) علة تامة لم يتأخر عنه شيء من معلوله (8) ~~ومقتضاه، والحوادث مشهودة في العالم، فعلم أن فاعله ليس علة تامة، [وإذا لم ~~يكن علة تامة] (9) لم يكن قديما. # وهذه (10) الحوادث التي في العالم إن قيل: إنها من لوازمه امتنع أن ~~PageV02P273 # تكون العلة الأزلية التامة علة للملزوم (1) دون لازمه، وامتنع أيضا أن ~~يكون علة للازمه ; لأن العلة التامة الأزلية لا تقتضي حدوث شيء، وإن (2) لم ~~تكن الحوادث من لوازمه كانت حادثة بعد أن لم تكن، فإن (3) لم يكن لها محدث ~~لزم حدوث الحوادث (4) بلا محدث، وهذا مما يعلم بطلانه بالضرورة، وإن كان ~~لها محدث غير الواجب بنفسه، كان القول في حدوث إحداثه إياها كالقول في ذلك ~~المحدث، وإن (5) كان الواجب بنفسه هو المحدث فقد حدثت عنه الحوادث بعد أن ~~لم تكن حادثة، وحينئذ ms0391 فيكون قد تغير (6) وصار محلا للحوادث بعد أن لم يكن، ~~والعلة التامة الأزلية لا يجوز عليها التغير والانتقال من حال إلى حال، ~~وذلك لأن تغيرها لا بد أن يكون بسبب حادث، والعلة التامة [الأزلية] (7) لا ~~يجوز أن يحدث فيها حادث، فإنه إن حدث (8) بها مع أنه لم يتجدد شيء لزم ~~الحدوث بلا سبب (9) ، وإن لم يحدث بها لزم حدوث الحوادث بلا فاعل، فبطل أن ~~تكون علة تامة أزلية، وإن جوز مجوز (10) عليها الانتقال من حال إلى حال، ~~جاز أن يحدث العالم بعد أن لم يكن، فبطل (11) حجة من يقول بقدم العالم. ~~PageV02P274 # وأيضا، فإنه على هذا التقدير (1) لا يكون المنتقل (2) من حال إلى حال إلا ~~فاعلا بالاختيار لا موجبا بالذات. وإيضاح هذا (3) أن الحوادث إما أن يجوز ~~دوامها لا إلى أول، وإما أن يجب أن يكون لها أول، فإن وجب أن يكون لها أول ~~بطل مذهب القائلين بقدم العالم القائلين بأن حركات (4) الأفلاك أزلية. # وأيضا، فإذا وجب أن يكون لها أول لزم حدوث العالم لأنه متضمن للحوادث (5) ~~، فإنه إما أن يكون مستلزما للحوادث أو (6) تكون عارضة له، فإن كان مستلزما ~~لها ثبت أنه لا يخلو عنها، فإذا (7) كان لها ابتداء كان له (8) (* ابتداء ~~لازما لا يخلو عن الحوادث لا يسبقها ولا يتقدم عليها، فإذا قدر (9) أن ~~الحوادث كلها كائنة بعد أن لم يكن حادث أصلا، كان المقرون بها الذي لم ~~يتقدمها كائنا (10) بعد أن لم يكن قطعا *) (11) ، وإن كانت الحوادث (12) ~~عارضة للعالم (13) ثبت حدوث الحوادث بلا سبب، (* وإذا جاز حدوث الحوادث ~~[كلها] (14) بلا سبب [حادث] (15) ، جاز حدوث العالم بلا سبب حادث *) (16) ~~(17) ، (* فبطلت كل حجة توجب قدمه، وكان القائل بقدمه قائلا بلا حجة أصلا ~~*) (18) . PageV02P275 # وإذا قيل: يجوز أن يكون العالم قديما عن علته (1) بلا حادث فيه، ثم حدثت ~~فيه الحوادث كان هذا باطلا ; لأنه إذا جاز أن يحدثها (2) بعد أن لم يكن ~~محدثا (3) لم يكن موجبا (4) بل فاعلا باختياره ومشيئته، (5 والفاعل ~~باختياره ومشيئته 5) (5) لا يقارنه مفعوله، كما قد بسط في موضعه. # ولأنه ms0392 على هذا يجب أن يقارنه القديم من مفعولاته، ويجب أن (6) يبقى معطلا ~~عن الفعل إلى أن يحدث الحوادث، فإيجاب تعطيله (7) وإيجاب فعله جمع بين ~~الضدين (8) ، وتخصيص (9) بلا مخصص (10) ، فإنه (11) بذاته إما أن يجب أن ~~يكون فاعلا في الأزل. (12 وإما أن يمتنع كونه فاعلا في الأزل، وإما أن يجوز ~~الأمران. # فإن وجب كونه فاعلا في الأزل، جاز حدوث الحوادث في الأزل، ووجب أن لا ~~يكون لها ابتداء، والتقدير أن لها ابتداء 12) (12) ، وإن امتنع كونه ~~[فاعلا] (13) في الأزل امتنع أن يكون شيء قديم (14) في الأزل غيره، فلا ~~يجوز قدم العالم خاليا عن الحوادث ولا مع الحوادث. PageV02P276 # وإن جاز أن يكون فاعلا في الأزل (1 وجاز أن لا يكون لم يمتنع أن يكون ~~فاعلا في الأزل 1) (1) ، فجاز (2) حدوث الحوادث في الأزل. (3) [وإن قيل: بل ~~يكون فاعلا لغير الحوادث ثم يحدث الحوادث فيما لا يزال ; كما يقوله من يقول ~~(4) بقدم العقول والنفوس، وأن الأجسام حدثت عن بعض ما حدث للنفس من ~~التصورات والإرادات (5) ، وكما يقوله من يقول بقدم القدماء الخمسة (6) ، ~~كان هذا من أفسد الأقوال ; لأنه يستلزم حدوث الحوادث بلا سبب حادث أوجب ~~حدوثها إذ لم يكن هناك ما يقتضي تجدد إحداث الحوادث، مع أن قول القائل بقدم ~~النفس يقتضي دوام حدوث الحوادث، فإن ما يحدث من تصورات النفس وإراداتها ~~حوادث دائمة عندهم، وإذا كان القول بحدوث الحوادث بلا سبب حادث (7) ، لم ~~يكن هناك سبب يدل على قدم شيء من العالم، والذين قالوا بدوام معلول معين ~~عنه التزموا دوام الفاعلية فرارا من هذا المحذور، فإذا كان هذا لازما لهم ~~على التقديرين، لم يكن لهم حاجة إلى ذلك الممتنع عند جماهير العقلاء. ~~PageV02P277 # ففي الجملة جواز كونه فاعلا في الأزل، يستلزم جواز حدوث الحوادث في ~~الأزل، ولهذا لم يعرف من قال بكونه فاعلا في الأزل مع امتناع دوام الحوادث، ~~فإن القائلين بحدوث الأجسام عن تصور من تصورات النفس يقولون بدوام الحوادث ~~في النفس، والقائلين بالقدماء الخمسة لا يقولون: إنه فاعل لها في الأزل، بل ~~يقولون: إنها واجبة ms0393 بنفسها، هذا هو المحكي عنهم، وقد يقولون: إنها معلولة ~~له لا مفعولة له] (1) . # فإذا قدر أنه فاعل للعالم في الأزل، وقدر امتناع الحدوث في الأزل، جمع ~~بين [وجوب] (2) كونه فاعلا، وامتناع كونه فاعلا. # وإذا قيل (3) : يفعل ما هو قديم ولا يفعل ما هو حادث. # قيل: فعلى هذا التقدير يجوز تغيير القديم ; لأن التقدير أن المعلول ~~القديم (4) حدثت فيه الحوادث بعد أن لم تكن بلا سبب [حادث] (5) ، والمعلول ~~القديم (6) لا يجوز تغييره فإنه يقتضي (7 تغيير علته التامة الأزلية ~~الموجبة له. ثم على هذا التقدير المتضمن إثبات قديم معلول لله أو 7) (7) ~~إثبات قدماء معلولة (8) عن الله مع حدوث الحوادث (9 الدائمة في ذلك القديم، ~~أو مع تجدد حدوث الحوادث 9) (9) فيها هو (10) قول بحدوث [هذا] (11) ~~PageV02P278 # العالم، كما يذكر ذلك عن ديمقراطيس (1) ومحمد بن زكريا الرازي وغيرهما - ~~وهذا مبسوط في موضعه (2) -[وكما هو قول من يقول بحدوث الأجسام كلها، ~~والرازي قد يجعل القولين قولا واحدا، كما أشار إلى ذلك في " محصله " (3) ~~وغير محصله. وذلك أن المعروف عن الحرنانيين (4) هو القول بالقدماء الخمسة، ~~ثم بنوا عليه تصور النفس و (قد حدث لها عشق) تعلقت بسببه بالهيولي ليكون ~~للأجسام سبب اقتضى حدوثها (5) (6) ، لكنه (7) مع هذا باطل، فإن (8) حدوث ~~الحوادث بلا سبب إن كان ممتنعا بطل هذا القول ; لأنه يتضمن حدوث الحوادث ~~بلا سبب، (9 وإذا كانت أحوال الفاعل واحدة، وهو لا يقوم به شيء من الأمور ~~الاختيارية امتنع أن يختص بعض الأحوال بسبب يقتضي حدوث الأجسام 9) (9) ، ~~وإن PageV02P279 # كان ممكنا أمكن حدوث كل ما سوى الله بعد أن لم يكن، وكانت هذه القدماء ~~مما يجوز حدوثه. # وأيضا، فعلى هذا القول يكون موجبا بذاته (1) لمعلولاته (2) ع: لم يصر، ~~وهو خطأ. فاعلا بالاختيار لغيرها، والقول بأحد القولين يناقض الآخر] (3) . ~~. # وإن قيل: إن الحوادث يجوز دوامها، امتنع أن تكون علة أزلية لشيء منها، ~~والعالم لا يخلو منها على هذا التقدير ع (فقط) : والعالم على التقديرين، ~~وفي العبارة نقص وتحريف. بل هو مستلزم لها، فيمتنع أن يكون علة [تامة] ~~تامة: (4) . لها في الأزل ms0394، ويمتنع أن يكون علة للملزوم دون لازمه. # (7 وأيضا، فإن كل ما سوى الواجب يمكن وجوده وعدمه، وكل ما كان كذلك فإنه ~~لا يكون إلا موجودا بعد عدمه 7) (5) . (6) (7) . [وأيضا، فإن القول بأن ~~المفعول المعين يقارن فاعله أزلا وأبدا مما يعلم بطلانه بضرورة العقل، ~~ولهذا كان هذا مما اتفق عليه جماهير العقلاء من الأولين والآخرين، حتى ~~أرسطو وأصحابه القدماء ومن اتبعه من المتأخرين، فإنهم متفقون على أن كل ما ~~أمكن وجوده وعدمه لا يكون PageV02P280 # إلا محدثا مسبوقا بالعدم. وإنما أثبت ممكنا قديما ابن سينا ومن وافقه، ~~وقد أنكر ذلك عليه إخوانه الفلاسفة وبينوا أنه خالف في ذلك قول سلفه، كما ~~ذكر ذلك ابن رشد وغيره، وكذلك عامة العقلاء من جميع الطوائف متفقون على أن ~~كل ما يقال: إنه مفعول أو مبدع أو مصنوع لا يكون إلا محدثا. # ولهذا كان جماهير العقلاء إذا تصوروا أنه خلق السماوات والأرض تصوروا أنه ~~أحدثها، لا يتصور في عقولهم أن تكون مخلوقة قديمة، وإن عبر عن ذلك بعبارات ~~أخر مثل أن يقال: هي مبدعة قديمة أو مفعولة قديمة ونحو ذلك، بل هذا وهذا ~~جمع بين الضدين عند عامة العقلاء، وما يذكره من يثبت مقارنة المفعول لفاعله ~~من قولهم: حركت يدي فتحرك الخاتم ونحوه، تمثيل غير مطابق ; لأنه ليس في شيء ~~مما يذكرونه علة فاعلة تقدمت على المعلول المفعول، وإنما الذي تقدم في ~~اللفظ شرط أو سبب كالشرط، ومثل ذلك يجوز أن يقارن المشروط، هذا إذا سلم ~~مقارنة الثاني للأول، وإلا ففي كثير مما يذكرونه يكون متأخرا عنه مع اتصاله ~~به، كأجزاء الزمان بعضها مع بعض، هو متصل بعضها ببعض مع التأخر. # وأما ما ذكره الرازي في " محصله " وغير محصله ; حيث قال (1) .: " اتفق ~~المتكلمون على أن القديم يمتنع استناده (2) . إلى الفاعل، واتفقت ~~PageV02P281 # الفلاسفة على أنه غير ممتنع زمانا، فإن العالم قديم عندهم زمانا مع أنه ~~فعل الله تعالى ". # فيقال: أما نقله عن المتكلمين فصحيح، وهو قول جماهير العقلاء من جميع ~~الطوائف، وأما نقله عن الفلاسفة، فهو قول طائفة ms0395 منهم كابن سينا، وليس هو ~~قول جمهورهم: لا القائلين بقدم العالم كأرسطو وأتباعه، ولا القائلين بحدوث ~~صورته، وهم جمهور الفلاسفة، فإن القائلين بقدمه لم يكونوا يثبتون له فاعلا ~~مبدعا كما يقوله ابن سينا، بل منهم من لا يثبت له علة فاعلة. وأرسطو يثبت ~~له علة غائية يتشبه بها الفلك، لم يثبت علة فاعلة، كما يقوله ابن سينا ~~وأمثاله، وأما من قبل أرسطو فكانوا يقولون بحدوث السماوات، كما يقوله أهل ~~الملل. # ثم قال الرازي: " وعندي أن الخلاف في هذا المقام لفظي؛ لأن المتكلمين ~~يمتنعون من إسناد القديم (1) . إلى المؤثر الموجب بالذات، وكذلك زعم مثبتو ~~الحال (2) . بناء على أن عالمية الله وعلمه (3) . قديمان (4) .، مع أن ~~العالمية والقادرية معللة بالعلم والقدرة المحصل: مع أن العالمية معللة ~~بالعلم. . وزعم أبو هاشم أن العالمية والقادرية والحيية والموجودية (5) ~~معللة بحال (6) . خامسة مع أن الكل PageV02P282 # قديم. وزعم أبو الحسين (1) . أن العالمية حال (2) . معللة بالذات، وهؤلاء ~~وإن كانوا يمتنعون عن إطلاق لفظ القديم على هذه الأحوال، ولكنهم يغطون ~~المعنى (3) . في الحقيقة ". # فيقال: ليس في المتكلمين من يقول بأن المفعول قد يكون قديما: سواء كان ~~الفاعل يفعل بمشيئته، أو قدر أنه يفعل بذاته بلا مشيئة، والصفات اللازمة ~~للموصوف: فإن قيل: إنها قديمة فليست مفعولة عند أحد من العقلاء، بل هي ~~لازمة للذات بخلاف المفعولات الممكنة المباينة للفاعل، فإن هذا هو المفعول ~~الذي أنكر جمهور العقلاء على من قال بقدمه، والمتكلمون وسائر جمهور العقلاء ~~متفقون على أن المفعول لا يكون قديما، وإن قدر أنه فاعل بالطبع كما تفعل ~~الأجسام الطبيعية، فما ذكره عن المتكلمين فليس بلازم لهم. # ثم قال (4) .: " وأما الفلاسفة فإنهم إنما جوزوا إسناد العالم القديم إلى ~~البارئ لكونه عندهم (5) . موجبا بالذات، حتى لو اعتقدو فيه كونه فاعلا ~~بالاختيار لما جوزوا كونه موجبا (6) . للعالم القديم ". PageV02P283 # قال (1) .: " فظهر من هذا اتفاق الكل على جواز إسناد القديم إلى الموجب ~~القديم وامتناع إسناده إلى المختار ". # فيقال: بل الفلاسفة في كونه يفعل بمشيئته على قولين معروفين لهم. وأبو ~~البركات وغيره يقولون بأنه فاعل ms0396 بمشيئته مع قولهم بقدم العالم، فتبين أن ما ~~ذكره عن المتكلمين باطل، وما ذكره عن الفلاسفة باطل. # أما الفلاسفة فعلى قولين، وأما المتكلمون فمتفقون على بطلان ما حكاه عنهم ~~أو ألزمهم به، بل هم وجمهور العقلاء يقولون: يعلم بالضرورة أن كل مفعول فهو ~~محدث، ثم كونه مفعولا بالمشيئة أو بالطبع مقام ثان (2) . . # وليس العلم بكون المفعول محدثا مبنيا على كون الفاعل مريدا، فإن الفعل ~~عندهم لا يكون ابتداؤه إلا من قادر مريد، لكن هذه قضية قائمة بنفسها، وهذه ~~قضية قائمة بنفسها، وكل منهما دليل على حدوث كل ما سوى الله، وهما أيضا ~~قضيتان متلازمتان. # وهذه الأمور لبسطها موضع آخر، ولكن المقصود هنا أن المبطلين لأصول ~~الجهمية والمعتزلة من أهل السنة والشيعة وغيرهم يقولون بهذه PageV02P284 # الطرق] (1) .، فهذه الطرق (2) . وغيرها مما يبين (3) . به حدوث كل (4) ما ~~سوى الله [تعالى] (5) .، سواء قيل بأن كل حادث مسبوق بحادث أو لم يقل. # وأيضا (6) .، فما يقوله قدماء الشيعة والكرامية ونحوهم، لهؤلاء (7) . أن ~~يقولوا: نحن علمنا أن العالم مخلوق بما فيه من آثار الحاجة، كما قد تبين ~~(8) . قبل هذا أن كل جزء من العالم محتاج، فلا يكون (9 واجبا بنفسه، فيكون ~~9) (9) . مفتقرا إلى الصانع، فثبت (10) . الصانع بهذا الطريق. # ثم يقولوا (11) .: ويمتنع وجود حوادث لا أول لها، فثبت حدوثه بهذا ~~الطريق. # ولهذا كان محمد بن الهيصم (12) . ومن وافقه كالقاضي أبي خازم بن ~~PageV02P285 # القاضي أبي يعلى (1) . [في كتابه المسمى " بالتلخيص "] (2) . لا يسلكون ~~في إثبات الصانع الطريق التي يسلكها [أولئك " المعتزلة (3) . ومن وافقهم ~~[حيث يثبتون أولا حدوث العالم بحدوث الأجسام، ويجعلون ذلك هو الطريق إلى ~~إثبات الصانع] (4) .، بل يبتدئون (5) . بإثبات الصانع ثم يثبتون حدوث ~~العالم بتناهي الحوادث ولا يحتاجون أن يقولوا: كل جسم [محدث] (6) . . # وبالجملة فالتقديرات أربعة، فإن الحوادث: إما أن يجوز دوامها، [وإما أن ~~يمتنع دوامها ويجب أن يكون لها ابتداء] (7) ، وعلى التقديرين: PageV02P286 # فإما أن يكون كل جسم محدثا (1) . وإما أن [لا] يكون، [وقد قال] بكل قول ~~طائفة من أهل القبلة وغيرهم (2) . . # وكل هؤلاء يقولون بحدوث الأفلاك وأن الله أحدثها ms0397 بعد عدمها، ليس فيهم من ~~يقول بقدمها، فإن ذلك قول الدهرية، سواء قالوا: [مع ذلك بإثبات عالم معقول ~~كالعلة الأولى، كما يقوله الإلهيون منهم، أو لم يقولوا بذلك، كما يقوله ~~الطبيعيون منهم ; وسواء قالوا: إن تلك العلة الأولى هي علة غائية، بمعنى أن ~~الفلك يتحرك للتشبه بها، كما هو قول أرسطو وأتباعه، أو قالوا: إنها علة ~~مبدعة للعالم، كما يقوله ابن سينا وأمثاله ; أو قيل بالقدماء الخمسة كما ~~يقوله الحرنانيون (3) . ونحوهم، أو قيل بعدم صانع لها] (4) .: سواء قيل ~~بوجوب [ثبوت] وجودها (5) . أو حدوثها لا بنفسها، أو وجوب وجود المادة وحدوث ~~الصورة بلا محدث، كما يذكر عن الدهرية المحضة منهم. # مع أن كثيرا من الناس يقولون (6) .: إن هذه الأقوال من جنس أقوال (7) ~~السوفسطائية التي لا تعرف عن قوم معينين، وإنما هي شيء يخطر لبعض الناس في ~~بعض الأحوال (8) . PageV02P287 # وإذا كان كذلك، فقد تبين أنه ليس لهذا الإمامي، وأمثاله من متأخري ~~الإمامية والمعتزلة وموافقيهم حجة (1) . عقلية على بطلان قول إخوانهم من ~~متقدمي الإمامية وموافقيهم (2 الذين نازعوهم في مسائل الصفات والقرآن وما ~~يتبع 2) (2) . ذلك فكيف يكون حالهم (3) مع أهل السنة الذين هم أصح عقلا ~~ونقلا؟ ! (4) . . ### | الرد على قوله عن الإمامية إنهم يقولون إن الله قادر على جميع المقدورات # (فصل) # وأما قوله عن الإمامية: إنهم يقولون (5) . # فهذا ملبس (6) . لا فائدة فيه. (7) . [فإن قول القائل: إنه قادر على جميع ~~المقدورات يراد به شيئان: أحدهما: أنه قادر على كل ممكن، فإن كل ممكن هو ~~مقدور، بمعنى أنه يقدر القادر على فعله. PageV02P288 # والثاني: أن يراد به أنه قادر على كل ما هو مقدور له، لا يقدر على ما ليس ~~بمقدور له. # والمعنى الأول هو مراد أهل السنة المثبتين للقدر إذا قالوا: هو قادر على ~~كل مقدور، فإنهم يقولون: إن الله قادر على كل ما يمكن أن يكون مقدورا لأي ~~قادر كان، فما من أمر ممكن في نفسه إلا والله قادر عليه، لا يتصور عندهم أن ~~يقدر العباد على ما لم يقدر الله عليه، وهذا معنى قوله تعالى ms0398: {إنه على كل ~~شيء قدير} [سورة فصلت: 39] . # فأما الممتنع لنفسه فإنه ليس بشيء عند عامة العقلاء. وإنما تنازعوا في ~~المعدوم الممكن: هل هو شيء أم لا؟ # فأما الممتنع، فلم يقل أحد: إنه شيء ثابت في الخارج، فإن الممتنع هو ما ~~لا يمكن وجوده في الخارج، مثل كون الشيء موجودا معدوما، فإن هذا ممتنع ~~لذاته لا يعقل ثبوته في الخارج، وكذلك كون الشيء أسود كله أبيض كله، وكون ~~الجسم الواحد بعينه في الوقت الواحد في مكانين. # والممتنع يقال على الممتنع لنفسه مثل هذه الأمور، وعلى الممتنع لغيره: ~~مثل ما علم الله تعالى أنه لا يكون وأخبر أنه لا يكون وكتب أنه لا يكون، ~~فهذا لا يكون. # وقد يقال: إنه يمتنع أن يكون ; لأنه لو كان للزم أن يكون علم الله بخلاف ~~معلومه، وخبره بخلاف مخبره ; لكن هذا هو ممكن في نفسه والله قادر عليه، كما ~~قال: {بلى قادرين على أن نسوي بنانه} [سورة القيامة: 4] ، وقال تعالى: ~~{وإنا على ذهاب به لقادرون} [سورة # PageV02P289 # المؤمنون: 18] ، وقال تعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من ~~فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض} [سورة ~~الأنعام: 65] . # وقد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «لما نزل ~~قوله تعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم} ، قال: " ~~أعوذ بوجهك "، {أو من تحت أرجلكم} ، قال: " أعوذ بوجهك "، {أو يلبسكم شيعا ~~ويذيق بعضكم بأس بعض} ، قال: " هاتان أهون» (1) . . # ومن ذلك قوله تعالى: {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها} [سورة السجدة: 13] ، ~~{ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة} [سورة هود: 118] ، {ولو شاء الله ما ~~اقتتلوا} [سورة البقرة: 253] ، {إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا ~~من السماء} [سورة سبأ: 9] (2) .، وأمثال ذلك مما أخبر الله تعالى أنه لو ~~شاء لفعله، فإن هذه الأمور التي أخبر الله أنه لو شاء لفعلها تستلزم أنها ~~ممكنة مقدورة له. # وقد تنازع الناس في خلاف المعلوم: هل هو ممكن مقدور، كإيمان ms0399 PageV02P290 # الكافر الذي علم الله أنه لا يؤمن؟ والذين زعموا أن الله يكلف العبد ما ~~هو ممتنع، احتجوا بتكليفه وزعموا أن إيمانه ممتنع لاستلزامه انقلاب علم ~~الله جهلا. # وجوابهم أن لفظ " الممتنع " مجمل، يراد به الممتنع لنفسه، ويراد به ما ~~يمتنع لوجود غيره، فهذا الثاني يوصف بأنه ممكن مقدور بخلاف الأول. وإيمان ~~من علم الله أنه لا يؤمن مقدور له لكنه لا يقع، وقد علم الله أنه لا يؤمن ~~مع كونه مستطيع الإيمان، كمن علم أنه لا يحج مع استطاعته الحج. # ومن الناس من يدعي أن الممتنع لذاته مقدور، ومنهم من يدعي إمكان أمور ~~يعلم بالعقل امتناعها. وغالب هؤلاء لا يتصور ما يقوله حق التصور، أو لا ~~يفهم ما يريده الناس بتلك العبارة، فيقع الاشتراك والاشتباه في اللفظ أو في ~~المعنى. # وحقيقة الأمر ما أخبر الله به في غير موضع من كتابه: أنه على كل شيء ~~قدير، كما تقدم بيانه، وهذا مذهب أهل السنة المثبتين للقدر. # وأما القدرية من الإمامية والمعتزلة وغيرهم، فإذا قالوا: إنه قادر على كل ~~المقدورات لم يريدوا بذلك ما يريده أهل الإثبات، وإنما يريدون بذلك أنه ~~قادر على كل ما هو مقدور له، وأما نفس أفعال العباد - من الملائكة والجن ~~والإنس - فإن الله لا يقدر عليها عند القدرية، وإنما تنازعوا: هل يقدر على ~~مثلها؟ # وإذا كان كذلك كان قولهم: إنه قادر على كل مقدور، إنما (1) . يتضمن ~~PageV02P291 # أنه قادر على كل ما هو مقدور له، وغيره أيضا هو قادر على كل مقدور له. ~~لكن غاية ما يقولون: إنه قادر على مثل مقدور العباد، والعبد لا يقدر على ~~مثل مقدور قادر آخر. # وبكل حال، فإذا كان المراد أنه قادر على ما هو مقدور له، كان هذا بمنزلة ~~أن يقال: هو عالم بكل ما يعلمه، وخالق لكل ما يخلقه، ونحو ذلك من العبارات ~~التي لا فائدة فيها] (1) . مثل أن يقول القائل: إنه فاعل لجميع المفعولات، ~~ومثل أن يقال: زيد عالم بكل (2) . ما يعلمه وقادر على كل ما يقدر (3) . ~~وفاعل لكل ms0400 ما يفعله (4) . . # فإن (5) . الشأن (6) . في بيان المقدورات: هل هو على كل شيء قدير؟ فمذهب ~~(7) . هؤلاء الإمامية وشيوخهم القدرية أنه ليس على كل شيء قديرا (8) .، وأن ~~العباد يقدرون على ما لا يقدر عليه، ولا يقدر أن يهدي ضالا، ولا يضل ~~مهتديا، ولا يقيم قاعدا باختياره، ولا يقعد قائما باختياره، ولا يجعل أحدا ~~[مسلما] (9) . مصليا ولا صائما ولا حاجا ولا معتمرا، ولا PageV02P292 # يجعل الإنسان لا مؤمنا ولا كافرا ولا برا ولا فاجرا، ولا يخلقه هلوعا إذا ~~مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا، فهذه الأمور كلها ممكنة ليس فيها ما ~~هو ممتنع لذاته، وعندهم أن الله لا يقدر على شيء منها (1) .، فظهر تمويههم ~~بقولهم [إن الله] قادر (2) . على جميع المقدورات. # وأما أهل السنة فعندهم أن الله [تعالى] (3) . على كل شيء قدير، وكل ممكن ~~فهو مندرج في هذا. # وأما المحال لذاته، مثل كون الشيء الواحد [موجودا] (4) . معدوما، فهذا لا ~~حقيقة له، ولا يتصور وجوده (5) .، ولا يسمى شيئا باتفاق العقلاء، ومن هذا ~~الباب: خلق مثل نفسه، وأمثال ذلك. PageV02P293 ### | [التعليق على قوله إنه عدل حكيم لا يظلم أحدا ولا يفعل القبيح وإلا لزم الجهل أو الحاجة] # وأما قوله (1) .: إنه " عدل حكيم لا يظلم أحدا، ولا يفعل القبيح - وإلا ~~لزم الجهل أو الحاجة (2) ، تعالى الله عنهما ". # فيقال له: هذا متفق عليه بين المسلمين من حيث الجملة: أن الله لا يفعل ~~قبيحا ولا يظلم أحدا، ولكن النزاع في تفسير ذلك، فهو (3) . إذا كان خالقا ~~لأفعال العباد هل (4) . يقال: إنه فعل ما هو قبيح منه وظلم أم لا؟ # فأهل السنة المثبتون للقدر (5) . يقولون: ليس هو بذلك ظالما ولا فاعلا ~~قبيحا، والقدرية يقولون: لو كان خالقا لأفعال العباد كان ظالما فاعلا لما ~~هو قبيح (6) . . # وأما كون الفعل قبيحا من فاعله فلا يقتضي أن يكون قبيحا من خالقه، كما أن ~~كونه أكلا وشربا لفاعله لا (7) . يقتضي أن يكون كذلك (8) . لخالقه ; لأن ~~الخالق خلقه في غيره لم يقم بذاته، فالمتصف به من قام به الفعل لا من خلقه ~~في غيره، كما ms0401 أنه إذا خلق لغيره لونا وريحا وحركة وقدرة وعلما (9) ~~PageV02P294 # كان ذلك الغير هو المتصف بذلك اللون والريح والحركة والقدرة والعلم، فهو ~~المتحرك بتلك الحركة، والمتلون بذلك اللون، والعالم بذلك العلم، والقادر ~~بتلك القدرة، فكذلك (1) . إذا خلق في غيره كلاما أو صلاة أو صياما (2) . أو ~~طوافا كان (3) . ذلك الغير هو المتكلم بذلك الكلام، وهو المصلي، وهو ~~الصائم، وهو الطائف. (4) . [وكذلك إذا خلق في غيره رائحة خبيثة منتنة كان ~~هو الخبيث المنتن، ولم يكن الرب تعالى موصوفا بما خلقه في غيره، وإذا خلق ~~الإنسان هلوعا جزوعا - كما أخبر تعالى بقوله: {إن الإنسان خلق هلوعا إذا ~~مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا} [سورة المعارج: 19 - 21]- لم يكن هو ~~سبحانه لا هلوعا ولا جزوعا ولا منوعا، كما تزعم القدرية أنه إذا جعل ~~الإنسان ظالما كاذبا كان هو ظالما كاذبا، تعالى عن ذلك! # وهذا يدل على قول جماهير المثبتين للقدر القائلين بأنه خالق أفعال ~~العباد، فإنهم يقولون: إن الله تعالى خالق العبد وجميع ما يقوم به من ~~إرادته وقدرته وحركاته وغير ذلك. # وذهبت طائفة منهم من الكرامية وغيرهم، كالقاضي أبي خازم (5) . بن القاضي ~~أبي يعلى، إلى أن معنى كونه خالقا لأفعال العباد أنه خالق PageV02P295 # للأسباب التي عندها يكون العبد فاعلا ويمتنع ألا يكون فاعلا، فما علم ~~الله أن العبد يفعله خلق الأسباب التي يصير بها فاعلا، ويقولون: إن أفعال ~~العباد وجدت من جهته لا من جهة الله، ويقولون: إن الله تعالى موجدها كما ~~قالوا: إن الله خالقها، ويقولون: إنه لم يكونها ولم يجعلها، ويقولون: إن ~~العبد تحدث له إرادة مكتسبة. لكن قد يقولون: إنها بإرادة ضرورية يخلقها ~~الله، كما ذكر ذلك القاضي أبو خازم (1) . وغيره، وقد يقولون: بل العبد يحدث ~~إرادته مطلقا، كما قالته القدرية. لكن هؤلاء يقولون إن الرب يسر خلق ~~الأسباب التي تبعث داعية على إيقاع ما يعلم أنه يوقعه] (2) . . # ولكن [على قول الجمهور] (3) من قال: إن (4) . الفعل هو المفعول -[كما ~~يقوله الجهم بن صفوان، ومن وافقه كالأشعري وطائفة من أصحاب مالك والشافعي ms0402 ~~وأحمد] (5) - يقول: إن أفعال العباد هي فعل الله. # فإن قال أيضا: وهي فعل لهم (6) . لزمه أن يكون الفعل الواحد لفاعلين، كما ~~يحكى عن أبي إسحاق الإسفراييني (7) وإن لم يقل: هي فعل لهم PageV02P296 # لزمه أن تكون أفعال العباد فعلا لله لا لعباده، كما يقوله [جهم بن صفوان] ~~والأشعري (1) ومن وافقه من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم (2) الذين يقولون: ~~إن الخلق هو المخلوق، وإن أفعال العباد خلق لله [عز وجل] (3) .، فتكون (4) ~~هي فعل الله وهي مفعول الله (5) .، كما أنها خلقه وهي مخلوقه. # (* وهؤلاء [لا] يقولون (6) .: إن العباد فاعلون لأفعالهم حقيقة، ولكن هم ~~مكتسبون لها، وإذا طولبوا (7) بالفرق بين الفعل والكسب لم يذكروا فرقا ~~معقولا. ولهذا كان يقال: عجائب الكلام [ثلاثة] (8) .: أحوال أبي هاشم، ~~وطفرة النظام، وكسب الأشعري *) (9) . PageV02P297 # وهذا الذي ينكره [الأئمة] وجمهور العقلاء (1) .، ويقولون: إنه مكابرة ~~للحس ومخالفة للشرع والعقل (2) . # [وأما جمهور] أهل السنة (3) [المتبعون للسلف والأئمة] (4) فيقولون: إن ~~فعل العبد فعل له حقيقة، ولكنه مخلوق لله ومفعول لله ; لا يقولون: هو نفس ~~فعل الله، ويفرقون بين الخلق والمخلوق، والفعل والمفعول. (5) . [وهذا الفرق ~~الذي حكاه البخاري في كتاب " خلق أفعال العباد " عن العلماء قاطبة (6) .، ~~وهو الذي ذكره غير واحد من السلف والأئمة، وهو قول الحنفية وجمهور المالكية ~~والشافعية والحنبلية، وحكاه البغوي (7) \ 284 عن أهل السنة قاطبة، وحكاه ~~الكلاباذي صاحب " التعرف لمذهب التصوف " عن جميع الصوفية (8) .، وهو قول ~~أكثر طوائف أهل الكلام من الهشامية PageV02P298 # وكثير من المعتزلة والكرامية، وهو قول الكلابية أيضا أئمة الأشعرية فيما ~~ذكره أبو علي الثقفي وغيره على قول الكرامية: " وأثبتوا لله فعلا قائما ~~بذاته غير المفعول، كما أثبتوا له إرادة قديمة قائمة بذاته " (1) ، وذكر ~~سائر الاعتقاد الذي صنفوه لما جرى بينهم وبين ابن خزيمة نزاع في مسألة ~~القرآن، لكن ما أدري هل ذلك قول ابن كلاب نفسه أو قالوه هم بناء على هذا ~~الأصل المستقر عندهم؟] (2) . . ### | [مقالات الرافضة في خلق أعمال العباد] # ثم القدر فيه نزاع بين الإمامية، كما بينهم النزاع في الصفات. # قال أبو الحسن الأشعري (3) \ 110.: " واختلفت الرافضة في أعمال ms0403 العباد ~~(4) . هل هي مخلوقة؟ ن: مخلوقة لله تعالى ; م: مخلوقة لله. وهي (5) . ثلاث ~~فرق: فالفرقة الأولى [منهم] وهم هشام بن الحكم (6) : PageV02P299 # [يزعمون أن أعمال (1) . العباد مخلوقة لله ". # قال: " وحكى جعفر (2) 48. بن حرب عن هشام بن الحكم] (3) . أنه كان يقول: ~~إن [أفعال] (4) الإنسان اختيار له من وجه، اضطرار له من وجه (5) .: اختيار ~~(6) . من وجه أنه أرادها واكتسبها، واضطرار (7) . من جهة أنها لا تكون منه ~~إلا عند حدوث السبب المهيج عليه (8) ". # قال: " والفرقة الثانية منهم: يزعمون أن لا جبر كما قال الجهمي، ولا ~~تفويض كما قالت المعتزلة ; لأن الرواية عن الأئمة (9) - زعموا - جاءت بذلك، ~~ولم يتكلفوا أن يقولوا في أفعال العباد هل هي مخلوقة أم لا شيئا (10) . # والفرقة الثالثة منهم: يزعمون أن أعمال (11) . العباد غير PageV02P300 # مخلوقة لله، وهذا قول قوم يقولون بالاعتزال والإمامة (1) . ". # فإذن، كانت الإمامية على ثلاثة أقوال: منهم من يوافق المثبتة، ومنهم من ~~يوافق المعتزلة، ومنهم من يقف. # [والواقفة معنى قولهم هو معنى قول أهل السنة، ولكن توقفوا في إطلاق ~~اللفظ، فإن أهل السنة لا يقولون بالتفويض - كما تقول القدرية -، ولا بالجبر ~~- كما تقول الجهمية - بل أئمة السنة، كالأوزاعي والثوري وعبد الرحمن بن ~~مهدي وأحمد بن حنبل وغيرهم، متفقون على إنكار قول الجبرية المأثور عن جهم ~~بن صفوان وأتباعه، وإن كان الأشعري يقول بأكثره وينفي الأسباب والحكم، ~~فالسلف مثبتون للأسباب والحكمة. # والمقصود أن الإمامية إذا كان لهم قولان] (2) . كانوا متنازعين في ذلك ~~(3) . كتنازع سائر الناس، لكنهم [فرع على غيرهم في هذا وغيره] (4) .، فإن ~~مثبتيهم (5) . تبع للمثبتة، ونفاتهم تبع للنفاة، [إلا ما اختصوا به من ~~افتراء الرافضة، فإن الكذب والجهل والتكذيب بالحق الذي اختصوا به لم يشركهم ~~فيه أحد من طوائف الأمة. وأما ما يتكلمون به في سائر مسائل PageV02P301 # العلم: أصوله وفروعه، فهم فيه تبع لغيرهم من الطوائف، يستعيرون كلام ~~الناس فيتكلمون به، وما فيه من حق فهو من أهل السنة، لا ينفردون عنهم ~~بمسألة واحدة صحيحة، لا في الأصول ولا في الفروع، إذ كان مبدأ بدعة القوم ~~من قوم منافقين ms0404 لا مؤمنين] (1) . # وحينئذ فهذا النافي يناظر أصحابه في ذلك وهو لم يذكر حجة. وقد تقدم تفصيل ~~(2) . مذاهب أهل السنة في ذلك، وقد ذكر أصحابه عن الأئمة [ما] (3) . يخالف ~~قوله في (4) ذلك. ### | [التعليق على قوله يثيب المطيع ويعفو عن العاصي أو يعذبه] # وأما قوله: " إن الله (5) . يثيب المطيع ويعفو عن العاصي أو يعذبه " (6) ~~. . # فهذا مذهب أهل السنة الخاصة، وسائر من انتسب إلى السنة والجماعة ~~كالكلابية والكرامية والأشعرية والسالمية، وسائر فرق الأمة من المرجئة ~~وغيرهم، والخلاف في ذلك مع (7) . الخوارج والمعتزلة فإنهم يقولون بتخليد ~~أهل الكبائر في النار. # وأما الشيعة فالزيدية منهم (8) تقول (9) . بقول المعتزلة في ذلك، ~~والإمامية على قولين. PageV02P302 # قال الأشعري (1) \ 140.: " وأجمعت (2) . الزيدية أن أصحاب الكبائر كلهم ~~معذبون في النار (3) . خالدون فيها مخلدون أبدا، لا يخرجون منها ولا يغيبون ~~عنها " (4) . ### | مقالات الروافض في الوعيد # قال (5) : " واختلفت الروافض في الوعيد، وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم ~~يثبتون الوعيد على مخالفيهم، ويقولون إنهم يعذبون، (6) ولا (7) يقولون ~~بإثبات الوعيد (8) فيمن قال بقولهم، ويزعمون أن الله (9) يدخلهم الجنة، وإن ~~(10) أدخلهم النار أخرجهم منها ; ورووا (11) في ذلك عن أئمتهم أن ما كان ~~بين الله وبين الشيعة [من المعاصي سألوا الله فيهم فصفح عنهم، وما كان بين ~~الشيعة] (12) وبين الأئمة تجاوزوا عنه، وما كان بين الشيعة وبين الناس من ~~المظالم شفعوا لهم أئمتهم حتى يصفحوا عنهم (13) ". PageV02P303 # قال: " والفرقة الثانية (1) منهم: يذهبون إلى إثبات الوعيد، وأن الله [عز ~~وجل] (2) يعذب كل مرتكب للكبائر (3) من أهل مقالتهم كان أو من غير أهل ~~مقالتهم، ويخلدهم في النار ". # وهذا قول أئمة هذا الإمامي من (4) المعتزلة ونحوهم. ### | القول الأول في معنى الظلم عند مثبتة القدر # وأما قوله: " ويثيب المطيع لئلا يكون ظالما " (5) فقد قدمنا [أن] ~~للمثبتين (6) للقدر في تفسير الظلم الذي يجب تنزيه الله عنه قولين (7) ~~أحدهما: أن الظلم [هو] الممتنع لذاته وهو المحال لذاته (8) . # [وإن كان ما يمكن أن يكون فالرب قادر عليه، وكل ما كان قادرا عليه لا ~~يكون ظالما. وهذا قول الجهم والأشعري وموافقيهما، وقول كثير من السلف ~~والخلف، أهل ms0405 السنة والحديث. # ويروى عن إياس بن معاوية (9) قال: ما ناظرت بعقلي كله إلا القدرية، ~~PageV02P304 # قلت لهم: أخبروني عن الظلم ما هو؟ قالوا: التصرف في ملك غيره. قلت: فلله ~~كل شيء. # وهذا قول كثير من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم] (1) . PageV02P305 # فعلى هذا القول لا يقال: يثيب الطائع لئلا يكون ظلما (1) . # [فإن الممتنع لذاته الذي لا يكون مقدورا لا يتصور وقوعه، فأي شيء كان ~~مقدورا وفعل لم يكن ظلما عند هؤلاء، وهؤلاء يجوزون أن يعذب الله العبد في ~~الدنيا والآخرة بلا ذنب، كما يجوزون تعذيب أطفال الكفار ومجانينهم بلا ذنب، ~~ثم من هؤلاء من يقطع بدخول أطفال الكفار النار، ومنهم من يجوزه ويتوقف فيه، ~~وطائفة من أصحاب أحمد يقطعون بذلك وينقلونه عن أحمد، وهو خطاء على أحمد، بل ~~نصوص أحمد المتواترة عنه وعن غيره من الأئمة مطابقة للأحاديث الصحيحة في ~~ذلك. # وهؤلاء إنما اشتبه عليهم الأمر لأن أحمد سئل عنهم في بعض أجوبته فأجاب ~~بالحديث الصحيح: " «الله أعلم بما كانوا عاملين» ". فظن هؤلاء أن أحمد أجاب ~~بحديث «روي عن خديجة أنها سألت الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن أطفال ~~المشركين فقال: " إنهم في النار "، فقالت: بلا عمل؟ فقال: " الله أعلم بما ~~كانوا عاملين» . وهذا الحديث كذب موضوع عند أهل الحديث (2) ، ومن هو دون ~~أحمد من أئمة الحديث يعرف هذا فضلا عن مثل أحمد. PageV02P306 # وأحمد لم يجب بهذا، وإنما أجاب بالحديث الذي في الصحيح عن أبي هريرة رضي ~~الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «كل مولود يولد على ~~الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل ~~تحسون فيها من جدعاء ". ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: {فطرة الله ~~التي فطر الناس عليها} [سورة الروم: 30] قالوا: يا رسول الله أرأيت من يموت ~~من أطفال المشركين وهو صغير؟ فقال: # PageV02P307 # " الله أعلم بما كانوا عاملين» (1) . وفي صحيح البخاري أيضا عن أبي هريرة ~~«أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن أطفال المشركين فقال: PageV02P308 # " الله أعلم بما كانوا عاملين» (1) . وقد بسط ms0406 الكلام على هذه الأحاديث ~~وأقوال الناس في هذه المسألة ونحوها في غير هذا الموضع، مثل كتاب " رد ~~تعارض العقل والنقل " (2) وغير ذلك] (3) . ### | [القول الثاني في معنى الظلم عند مثبتة القدر] # والقول الثاني (4) : أن الظلم ممكن مقدور، [وأنه] (5) منزه عنه لا يفعله ~~لعلمه وعدله، فهو لا يحمل [على] (6) أحد ذنب غيره (7) . [قال تعالى] : (8) ~~[ {ولا تزر وازرة وزر أخرى} ] # [سورة الإسراء: 15] ، [ {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ~~ولا هضما} ] # [سورة طه: 112] . # وعلى هذا فعقوبة الإنسان بذنب غيره ظلم ينزه (9) الله عنه (10) ، وأما ~~PageV02P309 # إثابة المطيع ففضل منه وإحسان، وإن كان حقا واجبا بحكم وعده باتفاق ~~المسلمين، وبما كتبه (1) على نفسه من الحرمة، وبموجب أسمائه وصفاته. # فليس هو من جنس ظلم الأجير الذي استؤجر ولم يوف أجره، فإن هذا معاوضة (2) ~~، والمستأجر استوفى منفعته، فإن (3) لم يوفه أجره ظلمه. # والله تعالى هو المحسن إلى العباد بأمره ونهيه، وبإقداره لهم على الطاعة، ~~وبإعانتهم على طاعته. وهم (4) كما قال تعالى في الحديث الصحيح الإلهي: " ~~«يا عبادي [إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا ~~عبادي] (5) كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا ~~من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني ~~أكسكم، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل ~~منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم ~~كانوا (6) على أفجر قلب رجل [منكم] (7) ما نقص ذلك من ملكي شيئا، [يا عبادي ~~لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل ~~إنسان منهم مسألته ما نقص مما عندي إلا PageV02P310 # كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر] (1) ، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري ~~فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ~~ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا ~~نفسه» (2) . # فبين (3) أن الخير الموجود من الثواب مما يحمد ms0407 الله عليه لأنه المحسن به ~~وبأسبابه، وأما العقوبة فإنه (4) عادل فيها فلا يلومن العبد إلا نفسه، كما ~~قيل: كل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل. # [وأصحاب هذا القول يقولون: الكتاب والسنة إنما تدل على هذا القول، والله ~~قد نزه نفسه في غير موضع عن الظلم الممكن المقدور، مثل نقص الإنسان من ~~حسناته، وحمل سيئات غيره عليه. # وأما خلق أفعال العباد واختصاصه أهل الإيمان بإعانتهم على الطاعة فليس ~~هذا من الظلم في شيء باتفاق أهل السنة والجماعة وسائر المثبتين للقدر من ~~جميع الطوائف، ولكن القدرية تزعم أن ذلك ظلم، وتتكلم في التعديل والتجوير ~~(5) بكلام متناقض فاسد كما قد بين في موضعه] (6) . PageV02P311 ### | [التعليق على قوله أو يعذبه بجرمه من غير ظلم له] # وأما قوله (1) : " أو يعذبه بجرمه من غير ظلم له " فهذا متفق عليه بين ~~المسلمين: [أن] الله [تعالى] ليس (2) ظالما بتعذيب العصاة. # وهم على ما تقدم من التنازع (3) في مسمى الظلم، هذا يقول: لأن الظلم منه ~~ممتنع (4) ; وهذا يقول: إنه وضع العقوبة موضعها (5) ، والظلم وضع الشيء في ~~غير موضعه، كما تقول (6) العرب: من أشبه أباه فما ظلم. (7) [ومعلوم أن ~~الواحد من العباد إذا عذب الظالم على ظلمه بالعدل لم يكن ظالما له، وإن ~~اعتقد أن الله خلق فعله وأنه تحت القضاء والقدر، فإذا لم يكن المخلوق ظالما ~~للمخلوق إذا عاقبه بظلمه، وإن كان يعلم أن ذلك مقدر عليه فالخالق أولى أن ~~لا يكون ظالما له، وإن كان ما فعله مقدرا. هذا، مع ما أنه يحسن منه سبحانه ~~بحكمته ما لا يحسن من الناس، فإن الواحد من الناس لو رأى مماليكه يزني ~~بعضهم ببعض ويظلم بعضهم بعضا - وهو قادر على منعهم - ولم يمنعهم، لكان ~~مذموما بذلك مستحقا للوم والعقاب. والبارئ تعالى يرى ما يفعله بعض مماليكه ~~من ظلم وفاحشة، وهو قادر على منعهم فلا يمنعهم، وهو سبحانه حميد مجيد منزه ~~عن استحقاق الذم فضلا عن عقاب (8) ، إما لما له في ذلك من PageV02P312 # الحكمة على قول الأكثرين، وإما لمحض المشيئة والإرادة على ms0408 قول نفاة ~~التعليل والإرادة من المثبتين للقدر ; فإذا كان يحسن منه من الأفعال ما لا ~~يحسن من البشر بطل قياسه على خلقه، وكان ما يحسن منا من عقوبة الظالم لا ~~يقبح منه بطريق الأولى والأحرى، فإن ما ينزه عنه من النقائص فهو أولى ~~بتنزيهه، وله من الحمد ما لا يستحقه غيره] (1) . ### | التعليق على قوله وأن أفعاله محكمة واقعة لغرض ومصلحة # وأما قوله (2) : " وأن (3) أفعاله محكمة واقعة (4) لغرض ومصلحة (5) وإلا ~~لكان عابثا ". # فقد تقدم أن لأهل (6) السنة الذين ليسوا بإمامية قولين في تعليل أفعال ~~الله [تعالى] (7) وأحكامه، وأن الأكثرين على التعليل (8) ، والحكمة هل هي ~~منفصلة عن الرب [لا تقوم به] (9) ، أو قائمة به مع ثبوت الحكم المنفصلة ~~أيضا؟ [فيه قولان لهم] (10) . وهل (11) تتسلسل الحكم أو لا تتسلسل؟ أو ~~تتسلسل في المستقبل دون الماضي؟ هذا فيه أقوال [لهم] (12) . PageV02P313 # وأما لفظ " الغرض " فتطلقه طائفة من أهل الكلام [كالقدرية. وطائفة من ~~المثبتين للقدر أيضا يقولون: إنه يفعل لغرض، كما ذكر ذلك من يذكره من مثبتة ~~القدر: أهل التفسير والفقه وغيرهم. ولكن الغالب على الفقهاء وغيرهم من ~~المثبتين للقدر أنهم لا يطلقون لفظ " الغرض " وإن أطلقوا لفظ الحكمة لما ~~فيه من إيهام الظلم والحاجة، فإن الناس إذا قالوا: فلان فعل هذا لغرض، ~~وفلان له غرض مع فلان، كثيرا ما يعنون بذلك المراد المذموم من ظلم وفاحشة ~~أو غيرهما، والله تعالى منزه عن أن يريد ما يكون مذموما بإرادته] (1) . ### | التعليق على قوله إنه أرسل الرسل لإرشاد العالم # وأما قوله: " إنه (2) أرسل الرسل (3) لإرشاد العالم ". # فهكذا يقول جماهير أهل السنة أن الله [تعالى] (4) أرسل محمدا صلى الله ~~عليه وسلم رحمة للعالمين، والذين يمتنعون من التعليل يقولون: أرسله وجعل ~~إرساله رحمة في حق من آمن به، (6 أو في حقه وحق غيره 6) (5) . # (7 ويقولون: هذه الرحمة جعلت عند ذلك، كما يقولون 7) : (6) في سائر ~~الأمور PageV02P314 # التي حصل عندها آثار. [فإن الجمهور المثبتين للحكمة يقولون: فعل كذا لأجل ~~ذلك وفعل كذا بكذا. وأولئك يقولون: فعل عنده لا به ولا له] (1) . ### | [التعليق على ms0409 قوله وأنه تعالى غير مرئي ولا مدرك بشيء من الحواس] # وأما قوله (2) : " وأنه تعالى غير مرئي ولا مدرك بشيء من الحواس (3) ~~لقوله تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} (4) [سورة الأنعام: 103] ~~ولأنه (5) ليس في جهة ". # فيقال: [له] (6) : أولا: النزاع في هذه المسألة بين [طوائف] (7) الإمامية ~~كما النزاع فيها بين غيرهم (8) ، فالجهمية والمعتزلة والخوارج (9) وطائفة ~~من غير (* الإمامية (10) تنكرها. والإمامية لهم فيها قولان: فجمهور قدمائهم ~~يثبت (11) الرؤية، وجمهور *) (12) متأخريهم ينفونها. وقد تقدم أن أكثر ~~قدمائهم يقولون بالتجسيم (13) . PageV02P315 # قال الأشعري (1) : " وكل المجسمة (2) إلا نفرا قليلا (3) يقول (4) بإثبات ~~الرؤية، وقد يثبت الرؤية من لا يقول بالتجسيم ". # قلت: وأما الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام المعروفون بالإمامة في الدين، ~~كمالك والثوري والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي حنيفة ~~وأبي يوسف وأمثال هؤلاء، وسائر أهل السنة (5) والحديث والطوائف المنتسبين ~~(6) إلى السنة والجماعة كالكلابية والأشعرية والسالمية وغيرهم، فهؤلاء كلهم ~~متفقون على إثبات الرؤية لله تعالى، والأحاديث بها متواترة عن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - عند أهل العلم بحديثه. # [وكذلك الآثار بها متواترة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وقد ذكر ~~الإمام أحمد وغيره من الأئمة العالمين بأقوال السلف أن الصحابة والتابعين ~~لهم بإحسان متفقون على أن الله يرى في الآخرة بالأبصار، ومتفقون على أنه لا ~~يراه أحد في الدنيا بعينه، ولم يتنازعوا في ذلك إلا في نبينا - صلى الله ~~عليه وسلم - خاصة: منهم من نفى رؤيته بالعين في الدنيا ومنهم من أثبتها. ~~وقد بسطت هذه الأقوال والأدلة من الجانبين في غير هذا الموضع. والمقصود هنا ~~نقل إجماع السلف على إثبات الرؤية PageV02P316 # بالعين في الآخرة ونفيها في الدنيا، إلا الخلاف في النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - خاصة] (1) . # وأما احتجاجه [واحتجاج النفاة أيضا] بقوله [تعالى] (2) : {لا تدركه ~~الأبصار} [سورة الأنعام: 103] فالآية حجة عليهم لا لهم، لأن الإدراك: إما ~~أن يراد به مطلق الرؤية، أو الرؤية، أو الرؤية المقيدة بالإحاطة، والأول ~~باطل، لأنه ليس كل من رأى شيئا يقال: إنه [أدركه، كما لا يقال:] (3) أحاط ~~به، كما سئل ابن عباس ms0410 [رضي الله عنهما] (4) عن ذلك فقال (5) : ألست ترى ~~السماء؟ قال: بلى، قال: أكلها ترى (6) ؟ قال: لا. # ومن رأى جوانب الجيش أو الجبل (7) أو البستان أو المدينة لا يقال: إنه ~~أدركها (8) ، وإنما يقال: أدركها إذا أحاط بها رؤية (9) ، ونحن في هذا ~~المقام ليس علينا بيان ذلك، وإنما ذكرنا هذا بيانا لسند (10) المنع، بل ~~المستدل بالآية عليه أن يبين أن الإدراك في لغة العرب مرادف للرؤية، وأن كل ~~من رأى شيئا يقال في لغتهم إنه أدركه، وهذا لا سبيل إليه، كيف وبين لفظ ~~PageV02P317 # الرؤية ولفظ الإدراك (1) عموم وخصوص [أو اشتراك لفظي] (2) ، فقد تقع رؤية ~~بلا إدراك، [وقد يقع إدراك بلا رؤية] (3) ، فإن الإدراك (4) يستعمل في ~~إدراك العلم وإدراك القدرة، فقد (5) يدرك الشيء بالقدرة وإن لم يشاهد، ~~كالأعمى الذي طلب رجلا هاربا منه (6) فأدركه ولم يره، وقد قال تعالى: {فلما ~~تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون - قال كلا إن معي ربي سيهدين} ~~[سورة الشعراء: 61، 62] فنفى موسى الإدراك مع إثبات الترائي (7) ، فعلم (8) ~~أنه قد يكون رؤية بلا إدراك. والإدراك هنا هو إدراك القدرة، أي ملحوقون (9) ~~محاط بنا وإذا انتفى (10) هذا الإدراك فقد تنتفي (11) إحاطة البصر [أيضا] ~~(12) . # ومما يبين ذلك أن الله [تعالى] (13) ، ذكر هذه الآية يمدح بها (14) نفسه ~~PageV02P318 # سبحانه وتعالى، ومعلوم أن كون الشيء لا يرى ليس صفة مدح، لأن النفي المحض ~~لا يكون مدحا إن لم يتضمن أمرا ثبوتيا، ولأن المعدوم (1) أيضا لا يرى، ~~والمعدوم لا يمدح، فعلم أن مجرد نفي الرؤية لا مدح فيه. # [وهذا أصل مستمر، وهو أن العدم المحض الذي لا يتضمن ثبوتا لا مدح فيه ولا ~~كمال، فلا يمدح الرب نفسه به، بل ولا يصف نفسه به، وإنما يصفها بالنفي ~~المتضمن معنى ثبوت، كقوله: {لا تأخذه سنة ولا نوم} وقوله: {من ذا الذي يشفع ~~عنده إلا بإذنه} ، وقوله: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} ، وقوله: ~~{ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم} [سورة البقرة: 255] وقوله: {لا يعزب ~~عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض} [سورة سبأ ms0411: 3] ، وقوله: {وما مسنا ~~من لغوب} [سورة ق: 38] ، ونحو ذلك من القضايا السلبية التي يصف الرب تعالى ~~بها نفسه، وأنها تتضمن اتصافه بصفات الكمال الثبوتية، مثل كمال حياته ~~وقيوميته وملكه وقدرته وعلمه وهدايته وانفراده بالربوبية والإلهية ونحو ~~ذلك. وكل ما يوصف به العدم المحض فلا يكون إلا عدما محضا، ومعلوم أن العدم ~~المحض يقال فيه: إنه يرى، فعلم أن نفي الرؤية عدم محض، ولا يقال في العدم ~~المحض: لا يدرك، وإنما يقال: هذا فيما لا يدرك لعظمته لا لعدمه] (2) . # [وإذا (3) كان المنفي هو الإدراك، فهو سبحانه وتعالى (4) لا يحاط به ~~PageV02P319 # رؤية، كما لا يحاط به علما، ولا يلزم من نفي إحاطة العلم والرؤية نفي ~~العلم (1) والرؤية، بل يكون ذلك دليلا على أنه يرى ولا يحاط به (2 كما يعلم ~~ولا يحاط به 2) (2) فإن تخصيص الإحاطة بالنفي (3) يقتضي أن مطلق الرؤية ليس ~~بمنفي، وهذا الجواب قول أكثر العلماء من السلف وغيرهم، وقد روي معناه عن ~~ابن عباس رضي الله عنهما (4) وغيره] (5) . (6 وقد روي في ذلك حديث مرفوع ~~إلى النبي صلى الله عليه وسلم 6) (6) . ولا (7) تحتاج PageV02P320 # الآية إلى تخصيص ولا خروج عن ظاهر الآية، فلا (1) نحتاج أن نقول: لا نراه ~~في الدنيا، أو نقول: لا تدركه الأبصار بل المبصرون، أو لا تدركه كلها بل ~~بعضها، ونحو ذلك من الأقوال التي فيها تكلف. # [ثم نحن في هذا المقام يكفينا أن نقول: الآية تحتمل ذلك، فلا يكون فيها ~~دلالة على نفي الرؤية، فبطل استدلال من استدل بها على الرؤية، وإذا أردنا ~~أن نثبت دلالة الآية على الرؤية مع نفيها للإدراك الذي هو الإحاطة أقمنا ~~الدلالة على أن الإدراك في اللغة ليس هو مرادفا للرؤية، بل هو أخص منها، ~~وأثبتنا ذلك باللغة وأقوال المفسرين من السلف وبأدلة أخرى سمعية وعقلية] ~~(2) . ### | [التعليق على قوله ولأنه ليس في جهة] # وأما قوله (3) : " ولأنه (4) ليس في جهة ". # فيقال: للناس في إطلاق لفظ الجهة ثلاثة أقوال: فطائفة تنفيها، وطائفة ~~تثبتها، وطائفة تفصل (5) . وهذا النزاع موجود في المثبتة للصفات من أصحاب ~~الأئمة الأربعة ms0412 وأمثالهم، [ونزاع] أهل الحديث والسنة (6) الخاصة في نفي (7) ~~ذلك وإثباته PageV02P321 # نزاع لفظي، ليس هو نزاعا معنويا. ولهذا كان طائفة من أصحاب [الإمام] (1) ~~أحمد - كالتميميين والقاضي [أبي يعلى] (2) في أول قوليه تنفيها (3) ، ~~وطائفة أخرى [أكثر منهم] (4) تثبتها، وهو آخر قولي (5) القاضي. # [والمتبعون للسلف لا يطلقون نفيها ولا إثباتها إلا إذا تبين أن ما أثبت ~~بها فهو ثابت وما نفي بها فهو منفي، لأن المتأخرين قد صار لفظ الجهة في ~~اصطلاحهم فيه إجمال وإبهام كغيرها من ألفاظهم الاصطلاحية، فليس كلهم ~~يستعملها في نفس معناها اللغوي، ولهذا كان النفاة ينفون بها حقا وباطلا، ~~ويذكرون عن مثبتيها ما لا يقولون به، وبعض المثبتين لها يدخل فيها معنى ~~باطلا مخالفا لقول السلف ولما دل عليه الكتاب والميزان] (6) . PageV02P322 # وذلك أن لفظ " الجهة " قد يراد به ما هو موجود، وقد يراد به ما هو معدوم، ~~ومن المعلوم أنه (1) لا موجود إلا الخالق والمخلوق، فإذا أريد بالجهة أمر ~~موجود غير الله كان مخلوقا، والله تعالى لا يحصره ولا يحيط به شيء من ~~المخلوقات (2 فإنه بائن من المخلوقات 2) (2) . # وإن أريد بالجهة أمر عدمي، وهو ما فوق العالم (3) ، فليس هناك إلا الله ~~وحده. # فإذا قيل: إنه في جهة ; [إن] (4) كان معنى الكلام أنه هناك فوق العالم ~~حيث انتهت المخلوقات، فهو فوق الجميع عال عليه. (5) [ونفاة لفظ " الجهة " ~~يذكرون من أدلتهم أن الجهات كلها مخلوقة، وأنه كان قبل الجهة، وأنه من قال: ~~إنه في جهة يلزمه القول بقدم شيء من العالم، أو أنه كان مستغنيا عن الجهة ~~ثم صار فيها. # وهذه الأقوال ونحوها إنما تدل على أنه ليس في شيء من المخلوقات سواء سمي ~~جهة أو لم يسم. وهذا حق ; فإنه سبحانه منزه عن أن تحيط به المخلوقات، أو أن ~~يكون مفتقرا إلى شيء منها: العرش أو غيره. ومن ظن من الجهال أنه إذا نزل ~~إلى سماء الدنيا - كما جاء الحديث (6) - يكون العرش فوقه، ويكون محصورا بين ~~طبقتين من PageV02P323 # العالم، فقوله مخالف لإجماع السلف مخالف للكتاب والسنة، كما قد بسط في ms0413 ~~موضعه. وكذلك توقف من توقف في نفي ذلك من أهل الحديث فإنما ذلك لضعف علمه ~~بمعاني الكتاب والسنة وأقوال السلف. # ومن نفى الجهة وأراد بالنفي كون المخلوقات محيطة به أو كونه مفتقرا إليها ~~فهذا حق، لكن عامتهم (1) لا يقتصرون على هذا، بل ينفون أن يكون فوق العرش ~~رب العالمين، أو أن يكون محمد - صلى الله عليه وسلم - عرج به إلى الله، أو ~~أن يصعد إليه شيء وينزل منه شيء، أو أن يكون مباينا للعالم، بل تارة ~~يجعلونه لا مباينا ولا محايثا (2) ، فيصفونه بصفة المعدوم والممتنع، وتارة ~~يجعلونه حالا في كل موجود، أو يجعلونه وجود كل موجود، ونحو ذلك مما يقوله ~~أهل التعطيل وأهل الحلول] (3) . PageV02P324 ### | تنازع مثبتة الرؤية في العلو والاستواء # وإذا كان كذلك، فهو قد استدل على عدم الرؤية بكونه (1) ليس في جهة. وهذا ~~الموضع [مما] تنازع فيه (2) مثبتو الرؤية، فقال الجمهور (3) بما (4) دل ~~عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «إنكم ترون (5) ربكم كما ترون ~~الشمس والقمر لا تضامون في رؤيته» ". وهذا الحديث متفق [عليه] (6) من طرق ~~(7) كثيرة، [وهو] (8) مستفيض بل متواتر عند أهل العلم بالحديث (9) ، اتفقوا ~~على [صحته (10) ، مع] (11) أنه جاء من وجوه كثيرة قد PageV02P325 # جمع طرقها أكثر (1) أهل العلم بالحديث، كأبي الحسن الدارقطني وأبي نعيم ~~الأصبهاني وأبي بكر الآجري وغيرهم (2) . (* وقد أخرج أصحاب الصحيح (3) ذلك ~~من وجوه متعددة توجب لمن كان عارفا بها العلم القطعي (4) بأن لرسول الله [- ~~صلى الله عليه وسلم -] (5) قال ذلك *) (6) . وقالت طائفة: إنه يرى [لا] (7) ~~في جهة، لا أمام الرائي ولا خلفه، ولا عن يمينه ولا عن يساره، ولا فوقه ولا ~~تحته. وهذا هو المشهور عند متأخري (8) الأشعرية فإن هذا مبني على اختلافهم ~~في كون البارئ [تعالى] (9) فوق العرش. # فالأشعري وقدماء أصحابه كانوا يقولون: إنه بذاته فوق العرش، وهو مع ذلك ~~(10) ليس بجسم (11) . PageV02P326 # وعبد الله [بن سعيد] (1) بن كلاب والحارث المحاسبي وأبو العباس القلانسي ~~كانوا يقولون بذلك، بل كانوا أكمل إثباتا من الأشعري (2) ، [فالعلو عندهم ~~من الصفات العقلية، وهو عند الأشعري من الصفات ms0414 السمعية] (3) ، (3 ونقل ذلك ~~الأشعري 3) (4) عن أهل السنة والحديث كما فهمه عنهم (5) . [وكان أبو محمد ~~بن كلاب هو الأستاذ الذي اقتدى به الأشعري في طريقه هو وأئمة أصحابه (6) ~~كالحارث المحاسبي وأبي العباس القلانسي وأبي سليمان الدمشقي وأبي حاتم ~~البستي (7) . وخلق كثير يقولون: إن اتصافه بأنه مباين للعالم عال عليه هو ~~من الصفات المعلومة بالعقل كالعلم والقدرة، وأما الاستواء على العرش فهو من ~~الصفات الخبرية، وهذا قول كثير من أصحاب الأئمة الأربعة (8) وأكثر أهل ~~PageV02P327 # الحديث، وهو آخر قولي القاضي أبي يعلى وقول أبي الحسن بن الزاغوني (1) ، ~~وهو قول كثير من أهل الكلام من الكرامية وغيرهم. وأما الأشعري فالمشهور عنه ~~أن كليهما صفة خبرية، وهو قول كثير من أتباع الأئمة الأربعة وهو أول (2) ~~قولي القاضي أبي يعلى وقول التميميين وغيرهم من أصحابه] (3) . # وكثير من متأخري [أصحاب الأشعري] (4) أنكروا أن يكون [الله] فوق العرش ~~[أو في السماء] (5) . وهؤلاء [الذين ينفون الصفات الخبرية كأبي المعالي ~~وأتباعه، فإن الأشعري وأئمة أصحابه يثبتون الصفات الخبرية. (6) PageV02P328 # وهؤلاء ينفونها، فنفوا هذه الصفة ; لأنها - على قول الأشعري - من الصفات ~~الخبرية، ولما لم تكن هذه الصفة عند هؤلاء عقلية] (1) قالوا: إنه يرى لا في ~~جهة (2) . # وجمهور الناس [من] (3) مثبتة الرؤية ونفاتها يقولون: إن قول هؤلاء معلوم ~~الفساد بضرورة العقل، كقولهم في الكلام. ولهذا يذكر أبو عبد الله الرازي ~~أنه لا يقول بقولهم في مسألة الكلام والرؤية (4) أحد من طوائف المسلمين. ### | ابن تيمية يسلك طريقين من البيان في مسألة الرؤية ### | الطريق الأول # ونحن [نسلك طريقين من البيان: أحدهما: نبين فيه أن هؤلاء الذين رد عليهم ~~من مثبتي الرؤية كالأشعري وغيره أقرب إلى الصواب من قول النفاة. الثاني: ~~نبين في الحق بيانا مطلقا لا نذب فيه عن أحد. # الطريق الأول: أن] (5) نبين أن هذه الطائفة وغيرها من الطوائف المثبتة ~~للرؤية (6) أقل خطأ وأكثر صوابا من نفاة الرؤية. ونقول لهؤلاء النفاة ~~[للرؤية] (7) : أنتم أكثرتم التشنيع على الأشعرية [ومن وافقهم من أتباع ~~الأئمة] (8) في مسألة الرؤية. ونحن نبين أنهم أقرب إلى الحق منكم [نقلا ~~PageV02P329 # وعقلا ms0415] (1) ، وأن قولهم إذا كان فيه خطأ فالخطأ [الذي في] (2) قولكم أعظم ~~وأفحش (3) [عقلا ونقلا] (4) . # فإذا قلتم: هؤلاء إذا أثبتوا مرئيا لا (5) في جهة كان هذا (6) مكابرة ~~للعقل. # قيل لكم: لا يخلو (7) إما أن تحكموا في هذا الباب العقل، وإما أن لا ~~تحكموه (8) ، فإن لم تحكموه بطل قولكم، وإن حكمتموه فقول من أثبت موجودا ~~قائما بنفسه يرى أقرب إلى العقل (9) من قول من أثبت موجودا قائما بنفسه لا ~~يرى. ولا يمكن أن يرى. و [ذلك] لأن (10) الرؤية لا يجوز أن يشترط في ثبوتها ~~أمور عدمية بل لا يشترط في ثبوتها (11) إلا أمور وجودية. # ونحن لا ندعي هنا أن كل موجود يرى كما ادعى (12) ذلك من ادعاه فقامت عليه ~~الشناعات، [فإن ابن كلاب ومن اتبعه من أتباع الأئمة PageV02P330 # الأربعة وغيرهم قالوا: كل قائم بنفسه يرى، وهكذا قالت الكرامية وغيرهم ~~فيما أظن، وهذه الطريقة التي سلكها ابن الزاغوني من أصحاب أحمد. # وأما الأشعري فادعى أن كل موجود يجوز أن يرى، ووافقه على ذلك طائفة من ~~أصحاب الأئمة الأربعة كالقاضي أبي يعلى وغيره، ثم طرد قياسه فقال: كل موجود ~~يجوز أن تتعلق به الإدراكات الخمس: السمع والبصر والشم والذوق واللمس، ~~ووافقه على ذلك طائفة من أصحابه كالقاضي أبي بكر وأبي المعالي والرازي، ~~وكذلك القاضي أبو يعلى وغيرهم، وخالفهم غيرهم فقالوا: لا نثبت في ذلك الشم ~~والذوق واللمس، ونفوا جواز تعلق هذه بالبارئ، والأولون جوزوا تعلق الخمس ~~بالبارئ، وآخرون من أهل الحديث وغيرهم أثبتوا ما جاء به السمع من اللمس دون ~~الشم والذوق، وكذلك المعتزلة منهم من أثبت جنس الإدراك كالبصريين، ومنهم من ~~نفاه كالبغداديين. والمقصود هنا بأن المثبتة، ولو أخطئوا في بعض كلامهم فهم ~~أقرب إلى الحق نقلا وعقلا من نفاة الرؤية] (1) . # فنقول (2) : من الأشياء ما يرى ومنها ما لا يرى، والفارق بينهما لا يجوز ~~أن يكون أمورا عدمية ; لأن الرؤية أمر وجودي [والمرئي لا يكون إلا موجودا، ~~فليست عدمية] (3) لا تتعلق (4) بالمعدوم، ولا (5) يكون الشرط فيه ~~PageV02P331 # إلا أمرا وجوديا [لا يكون عدميا، وكل ms0416 ما لا يشترط فيه إلا الوجود دون ~~العدم كان بالوجود الأكمل أولى منه بالأنقص] (1) ، فكل ما كان (2) وجوده ~~أكمل كان أحق بأن يرى، وكل ما لم يمكن أن يرى فهو أضعف وجودا [مما يمكن أن ~~يرى] (3) ، فالأجسام الغليظة أحق بالرؤية [من الهواء (4) ، والضياء أحق ~~بالرؤية] من الظلام ; لأن النور أولى بالوجود، والظلمة أولى بالعدم، ~~والموجود الواجب الوجود أكمل الموجودات وجودا وأبعد (5) الأشياء عن العدم ~~فهو أحق بأن يرى، وإنما لم نره (6) لعجز أبصارنا عن رؤيته لا لأجل امتناع ~~رؤيته، كما أن شعاع الشمس أحق بأن يرى من جميع الأشياء. # ولهذا مثل النبي - صلى الله عليه وسلم - رؤية الله به فقال: " «ترون ربكم ~~كما ترون الشمس والقمر» " شبه الرؤية بالرؤية، وإن لم يكن المرئي مثل ~~المرئي، ومع هذا فإذا حدق البصر في الشعاع (7) ضعف عن رؤيته، لا لامتناع في ~~[ذات] (8) المرئي بل لعجز الرائي، فإذا كان في PageV02P332 # الدار الآخرة أكمل الله [تعالى] (1) الآدميين وقواهم حتى أطاقوا رؤيته، ~~ولهذا لما تجلى الله [عز وجل] (2) للجبل خر موسى صعقا {فلما أفاق قال ~~سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين} [سورة الأعراف: 143] . قيل: أول ~~المؤمنين (3) بأنه لا يراك حي إلا مات، ولا يابس إلا تدهده (4) ، فهذا ~~للعجز (5) الموجود في المخلوق، لا لامتناع في ذات المرئي، بل كان المانع من ~~ذاته، لم يكن إلا لنقص وجوده حتى ينتهي الأمر إلى المعدوم الذي لا يتصور أن ~~يرى [خارج الرائي] (6) . # [ولهذا كان البشر يعجزون عن رؤية الملك في صورته إلا من أيده الله، كما ~~أيد نبينا - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: {وقالوا لولا أنزل عليه ملك ~~ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون - ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا ~~وللبسنا عليهم ما يلبسون} [سورة الأنعام: 8، 9] قال غير واحد من السلف: هم ~~لا يطيقون أن يروا الملك في صورته، فلو أنزلنا إليهم ملكا لجعلناه في صورة ~~بشر، وحينئذ كان يشتبه عليهم هل هو ملك أو بشر، فما كانوا ينتفعون بإرسال ~~الملك إليهم، فأرسلنا إليهم بشرا من جنسهم يمكنهم ms0417 رؤيته والتلقي عنه، وكان ~~هذا من تمام الإحسان إلى الخلق والرحمة، ولهذا قال تعالى: {وما صاحبكم ~~بمجنون} [سورة التكوير: 22] ، PageV02P333 # وقال: {ما ضل صاحبكم وما غوى} [سورة النجم: 2] وقال: {لقد جاءكم رسول من ~~أنفسكم} [سورة التوبة: 128] وقال: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ~~ليبين لهم} [سورة إبراهيم: 4] ونحو ذلك من الآيات] (1) . # فإن قلتم: هؤلاء (2) يقولون: إنه يرى لا في جهة، وهذه مكابرة. فيقال: هذا ~~قالوه بناء على الأصل الذي اتفقتم أنتم (3) وهم عليه، وهو أنه ليس في جهة. ~~ثم إذا كان الكلام مع الأشعري وأئمة أصحابه ومن وافقهم من [أصحاب الحديث] ~~(4) ، أصحاب أحمد وغيره كالتميميين وابن عقيل (5) وغيرهم: فيقال: هؤلاء ~~يقولون: إنه فوق العالم بذاته، وإنه ليس بجسم ولا متحيز. # فإن قلتم: هذا القول مكابرة للعقل، لأنه إذا كان فوق العالم فلا بد أن ~~يتميز (6) منه جانب عن جانب، [وإذا تميز منه جانب عن جانب] (7) كان جسما، ~~فإذا أثبتوا موجودا قائما بنفسه فوق العرش (8) لا يوصف بمحاذاة PageV02P334 # ولا مماسة (1) ، ولا يتميز (2) منه جانب عن جانب كان هذا مكابرة. # فيقال: لكم: أنتم [يا نفاة الرؤية] (3) تقولون ومن وافقكم من المثبتين ~~للرؤية: إنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا مباين له ولا محايث له (4) . # فإذا قيل لكم: هذا خلاف المعلوم بضرورة العقل (5) ، فإن العقل لا يثبت ~~شيئين موجودين إلا أن يكون أحدهما مباينا للآخر أو داخلا فيه، كما يثبت (6) ~~الأعيان المتباينة والأعراض القائمة. بها وأما إثبات موجود قائم بنفسه لا ~~يشار إليه ولا يكون داخل العالم ولا خارجه، فهذا مما يعلم العقل (7) ~~استحالته وبطلانه بالضرورة. # قلتم (8) : هذا النفي حكم الوهم لا حكم العقل، وجعلتم في الفطرة حاكمين ~~(9) : أحدهما الوهم والآخر العقل، مع أن المعنى الذي سميتموه الوهم قلتم ~~(10) هو القوة التي تدرك معاني جزئية غير محسوسة في الأعيان المحسوسة، ~~كالعداوة والصداقة، كما تدرك الشاة معنى في الذئب ومعنى في الكبش، فتميل ~~إلى هذا وتنفر عن هذا. وإذا كان الوهم إنما PageV02P335 # يدرك أمورا (1) معينة فهذه القضايا التي نتكلم فيها قضايا كلية عامة، ~~والقضايا ms0418 الكلية العامة هي للعقل لا للحس ولا للوهم الذي يتبع الحس، فإن ~~الحس لا يدرك إلا أمورا معينة، وكذلك الوهم [عندكم] (2) . وقد بسط الرد على ~~هؤلاء (3) في غير هذا الموضع، لكن المقصود هنا بيان أن قول أولئك أقرب من ~~قولهم. # فيقال: إذا عرضنا على العقل وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه، ولا ~~مباين له ولا محايث له (4) ، ووجود موجود مباين للعالم فوقه وهو ليس بجسم ~~(5) ، كان تصديق العقل بالثاني أقوى من تصديقه بالأول، وهذا موجود في فطرة ~~كل أحد، فقبول (6) الثاني أقرب إلى الفطرة ونفورها عن الأول أعظم فإن وجب ~~تصديقكم في ذلك القول الذي هو عن الفطرة أبعد كان تصديق هؤلاء في قولهم ~~أولى. وحينئذ فليس لكم أن تحتجوا على بطلان (7) (8 قولهم بحجة إلا وهي على ~~بطلان قولكم أدل 8) (8) . # فإذا قلتم: [وجود موجود فوق العالم ليس بجسم لا يعقل. # قيل لكم: كما أن [ (9) ] وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه لا يعقل. ~~PageV02P336 # فإذا قلتم: نفي هذا من حكم الوهم. # قيل لكم: إن كان هذا النفي من حكم الوهم وهو غير مقبول فذلك (1) النفي من ~~حكم الوهم، وهو غير مقبول بطريق الأولى. # فإذا قلتم: حكم الوهم الباطل أن يحكم في أمور غير محسوسة حكمه في أمور ~~محسوسة (2) . # قيل: لكم (3) (* أجوبة: أحدها (4) : أن هذا يبطل حجتكم على بطلان قول ~~هؤلاء، لأن قولكم إنه يمتنع (5) وجود موجود فوق العالم ليس بجسم ليس (6) ~~أقوى من قول القائل يمتنع (7) وجود موجود قائم بنفسه لا يشار إليه، [ويمتنع ~~وجود موجودين لا متباينين ولا متحايثين، ويمتنع وجود موجود ليس داخل العالم ~~ولا خارجا عنه] (8) ، فإن كنتم لا تقبلون هذا الأقوى لزعمكم أنه من حكم ~~الوهم (9) الباطل لزمكم أن لا تقبلوا ذلك الذي هو أضعف منه بطريق الأولى، ~~فإن كليهما على قولكم من حكم الوهم الباطل، وفساد قولكم أبين في الفطرة من ~~فساد (10) قول منازعيكم، فإن كان قولهم (11) مردودا PageV02P337 # فقولكم أولى بالرد، وإن كان قولكم مقبولا فقولهم أولى بالقبول. # الجواب الثاني: أن يقال: *) : أنتم لم تثبتوا ms0419 وجود أمور (1) لا يمكن ~~الإحساس بها [ابتداء] (2) حتى يصح هذا الكلام، بل إنما أثبتم ما ادعيتم أنه ~~لا يمكن الإحساس به [ابتداء] (3) بإبطال هذا الحكم الفطري (4) الذي يحيل ~~وجود ما لا يمكن الإحساس به بحال (5) ، فإن كان (6) هذا الحكم لا يبطل حتى ~~يثبت (7) الأمور التي ليست بمحسوسة (8) لزم (9) الدور فلا يبطل هذا الحكم ~~حتى يثبت ما لا يمكن الإحساس به، ولا يثبت ذلك حتى يبطل هذا الحك، فلا يثبت ~~ذلك. # [و] يقال: [لكم] : إن (10) جاز وجود أمور لا يمكن الإحساس بها (11) فوجود ~~ما يمكن الإحساس به أولى (12) وإن لم يمكن بطل قولكم. فمن أثبت موجودا فوق ~~العالم ليس بجسم يمكن الإحساس به، كان قوله PageV02P337 # : أقرب إلى العقل ممن أثبت موجودا لا يمكن الإحساس به وليس بداخل العالم ~~ولا خارجه. # ففي الجملة أنه (1) ما من حجة يحتجون بها على بطلان قول منازعيهم (2) إلا ~~ودلالتها على بطلان قولهم أشد ولكنهم يتناقضون. والذين وافقوهم على بعض ~~غلطهم صاروا (3) يسلمون (4) لهم تلك المقدمة الباطلة النافية [وهو إثبات ~~موجود قائم بنفسه لا يشار إليه ولا يكون مباينا لغيره ولا محايثا له (5) ~~ولا داخل العالم ولا خارجه] (6) ويطلبون (7) طردها، وطردها يستلزم الباطل ~~المحض. # فوجه المناظرة أن تلك المقدمة لا تسلم (8) ، لكن يقال: إن كانت باطلة بطل ~~أصل قول النفاة، [وإن كانت صحيحة فهي أدل على إمكان قول (9) أهل الإثبات، ~~فإن كان إثبات موجود ليس بجسم ولا هو داخل العالم ولا خارجه ممكنا، فإثبات ~~موجود فوق العالم وليس بجسم أولى بالإمكان، وإن لم يكن ذلك ممكنا بطل أصل ~~قول النفاة] (10) ، وثبت أن الله [تعالى] (11) إما داخل العالم وإما خارجه ~~فيكون قولهم بإثبات موجود PageV02P339 # ليس بداخل العالم ولا خارجه أبعد عن الحق على التقديرين، وهو المطلوب. # ثم يقال: رؤية ما ليس بجسم ولا في جهة إما أن يجوزه العقل وإما أن يمنعه، ~~فإن جوزه فلا كلام، وإن منعه كان منع العقل لإثبات موجود لا داخل العالم ~~ولا خارجه، بل هو حي بلا حياة، عليم بلا علم، قدير بلا ms0420 قدرة، أشد وأشد. # فإن (1) قلتم: هذا المنع من حكم الوهم. # قيل لكم: والمنع من رؤية مرئي ليس في جهة من حكم الوهم، وهذا هو الجواب ~~الثالث. # وبيان ذلك أن [يقال:] (2) : حكم الوهم الباطل عندكم أن يحكم في أمور غير ~~محسوسة (3) بما يحكم به في الأمور المحسوسة. # فيقال: (4) : الباري تعالى إما أن تكون رؤيته ممكنة، وإما أن لا تكون (5) ~~. فإن كانت ممكنة بطل قولكم بإثبات موجود (6) غير محسوس، ولم يبق هنا (7) ~~وهم باطل يحكم في غير المحسوس (8) بحكم باطل، فإنكم لرؤية الباري أشد منعا ~~من رؤية الملائكة والجن وغير ذلك، فإذا PageV02P340 # جوزتم رؤيته فرؤية الملائكة والجن أولى، وإن قلتم: بل رؤيته غير ممكنة. ~~قيل: فهو حينئذ (1) غير محسوس فلا يقبل فيه (2) حكم الوهم، والحكم بأن كل ~~مرئي لا بد أن يكون في جهة من حكم الوهم. # وأما إذا قدرنا (3) موجودا غير محسوس يرى لا في جهة [رؤية] (4) غير ~~الرؤية المتعلقة بذوات الجهة (5) ، كان إبطال هذا مثل إبطال موجود لا داخل ~~العالم ولا خارجه، [وإلا] فإذا (6) ثبت وجود هذا الموجود كانت الرؤية (7) ~~المتعلقة به مناسبة له، ولم تكن كالرؤية المعهودة للأجسام. # فهذه الطريق ونحوها من المناظرة العقلية إذا سلك يتبين به أن كل من كان ~~إلى السنة أقرب كان قوله إلى العقل أقرب، وهو يوجب نصر (8) الأقربين إلى ~~السنة بالعقل لكن لما كان [بعض] الأقربين (9) إلى السنة سلموا للأبعدين ~~(10) عنها مقدمات بينهم، وهي في نفس الأمر باطلة مخالفة للشرع والعقل، لم ~~يمكن أن يكون قولهم مطابقا للأمر في نفسه، ولا يمكن نصره لا بشرع صحيح ولا ~~بعقل صريح (11) ، لمن غرضه معرفة الحق في نفسه لا بيان رجحان بعض الأقوال ~~على بعض. PageV02P341 # (1) [وأما إذا كان المقصود بيان رجحان بعض الأقوال فهذا ممكن في نفسه، ~~وهذا هو الذي نسلكه في كثير مما عاب به الرافضة كثير من الطوائف المنتسبين ~~إلى السنة في إثبات خلافة الخلفاء الثلاثة (2) ، فإنهم عابوا كثيرا منهم ~~بأقوال هي معيبة مذمومة، والله قد أمرنا ألا نقول عليه إلا الحق، وألا نقول ms0421 ~~عليه إلا بعلم، وأمرنا بالعدل والقسط، فلا يجوز لنا إذا قال يهودي أو ~~نصراني - فضلا عن الرافضي - قولا فيه حق أن نتركه أو نرده كله، بل لا نرد ~~إلا ما فيه من الباطل دون ما فيه من الحق. # ولهذا جعل هذا الكتاب: " منهاج أهل السنة النبوية في نقض كلام الشيع ~~والقدرية " فإن كثيرا من المنتسبين إلى السنة ردوا ما تقوله المعتزلة ~~والرافضة وغيرهم من أهل البدع بكلام فيه أيضا بدعة وباطل، وهذه طريقة ~~يستجيزها كثير من أهل الكلام، ويرون أنه يجوز مقابلة الفاسد بالفاسد، لكن ~~أئمة السنة والسلف على خلاف هذا، وهم يذمون أهل الكلام المبتدع الذين يردون ~~باطلا بباطل وبدعة ببدعة، ويأمرون ألا يقول الإنسان إلا الحق، لا يخرج عن ~~السنة في حال من الأحوال. وهذا هو الصواب الذي أمر الله تعالى به ورسوله، ~~ولهذا لم نرد ما تقوله: المعتزلة والرافضة من حق بل قبلناه، لكن بينا أن ما ~~عابوا به مخالفيهم من الأقوال ففي أقوالهم من العيب ما هو أشد من ذلك. ~~PageV02P342 # فالمنتسبون إلى إثبات خلافة الأربعة وتفضيل الشيخين، وإن كان بعضهم يقول ~~أقوالا فاسدة فأقوال الرافضة أفسد منها، وكذلك المناظر للفلاسفة والمعتزلة ~~من المنتسبين إلى السنة كالأشعري وأمثاله وإن كانوا قد يقولون أقوالا ~~باطلة، ففي أقوال المعتزلة والفلاسفة من الباطل ما هو أعظم منها، فالواجب ~~إذا كان الكلام بين طائفتين من هذه الطوائف أن يبين رجحان قول الفريق الذي ~~هو أقرب إلى السنة بالعقل والنقل، ولا ننصر القول الباطل المخالف للشرع ~~والعقل أبدا، فإن هذا محرم ومذموم، يذم به صاحبه، ويتولد عنه من الشر ما لا ~~يوصف، كما تولد من الأقوال المبتدعة مثل ذلك، ولبسط هذه الأمور مكان آخر، ~~والله أعلم. # والمقصود هنا التنبيه على وجه المناظرة العادلة التي يتكلم فيها الإنسان ~~بعلم وعدل، لا بجهل وظلم. وأما مناظرات الطوائف التي كل منها يخالف السنة ~~ولو بقليل، فأعظم ما يستفاد منها بيان إبطال بعضهم لمقالة بعض. # وأبو حامد الغزالي وغيره يعتقدون أن هذه الفائدة هي المقصودة بالكلام ms0422 دون ~~غيرها، لكن يعتقد مع ذلك أن ما ذكره هو العقيدة التي تعبد الشارع الناس ~~باعتقادها، وأن لها باطنا يخالف ظاهرها في بعض الأمور، وما ذكره من ~~الاعتقاد يوافق الشرع من وجه دون وجه، وما ثبت عن صاحب الشرع فلا يناقض ~~باطنه ظاهره، والمقصود هنا أن يكون المقصود بالمناظرة بيان رجحان بعض ~~الأقوال على بعض] (1) PageV02P343 # ولهذا كان كثير من مناظرة أهل الكلام إنما هي في بيان فساد (1) مذهب ~~المخالفين وبيان تناقضهم، لأنه يكون كل من القولين باطلا، فما (2) يمكن ~~أحدهم نصر قوله مطلقا فيبين فساد قول خصمه. وهذا يحتاج إليه إذا كان صاحب ~~المذهب (3) حسن الظن بمذهبه، قد بناه على مقدمات يعتقدها صحيحة، فإذا أخذ ~~الإنسان معه في تقرير نقيض تلك المقدمات لم يقبل ولا يبين الحق (4) ، ويطول ~~الخصام كما طال بين أهل الكلام. # فالوجه في ذلك أن يبين لذلك (5) رجحان مذهب غيره عليه أو فساد (6) مذهبه ~~بتلك المقدمات وغيرها، فإذا رأى تناقض قوله أو رجحان قول [غيره] على قوله ~~(7) اشتاق حينئذ إلى معرفة الصواب وبيان جهة الخطأ، فيبين له (8) فساد تلك ~~المقدمات التي بنى عليها وصحة نقيضها، ومن أي وجه وقع الغلط. # وهكذا في مناظرة الدهري (9) واليهودي والنصراني والرافضي PageV02P344 # وغيرهم (1) ، إذا سلك معهم هذا الطريق نفع في موارد النزاع فتبين لهم (2) ~~، وما من طائفة إلا ومعها حق وباطل، فإذا خوطبت بين لها أن الحق الذي ~~ندعوكم إليه (3) هو أولى بالقبول من الذي وافقناكم عليه، ونبوة (4) محمد - ~~صلى الله عليه وسلم - أولى بالقبول من نبوة موسى وعيسى [عليهما السلام] (5) ~~، وخلافة أبي بكر وعمر أولى بالصحة (6) من خلافة علي، فما [ذكر] (7) من ~~طريق صحيح يثبت بها نبوة هذا [وهذا] (8) إلا وهي تثبت [بها] (9) نبوة محمد ~~- صلى الله عليه وسلم - بطريق الأولى، (10 وما من طريق صحيح يثبت بها خلافة ~~علي إلا وهي تثبت خلافة هذين بطريق الأولى 10) (10) ، ويبين (11) لهم أن ما ~~يدفعون به هذا الحق يمكن أن يدفع به الحق (12) الذي معهم، فما يقدح شيء ~~(13) في (* موارد النزاع إلا كان قدحا (14) في ms0423 موارد الإجماع، وما من شيء ~~يثبت به موارد الإجماع إلا وهو يثبت به (15) موارد النزاع *) (16) ، وما من ~~سؤال يرد على نبوة محمد [صلى PageV02P345 # الله عليه وسلم] (1) وخلافة الشيخين (2) إلا ويرد على نبوة غيره (3) ~~وخلافة غيرهما ما هو مثله أو أعظم (4) منه، [وما من دليل يدل على نبوة غير ~~محمد - صلى الله عليه وسلم - وخلافة غيرهما إلا والدليل على نبوة محمد - ~~صلى الله عليه وسلم - وخلافتهما أقوى منه] (5) . # وأما الباطل الذي بأيدي المنازعين (6) فتبين (7) أنه يمكن معارضته بباطل ~~مثله، وأن الطريق الذي يبطل به ذلك الباطل يبطل به باطلهم، فمن ادعى ~~الإلهية في المسيح أو علي أو غيرهما عورض بدعوى الإلهية في موسى وآدم وعمر ~~بن الخطاب، فلا يذكر شبهة يظن بها الإلهية إلا ويذكر في الآخر نظيرها وأعظم ~~منها، فإذا تبين له فساد أحد المثلين (8) تبين له فساد الآخر، فالحق يظهر ~~صحته بالمثل المضروب له والباطل يظهر فساده بالمثل المضروب له، لأن الإنسان ~~قد لا يعلم ما في نفس محبوبه أو مكروهه من حمد وذم إلا بمثل يضرب له، فإن ~~حبك الشيء يعمي ويصم. # [والله سبحانه ضرب الأمثال للناس في كتابه لما في ذلك من البيان، ~~والإنسان لا يرى نفسه وأعماله إلا إذا مثلت له نفسه بأن يراها في مرآة، ~~PageV02P346 # وتمثل له أعماله بأعمال غيره] (1) ، ولهذا ضرب الملكان المثل لداود [عليه ~~السلام] (2) بقول أحدهما: {إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة ~~فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب - قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه} ~~[سورة: ص: 23 - 24] الآية. وضرب الأمثال مما يظهر به الحال، وهو القياس ~~العقلي الذي يهدي به الله من يشاء من عباده. قال (3) تعالى: {ولقد ضربنا ~~للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون} [سورة الروم: 27] ، وقال ~~تعالى: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} [سورة ~~العنكبوت: 43] . (4) [وهذا من الميزان الذي أنزله (5) الله، كما قال تعالى: ~~{الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان} [سورة الشورى: 17] ، وقال: {لقد ~~أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم ms0424 الناس بالقسط} ~~[سورة الحديد: 25] . # وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع، وبين أن كل قياس عقلي شمولي ~~سواء كان على طريقة المنطق اليوناني أو غير طريقه فإنه من جنس القياس ~~التمثيلي وأن مقصود القياسين واحد، وكلاهما داخل في معنى الميزان الذي ~~أنزله الله تعالى، وأن ما يختص به أهل المنطق اليوناني بعضه باطل وبعضه ~~تطويل لا يحتاج إليه، بل ضرره في الغالب أكثر من نفعه كما قد بسط الكلام ~~على المنطق اليوناني PageV02P347 # وما يختص به أهل الفلسفة من الأقوال الباطلة في مجلد كبير. ### | [الطريق الثاني] # وأما الطريق الثاني (1) : فيقال: لهذا المنكر للرؤية المستدل على نفيها ~~بانتفاء لازمها وهو الجهة: قولك ليس في جهة، وكل ما ليس في جهة لا يرى، فهو ~~لا يرى، وهكذا جميع نفاة الحق ينفونه لانتفاء لازمه في ظنهم، فيقولون لو ~~رئي للزم كذا، واللازم منتف فينتفي الملزوم. # والجواب العام لمثل هذه الحجج الفاسدة بمنع إحدى المقدمتين إما معينة ~~وإما غير معينة فإنه لا بد أن تكون إحداهما باطلة أو كلتاهما باطلة (2) ، ~~وكثيرا ما يكون اللفظ فيهما مجملا يصح باعتبار ويفسد باعتبار، وقد جعلوا ~~الدليل هو ذلك اللفظ المجمل، ويسميه المنطقيون الحد الأوسط، فيصح في مقدمة ~~بمعنى، ويصح في الأخرى بمعنى آخر، ولكن اللفظ مجمل، فيظن الظان لما في ~~اللفظ من الإجمال وفي المعنى من الاشتباه أن المعنى المذكور في هذه المقدمة ~~هو المعنى المذكور في المقدمة الأخرى، ولا يكون الأمر كذلك. # مثال ذلك في مسألة الرؤية] (3) [أن يقال: له] (4) : أتريد بالجهة أمرا ~~وجوديا أو أمرا عدميا؟ PageV02P348 # فإذا أردت به أمرا وجوديا كان التقدير: كل ما ليس في شيء موجود لا يرى. ~~وهذه المقدمة [ممنوعة ولا دليل على إثباتها بل هي] (1) [باطلة] (2) فإن سطح ~~العالم يمكن أن يرى وليس العالم في عالم آخر. # وإن أردت بالجهة أمرا عدميا كانت المقدمة الثانية ممنوعة، فلا نسلم أنه ~~ليس بجهة بهذا التفسير. # وهذا مما خاطبت (3) به غير واحد من الشيعة والمعتزلة فنفعه (4) الله به، ~~وانكشف بسبب هذا التفصيل ms0425 (5) ما وقع في هذا المقام من الاشتباه والتعطيل ~~(6) . وكانوا يعتقدون (7) أن ما (8) معهم من العقليات النافية للرؤية قطعية ~~لا يقبل في نقيضها (9) نص الرسل، فلما تبين (10) لهم أنها (11) شبهات مبنية ~~على ألفاظ مجملة ومعان مشتبهة، تبين أن الذي ثبت عن الرسول [- صلى الله ~~عليه وسلم -] (12) هو الحق المقبول، ولكن ليس هذا [المكان] (13) موضع بسط ~~هذا، فإن هذا النافي إنما أشار إلى قولهم إشارة (14) . \ 0 5 PageV02P349 ### | لفظ الحيز # [وكذلك لفظ " الحيز " قد يراد به معنى موجود ومعنى معدوم. فإذا قالوا: كل ~~جسم في حيز، فقد يكون المراد بالحيز أمرا عدميا، وقد يراد به أمر وجودي. # والحيز في اللغة هو أمر وجودي ينحاز إليه الشيء، كما قال تعالى: {ومن ~~يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة} [سورة الأنفال: 16] ~~. # وعلى الأول فإنه يراد بالمتحيز ما يشار إليه ; ولهذا كان المتكلمون ~~يقولون: نحن نعلم بالاضطرار أن المخلوق: إما متحيز وإما قائم بالمتحيز، ~~فكثير منهم يقول: بل نعلم أن كل موجود إما متحيز وإما قائم بالمتحيز ~~ويثبتون ما يذكره بعض الفلاسفة من إثبات المجردات المفارقات التي لا يشار ~~إليها، بل هي معقولات مجردة، إنما تثبت في الأذهان لا في الأعيان. # وما يذكره الشهرستاني والرازي ونحوهما من أن متكلمي الإسلام لم يقيموا ~~دليلا على نفي هذه المجردات ليس كما زعموا، بل كتبهم مشحونة بما يبين ~~انتفاءها (1) كما ذكر في غير هذا الموضع. # والرازي أورد في " محصله " سؤالا على الحيز فقال (2) : " أما الأكوان ~~PageV02P350 # فقد اتفقوا على أن حصول الجوهر في حصول الحيز (1) أمر ثبوتي. فقيل: هذا ~~الحيز إن كان معدوما فكيف يعقل حصول الجوهر في المعدوم؟ وإن كان موجودا فلا ~~شك أنه أمر يشار (2) إليه. فهو إما جوهر وإما عرض، فإن كان جوهرا كان ~~الجوهر حاصلا في الجوهر، وهو قول بالتداخل، وهو محال اللهم إلا أن يفسر ذلك ~~بالمماسة، ولا نزاع فيها. وإن كان عرضا فهو حاصل في الجوهر فكيف يعقل حصول ~~الجوهر فيه؟ ". # وقد رد الطوسي هذا فقال (3) : " هذا غلط من جهة اشتراك اللفظ، فإن ms0426 لفظة ~~(4) " في " يدل في قولنا: الجسم في الجسم - بمعنى التداخل - والجسم في ~~المكان، والعرض في الجسم، على معان مختلفة ; فإن الأول يدل على كون الجسم ~~مع جسم آخر في مكان واحد، والثاني يدل على كون الجسم في المكان، والثالث ~~يدل على كون العرض حالا في الجسم. # والمكان هو القابل للأبعاد القائم بذاته الذي لا يمانع الأجسام عند قوم، ~~وعرض هو سطح الجسم [الحاوي] (5) المحيط بالجسم ذي المكان عند قوم وهو بديهي ~~الأينية (6) خفي الحقيقة. PageV02P351 # والمكان إن كان عدميا لم يكن حصول الجوهر في الأمر العدمي (1) حصوله في ~~المعدوم، بمعنى أنه في العدم وإن كان جوهرا، فالجوهر عند القوم الأول ينقسم ~~إلى مقاوم للداخل عليه ممانع إياه، وهو الذي لا يجوز عليه التداخل، وإلى ~~(2) غير مقاوم يمتنع عليه الانتقال وهو المكان والجوهر الممانع (3) يمكن أن ~~يداخل غير الممانع، وذلك هو كون الجوهر في المكان. # وأما عند القوم الثاني فحصول الجوهر في المكان الذي هو عرض بمعنى غير ~~المعنى (4) الذي يراد به في قولهم حصول العرض في الجوهر، بمعنى الحلول فيه ~~". # قلت: قد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع، وبين أن ما ذكره الرازي ~~من قوله: " قد اتفقوا على أن حصول الجوهر في الحيز أمر ثبوتي " ليس كما ~~قاله ; بل يقال: إن أراد بقوله: إن حصول الجوهر في الحيز أمر ثبوتي، أنه ~~صفة ثبوتية تقوم بالمحيز، فلم يتفقوا على هذا، بل ولا هذا قول محققيهم، بل ~~التحيز عندهم لا يزيد على ذات المتحيز. قال القاضي أبو بكر بن الباقلاني: " ~~المتحيز هو الجرم، أو الذي له حظ من المساحة، والذي لا يوجد بحيث وجوده ~~جوهر " (5) . PageV02P352 # وقال أبو إسحاق الإسفراييني (1) : " ما هو في تقدير مكان ما وما يشغل ~~الحيز، ومعنى شغل الحيز أنه إذا وجد في فراغ أخرجه عن أن يكون فراغا ". # وقال بعضهم: " الحيز تقدير مكان الجوهر ". # وقال أبو المعالي الجويني - الملقب بإمام الحرمين -: " الحيز هو المتحيز ~~نفسه، ثم إضافة الحيز إلى الجوهر كإضافة الوجود إليه " (2) . # قال: " فإن قيل: فهلا قلتم ms0427: إن المتحيز متحيز بمعنى، كما أن الكائن كائن ~~بمعنى. قلنا: تحيزه نفسه أو صفة نفسه - عند من يقول بالأحوال - وكونه ~~متحيزا راجع إلى نفسه، وكذلك كونه جرما، وذلك لا يختلف وإن اختلفت أكوانه ~~بأعراضه، ولو كان تحيزه حكما معللا لوجب أن يثبت له حكم الاختلاف عند ~~اختلاف الأكوان، فلما لم يختلف كونه جرما دل على أنه ليس من موجبات الأكوان ~~والاختصاص بالجهات، فما كان بمقتضى الأكوان كان في حكم الاختلاف ". ~~PageV02P353 # قال: " فإن قيل: الجوهر لا يخلو عن الأكوان كما لا يخلو عن وصف التحيز. ~~قلنا: قد أوضحنا أن تحيزه صفة نفسه، فنقول: صفة النفس تلازم للنفس ولا تعقل ~~النفس دونها، وكون الجوهر متحيزا بمثابة كونه ذاتا أو شيئا. والتحيز قضية ~~واحدة يجب لزومها ما بقيت النفس، والكون اسم يقع على أجناس مختلفة " (1) . ~~ثم بسط الكلام في ذلك. # وهذا يبين أن التحيز عندهم ليس قدرا زائدا على المتحيز، فضلا عن كونه ~~وصفا ثبوتيا. وإن أراد بكونه ثبوتيا أنه أمر إضافي إلى الحيز فالأمور ~~الإضافية عند أكثرهم عدمية إذا كانت بين موجودين، فكيف إذا كانت بين موجود ~~ومعدوم! ؟ وقوله: " إن الحيز إذا كان معدوما، فكيف يعقل حصول الجوهر في ~~المعدوم؟ ". # فيقال: له: إنهم لم يريدوا بكونه في المعدوم إلا وجوده وحده من غير وجود ~~آخر يحيط به، لم يريدوا أنه يكون معدوما مع كونه موجودا. # وأيضا، فمن لم يعرف مرادهم: هل الحيز عندهم وجود أو عدم، كيف يحكى عنهم ~~أنهم اتفقوا على أن كل ما سوى الله متحيز أو قائم بالمتحيز، مع علمه ~~وحكايته عنهم أنهم اتفقوا على أن كل ما سوى الله محدث، فيمتنع مع هذا أن ~~يكون ما سواه إما متحيزا أو حالا في المتحيز، مع أن المتحيز هذا في حيز ~~وجودي سوى الله، وهو محدث، فإن هذا تناقض ظاهر لأنه يستلزم أن يكون هنا ~~ثلاثة موجودة محدثة: PageV02P354 # متحيز وحيز وقائم بالمتحيز، فتكون الموجودات سوى الله ثلاثة وهي محدثة ~~عندهم. وهذا يناقض قولهم: إن ما سوى الله: إما متحيز، وإما ms0428 قائم بمتحيز. # وأما اعتراض الطوسي عليه فإنه مني على أن التحيز هو المكان، وليس هذا هو ~~المشهور عند المتكلمين، بل المشهور عندهم الفرق بينهما. وما ذكره من ~~القولين في المكان هو نزاع بين المتفلسفة أصحاب أفلاطن وأصحاب أرسطو، ~~فأولئك يقولون: هو جوهر قائم بنفسه تحل به الأجسام، وليس هذا قول كثير من ~~المتكلمين، بل كل ما قام بنفسه فهو عندهم جسم، إذ الجوهر الذي له هو جسم، ~~ليس عندهم جوهر قائم بنفسه غير هذين، ومن أثبت منهم جوهرا غير جسم فإنه ~~محدث عندهم، لأن كل ما سوى الله فإنه محدث مسبوق بالعدم باتفاق أهل الملل، ~~سواء قالوا بدوام الفاعلية وأنه لا يزال يحدث شيئا بعد شيء، أو لم يقولوا ~~بدوام الفاعلية. # والمتكلمون الذين يقولون: كل ما سوى الله فهو جسم أو قائم بجسم قد ~~يتناقضون، حيث يثبت أكثرهم الخلاء أمرا موجودا، ويقولون: إنه لا يتقدر بل ~~يفرض فيه التقدير فرضا، وهذا الخلاء هو الجوهر الذي يثبته أفلاطن. # ولكن يمتنع عند أهل الملل أن يكون موجود قديم مع الله فإن الله خالق كل ~~شيء، وكل مخلوق مسبوق بعدم نفسه، وإن قيل مع ذلك بدوام كونه خالقا، فخلقه ~~شيئا بعد شيء دائما لا ينافي أن يكون كل ما # PageV02P355 # سواه مخلوقا محدثا كائنا (1) بعد أن لم يكن، ليس من الممكنات قديم بقدم ~~الله تعالى مساويا له، بل هذا ممتنع بصرائح العقول مخالف لما أخبرت به ~~الرسل عن الله، كما قد بسط في موضعه. # وأرسطو وأصحابه يقولون: إن المكان هو السطح الباطن من الجسم الحاوي ~~الملاقي للسطح الظاهر من الجسم المحوي، وهو عرض عند هؤلاء. # وقوله: " إنه بديهي الأينية (2) خفي الحقيقة " أي عند هؤلاء، وأما علماء ~~المسلمين فليس عندهم - ولله الحمد - من ذلك ما هو خفي، بل لفظ " المكان " ~~قد يراد به ما يكون الشيء فوقه محتاجا إليه، كما يكون الإنسان فوق السطح، ~~ويراد به ما يكون الشيء فوقه من غير احتياج إليه، مثل كون السماء فوق الجو، ~~وكون الملائكة فوق الأرض والهواء، وكون ms0429 الطير فوق الأرض. # ومن هذا قول حسان بن ثابت رضي الله عنه: # تعالى علوا فوق عرش إلهنا ... وكان مكان الله أعلى وأعظما (3) مع علم ~~حسان وغيره من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله غني عن كل ~~ما سواه، وما سواه من عرش وغيره محتاج إليه، وهو لا يحتاج إلى شيء، وقد ~~أثبت له مكانا. # والسلف والصحابة، بل النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسمع مثل ~~PageV02P356 # هذا ويقر عليه، كما أنشده عبد الله بن رواحة رضي الله عنه: # شهدت بأن وعد الله حق ... وأن النار مثوى الكافرينا # وأن العرش فوق الماء طاف ... وفوق العرش رب العالمينا # وتحمله ملائكة شداد ... ملائكة الإله مسومينا (1) في قصته المشهورة التي ~~ذكرها غير واحد من العلماء لما وطئ سريته ورأته امرأته فقامت إليه لتؤذيه ~~فلم يقر بما فعل، فقالت ألم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " «لا ~~يقرأ الجنب القرآن "؟» فأنشد هذه الأبيات فظنت أنه قرآن فسكتت وأخبر - صلى ~~الله عليه وسلم - فاستحسنه. # وقد يراد بالمكان ما يكون محيطا بالشيء من جميع جوانبه ; فأما أن يراد ~~بالمكان مجرد السطح الباطن، أو يراد به جوهر لا يحس بحال، فهذا قول هؤلاء ~~المتفلسفة، ولا أعلم أحدا من الصحابة والتابعين وغيرهم من أئمة المسلمين ~~يريد ذلك بلفظ " المكان ". وذلك المعنى الذي أراده أرسطو بلفظ " المكان " ~~عرض ثابت، لكن ليس هذا هو المراد بلفظ " المكان " في كلام علماء المسلمين ~~وعامتهم، ولا في كلام جماهير الأمم: علمائهم وعامتهم. وأما ما أراده أفلاطن ~~فجمهور العقلاء ينكرون وجوده في الخارج، وبسط هذه الأمور له موضع آخر. # وكذلك القول في تداخل الأجسام فيه نزاع معروف بين النظار. وقول الرازي في ~~التداخل: " ذلك محال " هو موضع منع، مشهور ولكن لم يقل أحد من النظار: إن ~~الجوهر في الحيز بمعنى التداخل، سواء فسر الحيز PageV02P357 # بالأمر العدمي كما هو المعروف عند أئمة الكلام، أو فسر بالمكان الوجودي ~~الذي (هو) (1) سطح الحاوي، أو جوهر عقلي كما يقوله من يقوله من المتفلسفة ~~(2) ، أو فسر الحيز ms0430 بالمعنى اللغوي المعقول في مثل قوله: {أو متحيزا إلى ~~فئة} [سورة الأنفال: 16] وهذا الحيز هو جسم يحوز المتحيز، ليس هو عدميا ولا ~~عرضا، ولا يجوز الجوهر العقلي المتنازع في وجوده. # والمقصود أنه أي معنى أريد بلفظ الحيز فقول النظار: " إن الجوهر في الحيز ~~ليس بمعنى التداخل المتنازع فيه وفي وجوده، فلهذا لم يحتج إلى ذكر الكلام ~~في مسألة التداخل في هذا المقام] (3) . ### | [فصل التعليق على قوله وأن أمره ونهيه وإخباره حادث لاستحالة أمر المعدوم ونهيه وإخباره] # (فصل) وأما قوله (4) : " وأن (5) أمره ونهيه وإخباره حادث لاستحالة أمر ~~المعدوم ونهيه وإخباره ". # فيقال: هذه مسألة كلام الله تعالى، والناس فيها مضطربون، وقد بلغوا فيها ~~إلى تسعة (6) أقوال: [وعامة الكتب المصنفة في الكلام وأصول PageV02P358 # الدين لم يذكر أصحابها إلا بعض هذه الأقوال إذ لم يعرفوا غير ما ذكروه، ~~فمنهم من يذكر قولين، ومنهم من يذكر ثلاثة، ومنهم من يذكر أربعة، ومنهم من ~~يذكر خمسة، وأكثرهم لا يعرفون قول السلف] (1) # - أحدها: قول من يقول: إن كلام الله ما يفيض على النفوس من المعاني التي ~~تفيض: إما من العقل الفعال عند بعضهم، وإما من غيره ; وهذا قول الصابئة ~~والمتفلسفة الموافقين لهم [كابن سينا وأمثاله] (2) ، ومن دخل مع هؤلاء من ~~متصوفة الفلاسفة ومتكلميهم كأصحاب وحدة الوجود. وفي كلام صاحب الكتب " ~~المضنون بها على غير أهلها " (* بل " المضنون الكبير والمضنون الصغير " *) ~~(3) ورسالة " مشكاة الأنوار " وأمثاله ما (4) قد يشار به إلى هذا، وهو في ~~غير ذلك من كتبه يقول ضد هذا، لكن كلامه يوافق هؤلاء تارة وتارة يخالفه (5) ~~، وآخر أمره استقر على مخالفتهم ومطالعة (6) الأحاديث (7) النبوية. # وثانيها: قول من يقول: (* إنه مخلوق خلقه الله منفصلا عنه (8) . وهذا ~~PageV02P359 # قول هذا الإمامي وأمثاله من الرافضة المتأخرين والزيدية والمعتزلة ~~والجهمية. # وثالثها: قول من يقول *) (1) : إنه (2) معنى واحد قديم قائم بذات الله هو ~~الأمر والنهي والخبر والاستخبار، إن عبر عنه بالعربية كان قرآنا وإن عبر ~~عنه بالعبرية (3) كان توراة (4) ، وهذا قول ابن كلاب ومن وافقه كالأشعري ~~وغيره (5) . # ورابعها: قول من يقول: إنه حروف ms0431 وأصوات أزلية مجتمعة في الأزل، وهذا قول ~~طائفة من أهل الكلام وأهل الحديث. ذكره الأشعري في " المقالات " عن طائفة ~~(6) . وهو الذي يذكر عن السالمية ونحوهم. وهؤلاء قال طائفة منهم: إن تلك ~~الأصوات القديمة هي الصوت PageV02P360 # المسموع (1) من القارئ (2) ، أو هي بعض الصوت (3) المسموع من القارئ، ~~وأما جمهورهم مع جمهور العقلاء (4) فأنكروا ذلك، قالوا: هذا مخالف (5) ~~لضرورة العقل. # وخامسها (6) : قول من يقول: إنه حروف وأصوات لكن تكلم به (7) بعد أن لم ~~يكن متكلما، وكلامه حادث (8) في ذاته كما أن فعله حادث في ذاته بعد أن لم ~~يكن متكلما ولا فاعلا. وهذا قول الكرامية وغيرهم، وهو (9) قول هشام بن ~~الحكم وأمثاله من الشيعة. (* وهؤلاء منهم من يقول: هو حادث وليس بمحدث، ~~ومنهم من يقول: بل هو محدث [أيضا] (10) . وقد ذكر القولين الأشعري عنهم في ~~" المقالات " وذكر الخلاف بين أبي معاذ التومني وبين زهير الأثري (11) . ~~والكرامية يقولون: حادث لا محدث *) (12) . PageV02P361 # وسادسها (1) : قول من يقول: إنه لم يزل متكلما إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء ~~(2) بكلام يقوم به وهو يتكلم [به] بصوت (3) يسمع، وأن نوع الكلام [أزلي (4) ~~] قديم، م وإن لم يجعل نفس (5) الصوت المعين قديما. وهذا هو المأثور عن ~~أئمة الحديث والسنة. (6) # (* وسابعها: قول من يقول: كلامه يرجع إلى ما يحدث من علمه وإرادته القائم ~~بذاته. ثم من هؤلاء من يقول: لم يزل ذاك حادثا في ذاته، كما يقوله أبو ~~البركات صاحب " المعتبر " وغيره، ومنهم من لا يقول بذلك، و [أبو عبد الله] ~~الرازي يقول بهذا القول (7) في مثل " المطالب العالية ". # وثامنها: قول من يقول: كلامه يتضمن معنى قائما بذاته وهو ما خلقه في ~~غيره. ثم من هؤلاء من يقول في ذلك المعنى بقول ابن كلاب، وهذا قول أبي ~~منصور الماتريدي (8) . ومنهم من يقول بقول المتفلسفة وهذا قول طائفة من ~~الملاحدة الباطنية متشيعهم ومتصوفيهم. PageV02P362 # وتاسعها: قول من يقول: [كلام الله] (1) مشترك بين المعنى القديم القائم ~~بالذات وبين ما يخلقه في غيره من الأصوات. وهذا قول أبي المعالي ومن اتبعه ~~من متأخري الأشعرية *) (2) . ### | تفصيل ms0432 القول في مقالة أهل السنة # وبالجملة أهل السنة والجماعة، أهل الحديث ومن انتسب إلى السنة والجماعة ~~[من أهل التفسير والحديث والفقه والتصوف كالأئمة الأربعة وأئمة أتباعهم] ~~(3) ، والطوائف المنتسبين إلى الجماعة (4) كالكلابية والكرامية والأشعرية ~~والسالمية يقولون: إن كلام الله (5) غير مخلوق [والقرآن كلام الله غير ~~مخلوق] (6) . وهذا هو المتواتر (7) [المستفيض] (8) عن السلف والأئمة [من ~~أهل البيت وغيرهم] (9) . (10) [" والنقول بذلك متواترة مستفيضة عن الصحابة ~~والتابعين لهم بإحسان وتابعي تابعيهم، وفي ذلك مصنفات متعددة لأهل الحديث ~~والسنة يذكرون فيها مقالات السلف بالأسانيد الثابتة عنهم، وهي معروفة عند ~~أهلها، وذلك مثل كتاب " الرد على الجهمية " لمحمد بن عبد الله PageV02P363 # الجعفي (1) ولعثمان بن سعيد الدارمي، وكذلك " نقض عثمان بن سعيد على بشر ~~المريسي (2) والرد على الجهمية " لعبد الرحمن بن أبي حاتم (3) ، وكتاب " ~~السنة " لعبد الله بن الإمام أحمد - رضي الله عنه - (4) ولأبي بكر الأثرم ~~(5) وللخلال (6) ، وكتاب " خلق PageV02P364 # أفعال العباد " للبخاري (1) وكتاب " التوحيد " لأبي بكر بن خزيمة (2) ، ~~وكتاب " السنة " لأبي القاسم الطبراني (3) ، ولأبي الشيخ الأصبهاني (4) ، ~~ولأبي عبد الله بن منده (5) ، " والأسماء والصفات " لأبي بكر البيهقي (6) ~~.، PageV02P365 # و " السنة " لأبي ذر الهروي (1) \ 65.، و " الإبانة " لابن بطة (2) .، و ~~" شرح أصول السنة " لأبي القاسم اللالكائي (3) .، و " السنة " لأبي حفص بن ~~شاهين (4) .، و " أصول السنة " لأبي عمر PageV02P366 # الطلمنكي (1) . . # ولكن بعد ذلك تنازع المتأخرون على الأقوال السبعة المتأخرة (2) . # وأما (3) . القولان الأولان: فالأول: قول الفلاسفة الدهرية القائلين بقدم ~~العالم والصابئة المتفلسفة ونحوهم، والثاني: قول الجهمية من المعتزلة ومن ~~وافقهم [من] النجارية (4) . والضرارية. وأما الشيعة فمتنازعون (5) . في هذه ~~المسألة، وقد حكينا النزاع عنهم فيما تقدم (6) .، وقدماؤهم كانوا يقولون: ~~القرآن غير مخلوق، كما يقوله: أهل السنة والحديث. وهذا [القول] (7) . هو ~~المعروف عن (8) . أهل البيت كعلي PageV02P367 # بن أبي طالب [رضي الله عنه] (1) . وغيره، مثل أبي جعفر الباقر وجعفر [بن ~~محمد] (2) . الصادق وغيرهم. # [ولهذا كانت الإمامية لا تقول: إنه مخلوق لما بلغهم نفي ذلك عن أئمة أهل ~~البيت، وقالوا: إنه محدث مجهول، ومرادهم بذلك أنه مخلوق، وظنوا أن أهل ~~البيت نفوا أنه غير مخلوق، أي مكذوب مفترى ms0433. # ولا ريب أن هذا المعنى منتف باتفاق المسلمين: من قال: إنه مخلوق، ومن ~~قال: إنه غير مخلوق. والنزاع بين أهل القبلة إنما كان في كونه مخلوقا خلقه ~~الله، أو هو كلامه الذي تكلم به وقام بذاته. وأهل البيت إنما سئلوا عن هذا، ~~وإلا فكونه مكذوبا مفترى مما لا ينازع مسلم في بطلانه] (3) . # ولكن الإمامية تخالف أهل البيت في عامة أصولهم، فليس في (4) . أئمة أهل ~~البيت - مثل علي بن الحسين، وأبي جعفر الباقر وابنه جعفر بن محمد الصادق من ~~كان ينكر الرؤية، أو يقول بخلق القرآن (5) .، أو ينكر القدر، أو يقول بالنص ~~على علي، أو بعصمة الأئمة الاثني عشر، أو يسب أبا بكر وعمر (6) . . ~~PageV02P368 # والمنقولات الثابتة المتواترة عن هؤلاء معروفة موجودة، وكانت مما يعتمد ~~عليه أهل السنة (1) . # وشيوخ الرافضة معترفون بأن هذا الاعتقاد في التوحيد والصفات والقدر لم ~~يتلقوه لا عن كتاب ولا سنة ولا عن أئمة أهل البيت، وإنما يزعمون أن العقل ~~دلهم عليه، كما يقول ذلك المعتزلة، [وهم في الحقيقة إنما تلقوه عن المعتزلة ~~وهم شيوخهم في التوحيد والعدل] (2) .، وإنما يزعمون أنهم تلقوا عن الأئمة ~~الشرائع. وقولهم في الشرائع غالبه موافق لمذهب أهل السنة -[أو بعض أهل ~~السنة] (3) . -[ولهم مفردات شنيعة لم يوافقهم عليها أحد] (4) .، ولهم ~~مفردات عن المذاهب الأربعة قد قال بها غير [الأربعة] (5) .، من السلف وأهل ~~الظاهر وفقهاء المعتزلة وغير هؤلاء، فهذه ونحوها من مسائل الاجتهاد التي ~~يهون الأمر فيها، بخلاف الشاذ الذي يعرف أنه لا أصل له في كتاب الله (6) . ~~ولا سنة رسوله [- صلى الله عليه وسلم -] (7) . ولا سبقهم إليه (8) . أحد. # [ولم يقل أحد من علماء المسلمين إن الحق منحصر في أربعة من علماء ~~المسلمين كأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، كما يشنع PageV02P369 # بذلك الشيعة على أهل السنة، فيقولون: إنهم يدعون أن الحق منحصر فيهم. بل ~~أهل السنة متفقون على أن ما تنازع فيه المسلمون وجب رده إلى الله والرسول، ~~وأنه قد يكون قول ما يخالف قول الأربعة: من أقوال الصحابة والتابعين لهم ~~بإحسان، وقول هؤلاء الأربعة ms0434 (1) . مثل: الثوري والأوزاعي والليث بن سعد ~~وإسحاق بن راهويه وغيرهم أصح من قولهم. # فالشيعة إذا وافقت بعض هذه الأقوال الراجحة كان قولها في تلك المسألة ~~راجحا، ليست لهم مسألة واحدة فارقوا بها جميع أهل السنة المثبتين لخلافة ~~الثلاثة (إلا) (2) . وقولهم فيها فاسد. وهكذا المعتزلة وسائر الطوائف ~~كالأشعرية والكرامية والسالمية ليس لهم قول انفردوا به عن جميع طوائف الأمة ~~إلا وهو قول فاسد، والقول الحق يكون مأثورا عن السلف وقد سبق هؤلاء الطوائف ~~إليه] (3) . # وإذا عرفت المذاهب فيقال: لهذا: قولك (4) .: " إن أمره ونهيه وإخباره ~~حادث لاستحالة أمر المعدوم ونهيه وإخباره ": أتريد به أنه حادث في ذاته؟ أم ~~حادث منفصل عنه؟ PageV02P370 # والأول قول أئمة الشيعة (1) . المتقدمين [والجهمية] (2) . والمرجئة ~~والكرامية مع كثير من أهل الحديث وغيرهم. # ثم إذا قيل: " حادث " أهو حادث النوع فيكون الرب قد صار متكلما بعد أن لم ~~يكن متكلما؟ أم حادث الأفراد وأنه لم يزل متكلما إذا شاء؟ والكلام الذي كلم ~~به موسى مثلا (3) . هو حادث وإن كان نوع كلامه قديما لم يزل؟ . # فهذه ثلاثة أنواع تحت قولك، وقد علم أنك إنما (4) . أردت النوع الأول، ~~وهو قول [متأخري الشيعة] (5) . الذين جمعوا بين التشيع والاعتزال، فقالوا: ~~إنه مخلوق خلقه الله منفصلا عنه (6) . # ] والإمامية وإن قالوا: هو محدث، وامتنعوا أن يقولوا: هو مخلوق، فمرادهم ~~بالمحدث هو مراد هؤلاء بالمخلوق، وإنما النزاع بينهم لفظي] (7) . # فيقال: لك (8) .: إذا كان الله قد خلقه [وأحدثه] (9) . منفصلا عنه لم يكن ~~كلامه، فإن الكلام والقدرة والعلم وسائر الصفات إنما يتصف بها من ~~PageV02P371 # قامت به لا من خلقها في غيره وأحدثها (1) ، ولهذا إذا خلق الله حركة ~~وعلما وقدرة في محل (2) كان ذلك المحل (3) هو المتحرك العالم القادر بتلك ~~الصفات، ولم تكن تلك صفات لله (4) بل مخلوقات له، ولو كان متصفا بمخلوقاته ~~المنفصلة عنه لكان إذا أنطق الجامدات، كما قال: {ياجبال أوبي معه والطير} ~~[سورة سبأ: 10] . وكما قال: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما ~~كانوا يعملون} [سورة النور: 24] ، {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا ~~أنطقنا الله الذي أنطق ms0435 كل شيء} [سورة فصلت: 21] وكما قال: {اليوم نختم على ~~أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون} [سورة يس: 65] ; ~~ومثل تسليم الحجر على النبي - صلى الله عليه وسلم - وتسبيح الحصى بيده، ~~وتسبيح الطعام وهم يأكلونه، فإذا كان كلام الله لا يكون إلا ما خلقه في ~~غيره وجب أن يكون هذا كله كلام الله فإنه خلقه في غيره، وإذا تكلمت الأيدي ~~فينبغي أن يكون ذاك كلام الله. كما يقولون: إنه خلق كلاما في الشجرة كلم به ~~(5) موسى بن عمران. # وأيضا،، فإذا كان الدليل قد قام على أن الله تعالى خالق أفعال العباد ~~وأقوالهم، وهو المنطق لكل ناطق، وجب أن يكون كل كلام في الوجود كلامه، وهذا ~~قالته الحلولية (6) من الجهمية كصاحب " الفصوص " ابن عربي، قال: ~~PageV02P372 # وكل كلام في الوجود كلامه ... سواء علينا نثره ونظامه (1) وحينئذ فيكون ~~قول فرعون: {أنا ربكم الأعلى} [سورة النازعات: 24] كلام الله، كما أن ~~الكلام المخلوق في الشجرة: {إنني أنا الله لا إله إلا أنا} [سورة طه: 14] # [يقولون: إنه مخلوق في الشجرة، أو غيرها، وهو] (2) كلام الله. # وأيضا، فالرسل الذين خاطبوا الناس وأخبروهم أن الله قال، ونادى، وناجى، ~~ويقول، لم يفهموهم أن هذه مخلوقات منفصلة عنه، بل الذي أفهموهم إياه (3) أن ~~الله نفسه هو الذي تكلم، والكلام قائم به لا بغيره، ولهذا عاب (4) الله من ~~يعبد إلها لا يتكلم فقال: {أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ~~ولا نفعا} [سورة طه: 89] ، وقال: {ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم ~~سبيلا} [سورة الأعراف: 148] ولا يحمد شيء بأنه يتكلم ويذم بأنه لا يتكلم ~~(5) إلا إذا كان الكلام قائما به. # وبالجملة لا يعرف في لغة ولا عقل قائل متكلم إلا من يقوم به القول ~~والكلام، [لا يعقل في لغة أحد - لا لغة الرسل ولا غيرهم - ولا في عقل أحد ~~أن المتكلم يكون متكلما بكلام لم يقم به قط بل هو بائن عنه أحدثه في غيره، ~~كما لا يعقل أنه متحرك بحركة خلقها في غيره، ولا يعقل أنه PageV02P373 # متلون ms0436 بلون خلقه في غيره، ولا متروح برائحة خلقها في غيره. وطرد ذلك أنه ~~يعقل أنه مريد بإرادة أحدثها في غيره، ولا محب وراض وغضبان وساخط برضى ~~ومحبة وغضب وسخط خلقه في غيره. # وهؤلاء النفاة يصفونه بما لا يقوم به: تارة بما يخلقه في غيره كالكلام ~~والإرادة، وتارة بما لا يقوم به ولا بغيره كالعلم والقدرة، وهذا أيضا غير ~~معقول] (1) ; فلا (2) يعقل حي إلا من تقوم به الحياة، ولا عالم إلا من يقوم ~~به العلم، [كما لا يعقل باتفاق العقلاء] (3) متحرك إلا من تقوم به الحركة، ~~[وطرد هذا أنه لا يعقل] (4) فاعل إلا من يقوم به الفعل. # [وقد سلم الأشعرية - ومن وافقهم كابن عقيل وغيره - فاعلا لا يقوم به ~~الفعل: كعادل لا يقوم به العدل، وخالق ورازق لا يقوم به الخلق والرزق. # وهذا مما احتجت به عليهم المعتزلة، فقالوا: كما جاز أن يكون عادلا خالقا ~~رازقا بعدل وخلق ورزق لا يقوم به، فكذلك عالم وقادر ومتكلم. # والسلف رضي الله عنهم وجمهور أهل السنة يطردون أصلهم، ولهذا احتج الإمام ~~أحمد رضي الله عنه وغيره على أن كلام الله غير مخلوق بقول النبي - صلى الله ~~عليه وسلم -: «أعوذ بكلمات الله تعالى التامات التي PageV02P374 # لا يجاوزهن بر ولا فاجر» (1) ". قالوا: لا يستعاذ بمخلوق. وكذلك ثبت عنه ~~أنه قال: " «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا ~~أحصي ثناء عليك» (2) . وقالوا: لا يستعاذ بمخلوق، وقد استعاذ النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - بالرضا والمعافاة ; فكان ذلك عند أئمة السنة مما يقوم ~~بالرب تعالى كما تقوم به كلماته، ليس من المخلوقات التي لا تكون إلا بائنة ~~عنه] (3) . PageV02P375 # فمن قال: إن المتكلم هو الذي يكون كلامه منفصلا عنه، [والمريد والمحب ~~والمبغض والراضي والساخط ما تكون إرادته ومحبته وبغضه ورضاه وسخطه بائنا ~~عنه لا يقوم به بحال من الأحوال] (1) ، قال ما لا يعقل، ولم يفهم الرسل ~~للناس هذا، بل كل من سمع ما بلغته الرسل عن الله يعلم بالضرورة أن الرسل لم ~~ترد بكلام الله ms0437 ما هو منفصل] عن الله وكذلك لم ترد بإرادته ومحبته ورضاه ~~ونحو ذلك ما هو منفصل [ (2) عنه (3) بل ما (4) هو متصف به. # قالت الجهمية والمعتزلة (5) : المتكلم من فعل الكلام، والله [تعالى] (6) ~~لما أحدث الكلام في غيره صار متكلما. # فيقال: لهم: للمتأخرين المختلفين هنا ثلاثة أقوال (7) قيل: المتكلم من ~~فعل الكلام ولو كان منفصلا، [وهذا إنما قاله هؤلاء] (8) . # وقيل: المتكلم من قام به الكلام، ولو لم يكن بفعله (9) ولا [هو] بمشيئته ~~و [لا] قدرته (10) ، وهذا قول الكلابية والسالمية ومن وافقهم. PageV02P376 # وقيل: المتكلم من تكلم بفعله ومشيئته وقدرته وقام به [الكلام] (1) ، وهذا ~~قول أكثر أهل الحديث وطوائف من الشيعة والمرجئة والكرامية وغيرهم. # فأولئك يقولون: هو صفة فعل منفصل عن الموصوف لا صفة ذات. والصنف الثاني ~~يقولون: صفة ذات لازمة للموصوف لا تتعلق بمشيئته ولا قدرته. والآخرون ~~يقولون هو صفة ذات وصفة فعل، وهو قائم به متعلق (2) بمشيئته وقدرته. وإذا ~~(3) كان كذلك فقولهم (4) : إنه صفة فعل ينازعهم (5) فيه طائفة وإذا لم ~~ينازعوا في هذا، فيقال: هب أنه صفة فعل منفصلة عن القائل الفاعل، أو قائمة ~~به (6) . أما الأول فهو قولكم الفاسد، وكيف تكون الصفة غيره قائمة ~~بالموصوف، أو القول غير قائم بالقائل. # [وقول القائل: الصفات تنقسم إلى صفة ذات وصفة فعل - ويفسر صفة الفعل بما ~~هو بائن عن الرب كلام متناقض كيف يكون صفة للرب وهو لا يقوم به بحال، بل هو ~~مخلوق بائن عنه؟ # وهذا وإن كانت الأشعرية قالته تبعا للمعتزلة فهو خطأ في نفسه، فإن إثبات ~~صفات الرب وهي مع ذلك مباينة له جمع بين المتناقضين PageV02P377 # المتضادين، بل حقيقة قول هؤلاء: إن الفعل لا يوصف به الرب، فإن الفعل هو ~~المخلوق، والمخلوق لا يوصف به الخالق، ولو كان الفعل الذي هو المفعول صفة ~~له لكانت جميع المخلوقات صفات للرب، وهذا لا يقوله: عاقل فضلا عن مسلم] (1) ~~. # فإن قلتم: هذا بناء على أن فعل الله لا يقوم به، لأنه لو قام به لقامت به ~~الحوادث. # قيل: والجمهور ينازعونكم في هذا الأصل، ويقولون ms0438: كيف يعقل فعل لا يقوم ~~بفاعل، ونحن نعقل الفرق بين نفس الخلق والتكوين (2) وبين المخلوق المكون؟ # وهذا قول جمهور الناس كأصحاب أبي حنيفة. وهو الذي حكاه البغوي (3) وغيره ~~من أصحاب الشافعي عن أهل السنة، وهو قول أئمة أصحاب أحمد كأبي إسحاق بن ~~شاقلا (4) وأبي بكر عبد العزيز (5) وأبي عبد الله بن حامد (6) [والقاضي أبي ~~يعلى في آخر قوليه] (7) [وهو] قول (8) أئمة الصوفية وأئمة أصحاب الحديث، ~~[وحكاه PageV02P378 # البخاري في كتاب " خلق أفعال العباد " عن العلماء مطلقا] (1) وهو قول ~~طوائف من المرجئة والشيعة والكرامية وغيرهم (2) . ثم القائلون بقيام فعله ~~به، منهم من يقول: فعله قديم والمفعول متأخر، كما أن إرادته قديمة والمراد ~~متأخر، كما يقول ذلك من يقوله من أصحاب أبي حنيفة وأحمد وغيرهم، [وهو الذي ~~ذكره الثقفي وغيره من الكلابية لما وقعت المنازعة بينهم وبين ابن خزيمة] ~~(3) . # [ومنهم من يقول: بل هو حادث النوع، كما يقول ذلك من يقوله من الشيعة ~~والمرجئة والكرامية] (4) . # ومنهم من يقول: هو يقع (5) بمشيئته وقدرته شيئا فشيئا لكنه لم يزل متصفا ~~به، فهو حادث الآحاد قديم النوع، كما يقول ذلك من يقوله من أئمة أصحاب ~~الحديث وغيرهم من أصحاب الشافعي وأحمد # وسائر الطوائف [منهم من يقول: بل الخلق حادث قائم بالمخلوق، كما يقوله ~~هشام بن الحكم وغيره، ومنهم من يقول: بل هو قائم بنفسه لا في محل، كما ~~يقوله: أبو الهذيل العلاف وغيره، ومنهم من يقول بمعان قائمة بنفسها لا ~~تتناهى، كما يقوله: معمر بن عباد (6) وغيره] (7) . PageV02P379 # وإذا كان الجمهور ينازعونكم فتقدر (1) المنازعة بينكم وبين أئمتكم من ~~الشيعة ومن وافقهم ; فإن هؤلاء يوافقونكم على أنه حادث لكن يقولون: هو قائم ~~بذات الله فيقولون: قد جمعنا بين حجتنا وحجتكم (2) ، فقلنا العدم لا يؤمر ~~(3) ولا ينهى، وقلنا: الكلام لا بد أن يقوم بالمتكلم. # فإن قلتم لنا: قد قلتم بقيام الحوادث بالرب. قالوا لكم (4) : نعم، وهذا ~~قولنا الذي دل عليه الشرع والعقل، ومن لم يقل إن البارئ يتكلم، ويريد، ويحب ~~ويبغض ويرضى، ويأتي ويجيء، فقد ناقض كتاب الله [تعالى ms0439] (5) . ومن قال: إنه ~~لم يزل (6) ينادي موسى في الأزل، فقد خالف كلام الله مع مكابرة العقل، لأن ~~الله يقول: {فلما جاءها نودي} [سورة النمل: 8] ، وقال: {إنما أمره إذا أراد ~~شيئا أن يقول له كن فيكون} [سورة يس: 82] ، فأتى بالحروف الدالة على ~~الاستقبال. قالوا: وبالجملة فكل ما يحتج به المعتزلة والشيعة مما يدل على ~~أن كلامه متعلق بمشيئته [وقدرته] (7) ، وأنه يتكلم (8) إذا شاء، وأنه يتكلم ~~شيئا بعد شيء فنحن نقول به، وما يقول به من يقول: إن كلام الله قائم بذاته، ~~وإنه صفة له، والصفة لا تقوم إلا بالموصوف فنحن نقول به، وقد أخذنا ~~PageV02P380 # بما في قول كل من الطائفتين من الصواب، وعدلنا عما يرده الشرع والعقل من ~~قول كل منهما. # فإذا قالوا لنا: فهذا يلزم (1) أن تكون الحوادث قامت به. قلنا: ومن أنكر ~~هذا قبلكم من السلف والأئمة؟ ونصوص القرآن والسنة تتضمن ذلك مع صريح العقل، ~~وهو قول لازم لجميع الطوائف، ومن أنكره فلم يعرف لوازمه وملزوماته. ولفظ " ~~الحوادث " مجمل، فقد يراد به الأمراض (2) والنقائص، والله [تعالى] (3) منزه ~~عن ذلك [كما نزه نفسه عن السنة والنوم واللغوب، وعن أن يئوده حفظ السماوات ~~والأرض وغير ذلك مما هو منزه عنه بالنص والإجماع. ثم إن كثيرا من نفاة ~~الصفات - المعتزلة وغيرهم - يجعلون مثل هذا حجة في نفي قيام الصفات، أو ~~قيام الحوادث به مطلقا، وهو غلط منهم، فإن نفي الخاص لا يستلزم نفي العام، ~~ولا يجب إذا نفيت عنه النقائص والعيوب أن ينتفي عنه ما هو من صفات الكمال ~~ونعوت الجلال] (4) . ولكن يقوم به ما يشاؤه (5) ويقدر عليه من كلامه ~~وأفعاله (6) ونحو ذلك مما دل عليه الكتاب والسنة. PageV02P381 # ونحن (1) نقول لمن أنكر قيام ذلك به: أتنكره (2) لإنكارك قيام الصفة به ~~كإنكار المعتزلة؟ أم تنكره لأن من قامت به الحوادث لم يخل منها، ونحو ذلك ~~مما يقوله الكلابية؟ # فإن قال بالأول كان الكلام في أصل الصفات وفي كون الكلام قائما بالمتكلم ~~لا منفصلا عنه (3) كافيا في هذا الباب. وإن كان الثاني قلنا لهؤلاء ms0440 (4) : ~~أتجوزون حدوث الحوادث بلا سبب حادث أم لا؟ فإن جوزتم ذلك - وهو قولكم - لزم ~~أن يفعل الحوادث من (5) لم يكن فاعلا لها ولا لضدها (6) فإذا جاز هذا [فلم] ~~لا يجوز أن تقوم الحوادث بمن لم تكن (7) قائمة به هي ولا ضدها؟ # ومعلوم أن الفعل أعظم من القبول (8) ، فإذا جاز فعلها بلا سبب حادث فكذلك ~~قيامها بالمحل (9) ، فإن قلتم: القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده. (10 ~~قلنا: هذا ممنوع ولا دليل لكم عليه 10) (10) ، [ثم إذا سلم ذلك فهو كقول ~~PageV02P382 # القائل: القدر على الشيء لا يخلو عن فعله وفعل ضده، وأنتم تقولون: إنه لم ~~يزل قادرا، ولم يكن فاعلا ولا تاركا، لأن الترك عندكم أمر وجودي مقدور، ~~وأنتم تقولون: لم يكن فاعلا لشيء من مقدوراته في الأزل مع كونه قادرا، بل ~~تقولون: إنه يمتنع وجود مقدوره في الأزل مع كونه قادرا عليه. # وإذا كان هذا قولكم فلأن لا يجب وجود المقبول في الأزل بطريق الأولى ~~والأحرى، فإن هذا المقبول مقدور لا يوجد إلا بقدرته، وأنتم تجوزون وجود ~~قادر مع امتناع مقدوره في حال كونه قادرا] (1) . # (2 ثم نقول: إن كان القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده 2) (2) لزم تسلسل ~~الحوادث، وتسلسل الحوادث إن كان ممكنا كان القول الصحيح قول أهل الحديث ~~الذين يقولون: لم يزل متكلما إذا شاء كما قاله ابن المبارك وأحمد بن حنبل ~~وغيرهما من أئمة السنة. وإن لم يكن جائزا [أمكن أن يقوم به الحادث بعد أن ~~لم يكن قائما به، كما يفعل الحوادث بعد أن لم يكن فاعلا لها] (3) وكان (4) ~~قولنا هو الصحيح، فقولكم أنتم باطل على [كلا] (5) التقديرين. فإن قلتم لنا: ~~أنتم توافقونا على امتناع تسلسل الحوادث، وهو حجتنا وحجتكم على [نفي] (6) ~~قدم العالم. PageV02P383 # قلنا لكم: موافقتنا لكم حجة جدلية، وإذا كنا قد قلنا بامتناع تسلسل ~~الحوادث موافقة لكم، وقلنا (1) بأن القابل (2) للشيء قد يخلو عنه وعن ضده ~~مخالفة لكم. وأنتم تقولون: إن قبل الحوادث (3) لزم تسلسلها وأنتم لا تقولون ~~بذلك (4) . # قلنا: إن صحت هاتان المقدمتان - ونحن لا ms0441 نقول بموجبهما (5) - لزم خطؤنا: ~~إما في هذه وإما في هذه. وليس خطؤنا فيما سلمناه لكم بأولى من خطئنا فيما ~~خالفناكم فيه، فقد يكون خطؤنا في منع تسلسل الحوادث لا في قولنا: إن القابل ~~للشيء يخلو عنه وعن ضده، فلا يكون خطؤنا في إحدى المسألتين دليلا على ~~صوابكم (6) في الأخرى التي خالفناكم فيها. # أكثر ما في هذا (7) الباب [أنا نكون] (8) متناقضين، والتناقض (9) شامل ~~لنا ولكم ولأكثر من تكلم في هذه المسألة ونظائرها. وإذا كنا متناقضين، ~~فرجوعنا إلى قول نوافق [فيه] العقل والنقل (10) ، أولى من رجوعنا إلى قول ~~PageV02P384 # نخالف فيه العقل والنقل. فالقول بأن المتكلم يتكلم (1) بكلام لا يتعلق ~~بمشيئته وقدرته، أو منفصل عنه لا يقوم به مخالف للعقل والنقل، بخلاف تكلمه ~~بكلام يتعلق بمشيئته وقدرته قائم به فإن هذا لا يخالف لا عقلا ولا نقلا، ~~لكن قد نكون [نحن] (2) لم نقله بلوازمه فنكون متناقضين، وإذا كنا متناقضين ~~كان الواجب أن نرجع عن القول الذي أخطأنا فيه لنوافق ما أصبنا فيه، لا نرجع ~~عن الصواب لنطرد (3) الخطأ، فنحن نرجع عن تلك [المناقضات] (4) ونقول بقول ~~أهل الحديث. # فإن قلتم: إثبات حادث بعد حادث (5) لا إلى أول (6) قول الفلاسفة الدهرية. ~~(* قلنا: بل قولكم: إن الرب تعالى لم يزل معطلا لا يمكنه أن يتكلم بشيء ولا ~~أن يفعل شيئا، ثم صار يمكنه أن يتكلم وأن يفعل (7) بلا حدوث سبب يقتضي ذلك، ~~قول مخالف لصريح العقل ولما عليه المسلمون، فإن المسلمين يعلمون أن الله لم ~~يزل قادرا، وإثبات القدرة مع كون المقدور ممتنعا غير ممكن جمع بين ~~النقيضين، فكان فيما عليه PageV02P385 # المسلمون من أنه لم يزل قادرا ما يبين أنه لم يزل قادرا على الفعل ~~والكلام بقدرته ومشيئته (1) . # والقول بدوام كونه متكلما ودوام كونه فاعلا بمشيئته منقول عن السلف وأئمة ~~المسلمين من أهل البيت وغيرهم، كابن المبارك (2) وأحمد بن حنبل والبخاري ~~وعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهم، وهو منقول عن جعفر بن محمد الصادق في ~~الأفعال المتعدية - فضلا عن اللازمة - وهو دوام إحسانه (3) ، *) (4) [وذلك ~~قوله: وقول المسلمين ms0442: يا قديم الإحسان إن عني بالقديم قائم به] (5) . # والفلاسفة الدهرية قالوا: بقدم [الأفلاك وغيرها من] (6) العالم، وأن ~~الحوادث فيه لا إلى أول، وأن البارئ موجب بذاته للعالم (7) ليس فاعلا ~~بمشيئته وقدرته ولا يتصرف بنفسه. [ومعلوم بالاضطرار من دين الرسل أن الله ~~تعالى خالق كل شيء، ولا يكون المخلوق إلا محدثا، فمن جعل مع الله شيئا ~~قديما بقدمه فقد علم مخالفته لما أخبرت به الرسل مع مخالفته لصريح العقل] ~~(8) . وأنتم وافقتموهم (9) على طائفة من باطلهم حيث قلتم: إنه لا يتصرف ~~PageV02P386 # بنفسه، ولا يقوم به أمر يختاره ويقدر عليه، بل جعلتموه (1) كالجماد الذي ~~لا تصرف (2) (* له ولا فعل، وهم جعلوه كالجماد الذي لزمه وعلق به ما لا ~~يمكنه دفعه عنه ولا قدرة له على التصرف *) (3) فيه، فوافقتموهم على بعض ~~باطلهم. ونحن قلنا بما يوافق العقل والنقل من كمال قدرته ومشيئته، وأنه ~~قادر على الفعل بنفسه [وعلى التكلم بنفسه] (4) كيف شاء، وقلنا: إنه لم يزل ~~موصوفا بصفات الكمال متكلما إذا شاء (5) ، فلا نقول: إن كلامه مخلوق منفصل ~~عنه، فإن حقيقة هذا القول أنه لا يتكلم، ولا نقول: إن كلامه شيء واحد (6) : ~~أمر ونهي وخبر (* وأن معنى التوراة والإنجيل واحد، وأن الأمر والنهي صفة ~~لشيء واحد *) (7) ، فإن هذا مكابرة للعقل (8) ، ولا نقول: إنه أصوات مقطعة ~~(9) متضادة أزلية، فإن الأصوات لا تبقى زمانين. وأيضا، فلو قلنا بهذا القول ~~والذي قبله لزم أن يكون تكليم الله PageV02P387 # للملائكة ولموسى ولخلقه يوم القيامة ليس إلا مجرد خلق إدراك (1) لهم لما ~~كان أزليا لم يزل. ومعلوم أن النصوص دلت على ضد ذلك، ولا نقول إنه صار ~~متكلما بعد أن لم يكن متكلما، فإن هذا وصف له (2) بالكمال بعد النقص، وأنه ~~صار محلا للحوادث التي كمل بها بعد نقصه. ثم حدوث ذلك الكمال (3) لا بد له ~~من سبب، [والقول في الثاني كالقول في الأول ففيه تجدد (* كمال بلا سبب] (4) ~~، ووصف له بالنقص الدائم من الأزل إلى أن تجدد له ما لا سبب لتجدده (5) ، ~~وفي ذلك تعطيل له عن صفات الكمال ms0443. # وأما دوام الحوادث فمعناه [هنا] (6) دوام كونه متكلما (7) إذا شاء، وهذا ~~دوام كماله ونعوت *) (8) جلاله ودوام أفعاله، وبهذا يمكن أن يكون العالم، ~~وكل ما فيه مخلوق له حادث (9) بعد أن لم يكن، لأنه يكون سبب الحدوث هو ما ~~قام بذاته من كلماته وأفعاله (10) وغير ذلك، فيعقل PageV02P388 # سبب (1) حدوث الحوادث، ويمتنع مع هذا (2) أن يقال: بقدم شيء من العالم، ~~لأنه لو كان قديما لكان مبدعه (3) موجبا بذاته ليلزمه (4) موجبه ومقتضاه، ~~وإذا كان الخالق فاعلا بفعل يقول بنفسه بمشيئته واختياره امتنع أن يكون ~~موجبا بذاته لشيء من الأشياء، فامتنع قدم شيء من العالم، وإذا امتنع من ~~الفاعل المختار أن يفعل شيئا منفصلا [عنه] (5) مقارنا له مع أنه لا يقوم به ~~فعل اختياري، فلأن يمتنع ذلك إذا قام به فعل اختياري بطريق الأولى والأحرى، ~~لأنه على هذا التقدير (* لا يوجد المفعول حتى يوجد الفعل الاختياري الذي ~~حصل بقدرته ومشيئته، وعلى التقدير *) (6) الأول يكفي فيه نفس المشيئة ~~والقدرة والفعل الاختياري (7) . # [ومعلوم أن ما توقف على المشيئة والقدرة] (8) والفعل الاختياري القائم به ~~يكون، أولى بالحدوث والتأخر مما لم يتوقف (9) إلا على بعض ذلك. # والكلام على هذه الأمور مبسوط في غير هذا الموضع، وأكثر الناس ~~PageV02P389 # لا يعلمون كثيرا من هذه الأقوال ; ولذلك كثر بينهم القيل والقال، وما ~~ذكرناه إشارة إلى مجامع المذاهب. (1) [والأصل الذي باين به أهل السنة ~~والجماعة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، من أهل البيت وغيرهم وسائر أئمة ~~المسلمين للجهمية والمعتزلة وغيرهم من نفاة الصفات: أن الرب تعالى إنما ~~يوصف بما يقوم به، لا يوصف بمخلوقاته، وهو أصل مطرد عند السلف والجمهور. ~~ولكن المعتزلة استضعفت الأشعرية - ومن وافقهم - بتناقضهم في هذا الأصل حيث ~~وصفوه بالصفات الفعلية مع أن الفعل لا يقوم به عندهم. والأشعري تبع في ذلك ~~للجهمية والمعتزلة الذين نفوا قيام الفعل به، لكن أولئك ينفون الصفات أيضا، ~~بخلاف الأشعرية. # والمعتزلة لهم نزاع في الخلق: هل هو المخلوق، أو غير المخلوق؟ وإذا ~~قالوا: هو غير المخلوق، فقد يقولون: معنى قائم لا في محل ms0444، كما تقوله ~~البصريون في الإرادة. وقد يقولون: معاني لا نهاية لها في آن واحد. كما ~~يقوله معمر منهم وأصحابه، ويسمون أصحاب المعاني، وقد يقولون: إنه قائم ~~بالمخلوق. # وحجة الأشعري ومن وافقه على أن الخلق هو المخلوق، أنهم قالوا: لو كان ~~غيره لكان إما قديما وإما محدثا، فإن كان قديما لزم قدم المخلوق، وهو محال ~~بالاضطرار فيما علم حدوثه بالاضطرار، والدليل فيما علم حدوثه بالدليل. وإن ~~كان محدثا كان مخلوقا، فافتقر الخلق إلى PageV02P390 # خلق ثان ولزم التسلسل، وأيضا، فيلزم قيام الحوادث به، وهذا عمدتهم في نفس ~~الأمر. # والرازي لم يكن له خبرة بأقوال طوائف المسلمين، إلا بقول المعتزلة ~~والأشعرية وبعض أقوال الكرامية والشيعة، فلهذا لما ذكر هذه المسألة ذكر ~~الخلاف فيها مع فقهاء ما وراء النهر، وقول هؤلاء هو قول جماهير طوائف ~~المسلمين. # والجمهور لهم في الجواب عن عمدة هؤلاء طرق: كل قوم بحسبهم. فطائفة قالت: ~~بل الخلق الذي هو التكوين والفعل قديم والمكون المفعول محدث لأن (الخلق) ~~(1) عندهم لا تقوم به الحوادث، وهذا قول كثير من هؤلاء من الحنفية ~~والحنبلية والكلابية والصوفية وغيرهم. فإذا قالوا لهؤلاء: فيلزم قدم المكون ~~قالوا: نقول في ذلك مثل ما قلتم في الإرادة الأزلية، قلتم: هي قديمة فإن ~~(2) كان المراد محدثا، كذلك التكوين قديم، وإن كان المكون محدثا. # وطائفة قالت: بل الخلق والتكوين حادث إذا أراد الله خلق شيء وتكوينه، ~~وهذا قول أكثر أهل الحديث وطوائف من أهل الكلام والفقه والتصوف. قالوا: لأن ~~الله ذكر وجود أفعاله شيئا بعد شيء كقوله تعالى: (خلق السماوات والأرض في ~~ستة أيام ثم استوى على العرش) [سورة الأعراف: 54] وقوله: {ثم استوى إلى ~~السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين} ~~[سورة فصلت 11] ، وقوله: PageV02P391 # {ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} [سورة الأعراف: ~~11] وقوله: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين - ثم جعلناه نطفة في قرار ~~مكين - ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما ~~فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا ms0445 آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} [سورة ~~المؤمنون: 12 - 14] ، وأمثال ذلك. # وهؤلاء يلتزمون أنه تقوم به الأمور الاختيارية، كخلقه ورضاه وغضبه وكلامه ~~وغير ذلك مما دلت عليه النصوص. وفي القرآن أكثر من ثلاثمائة موضع توافق ~~قولهم، وأما الأحاديث فكثيرة جدا، والآثار عن السلف بذلك متواترة، وهو قول ~~أكثر الأساطين من الفلاسفة. ثم هؤلاء في التسلسل على قولين، وهم يقولون: ~~المخلوق يحصل بالخلق، والخلق يحصل بقدرته ومشيئته، لا يحتاج إلى خلق آخر. 0 ~~ويقولون لمنازعيهم: إذا جاز عندكم وجود المخلوقات المنفصلة بمجرد القدرة ~~والمشيئة من غير فعل قائم به، فلأن يجوز الفعل بمجرد القدرة الإرادة أولى ~~وأحرى. ومن لم يقل بالتسلسل منهم يقول: نفس القدرة القديمة والإرادة ~~القديمة أوجبت ما حدث من الفعل والإرادة وبذلك يحصل المخلوق فيما لا يزال. # ومن قال بالتسلسل منهم قال: التسلسل الممتنع إنما هو التسلسل في ~~المؤثرات، وهو أن يكون للفاعل فاعل، وهلم جرا إلى غير نهاية، سواء عبر عن ~~ذلك بأن للعلة علة وللمؤثر مؤثرا، أو عبر عنه بأن للفاعل فاعلا، # PageV02P392 # فهذا هو التسلسل الممتنع في صريح العقل، ولهذا كان هذا ممتنعا باتفاق ~~العقلاء، كما أن الدور الممتنع هو الدور القبلي. # فأما التسلسل في الآثار وهو أن لا يكون الشيء حتى يكون قبله غيره، أو لا ~~يكون إلا ويكون بعد غيره فهذا للناس فيه ثلاثة أقوال: قيل: هو ممتنع في ~~الماضي والمستقبل. وقيل: بل هو جائز في الماضي والمستقبل. وقيل ممتنع في ~~الماضي جائز في المستقبل. والقول بجوازه مطلقا هو معنى قول السلف وأئمة ~~الحديث وقول جماهير الفلاسفة القائلين بحدوث هذا العالم والقائلين بقدمه. ~~وقد بسط الكلام على أدلة الطائفتين في موضع آخر، فإنا قد بسطنا الكلام فيما ~~ذكره من أصول الدين أضعاف ما تكلم به هو ونبهنا على مجامع الأقوال] (1) ### | [التعليق على قوله وأن الأنبياء معصومون من الخطأ والسهو] ### | الوجه الأول اختلافهم في عصمة الأنبياء # (فصل) # وأما قوله (2) : " وأن (3) الأنبياء معصومون من (4) الخطأ والسهو ~~والمعصية صغيرها وكبيرها من أول العمر إلى آخره، وإلا لم يبق وثوق بما ms0446 ~~يبلغونه، فانتفت فائدة البعثة ولزم التنفير عنهم ". فيقال: أولا: [إن] (5) ~~الإمامية متنازعون في عصمة الأنبياء. PageV02P393 # قال الأشعري في " المقالات " (1) : واختلفت (2) الروافض في الرسول (3) هل ~~يجوز عليه أن يعصي أم لا؟ وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم: يزعمون أن ~~الرسول جائز عليه أن يعصي الله، وأن النبي قد عصى في أخذ الفداء يوم بدر، ~~فأما الأئمة فلا يجوز ذلك عليهم، فإن الرسول إذا عصى فإن الوحي يأتيه من ~~قبل الله، والأئمة لا يوحى إليهم ولا تهبط الملائكة عليهم، وهم معصومون، ~~فلا يجوز عليهم أن يسهوا و [لا] يغلطوا (4) وإن جاز على الرسول العصيان ". ~~قال (5) : " والقائل بهذا القول هشام بن الحكم. والفرقة الثانية منهم: ~~يزعمون أنه لا يجوز على الرسول أن يعصي الله عز وجل، ولا يجوز ذلك على ~~الأئمة، لأنهم جميعا حجج الله، وهم معصومون من الزلل ولو جاز عليهم السهو ~~واعتماد المعاصي وركوبها (6) لكانوا قد ساووا المأمومين في جواز ذلك عليهم، ~~كما جاز (7) على المأمومين ولم يكن المأمومون (8) أحوج إلى الأئمة من ~~الأئمة لو كان ذلك جائزا عليهم جميعا (9) ". (10) # [وأيضا، فكثير من شيوخ الرافضة من يصف الله تعالى بالنقائص PageV02P394 # كما تقدم حكاية بعض ذلك، فزرارة بن أعين وأمثاله يقولون: يجوز البداء ~~عليه وأنه يحكم بالشيء ثم يتبين له ما لم يكن علمه فينتقض حكمه لما ظهر له ~~من خطئه. فإذا قال مثل هؤلاء بأن الأنبياء والأئمة لا يجوز أن يخفى عليهم ~~عاقبة فعلهم، فقد نزهوا البشر عن الخطأ مع تجويزهم الخطأ على الله، وكذلك ~~هشام بن الحكم وزارة بن أعين وأمثالهما ممن يقول إنه يعلم ما لم يكن عالما ~~به. # ومعلوم أن هذا من أعظم النقائص في حق الرب، فإذا قالوا مع ذلك: إن ~~الأنبياء والأئمة لا يبدو لهم خلاف ما رأوا فقد جعلوهم لا يعلمون ما لم ~~يكونوا يعلمونه في مثل هذا، وقالوا: بجواز ذلك في غيره. # وأما ما تقوله: غلاتهم من إلاهية علي، أو نبوته، وغلط جبريل بالرسالة فهو ~~أعظم من أن يذكر هنا. ولا ريب أن الشرك والغلو ms0447 يخرج أصحابه إلى أن يجعلوا ~~البشر مثل الإله، بل أفضل من الإله في بعض الأمور، كما ذكر الله عن ~~المشركين حيث قال: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا ~~لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله ~~فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون} [سورة الأنعام: 136] ، وقال تعالى: ~~{ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا ~~لكل أمة عملهم} [سورة الأنعام: 108] . # فهؤلاء لما سبت آلهتهم سبوا الله مقابلة، فجعلوهم مماثلين لله وأعظم في ~~قلوبهم، كما تجد كثيرا من المشركين يحب ما اتخذه من دون الله أندادا أكثر ~~مما يحب الله تعالى، وتجد أحدهم يحلف بالله ويكذب، # PageV02P395 # ويحلف بما اتخذه ندا من إمامه، أو شيخه، أو غير ذلك ولا يستجيز أن يكذب، ~~وتسأله بالله والله فلا يعطي، وتسأله بما يعظمه من إمامه، أو شيخه، أو غير ~~ذلك فيعطي ويصلي لله في بيته ويدعوه فلا يكون عنده كبير خشوع فإذا أتى إلى ~~قبر من يعظمه ورجا أن يدعوه، أو يدعو به، أو يدعو عنده فيحصل له من الخشوع ~~والدموع ما لا يحصل في عبادة الله ودعائه في بيت الله، أو في بيت الداعي ~~العابد، وتجد أحدهم يغضب إذا ذكر ما اتخذه ندا بعيب، أو نقص ويذكر الله ~~بالعيوب والنقوص فلا يغضب له. ومثل هذا كثير في المشركين شركا محضا وفي من ~~فيه شعبة من الشرك في هذه الأمة والنصارى ينزهون البشر عن كثير مما يصفون ~~به الرب فيقولون لله ولد وينزهون كثيرا من عظمائهم أن يكون له ولد ويقول ~~كثير منهم إن الله ينام، والباب عندهم لا ينام، ومثل هذا كثير] (1) . ### | الوجه الثاني العصمة قبل البعثة غير واجبة # ثم يقال: ثانيا (2) : قد اتفق المسلمون على أنهم معصومون فيما يبلغونه ~~(3) عن الله [فلا يجوز أن يقرهم على الخطأ في شيء مما يبلغونه عنه] (4) ، ~~وبهذا يحصل المقصود من البعثة. # [وأما وجوب كونه قبل أن يبعث نبيا لا يخطئ، أو ms0448 لا يذنب فليس في ~~PageV02P396 # النبوة ما يستلزم هذا وقول القائل: لو لم يكن كذلك لم تحصل ثقة فيما ~~يبلغونه عن الله كذب صريح فإن من آمن وتاب حتى ظهر فضله وصلاحه ونبأه الله ~~بعد ذلك كما نبأ إخوة يوسف ونبأ لوطا وشعيبا وغيرهما وأيده الله تعالى بما ~~يدل على نبوته فإنه يوثق فيما يبلغه كما يوثق بمن لم يفعل ذلك وقد تكون ~~الثقة به أعظم إذا كان بعد الإيمان والتوبة قد صار أفضل من غيره والله ~~تعالى قد أخبر أنه يبدل السيئات بالحسنات للتائب كما ثبت ذلك في الحديث ~~الصحيح ومعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم من عهد الرسول - صلى الله عليه ~~وسلم - وقبل أن يصدر منهم ما يدعونه من الأحداث كانوا من خيار الخلق وكانوا ~~أفضل من أولادهم الذين ولدوا بعد الإسلام. ### | الوجه الثالث التوبة بعد الذنب ترفع الدرجات # ثم يقال: وأيضا، فجمهور المسلمين على أن النبي لا بد أن يكون من أهل البر ~~والتقوى متصفا بصفات الكمال، ووجوب بعض الذنوب أحيانا مع التوبة الماحية ~~الرافعة لدرجته إلى أفضل مما كان عليه لا ينافي ذلك] (1) . وأيضا، فوجوب ~~(2) كون النبي لا يتوب إلى الله فينال محبة الله وفرحه بتوبته وترتفع درجته ~~بذلك ويكون بعد التوبة التي يحبه الله منه خيرا مما كان قبلها فهذا مع ما ~~فيه من التكذيب للكتاب والسنة غض من مناصب الأنبياء وسلبهم هذه الدرجة ومنع ~~إحسان الله إليهم وتفضله عليهم بالرحمة والمغفرة (3) . PageV02P397 # ومن اعتقد أن كل من لم يكفر ولم يذنب أفضل من كل من آمن بعد كفره وتاب ~~بعد ذنبه (1) فهو مخالف ما علم بالاضطرار من دين الإسلام، فإنه من المعلوم ~~أن الصحابة الذين آمنوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد كفرهم ~~وهداهم الله به (2) بعد ضلالهم، وتابوا إلى الله بعد ذنوبهم أفضل من ~~أولادهم الذين ولدوا (3) على الإسلام. وهل يشبه بني الأنصار بالأنصار، أو ~~بني (4) المهاجرين بالمهاجرين إلا من لا علم له؟ وأين المنتقل بنفسه (5) من ~~السيئات إلى الحسنات بنظره واستدلاله وصبره (6) واجتهاده ms0449 ومفارقته عاداته ~~[ومعاداته] (7) لأوليائه (8) [وموالاته لأعدائه] (9) إلى آخر لم (10) يحصل ~~له (11) مثل هذه الحال؟ وقد قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: إنما تنقض ~~عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية. وقد قال ~~تعالى: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله ~~إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما - يضاعف له العذاب يوم القيامة ~~ويخلد فيه مهانا - إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله ~~سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما} [سورة الفرقان: 68 - 70] . ~~PageV02P398 # وقد ثبت في صحيح مسلم (1) عن أبي ذر [رضي الله عنه] (2) قال: [قال رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم -: " «إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة، ~~وآخر أهل النار خروجا منها رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال (3) : اعرضوا ~~عليه صغار ذنوبه (4) وارفعوا عنه كبارها، فتعرض عليه (5) صغار ذنوبه فيقال: ~~عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا (6) ، وعملت يوم كذا وكذا كذا وكذا (7) ، ~~فيقول: نعم: لا يستطيع أن ينكر، وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه. ~~فيقال له: فإن (8) لك مكان كل سيئة حسنة. فيقول: يا رب (9) قد عملت أشياء ~~لا أراها هاهنا " فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحك حتى بدت ~~نواجذه] » (10) . PageV02P399 # فأين من يبدل [الله] سيئاته (1) حسنات إلى من لم تحصل له تلك الحسنات (2) ~~؟ ولا ريب أن السيئات لا يؤمر بها، وليس للعبد أن يفعلها ليقصد بذلك التوبة ~~منها، فإن هذا مثل من يريد أن يحرك العدو عليه ليغلبهم بالجهاد، أو يثير ~~(3) الأسد عليه ليقتله، ولعل العدو يغلبه والأسد يفترسه، بل مثل (4) من ~~يريد أن يأكل السم ثم يشرب الترياق وهذا جهل، بل إذا قدر من ابتلي بالعدو ~~فغلبه كان أفضل ممن لم يكن كذلك، وكذلك من صادفه الأسد وكذلك من اتفق أن ~~شرب (5) السم فسقي ترياقا [فاروقا] (6) يمنع [نفوذ] سائر السموم فيه (7) ~~كان بدنه أصح من بدن من لم يشرب ذلك الترياق. والذنوب إنما تضر أصحابها إذا ~~لم يتوبوا ms0450 منها، والجمهور الذين يقولون بجواز الصغائر عليهم. [يقولون] (8) ~~إنهم معصومون من الإقرار عليها. # وحينئذ فما وصفوهم (9) إلا بما فيه كمالهم، فإن الأعمال بالخواتيم، ~~PageV02P400 # مع أن القرآن والحديث وإجماع السلف معهم [في تقرير هذا الأصل] (1) . ### | [معنى قوله تعالى ليغفر لك الله] # فالمنكرون (2) لذلك يقولون في (3) تحريف القرآن ما هو من جنس قول أهل ~~البهتان، ويحرفون الكلم عن مواضعه [كقولهم في قوله تعالى: {ليغفر لك الله ~~ما تقدم من ذنبك وما تأخر} [سورة الفتح: 2] أي: ذنب آدم وما تأخر من ذنب ~~أمته (4) ، فإن هذا ونحوه من تحريف الكلم عن مواضعه] (5) . أما أولا: فلأن ~~آدم تاب وغفر [له] (6) ذنبه قبل أن يولد نوح وإبراهيم، فكيف يقول [له] (7) ~~: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} ليغفر الله لك ذنب آدم (8) ؟ وأما ثانيا: فلأن ~~الله يقول: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [سورة الإسراء: 15] فكيف يضاف ذنب أحد ~~إلى غيره؟ # وأما ثالثا: فلأن في حديث الشفاعة الذي في الصحاح (9) أنهم يأتون ~~PageV02P401 # آدم فيقولون: أنت آدم أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد ~~لك ملائكته (1) ، اشفع لنا إلى ربك، فيذكر خطيئته، ويأتون نوحا وإبراهيم ~~وموسى وعيسى (2) فيقول لهم (3) : اذهبوا إلى محمد عبد غفر الله له ما تقدم ~~من ذنبه وما تأخر. فكان سبب قبول شفاعته كمال عبوديته وكمال مغفرة الله له، ~~فلو كانت هذه لآدم لكان يشفع (4) لأهل الموقف. # وأما رابعا: فلأن هذه الآية لما نزلت «قال أصحابه [رضي الله عنهم] (5) : ~~يا رسول الله هذا لك فما لنا؟ فأنزل الله تعالى: {هو الذي أنزل السكينة في ~~قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} » [سورة الفتح: 4] فلو كان ما ~~تأخر ذنوبهم لقال: هذه الآية [لكم] (6) . # وأما خامسا: فكيف يقول عاقل: إن الله غفر ذنوب أمته كلها، وقد علم أن ~~منهم من يدخل النار؟ وإن خرج (7) منها بالشفاعة؟ PageV02P402 # فهذا وأمثاله [من خيار تأويلات] المانعين (1) لما دل عليه القرآن من توبة ~~الأنبياء من ذنوبهم واستغفارهم، وزعمهم أنه لم يكن هناك ما يوجب [توبة] (2) ~~ولا استغفارا، ولا تفضل الله عليه بمحبته ms0451، وفرحه بتوبتهم ومغفرته ورحمته ~~لهم. [فكيف بسائر تأويلاتهم التي فيها من تحريف القرآن وقول الباطل على ~~الله ما ليس هذا موضع بسطه] (3) . ### | [التعليق على قوله إن هذا ينفي الوثوق ويوجب التنفير] # وأما قوله (4) : إن هذا ينفي الوثوق ويوجب التنفير، فليس [هذا] (5) بصحيح ~~[فيما قبل النبوة ولا فيما يقع خطأ، ولكن غايته أن يقال: هذا موجود فيما ~~تعمد (6) من الذنب. فيقال] (7) : بل (8) إذا اعترف الرجل الجليل القدر بما ~~هو عليه من الحاجة إلى توبته واستغفاره ومغفرة الله [له] (9) ورحمته دل ذلك ~~على صدقه وتواضعه وعبوديته لله وبعده عن الكبر والكذب، بخلاف من يقول: ما ~~بي (10) حاجة إلى شيء من هذا ولا يصدر [مني] (11) ما يحوجني إلى مغفرة الله ~~لي وتوبته علي، ويصر (12) على كل ما يقوله ويفعله بناء (13) على ~~PageV02P403 # أنه [لا] يصدر منه (1) ما يرجع عنه، فإن مثل هذا إذا عرف من رجل نسبه (2) ~~. الناس إلى الكذب والكفر والجهل. وقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - قال: " «لن يدخل أحد منكن الجنة بعمله ". قالوا: ولا أنت [يا ~~رسول الله] (3) ؟ قال: " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل» " ~~(4) ، فكان هذا من أعظم ممادحه (5) . # وكذلك قوله [- صلى الله عليه وسلم -] (6) : " «لا تطروني كما أطرت ~~النصارى عيسى ابن مريم (7) فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله» " (8) ~~. وكل من سمع هذا عظمه بمثل هذا الكلام. PageV02P404 # وفي الصحيحين عنه أنه كان يقول: " «اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي ~~في أمري، وما أنت أعلم به مني، [اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطئي وعمدي وكل ~~ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت ~~أعلم به مني] (1) ، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير» " (2) . ~~(3) [وهذا كما أنه لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «لا تتخذوا ~~قبري عيدا وصلوا علي حيث ما كنتم فإن صلاتكم تبلغني» " رواه أبو داود وغيره ~~(4)) .، وقال: " «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد» " رواه مالك وغيره (5) . - ~~كان PageV02P405 # هذا التواضع مما زاده ms0452 الله به رفعة. وكذلك لما سجد له بعض أصحابه فنهاه ~~عن ذلك وقال: " «إنه لا يصلح السجود إلا لله» " (1) . . وكذلك لما كان بعض ~~الناس يقول: «ما شاء الله وشاء محمد، قال: " أجعلتني ندا لله؟ ! قل ما شاء ~~الله ثم شاء محمد» " (2) . . وقوله في دعائه: " «أنا البائس الفقير ~~المستغيث المستجير الوجل المشفق المعترف المقر بذنبه، أسألك مسألة المسكين، ~~وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف، من خضعت له رقبته، ~~وذل جسده، ورغم أنفه لك» " (3) . . ونحو PageV02P406 # هذه الأحوال التي رفع الله بها درجاته بما اعترف به من فقر العبودية ~~وكمال الربوبية] (1) . . والغنى عن الحاجة من خصائص الربوبية، فأما العبد ~~[فكماله] (2)) . في حاجته إلى ربه وعبوديته وفقره وفاقته فكلما (3) . كانت ~~عبوديته أكمل كان أفضل وصدور ما يحوجه إلى التوبة والاستغفار مما يزيده ~~عبودية وفقرا وتواضعا. # ومن المعلوم أن ذنوبهم ليست كذنوب غيرهم، بل كما يقال: " حسنات الأبرار ~~سيئات المقربين " لكن كل يخاطب (4) . على قدر مرتبته، وقد قال - صلى الله ~~عليه وسلم -: «كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» " (5) # وما ذكره من عدم الوثوق والتنفير قد يحصل مع الإصرار والإكثار ونحو ذلك. ~~وأما اللمم الذي يقترن (6) . به التوبة والاستغفار، [أو ما يقع بنوع من ~~PageV02P407 # التأويل، وما كان قبل النبوة فإنه] (1) . مما ب (فقط) : فمما. يعظم به ~~الإنسان عند أولي الأبصار. وهذا عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] (2) . قد علم ~~تعظيم رعيته له وطاعتهم، مع كونه دائما كان يعترف (3) . بما يرجع عنه (4) . ~~من خطأ وكان إذا اعترف بذلك وعاد إلى الصواب زاد في أعينهم وازدادوا (5) . ~~له محبة وتعظيما. # ومن أعظم ما نقمه الخوارج (7 على علي أنه لم يتب من تحكيم الحكمين، وهم ~~7) (6) . وإن كانوا جهالا [في ذلك] (7) . [فهو] يدل (8) . على أن التوبة لم ~~تكن تنفرهم، وإنما نفرهم الإصرار على ما ظنوه هم ذنبا. والخوارج من أشد ~~الناس تعظيما للذنوب ونفورا عن أهلها، حتى إنهم يكفرون بالذنب ولا يحتملون ~~لمقدمهم ن (9) . ذنبا، ومع هذا فكل مقدم لهم تاب عظموه وأطاعوه، ومن لم يتب ~~عادوه فيما ms0453 يظنونه ذنبا (10) . وإن لم يكن ذنبا. PageV02P408 # فعلم أن التوبة والاستغفار لا توجب تنفيرا ولا تزيل وثوقا، بخلاف دعوى ~~البراءة مما يتاب منه ويستغفر، [ودعوى] السلامة (1) . مما يحوج الرجوع ب ~~(2) . إلى الله واللجأ (3) . إليه، فإنه هو الذي ينفر القلوب ويزيل الثقة. ~~فإن هذا لم يعلم أنه صدر إلا عن كذاب، أو جاهل، وأما الأول فإنه يصدر (4) . ~~عن الصادقين العالمين. (5) . [ومما يبين ذلك أنه لم يعلم أحد طعن في نبوة ~~أحد من الأنبياء ولا قدح في الثقة به بما دلت عليه النصوص التي تيب منها، ~~ولا احتاج المسلمون إلى تأويل النصوص بما هو من جنس التحريف لها، كما يفعله ~~من يفعل ذلك. والتوراة فيها قطعة من هذا، وما أعلم أن بني إسرائيل قدحوا في ~~نبي من الأنبياء بتوبته في أمر من الأمور، وإنما كانوا يقدحون فيهم ~~بالافتراء عليهم كما كانوا يؤذون موسى عليه السلام، وإلا فموسى قد قتل ~~القبطي قبل النبوة وتاب من سؤال الرؤية وغير ذلك بعد النبوة، وما أعلم أحدا ~~من بني إسرائيل قدح فيه بمثل هذا. # وما جرى في سورة " النجم " من قوله: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتها ~~لترتجى، على المشهور عند السلف والخلف من أن ذلك جرى على لسانه، ثم نسخه ~~الله وأبطله (6) ، هو من أعظم المفتريات على قول PageV02P409 # هؤلاء، ولهذا كان كثير من الناس يكذب هذا وإن كان مجوزا عليهم غيره: إما ~~قبل النبوة وإما بعدها، لظنه أن في ذلك خطأ في التبليغ، وهو معصوم في ~~التبليغ بالاتفاق. والعصمة المتفق عليها أنه لا يقر على خطأ في التبليغ ~~بالإجماع، ومن هذا فلم يعلم أحد من المشركين نفر برجوعه عن هذا، وقوله: إن ~~هذا مما ألقاه الشيطان، ولكن روى أنهم نفروا لما رجع إلى ذم آلهتهم بعد ~~ظنهم أنه مدحها، فكان رجوعهم لدوامه على ذمها، لا لأنه قال شيئا ثم قال: إن ~~الشيطان ألقاه. وإذا كان هذا لم ينفر فغيره أولى أن لا ينفر. # وأيضا، فقد ثبت أن النسخ نفر طائفة كما قال: {سيقول السفهاء من الناس ما ms0454 ~~ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها} [سورة البقرة: 142] ، وقوله: {وإذا ~~بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا ~~يعلمون - قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا} [سورة النحل: ~~101 - 102] ، فالتبديل الذي صرحوا بأنه منفر ونفروا به عنه لم يكن مما يجب ~~نفيه عنه، فكيف بالرجوع إلى الحق الذي لم يعلم أنهم نفروا منه، وهو أقل ~~تنفيرا؟ ! لأن النسخ فيه رجوع عن الحق إلى حق، وهذا رجوع إلى حق من غير حق. # ومعلوم أن الإنسان يحمد على ترك الباطل إلى الحق ما لا يحمد على # PageV02P410 # ترك ما لم يزل يقول إنه حق (1) . . وإذا كان جائزا فهذا أولى، وإذا كان ~~في ذلك مصلحة ففي هذا أيضا مصالح عظيمة، ولولا أن فيها وفي العلم بها مصالح ~~لعباده لم يقصها في غير موضع من كتابه. وهو سبحانه - وله الحمد - لم يذكر ~~عن نبي من الأنبياء ذنبا إلا ذكر معه توبته لينزهه عن النقص والعيب، ويبين ~~أنه ارتفعت منزلته وعظمت درجته وعظمت حسناته وقربه إليه بما أنعم الله عليه ~~من التوبة والاستغفار والأعمال الصالحة التي فعلها بعد ذلك، وليكون ذلك ~~أسوة لمن يتبع الأنبياء ويقتدي بهم إلى يوم القيامة. # ولهذا لما لم يذكر عن يوسف توبة في قصة امرأة العزيز دل على أن يوسف لم ~~يذنب أصلا، في تلك القصة كما يذكر من يذكر أشياء نزهه الله منها بقوله ~~تعالى: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين} [سورة ~~يوسف: 24] ، وقد قال تعالى: {ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه} ~~[سورة يوسف: 24] . والهم - كما قال الإمام أحمد رضي الله عنه -: همان، هم ~~خطرات وهم إصرار. وقد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~«أنه قال إن الله تعالى يقول إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة كاملة، ~~فإن عملها فاكتبوها عشرا إلى سبعمائة ضعف، وإذا هم بسيئة فلا تكتبوها عليه، ~~فإن تركها فاكتبوها له حسنة فإنما تركها من جراي» " (2) . PageV02P411 # فيوسف ms0455 - عليه الصلاة والسلام - لما هم ترك همه لله، فكتب الله به حسنة ~~كاملة ولم يكتب عليه سيئة قط، بخلاف امرأة العزيز فإنها همت وقالت وفعلت، ~~فراودته بفعلها وكذبت عليه عند سيدها واستعانت بالنسوة، وحبسته لما اعتصم ~~وامتنع عن الموافقة على الذنب ولهذا قالت: {وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة ~~بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم} [سورة يوسف: 53] ، وهذا من قولها ~~كما دل عليه القرآن، ليس من كلام يوسف عليه السلام، بل لما قالت هذا كان ~~يوسف غائبا في السجن لم يحضر عند الملك، بل لما برأته هي والنسوة استدعاه ~~الملك بعد هذا وقال: {ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم ~~لدينا مكين أمين} [سورة يوسف: 54] . وأما من ذكر الله تعالى وتبارك عنه ~~ذنبا كآدم عليه السلام فإنه لما قال: {وعصى آدم ربه فغوى - ثم اجتباه ربه ~~فتاب عليه وهدى} [سورة طه: 121، 122] وقال: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب ~~عليه إنه هو التواب الرحيم} [سورة البقرة: 37] . # PageV02P412 # وقال تعالى عن داود عليه السلام: {وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر ~~راكعا وأناب - فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} [سورة ص: 24، ~~25] . وقال لموسى عليه السلام والصلاة: {إني لا يخاف لدي المرسلون - إلا من ~~ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم} [سورة النمل: 10، 11] ومن احتج ~~على امتناع ذلك بأن الاقتداء بهم مشروع، والاقتداء بالذنب لا يجوز. قيل له: ~~إنما يقتدى بهم فيما أقروا عليه، لا فيما نهوا (1) . عنه، كما أنه إنما ~~يقتدى بهم فيما أقروا عليه ولم ينسخ ولم ينسه فيما نسخ، وحينئذ فيكون ~~التأسي بهم مشروعا مأمورا به لا يمنع وقوع ما ينهون عنه ولا يقرون عليه لا ~~من هذا ولا من هذا، وإن كان اتباعهم في المنسوخ لا يجوز بالاتفاق. ومما ~~يبين أن النسخ أشد تنفيرا أن الإنسان إذا رجع عن شيء إلى آخر، وقال: الأول ~~الذي كنت عليه حق أمرني الله به، ورجوعي عنه حق أمرني الله به، كان هذا ~~أقرب ms0456 إلى النفور عنه من أن يقول: رجعت عما لم يأمرني الله به، فإن الناس ~~كلهم يحمدون من قال هذا. وأما من قال: أمري بهذا حق ونهيي عنه حق، فهذا مما ~~نفر عنه كثير من السفهاء، وأنكره من أنكره من اليهود وغيرهم. ### | [لوازم النبوة وشروطها] # ومما يبين الكلام في مسألة العصمة أن تعرف النبوة ولوازمها وشروطها، فإن ~~الناس تكلموا في ذلك بحسب أصولهم في أفعال الله PageV02P413 # تعالى، إذا كان جعل الشخص نبيا رسولا من أفعال الله تعالى، فمن نفى الحكم ~~والأسباب في أفعاله وجعلها معلقة بمحض المشيئة وجوز عليه فعل كل ممكن ولم ~~ينزهه عن فعل من الأفعال - كما هو قول الجهم بن صفوان وكثير من الناس، ~~كالأشعري ومن وافقه من أهل الكلام من أتباع مالك والشافعي وأحمد وغيرهم من ~~مثبتة القدر - فهؤلاء يجوزون بعثة كل مكلف، والنبوة عندهم مجرد إعلامه بما ~~أوحاه إليه، والرسالة مجرد أمره بتبليغ ما أوحاه إليه، وليست النبوة عندهم ~~صفة ثبوتية ولا مستلزمة لصفة يختص بها، بل هي من الصفات الإضافية كما ~~يقولون مثل ذلك في الأحكام الشرعية. # وهذا قول طوائف من أهل الكلام كالجهم بن صفوان والأشعري وأتباعهما ولهذا ~~من يقول بها كالقاضي أبي بكر وأبي المعالي وغيرهما يقول: إن العقل لا يوجب ~~عصمة النبي إلا في التبليغ خاصة فإن هذا هو مدلول المعجزة وما سوى ذلك إن ~~دل السمع عليه، وإلا لم تجب عصمته منه. # وقال محققو هؤلاء كأبي المعالي وغيره إنه ليس في السمع قاطع يوجب العصمة، ~~والظواهر تدل على وقوع الذنوب منهم (1) .، وكذلك كالقاضي أبي بكر إنما يثبت ~~ما يثبته من العصمة في غير التبليغ إذا كان من موارد الإجماع لأن الإجماع ~~حجة وما سوى ذلك فيقول لم يدل عليه عقل ولا سمع. # وإذا احتج المعتزلة وموافقوهم من الشيعة عليهم بأن هذا يوجب PageV02P414 # التنفير ونحو ذلك فيجب من حكمة الله منعهم منه، قالوا: هذا مبني على ~~مسألة التحسين والتقبيح العقليين. قالوا: ونحن نقول لا يجب على الله شيء ~~ويحسن منه كل شيء ms0457، وإنما ننفي ما ننفيه بالخبر السمعي، ونوجب وقوع ما يقع ~~بالخبر السمعي أيضا، كما أوجبنا ثواب المطيعين وعقوبة الكافرين لإخباره أنه ~~يفعل ذلك ونفينا أن يغفر لمشرك لإخباره أنه لا يفعل ذلك، ونحو ذلك (1) ". . ~~وكثير من القدرية المعتزلة والشيعة وغيرهم ممن يقول بأصله في التعديل ~~والتجوير وأن الله لا يفضل شخصا على شخص إلا بعمله، يقول: إن النبوة، أو ~~الرسالة جزاء على عمل متقدم، فالنبي فعل من الأعمال الصالحة ما استحق به أن ~~يجزيه الله بالنبوة. وهؤلاء القدرية في شق وأولئك الجهمية الجبرية في شق. ~~وأما المتفلسفة القائلون بقدم العالم وصدوره عن علة موجبة - مع إنكارهم أن ~~الله تعالى يفعل بقدرته ومشيئته، وأنه يعلم الجزئيات فالنبوة عندهم فيض ~~يفيض على الإنسان بحسب استعداده وهي مكتسبة عندهم، ومن كان متميزا - في ~~قوته العلمية (2) . بحيث يستغني عن التعليم، وشكل في نفسه خطاب يسمعه كما ~~يسمع النائم، وشخص PageV02P415 # يخاطبه كما يخاطب النائم، وفي العملية بحيث يؤثر في العنصريات تأثيرا ~~غريبا - كان نبيا عندهم (1) ". . وهم لا يثبتون ملكا مفضلا يأتي بالوحي من ~~الله تعالى، ولا ملائكة (2) . بل ولا جنا يخرق الله بهم العادات للأنبياء، ~~إلا قوى النفس (3) ". . وقول هؤلاء، وإن كان شرا من أقوال كفار اليهود ~~والنصارى وهو أبعد الأقوال عما جاءت به الرسل، فقد وقع فيه كثير من ~~المتأخرين الذين لم يشرق عليهم نور النبوة من المدعين للنظر العقلي والكشف ~~الخيالي الصوفي وإن كان غاية هؤلاء الأقيسة الفاسدة والشك، وغاية هؤلاء ~~الخيالات الفاسدة والشطح. ### | الأنبياء هم أفضل الخلق # والقول الرابع (4) .: - وهو الذي عليه جمهور سلف الأمة وأئمتها وكثير من ~~النظار - أن الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس، والله أعلم حيث يجعل ~~رسالاته، فالنبي يختص بصفات ميزه الله بها على غيره وفي عقله ودينه، واستعد ~~بها لأن يخصه الله بفضله ورحمته كما قال تعالى: {وقالوا لولا نزل هذا ~~القرآن على رجل من القريتين عظيم - أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم ~~معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات} PageV02P416 # [سورة الزخرف: 31، 32] ، وقال ms0458 تعالى: {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ~~ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء ~~والله ذو الفضل العظيم} [سورة البقرة: 105] ، وقال تعالى لما ذكر الأنبياء ~~بقوله: {ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي ~~المحسنين - وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين - وإسماعيل واليسع ~~ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين - ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم ~~واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم} [سورة الأنعام: 84 - 87] فأخبر أنه ~~اجتباهم وهداهم. # والأنبياء أفضل الخلق باتفاق المسلمين، وبعدهم الصديقون والشهداء ~~والصالحون فلولا وجوب كونهم من المقربين، الذين هم فوق أصحاب اليمين، لكان ~~الصديقون أفضل منهم، أو من بعضهم. # والله تعالى قد جعل خلقه ثلاثة أصناف، فقال تعالى: في تقسيمهم في الآخرة: ~~{وكنتم أزواجا ثلاثة - فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة - وأصحاب المشأمة ~~ما أصحاب المشأمة - والسابقون السابقون - أولئك المقربون - في جنات النعيم} ~~[سورة الواقعة: 7 - 12] ، وقال في تقسيمهم عند الموت: {فأما إن كان من ~~المقربين - فروح وريحان وجنة نعيم - وأما إن كان من أصحاب اليمين - فسلام ~~لك من أصحاب اليمين - وأما إن كان من المكذبين الضالين - فنزل من حميم - ~~وتصلية جحيم} [سورة الواقعة: 88 - 94] وكذلك ذكر في سورة الإنسان والمطففين ~~هذه الأصناف الثلاثة. # PageV02P417 # والأنبياء أفضل الخلق، وهم (أصحاب) (1) ، السياق يقتضي إثباتها. الدرجات ~~العلى في الآخرة، فيمتنع أن يكون النبي من الفجار بل ولا يكون من عموم ~~أصحاب اليمين بل من أفضل السابقين المقربين، فإنهم أفضل من عموم الصديقين ~~والشهداء والصالحين، وإن كان النبي أيضا يوصف بأنه صديق وصالح وقد يكون ~~شهيدا، لكن ذاك أمر يختص بهم لا يشركهم فيه من ليس بنبي، كما قال عن ~~الخليل: {وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين} [سورة ~~العنكبوت: 27] ، وقال يوسف: {توفني مسلما وألحقني بالصالحين} [سورة يوسف: ~~101] . # فهذا مما يوجب تنزيه الأنبياء أن يكونوا من الفجار والفساق، وعلى هذا ~~إجماع سلف الأمة وجماهيرها. # وأما من جوز أن يكون غير النبي أفضل منه فهو من أقوال بعض ملاحدة ~~المتأخرين من غلاة الشيعة والصوفية ms0459 والمتفلسفة ونحوهم. # وما يحكى عن (2) . أنهم جوزوا الكفر على النبي، فهذا بطريق اللازم لهم ~~لأن كل معصية عندهم كفر، وقد جوزوا المعاصي على النبي، وهذا يقتضي فساد ~~قولهم بأن كل معصية كفر PageV02P418 # وقولهم بجواز المعاصي عليهم، وإلا فلم يلتزموا أن يكون النبي كافرا، ~~ولازم المذهب لا يجب أن يكون مذهبا. # وطوائف أهل الكلام الذين يجوزون بعثة كل مكلف، من الجهمية والأشعرية ومن ~~وافقهم من أتباع الأئمة الأربعة كالقاضي أبي يعلى وابن عقيل وغيرهم، متفقون ~~أيضا على أن الأنبياء أفضل الخلق، وأن النبي لا يكون فاجرا. لكن يقولون: ~~هذا لم يعلم بالعقل بل علم بالسمع، بناء على ما تقدم من أصلهم من أن الله ~~يجوز أن يفعل كل ممكن. # وأما الجمهور الذين يثبتون الحكمة والأسباب فيقولون: نحن نعلم بما علمناه ~~من حكمة الله أنه لا يبعث نبيا فاجرا وأن ما ينزل على البر الصادق لا يكون ~~إلا ملائكة، لا تكون شياطين، كما قال تعالى: {وإنه لتنزيل رب العالمين - ~~نزل به الروح الأمين - على قلبك لتكون من المنذرين} - إلى قوله - {هل ~~أنبئكم على من تنزل الشياطين - تنزل على كل أفاك أثيم - يلقون السمع ~~وأكثرهم كاذبون - والشعراء يتبعهم الغاوون - ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ~~- وأنهم يقولون ما لا يفعلون} [سورة الشعراء: 192 - 226] . # فهذا مما بين الله به الفرق بين الكاهن والنبي وبين الشاعر والنبي، لما ~~زعم المفترون أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - شاعر وكاهن، وفي الصحيحين من ~~حديث عائشة رضي الله عنها «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أتاه الوحي ~~في أول الأمر وخاف على نفسه قبل أن يستيقن أنه ملك قال لخديجة: " لقد خشيت ~~على نفسي ". قالت: كلا، والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق ~~الحديث، وتحمل # PageV02P419 # الكل، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق» (1)) . . ~~فاستدلت رضي الله عنها بحسن عقلها على أن من يكون الله قد خلقه بهذه ~~الأخلاق الكريمة، التي هي من أعظم صفات الأبرار الممدوحين، أنه لا يجزيه ~~فيفسد الشيطان عقله ودينه، ولم ms0460 يكن معها قبل ذلك وحي تعلم به انتفاء ذلك، ~~بل علمته بمجرد عقلها الراجح. # وكذلك لما ادعى النبوة من ادعاها من الكذابين، مثل مسيلمة الكذاب والعنسي ~~وغيرهما، مع ما كان يشتبه من أمرهم، لما كان ينزل عليهم من الشياطين ويوحون ~~إليهم، حتى يظن الجاهل أن هذا من جنس ما ينزل على الأنبياء ويوحى إليهم، ~~فكان ما يبلغ العقلاء وما يرونه (2) . من سيرتهم والكذب الفاحش والظلم ونحو ~~ذلك يبين لهم أنه ليس بنبي، إذ قد علموا أن النبي لا يكون كاذبا ولا فاجرا. # وفي الصحيحين «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال له ذو الخويصرة: ~~اعدل يا محمد، فإنك لم تعدل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لقد خبت ~~وخسرت إن لم أعدل، ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء» " (3) ، والرواية ~~الصحيحة بالفتح أي أنت خاسر خائب إن لم PageV02P420 # أعدل إن ظننت أني ظالم مع اعتقادك أني نبي، فإنك تجوز أن يكون الرسول ~~الذي آمنت به ظالما، وهذا خيبة وخسران، فإن ذلك ينافي النبوة ويقدح فيها. # وقد قال تعالى: {وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} ~~[سورة آل عمران: 161] ، وفيه قراءتان: يغل ويغل، أي ينسب إلى الغلول، بين ~~سبحانه أنه ما لأحد أن ينسبه إلى الغلول، كما أنه ليس له أن يغل، فدل على ~~أن النبي لا يكون غالا. # ودلائل هذا الأصل عظيمة، لكن مع وقوع الذنب الذي هو بالنسبة إليه ذنب - ~~وقد لا يكون ذنبا من غيره مع تعقبه بالتوبة والاستغفار لا يقدح في كون ~~الرجل من المقربين السابقين ولا الأبرار، ولا يلحقه بذلك وعيد في الآخرة، ~~فضلا عن أن يجعله من الفجار. # وقد قال تعالى في عموم وصف المؤمنين: {ولله ما في السماوات وما في الأرض ~~ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى - الذين يجتنبون ~~كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة} [سورة النجم: 31، 32] ~~. وقال: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت ~~للمتقين - الذين ينفقون في ms0461 السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن ~~الناس والله يحب المحسنين - والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا ~~الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا ~~وهم يعلمون - أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار ~~خالدين فيها ونعم أجر العاملين} [سورة آل عمران: 133 - 136] . # PageV02P421 # وقال تعالى: {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون - لهم ما يشاءون ~~عند ربهم ذلك جزاء المحسنين - ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم ~~أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون} [سورة الزمر: 33 - 35] . وقال: {حتى إذا ~~بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى ~~والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من ~~المسلمين - أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في ~~أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون} [سورة الأحقاف: 15، 16] . # وقد قال في قصة إبراهيم عليه السلام: {فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ~~ربي إنه هو العزيز الحكيم} [سورة العنكبوت: 26] ، وقال في قصة شعيب عليه ~~السلام: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك ياشعيب والذين آمنوا ~~معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين - قد افترينا على ~~الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود ~~فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا ~~افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين} [سورة الأعراف: 88، 89] ، ~~وقال في سورة إبراهيم: {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو ~~لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين} [سورة إبراهيم: 13] . # وقد ذم الله تعالى وتبارك فرعون بكونه رفع نبوة موسى بما تقدم من قتله # PageV02P422 # نفسا بغير حق فقال: {ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين - ~~وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين - قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ~~- ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من ms0462 المرسلين} [سورة ~~الشعراء: 18 - 21] ، وكان موسى - صلى الله عليه وسلم - قد تاب من ذلك كما ~~أخبر الله تعالى عنه وغفر له بقوله: {فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل ~~الشيطان إنه عدو مضل مبين - قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو ~~الغفور الرحيم} [سورة القصص: 15، 16] . # فإن قيل: فإذا كان قد غفر له فلماذا يمتنعون من الشفاعة يوم القيامة لأجل ~~ما بدا منهم (1) .، فيقول آدم إذا طلبت منه الشفاعة: إني نهيت عن أكل ~~الشجرة وأكلت منها، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون ~~نوحا (2) . فيقول: إني دعوت على أهل الأرض دعوة لم أومر بها، والخليل يذكر ~~تعريضاته الثلاث التي سماها كذبا وكانت تعريضا، وموسى يذكر قتل النفس (3) . ~~. PageV02P423 # قيل: هذا من كمال فضلهم وخوفهم وعبوديتهم وتواضعهم، فإن من فوائد ما يتاب ~~(1) . منه أنه يكمل عبودية العبد ويزيده خوفا وخضوعا فيرفع الله بذلك ~~درجته، وهذا الامتناع مما يرفع الله به درجاتهم، وحكمة الله تعالى في ذلك ~~أن تصير الشفاعة لمن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. PageV02P424 # ولهذا كان ممن امتنع ولم يذكر ذنبا المسيح، وإبراهيم أفضل منه وقد ذكر ~~ذنبا، ولكن قال المسيح: لست هناكم اذهبوا إلى عبد غفر الله ما تقدم من ذنبه ~~وما تأخر. وتأخر المسيح عن المقام المحمود الذي خص به محمد - صلى الله عليه ~~وسلم - هو من فضائل المسيح ومما يقربه إلى الله. صلوات الله عليهم أجمعين. # فعلم أن تأخرهم عن الشفاعة لم يكن لنقص درجاتهم عما كانوا عليه، بل لما ~~علموه من عظمة المقام المحمود الذي يستدعي من كمال مغفرة الله للعبد، وكمال ~~عبودية العبد لله ما اختص به من غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ~~ولهذا قال المسيح: اذهبوا إلى محمد عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما ~~تأخر، فإنه إذا غفر له ما تأخر لم يخف أن يلام إذا ذهب إلى ربه ليشفع، وإن ~~كان لم يشفع إلا بعد الإذن، بل إذا ms0463 سجد وحمد ربه بمحامد يفتحها عليه لم يكن ~~يحسنها قبل ذلك، فيقال له: «أي محمد: ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعطه، واشفع ~~تشفع» ، وهذا كله في الصحيحين وغيرهما. # وأما من (قيل له) (1) . تقدم ولم يعرف أنه غفر له ما تأخر فيخاف أن يكون ~~ذهابه إلى الشفاعة - قبل أن يؤذن له في الشفاعة - ذنبا، فتأخر لكمال خوفه ~~من الله تعالى، ويقول أنا قد أذنبت وما غفر لي فأخاف أن أذنب ذنبا (2) . ~~آخر ; فإن النبي - صلى الله PageV02P425 # عليه وسلم - قال: " «المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين» " (1) \ 70. . # ومن معاني ذلك أنه لا يؤتى من وجه واحد مرتين، فإذا ذاق الذائق ما في ~~الذنب من الألم وزال عنه خاف أن يذنب ذنبا آخر فيحصل له مثل ذلك الألم، ~~وهذا كمن مرض من أكلة ثم عوفي، فإذا دعي إلى أكل شيء خاف أن يكون مثل ذلك ~~الأول لم يأكله، يقول قد أصابني بتلك الأكلة ما أصابني فأخاف أن تكون هذه ~~مثل تلك، ولبسط هذه الأمور موضع آخر. # والمقصود هنا أن الذين (2) ادعوا العصمة مما يتاب منه عمدتهم أنه لو صدر ~~منهم الذنب لكانوا أقل درجة من عصاة الأمة، لأن درجتهم أعلى فالذنب منهم ~~أقبح، وأنه يجب أن يكون فاسقا فلا تقبل شهادته، وأنه حينئذ يستحق العقوبة ~~فلا يكون إيذاؤه محرما، وأذى الرسول محرم بالنص، وأنه يجب الاقتداء بهم ولا ~~يجوز الاقتداء بأحد في ذنب. # ومعلوم أن العقوبة ونقص الدرجة إنما يكون مع عدم التوبة، وهم معصومون من ~~الإصرار بلا ريب. # وأيضا، فهذا إنما يتأتى في بعض الكبائر دون الصغيرة (3) .، وجمهور ~~PageV02P426 # المسلمين على تنزيههم من الكبائر لا سيما الفواحش، وما ذكر الله تعالى عن ~~نبي كبيرة فضلا عن الفاحشة، بل ذكر في قصة يوسف ما يبين أنه يصرف السوء ~~والفحشاء عن عباده المخلصين ; وإنما يقتدى بهم فيما أقروا عليه ولم ينهوا ~~عنه. # وأيضا، فالذنوب أجناس، ومعلوم أنه لا يجوز منهم كل جنس، بل الكذب لا يجوز ~~منهم بحال أصلا، فإن ذلك ينافي مطلق الصدق، ولهذا ترد ms0464 شهادة الشاهد للكذبة ~~الواحدة، وإن لم تكن كبيرة في أحد قولي العلماء، وهو إحدى الروايتين عن ~~الإمام أحمد. ولو تاب شاهد الزور من الكذب هل تقبل شهادته؟ فيه قولان ~~للعلماء، والمشهور عن مالك أنها لا تقبل. وكذلك من كذب على رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - في حديث واحد ثم تاب منه لم تقبل روايته في أحد قوليهم، ~~وهو مذهب مالك وأحمد حسما للمادة، لأنه لا يؤمن أن يكون أظهر التوبة ليقبل ~~حديثه. # فلا يجوز أن يصدر من النبي - صلى الله عليه وسلم - تعمد الكذب ألبتة، ~~سواء كان صغيرة، أو كبيرة، بل قد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «ما ~~ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين» " (1) . . وأما قوله: - صلى الله عليه ~~PageV02P427 # وسلم -: " «لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات كلهن في ذات الله» (1) . " ~~فتلك كانت معاريض (2) ". فكان مأمورا بها، وكانت منه طاعة لله، والمعاريض ~~قد تسمى كذبا لكونه أفهم خلاف ما في نفسه. # وفي الصحيحين عن أم كلثوم قالت: «لم أسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~يرخص فيما يقول الناس إنه كذب إلا في ثلاث: حديث الرجل لامرأته، وإصلاحه ~~بين الناس، وفي الحرب» (3)) . . PageV02P428 # قالت: فيما (1) . يقول الناس إنه كذب، وهو المعاريض. # وأما ما تقوله الرافضة من أن النبي قبل النبوة وبعدها لا يقع منه خطأ ولا ~~ذنب صغير، وكذلك الأئمة، فهذا مما انفردوا به عن فرق الأمة كلها، وهو مخالف ~~للكتاب والسنة وإجماع السلف. # ومن مقصودهم بذلك القدح في إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لكونهما ~~أسلما بعد الكفر، ويدعون أن عليا رضي الله عنه لم يزل مؤمنا، وأنه لم يخط ~~قط ولم يذنب قط، وكذلك تمام الاثني عشر. # وهذا مما يظهر كذبهم وضلالهم فيه لكل ذي عقل يعرف أحوالهم، ولهذا كانوا ~~هم أغلى الطوائف في ذلك وأبعدهم عن العقل والسمع. # ونكتة أمرهم أنهم ظنوا وقوع ذلك من الأنبياء والأئمة نقصا، وأن ذلك يجب ~~تنزيههم عنه، وهم مخطئون إما في هذه المقدمة، وإما في هذه المقدمة. # أما المقدمة الأولى ms0465 فليس من تاب إلى الله تعالى وأناب إليه بحيث صار بعد ~~التوبة أعلى درجة مما كان قبلها منقوصا ولا مغضوضا منه، بل هذا مفضل عظيم ~~مكرم، وبهذا ينحل جميع ما يوردونه من الشبه. # وإذا عرف أن أولياء الله يكون الرجل منهم قد أسلم بعد كفره وآمن بعد ~~نفاقه وأطاع بعد معصيته، كما كان أفضل أولياء الله من هذه الأمة - وهم ~~السابقون الأولون - يبين صحة هذا الأصل. PageV02P429 # والإنسان ينتقل من نقص إلى كمال، فلا ينظر إلى نقص البداية، ولكن ينظر ~~إلى كمال النهاية، فلا يعاب الإنسان بكونه كان نطفة ثم صار علقة ثم صار ~~مضغة، إذا كان الله بعد ذلك خلقه في أحسن تقويم. ومن نظر إلى ما كان فهو من ~~جنس إبليس الذي قال: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} [سورة ص: ~~76] ، وقد قال تعالى: {إني خالق بشرا من طين - فإذا سويته ونفخت فيه من ~~روحي فقعوا له ساجدين} [سورة ص: 71، 72] ، فأمرهم بالسجود له إكراما لما ~~شرفه الله بنفخ الروح فيه، وإن كان مخلوقا من طين، والملائكة مخلوقون من ~~نور، وإبليس مخلوق من نار، كما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «خلق الله الملائكة من نور، وخلق ~~إبليس من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم» " (1) . . # وكذلك التوبة بعد السيئات ; قال تعالى: {إن الله يحب التوابين ويحب ~~المتطهرين} [سورة البقرة: 222] . وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - من غير وجه أنه قال: " «لله أشد فرحا بتوبة عبده من رجل أضل راحلته ~~بأرض دوية مهلكة عليها طعامه وشرابه فقال تحت شجرة ينتظر الموت، فلما ~~استيقظ إذا بدابته عليها طعامه وشرابه، فكيف تجدون فرحه بها؟ قالوا: عظيما ~~يا رسول الله. قال: لله أشد فرحا بتوبة عبده من هذا براحلته» " (2) . . ~~PageV02P430 # ولهذا قال بعض السلف: إن العبد ليفعل الذنب فيدخل به الجنة. # وإذا ابتلى العبد بالذنب، وقد علم أنه سيتوب منه ويتجنبه، ففي ذلك من ~~حكمة الله ورحمته بعبده ms0466 أن ذلك يزيده عبودية وتواضعا وخشوعا وذلا ورغبة في ~~كثرة الأعمال الصالحة ونفرة قوية عن السيئات، فإن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - قال: " «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» " (1) . . # وذلك أيضا يدفع عنه العجب والخيلاء ونحو ذلك مما يعرض للإنسان وهو أيضا ~~يوجب الرحمة لخلق الله ورجاء التوبة والرحمة لهم إذا أذنبوا وترغيبهم في ~~التوبة. # وهو أيضا يبين (2) . من فضل الله وإحسانه وكرمه ما لا يحصل بدون ذلك، كما ~~في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «لو لم ~~تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم» " (3) \ ~~414. . PageV02P431 # وهو أيضا يبين قوة حاجة العبد إلى الاستعانة بالله والتوكل عليه واللجأ ~~إليه في أن يستعمله في طاعته ويجنبه معصيته، وأنه لا يملك ذلك إلا بفضل ~~الله عليه وإعانته له، فإن من ذاق مرارة الابتلاء وعجزه عن دفعه إلا بفضل ~~الله ورحمته، كان شهود قلبه وفقره إلى ربه واحتياجه إليه في أن يعينه على ~~طاعته ويجنبه معصيته أعظم ممن لم يكن كذلك. ولهذا قال بعضهم: كان داود - ~~صلى الله عليه وسلم - بعد التوبة خيرا منه قبل الخطيئة. وقال بعضهم: لو لم ~~تكن التوبة أحب الأشياء إليه لما ابتلى بالذنب أكرم الخلق عليه. # ولهذا تجد التائب الصادق أثبت على الطاعة وأرغب فيها وأشد حذرا من الذنب ~~من كثير من الذين لم يبتلوا بذنب، كما في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد، ~~فإنه لما قتل رجلا بعد أن قال لا إله إلا الله، فقال النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -: " «أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله» ؟ " (1)) . أثر هذا فيه حتى ~~كان يمتنع أن يقتل أحدا يقول لا إله إلا الله وكان هذا مما أوجب امتناعه من ~~القتال في الفتنة. # وقد تكون التوبة موجبة له من الحسنات ما لا يحصل لمن يكن مثله (تائبا) من ~~الذنب (2) .، كما في الصحيحين من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه، وهو أحد ~~الثلاثة الذين أنزل الله فيهم: PageV02P432 # {لقد تاب الله على النبي ms0467 والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة ~~العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم} ~~[سورة التوبة: 117] ، ثم قال: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت ~~عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا ~~إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم} [سورة التوبة: 118] . # وإذا ذكر حديث كعب في قضية تبين أن الله رفع درجته بالتوبة، ولهذا قال: ~~فوالله ما أعلم أحدا ابتلاه الله بصدق الحديث أعظم مما ابتلاني (1) . . # وكذلك قال بعض من كان من أشد الناس عدواة لرسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - كسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، وأبي سفيان بن الحارث بن عبد ~~المطلب بن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان من أشد الكفار ~~هجاء وإيذاء للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما تاب وأسلم كان من أحسن ~~الناس إسلاما وأشدهم حياء وتعظيما للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك ~~الحارث بن هشام، قال الحارث: ما نطقت بخطيئة منذ أسلمت (2) . ; ومثل هذا ~~كثير في أخبار التوابين. PageV02P433 # فمن يجعل التائب الذي اجتباه الله وهداه منقوصا بما كان من الذنب الذي ~~تاب منه، وقد صار بعد التوبة خيرا مما كان قبل التوبة، فهو جاهل بدين الله ~~تعالى وما بعث الله به رسوله، وإذا لم يكن في ذلك نقص مع وجود ما ذكر فجميع ~~ما يذكرونه هو مبني على أن ذلك نقص، وهو نقص إذا لم يتب منه، أو هو نقص عمن ~~ساواه إذا لم يصر بعد التوبة مثله، فأما إذا تاب توبة محت أثره بالكلية ~~وبدلت سيئاته حسنات فلا نقص فيه بالنسبة إلى حاله، وإذا صار بعد التوبة ~~أفضل ممن يساويه أو مثله لم يكن ناقصا عنه (1) . . # ولسنا نقول إن كل من أذنب وتاب فهو أفضل ممن لم يذنب ذلك الذنب، بل هذا ~~يختلف باختلاف أحوال الناس، فمن الناس من يكون بعد التوبة أفضل، ومنهم من ~~يعود إلى ما كان، ومنهم من لا ms0468 يعود إلى مثل حاله، والأصناف الثلاثة فيهم من ~~هو أفضل ممن لم يذنب ويتب، وفيهم من هو مثله، وفيهم من هو دونه. # وهذا الباب فيه مسائل كثيرة ليس هذا موضع تفصيلها، ولبسطها موضع آخر، ~~والمقصود التنبيه. # ولهذا كان السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وغيرهم من أئمة ~~المسلمين متفقين على ما دل عليه الكتاب والسنة من أحوال الأنبياء، لا يعرف ~~عن أحد منهم القول بما أحدثته المعتزلة والرافضة ومن PageV02P434 # تبعهم في هذا الباب، بل كتب التفسير والحديث والآثار والزهد وأخبار السلف ~~مشحونة عن الصحابة والتابعين بمثل ما دل عليه القرآن، وليس فيهم من حرف ~~الآيات كتحريف هؤلاء، ولا من كذب بما في الأحاديث كتكذيب هؤلاء، ولا من قال ~~هذا يمنع الوثوق، أو يوجب التنفير ونحو ذلك كما قال هؤلاء، بل أقوال هؤلاء ~~الذين غلوا بجهل من الأقوال المبتدعة في الإسلام. # وهم قصدوا تعظيم الأنبياء بجهل كما قصدت النصارى تعظيم المسيح وأحبارهم ~~ورهبانهم بجهل، فأشركوا بهم واتخذوهم أربابا من دون الله وأعرضوا عن ~~اتباعهم فيما أمروهم به ونهوهم عنه. ### | غلو الرافضة أدخلهم فيما حرمه الله من العبادات الشركية # وكذلك الغلاة في العصمة يعرضون عما أمروا به من طاعة أمرهم والاقتداء ~~بأفعالهم (1) . إلى ما نهوا عنه من الغلو والإشراك بهم فيتخذونهم أربابا من ~~دون الله يستغيثون بهم في مغيبهم وبعد مماتهم وعند قبورهم، ويدخلون فيما ~~حرمه الله تعالى ورسوله من العبادات الشركية التي ضاهوا بها النصارى. # وقد ثبت في الصحيح «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال عند موته: " ~~لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " PageV02P435 # يحذر ما فعلوه. قالت عائشة رضي الله عنها: ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن كره ~~أن يتخذ مسجدا» (1) \ 472. . # وفي الصحيحين أيضا أنه «ذكر له في مرضه كنيسة بأرض الحبشة وذكر ~~PageV02P436 # حسنها وتصاوير فيها فقال: " إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على ~~قبره مسجدا وصوروا فيه التصاوير أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» " ~~(1) . . # وفي صحيح مسلم عن جندب عن النبي - صلى الله عليه ms0469 وسلم - أنه قال قبل أن ~~يموت بخمس: " «ألا إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا ~~تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك، وإني أبرأ إلى كل خليل من خليله، ~~ولو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن صاحبكم خليل ~~الله، يعني نفسه» " (2) . . # وفي السنن عنه أنه قال: " «لا تتخذوا قبري عيدا، وصلوا علي حيثما كنتم ~~فإن صلاتكم تبلغني» " (3) . . # وفي الموطأ وغيره أنه قال: " «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب ~~الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» " (4)) . . # وفي المسند وصحيح أبي حاتم عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم ~~-: " «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور ~~مساجد» " (5)) . . PageV02P436 # وفي صحيح مسلم «عن أبي هياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله ~~عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أمرني ~~أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته ولا تمثالا إلا طمسته» (1) .، «فأرسل رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب، وأرسل علي في خلافته من يفعل ~~مثل ما أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسوي القبور المشرفة ويطمس ~~التماثيل» ، فإن هذه وهذه من أسباب الشرك وعبادة الأوثان. قال الله تعالى: ~~{لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا - وقد أضلوا ~~كثيرا} [سورة نوح: 23، 24] . قال غير واحد من السلف: كان هؤلاء قوما صالحين ~~في قوم نوح، فلما ماتوا وعكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم عبدوهم من ~~دون الله (2) . . # فالمشاهد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين من العامة ومن أهل البيت ~~كلها من البدع المحدثة المحرمة في دين الإسلام، وإنما أمر الله أن يقصد ~~لعبادته وحده لا شريك له المساجد لا المشاهد. # قال الله تعالى: {قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل PageV02P437 # مسجد وادعوه مخلصين له الدين} [سورة الأعراف: 29] ، وقال تعالى: " {ما ~~كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر ms0470 أولئك حبطت ~~أعمالهم وفي النار هم خالدون - إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم ~~الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من ~~المهتدين} [سورة التوبة: 17 - 18] ، وقال تعالى: {وأن المساجد لله فلا ~~تدعوا مع الله أحدا} [سورة الجن: 18] ، ومثل هذا في القرآن كثير. # وزيارة القبور على وجهين: زيارة أهل التوحيد المتبعين للرسل، وزيارة أهل ~~البدع والشرك. # فالأولى مقصودها أن يسلم على الميت ويدعى له، وزيارة قبره بمنزلة الصلاة ~~عليه إذا مات، يقصد بها الدعاء له، والله سبحانه يثيب هذا الداعي له عند ~~قبره كما يثيب الداعي إذا صلى عليه وهو على سريره. # والثانية مقصودها أن يطلب منه الحوائج، أو يقسم على الله، أو يظن أن دعاء ~~الله عند قبره أقرب إلى الإجابة، فهذا كله من البدع المنكرة باتفاق أئمة ~~المسلمين، ولم يكن شيء من هذا على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ~~وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، بل كان المسلمون لما فتحوا أرض الشام ~~والعراق وغيرهما إذا وجدوا قبرا يقصد الدعاء عنده غيبوه، كما وجدوا بتستر ~~قبر دانيال فحفروا له بالنهار ثلاثة عشر قبرا ودفنوه بالليل في واحد منها، ~~وكان مكشوفا وكان الكفار يستسقون به، فغيبه المسلمون لأن هذا من الشرك انظر ~~الخبر وتعليقنا عليه 1/480 - 481. . # PageV02P438 # وفي صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «لا تجلسوا على ~~القبور ولا تصلوا إليها» " (1) .، فنهى عن الصلاة إليها لما فيه من مشابهة ~~المشركين الذين يسجدون لها، وفي السنن والمسند قال: " «الأرض كلها مسجد إلا ~~المقبرة والحمام» " (2) . . # والسبب الذي من أجله نهي عن الصلاة في المقبرة في أصح قولي العلماء هو سد ~~ذريعة الشرك، كما نهي عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها فإنها تطلع بين ~~قرني شيطان، والمشركون يسجدون لها حينئذ، فنهى عن قصد الصلاة في هذا الوقت ~~لما في ذلك من المشابهة لهم في الصورة وإن اختلف القصد. # كذلك نهى عن الصلاة في المقبرة لله لما فيه من مشابهة من يتخذ القبور ~~مساجد، وأن المصلى لله ms0471 لا يقصد ذلك سدا للذريعة. فأما إذا قصد ليصلي هناك ~~ليدعو (3) . عند القبور ظنا أن هذا الدعاء هناك أجوب، فهذا ضلال بإجماع ~~المسلمين، وهو مما حرمه الله ورسوله. # وأبلغ من ذلك أن يدعى ويقسم على الله بالميت، وأبلغ من ذلك أن ~~PageV02P439 # يسأل الله به ونحو ذلك، وأبلغ من ذلك أن يسافر إليه من مكان بعيد لهذا ~~القصد، أو ينذر له أو لمن عنده دهن أو شمع أو ذهب أو فضة أو قناديل أو ~~ستور، فهذا كله من نذور أهل الشرك ولا يجوز مثل هذا النذر باتفاق المسلمين ~~ولا الوفاء به، كما ثبت في صحيح البخاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~أنه قال: " «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه» " (1) ~~. . # ولا يجوز أن ينذر أحد إلا طاعة، ولا يجوز أن ينذرها إلا لله، فمن نذر ~~لغير الله فهو مشرك، كمن صام لغير الله وسجد لغير الله، ومن حج إلى قبر من ~~القبور فهو مشرك، بل لو سافر إلى مسجد لله غير المساجد الثلاثة ليعبد الله ~~فيها كان عاصيا لله ورسوله، فكيف إذا سافر إلى غير الثلاثة ليشرك بالله! ~~وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد وأبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~أنه قال: " «لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد ~~الأقصى ومسجدي هذا» " (2)) . . PageV02P440 # ولهذا قال غير واحد من العلماء: إن السفر لزيارة المشاهد سفر معصية، ومن ~~لم يجوز القصر في سفر المعصية منهم من لم يجوزه، لا سيما إذا سمي ذلك حجا ~~وصنفت فيه مصنفات وسميت مناسك حج المشاهد. ومن هؤلاء من يفضل قصد المشاهد ~~وحجها والسفر إليها على حج بيت الله الحرام الذي فرض الله حجه على الناس. # وهذا أمر قد وقع فيه الغلاة في المشايخ والأئمة المنتسبين إلى السنة وإلى ~~الشيعة، حتى إن الواحد من هؤلاء في بيته يصلي لله الصلاة المفروضة بقلب ~~غافل لاه، ويقرأ القرآن بلا تدبر ولا خشوع، وإذا زار قبر من يغلو فيه بكى ~~وخشع ms0472، واستكان وتضرع، وانتحب ودمع، كما يقع إذا سمع المكاء والتصدية الذي ~~كان للمشركين عند البيت. # وكثير من هؤلاء لا يحج لأجل ما أمر الله به ورسوله من حج البيت العتيق، ~~بل لقصد زيارة النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يزور شيوخه وأئمته، ونحو ~~ذلك. # والأحاديث المأثورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في زيارة قبره، كلها ~~ضعيفة بل موضوعة، فلم يخرج أهل الصحيحين والسنن المشهورة شيئا منها، ولا ~~استدل بشيء منها أحد من أئمة المسلمين، وإنما اعتمدوا على ما رواه أبو داود ~~عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «ما من رجل # PageV02P441 # يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام» " (1) . . # وقد ذكر ابن عبد البر هذا عاما مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~وبينه فقال: " «ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه ~~إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام» " (2) . . # وفي النسائي وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الله ~~وكل بقبري ملائكة تبلغني عن أمتي السلام» " (3)) . . # وفي السنن سنن أبي داود وغيره - عن أوس الثقفي عن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - أنه قال: " «أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة فإن ~~صلاتكم معروضة PageV02P442 # علي " ; قالوا: كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ - أي قد صرت رميما - ~~فقال: " إن الله حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء» " (1) . . # فهذا المعروف عنه في السنن: هو الصلاة والسلام عليه كما أمر الله تعالى ~~بذلك في كتابه بقوله: {ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} [سورة ~~الأحزاب: 56] ، وقد ثبت في الصحيح أنه قال: " «من صلى علي مرة صلى الله ~~عليه عشرا» " (2) . # لكن إذا صلى وسلم عليه من بعيد بلغ ذلك، وإذا سلم عليه من قريب سمع هو ~~سلام المسلم عليه. # ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم إذا أتى أحدهم قبره سلم عليه وعلى ~~صاحبيه، كما كان ابن عمر يقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا ~~أبا بكر، السلام ms0473 عليك يا أبه، ولم يكن أحد منهم يقف يدعو لنفسه مستقبل ~~القبر. PageV02P443 # ولهذا اتفق الأئمة الأربعة وغيرهم على أنه إذا سلم عليه وأراد أن يدعو ~~استقبل القبلة ودعا ولا يدعو مستقبل القبر. ثم قالت طائفة كأبي حنيفة: إذا ~~سلم عليه يستقبل القبلة أيضا ويستدير القبر ويجعله عن يساره، وقال الأكثرون ~~- مالك والشافعي وأحمد وغيرهم - بل عند السلام يستقبل القبر ويستدبر ~~الكعبة، وأما عند الدعاء فإنما يدعو الله وحده كما يصلي لله وحده فيستقبل ~~القبلة، كما يستقبل القبلة إذا دعا بعرفة والصفا والمروة وعند الجمرات. # وكره مالك بن أنس وغيره أن يقول القائل: زرت قبر النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - وذلك أن هذا اللفظ قد يراد به ما هو منهي عنه من الزيارة البدعية ~~كالزيارة لطلب الحوائج منه، فكرهوا أن يتكلم بلفظ يتضمن شركا أحدثه الناس ~~في هذا اللفظ من المعاني الفاسدة، وإن كان لفظ الزيارة إذا عني به الزيارة ~~الشرعية لا بأس به. وذكر مالك أنه لم ير أحدا من السلف يقف عند قبر النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - يدعو لنفسه وغير هذا من البدع، وقال: إنما يصلح آخر ~~هذه الأمة ما أصلح أولها. ومالك قد أدرك التابعين بالمدينة وغيرها، وهم ~~كانوا أعلم خلق الله إذ ذاك بما يجب من حق الله وحق رسوله. # فإذا كان هذا (1) في حق خير خلق الله، وأكرمهم على الله، وسيد ولد آدم، ~~وصاحب لواء الحمد الذي آدم ومن دونه تحت لوائه يوم القيامة، وهو خطيب ~~الأنبياء إذا وفدوا على ربهم، وإمام الأنبياء إذا اجتمعوا، وهو صاحب المقام ~~المحمود يوم القيامة الذي يغبطه به الأولون والآخرون، PageV02P444 # وهو خاتم النبيين وأفضل المرسلين، أرسله الله بأفضل شريعة إلى خير أمة ~~أخرجت للناس، وأنزل عليه أفضل كتبه وجعله مصدقا لما بين يديه من الكتاب ~~ومهيمنا عليه، الذي هدى الله به الخلق وأخرجهم به من الظلمات إلى النور ~~وهداهم به إلى صراط العزيز الحميد، وهو الذي فرق الله به بين الحق والباطل ~~وبين الهدى والضلال والغي والرشاد وطريق الجنة ms0474 وطريق النار، وهو الذي قسم ~~الله به عباده إلى شقي وسعيد: فالسعيد من آمن به وأطاعه والشقي من كذبه ~~وعصاه، وعلق به النجاة والسعادة فلا سبب ينجو به العبد من عذاب الله وينال ~~السعادة في الدنيا والآخرة ممن بلغته دعوته وقامت عليه الحجة برسالته إلا ~~من آمن به واتبع النور الذي أنزل معه. # قال تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة ~~والذين هم بآياتنا يؤمنون - الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه ~~مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل ~~لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ~~فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم ~~المفلحون} [سورة الأعراف: 156، 157] . # وقد بين الله على لسانه ما يستحقه الله من الحقوق التي لا تصلح إلا لله ~~وما يستحقه الرسول من الحقوق، فقال تعالى: {إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ~~ونذيرا - لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا} [سورة ~~الفتح: 8، 9] ، فالإيمان بالله والرسول، والتعزير والتوقير # PageV02P445 # للرسول، والتسبيح بكرة وأصيلا لله وحده ; قال تعالى: {ومن يطع الله ~~ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون} [سورة النور: 52] ، فجعل ~~الطاعة لله والرسول، والخشية والتقوى لله وحده. # وقال تعالى: {ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله ~~سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون} [سورة التوبة: 59] ، ~~فجعل الإيتاء لله والرسول لأن المراد به الإيتاء الشرعي وهو ما أباحه الله ~~على لسان رسوله بخلاف من آتاه الملك خلقا وقدرا ولم يطع الله ورسوله فيه، ~~فإن ذلك مذموم مستحق للعقاب وإن كان قد آتاه الله ذلك خلقا وقدرا، وأما من ~~رضي بما آتاه الله ورسوله فهو ممن رضي بما أحله الله ورسوله، ولم يطلب ما ~~حرم عليه، كالذين قال الله فيهم: {ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا ~~منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون} ، ثم قال: {ولو أنهم رضوا ما ~~آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله} [سورة التوبة: 58، 59] ، ولم ms0475 يقل: ~~ورسوله، لأن الله وحده كاف عبده، كما قال الله تعالى: {أليس الله بكاف ~~عبده} [سورة الزمر: 36] ، وقال: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا ~~لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} [سورة آل عمران: ~~1173] ، ثم دعاهم إلى أن يقولوا: {سيؤتينا الله من فضله ورسوله} [سورة ~~التوبة: 59] ، فذكر أن الرسول (يؤتيهم) (1) ، وأن ذلك من فضل الله وحده، لم ~~يقل: من فضله وفضل رسوله، ثم ذكر قولهم: {إنا إلى الله راغبون} [سورة ~~التوبة: 59] ، ولم PageV02P446 # يقل: ورسوله، كما قال في الآية الأخرى: {فإذا فرغت فانصب - وإلى ربك ~~فارغب} [سورة الشرح: 7، 8] . # وأما ما في القرآن من ذكر عبادته وحده، ودعائه وحده، والاستعانة به وحده، ~~والخوف منه وحده، فكثير كقوله: {ولا يخشون أحدا إلا الله} [سورة الأحزاب: ~~39] ، وقوله: {فإياي فارهبون} [سورة النحل: 51] ، و {وإياي فاتقون} [سورة ~~البقرة: 175] ، وقوله: {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} [سورة آل ~~عمران: 175] ، وكذلك قوله: {فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين} ~~[سورة الشعراء: 213] ، {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} [سورة النساء: ~~36] . # وأما المحبة فهي لله ورسوله، والإرضاء لله والرسول، كقوله تعالى: {أحب ~~إليكم من الله ورسوله} [سورة التوبة: 24] ، وقوله: {والله ورسوله أحق أن ~~يرضوه إن كانوا مؤمنين} [سورة التوبة: 62] ، فالرسول علينا أن نحبه وعلينا ~~أن نرضيه، بل قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: " «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب ~~إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» " (1) . ; وكذلك الطاعة لله والرسول، ~~قال تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} [سورة النساء: 80] . # والعبادات بأسرها: الصلاة والسجود والطواف والدعاء والصدقة PageV02P447 # والنسك والذي لا يصلح إلا لله ولم يخص الله بقعة تفعل الصلاة فيها إلا ~~المساجد: لا مقبرة ولا مشهدا ولا مغارة ولا مقام نبي ولا غير ذلك، ولا خص ~~بقعة غير المساجد بالذكر والدعاء إلا مشاعر الحج: لا قبر نبي ولا صالح ولا ~~مغارة ولا غير ذلك، ولا يقبل على وجه الأرض شيء عبادة لله إلا الحجر الأسود ~~ولا يتمسح إلا به وبالركن اليماني، ولا يستلم الركنان ms0476 الشاميان وهما من ~~البيت فكيف غيرهما؟ وقد طاف ابن عباس ومعاوية، فجعل معاوية يستلم الأركان ~~الأربعة، فقال ابن عباس رضي الله عنه: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~«لم يستلم إلا الركنين اليمانيين» . فقال معاوية: ليس من البيت شيء مهجورا، ~~فقال ابن عباس رضي الله عنه: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} ، فقال ~~معاوية: صدقت (1) .، ورجع إلى قوله. # فالعبادات مبناها على أصلين: أحدهما: أن لا يعبد إلا الله وحده - لا نعبد ~~من دونه شيئا: لا ملكا ولا نبيا ولا صالحا ولا شيئا من المخلوقات ; والثاني ~~أن نعبده بما أمرنا به على لسان رسوله - لا نعبده ببدع لم يشرعها الله ~~ورسوله. # والعبادات تتضمن كمال الحب وكمال الخضوع، فمن أحب شيئا من المخلوقات كما ~~يحب الخالق فهو مشرك، قال الله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله ~~أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله} PageV02P448 # [سورة البقرة: 165] ، وفي الصحيحين «عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قلت: ~~يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: " أن تجعل لله ندا وهو خلقك "، قلت: ثم ~~أي؟ قال: " ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك ". قلت: ثم أي؟ قال ثم أن ~~تزاني بحليلة جارك ". فأنزل الله تصديق ذلك: {والذين لا يدعون مع الله إلها ~~آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون} » [سورة الفرقان: ~~68] (1) 87. . # والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد أمر بالعبادة في المساجد وذكر فضل ~~الصلاة في الجماعة ورغب في ذلك، ولم يأمر قط بقصد مكان لأجل نبي ولا صالح، ~~بل نهى عن اتخاذها مساجد، فلا يجوز أن تقصد للصلاة فيها والدعاء وهذا كله ~~لتحقيق التوحيد وإخلاص الدين لله، فقد «قال بعض الناس يا رسول الله ربنا ~~قريب فنناجيه أو بعيد فنناديه؟ فأنزل الله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني ~~فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم ~~يرشدون} » [سورة البقرة: 168] (2) . . PageV02P449 # وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «أقرب ما ms0477 يكون ~~العبد من ربه وهو ساجد» " (1) .، وفي الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - ~~أنه قال: " «ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، ~~فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يستغفرني فأغفر له؟ من يسألني فأعطيه؟ حتى ~~يطلع الفجر» " (2) . . # فالرسل صلوات الله عليهم وسلامه أمروا الناس بعبادة الله وحده لا شريك له ~~وسؤاله ودعائه، ونهوا أن يدعى أحد من دون الله تعالى. وفي الصحيح عن النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «أحب البقاع إلى الله تعالى المساجد ~~وأبغضها إلى الله تعالى الأسواق» " (3) .، يعني البقاع التي كانت تكون في ~~مدينته ونحوها، ولم يكن بالمدينة لا حانة ولا كنيسة ولا موضع شرك وهذه ~~المواضع شر من الأسواق. # وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «شرار الناس الذين تدركهم ~~الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد» " ; هذا إذا بني المسجد ~~PageV02P450 # المسمى مشهدا على قبر صحيح، فكيف وكثير من هذه المشاهد المبنية على ~~(قبور) (1) . الأنبياء والصالحين من الصحابة والقرابة وغيرهم كذب؟ وكثير ~~منها مختلف فيه لا يتوثق فيه بنقل ينقل في ذلك مما يوجد بالشام والعراق ~~وخراسان وغير ذلك، والسبب في خفائها وكثرة الخلاف فيها أن الله حفظ الدين ~~الذي بعث به رسوله بقوله: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [سورة ~~الحجر: 9] ، واتخاذ هذه معابد ليس من الدين، فلهذا لم يحفظ هذه المقامات ~~والمشاهد، بل مبني أمرهم على الجهل والضلال، وإنما يستند أهلها إلى منامات ~~تكون من الشياطين أو إلى (أخبار إما) (2) . مكذوبة، وإما منقولة عمن ليس ~~قوله حجة. # والشياطين تضل أهلها كما تضل عباد الأصنام، فتارة تكلمهم، وتارة تتراءى ~~لهم، وتارة تقضي بعض حوائجهم، وتارة تصيح وتحرك السلاسل التي فيها القناديل ~~وتطفئ القناديل، وتارة تفعل أمورا أخر كما تفعل عبادة الأوثان التي كانت ~~للعرب، وهي اليوم تفعل مثل ذلك في أوثان الترك والصين والسودان وغيرهم ~~فيظنون أن ذلك هو الميت أو ملك صور على صورته، وإنما هو شيطان أضلهم ~~بالشرك، كما يجري ذلك لعباد الأصنام المصورة على صورة ms0478 الآدميين، وهذا باب ~~واسع ليس هذا موضع استقصائه] (3) . . PageV02P451 ### | [التعليق على قوله أن الأئمة معصومون كالأنبياء] # فصل # وأما قوله (1) .: " وأن (2) . الأئمة معصومون كالأنبياء في ذلك " (3) . . # فهذه خاصة الرافضة الإمامية التي لم يشركهم فيها أحد - لا الزيدية الشيعة ~~ولا (4 سائر طوائف المسلمين - إلا من هو شر منهم كالإسماعيلية الذين يقولون ~~بعصمة بني عبيد: 4) (4) . المنتسبين إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر، القائلين ~~بأن الإمامة بعد جعفر [في محمد بن إسماعيل] (5) . دون موسى بن جعفر، وأولئك ~~ملاحدة [منافقون] (6) . . # والإمامية الاثنا عشرية (7) . خير منهم بكثير، فإن الإمامية مع [فرط] (8) ~~. جهلهم وضلالهم فيهم خلق مسلمون باطنا وظاهرا ليسوا زنادقة منافقين، لكنهم ~~جهلوا وضلوا واتبعوا أهواءهم، وأما أولئك فأئمتهم الكبار (9) . العارفون ~~بحقيقة دعوتهم (10) . الباطنية (11) . زنادقة منافقون، وأما PageV02P452 # عوامهم الذين لم يعرفوا باطن أمرهم فقد يكونون (1) . مسلمين. # وأما المسائل المتقدمة فقد شرك غير الإمامية فيها بعض الطوائف، إلا (2) . ~~غلوهم في عصمة الأنبياء فلم يوافقهم عليه أحد أيضا، حيث ادعوا أن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - لا يسهو، فإن هذا لا يوافقهم عليه أحد فيما علمت (3) ~~".، اللهم إلا أن يكون من غلاة جهال النساك، فإن بينهم وبين الرافضة قدرا ~~مشتركا في الغلو وفي الجهل والانقياد لما لا يعلم صحته، والطائفتان تشبهان ~~النصارى في ذلك. [وقد يقرب (4) . إليهم بعض المصنفين في الفقه (5) . من ~~الغلاة في مسألة العصمة] (6) . . # والكلام في أن هؤلاء أئمة فرض الله الإيمان بهم (7) . وتلقي الدين منهم ~~دون غيرهم، [ثم] (8) . في عصمتهم عن الخطأ، فإن كلا من هذين (9) . القولين ~~مما (10) . لا يقوله إلا مفرط في الجهل أو مفرط في اتباع الهوى أو في ~~كليهما (11) .، فمن عرف دين الإسلام وعرف حال هؤلاء، كان عالما PageV02P453 # بالاضطرار من دين محمد - صلى الله عليه وسلم - بطلان هذا القول، لكن ~~الجهل لا حد له، وهو هنا لم يذكر حجة غير حكاية المذهب فأخرنا الرد إلى ~~موضعه. ### | [الرد على قوله وأخذوا أحكامهم الفروعية عن الأئمة المعصومين] # وأما قوله (1) .: " وأخذوا أحكامهم (2) . الفروعية عن الأئمة المعصومين، ~~الناقلين عن جدهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (3) . ". . . إلى ms0479 آخره. # فيقال: أولا: القوم المذكورون إنما كانوا يتعلمون حديث جدهم (4) . من ~~العلماء به كما يتعلم سائر المسلمين، وهذا متواتر عنهم. فعلي بن الحسين (5) ~~. يروي تارة عن أبان بن عثمان بن عفان (6) . عن (7) : أسامة بن زيد قول ب ~~(8) . النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر ~~المسلم» " رواه البخاري ومسلم في [الصحيحين (9) .، وسمع من أبي هريرة ~~PageV02P454 # قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل ~~عضو منها عضوا من النار حتى فرجه بفرجه» " أخرجاه في الصحيحين (1) . . # ويروى عن ابن عباس رضي الله عنه عن رجال من الأنصار: " «رمي بنجم ~~فاستنار» " رواه مسلم (2) .] (3) . . PageV02P455 # وأبو جعفر محمد بن علي يروي عن جابر بن عبد الله حديث مناسك الحج الطويل، ~~وهو أحسن ما روي في هذا الباب، ومن هذه الطريق رواه مسلم في صحيحه من حديث ~~جعفر بن محمد [عن أبيه: (1) . عن جابر (2) ". . # وأما ثانيا (3) .: فليس في هؤلاء من أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~وهو مميز إلا علي رضي الله عنه (4) .، وهو الثقة الصدوق (5) . فيما يخبر به ~~عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أن أمثاله من الصحابة ثقات صادقون ~~فيما يخبرون به أيضا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأصحاب النبي - صلى ~~الله عليه وسلم -[ولله الحمد] (6) . - من أصدق الناس حديثا عنه، لا يعرف ~~فيهم من تعمد عليه كذبا، مع أنه كان يقع من أحدهم من الهنات ما يقع ولهم ~~ذنوب وليسوا معصومين، ومع هذا فقد جرب (7) . PageV02P456 # أصحاب النقد (1) . والامتحان أحاديثهم واعتبروها بما تعتبر به (2) . ~~الأحاديث، فلم يوجد عن أحد منهم تعمد كذبة، بخلاف القرن الثاني فإنه كان في ~~أهل الكوفة جماعة يتعمدون الكذب. # ولهذا كان الصحابة كلهم ثقات باتفاق أهل العلم بالحديث والفقه، حتى الذين ~~كانوا ينفرون ب (فقط) : ينقرون، وهو تحريف. عن معاوية [رضي الله عنه] (3) . ~~إذا حدثهم على منبر المدينة يقولون: وكان لا يتهم في الحديث عن رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - قال ابن حجر في ترجمة معاوية في الإصابة 3/413: " روى ms0480 ~~عنه من الصحابة ابن عباس وجرير البجلي ومعاوية بن خديج والسائب بن زيد وعبد ~~الله بن زبير والنعمان بن بشير وغيرهم ". -، وحتى بسر بن أبي أرطاة (4) . ~~مع ما عرف منه: روى حديثين رواهما أبو داود وغيره (5) .، لأنهم معروفون ~~بالصدق PageV02P457 # عن (1) . النبي - صلى الله عليه وسلم -، [وكان هذا] (2) . حفظا من الله ~~لهذا الدين، ولم يتعمد أحد (3) . الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~إلا هتك الله ستره وكشف أمره، ولهذا كان (4) . يقال: لو هم رجل بالسحر أن ~~يكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصبح والناس (5) . يقولون: ~~[فلان] (6) . كذاب. # وقد كان التابعون بالمدينة ومكة والشام والبصرة لا يكاد (7) . يعرف فيهم ~~PageV02P457 # كذاب، لكن الغلط لم يسلم منه [بشر] (1) .، ولهذا يقال: فيمن يضعف منهم ~~ومن أمثالهم: تكلم فيه بعض (2) . أهل العلم من قبل حفظه، أي من جهة سوء ~~حفظه فيغلط (3) . فينسى، لا من جهة تعمده للكذب. # وأما الحسن والحسين فمات النبي - صلى الله عليه وسلم - وهما صغيران في سن ~~التمييز، فروايتهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قليلة. # وأما سائر الاثني عشر فلم يدركوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقول ~~القائل (4) .: إنهم نقلوا عن جدهم، إن أراد بذلك أنه أوحي إليهم ما قاله ~~(5) . جدهم فهذه نبوة، كما كان يوحى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ~~قاله غيره من الأنبياء. # وإن أراد أنهم سمعوا ذلك من غيرهم، فيمكن أن يسمع من ذلك الغير الذي ~~سمعوه منهم (6) .، سواء كان ذلك من بني هاشم أو غيرهم، فأي مزية لهم في ~~النقل عن جدهم إلا بكمال العناية والاهتمام؟ فإنه كل من كان أعظم اهتماما ~~وعناية بأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وتلقيها من مظانها كان أعلم ~~بها. # وليس هذا (7) . من خصائص هؤلاء، بل في غيرهم من هو أعلم بالسنة ~~PageV02P458 # من أكثرهم، [كما يوجد في كل عصر كثير (1) . من غير بني هاشم أعلم بالسنة ~~من أكثر بني هاشم] (2) .، فالزهري (3) . أعلم بأحاديث النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - وأحواله وأقواله [وأفعاله] (4) . باتفاق أهل العلم من أبي جعفر ~~محمد ms0481 بن علي (5) . وكان معاصرا له. # وأما موسى بن جعفر (6) . وعلي بن موسى (7)) . ومحمد بن PageV02P460 # علي (1) . فلا يستريب من له من العلم نصيب أن مالك بن أنس وحماد بن زيد ~~(2) . حماد بن سلمة (3) ### | [الرد على قوله إن الإمامية يتناقلون ذلك عن الثقات] # وأما قوله (4) : " إن الإمامية يتناقلون ذلك [عن الثقات] (5) خلفا عن سلف ~~إلى أن تتصل الرواية بأحد المعصومين ". # فيقال: أولا: إن كان هذا صحيحا فالنقل عن المعصوم الواحد يغني [عن] (6) ~~غيره، فلا حاجة في كل زمان إلى معصوم. # وأيضا، فإذا كان النقل موجودا، فأي فائدة في هذا المنتظر الذي لا ينقل ~~عنه شيء؟ إن كان النقل عن أولئك كافيا فلا حاجة إليه، وإن لم يكن كافيا لم ~~يكن ما نقل عنهم كافيا للمقتدى بهم. # ويقال ثانيا: متى ثبت (7) النقل عن (8) أحد هؤلاء كان غايته (9) أن يكون ~~كما لو سمع منه، وحينئذ فله حكم أمثاله. PageV02P461 # ويقال ثالثا: الكذب على هؤلاء في الرافضة أعظم الأمور، لاسيما على جعفر ~~بن محمد الصادق، فإنه ما كذب على أحد ما (1) كذب عليه، حتى نسبوا إليه كتاب ~~" الجفر " و " البطاقة " [و " الهفت "] (2) و " اختلاج الأعضاء " [و " جدول ~~الهلال "] (3) و " أحكام الرعود (4) والبروق " و " منافع سور القرآن " (5) ~~[و " قراءة القرآن في المنام "] (6) . PageV02P464 # [وما يذكر عنه من " حقائق التفسير " (1) التي ذكر كثيرا منها أبو عبد ~~الرحمن السلمي] (2) وصارت هذه مكاسب للطرقية (3) وأمثالهم، حتى زعم بعضهم ~~أن كتاب (4) " رسائل إخوان الصفا " من كلامه، مع علم كل عاقل يفهمها ويعرف ~~الإسلام (5) أنها تناقض دين الإسلام. # وأيضا، فهي إنما صنفت بعد موت جعفر بن محمد (6) بنحو مائتي سنة (7) ، فإن ~~جعفر بن محمد توفي سنة ثمان وأربعين ومائة، وهذه PageV02P465 # وضعت (1) في أثناء المائة الرابعة لما ظهرت الدولة العبيدية بمصر وبنوا ~~القاهرة، فصنفت على مذهب أولئك الإسماعيلية، كما يدل على ذلك ما فيها، وقد ~~ذكروا فيها ما جرى على المسلمين من استيلاء النصارى على سواحل الشام، وهذا ~~إنما كان بعد المائة الثالثة، [وقد عرف الذين صنفوها مثل زيد بن رفاعة وأبي ~~سليمان (2) بن ms0482 معشر البستي المعروف بالمقدسي وأبي الحسن علي بن هارون ~~الزنجاني (3) وأبي أحمد النهرجوري (4) والعوفي. ولأبي الفتوح المعافى بن ~~زكرياء الجريري صاحب كتاب " الجليس والأنيس " (5) مناظرة معهم، وقد ذكر ذلك ~~أبو حيان التوحيدي في كتاب " الإمتاع والمؤانسة " (6) ] (7) . PageV02P466 # وفي الجملة: فمن جرب الرافضة في كتابهم وخطابهم علم أنهم من أكذب خلق ~~الله، فكيف يثق القلب بنقل من كثر منهم الكذب قبل أن يعرف صدق الناقل؟ وقد ~~تعدى شرهم إلى غيرهم من أهل الكوفة وأهل العراق حتى كان أهل المدينة يتوقون ~~(1) أحاديثهم، وكان مالك يقول: نزلوا أحاديث [أهل] (2) العراق منزلة أحاديث ~~أهل الكتاب: لا تصدقوهم ولا تكذبوهم (3) . # وقال له عبد الرحمن مهدي (4) : يا أبا عبد الله: سمعنا في بلدكم ~~PageV02P467 # أربعمائة حديث في أربعين يوما، ونحن في يوم واحد نسمع هذا كله! فقال له: ~~يا عبد الرحمن (1) ، ومن أين لنا دار الضرب؟ أنتم عندكم دار الضرب تضربون ~~بالليل وتنفقون (2) بالنهار. # وهذا مع أنه (3) كان في الكوفة وغيرها من الثقات (4) الأكابر كثير، لكن ~~لكثرة (5) الكذب الذي كان أكثره (6) في الشيعة صار الأمر يشتبه على من لا ~~يميز بين هذا وهذا، بمنزلة الرجل الغريب إذا دخل بلدا (7) نصف أهله كذابون ~~خوانون فإنه يحترس منهم حتى يعرف الصدوق الثقة، وبمنزلة الدراهم التي كثر ~~فيها الغش فإنه (8) يحترس عن المعاملة بها من لا يكون نقادا (9) ، ولهذا ~~كره لمن لا يكون له نقد وتمييز النظر في الكتب التي يكثر فيها الكذب في ~~الرواية والضلال في الآراء ككتب أهل (10) البدع، وكره تلقي العلم من القصاص ~~وأمثالهم الذين يكثر الكذب في كلامهم، وإن كانوا يقولون صدقا كثيرا. ~~فالرافضة أكذب من كل طائفة باتفاق أهل المعرفة بأحوال الرجال. PageV02P468 ### | [الرد على قوله ولم يلتفتوا إلى القول بالرأي والاجتهاد وحرموا الأخذ بالقياس والاستحسان] # فصل # وأما قوله (1) : " ولم يلتفتوا إلى القول بالرأي والاجتهاد، وحرموا الأخذ ~~بالقياس والاستحسان ". # فالكلام على هذا من وجوه: أحدهما: أن الشيعة في هذا مثل غيرهم، ففي أهل ~~السنة في الرأي والاجتهاد والقياس والاستحسان كما في الشيعة النزاع في ذلك، ~~فالزيدية تقول ms0483 بذلك وتروي فيه الروايات عن الأئمة (2) . # الثاني: أن كثيرا من أهل السنة - العامة والخاصة - لا تقول بالقياس، فليس ~~كل من قال بإمامة الخلفاء الثلاثة قال بالقياس، بل المعتزلة البغداديون لا ~~يقولون بالقياس (3) ، PageV02P469 # (* والفقهاء أهل الظاهر كداود بن علي وأتباعه (1) ، وطائفة من أهل البيت ~~(2) والصوفية لا يقولون بالقياس *) (3) . # وحينئذ فإن كان القياس باطلا أمكن الدخول في [السنة وترك القياس، وإن كان ~~حقا أمكن الدخول في] (4) أهل السنة والأخذ بالقياس. # الثالث: أن يقال: القول بالرأي والاجتهاد والقياس والاستحسان خير من ~~الأخذ بما ينقله من يعرف بكثرة الكذب عمن يصيب ويخطئ نقل غير مصدق (5) عن ~~قائل غير معصوم، ولا يشك عاقل أن رجوع مثل مالك وابن أبي ذئب (6) وابن ~~الماجشون (7) (8) والأوزاعي (9) PageV02P470 # والثوري سبقت ترجمته 2. وابن أبي ليلى (1) وشريك (2) وأبي حنيفة وأبي ~~يوسف (3) ومحمد [بن الحسن] (4) وزفر (5) والحسن بن زياد اللؤلؤي (6) ~~والشافعي والبويطي (7) والمزني (8) وأحمد بن حنبل [وإسحاق بن PageV02P471 # راهويه] (1) وأبي داود السجستاني (2) والأثرم (3) وإبراهيم الحربي (4) . ~~والبخاري وعثمان بن سعيد الدارمي (5) وأبي بكر بن خزيمة (6) ومحمد بن جرير ~~الطبري (7) ومحمد بن نصر المروزي (8) وغير هؤلاء إلى اجتهادهم واعتبارهم ~~مثل أن يعلموا سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - الثابتة عنه ويجتهدوا في ~~تحقيق مناط الأحكام وتنقيحها وتخريجها - خير لهم (9) من أن يتمسكوا بنقل ~~الروافض عن العسكريين وأمثالهما، فإن الواحد من هؤلاء لأعلم بدين الله ~~ورسوله من العسكريين (10) أنفسهما، فلو أفتاه أحدهما بفتيا PageV02P472 # كان رجوعه [إلى اجتهاده أولى من رجوعه] (1) إلى فتيا أحدهما، بل ذلك هو ~~الواجب عليه، فكيف إذا كان [ذلك] (2) نقلا عنهما من مثل الرافضة؟ ! والواجب ~~على مثل العسكريين وأمثالهما أن يتعلموا من الواحد من هؤلاء. # ومن المعلوم أن علي بن الحسين وأبا جعفر [محمد بن علي وابنه] (3) جعفر بن ~~محمد (4) كانوا هم العلماء الفضلاء، وأن من بعدهم [من الاثني عشر] (5) لم ~~يعرف عنه من العلم ما عرف من (6) هؤلاء، ومع هذا فكانوا يتعلمون من علماء ~~زمانهم ويرجعون إليهم [حتى قال أبو عمران بن الأشيب (7) القاضي البغدادي: ~~أخبرنا أصحابنا أنه ذكر ربيعة بن أبي ms0484 عبد الرحمن (8) جعفر بن محمد (9) وأنه ~~تعلم العلوم، فقال ربيعة: إنه PageV02P473 # اشترى حائطا من حيطان المدينة فبعث إلي حتى أكتب له شرطا في ابتياعه. ~~نقله عنه محمد بن حاتم بن زنجويه البخاري (1) في كتاب " إثبات إمامة الصديق ~~"] (2) . # فأما تحقيق المناط فهو متفق عليه بين المسلمين، وهو أن ينص الله على ~~تعليق الحكم بمعنى عام كلي، فينظر في ثبوته في آحاد الصور (3) [أو أنواع ~~ذلك العام] (4) ، كما نص على اعتبار العدالة وعلى استقبال الكعبة (5) [وعلى ~~تحريم الخمر والميسر وعلى حكم اليمين (6 وعلى تحريم الميتة والدم ولحم ~~الخنزير 6) (6) ونحو ذلك، فينظر في الشراب المتنازع فيه: هل هو من الخمر أم ~~لا [كالنبيذ المسكر] (7) ، وفي اللعب (8) المتنازع فيه كالنرد والشطرنج هل ~~هو من الميسر أم لا؟ وفي اليمين المتنازع فيها كالحلف بالحج وصدقة المال ~~والعتق والطلاق والحرام والظهار: هل هي داخلة في الأيمان فتكفر، أم في ~~العقود المحلوف بها فيلزم ما حلف PageV02P474 # به؟ (1) أم لا يدخل لا في هذا ولا في هذا فلا يلزمه شيء بحال؟ (2) كما ~~ينظر فيما وقعت فيه دم أو ميتة أو لحم خنزير من (3) الماء والمائعات ولم ~~يتغير لونه ولا طعمه، بل استهلت النجاسات فيه واستحالت، أو رفعت منه ~~واستحال فيه ما خالطه من أجزائها، فينظر في ذلك: هل يدخل في مسمى الماء ~~المذكور في القرآن والسنة، أو في مسمى الميتة والدم ولحم الخنزير؟ # وأما تنقيح المناط وتخريجه ففيهما نزاع. وهذا الإمامي لم يذكر أصلا حجة ~~على بطلان الاجتهاد والرأي والقياس ليرد ذلك، بل ذكر أن طائفته لا تقول ~~بذلك، وهذا يدل على جهلهم بالاستنباط والاستخراج، وعدم معرفتهم بما في ~~الشريعة من الحكم والمعاني، وعدم معرفتهم بالجمع بين المتماثلين والفرق بين ~~المختلفين، وهم بمعاني القرآن وأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - جهال ~~أيضا، فهم جهال بأصول الشرع: الكتاب والسنة والإجماع، بمنصوص ذلك ومستنبطه. # وإنما عمدتهم على نقل عمن يقلدونه، وهذا حال الجهال المقلدين لآحاد ~~العلماء المستدلين، ثم من سواهم ممن يقلد العلماء - كمالك والشافعي وأحمد ~~وأبي حنيفة وغيرهم - له ms0485 معرفة بأقوال هؤلاء، وبطرق يميزون بها بين صحيح ~~أقوالهم وضعيفها ومعرفة بأدلتهم ومآخذهم. # وأما الرافضة فلا يميزون بين ما يصح نقله عن أئمتهم وما لا يصح، ~~PageV02P475 # ولا يعرفون أدلتهم ومآخذهم، بل هم من أهل التقليد بما يقلدون فيه، وهم ~~يعيبون هؤلاء الجمهور بالاختلاف، وفيما ينقلونه عمن يقلدونه من الاختلاف، ~~وفيما لا ينقلونه عمن يقلدونه من الاختلاف ما لا يكاد يحصى] (1) . # الرابع: أن يقال: لا ريب أن ما ينقله الفقهاء عن مثل أبي حنيفة ومالك ~~والشافعي وأحمد وغيرهم هو أصح مما ينقله الروافض عن [مثل] (2) العسكريين ~~ومحمد بن علي الجواد وأمثالهم. ولا ريب أن هؤلاء أعلم بدين النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - من أولئك فمن عدل عن نقل الأصدق عن الأعلم إلى نقل الأكذب ~~عن المرجوح كان مصابا في دينه أو عقله أو كليهما (3) . # فقد تبين أن ما حكاه عن الإمامية مفضلا لهم به ليس فيه (4) شيء من ~~خصائصهم، إلا القول بعصمة الأئمة [وإنما شاركهم فيه (5) من هو شر منهم] (6) ~~، وما سواه حقا كان أو باطلا فغيرهم [من أهل السنة القائلين بخلافة ~~الثلاثة] (7) يقول به، وما اختصت به الإمامية (8) من عصمة الأئمة فهو في ~~غاية الفساد والبعد عن العقل والدين، وهو أفسد من اعتقاد كثير PageV02P476 # من النساك في شيوخهم أنهم محفوظون، وأضعف من اعتقاد كثير من قدماء (1) ~~الشاميين [أتباع بني أمية] : (2) أن الإمام تجب طاعته في كل شيء، وأن الله ~~إذا استخلف إماما تقبل منه الحسنات وتجاوز له عن السيئات، لأن الغلاة في ~~الشيوخ، وإن غلوا في شيخ فلا يقصرون الهدى عليه، ولا يمنعون اتباع غيره، ~~[ولا يكفرون من لم يقل بمشيخته] (3) ، ولا يقولون فيه من العصمة ما يقوله ~~هؤلاء، اللهم إلا من خرج (4) عن الدين بالكلية، فذاك في الغلاة في الشيوخ: ~~كالنصيرية والإسماعيلية والرافضة. # فبكل حال الشر فيهم أكثر [من غيرهم] (5) ، والغلو فيهم أعظم، وشر غيرهم ~~جزء من شرهم. # وأما غالية الشاميين [أتباع بني أمية] (6) ، فكانوا يقولون (7) : [إن ~~الله إذا استخلف خليفة تقبل منه الحسنات وتجاوز له عن السيئات، وربما ms0486 ~~قالوا: إنه لا يحاسبه. (8) . PageV02P477 # ولهذا سأل الوليد بن عبد الملك عن ذلك بعض (1) العلماء، فقالوا له (2) : ~~يا أمير المؤمنين، أنت أكرم على الله أم داود، وقد قال له: {ياداود إنا ~~جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل ~~الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب} ~~[سورة ص: 26] . # وكذلك سؤال سليمان بن عبد الملك عن ذلك لأبي حازم المدني (3) في موعظته ~~المشهورة [له] (4) فذكر له هذه الآية. # ومع خطأ هؤلاء وضلالهم فكانوا يقولون (5) ] ذلك في طاعة إمام منصوب (6) ~~قد أوجب الله طاعته في موارد الاجتهاد، كما يجب طاعة والي PageV02P477 # الحرب وقاضي الحكم: لا يجعلون أقواله (1) شرعا عاما يجب على كل أحد، ولا ~~يجعلونه معصوما من الخطأ، ولا يقولون إنه يعرف جميع الدين، لكن غلط من غلط ~~منهم من جهتين: من جهة أنهم كانوا يطيعون الولاة طاعة مطلقة، ويقولون إن ~~الله أمرنا بطاعتهم، الثانية (2) : قول من قال منهم: إن الله إذا استخلف ~~خليفة تقبل منه الحسنات وتجاوز له عن السيئات، وأين خطأ هؤلاء من ضلال ~~الرافضة القائلين بعصمة الأئمة؟ # ثم قد تبين مع ذلك أن ما انفردوا به عن جمهور أهل السنة كله خطأ، وما كان ~~معهم (3) من صواب فهو قول جمهور أهل السنة أو بعضهم، ونحن لسنا نقول (4) : ~~إن جميع طوائف أهل السنة مصيبون، بل فيهم المصيب والمخطئ، لكن صواب [كل ~~طائفة منهم] (5) أكثر من صواب الشيعة، وخطأ (6) الشيعة أكثر. # [وأما ما انفردت به الشيعة عن جميع طوائف السنة فكله خطأ، وليس معهم صواب ~~إلا وقد قاله بعض أهل السنة] (7) . # فهذا القدر في هذا المقام يبطل به ما ادعاه من رجحان قول الإمامية، فإنه ~~(8) بهذا القدر يتبين أن مذهب أهل السنة أرجح، ولكل مقام مقال. PageV02P479 # وقد يقال: إن الإيمان أرجح من الكفر إذا احتيج إلى المفاضلة عند من يظن ~~أن ذلك أرجح، [وكذلك يقال في الخير والشر] (1) . # قال تعالى (2) ] : {ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن ms0487 واتبع ملة ~~إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا} [سورة النساء: 125] . وقال تعالى: ~~{إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير ~~لكم إن كنتم تعلمون} [سورة الجمعة: 9] وقال تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من ~~أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم} [سورة النور: 0] وقال: {لا تدخلوا ~~بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم} [سورة ~~النور: 27] ، بل قد يفضل الله سبحانه نفسه على ما عبد من دونه، كقوله: ~~{آلله خير أم ما يشركون} [سورة النمل: 59] ، وقول المؤمنين للسحرة: {والله ~~خير وأبقى} [سورة طه: 73]] (3) . # وكذلك قد تبين أن الكفار أكثر جرما إذا وقعت المفاضلة. قال تعالى: ~~{يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير} [سورة البقرة: 217] ، ~~[ثم قال] : (4) {وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه ~~أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل} [سورة البقرة: 217] ، وهذه الآية ~~نزلت لما عير المشركون سرية (5) المسلمين بأنهم PageV02P480 # قتلوا رجلا في الشهر الحرام وهو ابن الحضرمي، فقال الله تعالى: {يسألونك ~~عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير} ، ثم بين أن ذنوب المشركين ~~أعظم عند الله (1) . # (* وأما في (2) جانب التفضيل فقال تعالى: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل ~~الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا - ومن ~~يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون ~~نقيرا - ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا ~~واتخذ الله إبراهيم خليلا} [سورة النساء: 123 - 125] *) (3) . وقال تعالى: ~~{قل ياأهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل ~~من قبل وأن أكثركم فاسقون - قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من ~~لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر ~~مكانا وأضل عن سواء السبيل} [سورة المائدة: 59، 60] (4) . PageV02P481 ### | الرد على سائر أقسام كلام ابن المطهر في الوجه الأول ### | [فصل كلام ابن المطهر على ms0488 مذهب أهل السنة في الصفات والرد عليه] # (فصل) (1) ثم قال هذا الإمامي: (2) " أما باقي المسلمين فقد ذهبوا كل ~~مذهب، فقال بعضهم - وهم جماعة الأشاعرة - إن القدماء كثيرون (3) مع الله ~~تعالى: هي المعاني يثبتونها (4) موجودة في الخارج كالقدرة والعلم وغير ذلك، ~~فجعلوه تعالى مفتقرا في كونه عالما إلى ثبوت معنى هو العلم، وفي كونه قادرا ~~إلى ثبوت معنى هو القدرة وغير ذلك، ولم يجعلوه قادرا لذاته [ولا عالما ~~لذاته] (5) ، ولا حيا لذاته (6) ، بل لمعان قديمة يفتقر في هذه الصفات ~~إليها، فجعلوه محتاجا ناقصا في ذاته (7) ، كاملا بغيره، تعالى الله عن ذلك ~~علوا كبيرا! [ولا (8) يقولون: هذه الصفات ذاتية (9) ] . واعترض شيخهم فخر ~~الدين الرازي عليهم بأن قال: إن النصارى كفروا بأن قالوا (10) : القدماء ~~ثلاثة، والأشاعرة أثبتوا قدماء تسعة ". PageV02P482 # فيقال: الكلام على هذا من وجوه: # أحدها: أن هذا كذب على الأشعرية: ليس فيهم من يقول: إن الله [ناقص بذاته] ~~(1) كامل بغيره، ولا قال الرازي ما ذكرته (2) من الاعتراض عليهم، بل هذا ~~الاعتراض ذكره الرازي عمن اعترض به، [واستهجن] (3) الرازي ذكره (4) . ~~PageV02P483 # وهو اعتراض قديم من اعتراضات نفاة الصفات، حتى ذكره الإمام أحمد (1) [في ~~" الرد على الجهمية " فقال (2) : " قالت الجهمية لما وصفنا الله بهذه ~~الصفات (3) : (4 إن زعمتم أن الله لم يزل ونوره، والله وقدرته، والله ~~وعظمته، فقد قلتم بقول النصارى 4) (4) حين زعمتم أن الله لم يزل ونوره ولم ~~يزل وقدرته. # قلنا: لا نقول إن الله لم يزل وقدرته ولم يزل ونوره (5) ، ولكن نقول: لم ~~يزل الله بقدرته ونوره، لا متى قدر، ولا كيف قدر. # فقالوا (6) : لا تكونون موحدين أبدا حتى تقولوا: كان الله ولا شيء. # فقلنا: نحن نقول قد كان ولا شيء. ولكن إذا قلنا: إن الله لم يزل بصفاته ~~كلها، أليس إنما نصف إلها واحدا بجميع صفاته. # وضربنا لهم في ذلك مثلا، فقلنا: أخبرونا عن هذه النخلة: أليس لها ~~PageV02P484 # جذع وكرب وليف وسعف وخوص وجمار (1) واسمها اسم واحد (2) وسميت نخلة بجميع ~~صفاتها؟ فكذلك الله - وله المثل الأعلى (3) - بجميع صفاته إله واحد. لا ~~نقول: إنه ms0489 كان في وقت من الأوقات ولا يقدر حتى خلق قدرة (4) والذي ليس له ~~قدرة هو عاجز. ولا نقول: قد كان في وقت من الأوقات ولا يعلم حتى خلق لنفسه ~~علما (5) والذي لا يعلم هو جاهل. ولكن نقول: لم يزل الله عالما قادرا مالكا ~~لا متى ولا كيف. وقد سمى الله رجلا كافرا اسمه الوليد بن المغيرة المخزومي ~~فقال: {ذرني ومن خلقت وحيدا} (6) [سورة المدثر: 11] وقد كان هذا الذي سماه ~~وحيدا له عينان وأذنان، ولسان وشفتان، ويدان ورجلان، وجوارح كثيرة فقد سماه ~~الله وحيدا بجميع صفاته، فكذلك الله - وله المثل الأعلى - هو (7) بجميع ~~صفاته إله واحد ". # وهذا الذي ذكره الإمام أحمد يتضمن أسرار هذه المسائل، وبيان PageV02P485 # الفرق بين ما جاءت به الرسل من الإثبات الموافق لصريح العقل، وبين ما ~~تقوله الجهمية، وبين أن صفاته داخلة في مسمى أسمائه] . # الثاني أن يقال: هذا القول المذكور ليس هو قول الأشعري ولا جمهور ~~موافقيه، إنما هو قول مثبتي الحال [منهم] (1) الذين يقولون إن العالمية حال ~~(2) معللة بالعلم، فيجعلون العلم يوجبه حال آخر (3) ليس هو العلم بل هو (4) ~~كونه عالما. وهذا قول القاضي أبي بكر بن الطيب والقاضي أبي يعلى وأول قول ~~أبي المعالي (5) . # وأما جمهور مثبتة الصفات فيقولون (6) : إن العلم هو كونه عالما، ويقولون: ~~لا يكون عالما إلا بعلم ولا قادرا إلا بقدرة، أي يمتنع أن يكون عالما من لا ~~علم له، وأن يكون قادرا من لا قدرة له، وأن يكون حيا من لا حياة له. # [وعندهم علمه هو كونه عالما، وقدرته هو كونه قادرا، وحياته هو كونه حيا، ~~وهذا في الحقيقة قول أبي الحسين البصري وغيره من حذاق المعتزلة] (7) . # ولا ريب أن هذا معلوم ضرورة، فإن وجود اسم الفاعل بدون مسمى PageV02P486 # المصدر ممتنع، وهذا كما لو قيل: مصل بلا صلاة، وصائم بلا صيام، وناطق بلا ~~نطق. # فإذا قيل: لا يكون ناطق إلا بنطق (1) ، ولا مصل إلا بصلاة، لم يكن المراد ~~أن هنا شيئين (2) : أحدهما الصلاة، والثاني حال معلل بالصلاة، بل المصلي لا ~~بد ms0490 أن يكون له صلاة. # وهم أنكروا قول نفاة الصفات الذين يقولون: هو حي لا حياة له، وعالم لا ~~علم له، وقادر لا قدرة له. # فمن قال: هو حي عليم قدير بذاته، وأراد بذلك أن ذاته مستلزمة لحياته ~~وعلمه وقدرته لا يحتاج في ذلك إلى غيره، فهذا قول مثبتة الصفات، (3 وإن ~~أراد بذلك أن ذاته مجردة ليس لها حياة ولا علم ولا قدرة فهذا هو القول 3) ~~(3) المنكر من (4) أقوال نفاة الصفات. # وهذا الكلام الذي قاله هذا قد (5) سبقه إليه المعتزلة، وهذا اللفظ وجدته ~~في كلام أبي الحسين (6) البصري، ومع هذا من تدبر كلام أبي الحسين (7) ~~وأمثاله وجده مضطرا إلى إثبات الصفات، وأنه لا يمكنه أن يفرق بين قوله وبين ~~قول المثبتين بفرق محقق، فإنه يثبت كونه حيا وكونه عالما وكونه قادرا، ولا ~~يجعل هذا هو هذا، ولا هذا هو هذا، ولا هذه الأمور PageV02P487 # هي الذات (1) ، فقد أثبت هذه المعاني الزائدة على الذات المجردة، وقد ~~بسطنا هذا في غير هذا الموضع. # الوجه الثالث: أن يقال: أصل هذا القول هو قول مثبتة الصفات، وهذا لا تختص ~~به الأشعرية، بل هو قول جميع طوائف المسلمين إلا الجهمية كالمعتزلة (2) ومن ~~وافقهم من الشيعة، وقد قدمنا أن هذا القول هو قول قدماء الإمامية، فإن كان ~~خطأ فأئمة الإمامية أخطأوا، وإن كان صوابا فمتأخروهم أخطأوا (3) . # الوجه الرابع: أن يقال: قول القائل: إنهم أثبتوا قدماء كثيرين، لفظ مجمل ~~موهم [القول] أنهم (4) أثبتوا آلهة غير الله في القدم، أو أثبتوا (5) ~~موجودات منفصلة قديمة مع الله، [أم أثبتوا (6) لله صفات الكمال القائمة به ~~كالحياة والعلم والقدرة. # فإن قلت: أثبتوا آلهة غير الله، أو موجودات قديمة منفصلة عن الله،] ~~PageV02P488 # كان هذا بهتانا عليهم. والمشنع وإن لم يقصد هذا لكن لفظه فيه إبهام ~~وإيهام (1) . # وإن قلت: أثبتوا له صفات قائمة به (2) قديمة بقدمه، وهي صفات الكمال ~~كالحياة والعلم والقدرة، فهذا هو الحق، وهل ينكر هذا إلا مخذول مسفسط؟ (3) ~~فمن أنكر هذه الصفات، وقال هو حي بلا حياة، وعالم بلا علم، وقادر بلا ms0491 قدرة ~~(4) كان قوله ظاهر البطلان. وكذلك إن قال: علمه هو قدرته وقدرته علمه، وإن ~~قال مع ذلك: إنه هو العلم والقدرة، فجعل الموصوف هو الصفة وهذه الصفة هي ~~الأخرى، كما يوجد مثل ذلك (5) في أقوال نفاة الصفات من الفلاسفة والمعتزلة، ~~فنفس تصور قولهم على الحقيقة يبين فساده، والكلام عليهم وعلى شبههم (6) ~~مبسوط في غير هذا الموضع (7) . # [الوجه] الخامس (8) : قولك: جعلوا قدماء مع الله عز وجل، ليس بصواب، فإن ~~هذه المعاني ليست خارجة عن مسمى اسم الله عند مثبتة الصفات، بل قد يقولون: ~~هي زائدة على الذات، أي على الذات PageV02P489 # (* المجردة عن الصفات [التي يثبتها النفاة] (1) ، لا على الذات المتصفة ~~بالصفات. واسم الله [سبحانه] (2) يتناول الذات *) (3) المتصفة بالصفات، ليس ~~هو اسما للذات المجردة حتى يقولوا: نحن نثبت قدماء مع الله [تعالى] (4) . ~~وكيف وهم لا يجوزون أن يقال: إن الصفة غير الموصوف، فكيف يقولون: هي مع ~~الله؟ ! # [بل طائفة من المثبتة كابن كلاب لا تقول (5) عن (6) الصفات وحدها إنها ~~قديمة حتى لا تقول بتعدد القدماء لما منعت النفاة هذا الإطلاق، بل تقول (7) ~~: الله بصفاته قديم] (8) . # [الوجه] السادس (9) : قولك: " فجعلوه مفتقرا في كونه عالما إلى ثبوت معنى ~~هو العلم ". # [فيقال: أولا: هذا إنما يقال على قول مثبتة (10) الحال، وأما قول الجمهور ~~فعندهم كونه عالما هو العلم. وبتقدير أن يقال: كونه عالما مفتقرا إلى العلم ~~الذي هو لازم لذاته ليس في هذا إثبات فقر له (11) إلى غير PageV02P490 # ذاته فإن ذاته مستلزمة للعلم، والعلم مستلزم لكونه عالما، فذاته (1) هي ~~الموجبة لهذا ولهذا، [فإذا (2) قدر أنها أوجبت الاثنين كان أعظم من أن توجب ~~أحدهما] (3) إذا لم يكن أحدهما نقصا. ومعلوم أن العلم كمال، وكونه عالما ~~كمال، فإذا أوجبت ذاته هذا وهذا، كان كما لو أوجبت الحياة والقدرة. # السابع (4) : قوله: " جعلوه مفتقرا في كونه عالما إلى ثبوت معنى هو العلم ~~"، عبارة ملبسة. فإن لفظ (5) " الافتقار " يشعر بأنه محتاج إلى من يجعله ~~عالما يفيده العلم وهذا باطل، وإنما ثبوت هذا بطريق اللزوم لذاته، فذاته ~~موجبة لعلمه ولكونه عالما ms0492، [ومعنى كونها موجبة لذلك أي مستلزمة له، بمعنى ~~أنه لا تكون ذاته إلا عالمة، لا بمعنى أنها أبدعت العلم أو فعلته] (6) ، ~~ومن أثبت المعنيين قال: لا يكون عالما حتى يكون له علم، وهو عالم قطعا فله ~~علم، فهو يجعل ذلك من باب الاستدلال، ويستدل بكونه عالما على العلم، ويقول: ~~إن ذاته أوجبت ذلك - لا أنه هنا شيء غير ذاته - جعلته عالما أو جعلت له ~~علما، ولو قدر أنها أوجبته بواسطة فموجب الموجب موجب، كما أنها أوجبت كونه ~~حيا وكونه عالما، والعلم مشروط بالحياة، فلا (7) يقال: إنه يفتقر في كونه ~~عالما إلى غيره، PageV02P491 # فإن هذه الأمور المشروط بعضها ببعض كلها من لوازم ذاته، لا يفتقر ثبوتها ~~إلى غيره. # [الوجه] الثامن (1) : قوله: ولم يجعلوه قادرا لذاته (2 ولا عالما لذاته ~~2) (2) بل لمعان قديمة، إن أراد بذلك أنهم [لا] (3) يجعلون ذاته علما وقدرة ~~أو لا (4) يجعلونها عالمة قادرة (5) وليس لها علم ولا قدرة فهذا صحيح، وهو ~~عين الحق، وإن أراد أنهم لا يجعلون ذاته [مستلزمة لكونه عالما قادرا ولا] ~~(6) هي الموجبة لكونه عالما قادرا فهذا كذب عليهم، بل ذاته هي الموجبة ~~لذلك، كما أنها هي الموجبة لكونه عالما، مع كونها موجبة لكونه (7) حيا: ولا ~~يكون عالما حتى يكون حيا وكذلك يقول هؤلاء: لا يكون عالما حتى يكون له علم. # التاسع (8) : قوله: لم يجعلوه عالما لذاته [ولا] (9) قادرا لذاته: إن ~~أراد أنهم لم يجعلوه (10) عالما قادرا لذات مجردة [عن العلم والقدرة - كما ~~يقول نفاة الصفات: إنه ذات مجردة] (11) عن الصفات - فهذا صحيح [وهو عين ~~PageV02P492 # الحق] (1) لأن الذات المجردة عن العلم والقدرة لا حقيقة لها في الخارج، ~~ولا هي الله (2) ، ولا تستحق العبادة، وإن أراد أنهم لم يجعلوه عالما قادرا ~~لذاته المستلزمة للعلم والقدرة فهذا غلط عليهم، بل نفس ذاته الموجبة لعلمه ~~وقدرته هي التي أوجبت كونه عالما قادرا، وأوجبت علمه وقدرته، وجعلت العلم ~~والقدرة توجب كونه عالما قادرا، فإن كل هذه الأمور متلازمة، وذاته المتصفة ~~بهذه الصفات هي الموجبة لهذا كله، لا تفتقر (3) في ذلك ms0493 إلى شيء مباين لها. # العاشر (4) : قوله: " المعاني القديمة يفتقر في هذه الصفات إليها "، ليس ~~هو قولهم، فإن المعاني القديمة (5) هي الصفات عندهم، وأما الخبر عن ذلك ~~فيقولون: هو الوصف، ولا ريب أنه لا يمكن وصف الموصوف بأنه عالم إلا أن يكون ~~له علم، ولكن هو سبحانه الموجب لتلك المعاني القديمة القائمة به، فإذا كان ~~لا يوصف بالعلم والقدرة والحياة إلا بها وهو الموجب (* لها لم يكن مفتقرا ~~إلى غيره، كما أنه إذا لم يوصف بالعلم إلا إذا كان موصوفا بالحياة، وهو ~~الموجب *) (6) للحياة، لم يكن مفتقرا إلى غيره، ولو قال: لمعان (7) قديمة ~~(7 تستلزم هذه الصفات ثبوتها، وذاته 7) (8) PageV02P493 # مستلزمة لهذه وهذه، وتلك المعاني مستلزمة لثبوت هذه الصفات كان كلاما ~~صحيحا، فالتلازم حاصل من الجهات الثلاث. # الحادي عشر (1) : قوله: " فجعلوه محتاجا ناقصا في ذاته كاملا بغيره " ~~كلام باطل، فإنه هو الذات الموصوفة بهذه الصفات، فليس هنا شيء يمكن تقدير ~~حاجته إلى هذه الصفات (2 إلا الذات المجردة، وتلك لا وجود لها في الخارج، ~~فليس في الخارج ذات مجردة عن هذه الصفات 2) (2) [حتى توصف بحاجة أو غنى، ~~وذات الله مستلزمة لهذه الصفات] (3) ، والصفات الملزومة (4) لذات الموصوف ~~التي لا يكون إلا بها ليس له تحقق دونها حتى يقال: إنه (5) محتاج ناقص، بل ~~حقيقة الأمر أن الذات المجردة عن صفات الكمال (6 ناقصة بدونها محتاجة إلى ~~صفات الكمال، فهذا حق 6) (6) ، لكن تلك الذات المجردة ليست هي الله، بل لا ~~حقيقة لها في الخارج. وأيضا فهم لا يطلقون على الصفات لفظ الغير. # الثاني عشر (7) : إن قول القائل: " إن النصارى كفروا بأن قالوا: القدماء ~~ثلاثة والأشاعرة أثبتوا قدماء تسعة " كلام باطل، فإن (8) الله لم يكفر ~~النصارى بقولهم: القدماء ثلاثة، بل قال تعالى: PageV02P494 # {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ~~ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم - أفلا يتوبون إلى ~~الله ويستغفرونه والله غفور رحيم - ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من ~~قبله الرسل وأمه صديقة كانا ms0494 يأكلان الطعام} [سورة المائدة: 73 - 75] ، فقد ~~بين سبحانه أنهم كفروا بقولهم: {إن الله ثالث ثلاثة} (1) ، لقوله: بعد ذلك: ~~{وما من إله إلا إله واحد} ولم يقل: ما من قديم إلا قديم واحد، ثم أتبع ذلك ~~بذكر حال المسيح وأمه لأنهما (2) هما الآخران اللذان (3) اتخذوهما إلهين، ~~كما بين (4) ذلك في الآية (5) الأخرى بقوله: {وإذ قال الله ياعيسى ابن مريم ~~أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} [سورة المائدة: 116] ، ~~فهذه الآية موافقة لسياق تلك الآية، وفي ذلك بيان أن الذين قالوا: إن الله ~~ثالث ثلاثة قالوا: إنه ثالث ثلاثة آلهة: هو، والمسيح، وأم المسيح، وليس في ~~القرآن ذكر قدماء ثلاثة ولا صفات ثلاثة، بل ليس في الكتاب ولا في السنة ذكر ~~القديم في أسماء الله تعالى، وإن كان [المعنى] (6) صحيحا، لكن المقصود ~~[هنا] (7) بيان [أن] ما ذكروه لم يكفر [الله تعالى] النصارى [به] (8) . ~~PageV02P495 # الثالث عشر (1) : أنه هب (2) أن النصارى كفروا بقولهم: إنه ثالث ثلاثة ~~قدماء، فالصفاتية لا تقول: إن الله (3) تاسع تسعة قدماء، بل اسم الله تعالى ~~عندهم يتضمن صفاته، فليست (4) صفاته خارجة عن مسمى اسمه، بل إذا قال ~~القائل: آمنت بالله أو دعوت الله كانت صفاته داخلة في مسمى اسمه، وهم لا ~~يطلقون عليها أنها غير الله، فكيف [يقولون: إن] (5) الله تاسع تسعة أو ثالث ~~ثلاثة؟ ! وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «من حلف بغير الله فقد ~~أشرك» " (6) ، [وثبت في الصحيح الحلف بعزة الله (7) ] ولعمر الله (8) ، ~~فعلم أن الحلف بذلك ليس حلفا بما يقال إنه غير الله. PageV02P496 # الرابع عشر (1) : إن (2) حصر الصفات في ثمانية، وإن كان يقوله (3) : بعض ~~المثبتين [من الأشعرية ونحوهم، فالصواب عند جماهير المثبتة] (4) وأئمة ~~الأشعرية أن الصفات لا تنحصر في ثمانية، بل ولا يحصرها العباد في عدد، ~~وحينئذ فنقل الناقل عنهم: أنه تاسع تسعة باطل، لو كان هذا مما يقال. # الخامس عشر (5) : أن النصارى أثبتوا أقانيم وقالوا: إنها ثلاثة (6) جواهر ~~يجمعها جوهر واحد، وإن كل واحد إله (7) يخلق ويرزق، والمتحد بالمسيح هو ~~أقنوم الكلمة والعلم وهو ms0495 الابن. وهذا القول متناقض في نفسه، فإن المتحد إن ~~كان صفة فالصفة لا تخلق ولا ترزق، وهي أيضا لا تفارق الموصوف، وإن كان هو ~~الموصوف فهو الجوهر الواحد وهو الأب (8) فيكون المسيح هو الأب، وليس هذا ~~قولهم، PageV02P497 # فأين (1) هذا ممن يقول: الإله (2) واحد وله الأسماء الحسنى الدالة على ~~صفاته العلى (3) ولا يخلق غيره ولا يعبد سواه؟ ! فبين المذهبين من الفرق ~~أعظم مما بين (4) القدم والفرق. # ومما افترته الجهمية على المثبتة أن ابن كلاب لما كان من المثبتين للصفات ~~وصنف الكتب في الرد على النفاة وضعوا على أخته حكاية أنها كانت (5) نصرانية ~~وأنه لما أسلم هجرته، فقال لها: يا أختي إني أريد أن أفسد دين المسلمين، ~~فرضيت عنه لذلك (6) . # ومقصود المفتري بهذه (7) الحكاية أن يجعل قوله بإثبات الصفات هو قول ~~النصارى، وأخذ هذه الحكاية [بعض السالمية و] (8) بعض أهل الحديث والسنة يذم ~~بها ابن كلاب لما أحدثه (9) من القول في مسألة القرآن، ولم يعلم أن الذين ~~عابوه بها (10) هم أبعد عن الحق في مسألة القرآن وغيرها منه، وأنهم عابوه ~~بما تمدح أنت قائله (11) . وعيب ابن PageV02P498 # كلاب عندك كونه لم يكمل القول به (1) ، بل بقيت عليه [بقية] (2) من ~~كلامهم. # وهذا نظير ما عمله ابن عقيل في مسألة القرآن، فإنه أخذ كلام المعتزلة ~~الذي طعنوا به على الأشعرية في كونهم يقولون: هذا القرآن ليس كلام الله بل ~~عبارة عنه، فطعن به هو (3) على الأشعرية. [ومقصود المعتزلة بذلك إثبات أن ~~القرآن مخلوق، والأشعرية] (4) خير منهم (5) في نفي الخلق عن القرآن، ولكن ~~عيبهم [في] تقصيرهم في إكمال السنة (6) . # [وكذلك بعض أهل الحديث السالمية المصنفين في مثالب ابن كلاب والأشعري ~~وابن كرام ذكروا حكايات بعضها كذب قطعا، وهي مما وضعته المعتزلة أعداء ~~هؤلاء عليهم، لكونهم يثبتون الصفات والقدر، فجاء هؤلاء فذكروا تلك ~~الحكايات، ومقصودهم التنفير عما اعتقدوا في أقوالهم من الخطاء، وتلك ~~الحكايات وضعها من هو أبعد عن السنة منهم. وكذلك السالمية أتباع الشيخ أبي ~~الحسن بن سالم هم في غالب أصولهم على قول أهل السنة ms0496 والجماعة، لكن لما وقع ~~في بعض أقوالهم من الخطاء زاد في الرد عليهم من صنف في الرد عليهم، حتى رد ~~عليهم قطعة مما قالوه من الحق] (7) . PageV02P499 ### | عرض ابن المطهر لمقالة الحشوية والمشبهة ورد ابن تيمية من وجوه # (فصل) (1) قال الرافضي المصنف (2) : وقالت جماعة (3) الحشوية [والمشبهة] ~~(4) : إن الله تعالى جسم له طول وعرض وعمق، وأنه يجوز عليه (5) المصافحة، ~~وأن الصالحين (6) من المسلمين يعانقونه (7) في الدنيا، وحكى الكعبي عن ~~بعضهم أنه كان يجوز رؤيته في الدنيا وأنه يزورهم ويزورونه، وحكي عن داود ~~الطائي (8) أنه قال: أعفوني عن الفرج واللحية، واسألوني عما وراء ذلك، ~~وقال: إن معبودي (9) جسم ولحم ودم، وله جوارح وأعضاء كيد (10) ورجل ولسان ~~وعينين وأذنين (11) ، وحكي عنه أنه قال (12) : هو أجوف من أعلاه إلى صدره، ~~مصمت ما PageV02P500 # سوى ذلك، وله شعر قطط، حتى قالوا: اشتكت (1) عيناه فعادته الملائكة، وبكى ~~(2) على طوفان نوح حتى رمدت عيناه، وأنه يفضل من العرش (3) من كل جانب أربع ~~أصابع ". # فيقال: الكلام على هذا من وجوه: أحدها: أن يقال: هذا اللفظ بعينه أن: ~~الله جسم له طول وعرض وعمق أول من عرف أنه قاله في الإسلام شيوخ الإمامية ~~كهشام بن الحكم وهشام بن سالم كما تقدم ذكره (4) ، وهذا مما اتفق عليه نقل ~~الناقلين للمقالات (5) في الملل والنحل من جميع الطوائف مثل أبي عيسى ~~الوراق (6) PageV02P501 # وزرقان (1) ، وابن النوبختي (2) ، (3) . وأبي الحسن الأشعري وابن حزم (4) ~~والشهرستاني (5) وغير هؤلاء، ونقل ذلك عنهم موجود في كتب المعتزلة والشيعة ~~والكرامية والأشعرية وأهل الحديث وسائر الطوائف. وقالوا: أول من قال إن ~~الله جسم هشام بن الحكم. # ونقل الناس عن الرافضة هذه المقالات وما هو أقبح منها، فنقلوا ما ذكره ~~الأشعري وغيره في كتب المقالات عن بيان بن سمعان التميمي الذي تنتسب (6) ~~إليه البيانية من غالية الشيعة أنه كان يقول: إن الله على صورة الإنسان ~~وإنه يهلك كله إلا وجهه، وادعى بيان أنه يدعو الزهرة فتجيبه، وأنه يفعل ذلك ~~بالاسم الأعظم، فقتله خالد بن عبد الله PageV02P502 # القسري. وحكي عنهم أن كثيرا منهم يثبت نبوة ms0497 بيان بن سمعان، (1 ثم يزعم ~~كثير منهم أن أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية نص على نبوة بيان بن ~~سمعان 1) (1) وجعله إماما (2) # ونقلوا عن المغيرية أصحاب المغيرة بن سعيد أنهم يزعمون أنه كان يقول إنه ~~نبي وأنه يعلم اسم الله الأكبر (3) وأن معبودهم رجل من نور على رأسه تاج، ~~وله من الأعضاء والخلق مثل ما للرجل، وله جوف وقلب تنبع منه الحكمة، وأن ~~حروف " أبي جاد " على عدد أعضائه، قالوا: والألف موضع قدمه (4) لاعوجاجها، ~~وذكر الهاء فقال: لو رأيتم موضعها منه [لرأيتم] أمرا عظيما (5) ، يعرض لهم ~~PageV02P503 # بالعورة وبأنه (1) قد رآه، لعنه الله [وأخزاه] (2) . # وزعم أنه يحيي الموتى باسم الله الأعظم، وأراهم أشياء من النيرنجيات ~~والمخاريق (3) ، وذكر لهم كيف ابتدأ الله الخلق فزعم (4) أن الله كان وحده ~~ولا شيء معه، فلما أراد أن يخلق الأشياء تكلم باسمه الأعظم، فطار فوقع فوق ~~رأسه [على] التاج (5) قال: وذلك قوله: {سبح اسم ربك الأعلى} [سورة الأعلى: ~~1] وذكروا عنه من هذا الجنس أشياء (6) يطول وصفها، وقتله خالد بن عبد الله ~~القسري (7) # وذكروا عن المنصورية أصحاب أبي منصور أنهم كانوا يقولون عنه أنه ~~PageV02P504 # قال: إن آل محمد هم السماء والشيعة هم (1) الأرض، وأنه هو الكسف الساقط ~~في بني هاشم (2) وأنه عرج به إلى السماء فمسح معبوده رأسه بيده، ثم قال له: ~~أي بني، اذهب فبلغ عني، ثم نزل به (3) إلى الأرض، ويمين أصحابه إذا حلفوا: ~~لا والكلمة (4) . وزعم أن عيسى [ابن مريم] (5) أول من خلق الله من خلقه، ثم ~~علي، وأن رسل الله لا تنقطع أبدا، وكفر بالجنة والنار، وزعم أن الجنة رجل ~~وأن النار رجل، واستحل النساء والمحارم وأحل ذلك (6) لأصحابه. وزعم أن ~~الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر والميسر حلال، قال: لم يحرم الله ذلك ~~علينا ولا حرم شيئا تقوى (7) به [أنفسنا] ، (8) وإنما هذه الأسماء أسماء ~~رجال حرم الله ولايتهم، وتأول في ذلك قول الله تعالى: {ليس على الذين آمنوا ~~وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} [سورة المائدة: 93] ، وأسقط الفرائض ~~وقال: هي أسماء رجال ms0498 أوجب الله ولايتهم، فأخذه يوسف بن عمر والي العراق (9) ~~في أيام بني أمية PageV02P505 # فقتله (1) والنصيرية الموجودون (2) في هذه الأزمنة يشبهون هؤلاء في كثير ~~من الوجوه. # وذكروا عن الخطابية أصحاب أبي الخطاب بن أبي زينب (3) أنهم يزعمون أن ~~الأئمة أنبياء محدثون ورسل الله وحججه على خلقه، لا يزال منهم رسولان: واحد ~~ناطق، والآخر (4) صامت، فالناطق محمد والصامت علي، فهم في الأرض اليوم ~~طاعتهم مفترضة على جميع الخلق، يعلمون ما كان وما هو كائن، وزعموا أن أبا ~~الخطاب [نبي، وأن أولئك الرسل فرضوا طاعة أبي الخطاب، وقالوا: الأئمة آلهة، ~~وقالوا:] (5) في أنفسهم مثل ذلك، وقالوا: ولد الحسين أبناء الله وأحباؤه، ~~ثم قالوا ذلك في أنفسهم، وتأولوا قول الله: {فإذا سويته ونفخت فيه من روحي ~~فقعوا له ساجدين} [سورة الحجر: 29] ، قالوا: فهو آدم ونحن ولده، وعبدوا أبا ~~الخطاب، وزعموا أنه إله. وخرج أبو الخطاب على أبي جعفر المنصور فقتله عيسى ~~بن موسى في سبخة [الكوفة، وهم] (6) يتدينون بشهادة الزور لموافقيهم (7) . ~~PageV02P506 # وذكروا عن البزيغية أنهم يقولون (1) : إن جعفر [بن] محمد هو الله (2) ، ~~وأنه ليس بالذي يرى، وأنه يشبه للناس (3) في هذه الصورة، وزعموا أن ~~PageV02P507 # كل محدث (1) في قلوبهم وحي، وأن كل مؤمن يوحى إليه (2) . # وقال الأشعري (3) : " وقد قال قائلون (4) بإلهية سلمان الفارسي ". # قال: (5) " وفي النساك من الصوفية من يقول بالحلول، وأن البارئ يحل في ~~الأشخاص، (6 وأنه جائز أن يحل في إنسان وسبع وغير ذلك من الأشخاص 6) (6) ، ~~وأصحاب هذه المقالة إذا رأوا شيئا يستحسنونه قالوا: لا PageV02P508 # ندري لعل الله حال فيه، ومالوا إلى اطراح الشرائع، وزعموا أن الإنسان ليس ~~عليه فرض ولا يلزمه عبادة إذا وصل إلى معبوده ". # قال (1) : " ومن الغالية من يزعم (2) أن روح القدس هو الله: كانت (3) في ~~النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم في علي، ثم في الحسن، ثم في الحسين، ثم ~~في علي بن الحسين، ثم في محمد بن علي، ثم في جعفر بن محمد، ثم في موسى بن ~~جعفر، ثم في علي بن موسى بن جعفر، (4 ثم في محمد بن ms0499 علي بن موسى 4) (4) ، ~~[ثم في علي بن محمد بن علي بن موسى] (5) ثم في الحسن بن [علي] (6) بن محمد ~~بن علي، ثم في محمد بن الحسن بن علي بن محمد ". # قال: " وهؤلاء آلهة (7) عندهم، كل واحد منهم إله على التناسخ، والإله ~~عندهم يدخل في الهياكل " وهؤلاء هم من الإمامية الاثني عشرية (8) . # قال (9) : " ومن الغالية صنف (10) يزعمون أن عليا هو الله، ويكذبون ~~PageV02P509 # النبي - صلى الله عليه وسلم - ويشتمونه، ويقولون: إن عليا وجه به ليبين ~~أمره، فادعى الأمر لنفسه ". # قال: (1) " ومنهم صنف (2) يزعمون أن الله تعالى في (3) خمسة أشخاص: في ~~النبي، وعلي، والحسن، والحسين، وفاطمة فهؤلاء آلهة (4) [عندهم] " (5) . # (6 ولهم خمسة أضداد: أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية وعمرو بن العاص، ثم ~~منهم من قال: إن هذه الأضداد محمودة لأنه لا يعرف فضل الأشخاص الخمسة إلا ~~بأضدادها، فهي محمودة من هذا الوجه، ومنهم من قال: بل هي مذمومة لا تحمد ~~بحال من الأحوال 6) (6) . # قال (7) : " ومنهم صنف يقال لهم السبئية (8) أصحاب عبد الله بن سبأ ~~يزعمون أن عليا لم يمت وأنه يرجع إلى الدنيا قبل يوم القيامة فيملأ الأرض ~~عدلا كما ملئت جورا، وذكروا عنه أنه قال لعلي: أنت أنت. # والسبئية يقولون بالرجعة وأن الأموات يرجعون إلى الدنيا، وكان السيد ~~PageV02P510 # الحميري (1) يقول برجعة الأموات، وفي ذلك يقول: # إلى يوم يئوب الناس فيه (2) # إلى دنياهم قبل الحساب (3) قال (4) : " ومنهم صنف (5) يزعمون أن الله وكل ~~الأمور وفوضها إلى محمد [- صلى الله عليه وسلم -] (6) ، وأنه أقدره على خلق ~~الدنيا فخلقها ودبرها، وأن الله لم يخلق من ذلك شيئا، ويقول ذلك كثير منهم ~~في علي، ويزعمون أن الأئمة ينسخون الشرائع، وتهبط عليهم الملائكة، وتظهر ~~عليهم أعلام المعجزات ويوحى إليهم. # ومنهم من يسلم على السحاب، ويقول إذا مرت سحابة: إن عليا فيها (7) . ~~[وفيهم يقول بعض الشعراء] (8) : # برئت من الخوارج لست منهم ... من الغزال منهم وابن باب (9) PageV02P511 # ومن قوم إذا ذكروا عليا يردون السلام على السحاب (1) فهذا بعض ما نقله ~~(2) الأشعري وغيره عنهم، وهو بعض ما فيهم من هذا الباب، فإن ms0500 الإسماعيلية ~~والنصيرية لم يكونوا حدثوا إذ ذاك (3) والنصيرية (4) من نوع الغلاة، ~~والإسماعيلية ملاحدة أكفر من النصيرية. # ومن [شيعة] (5) النصيرية [من يقول:] (6) # أشهد ألا إله إلا ... حيدرة الأنزع (7) البطين (8 # ولا حجاب عليه إلا ... محمد الصادق الأمين # ولا طريق إليه 8) (8) إلا # سلمان ذو القوة المتين (9) PageV02P512 # ويقولون: إن شهر رمضان أسماء ثلاثين رجلا، [والثلاثون (1) أسماء ثلاثين ~~امرأة، وأن الصلوات الخمس عبارة عن خمسة أسماء، وهي: علي وحسن وحسين ومحسن ~~وفاطمة] (2) ، إلى أنواع من الكفر الشنيع الذي (3) يطول وصفه (4) . # وهذا أمر معلوم، فإن أهل العلم متفقون على أن هذه المقالات الغالية في ~~وصف الرب بالعيوب والنقائص المتضمنة تشبيه الخالق بالمخلوق في (5 صفات ~~النقص وتشبيه المخلوق بالخالق في 5) (5) خصائص الإلهية هي أكثر ما يكون في ~~الشيعة باتفاق الناس، فلا يوجد في طوائف الأمة أشنع في الحلول والتمثيل ~~والتعطيل مما يوجد فيهم. # ولهذا صارت الملاحدة والغالية علمين على بعض من ينتسب (6) إليهم، ~~فالملاحدة علم على الإسماعيلية، والغالية علم على القائلين بالإلهية في ~~البشر (7) (8 كالنصيرية، والمشهور بالغلو وادعاء الإلهية في البشر 8) (8) ~~PageV02P513 # [هم] النصارى والغالية من الشيعة (1) ، وقد يوجد بعض الإلحاد والغلو في ~~غيرهم من النساك وغيرهم، لكن الذي فيهم [أكثر و] أقبح (2) . # وإذا كان الأمر كذلك، كان الذي يطعن على أهل السنة والجماعة بأن فيهم ~~تجسيما [وحلولا] (3) ويثني على طائفة الإمامية: إما من أجهل الناس بمقالات ~~شيعته، وإما من أعظم الناس ظلما وعدوانا وعدولا (4) عن العدل والإنصاف في ~~المقابلة والموازنة (5) . # ثم أهل السنة يطلبون من الإمامية المتأخرين (6) أن يقطعوا سلفهم بالحجج ~~العقلية أو الشرعية، (7) وهم عاجزون عن ذلك، كما تقدم التنبيه عليه. # وهؤلاء المجسمون [من الشيعة منهم] (8) من أكابر أهل الكلام PageV02P514 # المتكلمين في جميع أنواعه: في الجليل والدقيق، ولهم كتب مصنفة. # قال الأشعري (1) : " ورجال (2) الرافضة ومؤلفو كتبهم (3) هشام بن الحكم ~~وهو قطعي (4) وعلي بن منصور (5) ويونس (6) بن عبد الرحمن القمي والسكاك (7) ~~PageV02P515 # وأبو الأخوص داود بن أسد البصري (1) " قال: " وقد انتحلهم أبو عيسى ~~الوراق وابن الراوندي وألف لهم (2) كتبا في الإمامة. # الوجه الثاني: أن يقال: هذه المقالات التي ms0501 نقلها لا تعرف عن أحد من ~~المعروفين بمذهب [أهل] (3) السنة والجماعة: [لا] (4) من أئمة (5) ~~PageV02P516 # أصحاب أبي حنيفة ولا مالك ولا الشافعي ولا أحمد بن حنبل: لا من أهل ~~الحديث ولا من أهل الرأي، فلا يعرف في هؤلاء (1) من قال: إن الله جسم طويل ~~عريض عميق، وأنه يجوز عليه المصافحة، وأن الصالحين من المسلمين (2) ~~يعاينونه في الدنيا (3) ، فإن (4) كان مقصوده بجماعة الحشوية والمشبهة بعض ~~هؤلاء فهو (5) كذب ظاهر عليهم، وهذه كتب هذه الطوائف، ورجالهم الأحياء ~~والأموات لا يعرف عن (6) أحد منهم شيء من ذلك، بل أئمة هؤلاء الطوائف ~~المعروفون بالعلم فيهم متفقون على أن الله لا يرى في الدنيا بالعيون وإنما ~~يرى في الآخرة، كما ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ~~قال: " «واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت» " (7) ". . # والمذهب الشائع الظاهر فيهم مذهب أهل السنة والجماعة: أن الله ~~PageV02P517 # تعالى يرى في الآخرة بالأبصار، ومن أنكر ذلك كان مبتدعا عندهم، وإن كان ~~في المنتسبين إليهم من يقول ذلك فليس هو قول أئمتهم ولا الذين يفتى بقولهم، ~~ومن أراد أن ينقل مقالة عن طائفة فليسم القائل والناقل، وإلا فكل أحد يقدر ~~على الكذب، فقد تبين كذبه فيما نقله عن أهل السنة، كما تبين أن تلك الأقوال ~~وما هو أشنع منها من (1) أقوال سلف (2) الإمامية. # الوجه الثالث: أن يقال: إن الطائفة إنما تتميز (3) باسم رجالها أو بنعت ~~أحوالها، فالأول كما يقال: النجدات (4) . PageV02P518 # والأزارقة (1) . والجهمية (2) والنجارية (3) والضرارية (4) (5 ونحو ذلك. ~~والثاني 5) (5) PageV02P519 # كما يقال: الرافضة والشيعة والقدرية (1) والمرجئة (2) والخوارج ونحو ذلك. ### | الكلام على لفظ الحشوية # فأما لفظ " الحشوية " (3) فليس فيه (4) ما يدل على شخص معين ولا مقالة ~~معينة، فلا يدرى من هم هؤلاء. وقد قيل: [إن] (5) أول من تكلم بهذا اللفظ ~~عمرو بن عبيد (6) \ 252. فقال: كان عبد الله بن عمر حشويا (7) . . وكان هذا ~~PageV02P520 # اللفظ في اصطلاح من قاله يريد [به] (1) العامة الذين هم حشو، كما تقول ~~الرافضة عن مذهب أهل السنة مذهب الجمهور. # فإن كان مراده بالحشوية طائفة من أصحاب ms0502 الأئمة الأربعة دون غيرهم، كأصحاب ~~[أحمد] أو الشافعي أو مالك (2) .، فمن المعلوم أن هذه المقالات لا توجد ~~فيهم أصلا، بل هم يكفرون من يقولها، ولو قدر أن بعضها وجد في بعضهم فليس ~~ذلك من خصائصهم، بل كما يوجد مثل (3) ذلك في سائر الطوائف. # وإن كان مراده بالحشوية أهل الحديث على الإطلاق: سواء كانوا من أصحاب هذا ~~أو هذا، فاعتقاد أهل الحديث هو السنة المحضة؛ لأنه هو الاعتقاد الثابت عن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس في اعتقاد أحد من أهل الحديث شيء من ~~هذا، والكتب شاهدة بذلك. # وإن كان مراده بالحشوية عموم أهل السنة والجماعة مطلقا، فهذه الأقوال لا ~~تعرف في عموم المسلمين وأهل السنة، وجمهور المسلمين لا يظنون أن أحدا قال ~~هذا (4) ، وإذا كان في بعض جهال العامة من يقول هذا أو أكثر من هذا، لم يجز ~~أن يجعل هذا اعتقادا لأهل السنة PageV02P521 # والجماعة (1) يعابون به (2) ، وإنما العيب فيما قالته رجال (3) الطائفة ~~وعلماؤها، كما ذكرناه عن أئمة الشيعة، فإن أئمة الشيعة هم القائلون ~~للمقالات الشنيعة، كما قد علم. ### | [لفظ المشبهة] # وأما لفظ " المشبهة " (4) فلا ريب أن أهل السنة والجماعة والحديث من ~~أصحاب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم متفقون على تنزيه الله تعالى ~~عن مماثلة الخلق، و [على] ذم (5) المشبهة الذين يشبهون صفاته بصفات خلقه ~~(6) ، ومتفقون على أن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا [في] ~~أفعاله (7) . PageV02P522 ### | طريقة السلف في الصفات # وطريقة سلف الأمة وأئمتها: أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه وبما وصفه ~~(1) به رسوله: من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل: إثبات بلا ~~تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل، إثبات الصفات، ونفي مماثلة المخلوقات، قال تعالى: ~~{ليس كمثله شيء} فهذا رد على الممثلة {وهو السميع البصير} [سورة الشورى: ~~11] رد على المعطلة. # [فقولهم في الصفات مبني على أصلين: أحدهما: أن الله سبحانه وتعالى منزه ~~عن صفات النقص مطلقا كالسنة والنوم والعجز والجهل وغير ذلك. # والثاني: أنه متصف بصفات الكمال التي لا نقص فيها على ms0503 وجه الاختصاص بما ~~له من الصفات، فلا يماثله شيء] (2) من (3 المخلوقات في شيء من الصفات. 3) ~~(3) ولكن نفاة الصفات يسمون كل من أثبت شيئا من الصفات مشبها، بل المعطلة ~~المحضة الباطنية نفاة الأسماء يسمون من سمى الله بأسمائه الحسنى مشبها، ~~فيقولون: إذا قلنا حي عليم فقد شبهناه بغيره من الأحياء العالمين، وكذلك ~~إذا قلنا: (4) هو سميع بصير فقد شبهناه بالإنسان السميع البصير (5) ، وإذا ~~قلنا: هو رءوف رحيم فقد شبهناه بالنبي (6) الرءوف PageV02P523 # الرحيم، بل قالوا: إذا قلنا: إنه موجود فقد شبهناه بسائر الموجودات (1 ~~لاشتراكهما في مسمى الوجود. 1) (1) فقيل لهؤلاء: (2) فقولوا ليس بموجود ولا ~~حي. # فقالوا: أو من قال منهم -: إذا قلنا ذلك فقد شبهناه بالمعدوم. # وبعضهم قال: ليس بموجود ولا معدوم ولا حي ولا ميت. (3) فقيل لهم: فقد ~~شبهتموه بالممتنع، بل جعلتموه نفسه ممتنعا، فإنه كما يمتنع اجتماع النقيضين ~~يمتنع ارتفاع النقيضين، فمن قال: إنه موجود معدوم فقد جمع بين النقيضين، ~~[ومن قال: ليس بموجود ولا معدوم فقد (4) رفع النقيضين] (5) وكلاهما ممتنع، ~~فكيف يكون الواجب الوجود ممتنع الوجود؟ ! . # والذين قالوا: لا نقول هذا ولا هذا. # قيل لهم: عدم علمكم وقولكم لا يبطل الحقائق في أنفسها، بل هذا نوع من ~~السفسطة (6) . PageV02P524 # فإن السفسطة ثلاثة أنواع: نوع هو جحد الحقائق والعلم بها. وأعظم من هذا ~~قول من يقول عن الموجود الواجب القديم الخالق: إنه لا موجود ولا معدوم، ~~وهؤلاء متناقضون، فإنهم جزموا بعدم الجزم. # ونوع هو قول المتجاهلة اللاأدرية الواقفة الذين يقولون: لا ندري هل ثم ~~حقيقة (1) وعلم أم لا. وأعظم من هذا قول من يقول: لا أعلم ولا أقول: هو ~~موجود أو معدوم أو حي أو ميت. # ونوع ثالث قول من يجعل الحقائق تتبع العقائد. # فالأول ناف لها، والثاني واقف فيها، والثالث يجعلها تابعة لظنون (2) ~~الناس. # وقد ذكر صنف رابع: وهو الذي يقول: إن العالم في سيلان فلا يثبت له حقيقة. ~~وهؤلاء من الأول لكن هذا يوجبه قولهم (3) . # والمقصود هنا أن إمساك الإنسان عن النقيضين لا يقتضي رفعهما. PageV02P525 # وحاصل هذا القول منع القلوب ms0504 والألسنة والجوارح عن معرفة الله وذكره ~~وعبادته، فهو تعطيل وكفر بطريق الوقف والإمساك، لا بطريق النفي والإنكار. # وأصل ضلال هؤلاء أن لفظ " التشبيه " لفظ فيه إجمال، فما من شيئين إلا ~~وبينهما قدر مشترك يتفق فيه الشيئان (1) . ولكن ذلك المشترك المتفق عليه لا ~~يكون في الخارج بل في الذهن، ولا يجب تماثلهما فيه، بل الغالب تفاضل ~~الأشياء في ذلك القدر [المشترك] (2) ، فأنت إذا قلت عن المخلوقين (3) : حي ~~وحي، وعليم وعليم، وقدير وقدير، لم يلزم (4 تماثل الشيئين في الحياة والعلم ~~والقدرة، ولا يلزم 4) (4) أن تكون حياة أحدهما وعلمه وقدرته نفس حياة الآخر ~~وعلمه وقدرته، ولا أن يكونا مشتركين في موجود (5) في الخارج عن الذهن. # ومن هنا ضل (6) هؤلاء الجهال بمسمى التشبيه الذي يجب نفيه عن الله، ~~وجعلوا ذلك ذريعة إلى التعطيل المحض. والتعطيل شر من التجسيم، والمشبه يعبد ~~صنما، والمعطل يعبد عدما، والممثل أعشى، والمعطل أعمى. # ولهذا كان جهم إمام هؤلاء وأمثاله يقولون: إن الله ليس بشيء (7) ، ~~PageV02P526 # وروي عنه أنه قال: لا يسمى باسم يسمى به الخالق، فلم يسمه (1) إلا ~~بالخالق القادر لأنه كان جبريا يرى أن العبد لا قدرة له (2) ، وربما قالوا: ~~ليس بشيء كالأشياء. (3) ولا ريب أن الله تعالى ليس كمثله شيء، ولكن ليس ~~مقصودهم إلا أن حقيقة التشبيه منتفية عنه حتى (4) لا يثبتون أمرا متفقا ~~عليه. (5) * وتحقيق هذا الموضع بالكلام في معنى التشبيه والتمثيل. أما " ~~التمثيل " فقد نطق الكتاب بنفيه عن الله في غير موضع، كقوله تعالى: {ليس ~~كمثله شيء} [سورة الشورى: 11] ، وقوله: {هل تعلم له سميا} [سورة مريم: 65] ~~وقوله: {ولم يكن له كفوا أحد} ، وقوله: {فلا تجعلوا لله أندادا} [سورة ~~البقرة: 22] ، وقوله: {فلا تضربوا لله الأمثال} [سورة النحل: 74] . ولكن ~~وقع في لفظ " التشبيه " إجمال كما سنبينه إن شاء الله تعالى. # وأما لفظ " الجسم " و " الجوهر " و " المتحيز " (6) و " الجهة " ونحو ذلك ~~PageV02P527 # فلم ينطق كتاب ولا سنة بذلك (1) في حق الله لا نفيا ولا إثباتا، وكذلك لم ~~ينطق بذلك أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين من ms0505 أهل ~~البيت وغير أهل البيت، فلم ينطق أحد منهم بذلك في حق الله لا نفيا ولا ~~إثباتا. # وأول من عرف عنه التكلم بذلك (2) نفيا وإثباتا أهل الكلام المحدث من ~~النفاة: كالجهمية والمعتزلة، ومن المثبتة: كالمجسمة من الرافضة وغير ~~الرافضة. # فالنفاة نفوا هذه الأسماء، وأدخلوا في النفي ما أثبته الله ورسوله من ~~صفات كعلمه وقدرته ومشيئته ومحبته ورضاه وغضبه وعلوه، وقالوا: إنه لا يرى، ~~ولا يتكلم بالقرآن ولا غيره، ولكن معنى كونه متكلما أنه خلق كلاما في جسم ~~من الأجسام غيره (3) ، ونحو ذلك. # والمثبتة أدخلوا في ذلك من الأمور ما نفاه الله ورسوله، حتى قالوا: إنه ~~يرى في الدنيا بالأبصار (4) ، ويصافح، ويعانق، وينزل إلى الأرض، ~~PageV02P528 # وينزل عشية عرفة راكبا على جمل أورق (1) يعانق المشاة ويصافح الركبان (2) ~~، وقال بعضهم: إنه يندم ويبكي ويحزن، وعن بعضهم أنه لحم ودم، ونحو ذلك من ~~المقالات التي تتضمن وصف الخالق جل جلاله بخصائص المخلوقين. # والله سبحانه منزه عن أن يوصف بشيء من الصفات المختصة بالمخلوقين، وكل ما ~~اختص بالمخلوق فهو صفة نقص، والله تعالى منزه عن كل نقص ومستحق لغاية (3) ~~الكمال، وليس له مثل في شيء من صفات الكمال، فهو منزه عن النقص مطلقا، ~~ومنزه في الكمال أن يكون له مثل، كما قال تعالى: {قل هو الله أحد - الله ~~الصمد - لم يلد ولم يولد - ولم يكن له كفوا أحد} [سورة الإخلاص: 1 - 4] ، ~~فبين أنه أحد صمد، واسمه الأحد يتضمن نفي المثل، واسمه الصمد يتضمن جميع ~~صفات PageV02P529 # الكمال، كما قد بينا ذلك في الكتاب المصنف في تفسير قل هو الله أحد (1) . ### | عود إلى الكلام على لفظ الجسم # وأما لفظ " الجسم " (2) فإن الجسم عند أهل اللغة كما ذكره الأصمعي وأبو ~~زيد وغيرهما هو الجسد والبدن (3) ، وقال تعالى: {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم ~~وإن يقولوا تسمع لقولهم} [سورة المنافقون: 4] ، وقال تعالى {وزاده بسطة في ~~العلم والجسم} [سورة البقرة: 247] ، فهو يدل في اللغة على معنى الكثافة ~~والغلظ كلفظ الجسد، ثم قد يراد به نفس الغليظ، وقد يراد به غلظه، فيقال: ~~لهذا الثوب ms0506 جسم أي غلظ وكثافة، ويقال: هذا أجسم من هذا أي أغلظ وأكثف. (4) ~~ثم صار لفظ " الجسم " في اصطلاح أهل الكلام أعم من ذلك، فيسمون الهواء ~~وغيره من الأمور اللطيفة (5) جسما، وإن كانت العرب لا تسمي هذا جسما، ~~وبينهم نزاع فيما يسمى جسما: هل هو مركب من الجواهر المنفردة التي لا يتميز ~~منها شيء عن شيء: إما جواهر متناهية (6 كما يقوله أكثر القائلين بالجوهر ~~الفرد، وإما غير متناهية 6) (6) كما يقوله (7) PageV02P530 # : النظام (1) ، والتزم الطفرة المعروفة بطفرة النظام (2) ، أو هو مركب من ~~المادة والصورة كما يقوله من يقوله من المتفلسفة، أو ليس مركبا لا من هذا ~~ولا من هذا كما يقوله أكثر الناس، وهو قول الهشامية والكلابية (3) ~~والنجارية والضرارية وكثير من الكرامية على ثلاثة أقوال، وكثير من الكتب ~~ليس فيها إلا القولان الأولان. # والصواب أنه ليس مركبا لا من هذا ولا من هذا، كما قد بسط في موضعه. # وينبني على هذا أن ما يحدثه الله من الحيوان (4) والنبات والمعادن فإنها ~~أعيان يخلقها الله تعالى على قول نفاة الجوهر الفرد، وعلى قول PageV02P531 # مثبتيه (1) إنما يحدث أعراضا وصفات (2) ، وإلا فالجواهر باقية ولكن اختلف ~~تركيبها، وينبني على ذلك الاستحالة. # فمثبتة الجوهر الفرد يقولون: لا تستحيل حقيقة إلى حقيقة أخرى، ولا تنقلب ~~الأجناس، بل الجواهر يغير الله عز وجل تركيبها وهي باقية، والأكثرون يقولون ~~باستحالة بعض الأجسام إلى بعض، وانقلاب جنس إلى جنس، وحقيقة إلى حقيقة، كما ~~تنقلب النطفة إلى علقة، والعلقة (إلى) (3) مضغة، والمضغة عظاما، وكما ينقلب ~~الطين الذي خلق (الله) (4) منه آدم لحما ودما وعظاما، وكما تنقلب المادة ~~التي تخلق منها الفاكهة ثمرا (5) ونحو ذلك، وهذا قول الفقهاء والأطباء ~~وأكثر العقلاء. # وكذلك ينبني على هذا تماثل الأجسام، فأولئك يقولون: الأجسام مركبة من ~~الجواهر، وهي متماثلة، فالأجسام متماثلة. والأكثرون يقولون: بل الأجسام ~~مختلفة الحقائق، وليست حقيقة التراب حقيقة النار، ولا حقيقة النار حقيقة ~~الهواء. وهذه المسائل مسائل عقلية لبسطها موضع آخر، والمقصود هنا بيان منشأ ~~النزاع في مسمى الجسم. # والنظار كلهم متفقون (6) - فيما أعلم - على أن ms0507 الجسم يشار إليه، وإن ~~اختلفوا في كونه مركبا من الأجزاء المنفردة، أو من المادة والصورة، أو لا ~~من هذا ولا من هذا. PageV02P532 # وقد تنازع العقلاء أيضا: هل يمكن وجود موجود قائم بنفسه لا يشار إليه ولا ~~يمكن أن يرى، على ثلاثة أقوال؛ فقيل: لا يمكن ذلك بل هو ممتنع، وقيل: بل هو ~~ممتنع في المحدثات الممكنة التي تقبل الوجود والعدم دون الواجب، وقيل: بل ~~ذلك ممكن في الممكن والواجب، وهذا قول بعض الفلاسفة (1 ومن وافقهم من أهل ~~الملل، 1) (1) (2 ما علمت به قائلا من أهل الملل إلا من أخذه عن هؤلاء ~~الفلاسفة 2) . (2) ومثبتو ذلك يسمونها المجردات والمفارقات، وأكثر العقلاء ~~يقولون: إنما وجود هذه في الأذهان لا في الأعيان، وإنما يثبت من ذلك وجود ~~نفس الإنسان التي تفارق بدنه وتتجرد عنه. # وأما الملائكة التي أخبرت بها الرسل فالمتفلسفة المنتسبون إلى المسلمين ~~يقولون: هي العقول والنفوس المجردات وهي الجواهر العقلية. ### | حقيقة الملائكة # وأما أهل الملل ومن علم ما أخبر الله به من صفات الملائكة، فيعلمون قطعا ~~أن الملائكة ليست هذه المجردات التي يثبتها هؤلاء، من وجوه كثيرة قد بسطت ~~في غير هذا الموضع؛ فإن الملائكة مخلوقون من نور، كما أخبر بذلك النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح. (3) PageV02P533 # وهم كما قال الله تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون ~~- لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون - يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا ~~يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون - ومن يقل منهم إني إله من دونه ~~فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين} [سورة الأنبياء: 26 - 29] . # وقد أخبر الله عن الملائكة أنهم أتوا إبراهيم ولوطا في صورة البشر حتى ~~قدم لهم إبراهيم العجل، وكان جبريل عليه السلام يأتي النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - في صورة دحية الكلبي (1) . وأتاه (2) مرة في صورة أعرابي حتى رآه ~~الصحابة (3) ، وقد رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - في PageV02P534 # صورته التي خلق عليها مرتين (1) :: مرة بين السماء والأرض، ومرة في ~~السماء عند سدرة المنتهى (2) . PageV02P535 # والملائكة تنزل إلى ms0508 الأرض ثم تصعد (1) إلى السماء، كما تواترت (2) بذلك ~~النصوص. وقد أنزلها [الله] (3) يوم بدر ويوم حنين ويوم الخندق لنصر رسوله ~~والمؤمنين (4) ، كما قال تعالى: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم ~~بألف من الملائكة مردفين} [سورة الأنفال: 9] ، وقال: {ثم أنزل الله سكينته ~~على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها} [سورة التوبة: 26] ، وقال: ~~{فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها} [سورة الأحزاب: 9] ، وقال: {أم ~~يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون} [سورة الزخرف: ~~80] ، وقال: {حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون} (5) ~~[سورة الأنعام: 71] ، وقال الله تعالى: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا ~~الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم} [سورة الأنفال: 50] ، {ولو ترى إذ ~~الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم} [سورة ~~الأنعام: 93] . # ومثل هذا في القرآن كثير يعلم ببعضه أن ما وصف (الله) به (6) الملائكة ~~PageV02P536 # يوجب العلم الضروري أنها ليست (1) ما يقوله: هؤلاء في العقول والنفوس، ~~سواء قالوا: إن العقول عشرة والنفوس تسعة، كما هو المشهور عندهم، أو قالوا: ~~غير ذلك. (2) وليست الملائكة أيضا القوى العالمة (3) التي في النفوس كما قد ~~يقولونه، بل جبريل عليه السلام (4) ملك (5) منفصل عن الرسول يسمع كلام الله ~~من الله وينزل به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما دل على ذلك ~~النصوص والإجماع من المسلمين. (6) وهؤلاء يقولون: إن جبريل هو العقل ~~الفعال، (7) أو هو ما يتخيل في (8) نفس النبي - صلى الله عليه وسلم - من ~~الصور الخيالية، وكلام الله ما يوجد في نفسه كما يوجد في نفس النائم (9) . ~~PageV02P537 # وهذا مما يعلم كل من له علم بما جاء به الرسول (1) أنه من أعظم الأمور ~~تكذيبا للرسول، ويعلم أن هؤلاء أبعد عن متابعة رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - من كفار اليهود والنصارى، وهذا مبسوط في مواضع. والمقصود هنا الكلام ~~على مجامع ما يعرف به ما أشار إليه هذا من عقائد المسلمين واختلافهم. # فإذا عرف تنازع النظار في حقيقة الجسم، فلا ريب أن الله سبحانه ليس مركبا ~~من الأجزاء المنفردة، ولا ms0509 من المادة والصورة، ولا يقبل سبحانه التفريق ~~والانفصال (2) ولا كان متفرقا فاجتمع، بل هو سبحانه أحد صمد لم يلد ولم ~~يولد، ولم يكن له كفوا أحد. # فهذه المعاني المعقولة من التركيب كلها منتفية عن الله تعالى، لكن ~~المتفلسفة ومن وافقهم تزيد على ذلك وتقول: (3) إذا كان موصوفا بالصفات كان ~~مركبا، وإذا كانت له حقيقة ليست هي مجرد الوجود كان مركبا. # فيقول لهم المسلمون المثبتون للصفات: النزاع ليس في لفظ " المركب "، فإن ~~هذا اللفظ إنما يدل على مركب ركبه غيره، ومعلوم أن عاقلا لا يقول: (4) إن ~~الله تعالى مركب بهذا الاعتبار. # وقد يقال: لفظ " المركب " على ما كانت أجزاؤه متفرقة فجمع: إما جمع ~~PageV02P538 # امتزاج، وإما غير امتزاج كتركيب الأطعمة والأشربة والأدوية والأبنية ~~واللباس من أجزائها. ومعلوم نفي هذا التركيب عن الله، ولا نعلم عاقلا يقول ~~إن الله تعالى مركب بهذا الاعتبار. # وكذلك التركيب بمعنى أنه مركب من الجواهر المنفردة، أو من المادة والصورة ~~- وهو التركيب الجسمي عند من يقول به (1) - وهذا أيضا منتف عن الله تعالى. ~~والذين قالوا: إن الله جسم، قد يقول بعضهم: إنه مركب هذا التركيب، وإن كان ~~كثير منهم - بل أكثرهم - ينفون ذلك، ويقولون: إنما نعني بكونه جسما أنه ~~موجود أو أنه (2) قائم بنفسه، أو أنه يشار إليه، أو نحو ذلك. لكن بالجملة ~~هذا التركيب وهذا التجسيم يجب تنزيه الله تعالى (3) عنه. # وأما كونه سبحانه ذاتا (4) مستلزمة لصفات الكمال، له علم وقدرة وحياة ~~فهذا لا يسمى مركبا (5) فيما يعرف من اللغات. وإذا سمى مسم (6) هذا مركبا ~~(7) لم يكن النزاع معه في اللفظ، بل في المعنى العقلي. ومعلوم أنه لا دليل ~~على نفي هذا، كما قد بسط في موضعه، بل الأدلة العقلية توجب إثباته. ~~PageV02P539 # ولهذا كان جميع العقلاء مضطرين إلى إثبات معان متعددة لله تعالى، ~~فالمعتزلي يسلم أنه حي عالم قادر، ومعلوم أن كونه جسما ليس هو معنى كونه ~~عالما، ومعنى كونه عالما ليس معنى كونه قادرا. # والمتفلسف يقول إنه عاقل ومعقول وعقل، ولذيذ ومتلذذ ولذة، وعاشق ومعشوق ~~وعشق ms0510 (1) ، ومعلوم بصريح العقل أن كونه يحب ليس (هو) كونه يعلم، وكونه ~~محبوبا معلوما ليس (هو) معنى كونه (محبا) عالما، (2) (والمتفلسف يقول: معنى ~~" كونه " عالما) (3) هو معنى كونه قادرا مؤثرا فاعلا، وذلك هو نفس ذاته، ~~فيجعل العلم هو القدرة وهو الفعل، ويجعل القدرة هي (4) القادر، والعلم هو ~~العالم، والفعل هو الفاعل. # (وبعض متأخريهم - وهو الطوسي - ذكر في " شرح كتاب الإشارات " أن العلم هو ~~المعلوم (5) ومعلوم PageV02P540 # فساد) (1) هذه الأقوال بصريح العقل، ومجرد تصورها التام يكفي في العلم ~~بفسادها. ### | عمدة النفاة دليل التركيب # وهؤلاء فروا من معنى التركيب، (2) وليس لهم قط حجة على نفي مسمى التركيب ~~بجميع هذه المعاني، بل عمدتهم أن المركب مفتقر إلى أجزائه، وأجزاؤه غيره، ~~والمفتقر إلى غيره لا يكون واجبا بنفسه. (وربما قالوا: الصفة مفتقرة إلى ~~محل، والمفتقر إلى محل لا يكون واجبا بنفسه 3) (3) بل يكون معلولا. # وهذا الحجة ألفاظها كلها مجملة (4) فلفظ " الواجب بنفسه " يراد به ~~PageV02P541 # الذي لا فاعل له فليس له علة فاعلة، ويراد به الذي لا يحتاج إلى شيء ~~مباين له، ويراد به القائم بنفسه الذي لا يحتاج إلى مباين له. # وعلى الأول والثاني فالصفات واجبة الوجود، (1 وعلى الثالث فالذات ~~الموصوفة بالصفات هي الواجبة، والصفة وحدها لا يقال: إنها واجبة الوجود. # ويراد به ما لا تعلق له بغيره، وهذا لا وجود له في الخارج 1) . (1) ~~والبرهان إنما قام على أن الممكنات لها فاعل واجب الوجود قائم (2) بنفسه أي ~~غني عما سواه، والصفة ليست هي الفاعل. # وقوله: " إذا كانت له ذات وصفات كان مركبا، والمركب مفتقر إلى أجزائه، ~~وأجزاؤه غيره ". # فلفظ " الغير " مجمل، يراد بالغير المباين، فالغيران (3) ما جاز مفارقة ~~أحدهما الآخر بزمان أو مكان أو وجود، وهذا اصطلاح الأشعرية ومن وافقهم من ~~الفقهاء أتباع الأئمة الأربعة، ويراد بالغيرين (4) ما ليس أحدهما الآخر أو ~~ما جاز (5) العلم بأحدهما مع الجهل بالآخر، وهذا اصطلاح طوائف من المعتزلة ~~والكرامية وغيرهم. # وأما السلف كالإمام أحمد وغيره فلفظ " الغير " عندهم يراد به هذا ويراد ~~به هذا، ولهذا لم يطلقوا القول بأنه علم ms0511 الله غيره، ولا أطلقوا القول بأنه ~~PageV02P542 # ليس غيره، ولا يقولون (لا) هو هو ولا هو غيره، (1) بل يمتنعون عن إطلاق ~~اللفظ (2) المجمل نفيا وإثباتا لما فيه من التلبيس، فإن الجهمية يقولون: ما ~~سوى الله مخلوق وكلامه غيره فيكون مخلوقا، فقال أئمة السنة: إذا أريد ~~بالغير والسوى ما هو مباين له، فلا يدخل علمه وكلامه في لفظ الغير والسوى، ~~كما لم يدخل في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «من حلف بغير الله فقد ~~أشرك» ". وقد ثبت في السنة جواز الحلف بصفاته كعزته وعظمته، (3) فعلم أنها ~~لا تدخل في مسمى الغير عند الإطلاق، وإذا أريد بالغير أنه ليس هو إياه فلا ~~ريب أن العلم ليس هو العالم. والكلام ليس هو المتكلم. # وكذلك لفظ (الافتقار يراد به) افتقار المفعول إلى فاعله (4) ونحو ذلك، ~~ويراد به التلازم بمعنى أنه لا يوجد أحدهما إلا مع الآخر، وإن لم يكن ~~أحدهما مؤثرا في الآخر، كالأمور المتضايفة: مثل الأبوة والبنوة. # والمركب قد عرف ما فيه من الاشتراك، فإذا قال القائل: لو كان عالما لكان ~~مركبا من ذات وعلم، فليس المراد به أن هذين كانا مفترقين فاجتمعا، ولا أنه ~~يجوز مفارقة أحدهما الآخر، (5) بل المراد أنه إذا كان عالما فهناك ذات وعلم ~~قائم بها. # وقوله: " والمركب مفتقر إلى أجزائه " فمعلوم أن افتقار المجموع إلى ~~PageV02P543 # أبعاضه ليس بمعنى أن أبعاضه فعلته (1) أو وجدت دونه وأثرت فيه، بل بمعنى ~~(2) أنه لا يوجد إلا بوجود المجموع، ومعلوم أن الشيء لا يوجد إلا بوجود ~~نفسه. # وإذا قيل: هو مفتقر إلى نفسه بهذا المعنى لم يكن هذا (3) ممتنعا، بل هذا ~~هو الحق، فإن نفس الواجب لا يستغني عن نفسه. # وإذا قيل: هو واجب بنفسه، فليس المراد أن نفسه (4) أبدعت وجوبه (5) ، بل ~~المراد أن نفسه موجودة بنفسها لم تفتقر إلى غيره في ذلك، ووجوده واجب لا ~~يقبل العدم بحال. # فإذا قيل مثلا: العشرة مفتقرة إلى العشرة (6) ، لم يكن في هذا افتقار لها ~~إلى غيرها. وإذا قيل: هي مفتقرة إلى الواحد الذي هو جزؤها ms0512، لم يكن افتقارها ~~إلى بعضها بأعظم (7) من افتقارها إلى المجموع التي هي هو. # وإذا لم يكن ذلك ممتنعا بل هو الحق، فإنه لا يوجد (8 المجموع إلا ~~بالمجموع، فكيف يمتنع أن يقال: لا يوجد 8) (8) المجموع إلا بوجود جزئه. ~~PageV02P544 # والدليل إنما دل على أن الممكنات لها مبدع واجب بنفسه خارج عنها، أما كون ~~ذلك المبدع مستلزما لصفاته، أو لا يوجد إلا متصفا بصفات الكمال، فهذا لم ~~تنفه حجة أصلا (1) ، ولا هذا التلازم - سواء سمي فقرا أو لم يسم - مما ينفي ~~كون المجموع واجبا قديما أزليا لا يقبل العدم بحال. # وأيضا، فتسمية الصفات القائمة بالموصوف جزءا له ليس هو من اللغة المعروفة ~~وإنما (2) هو اصطلاح لهم، كما سموا (3) الموصوف مركبا، (4 بخلاف تسمية ~~الجزء صفة، فإن هذا موجود في كلام كثير من الأئمة والنظار كالإمام أحمد ~~وابن كلاب وغيرهما 4) (4) ، وإلا فحقيقة الأمر أن الذات المستلزمة للصفة لا ~~توجد إلا وهي متصفة بالصفة، وهذا حق. وإذا تنزل إلى اصطلاحهم المحدث وسمى ~~هذا جزءا، فالمجموع لا يوجد إلا بوجود جزئه الذي هو بعضه. # وإذ قيل: هو مفتقر إلى بعضه، لم يكن هذا إلا دون قول القائل: هو مفتقر ~~إلى نفسه الذي هو المجموع، وإذا كان لا محذور فيه فهذا أولى. # وإذا قيل: جزؤه (5) غيره، والواجب لا يفتقر إلى غيره. # قيل: إن أردت أن جزأه مباين له وأنه يجوز مفارقة أحدهما الآخر بوجه من ~~الوجوه، فهذا باطل، فليس جزؤه غيره (6) بهذا التفسير، وإن أردت PageV02P545 # أنه يمكن العلم بأحدهما دون العلم بالآخر، كما نعلم (1) أنه قادر قبل ~~العلم بأنه عالم، ونعلم الذات قبل العلم بصفاتها، فهو غيره بهذا التفسير. ~~وقد علم بصريح العقل أنه لا بد من إثبات معان هي أغيار (2) بهذا التفسير، ~~وإلا فكونه قائما بنفسه ليس هو كونه عالما، وكونه عالما ليس هو (3) كونه ~~حيا، وكونه حيا ليس هو (4) كونه قادرا، ومن جعل هذه الصفة هي الأخرى، وجعل ~~الصفات كلها هي الموصوف، فقد انتهى في السفسطة إلى الغاية، وليس هذا إلا ~~كمن قال: السواد هو البياض ms0513، والسواد والبياض هو الأسود والأبيض. # ثم هؤلاء الذين نفوا المعاني التي يتصف بها كلهم متناقضون يجمعون في ~~قولهم بين النفي والإثبات، وقد جعلوا هذا أساس التعطيل والتكذيب بما علم ~~بصريح المعقول وصحيح المنقول. # فالذين ينفون علمه بالأشياء يقولون: لئلا يلزم التكثر (5) . والذين ينفون ~~علمه بالجزئيات يقولون: لئلا يلزم التغير، فيذكرون لفظ " التكثر " و " ~~التغير " وهما لفظان مجملان: يتوهم السامع أنه تتكثر الآلهة، أو أن (6) ~~الرب يتغير ويستحيل من حال إلى حال، كما يتغير الإنسان إما بمرض وإما ~~بغيره، وكما تتغير الشمس إذا اصفر لونها، ولا يدري أنه عندهم (7) ~~PageV02P546 # إذا أحدث ما لم يكن محدثا سموه تغيرا، وإذا سمع دعاء عباده (1) سموه ~~تغيرا، وإذا رأى ما خلقه سموه تغيرا، وإذا كلم موسى بن عمران سموه تغيرا، ~~وإذا رضي عمن أطاعه وسخط على من عصاه سموه تغيرا، إلى أمثال (2) هذه ~~الأمور. # ثم إنهم ينفون ذلك من غير دليل (3) أصلا، فإن الفلاسفة يجوزون أن يكون ~~القديم محلا للحوادث، (لكن) من نفى منهم ما (نفاه) (4) فإنما هو لنفيه ~~الصفات مطلقا، وكذلك المعتزلة. ولهذا كان الحاذق (5) من هؤلاء وهؤلاء كأبي ~~الحسين البصري وأبي البركات صاحب " المعتبر " وغيرهما قد خالفوهم في ذلك، ~~وبينوا أنه ليس لهم دليل عقلي ينفي ذلك، وأن الأدلة العقلية والشرعية توجب ~~ثبوت ذلك، وهذا كله قد بسط في موضع آخر. # والمقصود هنا أن من نفى الجسم وأراد به نفي التركيب من الجواهر المفردة ~~(6) أو من المادة والصورة فقد أصاب في المعنى، ولكن منازعوه يقولون: هذا ~~الذي قلته ليس هو مسمى الجسم في اللغة، ولا هو أيضا حقيقة الجسم الاصطلاحي، ~~(7 فإن الجسم ليس مركبا لا من هذا ولا من هذا، وهو يقول: هذا حقيقة الجسم ~~الاصطلاحي 7) (7) . PageV02P547 # وإذا كان منازعوه من (لا) ينفي (1) التركيب من هذا وهذا، فالفريقان ~~متفقان على تنزيه الرب عن ذلك، لكن أحدهما يقول: نفي لفظ (2) الجسم لا يفيد ~~هذا التنزيه، وإنما يفيده لفظ التركيب ونحوه (3) ، والآخر يقول: بل (نفي) ~~(4) لفظ الجسم يفيد هذا التنزيه. # ومن قال: هو جسم، فالمشهور عن ms0514 نظار الكرامية وغيرهم ممن يقول: هو جسم، ~~أنه يفسر ذلك بأنه الموجود أو القائم بنفسه، لا بمعنى المركب. # وقد اتفق الناس على أن من قال: إنه جسم، وأراد هذا المعنى، فقد أصاب في ~~المعنى، لكن إنما يخطئه من يخطئه في اللفظ. # أما من يقول: الجسم هو المركب، فيقول: أخطأت (حيث) (5) استعملت لفظ " ~~الجسم " في القائم بنفسه أو الموجود. # وأما من (لا) (6) يقول بأن كل جسم مركب، فيقول: تسميتك لكل موجود أو قائم ~~بنفسه جسما ليس هو موافقا للغة العرب المعروفة، ولا تكلم بهذا اللفظ أحد من ~~السلف والأئمة، ولا قالوا (7) : إن الله جسم، PageV02P548 # فأنت مخطئ في اللغة والشرع، وإن كان المعنى الذي أردته صحيحا. # فيقول: أنا تكلمت (1) بالاصطلاح الكلامي، فإن الجسم عند النظار من ~~المتكلمين والفلاسفة هو ما يشار إليه، ثم ادعى طائفة منهم أن كل ما كان ~~كذلك فهو مركب من الجواهر المنفردة أو من المادة والصورة، ونازعهم طائفة ~~أخرى في هذا المعنى، وقالوا: ليس كل ما يشار إليه هو مركب لا (2) من هذا ~~ولا من هذا، فإذا أقام صاحب هذا القول دليلا عقليا على نفي تركيب المشار ~~إليه خصم منازعيه، إلا من يقول: إن أسماء الله تعالى توقيفية فيقول له: ليس ~~لك أن تسميه بذلك. # وأما أهل السنة المتبعون للسلف فيقولون: كلكم مبتدعون في اللغة والشرع ~~حيث سميتم كل ما يشار إليه جسما، فهذا اصطلاح لا يوافق اللغة، ولم يتكلم به ~~أحد من سلف الأمة. # قال المدعون أن الجسم هو المركب: بل قولنا موافق للغة، والجسم في اللغة ~~هو المؤلف المركب، والدليل (3) على ذلك أن العرب تقول: هذا أجسم من هذا عند ~~زيادة الأجزاء، والتفضيل إنما يقع بعد الاشتراك في الأصل، فعلم أن لفظ ~~الجسم عندهم هو المركب، وكلما (4) زاد التركيب قالوا: أجسم. ### | بطلان القول بأن العرب أطلقوا اسم الجنس على المركب من الأجزاء من وجوه # فيقال: لهم أما كون العرب تقول لما كان أغلظ من غيره أجسم فهذا ~~PageV02P549 # صحيح، (مع أن بعض أهل اللغة أنكروا هذا) (1) . وأما ms0515 دعواكم أنهم يقولون ~~هذا (2) لأن الجسم مركب من الأجزاء المفردة، وكل ما يشار إليه فهو مركب ~~فيسمونه جسما، فهذه دعوى باطلة عليهم من وجوه: أحدها: أنه قد علم (3) بنقل ~~الثقات عنهم والاستعمال الموجود في كلامهم أنهم لا يسمون كل ما يشار إليه ~~جسما، ولا يقولون للهواء اللطيف جسما، (4) وإنما يستعملون لفظ " الجسم " ~~كما يستعملون لفظ الجسد، وهكذا نقل عنهم أهل العلم بلسانهم كالأصمعي وأبي ~~زيد الأنصاري وغيرهما، كما (5) نقله الجوهري في " صحاحه " وغير الجوهري، ~~(6) فلفظ " الجسم " عندهم يتضمن معنى الغلظ والكثافة، لا معنى كونه يشار ~~إليه. # الوجه الثاني: أنهم لم يقصدوا بذلك كونه مركبا من الجواهر المفردة (7) أو ~~من المادة والصورة، بل لم يخطر هذا بقلوبهم، بل إنما قصدوا معنى الكثافة ~~والغلظ. وأما كون الكثافة والغلظ تكون بسبب كثرة الجواهر المفردة، (8) أو ~~بسبب كون الشيء في نفسه غليظا كثيفا، كما يكون حارا وباردا وإن لم تكن ~~حرارته وبرودته (9) بسبب كونه مركبا من PageV02P550 # الجواهر الفردة، فالجسم له قدر وصفات، وليست صفاته لأجل الجواهر، فكذلك ~~قدره. فهذا ونحوه من البحوث العقلية الدقيقة لم تخطر ببال عامة من تكلم ~~بلفظ " الجسم " من العرب وغيرهم. # الوجه الثالث: أنه من المعلوم أن اللفظ المشهور في اللغة الذي يتكلم به ~~الخاص والعام ويقصدون معناه لا يجوز أن يكون معناه مما يخفى تصوره على أكثر ~~الناس، ويقف (1) العلم بصحة ذلك المعنى (2) على أدلة دقيقة عقلية، ويتنازع ~~فيها العقلاء، فإن الناطقين به جميعهم متفقون على إرادة المعنى الذي يدل ~~اللفظ عليه في اللغة، (وما كان دقيقا لا يفهمه أكثر الناس لا يكون مراد ~~الناطقين به وكذلك ما كان متنازعا فيه. ولهذا قال من قال من الأصوليين: ~~اللفظ المشهور لا يجوز أن يكون موضوعا لمعنى خفي لا يعلمه إلا خواص الناس، ~~كلفظ " الحركة " ونحوه. ومعلوم أن لفظ " الجسم " مشهور في لغة العرب) (3) ، ~~مع عدم تصور أكثرهم للتركيب، وعدم علمهم بدليل التركيب، وإنكار كثير منهم ~~للتركيب من الجواهر الفردة والمادة والصورة. وهذا مما يعلم به قطعا أنه ليس ~~موضوعه في ms0516 اللغة ما تنازع فيه النظار، ومعرفته تتوقف (4) على النظر والأدلة ~~الخفية. PageV02P551 # الوجه (1) الرابع: أنهم لو قصدوا التركيب (2) فإنما قصدوه فيما كان غليظا ~~كثيفا، فدعوى المدعي عليهم أنهم يسمون كل ما يشار إليه جسما، ويقولون مع ~~ذلك: إنه مركب دعوتان باطلتان. # وجمهور المسلمين الذين يقولون: ليس بجسم، يقولون: من قال: إنه جسم وأراد ~~بذلك أنه موجود أو قائم بنفسه (أو نحو ذلك، أو قال: إنه جوهر وأراد بذلك ~~أنه قائم بنفسه) (3) فهو مصيب في المعنى، لكن أخطأ في اللفظ. # وأما إذا أثبت (4) أنه مركب من الجواهر الفردة (5) ونحو ذلك فهو مخطئ في ~~المعنى، وفي تكفيره نزاع بينهم. # ثم القائلون بأن الجسم مركب من الجواهر الفردة (6) قد تنازعوا في مسماه، ~~فقيل: الجوهر الواحد بشرط انضمام غيره إليه يكون جسما وهو قول القاضي أبي ~~بكر والقاضي أبي يعلى وغيرهما. (7) وقيل: بل الجوهران فصاعدا. وقيل: بل ~~أربعة فصاعدا. وقيل: بل ستة فصاعدا. وقيل: بل ثمانية فصاعدا. وقيل: بل ستة ~~عشر. وقيل: بل اثنان وثلاثون. وقد ذكر عامة هذه الأقوال الأشعري في كتاب " ~~مقالات الإسلامين ن (8) واختلاف المصلين " (9) . PageV02P552 # فقد تبين أن في هذا اللفظ من المنازعات اللفظية (1) اللغوية والاصطلاحية ~~والعقلية والشرعية ما يبين أن الواجب على المسلمين الاعتصام بالكتاب ~~والسنة، كما أمرهم الله تعالى بذلك في قوله: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا ~~تفرقوا} [سورة آل عمران: 103] ، وقوله تعالى: {المص - كتاب أنزل إليك فلا ~~يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين - اتبعوا ما أنزل إليكم من ~~ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون} [سورة الأعراف: 1 - 3] ، ~~وقوله: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن ~~سبيله} [سورة الأنعام: 153] ، وقوله: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله ~~النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما ~~اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا ~~بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من ~~يشاء إلى صراط مستقيم} [سورة البقرة ms0517: 213] ، وقوله: {ياأيها الذين آمنوا ~~أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى ~~الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا - ~~ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون ~~أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ~~ضلالا بعيدا - وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت ~~المنافقين يصدون عنك صدودا} [سورة PageV02P553 # النساء: 59 - 61] ، وقوله: {فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ~~ولا يشقى - ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى - ~~قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا - قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك ~~اليوم تنسى} [سورة طه: 123 - 126] . قال ابن عباس رضي الله عنهما: تكفل ~~الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، ~~ثم قرأ هذه الآية، ومثل هذا كثير من الكتاب والسنة، وهذا مما اتفق عليه سلف ~~الأمة وأئمتها. ### | القاعدة الواجب اتباعها في مسألة الصفات # فالواجب أن ينظر في هذا الباب، فما أثبته الله ورسوله أثبتناه، وما نفاه ~~الله ورسوله نفيناه، والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات ~~والنفي، فنثبت ما أثبتته النصوص من الألفاظ والمعاني. وننفي ما نفته (1) ~~النصوص من الألفاظ والمعاني. وأما الألفاظ التي تنازع فيها من ابتدعها من ~~المتأخرين، مثل لفظ " الجسم " و " الجوهر " (2) و " المتحيز " و " الجهة " ~~ونحو ذلك فلا تطلق نفيا ولا إثباتا حتى ينظر في مقصود قائلها، فإن كان قد ~~أراد بالنفي والإثبات معنى صحيحا موافقا لما أخبر به الرسول صوب المعنى ~~الذي قصده بلفظه، ولكن ينبغي أن يعبر عنه بألفاظ النصوص، لا يعدل (3) إلى ~~هذه الألفاظ المبتدعة المجملة إلا عند الحاجة، مع قرائن تبين المراد بها، ~~والحاجة مثل أن يكون الخطاب مع من لا يتم المقصود معه إن لم يخاطب بها، ~~وأما إن أريد (4) بها معنى باطل نفي ذلك المعنى، PageV02P554 # وإن جمع ms0518 بين حق وباطل، أثبت الحق وأبطل الباطل. # وإذا اتفق شخصان على معنى وتنازعا هل يدل ذلك اللفظ عليه أم لا، عبر عنه ~~بعبارة يتفقان على المراد بها، وكان أقربهما إلى الصواب من وافق اللغة ~~المعروفة، كتنازعهم في لفظ " المركب " هل يدخل فيه الموصوف بصفات تقوم به، ~~وفي لفظ " الجسم " هل مدلوله في اللغة المركب أو الجسد أو نحو ذلك. # وأما لفظ " المتحيز " فهو في اللغة اسم لما يتحيز إلى غيره، كما قال ~~تعالى: {ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة} [سورة ~~الأنفال: 16] ، وهذا لا بد أن يحيط به حيز وجودي، ولا بد أن ينتقل من حيز ~~إلى حيز، ومعلوم أن الخالق جل جلاله لا يحيط به شيء من مخلوقاته، فلا يكون ~~متحيزا بهذا المعنى اللغوي. # وأما أهل الكلام فاصطلاحهم في المتحيز أعم من هذا، فيجعلون كل جسم ~~متحيزا، والجسم عندهم ما يشار إليه، فتكون السماوات والأرض وما بينهما (1) ~~متحيزا على اصطلاحهم، وإن لم يسم ذلك متحيزا في اللغة. # والحيز تارة يريدون به معنى موجودا وتارة يريدون به معنى معدوما، ويفرقون ~~بين مسمى الحيز ومسمى المكان، فيقولون: المكان أمر وجودي (2) ، والحيز ~~تقدير مكان عندهم. فمجموع الأجسام ليست في شيء موجود، فلا تكون في مكان، ~~وهي عندهم متحيزة. ومنهم من PageV02P555 # يتناقض (1) فيجعل الحيز تارة موجودا وتارة معدوما، كالرازي (2) وغيره، ~~كما (قد) (3) بسط الكلام على ذلك في غير هذا الموضع. # فمن تكلم باصطلاحهم وقال: إن الله متحيز بمعنى (أنه) (4) أحاط به شيء من ~~الموجودات فهذا مخطئ، فهو سبحانه بائن من خلقه، وما ثم موجود إلا الخالق ~~والمخلوق. وإذا كان الخالق بائنا عن المخلوق امتنع أن يكون الخالق في ~~المخلوق، وامتنع أن يكون متحيزا بهذا الاعتبار. " # وإن أراد بالحيز أمرا عدميا فالأمر العدمي لا شيء، وهو سبحانه بائن عن ~~(5) خلقه، فإذا سمى العدم الذي فوق العالم حيزا، وقال: يمتنع أن يكون فوق ~~العالم لئلا يكون متحيزا، فهذا معنى باطل لأنه ليس هناك موجود غيره حتى ~~يكون فيه وقد علم بالعقل ms0519 والشرع أنه بائن عن (6) خلقه، كما قد بسط في غير ~~هذا الموضوع. # وهما مما احتج به سلف الأمة وأئمتها على الجهمية - كما احتج به الإمام ~~أحمد في رده على الجهمية - وعبد العزيز الكناني (7) وعبد الله بن ~~PageV02P556 # سعيد بن كلاب والحارث المحاسبي وغيرهم، وبينوا (1) أنه سبحانه كان موجودا ~~قبل أن يخلق السماوات والأرض، فلما خلقهما (2) فإما (3) أن يكون قد دخل ~~فيهما (4) أو دخلت فيه، وكلاهما ممتنع، فتعين أنه بائن عنهما (5) وقرروا ~~ذلك بأنه يجب أن يكون مباينا لخلقه أو مداخلا له. # والنفاة يدعون وجود موجود لا يكون مباينا لغيره (6) ولا مداخلا له، (7) ~~وهذا ممتنع في بداية العقول، لكن يدعون أن القول بامتناع ذلك هو من حكم ~~الوهم لا من حكم العقل. ثم إنهم تناقضوا فقالوا: لو كان فوق العرش لكان ~~جسما، لأنه لا بد أن يتميز ما يلي هذا الجانب عما يلي هذا الجانب. # فقال لهم أهل الإثبات: معلوم بضرورة العقل أن إثبات موجود فوق العالم ليس ~~بجسم، أقرب إلى العقل من إثبات موجود قائم بنفسه ليس بمباين للعالم ولا ~~بمداخل له، فإن جاز إثبات الثاني فإثبات الأول أولى. # وإذا قلتم: نفي هذا الثاني من حكم الوهم الباطل؛ قيل لكم: (8) فنفي الأول ~~أولى أن يكون من حكم الوهم الباطل. PageV02P557 # وإن قلتم: إن نفي الأول من حكم العقل المقبول ; فنفي الثاني أولى أن يكون ~~من حكم العقل المقبول. # وقد بسط الكلام على هذه الأمور في غير هذا الموضع، والمقصود هنا التنبيه. # وكذلك الكلام في لفظ " الجهة " فإن مسمى لفظ الجهة يراد به أمر وجودي (1) ~~كالفلك الأعلى، ويراد به أمر عدمي كما وراء العالم. # فإذا أريد الثاني (أمكن) (2) أن يقال: كل جسم في جهة. وإذا أريد الأول ~~امتنع أن يكون كل جسم في جسم آخر. # فمن قال: الباري في جهة، وأراد بالجهة أمرا موجودا، فكل ما سواه مخلوق ~~له، (ومن قال: إنه) (3) في جهة بهذا التفسير فهو مخطئ. # وإن أراد بالجهة أمرا عدميا، وهو ما فوق العالم، وقال: إن الله فوق ~~العالم، فقد ms0520 أصاب. وليس فوق العالم موجود غيره، فلا يكون سبحانه في شيء من ~~الموجودات. # وأما إذا فسرت (4) الجهة بالأمر العدمي، فالعدم (5) لا شيء. # وهذا ونحوه من الاستفسار، وبيان ما يراد باللفظ من معنى صحيح وباطل يزيل ~~عامة الشبه. # فإذا قال نافي الرؤية: لو رؤي لكان في جهة، وهذا ممتنع، فالرؤية ممتنعة. ~~PageV02P558 # قيل له: إن أردت بالجهة أمرا وجوديا، فالمقدمة الأولى ممنوعة، وإن أردت ~~بها أمرا عدميا فالثانية ممنوعة، فيلزم بطلان إحدى المقدمتين على كل تقدير، ~~فتكون الحجة باطلة. # وذلك أنه إن أراد بالجهة أمرا وجوديا، لم يلزم أن يكون كل مرئي في جهة ~~وجودية، فإن سطح العالم الذي هو أعلاه ليس في جهة وجودية، ومع هذا تجوز ~~رؤيته فإنه جسم من الأجسام. فبطل قولهم: كل مرئي لا بد أن يكون في جهة ~~وجودية، (1 إن أراد بالجهة أمرا وجوديا 1) . (1) وإن أراد بالجهة أمرا ~~عدميا منع المقدمة الثانية، فإنه إذا قال: الباري ليس في جهة عدمية، وقد ~~علم أن العدم ليس بشيء، كان حقيقة قوله: إن الباري لا يكون موجودا قائما ~~بنفسه، حيث لا موجود إلا هو، وهذا باطل. # وإن قال: هذا يستلزم (2) أن يكون جسما أو متحيزا، عاد الكلام معه في مسمى ~~الجسم والمتحيز. (3) فإن قال: هذا يستلزم أن يكون مركبا من الجواهر ~~المنفردة، أو من المادة والصورة، وغير ذلك من المعاني الممتنعة على الرب، ~~لم يسلم له هذا التلازم. # وإن قال: يستلزم أن يكون الرب مشارا إليه ترفع الأيدي إليه في الدعاء (4) ~~، وتعرج الملائكة والروح إليه، وعرج بمحمد - صلى الله عليه PageV02P559 # وسلم - إليه (1) ، وتنزل الملائكة من عنده، وينزل (2) منه القرآن، ونحو ~~ذلك من اللوازم التي نطق بها الكتاب والسنة وما كان في معناها. # قيل له: لا نسلم انتفاء هذه اللوازم. (3) فإن قال: ما استلزم هذه اللوازم ~~فهو جسم. # قيل: إن أردت أنه يسمى جسما في اللغة أو في الشرع (4) ، فهذا باطل. # وإن أردت أنه يكون جسما مركبا من المادة والصورة، أو من الجواهر المفردة ~~(5) ، فهذا أيضا ممنوع في العقل، فإن ما ms0521 هو جسم باتفاق العقلاء - كالأحجار ~~(6) - لا نسلم أنه (7) مركب بهذا الاعتبار، كما قد بسط في موضعه، فما الظن ~~بغير ذلك! ؟ # وتمام ذلك بمعرفة البحث العقلي في تركيب الجسم الاصطلاحي من هذا وهذا، ~~وقد بسط في غير هذا الموضع، وبين فيه (8) أن قول هؤلاء وهؤلاء باطل مخالف ~~للأدلة العقلية القطعية، ولكن هذا الإمامي لم يذكر هنا من الأدلة ما يصل به ~~إلى آخر البحث، وقد ذكر في كلامه ما يناسب PageV02P560 # هذا الموضع، ومن شرع في تقرير ما ذكره بالمقدمات الممنوعة (1) ، شرع معه ~~في نقضها وإبطالها بمثل ذلك، ولكل مقام مقال. # وقد بسط الكلام على هذه الأمور في موضع، وبين أن ما تنفيه نفاة الصفات ~~التي نطق بها الكتاب والسنة في (2) علو الله سبحانه وتعالى على خلقه وغير ~~ذلك، كما أنه لم ينطق بما ذكروه (3) كتاب الله ولا سنة رسوله (4) ، ولا قال ~~بقولهم أحد من المرسلين ولا الصحابة والتابعين، ولم يدل (5) عليه أيضا دليل ~~عقلي، بل الأدلة العقلية الصريحة موافقة للأدلة السمعية الصحيحة، ولكن ~~هؤلاء ضلوا بألفاظ متشابهة ابتدعوها، ومعان عقلية لم يميزوا بين حقها ~~وباطلها. # وجميع البدع: كبدع الخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية، لها شبه في نصوص ~~الأنبياء، بخلاف بدع (6) الجهمية النفاة، فإنه ليس معهم فيها دليل سمعي ~~أصلا، ولهذا كانت آخر البدع حدوثا في الإسلام، ولما حدثت (أطلق) السلف ~~والأئمة (7) القول بتكفير أهلها لعلمهم بأن حقيقة قولهم تعطيل الخالق، ~~ولهذا يصير محققوهم إلى مثل قول. (8) فرعون مقدم المعطلة، بل وينتصرون له ~~ويعظمونه PageV02P561 # وهؤلاء المعطلة ينفون نفيا مفصلا، ويثبتون شيئا مجملا يجمعون فيه (1) بين ~~النقيضين. وأما الرسل صلوات الله (وسلامه) (2) عليهم أجمعين فيثبتون إثباتا ~~مفصلا وينفون نفيا مجملا: يثبتون (لله) (3) الصفات على (وجه) (4) التفصيل، ~~وينفون عنه التمثيل. # وقد علم أن التوراة مملوءة بإثبات الصفات التي تسميها النفاة تجسيما، ومع ~~هذا فلم ينكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه على اليهود شيئا من ~~ذلك، ولا قالوا: أنتم مجسمون. (5) بل كان أحبار اليهود إذا ذكروا عند النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - شيئا من ms0522 الصفات أقرهم الرسول على ذلك (6) وذكر ما ~~يصدقه، كما في حديث الحبر الذي ذكر له إمساك الرب سبحانه وتعالى للسماوات ~~والأرض المذكور في تفسير قوله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره} الآية [سورة ~~الزمر: 67] . # وقد ثبت ما يوافق حديث الحبر في الصحاح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~من غير وجه من حديث ابن عمر وأبي هريرة وغيرهما. (7) PageV02P562 # ولو قدر بأن النفي حق (1) ، فالرسل لم تخبر به ولم توجب على الناس ~~اعتقاده، (فمن اعتقده وأوجبه) (2) فقد علم بالاضطرار (من دين الإسلام) أن ~~دينه (3) مخالف لدين النبي - صلى الله عليه وسلم - (*) (4) ### | استطراد في مناقشة نفاة الصفات # (فصل) # ومما يبين الأمر في ذلك (5) أن المسلمين متفقون على تنزيه الله تعالى عن ~~العيوب والنقائص وأنه متصف بصفات الكمال، لكن قد ينازعون في بعض الأمور: هل ~~النقص إثباتها أو نفيها؟ وفي طريق العلم بذلك. # فهذا المصنف الإمامي اعتمد على طريق المعتزلة ومن تابعهم من أن الاعتماد ~~في تنزيه الرب عن النقائص على نفي كونه جسما، ومعلوم أن PageV02P563 # هذه الطريقة لم ينطق بها كتاب ولا سنة ولا هي مأثورة عن أحد من السلف، ~~فقد علم أنه لا أصل لها في الشرع، وجمهور أصحابها يسلمون ذلك، لكن يدعون ~~أنها معلومة من جهة العقل. # فقال لهم القادحون في طريقهم: هذا أيضا باطل، فإنه لا يمكن تنزيه الله ~~تعالى عن شيء من النقائص والعيوب لاستلزام ذلك كونه جسما، فإنه ما من صفة ~~يقول القائل: إنها تستلزم التجسيم (1) ، إلا والقول فيما أثبته كالقول فيما ~~نفاه. # وهو لا بد أن يثبت شيئا، وإلا لزم أن ينفي الموجود القديم الواجب بنفسه، ~~وحينئذ فأي صفة قال فيها: إنها لا تكون إلا لجسم، أمكن أن يقال له مثل ذلك ~~فيما أثبته. وإن كانت تلك صفة نقص، فلو أراد أن ينزه الله تعالى عن الجهل ~~والعجز والنوم وغير ذلك، فإن هذه الصفات لا تكون إلا للأجسام ; قيل له: وما ~~تثبته أنت من الأسماء أو الأحكام أو الصفات لا تكون إلا للأجسام. # ولهذا كان من ms0523 رد بهذه الطريق على الواصفين لله بالعيوب والنقائص كلامهم ~~متناقض، ولهذا لم يعتمد الله ولا رسوله ولا أحد من سلف الأمة فيما ينكرونه ~~على اليهود وغيرهم - ممن وصف الله تعالى بشيء من النقائص كالبخل والفقر ~~واللغوب والصاحبة والولد والشريك - على هذه الطريق. # ثم إن كثيرا ممن يسلك هذه الطريق حتى من الصفاتية يقولون: PageV02P564 # إن كون الرب منزها عن النقص متصفا بالكمال مما لا نعرفه بالعقل بل ~~بالسمع، وهو الإجماع الذي استند إليه. # وهؤلاء لا يبقى عندهم طريق عقلي ينزهون الله تعالى به عن شيء من النقائص، ~~والإجماع الذي اعتمدوا عليه إنما ينفع في الجمل دون التفاصيل التي هي (1) ~~محل نزاع بين المسلمين، فإنه يمتنع أن يحتج بالإجماع في موارد النزاع، ثم ~~الإجماع يستندون فيه إلى بعض النصوص، ودلالة النصوص على صفات الكمال أظهر ~~وأكثر وأقطع من دلالة النصوص على كون الإجماع حجة. # وإذا عرف ضعف أصول النفاة للصفات فيما ينزهون عنه الرب، فهؤلاء الرافضة ~~طافوا على أبواب المذاهب، وفازوا بأخس المطالب، فعمدتهم في العقليات على ~~عقليات باطلة، وفي السمعيات على سمعيات باطلة. ولهذا كانوا من أضعف الناس ~~حجة وأضيقهم محجة، وكان الأكابر من أئمتهم متهمين بالزندقة والانحلال، كما ~~يتهم غير واحد من أكابرهم. # والمقصود هنا أن هذا الباب تكلم الناس فيه بألفاظ مجملة مثل التركيب ~~والانقسام والتجزئة والتبعيض ونحو ذلك. والقائل إذا قال: إن الرب تعالى ليس ~~بمنقسم ولا متجزئ ولا متبعض ولا مركب ونحو ذلك، فهذا إذا أريد به ما هو ~~المعروف من معنى ذلك في اللغة، فلا نزاع بين المسلمين أن الله منزه عن ذلك، ~~فلا يجوز أن يقال: إنه مركب من أجزاء متفرقة، سواء قيل: إنه مركب بنفسه أو ~~ركبه غيره، ولا أنه مركب يقبل PageV02P565 # التفريق والتجزئة والتبعيض، وإن لم يكن كان متفرقا فاجتمع، كما يقال ذلك ~~في الأجسام، فإنه سبحانه وإن كان خلق الحيوان والنبات فأنشأه شيئا بعد شيء، ~~لم تكن يد الإنسان ورجله ورأسه متفرقة فجمع بينها (1) ، بل خلق هذه الأعضاء ~~جملة، لكن يمكن تفريق ms0524 بعضها عن بعض، فيمتنع أن يقال: إن الله سبحانه وتعالى ~~يقبل التفريق والتجزئة والتبعيض بهذا الاعتبار. فهذان معنيان متفق عليهما، ~~لا أعلم مسلما له قول في الإسلام قال بخلاف ذلك. # وإن قال: إن المراد بالتركيب أنه مركب من الجواهر المنفردة أو من المادة ~~والصورة، وبالانقسام والتجزئة أنه مشتمل على هذه الأجزاء، فجمهور العقلاء ~~يقولون: إن هذه المخلوقات المشار إليها، كالشمس والقمر والأفلاك والهواء ~~والنار والتراب، ليست مركبة (2) لا هذا التركيب ولا هذا التركيب، وكيف برب ~~العالمين؟ ! # فإنه من المعلوم بصريح العقل أن المخلوق المشار إليه، الذي هو عال على ~~غيره كعلو السماء على الأرض، إذا كان جمهور العقلاء يقولون: إنه ليس مركبا ~~من الأجزاء التي لا تتجزأ - وهي الجواهر المنفردة - عند القائلين بها، ولا ~~من المادة والصورة، كان منعهم أن يكون رب العالمين مركبا من هذا وهذا أولى. # وأما من قال: إن هذه الأعيان المشار إليها مركبة من هذا وهذا، فكثير منهم ~~- كالمعتزلة والأشعرية - ينفون عن الرب تعالى هذا التركيب. ولكن ~~PageV02P566 # كثير من شيوخ الكلام يقولون: إن الله تعالى جسم، فإذا كان من هؤلاء من ~~يقول: إن الجسم مركب من الأجزاء المنفردة أو من المادة والصورة، فقد يقول: ~~إنه مركب بهذا الاعتبار وبهذا. # وهذا القول باطل عند جماهير المسلمين، لكن جمهور العقلاء ينكرون هذا ~~التركيب في المخلوقات، فهم في الخالق أشد إنكارا. # ومن قال: إن المشار إليه المخلوق مركب هذا التركيب، فهؤلاء يحتاجون في ~~نفي ذلك عن الرب إلى برهان عقلي يبين امتناع مثل ذلك، فإن منازعيهم الذين ~~يقولون بثبوت مثل هذا المعنى الذي جعلوه تركيبا، يقولون: إنه لا برهان لهم ~~على نفيه، بل المقدمات التي وافقونا عليها من إثبات مثل هذا التركيب في ~~الشاهد، يدل على ثبوته في الغائب، كما في نظائر ذلك مما يستدل به على ~~الغائب بالشاهد. # وبين الطائفتين في هذا منازعات عقلية ولفظية ولغوية، قد بسطت في غير هذا ~~الموضع. # وأما جمهور العقلاء، مع السلف والأئمة، فعندهم أن الطائفتين مخطئتان، ~~وتنزيه الرب عن ذلك تبين بالعقل ms0525 مع الشرع، كما بين من غير سلوك الشبهات ~~الفاسدة. # وأما إذا قيل: المراد بالانقسام أو التركيب أن يتميز منه شيء عن شيء، مثل ~~تميز علمه عن قدرته، أو تميز ذاته عن صفاته، أو تميز ما يرى منه عما لا ~~يرى، كما قاله السلف في قوله تعالى: {لا تدركه الأبصار} [سورة الأنعام: ~~103] ، قالوا: لا تحيط به. وقيل لابن عباس رضي الله عنه: أليس الله تعالى ~~يقول: {لا تدركه الأبصار} قال: ألست ترى # PageV02P567 # السماء؟ قال: بلى. قال: أفكلها ترى؟ قال: لا (1) ; فذكر أن الله يرى ولا ~~يدرك، أي لا يحاط به، ونحو ذلك. # فهذا الامتياز على قسمين: أحدهما: امتياز في علم العالم منا بأن نعلم ~~شيئا ولا نعلم الآخر، فهذا أيضا لا يمكن العاقل أن ينازع فيه بعد فهمه، وإن ~~قدر أن فيه نزاعا، فإن الإنسان قد يعلم أنه موجود قبل أن يعلم أنه عالم، ~~ويعلم أنه قادر قبل أن يعلم أنه (مريد) ، ونحو ذلك. (2) فما من أحد من ~~الناس إلا وهو يعلم شيئا ولا يعلم الآخر، فالامتياز في علم الناس بين ما ~~يعلم وما لا يعلم مما لا يمكن عاقلا المنازعة فيه، إلا أن يكون النزاع ~~لفظيا، أو يتكلم الإنسان بما لا يتصور حقيقة قوله. # فهذا الوجه من الامتياز متفق على إثباته، كما أن الأول متفق على نفيه. ~~وأما الامتياز في نفس الأمر من غير قبول تفرق وانفصال، كتميز العلم عن ~~القدرة، وتميز الذات عن الصفة، وتميز السمع عن البصر، وتميز ما يرى منه عما ~~لا يرى، ونحو ذلك، وثبوت صفات له وتنوعها، فهذا مما تنفيه الجهمية نفاة ~~الصفات، وهو مما أنكر السلف والأئمة نفيهم له، كما ذكر ذلك أئمة المسلمين ~~المصنفين في الرد على الجهمية، كالإمام أحمد رضي الله عنه في رده على ~~الجهمية (3) ، وغيره من أئمة المسلمين. ولكن (ليس) (4) في أئمة المسلمين من ~~قال: إن PageV02P568 # الرب مركب من الجواهر المنفردة ولا من المادة والصورة. وقد تنازع النظار ~~في الأجسام المشهودة: هل هي مركبة من جواهر أو من أجزاء، أو ms0526 لا من هذا ولا ~~من هذا؟ على ثلاثة أقوال. # فمن قال: إن المخلوق ليس مركبا لا من هذا ولا هذا، فالخالق أولى أن لا ~~يكون مركبا. # ومن قال: إن المخلوق مركب، فهو بين أمرين: إما أن ينفي التركيب عن الرب ~~سبحانه، ويحتاج إلى دليل، وأدلتهم على ذلك ضعيفة. وإما أن يثبت تركيبه من ~~هذا وهذا، وهو قول سخيف. فكلا القولين - النفي والإثبات - ضعيف لضعف الأصل ~~الذي اشتركوا فيه. # وهذا الموضع من محارات كثير من العقلاء في صفات المخلوق والخالق. مثال ~~ذلك الثمرة، كالتفاحة والأترجة (1) لها لون وطعم وريح، وهذه صفات قائمة ~~بها، ولها أيضا حركة. فمن النظار من قال: صفاتها ليست أمورا زائدة على ~~ذاتها، ويجعل لفظ " التفاحة " يتناول هذا كله. ومنهم من يقول: بل صفاتها ~~زائدة على ذاتها. # وهذا في التحقيق نزاع لفظي، فإن عنى بذاتها ما يتصوره الذهن من الذات ~~المجردة، فلا ريب أن صفاتها زائدة على هذه الذات. وإن عنى بذاتها الذات ~~الموجودة في الخارج، فتلك متصفة بالصفات، لا تكون ذاتا موجودة في الخارج ~~إلا إذا كانت متصفة بصفاتها اللازمة لها. PageV02P569 # فتقديرها في الخارج منفكة عن الصفات - حتى يقال: هل الصفات زائدة عليها ~~أو ليست زائدة - تقدير ممتنع، والتقدير الممتنع قد يلزمه حكم ممتنع. # وقد حكي عن طائفة من النظار كعبد الرحمن بن كيسان الأصم (1) وغيره أنهم ~~أنكروا وجود الأعراض في الخارج، حتى أنكروا وجود الحركة. والأشبه - والله ~~أعلم - أنه لم ينقل قولهم على وجهه، فإن هؤلاء أعقل من أن يقولوا ذلك (2) ~~وعبد الرحمن الأصم - وإن كان معتزليا - فإنه من فضلاء الناس وعلمائهم، وله ~~تفسير. ومن تلاميذه إبراهيم بن PageV02P570 # إسماعيل بن علية، ولإبراهيم مناظرات في الفقه وأصوله مع الشافعي وغيره. ~~(1) وفي الجملة فهؤلاء من أذكياء الناس وأحدهم أذهانا، وإذا ضلوا في مسألة ~~لم يلزم أن يضلوا في الأمور الظاهرة التي لا تخفى على الصبيان. # وهذا كما أن الأطباء وأهل الهندسة من أذكياء الناس، ولهم علوم صحيحة طبية ~~وحسابية، وإن كان ضل منهم طوائف في الأمور الإلهية، فذلك ms0527 لا يستلزم أن ~~يضلوا في الأمور الواضحة في الطب والحساب. PageV02P571 # فمن حكى عن مثل أرسطو أو جالينوس أو غيرهما قولا في الطبيعيات (1) ظاهر ~~البطلان، علم أنه غلط في النقل عليه، وإن لم يكن تعمد الكذب عليه. # بل محمد بن زكريا الرازي مع إلحاده في الإلهيات والنبوات، ونصرته لقول ~~ديمقراطيس والحرنانيين (2) القائلين بالقدماء الخمسة - مع أنه من أضعف ~~أقوال العالم وفيه من التناقض والفساد ما هو مذكور في موضع آخر، كشرح ~~الأصبهانية والكلام على معجزات الأنبياء والرد على من قال: إنها قوى ~~نفسانية المسماة بالصفدية وغير ذلك - فالرجل من أعلم الناس بالطب (3) حتى ~~قيل له: جالينوس الإسلام، فمن ذكر عنه في الطب قولا يظهر فساده لمبتدئ ~~الأطباء، كان غالطا عليه. PageV02P572 # وكذلك عبد الرحمن بن كيسان وأمثاله لا ينكر أن يكون للثمرة طعما ولونا ~~وريحا، وهذا من المراد بالأعراض في اصطلاح النظار، فكيف يقال: إنهم أنكروا ~~الأعراض؟ # بل إذا قالوا: إن الأعراض ليست صفات (1) زائدة على الجسم بمعنى أن الجسم ~~اسم للذات التي قامت بها الأعراض، فالعرض داخل في مسمى الجسم، وهذا مما ~~يمكن أن يقوله هؤلاء وأمثالهم. # ثم رأيت أبا الحسين (2) البصري - وهو أحذق متأخري المعتزلة - قد ذكر (في) ~~" تصفيح الأدلة والأجوبة " (3) هذا المعنى، وذكر أن مرادهم هو PageV02P573 # هذا المعنى، وذكر من كلامهم ما يبين ذلك، فاختار هو هذا، وأثبت الأحوال ~~التي يسميها (1) غيره أعراضا زائدة، وعاد جمهور النزاع إلى أمور لفظية. # وإذا كان كذلك فمن المعلوم أنا نحن نميز بين الطعم واللون والريح ~~بحواسنا، فنجد الطعم بالفم، ونرى اللون بالعين، ونشم الرائحة بالأنف، كما ~~نسمع الصوت بالأذن، فهنا الآلات التي تحس بها هذه الأعراض مختلفة فينا، ~~يظهر اختلافها في أنفسها لاختلاف الآلات التي تدركها، بخلاف ما يقوم ~~بأنفسنا من علم وإرادة وحب، فإنا لا نميز بين هذا وهذا بحواس مختلفة، وإن ~~كان أدلة العلم بذلك مختلفة، فالأدلة قد تكون أمورا منفصلة عن المستدل. # فهذا مما يقع به الفرق بين الصفات المدركة بالحس والصفات المعلومة ~~بالعقل، وإلا فمعلوم أن اتصاف الأترجة ms0528 والتفاحة بصفاتها المتنوعة هو أمر ~~ثابت في نفسه سواء وجدنا ذلك أو لم نجده. ومعلوم أن طعمها نفسه ليس هو ~~لونها، ولونها ليس هو ريحها، وهذه كلها صفات قائمة بها متنوعة بحقائقها، ~~وإن كان محلها الموصوف بها واحدا. # ثم الصفات نوعان: نوع لا يشترط فيه الحياة: كالطعم واللون والريح، ونوع ~~يشترط فيه الحياة: كالعلم والإرادة والسمع والبصر. # فأما الأول فحكمه لا يتعدى محله، فلا يتصف باللون والريح والطعم إلا ما ~~قام به ذلك. PageV02P574 # وأما هذا الثاني فقد تنازع فيه النظار لما رأوا أن الإنسان يوصف بأنه ~~عالم قادر مريد، والعلم والإرادة لم تقم بعقبه ولا بظهره، وإنما هو قائم ~~بقلبه. # فمنهم من قال: الأعراض المشروطة بالحياة يتعدى حكمها محلها، فإذا قامت ~~بجزء من الجملة وصف بها سائر الجملة، كما يقول ذلك من يقوله من المعتزلة ~~وغيرهم. # ومنهم من يقول: بل الموصوف بذلك جزء منفرد في القلب. # ومنهم من يقول: بل حكمها لا يتعدى محلها، وإنه بكل جزء من أجزاء البدن ~~حياة وعلم وقدرة. # ومن هؤلاء من يقول: لا يشترط في قيام هذه الأعراض بالجوهر الفرد البنية ~~المخصوصة، كما يقوله: الأشعري ومن اتبعه من أصحاب مالك والشافعي وأحمد ~~وغيرهم، وهؤلاء بنوا هذا على ثبوت الجوهر الفرد، وهو أساس ضعيف، فإن القول ~~به باطل، كما قد بسط في موضعه. # ثم من المتفلسفة المشائين من ادعى أن محل العلم من الإنسان ما لا ينقسم، ~~ومعنى ذلك عندهم أن النفس الناطقة لا يتميز منها شيء عن شيء، ولا يتحرك ولا ~~يسكن، ولا يصعد ولا ينزل، ولا يدخل في البدن ولا غيره من العالم ولا يخرج ~~منه، ولا يقرب من شيء ولا يبعد منه. # ثم منهم من يدعي أنها لا تعلم الجزئيات وإنما تعلم الكليات، كما يذكر ذلك ~~عن ابن سينا وغيره. وكان أعظم ما اعتمدوا عليه من المعلومات ما لا ينقسم، ~~فالعلم به لا ينقسم، لأن العلم مطابق للمعلوم، # PageV02P575 # فمحل العلم لا ينقسم، لأن ما ينقسم لا يحل في منقسم. (1) \ 1975. وقد بسط ~~الكلام على ms0529 هذا في غير هذا الموضع، وبين بعض ما في هذا الكلام من الغلط، مع ~~أن هذا عندهم هو البرهان القاطع الذي لا يمكن نقضه. وقواهم على ذلك أن بعض ~~من عارضهم كأبي حامد والرازي لم يجيبوا عنه بجواب شاف، بل أبو حامد قد ~~يوافقهم على ذلك. # ومنشأ النزاع إثبات ما لا ينقسم بالمعنى الذي أرادوه في الوجود الخارجي. # فيقال لهم: لا نسلم أن في الوجود ما لا يتميز منه شيء عن شيء. فإذا ~~قالوا: النقطة؟ قيل لهم: النقطة والخط والسطح الواحد والاثنان والثلاثة: قد ~~يراد بها هذه المقادير مجردة عن موصوفاتها، وقد يراد بها ما اتصف بها (من) ~~(2) المقدرات في الخارج. # فإذا أريد الأول فلا وجود لها إلا في الأذهان لا في الأعيان، فليس في ~~الخارج عدد مجرد عن المعدود، ولا مقدار مجرد عن المقدر (3) : لا نقطة ولا ~~خط ولا سطح ولا واحد ولا اثنان ولا ثلاثة بل الموجودات PageV02P576 # المعدودات كالدرهم والحبة والإنسان، والمقدرات كالأرض التي لها طول وعرض ~~وعمق، فما من سطح إلا وله حقيقة يتميز بها عن غيره من السطوح، كما يتميز ~~التراب عن الماء، وكما يتميز سطوح كل جسم عن سطوح الآخر. # وإن قالوا: ما لا ينقسم هي العقول المجردة التي تثبتها الفلاسفة. # كان دون إثبات هذه خرط القتاد (1) ، فلا يتحقق منها إلا ما يقدر في ~~الأذهان، لا ما يوجد في الأعيان. # والملائكة التي وصفتها الرسل وأمروا بالإيمان بها، بينها وبين هذه ~~المجردات من أنواع الفرقان، ما لا يخفى إلا على العميان، كما قد بسط في غير ~~هذا المكان. # وإن أرادوا بما لا ينقسم واجب الوجود، وقالوا: إنه واحد لا ينقسم ولا ~~يتجزأ. # قيل: إن أردتم بذلك نفي صفاته، وأنه ليس لله حياة وعلم وقدرة تقوم به، ~~فقد علم أن جمهور المسلمين وسائر أهل الملل، بل وسائر عقلاء بني آدم من ~~جميع الطوائف يخالفونكم في هذا. # وهذا أول المسألة، وأنتم - وكل عاقل - قد يعلم بعض صفاته دون بعض، ~~والمعلوم هو غير ما ليس بمعلوم، فكيف ينكر أن ms0530 يكون له معان متعددة؟ # وأدلة إثبات الصانع كثيرة، ليس هذا موضعها، فلم قلتم بإمكان وجود مثل هذا ~~في الخارج، فضلا عن تحقيق وجوده؟ PageV02P577 # وقد عرف فساد حجتكم على نفي الصفات، وإن سميتم ذلك توحيدا، فحينئذ الواحد ~~الذي لا يتميز منه شيء عن شيء لم يعلم ثبوته في الخارج حتى يحتج على أن ~~العلم به كذلك، والعالم به كذلك. # وقد احتج بعضهم على وجود ما لا ينقسم - بالمعنى الذي أرادوه - بأن قالوا: ~~الوجود في الخارج: إما بسيط وإما مركب، والمركب لا بد له من بسيط. # وهذا ممنوع، فلا نسلم أن في الوجود ما هو مركب من هذا البسيط الذي ~~أثبتموه، وإنما الموجود الأجسام البسيطة، وهو ما يشبه بعضه بعضا، كالماء ~~والنار والهواء ونحو ذلك. # وأما ما لا يتميز منه شيء عن شيء، فلا نسلم أن في الوجود ما هو مركب منه، ~~بل لا موجود إلا ما يتميز منه شيء عن شيء. # وإذا قالوا: فذلك الشيء هو البسيط. # قيل لهم: وذلك إنما يكون بعضا من غيره، لا يعلم مفردا ألبتة، كما لا يوجد ~~مفردا ألبتة. # ثم يقال: من المعلوم أن بدن الإنسان ينقسم بالمعنى الذي يذكرونه ويتميز ~~منه شيء عن شيء، والحياة والحس سار في بدنه، فما المانع أن تقوم الحياة ~~والعلم بالروح، كما قامت الحياة والحس بالبدن، وإن كان البدن منقسما عندكم؟ # وإن قلتم: الحياة والحس منقسم عندكم؟ # قيل: إن أردتم بذلك أنه يمكن كون البعض حيا حساسا مع مفارقة البعض. # PageV02P578 # قيل: هذا لا يطرد، بل قد يذهب بعضه وتبقى الحياة والحس في بعضه، وقد تذهب ~~الحياة والحس عن بعضه بذهاب ذلك عن البعض، كما في القلب. # وعلى التقديرين فالحياة والحس يتسع باتساع محله، والأرواح متنوعة، وما ~~يقوم بها من العلم والإرادة وغير ذلك يتنوع بتنوعها، فما عظم من الموصوفات ~~عظمت صفاتها، وما كان دونها كانت صفاته دونه. # وأيضا، فالوهم عندهم قوة جسمانية قائمة بالجسم، مع أنها تدرك في المحسوس ~~ما ليس بمحسوس، كالصداقة والعداوة، وذلك المعنى مما لا ينقسم بانقسام ms0531 محله ~~عندهم. # وأيضا، فقوة الإبصار التي في العين قائمة بجسم ينقسم عندهم، مع أنها لا ~~تنقسم بانقسام محلها، بل الاتصال شرط فيها، فلو فسد بعض محلها فسدت، ولا ~~يبقى بعضها مع فساد أي بعض كان، فما كان المانع أن يكون قيام الحياة والعلم ~~والقدرة والإرادة ببعض الروح - إذا قيل: يتميز بعضها عن بعض - مشروطا ~~بقيامه بالبعض الآخر، بحيث يكون الاتصال شرطا في هذا الاتصاف؟ (1) كما يوجد ~~ذلك في الحياة والحس في بعض البدن، لا تقوم به الحياة والحس إلا إذا كان ~~متصلا نوعا من الاتصال. # وبسط الكلام في (كثير من) (2) هذه الأمور يتعلق بالكلام على روح الإنسان، ~~التي تسمى النفس الناطقة، وعلى اتصافها بصفاتها، فبهذا PageV02P579 # يستعين الإنسان على الكلام في الصفات الإلهية، وبذلك يستعين على ما يرد ~~عليه من الشبهات، وقد تكلمنا على ذلك في مواضع. # والناس قد تنازعوا في روح الإنسان: هل هي جسم مركب من الجواهر المنفردة، ~~أو من المادة والصورة، أو جوهر لا يقبل الصعود والنزول والقرب والبعد ونحو ~~ذلك؟ وكلا القولين خطأ، كما ذكر في غير هذا الموضع؟ (1) وأضعف من ذلك قول ~~من يجعلها عرضا من أعراض البدن كالحياة والعلم. # وقد دخل في الأول قول من قال: إن الإنسان ليس هو إلا هذه الجمل المشاهدة، ~~وهي البدن، ومن قال: إنها الريح التي تتردد في مخاريق البدن ; ومن قال: ~~إنها الدم، ومن قال: إنها البخار اللطيف الذي يجري في مجاري الدم، وهو ~~المسمى بالروح عند الأطباء ; ومن قال غير ذلك. # والثاني: قول من يقول بذلك من المتفلسفة ومن وافقهم من النظار. # وقد ينظر الإنسان في كتب كثيرة من المصنفة في هذه الأمور، ويجد في المصنف ~~أقوالا متعددة، والقول الصواب لا يجده فيها. # ومن تبحر في المعارف تبين له خلاصة الأمور، وتحقيقها: هو ما أخبر به ~~الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، في جميع هذه ~~الأمور، لكن إطالة القول في هذا الباب، لا يناسب هذا PageV02P580 # الكتاب، وإنما المقصود التنبيه على أن ما ms0532 تشنع به الرافضة على أهل السنة ~~من ضعيف الأقوال هم به أخلق، والضلال بهم أعلق، ولكن لا بد من جمل يهتدى ~~بها إلى الصواب. # وباب التوحيد والأسماء والصفات مما عظم فيه ضلال من عدل عما جاء به ~~الرسول إلى ما يظنه من المعقول، وليست المعقولات الصريحة إلا بعض ما أخبر ~~به الرسول، يعرف ذلك من خبر هذا وهذا. ### | [تنازع الناس في الأسماء التي تسمى الله بها وتسمى بها عباده] # (فصل) ] (1) وهذا الموضع أشكل على كثير من الناس لفظا ومعنى. أما اللفظ ~~فتنازعوا في الأسماء التي تسمى الله بها وتسمى بها (2) عباده كالموجود ~~والحي والعليم والقدير، فقال بعضهم: (3) هي مقولة بالاشتراك اللفظي (4) ~~حذرا من إثبات قدر مشترك بينهما، لأنهما إذا اشتركا في مسمى الوجود لزم أن ~~يمتاز الواجب عن الممكن بشيء آخر فيكون مركبا. وهذا قول بعض المتأخرين ~~كالشهرستاني والرازي في أحد قوليهما، وكالآمدي مع توقفه أحيانا (5) . وقد ~~ذكر الرازي والآمدي ومن اتبعهما هذا القول عن الأشعري وأبي الحسين البصري ~~وهو غلط عليهما، وإنما ذكروا (6) ذلك PageV02P581 # لأنهما لا يقولان بالأحوال، ويقولان: وجود كل شيء عين حقيقته، فظنوا أن ~~من قال: وجود كل شيء عين حقيقته يلزمه أن يقول: إن (1) لفظ الوجود يقال ~~بالاشتراك اللفظي عليهما، لأنه لو كان متواطئا لكان بينهما قدر مشترك ~~[فيمتاز أحدهما عن الآخر بخصوص حقيقته، والمشترك ليس هو المميز، فلا يكون ~~الوجود المشترك] (2) هو الحقيقة المميزة. والرازي والآمدي ونحوهما ظنوا أنه ~~ليس في المسألة إلا هذا القول وقول من يقول بأن اللفظ متواطئ (3 ويقول: ~~وجوده زائد على حقيقته، كما هو قول أبي هاشم وأتباعه من المعتزلة والشيعة، ~~أو قول ابن سينا بأنه متواطئ 3) (3) [أو مشكك] (4) مع أنه (5) الوجود ~~المقيد [بسلب كل أمر ثبوتي عنه] (6) . # وذهب من ذهب من القرامطة الباطنية وغلاة الجهمية إلى أن هذه الأسماء ~~حقيقة في العبد مجاز في الرب. [قالوا: هذا في اسم الحي] (7) ونحوه، [حتى في ~~اسم الشيء كان الجهم وأتباعه لا يسمونه شيئا (8) ، وقيل عنه إنه لم يسمه ~~إلا بالقادر الفاعل لأن ms0533 العبد عنده ليس بقادر ولا PageV02P582 # فاعل، فلا يسميه باسم يسمى به العبد (1) ] (2) . وذهب أبو العباس الناشئ ~~(3) إلى ضد ذلك فقال: إنها حقيقة للرب مجاز للعبد (4) . # وزعم ابن حزم أن أسماء الله تعالى الحسنى لا تدل على المعاني، فلا يدل ~~عليم على علم، ولا قدير على قدرة، بل هي أعلام PageV02P583 # محضة (1) . وهذا يشبه قول من يقول بأنها تقال بالاشتراك اللفظي (2) . # وأصل غلط هؤلاء شيئان: إما نفي الصفات والغلو في نفي التشبيه، وإما ظن ~~ثبوت الكليات المشتركة في الخارج. # فالأول هو مأخذ الجهمية ومن وافقهم على نفي الصفات. قالوا: إذا قلنا عليم ~~يدل على علم، وقدير يدل على قدرة لزم من إثبات الأسماء إثبات الصفات، وهذا ~~مأخذ ابن حزم، فإنه من نفاة الصفات (3) مع تعظيمه للحديث والسنة والإمام ~~أحمد، ودعواه أن الذي يقوله: في ذلك هو مذهب أحمد وغيره. # وغلطه في ذلك بسبب أنه أخذ أشياء (4) من أقوال الفلاسفة والمعتزلة عن بعض ~~شيوخه، ولم يتفق له من يبين له خطأهم (5) ، ونقل المنطق بالإسناد عن متى ~~الترجمان (6) . وكذلك قالوا: إذا قلنا: موجود وموجود، وحي وحي لزم التشبيه، ~~فهذا أصل غلط هؤلاء. PageV02P584 # وأما الأصل الثاني فمنه غلط الرازي (1) ونحوه، فإنه ظن أنه إذا (2) كان ~~هذا موجودا وهذا موجودا، والوجود شامل لهما، كان بينهما وجود مشترك كلي في ~~الخارج، فلا بد من مميز يميز هذا عن هذا، والمميز إنما هو الحقيقة، فيجب أن ~~يكون هناك وجود مشترك وحقيقة مميزة. # ثم إن (3) هؤلاء يتناقضون فيجعلون الوجود ينقسم (4) إلى واجب وممكن أو ~~قديم (5) ومحدث، كما تنقسم سائر الأسماء العامة الكلية. لا كما تنقسم ~~الألفاظ المشتركة كلفظ " سهيل " القول على [سهيل] (6) الكوكب وعلى سهيل بن ~~عمرو، فإن تلك لا يقال فيها: إن هذا ينقسم إلى كذا PageV02P585 # وكذا، ولكن يقال: إن هذا اللفظ يطلق على هذا المعنى وعلى هذا المعنى، ~~وهذا أمر لغوي لا تقسيم عقلي. # وهناك تقسيم عقلي: تقسيم المعنى الذي هو مدلول اللفظ العام، مورد التقسيم ~~مشترك بين الأقسام. وقد ظن بعض الناس أنه يخلص من هذا ms0534 بأن يجعل (1) لفظ ~~الوجود مشككا لكون (2) الوجود الواجب أكمل، كما يقال: في لفظ " السواد " و ~~" البياض " المقول على سواد القار وسواد الحدقة وبياض الثلج وبياض العاج. # ولا ريب أن المعاني الكلية قد تكون متفاضلة في مواردها، بل أكثرها كذلك، ~~وتخصيص هذا القسم بلفظ المشكك أمر اصطلاحي. ولهذا كان من الناس من قال: هو ~~نوع من المتواطئ (3) لأن واضع اللغة لم يضع اللفظ العام بإزاء التفاوت ~~الحاصل لأحدهما، بل بإزاء القدر المشترك. # وبالجملة فالنزاع في هذا لفظي، فالمتواطئة العامة تتناول المشككة، وأما ~~المتواطئة التي تتساوى معانيها فهي قسيم المشككة، وإذ جعلت المتواطئة ~~نوعين: متواطئا (4) عاما وخاصا، كما جعل الإمكان نوعين: عاما وخاصا، زال ~~اللبس. # والمقصود هنا أن يعرف أن قول جمهور الطوائف من الأولين والآخرين ~~PageV02P586 # أن هذه الأسماء عامة كلية - (1 سواء سميت متواطئة أو مشككة 1) (1) - ليست ~~ألفاظا (2) مشتركة اشتراكا لفظيا فقط. وهذا مذهب المعتزلة والشيعة ~~والأشعرية والكرامية، وهو مذهب سائر المسلمين: أهل السنة والجماعة والحديث ~~وغيرهم، إلا من شذ (3) . # وأما الشبه التي أوقعت هؤلاء (4) ، فجوابها من وجهين: تمثيل وتخييل (5) . ~~أما التمثيل فأن يقال: القول في لفظ " الوجود " كالقول في لفظ " الحقيقة " ~~و " الماهية " و " النفس " و " الذات "، وسائر الألفاظ التي تقال على ~~الواجب والممكن، بل تقال على كل موجود. # فهم إذا قالوا: يشتركان في الوجود، ويمتاز أحدهما عن الآخر بحقيقته. # (6 قيل لهم: القول في لفظ " الحقيقة " كالقول في لفظ " الوجود "، فإن هذا ~~له حقيقة وهذا له حقيقة، كما أن لهذا وجودا ولهذا وجودا، وأحدهما يمتاز عن ~~الآخر بوجوده المختص به، كما هو ممتاز عنه بحقيقته 6) (6) التي تختص به ~~فقول القائل: إنهما يشتركان (7) في مسمى الوجود، ويمتاز كل PageV02P587 # [واحد] (1) منهما بحقيقته التي تخصه (2) ، (* كما لو قيل: هما مشتركان في ~~مسمى الحقيقة ويمتاز كل منهما *) (3) بوجوده الذي يخصه. # وإنما وقع الغلط لأنه أخذ الوجود مطلقا لا مختصا، وأخذت الحقيقة مختصة لا ~~مطلقة، ومن المعلوم أن كلا منهما يمكن أن يوجد (4) مطلقا ويمكن أن يوجد (5) ~~مختصا، فإذا أخذا مطلقين تساويا في العموم، وإذا أخذا ms0535 مختصين تساويا في ~~الخصوص، وأما (6) أخذ أحدهما عاما والآخر مختصا فليس هذا بأولى من العكس. # وأما حل الشبهة فهو أنهم توهموا (7) [أنه] (8) إذا قيل إنهما مشتركان في ~~مسمى الوجود، يكون في الخارج وجود مشترك هو نفسه في هذا، وهو نفسه في هذا، ~~فيكون نفس المشترك فيهما، والمشترك لا يميز، فلا بد له من مميز. # وهذا غلط فإن قول القائل: يشتركان في مسمى الوجود، أي يشتبهان في ذلك (9) ~~ويتفقان فيه، فهذا (10) موجود وهذا موجود، ولم يشرك أحدهما الآخر في نفس ~~وجوده ألبتة. PageV02P588 # وإذا قيل: يشتركان في الوجود المطلق الكلي، فذاك المطلق الكلي لا يكون ~~مطلقا كليا إلا في الذهن، فليس في الخارج مطلق كلي يشتركان فيه، بل هذا له ~~حصة منه، وهذا له حصة منه، وكل من الحصتين (1) ممتازة عن الأخرى. # ومن قال: المطلق جزء من المعين، (* والموجود جزء من هذا الموجود (2) ، ~~والإنسان جزء من هذا الإنسان: إن أراد به أن المعين *) (3) يوصف به، فيكون ~~صفة له، ومع كونه صفة له، فما هو صفة له (4) لا توجد عينه لآخر (5) ، فهذا ~~معنى صحيح، ولكن تسمية الصفة جزء الموصوف ليس هو المفهوم منها عند الإطلاق. # وإن أريد أن نفس ما في المعين من وجود أو إنسان هو في ذلك بعينه، فهذا ~~مكابرة. # وإن قال: إنما أردت أن النوع في الآخر عاد الكلام في النوع، فإن النوع ~~أيضا كلي (6) . # والكليات الخمسة: كليات الجنس، والنوع، والفصل، والخاصة، والعرض العام ; ~~والقول فيها واحد، فليس فيها ما يوجد في الخارج كليا مطلقا، ولا تكون كلية ~~مطلقة إلا في الأذهان لا في الأعيان. PageV02P589 # وما يدعى فيها من عموم وكلية أو من تركيب كتركيب النوع من الجنس والفصل، ~~هي أمور عقلية ذهنية لا وجود لها في الخارج، فليس في الخارج شيء يعم هذا ~~وهذا، [ولا في الخارج إنسان مركب من هذا وهذا] (1) ، بل الإنسان موصوف بهذا ~~وهذا [وهذا] (2) بصفة يوجد نظيرها في كل إنسان، وبصفة يوجد نظيرها في كل ~~حيوان، وبصفة يوجد نظيرها في كل نام. # وأما نفس الصفة ms0536 التي قامت به (3) ، ونفس الموصوف الذي قامت به الصفة، فلا ~~اشتراك فيه أصلا ولا عموم، ولا هو (4) مركب من عام وخاص. # وهذا الموضع منشأ زلل كثير من المنطقيين في الكليات، وكثير من المتكلمين ~~في مسألة الحال. وبسبب ذلك (5) غلط من غلط من هؤلاء وهؤلاء في الإلهيات (6) ~~فيما يتعلق بهذا، (7 فإن المتكلمين أيضا رأوا أن الأشياء تتفق بصفات وتختلف ~~بصفات 7) (7) ، والمشترك عين المميز (8) ، فصاروا حزبين: حزبا أثبت هذه ~~الأمور في الخارج، لكنه قال: لا موجودة ولا معدومة، لأنها لو كانت موجودة ~~لكانت أعيانا موجودة أو PageV02P590 # صفات للأعيان، ولو كانت كذلك لم يكن فيها اشتراك وعموم، [فإن صفة الموصوف ~~الموجودة لا يشركه فيها غيره. # وآخرون علموا أن كل موجود مختص بصفة فقالوا: لا عموم] (1) ولا اشتراك إلا ~~في الألفاظ دون المعاني. # والتحقيق أن هذه الأمور العامة المشترك فيها هي ثابتة في الأذهان، وهي ~~معاني الألفاظ العامة، فعمومها بمنزلة عموم الألفاظ، فالخط يطابق اللفظ، ~~واللفظ يطابق المعنى، والمعنى عام، وعموم اللفظ يطابق عموم المعنى، وعموم ~~الخط يطابق عموم اللفظ. # وقد اتفق الناس على أن العموم يكون من عوارض [الألفاظ، وتنازعوا هل يكون ~~من عوارض المعاني؟ فقيل: يكون أيضا (2) من عوارض] (3) المعاني، كقولهم مطر ~~عام، وعدل عام، وخصب عام. # وقيل: بل ذلك مجاز ; لأن المطر الذي حل بهذه البقعة ليس هو المطر الذي حل ~~بهذه البقعة، وكذلك الخصب والعدل (4) . # والتحقيق أن معنى المطر القائم بقلب المتكلم عام كعموم (5) اللفظ سواء، ~~بل اللفظ دليل على ذلك المعنى، فكيف يكون اللفظ عاما دون معناه الذي هو ~~المقصود بالبيان؟ فأما (6) المعاني الخارجية (7) فليس فيها PageV02P591 # شيء بعينه عام، وإنما العموم للنوع: كعموم الحيوانية للحيوان، والإنسانية ~~للإنسان. # فمسألة الكليات والأحوال وعروض العموم (1) لغير الألفاظ من جنس واحد ; ~~ومن فهم الأمر على ما هو عليه، تبين له أنه ليس في الخارج شيء هو بعينه ~~موجود في هذا وهذا. # وإذا قال: نوعه موجود، أو الكلي (2) الطبيعي موجود، أو الحقيقة موجودة، ~~أو الإنسانية من حيث هي موجودة، ونحو هذه العبارات، فالمراد به ms0537 (3) أنه وجد ~~في هذا نظير ما وجد في هذا أو شبهه (4) ومثله ونحو ذلك. # والمتماثلان يجمعهما (5) نوع واحد، وذلك النوع هو الذي بعينه يعم هذا ~~ويعم هذا، لا يكون عاما مطلقا كليا إلا في الذهن. وأنت إذا قلت: الإنسانية ~~موجودة في الخارج، والكلي الطبيعي موجود في الخارج، كان صحيحا: بمعنى أن ما ~~تصوره الذهن كليا يكون في الخارج، لكنه إذا كان في الخارج لا يكون كليا ; ~~كما أنك إذا قلت: زيد في الخارج، فليس المراد هذا اللفظ ولا المعنى القائم ~~في الذهن، بل المراد المقصود بهذا اللفظ موجود في الخارج. PageV02P592 # ومن هنا تنازع الناس في مسألة (1) الاسم والمسمى، ونزاعهم شبيه (2) بهذا ~~النزاع، وأنت (3) إذا نظرت في [الماء أو] المرآة (4) فقلت: هذه الشمس أو ~~هذا القمر فهو صحيح، وليس مرادك أن نفس ما في السماء حصل في الماء أو ~~المرآة (5) ، ولكن ذلك شوهد في المرآة، وظهر في المرآة، وتجلى في المرآة. # فإذا قلت: الكليات في الخارج [فصحيح] (6) ، أو الإنسان من حيث هو في ~~الخارج فصحيح، لكن لا يكون في الخارج إلا مقيدا مخصوصا لا يشركه في نفس ~~[الأمر] (7) شيء من الموجودات الخارجية (8) . # وبهذا ينحل كثير من المواضع التي اشتبهت على [كثير من] (9) المنطقيين ~~وغلطوا فيها، مثل زعمهم أن الماهية الموجودة في الخارج غير الوجود (10) ، ~~فإنك تتصور المثلث قبل أن تعلم وجوده، وبنوا على ذلك الفرق بين الصفات ~~الذاتية واللازمة العرضية، وغير ذلك من مسائلهم. # ولا ريب أن الفرق ثابت بين ما هو في الذهن وما هو في الخارج، فإذا ~~PageV02P593 # جعلت الماهية اسما لما في الذهن، والوجود اسما لما في الخارج (1 فالفرق ~~ثابت، كما لو جعل الوجود اسما لما في الذهن والماهية اسما لما في الخارج 1) ~~(1) . # لكن لما كان (2) لفظ الماهية مأخوذا من قول السائل: " ما هو؟ "، وجواب ~~هذا هو المقول في جواب: " ما هو " (3) ، وذلك كلام يتصور معناه المجيب، عبر ~~بالماهية (4) عن الصور الذهنية، وأما الوجود فهو تحقق (5) الشيء في الخارج. # لكن هؤلاء لم يقتصروا على هذا، بل زعموا أن ماهيات ms0538 (6) الأشياء ثابتة في ~~الخارج وأنها غير الأعيان الموجودة وهذا غلط بالضرورة، فإن المثلث الذي ~~تعرفه قبل أن تعرف وجوده في الخارج، هو المثلث المتصور (7) في الذهن الذي ~~لا وجود له في الخارج، وإلا فمن الممتنع أن تعلم حقيقة المثلث الموجود في ~~الخارج قبل أن تعلم وجوده [في الخارج، فما في الخارج لا تعلم حقيقته حتى ~~تعلم وجوده] (8) ، وما علمت (9) حقيقته قبل وجوده لم يكن له حقيقة بعد إلا ~~في الذهن. PageV02P594 # ومن هذا الباب ظن من ظن من هؤلاء أن لنا عددا مجردا في الخارج، أو مقدارا ~~(1) مجردا في الخارج، وكل هذا غلط، وهذا مبسوط في موضع آخر. وإنما نبهنا ~~هنا على هذا؛ لأن كثيرا من أكابر أهل النظر والتصوف والفلسفة والكلام، ومن ~~اتبعهم من الفقهاء والصوفية، ضلوا في مسألة وجود الخالق، التي هي رأس كل ~~معرفة، والتبس الأمر في ذلك على من نظر في كلامهم لأجل هذه الشبهة. وقد ~~كتبنا في مسألة " الكليات " كلاما مبسوطا مختصا بذلك (2) ، لعموم الحاجة ~~وقوة المنفعة وإزالة الشبهة بذلك (3) . # وبهذا يتبين (4) غلط النفاة في لفظ التشبيه، فإنه يقال: الذي يجب نفيه عن ~~الرب تعالى: اتصافه بشيء من خصائص المخلوقين، كما أن المخلوق لا يتصف بشيء ~~من خصائص الخالق، أو أن (5) يثبت للعبد شيء يماثل فيه الرب، وأما إذا قيل ~~حي وحي، وعالم وعالم، وقادر وقادر، أو قيل: لهذا قدرة ولهذا قدرة، ولهذا ~~علم ولهذا علم، كان نفس علم الرب لم يشركه فيه العبد، ونفس علم العبد لا ~~يتصف به الرب، تعالى عن ذلك، وكذلك في سائر الصفات، [بل ولا يماثل هذا هذا] ~~(6) ، PageV02P595 # وإذا اتفق العلماء (1) في مسمى العلم، والعالمان في مسمى العالم (2) ، ~~فمثل هذا التشبيه ليس هو المنفي (3) لا بشرع ولا بعقل، ولا يمكن نفي ذلك ~~إلا بنفي وجود الصانع. # ثم الموجود والمعدوم قد يشتركان في أن هذا معلوم مذكور وهذا معلوم مذكور ~~(4) ، وليس في إثبات هذا محذور، فإن المحذور إثبات شيء من خصائص أحدهما ~~للآخر، وقولنا: إثبات الخصائص إنما يراد إثبات مثل تلك الخاصة ms0539، وإلا فإثبات ~~عينها ممتنع مطلقا. # فالأسماء والصفات نوعان: نوع يختص به الرب، مثل الإله ورب العالمين ونحو ~~ذلك، فهذا لا يثبت (5) للعبد بحال ; ومن هنا ضل المشركون الذين جعلوا لله ~~أندادا. # والثاني: ما يوصف به العبد في الجملة، كالحي والعالم والقادر، فهذا لا ~~يجوز أن يثبت للعبد مثل ما يثبت للرب أصلا، فإنه لو ثبت له مثل ما يثبت له ~~(6) للزم أن يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر، ويجب له ما يجب له ويمتنع ~~عليه ما يمتنع عليه، وذلك يستلزم اجتماع النقيضين، كما تقدم بيانه. ~~PageV02P596 # وإذا قيل: فهذا يلزم (1) فيما اتفقا فيه، كالوجود والعلم والحياة. # قيل: هذه الأمور لها ثلاثة (2) اعتبارات: أحدها: ما يختص به الرب، فهذا ~~ما يجب له ويجوز ويمتنع عليه، ليس للعبد فيه نصيب. # والثاني: ما يختص بالعبد، كعلم العبد وقدرته وحياته، فهذا إذا جاز عليه ~~الحدوث والعدم (3) لم يتعلق ذلك بعلم الرب وقدرته وحياته، فإنه لا اشتراك ~~فيه. # والثالث: المطلق الكلي، وهو مطلق الحياة والعلم والقدرة، فهذا المطلق ما ~~كان واجبا له كان واجبا فيهما، وما كان جائزا عليه كان جائزا عليهما، وما ~~كان ممتنعا عليه كان ممتنعا عليهما. # فالواجب أن [يقال] (4) : هذه صفة كمال حيث كانت، فالحياة والعلم (5) ~~والقدرة صفة كمال لكل موصوف، والجائز عليهما اقترانهما (6) بصفة أخرى ~~كالسمع والبصر والكلام. فهذه الصفات يجوز أن تقارن هذه في كل محل، اللهم ~~إلا إذا كان هناك مانع من جهة المحل لا من جهة الصفة. وأما الممتنع عليهما ~~(7) فيمتنع أن تقوم هذه الصفات إلا بموصوف PageV02P597 # [قائم بنفسه، وهذا ممتنع عليها (1) في كل موضع، فلا يجوز أن تقوم صفات ~~الله بأنفسها بل بموصوف] (2) ، وكذلك صفات العباد لا يجوز أن تقوم بأنفسها ~~بل بموصوف. ### | عود إلى الكلام على لفظي المشبهة والحشوية # وإذا تبين هذا فقول هذا المصنف وأشباهه: " قول المشبهة ": إن أراد ~~بالمشبهة من أثبت من الأسماء ما يسمى به الرب والعبد فطائفته (3) وجميع ~~الناس مشبهة. # وإن أراد به من جعل صفات الرب مثل صفات العبد: فهؤلاء مبطلون ms0540 ضالون، وهم ~~في الشيعة (4) أكثر منهم في غيرهم، وليس هؤلاء طائفة معينة من أهل السنة ~~والجماعة. # وإن قال: أردت به من يثبت الصفات الخبرية (5) كالوجه واليدين والاستواء ~~ونحو ذلك. # قيل له أولا: ليس في هؤلاء (6) من التشبيه ما امتازوا به عن غيرهم، فإن ~~هؤلاء يصرحون بأن صفات الله ليست كصفات الخلق، وأنه منزه عما يختص ~~بالمخلوقين من الحدوث والنقص وغير ذلك، فإن كان [هذا] تشبيها (7) لكون ~~العباد لهم ما يسمى بهذه الأسماء، كان جميع الصفاتية PageV02P598 # مشبهة، بل (1) والمعتزلة والفلاسفة أيضا مشبهة لأنهم يقولون: حي عليم ~~قدير، ويقولون: موجود وحقيقة وذات ونفس، والفلاسفة تقول: عاقل ومعقول وعقل، ~~ولذيذ وملتذ (2) ولذة، وعاشق ومعشوق وعشق، وغير ذلك من الأسماء الموجودة في ~~المخلوقات. ### | [الرد على قول: سموا مشبهة لأنهم يقولون إنه جسم من وجوه] # وإن قال: سموا مشبهة لأنهم يقولون: إنه جسم، والأجسام متماثلة، بخلاف من ~~أثبت الصفات، ولم يقل: هو جسم. # قيل أولا هذا باطل (3) لأنك ذكرت الكرامية قسما غيرهم والكرامية تقول إنه ~~جسم وقيل لك ثانيا: لا يطلق لفظ الجسم (4) إلا أئمتك الإمامية ومن وافقهم. # وقيل لك ثالثا: فهذا مبني على تماثل الأجسام، وأكثر العقلاء يقولون (5) : ~~إنها ليست متماثلة، والقائلون بتماثلها من المعتزلة ومن وافقهم من ~~الأشعرية، وطائفة من الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية ليست ~~لهم حجة على تماثلها أصلا، كما [قد] بسط ذلك في موضعه (6) . PageV02P599 # وقد اعترف بذلك فضلاؤهم، حتى الآمدي في [كتاب] " أبكار الأفكار " (1) ~~اعترف بأنه (2) لا دليل لهم على تماثل الأجسام إلا تماثل الجواهر، ولا دليل ~~لهم على تماثل الجواهر، والأشعري في " الإبانة " جعل هذا القول من أقوال ~~المعتزلة التي أبطلها (3) . # وسواء كان تماثلها حقا أو باطلا فمن قال: إنه جسم كهشام [بن الحكم] (4) ~~وابن كرام لا (5) يقول بتماثل الأجسام، فإنهم يقولون: إن حقيقة الله تعالى ~~ليست مثل شيء (6) من الحقائق، فهم أيضا ينكرون التشبيه، فإذا وصفوا [به] ~~(7) لاعتقاد الواصف أنه لازم لهم، أمكن كل طائفة أن يصفوا الأخرى بالتشبيه ~~لاعتقادها أنه لازم لها، فالمعتزلة والشيعة توافقهم [على] أن ms0541 أخص وصف الرب ~~(8) هو القدم، وأن ما شاركه في القدم فهو مثله، فإذا أثبتنا (9) صفة قديمة ~~لزم التشبيه، وكل من أثبت صفة قديمة فهو مشبه، وهم يسمون جميع من أثبت ~~الصفات مشبها بناء على هذا. PageV02P600 # فإن قال هذا (1) الإمامي: فأنا ألتزم هذا. # قيل له: تناقضت، لأنك أخرجت الأشعرية والكرامية عن المشبهة في اصطلاحك، ~~فأنت تتكلم بألفاظ لا تفهم معناها (2) ولا موارد استعمالها، وإنما تقوم ~~بنفسك صورة تبني [عليها] (3) . # وكأنك - والله أعلم - عنيت بالحشوية المشبهة (4) من ببغداد والعراق من ~~الحنبلية ونحوهم، أو الحنبلية دون غيرهم. وهذا من جهلك، فإنه ليس للحنبلية ~~قول انفردوا به عن غيرهم من [طوائف] (5) أهل السنة والجماعة، بل كل ما ~~يقولونه قد قاله غيرهم من طوائف أهل السنة، بل يوجد في غيرهم من زيادة ~~الإثبات ما لا يوجد فيهم. # ومذهب (6) أهل السنة والجماعة مذهب قديم [معروف] (7) قبل أن يخلق الله ~~أبا حنيفة ومالكا والشافعي وأحمد، فإنه مذهب الصحابة الذين تلقوه عن نبيهم، ~~ومن خالف ذلك كان مبتدعا عند أهل السنة والجماعة، فإنهم متفقون على أن ~~إجماع الصحابة حجة، ومتنازعون في إجماع من بعدهم. ### | [أحمد بن حنبل ومحنة خلق القرآن] # وأحمد بن حنبل، وإن كان قد اشتهر بإمامة السنة (8) والصبر في PageV02P601 # المحنة، فليس ذلك لأنه انفرد بقول أو ابتدع قولا، بل لأن السنة التي كانت ~~موجودة معروفة قبله علمها ودعا إليها وصبر على من امتحنه ليفارقها (1) ، ~~وكان الأئمة قبله (2) قد ماتوا قبل المحنة، فلما وقعت محنة الجهمية نفاة ~~الصفات في أوائل المائة الثالثة (3) - على عهد المأمون وأخيه المعتصم ثم ~~الواثق - ودعوا الناس إلى التجهم وإبطال صفات الله PageV02P602 # تعالى، وهو المذهب الذي ذهب إليه متأخرو الرافضة، وكانوا قد أدخلوا معهم ~~من أدخلوه من [ولاة الأمور (1) ، فلم يوافقهم أهل السنة والجماعة، حتى ~~تهددوا (2) بعضهم بالقتل، وقيدوا بعضهم، وعاقبوهم (وأخذوهم) (3) بالرهبة ~~والرغبة، وثبت] (4) الإمام أحمد بن حنبل (5) على ذلك [الأمر] (6) حتى حبسوه ~~مدة، ثم طلبوا أصحابهم لمناظرته، فانقطعوا معه في المناظرة يوما بعد يوم، ~~ولم يأتوا (7) بما يوجب موافقته لهم، [بل ms0542] بين خطأهم (8) فيما ذكروه (9) من ~~الأدلة، وكانوا قد طلبوا له (10) أئمة الكلام من أهل البصرة وغيرهم، مثل ~~أبي عيسى محمد بن عيسى برغوث صاحب حسين النجار (11) وأمثاله، ولم تكن ~~المناظرة مع المعتزلة فقط، بل كانت PageV02P603 # مع جنس الجهمية من المعتزلة [والنجارية] (1) والضرارية وأنواع المرجئة، ~~فكل معتزلي جهمي وليس كل جهمي معتزليا، [لكن جهم أشد تعطيلا؛ لأنه نفى ~~الأسماء والصفات، والمعتزلة تنفي الصفات دون الأسماء] (2) . # وبشر المريسي كان من المرجئة، لم يكن من المعتزلة، بل كان من كبار (3) . ~~PageV02P604 # وظهر للخليفة المعتصم أمرهم، وعزم على رفع المحنة، حتى ألح عليه ابن أبي ~~دؤاد (1) يشير عليه: إنك إن لم تضربه [وإلا] انكسر (2) ناموس الخلافة، ~~فضربه (3) ، فعظمت الشناعة من العامة والخاصة، فأطلقوه. # ثم صارت هذه الأمور سببا في البحث عن مسائل الصفات، وما فيها من النصوص ~~والأدلة والشبهات من جانبي المثبتة والنفاة للصفات (4) ، وصنف (5) الناس في ~~ذلك مصنفات. # وأحمد (6) وغيره من علماء أهل (7) السنة والحديث ما زالوا يعرفون فساد ~~PageV02P605 # مذهب الروافض والخوارج والقدرية والجهمية والمرجئة، ولكن بسبب المحنة كثر ~~الكلام، ورفع الله قدر هذا الإمام، فصار إماما من أئمة السنة (1) ، وعلما ~~من أعلامها، [لقيامه بإعلامها] (2) وإظهارها، واطلاعه على نصوصها وآثارها، ~~وبيانه لخفي أسرارها (3) ، لا لأنه أحدث مقالة أو ابتدع رأيا (4) . # ولهذا قال بعض شيوخ المغرب (5) : المذهب لمالك والشافعي، والظهور لأحمد ; ~~يعني أن مذاهب الأئمة في الأصول (6) مذهب واحد وهو كما قال فتخصيص (7) ~~الكلام من أحمد وأصحابه في مسائل الإمامة والاعتزال، كتخصيصه (8) بالكلام ~~معه في مسائل الخوارج الحرورية، بل في نبوة نبينا - صلى الله عليه وسلم - ~~والرد على اليهود والنصارى. # والخطاب بتصديق الرسول فيما أخبر [به] (9) ، وطاعته فيما أمر [به] (10) ، ~~قد شمل جميع العباد، ووجب على كل أحد، فأسعدهم أطوعهم لله وأتبعهم لرسول ~~الله (11) ، وإذا قدر أن في الحنبلية - أو غيرهم من طوائف PageV02P606 # أهل السنة - من قال أقوالا باطلة، لم يبطل مذهب أهل السنة والجماعة ~~ببطلان ذلك، بل يرد على من قال ذلك الباطل، وتنصر السنة بالدلائل (1) . # ولكن الرافضي أخذ ينكت (2) على كل طائفة بما ms0543 يظن أنه يجرحها به في الأصول ~~والفروع، ظانا أن طائفته هي السليمة من الجرح (3) . # وقد اتفق عقلاء (4) المسلمين على أنه ليس في [طائفة من] (5) طوائف أهل ~~القبلة أكثر جهلا وضلالا وكذبا وبدعا، وأقرب إلى كل شر، وأبعد عن كل خير من ~~طائفته. ولهذا لما صنف الأشعري كتابه في " المقالات " ذكر أولا مقالتهم، ~~وختم بمقالة أهل السنة والحديث، وذكر أنه بكل ما ذكر من أقوال (6) أهل ~~السنة [والحديث] (7) يقول، وإليه يذهب (8) . # وتسمية هذا الرافضي - وأمثاله من الجهمية معطلة الصفات - لأهل الإثبات ~~مشبهة كتسميتهم لمن أثبت خلافة [الخلفاء] (9) الثلاثة ناصبيا (10) بناء على ~~اعتقادهم، فإنهم لما اعتقدوا (11) أنه لا ولاية لعلي إلا بالبراءة من ~~PageV02P607 # هؤلاء، جعلوا كل من لم يتبرأ من هؤلاء ناصبيا، كما أنهم لما اعتقدوا أن ~~القدمين (1) متماثلان، أو أن الجسمين متماثلان، ونحو ذلك، قالوا: إن مثبتة ~~الصفات مشبهة. # فيقال لمن قال هذا (2) : إن كان مرادك بالنصب والتشبيه بغض علي وأهل ~~البيت، وجعل صفات الرب مثل صفات العبد (3) ، فأهل السنة ليسوا ناصبية ولا ~~مشبهة. # وإن كنت تريد (4) بذلك أنهم يوالون الخلفاء (5) ، ويثبتون صفات الله ~~تعالى فسم هذا بما شئت، إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل ~~الله بها من سلطان. # والمدح والذم إنما يتعلق بالأسماء إذا كان لها أصل في الشرع، كلفظ المؤمن ~~والكافر والبر والفاجر والعالم والجاهل. ثم من أراد أن يمدح أو يذم، فعليه ~~أن يبين دخول الممدوح والمذموم في تلك الأسماء التي علق الله ورسوله بها ~~المدح والذم، فأما إذا كان الاسم ليس له أصل في الشرع ودخول الداخل فيه مما ~~ينازع فيه المدخل، بطلت كل من المقدمتين وكان (6) هذا الكلام مما لا يعتمد ~~عليه إلا من لا يدري ما يقول. PageV02P608 # والكتاب والسنة ليس فيه لفظ " ناصبية " (1) ولا " مشبهة " ولا " حشوية " ~~ولا فيه أيضا لفظ " رافضة ". ونحن إذا قلنا " رافضة " نذكره للتعريف، لأن ~~مسمى هذا الاسم يدخل فيه أنواع مذمومة بالكتاب والسنة: من الكذب على الله ~~ورسوله، وتكذيب الحق الذي جاء به رسوله، ومعاداة أولياء الله ms0544 - بل خيار ~~أوليائه - وموالاة اليهود والنصارى والمشركين، كما تبين وجوه الذم. # وأهل السنة والجماعة لا يمكن أن يعمهم معنى مذموم في الكتاب والسنة بحال ~~كما يعم الرافضة. نعم يوجد في بعضهم ما هو مذموم، ولكن هذا لا يلزم منه ~~ذمهم، كما أن المسلمين إذا كان فيهم من هو مذموم لذنب ركبه، لم يستلزم ذلك ~~(2) ذم الإسلام وأهله القائمين (3) بواجباته. # الوجه الرابع (4) أن يقال: أما القول بأنه جسم أو ليس بجسم، فهذا مما ~~تنازع فيه أهل الكلام والنظر، وهي مسألة عقلية، وقد تقدم أن الناس فها على ~~ثلاثة أقوال: نفي وإثبات، ووقف، وتفصيل (5) ، وهذا هو الصواب الذي عليه ~~السلف والأئمة. # ولهذا لما ذكر أبو عيسى برغوث لأحمد هذا في مناظرته إياه، وأشار إلى أنه ~~إذا قلت إن القرآن غير مخلوق، لزم أن يكون الله جسما ; لأن PageV02P609 # القرآن صفة وعرض، ولا يكون إلا بفعل، والصفات والأعراض والأفعال لا تقوم ~~إلا بالأجسام، أجابه الإمام أحمد بأنا نقول: إن الله أحد صمد، لم يلد ولم ~~يولد، ولم يكن له كفوا أحد، وأن هذا الكلام لا يدرى مقصود صاحبه به، فلا ~~نطلقه لا نفيا ولا إثباتا. أما (1) من جهة الشرع فلأن الله ورسوله (2) وسلف ~~الأمة لم يتكلموا بذلك لا نفيا ولا إثباتا، فلا قالوا (3) : هو جسم، ولا ~~قالوا: [هو] (4) ليس بجسم. # ولما سلك من سلك في الاستدلال على حدوث العالم بحدوث الأجسام، ودخلوا في ~~هذا الكلام، ذم السلف (5) الكلام وأهله، حتى قال أبو يوسف: من طلب الدين ~~بالكلام تزندق (6) ، وقال الشافعي: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد ~~والنعال، ويطاف بهم في القبائل والعشائر، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب ~~والسنة وأقبل على الكلام (7) ، وقال: لقد اطلعت من أهل الكلام على شيء ما ~~ظننت مسلما يقوله، PageV02P610 # ولأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه (1) ما خلا الشرك بالله خير له من ~~أن يبتلى بالكلام (2) . وقد صنفت (3) في ذمهم مصنفات مثل كتاب أبي عبد ~~الرحمن السلمي (4) ، وكتاب شيخ الإسلام الأنصاري (5) وغير ذلك. # وأما من جهة العقل ms0545 فلأن هذا اللفظ مجمل يدخل فيه نافيه (6) معاني يجب ~~إثباتها لله، ويدخل فيه مثبته (7) ما ينزه الله تعالى عنه، فإذا لم يدر ~~مراد المتكلم [به لم ينف ولم يثبت، وإذا فسر] (8) مراده قبل الحق وعبر عنه ~~بالعبارات الشرعية ورد الباطل، وإن تكلم بلفظ لم يرد عن الشارع PageV02P611 # للحاجة إلى إفهام المخاطب بلغته مع ظهور المعنى الصحيح لم يكن بذلك [بأس، ~~فإنه يجوز] (1) ترجمة القرآن والحديث للحاجة إلى الإفهام، وكثير ممن قد ~~تعود عبارة معينة إن لم يخاطب بها لم يفهم ولم يظهر له (2) صحة القول ~~وفساده، وربما نسب المخاطب إلى أنه لا يفهم ما يقول. # وأكثر الخائضين في الكلام والفلسفة من هذا الضرب: ترى أحدهم يذكر له (3) ~~المعاني الصحيحة بالنصوص الشرعية فلا يقبلونها لظنهم أن في عبارتهم من ~~المعاني ما ليس في تلك، فإذا أخذ المعنى الذي دل عليه الشرع وصيغ (4) ~~بلغتهم، وبين به (5) بطلان قولهم المناقض للمعنى الشرعي، خضعوا لذلك (6) ~~وأذعنوا له، كالتركي والبربري [والرومي] (7) والفارسي الذي يخاطبه بالقرآن ~~العربي ويفسره فلا يفهمه حتى يترجم له شيئا بلغته (8) فيعظم سروره وفرحه، ~~ويقبل الحق ويرجع عن باطله، لأن المعاني التي جاء بها الرسول أكمل المعاني ~~وأحسنها وأصحها، لكن هذا يحتاج إلى كمال المعرفة لهذا ولهذا، كالترجمان ~~الذي [يريد أن] يكون حاذقا في فهم اللغتين (9) . PageV02P612 # وهذا الإمامي يناظر في ذلك أئمته كهشام [بن الحكم] (1) وأمثاله، ولا ~~يمكنه أن يقطعهم بوجه من الوجوه، كما لا يمكنه أن يقطع الخوارج بوجه من ~~الوجوه، وإن كان في قول الخوارج والمجسمة من الفساد ما فيه فلا يقدر أن ~~يدفعه إلا أهل السنة. # ونحن نذكر مثالا (2) فنقول: أهل السنة متفقون على أن الله لا يرى في ~~الدنيا ويرى في الآخرة، [لم يتنازع أهل السنة إلا في رؤية النبي - صلى الله ~~عليه وسلم -، مع أن أئمة السنة على أنه لم يره أحد بعينه في الدنيا مطلقا] ~~(3) ] ، وقد ذكر عن طائفة أنهم يقولون: إن الله (4) يرى في الدنيا، وأهل ~~السنة يردون على هذا بالكتاب والسنة مثل استدلالهم بأن ms0546 موسى [عليه السلام] ~~(5) منع منها، فمن هو دونه أولى، وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ~~«واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت» " [رواه مسلم في صحيحه. وروي ~~هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه متعددة] (6) ، وبطرق عقلية: ~~كبيانهم عجز الأبصار في الدنيا عن الرؤية ونحو ذلك. PageV02P613 # وأما هذا وأمثاله فليست لهم على هؤلاء (1) حجة لا عقلية ولا شرعية، فإن ~~عمدتهم في نفي الرؤية أنه لو رئي لكان في جهة ولكان جسما (2) ، وهؤلاء ~~[يقولون: إنه يرى في الدنيا، بل] (3) يقولون: إنه في جهة (4) وهو جسم. # فإن أخذوا في الاستدلال على نفي الجهة ونفي الجسم، كان منتهاهم معهم إلى ~~أنه لا تقوم به الصفات (5) ، وهؤلاء يقولون: تقوم به الصفات. فإن استدلوا ~~على ذلك، كان منتهاهم معهم إلى أن الصفات أعراض، وما قامت به الأعراض محدث. ~~وهؤلاء يقولون: تقوم به الأعراض، وهو قديم والأعراض عند هؤلاء تقوم ~~بالقديم. # فإن قالوا: الجسم لا يخلو عن الحركة أو السكون (6) ، وما لا يخلو ~~PageV02P614 # عنهما فهو محدث لامتناع حوادث لا أول لها، فهذا منتهى ما عند المعتزلة ~~وأتباعهم من الشيعة. # قال لهم أولئك: لا نسلم أن الجسم لا يخلوا عن الحركة والسكون [الوجوديين] ~~(1) ، بل يجوز خلوه عن الحركة، لأن السكون عدم الحركة [مطلقا (2) ، وعدم ~~الحركة] (3) عما من شأنه أن يقبلها، فيجوز ثبوت (4) جسم قديم ساكن لا ~~يتحرك. # وقالوا لهم (5) : لا نسلم امتناع حوادث لا أول لها، وطعنوا في أدلة نفي ~~ذلك بالمطاعن المعروفة، حتى حذاق المتأخرين (6) كالرازي وأبي الحسن الآمدي ~~وأبي الثناء الأرموي (7) وغيرهم طعنوا في ذلك (* كله، وطعن الرازي في ذلك ~~في مواضع وإن كان اعتمد عليه *) (8) في PageV02P615 # مواضع (1) . والآمدي طعن (2) في طرق الناس إلا طريقة ارتضاها (3) ، وهي ~~(4) أضعف من غيرها طعن فيها غيره. # فهذان مقامان من المقامات العقلية لا يقدر هؤلاء أن يغلبوا فيها شيوخهم ~~المتقدمين، فإذا كانوا لا ينفون (5) رؤيته في الدنيا (6) إلا بهذه الطريق، ~~لم يكن لهم حجة إلا على من يقول (7) : إنه يرى ويصافح وأمثال PageV02P616 # ذلك من المقالات ms0547 مع أن هذا [من] (1) أشنع المقالات عند أهل السنة ~~والجماعة، ولا يعرف له (2) قائل [معدود] (3) من أهل السنة والحديث. # وبيان هذا: بالوجه الخامس (4) [وهو] (5) أن يقال: هذه الأقوال حكاها ~~الناس عن شرذمة قليلة أكثرهم من الشيعة، وبعضهم من غلاة النساك، وداود ~~الجواربي (6) . (* قال الأشعري في " المقالات " (7) : وقال داود الجواربي ~~(8) *) (9) ومقاتل بن سليمان: إن الله جسم، وأنه جثة وأعضاء على صورة ~~الإنسان (10) : لحم (11) ودم وشعر وعظم، له PageV02P617 # جوارح (1) وأعضاء من يد ورجل (2) ولسان (3) ورأس وعينين (4) وهو مع هذا ~~(5) لا يشبه غيره ولا يشبهه غيره (6) . وحكي عن داود الجواربي (7) أنه كان ~~يقول: إنه (8) أجوف من فيه إلى صدره ومصمت ما سوى ذلك ". # " وقال هشام بن سالم الجواليقي: إن الله على صورة [الإنسان] (9) ، وأنكر ~~أن يكون لحما ودما، وإنه نور ساطع يتلألأ بياضا (10) ، وإنه ذو حواس خمس ~~كحواس الإنسان: سمعه غير بصره (11) ، وكذلك سائر حواسه: له يد ورجل [وأذن] ~~(12) وعين وأنف وفم، وإن له وفرة سوداء ". # قلت: أما داود الجواربي فقد عرف عنه القول المنكر الذي أنكره عليه أهل ~~السنة. وأما مقاتل فالله أعلم بحقيقة حاله. والأشعري ينقل هذه المقالات من ~~كتب المعتزلة، وفيهم انحراف على (13) مقاتل بن سليمان، PageV02P618 # فلعلهم زادوا في النقل عنه، أو نقلوا عنه، أو نقلوا عن غير ثقة، وإلا فما ~~أظنه يصل إلى هذا الحد (1) . وقد قال الشافعي: من أراد التفسير فهو عيال ~~على مقاتل، ومن أراد الفقه فهو عيال على أبي حنيفة (2) . # ومقاتل بن سليمان، وإن لم يكن ممن يحتج به في الحديث - بخلاف مقاتل بن ~~حيان (3) فإنه ثقة - لكن لا ريب (4) في علمه بالتفسير وغيره واطلاعه (5) ، ~~كما أن أبا حنيفة وإن كان الناس خالفوه في أشياء PageV02P619 # وأنكروها عليه فلا يستريب أحد في فقهه وفهمه وعلمه، وقد نقلوا عنه أشياء ~~يقصدون بها الشناعة عليه، وهي كذب عليه قطعا، مثل مسألة الخنزير البري ~~ونحوها، وما يبعد (1) أن يكون النقل عن مقاتل من هذا الباب. # وهذا الإمامي (2) نقل النقل المذكور عن داود الطائي، وهذا جهل منه، أو من ~~نقله [هو ms0548] (3) عنه، فإن داود الطائي كان رجلا صالحا زاهدا عابدا ~~PageV02P620 # فقيها من أهل الكوفة، في زمن أبي حنيفة والثوري وشريك وابن أبي ليلى (1) ~~وكان قد تفقه ثم انقطع للعبادة، وأخباره وسيرته مشهورة عند (2) العلماء (3) ~~، ولم يقل الرجل شيئا من هذا الباطل، وإنما القائل لذلك داود الجواربي، ~~فكأنه اشتبه عليه أو على شيوخه الجواربي بالطائي (4) ، إن لم يكن (5) الغلط ~~في النسخة التي أحضرت [إلي] ، وداود الجواربي أظنه (6) PageV02P621 # كان من أهل البصرة متأخرا عن هذا، وقصته معروفة (1) . # قال الأشعري (2) : " وفي الأمة (3) قوم ينتحلون النسك، يزعمون أنه جائز ~~على الله تعالى (4) الحلول في الأجسام (5) ، وإذا رأوا شيئا يستحسنونه ~~قالوا: لا ندري، لعله، ربما هو (6) . # ومنهم من يقول: إنه يرى الله في الدنيا على قدر الأعمال (7) ، فمن كان ~~عمله أحسن رأى معبوده أحسن. # ومنهم من يجوز على الله تعالى المعانقة والملامسة والمجالسة في الدنيا ~~(8) ، ومنهم من يزعم أن الله تعالى ذو أعضاء وجوارح وأبعاض: لحم ودم على ~~صورة الإنسان، له ما للإنسان من الجوارح. # وكان من الصوفية رجل يعرف بأبي شعيب يزعم أن الله يسر ويفرح بطاعة ~~أوليائه، ويغتم ويحزن إذا عصوه. PageV02P622 # وفي النساك قوم يزعمون أن العبادة تبلغ بهم إلى منزلة (1) تزول عنهم ~~العبادات، وتكون الأشياء المحظورات على غيرهم - من الزنا وغيره - مباحات ~~لهم. # وفيهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم إلى أن يروا الله (2) ، ويأكلوا (3) ~~من ثمار الجنة، ويعانقوا (4) الحور العين في الدنيا ويحاربوا الشياطين. # ومنهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم [إلى] (5) أن يكونوا أفضل من النبيين ~~والملائكة المقربين ". # [قلت: هذه المقالات التي (6) حكاها الأشعري - وذكروا أعظم منها - موجودة ~~في الناس قبل هذا الزمان. وفي هذا الزمان منهم من يقول بحلوله في الصور ~~الجميلة، ويقول إنه بمشاهدة الأمرد يشاهد معبوده أو صفات معبوده أو مظاهر ~~جماله، ومن هؤلاء من يسجد للأمرد. ثم من هؤلاء من يقول بالحلول والاتحاد ~~العام، لكنه يتعبد بمظاهر الجمال، لما في ذلك من اللذة له، فيتخذ إلهه ~~هواه، وهذا موجود في كثير من المنتسبين إلى الفقر والتصوف. ومنهم ms0549 من يقول ~~إنه يرى الله مطلقا ولا يعين الصورة الجميلة. بل يقولون: إنهم يرونه في صور ~~مختلفة. ومنهم من يقول: إن المواضع المخضرة خطا عليها، وإنما اخضرت من وطئه ~~عليها، وفي PageV02P623 # ذلك حكايات متعددة يطول وصفها، وأما القول بالإباحة وحل المحرمات - أو ~~بعضها - للكاملين في العلم والعبادة فهذا أكثر من الأول، فإن هذا قول أئمة ~~الباطنية القرامطة الإسماعيلية وغير الإسماعيلية وكثير من الفلاسفة، ولهذا ~~يضرب بهم المثل فيقال: فلان يستحل دمي كاستحلال الفلاسفة محظورات الشرائع. ~~وقول كثير ممن ينتسب إلى التصوف والكلام، وكذلك من يفضل نفسه أو متبوعه على ~~الأنبياء، موجود كثير في الباطنية والفلاسفة وغلاة المتصوفة وغيرهم، وبسط ~~الكلام على هذا له موضع آخر] (1) . # ففي الجملة هذه مقالات منكرة باتفاق علماء السنة والجماعة وهي وأشنع منها ~~- موجودة (2) في الشيعة. # وكثير من النساك يظنون (3) أنهم يرون الله في الدنيا بأعينهم، وسبب ذلك ~~أنه (4) يحصل لأحدهم في قلبه بسبب ذكر الله تعالى وعبادته من الأنوار (5) ~~ما يغيب [به] (6) عن حسه الظاهر، حتى يظن أن ذلك [هو] شيء (7) يراه بعينه ~~الظاهرة، وإنما هو موجود في قلبه. # ومن هؤلاء من تخاطبه تلك الصورة (8) التي يراها خطاب الربوبية ~~PageV02P624 # ويخاطبها أيضا بذلك، ويظن أن ذلك كله موجود في الخارج عنه، وإنما هو ~~موجود في نفسه، كما يحصل للنائم إذا رأى ربه في صورة بحسب حاله. فهذه ~~الأمور تقع كثيرا في زماننا وقبله، ويقع الغلط منهم حيث يظنون أن ذلك موجود ~~في الخارج. # [وكثير من هؤلاء يتمثل له الشيطان، ويرى نورا أو عرشا أو نورا على العرش ~~ويقول: أنا ربك. ومنهم من يقول: أنا نبيك، وهذا قد وقع لغير واحد. ومن ~~هؤلاء من تخاطبه الهواتف بخطاب على لسان الإلهية أو غير ذلك، ويكون المخاطب ~~له جنيا، كما قد وقع لغير واحد. لكن بسط (الكلام) (1) على ما يرى ويسمع وما ~~هو في النفس والخارج، وتمييز حقه من باطله ليس هذا موضعه، وقد تكلمنا عليه ~~في غير هذا الموضع] (2) . # وكثير من الجهال أهل الحال (3) وغيرهم يقولون: إنهم يرون ms0550 الله عيانا في ~~الدنيا، وأنه يخطوا خطوات (4) . # [وقد يقولون مع ذلك من المقالات ما هو أعظم من الكفر كقول بعضهم: كل رزق ~~لا يرزقنيه الشيخ فلان لا أريده، وقول بعضهم: إن شيخهم هو شيخ الله ورسوله، ~~وأمثال ذلك من مقالات الغلاة في الشيوخ، لكن يوجد في جنس المنتسبين إلى ~~الشيعة من الإسماعيلية والغلاة من PageV02P625 # النصيرية وغيرهم ما هو أعظم غلوا وكفرا من هذه المقالات، فلا يكاد يوجد ~~من المنتسبين إلى السنة مقالة خبيثة إلا وفي جنس الشيعة ما هو أخبث منها] ~~(1) . # وأهل الوحدة (2) القائلون بوحدة الوجود، كأصحاب ابن عربي وابن سبعين (3) ~~(4) يدعون أنهم يشاهدون الله دائما، فإن [عندهم] (5) مشاهدته في الدنيا ~~والآخرة على وجه واحد، إذ كانت ذاته (6) الوجود المطلق الساري في الكائنات. # فهذه المقالات وأمثالها موجودة في الناس، ولكن المقالات الموجودة في ~~الشيعة أشنع وأقبح، كما هو موجود في الغالية من النصيرية وأمثالهم، ولهذا ~~كان النصيرية يعظمون القائلين بوحدة [الوجود] (7) . وكان التلمساني (8) شيخ ~~القائلين بالوحدة [الذي شرح " مواقف " PageV02P626 # النفري (1) . وصنف غير ذلك] (2) قد ذهب إلى النصيرية وصنف لهم كتابا وهم ~~يعظمونه جدا، وحدثني نقيب الأشراف عنه (3) أنه قال: قلت له: أنت نصيري؟ ~~قال: نصير جزء مني (4) ; والنصيرية يعظمونه غاية التعظيم. ### | التعليق على ما ذكره الرافضي من رمد الله وبكائه وغير ذلك # وأما ما ذكره [هذا الإمامي] (5) من رمده وعيادة الملائكة له وبكائه على ~~طوفان نوح [عليه السلام] ; (6) فهذا قد رأيناهم ينقلونه (7) عن بعض اليهود، ~~ولم أجد هذا منقولا عمن أعرفه من المسلمين (8) ، فإن كان هذا قد قاله ~~PageV02P627 # بعض أهل القبلة فلا ينكر وقوع مثل ذلك (1) ، فإن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - قد قال: " «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة (2) حتى لو ~~دخلوا جحر ضب (3) لدخلتموه» " (4) . لكن مشابهة ب (فقط) : لمشابهة. الرافضة ~~لليهود ووجود (5) مثل هذا فيهم أظهر من وجوده في المنتسبين إلى السنة ~~[والجماعة] (6) . ### | [التعليق على قول الرافضي: يفضل عنه العرش من كل جانب أربع أصابع] # وأما قوله (7) : إنه يفضل عنه العرش (8) من كل جانب أربع أصابع ms0551 ; ~~PageV02P628 # (1 فهذا لا أعرف قائلا له ولا ناقلا، ولكن روي في 1) (1) حديث عبد الله ~~بن خليفة (2) أنه: ما يفضل من العرش أربع أصابع، يروى بالنفي ويروى ~~بالإثبات، والحديث قد طعن فيه غير واحد من المحدثين كالإسماعيلي وابن ~~الجوزي، [ومن الناس من ذكر له شواهد وقواه (3) . # ولفظ النفي لا يرد عليه شيء، فإن مثل هذا اللفظ يرد (4) لعموم النفي كقول ~~النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «ما في السماء موضع أربع أصابع إلا وملك] ~~(5) قائم أو قاعد أو راكع أو ساجد» (6) "، أي ما فيها موضع. PageV02P629 # ومنه قول العرب: ما في السماء قدر كف سحابا، وذلك لأن الكف تقدر (1) بها ~~الممسوحات كما يقدر بالذراع، وأصغر الممسوحات التي يقدرها الإنسان من ~~أعضائه كفه (2) ، فصار هذا مثلا لأقل شيء. # فإذا قيل: إنه ما يفضل من العرش أربع أصابع، كان المعنى: ما يفضل منه ~~شيء، والمقصود هنا بيان أن الله أعظم وأكبر من العرش. # ومن المعلوم أن الحديث إن لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم -[قد] (3) ~~قاله فليس علينا منه، [وإن كان [قد] (4) قاله فلم يجمع بين النفي والإثبات] ~~(5) ] ، وإن (6) كان قاله بالنفي لم يكن قاله بالإثبات ; [والذين قالوه ~~بالإثبات] (7) ذكروا فيه ما يناسب أصولهم، كما قد بسط في غير هذا الموضع. # فهذا وأمثاله - سواء كان حقا أو باطلا - لا يقدح في مذهب أهل السنة ولا ~~يضرهم، لأنه بتقدير أن يكون باطلا ليس هو قول جماعتهم، بل غايته ~~PageV02P630 # أنه [قد] (1) قالته طائفة ورواه بعض الناس، وما كان (2) باطلا رده جمهور ~~أهل السنة كما يردون غير ذلك، فإن كثيرا من المسلمين يقول كثيرا من الباطل، ~~فما يكون هذا ضار لدين المسلمين، وفي أقوال الإمامية من المنكرات ما يعرف ~~مثل هذا فيه، لو كان قد قاله [بعض] (3) أهل السنة. (فصل) # قال الإمامي (4) : " وذهب بعضهم إلى أن الله ينزل كل ليلة جمعة بشكل أمرد ~~(5) راكبا على حمار، حتى أن بعضهم ببغداد وضع على سطح داره معلفا يضع كل ~~(6) ليلة جمعة فيه شعيرا وتبنا، لتجويز أن ينزل الله تعالى على ms0552 حماره على ~~ذلك السطح، فيشتغل الحمار بالأكل ويشتغل الرب بالنداء: هل من تائب؟ هل من ~~مستغفر؟ (7) تعالى الله عن مثل هذه العقائد الردية في حقه تعالى (8) . # وحكي عن بعض المنقطعين المباركين (9) من شيوخ الحشوية أنه اجتاز عليه في ~~بعض الأيام نفاط (10) ومعه أمرد حسن الصورة قطط PageV02P631 # الشعر على الصفات التي يصفون ربهم بها، فألح الشيخ بالنظر إليه وكرره ~~وأكثر تصويبه إليه (1) فتوهم فيه النفاط فجاء إليه (2) ليلا وقال: أيها ~~الشيخ رأيتك تلح بالنظر (3) إلى هذا الغلام وقد أتيتك به (4) ، فإن كان لك ~~فيه نية فأنت الحاكم (5) . فحرد الشيخ عليه وقال: إنما كررت النظر إليه لأن ~~مذهبي أن الله ينزل على صورته (6) فتوهمت أنه الله تعالى، فقال له النفاط: ~~ما أنا عليه من [النفاطة] (7) أجود مما أنت عليه من الزهد مع هذه المقالة ~~". # فيقال: هذه الحكاية وأمثالها دائرة (8) بين أمرين: إما أن تكون كذبا محضا ~~ممن افتراها على بعض شيوخ أهل بغداد (9) ، وإما أن تكون قد وقعت لجاهل ~~مغمور (10) ليس بصاحب قول ولا مذهب، وأدنى العامة أعقل منه وأفقه. # وعلى التقديرين فلا يضر ذلك أهل السنة شيئا، لأنه من المعلوم لكل ~~PageV02P632 # ذي علم (1) أنه ليس من العلماء المعروفين بالسنة من يقول مثل هذا ~~الهذيان، الذي لا ينطلي على صبي من الصبيان. ومن المعلوم أن العجائب ~~المحكية عن شيوخ الرافضة أكثر وأعظم من هذا، مع أنها صحيحة واقعة. # وأما هذه الحكاية فحدثني طائفة من ثقات أهل بغداد (2) أنها كذب محض ~~عليهم، وضعها إما (3) هذا المصنف، أو من حكاها له للشناعة، وهذا هو الأقرب، ~~فإن أهل بغداد لهم من المعرفة والتمييز والذهن ما لا يروج عليهم معه (4) ~~مثل هذا. # ومما يبين كذب ذلك عليهم أن هذا الحديث الذي ذكره لم يروه أحد لا بإسناد ~~صحيح ولا ضعيف (5) ، ولا روى أحد [من أهل الحديث] (6) أن الله تعالى ينزل ~~ليلة الجمعة، [ولا أنه ينزل ليلة الجمعة] (7) إلى الأرض (8) ، ولا أنه ينزل ~~في شكل PageV02P633 # أمرد (1) بل لا يوجد في الآثار شيء من هذا الهذيان، بل ولا ms0553 في [شيء ~~PageV02P634 # من] (1) الأحاديث الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الله ~~ينزل إلى الأرض، وكل حديث روي فيه هذا فإنه موضوع كذب، مثل حديث الجمل ~~الأورق، وأن [الله] ينزل (2) عشية عرفة فيعانق الركبان ويصافح المشاة (3) ، ~~وحديث آخر أنه رأى ربه في الطواف، وحديث آخر أنه رأى ربه في بطحاء مكة، ~~وأمثال ذلك، فإن هذه كلها أحاديث مكذوبة باتفاق أهل المعرفة بالحديث، ~~والذين وضعوها منهم طائفة وضعوها على أهل الحديث ليقال: إنهم ينقلون مثل ~~هذا، (* كما وضعوا [مثل] (4) حديث عرق الخيل عليهم (5) ، وطائفة من الجهال ~~والضلال وضعوا مثل هذا *) (6) الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ~~وضعت الروافض ما هو أعظم وأكثر من هذا الكذب، ولو لم يكن إلا ما ذكره هذا ~~الإمامي في مصنفه هذا من الأحاديث، فإن فيها من الكذب الذي أجمع أهل العلم ~~PageV02P635 # بالحديث (1) على كذبه، ومن الكذب (2) الذي لا يخفى أنه كذب إلا على مفرط ~~في الجهل، ما قد ذكره في " منهاج الندامة ". # وقد قدمنا القول بأن أهل السنة متفقون على أن الله لا يراه أحد بعينه في ~~الدنيا: لا نبي ولا غير نبي، ولم يتنازع الناس في ذلك إلا في نبينا [محمد] ~~(3) - صلى الله عليه وسلم - خاصة (4) ، مع أن أحاديث المعراج المعروفة (5) ~~ليس في شيء منها أنه رآه أصلا، وإنما روي ذلك بإسناد [ضعيف] (6) موضوع من ~~طريق أبي عبيدة ذكره الخلال والقاضي أبو يعلى في كتاب " إبطال التأويل "، ~~وأهل العلم بالحديث [متفقون] (7) على أنه حديث موضوع [كذب] (8) . # وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر [رضي الله عنه] (9) قال: «قلت ~~PageV02P636 # يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال: " نور أنى أراه» (1) . ولم يثبت أن أحدا ~~من الصحابة سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الرؤية إلا ما (2) في ~~الحديث. # وما يرويه بعض العامة أن أبا بكر سأله، فقال: رأيته، وأن عائشة سألته ~~فقال: لم أره، كذب باتفاق أهل العلم، لم يروه أحد من أهل العلم بإسناد صحيح ~~ولا ضعيف ; ولهذا اعتمد الإمام أحمد ms0554 على قول أبي ذر في الرؤية، (3) وكذلك ~~عثمان بن سعيد الدارمي (4) . # وأما أحاديث النزول (5) إلى السماء الدنيا (6) كل ليلة فهي الأحاديث ~~المعروفة الثابتة عند أهل العلم بالحديث (7) ، وكذلك حديث دنوه عشية ~~PageV02P637 # عرفة " رواه مسلم في صحيحه (1) ، وأما النزول ليلة النصف من شعبان ففيه ~~حديث اختلف في إسناده (2) . # ثم إن جمهور أهل السنة يقولون: إنه ينزل ولا يخلو منه العرش، كما نقل مثل ~~ذلك عن إسحاق بن راهويه (3) وحماد بن زيد وغيرهما، ونقلوه PageV02P638 # عن أحمد بن حنبل في رسالته إلى مسدد (1) [يقول] (2) : " وهم متفقون على ~~أن الله (3) ليس كمثله شيء، وأنه لا يعلم كيف ينزل، ولا تمثل صفاته بصفات ~~خلقه ". # وقد تنازعوا في النزول هل هو [صفة] (4) فعل منفصل عن الرب في المخلوقات ~~(5) أو فعل من يقوم به، على قولين معروفين لأهل السنة من أصحاب مالك ~~والشافعي وأحمد (6) وأبي حنيفة وغيرهم من أهل الحديث والتصوف. # وكذلك تنازعهم في الاستواء على العرش هل هو فعل (7) منفصل عنه ~~PageV02P639 # يفعله بالعرش كتقريبه إليه، أو فعل يقوم بذاته على قولين. والأول قول ابن ~~كلاب والأشعري والقاضي أبي يعلى وأبي الحسن التميمي وأهل بيته (1) وأبي ~~سليمان الخطابي (2) وأبي بكر البيهقي (3) وابن الزاغوني وابن عقيل (4) ~~وغيرهم ممن يقول: إنه لا يقوم بذاته ما يتعلق بمشيئته وقدرته. # والثاني قول أئمة الحديث (5) وجمهورهم كابن المبارك وحماد بن زيد (6) ~~والأوزاعي (7) والبخاري وحرب الكرماني (8) وابن خزيمة (9) ويحيى بن عمار ~~السجستاني (10) وعثمان بن سعيد الدارمي (11) وابن حامد (12) وأبي بكر عبد ~~العزيز (13) وأبي عبد الله بن منده (14) [وأبي] إسماعيل الأنصاري (15) ~~PageV02P640 # وغيرهم، وليس هذا موضعا لبسط الكلام في هذه المسائل، وإنما المقصود ~~التنبيه على أن ما ذكره هذا مما يعلم العقلاء أنه لا يقوله أحد من علماء ~~أهل السنة، ولا يعرف أنه قاله لا جاهل ولا عالم، بل الكذب عليه ظاهر. ### | قول ابن المطهر إن قول الكرامية بالجهة يعني الحدوث والاحتياج إلى جهة ورد ابن تيمية # (فصل) قال الرافضي المصنف: (1) " وقالت الكرامية: إن الله (2) في جهة فوق ~~; ولم يعلموا أن كل ما هو في ms0555 جهة (3) [فهو محدث] (4) ومحتاج إلى تلك الجهة ~~". # فيقال له أولا: لا الكرامية ولا غيرهم يقولون: إنه في جهة موجودة تحيط به ~~(5) أو يحتاج إليها، بل كلهم متفقون على أن الله تعالى غني (6) عن كل ما ~~سواه: سمي جهة أو لم يسم (7) . # نعم قد يقولون: " هو في جهة " ويعنون بذلك أنه فوق العالم، فهذا مذهب ~~الكرامية وغيرهم (8) ، وهو أيضا مذهب أئمة الشيعة وقدمائهم (9) كما ~~PageV02P641 # تقدم ذكره، وأنت لم تذكر حجة على إبطاله، فمن شنع على الناس بمذاهبهم (1) ~~، فلا بد أن يشير إلى إبطاله (2) ، وجمهور الخلق (3) على أن الله فوق ~~العالم، وإن كان أحدهم لا يلفظ بلفظ " الجهة " فهم يعتقدون بقلوبهم ~~[ويقولون] (4) بألسنتهم أن (5) ربهم فوق، ويقولون إن هذا أمر فطروا عليه ~~وجبلوا عليه، كما قال الشيخ أبو جعفر الهمذاني (6) لبعض PageV02P642 # من أخذ ينكر الاستواء ويقولون (1) : لو استوى على العرش لقامت به ~~الحوادث، فقال أبو جعفر (2) ما معناه: إن الاستواء علم بالسمع، ولو لم يرد ~~به لم نعرفه، وأنت قد تتأوله، فدعنا من هذا وأخبرنا عن هذه الضرورة التي ~~نجدها في قلوبنا، فإنه ما قال عارف قط: يا الله، إلا وقبل أن ينطق بلسانه ~~(3) ، يجد في قلبه معنى يطلب العلو لا يلتفت يمنة ولا يسرة، فهل عندك من ~~حيلة في دفع هذه الضرورة عن قلوبنا؟ فلطم المتكلم رأسه (4) وقال: حيرني ~~الهمداني، [حيرني الهمداني، حيرني الهمداني] (5) . # ومضمون كلامه (6) أن دليلك على النفي لو صح فهو (7) نظري، ونحن نجد عندنا ~~علما ضروريا بهذا (8) ، فنحن مضطرون إلى هذا العلم (9) وإلى PageV02P643 # هذا القصد، فهل عندك [من] حيلة (1) في دفع هذا العلم الضروري والقصد ~~الضروري الذي يلزمنا لزوما لا يمكننا دفعه عن أنفسنا ; ثم بعد ذلك قرر ~~نقيضه. # وأما دفع الضروريات بالنظريات فغير ممكن، لأن النظريات (2) غايتها أن ~~يحتج عليها بمقدمات ضرورية. فالضروريات أصل النظريات، فلو قدح في الضروريات ~~بالنظريات لكان ذلك قدحا في أصل النظريات، فتبطل الضروريات والنظريات، (3 ~~فيلزمنا بطلان قدحه على كل تقدير 3) (3) ، إذ كان قدح الفرع في أصله يقتضي ~~فساده في نفسه، وإذا فسد ms0556 بطل قدحه، (* فيكون قدحه باطلا على [تقدير] صحته ~~(4) وعلى تقدير فساده *) (5) ، فإن صحته مستلزمة لصحة أصله، فإذا صح كان ~~أصله صحيحا، وفساده لا يستلزم فساد أصله، إذ قد يكون الفساد منه، ولو قدح ~~في أصله للزم فساده، وإذا كان فاسدا لم يقبل قدحه، فلا يقبل قدحه بحال. # (* وهذا [لأن] (6) الدليل النظري الموقوف على مقدمات وعلى تأليفها قد ~~يكون فساده من فساد هذه المقدمة، ومن فساد الأخرى، ومن فساد النظم، فلا ~~يلزم إذا كان باطلا أن يبطل كل واحد من المقدمات، بخلاف المقدمات، فإنه متى ~~كان واحد منها باطلا بطل الدليل *) (7) . PageV02P644 # وأيضا، فإن هؤلاء قرروا ذلك (1) بأدلة عقلية، كقولهم: كل موجودين إما ~~متباينان وإما متداخلان (2) ، وقالوا: إن العلم بذلك ضروري، وقالوا: إثبات ~~موجود لا يشار إليه مكابرة للحس والعقل. # وأيضا، فمن المعلوم أن القرآن نطق (3) بالعلو في مواضع كثيرة [جدا] (4) ، ~~حتى قد قيل (5) إنها نحو (6) ثلاثمائة موضع، والسنن متواترة عن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - بمثل ذلك، وكلام السلف المنقول عنهم بالتواتر يقتضي ~~اتفاقهم على ذلك وأنه لم يكن فيهم (7) من ينكره. # ومن يريد التشنيع على الناس، ودفع هذه الأدلة الشرعية والعقلية لا بد أن ~~يذكر حجة. ولنفرض أنه لا يناظره إلا أئمة أصحابه (8) ، وهو لم يذكر دليلا ~~إلا قوله: " ولم يعلموا أن كل ما هو في جهة فهو محدث ومحتاج إلى تلك الجهة ~~". # فيقال له: لم يعلموا ذلك ولم تذكر ما به يعلم ذلك (9) ، فإن قولك: ما هو ~~محتاج إلى تلك الجهة، إنما يستقيم إذا كانت الجهة أمرا وجوديا وكانت لازمة ~~له لا يستغني عنها، فلا ريب أن من قال: إن الباري لا يقوم PageV02P645 # إلا بمحل يحل فيه لا يستغني عن ذلك وهي مستغنية عنه، فقد جعله محتاجا إلى ~~غيره، وهذا لم يقله أحد. # وأيضا لم نعلم أحدا قال: إنه محتاج إلى شيء من مخلوقاته، فضلا عن أن يكون ~~محتاجا إلى غير مخلوقاته. ولا يقول أحد: إن الله محتاج إلى العرش، مع أنه ~~خالق العرش، والمخلوق مفتقر إلى الخالق، لا ms0557 يفتقر الخالق إلى المخلوق، ~~وبقدرته قام العرش وسائر المخلوقات، وهو الغني عن العرش، وكل ما سواه فقير ~~إليه. # فمن فهم عن الكرامية وغيرهم من طوائف الإثبات أنهم يقولون: إن الله محتاج ~~إلى العرش فقد افترى عليهم، كيف وهم يقولون: إنه كان موجودا قبل العرش؟ ~~فإذا كان موجودا قائما بنفسه قبل العرش لا يكون إلا مستغنيا عن العرش. # وإذا كان الله فوق العرش لم يجب أن يكون محتاجا إليه، فإن الله قد خلق ~~العالم بعضه فوق بعض، ولم يجعل عاليه محتاجا إلى سافله، فالهواء فوق الأرض ~~وليس محتاجا إليها، وكذلك السحاب فوقها وليس محتاجا إليها، وكذلك السماوات ~~فوق السحاب والهواء والأرض وليست محتاجة إلى ذلك، فكيف يكون العلي الأعلى ~~خالق كل شيء محتاجا إلى مخلوقاته (1) لكونه فوقها عاليا عليها؟ ! ~~PageV02P646 # ونحن نعلم أن الله خالق كل شيء، وأنه لا حول ولا قوة إلا به، وأن القوة ~~التي في العرش وفي حملة العرش هو خالقها، بل نقول: إنه خالق أفعال (1) ~~الملائكة الحاملين للعرش (2) ; فإذا كان هو الخالق لهذا كله، ولا حول ولا ~~قوة إلا به، امتنع أن يكون محتاجا إلى غيره. # ولو احتج عليه سلفه مثل يونس [بن عبد الرحمن] القمي (3) وأمثاله ممن يقول ~~بأن العرش يحمله بمثل هذا، لم يكن له (4) عليهم حجة، فإنهم يقولون: لم نقل ~~إنه محتاج إلى غيره، بل ما زال غنيا عن العرش وغيره، ولكن قلنا: إنه على كل ~~شيء قدير، فإذا جعلناه قادرا على هذا، كان ذلك وصفا له بكمال الاقتدار، لا ~~بالحاجة إلى الأغيار. PageV02P647 # وقد قدمنا فيما مضى أن لفظ " الجهة " يراد به أمر موجود وأمر معدوم ; فمن ~~قال: إنه فوق العالم كله، لم يقل: إنه في جهة موجودة، إلا أن يراد (1) ~~بالجهة (* العرش، ويراد بكونه فيها أنه عليها، كما قد (2) قيل في قوله: إنه ~~في السماء، أي على السماء. # وعلى هذا التقدير فإذا كان فوق الموجودات كلها، وهو غني عنها، لم يكن ~~عنده جهة وجودية يكن فيها، فضلا عن أن يحتاج إليها. # وإن أريد بالجهة ms0558 *) (3) ما فوق العالم، فذاك ليس بشيء، ولا هو أمر موجود ~~(4) حتى يقال: إنه محتاج إليه أو غير محتاج إليه. وهؤلاء أخذوا لفظ الجهة ~~بالاشتراك وتوهموا وأوهموا أنه (5) إذا كان في جهة كان في [كل] (6) شيء ~~غيره، كما يكون الإنسان في بيته [وكما يكون الشمس والقمر والكواكب في ~~السماء] (7) ، ثم رتبوا على ذلك أنه يكون محتاجا إلى غيره، والله تعالى غني ~~عن كل ما سواه، وهذه مقدمات كلها باطلة. # وكذلك قوله: " كل ما هو في جهة فهو محدث " لم يذكر عليه دليلا، وغايته ~~(8) ما تقدم من أن [الله] (9) لو كان في جهة لكان جسما، وكل جسم ~~PageV02P648 # محدث، لأن الجسم لا يخلو من الحوادث [وما لا يخلو من الحوادث] (1) فهو ~~حادث. # وكل هذه المقدمات فيها نزاع: فمن الناس من يقول: قد يكون في الجهة ما ليس ~~بجسم ; فإذا قيل له: هذا خلاف المعقول، قال: هذا أقرب إلى العقل من قول من ~~يقول: إنه لا داخل العالم ولا خارجه، فإن قبل العقل ذاك قبل هذا بطريق ~~الأولى، وإن رد هذا رد ذاك بطريق الأولى، وإذا رد ذاك تعين أن يكون في ~~الجهة، [فثبت أنه في الجهة] (2) على التقديرين. # ومن الناس من لا يسلم أن كل جسم محدث، كسلفه من الشيعة والكرامية وغيرهم، ~~والكلام معهم. # وهؤلاء لا يسلمون [له] (3) أن الجسم لا يخلو من الحوادث، بل يجوز عندهم ~~خلو الجسم عن الحركة وكل حادث، كما يجوز منازعوهم خلو الصانع من الفعل إلى ~~أن فعل (4) . # وكثير من أهل الحديث والكلام والفلسفة (5) ينازعهم (6) في قولهم: إن ما ~~لا يخلو عن الحادث (7) فهو حادث. PageV02P649 # وكل مقام من هذه المقامات تعجز شيوخ الرافضة [الموافقين] للمعتزلة (1) عن ~~تقرير قولهم فيه على إخوانهم القدماء من [الرافضة] (2) فضلا، عن غيرهم من ~~الطوائف. # تم الجزء الثاني بحمد الله ويليه الجزء الثالث إن شاء الله وأوله: (فصل) ~~: قال الرافضي: وذهب آخرون إلى أن الله تعالى لا يقدر على مثل مقدور العبد. ~~PageV02P650 ### | [فصل قول الرافضي إن الله تعالى لا يقدر على مثل مقدور العباد ms0559 والرد عليه] # فصل. # قال الرافضي (1) : " وذهب آخرون إلى أن الله تعالى لا يقدر على مثل مقدور ~~العباد " (2) . # فيقال له: هذه المسألة من دقيق الكلام، وليست من خصائص أهل السنة ولا ~~القائلون (3) بخلافة الخلفاء متفقون عليها (4) [بل بعض القدرية يقول بذلك، ~~وأما أهل السنة المثبتون للقدر فليس فيهم من يقول بذلك، وإنما يقوله من ~~يقوله من شيوخ القدرية الذين هم شيوخ هؤلاء الإمامية المتأخرين في مسائل ~~التوحيد والعدل (5) ، (فإن جميع ما يذكره هؤلاء الإمامية المتأخرون في ~~مسائل التوحيد والعدل) (6) ، كابن النعمان والموسوي الملقب بالمرتضى وأبي ~~جعفر الطوسي (7) وغيرهم، هو (8) مأخوذ من PageV03P005 # كتب المعتزلة، بل كثير منه منقول نقل المسطرة وبعضه قد تصرفوا فيه. # وكذلك ما يذكرونه من (1) تفسير القرآن في آيات الصفات والقدر ونحو ذلك، ~~هو منقول من تفاسير المعتزلة كالأصم (2) والجبائي (3) وعبد الجبار بن أحمد ~~الهمذاني (4) والرماني (5) وأبي مسلم الأصبهاني (6) وغيرهم، لا ينقل عن ~~قدماء الإمامية من هذا حرف واحد، لا في الأصول العقلية ولا في PageV03P006 # تفسير القرآن، وقدماؤهم كانوا أكثر اجتماعا بالأئمة من متأخريهم، يجتمعون ~~بجعفر الصادق وغيره، فإن كان هذا هو الحق فقدماؤهم كلهم ضلال، وإن كان ~~ضلالا (1) فمتأخروهم هم الضلال] (2) . ### | [فصل كلام الرافضي في القضاء والقدر أن الله عز وجل يفعل القبائح] # [فصل] قال الرافضي (3) : " وذهب الأكثر منهم إلى أن الله عز وجل (4) يفعل ~~القبائح، وأن جميع أنواع المعاصي والكفر وأنواع الفساد واقعة بقضاء الله ~~وقدره، وأن العبد لا تأثير له في ذلك، وأنه لا غرض لله في أفعاله، وأنه لا ~~يفعل (5) لمصلحة العباد (6) شيئا، PageV03P007 # وأنه تعالى يريد المعاصي من الكافر ولا يريد منه الطاعة وهذا يستلزم ~~أشياء شنيعة ". # فيقال: الكلام على هذا من وجوه. # أحدها: أنه قد تقدم غير مرة أن مسائل القدر والتعديل والتجوير (1) ليست ~~ملزومة (2) لمسائل الإمامة ولا لازمة، فإن كثيرا من الناس يقر بإمامة ~~الخلفاء الثلاثة، ويقول (3) ما قاله في القدر، وكثير من الناس بالعكس، وليس ~~أحد من الناس (4) مرتبطا بالآخر أصلا وقد تقدم النقل (5) عن الإمامية: هل ~~أفعال العباد خلق الله [تعالى ms0560] ؟ على قولين (6) ، وكذلك الزيدية. # قال الأشعري (7) : " واختلفت الزيدية في [خلق] الأفعال (8) وهم فرقتان: ~~فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن أفعال (9) العباد مخلوقة لله، خلقها وأبدعها ~~واخترعها بعد أن لم تكن، فهي (10) محدثة له مخترعة. والفرقة الثانية ~~PageV03P008 # منهم يزعمون أنها غير مخلوقة لله (1) ولا محدثة، وأنها كسب (2) للعباد ~~(3) أحدثوها واخترعوها [وابتدعوها] (4) وفعلوها ". # قلت: بل غالب الشيعة الأولى كانوا مثبتين للقدر، وإنما ظهر إنكاره في ~~متأخريهم كإنكار الصفات، فإن غالب متقدميهم كانوا يقرون بإثبات الصفات، ~~والمنقول عن أهل البيت في إثبات الصفات والقدر لا يكاد يحصى، وأما المقرون ~~بإمامة الخلفاء [الثلاثة] (5) مع كونهم قدرية فكثيرون في (6) المعتزلة وغير ~~المعتزلة. (7) فعامة القدرية تقر بإمامة الخلفاء (8) ، ولا يعرف أحد من ~~متقدمي القدرية كان ينكر خلافة الخلفاء، وإنما ظهر هذا لما صار بعض الناس ~~رافضيا قدريا جهميا، فجمع أصول البدع كصاحب هذا الكتاب وأمثاله. # والزيدية المقرون (9) بخلافة الخلفاء الثلاثة هم (10) من الشيعة، وفيهم ~~قدرية وغير قدرية، والزيدية خير من الإمامية، وأشبههم بالإمامية هم (11) ~~PageV03P009 # الجارودية أتباع أبي الجارود (1) # الذين يزعمون (2) أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي [بالوصف لا ~~بالتسمية، فكان هو الإمام من بعده] (3) ، وأن الناس ضلوا وكفروا بتركهم ~~الاقتداء به بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الحسن هو الإمام، ثم ~~الحسين. # ثم من هؤلاء من يقول: إن عليا نص على إمامة الحسن، والحسن نص على إمامة ~~الحسين، ثم هي شورى في ولدهما، فمن خرج منهم يدعو إلى سبيل ربه، وكان عالما ~~(4) فاضلا، فهو الإمام (5) PageV03P010 # والفرقة الثانية (1) من الزيدية: السليمانية أصحاب (2) سليمان بن جرير، ~~يزعمون أن الإمامة شورى، وأنها تصلح (3) بعقد رجلين من خيار المسلمين، ~~وأنها قد تصلح في المفضول (4) ، وإن كان الفاضل أفضل في كل حال، ويثبتون ~~إمامة الشيخين أبي بكر وعمر، وقد قيل إنها كانت خطأ لا يفسق صاحبها لأجل ~~التأويل (5) . # والثالثة: (6) البترية أصحاب كثير النواء، قيل: (7) سموا بترية ; لأن ~~كثيرا (8) كان يلقب بالأبتر. يزعمون أن عليا أفضل الناس (9) بعد رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم وأولاهم بالإمامة، وأن بيعة ms0561 أبي بكر وعمر ليست بخطأ ; ~~لأن عليا ترك ذلك لهما، ويقفون في عثمان وقتله، ولا يقدمون عليه بإكفار، ~~كما يحكى عن السليمانية. وهذه الطائفة أمثل الشيعة، [ويسمون PageV03P011 # أيضا الصالحية ; لأنهم ينسبون (1) إلى الحسن بن صالح بن حي الفقيه] (2) . # وهؤلاء الزيدية فيهم من هو في القدر على قول أهل السنة والجماعة وفيهم من ~~هو على قول القدرية. # الوجه الثاني: أن يقال: نقله عن الأكثر أن العبد لا تأثير له في الكفر ~~والمعاصي نقل باطل، بل جمهور أهل السنة المثبتة (3) للقدر من جميع الطوائف ~~يقولون (4) : " إن العبد فاعل لفعله (5) حقيقة، وأن له قدرة حقيقية ~~واستطاعة حقيقية، وهم لا ينكرون تأثير الأسباب الطبيعية، بل يقرون بما دل ~~عليه الشرع والعقل (6) من أن الله يخلق السحاب بالرياح، وينزل الماء ~~بالسحاب، وينبت النبات بالماء، ولا يقولون: إن القوى والطبائع (7) الموجودة ~~في المخلوقات لا تأثير لها، بل يقرون أن لها تأثيرا (8) لفظا ومعنى، حتى ~~جاء لفظ " الأثر " في (* مثل قوله تعالى {ونكتب ما قدموا وآثارهم} ~~PageV03P012 # [سورة يس: 12] ، وإن كان التأثير هناك أعم منه في الآية، لكن يقولون: هذا ~~التأثير هو تأثير الأسباب في مسبباتها، والله تعالى *) (1) خالق السبب ~~والمسبب، ومع أنه خالق السبب فلا بد له من سبب آخر يشاركه، ولا بد له من ~~معارض يمانعه، فلا يتم أثره مع خلق الله له إلا بأن يخلق الله (2) السبب ~~الآخر ويزيل الموانع (3) . # ولكن هذا القول الذي حكاه هو قول بعض المثبتة للقدر كالأشعري، ومن وافقه ~~من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد، حيث لا يثبتون في المخلوقات قوى ~~ولا طبائع (4) ، ويقولون إن الله فعل عندها لا بها، ويقولون: إن قدرة العبد ~~لا تأثير لها في الفعل. # وأبلغ من ذلك قول الأشعري: إن الله فاعل فعل العبد، وإن عمل (5) العبد ~~ليس فعلا للعبد بل كسبا له (6) ، وإنما هو فعل الله فقط (7) وجمهور ~~PageV03P013 # الناس من أهل السنة من جميع الطوائف على خلاف ذلك، وعلى أن (1) العبد ~~فاعل لفعله حقيقة (2) . # وأما ما نقله من (3) نفي الغرض الذي هو الحكمة، وكون ms0562 الله لا يفعل لمصلحة ~~العباد، فقد قدمنا أن هذا (4) هو قول قليل منهم، كالأشعري، وطائفة توافقه ~~في موضع، ويتناقضون في قولهم في موضع آخر (5) . # وجمهور أهل السنة يثبتون الحكمة في أفعال الله تعالى، وأنه يفعل لنفع ~~عباده ومصلحتهم، ولكن لا يقولون بما تقوله المعتزلة ومن وافقهم: [بأن ما ~~حسن منه حسن من خلقه، وما قبح من خلقه قبح منه] (6) فلا هذا ولا هذا. [وأما ~~لفظ " الغرض " فتطلقه المعتزلة وبعض المنتسبين لأهل السنة، (7) ويقولون: ~~إنه يفعل لغرض أي حكمة، وكثير من أهل السنة يقولون: " يفعل " (8) لحكمة ولا ~~يطلقون لفظ " الغرض "] (9) . # وأما قوله: " وأنه تعالى يريد المعاصي من الكافر، ولا يريد منه الطاعة " ~~فهذا قول طائفة منهم، وهم الذين يوافقون القدرية، فيجعلون PageV03P014 # المشيئة والإرادة والمحبة والرضا نوعا واحدا (1) ، ويجعلون المحبة والرضا ~~والغضب بمعنى الإرادة، كما يقول ذلك الأشعري في المشهور عنه، وأكثر أصحابه، ~~وطائفة ممن يوافقهم من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد. # وأما جمهور أهل السنة من جميع الطوائف، وكثير من أصحاب الأشعري وغيرهم ~~(2) ، فيفرقون بين الإرادة وبين المحبة والرضا، فيقولون: إنه وإن كان يريد ~~المعاصي فهو لا يحبها ولا يرضاها، بل يبغضها ويسخطها وينهى عنها، وهؤلاء ~~يفرقون بين مشيئة الله وبين محبته. وهذا قول السلف قاطبة. # وقد ذكر أبو المعالي الجويني أن هذا قول القدماء من أهل السنة وأن ~~الأشعري خالفهم فجعل (3) الإرادة هي المحبة (4) ، فيقولون: ما شاء الله كان ~~وما لم يشأ لم يكن، فكل ما شاء الله فقد خلقه. وأما المحبة فهي متعلقة ~~بأمره (5) ، فما أمر به فهو يحبه ولهذا اتفق الفقهاء (6) على أن الحالف لو ~~قال: (7) PageV03P015 # " والله لأفعلن كذا إن شاء الله " لم يحنث إذا لم يفعله (1) وإن كان ~~واجبا أو مستحبا ولو قال (2) إن أحب الله حنث إذا كان واجبا أو مستحبا. # والمحققون من هؤلاء يقولون: الإرادة في كتاب الله تعالى نوعان: إرادة ~~خلقية (3) قدرية كونية، وإرادة دينية [أمرية] شرعية (4) فالإرادة الشرعية ~~الدينية هي المتضمنة للمحبة والرضا والكونية هي [المشيئة] (5) الشاملة ~~لجميع الحوادث، كقول المسلمين: ما ms0563 شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. وهذا ~~كقوله تعالى {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله ~~يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} [سورة الأنعام: 125] وقوله عن ~~نوح {ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ~~ربكم وإليه ترجعون} [سورة هود: 34] . # فهذه الإرادة (6) تعلقت بالإضلال والإغواء وهذه هي المشيئة فإن ما شاء ~~الله كان. # [ومنها قوله: {ولكن الله يفعل ما يريد} [سورة البقرة: 253] أي ما شاء ~~خلقه (7) لا ما يأمر به] (8) . # وقد يريد (9) بالإرادة المحبة، كما يقال لمن يفعل الفاحشة: هذا فعل (10) ~~ما PageV03P016 # لا يريده الله تعالى وقد يريد المشيئة كما يقولون لما لم يكن: [هذا لم] ~~يرده الله (1) . # وأما الدينية فقول الله: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [سورة ~~البقرة: 185] . وقوله: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ~~ويتوب عليكم والله عليم حكيم - والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين ~~يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما - يريد الله أن يخفف عنكم وخلق ~~الإنسان ضعيفا} [سورة النساء: 26، 28] . وقوله: {ما يريد الله ليجعل عليكم ~~من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم} [سورة المائدة: 6] . وقوله ~~{إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} [سورة ~~الأحزاب: 33] . (2) # فهذه الإرادة في هذه الآيات ليست هي التي يجب مرادها (3) ، كما في قوله ~~{فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} [سورة الأنعام: 120] وقول ~~المسلمين: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، بل هي المذكورة في مثل قول ~~الناس لمن يفعل القبائح: هذا يفعل (4) ما لا يريده الله، أي لا يحبه ولا ~~يرضاه ولا يأمر به. # وهذا التقسيم في الإرادة قد ذكره غير واحد من أهل السنة وذكروا أن ~~PageV03P017 # المحبة والرضا ليست هي الإرادة الشاملة لكل المخلوقات، كما ذكر ذلك من ~~ذكره من أصحاب أبي حنيفة [ومالك والشافعي] وأحمد وغيرهم (1) كأبي بكر عبد ~~العزيز وغيره، وإن كان طائفة أخرى يجعلون المحبة والرضا هي ms0564 الإرادة والأول ~~أصح. # وأيضا فالفرق ثابت بين إرادة المريد (2) أن يفعل، وبين إرادته من غيره أن ~~يفعل (3) ، والأمر لا يستلزم الإرادة الثانية (4) دون الأولى ; فالله تعالى ~~إذا أمر العباد بأمر (5) ، فقد يريد إعانة المأمور على ما أمره به (6) وقد ~~لا يريد ذلك وإن كان مريدا منه فعله (7) . # وتحقيق هذا مما يبين فصل النزاع في أمر الله: هل هو مستلزم لإرادته أم ~~لا؟ فلما زعمت المعتزلة أنه لا بد أن يشاء ما يأمر به فيريده، وزعموا أن ما ~~نهى عنه ما شاء وجوده ولا أراده قابلهم كثير (8) من متأخري المثبتين للقدر ~~(9) ممن اتبع أبا الحسن من المصنفين في أصول الفقه [وغيرهم (10) ] من أصحاب ~~PageV03P018 # مالك والشافعي وأحمد، فقالوا: إن الله يأمر بما لا يريده (1) ، كالكفر ~~والفسوق والعصيان. # واحتجوا على ذلك بما أنه لو حلف على واجب ليفعلنه (2) وقال: " إن شاء ~~الله " [فإنه] لا يحنث (3) ، وبأن الله أمر إبراهيم بذبح ولده ولم يرده منه ~~(4) ، بل نسخ ذلك قبل فعله، وكذلك الخمسون صلاة ليلة المعراج. # وحقيقته أنه يأمر بما لا يشاء أن يخلقه، لكن لا يأمر إلا بما يحبه ويرضاه ~~فيريد من العبد أن يفعله، بمعنى أنه يحب ذلك ولا يريد (5) هو أن يخلقه ~~فيعين العبد عليه، [وهذا كالكفر والفسوق والعصيان] (6) ، ولو حلف الحالف: " ~~ليفعلن كذا إن شاء الله " لم يحنث وإن كان واجبا. # ولو قال: " إن أحب الله " (7) حنث، كما لو قال: [إن أمر الله، ولو قال] ~~لأفعلنه إذا أراد الله (8) ، [فقد يريد بالإرادة المحبة، كما يقولون لمن ~~يفعل القبائح: يفعل ما لا يريده الله (9) ، وقد يريد المشيئة كما يقولون ~~لما لم يكن: هذا لم يرده الله تعالى (10) ، فإن أراد هذا حنث 0 PageV03P019 # وأما أمر إبراهيم صلى الله عليه وسلم بذبح ابنه، فإنه كان الذي يحبه ~~ويريده منه في نفس الأمر: أن قصد إبراهيم الامتثال وعزم (1) على الطاعة، ~~فأظهر (2) الأمر امتحانا له وابتلاء، فلما أسلما وتله للجبين ناداه أن يا ~~إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين. وكذلك الأمر بالخمسين] (3) ~~. ### | [فصل كلام للرافضي ms0565 في مسألة القدر يستلزم أشياء شنيعة منها أن يكون الله أظلم من كل ظالم والرد عليه] # [فصل] # قال المصنف (4) الرافضي (5) : " وهذا يستلزم أشياء شنيعة منها: أن يكون ~~الله أظلم من كل ظالم، لأنه يعاقب الكافر على كفره وهو قدره عليه، ولم يخلق ~~فيه قدرة على الإيمان، فكما أنه يلزم الظلم لو عذبه على لونه وطوله وقصره ~~لأنه لا قدرة له فيها، كذا (6) يكون ظالما لو عذبه على المعصية التي فعلها ~~فيه ". # فيقال: الظلم قد تقدم أن للجمهور المثبتين للقدر في تفسيره قولين: (7) ~~أحدهما: أن الظلم ممتنع لذاته غير مقدور، كما يصرح بذلك الأشعري، والقاضي ~~أبو بكر، وأبو المعالي، والقاضي أبو يعلى، وابن الزاغوني (8) ، وغير ~~PageV03P020 # هؤلاء: (1) يقولون: (2) إنه يمتنع أن يوصف بالقدرة على الكذب (3) والظلم ~~وغيرهما من أنواع (4) القبائح، ولا يصح وصفه بشيء من ذلك. # قالوا: والدلالة على استحالة وقوع الظلم والقبيح (5) منه [أن الظلم ~~والقبيح] (6) ما شرع الله وجوب ذم فاعله، وذم الفاعل لما ليس له فعله، ولن ~~يكون كذلك حتى يكون متصرفا فيما غيره أملك به وبالتصرف فيه منه، فوجب ~~استحالة ذلك في حقه من حيث [إنه] (7) لم يكن آمرا لنا (8) بذمه، ولا كان ~~ممن يجوز دخول أفعاله تحت تكليف من نفسه لنفسه (9) ، ولا يكون فعله تصرفا ~~في شيء غيره أملك به (10) ، فثبت [بذلك] (11) استحالة تصوره في حقه. # وحقيقة قول هؤلاء أن الذم إنما يكون لمن تصرف في ملك غيره ومن عصى الآمر ~~(12) [الذي فوقه] (13) ، والله سبحانه وتعالى يمتنع أن يأمره أحد، ويمتنع ~~أن يتصرف في ملك غيره، فإن له كل شيء. PageV03P021 # وهذا القول يروى عن (1) إياس بن معاوية (2) ، قال: ما خاصمت بعقلي كله ~~إلا القدرية، قلت: لهم (3) أخبروني ما الظلم؟ قالوا: (4) أن يتصرف الإنسان ~~في ما ليس له. قلت: فلله كل شيء. # وهم (5) لا يسلمون أنه لو عذبه بسبب لونه وطوله وقصره كان ظالما حتى يحتج ~~عليهم بهذا القياس، بل يجوزون التعذيب لا بجرم (6) سابق ولا لغرض لاحق. ~~وهذا المشنع لم يذكر دليلا على بطلانه، فلم يذكر دليلا ms0566 على بطلان قولهم. # والقول الثاني: أن الظلم مقدور، والله تعالى منزه عنه. وهذا قول الجمهور ~~[من المثبتين للقدر ونفاته، وهو قول كثير من النظار المثبتة للقدر، ~~كالكرامية، وغيرهم، وكثير من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم، ~~وهو قول القاضي أبي خازم (7) . (8) وغيره وهذا] (9) كتعذيب الإنسان بذنب ~~غيره، كما قال تعالى: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا ~~هضما} [سورة طه 112] . PageV03P022 # وهؤلاء يقولون: الفرق بين تعذيب الإنسان على فعله الاختياري وغير فعله ~~الاختياري مستقر في فطر العقول، فإن الإنسان لو كان له ابن (1) في جسمه مرض ~~(2) أو عيب خلق فيه لم يحسن (3) ذمه ولا عقابه على ذلك، ولو ظلم ابنه أحدا ~~لحسن (4) عقوبته على ذلك. # ويقولون: الاحتجاج بالقدر على الذنوب مما يعلم بطلانه بضرورة العقل، فإن ~~الظالم لغيره لو احتج بالقدر لاحتج ظالمه بالقدر أيضا (5) ، فإن كان القدر ~~حجة لهذا فهو حجة لهذا، وإلا فلا. (6) # والأولون أيضا يمنعون الاحتجاج بالقدر، فإن الاحتجاج به باطل باتفاق أهل ~~الملل وذوي العقول، وإنما يحتج به على القبائح والمظالم من هو متناقض القول ~~متبع لهواه، كما قال بعض العلماء: أنت عند الطاعة قدري، وعند المعصية جبري، ~~أي مذهب وافق هواك تمذهبت به. # ولو كان القدر حجة لفاعل الفواحش والمظالم لم يحسن أن يلوم (7) أحد أحدا، ~~ولا يعاقب أحد أحدا، فكان (8) للإنسان أن يفعل في دم غيره وماله وأهله ما ~~يشتهيه (9) من المظالم والقبائح، ويحتج بأن ذلك مقدر عليه (10) . ~~PageV03P023 # والمحتجون على المعاصي بالقدر أعظم بدعة وأنكر قولا وأقبح طريقا من ~~المنكرين للقدر، فالمكذبون بالقدر من المعتزلة والشيعة وغيرهم المعظمون ~~للأمر (1) والنهي والوعد والوعيد، خير من الذين يرون القدر حجة لمن ترك ~~المأمور وفعل المحظور، كما يوجد ذلك (2) في كثير من المدعين للحقيقة (3) ~~الذين يشهدون القدر (4) ، ويعرضون عن الأمر والنهي، من الفقراء والصوفية ~~والعامة وغيرهم، فلا عذر لأحد في ترك مأمور ولا فعل محظور (5) بكون ذلك ~~مقدرا (6) عليه، بل لله الحجة البالغة على خلقه. # والقدرية المحتجون بالقدر على المعاصي شر من القدرية المكذبين ms0567 بالقدر، ~~وهم أعداء الملل. وأكثر ما أوقع الناس في التكذيب بالقدر احتجاج هؤلاء به. ~~ولهذا اتهم بمذهب القدر غير واحد ولم يكونوا قدرية، بل كانوا (7) لا يقبلون ~~الاحتجاج على المعاصي بالقدر (8) ، كما قيل للإمام أحمد: كان ابن أبي ذئب ~~قدريا، فقال: الناس (9) كل من شدد عليهم المعاصي، قالوا هذا قدري (10) وقد ~~قيل إنه بهذا السبب (11) نسب إلى PageV03P024 # الحسن (1) القدر، لكونه كان شديد الإنكار للمعاصي ناهيا عنها، ولذلك نجد ~~الواحد من هؤلاء ينكر على من ينكر المنكر، ويقول: هؤلاء قدر عليهم ما فعلوه ~~(2) . فيقال لهذا (3) : وإنكار هذا المنكر أيضا بقدر الله، فنقضت قولك ~~بقولك. # وهؤلاء يقول بعض مشايخهم: أنا كافر برب يعصى، ويقول: لو قتلت سبعين نبيا ~~لم أكن مخطئا (4) ويقول بعض شعرائهم: أصبحت منفعلا لما يختاره مني ففعلي ~~كله طاعات (5) . # ومن الناس من يظن أن احتجاج آدم على موسى بالقدر كان من هذا الباب، وهذا ~~(6) جهل عظيم، فإن الأنبياء من أعظم الناس أمرا بما أمر الله به، ونهيا عما ~~نهى الله عنه، وذما لمن ذمه الله، وإنما بعثوا بالأمر بالطاعة لله (7) ، ~~والنهي عن معصية الله، فكيف يسوغ أحد منهم (8) أن يعصي عاص لله محتجا ~~بالقدر؟ ولأن آدم عليه السلام كان قد تاب من الذنب، والتائب من الذنب كمن ~~لا ذنب له، ولأنه لو كان القدر حجة لكان حجة لإبليس وفرعون وسائر الكفار، ~~ولكن كان ملام موسى لآدم [عليهما السلام] (9) لأجل المصيبة (10) ~~PageV03P025 # التي لحقتهم بسبب أكله، ولهذا قال له (1) : لماذا أخرجتنا ونفسك (2) من ~~الجنة؟ . # والمؤمن مأمور أن يرجع إلى القدر عند المصائب، لا عند الذنوب والمعاصي ~~(3) ، فيصبر على المصائب، ويستغفر من الذنوب، كما قال تعالى: {فاصبر إن وعد ~~الله حق واستغفر لذنبك} [سورة غافر 55] وقال تعالى: {ما أصاب من مصيبة في ~~الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها} الأية [سورة الحديد 22] ~~وقال: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه} [سورة ~~التغابن: 11] قال ابن مسعود [رضي الله عنه] (4) : هو الرجل تصيبه المصيبة ~~فيعلم ms0568 أنها من عند الله فيرضى ويسلم. # و [لهذا] قال (5) غير واحد من السلف [والصحابة والتابعين لهم بإحسان] لا ~~يبلغ (6) الرجل (7) حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما ~~أخطأه لم يكن ليصيبه. # فالإيمان بالقدر، والرضا بما قدره الله من المصائب والتسليم لذلك، هو من ~~حقيقة (8) الإيمان. وأما الذنوب فليس لأحد أن يحتج فيها بقدر الله ~~PageV03P026 # تعالى (1) ، بل عليه أن لا يفعلها، وإذا فعلها فعليه أن يتوب منها، كما ~~فعل (2) آدم. ولهذا قال بعض الشيوخ: (3) اثنان أذنبا ذنبا: آدم وإبليس (4) ~~فآدم تاب فتاب الله عليه [واجتباه وهداه] ، وإبليس (5) أصر واحتج بالقدر، ~~فمن تاب من ذنبه أشبه أباه آدم، ومن أصر واحتج بالقدر أشبه إبليس. # وإذا كان الفرق بين الفاعل المختار (6) وبين غيره مستقرا في بدائه (7) ~~العقول، حصل المقصود. وكذلك إذا كان مستقرا في بدائه (8) العقول أن الأفعال ~~الاختيارية تكسب نفس الإنسان صفات محمودة وصفات مذمومة، بخلاف لونه وطوله ~~وعرضه، فإنها لا تكسبه ذلك. # فالعلم النافع، والعمل الصالح، والصلاة الحسنة، وصدق الحديث، وإخلاص ~~العمل لله، وأمثال ذلك: تورث القلب صفات محمودة. كما يروى عن ابن عباس رضي ~~الله عنهما أنه قال: إن للحسنة لنورا في القلب، وضياء في الوجه، وسعة في ~~الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق. وإن للسيئة لسوادا في الوجه، ~~وظلمة (9) في القلب، ووهنا في البدن، ونقصا في الرزق، وبغضا في قلوب الخلق. ~~PageV03P027 # ففعل الحسنة له آثار محمودة موجودة (1) في النفس وفي الخارج، وكذلك فعل ~~(2) السيئات. والله تعالى جعل الحسنات سببا لهذا، [والسيئات سببا لهذا، كما ~~جعل أكل السم سببا للمرض والموت. وأسباب الشر لها أسباب تدفع بمقتضاها] (3) ~~، فالتوبة والأعمال الصالحة تمحى بها السيئات، والمصائب في الدنيا تكفر بها ~~السيئات، كما أن السم تارة يدفع موجبه بالدواء، وتارة يورث مرضا يسيرا، ثم ~~تحصل العافية. # وإذا قيل: خلق الفعل مع حصول العقوبة عليه (4) ظلم، كان بمنزلة أن يقال: ~~خلق أكل (5) السم ثم حصول الموت به ظلم. والظلم وضع الشيء في غير موضعه، ~~واستحقاق هذا الفاعل لأثر ms0569 فعله الذي هو معصية الله، كاستحقاقه لأثره إذا ~~ظلم العباد (6) . # وهذا الآن ينزع (7) إلى مسألة التحسين والتقبيح، فإن الناس متفقون على أن ~~كون الفعل يكون سببا لمنفعة العبد وحصول ما يلائمه، وسببا لحصول مضرته، ~~وحصول ما ينافيه، قد يعلم بالعقل، وكذلك كونه قد يكون صفة كمال وصفة نقص، ~~وإنما تنازعوا في كونه [يكون] (8) سببا للعقاب والذم على قولين مشهورين. ~~PageV03P028 # والنزاع في ذلك بين أصحاب أحمد، وبين أصحاب (1) مالك، وبين أصحاب (2) ~~الشافعي وغيرهم. وأما أبو حنيفة وأصحابه فيقولون بالتحسين والتقبيح، وهو ~~قول جمهور الطوائف من المسلمين وغيرهم، وفي الحقيقة فهذا النزاع (3) يرجع ~~إلى الملاءمة والمنافرة (4) ، والمنفعة والمضرة، فإن الذم والعقاب مما يضر ~~العبد ولا يلائمه، فلا يخرج الحسن (5) والقبح عن حصول المحبوب والمكروه، ~~فالحسن ما حصل المحبوب المطلوب المراد لذاته (6) ، والقبيح ما حصل المكروه ~~البغيض، فإذا كان الحسن يرجع إلى المحبوب، والقبيح يرجع إلى المكروه، ~~بمنزلة النافع والضار، والطيب والخبيث، ولهذا يتنوع بتنوع الأحوال، فكما أن ~~الشيء الواحد يكون نافعا إذا صادف حاجة، ويكون ضارا في موضع آخر، كذلك ~~الفعل كأكل الميتة يكون قبيحا تارة ويكون حسنا أخرى. # وإذا كان كذلك فهذا الأمر لا يختلف، سواء كان العبد هو الفاعل (7) بغير ~~أن يخلق الله له القدرة والإرادة، أو بأن يخلق الله له ذلك، كما في سائر ما ~~هو نافع وضار ومحبوب ومكروه. # وقد دلت الدلائل اليقينية على أن كل حادث فالله خالقه، وفعل العبد من ~~جملة الحوادث، وكل ممكن يقبل الوجود والعدم، فإن شاء الله كان وإن لم يشأ ~~PageV03P029 # لم يكن، وفعل العبد من جملة الممكنات ; وذلك لأن (1) العبد إذا فعل الفعل ~~فنفس الفعل حادث بعد أن لم يكن، فلا بد له (2) من سبب. # وإذا قيل: حدث بالإرادة، فالإرادة أيضا حادثة، فلا بد لها من سبب. وإن ~~شئت قلت (3) : الفعل ممكن فلا يترجح وجوده على عدمه إلا بمرجح. وعلى طريقة ~~بعضهم (4) فلا (5) يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح. وكون العبد فاعلا ~~له حادث ممكن، فلا بد له من محدث مرجح ms0570، ولا فرق في ذلك بين حادث وحادث. (* ~~[والمرجح لوجود الممكن لا بد أن يكون تاما مستلزما (6) وجود الممكن، وإلا ~~فلو كان مع وجود المرجح يمكن وجود الفعل تارة وعدمه أخرى، لكان ممكنا بعد ~~حصول المرجح، يمكن وجوده وعدمه، وحينئذ فلا يترجح وجوده على عدمه إلا ~~بمرجح، وهذا المرجح إما أن يكون تاما مستلزما وجود الفعل، (وإما أن يكون ~~الفعل) (7) معه يمكن (8) وجوده وعدمه، فإن كان الثاني لزم أن لا يوجد الفعل ~~بحال، ولزم التسلسل الباطل. PageV03P030 # فعلم أن الفعل لا يوجد إلا إذا وجد مرجح تام يستلزم وجوده، وذلك المرجح ~~التام هو الداعي التام (والقدرة) (1) وهذا مما سلمه طائفة من المعتزلة كأبي ~~الحسين البصري وغيره؛ سلموا أنه إذا وجد الداعي التام والقدرة التامة لزم ~~وجود الفعل، وأن الداعي والقدرة خلق لله عز وجل، وهذا حقيقة قول أهل السنة ~~(2) الذين يقولون: (إن الله خالق أفعال العباد كما أن الله خالق كل شيء، ~~فإن أئمة أهل السنة يقولون:) (3) إن الله خالق الأشياء بالأسباب، وأنه خلق ~~للعبد قدرة (4) يكون بها فعله، وأن (5) العبد فاعل لفعله حقيقة، فقولهم في ~~خلق فعل العبد بإرادته وقدرته (6) كقولهم في خلق سائر الحوادث بأسبابها، ~~ولكن ليس هذا قول من ينكر الأسباب والقوى التي في الأجسام وينكر تأثير ~~القدرة (التي للعبد) (7) التي بها يكون الفعل، ويقول: إنه لا أثر لقدرة ~~العبد أصلا في فعله (8) ، كما يقول ذلك جهم وأتباعه (9) ، والأشعري ومن ~~وافقه. # وليس قول هؤلاء قول أئمة السنة ولا جمهورهم، بل أصل هذا القول هو قول ~~الجهم بن صفوان، فإنه كان يثبت مشيئة الله تعالى، وينكر أن يكون له ~~PageV03P031 # حكمة أو رحمة، وينكر أن يكون للعبد فعل أو قدرة مؤثرة. وحكي عنه أنه كان ~~يخرج إلى الجذمى ويقول: أرحم الراحمين يفعل (مثل) (1) هذا؟ إنكارا لأن تكون ~~له رحمة يتصف بها، وزعما منه أنه ليس إلا مشيئة محضة لا اختصاص لها بحكمة، ~~بل يرجح أحد المتماثلين بلا مرجح. # وهذا قول طائفة من المتأخرين، وهؤلاء يقولون: إنه لم يخلق لحكمة، ولم ~~يأمر ms0571 لحكمة، وأنه ليس في القرآن " لام " كي، لا في خلق الله ولا في أمر ~~الله. (2) وهؤلاء الجهمية المجبرة هم والمعتزلة والقدرية في (3) طرفين ~~متقابلين (4) . # وقول سلف الأمة وأئمة السنة وجمهورها ليس قول هؤلاء ولا قول هؤلاء، وإن ~~كان كثير من المثبتين للقدر يقول بقول جهم، فالكلام (5) إنما هو في أهل ~~السنة المثبتين لإمامة أبي بكر وعمر وعثمان والمثبتين للقدر. وهذا الاسم ~~يدخل فيه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وأئمة التفسير والحديث والفقه ~~PageV03P032 # والتصوف، وجمهور المسلمين، وجمهور طوائفهم، لا يخرج عن هذا إلا بعض ~~الشيعة، وأئمة هؤلاء وجمهورهم على القول الوسط الذي ليس هو قول المعتزلة ~~ولا قول جهم وأتباعه الجبرية، فمن قال إن شيئا من الحوادث أفعال الملائكة ~~والجن والإنس لم يخلقها الله تعالى، فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع السلف ~~والأدلة العقلية] (1) *) (2) . # ولهذا قال بعض السلف من قال: إن كلام الآدميين أو أفعال (3) العباد غير ~~مخلوقة، فهو بمنزلة من قال: إن سماء الله وأرضه غير مخلوقة. # والله تعالى يخلق ما يخلق (4) لحكمة كما تقدم، ومن جملة المخلوقات ما قد ~~يحصل به (5) ضرر عارض لبعض الناس، كالأمراض والآلام وأسباب ذلك، فخلق ~~الصفات والأفعال التي هي أسبابه (6) من جملة ذلك. فنحن نعلم أن لله في ذلك ~~حكمة، (* وإذا كان قد فعل ذلك لحكمة خرج عن أن يكون سفها، وإذا كان العقاب ~~على فعل العبد الاختياري لم يكن ظلما. فهذا الحادث بالنسبة إلى الرب له فيه ~~حكمة *) (7) يحسن (8) لأجل تلك الحكمة وبالنسبة (9) إلى العبد عدل، لأنه ~~عوقب على فعله، فما ظلمه الله ولكن هو ظلم نفسه. PageV03P033 # واعتبر ذلك بأن يكون غير الله هو الذي عاقبه على ظلمه، لو (1) عاقبه ولي ~~أمر على عدوانه على الناس فقطع (2) يد السارق، أليس ذلك عدلا (3) من هذا ~~الوالي؟ وكون الوالي مأمورا بذلك يبين (4) أنه عادل. # لكن المقصود هنا أنه مستقر في فطر الناس وعقولهم أن ولي الأمر إذا أمر ~~الغاصب برد المغصوب إلى مالكه، وضمن التالف بمثله، أنه يكون حاكما بالعدل، ~~وما زال العدل معروفا في القلوب والعقول ms0572. ولو قال هذا المعاقب: أنا قد قدر ~~علي هذا، لم يكن هذا (5) حجة له، ولا مانعا لحكم الوالي أن يكون عدلا. # فالله تعالى أعدل العادلين إذا اقتص (6) للمظلوم من ظالمه في الآخرة أحق ~~بأن يكون ذلك عدلا منه، فإن (7) قال الظالم: هذا كان مقدرا علي، لم يكن هذا ~~عذرا صحيحا ولا مسقطا لحق المظلوم، وإذا كان الله هو الخالق لكل شيء فذاك ~~(8) لحكمة أخرى له في الفعل، فخلقه حسن بالنسبة إليه لما [له] (9) فيه من ~~الحكمة، والفعل القبيح المخلوق قبيح من فاعله (10) ، لما عليه PageV03P034 # فيه من المضرة، كما أن أمر الوالي بعقوبة الظالم يسر الوالي لما فيه من ~~الحكمة (1) ، وهو عدله وأمره بالعدل، وذلك يضر المعاقب لما عليه فيه من ~~الألم. # ولو قدر أن هذا الوالي كان سببا في حصول ذلك الظلم، على وجه لا يلام ~~عليه، لم يكن عذرا للظالم، مثل حاكم شهد عنده بينة (2) بمال لغريم (3) ، ~~فأمر بحبسه أو عقوبته، حتى ألجأه ذلك إلى أخذ مال آخر بغير حق ليوفيه إياه، ~~فإن الحاكم أيضا يعاقبه [فيه] (4) ، فإذا قال: أنت (5) حبستني وكنت عاجزا ~~عن الوفاء، ولا (6) طريق لي إلى الخلاص إلا أخذ مال هذا، لكان حبسه الأول ~~ضررا عليه، وعقوبته ثانيا على أخذ مال [الغير] (7) ضررا عليه والوالي يقول: ~~أنا حكمت بشهادة العدول، فلا ذنب لي في ذلك، وغايتي أني أخطأت، والحاكم إذا ~~أخطأ له أجر. وقد يفعل كل من الرجلين بالآخر (8) من الضرر ما يكون فيه (9) ~~معذورا، والآخر معاقبا، بل (10) مظلوما لكن بتأويل. PageV03P035 # وهذه الأمثال ليست مثل فعل الله تعالى، فإن الله ليس كمثله شيء: لا في ~~ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فإنه سبحانه يخلق الاختيار في المختار، ~~والرضا في الراضي، والمحبة في المحب. وهذا لا يقدر عليه إلا الله. # ولهذا أنكر الأئمة على من قال: جبر الله العباد، كالثوري والأوزاعي ~~والزبيدي وأحمد بن حنبل وغيرهم، وقالوا: الجبر لا يكون إلا من عاجز، كما ~~يجبر الأب ابنته على خلاف مرادها. # والله خالق الإرادة والمراد، فيقال: جبل ms0573، كما جاءت به السنة، ولا يقال: ~~جبر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم [في الحديث الصحيح] (1) . (2) . (3) . # ومما يبين هذا أن الله سبحانه وتعالى جهة خلقه وتقديره غير جهة أمره ~~وتشريعه، فإن أمره وتشريعه، مقصوده بيان ما ينفع العباد إذا فعلوه وما ~~يضرهم، بمنزلة أمر الطبيب للمريض بما ينفعه، فأخبر الله على ألسن رسله ~~بمصير السعداء والأشقياء، وأمر بما يوصل إلى السعادة، ونهى عما يوصل إلى ~~الشقاوة. PageV03P036 # وخلقه وتقديره يتعلق به وبجملة المخلوقات، فهو يفعل لما فيه حكمة متعلقة ~~بعموم خلقه، (1) وإن كان في ضمن ذلك مضرة لبعض الناس، كما أنه ينزل المطر ~~لما فيه من الرحمة والنعمة العامة والحكمة (2) وإن كان في ضمن ذلك تضرر (3) ~~بعض الناس بسقوط منزله وانقطاعه عن (4) سفره وتعطيل معيشته وكذلك يرسل نبيه ~~[محمدا] صلى (5) الله عليه وسلم لما في إرساله من الرحمة العامة، وإن كان ~~في ضمن ذلك سقوط رياسة قوم وتألمهم بذلك. فإذا قدر على الكافر كفره، قدره ~~الله لما له في ذلك من الحكمة والمصلحة العامة، وعاقبه لاستحقاقه ذلك بفعله ~~الاختياري وإن كان مقدرا (6) ، ولما له في عقوبته من الحكمة والمصلحة ~~العامة. # وقياس أفعال الله على أفعال العباد خطأ ظاهر، لأن السيد إذا أمر عبده ~~بأمر أمره لحاجته إليه ولغرض السيد فإذا أثابه على ذلك كان من باب ~~المعاوضة، وليس له حكمة يطلبها إلا حصول ذلك [المأمور به] (7) وليس هو ~~الخالق لفعل المأمور. فإذا قدر أن السيد لم يعوض المأمور، أو لم (8) يقم ~~بحق عبده الذي يقضي حوائجه كان ظالما كالذي يأخذ سلعة ولا يعطي (9) ثمنها، ~~أو يستوفي منفعة الأجير ولم يوفه أجره. PageV03P037 # والله تعالى غني عن العباد، إنما أمرهم بما ينفعهم، ونهاهم عما يضرهم فهو ~~محسن إلى عباده بالأمر لهم، محسن (1) لهم بإعانتهم على الطاعة ولو قدر أن ~~عالما صالحا أمر الناس بما ينفعهم، ثم أعان بعض الناس (2) على فعل ما أمرهم ~~به ولم يعن آخرين، لكان محسنا إلى هؤلاء إحسانا تاما، ولم يكن ظالما لمن لم ~~يحسن إليه. وإذا قدر أنه ms0574 عاقب المذنب (3) العقوبة التي يقتضيها عدله وحكمته ~~(4) ، لكان [أيضا] محمودا على هذا وهذا، وأين هذا من حكمة [أحكم الحاكمين] ~~، وأرحم الراحمين (5) ؟ ! . # فأمره (6) لهم إرشاد وتعليم وتعريف (7) بالخير، فإن أعانهم على فعل ~~المأمور كان قد أتم النعمة على المأمور، وهو مشكور على هذا وهذا، وإن لم ~~يعنه وخذله حتى فعل الذنب كان له في ذلك حكمة أخرى، وإن كانت مستلزمة تألم ~~هذا، فإنما تألم بأفعاله الاختيارية التي من شأنها أن تورثه نعيما أو ألما، ~~وإن كان ذلك الإيراث بقضاء الله وقدره فلا منافاة بين هذا وهذا، فجعله ~~المختار (8) مختارا من كمال قدرته وحكمته، وترتيب آثار الاختيار عليه من ~~تمام حكمته وقدرته. PageV03P038 # لكن يبقى الكلام في نفس الحكمة الكلية (1) في هذه الحوادث، فهذه ليس على ~~الناس معرفتها، ويكفيهم التسليم لما قد علموا أنه بكل شيء عليم، وعلى كل ~~شيء قدير، وأنه أرحم بعباده من الوالدة بولدها. # ومن المعلوم (2) ما لو علمه كثير من الناس لضرهم علمه، ونعوذ بالله من ~~علم لا ينفع. وليس اطلاع كثير من الناس بل أكثرهم على حكم (3) الله في كل ~~شيء نافعا لهم بل قد يكون ضارا. قال تعالى: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم ~~تسؤكم} [سورة المائدة: 101] . # وهذه المسألة (4) : مسألة غايات أفعال الله ونهاية حكمته مسألة عظيمة، ~~لعلها أجل المسائل الإلهية، وقد بسط الكلام عليها في غير هذا الموضع، وكذلك ~~بسط الكلام على مسائل القدر، وإنما نبهنا تنبيها لطيفا على امتناع أن يكون ~~خلق الفعل (5) ظلما، سواء قيل: إن الظلم ممتنع من الله، أو قيل (6) : إنه ~~مقدور، فإن الظلم الذي هو ظلم أن يعاقب الإنسان على عمل غيره، فأما عقوبته ~~على فعله الاختياري، وإنصاف المظلومين من الظالمين، فهو من كمال عدل الله ~~تعالى. # وهذا التفصيل في باب التعديل والتجوير (7) بين مذهب القدرية الذين ~~PageV03P039 # يقيسون الله بخلقه في عدلهم وظلمهم، وبين مذهب الجبرية الذين لا يجعلون ~~لأفعال (1) الله حكمة (2) ، ولا ينزهونه عن ظلم يمكنه فعله، ولا فرق عندهم ~~بالنسبة إليه بين ما يقال: هو عدل وإحسان، وبين ms0575 ما يقال هو ظلم. # وقول هؤلاء من الأسباب التي قويت بها شناعات (3) القدرية، حتى غلوا في ~~الناحية الأخرى، وخيار الأمور أوسطها، ودين الله عدل بين الغالي فيه ~~والجافي عنه، وقد ظهر الفرق بين عقوبته على الكفر وغيره من المعاصي، وبين ~~عقوبته على اللون والطول (4) ، كما يظهر الفرق بينهما إذا كان المعاقب بعض ~~الناس، فإن الكفر وإن كان خلق فيه إرادته وقدرته عليه، فهو الذي فعله ~~باختياره وقدرته، وإن كان كذلك كله (5) مخلوقا، كما يعاقبه (6) غيره عليه ~~مع كون ذلك كله مخلوقا. # وأما قوله: " ولم يخلق فيه قدرة على الإيمان " فهذا قاله على قول من يقول ~~من أهل الإثبات: إن القدرة لا تكون إلا مع الفعل، فكل (7) من لم يفعل شيئا ~~لم يكن قادرا عليه، ولكن يكون (8) عاجزا عنه. وهؤلاء قد (9) يقولون لا يكلف ~~PageV03P040 # العبد (1) ما يعجز عنه، ولكن يكلف ما يقدر عليه (2) بناء على أن القدرة ~~لا تكون إلا مع الفعل (3) . # وحقيقة قولهم أن كل من ترك واجبا لم يكن قادرا عليه. و [ليس] هذا (4) قول ~~جمهور أهل السنة، بل جمهور أهل السنة (5) يثبتون للعبد قدرة هي مناط الأمر ~~والنهي، وهذه قد تكون قبله لا يجب أن تكون معه، ويقولون أيضا: إن القدرة ~~التي يكون بها الفعل لا بد أن تكون مع الفعل، لا يجوزون (6) أن يوجد الفعل ~~بقدرة معدومة [ولا بإرادة معدومة] (7) ، كما لا يوجد بفاعل معدوم. # وأما القدرية فيزعمون أن القدرة لا تكون إلا قبل الفعل، ومن قابلهم من ~~المثبتة يقولون: لا تكون إلا مع الفعل. # وقول [الأئمة] والجمهور (8) هو الوسط: أنها لا بد أن تكون معه، وقد تكون ~~مع ذلك قبله (9) [كقدرة المأمور العاصي] (10) ، فإن تلك القدرة تكون متقدمة ~~(11) على الفعل بحيث تكون لمن لم يطع (12) ، كما قال تعالى: PageV03P041 # {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} [سورة آل عمران 97] ~~فأوجب الحج على المستطيع، فلو لم يستطع إلا من حج لم يكن الحج قد وجب إلا ~~على من حج، ولم يعاقب أحد (1) على ترك الحج. وهذا ms0576 خلاف المعلوم بالاضطرار ~~من دين الإسلام. # وكذلك قال تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [سورة التغابن 16] ، فأوجب ~~التقوى بحسب الاستطاعة، فلو كان من لم يتق الله لم يستطع التقوى لم يكن قد ~~أوجب التقوى إلا على من اتقى، ولا يعاقب من لم يتق (2) ، وهذا خلاف المعلوم ~~بالاضطرار من دين الإسلام. # وهؤلاء إنما قالوا هذا لأن القدرية والمعتزلة (3) والشيعة وغيرهم قالوا: ~~القدرة لا تكون إلا قبل الفعل، لتكون صالحة للضدين: الفعل والترك، وأما حين ~~الفعل (4) [فلا يكون إلا الفعل، فزعموا أو من زعم منهم أنه حينئذ] (5) لا ~~يكون قادرا ; لأن القادر لا بد أن (6) يقدر على الفعل والترك، وحين الفعل ~~لا يكون قادرا على الترك فلا يكون قادرا. # وأما أهل السنة فإنهم يقولون: لا بد أن يكون قادرا حين الفعل، ثم أئمتهم ~~قالوا: ويكون أيضا قادرا قبل الفعل. وقالت (7) طائفة منهم لا يكون ~~PageV03P042 # قادرا إلا حين الفعل. وهؤلاء يقولون: إن القدرة لا تصلح للضدين عندهم (1) ~~فإن القدرة المقارنة للفعل لا تصلح إلا لذلك الفعل، وهي مستلزمة له لا توجد ~~بدونه، إذ لو صلحت للضدين على وجه البدل أمكن وجودها مع عدم (2) أحد ~~الضدين، والمقارن للشيء مستلزم له (3) لا يوجد مع عدمه، فإن وجود (4) ~~الملزوم بدون اللازم ممتنع، وما قالته القدرية [فهو] بناء على أصلهم (5) ~~الفاسد، وهو أن إقدار الله المؤمن (6) والكافر والبر والفاجر سواء، فلا ~~يقولون: إن الله خص المؤمن (7) المطيع بإعانة حصل بها الإيمان، بل يقولون: ~~إن إعانته للمطيع (8) والعاصي سواء، ولكن هذا بنفسه رجح الطاعة ; وهذا ~~بنفسه رجح المعصية. كالوالد الذي أعطى (9) كل واحد من ابنيه (10) سيفا، ~~فهذا جاهد به في سبيل الله، وهذا قطع به الطريق، أو أعطاهما مالا، فهذا ~~أنفقه في سبيل الله، وهذا أنفقه في سبيل الشيطان. # وهذا القول فاسد باتفاق أهل السنة والجماعة المثبتين للقدر، فإنهم متفقون ~~على أن لله على عبده المطيع [المؤمن] (11) نعمة دينية خصه بها دون ~~PageV03P043 # الكافر، وأنه أعانه على الطاعة إعانة لم يعن بها الكافر، كما قال تعالى: ~~{ولكن الله حبب إليكم ms0577 الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق ~~والعصيان أولئك هم الراشدون} [سورة الحجرات: 7] ، فبين أنه حبب إليهم ~~الإيمان وزينه في قلوبهم. # فالقدرية تقول: (1) هذا التحبيب والتزيين عام في كل الخلق (2) ، أو هو ~~(3) بمعنى البيان وإظهار دلائل الحق. والآية تقتضي أن هذا خاص بالمؤمنين، ~~ولهذا قال: (أولئك هم الراشدون) ، والكفار ليسوا راشدين. # وقال تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله ~~يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} [سورة الأنعام: 125] . # وقال: {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله ~~في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون} [سورة ~~الأنعام: 122] . # وقال تعالى: {وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من ~~بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين} [سورة الأنعام: 53] . # وقال تعالى: {يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن ~~عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين} [سورة الحجرات: 17] . PageV03P044 # وقد أمر الله عباده أن (1) يقولوا: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين ~~أنعمت عليهم} . # والدعاء إنما يكون لشيء مستقبل غير حاصل يكون (2) من فعل الله تعالى. ~~وهذه الهداية المطلوبة غير الهدى الذي هو بيان الرسول صلى الله عليه وسلم ~~وتبليغه. # وقال تعالى: {يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام} [سورة المائدة] . # وقال تعالى: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن ~~الله يزكي من يشاء والله سميع عليم} [سورة النور: 21] . # وقال الخليل صلى الله عليه وسلم: {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة ~~مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا} [سورة البقرة: 128] . # وقال تعالى: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا ~~يوقنون} [سورة السجدة: 24] . # وقال تعالى: {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار} [سورة القصص: 41] . # ومثل هذا كثير في الكتاب والسنة يبين سبحانه وتعالى اختصاصه (3) عباده ~~المؤمنين بالهدى والإيمان والعمل الصالح، والعقل يدل على ذلك، فإنه إذا (4) ~~قدر أن جميع الأسباب الموجبة للفعل من الفاعل كما هي من التارك، كان ~~PageV03P045 # اختصاص الفاعل ms0578 بالفعل ترجيحا لأحد (1) المثلين على الآخر بلا مرجح، وذلك ~~معلوم الفساد بالضرورة. وهو الأصل الذي بنوا عليه إثبات الصانع، فإن قدحوا ~~في ذلك انسد عليهم طريق إثبات الصانع. # وغايتهم أن قالوا: القادر المختار يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح، ~~كالجائع والخائف. وهذا فاسد، فإنه مع استواء الأسباب (2) الموجبة من كل وجه ~~يمتنع الرجحان. # وأيضا فقول القائل: يرجح بلا مرجح، إن كان لقوله " يرجح " معنى زائد على ~~وجود الفعل (3) فذاك هو السبب المرجح، وإن لم يكن له معنى زائد، كان حال ~~الفعل قبل وجود الفعل (4) كحاله (5) عند الفعل (6) ، ثم الفعل حصل في إحدى ~~الحالتين دون الأخرى (7) بلا مرجح، وهذا (8) مكابرة للعقل. # فلما كان أصل قول القدرية أن فاعل الطاعات وتاركها كلاهما في الإعانة ~~والإقدار سواء، امتنع على أصلهم (9) أن يكون مع الفعل قدرة تخصه (10) ; ~~PageV03P046 # لأن القدرة التي تخص الفعل لا تكون للتارك وإنما تكون للفاعل، والقدرة لا ~~تكون إلا من الله، وما كان من الله لم يكن مختصا بحال وجود الفعل. ثم لما ~~رأوا أن القدرة لا بد أن تكون قبل الفعل، قالوا: لا تكون مع الفعل، لأن ~~القدرة هي التي يكون بها الفعل والترك، وحال وجود الفعل يمتنع الترك. فلهذا ~~قالوا: القدرة لا تكون إلا قبل الفعل، وهذا باطل قطعا ; لأن (1) وجود الأثر ~~مع عدم (2) بعض شروطه الوجودية ممتنع، بل لا بد أن يكون جميع ما يتوقف عليه ~~الفعل من الأمور الوجودية موجودا عند الفعل، فنقيض قولهم حق، وهو أن الفعل ~~(3) لا بد أن يكون معه قدرة، لكن صار أهل الإثبات هنا (4) حزبين؛ حزبا ~~قالوا: لا تكون القدرة إلا معه، ظنا منهم أن القدرة نوع واحد [لا تصلح ~~للضدين (5) ] ، وظنا من بعضهم (6) أن القدرة عرض فلا تبقى زمانين فيمتنع ~~وجودها قبل الفعل. # والصواب الذي عليه أئمة الفقه والسنة أن القدرة نوعان: نوع مصحح للفعل ~~يمكن معه الفعل والترك، وهذه هي التي يتعلق بها الأمر والنهي، فهذه تحصل ~~(7) للمطيع والعاصي وتكون قبل الفعل، وهذه تبقى (8) إلى حين PageV03P047 # الفعل: إما ببقائها ms0579 (1) عند من يقول ببقاء الأعراض (2) ، وإما بتجدد ~~أمثالها عند من يقول: إن الأعراض لا تبقى، وهذه قد تصلح (3) للضدين. # وأمر الله لعباده مشروط بهذه الطاقة، فلا يكلف الله من ليست معه هذه ~~الطاقة، وضد هذه العجز، وهذه المذكورة في قول الله تعالى: {ومن لم يستطع ~~منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات} [سورة النساء: 25] ، وقوله تعالى: ~~{وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم ~~لكاذبون} [سورة التوبة: 42] ، وقوله في الكفارة: {فصيام شهرين متتابعين من ~~قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا} [سورة المجادلة: 4] فإن ~~هذا نفي لاستطاعة من لم يفعل، فلا يكون مع الفعل. # ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: " «صل قائما، فإن لم ~~تستطع فقاعدا (4) ، فإن لم تستطع فعلى جنب» " (5) ، فإنما نفى استطاعة لا ~~فعل معها. PageV03P048 # وأيضا فالاستطاعة المشروطة في الشرع أخص من الاستطاعة التي يمتنع (1) ~~الفعل مع عدمها، فإن الاستطاعة الشرعية قد تكون مما يتصور الفعل مع عدمها ~~وإن لم يعجز عنه (2) ، فالشارع ييسر (3) على عباده، ويريد بهم اليسر ولا ~~يريد بهم العسر، وما جعل عليهم (4) في الدين من حرج. # والمريض قد يستطيع القيام مع زيادة مرضه وتأخر برئه، فهذا في الشرع غير ~~مستطيع لأجل حصول الضرر عليه، وإن كان يسميه [بعض] الناس مستطيعا (5) . # فالشارع لا ينظر في الاستطاعة الشرعية إلى مجرد إمكان الفعل، بل ينظر إلى ~~لوازم ذلك، فإذا كان الفعل ممكنا مع المفسدة الراجحة لم تكن هذه استطاعة ~~شرعية، كالذي يقدر أن يحج مع ضرر يلحقه في بدنه أو ماله، أو يصلي قائما مع ~~زيادة مرضه، أو يصوم الشهرين مع انقطاعه عن معيشته، ونحو ذلك (6) فإن كان ~~الشارع قد اعتبر في المكنة عدم المفسدة الراجحة، فكيف يكلف مع العجز؟ ! . # ولكن هذه الاستطاعة مع بقائها إلى حين الفعل لا تكفي في وجود الفعل، ولو ~~كانت كافية لكان التارك كالفاعل، بل لا بد من إحداث إعانة PageV03P049 # أخرى تقارن هذه (1) ، مثل جعل الفاعل مريدا، فإن الفعل لا يتم (2) إلا ~~بقدرة وإرادة ms0580. # والاستطاعة المقارنة للفعل تدخل فيها الإرادة الجازمة، بخلاف المشروطة في ~~التكليف، فإنه لا يشترط فيها الإرادة، والله تعالى (3) يأمر بالفعل من لا ~~يريده، لكن لا يأمر به من لو (4) أراده لعجز عنه (5) . # وهذا الفرقان هو فصل الخطاب في هذا الباب. وهكذا أمر الناس بعضهم لبعض، ~~فإن الإنسان (6) يأمر عبده بما لا يريده العبد، لكن لا يأمره بما يعجز عنه ~~العبد. وإذا اجتمعت الإرادة الجازمة والقوة التامة (7) لزم وجود الفعل، ولا ~~بد أن يكون هذا المستلزم للفعل مقارنا له، لا يكفي تقدمه عليه إن لم ~~يقارنه، فإنه العلة التامة للفعل، والعلة التامة تقارن المعلول، لا تتقدمه. ~~ولأن القدرة شرط في وجود الفعل [وكون الفاعل قادرا] ، والشرط في وجود الشيء ~~[الذي به القادر يكون قادرا] لا يكون [الشيء] مع عدمه بل مع وجوده (8) ، ~~[وإلا فيكون الفاعل (9) فاعلا حين لا يكون قادرا، أو غير (10) القادر لا ~~يكون قادرا] (11) . PageV03P050 # وهذا معنى قول أهل الإثبات، الذي يذكره مثل القاضي أبي بكر والقاضي أبي ~~يعلى وغيرهما: لا خلاف بيننا وبين المعتزلة أن المصحح لكون الفاعل فاعلا هو ~~كونه قادرا، ووجدنا كل مصحح لأمر من الأمور فإنه يستحيل ثبوت ذلك الأمر ~~والحكم مع عدم المصحح له. (* ألا ترى أنه لما ثبت أن المصحح لكون القادر ~~العالم كونه حيا، استحال كونه عالما قادرا مع [عدم] (1) كونه حيا وكذلك لما ~~كان *) (2) المصحح لكون المتلون متلونا (3) وكونه متحركا كونه جوهرا، ~~استحال كونه متلونا ومتحركا (4) وليس بجوهر. # وكذلك يستحيل كونه فاعلا في حال ليس هو فيها قادرا. # قالوا: وهذا من الأدلة المعتمدة. وهذا الدليل يقتضي أنه لا بد من وجود ~~القدرة على الفعل، ولكن لا ينفى وجودها قبل الفعل (5) ، فإن المصحح يصح ~~وجوده قبل وجود المشروط (6) وبدون ذلك، كما يصح وجود الحياة بدون العلم، ~~والجوهر بدون الحركة. # وهذا مما يحتج به على الفلاسفة في مسألة (7) حدوث العالم، فإنهم إذا ~~قالوا: العلة القديمة تحدث الدورة الثانية بشرط انقضاء الأولى. # قيل لهم: لا بد عند وجود المحدث من العلة التامة، وكون الفاعل قادرا ms0581 (8) ~~PageV03P051 # تام القدرة مريدا تام الإرادة، فلا يكفي في الإحداث مجرد وجود شيء متقدم ~~(1) على الإحداث، فكيف يكفي مجرد عدم شيء يتقدم عدمه على الإحداث؟ بل لا بد ~~حين الإحداث من المؤثر التام، ثم كذلك عند حدوث المؤثر التام لا بد له من ~~مؤثر تام، فإذا لم يكن إلا علة تامة أزلية يقارنها معلولها، لزم حدوث ~~الحوادث بلا محدث أصلا. # وهذا يدل على أن الرب تعالى يتصف بما به يفعل الحوادث المخلوقة من ~~الأقوال القائمة به الحاصلة بقدرته ومشيئته، (2) كما قد بسط في موضعه. # وهذا التفصيل في الإرادة والقدرة (3) ، وتقسيمها إلى نوعين، يزيل ~~الاشتباه والاضطراب الحاصل في هذا الباب. # وعلى هذا ينبني تكليف ما لا يطاق، فإن (4) من قال: القدرة لا تكون إلا مع ~~الفعل، يقول: كل كافر وفاسق قد كلف ما لا يطيق (5) . وليس هذا الإطلاق قول ~~جمهور أهل السنة وأئمتهم، بل يقولون: إن الله تعالى قد أوجب الحج على ~~المستطيع، حج أو لم يحج، وكذلك أوجب صيام الشهرين في الكفارة على المستطيع، ~~كفر أو لم يكفر، وأوجب العبادات على القادرين دون العاجزين، فعلوا أو لم ~~يفعلوا. # وما لا يطاق يفسر بشيئين: يفسر بما لا يطاق (6) للعجز عنه ; فهذا لم ~~يكلفه PageV03P052 # الله أحدا. ويفسر بما لا يطاق (1) للاشتغال بضده ; فهذا هو الذي وقع فيه ~~التكليف (2) كما في أمر العباد بعضهم بعضا، فإنهم يفرقون بين هذا وهذا، فلا ~~يأمر السيد عبده الأعمى بنقط المصاحف، ويأمره إذا كان قاعدا أن يقوم، ويعلم ~~الفرق بين هذا وهذا بالضرورة. # وهذه المسائل مبسوطة في غير هذا الموضع، وإنما نبهنا على نكتها بحسب ما ~~يليق بهذا الموضع (3) . # وعلى هذا فقوله (4) : " لم يخلق فيه قدرة على الإيمان " (5) ليس [هو] (6) ~~قول جمهور أهل السنة، بل يقولون خلق له (7) القدرة المشروطة في التكليف ~~المصححة للأمر والنهي، كما في العباد (8) إذا أمر بعضهم بعضا، فما يوجد من ~~(9) القدرة في ذلك الأمر، فهو موجود في أمر الله لعباده، بل تكليف الله ~~أيسر، ورفعه (10) للحرج أعظم. والناس يكلف بعضهم بعضا أعظم مما ms0582 أمرهم الله ~~به ورسوله، ولا يقولون: إنه تكليف ما لا يطاق. ومن تأمل أحوال من يخدم ~~الملوك والرؤساء ويسعى في طاعتهم، وجد عندهم من ذلك ما ليس عند المجتهدين ~~في العبادة لله (11) . PageV03P053 ### | [فصل كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر إفحام الأنبياء وانقطاع حجتهم والرد عليه] # (فصل) قال الرافضي (1) : " ومنها إفحام الأنبياء وانقطاع حجتهم، لأن ~~النبي إذا قال للكافر: آمن بي وصدقني، يقول (2) قل للذي بعثك يخلق في ~~الإيمان أو القدرة (3) المؤثرة فيه حتى أتمكن من الإيمان وأومن بك (4) ، ~~وإلا فكيف تكلفني الإيمان ولا قدرة لي عليه؟ بل خلق في الكفر (5) ، وأنا لا ~~أتمكن من مقاهرة (6) الله تعالى، فينقطع النبي ولا يتمكن من جوابه ". # فيقال: هذا مقام يكثر فيه خوض النفوس (7) ، فإن كثيرا من الناس إذا أمر ~~بما يجب عليه تعلل بالقدر، وقال: حتى يقدر الله لي (8) ذلك، أو يقدرني الله ~~(9) على ذلك، أو حتى يقضي الله ذلك (10) ، وكذلك إذا نهي عن فعل ما حرم ~~الله قال: الله قضى (11) علي بذلك، أي حيلة لي في هذا؟ ونحو (12) هذا ~~الكلام. PageV03P054 # والاحتجاج بالقدر حجة باطلة داحضة (1) باتفاق كل ذي عقل ودين من جميع ~~العالمين، والمحتج به لا يقبل من غيره مثل هذه الحجة إذا احتج بها في (2) ~~ظلم ظلمه إياه، أو ترك (3) ما يجب عليه من حقوقه، بل يطلب منه (4) ما له ~~عليه، ويعاقبه على عدوانه عليه، وإنما هو (5) من جنس شبه السوفسطائية التي ~~تعرض في العلوم، فكما أنك تعلم فسادها بالضرورة، وإن كانت تعرض كثيرا لكثير ~~من الناس (6) حتى قد يشك في وجود نفسه وغير ذلك من المعارف (7) الضرورية، ~~فكذلك هذا يعرض في الأعمال حتى يظن أنها شبهة (8) في إسقاط الصدق والعدل ~~الواجب وغير ذلك، وإباحة الكذب والظلم وغير ذلك، ولكن تعلم القلوب بالضرورة ~~أن هذه شبهة باطلة، ولهذا لا يقبلها أحد من أحد (9) عند التحقيق، ولا يحتج ~~بها أحد إلا مع عدم علمه بالحجة بما فعله، فإذا كان معه علم بأن ما فعله هو ~~المصلحة، وهو المأمور به (10) وهو ms0583 الذي ينبغي فعله، لم يحتج بالقدر، وكذلك ~~إذا كان معه علم بأن الذي لم يفعله (11) ليس عليه أن يفعله، أو ليس بمصلحة ~~أو ليس هو مأمورا به، لم يحتج بالقدر، بل إذا كان متبعا لهواه بغير علم ~~احتج بالقدر. PageV03P055 # ولهذا لما قال المشركون: {لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من ~~شيء} [سورة الأنعام: 148] ، قال الله تعالى: {قل هل عندكم من علم فتخرجوه ~~لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون - قل فلله الحجة البالغة فلو ~~شاء لهداكم أجمعين} [سورة الأنعام: 148، 149] ، فإن هؤلاء المشركين يعلمون ~~بفطرتهم وعقولهم أن هذه الحجة داحضة باطلة (1) . # فإن أحدهم لو ظلم الآخر في ماله، أو فجر بامرأته (2) أو قتل ولده، أو كان ~~مصرا على الظلم فنهاه الناس عن ذلك، فقال لو شاء الله لم أفعل هذا، لم ~~يقبلوا منه هذه الحجة، ولا هو يقبلها من غيره، وإنما يحتج بها المحتج دفعا ~~للوم بلا وجه، فقال الله لهم: هل (3) عندكم من علم فتخرجوه لنا بأن هذا ~~الشرك والتحريم من أمر الله وأنه مصلحة (4) ينبغي فعله، إن تتبعون إلا ~~الظن، فإنه لا علم عندكم، بذلك إن تظنون ذلك إلا ظنا، وإن أنتم إلا تخرصون: ~~تحرزون (5) وتفترون، فعمدتكم في نفس الأمر ظنكم وخرصكم، ليس عمدتكم (6) في ~~نفس الأمر كون الله شاء ذلك وقدره، فإن مجرد المشيئة والقدر لا يكون (7) ~~عمدة لأحد في الفعل، ولا حجة لأحد على أحد، ولا PageV03P056 # عذرا لأحد (1) ، إذ الناس كلهم مشتركون في القدر (2) ، فلو كان هذا حجة ~~وعمدة، لم يحصل فرق بين العادل والظالم، والصادق والكاذب، والعالم والجاهل، ~~والبر والفاجر، ولم يكن فرق بين ما يصلح الناس من الأعمال وما يفسدهم، وما ~~ينفعهم وما يضرهم. # وهؤلاء المشركون المحتجون (3) بالقدر على ترك ما أرسل [الله] به رسله (4) ~~من توحيده والإيمان به، لو (5) احتج به بعضهم على بعض في إسقاط (6) حقوقه ~~ومخالفة أمره لم يقبله منه، بل كان هؤلاء المشركون يذم بعضهم بعضا، ويعادي ~~بعضهم بعضا، [ويقاتل بعضهم بعضا] (7) على فعل ما يرونه ms0584 (8) تركا لحقهم أو ~~ظلما، فلما جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى حق الله على ~~عباده وطاعة أمره احتجوا بالقدر، فصاروا يحتجون بالقدر على ترك حق ربهم ~~ومخالفة أمره بما لا يقبلونه ممن ترك حقهم (9) وخالف أمرهم. # وفي الصحيحين عن معاذ [بن جبل رضي الله عنه] (10) أن النبي صلى الله عليه ~~وسلم قال له: (11) «يا معاذ " أتدري (12) ما حق الله على عباده؟ حقه على ~~PageV03P057 # عباده (1) أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. أتدري ما حق العباد على الله ~~إذا فعلوا ذلك؟ [حقهم عليه] أن لا يعذبهم» " (2) . # فالاحتجاج بالقدر حال أهل الجاهلية الذين لا علم عندهم بما يفعلون ~~ويتركون، إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون. وهم إنما يحتجون به في ترك ~~حق ربهم ومخالفة أمره، لا في ترك ما يرونه حقا لهم [ولا في مخالفة أمرهم] ~~(3) . # ولهذا تجد [كثيرا من] (4) المحتجين به (5) والمستندين إليه من النساك ~~والصوفية والفقراء، والعامة والجند والفقهاء وغيرهم، يفرون إليه عند اتباع ~~الظن وما تهوى الأنفس، فلو كان معهم علم وهدى لم يحتجوا بالقدر أصلا، بل ~~يعتمدون عليه لعدم الهدى والعلم (6) . PageV03P058 # وهذا أصل شريف من اعتنى به علم (1) منشأ الضلال والغي لكثير من الناس (2) ~~. ولهذا تجد المشايخ والصالحين (3) المتبعين للأمر والنهي كثيرا ما يوصون ~~أتباعهم باتباع العلم والشرع لأنه كثيرا (4) ما يعرض لهم إرادات في أشياء ~~ومحبة لها، فيتبعون فيها أهواءهم ظانين أنها دين الله (5) ، وليس معهم إلا ~~الظن والذوق والوجد (6) الذي يرجع إلى محبة النفس وإرادتها، فيحتجون تارة ~~بالقدر (7) ، وتارة بالظن والخرص، وهم متبعون أهواءهم في الحقيقة، فإذا ~~اتبعوا العلم، وهو ما جاء به الشارع صلى الله عليه وسلم، خرجوا عن الظن وما ~~تهوى الأنفس، واتبعوا ما ما جاءهم من ربهم، وهو الهدى. # كما قال تعالى: {فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى} ~~[سورة طه: 123] . # وقد ذكر الله تعالى هذا المعنى عن المشركين في سورة الأنعام والنحل ~~والزخرف، كما قال تعالى: {وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم ms0585 بذلك من ~~علم إن هم إلا يخرصون} [سورة الزخرف: 20] فبين (8) أنه لا علم لهم بذلك إن ~~هم إلا يخرصون. PageV03P059 # وقال في سورة الأنعام: {قل فلله الحجة البالغة} [سورة الأنعام: 149] # [أي] (1) بإرسال الرسل وإنزال الكتب، كما قال تعالى: {لئلا يكون للناس ~~على الله حجة بعد الرسل} [سورة النساء: 165] ، ثم أثبت القدر بقوله: {فلو ~~شاء لهداكم أجمعين} [سورة الأنعام: 149] ، فأثبت الحجة الشرعية، وبين ~~المشيئة القدرية، وكلاهما حق. # وقال في النحل: {وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء ~~نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على ~~الرسل إلا البلاغ المبين} [سورة النحل: 35] ، بين (2) سبحانه أن هذا الكلام ~~تكذيب للرسل فيما جاءوهم به ليس حجة لهم، فإن هذا لو كان حجة (3) لاحتج به ~~على تكذيب كل صدق وفعل كل ظلم، ففي فطرة (4) بني آدم أنه ليس حجة صحيحة، بل ~~من احتج به احتج لعدم العلم واتباع الظن (5) ، كفعل الذين كذبوا الرسل بهذه ~~المدافعة، بل الحجة البالغة لله بإرسال الرسل وإنزال الكتب. # كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " «لا ~~أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك مدح نفسه، ولا أحد أغير ~~PageV03P060 # من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن» ". (1) . فبين أنه ~~سبحانه يحب أن يمدح (2) وأن يعذر ويبغض الفواحش، فيحب أن يمدح بالعدل ~~والإحسان، وأن لا يوصف بالظلم (3) . # ومن المعلوم أنه من تقدم (4) إلى أتباعه بأن افعلوا كذا ولا تفعلوا كذا ~~(5) وبين لهم وأزاح علتهم، ثم تعدوا حدوده وأفسدوا أموره (6) كان له أن ~~يعذبهم وينتقم منهم. # فإذا قالوا: أليس الله قدر علينا هذا؟ لو شاء الله ما فعلنا هذا. # قيل لهم: أنتم لا حجة لكم، ولا عندكم ما تعتذرون به، يبين (7) أن ما ~~فعلتموه كان حسنا أو كنتم معذورين فيه، فهذا الكلام غير مقبول منكم، وقد ~~قامت الحجة عليكم بما تقدم من البيان والإعذار. PageV03P061 # ولو أن ولي الأمر أعطى ms0586 قوما مالا ليوصلوه إلى بلد (1) آخر (2) فسافروا به ~~وتركوه في البرية ليس عنده أحد، وباتوا في مكان بعيد منه، وكان ولي الأمر ~~قد أرسل جندا [له] (3) يغزون بعض الأعداء، فاجتازوا تلك، الطريق فرأوا ذلك ~~المال فظنوه لقطة ليس له أحد فأخذوه وذهبوا، لكان يحسن منه أن يعاقب ~~الأولين على تفريطهم (4) وتضييعهم حفظ ما أمرهم بحفظه (5) . # ولو قالوا له: أنت لم تعلمنا أنك تبعث خلفنا جندا حتى نحترز المال منهم. ~~قال لهم (6) : هذا لا يجب علي، ولو فعلته لكان زيادة إعانة لكم، لكن كان ~~عليكم أن تحفظوا ذلك، كما تحفظ (7) الودائع والأمانات. وكانت حجته عليهم ~~قائمة، ولم يكن إن عاقبهم ظالما (8) وإن كان لم يعنهم بالإعلام بذلك الجند، ~~لكن عمل المصلحة في إرسال الأولين والآخرين. # والله تعالى وله المثل الأعلى حكيم (9) عدل في [كل] ما يفعله (10) ، ولا ~~PageV03P062 # يخرج شيء عن مشيئته وقدرته. فإذا أمر الناس بحفظ الحدود وإقامة الفرائض ~~لمصلحتهم، كان ذلك من إحسانه إليهم، وتعريفهم ما ينفعهم. وإذا خلق أمورا ~~أخرى، فإذا فرطوا واعتدوا بسبب خلقه لأمور أخرى (1) أوجبت (2) الضرر الحاصل ~~من تفريطهم وعدوانهم، وكان له في خلق المخلوق الثاني حكمة ومصلحة أخرى (3) ~~، كان عادلا حكيما (4) في خلق هذا وخلق هذا، والأمر بهذا والأمر بهذا. وإن ~~كان لم يمد الأولين بزيادة يحترسون (5) بها من التفريط والعدوان، لا سيما ~~مع علمه بأن تلك الزيادة لو خلقها للزم منها تفويت مصلحة أرجح منها (6) ، ~~فإن الضدين لا يجتمعان. # والمقصود هنا أنه لا يحتج أحد بالقدر إلا حجة تعليل، لعدم اتباع الحق ~~الذي بينه العلم (7) ، فإن الإنسان حي حساس متحرك بالإرادة. # ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " «أصدق الأسماء الحارث وهمام» " ~~(8) فالحارث الكاسب العامل، والهمام الكثير الهم، والهم مبدأ PageV03P063 # الإرادة [والقصد، فكل إنسان حارث همام، وهو المتحرك بالإرادة] (1) وذلك ~~لا يكون إلا بعد الحس والشعور، فإن الإرادة مسبوقة بالشعور بالمراد، فلا ~~يتصور إرادة ولا حب ولا شوق ولا اختيار ولا طلب إلا بعد الشعور، وما هو ~~[من] جنسه (2) ، كالحس والعلم والسمع والبصر والشم ms0587 والذوق واللمس ونحو هذه ~~الأمور. فهذا الإدراك والشعور هو (3) مقدمة الإرادة والحب والطلب. # والحي مفطور على حب ما يلائمه وينفعه (4) ، وبغض ما يكرهه ويضره، فإذا ~~تصور الشيء الملائم النافع أراده وأحبه (5) وإذا (6) تصور الشيء الضار ~~أبغضه ونفر عنه، لكن ذلك التصور قد يكون علما، وقد يكون ظنا وخرصا، فإذا ~~كان عالما بأن مراده هو النافع، وهو المصلحة، وهو الذي يلائمه، كان على ~~الهدى والحق، وإذا لم يكن معه علم بذلك (7) ، كان متبعا للظن وما تهوى ~~نفسه، فإذا جاءه العلم والبيان بأن هذا ليس مصلحة، أخذ يحتج بالقدر حجة لدد ~~وتعريج (8) عن الحق (9) ، لا حجة اعتماد على الحق والعلم، فلا يحتج أحد في ~~باطنه أو ظاهره بالقدر، إلا لعدم العلم بأن ما هو عليه هو الحق (10) . ~~PageV03P064 # وإذا كان كذلك كان من احتج بالقدر على الرسل مقرا بأن ما هو عليه ليس معه ~~به علم، [وإنما تكلم بغير علم] (1) ، ومن تكلم بغير علم كان مبطلا في ~~كلامه، ومن احتج بغير علم كانت حجته داحضة، فإما أن يكون جاهلا فعليه أن ~~يتبع العلم، وإما أن يكون قد عرف الحق واتبع هواه فعليه أن يتبع الحق ويدع ~~هواه. # فتبين أن المحتج بالقدر متبع لهواه بغير علم، ومن أضل ممن اتبع هواه بغير ~~هدى من الله. # وحينئذ فالجواب في هذا المقام من وجوه: أحدها: أن هذا إنما يكون انقطاعا ~~لو كان الاحتجاج بالقدر سائغا (2) ، فأما إذا كان الاحتجاج بالقدر باطلا ~~بطلانا ضروريا مستقرا (3) في [جميع] (4) الفطر والعقول، لم يكن هذا السؤال ~~متوجها، وذلك (5) أنه (6) من المستقر في فطر الناس وعقولهم أنه من طلب منه ~~فعل من الأفعال الاختيارية (7) لم يكن له أن يحتج بمثل هذا، ومن طلب دينا ~~له (8) على آخر لم يكن له أن يقول: لا أعطيك (9) حتى يخلق الله في العطاء، ~~ومن أمر عبده بأمر (10) لم يكن له أن يقول: لا أفعله حتى يخلق الله في ~~فعله، ومن PageV03P065 # ابتاع شيئا وطلب (1) منه الثمن، لم يكن له أن يقول: لا أقضيه حتى يخلق ~~الله ms0588 في القضاء أو القدرة (2) على هذا. # وهذا أمر جبل [الله] عليه الناس كلهم (3) ، مسلمهم وكافرهم، مقرهم بالقدر ~~ومنكرهم له، ولا يخطر ببال أحد منهم الاعتراض بمثل هذا، مع اعترافهم ~~بالقدر، فإذا كان هذا الاعتراض (4) معروف الفساد في بدائه (5) العقول، ولم ~~يكن لأحد أن يحتج به على الرسول. # الثاني: أن الرسول (6) يقول له: أنا نذير لك إن فعلت ما أمرتك به نجوت ~~وسعدت، وإن لم تفعله عوقبت. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما صعد على ~~الصفا ونادى: " «يا صباحاه " (7) فأجابوه، فقال: " أرأيتم (8) لو أخبرتكم ~~أن عدوا مصبحكم أكنتم مصدقي؟ " قالوا: ما جربنا عليك كذبا. قال: " فإني ~~نذير لكم بين يدي عذاب شديد» " (9) وقال: " «أنا النذير العريان» " (10) . ~~PageV03P066 # ومن المعلوم أن من أنذر بعدو يقصده لم يقل لنذيره: قل لله يخلق في قدرة ~~على الفرار حتى أفر، بل يجتهد في الفرار، والله هو الذي يعينه على الفرار. # فهذا الكلام لا يقوله إلا مكذب للرسل، إذ ليس في الفطرة مع تصديق النذير ~~الاعتلال بمثل هذا. وإذا كان هذا تكذيبا حاق به ما حاق بالمكذبين. # الوجه الثالث: أن يقول له: أنا ليس لي أن أقول لربي [مثل] (1) هذا ~~الكلام، بل علي أن أبلغ رسالاته، وإنما علي ما حملت وعليك ما حملت، وليس ~~علي إلا البلاغ المبين، وقد قمت به (2) . # الرابع: أن يقول: ليس لي ولا لغيري أن يقول له: لم لم [تجعل] (3) في هذا ~~كذا وفي هذا كذا، فإن الناس على قولين: من يقول (4) : إنه لا حكمة إلا محض ~~المشيئة، يقول إنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. ومن يقول: [إن] له حكمة (5) ~~، يقول: لم يفعل شيئا إلا لحكمة، ولم يتركه (6) إلا لانتفاء الحكمة فيه. ~~PageV03P067 # وإذا كان كذلك لم يكن للعبد أن يقول له (1) مثل ذلك. ولهذا قال تعالى: ~~{لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} [سورة الأنبياء: 23] . # الوجه الخامس: أن يقول: إعانتك على الفعل هو من أفعاله هو، فما فعله ~~فلحكمة، وما لم يفعله فلانتفاء الحكمة، وأما نفس الطاعة فمن أفعالك التي ~~تعود ms0589 مصلحتها عليك (2) ، فإن أعانك كان فضلا [عليك] منه (3) وإن خذلك كان ~~عدلا منه، فتكليفك ليس لحاجة (4) له إلى ذلك ليحتاج إلى إعانتك، كما يأمر ~~السيد عبده بمصلحته. # فإذا كان العبد غير قادر أعانه حتى يحصل مراد الآمر الذي يعود إليه نفعه، ~~بل التكليف إرشاد وهدى وتعريف للعباد بما (5) ينفعهم في المعاش والمعاد ومن ~~عرف أن هذا الفعل ينفعه وهذا الفعل يضره، وأنه يحتاج (6) إلى ذلك الذي ~~ينفعه، لم يمكنه أن يقول: لا أفعل الذي أنا محتاج إليه، وهو ينفعني (7) حتى ~~يخلق في الفعل، بل مثل هذا يخضع ويذل لله حتى يعينه على فعل ما ينفعه، كما ~~لو قيل: هذا العدو قد قصدك (8) ، أو هذا السبع، أو هذا السيل (9) المنحدر، ~~فإنه لا يقول: لا أهرب وأتخلص PageV03P068 # [منه] (1) حتى يخلق [الله] (2) في الهرب، بل يحرص على الهرب ويسأل الله ~~الإعانة على ذلك، ويفر منه إذا عجز. وكذلك إذا كان محتاجا إلى طعام أو شراب ~~أو لباس (3) ، فإنه لا يقول: لا آكل ولا أشرب ولا ألبس حتى يخلق الله (4) ~~في ذلك، بل يريد ذلك ويسعى فيه ويسأل الله تيسيره [عليه] (5) . # فالفطرة مجبولة على حب ما تحتاج إليه، ودفع ما يضرها، وأنها تستعين الله ~~عز وجل على ذلك. هذا [هو] موجب الفطرة (6) التي فطر [الله] (7) عليها ~~عباده، وإيجابها ذلك، ولهذا أمر الله العباد أن يسألوا الله أن يعينهم على ~~فعل ما أمر. # الوجه السادس: أن يقال: مثل هذا الكلام إما أن يقوله من يريد الطاعة، ~~ويعلم أنها تنفعه، أو من لا يريدها ولا يعلم أنها تنفعه، وكلاهما يمتنع ~~[منه] (8) أن يقول مثل هذا الكلام. أما الأول فمن أراد الطاعة وعلم أنها ~~تنفعه أطاع قطعا إذا (9) لم يكن عاجزا، فإن نفس الإرادة الجازمة ~~PageV03P069 # للطاعة مع القدرة (1) توجب الطاعة، [فإنها مع وجود القدرة والداعي التام ~~توجب وجود المقدور] (2) فإذا كانت الطاعة بالتكلم (3) بالشهادتين، فمن أراد ~~ذلك [إرادة جازمة] فعله قطعا [لوجود القدرة والداعي التام] ، ومن (4) لم ~~يفعله علم أنه لم يرده، وإن كان (5) لا يريد الطاعة ms0590 فيمتنع أن يطلب من ~~الرسول (6) أن يخلقها الله فيه فإنه، إذا طلب من الرسول (7) أن يخلقها الله ~~فيه كان مريدا لها (8) ، فلا يتصور أن يقول مثل ذلك إلا مريد، ولا يكون ~~مريدا للطاعة المقدورة (9) إلا ويفعلها. # وهذا يظهر بالوجه السابع: (10) وهو أن يقال: أنت متمكن من الإيمان قادر ~~عليه، فلو أردته فعلته، وإنما لم تؤمن لعدم إرادتك له، لا لعجزك وعدم قدرتك ~~عليه. وقد بينا أن القدرة التي هي شرط في الأمر تكون موجودة قبل الفعل في ~~المطيع والعاصي، [وتكون موجودة مع الأمر في المطيع] (11) بخلاف المختصة ~~بالمطيع، فإنها لا توجد إلا مع الفعل. PageV03P070 # وقد بينا (1) أن من جعل القدرة نوعا واحدا: إما مقارنا للفعل (2) ، وإما ~~سابقا عليه، فقد (3) أخطأ. هذا إذا عني بأحد النوعين مجموع ما يستلزم ~~الفعل، كما هو اصطلاح كثير من النظار. وأما إذا لم يرد بالقدرة إلا المصحح ~~فهي نوع واحد. # فإن للناس في القدرة: هل هي مع الفعل أو قبله؟ عدة أقوال (4) : أحدها: ~~أنها لا تكون إلا مع الفعل، وهذا بناء على أنها المستلزمة للفعل، وتلك لا ~~تكون إلا معه، وقد يبنونه على (5) أن القدرة عرض، والعرض لا يبقى زمانين. # والثاني: [أنها] (6) لا تكون إلا قبله، بناء على أنها المصححة فقط، وأنها ~~لا تكون مقارنة. # الثالث: أنها تكون قبله ومعه، وهذا أصح الأقوال. # ثم من هؤلاء من يقول: القدرة نوعان: مصححة، ومستلزمة. فالمصححة قبله ~~والمستلزمة معه. # ومنهم من يقول: بل القدرة هي المصححة فقط، وهي تكون معه وقبله. وأما ~~الاستلزام فإنما يحصل بوجود الإرادة مع القدرة لا بنفس (7) PageV03P071 # ما يسمى قدرة والإرادة ليست جزءا من مسمى القدرة، وهذا القول [هو] ~~الموافق للغة القرآن (1) ، بل ولغات سائر الأمم هو أصح الأقوال. # وحينئذ فنقول: أنت قادر متمكن خلق فيك القدرة على الإيمان، ولكن أنت لا ~~تريد الإيمان، فإن قال [له:] قل (2) له يجعلني مريدا للإيمان. قال [له] : ~~(3) إن كنت تطلب منه ذلك فأنت مريد للإيمان، وإن لم تطلب ذلك فأنت كاذب في ~~قولك، قل له: يجعلني مريدا ms0591 للإيمان. فإن قال: فكيف تأمرني (4) بما لم ~~يجعلني مريدا له، لم يكن هذا طلبا للإرادة، بل [كان] (5) هذا مخاصمة، وهذا ~~ليس على الرسول جوابه، [بل] ولا (6) في ترك جوابه انقطاع، فإن القدر ليس ~~لأحد أن يحتج به (7) . # [الوجه الثامن: أن يقال: كل من دعاه غيره إلى فعل وأمره به، فلا يخلو أن ~~يكون مقرا بأن الله خالق أفعال العباد وإرادتهم (8) وأنهم لا يفعلون إلا ما ~~شاءه، (أو لا يكون مقرا بذلك، بل يقول: إنهم يفعلون ما لا يشاؤه) (9) ، وهم ~~يحدثون إرادات أنفسهم بلا إرادته. (10) PageV03P072 # فإن كان من القسم الأول فهو يقر بأن كل ظالم له أو لغيره (1) قد خلقت ~~إرادته للظلم فظلمه (2) ، وهو لا يعذر الظالم في ذلك. فيقال له: أنت مقر ~~بأن مثل هذا ليس بحجة (3) لمن خالف ما أمر به كائنا ما كان، فلا يسوغ لك ~~الاحتجاج به وإن كان (4) منكرا للقدر امتنع أن يحتج بهذا، فثبت أن الاحتجاج ~~بالقدر لإفحام الرسل لا يسوغ (5) لا (6) على قول هؤلاء ولا على قول هؤلاء. # فإن قال قائل: المدعي ليس له مذهب يعتقده بل هو ساذج. # قيل له: هب أن الأمر كذلك، ففي نفس الأمر إما أن يكون (الحق) (7) قول ~~هؤلاء وإما أن يكون قول هؤلاء، وعلى التقديرين فالاحتجاج بالقدر باطل. فثبت ~~بطلان الاحتجاج به باتفاق الطائفتين: المثبتة والنفاة. # الوجه التاسع: أن يقال مقصود الرسالة هو الإخبار بالعذاب لمن كذب وعصى، ~~كما قال موسى وهارون عليهما السلام لفرعون: {إنا قد أوحي إلينا أن العذاب ~~على من كذب وتولى} [سورة طه: 48] . # وحينئذ فإذا قال: هو خلق في الكفر ولم يخلق في إرادة الإيمان. ~~PageV03P073 # قيل له: هذا لا يناقض وقوع العذاب بمن كذب وتولى، فإن كان لم يخلق فيك ~~الإيمان فأنت ممن يعاقبه، وإن جعلك مؤمنا فأنت ممن يسعده (1) ونحن رسل ~~مبلغون لك منذرون لك، فقد حصل مقصود الرسول (2) وبلغ البلاغ المبين، وإنما ~~المكلف يخاصم ربه حيث أمره بما لم يعنه عليه، وهذا لا يتعلق بالرسول ولا ~~يضره (3) ، والله سبحانه وتعالى لا يسأل ms0592 عما يفعل وهم يسألون. # الوجه العاشر: أن يقال هذا السؤال وارد على (هذا) المصنف (4) وعلى غيره ~~من محققي المعتزلة والرافضة الذين اتبعوا أبا الحسين البصري (5) حيث قال ~~إنه مع وجود الداعي والقدرة يجب وجود المقدور، وذلك أن الله خلق الداعي في ~~العبد. وقول أبي الحسين ومتبعيه في القدر (6) وهو قول محققي أهل السنة ~~الذين يقولون: إن الله خلق قدرة العبد وإرادته، وذلك مستلزم لخلقه (7) فعل ~~العبد، ويقولون: إن العبد فاعل لفعله حقيقة (ومحدث لفعله) (8) ، والله ~~سبحانه جعله فاعلا له (9) محدثا له، وهذا قول جماهير PageV03P074 # أهل السنة من جميع الطوائف، وهو قول كثير من أصحاب الأشعري كأبي إسحاق ~~الإسفراييني وأبي المعالي والجويني الملقب بإمام الحرمين وغيرهما (1) . # وإذا كان هذا قول محققي المعتزلة والشيعة، وهو قول (2) جمهور أهل السنة ~~وأئمتهم بقي الخلاف بين القدرية الذين يقولون: إن الداعي يحصل في قلب العبد ~~بلا مشيئة من الله ولا قدرة، وبين الجهمية المجبرة الذين يقولون: إن قدرة ~~العبد لا تأثير لها في فعله بوجه من الوجوه، وأن العبد ليس فاعلا لفعله، ~~كما يقول ذلك الجهم بن صفوان إمام المجبرة ومن اتبعه (3) ، وإن أثبت أحدهم ~~(4) كسبا لا يعقل، كما أثبته الأشعري ومن وافقه. وإذا كان (5) هذا النزاع ~~في هذا الأصل بين القدرية النفاة لكون الله يعين المؤمنين على الطاعة ويجعل ~~فيهم داعيا إليها ويختصهم (6) بذلك دون الكافرين، وبين المجبرة الغلاة ~~الذين يقولون: إن العباد لا يفعلون (7) شيئا ولا قدرة لهم على شيء، أو لهم ~~قدرة لا يفعلون بها شيئا ولا تأثير لها في شيء فكلا القولين باطل، مع أن ~~كثيرا من الشيعة يقولون بقول المجبرة. # وأما السلف والأئمة القائلون بإمامة الخلفاء الثلاثة فلا يقولون لا بهذا ~~PageV03P075 # ولا بهذا. فتبين أن قول أهل السنة القائلين بخلافة (1) الثلاثة هو ~~الصواب، وأن من أخطأ من أتباعهم في شيء فخطأ الشيعة أعظم من خطئهم (2) . # وهذا السؤال إنما يتوجه على من يسوغ الاحتجاج بالقدر ويقيم عذر نفسه أو ~~غيره إذا عصى بكون هذا مقدرا علي (3) ، ويرى أن شهود هذا هو ms0593 شهود الحقيقة، ~~أي الحقيقة الكونية. وهؤلاء كثيرون في الناس، وفيهم (4) من يدعي أنه من ~~الخاصة العارفين أهل التوحيد الذين فنوا في [توحيد] (5) الربوبية، ويقول ~~(6) إن العارف إذا فني (7) في شهود توحيد الربوبية لم يستحسن حسنة ولم ~~يستقبح سيئة، ويقول بعضهم (8) : من شهد الإرادة سقط عنه الأمر، ويقول ~~بعضهم: الخضر (9) إنما سقط عنه التكليف لأنه شهد الإرادة، وهذا الضرب كثير ~~في متأخري الشيوخ والنساك (10) [والصوفية] (11) والفقراء، بل وفي (12) ~~الفقهاء والأمراء والعامة. # ولا ريب أن هؤلاء شر من المعتزلة والشيعة الذين يقرون بالأمر والنهي ~~PageV03P076 # وينكرون القدر، وبمثل هؤلاء طال لسان المعتزلة والشيعة في المنتسبين إلى ~~السنة، فإن من أقر بالأمر والنهي والوعد والوعيد، وفعل الواجبات وترك ~~المحرمات، ولم يقل: إن الله خلق أفعال العباد ولا يقدر على ذلك ولا شاء ~~[المعاصي] هو قد قصد (1) تعظيم الأمر وتنزيه الله عن الظلم وإقامة حجة الله ~~على نفسه، لكن ضاق عطنه فلم يحسن الجمع بين قدرة الله التامة ومشيئته (2) ~~العامة وخلقه الشامل، وبين عدله وحكمته، وأمره ونهيه، ووعده ووعيده (3) ، ~~فجعل لله الحمد ولم يجعل له تمام الملك. # والذين أثبتوا قدرته ومشيئته وخلقه وعارضوا بذلك أمره ونهيه ووعده ووعيده ~~(4) ، شر من اليهود والنصارى كما قال هذا المصنف. فإن قولهم يقتضي إفحام ~~الرسل، ونحن إنما نرد من أقوال هذا وغيره ما كان باطلا. وأما الحق فعلينا ~~أن نقبله من كل قائل، وليس لأحد أن يرد بدعة ببدعة، ولا يقابل باطلا بباطل، ~~والمنكرون للقدر وإن كانوا في بدعة فالمحتجون به على الأمر أعظم بدعة، وإن ~~كان أولئك يشبهون المجوس فهؤلاء يشبهون المشركين المكذبين للرسل (5) الذين ~~قالوا: لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء. # وقد كان في أواخر عصر الصحابة [رضي الله عنهم أجمعين] (6) جماعة من هؤلاء ~~القدرية، وأما المحتجون بالقدر على الأمر فلا تعرف لهم طائفة PageV03P077 # من طوائف المسلمين معروفة، وإنما كثروا في المتأخرين، وسموا هذا حقيقة، ~~وجعلوا الحقيقة تعارض الشريعة، ولم يميزوا بين الحقيقة الدينية الشرعية ~~التي تتضمن تحقيق أحوال القلوب ms0594 كالإخلاص والصبر والشكر والتوكل والمحبة ~~لله، وبين الحقيقة الكونية القدرية التي يؤمن بها ولا يحتج بها على المعاصي ~~لكن يسلم إليها عند المصائب. # فالعارف يشهد القدر في المصائب فيرضى ويسلم ويستغفر ويتوب من الذنوب ~~والمعايب، كما قال تعالى: {فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك} [سورة ~~غافر: 55] ، فالعبد مأمور بأن يصبر على المصائب ويستغفر من المعايب. ### | [حديث احتجاج آدم وموسى عليهما السلام] # ومن هذا الباب حديث احتجاج آدم وموسى عليهما السلام، قد أخرجاه في ~~الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، وروي بإسناد جيد عن عمر رضي ~~الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " «احتج آدم وموسى» " وفي لفظ ~~«أن موسى قال: " يا رب أرني (1) آدم الذي أخرجنا من الجنة بخطيئته، فقال ~~موسى: يا آدم (2) أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ~~ملائكته، لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فقال له آدم (3) : أنت موسى الذي ~~اصطفاك الله بكلامه، وكتب لك التوراة بيده، فبكم تجد فيها مكتوبا: " {وعصى ~~آدم ربه فغوى} " قبل أن PageV03P078 # أخلق؟ قال: بأربعين سنة (1) قال: فحج آدم موسى، فحج آدم موسى ".» (2) . # فهذا الحديث ظن فيه (3) طوائف أن آدم احتج بالقدر على الذنب، وأنه حج ~~موسى بذلك، فطائفة من هؤلاء يدعون التحقيق والعرفان يحتجون بالقدر على ~~الذنوب مستدلين بهذا الحديث، وطائفة يقولون: الاحتجاج بهذا سائغ (4) في ~~الآخرة لا في الدنيا، [وطائفة يقولون: هو حجة للخاصة المشاهدين للقدر دون ~~العامة] (5) ، وطائفة كذبت هذا الحديث (6) كالجبائي وغيره، وطائفة تأولته ~~تأويلات فاسدة (7) مثل قول بعضهم: إنما حجه لأنه كان PageV03P079 # قد تاب (1) ، وقول آخر: كان أباه (2) والابن لا يلوم أباه، وقول بعضهم: ~~كان الذنب في شريعة (3) واللوم في أخرى. # وهكذا كله تعريج عن مقصود الحديث، فإن الحديث إنما تضمن التسليم للقدر ~~عند المصائب، فإن موسى لم يلم آدم لحق الله الذي في الذنب، وإنما (4) لامه ~~لأجل ما لحق الذرية من المصيبة ; ولهذا قال أرنا آدم الذي أخرجنا ونفسه من ~~الجنة. وقال: لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة ms0595؟ وهذا (5) روي في بعض طرق ~~الحديث وإن لم يكن في جميعها. # وهو حق (6) ، فإن آدم كان قد تاب من الذنب، وموسى أعلم بالله من ~~PageV03P080 # أن يلوم تائبا، وهو أيضا قد تاب حيث قال: {رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي} ~~[سورة القصص: 16] وقال: {سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين} [سورة ~~الأعراف: 143] ، وقال: {فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين واكتب لنا في ~~هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك} [سورة الأعراف: 155، 156] ، ~~وأيضا فإن المذنبين من الآدميين كثير، فتخصيص (1) آدم باللون دون الناس لا ~~وجه له. # وأيضا فآدم وموسى أعلم بالله من أن يحتج أحدهما على الذنب بالقدر ويقبله ~~الآخر، فإن هذا لو كان مقبولا لكان لإبليس الحجة بذلك أيضا (2) ، ولقوم نوح ~~وعاد وثمود وفرعون. # وإن كان من احتج على موسى بالقدر لركوب الذنب قد حجه، ففرعون أيضا يحجه ~~بذلك (3) . وإن كان آدم إنما حج موسى لأنه رفع اللوم (4) عن المذنب (5) ~~لأجل القدر فيحتج بذلك (6) عليه إبليس من امتناعه من السجود لآدم، وفي ~~الحقيقة هذا إنما هو احتجاج على الله (7) ، وهؤلاء هم خصماء الله القدرية ~~الذين يحشرون (8) يوم القيامة إلى النار حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ~~ولهم عذاب شديد. PageV03P081 # والآثار المروية في ذم القدرية تتناول هؤلاء أعظم من تناولها المنكرين ~~للقدر تعظيما للأمر وتنزيها عن الظلم، ولهذا يقرنون (1) القدرية بالمرجئة ~~لأن المرجئة تضعف أمر الإيمان والوعيد (2) ، وكذلك هؤلاء القدرية تضعف أمر ~~الله بالإيمان والتقوى ووعيده، ومن فعل هذا كان ملعونا في كل شريعة كما ~~روي: لعنت القدرية والمرجئة على لسان سبعين نبيا. # والخائضون في القدر بالباطل (3) ثلاثة أصناف: المكذبون به، والدافعون ~~للأمر والنهي [به] (4) ، والطاعنون على الرب عز وجل بجمعه بين الأمر ~~والقدر، وهؤلاء شر الطوائف ويحكى (5) في ذلك مناظرة عن إبليس والدافعون به ~~للأمر (6) بعدهم في الشر، والمكذبون به بعد هؤلاء. # وأنت إذا رأيت تغليظ السلف على المكذبين بالقدر فإنما ذاك لأن الدافعين ~~للأمر لم يكونوا يتظاهرون بذلك، ولم يكونوا موجودين كثيرين، وإلا فهم شر ~~منهم، كما أن الروافض شر ms0596 من الخوارج في الاعتقاد، ولكن الخوارج أجرأ على ~~السيف والقتال منهم، فلإظهار القول ومقاتلة المسلمين عليه (7) جاء فيهم ما ~~لا يجيء فيمن هم (8) من جنس المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في ~~قلوبهم. PageV03P082 # فتبين أن آدم احتج على موسى بالقدر من جهة المصيبة التي لحقته ولحقت ~~الذرية، والمصيبة تورث نوعا من الجزع يقتضي لوم من كان سببها، فتبين له أن ~~هذه المصيبة وسببها كان مقدورا مكتوبا، والعبد مأمور أن يصبر على قدر الله ~~ويسلم لأمر الله (1) فإن هذا من جملة ما أمره (2) الله به، كما قال تعالى: ~~{ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه} [سورة التغابن: ~~11] قالت (3) طائفة من السلف كابن مسعود: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم ~~أنها من عند الله فيرضى ويسلم. # [فهذا الكلام الذي قاله هذا المصنف وأمثال] هذا الكلام يقال لمن احتج ~~بالقدر (4) على المعاصي، ثم يعلم أن هذه الحجة باطلة بصريح العقل عند كل ~~أحد مع الإيمان بالقدر. # وبطلان هذه الحجة لا يقتضي التكذيب بالقدر، وذلك أن بني آدم مفطورون على ~~احتياجهم إلى جلب (5) المنفعة ودفع المضرة، لا يعيشون ولا يصلح لهم دين ولا ~~دنيا إلا بذلك، فلا بد أن يأتمروا (6) وإنما فيه تحصيل (7) منافعهم ودفع ~~مضارهم، سواء بعث إليهم رسول أو لم يبعث، لكن علمهم بالمنافع والمضار بحسب ~~عقولهم وقصودهم، والرسل (8) صلوات الله عليهم PageV03P083 # بعثوا بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها فأتباع الرسل ~~أكمل الناس في ذلك، والمكذبون للرسل انعكس الأمر في حقهم، فصاروا يتبعون ~~المفاسد ويعطلون المصالح، فهم شر الناس، ولا بد لهم مع ذلك من أمور ~~يجتلبونها، وأمور يجتنبونها، وأن يتدافعوا جميعا ما يضرهم (1) من الظلم ~~والفواحش ونحو ذلك. فلو ظلم بعضهم بعضا في دمه وماله وعرضه وحرمته (2) فطلب ~~المظلوم الاقتصاص والعقوبة، لم يقبل أحد من ذوي العقول احتجاجه بالقدر. ولو ~~قال: اعذروني فإن هذا كان مقدرا علي. لقالوا له (3) : وأنت لو فعل بك هذا ~~(4) فاحتج عليك ظالمك بالقدر لم تقبل منه. # وقبول هذه الحجة يوجب الفساد الذي ms0597 لا صلاح معه، وإذا كان الاحتجاج بالقدر ~~مردودا في فطر جميع الناس وعقولهم، مع أن جماهير الناس مقرون بالقدر، علم ~~أن الإقرار بالقدر لا ينافي دفع الاحتجاج به، بل لا بد من الإيمان به، ولا ~~بد من رد الاحتجاج به. # ولما كان الجدل (5) ينقسم إلى حق وباطل، والكلام ينقسم إلى حق وباطل (6) ~~، وكان من لغة العرب أن الجنس إذا انقسم إلى نوعين أحدهما أشرف من الآخر، ~~خصوا الأشرف باسمه الخاص (7) وعبروا عن الآخر PageV03P084 # بالاسم العام (1) ، كما في لفظ الجائز العام والخاص (2) ، والمباح العام ~~والخاص، وذوي الأرحام العام والخاص ولفظ الحيوان (3) العام والخاص، فيطلقون ~~(4) لفظ الحيوان على (5) غير الناطق لاختصاص الناطق باسم الإنسان. # وعملوا في لفظ الكلام والجدل كذلك، فيقولون (6) : فلان صاحب كلام ومتكلم ~~(7) إذا كان قد يتكلم (8) بلا علم، ولهذا ذم السلف أهل الكلام. وكذلك الجدل ~~إذا لم يكن (9) الكلام بحجة صحيحة لم يك إلا جدلا محضا. # والاحتجاج بالقدر من هذا الباب، كما في الصحيح عن علي رضي الله عنه، قال: ~~" «طرقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاطمة فقال: " ألا تقومان تصليان؟ ~~" (10) فقلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله إن شاء يبعثنا بعثنا. قال ~~فولى وهو يقول: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} » (11) [سورة الكهف: 54] فإنه ~~لما أمرهم بقيام الليل فاعتل علي PageV03P085 # [رضي الله عنه] (1) بالقدر، وأنه لو شاء الله لأيقظنا (2) . (3) ، فقال ~~وكان الإنسان أكثر شيء جدلا. ### | فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر تجويز أن يعذب الله سيد المرسلين على طاعته # (فصل) قال [الرافضي] (4) : " ومنها تجويز أن يعذب الله سيد المرسلين على ~~طاعته (5) ، ويثيب إبليس على معصيته، لأنه يفعل لا لغرض، فيكون فاعل الطاعة ~~سفيها لأنه يتعجل بالتعب في الاجتهاد في العبادة، وإخراج ماله في عمارة ~~المساجد والربط والصدقات، من غير نفع يحصل له، لأنه قد يعاقبه على ذلك، ولو ~~فعل عوض ذلك ما يلتذ به ويشتهيه من أنواع المعاصي قد يثيبه، فاختيار الأول ~~يكون (6) سفها عند كل عاقل. والمصير إلى المذهب يؤدي إلى خراب ms0598 العالم ~~واضطراب أمور الشريعة (7) المحمدية وغيرها " (8) . # والجواب (9) من (10) وجوه: أحدها (11) : أن هذا الذي قاله باطل باتفاق ~~PageV03P086 # المسلمين، فلم يقل أحد منهم أن الله قد يعذب أنبياءه (1) ولا أنه قد يقع ~~منه عذاب أنبيائه، بل هم متفقون على أنه يثيبهم لا محالة (2) [لا يقع منه ~~غير ذلك] (3) ، لأنه وعد بذلك وأخبر به، وهو صادق الميعاد، وعلم ذلك ~~بالضرورة. # ثم من (4) متكلمة أهل السنة المثبتين للقدر من يقول: إنما علم ذلك بمجرد ~~خبره الصادق (5) ، وهي الدلالة السمعية المجردة. # ومنهم من يقول: بل قد يعلم ذلك بغير الخبر ويعلم بأدلة عقلية. وإن كان ~~الشارع قد نبه عليها وأرشد إليها، كما إذا علمت حكمته ورحمته وعدله علم أن ~~ذلك يستلزم إكرام من هو متصف بالصفات المناسبة لذلك، [كما] قالت: خديجة ~~[رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم] قبل (6) أن تعلم أنه نبي: ~~والله لا يخزيك الله أبدا (7) ، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم ~~وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق (8) . PageV03P087 # وقد قال الله تعالى: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين ~~آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون} [سورة الجاثية: ~~21] وهذا استفهام إنكار (1) يقتضي الإنكار على من يحسب (2) ذلك ويظنه، ~~وإنما ينكر على من ظن أو حسب (3) ما هو خطأ باطل يعلم بطلانه، لا من ظن ظنا ~~ما (4) ليس بخطأ ولا باطل. # فعلم أن التسوية بين أهل الطاعة [وبين] أهل (5) المعصية مما يعلم بطلانه، ~~وأن ذلك من الحكم السيئ (6) الذي ينزه الله عنه. # ومثله قوله تعالى (7) : {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين ~~في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار} [سورة ص: 28] ، وقوله تعالى (8) : ~~{أفنجعل المسلمين كالمجرمين - ما لكم كيف تحكمون} [سورة القلم: 35، 36] ، ~~وفي الجملة التسوية (9) بين الأبرار PageV03P088 # والفجار، والمحسنين والظالمين وأهل الطاعة، وأهل المعصية حكم باطل يجب ~~تنزيه الله عنه، فإنه ينافي عدله وحكمته (1) وهو سبحانه كما ينكر التسوية ~~بين المختلفات (2) فهو يسوي بين المتماثلات، كقوله سبحانه وتعالى: {أكفاركم ~~خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر} [سورة القمر ms0599: 43] ، وقوله: {كدأب آل ~~فرعون والذين من قبلهم} الآية [سورة آل عمران: 11] ، وقوله: {لقد كان في ~~قصصهم عبرة لأولي الألباب} [سورة يوسف: 111] ، وقوله: {فاعتبروا ياأولي ~~الأبصار} [سورة الحشر: 2] ، وقوله: {ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا ~~من الذين خلوا من قبلكم} [سورة النور: 43] ، وقوله: {وتلك الأمثال نضربها ~~للناس} [سورة العنكبوت: 43] . # الوجه الثاني: أن قوله (3) : " ومنها تجويز تعذيب الأنبياء وإثابة ~~الشياطين "، إن أراد به أنهم يقولون إن الله قادر على ذلك فهو لا ينازع في ~~القدرة. وإن أراد أنا هل (4) نشك: هل يفعله (5) أو لا يفعله؟ فمعلوم أنا لا ~~نشك في ذلك، بل نعلم انتفاءه، وعلمنا بانتفائه (6) مستلزم لانتفائه (7) . ~~PageV03P089 # وإن أراد أن من قال إنه يفعل لا لحكمة يلزمه تجويز وقوع ذلك [منه] (1) ~~وإمكان وقوعه منه (2) وإنه لو فعل ذلك لم يكن ظالما، فلا ريب أن هذا قول ~~هؤلاء. وهم يصرحون بذلك (3) ، لكن أكثر أهل السنة لا يقولون بذلك، بل عندهم ~~أن الله منزه عن ذلك ومقدس عنه، ولكن على هذا لا يلزم (4) أن تكون الطاعة ~~سفها، فإنها إنما تكون سفها إذا كان وجودها كعدمها، والمسلمون متفقون على ~~أن وجودها نافع وعدمها مضر، وإن كانوا متنازعين: هل يجوز أن يفعل (5) الرب ~~خلاف ذلك، فإن نزاعهم في الجواز لا في الوقوع. # الوجه الثالث: أن يقال: لو قدر أن ذلك جائز الوقوع لم تكن الطاعة سفها، ~~فإن هؤلاء الإمامية مع أهل السنة والجماعة (6) يجوزون الغفران لأهل ~~الكبائر، والمعتزلة مع أهل السنة يجوزون تكفير الصغائر باجتناب الكبائر، ~~ومع هذا فلم يكن اجتناب الكبائر والصغائر سفها، بل هذا الاجتناب واجب ~~بالاتفاق. # الوجه الرابع: أن يقال: فعل النوافل ليس سفها بالاتفاق، وإن جاز أن يثيب ~~الله (7) العبد بدون ذلك لأسباب (8) أخر فالشيء الذي علم نفعه PageV03P090 # يكون فعله حكمة محمودة، وإن جوز المجوز أن يحصل النفع بدون ذلك: كاكتساب ~~الأموال وغيرها من المطالب بالأسباب المقتضية لذلك في العادة، فإنه ليس ~~سفها، وإن جاز أن يحصل المال بغير (1) سعي كالميراث. # الوجه الخامس: قوله: " لأنه يفعل لا لغرض " (2) قد تقدم جوابه ms0600، وبينا أن ~~أكثر أهل السنة يقولون: (3) إنه يفعل لحكمة وهو مراد هذا بالغرض، [وبعض أهل ~~السنة يصرح بأنه يفعل لغرض] (4) ، ومن قال من المثبتين للقدر: إنه يفعل لا ~~لحكمة، فإنه يقول: وإن كان يفعل ما يشاء فقد يعلم ما يشاؤه (5) مما لا ~~يشاؤه: إما باطراد العادة، وإما بإخبار الصادق، وإما بعلم ضروري يجعله في ~~قلوبنا، وإما بغير ذلك. ### | [فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر لا يتمكن أحد من تصديق أحد من الأنبياء] # (فصل) قال [الرافضي] (6) : " ومنها أنه لا يتمكن أحد من تصديق أحد من ~~الأنبياء، لأن التوصل إلى ذلك والدليل عليه إنما يتم (7) بمقدمتين: ~~إحداهما: أن الله [تعالى] فعل المعجز على يد النبي [صلى الله عليه وسلم] ~~(8) لأجل التصديق. والثانية: أن PageV03P091 # كل من صدقه (1) الله فهو صادق، وكلتا (2) المقدمتين لا تتم على قولهم، ~~لأنه إذا استحال أن يفعل لغرض (3) استحال أن يظهر المعجز (4) لأجل التصديق، ~~وإذا كان فاعلا للقبيح ولأنواع الإضلال والمعاصي (5) والكذب وغير ذلك جاز ~~أن يصدق الكذاب، فلا يصح الاستدلال على صدق أحد من الأنبياء ولا المنذرين ~~بشيء من الشرائع والأديان ". # الجواب من وجوه. # [أحدها: أن يقال] (6) : إنه قد (7) تقدم أن أكثر (8) القائلين بخلافة ~~الخلفاء الثلاثة يقولون: إن الله يفعل لحكمة، بل أكثر أهل السنة المثبتين ~~للقدر يقولون بذلك أيضا. # وحينئذ فإن (9) كان هذا القول هو الصواب فهو من أقوال أهل السنة، وإن كان ~~نفيه هو الصواب فهو من أقوال أهل السنة [أيضا] (10) ، فعلى PageV03P092 # التقديرين [لا] (1) يخرج الحق عن قولهم، بل قد يوجد في كل مذهب من ~~المذاهب الأربعة النزاع بين أصحابه في هذا الأصل، مع اتفاقهم على إثبات ~~خلافة الخلفاء [الثلاثة] (2) ، وعلى إثبات القدر وأن الله خالق أفعال ~~العباد، ونزاع أصحاب (3) أحمد في هذا الأصل معروف، وغير واحد من أصحاب أحمد ~~وغيرهم كابن عقيل والقاضي أبي خازم (4) وغيرهما يثبتون المعجزات بأن الرب ~~حكيم لا يجوز في حكمته (5) إظهار المعجزات على يد الكذاب، وكذلك قال أبو ~~الخطاب (6) وغيره وكذلك أصحاب مالك والشافعي، ولعل أكثر ms0601 أصحاب أبي حنيفة ~~يقولون بإثبات الحكمة في أفعاله أيضا. # الوجه الثاني: أن يقال: لا نسلم (7) أن تصديق الرسول (8) لا يمكن إلا ~~بطريق الاستدلال بالمعجزات، بل الطرق الدالة (9) على صدقه طرق (10) متعددة ~~غير طريق المعجزات. كما [قد] (11) بسط في غير هذا الموضع. ومن PageV03P093 # قال: إنه لا طريق إلا ذلك كان عليه الدليل، (1) فإن النافي عليه الدليل ~~كما على المثبت الدليل، (2) وهو لم يذكر دليلا على النفي. # الوجه الثالث: أن يقال: لا نسلم أن دلالة المعجزة على الصدق موقوفة على ~~أنه لا يجوز أن يفعل ما ذكر، بل دلالة المعجزة (3) على الصدق دلالة ضرورية ~~لا تحتاج إلى نظر، فإن اقتران المعجزة (4) بدعوى النبوة يوجب علما ضروريا ~~بأن الله أظهرها لصدقه، كما أن من قال لملك من الملوك: إن كنت أرسلتني إلى ~~هؤلاء فانقض عادتك وقم واقعد ثلاث مرات، ففعل ذلك الملك علم بالضرورة أنه ~~فعل ذلك لأجل تصديقه. # الوجه الرابع: قول من يقول (5) لو لم تدل المعجزة (6) على الصدق للزم عجز ~~البارئ عن تصديق رسوله، والعجز ممتنع عليه لأنه لا طريق إلى التصديق إلا ~~بالمعجزة. وهذه طريقة كثير من أصحاب الأشعري ومن وافقهم، وهي طريقة القاضي ~~أبي بكر والقاضي أبي يعلى وغيرهما، والأولى طريقة كثير منهم أيضا، وهي ~~طريقة أبي المعالي ومن اتبعه وكلاهما طريقة للأشعري (7) وعلى هذا فإظهار ~~المعجزة (8) على يد الكذاب المدعي للنبوة: هل هو ممكن مقدور أم لا؟ على ~~القولين. # الوجه الخامس: أن يقال: قوله: إنها موقوفة على أن كل من صدقه PageV03P094 # الله (1) فهو صادق، إنما يصح أن لو كان المعجز (2) بمنزلة التصديق ~~بالقول، وهذا فيه نزاع. فمن الناس من يقول: بل هي بمنزلة إنشاء الرسالة، ~~والإنشاء لا يحتمل (3) التصديق والتكذيب، فقول القائل لغيره: أرسلتك أو ~~وكلتك أو نحو (4) ذلك إنشاء، وإذا كانت دلالة المعجزة على إنشاء الرسالة ~~(5) لم يكن ذلك موقوفا على أنه لا يفعل إلا لغرض، ولا على أنه لا يفعل ~~القبائح، فإن الإنشاء كالأمر والنهي (6) ونحو ذلك. # الوجه السادس: أن يقال: قوله: لأنه إذا استحال أن ms0602 يفعل لغرض استحال أن ~~يظهر المعجز (7) لأجل التصديق، يجيب عنه من يقول: إنه لا يفعل شيئا لأجل ~~شيء بأنه (8) قد يفعل المتلازمين كما يفعل سائر الأدلة المستلزمة ~~لمدلولاتها، فيفعل (9) المخلوقات الدالة على وجوده وقدرته وعلمه ومشيئته ~~(10) ، وهو قد أراد خلقها وأراد أن تكون مستلزمة لمدلولها دالة عليه لمن ~~نظر فيها، كذلك خلق المعجزة هنا فأراد خلقها (11) وأراد أن تكون ~~PageV03P095 # مستلزمة لمدلولها الذي هو صدق الرسول، دالة على ذلك لمن نظر فيها (1) ، ~~وإذا أراد خلقها وأراد هذا التلازم حصل المقصود من دلالتها على الصدق، وإن ~~لم يجعل أحد المرادين (2) لأجل الآخر، إذ المقصود يحصل بإرادتهما (3) ~~جميعا. # فإن قيل: المعجز لا يدل بنفسه وإنما يدل للعلم (4) بأن فاعله أراد به ~~التصديق. # قيل: هذا موضع النزاع. ونحن ليس مقصودنا نصر قول من يقول إنه يفعل لا ~~لحكمة، بل هذا القول مرجوح (5) عندنا، وإنما المقصود (6) أن نبين حجة ~~القائلين بالقول الآخر، وأرباب هذا القول خير من المعتزلة والشيعة. # وأما قوله: " إذا كان فاعلا للقبيح جاز أن يصدق الكذاب "، هذه حجة ثانية ~~(7) ، وجواب ذلك أن يقال: ليس في المسلمين من يقول إن الله يفعل ما هو قبيح ~~منه، ومن قال إنه خالق أفعال العباد، يقول: إن ذلك الفعل قبيح (8) منهم لا ~~منه كما أنه ضار لهم (9) لا له. # ثم منهم من يقول: إنه فاعل ذلك الفعل، والأكثرون يقولون: PageV03P096 # [إن] (1) ذلك الفعل مفعول له وهو فعل للعبد (2) ، وأما نفس خرق العادة ~~فليست فعلا للعباد (3) حتى يقال: إنها قبيحة منهم، فلو قدر (4) فعل ذلك ~~لكان (5) قبيحا منه لا من العبد، والرب منزه عن فعل القبيح. # فمن قال: إذا خلق الله ما هو ضار للعباد جاز أن يفعل ما هو ضار (6) كان ~~قوله باطلا. كذلك إذا جاز أن يخلق فعل العبد [الذي] (7) هو قبيح من العبد ~~وليس (8) خلقه قبيحا منه، لم يستلزم أن يخلق ما هو قبيح منه لا فعل للعبد ~~فيه. # وتصديق الكذاب إنما يكون بإخبار (9) أنه صادق، سواء كان ذلك بقول أو فعل ~~(10) يجري مجرى القول ms0603، وذلك ممتنع منه لأنه صفة نقص، والله سبحانه منزه عن ~~النقائص بالعقل (11) وباتفاق العقلاء. # ومن قال: إنه لا يتصور منه فعل قبيح، بل كل ما يمكن فعله فهو حسن إذا ~~فعله، يقول: إن ما يستلزم سلب صفات الكمال وإثبات النقص له، فهو ممتنع ~~عليه: كالعجز والجهل ونحو ذلك، والكذب صفة نقص PageV03P097 # بالضرورة، والصدق صفة كمال، وتصديق (1) الكذاب (2) نوع من الكذب، [كما أن ~~تكذيب الصادق نوع من الكذب] (3) ، وإذا كان الكذب صفة نقص امتنع من الله ما ~~هو نقص. # وهذا المقام (4) له بسط مذكور في غير هذا الموضع (5) ، [ونحن لا نقصد ~~تصويب قول كل (6) من انتسب إلى السنة بل نبين الحق، والحق أن أهل السنة لم ~~يتفقوا قط على خطأ، ولم تنفرد الشيعة عنهم قط (7) بصواب، بل كل ما خالفت ~~فيه الشيعة جميع أهل السنة فالشيعة فيه مخطئون، كما أن ما خالفت فيه اليهود ~~والنصارى لجميع المسلمين فهم فيه ضالون، وإن كان كثير من المسلمين قد يخطئ. ~~ومن وافق (8) جهم بن صفوان من المثبتين للقدر على أن الله لا يفعل شيئا ~~لحكمة ولا لسبب، وأنه لا فرق بالنسبة إلى الله بين المأمور والمحظور، ولا ~~يحب بعض الأفعال ويبغض بعضها، فقوله فاسد (9) مخالف للكتاب والسنة واتفاق ~~السلف. وهؤلاء قد يعجزون عن بيان امتناع كثير من النقائص عليه، لا سيما إذا ~~قال من قال منهم: إن تنزيهه عن النقص لا يعلم (10) بالعقل بل بالسمع. ~~PageV03P098 # فإذا قيل لهم: لم قلتم إن الكذب ممتنع عليه؟ . # قالوا: لأنه نقص، والنقص عليه محال. # فيقال لهم: إن تنزيهه عندكم عن النقص (1) لم يعلم إلا بالإجماع، ومعلوم ~~أن الإجماع منعقد على تنزيهه عن الكذب، فإن صح الاحتجاج على هذا بالإجماع ~~فلا حاجة إلى هذا التطويل. # وأيضا فالكلام إنما هو في العبارة الدالة على المعنى، وهذا كما قاله ~~بعضهم: إن الله لا يجوز (2) أن يتكلم بكلام ولا يعني به شيئا. # وقال: خلافا للحشوية. # ومعلوم أن هذا القول لم يقله أحد من المسلمين، وإنما النزاع: هل (3) يجوز ~~أن ينزل كلاما لا ms0604 يعلم العباد معناه، لا أنه هو في نفسه لا يعني به شيئا. ~~ثم بتقدير أن يكون في هذا نزاع، فإنه احتج على ذلك بأن هذا عبث، والعبث (4) ~~على الله تعالى ممتنع، وهذا المحتج يجوز على الله فعل كل شيء، لا ينزهه عن ~~فعل، فهذا (5) وأمثاله من تناقض الموافقين لقول الجهمية الجبرية في القدر ~~كثير، لكن ليس هذا قول أئمة السنة ولا جمهورهم] (6) ، [والله أعلم] (7) . ~~PageV03P099 ### | [فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر لا يصح أن يوصف الله أنه غفور حليم عفو] # (فصل) قال [الرافضي] (1) : " ومنها أنه لا يصح أن يوصف الله أنه (2) . ~~(3) (4) ; لأن الوصف بهذه (5) إنما يثبت لو كان الله مستحقا للعقاب في حق ~~الفساق، بحيث إذا أسقطه (6) عنهم كان غفورا عفوا رحيما (7) . وإنما يستحق ~~العقاب لو كان العصيان من العبد لا من الله تعالى " (8) . # فيقال: الجواب من وجوه:. # أحدها: أن كثيرا من أهل السنة يقولون (9) : لا نسلم أن الوصف بهذه (10) ~~إنما يثبت لو كان مستحقا، بل الوصف بهذه (11) يثبت إذا كان قادرا على ~~العقاب مع قطع النظر عن الاستحقاق، فإن تخصيص الاستحقاق بهذه الأمور يقتضي ~~أنه يستحق شيئا دون شيء، وهذا ممنوع عند هؤلاء، بل له أن يفعل ما يشاء ~~ويحكم ما يريد، فإذا (12) كان قادرا على أن يعذب العصاة وهو يفعل ما يشاء، ~~صح منه مغفرته وحلمه وعفوه (13) . PageV03P100 # الثاني: [أن يقال] (1) : إن قول القائل: " يستحق العقاب " يعني به أن ~~عقابه للعصاة عدل منه، أو يعني به (2) أنه محتاج إلى ذلك. أما الأول فهو ~~متفق عليه، فإن عقوبته للعصاة عدل منه باتفاق المسلمين. وإذا كان كذلك كان ~~عفوه ومغفرته إحسانا منه وفضلا. # وهذا يقول به من يقول: إنه خالق أفعالهم والقائلون بأنها أفعال لهم ~~مخلوقة له (3) ، والقائلون بأنها أفعال له كسب لهم متفقون (4) ، على أن ~~العقاب عدل منه، [وإن عني به كونه محتاجا إليه فهذا باطل باتفاق المسلمين] ~~(5) . # الثالث: أن يقال: المغفرة والرحمة والعفو إما أن يوصف بها وإن كان العقاب ~~قبيحا على قول القائلين بذلك، وإما ms0605 أن لا يوصف بها إلا إذا كان العقاب ~~سائغا غير قبيح (6) . فإن كان الأول لزم أن لا يكون غفارا لمن تاب وآمن ~~وعمل صالحا ثم اهتدى، لأن عقاب هؤلاء قبيح، والمغفرة لهم واجبة عند أهل هذا ~~القول، ويلزم أن لا يكون رحيما بمن (7) . يستحق الرحمة من الأنبياء ~~والمؤمنين، ويلزم أن لا يكون غفورا رحيما لمن ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء. ~~ولما كان قد ثبت بالقرآن (8) أنه غفار للتائبين (9) رحيم بالمؤمنين، ~~PageV03P101 # علم أنه موصوف بالمغفرة والرحمة، (1) وإن كان العقاب منه ممتنعا بتقدير ~~(2) أن يكون مستحقا للعقاب، فلا يمتنع أن يوصف بالمغفرة والرحمة (3) كما في ~~مغفرته ورحمته لمن لا يحسن عقابه عندهم. # الرابع: أن العصيان من العبد بمعنى أنه فاعله عند الجمهور، وبمعنى أنه ~~كاسبه لا فاعله عند بعضهم، وبهذا القدر (4) يستحق الإنسان (5) أن يعاقب ~~الظالم (6) أولى بذلك، وأما كونه خالقا لذلك فذاك أمر يعود إليه، وله في ~~ذلك حكمة عند الجمهور القائلين بالحكمة، وذلك لم (7) يصدر إلا لمحض المشيئة ~~عند من لا يعلل بالحكمة، [والله أعلم] والله أعلم: (8) . ### | فصل كلام الرافضي عن تكليف ما لا يطاق عند أهل السنة والرد عليه من وجوه # (فصل) قال [الرافضي] (9) : " ومنها أنه يلزم (10) تكليف ما لا يطاق لأنه ~~تكليف للكافر (11) بالإيمان ولا قدرة له عليه، وهو قبيح عقلا، PageV03P102 # والسمع قد منع منه. وقال الله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} ~~[سورة البقرة: 286] ". # والجواب عنه (1) من وجوه: أحدها: أن المثبتين للقدر لهم في قدرة العبد ~~قولان: أحدهما أن قدرته لا تكون إلا مع الفعل، وعلى هذا فالكافر الذي سبق ~~في علم الله أنه لا يؤمن لا يقدر على الإيمان أبدا، وما ذكره (2) وارد على ~~هؤلاء. # والثاني: أن القدرة نوعان: فالقدرة المشروطة في التكليف تكون قبل الفعل ~~وبدون الفعل، وقد تبقى (3) إلى حين الفعل. والقدرة المستلزمة للفعل لا بد ~~أن تكون موجودة عند وجوده. # وأصل قولهم إن الله خص المؤمنين بنعمة يهتدون بها (4) لم يعطها الكافر، ~~وأن العبد لا بد أن يكون قادرا حين الفعل ms0606، خلافا لمن زعم أنه لا يكون قادرا ~~إلا قبل الفعل، وأن النعمة على الكافر والمؤمن سواء، وإذا كان لا بد من ~~قدرته (5) . حال الفعل فإذا كان قادرا قبل الفعل وبقيت القدرة إلى حين ~~الفعل لم ينقض (6) هذا أصلهم، لكن مجرد القدرة الصالحة للضدين (7) يشترك ~~فيها المؤمن والكافر، فلا بد للمؤمن مما (8) يخصه الله به من الأسباب التي ~~بها يكون PageV03P103 # مؤمنا، وهذا يدخل فيه إرادته للإيمان (1) ، وهذه الإرادة يدخلونها في ~~جملة القدرة المقارنة للفعل، وهو نزاع لفظي، وقد بين هذا في غير هذا (2) ~~الموضع كما تقدم. # وحينئذ فعلى قول الجمهور من أهل السنة الذين يقولون: إن الكافر يقدر على ~~الإيمان يبطل هذا الإيراد، وعلى قول الآخرين (3) فإنهم يلتزمونه، وأي ~~القولين كان هو الصواب فهو غير خارج عن أقوال أهل السنة (4) ولله الحمد. # الوجه الثاني (5) : أن يقال: تكليف ما لا يطاق ينقسم إلى قسمين أحدهما: ~~(6) ما لا يطاق للعجز عنه، كتكليف الزمن المشي وتكليف الإنسان الطيران ونحو ~~ذلك (7) فهذا غير واقع في الشريعة عند [جماهير] (8) أهل السنة المثبتين ~~للقدر: وليس فيما ذكره ما يقتضي لزوم (9) وقوع هذا. # والثاني: ما لا يطاق للاشتغال بضده، كاشتغال الكافر بالكفر (10) ، فإنه ~~هو الذي صده عن الإيمان، وكالقاعد في حال قعوده، فإن اشتغاله بالقعود (11) ~~PageV03P104 # يمنعه أن يكون قائما. والإرادة الجازمة لأحد الضدين تنافي إرادة الضد (1) ~~الآخر، وتكليف الكافر الإيمان من هذا الباب. # ومثل هذا ليس بقبيح عقلا [عند أحد من العقلاء] (2) ، بل العقلاء متفقون ~~على أمر الإنسان ونهيه بما (3) لا يقدر عليه حال الأمر والنهي لاشتغاله ~~بضده، إذا أمكن أن يترك ذلك الضد (4) ويفعل الضد المأمور به. # وإنما النزاع هل يسمى هذا تكليف ما لا يطاق لكونه تكليفا بما (5) انتفت ~~فيه القدرة المقارنة للفعل، فمن المثبتين للقدر من يدخل هذا في تكليف ما لا ~~يطاق، كما يقوله القاضي أبو بكر والقاضي أبو يعلى وغيرهما، ويقولون: ما لا ~~يطاق على وجهين: منه ما لا يطاق للعجز عنه، وما لا يطاق (6) للاشتغال بضده. # ومنهم من يقول: هذا لا يدخل ms0607 فيما لا يطاق، وهذا هو الأشبه بما في الكتاب ~~والسنة وكلام السلف، فإنه لا يقال للمستطيع المأمور بالحج إذا لم يحج إنه ~~كلف بما لا يطيق (7) ، ولا يقال لمن أمر بالطهارة والصلاة فترك ذلك كسلا ~~أنه كلف (8) ما لا يطيق. # وقوله تعالى: {وكانوا لا يستطيعون سمعا} [سورة الكهف: 101] لم يرد ~~PageV03P105 # به هذا، فإن جميع الناس قبل الفعل ليس معهم القدرة الموجبة للفعل، فلا ~~يختص بذلك العصاة، بل المراد أنهم يكرهون سماع الحق كراهة شديدة لا تستطيع ~~أنفسهم [معها] سماعه (1) . لبغضهم لذلك (2) لا لعجزهم عنه، كما أن الحاسد ~~لا يستطيع الإحسان إلى المحسود لبغضه لا لعجزه عنه (3) . # وعدم هذه الاستطاعة لا يمنع (4) الأمر والنهي فإن الله يأمر الإنسان بما ~~يكرهه، وينهاه عما يحبه. كما قال تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم} ~~[سورة البقرة: 216] ، وقال: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى} ~~[سورة النازعات: 40] ، وهو قادر على فعل ذلك إذا أراده (5) ، وعلى ترك ما ~~نهى عنه، وليس من شرط المأمور به أن يكون (6) العبد مريدا له، ولا من شرط ~~المنهي عنه أن يكون العبد كارها له، فإن الفعل يتوقف على القدرة والإرادة ~~(7) ، والمشروط في التكليف أن يكون العبد قادرا على الفعل لا أن يكون مريدا ~~له، لكنه لا يوجد إلا إذا كان مريدا له، فالإرادة (8) شرط في وجوده لا في ~~وجوبه. # الوجه الثالث: (9) أن تكليف ما لا يطاق إذا فسر بأنه الفعل الذي ليس له ~~PageV03P106 # قدرة عليه تقارن مقدورها كان دعوى (1) امتناعه بهذا التفسير مورد النزاع ~~فيحتاج نفيه إلى دليل. # الوجه الرابع (2) : أن من أهل الإثبات للقدر (3) من يجوز تكليف ما لا ~~يطاق للعجز عنه، بل من غاليتهم من يجوز تكليف الممتنع لذاته، وبعضهم يدعي ~~أن ذلك واقع في الشريعة، كتكليف أبي لهب الإيمان مع تكليف تصديق خبر الله ~~أنه لا يؤمن، وهذا القول وإن كان مرجوحا لكن (4) هذا القدري لم يذكر دليلا ~~على إبطال ذلك ولا على جواب معارضته، بل اكتفى بمجرد قوله وهو قبيح عقلا. # وهؤلاء يقولون ms0608: لا مجال للعقل في تحسين ولا تقبيح، فإن لم يكمل البحث في ~~هذه اللوازم (5) لم يكن ما ذكره حجة عليهم، فضلا عن أن يكون حجة على غيرهم ~~من أهل الإثبات للقدر، أو على المثبتين لخلافة أبي بكر وعمر [رضي الله ~~عنهما] . رضي الله عنهما: (6) ### | فصل كلام الرافضي على الأفعال الاختيارية عند أهل السنة والرد عليه # (فصل) قال [الرافضي] (7) : " ومنها أنه يلزم أن تكون أفعالنا (8) ~~PageV03P107 # الاختيارية [الواقعة] (1) بحسب قصودنا (2) ودواعينا، مثل حركتنا يمنة ~~ويسرة، وحركة البطش باليد والرجل (3) في الصنائع المطلوبة لنا، كالأفعال ~~الاضطرارية مثل حركة النبض وحركة الواقع من شاهق (4) بإيقاع غيره، لكن ~~الضرورة قاضية بالفرق بينهما، فإن كل عاقل يحكم بأنا [قادرون على الحركة ~~الاختيارية] (5) وغير قادرين على الحركة إلى السماء [من الطيران وغير ذلك] ~~(6) . # قال أبو الهذيل العلاف: حمار بشر أعقل من بشر ; لأن حمار بشر لو أتيت به ~~إلى جدول صغير وضربته للعبور (7) فإنه يطفره (8) ولو أتيت به إلى جدول كبير ~~لم يطفره (9) ; لأنه يفرق (10) بين ما يقدر على طفره (11) وما لا يقدر عليه ~~(12) وبشر لا يفرق بين المقدور عليه وغير المقدور [عليه] (13) PageV03P108 # والجواب: أن هذا إنما يلزم من يقول إن العبد لا قدرة له على أفعاله ~~الاختيارية، وليس هذا قول إمام معروف ولا طائفة معروفة من طوائف أهل السنة ~~(1) ، بل ولا من طوائف المثبتين للقدر، إلا ما يحكى (2) عن الجهم بن صفوان ~~وغلاة المثبتة أنهم سلبوا العبد قدرته، وقالوا: إن حركته كحركة الأشجار ~~بالرياح، إن صح النقل عنهم (3) . # وأشد الطوائف قربا من هؤلاء هو الأشعري ومن وافقه من الفقهاء من (4) ~~أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، وهو مع هذا يثبت للعبد قدرة محدثة ~~واختيارا، ويقول إن الفعل كسب للعبد، لكنه يقول: لا تأثير لقدرة العبد في ~~إيجاد المقدور. # فلهذا قال من قال: إن هذا الكسب الذي أثبته الأشعري غير معقول. وجمهور ~~أهل الإثبات على أن العبد فاعل لفعله حقيقة (5) ، وله قدرة واختيار، وقدرته ~~مؤثرة في مقدورها، كما تؤثر القوى والطبائع (6) وغير ذلك من الشروط ~~والأسباب. PageV03P109 # فما ذكره ms0609 لا يلزم جمهور أهل السنة، وقد قلنا غير مرة: نحن لا ننكر أن ~~يكون في بعض أهل السنة من يقول الخطأ، لكن لا يتفقون على خطأ، كما تتفق ~~الإمامية على خطأ، بل كل مسألة خالفت فيها الإمامية أهل (1) السنة فالصواب ~~فيها مع أهل السنة. وأما ما تنازع فيه أهل السنة وتنازعت فيه الإمامية، ~~فذاك لا اختصاص له بأهل السنة ولا بالإمامية. # وبالجملة فجمهور أهل السنة من السلف والخلف يقولون: إن العبد له قدرة ~~وإرادة وفعل، وهو فاعل حقيقة، والله خالق ذلك كله كما هو خالق كل شيء، كما ~~دل على ذلك الكتاب والسنة. # قال تعالى عن إبراهيم: {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك} ~~[سورة البقرة: 128] ، وقال [تعالى عن إبراهيم] (2) : {رب اجعلني مقيم ~~الصلاة ومن ذريتي} [سورة إبراهيم: 40] ، وقال [تعالى] (3) : {وجعلنا منهم ~~أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا} [سورة السجدة: 24] (4) وقال [تعالى] (5) : ~~{وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة ~~وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين} [سورة الأنبياء: 73] وقال: {إن الإنسان ~~خلق هلوعا - إذا مسه الشر جزوعا - وإذا مسه الخير منوعا} [سورة المعارج: ~~19، 21] فأخبر أن الله يجعل المسلم مسلما، والمقيم للصلاة مقيم الصلاة، ~~والإمام الهادي إماما هاديا. PageV03P110 # وقال عن المسيح [صلى الله عليه وسلم] (1) : {وجعلني مباركا أين ما كنت} ~~إلى قوله: {وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا} [سورة مريم: 31، 32] ، ~~فبين أن الله هو الذي جعله برا بوالدته ولم يجعله جبارا شقيا. وهذا صريح ~~قول أهل السنة في أن الله [عز وجل] (2) خالق أفعال العباد. # وقال تعالى عن فرعون وقومه: {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار} [سورة ~~القصص: 41] . وقد قال تعالى (3) : {لمن شاء منكم أن يستقيم - وما تشاءون ~~إلا أن يشاء الله رب العالمين} [سورة التكوير: 28، 29] ، وقال تعالى: {إن ~~هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا - وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن ~~الله كان عليما حكيما} [سورة الإنسان: 29، 30] ، وقوله (4) : {كلا إنه ~~تذكرة - فمن شاء ذكره} [سورة المدثر: 54، 55] فأثبت مشيئة العبد، وأخبر ~~أنها لا تكون إلا بمشيئة الرب [تعالى ms0610] (5) . (6) . وهذا صريح قول أهل السنة ~~في إثبات مشيئة العبد، وأنها لا تكون إلا بمشيئة الرب (7) . # وقد أخبر أن العباد يفعلون ويصنعون ويعملون ويؤمنون ويكفرون PageV03P111 # ويتقون ويفسقون ويصدقون ويكذبون ونحو ذلك في مواضع كثيرة (1) ، وأخبر أن ~~لهم استطاعة وقوة في غير موضع. # وأئمة أهل السنة وجمهورهم يقولون إن الله خالق (2) هذا كله. والخلق عندهم ~~ليس هو المخلوق، فيفرقون بين كون أفعال (3) العباد مخلوقة مفعولة للرب، ~~وبين أن يكون (4) نفس فعله الذي هو مصدر فعل يفعل فعلا، فإنها فعل للعبد ~~بمعنى المصدر، وليست فعلا للرب [تعالى] (5) بهذا الاعتبار، بل هي مفعولة ~~له، والرب تعالى لا يتصف بمفعولاته. # ولكن هذه الشناعات لزمت من لا يفرق بين فعل الرب ومفعوله، ويقول مع ذلك ~~إن أفعال العباد فعل لله (6) ، كما يقول ذلك الجهم [بن صفوان] (7) ~~وموافقوه، والأشعري وأتباعه ومن وافقهم من أتباع الأئمة (8) ولهذا ضاق ~~بهؤلاء (9) البحث في هذا الموضع، كما قد بسط في موضعه. # وكذلك أيضا لزمت من لا يثبت في المخلوقات (10) أسبابا وقوى وطبائع، ويقول ~~(11) : إن الله يفعل عندها لا بها، فلزمه (12) أن لا يكون فرق بين القادر ~~PageV03P112 # والعاجز، وإن أثبت قدرة وقال إنها مقترنة بالكسب، قيل له (1) : لم تثبت ~~فرقا معقولا بين ما تثبته من الكسب وتنفيه من الفعل (2) ، ولا بين القادر ~~والعاجز، إذا كان مجرد الاقتران لا اختصاص له بالقدرة، فإن [فعل] (3) العبد ~~يقارن حياته وعلمه (4) وإرادته وغير ذلك من صفاته، فإذا لم يكن للقدرة ~~تأثير إلا مجرد الاقتران فلا فرق بين القدرة وغيرها. # وكذلك [قول] (5) من قال: إن (6) القدرة مؤثرة في صفة الفعل لا في أصله، ~~كما يقول القاضي أبو بكر ومن وافقه، فإنه إن أثبت تأثيرا بدون خلق الرب، ~~لزم (7) أن يكون بعض الحوادث لم يخلقه الله [تعالى] (8) ، وإن جعل ذلك ~~معلقا بخلق الرب، فلا فرق بين الأصل والصفة. # وأما أئمة أهل (9) السنة وجمهورهم فيقولون بما دل عليه الشرع والعقل. # قال الله تعالى: {سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل ~~الثمرات} [سورة الأعراف: 57] (10) ، وقال: {وما أنزل ms0611 الله من السماء من ماء ~~فأحيا به الأرض بعد موتها} [سورة البقرة: 164] ، وقال: PageV03P113 # {يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام} [سورة المائدة: 16] ، وقال: ~~{يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا} [سورة البقرة: 26] ومثل هذا كثير في الكتاب ~~والسنة يخبر الله تعالى أنه يحدث (1) الحوادث بالأسباب. # وكذلك [دل] الكتاب والسنة على إثبات القوى والطبائع (2) التي جعلها الله ~~في الحيوان وغيره، كما قال تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [سورة التغابن: ~~16] ، وقال: {أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة} [سورة فصلت: ~~15] ، وقال: {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد ~~قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء} [سورة الروم: 54] . # وقال النبي صلى الله عليه وسلم «لأشج عبد القيس: " إن فيك لخصلتين (3) ~~يحبهما الله: الحلم والأناة " فقال: أخلقين تخلقت بهما (4) أم خلقين جبلت ~~عليهما؟ فقال: " بل خلقين جبلت عليهما " فقال: الحمد لله الذي جبلني على ~~خلقين يحبهما الله» (5) . ومثل هذا كثير ليس هذا موضع بسطه. # وهؤلاء يثبتون للعبد قدرة (6) ويقولون: إن تأثيرها في مقدورها كتأثير ~~PageV03P114 # [سائر] الأسباب في مسبباتها (1) . والسبب ليس مستقلا بالمسبب (2) بل ~~يفتقر إلى ما يعاونه، فكذلك (3) قدرة العبد ليست مستقلة بالمقدور. وأيضا ~~فالسبب له ما يمنعه ويعوقه، وكذلك قدرة العبد (4) والله تعالى خالق السبب ~~وما يعينه وصارف عنه ما يعارضه ويعوقه، وكذلك قدرة العبد (5) # وحينئذ فما ذكره هذا الإمامي من الفرق الضروري (6) بين الأفعال ~~الاختيارية الواقعة بحسب قصودنا (7) ودواعينا وبين الأفعال الاضطرارية، مثل ~~حركة النبض وحركة الواقع من شاهق بإيقاع غيره حق (8) يقوله [جميع] (9) أهل ~~السنة وجماعة أتباعهم، لم ينازع (10) في ذلك أحد من أئمة المسلمين الذين ~~لهم في الأمة (11) لسان صدق من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، والفقهاء ~~المشهورين كمالك وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي ~~وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه (12) وأمثال هؤلاء الذين هم أهل الاجتهاد ~~في الدين وخلفاء المرسلين (13) . PageV03P115 # وإذا كان في المثبتين للقدر من يلزمه بطلان (1) الفرق كان قوله باطلا، ~~ومع هذا فقول (2) نفاة القدر أبطل ms0612 منه، فهذا (3) القدري رد باطلا بما هو ~~أبطل منه، وأهل السنة (4) لا يوافقونه لا على هذا ولا على هذا، لكن يقولون ~~الحق ويعلمون أن قوله أبطل (5) . # وذلك أن أفعال العباد حادثة كائنة بعد أن لم تكن، فحكمها حكم سائر ~~الحوادث، وهي ممكنة من الممكنات فحكمها حكم سائر الممكنات فما من دليل ~~يستدل به على أن بعض الحوادث والممكنات (6) مخلوقة لله إلا وهو يدل على أن ~~أفعال العباد مخلوقة لله، فإنه قد علم أن المحدث لا بد له من محدث، وهذه ~~المقدمة ضرورية عند جماهير العقلاء، وكذلك الممكن لا بد له من مرجح تام، ~~فإذا كان فعل العبد (7) حادثا بعد أن لم يكن (8) فلا بد له من محدث (9) ~~وإذا قيل (10) : المحدث هو العبد، فيكون العبد صار محدثا له بعد أن لم يكن، ~~هو أيضا أمر حادث (11) فلا بد له من محدث، إذ لو كان العبد PageV03P116 # لم يزل محدثا له لزم دوام ذلك الفعل الحادث، وإذا كان إحداثه (1) له ~~حادثا فلا بد له من محدث. # وإذا قيل: المحدث إرادة العبد. قيل: فإرادته أيضا حادثة، فلا بد لها من ~~محدث. وإن قيل: حدثت (2) بإرادة من العبد (3) . قيل: تلك الإرادة (* أيضا ~~لا بد لها من محدث، فأي محدث فرضته في العبد (4) إن كان حادثا فالقول فيه ~~كالقول في الحادث الأول *) (5) ، وإن جعلته قديما أزليا كان هذا ممتنعا، ~~لأن ما يقوم بالعبد لا يكون قديما أزليا. # وإن قلت: هو وصف للعبد (6) وهي قدرته المخلوقة فيه مثلا، لم ينفعك (7) ~~هذا لوجوه: أحدها: أن يقال: فإذا كانت (8) . [هذه] (9) القدرة المخلوقة فيه ~~موجودة قبل حدوث الفعل وحين حدوثه، فلا بد (10) من سبب آخر حادث ينضم إليها ~~(11) ، وإلا لزم ترجيح أحد المثلين على الآخر (12) بلا مرجح، وحدوث الحوادث ~~بلا سبب حادث، وإلا فإذا كان (13) حال العبد قبل أن PageV03P117 # يفعل وحاله حين الفعل سواء لا مزية (1) لأحد الحالين على الآخر (2) ، ~~وكان تخصيص هذه الحال بكونه فاعلا فيها دون الأخرى ترجيحا لأحد المتماثلين ~~(3) بدون (4) مرجح. # وهكذا إذا قيل: فعله يمكن أن ms0613 يكون وأن لا يكون، والممكن لا يترجح وجوده ~~على عدمه إلا بمرجح تام، والمرجح إذا (5) . كان من العبد فالقول فيه كالقول ~~في الفعل، فلا بد أن يكون المرجح التام من الله تعالى، وأن يستلزم وجوده ~~وجود الفعل، وإلا لم يكن تاما. # ولأجل هذا اتفق أهل السنة المثبتون للقدر على أن الله خص المؤمنين بنعمة ~~دون الكافرين (6) بأن هداهم للإيمان، ولو كانت نعمته على المؤمنين مثل ~~نعمته على الكافرين لم يكن المؤمن مؤمنا. # كما قال تعالى: {ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم ~~الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون} [سورة الحجرات: 7] ، وقال ~~تعالى: {يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم ~~أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين} [سورة الحجرات: 17] ، وقال تعالى: {فهدى ~~الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى ~~صراط مستقيم} [سورة البقرة: 212] ، وقال تعالى: PageV03P118 # {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه} [سورة المجادلة: 22] ، ~~وقال تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله ~~يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} [سورة الأنعام: 125] . # والقدرية جعلوا نعمته الدينية (1) على الصنفين سواء، وقالوا: إن العبد ~~أعطي (2) قدرة تصلح للإيمان والكفر، ثم إنه يصدر عنه أحدهما بدون سبب حادث ~~يصلح للترجيح، وزعموا أن القادر المختار يرجح أحد طرفي مقدوره (3) على ~~الآخر بلا مرجح وادعوا هذا في قدرة الرب وقدرة العبد. # وقد وافقهم على هذا في قدرة الرب (4) كثير من المثبتين للقدر القائلين ~~بأن الرب لا يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته، [بل ووافقهم فيها كثير من ~~المثبتين للقدر] (5) ، وصار الرازي (6) وأمثاله ممن يحتج على القدرية (7) ~~بتلك الحجة يتناقضون، فإذا ناظروهم في مسألة خلق الأفعال احتجوا عليهم ~~بتلك، وقالوا: إن الممكن لا يترجح وجوده على عدمه إلا بمرجح تام، سواء صدر ~~عن قادر مختار أو غيره، (8) تكلموا في مسألة حدوث العالم، وقيل لهم: الحادث ~~لا بد له من سبب حادث حادث: (9) أجابوا بجواب (10) القدرية ms0614، فقالوا: ~~PageV03P119 # القادر المختار يرجح أحد طرفي مقدوره (1) بلا مرجح، وفرقوا بين القادر ~~وغيره كما قالت القدرية، وقد يفرقون (2) بين فعل الرب وفعل العبد بأن الرب ~~يرجح بمشيئته (3) القديمة التي هي من لوازم ذاته، بخلاف العبد فإن إرادته ~~حادثة من غيره. # ولكن قال أكثر الناس: هؤلاء الذين يقولون إن الإرادة القديمة الأزلية هي ~~المرجحة من غير تجدد شيء قولهم من جنس قولهم، فإن الإرادة نسبتها إلى جميع ~~ما يقدر وقتا للحوادث نسبة واحدة، ونسبتها إلى جميع الممكنات نسبة واحدة، ~~فترجح أحد المتماثلين على الآخر ترجيحا بلا مرجح، وإذا قدر حال الفاعل قبل ~~الفعل وحين الفعل سواء، ثم قدر اختصاص أحد الحالين بالفعل لزم الترجيح بلا ~~مرجح، وهذا منتهى نظر هؤلاء الطوائف. # ولهذا كان من لم يعرف كلامهم كالرازي وأمثاله مترددين (4) بين علة ~~الدهرية وقادر القدرية ومريد الكلابية، (5) لا يجعلون الرب قادرا في الأزل ~~على الفعل والكلام بمشيئته وقدرته (6) . ولما كانت الجهمية والقدرية بهذه ~~الحال [لا يجعلون الرب قادرا في الأزل على الفعل والكلام بمشيئته] (7) جعلت ~~(8) الفلاسفة الدهرية كابن سينا وأمثاله (9) هذا (10) عمدتهم في امتناع ~~حدوث العالم PageV03P120 # ووجوب قدمه، ولكن لا حجة لهم في ذلك (1) على مذهبهم، فإن غاية هذا أن ~~يستلزم دوام فاعلية الرب تعالى، لا يدل (2) على قدم الفلك ولا غيره من ~~أعيان العالم. # ولكن هؤلاء قالوا: هذا يستلزم التسلسل، [والتسلسل محال] (3) . # ومرادهم التسلسل في تمام التأثير كما تقدم، وأما التسلسل في الآثار فهو ~~قولهم. # وقد ذكرنا أن التسلسل الممتنع (4) هنا هو من جنس الدور الممتنع (5) ، ~~فإنه إذا قيل: لا يفعل (6) هذا الحادث حتى يحدث ما به به: (7) يصير فاعلا ~~له ويكون ذلك حادثا مع حدوثه، وكذلك الثاني، صار هذا تسلسلا في تمام ~~التأثير (8) وإذا قيل: لا يحدث شيئا حتى يحدث شيئا كان هذا دورا ممتنعا، ~~فهو تسلسل إذا أطلق الكلام في الحوادث، ودور (9) إذا عين الحادث. # وهي (10) حجة إلزامية لأولئك المتكلمين من الجهمية والقدرية، ومن تبعهم ~~من الأشعرية والمعتزلة والكرامية، ومن وافقهم من الفقهاء وغيرهم، ~~PageV03P121 # [ودوامها عند من جعله ms0615 لم يكن يمكنه أن يتكلم ولا يفعل بمشيئته وقدرته ثم ~~صار ذلك ممكنا له] (1) يستلزم (2) الترجيح بلا مرجح، أو التسلسل [المتفق ~~على امتناعه والدور الممتنع] (3) ، وكل ذلك ممتنع (4) والتسلسل المتفق على ~~امتناعه هو التسلسل في المؤثرات [وفي تمام التأثير] (5) ، فأما التسلسل في ~~الآثار فهو مورد النزاع. # وأولئك يبطلون القسمين بناء على أن ما لا يتناهى يمتنع فيه التفاوت. # وجماهير الفلاسفة مع أئمة أهل الملل (6) فإنهم لا ينكرون القسم الثاني. # وحينئذ فيقال لهؤلاء المتفلسفة: (7) إن كان التسلسل [في الآثار] (8) ~~ممتنعا بطل قولكم، وإذا بطل القول بطلت حجته بالضرورة ; لأن القول الباطل ~~لا تقوم عليه حجة صحيحة. وإن كان ممكنا بطلت حجتكم [لإمكان أن تكون كلماته ~~لا نهاية لها، وأنه لم يزل متكلما بمشيئته أو فعالا بمشيئته، فعلا بعد فعل ~~من غير قدم شيء بعينه من الأفعال والمفعولات] (9) ، فالحجة باطلة على ~~التقديرين، فإنه إذا كان تسلسل (10) الآثار ممكنا أمكن حدوث الأفلاك بأسباب ~~قبلها حادثة. PageV03P122 # والرسل صلوات الله عليهم أجمعين أخبرت بأن (1) الله خلق السماوات والأرض ~~وما بينهما في ستة أيام، وأن عرشه كان على الماء قبل ذلك، وهذا مما علم (2) ~~بالاضطرار والنقل المتواتر من دين الرسل (3) ، وأدلتكم ليس فيها ما يوجب ~~قدم السماوات فقولكم بقدمها ليس فيه (4) حجة عقلية، فهو تكذيب للرسل بلا ~~سبب. # وأيضا فالعقل الصريح يبطل قولكم، فإن الأفلاك وغيرها من العالم مستلزم ~~(5) للحوادث، فلو كان قديما للزم أن يكون صادرا عن موجب له قديم، فحينئذ ~~يكون الموجب مستلزما (6) لموجبه ومقتضاه لا يتأخر عنه، إذ لو جاز تأخر ~~موجبه عنه [لم تكن (7) علة تامة لاستلزام العلة التامة معلولها وإذا لم تكن ~~(8) علة تامة امتنع أن يقارنه موجبه لامتناع قدم المعلول بدون علة تامة. ~~وأيضا فلو جاز تأخر موجبه] (9) مع جواز مقارنته له في الأزل لافتقر تخصيصه ~~(10) بأحدهما إلى مرجح غير الموجب بذاته (11) ، وليس هناك مرجح غيره فامتنع ~~PageV03P123 # وجود الأفلاك وغيرها، وهذا باطل فإنها موجودة مشهودة عيانا، وهم يسلمون ~~هذا، ويقولون بأنها معلول علة قديمة، وهو موجب بالذات لا يتأخر عنه ms0616 موجبه. # وإذا كان هذا معلوما بالعقل الصريح وهم يوافقون عليه، بل هو أصل قولهم، ~~قيل لهم: فما يستلزم الحوادث يمتنع أن يصدر عن موجب بالذات ; لأن الحوادث ~~تحدث شيئا بعد شيء (1) ، وما يحدث شيئا فشيئا لا تكون أجزاؤه قديمة أزلية، ~~فلا تكون صادرة عن موجب بالذات، [فامتنع أن تكون الحوادث صادرة عن موجب ~~بالذات] (2) ، وامتنع صدور شيء من العالم بدون الحوادث اللازمة له ; لأن ~~وجود الملزوم بدون اللازم ممتنع. فتبين أنه يمتنع أن يكون الفلك قديما ~~أزليا، ولا يمكن أن يقال: كان خاليا عن الحوادث في الأزل ثم حدثت فيه ; ~~لأنه يقال حينئذ: فلا بد (3) لتلك الحوادث من سبب، فالقول فيها كالقول في ~~غيرها، فإن جاز أن يحدث بدون سبب حادث، أمكن ذلك في الفلك، وبطلت حجتهم، ~~ولزم من ذلك ترجيح أحد المتماثلين بلا مرجح، وإن كان لا بد لها من سبب لزم ~~التسلسل ودوام الحوادث، وأن الفلك وكل ما سوى الله لم يزل مقارنا للحوادث ~~(4) ، وكل ممكن قارن الحوادث امتنع أن يكون صادرا عن موجب بالذات، فامتنع ~~أن يكون قديما. PageV03P124 # والناس قد تنازعوا فيما يستلزم الحوادث، وهو ما لا يخلو عن الحوادث (1) ~~وما لا بد أن تقارنه الحوادث، هل يجب أن يكون حادثا أو لا يجب حدوثه بل ~~يجوز قدمه، سواء كان هو الواجب الغني عما سواه، أو كان ممكنا، أو يفرق بين ~~الواجب بنفسه الغني عما سواه وبين الممكن الفقير (2) إلى غيره؟ على ثلاثة ~~أقوال: فالأول: قول من يقول من طوائف النظار وأهل الكلام بامتناع دوام ~~فاعلية الرب (3) وامتناع فعل الرب وتكلمه بمشيئته وقدرته (4) في الأزل وأن ~~(5) ذلك غير ممكن، وهؤلاء متنازعون في إمكان (6) دوام فاعليته في المستقبل ~~على قولين. # و [القول] الثاني (7) : قول الفلاسفة الذين يقولون بقدم ما سوى الله: إما ~~الأفلاك وإما العقول وإما غير ذلك، ويجعلون الرب [سبحانه] (8) موجبا بذاته، ~~لا يمكنه إحداث شيء ولا تغيير شيء من العالم، بل حقيقة قولهم: إن الحوادث ~~لم تصدر عنه، بل [صدرت] وحدثت (9) بلا محدث. # و [القول] الثالث ms0617: (10) قول أئمة أهل الملل الذين يقولون: إن الله خالق ~~PageV03P125 # كل شيء، وكل ما سوى الله كائن بعد أن لم يكن، مع دوام قادرية الله، وأنه ~~لم يزل متكلما إذا شاء، بل لم يزل فاعلا أفعالا تقوم بنفسه (1) . # وأقوال أئمة الفلاسفة (2) وأساطينهم الذين كانوا قبل أرسطو توافق (3) قول ~~هؤلاء، بخلاف أرسطو (4) وأتباعه الذين قالوا بقدم الأفلاك (5) ، فإن قول ~~هؤلاء معلوم الفساد بصحيح المنقول وصريح المعقول (6) . # وأيضا فإن كون المفعول المعين لازما للفعل قديما بقدمه دائما بدوامه (7) ~~ممتنع لذاته، وإن قدر أن الفاعل غير مختار فكيف إذا ثبت أنه يفعل بمشيئته ~~وقدرته؟ . PageV03P126 # وما (1) يذكرونه من تقدم العلة على المعلول بالذات دون الزمان لا يعقل ~~ولا يوجد (2) إلا فيما يكون شرطا، فإن الشرط قد يقارن المشروط، أما العلة ~~التي هي فعل فاعل للمعلول فهذه لا يعقل (3) فيها مقارنتها للمعلول في ~~الزمان. # وهم يمثلون تقدم العلة على المعلول بالذات دون الزمان بتقدم حركة اليد ~~على حركة الخاتم، وتقدم الحركة على الصوت (4) وغير ذلك، وجميع ما يمثلون به ~~إما أن يكون شرطا لا فاعلا، وإما أن يكون متقدما بالزمان، وأما فاعل غير ~~متقدم فلا يعقل قط (5) . # وليس هذا موضع بسط [هذه] (6) الأمور، فإنها أضل مقالات (7) أهل الأرض، ~~وقد بسط الكلام عليها في غير هذا (8) . # والمقصود هنا التنبيه على أصل القدرية، فإن حقيقة قولهم أن أفعال الحيوان ~~تحدث بلا فاعل، كما أن أصل قول الفلاسفة الدهرية (9) أن حركة الفلك وجميع ~~الحوادث تحدث (10) بلا سبب حادث، وكذلك من وافق PageV03P127 # القدرية (1) من أهل الإثبات على أن الرب تعالى لا تقوم به الأفعال، ~~وقالوا (2) : إن الفعل هو المفعول والخلق هو المخلوق، كما تقوله الأشعرية ~~ومن وافقهم (3) فإنه يلزمه في فعل الرب (4) ما لزم القدرية. # ولهذا عامة شناعات هذا الرافضي (5) هي (6) على هؤلاء. وهؤلاء طائفة من ~~طوائف (7) المثبتين لخلافة أبي بكر وعمر وعثمان (8) ، وقد وافقهم في ذلك ~~كثير من الشيعة الزيدية والإمامية وغيرهم. وقولهم على كل حال (9) أقل خطأ ~~(10) من قول القدرية، بل أصل خطئهم (11) موافقتهم للقدرية في بعض خطئهم ms0618 ~~(12) ، وأئمة أهل السنة لا يقولون بشيء من هذا الخطأ (13) ، وكذلك جماهير ~~أهل السنة من أهل الحديث والفقه والتفسير والتصوف لا يقرون (14) بهذه ~~الأقوال المتضمنة للخطأ (15) ، بل هم متفقون على أن الله خالق أفعال ~~العباد، وعلى أن العبد قادر مختار يفعل بمشيئته وقدرته (16) ، والله خالق ~~ذلك PageV03P128 # كله، وعلى الفرق بين الأفعال الاختيارية والاضطرارية، وعلى أن الرب يفعل ~~بمشيئته وقدرته، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه لم يزل قادرا على ~~الأفعال موصوفا بصفات الكمال، متكلما إذا شاء، وأنه موصوف بما وصف به نفسه، ~~وبما وصفه به رسول الله [صلى الله عليه وسلم] (1) من غير تحريف ولا تعطيل، ~~ومن غير تكييف ولا تمثيل، فيثبتون علمه المحيط، ومشيئته النافذة، وقدرته ~~الكاملة، وخلقه لكل شيء. # ومن هداه الله إلى فهم قولهم، علم أنهم جمعوا محاسن الأقوال، وأنهم وصفوا ~~الله بغاية الكمال، وأنهم هم المستمسكون (2) بصحيح المنقول وصريح المعقول، ~~وأن قولهم هو القول السديد السليم من التناقض (3) الذي أرسل الله به رسله ~~(4) وأنزل به كتبه. ### | فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر أنه لا فرق بين الإحسان والإساءة لأنهما صادران من الله والرد عليه # (فصل) قال [الرافضي] (5) : " ومنها أنه يلزم أن لا يبقى (6) عندنا فرق ~~بين من أحسن إلينا غاية الإحسان طول عمره، و [بين] من أساء (7) إلينا غاية ~~الإساءة طول عمره، ولم يحسن منا PageV03P129 # شكر الأول وذم الثاني، لأن الفعلين صادران من الله [تعالى] عندهم (1) ". # فيقال: هذا باطل، فإن اشتراك الفعلين في كون الرب خلقهما لا يستلزم ~~اشتراكهما في سائر الأحكام، فإنه من المعلوم بصريح العقل (2) أن الأمور ~~المختلفة تشترك في أمور كثيرة (3) لا سيما في مثل هذا المقام، فإن جميع ما ~~سوى الله مشترك (4) في أن الله خلقه، وأنه ربه ومليكه. # ثم من المعلوم (5) أن المخلوقات بينها من الافتراق ما لا يحصيه إلا ~~الخلاق، فالله تعالى جعل الظلمات والنور، [وقال] (6) : {وما يستوي الأعمى ~~والبصير - ولا الظلمات ولا النور} [سورة فاطر: 19، 20] والله خالق الجنة ~~والنار، ولا تستوي الجنة ms0619 و [لا] النار (7) ، (8 والله خالق الظل والحرور، ~~ولا يستوي الظل ولا الحرور (8 - 8) (8) 8) ، والله خالق الأعمى والبصير ولا ~~يستوي الأعمى والبصير، والله خالق الحي والميت، والقادر والعاجز، والعالم ~~والجاهل، ولا يستوي هذا وهذا، والله خالق ما ينفع وما يضر، وما يوجب اللذة ~~وما يوجب الألم، ولا يستوي هذا وهذا، فإذا كان الله خالق الأطعمة ~~PageV03P130 # الطيبة والخبيثة، ثم إن الطيب يحب ويشتهى، ويمدح ويبتغى، والخبيث يذم ~~ويبغض (1) ويجتنب، والله خالق هذا وهذا، والله خالق الملائكة والأنبياء (2) ~~، وخالق [الشياطين و] الحيات والعقارب وغيرها (3) من الفواسق، فهذا (4) ~~محمود معظم، وهذا فاسق يقتل في الحل والحرم، وهو سبحانه وتعالى خالق (5) في ~~هذا طبيعة كريمة تقتضي الخير والإحسان، وفي هذا طبيعة خبيثة توجب الشر ~~والعدوان، مع ما بينهما من الفرق في الحب والبغض، والمدح والذم ونحو ذلك ~~(6) . # وإذا (7) كان الشرع والعقل متطابقين على أن ما جعل الله فيه منفعة للناس ~~ومصلحة لهم يحب ويمدح [ويطلب] (8) ، وإن كان جمادا أو حيوانا بهيميا (9) ، ~~فكيف لا يكون من جعله محسنا للناس يحصل لهم به منافع ومصالح أحق بأن يحب ~~ويمدح ويثنى عليه، وكذلك في جانب الشر. # والقدري يقول: لا يكون العبد محمودا ومشكورا على إحسانه، ومذموما على ~~إساءته، إلا بشرط أن لا يكون الله جعله محسنا إلينا ولا من به علينا إذا ~~فعل الخير، ولا ابتلانا به إذا فعل الشر، وهذا حقيقة ما قاله هذا الرافضي ~~القدري (10) . PageV03P131 # ومعلوم فساد هذا القول شرعا وعقلا، فإن حقيقته أنه حيث يشكر العبد لا ~~يشكر الرب وحيث يشكر الرب لا يشكر العبد. # وحقيقته أنه (1) لا يكون لله علينا منة في تعليم الرسول وتبليغه إلينا ~~رسالات (2) ربه. وقد قال تعالى: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم ~~رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة} [سورة ~~آل عمران: 164] وعلى قول القدري يكون إرسال الله [له] (3) من جنس إرسال ~~مخلوق إلى مخلوق (4) ، فذاك تفضل بنفس الإرسال لا بأن جعل الرسل تتلوا ~~وتعلم وتزكي، بل هذه الأفعال منتسبة (5) عندهم فيها للرسول (6) الذي خلقها ms0620 ~~[عندهم] دون المرسل الذي (7) لم يحدث شيئا منها. # والقدري يقول الرسول نطق بنفسه، لم ينطقه الله ولا أنطق الله شيئا، بل ~~جعل فيه قدرة على أن ينطق وأن لا ينطق، وهو يحدث أحدهما مع استواء الحال ~~قبل الإحداث وبعده، بدون معونة الله له على إحداث النطق وتيسيره له. # وعلى قول القدري لا يكون لله نعمة على عباده باستغفار الملائكة لهم، ~~PageV03P132 # وتعليم العلماء لهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وعدل ولاة الأمور ~~عليهم، ولا يكون الله مبتليا لهم إذا ظلمهم ولاة [الأمور] (1) . # وفي الأثر [المعروف] (2) : " «يقول الله [عز وجل] (3) : " أنا الله (4) ~~مالك الملوك، قلوب الملوك ونواصيهم بيدي، من أطاعني جعلتهم عليه رحمة، ومن ~~عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشتغلوا بسب الملوك وأطيعوني أعطف قلوبهم ~~عليكم» (5) . وعند القدري لا يقدر الله أن يجعل الملوك لا (6) عادلين ولا ~~جائرين، ولا محسنين ولا مسيئين، ولا يقدر أن يجعل أحدا محسنا إلى أحد، ولا ~~مسيئا إلى أحد، ولا يقدر أن [ينعم] (7) على أحد بمن (8) يحسن إليه ويكرمه، ~~ولا يقدر [على] (9) أن يبتليه بمن يعذبه ويهينه ". # وعلى قول القدري لم يبعث (الله) عبادا له أولي بأس شديد فجاسوا خلال ~~الديار، فإنه لم يأمرهم بذلك ولا جعلهم فاعلين، بل أعطاهم قدرة، وكذلك ~~عندهم لم يرسل الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا (10) . PageV03P133 # وقد قال بعضهم إنه على قول القدري (1) لا يستحق [الله] أن يشكر بحال (2) ~~، فإن الشكر إنما يكون على النعم، والنعم إما دينية وإما دنيوية وإما ~~أخروية، فالنعم الدنيوية هي عنده واجبة على الله، وكذلك ما يقدر عليه من ~~الدينية كالإرسال وخلق القدرة، وأما نفس الإيمان والعمل الصالح فهو عنده لا ~~يقدر أن يجعل أحدا مؤمنا ولا مهتديا ولا صالحا ولا برا ولا تقيا، فلا يستحق ~~أن يشكر على شيء من هذه الأمور التي لم يفعلها ولا يقدر عليها عنده (3) ~~وأما النعم الأخروية فالجزاء واجب (4) [عليه] (5) عنده، كما يجب على ~~المستأجر أن يوفي الأجير أجره (6) ، ومعلوم أن هذا عنده (7) من باب العدل ~~المستحق لا من باب الفضل (8) والإحسان ms0621، بمنزلة من قضى دينا كان عليه فلا ~~يستحق الشكر على فضل ولا إحسان. # ومن هذا حقيقة قوله كيف يعيب أهل الإيمان (9) الذين يشكرون الله على كل ~~[حال و] نعمة (10) ، ويشكرون من أجرى الله الخير على يديه، PageV03P134 # فإنه من لم يشكر الناس لم يشكر الله (1) ، ومن أساء إليهم يعتقدون جواز ~~مقابلته بالعدل (2) ، وأن العفو عنه أفضل إذا لم يكن في عقوبته حق لله، ~~ويرى أحدهم أن الله أنعم عليه بإحسان الأول (3) ليشكره عليه، وأنه ابتلاه ~~بإساءة هذا إليه كما يبتليه بأنواع البلاء ليصبر ويستغفر من ذنوبه ويرضى ~~بقضائه. # كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " «لا يقضي الله ~~لمؤمن (4) قضاء إلا كان خيرا له، إن أصابته سراء فشكر كان خيرا له، وإن ~~أصابته ضراء (5) فصبر كان خيرا له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن» " (6) ~~PageV03P135 # وقد قال تعالى: {أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا} [سورة ~~مريم: 83] (1) ، وقال تعالى: {فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا ~~أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا} [سورة الإسراء: 5] ~~فإرساله الشياطين وبعثه لهؤلاء المعتدين على بني إسرائيل أهو (2) أمر شرعي ~~أمرهم به، كما أرسل (3) رسله بالبينات والهدى، وكما بعث في الأميين رسولا ~~منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم (4) ؟ أم هو تقدير وتسليط، وإن كان المسلط ~~ظالما معتديا (5) عاصيا لدين الله وشرعه (6) . # ثم من المعلوم أن عامة أهل الأرض مقرون بالقدر، وهم مع هذا (7) يمدحون ~~المحسن ويذمون المسيء فطروا على هذا وعلى هذا، فيقرون أن الله (تعالى) خالق ~~كل شيء وربه، وأنه قدر ذلك كله وسلط هذا ويسر هذا، ويمدحون هذا ويذمون هذا، ~~وأهل الإثبات المقرون بالقدر يمدحون المحسن ويذمون المسيء، (8) ، مع ~~اتفاقهم على أن الله خالق الفعلين. # فقولهم: إنه يلزمهم (9) أن لا يفرقوا بين هذا وهذا - لزوم ما لا يلزم ~~(10) PageV03P136 # وغاية الأمر أن يكون يكون: (1) الله جعل هذا مستحقا للمدح والثواب، وهذا ~~مستحقا للذم والعقاب فإذا كان قد جعل هذا مستحقا وهذا مستحقا، لم يمتنع أن ~~يمدح هذا ويذم هذا ms0622 (2) ، لكن خلقه لهذين الزوجين كخلقه لغير ذلك، وهذا ~~يتعلق بالحكمة الكلية في خلق (3) المخلوقات، كما قد ذكر في غير هذا الموضع. # وعلى رأي القدري لا يستحق المدح والثناء والشكر إلا من لم يجعله الله ~~محسنا، ولا يستحق الذم إلا من لم يجعله الله مسيئا (4) ، بل من لا يقدر ~~[الله] أن (5) يجعله محسنا ولا مسيئا فعنده (6) لا مدح ولا ذم إلا بشرط عجز ~~الله [تعالى] (7) وقصور مشيئته وخلقه، وحدوث الحوادث بدون محدث. ### | [فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر المعصية إما من العبد أو من الله أو منهما] # (فصل) قال [الرافضي] (8) : " ومنها التقسيم الذي ذكره سيدنا ومولانا ~~الإمام موسى بن جعفر الكاظم (9) ، وقد سأله أبو حنيفة وهو صبي، فقال: ~~المعصية ممن؟ فقال الكاظم (10) : المعصية إما PageV03P137 # من العبد أو من الله (1) أو منهما (2) ، فإن كانت من الله فهو أعدل وأنصف ~~من أن يظلم عبده ويؤاخذه (3) بما لم يفعله، وإن كانت المعصية منهما فهو ~~شريكه، والقوي أولى بإنصاف عبده الضعيف، وإن كانت المعصية من العبد (4) ~~وحده فعليه وقع الأمر (5) وإليه توجه (6) المدح والذم. وهو أحق بالثواب ~~والعقاب، ووجب له (7) الجنة أو النار (8) فقال أبو حنيفة: " {ذرية بعضها من ~~بعض} ". # فيقال: أولا: هذه الحكاية لم يذكر لها إسنادا فلا تعرف صحتها، فإن ~~المنقولات (9) إنما تعرف صحتها بالأسانيد الثابتة، لا سيما مع كثرة الكذب ~~في هذا الباب، كيف والكذب عليها ظاهر، فإن أبا حنيفة (10) من المقرين ~~بالقدر باتفاق أهل المعرفة به وبمذهبه، وكلامه في الرد على PageV03P138 # القدرية (1) معروف في الفقه الأكبر (2) وقد بسط (3) الحجج في الرد عليهم ~~بما لم يبسطه على غيرهم في هذا الكتاب، وأتباعه متفقون على أن هذا هو (4) ~~مذهبه، وهو مذهب الحنفية المتبعين له، ومن انتسب إليه في الفروع وخرج عن ~~هذا (5) من المعتزلة ونحوهم فلا يمكنه (6) أن يحكي هذا القول عنه، بل هم ~~عند أئمة الحنفية الذين يفتى بقولهم مذمومون معيبون من (7) أهل البدع ~~والضلالة (8) ، فكيف يحكى عن أبي حنيفة أنه استصوب قول من يقول إن الله لم ms0623 ~~يخلق أفعال العباد؟ # وأيضا فموسى بن جعفر وسائر علماء أهل البيت متفقون على إثبات القدر، ~~والنقل بذلك عنهم (9) ظاهر معروف. وقدماء الشيعة كانوا متفقين على إثبات ~~القدر والصفات، وإنما شاع فيهم رد (10) القدر من حين اتصلوا بالمعتزلة في ~~دولة بني بويه (11) . PageV03P139 # وأيضا، فهذا الكلام المحكي عن موسى بن جعفر يقوله أصاغر القدرية ~~وصبيانهم، وهو معروف من حين حدثت القدرية قبل أن يولد موسى بن جعفر، فإن ~~موسى بن جعفر ولد بالمدينة سنة ثمان أو تسع وعشرين ومائة قبل الدولة ~~العباسية بنحو ثلاث سنين، وتوفي ببغداد سنة ثلاث وثمانين ومائة. قال أبو ~~حاتم: ثقة صدوق إمام من أئمة المسلمين (1) والقدرية حدثوا قبل هذا التاريخ، ~~بل حدثوا في أثناء المائة الأولى من زمن الزبير وعبد الملك (2) . # [وهذا مما يبين أن هذه الحكاية كذب، فإن أبا حنيفة إنما اجتمع بجعفر بن ~~محمد، وأما موسى بن جعفر فلم يكن ممن سأله (3) أبو حنيفة ولا اجتمع به، ~~وجعفر بن محمد هو من أقران أبي حنيفة، ولم يكن أبو حنيفة (ممن) (4) يأخذ ~~عنه مع شهرته بالعلم، فكيف يتعلم من موسى بن جعفر] (5) ؟ PageV03P140 # وما ذكره (1) في هذه الحكاية من قول القائل: هو أعدل من أن يظلم عبده ~~ويؤاخذه بما لم يفعله، هو أصل كلام القدرية الذي يعرفه عامتهم وخاصتهم، وهو ~~أساس مذهبهم وشعاره (2) ; ولهذا سموا أنفسهم العدلية، فإضافة هذا إلى موسى ~~بن جعفر لو كان حقا ليس فيه فضيلة [له] ولا مدح (3) ، إذا كان صبيان ~~القدرية يعرفونه، فكيف إذا كان كذبا مختلقا عليه؟ # ويقال: ثانيا: الجواب عن هذا التقسيم أن يقال: هذا التقسيم ليس بمنحصر ~~(4) . وذلك أن قول القائل: " المعصية ممن؟ " لفظ PageV03P141 # مجمل، فإن المعصية والطاعة عمل وعرض قائم بغيره (1) ، فلا بد له من محل ~~يقوم به، وهي قائمة بالعبد لا محالة، وليست قائمة بالله [تبارك وتعالى] (2) ~~بلا ريب. # ومعلوم أن كل مخلوق يقال: هو من الله، بمعنى أنه خلقه بائنا عنه لا بمعنى ~~أنه قام به واتصف به، كما في قوله [تعالى] (3) : {وسخر لكم ما في ms0624 السماوات ~~وما في الأرض جميعا منه} [سورة الجاثية: 13] (4) ، وقوله تعالى: {وما بكم ~~من نعمة فمن الله} [سورة النحل: 53] . # والله تعالى وإن كان خالقا لكل شيء فإنه خلق الخير والشر لما له في ذلك ~~من الحكمة التي باعتبارها كان فعله حسنا متقنا، كما قال: {الذي أحسن كل شيء ~~خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين} [سورة السجدة: 7] وقال: {صنع الله الذي أتقن ~~كل شيء} [سورة النمل: 88] فلهذا لا يضاف إليه الشر مفردا، بل إما أن يدخل ~~في العموم، وإما أن يضاف إلى السبب، وإما أن يحذف فاعله. # فالأول: كقول [الله تعالى] (5) {الله خالق كل شيء} [سورة الزمر: 62] ~~والثاني: كقوله: {قل أعوذ برب الفلق - من شر ما خلق} [سورة الفلق: 1، 2] ~~والثالث كقوله فيما حكاه عن الجن: {وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم ~~أراد بهم ربهم رشدا} [سورة الجن: 10] و [قد] PageV03P142 # قال ن، م: قال. في أم القرآن: {اهدنا الصراط المستقيم - صراط الذين أنعمت ~~عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [سورة الفاتحة: 6، 7] فذكر أنه فاعل ~~النعمة، وحذف فاعل الغضب، وأضاف الضلال إليهم. وقال الخليل [عليه السلام] ~~(1) {وإذا مرضت فهو يشفين} [سورة الشعراء: 80] ، ولهذا كان لله الأسماء ~~الحسنى، فسمى (2) نفسه بالأسماء الحسنى المقتضية للخير. # وإنما يذكر الشر في المفعولات، كقوله: {اعلموا أن الله شديد العقاب وأن ~~الله غفور رحيم} [سورة المائدة: 98] (3) ، وقوله في آخر سورة (4) الأنعام: ~~{إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم} [سورة الأنعام: 165] (* وقوله في ~~الأعراف: (5) {إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم} [سورة الأعراف: 167] . ~~*) (6) وقوله: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم - وأن عذابي هو العذاب ~~الأليم} [سورة الحجر: 49، 50] وقوله: {حم - تنزيل الكتاب من الله العزيز ~~العليم - غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو} ~~[سورة غافر: 13] . # وهذا لأن ما يخلقه من الأمور التي فيها شر (7) بالنسبة إلى بعض الناس ~~PageV03P143 # فله فيها (1) حكمة، هو بخلقه لها (2) حميد مجيد، له الملك وله الحمد، ~~فليست بالإضافة إليه شرا ولا مذمومة، فلا يضاف إليه ما يشعر بنقيض ذلك، كما ms0625 ~~أنه سبحانه خالق (3) الأمراض والأوجاع والروائح الكريهة والصور المستقبحة ~~والأجسام الخبيثة كالحيات والعذرات (4) لما له في ذلك من الحكمة البالغة. # فإذا قيل: هذه العذرة وهذه الروائح الخبيثة من الله، أوهم ذلك أنها خرجت ~~منه، والله منزه عن ذلك. وكذلك إذا قيل: القبائح من الله [أو المعاصي من ~~الله] (5) ، قد يوهم ذلك أنها خارجة من ذاته، كما تخرج من ذات العبد، وكما ~~يخرج الكلام من المتكلم، والله منزه عن ذلك، أو يوهم [ذلك] أنها (6) منه ~~قبيحة وسيئة، والله منزه عن ذلك. # بل جميع خلقه خلقه له حسن على قولي (7) التفويض والتعليل. وكذلك إذا قيل ~~للطعوم والألوان والروائح ونحوها من الأعراض: هذا الطعم الحلو والمر من ~~الله أو من هذا النبات، وهذه الروائح الطيبة أو الخبيثة من الله أو من هذه ~~العين (8) ، وأمثال ذلك. وقد يوهم إذا قيل: PageV03P144 # إنها من الله أنه أمر بها، والله لا يأمر بالفحشاء، ولا يحب الفساد (1) ، ~~ولا يرضى لعباده الكفر. # وهذا مثل قول (2) ابن مسعود لما سئل عن المفوضة: أقول (3) فيها برأيي، ~~فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله ~~بريئان منه. وكذلك قال أبو بكر (4) في الكلالة، وقال عمر نحو ذلك. ومرادهم ~~أن الصواب قد أمر الله به وشرعه وأحبه (5) ورضيه، والخطأ لم يأمر به ولم ~~يحبه ولم يشرعه، بل هو مما زينه الشيطان لنفسي ففعلته بأمر الشيطان، فهو ~~مني ومن الشيطان. # وحينئذ فالجواب من وجوه: # أحدها: أن يقال: الأعمال والأقوال والطاعات والمعاصي من العبد، بمعنى ~~أنها قائمة به وحاصلة بمشيئته وقدرته، وهو المتصف بها المتحرك بها، الذي ~~يعود حكمها عليه (6) ، فإنه قد يقال لما اتصف به المحل وخرج منه (7) : هذا ~~منه وإن لم يكن له اختيار، كما يقال: هذه الريح (8) من هذا الموضع، وهذه ~~الثمرة من هذه الشجرة، وهذا الزرع من PageV03P145 # هذه الأرض، فلأن يقال ما صدر من الحي (1) باختياره: هذا منه بطريق ~~الأولى، وهي من الله، بمعنى أنه خلقها قائمة بغيره وجعلها عملا له وكسبا ~~وصفة (2) ، وهو خلقها بمشيئة ms0626 نفسه وقدرة نفسه بواسطة خلقه لمشيئة العبد ~~وقدرته (3) ، كما يخلق المسببات بأسبابها، فيخلق السحاب بالريح، [والمطر ~~بالسحاب] (4) ، والنبات بالمطر. # والحوادث تضاف إلى خالقها باعتبار، وإلى أسبابها باعتبار، فهي من الله ~~مخلوقة له في غيره، كما أن جميع حركات المخلوقات وصفاتها منه، وهي من العبد ~~صفة قائمة به، كما أن الحركة من المتحرك المتصف بها وإن كان جمادا، فكيف ~~إذا كان حيوانا (5) ؟ # وحينئذ فلا شركة بين الرب وبين العبد (6) لاختلاف جهة الإضافة، كما [أنا] ~~(7) إذا قلنا: هذا الولد من هذه (8) المرأة بمعنى أنها ولدته، ومن الله ~~بمعنى أنه خلقه (9) لم يكن بينهما تناقض. وإذا قلنا هذه الثمرة من (10) ~~الشجرة، وهذا الزرع من الأرض، بمعنى أنه حدث فيها، ومن الله بمعنى أنه خلقه ~~منها (11) ، لم يكن بينهما تناقض. PageV03P146 # وقد قال تعالى: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} [سورة الطور: 35] ~~فالمشهور: أم خلقوا من غير رب؟ وقيل أم خلقوا من غير عنصر؟ # وكذلك قال موسى (1) . لما قتل القبطي: {هذا من عمل الشيطان} [سورة القصص: ~~15] . # وقال تعالى: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} ~~[سورة النساء: 79] مع قوله فيما تقدم: {قل كل من عند الله} [سورة النساء: ~~78] . فالحسنات والسيئات المراد بها هنا (2) النعم والمصائب ; ولهذا قال: ~~ما أصابك، ولم يقل: ما أصبت. # كما في قوله: {إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها} [سورة آل ~~عمران: 120] ، وقوله: {إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا ~~أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون} [سورة التوبة: 50] فبين أن النعم والمصائب ~~من عند الله، فالنعمة من الله ابتداء والمصيبة بسبب من نفس الإنسان، وهي ~~معاصيه (3) . # كما قال في الآية الأخرى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو ~~عن كثير} [سورة الشورى: 30] ، وقال في الآية] (4) الأخرى: (5) PageV03P147 # {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم} ~~[سورة آل عمران: 165] ، وهذا لأن الله محسن عدل، كل نعمة منه فضل وكل نقمة ~~منه عدل، فهو محسن ms0627 إلى العبد بلا سبب منه تفضلا وإحسانا، ولا يعاقبه إلا ~~بذنبه، وإن كان قد خلق الأفعال كلها لحكمة له في ذلك، فإنه حكيم عادل يضع ~~الأشياء مواضعها، ولا يظلم ربك أحدا. # وإذا كان غير الله يعاقب عبده (1) على ظلمه وإن كان (2) مقرا بأن الله ~~خالق أفعال العباد، وليس ذلك ظلما منه، فالله أولى أن لا يكون ذلك ظلما ~~منه، وإذا كان الإنسان قد (3) يفعل مصلحة اقتضتها حكمته، لا تحصل إلا ~~بتعذيب حيوان، ولا يكون ذلك ظلما منه (4) ، فالله أولى أن لا يكون ذلك ظلما ~~منه. # الوجه الثاني: أن يقال: هي من الله خلقا لها (5) في غيره وجعلا لها عملا ~~لغيره، وهي من العبد فعلا [له] قائما به وكسبا يجر به منفعة إليه (6) أو ~~يدفع به مضرة، وكون العبد هو الذي قام به الفعل، وإليه يعود حكمه الخاص ~~انتفاعا به أو تضررا (7) ، جهة لا تصلح لله، فإن الله لا تقوم PageV03P148 # به أفعال العباد، ولا يتصف بها، ولا تعود إليه أحكامها، التي تعود إلى ~~موصوفاتها. وكون الرب هو الذي خلقها وجعلها عملا لغيره بخلق قدرة العبد ~~ومشيئته (1) وفعله جهة لا تصلح للعبد، ولا يقدر على ذلك إلا الله، ولهذا ~~قال أكثر المثبتين للقدر: إن أفعال العباد مخلوقة لله، وهي فعل العبد وإذا ~~قيل هي فعل (2) الله فالمراد أنها (3) مفعولة له، [لا أنها] (4) هي الفعل ~~الذي هو مسمى المصدر. # وهؤلاء هم الذين يفرقون بين الخلق والمخلوق، وهم أكثر الأئمة، وهو آخر ~~قولي القاضي أبي يعلى وقول أكثر أصحاب [الإمام] (5) أحمد (6) وهو قول ~~[ابنيه يعني ابني القاضي أبي يعلى] (7) : القاضي أبي حازم (8) و [القاضي] ~~أبي الحسين (9) وغيرهما. # الوجه الثالث: أن قول القائل: الله أعدل من أن يظلم عبده ويؤاخذه بما لم ~~يفعل، [فنحن] (10) نقول بموجبه، فإن الله لم يظلم عبده ولم يؤاخذه ~~PageV03P149 # إلا بما فعله العبد باختياره وقوته (1) لا بفعل غيره من المخلوقين. وأما ~~كون الرب خالق كل شيء فذلك لا يمنع كون العبد هو الملوم على ذلك، كما أن ~~غيره من المخلوقين يلومه ms0628 على ظلمه وعدوانه، مع إقراره بأن الله خالق أفعال ~~العباد. # وجماهير الأمم مقرة بالقدر، وأن الله خالق كل شيء، وهم مع هذا يذمون ~~الظالمين (2) ويعاقبونهم لدفع ظلمهم وعدوانهم، كما أنهم (3) يعتقدون أن ~~الله خالق (4) الحيوانات المضرة والنباتات المضرة (5) وهم مع هذا يسعون في ~~دفع ضررها وشرها. وهم أيضا متفقون على أن الكاذب والظالم مذموم بكذبه ~~وظلمه، وأن ذلك وصف سيئ (6) فيه، وأن نفسه (7) المتصفة بذلك خبيثة ظالمة لا ~~تستحق الإكرام الذي يناسب أهل الصدق والعدل، وإن كانوا مقرين بأن كل ذلك ~~مخلوق. # وليس في [فطر] (8) الناس أن يجعلوا مقابلة الظالم على ظلمه ظلما له، وإن ~~كانوا مقرين بالقدر، فالله أولى أن لا ينسب إلى الظلم لذلك (9) ، وهذا على ~~طريقة أهل الحكمة والتعليل [من أهل السنة] (10) . وأما على PageV03P150 # طريقة أهل المشيئة والتفويض فالظلم ممتنع منه لذاته ; لأنه تصرف في ملك ~~الغير، أو تعدى ما حد له، وكلاهما ممتنع في حق الله تعالى، وبكل حال (1) ~~فالرب تعالى لا يمثل بالخلق (2) لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، بل ~~له المثل الأعلى فما ثبت لغيره من الكمال فهو أحق به، وما تنزه عنه من ~~النقص فهو أحق بتنزيهه، وما كان سائغا للقادر الغني فهو أولى أن يكون سائغا ~~له، وليس كل ما قبح ممن يتضرر منه يكون قبيحا منه (3) ، فإن العباد لن ~~يبلغوا ضره فيضروه ولن يبلغوا نفعه فينفعوه. # الوجه الرابع: أن يقال: لا نزاع بين المسلمين أن الله عادل ليس ظالما (4) ~~، لكن ليس كل ما كان ظلما من العبد يكون ظلما من الرب، ولا ما كان قبيحا من ~~العبد يكون قبيحا من الرب، فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ~~ولا في أفعاله. # تحقيق (5) ذلك أنه لو كان الأمر كذلك كما يقوله من يقوله من القدرية للزم ~~أن يقبح منه أمور فعلها فإن الواحد من العباد إذا أمر غيره بأمر لا ينتفع ~~به الآمر وتوعده عليه بالعقاب وهو يعلم أن المأمور لا يفعله (6) بل يعصيه ~~فيستحق ms0629 (7) العقاب، كان (8) ذلك منه عبثا وقبيحا لعدم الفائدة في ذلك للآمر ~~والمأمور. PageV03P151 # وكذلك لو قال: مرادي (1) مصلحة المأمور، وهو يعلم أنه لا يترتب عليه ~~مصلحة بل مفسدة، لكان ذلك قبيحا [منه] (2) . وكذلك إذا فعل فعلا لمراد وهو ~~يعلم أن ذلك المراد لا يحصل، لكان (3) ذلك قبيحا منه. # والقدرية يقولون: إن [الله] خلق (4) الكفار لينفعهم ويكرمهم (5) وأراد ~~ذلك بخلقهم، وأمرهم مع علمه بأنهم يتضررون لا ينتفعون، وكذلك الواحد من ~~العباد لو رأى عبيده أو إماءه (6) يزنون ويظلمون، وهو قادر على منعهم، ولم ~~يمنعهم، لكان مذموما مسيئا، والله منزه عن أن يكون مذموما مسيئا. # والقدري يقول: هو أراد بخلقه لهم أن يطيعوه ويثيبهم، فخلقهم للنفع، مع ~~علمه أنهم (7) لا ينتفعون. ومعلوم أن مثل هذا قبيح من الخلق ولا يقبح من ~~الخالق. ومن المعلوم أن المخلوق إذا كان قادرا على منع عبيده من القبائح، ~~فمنعه لهم خير من أن يعرضهم للثواب مع علمه أنه لا يحصل لهم إلا العقاب، ~~كالرجل الذي يعطي ولده أو غلامه مالا ليربح فيه (8) ، وهو يعلم أنه يشتري ~~به سما يأكله (9) ، فمنعه له من المال خير من أن يعطيه إياه مع علمه أنه ~~يتضرر به. PageV03P152 # وكذلك إذا أعطى غيره سيفا ليقاتل به الكفار، وهو يعلم أنه لا يقاتل به ~~إلا الأنبياء والمؤمنين، لكان ذلك قبيحا منه. وإن قال: قصدت تعريض هذا ~~للثواب، والله لا يقبح ذلك منه (1) ، وهذا (2) حال قدرة العبد عند القدرية، ~~والقدرية مشبهة الأفعال: قاسوا أفعال الله على أفعال خلقه، وعدله على ~~عدلهم، وهو من أفسد القياس. # [الوجه] (3) الخامس: أن يقال المعصية من العبد كما أن الطاعة من العبد، ~~ومعلوم أنه إذا كانت الطاعة منه بمعنى أنه فعلها بقدرته ومشيئته، لم يمتنع ~~أن يكون الله هو الذي جعله فاعلا لها بقدرته ومشيئته، بل هذا هو الذي يدل ~~عليه الشرع والعقل. # كما قال الخليل: {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك} [سورة ~~البقرة: 128] ، وقال: {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي} [سورة إبراهيم: ~~40] ، وقال تعالى: {وجعلنا منهم ms0630 أئمة يهدون بأمرنا} [سورة السجدة: 24] . # ولأن كونه فاعلا بعد أن لم يكن أمر حادث فلا بد له من محدث، والعبد يمتنع ~~أن يكون هو الفاعل لكونه فاعلا ; لأن كونه فاعلا (4) إن كان حدث بنفس كونه ~~فاعلا، لزم أن يكون الشيء حدث (5) بنفسه من غير إحداث، وهو ممتنع. ~~PageV03P153 # وإن كان بفاعلية أخرى، فإن كانت هذه حدثت بالأولى (1) لزم الدور القبلي، ~~وإن كانت حدثت (2) بغيرها لزم التسلسل في الأمور المتناهية، وكلاهما باطل ; ~~فعلم أن كون الطاعة والمعصية من العبد يستحق عليها المدح والذم والثواب ~~والعقاب، لا يمنع أن يكون العبد فقيرا إلى الله في كل شيء، لا يستغني عن ~~الله في شيء قط (3) ، وأن يكون الله خالق جميع أموره، وأن يكون نفس فعله من ~~الحوادث والممكنات المستندة إلى قدرة الله ومشيئته. ### | [فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر أن الكافر يكون مطيعا بكفره لأنه فعل مراد الله تعالى] # (فصل) # قال [الرافضي] (4) : " ومنها أنه يلزم أن يكون الكافر مطيعا بكفره ; لأنه ~~قد فعل ما هو مراد الله تعالى لأنه أراد منه الكفر، وقد فعله ولم يفعل ~~الإيمان الذي كرهه الله منه (5) فيكون قد أطاعه لأنه فعل مراده ولم يفعل ما ~~كرهه (6) ، ويكون النبي عاصيا لأنه يأمره بالإيمان الذي يكرهه الله [منه] ~~(7) وينهاه عن الكفر الذي يريده الله منه " (8) . PageV03P154 # الجواب [من وجوه: الأول] : أن هذا (1) مبني على أن الطاعة: هل هي موافقة ~~الأمر؟ أو موافقة الإرادة؟ وهي مبنية على أن الأمر هل يستلزم الإرادة أم ~~لا؟ وأن نفس الطلب والاستدعاء هل هو الإرادة أو مستلزم للإرادة أو ليس ~~واحدا منهما؟ # ومن المعلوم (2) أن كثيرا من نظار أهل الإثبات (3) للقدر يطلقون القول ~~بأن الطاعة موافقة الأمر لا موافقة الإرادة، وأن الأمر لا يستلزم الإرادة، ~~والكلام في ذلك مشهور. وإذا كان كذلك فهذا القدري لم يبين صحة قوله ولا ~~فساد قول منازعيه، بل أخذ ذلك دعوى مجردة بناء على أن الطاعة موافقة ~~الإرادة، فإذا قال له منازعوه: لا نسلم ذلك، كفى في هذا ms0631 المقام لعدم ~~الدليل. # الثاني: أنهم يستدلون على أن الأمر لا يستلزم الإرادة بما تقدم (4) من أن ~~الله خالق أفعال العباد، وإنما يخلقها بإرادته، وهو لم يأمر بالكفر (5) ~~والفسوق والعصيان، فعلم بأنه قد (6) يخلق بإرادته ما لم يأمر به. # وأيضا فقد ثبت بالكتاب والسنة (7) وإجماع العلماء أنه لو حلف ليقضينه (8) ~~حقه في غد (9) إن شاء الله تعالى، فخرج الغد ولم يقضه، مع PageV03P155 # قدرته على القضاء من غير عذر، وطالبه المستحق له (1) ، لم يحنث، ولو كانت ~~المشيئة بمعنى الأمر لحنث (2) لأنه مأمور بذلك، وكذلك سائر (3) الحلف على ~~فعل مأمور إذا علقه بالمشيئة. # وأيضا فإنه قد قال تعالى: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا} ~~[سورة يونس: 99] مع أنه قد أمرهم بالإيمان، فعلم أنه قد أمرهم بالإيمان ولم ~~يشأه، وكذلك قوله: {ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} [سورة الأنعام: ~~125] دليل على أنه أراد ضلاله (4) وهو لم يأمره (5) بالضلال. # الوجه الثالث: طريقة أئمة الفقهاء (6) وأهل الحديث وكثير من أهل النظر ~~وغيرهم أن الإرادة في كتاب الله نوعان: إرادة (7) تتعلق بالأمر، وإرادة ~~تتعلق بالخلق. فالإرادة المتعلقة بالأمر أن يريد من العبد فعل ما أمره به ~~(8) وأما إرادة الخلق فأن يريد ما يفعله هو. فإرادة الأمر هي المتضمنة ~~للمحبة والرضا وهي الإرادة الدينية. والثانية المتعلقة (9) بالخلق هي ~~المشيئة وهي الإرادة الكونية القدرية. PageV03P156 # فالأولى كقوله تعالى {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [سورة ~~البقرة: 185] وقوله تعالى: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من ~~قبلكم ويتوب عليكم} [سورة النساء: 26] إلى قوله: {يريد الله أن يخفف عنكم} ~~[سورة النساء: 28] ، وقوله: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ~~ليطهركم وليتم نعمته عليكم} [سورة المائدة: 6] وقوله {إنما يريد الله ليذهب ~~عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} [سورة الأحزاب: 33] . # والثانية كقوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد ~~أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} [سورة الأنعام: 125] وقول نوح: {ولا ينفعكم ~~نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله ms0632 يريد أن يغويكم} [سورة هود: 34] . # ومن هذا النوع قول المسلمين: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ومن ~~النوع الأول قولهم لمن يفعل القبائح (1) : هذا يفعل ما لا يريده الله. وإذا ~~(2) كان كذلك فالكفر والفسوق والعصيان ليس مرادا للرب بالاعتبار الأول، ~~والطاعة موافقة تلك الإرادة أو موافقة للأمر (3) المستلزم لتلك الإرادة، ~~فأما موافقة مجرد النوع الثاني فلا يكون به مطيعا، وحينئذ فالنبي يقول [له] ~~(4) : بل الرب يبغض كفرك (5) ولا يحبه ولا يرضاه لك PageV03P157 # أن تفعله ولا يريده بهذا الاعتبار، والنبي يأمره بالإيمان الذي يحبه الله ~~ويرضاه له (1) ويريده بهذا الاعتبار. # الوجه الرابع: أن يقال هذه المسألة (2) مبنية على أصل: وهو (3) أن الحب ~~والرضا هل هو الإرادة أو هو صفة مغايرة للإرادة؟ فكثير من أهل النظر من ~~المعتزلة والأشعرية ومن اتبعهم من الفقهاء من أصحاب [الإمام] (4) أحمد ~~والشافعي وغيرهما يجعلونهما (5) جنسا واحدا. ثم القدرية يقولون: بل هو لا ~~يحب الكفر والفسوق والعصيان فلا يريده (6) ، والمثبتة يقولون: بل هو يريد ~~ذلك فيكون قد أحبه ورضيه. # وأولئك يتأولون الآيات المثبتة لإرادة هذه الحوادث، كقوله تعالى: {ومن ~~يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} [سورة الأنعام: 125] ، و [قوله] (7) : ~~{إن كان الله يريد أن يغويكم} [سورة هود: 34] . # وهؤلاء يتأولون الآيات النافية لمحبة الله ورضاه بها (8) ، كقوله تعالى: ~~{والله لا يحب الفساد} [سورة البقرة: 205] ، {ولا يرضى لعباده الكفر} [سورة ~~الزمر: 7] ، وقوله (9) : {إذ يبيتون ما لا يرضى من القول} [سورة النساء: ~~108] . PageV03P158 # وأما جماهير الناس من أهل الكلام والفقه والحديث والتصوف فيفرقون بين ~~النوعين، وهو قول أئمة الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ~~وغيرهم، [وهو قول المثبتين للقدر قبل الأشعري، مثل ابن كلاب كما ذكره (1) ~~أبو المعالي الجويني] ما (2) ، فإن النصوص (3) قد صرحت بأن الله لا يرضى ~~الكفر والفسوق والعصيان ولا يحب ذلك، مع كون الحوادث كلها بمشيئة الله ~~تعالى. وتأويل ذلك بمعنى (4) لا يرضاها من المؤمنين (5) أو لا يرضاها ولا ~~يحبها (6) دينا بمعنى: لا يريدها - يقتضي أن يقال: لا يرضى الإيمان أي من ms0633 ~~الكافر (7) أو لا يريده غير دين. # والله تعالى قد أخبر أنه يكره المعاصي بقوله: {كل ذلك كان سيئه عند ربك ~~مكروها} [سورة الإسراء: 38] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " «إن الله ~~تعالى كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال» " (8) . ~~PageV03P159 # والأمة (1) متفقة على أن الله يكره المنهيات دون المأمورات، ويحب ~~المأمورات، دون المنهيات، وأنه يحب المتقين والمحسنين والصابرين، ويحب ~~التوابين ويحب المتطهرين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وأنه يمقت ~~الكافرين ويغضب عليهم. # وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " «ما أحد أحب إليه المدح من الله، ~~وما أحد أحب إليه العذر من الله» ". (2) وقال: " «ما أحد أغير من الله أن ~~يزني عبده أو تزني أمته» ". (3) ، وقال: " «إن الله وتر يحب الوتر» " (4) ، ~~PageV03P160 # " « [إن] الله جميل يحب الجمال» " (1) ، وقال: " «إن الله يحب أن تؤتى ~~رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته» " (2) . # وقال: " «إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي» " (3) ، " «إن الله يرضى ~~لكم PageV03P161 # ثلاثا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا ~~تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم» " (1) . # وقال: " «لله أشد فرحا بتوبة عبده [المؤمن] (2) من رجل أضل راحلته بأرض ~~دوية مهلكة عليها طعامه وشرابه فطلبها فلم يجدها، فاضطجع ينتظر الموت، فلما ~~أفاق إذا أ، ب: فإذا. بدابته عليها طعامه وشرابه، فالله أشد فرحا بتوبة ~~عبده من هذا [الرجل] (3) براحلته» " وهذا الحديث في الصحاح من وجوه متعددة، ~~وهو مستفيض عن النبي صلى الله عليه وسلم متفق على صحته وثبوته (4) ، وكذلك ~~أمثاله. # وإذا (5) كان كذلك فالطاعات يريدها من العباد الإرادة (* المتضمنة ~~PageV03P162 # لمحبته لها ورضاه بها إذا وقعت وإن لم يفعلها، والمعاصي يبغضها ويمقتها ~~ويكره من العباد *) (1) أن يفعلوها وإن أراد (2) أن يخلقها هو لحكمة اقتضت ~~ذلك (3) ولا يلزم إذا كرهها (4) للعبد لكونها تضر العبد [ويبغضها أيضا] (5) ~~- أن يكره أن يخلقها هو لما له فيها (6) من الحكمة، فإن الفعل قد يحسن من ~~أحد المخلوقين ويقبح من الآخر لاختلاف حال الفاعلين الفاعلين: (7) ، فكيف ~~يلزم أنه ما قبح من العبد ms0634 قبح (8) من الرب مع أنه لا نسبة للمخلوق مع ~~الخالق (9) وإذا كان المخلوق قد (10) يريد ما لا يحبه، كإرادة المريض لشرب ~~(11) الدواء الذي يبغضه (12) ، ويحب ما لا يريده كمحبة المريض الطعام الذي ~~يضره، [ومحبة الصائم الطعام والشراب الذي لا يريد أن يأكله، ومحبة الإنسان ~~للشهوات التي يكرهها بعقله ودينه] (13) . # فقد عقل ثبوت أحدهما دون الآخر، وأن أحدهما ليس بمستلزم PageV03P163 # للآخر في المخلوقات في المخلوقات: (1) . فكيف لا يمكن ثبوت أحدهما دون ~~الآخر في حق الخالق تعالى؟ # وقد يقال: كل هذه الأمور مرادة محبوبة (2) ، لكن فيها ما يراد لنفسه، فهو ~~مراد بالذات محبوب لله (3) مرضي له، وفيها (4) ما يراد لغيره، وهو مراد ~~بالعرض لكونه وسيلة إلى المراد المحبوب لذاته. # فالإنسان يريد العافية لنفسها (5) ويريد شرب الدواء لكونه وسيلة إليها، ~~وهو (6) يريد ذلك من هذه الجهة وإن لم يكن محبوبا (7) في نفسه، وإذا كان ~~المراد ينقسم إلى مراد لنفسه وهو المحبوب لنفسه، وإلى مراد لغيره لكونه ~~وسيلة إلى غيره، وهذا قد لا يحب لنفسه، أمكن أن يجعل الفرق بين المحبة ~~والإرادة (8) من هذا الباب. # والإرادة نوعان: فما كان محبوبا فهو مراد لنفسه، وما كان في نفسه غير ~~محبوب فهو (9) مراد لغيره. وعلى هذا تنبني مسألة محبة الرب [عز وجل] (10) ~~نفسه ومحبته لعباده، فإن الذين جعلوا المحبة والرضا هو PageV03P164 # الإرادة (1) العامة، قالوا: إن الرب لا يحب في الحقيقة ولا يحب، وتأولوا ~~محبته [تعالى] (2) لعباده بإرادته (3) ثوابهم ومحبتهم له بإرادة طاعتهم (4) ~~له والتقرب إليه، و [منهم] طائفة (5) كثيرة قالوا: هو محبوب يستحق أن يحب، ~~ولكن محبته لغيره بمعنى مشيئته. # وأما السلف والأئمة [وأئمة] أهل (6) الحديث [وأئمة] (7) التصوف، وكثير من ~~أهل الكلام والنظر، فأقروا بأنه محبوب لذاته، بل لا يستحق أن يحب لذاته إلا ~~هو. # وهذا (8) حقيقة الألوهية، وهو حقيقة ملة إبراهيم، ومن لم يقر بذلك لم ~~يفرق بين الربوبية والإلهية (9) ولم يجعل الله معبودا لذاته، ولا أثبت ~~التلذذ بالنظر إليه، ولا أنه أحب إلى أهل الجنة من كل شيء. # وهذا القول في الحقيقة هو من ms0635 أقوال الخارجين عن ملة إبراهيم من المنكرين ~~لكون الله هو المعبود دون ما سواه، ولهذا لما ظهر هذا القول في أوائل ~~الإسلام قتل من أظهره، وهو الجعد بن درهم يوم الأضحى، قتله خالد بن عبد ~~الله القسري برضا علماء الإسلام، وقال: " ضحوا أيها PageV03P165 # الناس، تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم ~~يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، تعالى الله عما يقول الجعد علوا ~~كبيرا " ثم نزل فذبحه. # وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " «إذا دخل أهل ~~الجنة الجنة نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ~~ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا، ويثقل موازيننا ويدخلنا الجنة، ~~ويجرنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب فينظرون إليه، فما أعطاهم شيئا أحب ~~إليهم من النظر إليه، وهو الزيادة» ". (1) . # وقد روي في السنن من غير وجه (2) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ~~يقول [في دعائه] (3) : " «وأسألك (4) لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى ~~لقائك» " (5) . # وروى [الإمام] أحمد والنسائي [وغيرهما] عن (6) عمار بن ياسر أن النبي صلى ~~الله تعالى عليه وسلم كان [يقول في] دعائه (7) : " «أسألك PageV03P166 # لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، من ع، م: في. غير ضراء مضرة، ولا ~~فتنة مضلة» " (1) . # وأما الذين أثبتوا أنه محبوب، وأن محبته لغيره بمعنى (2) مشيئته، فهؤلاء ~~ظنوا أن كل ما خلقه فقد أحبه. وهؤلاء قد يخرجون إلى مذاهب الإباحة (3) ، ~~فيقولون: إنه يحب الكفر والفسوق والعصيان [ويرضى ذلك] (4) ، وأن العارف إذا ~~شهد هذا المقام (5) لم يستحسن حسنة ولم يستقبح سيئة لشهوده القيومية ~~العامة، وخلق الرب لكل شيء، وقد وقع في هذا [طائفة من الشيوخ الغالطين] (6) ~~من شيوخ الصوفية والنظار (7) ، وهو غلط عظيم. # والكتاب والسنة و [اتفاق] سلف (8) الأمة يبين أن الله يحب أنبياءه ~~PageV03P167 # وأولياءه، ويحب ما أمر به، ولا يحب الشياطين ولا ما نهى عنه، وإن [كان] ~~(1) كل ذلك بمشيئته. # وهذه المسألة وقع النزاع فيها بين الجنيد [بن محمد] (2) وطائفة ms0636 من ~~أصحابه، فدعاهم إلى الفرق الثاني، وهو أن يفرقوا في المخلوقات بين ما يحبه ~~وما لا يحبه، فأشكل هذا عليهم لما رأوا أن كل مخلوق فهو مخلوق بمشيئته، ولم ~~يعرفوا أنه قد يكون فيما خلقه بمشيئته ما لا يحبه ولا يرضاه، وكان ما قاله ~~الجنيد وأمثاله (3) هو الصواب. # الوجه الخامس: أن يقال: الإرادة نوعان: أحدهما [بمعنى المشيئة وهو] (4) ~~أن يريد الفاعل أن يفعل فعلا، فهذه الإرادة المتعلقة بفعله. والثاني: أن ~~يريد من غيره أن يفعل فعلا (5) فهذه إرادة (6) لفعل الغير. # وكلا النوعين معقول (7) في الناس، لكن الذين قالوا: [إن] (8) الأمر لا ~~(9) يتضمن الإرادة، لم يثبتوا إلا النوع (10) الأول من الإرادة، والذين ~~PageV03P168 # قالوا: إن الله لم يخلق أفعال العباد، لم يثبتوا إلا النوع الثاني. # وهؤلاء (1) القدرية يمتنع عندهم أن يريد الله خلق أفعال العباد بالمعنى ~~الأول ; لأنه لا يخلقها عندهم وأولئك المقابلون لهم (2) يمتنع عندهم ~~الإرادة من الله إلا بمعنى إرادة أن يخلق، فما لم يرد أن يخلقه لا يوصف ~~بأنه مريد له، فعندهم هو مريد لكل ما خلق وإن كان كفرا، ولم يرد ما لم ~~يخلقه (3) وإن كان إيمانا. # وهؤلاء، وإن كانوا أقرب إلى الحق، لكن التحقيق إثبات النوعين، كما أثبت ~~ذلك السلف والأئمة ; ولهذا قال جعفر: " أراد بهم وأراد منهم "، فالواحد من ~~الناس يأمر غيره وينهاه مريدا لنصحه، وبيانا لما ينفعه وإن كان مع ذلك لا ~~يريد أن يعينه على ذلك الفعل، إذ ليس كل ما يكون مصلحتي في أن آمر به غيري ~~وأنصحه يكون مصلحتي (4) في أن أعاونه [أنا] (5) عليه، بل تكون (6) مصلحتي ~~إرادة ما يضاده. # كالرجل الذي يستشيره (7) غيره في خطبة امرأة، يأمره أن يتزوجها، لأن ذلك ~~مصلحة المأمور، والآمر يرى (8) أن مصلحته في أن يتزوجها هو دونه، فجهة أمره ~~لغيره نصحا - غير جهة فعله لنفسه. PageV03P169 # وإذا أمكن الفرق في حق المخلوقين فهو في حق الله أولى بالإمكان. فهو (1) ~~سبحانه أمر الخلق على ألسن رسله بما ينفعهم، ونهاهم عما يضرهم، ولكن (2) ~~منهم من أراد أن يخلق فعله ms0637، فأراد هو سبحانه أن يخلق ذلك الفعل ويجعله ~~فاعلا له. # ومنهم من لم يرد أن يخلق فعله. فجهة خلقه سبحانه لأفعال العباد وغيرها من ~~المخلوقات - غير جهة أمره للعبد على وجه البيان لما هو (3) مصلحة للعبد أو ~~مفسدة. # وهو سبحانه إذا أمر فرعون وأبا لهب وغيرهما بالإيمان، كان قد بين (4) لهم ~~ما ينفعهم ويصلحهم (5) إذا فعلوه ولا يلزم (6) إذا أمرهم أن يعينهم، بل قد ~~يكون في خلقه لهم ذلك الفعل وإعانتهم عليه وجه مفسدة، من حيث هو فعل له، ~~فإنه يخلق ما يخلق لحكمة له (7) ، ولا يلزم (8) إذا كان الفعل المأمور به ~~مصلحة للمأمور إذا فعله، أن يكون مصلحة للآمر إذا فعله [هو] (9) ، أو جعل ~~المأمور فاعلا له (10) ، فأين جهة الخلق من جهة الأمر؟ PageV03P170 # والقدرية تضرب مثلا فيمن أمر غيره بأمر (1) ، فإنه لا بد (2) أن يفعل ما ~~يكون المأمور أقرب إلى فعله، كالبشر والطلاقة وتهيئة المقاعد والمساند ونحو ~~ذلك. # فيقال لهم: هذا يكون على وجهين: أحدهما: أن يكون الآمر أمر غيره (3) ~~لمصلحة تعود إليه، كأمر الملك جنده (4) بما يؤيد ملكه، وأمر السيد (5) عبده ~~بما يصلح ماله (6) ، وأمر الإنسان شريكه (7) بما يصلح الأمر المشترك ~~بينهما، ونحو ذلك. # والثاني: أن يكون الآمر يرى الإعانة (8) للمأمور مصلحة [له] (9) ، كالأمر ~~بالمعروف [إذا] (10) أعان المأمور على البر والتقوى، فإنه قد علم أن الله ~~يثيبه على إعانته على الطاعة، وأن الله في عون (11) العبد ما كان العبد في ~~عون أخيه، فأما إذا قدر أن الآمر (12) إنما أمر المأمور لمصلحة المأمور لا ~~لنفع يعود عليه من فعله كالناصح المشير (13) وقدر أنه إذا (14) أعانه ~~PageV03P171 # لم يكن ذلك مصلحة له (1) ، لأن في حصول مصلحة المأمور مضرة على الآمر] ~~(2) كمن يأمر (3) مظلوما أن يهرب من ظالمه، وهو لو أعانه حصل بذلك ضرر لهما ~~أو لأحدهما، مثل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى وقال (4) لموسى: {إن الملأ ~~يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين} [سورة القصص: 20] فهذا ~~مصلحته في أن يأمر موسى بالخروج لا في أن يعينه على ذلك، إذ ms0638 لو أعانه لضره ~~قومه. # ومثل هذا كثير (5) كالذي يأمر غيره بتزويج امرأة يريد أن يتزوجها، أو ~~شراء سلعة يريد شراءها أو استئجار مكان يريد استئجاره، أو مصالحة قوم ينتفع ~~بهم وهم أعداء الآمر يتقوون بمصالحته، ونحو ذلك، فإنه في مثل هذه الأمور لا ~~يفعل ما يعين المأمور، وإن (6) كان ناصحا له [بالأمر] (7) مريدا لذلك. # ففي الجملة أمر المأمور بالفعل لكون (8) الفعل مصلحة له - غير كون الآمر ~~يعينه عليه إن (9) كان من أهل الإعانة [له] (10) . PageV03P172 # فإذا (1) قيل: إن الله أمر العباد بما يصلحهم وأراد مصلحتهم عبارة (2) ~~بالأمر، لم يلزم من ذلك أن يعينهم هو على ما أمرهم [به] (3) ، لا سيما وعند ~~القدرية (4) لا يقدر أن يعين أحدا على ما به يصير فاعلا، فإنه إن (5) لم ~~يعلل أفعاله بالحكمة، فإنه يفعل ما يشاء من غير تمييز مراد عن مراد، ويمتنع ~~على هذا أن يكون لفعله لمية (6) ، فضلا عن أن يطلب الفرق. # وإن عللت أفعاله بالحكمة، وقيل إن اللمية (7) ثابتة في نفس الأمر وإن كنا ~~نحن لا نعلمها فلا يلزم إذا كان في نفس الأمر له حكمة في الأمر، أن (8) ~~يكون في الإعانة على المأمور [به] (9) حكمة، بل قد تكون الحكمة تقتضي أن لا ~~يعينه على ذلك، فإنه إذا أمكن (10) في المخلوق أن يكون مقتضى الحكمة (11) ~~والمصلحة أن يأمر غيره بأمر لمصلحة المأمور، وأن تكون الحكمة والمصلحة ~~للآمر أن لا يعينه على ذلك، فإمكان (12) ذلك في حق الرب أولى وأحرى. ~~PageV03P173 # فالله تعالى (1) أمر الكفار بما هو مصلحة لهم لو فعلوه، وهو لم يعنهم على ~~ذلك، ولم يخلق ذلك، كما لم يخلق غيره من الأمور التي يكون من تمام الحكمة ~~والمصلحة أن لا يخلقها. # والمخلوق إذا رأى أن مصلحة بعض رعيته أن يتعلم (2) الرمي وأسباب الملك ~~لينال (3) الملك، ورأى هو أن مصلحة ولده أن لا يتقوى ذلك الشخص (4) لئلا ~~يأخذ [ذلك] (5) الملك من ولده، أو يعدو (6) عليه، أمكن أن يأمر ذلك (7) ~~[الشخص] (8) بما هو مصلحة له (9) ويفعل هو ما هو مصلحة ولده (10) ورعيته. # والمصالح ms0639 والمفاسد بحسب ما يلائم النفوس وينافيها، فالملائم للمأمور ما ~~(11) أمره به الناصح له، والملائم للآمر أن لا يحصل لذلك مراده، لما في ذلك ~~من تفويت مصالح الآمر ومراداته. # وهذا نظر شريف، وإنما يحققه من علم جهة حكمة الله في خلقه PageV03P174 # [وأمره] (1) ، واتصافه سبحانه بالمحبة والفرح ببعض الأمور دون بعض، وأنه ~~قد لا يمكن حصول المحبوب (2) ، إلا بدفع ضده ووجود لازمه، لامتناع اجتماع ~~الضدين، وامتناع وجود الملزوم بدون اللازم. # ولهذا كان الله سبحانه محمودا على كل حال له الملك وله الحمد في الدنيا ~~والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون. # فكل ما في الوجود (3) فهو محمود عليه، وكل ما يعلم ويذكر فهو محمود عليه، ~~له الحمد على ما هو متصف به في ذاته من أسمائه وصفاته (4) ، وله (5) الحمد ~~على خلقه وأمره، فكل ما خلقه فهو محمود عليه، وإن كان في ذلك نوع ضرر لبعض ~~الناس لما له في (6) ذلك من الحكمة، وكل ما أمر به فله الحمد عليه، لما له ~~في ذلك من الهداية والبيان. # ولهذا كان له الحمد ملء السماوات (7) وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء ما ~~شاء من (8) شيء بعد. فإن هذا كله مخلوق [له] (9) ، وكل ما يشاؤه بعد ذلك ~~مخلوق [له] (10) ، له الحمد على كل ما خلقه. PageV03P175 # والأمثلة التي تذكر (1) في المخلوقين، وإن لم يكن ذكر نظيرها في حق الرب، ~~فالمقصود [هنا] (2) أنه يمكن في حق المخلوق الحكيم أن يأمر غيره بأمر ولا ~~يعينه [عليه] (3) ، فالخالق أولى بإمكان (4) ذلك في حقه مع حكمته، فمن أمره ~~وأعانه على فعل المأمور كان ذلك المأمور به تعلق به خلقه وأمره، فشاءه خلقا ~~ومحبة، فكان (5) مرادا لجهة الخلق ومرادا لجهة الأمر. ومن لم يعنه على فعل ~~المأمور، كان ذلك المأمور قد تعلق به أمره ولم يتعلق به خلقه (6) ، لعدم ~~الحكمة المقتضية لتعلق الخلق به، ولحصول الحكمة المتعلقة بخلق ضده. # وخلق أحد الضدين ينافي خلق الضد الآخر، فإن خلق المرض الذي يحصل به ذل ~~العبد لربه، ودعاؤه لربه، وتوبته من ذنوبه، وتكفيره خطاياه، ويرق [به ms0640] (7) ~~قلبه، ويذهب عنه الكبرياء والعظمة والعدوان، يضاد خلق الصحة التي لا يحصل ~~معها هذه المصالح. # وكذلك خلق ظلم الظالم الذي يحصل به للمظلوم من جنس ما يحصل بالمرض، يضاد ~~خلق عدله الذي لا يحصل به هذه المصالح، وإن كانت مصلحته [هو] في (8) أن ~~يعدل. PageV03P176 # وتفصيل حكمة الله في خلقه وأمره يعجز عن معرفتها عقول البشر. والقدرية ~~دخلوا في التعليل على طريقة فاسدة مثلوا الله فيها بخلقه، ولم يثبتوا (1) ~~حكمة تعود إليه فسلبوه قدرته وحكمته (2) ومحبته وغير ذلك من صفات كماله، ~~فقابلهم خصومهم [الجهمية المجبرة] (3) ببطلان التعليل في نفس الأمر. # كما تنازعوا في مسألة الحسن والقبح، فأولئك أثبتوه على طريقة سووا فيها ~~بين الله وخلقه (4) ، وأثبتوا حسنا وقبحا لا يتضمن محبوبا ولا مكروها، وهذا ~~لا حقيقة له، كما أثبتوا تعليلا لا يعود إلى الفاعل حكمه. # وخصومهم سووا بين [جميع] (5) الأفعال، ولم يثبتوا لله محبوبا ولا مكروها، ~~وزعموا أن الحسن لو كان صفة ذاتية للفعل لم يختلف حاله. وغلطوا، فإن الصفة ~~الذاتية للموصوف قد يراد بها اللازمة له (6) والمنطقيون يقسمون اللازم إلى ~~ذاتي وعرضي، وإن كان هذا التقسيم خطأ. وقد يراد بالصفة الذاتية ما تكون ~~ثبوتية قائمة بالموصوف، احترازا عن الأمور النسبية الإضافية. # ومن هذا الباب اضطربوا في الأحكام الشرعية، فزعم (7) نفاة الحسن ~~PageV03P177 # والقبح العقليين أنها ليست صفة ثبوتية للأفعال ولا مستلزمة صفة ثبوتية ~~للأفعال، بل هي من الصفات النسبية الإضافية، فالحسن هو المقول فيه: افعله ~~أو لا بأس بفعله، والقبيح هو المقول فيه: لا تفعله (1) . # قالوا: وليس لمتعلق القول من القول صفة ثبوتية، وذكروا عن منازعيهم أنهم ~~قالوا: الأحكام صفات ذاتية (2) للأفعال، ونقضوا ذلك بجواز تبدل أحكام الفعل ~~مع كون الجنس (3) واحدا. # وتحقيق الأمر أن الأحكام للأفعال ليست من الصفات اللازمة، بل [هي] (4) من ~~العارضة للأفعال بحسب ملاءمتها ومنافرتها، فالحسن والقبح بمعنى كون الشيء ~~محبوبا ومكروها ونافعا وضارا، وملائما ومنافرا. وهذه صفة ثبوتية للموصوف، ~~لكنها تتنوع بتنوع أحواله فليست لازمة له. # ومن قال: إن الأفعال ليس فيها صفات تقتضي الحسن والقبح ms0641، فهو بمنزلة قوله: ~~ليس في الأجسام صفات تقتضي التسخين والتبريد والإشباع والإرواء، فسلب صفات ~~الأعيان المقتضية للآثار، كسلب صفات الأفعال المقتضية للآثار. # وأما جمهور المسلمين الذين يثبتون طبائع الأعيان وصفاتها، فهكذا (5) ، ~~يثبتون ما في الأفعال من حسن وقبح باعتبار ملاءمتها ومنافرتها، كما ~~PageV03P178 # قال تعالى: {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم ~~عليهم الخبائث} [سورة الأعراف: 107] ، فدل ذلك على أن الفعل في نفسه معروف ~~ومنكر، والمطعوم طيب وخبيث. # ولو كان لا صفة للأعيان والأفعال إلا بتعلق الأمر والنهي، لكان التقدير: ~~يأمرهم بما يأمرهم وينهاهم عما ينهاهم، ويحل لهم ما يحل لهم ويحرم عليهم ما ~~يحرم عليهم، والله منزه عن مثل هذا الكلام. # وكذلك قوله تعالى: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا} [سورة ~~الإسراء: 32] وقال: {إن الله لا يأمر بالفحشاء} [سورة الأعراف: 28] ونظائر ~~هذا كثيرة (1) . ### | [فصل من كلام الرافضي على مقالة أهل السنة في القدر يلزم نسبة السفه إلى الله تعالى لأنه يأمر الكافر بالإيمان ولا يريده منه] # (فصل) . # قال [الرافضي] الإمامي (2) : " ومنها أنه يلزم نسبة السفه (3) إلى الله ~~تعالى لأنه يأمر الكافر بالإيمان ولا يريده منه، وينهاه عن المعصية وقد ~~أرادها منه (4) ، وكل عاقل ينسب من يأمر (5) بما لا يريد (6) وينهى عما ~~يريد (7) إلى السفه، تعالى الله عن ذلك ". PageV03P179 # فيقال له: قد تقدم أن المحققين من أهل السنة يقولون: [إن] (1) الإرادة، ~~نوعان: إرادة الخلق وإرادة الأمر (2) فإرادة الأمر أن يريد من المأمور (3) ~~فعل ما أمر به، وإرادة الخلق أن يريد هو خلق ما يحدثه من أفعال العباد ~~وغيرها. والأمر مستلزم للإرادة الأولى دون الثانية. # والله تعالى أمر الكافر بما أراده منه بهذا الاعتبار، وهو ما (4) يحبه ~~ويرضاه، ونهاه عن المعصية التي لم يردها منه، [أي لم يحبها ولم يرضها بهذا ~~الاعتبار] (5) ، فإنه لا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد. وقد قال تعالى: ~~{إذ يبيتون ما لا يرضى من القول} [سورة النساء: 108] وإرادة (6) الخلق هي ~~المشيئة المستلزمة لوقوع المراد، فهذه الإرادة لا تتعلق إلا بالموجود، فما ~~شاء الله ms0642 كان وما لم يشأ لم يكن. وفرق بين أن يريد هو أن يفعل، فإن هذا ~~يكون لا محالة لأنه قادر على ما يريده، فإذا (7) اجتمعت الإرادة والقدرة ~~وجب وجود المراد، وبين أن يريد من غيره أن يفعل ذلك الغير فعلا (8) لنفسه، ~~فإن هذا (9) لا يلزم أن يعينه عليه. PageV03P180 # وأما طائفة من المثبتين للقدر فظنوا أن الإرادة نوع واحد، [وأنها (1) هي ~~المشيئة] (2) فقالوا: يأمر بما لا يريده (3) . # ثم هؤلاء على قسمين: فقسم قالوا: يأمر بما يحبه ويرضاه وإن لم يرده، أي ~~لم يشأ وجوده، وهذا مذهب جمهور القائلين بهذا القول من الفقهاء وغيرهم. # وقسم قالوا: بل المحبة والرضا هي الإرادة وهي المشيئة، فهو يأمر بما لم ~~يرده ولم يحبه ولم يرضه، وما وقع من الكفر والفسوق عند (4) هؤلاء أحبه ~~ورضيه (5) ، كما أراده وشاءه، ولكن يقولون (6) : لا يحبه ولا يرضاه دينا، ~~كما لا يريده دينا [ولا يشاؤه دينا] (7) ، ولا يحبه ولا يرضاه ممن لم يقع ~~منه، [كما لم يرده ممن لم يقع منه، ولم يشأه ممن لم يقع منه] (8) وهذا قول ~~الأشعري وأكثر أصحابه، وحكاه هو عن طائفة من أهل الإثبات، وحكي عنه كالقول ~~(9) الأول. # وأصحاب هذا القول هم القدرية (10) من المعتزلة والشيعة وغيرهم ~~PageV03P181 # يجعلون الرضا والمحبة بمعنى الإرادة، ثم قالت القدرية النفاة: والكفر ~~والفسوق والمعاصي لا يحبها ولا يرضاها (1) بالنص وإجماع الفقهاء، فلا ~~يريدها ولا يشاؤها (2) . # وقال هؤلاء المثبتة: هو شاء ذلك بالنص وإجماع السلف، فيكون قد أحبه ورضيه ~~وأراده. وأما جمهور الناس فيفرقون بين المشيئة والإرادة (3) وبين المحبة ~~والرضا، كما يوجد الفرق بينهما في الناس، فإن الإنسان قد يريد شرب الدواء ~~ونحوه من الأشياء الكريهة التي يبغضها ولا يحبها، ويحب أكل (4) الأشياء ~~التي يشتهيها، كاشتهاء المريض لما حمي عنه (5) ، واشتهاء الصائم الماء ~~البارد مع عطشه ولا يريد فعل ذلك (6) ، فقد تبين أنه يحب ما لا يريده ويريد ~~ما لا يحبه (7) ، وذلك أن المراد قد يراد لغيره، فيريد الأشياء المكروهة ~~لما في عاقبتها من الأشياء المحبوبة (8) ويكره فعل بعض ما يحبه ms0643 (9) لأنه ~~يفضي إلى ما يبغضه. # والله تعالى له الحكمة (10) فيما يخلقه، وهو سبحانه يحب المتقين ~~PageV03P182 # والمحسنين والتوابين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ويفرح بتوبة ~~التائب أعظم من فرح الفاقد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في مهلكة إذا ~~وجدها بعد الإياس (1) منها كما استفاضت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله ~~عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما من غير وجه، كقوله: " «لله أشد فرحا بتوبة ~~أحدكم من رجل أضل راحلته (2) بأرض دوية (3) مهلكة عليها طعامه وشرابه، ~~فطلبها فلم يجدها، فنام ينتظر الموت، فلما استيقظ إذا بدابته عليها طعامه ~~وشرابه، فالله أشد فرحا بتوبة عبده من هذا براحلته» " (4) . # والمتفلسفة (5) يعبرون بلفظ البهجة واللذة (6) والعشق ونحو ذلك عن الفرح ~~والمحبة وما يتبع ذلك، وإذا كان كذلك فهو سبحانه يريد وجود [بعض] الأشياء ~~(7) لإفضائها إلى ما يحبه ويرضاه، وهو سبحانه قد لا يفعل بعض ما يحبه لكونه ~~يستلزم وجود ما يكرهه ويبغضه، فهو سبحانه قادر على أن يخلق من كل نطفة رجلا ~~يجعله مؤمنا به (8) يحبه ويحب إيمانه، لكنه لم يفعل ذلك لما له في ذلك (9) ~~من الحكمة، وقد يعلم أن ذلك يفضي إلى ما يبغضه ويكرهه. PageV03P183 # وإذا قيل: فهلا يفعل هذا ويمنع ما يبغضه. # قيل: من الأشياء ما يكون ممتنعا لذاته، ومنها ما يكون ممتنعا لغيره، ~~واللذة (1) الحاصلة بالأكل لا تحصل هي ولا نوعها (2) بالشرب (3) والسماع ~~والشم، وإنما تحصل لذة أخرى. # ووجود لذة الأكل في الفم تنافي حصول لذة الشرب في تلك الحال، وتلذذ العبد ~~بسماع بعض (4) الأصوات يمنع تلذذه بسماع صوت آخر في تلك الحال، فليس كل ما ~~هو محبوب للعبد ولذيذ له يمكن اجتماعه في آن (5) واحد، بل لا يمكن حصول (6) ~~أحد الضدين إلا بتفويت الآخر، وما من شيء (7) مخلوق إلا له لوازم وأضداد، ~~فلا يوجد إلا بوجود لوازمه ومع عدم أضداده (8) والرب تعالى إذا كان يحب من ~~عبده أن يسافر للحج ويسافر للجهاد، فأيهما فعله (9) كان محبوبا له، لكن لا ~~يمكن في حال واحدة (10) أن يسافر العبد إلى الشرق وإلى الغرب ms0644 (11) ، بل لا ~~يمكن (12) حصول هذين المحبوبين جميعا في وقت واحد، فلا يحصل PageV03P184 # أحدهما إلا بتفويت الآخر، فإن كان الحج فرضا معينا، والجهاد تطوعا (1) ، ~~كان الحج أحبهما إليه (2) ، وإن كان كلاهما تطوعا أو فرضا، فالجهاد أحبهما ~~إليه، فهو [سبحانه] (3) يحب هذا المحبوب المتضمن تفويت ذلك المحبوب. وذلك ~~[أنه] (4) لو قدر وجوده بدون تفويت هذا المحبوب (5) لكان أيضا محبوبا، ولو ~~قدر وجوده بتفويت ما هو أحب إليه منه لكان محبوبا من وجه مكروها من وجه آخر ~~(6) أعلى منه. # وهو سبحانه إذا لم يقدر طاعة بعض الناس كان له في ذلك حكمة، كما أنه إذا ~~لم (7) يأمر هذا بأدنى (8) المحبوبين كان له في ذلك حكمة، والله تعالى على ~~كل شيء قدير. لكن اجتماع الضدين لا يدخل في عموم الأشياء، فإنه محال لذاته. # وهذا بمنزلة أن يقال: هلا أقدر (9) هذا العبد أن يسافر في هذه الساعة إلى ~~الغرب للحج وإلى (10) الشرق للجهاد؟ # فيقال: لأن (11) كون الجسم الواحد في مكانين محال لذاته (12) ، فلا ~~PageV03P185 # يمكن هذان السفران (1) في آن (2) واحد، وليس هذا بشيء حتى يقال: إنه ~~مقدر، بل هذا لا حقيقة له، وليس بشيء، بل هو أمر يتصوره (3) الذهن كتصوره ~~(4) لنظيره في الخارج، ليحكم (5) عليه بالامتناع في الخارج، وإلا فما يمكن ~~الذهن أن يتصور هذا [في] (6) الخارج، ولكن الذهن يتصور [اجتماع] (7) اللون ~~والطعم في محل واحد، كالحلاوة البيضاء [والبياض] (8) ، ثم يقدر الذهن في ~~نفسه (9) : هل يمكن أن يجتمع السواد والبياض في محل [واحد] (10) ، كاجتماع ~~اللون والطعم (11) ، فيعلم أن هذا الاجتماع ممتنع في الخارج، ويعلم أنه ~~يمكن أن زيدا قد يكون (12) في الشرق وعمرا في الغرب (13) ، ويقدر في ذهنه: ~~هل يمكن أن يكون زيد نفسه في هذين المكانين، كما كان هو وعمرو؟ فيعلم أن ~~هذا ممتنع. # فهذا (14) ونحوه كلام من جعل الإرادة نوعين ويفرق بين أحد نوعيها ~~PageV03P186 # وبين المحبة والرضا. وأما من يجعل الجميع نوعا واحدا فهو بين أمرين: إن ~~جعل الحب والرضا من هذا النوع لزمته (1) تلك المحاذير الشنيعة، وإن جعل ~~الحب والرضا نوعا لا يستلزم ms0645 الإرادة، وقال (2) : إنه قد يحب ويرضى ما لا ~~يريده بحال، وحينئذ فيكون مقصوده بقوله: " لا يريده " (3) أي لا يريد كونه ~~ووجوده، وإلا فهو عنده يحبه ويرضاه. # فهذا يجعل الإرادة هي المشيئة لأن يخلق. وهذا، وإن كان اصطلاح طائفة من ~~المنتسبين إلى السنة من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد، فهو خلاف ~~(4) استعمال الكتاب والسنة. وحينئذ فيكون النزاع معه لفظيا. وأحق الناس ~~بالصواب في المنازعات اللفظية من كان لفظه موافقا للفظ القرآن. # وقد تبين أن القرآن (5) جعل هذا النوع مرادا، فلا حاجة إلى إطلاق (6) ~~القول بأن الله يأمر بما لا يريده، ثم تبين (7) أن الإرادة نوعان، وأنه ~~يأمر [بما يشاؤه (8) فيأمر] (9) بما لا يريد أن يخلقه هو، ولا يأمر إلا بما ~~يحبه لعباده (10) ويرضاه لهم أن يفعلوه. PageV03P187 # ولو قال رجل (1) : " والله لأفعلن ما أوجب الله علي أو ما يحبه [الله] لي ~~(2) إن شاء الله " ولم يفعل، لم يحنث باتفاق الفقهاء. ولو قال: " والله ~~لأفعلن ما أوجب (3) الله علي إن كان الله يحبه ويرضاه " حنث إن (4) لم ~~يفعله بلا نزاع نعلمه (5) . # وعلى هذا فقد ظهر بطلان حجة المكذبين بالقدر، فإنه إذا قال: كل عاقل ينسب ~~من يأمر بما لا يريد وينهى عما يريد إلى السفه. قيل له: إذا أمر غيره بأمر ~~لم (6) يرد أن يفعله له: هل يكون سفيها (7) أم لا؟ # ومن المعلوم باتفاق العقلاء أن من أمر غيره بأمر، ولم يرد أن يفعل هو ذلك ~~الأمر (8) ولا يعينه عليه، لم يكن سفيها، بل أوامر الحكماء والعقلاء (9) ~~كلها من هذا الباب. # والطبيب إذا أمر المريض بشرب الدواء، لم يكن عليه أن يعاونه على شربه، ~~والمفتي إذا أمر المستفتي بما يجب عليه، لم يكن عليه أن يعاونه، والمشير ~~إذا أمر المستشير بتجارة أو فلاحة [أو نكاح] (10) ، لم يكن عليه أن يفعل هو ~~ذلك (11) . PageV03P188 # ومن كان يحب من غيره أن يفعل أمرا فأمره به، والآمر لا يساعده عليه، لما ~~في ذلك من المفسدة له، لم يكن سفيها (1) . # فظهر بطلان ما ذكره هذا وأمثاله من ms0646 القدرية. وكذلك من نهى غيره عما يريد ~~أن يفعله هو، لم يلزم أن يكون سفيها، فإنه [قد] (2) يكون مفسدة لذلك مصلحة ~~للناهي. فالمريض الذي يشرب المسهلات إذا نهى ابنه (3) الصغير عن شربها لم ~~يكن سفيها. # والحاوي (4) الذي يريد إمساك الحية إذا نهى ابنه عن إمساكها لم يكن ~~سفيها، والسابح في البحر إذا نهى العاجز عن السباحة لم يكن سفيها، والملك ~~الذي خرج لقتال عدوه إذا نهى نساءه عن الخروج معه لم يكن سفيها، ونظائر هذا ~~لا تحصى (5) . # [ولو نهى الناهي غيره عن فعل ما يضره فعله نصحا له، إذ لو كان مصلحة ~~الناهي (6) أن يفعله هو به؛ حمد على فعله، وحمد على نصحه، كما يوجد كثير من ~~الناس ينهون من ينصحونه عن فعل أشياء، وقد يطلبون فعلها منهم لمصلحتهم. ~~PageV03P189 # لكن المثل المطابق لفعل الرب من كل وجه لا يمكن في حق المخلوق، فإن الله ~~ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله. وقد سئل بعض الشيوخ ~~عن مثل (1) هذه المسائل فأنشد: # ويقبح من سواك الفعل عندي ... فتفعله فيحسن منك ذاكا # لكن المقصود أنه يمكن في المخلوق أمر الإنسان بما لا يريد أن (2) يعين ~~عليه المأمور، ونهيه عما يريد الناهي أن يفعله هو لمصلحته] (3) . # فتبين أن هذا القدري وأمثاله تكلموا بلفظ مجمل. فإذا قالوا: من أمر بما ~~لا يريد كان سفيها، أوهموا الناس أنه أمر بما لا يريد للمأمور أن يفعله. ~~والله لم يأمر العباد بما لم يرض لهم أن يفعلوه، [ولم يحب لهم أن يفعلوه] ~~(4) ، ولم يرد لهم أن يفعلوه بهذا المعنى، وإنما أمر بعضهم بما لم يرد هو ~~أن يخلقه لهم بمشيئته و [لم] يجعلهم فاعلين له (5) . ومن المعلوم أن الآمر ~~ليس عليه أن يجعل المأمور فاعلا للمأمور به، بل هذا (6) ممتنع عند القدرية. # وعند غيرهم هو قادر عليه، لكن له أن يفعله وله ألا يفعله. فعلى قول من ~~يثبت المشيئة دون الحكمة الغائية، يقول: هذا كسائر (7) الممكنات ~~PageV03P190 # إن شاء فعله وإن شاء لم يفعله ms0647، ومن أثبت الحكمة قال: له في أن لا يحدث ~~هذا حكمة، كما له في سائر ما لم يحدثه، وقد يكون في إحداث هذا مفسدة لغير ~~هذا المأمور أعظم من المصلحة الحاصلة له (1) ، وقد يكون في فعل هذا المأمور ~~تفويت مصلحة أعظم من المصلحة الحاصلة له، والحكيم هو الذي يقدم أعلى (2) ~~المصلحتين، ويدفع أعظم المفسدتين. # وليس على العباد أن يعلموا تفصيل حكمة الله تعالى، بل يكفيهم العلم العام ~~والإيمان التام (3) . # ومن جعل الإرادة نوعا واحدا، وإن كان [قوله] (4) مرجوحا، فهو خير من قول ~~نفاة القدر الذين يجعلون (5) الإرادة والمشيئة والمحبة شيئا واحدا، وزعموا ~~أنه يكون ما لا يشاؤه (6) [ويشاء ما لا يكون] (7) ، وذلك لأنه يقول: السفه ~~إنما يجوز على من يجوز عليه الأغراض، والأغراض (8) مستلزمة للحاجة إلى ~~الغير وللنقص (9) بدونها، وذلك على الله ممتنع، وهي في حق الله مستلزمة ~~للتسلسل وقيام الحوادث به، وهو ممتنع عند هذا الخصم. # فإذا كانت المعتزلة - والشيعة الموافقون لهم - يسلمون هذه الأصول ~~PageV03P191 # انقطعوا، وذلك ; لأنهم (1) إذا قالوا: يفعل لغرض. قيل لهم: نسبة وجود ~~الغرض (2) وعدمه إليه على السواء، أو وجود الغرض (3) أولى به. فإن قالوا: ~~هما على السواء، امتنع مع هذا أن يفعل لما وجوده وعدمه بالنسبة إليه سواء. ~~وهذا معدود من السفهاء فينا، وهذا هو العبث فينا. # فإن قالوا: فعل لنفع العباد. # قيل: الواحد من الناس إنما ينفع غيره لما له في ذلك من المصلحة في الدين ~~أو الدنيا. أما التذاذه بالإحسان إليه (4) ، كما يوجد في النفوس الكريمة ~~(5) التي إنما تلتذ (6) وتبتهج بالإحسان إلى غيرها، وهذا مصلحة ومنفعة لها. # وأما دفع ألم الرقة (7) عن نفسه، فإن الواحد إذا رأى جائعا بردان تألم له ~~فيعطيه، فيزول الألم عن نفسه. وزوال الألم منفعة [له] (8) ومصلحة، دع ما ~~سوى هذا من رجاء المدح والثناء والمكافأة، أو الأجر من الله [تعالى] (9) ~~فتلك مطالب منفصلة (10) ، ولكن هذان أمران موجودان في نفس الفاعل، فمن نفع ~~غيره، وكان (11) وجود النفع وعدمه بالنسبة إليه سواء من PageV03P192 # كل وجه، كان هذا من أسفه السفهاء ms0648 لو وجد (1) ، فكيف إذا كان ممتنعا؟ فإنه ~~يمتنع أن يفعل المختار شيئا حتى يترجح عنده، فيكون أن يفعله أحب إليه من أن ~~لا يفعله، وترجيح الأحب لذة ومنفعة. # فهؤلاء القدرية الذين يعللون بالغرض (2) هم (3) الذين يذكرون ما يمتنع أن ~~يكون غرضا (4) ، ولا يكون (5) إلا ممتنعا أو سفها، وإن أثبتوا (6) غرضا ~~قائما به، لزم أن يكون محلا للحوادث، وهم يحيلون ذلك. ثم الغرض إن كان لغرض ~~آخر لزم التسلسل، وهم يحيلونه في الماضي. ولهم في المستقبل قولان. وإن لم ~~يكن لغرض آخر جاز أن يحدث لا لغرض. فهذه الأصول التي اتفقوا عليها - هم ~~والمثبتون للقدر - هي حجة لأولئك عليهم (7) . ### | [فصل من نفى قيام الأمور الاختيارية بذات الرب تعالى لا بد أن يقول أقوالا متناقضة فاسدة] # [ (فصل) (8) # وفي الجملة من نفى قيام الأمور الاختيارية بذات الرب تعالى لا بد أن يقول ~~أقوالا متناقضة فاسدة. ولما (9) كانت الجهمية المجبرة والقدرية المعتزلة ~~PageV03P193 # قد اشتركوا في أنه لا يقوم بذاته شيء من ذلك، ثم تنازعوا بعد ذلك في ~~تعليل أفعاله وأحكامه (1) ، كان كل واحد من القولين يستلزم ما يبين فساده ~~وتناقضه. # فمثبتة التعليل تقول: من فعل لغير حكمة كان سفيها. وهذا إنما يعلم فيمن ~~(2) فعل لغير حكمة تعود إليه، وهم يزعمون أن البارئ فعل لا لحكمة تعود ~~إليه، فإن كان من (3) فعل لا لحكمة سفيها (4) لزمه (5) إثبات السفه، وإن لم ~~يكن سفيها تناقضوا، فإن ما أثبتوه من فعله لحكمة لا تعود إليه لا يعقل، ~~فضلا عن أن يكون حكيما. # وهذا نظير قولهم في صفاته وكلامه، فإنهم قالوا: لا يتكلم إلا بمشيئته (6) ~~وقدرته، ويمتنع أن يكون القرآن قديما، لما فيه من الأمور المنافية لقدمه. ~~وقالوا: المتكلم لا يعقل (7) إلا من تكلم بمشيئته وقدرته، دون من يكون ~~الكلام لازما لذاته لا يحصل بقدرته ومشيئته (8) . # فيقال لهم: وكذلك لا يعقل متكلم إلا من يقوم به الكلام. أما متكلم لا ~~يقوم به الكلام، أو مريد لا تقوم به الإرادة، أو عالم لا يقوم به العلم ~~فهذا لا يعقل، بل ms0649 هو خلاف المعقول. PageV03P194 # بل قولهم في الكلام يتضمن أن من قام به الكلام لا يكون متكلما ; لأن ~~المتكلم (1) هو الذي أحدث في غيره الكلام، وهذا خلاف المعقول. وكذلك قولهم ~~في رضاه وغضبه ومحبته وإرادته وغير ذلك: أنها لا تقوم بذاته، وإنما هي أمور ~~منفصلة عنه (2) ، فجعلوه موصوفا بأمور لا تقوم به، بل هي منفصلة عنه (3) ، ~~وهذا خلاف المعقول، ثم هو تناقض، فإنه (4) يلزمهم أن يوصف بكل ما يحدثه من ~~المخلوقات (5) ، حتى يوصف بكل كلام خلقه، فيكون ذلك كلامه. فإذا أنطق (6) ~~ما ينطقه من مخلوقاته، كان ذلك كلامه لا كلام من ينطقه (7) وهذا مبسوط في ~~موضعه. # والمقصود هنا أن كلامهم أنه يفعل لحكمة، يستلزم أن يكون وجود الحكمة أرجح ~~عنده من عدمها، أو أنها (8) تقوم به، وغير ذلك من اللوازم التي لا يعقل من ~~يفعل لحكمة إلا من يتصف بها. وإلا فإذا قدر أن نسبة جميع الحوادث إليه ~~سواء، وامتنع (9) أن يكون بعضها أرجح عنده من بعض، امتنع (10) أن يفعل ~~بعضها لأجل بعض. # ثم الجهمية المجبرة لما رأت فساد قول هؤلاء القدرية، وقد شاركوهم (11) ~~PageV03P195 # في ذلك الأصل، قالوا: يمتنع أن يفعل شيئا لأجل شيء أصلا، ويمتنع أن يكون ~~بعض الأشياء أحب إليه من بعض، ويمتنع أن يحب شيئا من مخلوقاته دون بعض، أو ~~يريد منها شيئا دون شيء، بل كل ما حدث فهو مراد له محبوب مرضي، سواء كان ~~كفرا أو إيمانا، أو حسنات أو سيئات، أو نبيا أو شيطانا. وكل ما لم يحدث فهو ~~ليس (1) محبوبا له ولا مرضيا له ولا مرادا، كما أنه لم يشأه، فعندهم ما شاء ~~الله كان وأحبه ورضيه وأراده، وما لم يشأه لم يكن ولا يحبه ولا يرضاه ولا ~~يريده. # وأولئك القدرية يقولون: كل ما أمر به فهو يشاؤه ويريده، كما أنه يحبه ~~ويرضاه، وما لم يأمر به لا يشاؤه (2) ولا يريده كما لا يحبه ولا يرضاه، بل ~~يكون في ملكه ما لا يشاء، ويشاء ما لا يكون. # ثم إن الجهمية المجبرة (3) إذا تلي عليهم ms0650 قوله تعالى: {والله لا يحب ~~الفساد} [سورة البقرة: 205] ، {ولا يرضى لعباده الكفر} [سورة الزمر: 7] ، ~~قالوا: معناه لا يحبه ولا يريده ولا يشاؤه ممن لم يوجد منه، أو لا يحبه ولا ~~يشاؤه ولا يريده دينا، بمعنى أنه لا يشاء أن يثيب صاحبه. # وأما ما وقع من الكفر والفسوق والعصيان فعندهم أنه يحبه ويرضاه كما يشاؤه ~~لكن لا يحب أن يثيب صاحبه، كما لا يشاء أن يثيبه، وعندهم يشاء تنعيم أقوام ~~وتعذيب آخرين لا بسبب ولا لحكمة (4) ، وليس في بعض PageV03P196 # المخلوقات قوى ولا طبائع كان بها الحادث، ولا فيها حكمة لأجلها كان ~~الحادث، ولا أمر بشيء لمعنى، ولا نهى عنه لمعنى، ولا اصطفى أحدا من ~~الملائكة والنبيين لمعنى فيه (1) ، ولا أباح الطيبات وحرم الخبائث لمعنى ~~أوجب كون هذا طيبا وهذا خبيثا، ولا أمر بقطع يد السارق لحفظ (2) أموال ~~الناس، ولا أمر بعقوبة قطاع الطريق المعتدين لدفع ظلم العباد بعضهم عن بعض، ~~ولا أنزل المطر لشرب الحيوان ولإنبات (3) النبات. # وهكذا يقولون في سائر ما خلقه، لكن يقولون إنه إذا وجد مع شيء منفعة أو ~~مضرة، فإنه خلق هذا مع هذا لا لأجله ولا به. وكذلك وجده (4) المأمور مقارنا ~~لهذا لا به ولا لأجله. والاقتران أجرى به العادة من غير حكمة ولا سبب، ~~ولهذا لم تكن الأعمال عندهم إلا مجرد علامات محضة وأمارات، لأجل ما جرت به ~~العادة من الاقتران، لا لحكمة ولا لسبب (5) ، وفي كل من القولين من التناقض ~~ما لا يكاد يحصى. # ولكن هذا الإمامي القدري لما أخذ يذكر تناقض أقوال أهل السنة مطلقا، بين ~~له (6) أن القدرية كلهم يعجزون عن إقامة الحجة على (7) مقابليهم من ~~المجبرة، كما تعجز الرافضة (8) عن إقامة الحجة على مقابليهم PageV03P197 # من الخوارج والنواصب، فضلا عن أن يقيموا الحجة على أهل الاستقامة ~~والاعتدال المتبعين للكتاب والسنة] (1) . # ولهذا نبهنا على [بعض] (2) ما في أقوالهم من التناقض والفساد (3) الذي لا ~~يكاد ينضبط (4) . والأشعري وغيره من متكلمة أهل (5) الإثبات انتدبوا لبيان ~~تناقضهم في أصولهم (6) وأوعبوا (7) في بيان تناقض أقوالهم (8) . # وحكاية الأشعري ms0651 مع الجبائي في الإخوة الثلاثة مشهورة، فإنهم يوجبون على ~~الله أن يفعل بكل عبد ما هو الأصلح له (9) في دينه. وأما في الدنيا ~~فالبغداديون من المعتزلة يوجبونه أيضا، والبصريون لا يوجبونه. # فقال له: إذا خلق الله ثلاثة إخوة، فمات أحدهم صغيرا، وبلغ الآخران: ~~أحدهما آمن، والآخر كفر، فأدخل المؤمن الجنة ورفع درجته، وأدخل الصغير ~~الجنة وجعل منزلته تحته. قال له الصغير: يا رب ارفعني إلى درجة أخي. قال: ~~إنك لست مثله ; إنه آمن وعمل الصالحات (10) ، PageV03P198 # وأنت صغير (1) لم تعمل عمله. قال: يا رب أنت (2) أمتني، فلو [كنت] ~~أبقيتني كنت أعمل (3) مثل عمله (4) . فقال: عملت مصلحتك ; لأني علمت أنك لو ~~بلغت لكفرت، فلهذا اخترمتك. فصاح الثالث من أطباق النار، وقال يا رب هلا ~~اخترمتني (5) قبل البلوغ كما اخترمت أخي الصغير؟ فإن هذا كان مصلحة (6) في ~~حقي أيضا. # فيقال (7) : إنه لما أورد عليه هذا انقطع (8) . وذلك أنهم يوجبون عليه ~~العدل بين المتماثلين وأن يفعل بكل واحد منهما ما هو أصلح (9) ، وهنا (10) ~~قد فعل [بأحدهما ما هو] (11) الأصلح عندهم دون الآخر. وليس هذا موضع بسط ~~ذلك. # وإذا كان الأمر كذلك بطل تشبيههم لله بخلقه، وقال لهم هؤلاء: PageV03P199 # نحن وأنتم قد اتفقنا على أن فعل الله لا يقاس (1) على فعل (2) خلقه، وإنا ~~وإياكم نثبت فاعلا يفعل شيئا منفصلا عن نفسه، بدون شيء حادث في نفسه، وهذا ~~غير معقول في الشاهد (3) ، (* ونثبت (4) فاعلا لم يزل غير فاعل حتى فعل من ~~غير تجدد شيء، وهذا غير معقول في الشاهد *) (5) . # وأنتم تثبتون من الغرض ما ثبت فاعلا لم يزل غير فاعل حتى فعل من غير تجدد ~~شيء، وهذا غير معقول في الشاهد. وأنتم تثبتون من الغرض ما لا يعقل في ~~الشاهد، وتدعون بذلك أنكم (6) تنفون عنه (7) السفه وتجعلونه حكيما، والذي ~~تذكرونه هو السفه (8) المعقول في الشاهد المخالف للحكمة. # وإذا كان كذلك فقولكم (9) : إن كل عاقل ينسب من يأمر بما لا يريده وينهى ~~عما يريده - إلى السفه، تعالى الله عن ذلك. # فيقال لكم (10) : إن كان هذا الفاعل من ms0652 المخلوقين، فلم قلتم: إن الخالق ~~كذلك، مع ما اتفقنا عليه من الفرق بينهما؟ والمخلوق محتاج إلى PageV03P200 # جلب المنفعة ودفع المضرة، والله تعالى [منزه] (1) عن ذلك، والعبد مأمور ~~منهي، والله منزه عن ذلك. # فهذه (2) القضية إن أخذتموها كلية يدخل فيها الخالق، منعنا الإجماع (3) ~~المحكي عن العقلاء. وإن أخذتموها في المخلوق لتقيسوا به الخالق، كان هذا ~~قياسا فاسدا، فلا يصح معكم هذا القياس، لا على أنه قياس شمول ولا على أنه ~~قياس تمثيل. # وقد أجابهم الأشعري بجواب آخر (4) ، فقال: لا نسلم أن أمر الإنسان بما لا ~~يريده (5) سفه (6) مطلقا، بل قد يكون حكمة، إذا كان مقصوده امتحان المأمور ~~ليبين (7) عذره عند الناس في عقابه، مثل من يكون له عبد يعصيه فيعاقبه، ~~فيلام على عقوبته، فيعتذر (8) بأن هذا يعصيني، فيطلب (9) منه تحقيق ذلك، ~~فيأمر أمر امتحان، وهو [هنا] (10) لا يريد أن يفعل المأمور به، بل يريد أن ~~يعصيه ليظهر عذره في عقابه. # وأثبت بهذا أيضا كلام النفس الذي يثبته، وأن الطلب القائم بالنفس ~~PageV03P201 # ليس هو الإرادة ولا مستلزما لها، كما أثبت معنى الخبر: أنه ليس هو العلم ~~بإخبار الكاذب، فاعتمد على أمر الممتحن وخبر الكاذب. # لكن جمهور أهل السنة لم يرضوا بهذا الجواب، فإن هذا في الحقيقة ليس هو ~~أمرا، وإنما هو إظهار أمر. وكذلك خبر الكاذب هو قال بلسانه (1) ما ليس في ~~قلبه، فخبر الكاذب ليس خبرا عما في نفسه، بل هو إظهار الخبر [عما] (2) في ~~نفسه، فصار (3) أمر الممتحن كأمر الهازل الذي لا يعلم المأمور هزله (4) ، ~~ونظائر ذلك. # ولهذا إذا عرف المأمور حقيقة (5) أمر الممتحن [ليعاقبه] (6) ، وأنه ليس ~~مراده إلا أن يعصيه، فإنه يطيعه في هذه الحال. # والممتحن نوعان: نوع قصده أن يعصيه المأمور ليعاقبه، مثل هذا المثال (7) ~~. ونوع مراده طاعة المأمور وانقياده (8) لأمره، لا نفس (9) الفعل المأمور ~~به، كأمر الله سبحانه وتعالى (10) للخليل صلى الله عليه وسلم بذبح ابنه، ~~وكان المراد طاعة إبراهيم وبذل ذبح ابنه في محبة الله (11) ، وأن يكون ~~PageV03P202 # طاعة الله ومحبوبه ومراده (1) أحب إليه من الابن، فلما ms0653 حصل هذا المراد، ~~فداه الله بالذبح العظيم. # كما قال تعالى: {فلما أسلما وتله للجبين - وناديناه أن ياإبراهيم - قد ~~صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين - إن هذا لهو البلاء المبين - وفديناه ~~بذبح عظيم} [سورة الصافات: 103، 107] . # وتصور هذه المعاني نافع جدا في هذا الباب، الذي كثر فيه الاضطراب (2) . ### | فصل كلام الرافضي على الرضا بقضاء الله وقدره والرد عليه # (فصل) قال الإمامي القدري (3) : " ومنها أنه يلزم عدم الرضا بقضاء الله ~~تعالى، والرضا بقضائه وقدره (4) واجب، فلو كان الكفر بقضاء الله تعالى ~~وقدره (5) وجب علينا الرضا به (6) ، لكن لا يجوز الرضا بالكفر ". # والجواب عن هذا من وجوه: # أحدها: جواب كثير من أهل الإثبات أنا لا نسلم بأن الرضا (7) PageV03P203 # واجب بكل المقضيات (1) ، [ولا دليل على وجوب ذلك] (2) . # وقد تنازع الناس في الرضا بالفقر والمرض والذل [ونحوها] (3) ، هل هو ~~مستحب أو واجب؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره. وأكثر العلماء على أن الرضا ~~بذلك مستحب وليس بواجب، لأن الله أثنى على أهل الرضا بقوله: {رضي الله عنهم ~~ورضوا عنه} [سورة البينة: 8] ، وإنما أوجب الله الصبر (4) ، فإنه أمر به في ~~غير آية، ولم يأمر بالرضا بالمقدور، ولكن أمر بالرضا بالمشروع. # فالمأمور به يجب الرضا به، كما في قوله تعالى: {ولو أنهم رضوا ما آتاهم ~~الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله ~~راغبون} [سورة التوبة: 59] . # والقول الثاني: إنه واجب ; لأن ذلك من تمام رضاه بالله (5) ربا، ~~وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، ولما روي: " «من لم يرض ~~(6) بقضائي، ولم يصبر على بلوائي (7) ، فليتخذ ربا سوائي» (8) ". ~~PageV03P204 # لكن هذا لا تقوم به الحجة ; لأن هذا لا يعرف (1) ثبوته عن الله [عز وجل] ~~(2) . وأما الرضا بالله [ربا] (3) ، وبالإسلام دينا، وبمحمد [صلى الله ~~تعالى عليه وسلم] (4) نبيا فهو واجب. وهذا هو الرضا الذي دل عليه الكتاب ~~والسنة. # وأما الرضا بكل ما يخلقه الله ويقدره فلم يدل عليه كتاب ولا سنة، ولا ~~قاله أحد من السلف، بل قد أخبر الله تعالى أنه لا يرضى بأمور ms0654 مع أنها ~~مخلوقة، كقوله: {ولا يرضى لعباده الكفر} [سورة النساء:] ، وقوله (5) : {إذ ~~يبيتون ما لا يرضى من القول} [سورة النساء: 108] . # وقد بسطنا الكلام [على هذا] (6) في مصنف مفرد في الرضا بالقضاء، وكيف ~~تحزب الناس فيه أحزابا، حزب زعموا (7) أنهم يرضون بما حرم الله لأنه من ~~القضاء، وحزب ينكرون قضاء الله وقدره لئلا يلزمهم الرضا به، وكلا الطائفتين ~~بنت ذلك على أن (8) الرضا بكل ما خلقه الله مأمور به. وليس الأمر كذلك، بل ~~هو سبحانه يكره [ويبغض] (9) ويمقت كثيرا من الحوادث، وقد أمرنا الله أن ~~نكرهها ونبغضها. PageV03P205 # الوجه الثاني: أن يقال: الرضا يشرع بما يرضى الله به، والله قد أخبر أنه: ~~{لا يحب الفساد} [سورة البقرة: 205] ، {ولا يرضى لعباده الكفر} [سورة ~~النساء:] ، وقد قال تعالى: {إذ يبيتون ما لا يرضى من القول} [سورة النساء: ~~108] ، وهذا أمر موجود من أقوال العباد، وقد أخبر الله أنه لا يرضاه، فإذا ~~لم يرضه كيف يأمر العبد بأن (1) يرضاه؟ بل الواجب أن العبد يسخط ما يسخطه ~~الله (2) ، ويبغض ما يبغضه (3) الله، ويرضى بما يرضاه الله. # قال الله تعالى: {ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط ~~أعمالهم} [سورة محمد: 28] فذم (4) من اتبع مساخطه (5) وكره مراضيه، ولم يذم ~~من كره مساخطه واتبع مراضيه. # فإذا قال: فكيف (6) يكون الله ساخطا مبغضا (7) لما قدره وقضاه؟ قيل: نعم ~~كما تقدم (8) . أما على طريقة الأكثرين [فلأن المقضي شيء كونه (9) ، وعندهم ~~البغض مغاير للإرادة. وأما على طريقة الأقلين] (10) فإنهم يقولون: ~~PageV03P206 # سخطه له وبغضه (1) هو إرادته عقوبة (2) فاعله، فقد أراد أن يكون سببا ~~لعقوبة فاعله. وأما نحن فمأمورون بأن نكره ما ينهى عنه (3) . لكن الجواب ~~على هذا [القول] (4) يعود إلى (5) الجواب الأول، فإن نفس ما أراده الله ~~وأحبه ورضيه عند هؤلاء، قد أمر العبد بأن يكرهه ويبغضه ويسخطه (6) ، فهؤلاء ~~يقولون: ليس كل مقدور مقضي مأمورا يرضى به (7) . # الوجه الثالث: أن يقال: قد تقدم أن الله سبحانه وتعالى يفعل ما يفعله لما ~~له في ذلك من الحكمة، وأن ما يضر الناس من المعاصي ms0655 والعقوبات يخلقها لما له ~~في ذلك من الحكمة (8) والإنسان قد يفعل ما يكرهه، كشربه (9) الدواء الكريه ~~لما [له] (10) فيه من الحكمة التي يحبها كالصحة والعافية، فشرب الدواء ~~مكروه من وجه محبوب من وجه، فالعبد يوافق ربه فيكره (11) PageV03P207 # الذنوب ويمقتها ويبغضها ; لأن الله يبغضها ويمقتها، ويرضى بالحكمة التي ~~خلقها الله لأجلها، فهي من جهة فعل العبد لها مكروهة مسخوطة، ومن جهة خلق ~~الرب لها محبوبة مرضية ; لأن الله خلقها لما له في ذلك من الحكمة. والعبد ~~فعلها وهي ضارة له موجبة له العذاب، فنحن ننكرها ونكرهها وننهى عنها كما ~~أمرنا (1) الله بذلك، إذ كان هو أيضا [سبحانه] (2) ، يسخطها ويبغضها، ونعلم ~~أن الله أحدثها لما له في ذلك من الحكمة، فنرضى (3) بقضائه وقدره. فمتى ~~لحظنا أن الله قضاها وقدرها رضينا عن الله وسلمنا لحكمه (4) . وأما من جهة ~~كون العبد يفعلها، فلا بد أن نكره ذلك وننهى عنه ونجتهد (5) في دفعه (6) ~~بحسب إمكاننا، فإن هذا هو الذي يحبه الله منا. # والله تعالى إذا أرسل الكافرين على المسلمين (7) ، فعلينا أن نرضى بقضاء ~~الله في إرسالهم، وعلينا أن نجتهد في دفعهم وقتالهم. وأحد الأمرين لا ينافي ~~الآخر وهو سبحانه خلق الفأرة والحية والكلب العقور، وأمرنا بقتل ذلك، فنحن ~~نرضى عن الله إذ خلق ذلك، ونعلم أن له في ذلك حكمة، ونقتلهم (8) كما أمرنا، ~~فإن الله يحب ذلك ويرضاه. PageV03P208 # وقد أجاب بعضهم بجواب آخر: وهو أنا نرضى بالقضاء لا بالمقضي. وقد أجاب ~~بعضهم [بجواب آخر] : أنا نرضى بها من جهة كونها (1) خلقا، ونسخطها من جهة ~~(2) كونها كسبا. # وهذا يرجع إلى الجواب الثالث، لكن إثبات الكسب إذا لم يجعل العبد فاعلا - ~~فيه كلام قد ذكر في غير هذا الموضع (3) . # فالذين جعلوا العبد كاسبا غير فاعل من أتباع الجهم [بن صفوان] (4) وحسين ~~النجار، وأبي الحسن [الأشعري] وغيرهم (5) ، كلامهم متناقض ; ولهذا لم ~~يمكنهم أن يذكروا في بيان هذا الكسب والفرق بينه وبين الفعل كلاما معقولا، ~~بل تارة يقولون: هو (6) المقدور بالقدرة الحادثة، وتارة يقولون: ما قام ~~بمحل القدرة أو ms0656 بمحل القدرة (7) الحادثة. # وإذا قيل لهم: ما القدرة الحادثة؟ # قالوا: ما قامت بمحل الكسب، ونحو ذلك (8) من العبارات التي PageV03P209 # تستلزم الدور. ثم يقولون: معلوم (1) بالاضطرار الفرق بين حركة المختار ~~وحركة المرتعش. وهذا كلام صحيح، لكنه حجة عليهم لا لهم، فإن هذا الفرق ~~يمتنع أن يعود إلى كون أحدهما مرادا دون الآخر، إذ يمكن الإنسان أن يريد ~~فعل غيره، فرجع الفرق إلى أن للعبد على أحدهما قدرة يحصل بها الفعل دون ~~الآخر، والفعل هو الكسب، لا يعقل شيئان في المحل، أحدهما فعل، والآخر كسب. ### | [فصل من كلام الرافضي عن القدر عند أهل السنة " ومنها أنه يلزم أن نستعيذ بإبليس من الله تعالى " والرد عليه] # (فصل) # قال [الرافضي] : (2) " ومنها أنه يلزم (3) أن نستعيذ (4) بإبليس من الله ~~تعالى، ولا يحسن قوله تعالى: {فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [سورة ~~النحل: 98] لأنهم نزهوا إبليس (* والكافر من (5) المعاصي، وأضافوها إلى ~~الله تعالى. فيكون الله تعالى على المكلفين شرا من إبليس *) (6) عليهم، ~~تعالى الله عن ذلك ". # فيقال: هذا كلام ساقط (7) ، وذلك من وجوه: PageV03P210 # أحدها: إما أن يكون لإبليس فعل، وإما أن لا يكون له (1) فعل. فإن لم يكن ~~له فعل امتنع أن يستعاذ به، فإنه حينئذ لا يعيذ أحدا ولا يفعل شيئا. وإن ~~كان له فعل بطل تنزيهه عن المعاصي، فعلم أن هذا الاعتراض ساقط على قول ~~مثبتة القدر ونفاته، وهو إيراد من غفل عن القولين، وكذلك (2) بتقدير أن لا ~~يكون لإبليس فعل، فلا يكون منه (3) شر حتى يقال: إن غيره شر منه، فضلا عن ~~أن (4) يقال: إن الله [تعالى] (5) شر من إبليس (6) . # فدعوى هذا أن هؤلاء يلزمهم أن يكون (7) الله شرا عليهم من إبليس - دعوى ~~باطلة، إذ غاية ما يقوله القائل هو الجبر المحض (8) ، كما يحكى عن الجهم ~~وشيعته، وغاية ذلك أن لا يكون (9) لإبليس ولا غيره قدرة ولا مشيئة ولا فعل، ~~بل تكون حركته كحركة الهواء (10) ، وعلى هذا التقدير فلا يكون منه لا خير ~~ولا شر، والله تعالى هو الخالق لهذا كله، فكيف يقال على ms0657 هذا التقدير (11) ~~إن بعض مخلوقاته شر منه. PageV03P211 # الثاني: أن يقال إنما تحسن الاستعاذة بإبليس لو كان يمكنه أن يعيذهم من ~~الله، سواء كان الله خالقا لأفعال العباد أو لم يكن. وهؤلاء القدرية، ~~كالمصنف وأمثاله هم (1) مع قولهم: إن إبليس يفعل ما لا يقدره الله (2) ، ~~ويفعل بدون مشيئة الله ويكون في ملك الله ما لا يشاؤه (3) ، وإن الله لا ~~يقدر (* على أن يحرك إبليس ولا غيره من الأحياء، ولا ينقلهم من عمل إلى ~~عمل: لا من خير إلى شر، ولا من شر إلى خير، فهم مسلمون (4) مع هذا *) (5) ~~القول والفعل والتسليط الذي أثبتوه لإبليس (6) من دون الله - أن إبليس لا ~~يقدر أن يجير (7) على الله، ولا يعيذ أحدا منه، فامتنع على هذا أن يستعاذ ~~به، ولو قدر - والعياذ بالله - ما ألزموه من كون غير إبليس شرا منه على ~~الخلق لكنه مع هذا عاجز عن دفع (8) قضاء الله وقدره، فكان المستعيذ به، بل ~~بسائر المخلوقين مخذولا. # كما قال تعالى: {لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا} [سورة ~~الإسراء: 22] وقال تعالى: {قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه ~~إن كنتم تعلمون - سيقولون لله قل فأنى تسحرون} [سورة PageV03P212 # المؤمنون: 88، 89] ، وقال تعالى: {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء ~~كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون} ~~[سورة العنكبوت: 41] . # [الوجه] (1) الثالث: أنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ~~أنه كان يقول [في سجوده] (2) : " «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك ~~من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» ". (3) . ~~[وروي أنه كان يقول هذا في الوتر أيضا] (4) فإذا كان صلى الله عليه وسلم قد ~~استعاذ ببعض صفاته وأفعاله من بعض، حتى استعاذ به منه، فأي امتناع أن (5) ~~يستعاذ به من بعض مخلوقاته؟ # الوجه الرابع: أن يقال: أهل السنة لا ينكرون أن يكون دعاء العبد ~~PageV03P213 # لربه واستعاذته به سببا لنيل المطلوب ودفع المرهوب، كالأعمال الصالحة ~~التي أمروا بها ms0658، فهم إذا استعاذوا بالله (1) من الشيطان، كان نفس استعاذتهم ~~به سببا (2) لأن يعيذهم من الشيطان. وقد يوجد في بعض (3) المخلوقين من ~~الظلمة القادرين (4) من يأمر بضرر (5) غيره ظلما وعدوانا، فإذا استجار به ~~مستجير وذل له؛ دفع عنه ذلك الظالم الذي أمره هو بظلمه. ولله المثل الأعلى، ~~وهو المنزه عن الظلم، وهو أرحم الراحمين، [وهو أرحم بعباده] (6) من الوالدة ~~بولدها، فكيف يمتنع أن يستعاذ به من شر أسباب الشر التي قضاها بحكمته؟ # الوجه الخامس: أن يقال: هذا الاعتراض باطل على طريقة الطائفتين. أما من ~~لا يقول بالحكمة والعلة، فإنه يقول: إن الله خلق إبليس الضار لعباده، وجعل ~~استعاذة العباد (7) به منه طريقا إلى دفع ضرره، كما جعل إطفاء النار طريقا ~~إلى دفع حريقها، وكما جعل الترياق طريقا إلى دفع ضرر السم. وهو سبحانه خلق ~~النافع والضار (8) ، وأمر العباد أن يستعملوا ما ينفعهم، ويدفعوا به ما ~~يضرهم. ثم إن أعانهم على فعل ما أمرهم به كان محسنا إليهم، وإلا فله أن ~~يفعل ما يشاء، ويحكم PageV03P214 # ما يريد، إذ لا مالك فوقه، ولا آمر له، ولم يتصرف في ملك غيره، ولم يعص ~~أمرا مطاعا. # وأما على الطريقة الثانية المثبتة للحكمة، فإنهم يقولون: خلق الله إبليس ~~كما خلق الحيات والعقارب والنار وغير ذلك، لما في خلقه ذلك من الحكمة. وقد ~~أمرنا أن ندفع الضرر عنا بكل ما نقدر عليه، ومن أعظم الأسباب استعاذتنا به ~~[منه] ، فهو الحكيم (1) (2 في خلق إبليس وغيره، وهو الحكيم في أمرنا ~~بالاستعاذة به [منه] (2) ، وهو الحكيم (3) 2) إذ (4) جعلنا نستعيذ به، وهو ~~الحكيم في إعاذتنا منه، وهو الحكيم بنا في ذلك كله، المحسن إلينا المتفضل ~~علينا، إذ هو أرحم بنا من الوالدة بولدها (5) إذ هو (6) الخالق لتلك ~~الرحمة، فخالق الرحمة أولى بالرحمة من الرحماء. # الوجه (7) السادس: قوله: " لأنهم نزهوا إبليس والكافر (8) من المعاصي، ~~وأضافوها إلى الله، [إلى آخره] " (9) - فرية عليهم، فإنهم متفقون على أن ~~العاصي هو المتصف بالمعصية، المذموم عليها PageV03P215 # المعاقب عليها. والأفعال يتصف (1) بها (* من قامت به لا من خلقها ms0659، وإذا ~~كان ما لا يتعلق بالإرادة، كالطعوم والألوان، يوصف بها *) (2) محالها لا ~~خالقها في محالها، فكيف تكون الأفعال الاختيارية؟ # والله تعالى إذا خلق الفواسق: كالحية والعقرب والكلب العقور، وجعل هذه ~~الفواسق فواسق، هل يكون هو سبحانه موصوفا بذلك؟ وإذا خلق الخبائث: كالعذرة ~~والدم والخمر، وجعل الخبيث خبيثا، هل يكون متصفا بذلك؟ وأين (3) إضافة ~~الصفة إلى الموصوف بها التي قامت به، من إضافة المخلوق إلى خالقه؟ فمن لم ~~يفهم هذا الفرقان (4) فقد سلب خاصية الإنسان. # [الوجه] (5) السابع: أن الله تعالى قد أمرنا أن نستعيذ من عذاب جهنم، ~~وعذاب (6) القبر، وغير ذلك من مخلوقاته التي هي مخلوقاته (7) باتفاق ~~المسلمين، فعلم أنه لا يمتنع أن نستعيذ (8) مما خلقه من الشر (9) كما قال ~~تعالى: {قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق} [سورة الفلق: 1، 2] ، ولا فرق [في ~~ذلك] (10) بين إبليس وغيره. PageV03P216 ### | [فصل من كلام الرافضي قوله: لا يبقى وثوق بوعد الله ووعيده] # (فصل) # قال [الرافضي] : (1) " ومنها أنه (2) لا يبقى وثوق بوعد الله ووعيده، ~~لأنهم إذا جوزوا استناد (3) الكذب في العالم إليه، جاز أن يكذب في إخباراته ~~كلها، فتنتفي فائدة بعثة الأنبياء (4) ، بل (5) وجاز منه إرسال الكذاب (6) ~~، فلا يبقى لنا طريق إلى تمييز الصادق من الأنبياء والكاذب ". # والجواب عن هذا من وجوه: # أحدها (7) : أنه تقدم غير مرة أنه فرق (8) بين ما خلقه صفة لغيره، وبين ~~ما اتصف هو [به] (9) في نفسه، وفرق بين إضافة المخلوق إلى خالقه، وإضافة ~~الصفة إلى الموصوف بها. # وهذا الفرق معلوم باتفاق العقلاء، فإنه إذا خلق (10) لغيره حركة لم يكن ~~PageV03P217 # هو المتحرك بها (1) ، وإذا خلق للرعد صوتا لم يكن هو المتصف بذلك الصوت، ~~وإذا خلق الألوان في النباتات والحيوانات والجمادات لم يكن هو المتصف بتلك ~~الألوان، وإذا خلق في غيره علما وقدرة وحياة لم تكن تلك المخلوقات في غيره ~~صفات له، وإذا خلق في غيره عمى وصمما وبكما لم يكن هو الموصوف بذلك العمى ~~(2) والبكم والصمم، وإذا خلق في غيره خبثا أو فسوقا لم يكن هو المتصف بذلك ~~الخبث والفسوق، وإذا ms0660 خلق في غيره كذبا وكفرا لم يكن هو المتصف بذلك الكذب ~~وبذلك الكفر، كما أنه إذا قدر أنه (3) خلق فيه طوافا وسعيا ورمي جمار ~~وصياما وركوعا وسجودا، لم يكن هو الطائف الساعي الراكع الساجد الرامي بتلك ~~الحجارة (4) . # وقوله تعالى: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} [سورة الأنفال: 17] ~~معناه: ما أصبت إذ حذفت ولكن الله هو الذي أصاب، فالمضاف إليه الحذف باليد، ~~والمضاف إلى الله تعالى الإيصال إلى العدو وإصابتهم به، وليس المراد بذلك ~~ما يظنه بعض الناس أنه لما خلق الرامي [والرمي] (5) ، قالوا (6) : كان هو ~~الرامي في الحقيقة، فإن ذلك لو كان صحيحا لكونه خالقا لرميه لاطرد ذلك في ~~سائر الأفعال، فكان يقول: PageV03P218 # وما مشيت [إذا مشيت] (1) ولكن الله مشى، وما لطمت ولكن الله لطم، وما ~~طعنت ولكن الله طعن، وما ضربت بالسيف ولكن الله ضرب، وما ركبت الفرس (2) ~~ولكن الله ركب، وما صمت، وما صليت، وما حججت (3) ، ولكن الله صام وصلى وحج. # ومن المعلوم بالضرورة (4) بطلان هذا كله، وهذا (5) من غلو المثبتين ~~للقدر. ولهذا يروى عن عثمان بن عفان [رضي الله عنه] (6) أنهم (7) كانوا ~~يرمونه بالحجارة لما حصر (8) ، فقال لهم: لماذا ترمونني؟ (9) فقالوا: ما ~~رميناك ولكن الله رماك. فقال: لو أن الله رماني لأصابني، ولكن أنتم ترمونني ~~وتخطئونني. # وهذا مما احتج به القدرية النفاة على أن الصحابة لم يكونوا يقولون: إن ~~الله خالق أفعال العباد. كما احتج بعض المثبتة (10) بقوله تعالى: {ولكن ~~الله رمى} [سورة الأنفال: 17] وكلاهما خطأ. فإن الله إذا خلق في ~~PageV03P219 # عبد (1) فعلا، لم يجب أن يكون ذلك المخلوق صوابا من العبد، كما أنه إذا ~~خلق في الجسم طعما أو ريحا، لم يجب أن يكون [ذلك] (2) طيبا، وإذا خلق للعبد ~~عينين (3) ولسانا، لم يجب أن يكون بصيرا ناطقا. فاستناد الكذب الذي في ~~الناس، كاستناد جميع ما يكون في المخلوقين (4) من الصفات القبيحة والأحوال ~~المذمومة وذلك لا يقتضي أنه في نفسه مذموم، ولا أنه موصوف بتلك الصفات. ~~ولكن لفظ " الاستناد " لفظ مجمل. أتراه [أنه] (5) إذا استند إليه ms0661 العجز ~~المخلوق في الناس لكونه خالقه، يكون هو عاجزا؟ فهذا مما يبين فساد هذه ~~الحجة (6) . # [الوجه] (7) الثاني: أنهم يجوزون أنه يخلق القدرة على الكذب مع علمه بأن ~~(8) صاحبها يكذب، ويخلق القدرة على الظلم والفواحش مع علمه أن صاحبها يظلم ~~ويفحش. ومعلوم أن الواحد منا (9) يجري تمكينه من القبائح وإعانته عليها ~~مجرى فعله لها، فمن أعان غيره على الكذب بإعطاء أمور (10) يستعين بها على ~~الكذب، كان بمنزلة الكذب (11) في القبح، PageV03P220 # فلا يجوز لنا أن نعين على إثم و [لا] عدوان (1) ، كما نهى (2) الله عن ~~ذلك. فإن كان ما قبح منه قبح منا، فيلزم أن يجوزوا عليه إذا أعان على الكذب ~~أن يكذب، ويلزمهم (3) المحذور. # فإن قالوا: إنما أعطاه القدرة ليطيع لا ليعصي. # قيل: إذا كان عالما بأنه يعصي كان بمنزلة من يعطي (4) الرجل سيفا ليقاتل ~~به الكفار مع علمه بأنه يقتل به نبيا، وهذا لا يجوز في حقنا، فإن من فعل ~~فعلا لغرض مع علمه بأن الغرض (5) لا يحصل به كان سفيها فينا، والله تعالى ~~منزه عن ذلك. فعلم أن حكمه في أفعاله مخالف لأفعال عباده (6) ، وإن عللوا ~~ذلك بعلة يمكن استقامتها. قيل لهم: وكذلك ما يخلقه في غيره له حكمة، كما ~~للإعانة عليه بالقدرة حكمة. # الوجه الثالث: أن يقال: ليس كل ما كان قادرا عليه وهو ممكن نشك في وقوعه، ~~بل نحن نعلم بالضرورة أنه لا يفعل أشياء مع أنه قادر عليها وهي ممكنة. ~~فنعلم أنه لا يقلب البحار أدهانا، ولا الجبال يواقيت، ولا يمسخ جميع ~~الآدميين (7) ثعالب، ولا يجعل الشمس والقمر عودي ريحان، وأمثال هذه الأمور ~~التي لا تحصى. وعلمنا بأن الله منزه عن الكذب وأنه يمتنع عليه - أعظم من ~~علمنا بهذا. PageV03P221 # [الوجه] (1) الرابع: أنا نقول: نحن نعلم أن الله موصوف (2) بصفات الكمال، ~~وأن كل كمال ثبت (3) لموجود فهو أحق به، وكل نقص تنزه (4) عنه موجود فهو ~~أحق بالتنزيه عنه. ونحن نعلم (5) أن الحياة والعلم والقدرة صفات كمال، ~~فالرب تعالى أحق أن يتصف بها من العباد. وكذلك الصدق هو ms0662 صفة كمال، فهو أحق ~~بالاتصاف به من كل من اتصف به، كما قال تعالى: {الله لا إله إلا هو ~~ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا} [سورة ~~النساء: 87] . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته: " «إن أصدق ~~الكلام كلام الله» " (6) . # [الوجه] (7) الخامس: أن يقال: [قد] (8) اتفق السلف وأتباعهم على أن كلام ~~الله غير مخلوق بل قائم به. ثم تنازعوا: هل يتكلم بمشيئته وقدرته؟ ~~PageV03P222 # على قولين [معروفين] . فالأول (1) : قول السلف والجمهور. والثاني: قول ~~ابن كلاب ومن تبعه (2) . # ثم تنازع أتباع ابن كلاب هل القديم الذي لا يتعلق بمشيئته (* وقدرته معنى ~~قائم [بذاته] (3) ، أو حروف (4) ، أو حروف وأصوات أزلية؟ على قولين. [كما ~~قد بسط في موضعه] (5) . # وإذا كان كذلك فمن قال: إنه لا يتعلق بمشيئته امتنع أن يقوم به غير *) ~~(6) ما اتصف به، والصدق عندهم هو العلم أو معنى يستلزمه العلم (7) . ومعلوم ~~أن علمه من لوازم ذاته، ولوازم العلم من لوازم ذاته، فيكون الصدق من لوازم ~~ذاته (8) ، فيمتنع اتصافه بنقيضه، فإن لازم الذات القديمة الواجبة بنفسها ~~يمتنع (9) عدمه كما يمتنع عدمها، فإن عدم اللازم يقتضي عدم الملزوم. وأيضا ~~فالصدق والكذب حينئذ مثل البصر والعمى، والسمع والصمم، والكلام والخرس، ~~وكما وجب أن يتصف بالبصر دون العمى، وبالسمع دون الصمم، وبالكلام دون الخرس ~~(10) ، وجب أيضا أن يتصف (11) بالصدق دون الكذب. PageV03P223 # وأما من قال: الكلام يتعلق بمشيئته وقدرته، فهؤلاء عامتهم يقولون: إنه ~~يتكلم لحكمة ويفعل لحكمة، وأنه سبحانه منزه عن فعل القبيح. وأدلة هؤلاء على ~~تنزيهه عن فعل (1) القبائح أعظم من أدلة المعتزلة وأقوى، فإن كل دليل يدل ~~على تنزيهه عن فعل قبيح منفصل عنه - فإنه يدل على تنزيهه عن فعل قبيح يقوم ~~به بطريق الأولى والأحرى، فإن كون ما يقوم به من القبائح نقصا هو أظهر من ~~كون فعل المستقبحات المنفصلة نقصا، فإذا امتنع هذا فذاك أولى بالامتناع. # [الوجه] : السادس (2) أن يقال: الأدلة العقلية دلت على امتناع اتصافه ~~سبحانه بالنقائص والقبائح وإنما يتصف بما يقوم به منها ms0663. والكلام قائم ~~بالمتكلم، فيمتنع أن يتكلم بكذب ; لأن كلامه قائم به، فيمتنع أن يقوم به ~~القبيح الذي اختاره. وهذا طريق يختص به أهل الإثبات لتنزيهه عن الكذب. ~~والمعتزلة لا يمكنهم ذلك ; لأن كلامه منفصل عنه عندهم. فإذا قال لهم ~~[هؤلاء] (3) المثبتة: الدليل إنما دل على تنزيهه عن الاتصاف في نفسه ~~بالقبائح وعن فعله لها، والفعل ما قام بالفاعل، وأما المنفصل فهو مفعول له، ~~لا فعل له، وأنتم لم تذكروا دليلا على امتناع وقوع ذلك في مفعولاته، وهو ~~محل النزاع كانت (4) حجة هؤلاء حجة ظاهرة على القدرية. PageV03P224 # [الوجه] (1) السابع: أن كلامه القائم بذاته غير مخلوق عند أهل السنة، فإن ~~الكلام صفة كمال، فلا بد أن يتصف (2) بها، سواء قالوا (3) : إنه لا يتعلق ~~بمشيئته وقدرته، وهو معنى قائم بالنفس، أو هو حروف وأصوات قديمة. أو قالوا: ~~(4) إنه يتعلق بمشيئته [وقدرته] ، أو إنه تكلم بعد أن لم يكن متكلما، أو ~~إنه لم يزل متكلما إذا شاء. # فعلى الأقوال كلها هو قائم بذاته، والكذب صفة نقص كالصمم والبكم والعمى ~~(5) ، والله منزه (6) عن قيام النقائص به، مع أنه يخلق خلقه متصفين ~~بالنقائص، فيخلق العمى والصمم والبكم ولا يقوم به ذلك، فكذلك (7) يخلق ~~الكذب في الكاذب ولا يقوم به الكذب (8) . # [الوجه] (9) الثامن أن [يقال] (10) : هذا السؤال وارد عليهم، فإنهم ~~يقولون: إن الله يخلق في غيره كلاما يكون هو كلامه، مع كونه قائما بغيره، ~~وهو محدث مخلوق. والكلام الذي يتكلم به العباد هو عندهم PageV03P225 # ليس مخلوقا له ولا هو كلامه، فإذا (1) كان هذا صدقا وهذا صدقا، فلا بد أن ~~يعرفوا أن هذا كلامه وليس هذا بكلامه. ### | الرد على قول الرافضي: وجاز منه إرسال الكذاب والرد عليه # وأما قوله: " وجاز [منه] (2) إرسال الكذاب " فجوابه من وجوه. # أحدها: أنه لا ريب أن الله يرسل الكذاب، كإرسال الشياطين في قوله: {ألم ~~تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا} [سورة مريم: 83] ، و ~~[يبعثهم] كما في قوله (3) تعالى: {بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد} ~~[سورة الإسراء: 5] ، لكن هذا لا يكون ms0664 إلا مقرونا بما يبين كذبهم، كما في ~~مسيلمة الكذاب والأسود العنسي. ولكن ليس (4) في مجرد إرسال الكذاب ما يمنع ~~التمييز بينه وبين الصادق، كما أنه يرسل الظالم، وليس في إرساله ما يمنع ~~التمييز بينه وبين العادل، ويرسل الجاهل والفاجر (5) والأعمى والأصم، وليس ~~في إرسال هؤلاء ما يمنع التمييز بينهم وبين غيرهم. ولفظ " الإرسال " يتناول ~~إرسال الرياح وإرسال الشياطين وغير ذلك. # الثاني: أن يقال: هم يجوزون أن يخلق من يعلم أنه كاذب وإعطاءه القدرة على ~~الكذب، كما خلق مسيلمة [الكذاب] (6) والعنسي. فإن كان PageV03P226 # خلقه لهذا جائزا، مع أنه ميز بينه وبين الصادق. كذلك خلق الكذاب بكذبه ~~(1) . # الثالث: أنه إذا خلق من يدعي النبوة وهو كاذب، فإن قالوا: يجوز إظهار ~~أعلام الصدق عليه، كان هذا ممنوعا، وهو باطل بالاتفاق. وإن قالوا: لم يجز ~~ذلك، لم يكن مجرد دعوى النبوة بلا علم على الصدق ضارا (2) ، فإن الشخص لو ~~ادعى أنه طبيب أو صانع (3) بلا دليل يدل على صدقه لم يلتفت إليه، فكيف ~~بمدعي (4) النبوة؟ # وإن قالوا: (5) إذا جوزتم عليه أن يخلق الكذب في الكذاب، فجوزوا عليه أن ~~يظهر على يديه أعلام الصدق. # قيل: هذا ممتنع ; لأن أدلة الصدق تستلزم الصدق، لأن الدليل مستلزم ~~للمدلول، فإظهار أعلام الصدق على [يد] الكذاب (6) ممتنع لذاته، فلا يمكن ~~بحال. # وإن قالوا: فجوزوا أن يظهر على يديه خارق. # قلنا: نعم، فنحن (7) نجوز أن يظهر الخارق على [يد من] يدعي (8) ~~PageV03P227 # الإلهية كالدجال ; لأن (1) ذلك لا يدل على صدقه، لظهور (2) كذبه في دعوى ~~الإلهية، والممتنع ظهور دليل الصدق على الكذاب. # فإن قالوا: فجوزوا ظهور الخوارق (3) على [يد] مدعي (4) النبوة مع كذبه. # قلنا: [نعم] (5) ، ويجوز ذلك على وجه لا يدل على صدقه، مثل ما يظهر ~~السحرة والكهان من الخوارق المقرونة بما يمنع صدقهم. والكلام على هذا مبسوط ~~في موضعه (6) . # [الوجه] الرابع: (7) أن دليل النبوة وأعلامها (8) وما به يعرف صدق النبي ~~ليست محصورة (9) في الخوارق، بل طرق معرفة الصدق متنوعة، كما أن طرق معرفة ~~الكذب متنوعة، كما قد بسط في موضعه (10) . ### | [فصل ms0665 من كلام الرافضي قوله في مسألة القدر عند أهل السنة يلزم تعطيل الحدود والزواجر عن المعاصي] # (فصل) # قال [الرافضي] (11) : " ومنها أنه يلزم تعطيل الحدود والزواجر عن ~~PageV03P228 # المعاصي، فإن الزنا إذا كان واقعا بإرادة الله تعالى، والسرقة إذا صدرت ~~عن الله، وإرادته هي المؤثرة (1) [لم يجز] (2) للسلطان (3) المؤاخذة عليها ~~; لأنه يصد السارق عن مراد الله، ويبعثه على ما يكرهه الله. ولو صد الواحد ~~منا غيره عن (4) مراده، وحمله على ما يكرهه، استحق منه اللوم. ويلزم أن ~~يكون الله مريدا للنقيضين ; لأن المعصية مرادة لله، والزجر عنها مراد له ~~أيضا ". # فيقال: فيما قدمناه ما يبين الجواب عن هذا، لكن نوضح جواب هذا [إن شاء ~~الله تعالى] (5) من وجوه: # أحدها: أن الذي قدره وقضاه من ذلك هو ما وقع، دون ما لم يكن [بعد] (6) . ~~وما وقع لا يقدر (7) أحد أن يرده، وإنما يرد بالحدود والزواجر (8) ما لم ~~يقع بعد، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. # فقوله: " لأنه يصد السارق عن مراد الله " (9) [كذب منه ; لأنه إنما ~~PageV03P229 # يصده عما لم يقع بعد وما لم يقع لم يرده الله. ولهذا لو حلف: ليسرقن هذا ~~المال إن شاء الله، ولم يسرقه لم يحنث باتفاق المسلمين ; لأن الله لم يشأ ~~سرقته. # ولكن القدرية عندهم الإرادة (1) لا تكون إلا بمعنى الأمر فيزعمون أن ~~السرقة إذا كانت مرادة كانت مأمورا بها. # وقد أجمع المسلمون، وعلم بالاضطرار من دينهم، أن الله لم يأمر بالسرقة. ~~ومن قال: إن ما وقع منها مراد، يقول: إنه مراد غير مأمور به، فلا يقول أنه ~~مأمور به إلا كافر. لكن هذا قد (2) يقال للمباحية المحتجين (3) بالقدر على ~~المعاصي، فإن منهم من لا يرى أن يعارض الإنسان فيما يظنه مقدرا عليه (4) من ~~المعاصي، ومنهم من يرى أن يعاونه على ذلك معاونة، لما ظن أنه مراد، وهذا ~~الفعل (5) - وإن كان محرما ومعصية - فهم لم يصدوا عن مراد الله. فتبين أن ~~الصد عن مراد الله ليس واقعا على كل تقدير. # الوجه الثاني: أن يقال: قد ms0666 تقدم (6) أن تناهي الناس عن المعاصي، ~~والقبائح، والظلم، ودفع الظالم (7) ، وأخذ حق المظلوم منه، ورد احتجاج ~~PageV03P230 # من احتج على ذلك بالقدر أمر مستقر في فطر جميع الناس وعقولهم مع إقرار ~~جماهيرهم (1) بالقدر، وأنه لا يمكن صلاح حالهم ولا بقاؤهم في الدنيا إذا ~~مكنوا كل أحد أن يفعل ما يشاء من مفاسدهم ويحتج بالقدر، وقد بينا (2) أن ~~المحتجين بالقدر على المعاصي إذا طردوا قولهم كانوا أكفر من اليهود ~~والنصارى، وهم شر من المكذبين بالقدر (3) . # الوجه الثالث أن الأمور المقدورة بالاتفاق إذا كان فيها فساد يحسن ردها ~~وإزالتها بعد وقوعها (4) ، كالمرض ونحوه فإنه من فعل الله بالاتفاق مراد ~~لله، ومع هذا يحسن من الإنسان أن يمنع وجوده بالاحتماء واجتناب أسبابه، ~~ويحسن منه السعي في إزالته بعد حصوله، وفي هذا (5) إزالة مراد الله. # وإن قيل: إن قطع السارق يمنع مراد الله كان شرب الدواء لزوال المرض مانعا ~~(6) لمراد الله، وكذلك دفع (7) السيل الآتي من صبب، والنار التي تريد أن ~~تحرق الدور، وإقامة الجدار الذي يريد أن ينقض، كما أقام الخضر ذلك الجدار. ~~وكذلك إزالة الجوع الحاصل بالأكل وإزالة البرد الحاصل (8) بالاستدفاء، ~~وإزالة الحر بالظل. PageV03P231 # وقد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: «يا رسول الله أرأيت أدوية نتداوى بها ~~ورقى نسترقي بها وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال: " هي من قدر ~~الله» ". (1) . # فبين صلى الله عليه وسلم أنه يرد قدر الله بقدر الله إما دفعا وإما رفعا، ~~إما دفعا لما انعقد سبب لوجوده، وإما رفعا لما وجد كرفع المرض ودفعه، ومن ~~هذا قوله تعالى: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} ~~[سورة الرعد 11]] قيل: معقبات من أمر الله يحفظونه (2) وقيل: يحفظونه من ~~أمر الله الذي ورد ولم يحصل (3) يحفظونه أن يصل إليه (4) وحفظهم بأمر الله. # الوجه الرابع قوله: ويلزم أن يكون الله مريدا للنقيضين ; لأن المعصية ~~مرادة لله، والزجر عنها مراد الله. كلام ساقط فإن النقيضين ما لا يجتمعان ~~ولا يرتفعان، أو ما لا يجتمعان وهما المتضادان ms0667. PageV03P232 # والزجر ليس عما وقع وأريد، بل هو عقوبة على الماضي وزجر عن المستقبل، ~~والزجر الواقع بإرادته إن حصل مقصوده (1) لم يحصل المزجور عنه فلم يرده ~~فيكون المراد الزجر فقط، وإن لم يحصل مقصوده لم يكن زجرا تاما بل يكون ~~المراد فعل هذا الزاجر (2) وفعل ذاك، كما يراد ضرب هذا لهذا بهذا السيف (3) ~~وحياة هذا، وكما يراد المرض المخوف (4) الذي قد يكون سببا للموت، ويراد معه ~~الحياة. # فإرادة (5) السبب ليست موجبة لإرادة المسبب، إلا إذا كان السبب تاما ~~موجبا. (6) والزجر سبب للانزجار والامتناع كسائر الأسباب، كما أن المرض ~~المخوف سبب للموت، وكما أن الأمر بالفعل والترغيب فيه سبب لوقوعه، ثم قد ~~يقع المسبب (7) وقد لا يقع، فإن وقع كانا مرادين، وإلا كان المراد ما وقع ~~خاصة (8) . # الوجه الخامس أنه قد تقدم أن الإرادة نوعان: نوع بمعنى المشيئة لما خلق، ~~فهذا متناول (9) لكل حادث دون ما لا (10) يحدث، ونوع بمعنى المحبة لما أمر ~~به فهذا إنما يتعلق (11) بالطاعات، وإذا كان كذلك فما PageV03P233 # وقع من المعاصي فهو مراد بالمعنى الأول، فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ ~~لم يكن، فكل ما وقع فقد شاء كونه، والزجر عنها مراد بالمعنى الثاني فإنه ~~يحب النهي عن المنكر ويرضاه ويثيب فاعله، بخلاف المنكر نفسه فإنه لا يحبه ~~ولا يرضاه ولا يثيب فاعله، ثم الزجر إنما يكون عما لم يقع، والعقوبة تكون ~~على ما (1) وقع، فإذا وقعت سرقة بالقضاء والقدر وقد أمر الله سبحانه بإقامة ~~الحد (2) فيها فإقامة الحد مأمور به يحبه ويرضاه ويريده إرادة أمر لا إرادة ~~خلق، فإن أعان عليه كان قد أراده خلقا، وكان حينئذ إقامة الحد مرادة شرعا ~~وقدرا، خلقا وأمرا، قد شاءها وأحبها (3) . # وإن لم يقع كان ما وقع من المعصية قد شاءه خلقا ولم يرده ولم يحبه شرعا. # ويذكر أن رجلا سرق فقال لعمر: سرقت بقضاء الله وقدره، فقال له: وأنا (4) ~~أقطع يدك بقضاء الله وقدره. # وهكذا يقال لمن تعدى حدود الله وأعان العباد على عقوبته الشرعية كما يعين ~~المسلمين ms0668 على جهاد الكفار: إن الجميع (5) واقع بقضاء الله وقدره لكن ما أمر ~~به يحبه ويرضاه ويريده شرعا ودينا كما شاءه خلقا وكونا بخلاف ما نهى عنه. ~~PageV03P234 ### | فصل كلام الرافضي على دلالة العقل عنده على الأفعال الاختيارية والرد عليه # فصل # قال الرافضي (1) : ومنها أنه يلزم مخالفة (2) المعقول والمنقول، أما ~~المعقول (3) فلما تقدم من العلم الضروري باستناد أفعالنا الاختيارية (4) ~~إلينا، ووقوعها بحسب إرادتنا، فإذا أردنا الحركة (5) يمنة لم تقع يسرة ~~وبالعكس، والشك في ذلك عين (6) السفسطة. # فيقال: الجواب من وجوه. # أحدها: أن جمهور أهل السنة قائلون بهذا، وأن أفعال الإنسان الاختيارية ~~مستندة إليه، وأنه فاعل لها ومحدث لها. وإنما ينازع (7) في هذا من يقول ~~إنها ليست فعلا للعبد، ولا لقدرته تأثير فيها، ولا أحدثها العبد. وهؤلاء ~~طائفة من متكلمي أهل الإثبات. والجمهور من أهل السنة (8) لا يقولون بذلك، ~~كما جاءت به النصوص فإن (9) الله ورسوله وصف العبد بأنه يعمل ويفعل. ~~PageV03P235 # الوجه الثاني أن يقال: بل النفاة خالفوا العلم الضروري (1) فإن كون العبد ~~مريدا فاعلا بعد أن لم يكن فاعلا (2) أمر حادث بعد أن لم يكن، فإما أن يكون ~~له محدث (3) وإما أن لا يكون له محدث، فإن لم يكن له محدث لزم حدوث الحوادث ~~بلا محدث، وإن كان له محدث فإما أن يكون هو العبد أو الرب تعالى أو غيرهما. # فإن كان هو (4) العبد فالقول في إحداثه لتلك الفاعلية كالقول في إحداث ~~أحداثها، ويلزم التسلسل، وهو هنا باطل بالاتفاق، لأن العبد كائن بعد أن لم ~~يكن فيمتنع أن تقوم به حوادث لا أول لها. # وإن كان غير الله فالقول فيه كالقول في العبد فتعين أن يكون الله هو ~~الخالق لكون العبد مريدا فاعلا وهو المطلوب. # وأهل السنة يقولون بهذا العلم الضروري فيقولون (5) : إن العبد فاعل والله ~~خلقه فاعلا (6) والعبد مريد مختار والله جعله مريدا مختارا. # قال الله تعالى: {إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا - وما تشاءون ~~إلا أن يشاء الله} [سورة الإنسان 29، 30] وقال تعالى: {لمن شاء منكم أن ~~يستقيم ms0669 - وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين} [سورة التكوير 28، 29] ~~. PageV03P236 # فأثبت مشيئة العبد، وجعلها لا تحصل إلا بمشيئة الله تعالى، وقال الخليل ~~صلى الله عليه وسلم: (1) {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي} [سورة إبراهيم: ~~40] . # وقال: {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} [سورة إبراهيم: 37] . # وقال هو وإسماعيل صلى الله عليهما وسلم (2) : {ربنا واجعلنا مسلمين لك ~~ومن ذريتنا أمة مسلمة لك} [سورة البقرة 128] . # وقال: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا} [سورة الأنبياء: 73] . # وقال: {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار} [سورة القصص 41] ، وأمثال ذلك في ~~الكتاب والسنة. # فدليلهم (3) اقتضى مشيئة العبد وأنه فاعل بالاختيار (4) وهذا الدليل ~~اقتضى أن هذه المشيئة والاختيار حصلت بمشيئة الرب فكلا (5) الأمرين حق. # فمن قال: إن العبد لا مشيئة له ولا اختيار، أو قال: إنه لا قدرة [له] (6) ~~أو أنه لم يفعل ذلك الفعل أو لا (7) أثر لقدرته فيه ولم يحدث تصرفاته (8) ~~فقد أنكر موجب الضرورة الأولى. PageV03P237 # ومن قال: إن إرادته وفعله حدثت بغير سبب اقتضى حدوث ذلك وأن العبد أحدث ~~ذلك وحاله عند إحداثه كما كان قبل إحداثه، بل خص أحد الزمانين بالإحداث من ~~غير (1) سبب اقتضى تخصيصه، وأنه صار مريدا فاعلا محدثا بعد أن لم يكن كذلك ~~(2) ، من غير شيء جعله كذلك، فقد قال بحدوث الحوادث بلا فاعل. # وإذا قالوا: الإرادة لا تعلل كان [هذا] (3) كلاما لا حقيقة له، فإن ~~الإرادة أمر حادث فلا بد له من محدث، وهذا كما قالوا: إن البارئ يحدث إرادة ~~لا في محل بلا سبب اقتضى حدوثها ولا إرادة فارتكبوا (4) ثلاث محالات: حدوث ~~حادث (5) بلا إرادة من الله، وحدوث حادث بلا سبب حادث، وقيام الصفة بنفسها ~~لا في محل. # وإن شئت قلت: كونه مريدا أمر ممكن، والممكن (6) لا يترجح [وجوده على عدمه ~~ولا يترجح] (7) أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح تام. # وهذا مما يحتج به الرازي عليهم وهو صحيح في نفسه لكنه تناقض في مسألة ~~حدوث العالم (8) . PageV03P238 # والحجة التي ذكرها هذا الإمامي مذكورة عن أبي الحسين البصري (1) وهي ~~صحيحة كما أن الأخرى صحيحة فيجب القول ms0670 (2) بهما جميعا، [مع أن جمهور (3) ~~القدرية يقولون: العلم بكون العبد محدثا لأفعاله نظري لا ضروري، وهؤلاء ~~يخالفون أبا الحسين. # وأبو الحسين يقول مع ذلك: إن الفعل يتوقف على الداعي والقدرة وعندهما يجب ~~الفعل، وهو حقيقة قول أهل الإثبات، ولهذا يعبر غير واحد منهم بنحو ذلك كأبي ~~المعالي والرازي وغيرهما. # لكن إذا قيل مع ذلك: إن الله خالق أفعال العباد أمكن الجمع بينهما عند من ~~يقول إن الله خلق الأشياء بالأسباب. # ومن لم يقل ذلك يقول: خلق الفعل عند هذه الأمور لا بها، وهو قول من لم ~~يجعل للقدرة أثرا في مقدورها كالأشعري وغيره] (4) . # فإن قيل: كيف يكون الله محدثا لها والعبد محدثا لها. # قيل: إحداث الله لها بمعنى أن خلقها [منفصلة عنه قائمة بالعبد] (5) فجعل ~~العبد فاعلا لها بقدرته ومشيئته (6) التي خلقها الله [تعالى] ، PageV03P239 # وإحداث العبد لها (1) بمعنى أنه حدث منه هذا الفعل [القائم به] (2) ~~بالقدرة والمشيئة التي خلقها الله فيه. # وكل من الإحداثين مستلزم للآخر وجهة الإضافة مختلفة [فما أحدثه الرب فهو ~~مباين له قائم بالمخلوق وفعل العبد الذي أحدثه قائم به] (3) فلا يكون العبد ~~فاعلا للفعل بمشيئته وقدرته حتى يجعله الله كذلك فيحدث (4) قدرته ومشيئته ~~والفعل الذي كان بذلك وإذا جعله الله فاعلا وجب (5) وجود ذلك. # فخلق الرب لفعل العبد يستلزم وجود الفعل، وكون العبد فاعلا له بعد أن لم ~~يكن يستلزم كون الرب خالقا له، بل جميع الحوادث بأسبابها هي من هذا الباب ~~(6) . # [فإن قيل: هذا قول من يقول هي فعل للرب وفعل للعبد. # قيل: من قال هي فعل لهما بمعنى الشركة فقد أخطأ، ومن قال: إن فعل الرب هو ~~ما انفصل عنه، وقال: إنها فعل لهما كما قاله أبو إسحاق الإسفراييني، فلا بد ~~أن يفسر كلامه بشيء يعقل. # وأما على قول جمهور أهل السنة الذين يقولون: إنها مفعولة للرب ~~PageV03P240 # لا فعل له إذا فعله ما قام به والفعل عندهم غير المفعول، فيقولون إنها ~~مفعولة للرب لا فعل له (1) وإنها فعل للعبد. # كما يقولون في قدرة العبد ms0671: إنها قدرة للعبد مقدورة للرب لا إنها نفس قدرة ~~الرب. # وكذلك إرادة العبد هي إرادة للعبد مرادة للرب. # وكذلك سائر صفات العبد هي صفات له وهي (2) مفعولة للرب مخلوقة له ليست ~~بصفات له. # ومما يبين ذلك أن الله تعالى قد أضاف كثيرا من الحوادث إليه وأضافه إلى ~~بعض مخلوقاته، إما أن يضيف عينه أو نظيره. # كقوله تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك ~~التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى} [سورة الزمر 42]] . # وقال تعالى: {هو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار} [سورة ~~الأنعام 60] . # مع قوله تعالى: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم} [سورة السجدة 11] . # وقوله: {توفته رسلنا وهم لا يفرطون} [سورة الأنعام 61] . # وكذلك قوله تعالى في الريح: {تدمر كل شيء بأمر ربها} [سورة الأحقاف: 25] ~~. PageV03P241 # وقال: {ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون} [سورة الأعراف ~~137] . # وقال تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} [سورة الإسراء 9] . # وقال: {يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام} [سورة المائدة 16] . # وقال: {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن} [سورة يوسف ~~3] . # وقال: {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون} ~~[سورة النمل 76] . # وقال: {ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في ~~الكتاب} [سورة النساء 127] . # أي: ما يتلى عليكم في الكتاب يفتيكم فيهن. # وقال: {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج} [سورة ~~الحج: 5] ، فأضاف الإنبات (1) إليها. # وقال تعالى: {والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج ~~بهيج} [سورة الحجر 19] . # وقال تعالى: {هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه ~~تسيمون - ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات} ~~[سورة النحل 10، 11] . # وقال تعالى: {حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون ~~عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا} [سورة يونس 24] . PageV03P242 # وقال تعالى: {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها} [سورة الكهف 7] . # وقال تعالى ms0672: {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب} [سورة الصافات 6] . # وقال تعالى: {يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما ~~يعرج فيها} [سورة الحديد: 4] . # وقال تعالى: {ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء} [سورة النحل: 2] ~~. # وقال: {نزل به الروح الأمين} [سورة الشعراء: 193] . # وقال: {وبالحق أنزلناه وبالحق نزل} [سورة الإسراء: 105] . # وقال: {وأنزلنا من السماء ماء} [سورة المؤمنون: 18] . # وقال تعالى: {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق ~~كل شيء} [سورة فصلت: 21] ، وقال سليمان عليه الصلاة والسلام: {ياأيها الناس ~~علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء} [سورة النمل: 16] . # وقال تعالى: {فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون} [سورة ~~الذاريات: 23] ، فهم نطقوا وهو أنطقهم، وهو الذي أنطق كل شيء. # فإذا كان [تبارك وتعالى] (1) قد جعل في الجمادات قوى تفعل، وقد أضاف ~~الفعل إليها ولم يمنع ذلك أن يكون خالقا لأفعالها، فلأن لا PageV03P243 # يمنع إضافة الفعل إلى الحيوان وإن كان الله خالقه - بطريق الأولى. # فإن القدرية لا تنازع في أن الله خالق ما في الجمادات من القوى والحركات ~~وقد أخبر الله (1) أن الأرض تنبت، وأن السحاب يحمل الماء كما قال تعالى: ~~{فالحاملات وقرا} [سورة الذاريات: 2] . # والريح تنقل السحاب كما قال تعالى: {وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي ~~رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت} [سورة الأعراف: 57] ، ~~وأخبر أن الريح تدمر كل شيء، وأخبر أن الماء طغى بقوله تعالى: {إنا لما طغى ~~الماء حملناكم في الجارية} [سورة الحاقة: 11] . # بل قد أخبر بما هو أبلغ من ذلك من سجود هذه الأشياء وتسبيحها كما في قوله ~~تعالى: {ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر ~~والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب} ~~[سورة الحج: 18] . # وهذا التفصيل يمنع حمل ذلك على أن المراد كونها مخلوقة دالة على الخالق ~~وأن المراد شهادتها بلسان الحال فإن هذا عام لجميع الناس. # وقد قال تعالى: {ياجبال أوبي معه والطير وألنا له ms0673 الحديد} [سورة سبأ: 10] ~~. # وقال: {إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق - والطير محشورة كل ~~له أواب} [سورة ص: 18، 19] . PageV03P244 # فأخبر أن الجبال تئوب معه والطير، وأخبر أنه سخرها تسبح. # وقال: {ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد ~~علم صلاته وتسبيحه} [سورة النور: 41] . # وقال تعالى: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} [سورة ~~الإسراء: 44] . # وقال: {ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها} [سورة الرعد: 15] . # وقال: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من ~~الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها ~~لما يهبط من خشية الله} [سورة البقرة: 74] . # وبسط الكلام على سجود هذه الأشياء وتسبيحها مذكور في غير هذا الموضع (1) ~~. # والمقصود هنا أن هذا كله مخلوق لله بالاتفاق مع جعل ذلك فعلا لهذه ~~الأعيان في القرآن، فعلم أن ذلك لا ينافي كون الرب تعالى خالقا لكل شيء. # فإن قيل: قولكم إذا جعلنا الله فاعلا وجب وجود ذلك الفعل (2) وخلق الفعل ~~يستلزم وجوده، ونحو ذلك من الأقوال يقتضي الجبر، وهو قول باطل. PageV03P245 # قيل: لفظ الجبر لم يرد في كتاب ولا سنة لا بنفي ولا إثبات، واللفظ إنما ~~يكون له حرمة إذا ثبت عن المعصوم، وهي ألفاظ النصوص، فتلك علينا أن نتبع ~~معانيها، وأما الألفاظ المحدثة مثل لفظ الجبر فهو مثل لفظ الجهة والحيز ~~ونحو ذلك. # ولهذا كان المنصوص عن أئمة الإسلام مثل الأوزاعي والثوري وعبد الرحمن بن ~~مهدي وأحمد بن حنبل وغيرهم أن هذا اللفظ لا يثبت ولا ينفى مطلقا، فلا يقال ~~مطلقا: جبر، ولا يقال: لم يجبر، فإنه لفظ مجمل. # ومن علماء السلف (1) من أطلق نفيه، كالزبيدي صاحب الزهري، وهذا نظر إلى ~~المعنى المشهور من معناه في اللغة، فإن المشهور إطلاق لفظ الجبر والإجبار ~~على ما يفعل بدون إرادة المجبور بل مع كراهته كما يجبر الأب ابنته على ~~النكاح. # وهذا المعنى منتف في حق الله تعالى فإنه سبحانه لا يخلق ms0674 فعل العبد ~~الاختياري بدون اختياره، بل هو الذي جعله مريدا مختارا، وهذا لا يقدر عليه ~~أحد إلا الله. # ولهذا قال من قال من السلف: الله أعظم وأجل (2) من أن يجبر، إنما يجبر ~~غيره من لا (3) يقدر على جعله مختارا، والله تعالى يجعل العبد مختارا فلا ~~يحتاج إلى إجباره. PageV03P246 # ولهذا قال الأوزاعي والزبيدي وغيرهما: نقول جبل ولا نقول جبر، لأن الجبل ~~جاءت به السنة كما في الحديث الصحيح «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأشج ~~عبد القيس: إن فيك خلقين يحبهما الله الحلم والأناة. فقال: أخلقين تخلقت ~~بهما أم خلقين جبلت عليهما؟ فقال: بل خلقين جبلت عليهما. فقال: الحمد لله ~~الذي جبلني على خلقين يحبهما الله» (1) . # فقد يراد بلفظ الجبر (2) نفس فعل ما يشاؤه، وإن خلق اختيار العبد؛ كما ~~قال محمد بن كعب القرظي: الجبار هو الذي جبر العباد على ما أراده (3) . # وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في الدعاء المأثور عنه: اللهم ~~داحي المدحوات، وسامك المسموكات، جبار (4) القلوب على فطرتها (5) شقيها ~~وسعيدها. # فإذا أريد بالجبر هذا فهذا حق (6) وإن أريد به الأول فهو باطل، ولكن ~~الإطلاق يفهم منه الأول، فلا يجوز إطلاقه، فإذا قال السائل: أنا أريد ~~بالجبر المعنى الثاني، وهو أن نفس جعل الله للعبد (7) فاعلا قادرا ~~PageV03P247 # يستلزم الجبر، ونفس كون الداعي والقدرة يستلزم وجود الفعل " جبر ". # قيل: هذا المعنى حق، ولا دليل لك على إبطاله، وحذاق المعتزلة كأبي الحسين ~~البصري وأمثاله يسلمون هذا فيسلمون أن مع وجود الداعي والقدرة يجب وجود ~~الفعل. # وصاحب هذا الكتاب قد سلك هذه الطريقة فلا يمكنه مع هذا إنكار الجبر بهذا ~~التفسير، ولهذا (1) نسب أبو الحسين إلى التناقض في هذه المسألة، فإنه ~~وأمثاله من حذاق المعتزلة إذا سلموا أنه مع الداعي والقدرة، يجب وجود ~~الفعل، وسلموا أن الله خلق الداعي والقدرة لزم أن يكون (2) الله خالق أفعال ~~العباد. # فحذاق المعتزلة سلموا المقدمتين ومنعوا النتيجة، والطوسي الذي قد عظمه ~~هذا الإمامي ذكر في تلخيص المحصل لما ذكر احتجاج الرازي ms0675: بأن الفعل يجب عند ~~وجود المرجح التام ويمتنع عند عدمه، فبطل (3) قول المعتزلة بالكلية (4) ~~يعني الذين يقولون إنه يفعل على وجه PageV03P248 # الجواز وهو المشهور من مذهبهم، فاعترض (1) عليه الطوسي وقال: إنه قد ذكر ~~(2) فيما مر أن المختار متمكن (3) من ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر، (4) ~~بلا مرجح وهنا حكم بأن ذلك (5) محال، (6) ثم على تقدير الاحتياج إلى المؤثر ~~(7) وامتناع عدم حصول الأثر (8) ، قال: فقد بطل قول المعتزلة بالكلية. # قال (9) : وذلك غير وارد، لأنه قد ذكر أن أبا الحسين من المعتزلة ~~PageV03P249 # وقال في موضع آخر: إنه رجل المعتزلة (1) وقال هنا (2) : إنه قد ذهب إلى ~~أن القدرة والإرادة يوجبان وجود المقدور فكيف بطل قولهم بالكلية. # وبيانه أنهم يقولون: إن معنى الاختيار هو استواء الطرفين بالنسبة إلى ~~القدرة وحدها ووجوب وقوع أحدهما بحسب الإرادة، فمتى حصل المرجح التام (3) ~~وهو الإرادة وجب الفعل ومتى لم يحصل امتنع ذلك، وذلك غير مناف لاستواء ~~الطرفين بالقياس إلى القدرة وحدها، فإذا اللزوم الذي ذكره غير قاطع في ~~إبطال قولهم. # قلت: القول الذي قطع بطلانه الرازي هو القول (4) المشهور عنهم، وهو أن ~~الفعل لا يتوقف على الداعي بل القادر يرجح أحد مقدوريه (5) على الآخر بلا ~~مرجح فيحدث الداعي له الفعل كالإرادة بمجرد كونه قادرا مع استواء القدرة ~~بالنسبة إلى وجود ذلك وعدمه. # والداعي قد يفسر بالعلم أو الاعتقاد أو الظن (6) وقد يفسر بالإرادة وقد ~~يفسر بالمجموع وقد يفسر بما اشتمل عليه المراد مما يقتضي إرادته. # والرازي يقول: إن أبا الحسين متناقض فإن الرازي ذكر في الأقوال ~~PageV03P250 # قول الذين يقولون: إن الفعل موقوف على الداعي، فإذا حصلت القدرة وانضم ~~إليها الداعي صار مجموعهما علة لوجوب الفعل. # قال (1) : وهذا قول جمهور الفلاسفة واختيار أبي الحسين البصري من ~~المعتزلة، وهو وإن كان يدعي الغلو في الاعتزال، حتى ادعى أن العلم بأن ~~العبد موجد لأفعاله ضروري، إلا أنه كان من مذهبه أن الفعل موقوف على ~~الداعي، فإذا كان عند الاستواء يمتنع وقوعه، فحال المرجوحية أولى ~~بالامتناع، وإذا امتنع المرجوح وجب الراجح لأنه ms0676 لا خروج عن النقيضين وهذا ~~عين القول بالجبر، لأن الفعل (2) واجب الوقوع عند حصول المرجح، وممتنع ~~الوقوع عند عدم المرجح، فثبت أن أبا الحسين كان عظيم الغلو في القول ~~بالجبر، وإن كان يدعي في ظاهر الأمر أنه عظيم الغلو في الاعتزال. # قلت: هذا القول هو (3) قول جماهير أهل السنة وأئمتهم (4) ويقرب منه قول ~~أبي المعالي الجويني والقاضي أبي خازم (5) ابن القاضي أبي يعلى، وقول ~~الكرامية، وهو حقيقة القول بأن الله خالق فعل العبد وهو ظاهر على (6) قول ~~جمهور أهل السنة المثبتين للأسباب الذين يقولون: لقدرة العبد تأثير في ~~الفعل. PageV03P251 # وأما من قال: لا تأثير لها كالأشعري، فإذا فسر الوجوب بالوجوب العادي لم ~~يمتنع ذلك، وإن فسر (1) بالعقلي امتنع. # وأما لفظ الجبر فالنزاع فيه لفظي كما تقدم، وليس هو في اللغة ظاهرا في ~~هذا المعنى، ولهذا أنكر السلف إطلاقه، فإذا قالت القدرية: هذا ينافي كونه ~~مختارا لأنه لا معنى للمختار إلا كونه قادرا على الفعل والترك، وأنه إذا ~~شاء فعل هذا وإذا شاء فعل هذا. # قيل لهم: هذا مسلم ولكن يقال: هو قادر على الفعل والترك على سبيل البدل ~~أو على سبيل الجمع، والثاني باطل فإنه في حال كونه فاعلا لا يقدر أن يكون ~~تاركا مع كونه فاعلا، وكذلك حال كونه تاركا لا يقدر على كونه فاعلا مع كونه ~~تاركا، فإن الفعل والترك ضدان، واجتماعهما ممتنع، والقدرة لا تكون على ~~ممتنع. # فعلم أن قولنا قادر على الفعل والترك، أي يقدر أن يفعل في حال عدم الترك، ~~ويقدر أن يترك في حال عدم الفعل، وكذلك قول القائل: القادر (2) إن شاء فعل ~~وإن شاء ترك، هو على سبيل البدل، لا يقدر أن يشاء الفعل والترك معا، بل حال ~~مشيئته للفعل لا يكون مريدا للترك (3 وحال مشيئته للترك لا يكون مريدا ~~للفعل (3) 3) . # وإذا كان كذلك فالقادر الذي (4) إن شاء فعل وإن شاء ترك؛ حال كونه ~~PageV03P252 # شاء الفعل (1) مع القدرة التامة يجب وجود الفعل، وحال وجود الفعل يمتنع ~~أن يكون مريدا للترك مع الفعل، وأن ms0677 يكون قادرا على وجود الترك مع الفعل، بل ~~قدرته على الفعل (2) بمعنى أنه يكون بعد الفعل تاركا له، فيكون قادرا على ~~الترك في الزمن الثاني من وجود الفعل، لا حال وجود الفعل. # وإذا قال القائل: (3) هذا يقتضي أن يكون الفعل واجبا لا ممكنا، فإن أراد ~~به أنه يصير (4) واجبا بغيره بعد كونه ممكنا في نفسه، فهذا حق كما أنه يصير ~~موجودا بعد أن كان معدوما، وفي حال وجوده يمتنع أن يكون معدوما. # وكل ما خلقه الله تعالى فهو بهذه المثابة فإنه ما شاء كان (5) ، فوجب ~~وجوده بمشيئة الله وقدرته، وما لم يشأ لم يكن فيمتنع وجوده لعدم مشيئة الله ~~له، مع أن ما شاءه مخلوق محدث مفعول له، وكان قبل أن يخلقه يمكن (6) أن ~~يوجد ويمكن أن لا يوجد، فأما بعد أن صار موجودا بمشيئة الله وقدرته فلا ~~يمكن أن يكون معدوما مع كونه موجودا، (* وإنما يمكن أن يعدم بعد وجوده، ~~وليس في الأشياء ما يمكن وجوده وعدمه معا في حال واحدة، بل يمكن وجوده بدلا ~~عن عدمه وعدمه بدل عن وجوده PageV03P253 # فإذا وجد كان وجوده ما دام موجودا واجبا بغيره، وإذا سمي ممكنا بمعنى أنه ~~مخلوق ومفعول وحادث فهو صحيح، لا بمعنى أنه حال وجوده يمكن عدمه مع وجوده ~~*) (1) فإنه إذا أريد (2) أنه حال وجوده يمكن عدمه مع وجوده فهذا باطل فإنه ~~جمع بين النقيضين. # وإن أراد (3) أنه يمكن عدمه بعد هذا الوجود فهو صحيح، ولكن هذا لا يناقض ~~وجوب وجوده بغيره ما دام موجودا وهذا موجود (4) بالقادر لا بنفسه وهو ممكن ~~(5) في هذه الحال بمعنى أنه محدث مخلوق مفتقر إلى الله تعالى لا بمعنى كونه ~~(6) يمكن أن يكون معدوما حال وجوده. # ومن فهم هذا انحلت عنه إشكالات كثيرة أشكلت على كثير من الناس في مسائل ~~القدر، بل وفي إثبات كون الرب قادرا مختارا ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. # والقدر يتعلق بقدرة الله تعالى ولهذا قال الإمام أحمد: (7) القدر قدرة ~~الله تعالى يشير إلى أن من ms0678 أنكر القدر فقد أنكر قدرة الله تعالى (8) وأنه ~~يتضمن إثبات قدرة الله تعالى على كل شيء. # ولهذا جعل الأشعري وغيره أخص وصف الرب تبارك وتعالى قدرته على الاختراع. ~~PageV03P254 # وأيضا فقول القائل: القادر (1) هو الذي إن شاء فعل وإن شاء ترك بمعنى أنه ~~قبل الفعل والترك إن شاء وجود الفعل في الزمن الثاني وإن شاء الترك فيه، ~~وهذا التخيير بينهما إنما يكون عند عدمهما جميعا، فأما حال الفعل فيمتنع ~~الترك، وحال الترك فيمتنع الفعل، وحينئذ فالفعل واجب حال وجوده لا في الحال ~~التي يكون (2) مخيرا فيها بين الفعل والترك، فحال التخيير لم يكن واجبا ~~وحال وجوبه لم يكن مخيرا. # نعم قد يكون حال الفعل شائيا للترك بعد الفعل، وهذا ترك ثان ليس (3) هو ~~ترك ذلك الفعل في حال وجوده، فالقادر قط لا يكون مخيرا بين الشيئين في حال ~~وجود أحدهما (4 إلا بمعنى التخيير في الزمن الثاني وإلا ففي حال وجود ~~أحدهما لا (4) 4) يكون (5) مخيرا بين وجوده وعدمه مع وجوده، وحالما يكون ~~الفاعل فاعلا يمتنع أن يكون تاركا فيمتنع أن يكون هذا الترك مقدورا له، لأن ~~الممتنع لا يكون مقدورا، والقدرة على الضدين قدرة على كل واحد منهما على ~~سبيل البدل ليست قدرة على جمعهما، (6) وهذا كما يقال: إنه قادر على تسويد ~~الثوب وتبييضه ويسافر إلى الشرق والغرب ويذهب يمينا وشمالا وقادر على أن ~~يتزوج هذه الأخت وهذه الأخت (7) . PageV03P255 ### | فصل كلام الرافضي على دلالة النقل على الأفعال الاختيارية والرد عليه # فصل. # قال الرافضي (1) : وأما المنقول فالقرآن (2) مملوء من استناد (3) أفعال ~~البشر إليهم (4) كقوله تعالى: (5) . # {وإبراهيم الذي وفى} [سورة النجم 37] (6) [ {فويل للذين كفروا} [سورة ~~مريم 37] {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [سورة الأنعام 164] (7) {ادخلوا الجنة ~~بما كنتم تعملون} [سورة النحل 32] {اليوم تجزى كل نفس بما كسبت} [سورة غافر ~~17] {اليوم تجزون ما كنتم تعملون} [سورة الجاثية 28] {لتجزى كل نفس بما ~~تسعى} [سورة طه 15] {هل تجزون إلا ما كنتم تعملون} [سورة النمل 90]] (8) ~~{من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها} ~~[سورة ms0679 الأنعام 160] {ليوفيهم أجورهم} [سورة فاطر: 30] (9) {لها ما كسبت ~~وعليها ما اكتسبت} PageV03P256 # {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات} [سورة النساء: 160] (1) {كل ~~امرئ بما كسب رهين} [سورة الطور: 21] {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء ~~فعليها} [سورة فصلت: 46] {ذلك بما قدمت يداك} [سورة الحج: 10] {وما أصابكم ~~من مصيبة فبما كسبت أيديكم} [سورة الشورى: 30] إلخ (2) . # فيقال: الجواب (3 من وجوه أحدها 3) (3) أن يقال (4) : كل هذا حق، وجمهور ~~أهل السنة قائلون [بذلك وهم قائلون] (5) إن العبد فاعل لفعله حقيقة لا ~~مجازا، وإنما نازع في ذلك طائفة من متكلمة (6) أهل الإثبات كالأشعري ومن ~~اتبعه. # (7 الثاني: أن يقال 7) : (7) : والقرآن مملوء بما يدل (8) على أن أفعال ~~العباد حادثة بمشيئة الله [وقدرته] (9) وخلقه، فيجب الإيمان بكل ما في ~~القرآن، ولا يجوز أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض. PageV03P257 # قال الله تعالى: {ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد} [سورة ~~البقرة: 253] . # وقال تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله ~~يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} [سورة الأنعام: 125] . # وقال تعالى: {ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون} [سورة الأنعام: ~~112] . # وقال تعالى: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا - إلا أن يشاء الله} [سورة ~~الكهف: 23، 24] وأجمع علماء المسلمين (1) على أن الرجل لو قال: لأصلين ~~الظهر غدا إن شاء الله، أو: لأقضين الدين الذي علي، وصاحبه مطالبه، أو: ~~لأردن هذه الوديعة (2) ، ونحو ذلك، ثم لم يفعله - أنه لا يحنث في يمينه، ~~ولو كانت المشيئة بمعنى الأمر لحنث (3) . # وقال عن إبراهيم: {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا ~~مناسكنا} [سورة البقرة: 128] . # وقال تعالى: {يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا} [سورة البقرة: 26] . # وقال تعالى: {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه} [سورة الأنفال: 24] ~~. PageV03P258 # وقال تعالى: {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون - ~~وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون} [سورة ~~يس: 8، 9] (* (1) . # وقال تعالى: {وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت ms0680 ~~حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا} [سورة الأنبياء: 73] . # وقال تعالى: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا} [سورة الأنبياء: 73] . # وقال عن بني إسرائيل: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا ~~بآياتنا يوقنون} [سورة السجدة: 24] . # وقال عن آل فرعون {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ~~ينصرون} [سورة القصص: 41] . # وقال عن الخليل - صلى الله عليه وسلم -: {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ~~ذريتي ربنا وتقبل دعاء} [سورة إبراهيم: 40] . # وقال: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ~~ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} . # وقال تعالى: {وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون - وخلقنا لهم ~~من مثله ما يركبون} [سورة يس: 41، 42] والفلك من مصنوعات بني آدم. # وهذا مثل قوله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون} [سورة الصافات: 96] ~~PageV03P259 # فإن طائفة من المثبتة (1) للقدر قالوا: إن " ما " هاهنا مصدرية، وإن ~~المراد: خلقكم وخلق أعمالكم، وهذا ضعيف جدا. # والصواب أن " ما " هاهنا بمعنى الذي، وأن المراد: والله خلقكم (2) ~~والأصنام التي تعملونها. # كما في حديث حذيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (3) : " «إن الله ~~خلق كل صانع وصنعته» ". (4) # وأنه (5) قال: {أتعبدون ما تنحتون - والله خلقكم وما تعملون} [سورة ~~الصافات: 95، 96] فذمهم وأنكر عليهم عبادة ما ينحتونه (6) من الأصنام، ثم ~~ذكر أن الله خلق العابد والمعبود والمنحوت. # وهو سبحانه الذي يستحق أن يعبد، ولو أريد: والله خلقكم PageV03P260 # وأعمالكم كلها، لم يكن هذا مناسبا، فإنه قد ذمهم على العبادة، وهي من ~~أعمالهم، فلم يكن في ذكر كونه خالقا لأعمالهم ما يناسب الذم بل هو إلى ~~العذر أقرب. # ولكن هذه الآية تدل على أنه خالق لأعمال (1) العباد من وجه آخر، وهو أنه ~~إذا خلق المعمول الذي عملوه وهو الصنم المنحوت فقد خلق التأليف القائم به، ~~وذلك مسبب من (2) عمل ابن آدم وخالق المسبب (3) خالق السبب بطريق الأولى. # وصار هذا كقوله: {وخلقنا لهم من مثله ما يركبون} [سورة يس: 42] . # ومعلوم أن السفن إنما ينجر (4) خشبها ويركبها بنو آدم، فالفلك معمولة لهم ~~(5) كما هي (6) الأصنام ms0681 معمولة لهم وكذلك سائر ما يصنعونه من الثياب (7) ~~والأطعمة والأبنية، فإذا كان الله قد أخبر أنه خلق الفلك المشحون وجعل ذلك ~~من آياته ومما أنعم الله به على عباده - علم أنه خالق أفعالهم. # وعلى قول القدرية لم يخلق إلا الخشب الذي يصلح أن يكون سفنا وغير سفن، ~~ومعلوم أن مجرد خلق المادة لا يوجب خلق الصورة التي حصلت بأفعال بني آدم إن ~~لم يكن خالقا (8) للصورة. PageV03P261 # ومثل هذا قوله تعالى: {والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود ~~الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم} [سورة النحل: 80] إلى ~~قوله: {والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم ~~سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون} ~~[سورة النحل: 81] (1) . # ومعلوم أن خلق البيوت المبنية والسرابيل المصنوعة هو كخلق السفن المنجورة ~~(2) ، وقد أخبر الله (3) أن الفلك صنعة بني آدم مع إخباره أنه خلقها كما ~~قال تعالى عن نوح عليه السلام: {ويصنع الفلك} . # وأيضا ففي القرآن من ذكر (4) وأنه هو تبارك وتعالى يحدث من ذلك ما يطول ~~وصفه كقوله تعالى: {فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة} [سورة الأعراف: 30] ~~، وقوله تعالى: {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه} ~~[سورة البقرة: 213] ، وقوله: {ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم ~~وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون} [سورة الحجرات: 7] ~~ومعلوم أنه لم يرد بذلك الهداية المشتركة بين المؤمن والكافر، مثل إرسال ~~الرسل والتمكين (5) من الفعل وإزاحة العلل، بل أراد ما يختص به المؤمن. ~~PageV03P262 # كما دل عليه القرآن في مثل (1) قوله تعالى: {واجتبيناهم وهديناهم إلى ~~صراط مستقيم} [سورة الأنعام: 87] وقوله: {وآتيناهما الكتاب المستبين - ~~وهديناهما الصراط المستقيم} [سورة الصافات: 117، 118] . # ومنه قولنا (2) في الصلاة: {اهدنا الصراط المستقيم - صراط الذين أنعمت ~~عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [سورة الفاتحة: 6، 7] فإن الهداية ~~المشتركة حاصلة لا تحتاج أن تسأل (3) ، وإنما تسأل الهداية التي خص بها ~~المهتدين، ومن تأول ذلك بمعنى زيادة الهدى والتثبيت وقال (4) : كان ذلك ~~جزاء ms0682 - كان متناقضا. # فإنه يقال: هذا المطلوب إن لم يكن حاصلا (5) باختيار العبد لم يثب عليه، ~~فإنه إنما يثاب على ما فعله باختياره (6 وإن كان باختياره 6) (6) فقد ثبت ~~أن الله يحدث الفعل الذي يختاره العبد، وهذا مذهب أهل السنة. # وكذلك ما أخبر الله في القرآن من إضلال وهدى ونحو ذلك، فإنهم قد يتأولون ~~ذلك بأنه جزاء على ما تقدم، وعامة تأويلاتهم مما يعلم بالاضطرار أن الله ~~ورسوله لم يردها بكلامه مع أن هذا الجزاء مما يثاب الفاعل عليه وإن جوزوا ~~أن الله يثيب العبد على ما ينعم به على العبد (7) PageV03P263 # من فعله الاختياري جاز أن ينعم عليه ابتداء باختياره الطاعة، وإن لم يجز ~~عندهم الثواب والعقاب على ما يجعل العبد فاعلا له بطل أن يريد (1) هدى أو ~~ضلالة يثاب عليها أو يعاقب عليها، وامتنع أن يكون ما أخبر أنه فعله من جعل ~~الأغلال في أعناقهم وجعله من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا ونحو ذلك هو مما ~~يعاقبون عليه. (2) وقد قال تعالى: {إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من ~~يضل} [سورة النحل: 37] فأخبر أنه من أضله (3) الله لا يهتدي. # وفي الجملة ففي القرآن من الآيات المبينة أن الله خالق أفعال العباد، ~~وأنه هو الذي يقلب قلوب العباد (4) فيهدي من يشاء ويضل من يشاء، وأنه هو ~~المنعم بالهدى على من أنعم عليه، ما يتعذر استقصاؤه في هذه المواضع (5) . # وكذلك فيه ما يبين عموم (6) خلقه لكل شيء كقوله: {الله خالق كل شيء} ~~[سورة الرعد: 16] وغير ذلك، وفيه ما يبين أنه فعال لما يريد، وفيه ما يبين ~~أنه لو شاء لهدى الناس جميعا، وأمثال ذلك مما يطول وصفه. # وإذا قيل: هذه متأولة عند (7) القدرية لأنها من المتشابه عندهم. ~~PageV03P264 # كان الجواب من وجهين؛ أحدهما: أن هذا مقابل بتأويلات الجبرية لما احتجوا ~~به، وبقولهم هذا متشابه وهو (1) لم يذكر إلا مجرد النصوص، فذكرنا النصوص من ~~الطرفين. # الثاني: أن نبين فساد تأويلاتهم واحدا واحدا كما بسط في موضع آخر، وفي ~~تأويلاتهم من تحريف الكلم عن ms0683 مواضعه ومخالفة اللغة وتناقض المعاني ومخالفة ~~إجماع سلف الأمة وأئمتها - ما يبين بعضه بطلان تحريفاتهم، ويبين أنه ليس في ~~القرآن محكم يناقض هذا حتى يقال: إن هذا متشابه وذلك محكم، بل القرآن يصدق ~~بعضه بعضا. # ومن فتح هذا الباب من أهل البدع لم يكن له ثبات، فإن خصمه يفعل كما يفعل، ~~فلا يبقى في يده (2) حجة سليمة عن المعارضة بمثلها، كيف وعامة تأويلاتهم ~~مما يعلم بالاضطرار أن الله ورسوله لم يردها بكلامه] (*) (3) . ### | [فصل من كلام الرافضي على الأفعال الاختيارية " القادر يمتنع أن يرجح مقدوره " والرد عليه] # فصل. # قال الرافضي (4) : قال الخصم: القادر يمتنع أن يرجح مقدوره (5) من غير ~~مرجح، ومع الترجيح (6) يجب الفعل فلا قدرة PageV03P265 # ولأنه يلزم أن يكون الإنسان شريكا لله (1) ؛ ولقوله تعالى: {والله خلقكم ~~وما تعملون} [سورة الصافات: 96] . # قال: (2) والجواب عن الأول المعارضة بالله تعالى، فإنه تعالى (3) قادر، ~~فإن افتقرت القدرة إلى المرجح، وكان المرجح موجبا للأثر لزم أن يكون الله ~~(4) موجبا لا مختارا، فيلزم (5) الكفر. والجواب عن الثاني (6) : أي شركة ~~هنا والله هو القادر على قهر العبد وإعدامه، ومثل (7) هذا أن السلطان إذا ~~ولى شخصا بعض البلاد (8) فنهب وظلم وقهر (9) فإن السلطان متمكن (10) من ~~قتله والانتقام منه واستعادة ما أخذه (11) ، وليس (12) يكون شريكا للسلطان. ~~والجواب عن الثالث (13) أنه إشارة إلى الأصنام التي كانوا ينحتونها ~~ويعبدونها، فأنكر عليهم وقال: {أتعبدون ما تنحتون - والله خلقكم وما ~~تعملون} [سورة الصافات: 95، 96] . PageV03P266 # فيقال: لم يذكر (1) إلا شيئا يسيرا، ولم يذكر تقرير أدلتهم على وجهها، ~~ومع هذا فالأدلة الثلاثة التي ذكرها لهم (2) ليس عنها جواب صحيح. # أما الأول فإن المستدل بذلك الدليل لا يقول [إنه] (3) إذا وجب الفعل فلا ~~قدرة، فإن أهل الإثبات يقولون: إن العبد له قدرة. # وهذا مذهب عامة (4) أهل السنة حتى غلاة المثبتين (5) للقدر كالأشعرية، ~~فإنهم متفقون على أن العبد له قدرة. # وهذا الدليل المذكور قد احتج به أبو عبد الله الرازي وغيره، وهو يصرح ~~بأنه يقول بالجبر، ومع هذا فإنه يقول: إن (6) للعبد قدرة، وإن كانوا ~~متنازعين هل هي ms0684 مؤثرة في مقدورها (7) ، أو في بعض صفاته، أو لا تأثير لها. # [قال أبو الحسين البصري وغيره من المعتزلة (8) : إن الفعل لا يكفي فيه ~~مجرد القدرة، بل يتوقف على الداعي، فيقولون: إن القادر المختار لا ~~PageV03P267 # يرجح بمجرد القدرة، بل بداع يقرن مع القدرة، كما يقول ذلك أكثر المثبتين ~~للقدر، فإنهم يقولون: إن الرب تعالى لا يرجح بمجرد القدرة، بل بإرادة مع ~~القدرة. # وكذلك يقول كثير منهم في حق العبد: لا يرجح بمجرد القدرة، (1 بل بداع مع ~~القدرة. 1) (1) وقد قال هذا كثير من أصحاب الأئمة الأربعة، وقاله من أصحاب ~~أحمد القاضي أبو خازم (2) بن القاضي أبي يعلى] (3) . # وقد تقدم أن القول الوسط في ذلك أن لها تأثيرا من جنس تأثير (4) الأسباب ~~في مسبباتها ليس لها تأثير الخلق والإبداع ولا وجودها كعدمها. # وتوجيه هذا الدليل (5) أن القادر يمتنع أن يرجح أحد مقدوريه (6) إلا ~~بمرجح [وذلك أنه (7) إذا كان الفعل والترك نسبتهما إلى القادر سواء كان ~~ترجيح أحدهما على الآخر ترجيحا لأحد المتماثلين على الآخر بلا مرجح، وهذا ~~ممتنع في بدائه (8) العقول. # وهذا مبسوط في موضع آخر، وتبين فيه (9) خطأ من زعم أن القادر PageV03P268 # يرجح أحد المقدورين المتماثلين بلا مرجح] (1) وذلك المرجح لا يكون من ~~العبد؛ لأن القول فيه كالقول في فعل العبد، فإن كان المرجح له قدرة العبد، ~~فالقادر لا يرجح إلا بمرجح، فلا بد أن يكون المرجح [من الله، وعند وجود ~~المرجح] (2) يجب وجود الفعل (3) وإلا لم يكن مرجحا تاما، فإنه إذا كان بعد ~~وجود المرجح يجوز (4) وجود الفعل وعدمه كما كان قبل المرجح كان ممكنا، ~~والممكن لا يترجح وجوده على عدمه إلا بمرجح، فلا بد من مرجح تام يجب عنده ~~وجود الفعل. # وإذا كان العبد لا يحصل فعله إلا بمرجح من الله تعالى، وعند وجود ذلك ~~المرجح يجب وجود (5) الفعل - كان فعله كسائر الحوادث التي تحدث بأسباب ~~يخلقها الله تعالى يجب وجود الحادث عندها. # وهذا معنى كون الرب [تبارك وتعالى] خالقا (6) لفعل العبد، ومعنى ذلك أن ~~الله تعالى يخلق في العبد ms0685 القدرة التامة والإرادة الجازمة، وعند وجودهما ~~(7) يجب وجود الفعل؛ لأن (8) هذا سبب تام للفعل، فإذا وجد السبب التام وجب ~~وجود المسبب. PageV03P269 # والله هو الخالق للمسبب (1) أيضا، كما أنه إذا خلق النار في الثوب فإنه ~~لا بد (2) من وجود الحريق عقيب (3) ذلك، والكل مخلوق لله تعالى. # وأما معارضة ذلك (4) بفعل الله تعالى فالجواب عن ذلك (5) من وجوه: # أحدها: أن هذا برهان عقلي يقيني، واليقينيات لا يمكن أن يكون لها معارض ~~يبطلها، وقدر أن المحتج بهذا من يقول بالموجب بالذات، (6) فهذا لا ينقطع ~~بما ذكرته، لا سيما وعندهم هذه المسألة من العقليات التي تعلم بدون السمع، ~~فلا بد فيها من جواب عقلي. # الثاني: أن يقال: قدرة الرب * (7) [لا يفعل بها إلا مع وجود مشيئته، فإن ~~ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وليس كل ما كان قادرا عليه فعله. # قال تعالى: {بلى قادرين على أن نسوي بنانه} [سورة القيامة: 4] . # وقال تعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت ~~أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض} [سورة الأنعام: 65] . # وقد ثبت في الصحيحين «عن جابر - رضي الله عنه - أنه لما نزلت هذه الآية ~~{قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم} قال PageV03P270 # النبي صلى الله عليه وسلم: " أعوذ بوجهك "، {أو من تحت أرجلكم} قال: " ~~أعوذ بوجهك "، {أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض} قال: " هاتان أهون» " ~~(1) . # وقال تعالى: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا} [سورة يونس: 99] ~~، وقد قال تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة} [سورة هود: 118] ، ~~وقال: {ولو شاء الله ما اقتتلوا} [سورة البقرة: 253] ومثل هذا متعدد في ~~القرآن. # وإذا كان لو شاءه لفعله، دل على أنه قادر عليه؛ فإنه لا يمكن فعل غير ~~المقدور، وإذا كان كذلك علم أن الفعل لو وجد بمجرد كونه قادرا لوقع كل ~~مقدور، بل لا بد مع القدرة من الإرادة. # وحينئذ قول القائل: فقدرة الرب] (*) (2) تفتقر إلى مرجح، لكن المرجح هو ~~إرادة الله ms0686 تعالى، وإرادة الله لا يجوز أن تكون من غيره، بخلاف إرادة ~~العبد، وإذا كان المرجح إرادة الله، كان فاعلا باختياره لا موجبا بذاته ~~بدون اختياره، وحينئذ فلا يلزم الكفر. # الثالث أن يقال: ما تعني بقولك يلزم أن يكون الله موجبا بذاته؟ أتعني به ~~(3) أن يكون موجبا للأثر بلا قدرة ولا إرادة (4) ، أو تعني PageV03P271 # به أن يكون الأثر واجبا عند وجود (1) المرجح الذي هو الإرادة مثلا مع ~~القدرة. # فإذا (2) عنيت الأول لم يسلم التلازم، (3) فإن الفرض (4) أنه قادر، وأنه ~~مرجح [بمرجح] (5) فهنا شيئان: قدرة وأمر آخر، وقد فسرنا ذلك بالإرادة، فكيف ~~يقال: إنه مرجح بلا قدرة ولا إرادة. # وإن أردت أنه يجب وجود الأثر إذا حصلت الإرادة مع القدرة فهذا حق، وهذا ~~مذهب المسلمين، وإن سمى مسم هذا موجبا بالذات كان نزاعا لفظيا، والمسلمون ~~يقولون: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فما شاء الله وجوده وجب وجوده ~~بمشيئته وقدرته، وما لم يشأ وجوده امتنع وجوده لعدم مشيئته وقدرته، (6) ~~فالأول واجب بالمشيئة، والثاني ممتنع لعدم المشيئة، وأما ما يقوله القدرية ~~من أن الله يشاء ما لا يكون ويكون ما لا يشاء (7) فهذا الذي أنكره أهل ~~السنة والجماعة عليهم. # والرابع أن يقال له: (8) إنه هو سبحانه قادر، فإذا أراد حدوث مقدور (9) ، ~~فإما أن يجب وجوده، وإما أن لا يجب، فإن وجب حصل PageV03P272 # المطلوب وتبين وجوب (1) الأثر عند المرجح، سواء (2) سميت هذا موجبا ~~بالذات أو لم تسمه (3) ، وإن لم يجب وجوده كان وجوده ممكنا قابلا للوجود ~~والعدم، (4 فوجوده دون عدمه ممكن 4) (4) فلا بد له من مرجح، وهكذا هلم (5) ~~جرا، كل ما قدر قابلا للوجود ولم يجب (6) وجوده كان وجوده (* ممكنا محتملا ~~للوجود والعدم، فلا يوجد حتى يحصل المرجح التام الموجب بالذات (7) لوجوده، ~~فتبين أن كل ما وجد فقد وجب وجوده *) (8) بمشيئة الله وقدرته، وهو المطلوب. # وهذا قول طائفة من المعتزلة (9) . كأبي الحسين البصري وغيره، وطائفة من ~~القدرية في هذا الباب يقولون: عند وجود المرجح صار الفعل أولى به، ولا ~~تنتهي الأولوية ms0687 (10) إلى حد الوجوب [كما يقول ذلك محمود الخوارزمي الزمخشري ~~ونحوه] (11) PageV03P273 # وهو (1) باطل، فإنه إذا لم ينته إلى حد الوجوب كان ممكنا فيحتاج إلى ~~مرجح، فما ثم إلا واجب أو ممكن، والممكن يقبل الوجود والعدم. # وطائفة ثالثة من القدرية [والجهمية ومن اتبعهم من أصحاب أبي الحسين (2) ~~وغيرهم من المتكلمين، وطوائف من أصحاب الأئمة الأربعة والشيعة وغيرهم] (3) ~~يقولون: القادر يرجح بلا مرجح، فيجعلون الإرادة حادثة بلا مرجح لحدوثها، ~~ويجعلون إرادة الله حادثة لا في محل، ويجعلون الفعل معها ممكنا لا واجبا، ~~وهذا من أصولهم التي اضطربوا فيها في مسألة فعل الله، وحدوث العالم، وفي ~~مسألة فعل (4) العبد والقدر. # الوجه الخامس: أن يقال: لفظ الموجب (5) بالذات لفظ فيه إجمال، فإن عني به ~~ما يعنيه الفلاسفة (6) من أنه علة تامة مستلزمة (7) للعالم فهذا باطل ; لأن ~~العلة التامة تستلزم معلولها، ولو كان العالم معلولا لازما لعلة أزلية لم ~~يكن فيه حوادث، فإن الحوادث لا تحدث (8) عن علة تامة أزلية، وهذا خلاف ~~المحسوس. PageV03P274 # وسواء قيل: إن تلك العلة التامة ذات مجردة عن الصفات، كما يقوله نفاة ~~الصفات من المتفلسفة كابن سينا وأمثاله، أو قيل: إنه ذات (1) موصوفة ~~بالصفات لكنها مستلزمة لمعلولها - فإنه باطل أيضا (2) . # وإن (3) فسر الموجب بالذات بأنه يوجب (4) بمشيئته وقدرته كل واحد [واحد] ~~(5) من المخلوقات في الوقت الذي أحدثه فيه (6) ، فهذا دين المسلمين وغيرهم ~~من أهل الملل ومذهب أهل السنة. فإذا قالوا: إنه بمشيئته وقدرته يوجب (7) ~~أفعال العباد وغيرها (8) من الحوادث [فهو] (9) موافق لهذا المعنى لا للمعنى ~~الذي قالته الدهرية. # الوجه السادس أن يقال: (10) ما ذكرته أنت من الحجة العقلية وهو استناد ~~أفعالنا الاختيارية إلينا، ووقوعها بحسب اختيارنا - معارض بما ليس من ~~أفعالنا مثل الألوان، فإن الإنسان يحصل اللون الذي يريد حصوله في الثوب ~~بحسب اختياره، وهو مستند إلى طبيعته وصنعته، (11) ومع هذا فليس اللون ~~مفعولا له. PageV03P275 # وأيضا فما ينبت من الزرع والشجر قد يحصل بحسب (1) اختياره، وهو مستند إلى ~~ازدراعه (2) ، وليس الإنبات من فعله، فليس كل ما استند إلى العبد ووقع بحسب ~~اختياره ms0688 كان مفعولا له، وهذه المعارضة (3) أصح من تلك، فإنها معارضة عقلية ~~بنفس ألفاظ الدليل، (4 وتلك ليست معارضة عقلية (4) ولا هي بنفس ألفاظ ~~الدليل 4) (5) . # [الوجه (6) السابع: أن يقال: هذا الإمامي وأمثاله متناقضون، فإنه قد ذكر ~~في غير هذا الموضع أنه مع الداعي والقدرة (7 يجب الفعل، وهنا قال: إنه مع ~~الداعي والقدرة 7) (7) لا يجب الفعل، فعلم أن القوم يتكلمون بحسب ما يرونه ~~(8) ناصرا لقولهم، لا يعتمدون على حق يعلمونه، ولا يعرفون حقا (9) يقصدون ~~نصره. ### | فصل الكلام على قول الرافضي أي شركة هنا والرد عليه # فصل] (10) . # وأما قوله: أي شركة هنا؟ (11) . # فيقال: إذا كانت الحوادث حادثة (12) بغير فعل الله ولا قدرته (13) فهذه ~~PageV03P276 # مشاركة لله (1) صريحة [ولهذا شبه هؤلاء بالمجوس الذين يجعلون فاعل الشر ~~غير فاعل الخير، فيجعلون لله شريكا آخر] (2) وما ذكره من التمثيل بالسلطان ~~يقرر المشاركة، فإن [نواب] (3) السلطان شركاء له [في ملكه] (4) ، وهو محتاج ~~إليهم، ليس هو خالقهم ولا ربهم، [بل ولا خالق قدرتهم] (5) بل هم معاونون له ~~على تدبير الملك بأمور خارجة عن قدرته، ولولا ذلك لكان عاجزا عن الملك. # فمن جعل أفعال العباد مع الله بمنزلة أفعال نواب السلطان معه فهذا (6) ~~صريح الشرك الذي لم يكن يرتضيه عباد الأصنام؛ لأنه (7) شرك في الربوبية لا ~~في الألوهية، فإن عباد الأصنام كانوا يعترفون بأنها (8) مملوكة لله، ~~فيقولون: لبيك لا شريك لك، إلا شريكا (9) هو لك تملكه وما ملك. # وهؤلاء يجعلون ما يملكه (10) العبد من أفعاله ملكا لله (11) PageV03P277 # ولهذا قال ابن عباس [رضي الله عنهما] : (1) الإيمان بالقدر نظام التوحيد، ~~فمن (2) وحد الله وآمن بالقدر تم توحيده، ومن وحد الله وكذب بالقدر نقص ~~تكذيبه توحيده (3) . # وقول القدرية يتضمن (4) الإشراك والتعطيل، فإنه يتضمن إخراج بعض الحوادث ~~عن أن يكون لها فاعل، ويتضمن إثبات فاعل مستقل غير الله. # وهاتان شعبتان من شعب (5) الكفر، فإن أصل كل كفر التعطيل أو الشرك (6) ، ~~وبيان ذلك أنهم يقولون: إن الإنسان صار مريدا فاعلا بإرادته بعد أن لم يكن ~~كذلك بدون محدث أحدث ذلك، فإنه لم يكن مريدا للفعل ولا ms0689 فاعلا له، (7 ثم صار ~~مريدا للفعل فاعلا له 7) (7) . # وهذا الأمر (8) حادث بعد أن لم يكن، وهو عندهم حادث بلا إحداث أحد، وهذا ~~أصل التعطيل، فمن جوز أن يحدث حادث بلا إحداث أحد، وأن يترجح وجود الممكن ~~على عدمه بلا مرجح، وأن يتخصص أحد المتماثلين بلا مخصص - كان هذا تعطيلا ~~لجنس الحوادث والممكنات PageV03P278 # أن يكون (1) لها فاعل، والله فاعلها بلا شك، فهو (2) تعطيل له (3) أن ~~يكون خالقا لمخلوقاته. # وأما الشرك فلأنهم يقولون: العبد مستقل بإحداث هذا الفعل من غير أن يكون ~~الله جعله محدثا له، كأعوان الملوك الذين يفعلون أفعالا بدون أن يكون ~~الملوك جعلتهم فاعلين لها، وهذا إثبات شركاء مع الله يخلقون كبعض (4) ~~مخلوقاته. # وهذان المحذوران - التعطيل والإشراك في الربوبية - لازمان (5) لكل من ~~أثبت فاعلا مستقلا غير الله، كالفلاسفة الذين يقولون: إن الفلك يتحرك (6) ~~حركة اختيارية، بسببها تحدث الحوادث من غير أن يكون قد حدث من جهة الله ما ~~يوجب حركته، ولا كان فوقه متجدد (7) يقتضي حركته، وذلك لأن حركة الفلك ~~حينئذ باختياره تكون كحركة الإنسان باختياره. # فيقال: مصير الفلك متحركا باختياره وقدرته (8) أمر ممكن لا واجب بنفسه، ~~فلا بد [له] (9) من مرجح تام، وما من وقت إلا وهو يتحرك فيه PageV03P279 # باختياره وقدرته، فلا بد لكونه متحركا من أمر أوجب ذلك، وإلا لزم حدوث ~~الحوادث (1) بلا محدث. # فإن قيل: الموجب بذاته هو المرجح أو الفاعل (2) : سواء كان بواسطة أو بلا ~~واسطة، وهي (3) ما صدر عنه من العقل أو العقول (4) . # قيل: هذا باطل؛ لأن الموجب بذاته على حال (5) واحدة عندهم من الأزل إلى ~~الأبد، فيمتنع أن يصدر عنه حادث بعد أن لم يكن ذلك الحادث صادرا عنه، وكل ~~جزء من أجزاء الحركة حادث بعد أن لم يكن، (6) فيمتنع أن يكون [ذلك الحادث] ~~ثابتا (7) في الأزل، فامتنع أن يكون فاعله علة تامة في الأزل، (8 فعلم ~~امتناع صدور هذه الحوادث عن علة تامة في الأزل 8) (8) . # وأيضا فمرجح الحوادث إن كان مرجحا تاما (9) في الأزل لزمه المفعول، ولم ~~يحدث عنه بعد ذلك شيء، وإن ms0690 لم يكن مرجحا تاما (10) في الأزل، فقد صار مرجحا ~~بعد أن لم يكن، ويمتنع أن يكون غيره جعله مرجحا، فيكون المرجح له ما يقوم ~~به من إرادته ونحو ذلك، وتلك (11) الأمور لم تكن PageV03P280 # مرجحا تاما في الأزل، وإلا لبطلت (1) الحوادث، فامتنع أن يكون صدر عن ~~المرجح في الأزل شيء [مقارن له] (2) فامتنع قدم الفلك. # وأيضا صار مرجحا لما يرجحه بعد أن لم يكن كذلك فوجب إضافة الحوادث إليه؛ ~~لوجوب إضافة الحوادث (3) إلى المرجح التام، فثبت أن فوق الأفلاك مؤثرا ~~يتجدد تأثيره وهو المطلوب. # وهؤلاء إذا لم يثبتوا ذلك كانوا معطلين لحركة الفلك والحوادث (4) أن يكون ~~لها فاعل، وهذا التعطيل أعظم من تعطيل أفعال العباد [أن يكون لها محدث] (5) ~~. # وأيضا فقد جعلوا الفلك [يفعل] (6) بطريق الاستقلال، كما جعلت القدرية ~~الحيوان يفعل بطريق الاستقلال من غير أن يخلق الله له عند كل حركة قدرة (7) ~~مقارنة للحركة؛ لأن الفلك عندهم تحدث عنه الثانية بعد الأولى، فشرط الثانية ~~انقضاء الأولى، كالذي يقطع (8) مسافة شيئا بعد شيء، ولكن ذاك الذي يقطع ~~المسافة إنما قطع الثانية بقدرة وإرادة قامت به وحركات قطع بها الثانية، ~~فالفاعل تجدد له من الإرادة والقوة ما قطع به المسافة الثانية، فكان يجب أن ~~يتجدد للفلك في كل وقت من PageV03P281 # الإرادة والقدرة ما يتحرك به، (1) لكن المجدد له [ذلك] (2) لا بد أن يكون ~~غيره؛ لأنه ممكن لا واجب، فالحوادث (3) فيه لا يجوز أن تكون منه؛ لأنه إن ~~أحدث (4) الثاني بعد الأول لزم أن يكون المؤثر التام موجودا عند الثاني، ~~وإن كان حصل له كمال التأثير [في] (5) الثاني بعد انقضاء الأول فلا بد لذلك ~~الكمال من فاعل، وهؤلاء يجوزون أن يكون فاعله ما تقدم (6) فوجب أن يكون له ~~في كل حال من الأحوال فاعل يحدث ما به يتحرك، وهذا بخلاف الواجب بنفسه، فإن ~~ما يقوم به من الأفعال لا يجوز أن يصدر عن غيره. ### | [شرك الفلاسفة وتعطيلهم أعظم بكثير من شرك القدرية وتعطيلهم] # وشرك هؤلاء المتفلسفة وتعطيلهم أعظم بكثير من شرك القدرية وتعطيلهم ms0691، فإن ~~هؤلاء يجعلون (7) الفلك هو المحدث للحوادث التي في الأرض كلها، فلم يجعلوا ~~لله شيئا أحدثه، (8) بخلاف القدرية فإنهم أخرجوا عن إحداثه أفعال الحيوان ~~وما تولد عنها. فقد لزمهم التعطيل من إثبات حوادث بلا محدث وتعطيل الرب عن ~~(9) إحداث شيء من الحوادث، وإثبات شريك فعل جميع الحوادث. PageV03P282 # ومن العجب أنهم ينكرون على القدرية [وغيرهم] (1) قولهم: إن الرب ما زال ~~عاطلا عن الفعل حتى أحدث العالم، وهم يقولون: ما زال ولا يزال معطلا عن ~~الإحداث، بل عن الفعل، فإن ما لزم ذاته كالعقل (2) والفلك ليس هو في ~~الحقيقة فعلا له؛ إذ الفعل لا يفعل (3) إلا شيئا بعد شيء، فأما ما لزم ~~الذات (4) فهو من باب الصفات بمنزلة لون (5) الإنسان وطوله، فإنه يمتنع أن ~~يكون فعلا له، بخلاف حركاته (6) فإنها فعل له، وإن قدر أنه لم يزل متحركا ~~كما يقال في نفس الإنسان (7) : إنها لم تزل تتحول (8) من حال إلى حال، وإن ~~القلب أشد تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانا (9) - فكون (10) الفاعل الذي ~~هو في نفسه يقوم به فعله (11) يحدث شيئا بعد شيء معقول، (12) بخلاف ما لزمه ~~لازم يقارنه في الأزل، فهذا لا يعقل أن يكون مفعولا له. # فتبين أنهم في الحقيقة لا يثبتون للرب فعلا أصلا، فهم معطلة حقا ~~PageV03P283 # وأرسطو وأتباعه إنما أثبتوا (1) العلة الأولى من جهة كونها (2) علة ~~غائية، (3) كحركة الفلك، فإن حركة الفلك عندهم بالاختيار كحركة الإنسان، ~~والحركة الاختيارية لا بد لها من مراد، فيكون هو مطلوبها. # [ومعنى ذلك عندهم أن الفلك يتحرك للتشبه (4) بالعلة الأولى كحركة المؤتم ~~بإمامه والمقتدي (5) بقدوته، وهذا معنى تشبيهه بحركة المعشوق للعاشق، ليس ~~المعنى أن ذات الله محركة للفلك، إنما مرادهم أن مراد الفلك أن يكون مثله ~~بحسب الإمكان، وهذا باطل من وجوه لبسطها موضع آخر] (6) . # فقالوا: إن العلة الأولى وهي (7) التي يتحرك الفلك لأجلها (8) علة له ~~تحركه (9) كما تحرك العاشق للمعشوق (10) بمنزلة الرجل الذي اشتهى طعاما ~~(11) ، فمد يده إليه أو رأى من يحبه، فسعى إليه - فذاك (12) المحبوب هو ~~المحرك؛ لكون المتحرك أحبه، لا ms0692 لكونه أبدع الحركة ولا فعلها. PageV03P284 # وحينئذ فلا يكون (1) قد أثبتوا لحركة الفلك محدثا أحدثها غير الفلك، كما ~~[لم] (2) تثبت القدرية لأفعال الحيوان محدثا أحدثها (3) غير الحيوان؛ ولهذا ~~كان الفلك عندهم حيوانا كبيرا، بل يقولون: إن الفلك يتحرك للتشبه (4) ~~بالعلة الأولى؛ لأن (5) العلة الأولى معبودة له محبوبة له. # ولهذا قالوا: إن الفلسفة هي التشبه بالإله (6) على حسب الطاقة. ففي ~~الحقيقة ليس عندهم الرب: لا إلها للعالم (7) ولا ربا للعالمين [بل (8) غاية ~~ما يثبتونه أنه (9) يكون شرطا في وجود العالم] (10) وأن كمال المخلوق في أن ~~يكون متشبها به، (11) فهذا هو الألوهية عندهم، وذلك هو الربوبية (12) ؛ ~~ولهذا كان قولهم شرا من قول اليهود والنصارى، وهم أبعد عن المعقول والمنقول ~~منهم، كما قد بسط في غير هذا الموضع (13) . PageV03P285 # فتبين أن هؤلاء المتفلسفة قدرية في جميع حوادث العالم، وأنهم من أضل بني ~~آدم؛ ولهذا يضيفون الحوادث إلى الطبائع التي في الأجسام، فإنها (1) بمنزلة ~~القوى التي في الحيوان، فيجعلون كل محدث فاعلا مستقلا، كالحيوان عند ~~القدرية، ولا يثبتون محدثا للحوادث (2) . # وحقيقة قول القوم (3) الجحود لكون الله رب العالمين، (4) (4 فلا يثبتون ~~أن يكون الله رب العالمين 4) (5) ، بل غايتهم (6) أن يجعلوه (7) شرطا في ~~وجود العالم، وفي التحقيق هم معطلة لكون الله رب العالمين، كقول من قال: إن ~~الفلك واجب الوجود [بنفسه] (8) منهم. # لكن هؤلاء أثبتوا علة (9) إما غائية عند قدمائهم، وإما فاعلية عند ~~متأخريهم، وعند التحقيق لا حقيقة لما أثبتوه (10) ؛ ولهذا أنكره الطبائعيون ~~(11) منهم. # وإذا قدر أن الفلك يتحرك باختياره من غير أن يكون الله خالقا لحركته، فلا ~~دليل على (12) أن المحرك له علة (13) معشوقة يتشبه بها، بل يجوز ~~PageV03P286 # أن يكون المتحرك هو المحرك، كما قد بسط الكلام على هذا في غير هذا ~~الموضع، وتبين (1) الكلام على [بطلان] ما ذكره (2) أرسطو في العلم الإلهي ~~من وجوه متعددة، وأن هؤلاء من أجهل الناس بالله [عز وجل] . (3) # ومن دخل في أهل الملل [منهم] (4) كالمنتسبين إلى الإسلام كالفارابي وابن ~~سينا ونحوهما من ملاحدة (5) المسلمين، وموسى بن ميمون ونحوه من ملاحدة ~~اليهود ms0693، ومتى ويحيى بن عدي ونحوهما من ملاحدة النصارى - فهم مع كونهم من ~~ملاحدة أهل الملل، فهم أصح عقلا (6) ونظرا في العلم الإلهي من المشائين ~~كأرسطو وأتباعه، وإن كان لأولئك من تفصيل الأمور الطبيعية والرياضية أمور ~~كثيرة سبقوا هؤلاء إليها (7) . # فالمقصود هنا أن الأمور الإلهية أولئك أجهل بها وأضل فيها، (8) فإن هؤلاء ~~حصل لهم نوع ما من نور أهل الملل وعقولهم (9) وهداهم، فصاروا به أقل ظلمة ~~من أولئك؛ ولهذا عدل ابن سينا عن طريقة سلفه في إثبات العلة الأولى، وسلك ~~الطريقة المعروفة له [في تقسيم الوجود إلى واجب وممكن، وأن الممكن مستلزم ~~للواجب. PageV03P287 # وهذه الطريقة هي المعروفة له] (1) ولمن اتبعه كالسهروردي (2) المقتول ~~ونحوه من الفلاسفة، [وأبي حامد] والرازي (3) والآمدي وغيرهم (4) من متأخري ~~[أهل] الكلام، (5) الذين خلطوا الفلسفة بالكلام. # [وهؤلاء المتكلمون المتأخرون الذين خلطوا الفلسفة بالكلام] (6) : (* كثر ~~(7) اضطرابهم وشكوكهم وحيرتهم بحسب ما ازدادوا به من ظلمة هؤلاء (8) ~~المتفلسفة الذين خلطوا الفلسفة بالكلام *) (9) فأولئك قلت ظلمتهم بما دخلوا ~~فيه من كلام أهل الملل، وهؤلاء كثرت ظلمتهم بما دخلوا فيه من كلام أولئك ~~المتفلسفة. # هذا مع أن في المتكلمين من أهل الملل من الاضطراب والشك في أشياء، ~~والخروج عن الحق في مواضع، واتباع الأهواء (10) في مواضع، والتقصير في الحق ~~في مواضع - ما ذمهم لأجله علماء الملة وأئمة الدين، (11) فإنهم قصروا في ~~(12) معرفة الأدلة العقلية التي ذكرها الله في كتابه، فعدلوا PageV03P288 # عنها إلى طرق (1) أخرى مبتدعة فيها من الباطل ما لأجله خرجوا عن بعض الحق ~~المشترك [بينهم وبين غيرهم] (2) ، ودخلوا في بعض الباطل المبتدع، (3) ~~وأخرجوا من (4) التوحيد ما هو منه كتوحيد الإلهية، وإثبات حقائق أسماء الله ~~وصفاته، ولم يعرفوا من التوحيد إلا توحيد الربوبية، وهو الإقرار بأن الله ~~خالق كل شيء وربه (5) . # وهذا التوحيد كان يقر به المشركون الذين قال الله عنهم: {ولئن سألتهم من ~~خلق السماوات والأرض ليقولن الله} [سورة لقمان: 25] وقال تعالى: {قل من رب ~~السماوات السبع ورب العرش العظيم - سيقولون لله} الآيات (6) [سورة ~~المؤمنون: 86، 87] . # وقال عنهم {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم ms0694 مشركون} [سورة يوسف: 106] . # قال طائفة من السلف: يقول لهم (7) من خلق السماوات والأرض؟ فيقولون: ~~الله، وهم مع هذا (8) يعبدون غيره. # وإنما التوحيد الذي أمر الله به العباد هو توحيد الألوهية، المتضمن ~~PageV03P289 # لتوحيد (1) الربوبية، بأن يعبد الله وحده لا يشركون به شيئا، (2) فيكون ~~الدين كله لله، ولا يخاف إلا الله، ولا يدعى (3) إلا الله، ويكون الله أحب ~~إلى العبد (4) من كل شيء، فيحبون لله، ويبغضون لله، ويعبدون الله ويتوكلون ~~عليه (5) . # والعبادة تجمع غاية الحب وغاية الذل، (6) فيحبون الله بأكمل محبة، ويذلون ~~له (7) أكمل ذل، ولا يعدلون به، ولا يجعلون له أندادا، ولا يتخذون من دونه ~~أولياء ولا شفعاء. # كما قد بين القرآن هذا التوحيد في غير موضع، وهو قطب رحى القرآن الذي ~~يدور عليه [القرآن] (8) وهو يتضمن التوحيد في العلم والقول، والتوحيد في ~~الإرادة والعمل. # فالأول كما في قوله تعالى: {قل هو الله أحد - الله الصمد - لم يلد ولم ~~يولد - ولم يكن له كفوا أحد} [سورة الإخلاص] . ولهذا كانت هذه السورة تعدل ~~ثلث القرآن؛ لأنها صفة الرحمن. # والقرآن ثلثه توحيد، وثلثه قصص، وثلثه أمر ونهي؛ لأنه كلام الله، والكلام ~~إما إنشاء وإما إخبار، والإخبار إما عن الخالق وإما عن PageV03P290 # المخلوق، فصار ثلاثة أجزاء: جزء أمر ونهي وإباحة وهو الإنشاء، وجزء إخبار ~~عن المخلوقين (1) ، وجزء إخبار عن الخالق، ف " {قل هو الله أحد} " صفة ~~الرحمن [محضا] (2) . # [وقد بسطنا الكلام على تحقيق قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «إنها ~~تعدل ثلث القرآن» (3) في مجلد (4) ، وفي تفسيرها في مجلد آخر (5) ] (6) . # و [أما] التوحيد في [العبادة و] الإرادة والعمل (7) فكما في سورة: {قل ~~ياأيها الكافرون - لا أعبد ما تعبدون - ولا أنتم عابدون ما أعبد - ولا أنا ~~عابد ما عبدتم - ولا أنتم عابدون ما أعبد - لكم دينكم ولي دين} [سورة. ~~PageV03P291 # الكافرون] . فالتوحيد [الأول] (1) يتضمن إثبات نعوت الكمال لله بإثبات ~~أسمائه الحسنى وما تتضمنه من صفاته، و [الثاني] : يتضمن (2) إخلاص الدين له ~~كما قال: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} [سورة البينة: 5] ~~فالأول براءة من ms0695 التعطيل، والثاني براءة من الشرك (3) وأصل الشرك (4) : إما ~~التعطيل (5) مثل تعطيل (6) فرعون موسى، والذي حاج إبراهيم في ربه خصم ~~إبراهيم، (7) والدجال مسيح الضلال خصم مسيح الهدى عيسى بن مريم [صلى الله ~~عليه وسلم] (8) ، وإما الإشراك وهو كثير في الأمم أكثر من التعطيل، وأهله ~~خصوم جمهور (9) الأنبياء. # وفي خصوم إبراهيم ومحمد - صلى الله عليه وسلم - معطلة ومشركة، لكن ~~التعطيل المحض [للذات] (10) قليل، وأما الكثير فهو تعطيل صفات الكمال، وهو ~~مستلزم لتعطيل الذات، فإنهم يصفون واجب الوجود بما يوجب (11) أن يكون ممتنع ~~الوجود. PageV03P292 # ثم إنه [كل] من كان (1) إلى الرسول [صلى الله عليه وسلم] (2) وأصحابه ~~والتابعين لهم بإحسان أقرب، كان أقرب إلى كمال التوحيد والإيمان والعقل ~~والعرفان، وكل من كان عنهم أبعد كان عن ذلك أبعد، (3) فمتأخرو متكلمة ~~الإثبات الذين (4) خلطوا الكلام بالفلسفة كالرازي والآمدي ونحوهما هم [دون ~~أبي المعالي الجويني وأمثاله في تقرير التوحيد وإثبات صفات الكمال، وأبو ~~المعالي وأمثاله دون القاضي أبي بكر بن الطيب (5) وأمثاله] (6) في ذلك، ~~وهؤلاء دون أبي الحسن الأشعري في ذلك، والأشعري في ذلك دون أبي محمد (7) بن ~~كلاب، وابن كلاب دون السلف والأئمة في ذلك. # ومتكلمة أهل الإثبات الذين يقرون بالقدر هم خير في التوحيد وإثبات صفات ~~[الكمال] (8) من القدرية من المعتزلة والشيعة وغيرهم؛ (9) لأن أهل الإثبات ~~يثبتون لله كمال القدرة وكمال المشيئة وكمال الخلق وأنه منفرد PageV03P293 # بذلك، فيقولون: إنه وحده (1) خالق كل شيء من الأعيان والأعراض؛ ولهذا ~~جعلوا أخص صفة الرب القدرة على الاختراع، والتحقيق أن القدرة على الاختراع ~~من جملة خصائصه، ليست هي وحدها أخص (2) صفاته. # وأولئك يخرجون أفعال (3) الحيوان عن أن تكون مخلوقة له، وحقيقة قولهم (4) ~~تعطيل هذه الحوادث عن خالق لها، وإثبات شركاء لله يفعلونها [وكثير من ~~متأخرة القدرية يقولون: إن العباد خالقون لها، ولم يكن سلفهم يجترئون على ~~ذلك (5) ] (6) . # وأيضا فمتكلمة أهل [الإثبات] (7) يثبتون لله صفات الكمال كالحياة (8) ~~والعلم والقدرة والكلام (9) والسمع والبصر. # وهؤلاء يثبتون (10) ذلك لكن قصروا في بعض صفات الكمال، وقصروا في ~~التوحيد، فظنوا أن كمال التوحيد هو ms0696 توحيد الربوبية، ولم يصعدوا إلى توحيد ~~الإلهية الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب. PageV03P294 # وذلك أن كثيرا من كلامهم أخذوه من كلام المعتزلة، والمعتزلة مقصرون في ~~هذا الباب، فإنهم لم يوفوا توحيد (1) الربوبية حقه، فكيف بتوحيد الإلهية. # ومع هذا فأئمة المعتزلة وشيوخهم وأئمة الأشعرية والكرامية ونحوهم خير في ~~تقرير توحيد الربوبية من متفلسفة الأشعرية كالرازي والآمدي وأمثال هؤلاء، ~~فإن هؤلاء خلطوا ذلك بتوحيد الفلاسفة كابن سينا (2) وأمثاله، وهو أبعد ~~الكلام عن التحقيق في التوحيد، وإن كان خيرا من كلام قدمائهم أرسطو وذويه. # وذلك أن غايتهم أنهم أثبتوا (3) واجب الوجود، وهذا حق لم ينازع (4) فيه ~~لا معطل ولا مشرك، (5) بل الناس متفقون على إثبات وجود واجب، اللهم إلا ما ~~يحكى عن بعض الناس، قال: إن هذا العالم حدث (6) بنفسه، وكثير من الناس ~~يقولون: [إن] هذا (7) لم تقله طائفة معروفة، وإنما يقدر تقديرا كما تقدر ~~الشبه (8) السوفسطائية ليبحث عنها، (9) وهذا مما يخطر (10) في قلوب ~~PageV03P295 # بعض الناس، كما يخطر أمثاله من السفسطة، لا أنه قول معروف لطائفة ~~[معروفة] (1) يذبون عنه، فإن ظهور فساده أبين من أن يحتاج إلى دليل، إذ ~~حدوث الحوادث بلا محدث من أظهر الأمور امتناعا، والعلم بذلك من أبين العلوم ~~الضرورية. # ثم إنهم لما قرروا واجبا [بذاته] (2) أرادوا أن يجعلوه واحدا وحده، لا ~~يوجد (3) إلا في الأذهان لا في الأعيان، وهو وجود مطلق بشرط الإطلاق، ليس ~~له حقيقة [في الخارج؛ لأن] الوجود (4) المطلق بشرط الإطلاق [لا يوجد إلا في ~~الأذهان لا في الأعيان] (5) أو مقيدا (6) بالسلوب والإضافات، كما يقوله ابن ~~سينا وأتباعه [وهذا أدخل في التعطيل من الأول] (7) . # وزعموا أن هذا هو محض التوحيد (8) مضاهاة للمعتزلة الذين شاركوهم في نفي ~~الصفات، وسموا ذلك توحيدا، فصاروا يتباهون في التعطيل الذي سموه (9) توحيدا ~~أيهم فيه أحذق (10) حتى فروعهم تباهوا بذلك، (11) PageV03P296 # كتباهيهم: كابن سبعين وأمثاله من أتباع الفلاسفة، وابن التومرت (1) ~~وأمثاله من أتباع الجهمية، [فهذا يقول بالوجود المطلق] (2) وهذا يقول (3) ~~بالوجود المطلق، وأتباع كل منهما يباهون [أتباع] الآخرين (4) في الحذق في ~~هذا التعطيل ms0697. # كما [قد] اجتمع بي (5) طوائف من هؤلاء وخاطبتهم في ذلك وصنفت لهم مصنفات ~~في كشف أسرارهم ومعرفة توحيدهم وبيان فساده، فإنهم يظنون أن الناس لا ~~يفهمون كلامهم، فقالوا لي: إن لم [تبين و] تكشف (6) لنا (7) حقيقة هذا ~~الكلام الذي قالوه، ثم تبين فساده وإلا لم PageV03P297 # نقبل (1) ما يقال من رده، فكشفت لهم حقائق مقاصدهم، فاعترفوا بأن ذلك هو ~~المراد، ووافقهم على ذلك رءوسهم، ثم بينت ما في ذلك من الفساد والإلحاد، ~~حتى رجعوا وصاروا يصنفون في كشف باطل سلفهم الملحدين، الذين كانوا عندهم ~~أئمة التحقيق والتوحيد، والعرفان واليقين. ### | أدلة الوحدانية عند الفلاسفة # وعمدة هؤلاء الفلاسفة [في توحيدهم] (2) الذي هو تعطيل [محض] في الحقيقة ~~(3) حجتان: # إحداهما أنه (4) لو كان واجبان (5) لاشتركا في الوجوب وامتاز أحدهما عن ~~الآخر بما يخصه، وما به الاشتراك غير ما به الامتياز، فيلزم أن يكون واجب ~~الوجود مركبا، والمركب مفتقر إلى أجزائه [وأجزاؤه غيره] (6) والمفتقر إلى ~~غيره لا يكون (7) واجبا بنفسه. # والثانية أنهما إذا اتفقا في الوجوب (8) ، وامتاز كل منهما عن الآخر بما ~~يخصه، لزم أن يكون المشترك معلولا للمختص، كما إذا اشترك اثنان في ~~الإنسانية، وامتاز كل منهما عن الآخر بشخصه، فالمشترك معلول للمختص (9) ~~[وهذا باطل هنا. PageV03P298 # وذلك] (1) لأن كلا من (2) المشترك والمختص إن كان أحدهما عارضا [للآخر ~~لزم أن يكون الوجوب عارضا] (3) للواجب أو معروضا له، وعلى التقديرين فلا ~~يكون الوجوب (4) صفة لازمة للواجب، وهذا محال؛ لأن الواجب لا يمكن أن يكون ~~غير واجب. # وإن كان أحدهما لازما للآخر لم يجز أن يكون المشترك علة للمختص؛ لأنه حيث ~~وجدت العلة وجد المعلول، فيلزم أنه حيث وجد المشترك [وجد المختص والمشترك] ~~(5) في هذا وهذا، فيلزم أن يكون ما يختص بهذا في هذا، وما يختص بهذا في ~~هذا، وهذا محال يرفع الاختصاص. # وهذا ملخص ما ذكره ابن سينا في إشاراته (6) هو وشارحو الإشارات كالرازي ~~(7) والطوسي (8) وغيرهما. # وهاتان الحجتان ملخص ما ذكره الفارابي (9) والسهروردي (10) وغيرهما من ~~PageV03P299 # الفلاسفة، وقد ذكرهما بمعناهما أبو حامد الغزالي في " تهافت الفلاسفة " ~~(1) . # وقد أجاب ms0698 عنهما الرازي (2) والآمدي (3) بمنع كون الوجوب صفة ثبوتية، ونحو ~~ذلك من الأجوبة التي نرضاها. # لكن الجواب من وجهين. # أحدهما: المعارضة وذلك أن الوجود ينقسم إلى واجب وممكن، وكل واحد من ~~الوجودين يمتاز عن الآخر بخاصته، (4) فيلزم أن يكون (5) الواجب مركبا مما ~~به الاشتراك، ومما به الامتياز، وأيضا فيلزم أن يكون الوجود الواجب معلولا، ~~والمعارضة أيضا بالحقيقة، فإن الحقيقة تنقسم إلى واجب وممكن، والواجب يمتاز ~~عن الممكن بما يخصه، فيلزم أن تكون الحقيقة الواجبة مركبة من المشترك ~~والمختص، ويلزم أن تكون الحقيقة الواجبة معلولة، والمعارضة بلفظ الماهية، ~~فإنها تنقسم إلى واجب وممكن إلى آخره. # والثاني حل الشبهة وذلك أن الشيئين الموجودين (6) في الخارج سواء كانا ~~واجبين أو ممكنين، وسواء قدر التقسيم في موجودين، أو جوهرين أو جسمين أو ~~حيوانين أو إنسانين أو غير ذلك - لم يشرك PageV03P300 # أحدهما الآخر (1) في الخارج في شيء من خصائصه، لا في وجوبه، ولا في ~~وجوده، ولا في ماهيته، ولا غير ذلك، وإنما شابهه في ذلك. # والمطلق الذي اشتركا فيه لا يكون كليا (2) مشتركا فيه إلا في الذهن، وهو ~~في الخارج ليس بكلي عام مشترك فيه، بل إذا قيل: الواجبان إذا اشتركا (3) في ~~الوجوب (4) فلا بد أن يمتاز كل منهما (5) عن الآخر بما يخصه، فهو (6) مثل ~~أن يقال: إذا اشتركا في الحقيقة فلا بد أن يمتاز كل منهما عن الآخر (7) بما ~~يخصه، فالحقيقة توجد عامة وخاصة كما أن الوجوب (8) يوجد عاما وخاصا، فالعام ~~لا يكون عاما مشتركا فيه إلا في الذهن، ولا يكون في الخارج إلا خاصا لا ~~اشتراك فيه، فما فيه الاشتراك لا امتياز فيه، وما فيه الامتياز لا اشتراك ~~فيه، فلم يبق في الخارج شيء واحد فيه مشترك ومميز (9) لكن فيه وصف يشابه ~~الآخر فيه (10) ووصف لا يشابهه فيه. # وغلط هؤلاء في هذه الإلهيات من جنس غلطهم (11) في المنطق في PageV03P301 # الكليات: الجنس، والنوع، والفصل، والخاصة، والعرض العام - حيث توهموا أنه ~~يكون في الخارج كلي (1) مشترك فيه. # وقد قدمنا التنبيه على هذا وبينا أن الكلي المشترك ms0699 فيه لا يوجد في الخارج ~~إلا مختصا لا اشتراك فيه، والاشتراك والعموم والكلية إنما تعرض له إذا كان ~~ذهنيا لا خارجيا. # وهم قسموا الكلي ثلاثة أقسام: طبيعي، ومنطقي، وعقلي. # فالطبيعي: هو المطلق لا بشرط، كالإنسان من حيث هو هو، مع قطع النظر عن ~~جميع قيوده. # والمنطقي: كونه عاما وخاصا، وكليا وجزئيا، فنفس وصفه بذلك منطقي ; لأن ~~المنطق (2) يبحث في القضايا من جهة كونها كلية وجزئية. # والعقلي: هو مجموع الأمرين، وهو الإنسان الموصوف بكونه عاما ومطلقا، وهذا ~~لا يوجد (* إلا في الذهن عندهم، إلا ما يحكى عن شيعة أفلاطون من إثبات ~~المثل الأفلاطونية، ولا ريب في بطلان هذا، فإن الخارج لا يوجد *) (3) فيه ~~عام. # وأما المنطقي: فهو كذلك في الذهن. # وأما الطبيعي: فقد يقولون إنه ثابت في الخارج، فإذا قلنا: هذا الإنسان، ~~ففيه الإنسان من حيث هو هو لكن يقال: هو ثابت في الخارج لكن (4) بقيد ~~التعيين والتخصيص لا بقيد الإطلاق، ولا مطلقا لا PageV03P302 # بشرط، فليس في الخارج مطلق لا بشرط ولا مطلق بشرط الإطلاق، بل إنما فيه ~~المعين المخصص، فالذي (1) يقدره الذهن مطلقا لا بشرط التقييد يوجد في ~~الخارج بشرط التقييد. # وهؤلاء اشتبه عليهم ما في الأذهان بما في الأعيان. وقد بسطنا الكلام على ~~هذا في غير هذا الموضع وبينا من غلط المنطقيين ما هو سبب الضلال في الأمور ~~الإلهية والطبيعية كاعتقاد الأمور العقلية التي لا تكون إلا في العقل أمورا ~~موجودة في الخارج، وغير ذلك مما ليس هذا موضع بسطه. # [وهؤلاء المنطقيون الإلهيون منهم وغيرهم يقولون أيضا: إن الكليات لا تكون ~~إلا في الأذهان لا في الأعيان، فيوجد من كلامهم في مواضع ما يظهر به خطأ ~~كلامهم في مواضع، فإن الله فطر عباده على الصحة والسلامة وفساد الفطرة ~~عارض، فقل من يوجد له (2) كلام فاسد إلا وفي كلامه ما يبين فساد كلامه ~~الأول ويظهر به تناقضه.] (3) . # والمقصود هنا التنبيه على توحيد هؤلاء (4) الفلاسفة. وهؤلاء أصابهم في ~~لفظ الواجب ما أصاب المعتزلة في لفظ القديم، فقالوا: الواجب لا يكون إلا ms0700 ~~واحدا، فلا يكون له صفة ثبوتية، كما قال أولئك: لا يكون القديم إلا واحدا، ~~فلا يكون له صفة ثبوتية (5) . # وبهذا وغيره ظهر الزلل في كلام متأخري المتكلمين الذين خلطوا الكلام ~~PageV03P303 # بالفلسفة كما ظهر أيضا الغلط في كلام من خلط التصوف بالفلسفة، كصاحب " ~~مشكاة الأنوار " و " الكتب المضنون بها على غير أهلها " (1) وأمثال ذلك (2) ~~مما قد بسط (3) الكلام عليها (4) في غير هذا الموضع. ### | الكلام على دليل التمانع عند المتكلمين # حتى أن هؤلاء المتأخرين لم يهتدوا إلى تقرير متقدميهم لدليل التوحيد، وهو ~~دليل التمانع واستشكلوه. وأولئك ظنوا أن هذا [الدليل هو الدليل المذكور في ~~القرآن، في قوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} . # وليس الأمر.] (5) كذلك بل أولئك قصروا في معرفة ما في القرآن، وهؤلاء ~~قصروا في معرفة كلام (6) أولئك المقصرين، فلما قصروا (7) في معرفة ما جاء ~~به الرسول - صلى الله عليه وسلم - (8) عدلوا (9) إلى ما أورثهم الشك ~~والحيرة والضلال، وهذا مبسوط في غير هذا الموضع، لكن ننبه (10) عليه هنا. # وذلك أن دليل التمانع المشهور عند المتكلمين: أنه لو كان للعالم صانعان ~~لكان أحدهما إذا أراد أمرا (11) وأراد الآخر خلافه، مثل أن PageV03P304 # يريد أحدهما إطلاع (1) الشمس من مشرقها، ويريد الآخر إطلاعها من مغربها ~~[أو من جهة أخرى] (2) . امتنع أن يحصل مرادهما ; لأن ذلك جمع بين الضدين، ~~فيلزم إما (3) أن لا يحصل مراد واحد منهما، فلا يكون واحد منهما ربا (4) (5 ~~وإما أن يحصل مراد أحدهما دون الآخر 5) (5) فيكون الذي حصل مراده هو الرب ~~دون الآخر. # وقد يقرر ذلك بأن يقال (6) : إذا أراد ما لا يخلو المحل عنهما، مثل أن ~~يريد أحدهما تحريك جسم ويريد الآخر تسكينه، امتنع حصول مرادهما، (7 وامتنع ~~عدم مرادهما 7) (7) جميعا ; لأن الجسم لا يخلو عن الحركة والسكون، فتعين أن ~~يحصل مراد أحدهما دون الآخر فيكون هو الرب. # وعلى هذا سؤال مشهور، وهو أنه يجوز أن تتفق الإرادتان فلا يفضي إلى ~~الاختلاف. وقد أجاب كثير من المتأخرين عن ذلك بوجوه عارضهم فيها غيرهم (8) ~~كما قد (9) بسط في موضعه، ولم ms0701 يهتد هؤلاء إلى تقرير القدماء، كالأشعري ~~والقاضي أبي بكر، وأبي الحسين البصري، والقاضي أبي يعلى، وغيرهم. ~~PageV03P305 # فإن هؤلاء علموا أن وجوب اتفاقهما في الإرادة يستلزم عجز كل منهما، [كما ~~أن تمانعهما يستلزم عجز كل منهما] ، (1) فمنهم من أعرض عن ذكر هذا التقرير ~~(2) ; لأن مقصوده أن يبين أن (3) فرض اثنين يقتضي عجز كل منهما. فإذا قيل: ~~إن أحدهما لا يمكنه مخالفة الآخر، كان ذلك أظهر في عجزه. # ومنهم من بين ذلك، كما بينوا (4) أيضا امتناع استقلال كل منهما، وذلك أنه ~~يقال: إذا فرض ربان فإما أن يكون كل منهما قادرا بنفسه أو لا يكون قادرا ~~إلا بالآخر. # [فإن لم يكن قادرا إلا بالآخر] (5) ، كان هذا ممتنعا لذاته مقتضيا للدور ~~في العلل والفاعلين، فإنه يستلزم أن يكون (* كل منهما جعل الآخر قادرا، ولا ~~يكون أحدهما فاعلا حتى يكون الآخر (6) قادرا، فإذا كان كل منهما جعل الآخر ~~قادرا فقد جعله فاعلا، ولا يكون *) (7) كل منهما جعل الآخر ربا (8) ; لأن ~~الرب لا بد أن يكون قادرا (9) ، فيكون هذا جعل هذا قادرا فاعلا ربا وكذلك ~~الآخر. PageV03P306 # وهذا ممتنع في الربين الواجبين بأنفسهما القديمين ; لأن هذا (1) لا يكون ~~قادرا (2) ربا فاعلا حتى يجعله الآخر كذلك، وكذلك الآخر. فهو بمنزلة أن ~~يقال: لا يكون هذا موجودا حتى يجعله الآخر موجودا. # وهذا ممتنع بالضرورة، كما تقدم فيما قبل بالإشارة (3) إلى ذلك، وهو أن ~~الدور القبلي ممتنع لذاته باتفاق العقلاء، كالدور في الفاعلين والعلل، ~~فيمتنع أن يكون كل من الشيئين علة للآخر وفاعلا له، أو جزءا من العلة ~~والفاعل. فإذا كان كل منهما لا يكون قادرا أو فاعلا إلا بالآخر لزم أن يكون ~~كل منهما علة فاعلة، أو علة (4) لتمام ما به يصير (5) الآخر قادرا فاعلا، ~~وذلك ممتنع بالضرورة واتفاق العقلاء، فلزم أن الرب لا بد أن يكون قادرا ~~بنفسه، وإذا كان قادرا بنفسه، فإن أمكنه إرادة خلاف ما يريد الآخر (6) أمكن ~~اختلافهما، وإن لم يمكنه أن يريد إلا ما يريده الآخر (7) لزم العجز. # فإذا فرض أن هذا لا ms0702 يمكنه أن يريد ويفعل إلا ما يريده الآخر ويفعل (8) ، ~~لزم عجز كل منهما، بل هذا (9) أيضا ممتنع لنفسه، كما أنه إذا كان [هذا لا ~~يقدر حتى يقدر هذا، كان] (10) ذلك ممتنعا لذاته. [فإذا كان هذا PageV03P307 # لا يكون ممكنا إلا بتمكين الآخر، فهو بمنزلة أن يقال: لا يكون قادرا إلا ~~بإقدار الآخر. # وأيضا فإنه في هذا التقدير يكون المانع لكل منهما من الانفراد هو الآخر، ~~فيكون كل منهما مانعا ممنوعا، وهذا (1) لا يكون مانعا إلا إذا كان قادرا ~~على المنع ومن كان قادرا على منع غيره من الفعل، فقدرته على أن يكون فاعلا ~~أولى، فصار كل منهما لا يكون فاعلا (2) حتى يكون قادرا على الفعل، وإذا (3) ~~كان قادرا على الفعل امتنع أن يكون ممنوعا منه، فامتنع كون كل واحد منهما ~~مانعا ممنوعا، (4) وذلك لازم لوجوب اتفاقهما على الفعل، فعلم امتناع وجوب ~~اتفاقهما على الفعل، وثبت إمكان اختلافهما] (5) فمتى فرض لزوم اتفاقهما (6) ~~كان ذلك ممتنعا لذاته، وإنما يمكن (7) هذا في المخلوقين ; لأن القدرة لهم ~~مستفادة من غيرهما. # فإذا قيل: لا يقدر هذا حتى يقدر هذا، كان يمكن أن يكون هناك ثالث (8) ~~يجعلهما قادرين، ومن هنا أمكن المخلوق أن يعاون المخلوق، وامتنعت المعاونة ~~على خالقين (9) ; لأن المخلوقين المتعاونين لكل منهما قدرة PageV03P308 # من غير الآخر أعانه بها وجعله بها قادرا ; لأن كلا منهما كان قبل إعانة ~~الآخر له قدرة، وعند اجتماعهما زادت قوة كل منهما بقوة الآخر، بمنزلة ~~اليدين اللتين ضمت إحداهما إلى الأخرى، فإن كلا منهما كان لها (1) قوة، ~~وبالاجتماع زادت قوتهما ; لأن هذا زاد ذلك تقوية وذاك زاد هذا تقوية (2) ~~فصار كل منهما معطيا للآخر وآخذا منه فزادت (3) القوة بالاجتماع. # وهذا ممتنع في الخالقين؛ [فإن قدرة الخالق القديم الواجب بنفسه من لوازم ~~ذاته لا يجوز أن تكون مستفادة من غيره] (4) ; لأن كلا منهما إن كان قادرا ~~عند الانفراد أمكنه (5) أن يفعل عند الانفراد ما يقدر عليه، ولم يشترط في ~~فعله معاونة الآخر، وحينئذ فيمكن أحدهما أن يفعل ما يريده الآخر (6) أو ما ms0703 ~~يريد خلافه، وإن لم يكن قادرا عند الانفراد امتنع أن يحصل عند الاجتماع ~~لهما قوة لما في ذلك من الدور ; لأن هذا لا يقدر حتى يقدر ذاك، ولا يقدر ~~ذاك حتى يقدر هذا، وليس هنا ثالث غيرهما يجعلهما قادرين فلا يقدر أحد ~~منهما. # والمخلوقان اللذان لا قدرة (7) لهما عند الانفراد لا يحصل (8) لهما قدرة ~~عند PageV03P309 # الاجتماع إلا من غيرهما. والخالقان لا يمكن أن يكون لهما ثالث يعطيهما ~~قدرة، فلا بد أن يكونا قادرين عند الانفراد. # (* وإذا قيل: أحدهما يقدر على ما يوافقه الآخر عليه (1) لم يكن قادرا إلا ~~بموافقته، وإذا قيل: يقدر على *) (2) ما لا يخالفه الآخر فيه (3) كان كل ~~منهما مانعا للآخر من مقدوره فلا يكون واحد منهما قادرا. # وأيضا فإن منع هذا لذاك لا يكون إلا بقدرته، ومنع ذاك لهذا لا يكون إلا ~~بقدرته، فيلزم (4) أن يكون كل منهما قادرا حال التمانع، وهو حال المخالفة، ~~فيكونان قادرين عند الاتفاق وعند الاختلاف. # وأيضا فلا يكون هذا ممنوعا حتى يمنعه الآخر وبالعكس (5) ، فلا يكون ~~أحدهما ممنوعا [إلا بمنع الآخر.] (6) . # وأيضا فيكون هذا مانعا لذاك، وذاك مانعا لهذا، فيكون كل منهما مانعا ~~ممنوعا، وهذا جمع بين النقيضين. # وهذه الوجوه وغيرها (7) مما يبين (8) امتناع ربين كل منهما معاون للآخر ~~أو كل منهما مانع للآخر، فلم يبق إلا أن يكون كل منهما قادرا مستقلا، ~~PageV03P310 # وحينئذ فيمكن اختلافهما، وإذا اختلفا لزم أن لا يفعل واحد منهما شيئا، ~~ولزم عجزهما ولزم كون كل واحد (1) منهما مانعا ممنوعا. # فتبين امتناع ربين، سواء فرضا متفقين أو مختلفين. وأما إذا فرضا مستقلين، ~~وفرض كل منهما مستقلا بخلق العالم فهذا أظهر امتناعا ; لأن استقلال أحدهما ~~يمنع أن يكون له فيه شريك، فكيف إذا كان الآخر (2) مستقلا به؟ فتقدير ~~استقلال كل منهما يقتضي أن يكون كل منهما فعله كله وأن لا يكون واحد منهما ~~فعل منه شيئا، فيلزم اجتماع النقيضين مرتين. # ولهذا امتنع أن يكون مؤثران تامان مستقلان يجتمعان على أثر واحد. فإن ~~مثال ذلك أن نقول: هذا خاط الثوب ms0704 وحده، وهذا خاط ذلك (3) الثوب بعينه وحده، ~~أو أن (4) نقول: هذا أكل جميع الطعام ونقول: هذا أكل جميع ذاك الطعام ~~بعينه. (5) . # وهذا كله مما يعرف امتناعه ببديهة العقل بعد تصوره، ولكن بعض الناس لا ~~يتصور هذا تصورا جيدا، بل يسبق إلى ذهنه المشتركان من الناس في فعل من ~~الأفعال، والمشتركان لا يفعل (6) أحدهما جميع ذلك الفعل ولا كانت قدرته ~~حاصلة بالاشتراك، بل بالاشتراك زادت قدرته وكان كل PageV03P311 # منهما يمكنه حال الانفراد (1) أن يفعل شيئا من الأشياء ويريد خلاف ما ~~يريد الآخر، وإذا أراد خلافه فإن تقاومت قدرتهما تمانعا فلم يفعلا شيئا، ~~وإن قوي أحدهما قهر الآخر، وإن (2) لم يكن لأحدهما قدرة حال الانفراد، لم ~~تحصل له حال الاجتماع إلا من غيرهما، مع أن هذا لا يعرف له وجود، بل ~~المعروف أن يكون لكل منهما حال الانفراد قدرة ما (3) فتكمل عند الاجتماع. # وأيضا فالمشتركان في الفعل والمفعول (4) لا بد أن يتميز فعل كل منهما عن ~~الآخر، لا يكون الشيء الواحد (5) بعينه مشتركا (6) فيه، بحيث يكون هذا فعله ~~والآخر فعله، فإن هذا ممتنع كما تقدم. # فلو كان ربان لكان مخلوق كل واحد (7) منهما متميزا عن مخلوق الآخر (8) ~~كما قال تعالى: {إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض} [سورة ~~المؤمنون: 91] فذكر سبحانه وجوب امتياز المفعولين، ووجوب قهر أحدهما للآخر، ~~كما تقدم تقريره، وكلاهما ممتنع. # فهذه الطرق وأمثالها مما يبين (9) بها أئمة النظار (10) توحيد الربوبية، ~~وهي طرق صحيحة عقلية لم يهتد هؤلاء المتأخرون إلى معرفة توجيهها وتقريرها. ~~PageV03P312 # ثم إن أولئك المتقدمين من المتكلمين ظنوا أنها هي (1) طرق القرآن، وليس ~~الأمر كذلك. # بل القرآن قرر (2) فيه توحيد الإلهية المتضمن توحيد الربوبية، وقرره أكمل ~~من ذلك. واعتبر ذلك بقوله تعالى: {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله ~~إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض} [سورة المؤمنون: 91] فهذه ~~الآية ذكر فيها برهانين يقينيين على امتناع أن يكون مع الله إله [آخر] (3) ~~بقوله: {إذا لذهب كل إله بما خلق ms0705 ولعلا بعضهم على بعض} ، وقد عرف أنه لم ~~يذهب كل إله بما خلق ولا علا بعضهم على بعض، وترك ذكر هذا لعلم المخاطبين ~~به (4) وأن ذكره تطويل (5) بلا فائدة. # وهذه طريقة القرآن وطريقة الكلام الفصيح البليغ، بل وطريقة (6) عامة ~~الناس في الخطاب، يذكرون المقدمة التي تحتاج إلى بيان ويتركون ما لا يحتاج ~~إلى بيان. # مثل أن يقال: لم قلتم إن كل مسكر حرام؟ فيقال ; لأنه قد (7) صح عن النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: كل مسكر خمر وكل خمر PageV03P313 # حرام "، (1) وقد علم أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة يجب ~~اتباعها فلا يحتاج أن نذكر هذا. (2) # ومثل هذا قوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} [سورة ~~الأنبياء: 22] # [أي: وما فسدتا، فليس فيهما آلهة (3) إلا الله] (4) ، وهذا بين لا يحتاج ~~إلى أن يبين بالخطاب (5) فإن المقصود من الخطاب (6) البيان، وبيان البين قد ~~يكون من نوع العي، وبيان الدليل قد يكون محتاجا إلى مقدمة واحدة (7) وقد ~~يكون محتاجا إلى مقدمتين، وإلى ثلاث وأكثر، فيذكر المستدل (8) ما يحتاج إلى ~~بيان (9 دون ما لا يحتاج إلى بيان 9) (9) . # وأما ما يقوله المنطقيون من أن كل دليل نظري فلا بد فيه من مقدمتين، لا ~~يحتاج إلى أكثر ولا يجزئ أقل، وإذا اكتفي بواحدة قالوا: حذفت PageV03P314 # الأخرى، ويسمونه قياس الضمير، وإن كان (1) ثلاثا أو أربعا قالوا: هذه (2) ~~قياسات لا قياس واحد فهذا مجرد وضع ودعوى، لا يستند إلى أصل عقلي ولا عادة ~~عامة. وقد بسطنا الكلام على هذا في الكلام على المنطق (3) وغيره] (4) . # فقال سبحانه: {إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض} [سورة ~~المؤمنون: 91] وهذا اللازم منتف، فانتفى الملزوم، وهو ثبوت إله مع الله. # وبيان التلازم أنه إذا كان معه إله امتنع أن يكون مستقلا بخلق العالم، مع ~~أن الله تعالى (5) مستقل بخلق العالم، كما تقدم أن (6) فساد هذا معلوم ~~بالضرورة لكل عاقل، وأن هذا جمع بين النقيضين. # وامتنع أيضا أن يكون مشاركا للآخر معاونا له ; لأن ذلك يستلزم عجز ms0706 كل ~~منهما، والعاجز لا يفعل شيئا، فلا يكون لا ربا (7) ولا إلها ; لأن أحدهما ~~إذا لم يكن قادرا إلا بإعانة الآخر، لزم عجزه حال الانفراد، وامتنع أن يكون ~~قادرا حال الاجتماع ; لأن ذلك دور قبلي، فإن هذا لا يكون قادرا حتى يجعله ~~الآخر قادرا، أو حتى يعينه الآخر وذاك (8) ، لا يجعله قادرا ولا ~~PageV03P315 # يعينه حتى يكون هو قادرا، وهو لا يكون قادرا حتى يجعله ذاك أو يعينه، ~~فامتنع إذا كان كل منهما محتاجا إلى إعانة الآخر في الفعل، أن يكون أحدهما ~~قادرا، فامتنع أن يكون لكل واحد (1) منهما فعل (2) حال الانفراد وحال ~~الاجتماع (3) فتعين أن يكون كل واحد (4) منهما قادرا عند الانفراد، فلا بد ~~إذا فرض معه إله أن يكون كل منهما قادرا عند انفراده. # وإذا كان كذلك ففعل أحدهما إن كان مستلزما لفعل الآخر، بحيث (5) لا يفعل ~~شيئا حتى يفعل الآخر فيه شيئا، لزم أن لا يكون أحدهما قادرا على الانفراد، ~~وعاد احتياجهما (6) في أصل الفعل إلى التعاون، وذلك ممتنع بالضرورة. # فلا بد أن يمكن أحدهما أن يفعل فعلا لا يشاركه الآخر فيه، وحينئذ فيكون ~~مفعول هذا متميزا (7) عن مفعول هذا، ومفعول هذا متميزا (8) عن مفعول هذا، ~~فيذهب كل إله بما خلق، هذا بمخلوقاته وهذا بمخلوقاته. (9) . # فتبين أنه لو كان معه إله لذهب كل إله بمخلوقاته (10) وهذا غير ~~PageV03P316 # واقع (1) ؛ فإنه ليس في العالم شيء إلا وهو مرتبط بغيره من أجزاء العالم، ~~كما تقدم التنبيه عليه. # ولهذا إذا فعل المتعاونان شيئا كان فعل كل منهما الذي يقوم به متميزا عن ~~فعل الآخر، وأما ما يحدث عنه في الخارج، فلا يمكن أحدا أن يستقل بشيء منفصل ~~عنه، بل لا بد له فيه من معاون عند من يقول: إن فعل العبد ينقسم إلى مباشر ~~وغير مباشر. # وأما من يقول: إن فعله لا يخرج عن محل قدرته، فليس له مفعول منفصل عنه، ~~(2) ثم إذا اختلط مفعول هذا بمفعول هذا كالحاملين للخشبة (3) كان كل منها ~~مفتقرا إلى الآخر حال الاجتماع، ولكل منهما قدرة يختص ms0707 بها (4) حال الانفراد ~~وحال الاجتماع يمكنه أن يفعل (5) بها فعلا منفردا به عن الآخر ويمتاز به عن ~~الآخر، فلا بد أن يكون لكل منهما فعل يختص به متميز (6) عن فعل الآخر، فلا ~~(7) يتصور إلهان حتى يكون مفعول هذا متميزا عن مفعول ذاك (8) فيذهب كل إله ~~بما خلق، واللازم منتف فانتفى الملزوم. PageV03P317 # وأما البرهان الثاني وهو قوله: {ولعلا بعضهم على بعض} [سورة المؤمنون: ~~91] فإنه (1) يمتنع أن يكونا متساويين في القدرة ; لأنهما إذا كانا ~~متساويين في القدرة، كان مفعول (2) كل منهما متميزا عن مفعول الآخر، وهو ~~باطل كما تقدم، (3) ولأنهما (4) إذا كانا متكافئين في القدرة لم يفعلا شيئا ~~لا حال الاتفاق ولا حال الاختلاف، سواء كان الاتفاق لازما لهما أو كان ~~الاختلاف هو اللازم، أو جاز الاتفاق وجاز الاختلاف. # لأنه إذا قدر أن الاتفاق لازم لهما فلأن أحدهما لا يريد ولا يفعل حتى ~~يريد الآخر ويفعل، وليس تقدم أحدهما أولى من تقدم الآخر؛ لتساويهما، فيلزم ~~أن لا يفعل واحد منهما. # وإذا قدر أن إرادة هذا وفعله مقارن لإرادة الآخر وفعله، فالتقدير أنه لا ~~يمكنه أن يريد ويفعل إلا مع الآخر، فتكون إرادته وفعله مشروطة بإرادة الآخر ~~وفعله، فيكون بدون ذلك عاجزا عن الإرادة والفعل، فيكون كل منهما عاجزا حال ~~الانفراد، ويمتنع مع ذلك أن يصيرا قادرين حال الاجتماع كما تقدم. # وإذا (5) كان الاختلاف لازما لهما امتنع مع تساويهما أن يفعلا شيئا ; لأن ~~هذا يمنع هذا وهذا يمنع هذا لتكافؤ القدرتين، فلا يفعلان شيئا. # وأيضا فإن امتناع أحدهما مشروط بمنع الآخر، فلا يكون هذا ممنوعا ~~PageV03P318 # حتى يمنعه ذاك، (1) ولا يكون ذاك ممنوعا حتى يمنعه هذا، فيلزم أن يكون كل ~~منهما مانعا ممنوعا وهذا ممتنع. # ولأن زوال قدرة كل منهما حال التمانع إنما هي بقدرة الآخر، فإذا كانت ~~قدرة هذا لا تزول حتى تزيلها قدرة ذاك، وقدرة ذاك لا تزول حتى تزيلها قدرة ~~هذا، (2) فلا تزول واحدة من القدرتين فيكونان قادرين. # وكونهما قادرين على الفعل مطيقين (3) ، في حال كون كل منهما ممنوعا ~~بالآخر عن ms0708 الفعل عاجزا عنه بمنع (4) الآخر له محال ; لأن ذلك كله جمع بين ~~النقيضين. # وأما إذا قدر إمكان اتفاقهما وإمكان اختلافهما، كان تخصيص (5) الاتفاق ~~بدون الاختلاف وتخصيص الاختلاف بدون الاتفاق محتاجا (6) إلى من يرجح أحدهما ~~على الآخر ولا مرجح (7) إلا هما، وترجيح أحدهما بدون الآخر محال، وترجيح ~~أحدهما مع الآخر هو اتفاق فيفتقر تخصيصه إلى مرجح آخر، فيلزم (8) التسلسل ~~في العلل وهو ممتنع باتفاق العقلاء. # وأيضا فاتفاقهما في نفسه ممتنع، واختلافهما في نفسه ممتنع، سواء قدر ~~لازما أو لم يقدر ; لأنهما إذا اتفقا لم يمكن أحدهما حال الاتفاق أن يفعل ~~إلا PageV03P319 # أن يفعل الآخر معه، (1) فيكون كل منهما عند الاتفاق عاجزا عن فعل شيء ~~يستقل به (2) . # وإذا كان كل منهما عند الاتفاق عاجزا عن فعل شيء يستقل به كان عاجزا عند ~~الانفراد (3) ، ومن كان عاجزا عند الانفراد (4) عن كل شيء، كان عاجزا أيضا ~~عند الاجتماع. # والناس المتشاركون كل منهم (5) لا بد أن ينفرد عن الآخر بفعل حال ~~الاشتراك، فإن الحركة التي يفعلها أحدهما يستقل بها دون الآخر حال تمكنه، ~~وكذلك يمكنه (6) حال الانفراد أن يؤثر أثرا دون الآخر (7) فيمتنع اتفاق ~~اثنين كل منهما عاجز عند الانفراد في مخلوق أو خالق سواء كان الاتفاق لازما ~~أو ممكنا. # [وإن قدر في المخلوقين أنهما لا يكونان قادرين إلا عند الاجتماع فذلك ; ~~لأن هناك ثالثا غيرهما (8) يجعل لهما قوة عند الاجتماع، وهنا يمتنع أن يكون ~~للخالق القديم الواجب بنفسه فوقه من يجعله قادرا، فيمتنع أن يكون فوقهما من ~~يجعل لهما قوة عند الاجتماع دون الانفراد، إذ كل ما سواهما مخلوق (9) ، ~~فيمتنع أن يجعل الخالق قادرا.] (10) . PageV03P320 # وأما امتناع اختلافهما وإن لم يكن لازما فهو أظهر، فإنه عند الاختلاف ~~يحصل التمانع. وهذه المعاني كيفما عبرت عنها تجدها معاني صحيحة: يمتنع وجود ~~اثنين متفقين أو مختلفين، إلا أن يكون كل منهما قادرا عند انفراده، وإذا ~~كان كل منهما قادرا عند الانفراد كان (1) لكل منهما فعل ومفعول يختص به ~~منفردا عن الآخر، فلا يكونان متفقين في كل فعل وكل ms0709 (2) مفعول، ولا يمكن أن ~~يتفقا في شيء واحد أصلا ; لأن ذلك الفعل الحادث لا يكون ما يقوم بأحدهما ~~نفس ما يقوم بالآخر (3) ، فإن هذا ممتنع لذاته. # والمخلوق المنفصل لا يكون نفس أثر هذا فيه هو نفس أثر الآخر فيه، بل لا ~~بد من أثرين فإن كان أحدهما شرطا في الآخر كان كل منهما مفتقرا إلى الآخر، ~~فلا يكون قادرا عند الانفراد (4) ، وإن لم يكن كذلك كان مفعول هذا ليس هو ~~مفعول الآخر ولا بلازم (5) له، فلا يكون هناك اتفاق في مفعول واحد أصلا. # وهذا من جنس ما تقدم من ذهاب كل إله بما خلق، لكن الذي يختص به (6) هذا ~~أن الشيئين اللذين يشترط في كل واحد (7) منهما أن يكون مع الآخر لا بد أن ~~يكون لهما ثالث غيرهما يحدثهما (8) كما في PageV03P321 # الأجيرين لمعلم واحد، والمفتيين الراجعين إلى النصوص، والمتشاورين ~~الراجعين (1) إلى أمر يوجب اجتماعهما، فلا بد أن يكون بين المتشاركين ثالث ~~يجمعهما. # وأما الخالقان فلا شيء فوقهما. ولو قيل: إنهما (2) يفعلان ما هو (3) ~~المصلحة أو غير ذلك فكل (4) هذه المحدثات تابعة لهما وعنهما (5) ، ولا يكون ~~شيء إلا بعلمهما (6) وقدرتهما، بخلاف المخلوق الذي يحدث أمورا بدونه ~~فيعاونه على ما هو المصلحة له. # وإذا قيل: علما (7) ما سيكون، فالعلم بالحادث تابع للمعلوم الحادث، ~~والحادث (8 تابع لإرادة محدثه 8) (8) ، والإرادة تابعة لهما (9) . # وأما الخالقان فإنه لا بد أن تكون إرادة كل منهما من لوازم نفسه أو تكون ~~نفسه مستقلة بإرادته. وحينئذ (10) لا تكون إرادته موقوفة على شرط إرادة ~~غيره، فإنها إذا توقفت على ذلك لم يكن مستقلا بالإرادة (11) ولا كانت ~~PageV03P322 # من لوازم نفسه ; لأنه إذا كان هذا لا يريد ويفعل إلا مع إرادة الآخر ~~وفعله كانت إرادة كل منهما وفعله جزءا من المقتضي لكون الآخر مريدا فاعلا. # وهذا دور في جزء العلة. والدور في جزء المقتضي ممتنع كالدور في نفس ~~المقتضي، وإذا (1) جوز في المتضايفين كالأبوة والبنوة أن يتلازما فلأن ~~المقتضي التام لهما غيرهما (2) فلو كانت الإرادتان والفعلان متلازمين (3) ~~لكان المقتضي التام لهما غير ms0710 هذا وغير هذا. # وذلك ممتنع، إذ لا شيء فوقهما يجعلهما كذلك، فيلزم أن لا يكون كل (4) ~~واحد منهما مريدا ولا فاعلا. # وهذه كلها أمور معقولة محققة مبرهنة، كلما تصورها المتصور تصورا صحيحا ~~علم صحتها وهي مبسوطة في غير هذا الموضع. # فتبين (5) أنه لو قدر إلهان متكافئان (6) في القدرة لم يفعلا شيئا لا حال ~~الاتفاق ولا حال الاختلاف، فلا بد حينئذ إذا قدر إلهان أن يكون أحدهما أقدر ~~من الآخر، والأقدر عال على من دونه في القدرة بالضرورة، فلو كان ثم آلهة ~~لوجب علو بعضهم على بعض، (7 ولو علا بعضهم على بعض 7) (7) لم PageV03P323 # يكن (1) المستقل بالفعل إلا العالي (2) وحده، فإن المقهور (3) إن كان ~~محتاجا في فعله إلى إعانة الأول (4) كان عاجزا بدون الإعانة، وكانت قدرته ~~من غيره، وما كان هكذا (5) لم يكن إلها بنفسه. والله تعالى (6) لم يجعل من ~~مخلوقاته إلها (7) ، (8 فامتنع أن يكون المقهور (8) إلها 8) (9) ، وإن كان ~~المقهور يستقل بفعل (10) بدون الإعانة من العالي (11) لم يمكن العالي (12) ~~إذا أن يمنعه مما هو مستقل به، فيكون العالي عاجزا عن منع المقهور، فلا ~~يكون عاليا، وقد فرض أنه عال. هذا خلف، وهو (13) جمع بين النقيضين. # فتبين أنه مع علو بعضهم على بعض لا يكون المغلوب إلها بوجه، بل يمتنع أن ~~يكون إلها مع إعانة الآخر له، ويمتنع أن يكون إلها منفردا غنيا عن الآخر، ~~إذ كان الغني عن غيره لا يعلو غيره عليه ولا يقدر (14) أن PageV03P324 # يعلو غيره عليه، [ومتى قدر أن يعلو عليه (1) كان مفتقرا إليه (2) محتاجا ~~إلى امتناعه من علوه عليه، وانكفافه عن ذلك العلو، ومن غلبه غيره (3) لا ~~يكون عزيزا منيعا يدفع عن نفسه، فكيف يدفع عن غيره؟ . # والعرب تقول: عز يعز بالفتح (4) إذا قوي وصلب (5) ، وعز يعز بالكسر (6) ~~إذا امتنع، وعز يعز بالضم (7) إذا غلب، فإذا (8) قويت الحركة قوي المعنى، ~~والضم أقوى من الكسر، والكسر أقوى من الفتح. # فإذا كان مغلوبا (9) لم يكن منيعا، وإذا لم يكن منيعا (10) لم يكن قويا ~~بطريق الأولى، ومن لا يكون قويا لا ms0711 يكون (11) ربا فاعلا. # فتبين أنه لو كان معه إله لعلا بعضهم على بعض، كما تبين (12) أنه كان ~~يذهب كل إله بما خلق. # وهذا (13) بعض تقرير البرهانين (14) اللذين في القرآن. ومما يوضح ذلك أنك ~~PageV03P325 # لا تجد في الوجود شريكين متكافئين إن لم يكن فوقهما ثالث يرجعان إليه، ~~فإذا قدر ملكان متكافئان في الملك لم يرجع أحدهما إلى الآخر ولا ثالث لهما ~~(1) يرجعان إليه كان ذلك ممتنعا. # بل إذا قدر طباخان (2) لقدر واحدة (3) متكافئان في العمل، لا يرجع أحدهما ~~إلى الآخر، ولا فوقهما ثالث يرجعان إليه، لم يمكن ذلك (4) . # وكذلك البانيان لدار واحدة، وكذلك الغارسان لشجرة واحدة، وكذلك كل آمرين ~~بمأمور واحد (5) كالطبيبين والمفتيين، وكذلك الخياطان لثوب واحد. # فلا يتصور في جميع هذه المشاركات اتفاق اثنين، إلا أن يكون أحدهما فوق ~~الآخر، وأن يكون (6) لهما ثالث فوقهما، وذلك لأن فعل كل واحد (7) منهما إذا ~~كان مشروطا بفعل الآخر لم يرد هذا ولم يأمر ولم يفعل حتى يريد هذا ويأمر ~~ويفعل الآخر (8) كذلك، فلا يريد واحد منهما ولا يأمر ولا يفعل، فلا (9) ~~يفعلان شيئا. # فاشتراك اثنين متكافئين ليس فوقهما ثالث ممتنع، وإذا اشترك شريكان ~~PageV03P326 # شرعيان (1) كان ما يفعلانه من الأفعال راجعا إلى أمر (2) الشارع الذي هو ~~(3) فوقهما، أو راجعا (4) إلى قول أهل الخبرة بالتجارة التي اشتركا فيها، ~~فعليهما أن يريدا (5) ذلك، فإن (6) تنازعا فصل بينهما الشارع أو أهل الخبرة ~~الذين عليهما أن يرجعا إليهم (7) وعلى ذلك تشاركا وتشارطا. وأما إن (8) لم ~~يرجعا إلى ثالث أو لم يكن (9) أحدهما تابعا للآخر فيمتنع اشتراكهما، لكن قد ~~يرجع هذا إلى هذا تارة، وهذا إلى هذا تارة كالمتعارضين، وحينئذ فكل واحد ~~(10) منهما حال رجوع الآخر إليه (11) هو الأصل، والآخر فرع له. # ولهذا وجب نصب الإمارة في أقصر مدة وأقل اجتماع، كما قال: النبي - صلى ~~الله عليه وسلم -: " «لا يحل لثلاثة أن يكونوا (12) في سفر حتى يؤمروا ~~أحدهم» ". رواه الإمام (13) أحمد (14) فإن الرأس (15) ضروري في الاجتماع. ~~PageV03P327 # فلا بد (1) للناس من رأس، وإذا لم يكن لهم رأس امتنع الاجتماع ms0712، فإذا كان ~~لهما رأسان متكافئان يشتركان في رياسة جماعة بطل الاجتماع. # وهذا مما هو مستقر (2) في فطر الناس كلهم. فإذا كان ولاة الأمر اثنين، ~~فلابد أن يتناوبا (3) في الأمر بحيث يطيع هذا هذا (4) تارة، وهذا هذا (5) ~~تارة، كما يوجد في أعوان الملوك ووزرائهم، إذا بدأ هذا بأمر (6) أعانه ~~الآخر عليه، فإن (7) لم يتفقا رجع الأمر إلى من فوقهما، وإلا فالأمر الواحد ~~لا يصدر عن اثنين معا إلا أن يكونا تابعين فيه لثالث. # فالتمانع حاصل بين الأصلين المتكافئين، سواء قدر (8) اتفاقهما أو ~~اختلافهما، ولكن التمانع مع الاختلاف أظهر، وكذلك هما يتمانعان (9) مع ~~الاتفاق، فإن أحدهما لا يمكنه (10) أن يفعل حتى يفعل الآخر، (10 وذاك لا ~~يمكنه حتى يفعل الآخر 10) (11) وليس لهما ثالث يحركهما إلى الفعل، وليس ~~تقدم أحدهما أولى من تقدم الآخر، ووقوع الفعل منهما مع كون (12) فعل كل ~~منهما لا بد له من قدرة عليه (13) ، وهو لا يقدر إلا PageV03P328 # بالآخر ممتنع، فإن هذا لا يقدر حتى يعينه الآخر، وهذا لا يقدر حتى يعينه ~~الآخر، فتكون إعانة كل منهما سابقة (1) مسبوقة [وقدرة كل منهما سابقة ~~مسبوقة.] (2) إذ كان لا إعانة لهذا إلا بقدرته، (3) ولا قدرة له إلا بإعانة ~~ذاك، ولا إعانة لذاك إلا بقدرته، ولا قدرة له إلا بإعانة هذا، (* فتكون ~~إعانة هذا موقوفة على قدرته الموقوفة على إعانة ذاك، الموقوفة على قدرة هذا ~~*) (4) ، فيكون الشيء قبل قبل قبل نفسه وعلة علة علة نفسه. # فتبين امتناع اجتماع ربين متوافقين أو متخالفين، وأنه إذا فرض مع الله ~~إله (5) لزم أن يذهب كل إله بما خلق، وأن يعلو بعضهم على بعض. # وأحد البرهانين ليس مبنيا على الآخر، بل كل منهما مستقل، وكل منهما لازم ~~على تقدير إله آخر، ليس اللازم أحدهما، فإنه لما امتنع الاشتراك في فعل ~~واحد ومفعول واحد على سبيل الاستقلال وعلى سبيل التعاون، لزم أن يذهب كل ~~إله بما خلق. ولما امتنع اجتماع ربين (6) متكافئين لزم علو بعضهم على بعض، ~~وكل منهما منتف ; لأن المخلوقات مرتبط بعضها ببعض (7) ؛ ولأن المقهور ليست ms0713 ~~قدرته من نفسه بل من غيره، فيكون مربوبا لا ربا. PageV03P329 # والمشركون كانوا يقرون بهذا التوحيد الذي هو (1) نفي خالقين، لم يكن ~~مشركو العرب تنازع (2) فيه؛ ولهذا قال الله لهم (3) : {أفمن يخلق كمن لا ~~يخلق أفلا تذكرون} [سورة النحل: 17] فكانوا يعترفون بأن (4) آلهتهم لا ~~تخلق. # ولهذا ذكر الله [تعالى هذا] (5) التقرير بعد قوله: {قل لمن الأرض ومن ~~فيها إن كنتم تعلمون - سيقولون لله قل أفلا تذكرون - قل من رب السماوات ~~السبع ورب العرش العظيم - سيقولون لله قل أفلا تتقون - قل من بيده ملكوت كل ~~شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون - سيقولون لله قل فأنى تسحرون - ~~بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون - ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله ~~إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون} عالم ~~{الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون} [سورة المؤمنون: 84 - 92] ولم يكن ~~إشراكهم أنهم جعلوهم خالقين، بل أن جعلوهم وسائط في العبادة فاتخذوهم ~~شفعاء، وقالوا: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى. # كما قال الله تعالى عنهم: (6) {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ~~ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في ~~PageV03P330 # السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} [سورة يونس: 18] . # فالذين أثبتوا فاعلا مستقلا غير الله كالفلك والآدميين وجعلوا هذه ~~الحركات الحادثة (1) ليست مخلوقة لله - فيهم من الشرك والتعطيل ما ليس في ~~مشركي العرب، فإن مشركي العرب كانوا يقرون بالقدر وأن الله وحده خالق كل ~~شيء. # ولهذا قال في الآية الأخرى: {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا ~~إلى ذي العرش سبيلا} [سورة الإسراء: 42] فهم كانوا يقولون: [إنهم] (2) ~~وسائل ووسائط وشفعاء، لم يكونوا (3) يقولون: إنهم يخلقون كخلقه، فقال ~~تعالى: {لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا} ، كما ~~قال في الآية الأخرى: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر ~~عنكم ولا تحويلا - أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم ms0714 أقرب ~~ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} [سورة الإسراء: 56، ~~57] . # فتبين أن ما يدعى من دونه من الملائكة والأنبياء وغيرهم يبتغى به (4) ~~الوسيلة إلى الله والتقرب إليه، وذلك لأنه هو الإله المعبود الحق الذي كل ~~ما سواه مفتقر إليه من جهة أنه ربه ليس له شيء إلا منه، ومن جهة أنه إلهه ~~لا منتهى لإرادته (5) دونه، فلو لم يكن هو (6) المعبود لفسد PageV03P331 # العالم، إذ لو (1) كانت الإرادات ليس لها مراد لذاته (2) والمراد إما ~~لنفسه وإما لغيره، والمراد لغيره (3) لا بد أن يكون ذلك الغير مرادا حتى ~~ينتهي الأمر إلى مراد لنفسه. # فكما أنه يمتنع التسلسل في العلل الفاعلية، فيمتنع (4) التسلسل في العلل ~~الغائية. وقد يظن أنه بهذا الطريق أثبت قدماء الفلاسفة - أرسطو وأتباعه - ~~الأول (5) لكنهم أثبتوه من جهة كونه (6) علة غائية فقط، لكن أولئك جعلوه ~~علة غائية بمعنى التشبه به (7) ؛ ولهذا قالوا: الفلسفة هي التشبه (8) ~~بالإله على قدر الطاقة، لم يجعلوه معبودا محبوبا لذاته كما جاءت الرسل ~~بذلك. # ولهذا كان من تعبد وتصوف على طريقتهم من المتأخرين يقعون في دعوى ~~الربوبية والإلهية (9) ، وهم في نوع من الفرعونية، بل قد يعظم بعضهم فرعون ~~ويفضلونه على موسى - عليه السلام - (10) كما يوجد ذلك في كلام طائفة منهم. ~~PageV03P332 # والواجب إثبات الأمرين: أنه سبحانه رب كل شيء، وإله كل شيء، فإذا كانت ~~الحركات الإرادية لا تقوم إلا بمراد لذاته، (1 وبدون ذلك يفسد (1) ولا يجوز ~~أن يكون مرادا لذاته إلا الله 1) (2) ، كما لا يكون موجودا بذاته إلا الله ~~- علم (3) أنه لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا. # وهذه الآية فيها بيان أنه (4) لا إله إلا الله (5) ، وأنه لو كان فيهما ~~آلهة غيره لفسدتا. وتلك الآية (6) قال فيها: {إذا لذهب كل إله بما خلق} ~~[سورة المؤمنون: 91] . # ووجه بيان لزوم الفساد أنه إذا (7) قدر مدبران، (8 ما تقدم من أنه 8) (8) ~~يمتنع أن يكونا غير متكافئين؛ لكون المقهور مربوبا لا ربا وإذا كانا ~~متكافئين امتنع التدبير منهما لا على سبيل الاتفاق ولا على سبيل الاختلاف، ~~فيفسد العالم بعدم ms0715 (9) التدبير، لا على سبيل الاستقلال، ولا على سبيل ~~الاشتراك كما تقدم. # وهذا (10) من جهة امتناع الربوبية لاثنين (11) ، ويلزم من امتناعهما (12) ~~امتناع PageV03P333 # الإلهية (1) فإن ما لا يفعل شيئا لا يصلح أن يكون ربا (2) يعبد ولم يأمر ~~الله أن يعبد؛ ولهذا بين الله امتناع الإلهية (3) لغيره تارة ببيان أنه ليس ~~بخالق، وتارة (4) أنه لم يأمر بذلك لنا (5) كقوله تعالى: {قل أرأيتم ما ~~تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ~~ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين} [سورة الأحقاف: ~~4] . # وذلك لأن (6) عبادة ما سوى الله تعالى (7) قد يقال: إن الله أذن فيه لما ~~فيه من المنفعة (8) ، فبين سبحانه أنه لم يشرعه، كما قال تعالى: {واسأل من ~~أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون} [سورة الزخرف: ~~45] وهذا مبسوط في موضع آخر. # والمقصود هنا أن في هذه الآية بيان امتناع الألوهية من جهة الفساد الناشئ ~~عن (9) عبادة ما سوى الله تعالى ; لأنه لا صلاح للخلق إلا بالمعبود المراد ~~لذاته، من جهة غاية أفعالهم ونهاية حركاتهم، وما سوى الله PageV03P334 # لا يصلح، فلو كان فيهما معبود غيره لفسدتا من هذه الجهة، فإنه سبحانه هو ~~المعبود المحبوب لذاته، كما أنه هو الرب خالق بمشيئته. # [وهذا معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «أصدق كلمة قالها الشاعر ~~كلمة لبيد» : # ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل # ] (1) ؛ ولهذا قال: الله في فاتحة الكتاب: {إياك نعبد وإياك نستعين} وقدم ~~اسم الله على اسم (2) الرب في أولها حيث قال: {الحمد لله رب العالمين} ~~فالمعبود هو المقصود المطلوب المحبوب لذاته، وهو الغاية والمعين (3) ، وهو ~~البارئ المبدع الخالق، ومنه ابتداء كل شيء، والغايات تحصل بالبدايات، ~~والبدايات (4) بطلب (5) الغايات، فالإلهية هي الغاية (6) ، وبها تتعلق ~~حكمته، وهو الذي يستحق لذاته أن يعبد (7) ويحب ويحمد ويمجد، وهو سبحانه ~~يحمد نفسه، ويثني على نفسه، ويمجد نفسه، ولا أحد أحق بذلك منه حامدا ~~ومحمودا. PageV03P335 # وهذه الأمور مبسوطة في ms0716 غير هذا الموضع، وقد تبين بما ذكرناه أن من جعل ~~عباد الله (1) كأعوان السلطان (2) فهو من أعظم المشركين بالله. ### | [التعليق على كلام الرافضي عن قوله تعالى والله خلقكم وما تعملون] # وأما جوابه (3) عن احتجاجهم بقوله تعالى (4) : {والله خلقكم وما تعملون} ~~[سورة الصافات: 59 - 96] بأن (5) المراد بذلك الأصنام، فلا ننازعه (6) في ~~أن المراد بذلك الأصنام، فإن هذا هو أصح القولين. و " ما " بمعنى الذي، ومن ~~قال: إنها مصدرية والمراد والله خلقكم وعملكم فهو ضعيف (7) ، فإن سياق ~~الكلام إنما يدل على الأول ; لأنه قال: {أتعبدون ما تنحتون - والله خلقكم ~~وما تعملون} [سورة الصافات: 95 - 96] فأنكر عليهم عبادة المنحوت، فالمناسب ~~أن يذكر ما يتعلق بالمنحوت وأنه مخلوق لله. # والتقدير (8) والله خلق العابد والمعبود، ولأنه لو قال: والله خلقكم ~~وعملكم لم يكن في هذا ما يقتضي ذمهم على الشرك، بل قد يقال: إنه إقامة عذر ~~لهم. # وذلك لأن الواو في قوله: {والله خلقكم وما تعملون} واو PageV03P336 # الحال. والحال هنا شبه الظرف، كلاهما قد يتضمن (1) معنى التعليل كما ~~يقال: أتذم فلانا (2) وهو رجل صالح وتسيء إليه وهو محسن (3) إليك؟ فتقرر ~~بذلك ما يوجب ذمه ونهيه عما أنكرته عليه. # وهو سبحانه ينكر عليهم عبادة ما ينحتون، فذكر (4) قوله: {والله خلقكم وما ~~تعملون} متضمنا ما يوجب ذمهم على ذلك ونهيهم عنه، وذلك كون الله تعالى خلق ~~معمولهم، ولو أريد والله خلقكم وعملكم الذي هو الكفر وغيره، لم يكن في ذلك ~~ما يناسب ذمهم، ولم يكن في بيان خلق الله تعالى لأفعال عباده ما يوجب ذمهم ~~على الشرك] (5) . # لكن يقال: هذه الآية تدل على أن أعمال العباد مخلوقة ; لأنه قال: والله ~~خلقكم والذي تعملونه من الأصنام، والأصنام كانوا ينحتونها، فلا يخلو: إما ~~أن يكون المراد خلقه لها قبل النحت والعمل، أو قبل ذلك وبعده. # فإن كان المراد ذكر كونها مخلوقة قبل ذلك لم يكن فيها حجة على أن المخلوق ~~هو المعمول المنحوت. لكن المخلوق ما لم يعمل ولم ينحت. # وإن كان المراد خلقها بعد (6) العمل والنحت، فمن المعلوم أن النحت ms0717 الذي ~~فيها هو أثرهم وعملهم (7) . PageV03P337 # وعند القدرية أن المتولد عن فعل العبد فعله لا فعل الله، فيكون هذا النحت ~~والتصوير فعلهم لا فعل الله. فإذا ثبت أن الله خلقها بما فيها من التصوير ~~والنحت، ثبت أنه خالق ما تولد عن (1) فعلهم [والمتولد لازم للفعل (2) ~~المباشر وملزوم له، وخلق أحد المتلازمين يستلزم خلق الآخر، فدلت (3) الآية ~~أنه خالق أفعالهم القائمة بهم، وخالق ما تولد عنها، وخالق الأعيان التي قام ~~بها المتولد (4) ، ولا يمكن أن يكون أحد المتلازمين عن (5) الرب والآخر عن ~~(6) غيره، فإنه يلزم افتقاره إلى غيره.] (7) . # وأيضا فنفس حركاتهم تدخل في قوله تعالى (8) : {والله خلقكم} ، فإن ~~أعراضهم داخلة في مسمى أسمائهم، فالله تعالى خلق الإنسان بجميع أعراضه، ~~وحركاته من أعراضه، فقد تبين أنه خلق أعمالهم بقوله: {والله خلقكم} وما ~~تولد (9) عنها PageV03P338 # من النحت والتصوير بقوله: {وما تعملون} فثبت أنها دالة على أنه خالق هذا ~~وهذا، وهو المطلوب. مع أن الآيات الدالة على خلق أعمال العباد كثيرة، كما ~~تقدم التنبيه عليها (1) [لكن خلقه للمصنوعات (2) مثل الفلك والأبنية ~~واللباس هو نظير خلق المنحوتات، كقوله تعالى: {وآية لهم أنا حملنا ذريتهم ~~في الفلك المشحون - وخلقنا لهم من مثله ما يركبون} [سورة يس: 41، 42] وقوله ~~تعالى: {والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم ~~سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون} ~~[سورة النحل: 81]] (3) . PageV03P339 ### | فصل كلام الرافضي على إثبات الأشاعرة لرؤية الله تعالى والرد عليه # فصل # قال الرافضي (1) : وذهبت (2) الأشاعرة إلى أن الله يرى (3) بالعين، مع ~~أنه مجرد من الجهات. وقد قال الله تعالى (4) : {لا تدركه الأبصار} [سورة ~~الأنعام: 103] وخالفوا الضرورة من أن المدرك (5) بالعين يكون مقابلا أو في ~~حكمه، وخالفوا جميع العقلاء في ذلك، وذهبوا إلى تجويز أن يكون بين أيدينا ~~جبال شاهقة من الأرض إلى السماء مختلفة الألوان لا (6) نشاهدها، وأصوات (7) ~~هائلة لا نسمعها، وعساكر مختلفة متحاربة بأنواع الأسلحة، بحيث تماس (8) ~~أجسامنا أجسامهم (9) ، لا (10) نشاهد صورهم ولا حركاتهم (11) ، ولا نسمع ~~أصواتهم الهائلة، وأن نشاهد ms0718 PageV03P340 # جسما أصغر الأجسام كالذرة في المشرق ونحن في المغرب، مع كثرة الحائل ~~بيننا وبينها، وهذا هو السفسطة (1) . # فيقال له: (2) الكلام على هذا من وجوه: # أحدها: أن يقال: أما (3) إثبات رؤية الله تعالى بالأبصار في الآخرة فهو ~~قول سلف الأمة وأئمتها، وجماهير المسلمين من أهل المذاهب الأربعة وغيرها. ~~وقد تواترت فيه الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند علماء ~~الحديث، وجمهور القائلين بالرؤية يقولون: يرى عيانا مواجهة، كما هو المعروف ~~بالعقل. # كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «إنكم سترون ربكم - عز وجل (4) ~~- يوم القيامة كما ترون الشمس والقمر (5) لا تضامون في رؤيته.» " وفي لفظ ~~(6) : " «كما ترون الشمس والقمر صحوا» "، وفي لفظ: " «هل تضارون في رؤية ~~الشمس صحوا ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا. قال: فهل تضارون في رؤية القمر صحوا ~~ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا. قال: فإنكم ترون (7) ربكم كما ترون الشمس ~~والقمر» (8) . PageV03P341 # وإذا كان كذلك فتقدير أن يكون بعض أهل السنة المثبتين للرؤية (1) أخطأوا ~~في بعض أحكامها، لم يكن ذلك قدحا في مذهب أهل السنة والجماعة، فإنا لا ندعي ~~العصمة لكل صنف منهم، وإنما ندعي أنهم لا يتفقون على ضلالة، وأن كل مسألة ~~اختلف فيها أهل السنة والجماعة والرافضة (2) فالصواب فيها مع أهل السنة، ~~وحيث تصيب الرافضة فلا بد أن يوافقهم على الصواب بعض أهل السنة، وللروافض ~~خطأ (3) لا يوافقهم أحد عليه من أهل السنة، وليس للرافضة مسألة واحدة لا ~~يوافقهم فيها أحد انفردوا بها عن جميع أهل السنة والجماعة (4) إلا وهم ~~مخطئون فيها (5) كإمامة الإثني عشر (6) وعصمتهم. # والجواب الثاني أن الذين قالوا: إن الله يرى (7) بلا مقابلة هم الذين ~~قالوا: إن الله ليس فوق العالم، فلما كانوا مثبتين للرؤية نافين للعلو ~~احتاجوا إلى الجمع بين هاتين المسألتين. وهذا قول طائفة من الكلابية ~~والأشعرية، وليس هو قولهم كلهم (8) بل ولا قول أئمتهم، بل أئمة القوم ~~يقولون: إن الله بذاته فوق العرش، ومن نفى ذلك منهم فإنما نفاه PageV03P342 # لموافقته (1) المعتزلة في نفي ذلك ونفي ملزوماته، فإنهم لما وافقوهم على ~~صحة ms0719 الدليل الذي استدلت به المعتزلة على حدوث العالم، وهو أن الجسم لا يخلو ~~عن (* الحركة والسكون، وما لا يخلو عنهما فهو حادث، لامتناع حوادث لا أول ~~لها. # قالوا: فيلزم حدوث كل جسم، فيمتنع أن يكون *) (2) البارئ جسما ; لأنه ~~قديم، ويمتنع أن يكون في جهة ; لأنه لا يكون في الجهة إلا جسم (3) ، فيمتنع ~~أن يكون مقابلا للرائي ; لأن المقابلة لا تكون إلا بين جسمين (4) . # ولا ريب أن جمهور (5) العقلاء من مثبتي الرؤية ونفاتها يقولون: إن هذا ~~القول معلوم الفساد بالضرورة؛ ولهذا يذكر الرازي أن جميع فرق الأمة تخالفهم ~~في ذلك. # لكن هم يقولون لهذا المشنع عليهم: نحن أثبتنا الرؤية ونفينا الجهة، فلا ~~يلزم ما ذكرته (6) ، فإن أمكن رؤية المرئي (7) لا في جهة من الرائي صح ~~قولنا، وإن لم يكن لزم خطؤنا في إحدى المسألتين: إما في نفي (8) الرؤية ~~وإما في نفي مباينة الله لخلقه وعلوه عليهم. PageV03P343 # وإذا لزم الخطأ في إحداهما، لم يتعين الخطأ في نفي الرؤية، بل يجوز (1) ~~أن يكون الخطأ في نفي العلو والمباينة، وليست موافقتنا لك حجة (2) لك، فليس ~~تناقضنا دليلا على صواب قولك في نفي علو الله على خلقه، بل الرؤية ثابتة ~~بالنصوص المستفيضة (3) وإجماع السلف، مع دلالة العقل عليها. # وحينئذ فلازم الحق حق. ونحن إذا أثبتنا هذا الحق ونفينا بعض لوازمه، كان ~~هذا (4) التناقض أهون من نفي الحق (5) ولوازمه. وأنتم نفيتم الرؤية ونفيتم ~~العلو والمباينة، فكان (6) قولكم أبعد عن المعقول والمنقول من قولنا، ~~وقولنا أقرب من قولكم، وإن كان في قولنا تناقض فالتناقض في قولكم أكثر ~~ومخالفتكم (7) لنصوص الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة (8 أظهر، وهذا بين؛ ~~فإن ما في النصوص الإلهية ونصوص سلف الأمة 8) (8) من إثبات الصفات والرؤية ~~(9) وعلو الله متواتر (10) مستفيض. # والنفاة لا يستندون لا إلى كتاب ولا إلى سنة ولا إلى PageV03P344 # إجماع (1) بل عارضوا برأيهم الفاسد (2) ما تواتر عن رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - وأتباعه من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان (3) . # وأما التناقض فإن هؤلاء النفاة للرؤية يقولون: إنه موجود لا داخل العالم ms0720 ~~ولا خارجه (4) ولا مباين له، ولا يقرب من شيء، ولا يقرب منه (5) شيء، ولا ~~يراه أحد، ولا يحجب عن رؤيته (6) شيء دون شيء (7) ، ولا يصعد إليه شيء، ولا ~~ينزل من عنده شيء، إلى أمثال ذلك. # وإذا قيل لهم (8) : هذا مخالف للعقل، وهذا صفة المعلوم المعدوم الممتنع ~~وجوده. # قالوا: هذا النفي من حكم الوهم. # فيقال لهم: إذا عرض على العقل موجود ليس بجسم قائم بنفسه يمكن رؤيته كان ~~العقل قابلا لهذا لا ينكره. فإذا قيل مع ذلك: إنه يرى بلا مواجهة، فإن قيل: ~~هذا ممكن، بطل قولهم. وإن قيل: هذا مما يمنعه العقل. قيل: منع العقل لما ~~جعلتموه موجودا واجبا (9) أعظم. PageV03P345 # فإن (1) قلتم: إنكار ذلك من حكم الوهم. # قيل لكم: وإنكار هذا حينئذ (2) أولى أن يكون من حكم الوهم. # وإن قلتم: بل (3) هذا الإنكار من حكم العقل. # قيل لكم: وذلك الإنكار من حكم العقل بطريق الأولى. # فإنكم تقولون: حكم الوهم الباطل أن يحكم فيما ليس بمحسوس بحكم المحسوس، ~~وحينئذ إذا قلتم: إن البارئ تعالى غير محسوس يمكن أن تقبلوا فيه الحكم الذي ~~يمتنع في المحسوس (4) وهو امتناع الرؤية بدون (5) المقابلة. # وإن قلتم: إنه محسوس أي يمكن الإحساس به لم يبطل (6) فيه حكم الوهم، ~~فامتنع أن يكون لا داخل العالم ولا خارجه، وحينئذ فيجوز (7) رؤيته. # وإن قلتم: إذا كان غير محسوس فهو غير مرئي. # قيل: إن أردتم بالمحسوس الحس المعتاد فالرؤية التي يثبتها PageV03P346 # مثبتة الرؤية (1) بلا مقابلة ليست هي الرؤية المعتادة، بل (2) هي رؤية لا ~~نعلم صفتها، كما أثبتم وجود موجود (3) لا نعلم صفته، فكل ما تلزمونهم به من ~~الشناعات والمناقضات يلزمكم أكثر منه. # الجواب الثالث: أن يقال: أهل الحديث والسنة المحضة متفقون على إثبات ~~العلو والمباينة وإثبات الرؤية، وحينئذ فمن أثبت أحدهما ونفى الآخر أقرب ~~إلى الشرع والعقل (* ممن نفاهما جميعا (4) . # فالأشعرية الذين أثبتوا الرؤية ونفوا الجهة أقرب إلى الشرع والعقل *) (5) ~~من المعتزلة والشيعة الذين نفوهما. أما كونهم أقرب إلى الشرع فلأن (6) ~~الآيات والأحاديث والآثار المنقولة عن الصحابة في دلالتها على ms0721 العلو وعلى ~~الرؤية (7) أعظم من أن تحصر، وليس مع نفاة الرؤية والعلو ما يصلح أن يذكر ~~من الأدلة الشرعية، وإنما يزعمون أن عمدتهم (8) العقل. # فنقول: قول (9) الأشعرية المتناقضين خير من قول هؤلاء، وذلك PageV03P347 # أنا إذا عرضنا على العقل وجود موجود لا يشار إليه ولا يقرب منه شيء، ولا ~~يصعد إليه شيء، ولا ينزل منه شيء، ولا هو داخل العالم ولا خارجه، ولا ترفع ~~إليه الأيدي، ونحو ذلك - كانت الفطرة منكرة لذلك. والعقلاء جميعهم الذين لم ~~تتغير فطرتهم ينكرون ذلك، ولا يقر بذلك إلا من لقن أقوال النفاة وحجتهم (1) ~~وإلا فالفطر (2) السليمة متفقة على إنكار ذلك أعظم من إنكار خرق العادات ; ~~لأن (3) العادات يجوز انخراقها باتفاق أهل الملل وموافقة عقلاء الفلاسفة ~~لهم على ذلك. # فنقول: إن كان قول النفاة حقا مقبولا (4) في العقل فإثبات وجود الرب على ~~العرش من غير أن يكون جسما أقرب إلى العقل وأولى بالقبول. وإذا ثبت أنه فوق ~~العرش، فرؤية ما هو فوق الإنسان وإن لم يكن جسما أقرب إلى العقل وأولى (5) ~~بالقبول. من إثبات قول النفاة. فتبين أن الرؤية على قول هؤلاء أقرب إلى ~~العقل من قول (6) النفاة، وإذا قدر أن هذا خلاف المعتاد، فتجويز انخراق ~~العادة أولى من قول النفاة (7) ، فإن قول النفاة ممتنع في فطر العقلاء لا ~~يمكن جوازه، وأما انخراق العادة (8) فجائز. PageV03P348 # الجواب الرابع: أن الأشعرية تقول (1) : إن الله قادر على أن يخلق بحضرتنا ~~ما لا نراه ولا نسمعه من الأجسام والأصوات، وأن يرينا ما بعد منا، لا ~~يقولون: إن هذا واقع، بل يقولون: إن الله قادر عليه وليس كل ما كان قادرا ~~عليه يشكون في وقوعه، بل يعلمون أن هذا ليس واقعا (2) الآن، وتجويز الوقوع ~~غير الشك في الوقوع. # وعبارة هذا الناقل تقتضي أنهم يجوزون أن يكون هذا الآن موجودا ونحن لا ~~نراه، وهذا لا يقوله عاقل، ولكن هذا قيل لهم بطريق الإلزام. قيل [لهم] (3) ~~: إذا جوزتم الرؤية في غير جهة، فجوزوا هذا. فقالوا: نعم نجوز. كما أنهم ~~يقولون: رؤية الله جائزة ms0722 في الدنيا، أي: هو قادر على أن يرنا نفسه، وهم ~~يعلمون مع هذا أن أحدا من الناس لا يرى الله في الدنيا إلا ما تنوزع فيه من ~~رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه، ومن شك منهم في وقوع الرؤية في ~~الدنيا فلجهله (4) بالأدلة النافية لذلك. # وقد ذكر الأشعري في وقوع الرؤية بالأبصار في الدنيا لغير النبي - صلى ~~تعالى عليه وسلم - قولين؛ لكن الذي عليه أهل السنة قاطبة (5) أن الله لم ~~يره أحد بعينيه (6) في الدنيا. # وقد ذكر الإمام أحمد (7) وغيره اتفاق السلف على هذا PageV03P349 # [النفي] (1) وأنهم لم يتنازعوا إلا في النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~خاصة. وقد ثبت في صحيح مسلم (2) وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ~~قال: " «واعلموا أن أحدا منكم لن يرى (3) ربه حتى يموت» ". مضى هذا الحديث ~~من قبل في هذا الكتاب 2 - 516، 612. # وقد سأل موسى - عليه السلام - (4) الرؤية فمنعها، فلا يكون آحاد الناس ~~أفضل من موسى. وفي الجملة ليس كل ما قال قائل: " إنه ممكن مقدور " يشك في ~~وقوعه. # فالأشعرية ومن وافقهم (5) من أتباع الشافعي ومالك (6) وأحمد - وإن كانوا ~~يقولون بجواز أمور ممتنعة في العادة في الرؤية - فيقولون: إنه لا حجاب بين ~~الله وبين العبد إلا عدم خلق الرؤية في العين (7) ، وكذلك يقولون في سائر ~~المرئيات. # فكانوا ينفون أن يكون في العين قوة امتازت بها فحصلت بها الرؤية، ويمنعون ~~أن يكون بين الأسباب ومسبباتها ملازمة، وأن يكون بين (8) PageV03P350 # الموانع وممنوعاتها ممانعة، ويجعلون ذلك كله عادة محضة (1) استندت إلى ~~محض المشيئة، ويجوزون خرقها بمحض المشيئة. # فهم يقولون: إنا نعلم انتفاء كثير مما يعلم (2) إمكانه كما نعلم أن البحر ~~لم ينقلب دما، ولا الجبال ياقوتا، ولا الحيوانات أشجارا، بل يجعلون العلم ~~بمثل هذا من العقل الذي يتميز به (3) العاقل عن المجنون، وهم وإن كانوا ~~يتناقضون [وفي قولهم ما هو باطل عقلا ونقلا] (4) فأقوالهم في القدر والصفات ~~والرؤية (5) خير من أقوال المعتزلة وموافقيهم من الشيعة (6) وإن كان الصواب ~~هو ما عليه السلف وأئمة السنة وهو (7) قول الأئمة ms0723 الأربعة وجمهور كبار ~~أصحابهم (8) [والنصوص المأثورة في ذلك عن الأئمة المذكورين في غير هذا ~~الموضع] (9) . # والبيان التام هو (10) ما بينه الرسول [صلى الله عليه وسلم] (11) ؛ فإنه ~~أعلم PageV03P351 # الخلق بالحق وأنصح الخلق للخلق (1) ، وأفصح الخلق في بيان الحق، فما بينه ~~(2) من أسماء الله وصفاته وعلوه ورؤيته هو الغاية في هذا الباب، [والله ~~الموفق للصواب] (3) . ### | فصل كلام الرافضي على مقالة الأشاعرة في كلام الله تعالى والرد عليه # فصل # قال الرافضي (4) : وذهبت الأشاعرة (5) إلى أن الله أمرنا ونهانا في الأزل ~~(6) - ولا مخلوق عنده - قائلا: {ياأيها النبي اتق الله} [سورة الأحزاب: 1] ~~{ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله} [سورة البقرة: 278] {ياأيها الناس اتقوا ~~ربكم} [سورة النساء: 1] (7) ، ولو جلس شخص في مكان خال (8) ولا غلام عنده ~~فقال: يا سالم قم، يا غانم كل، يا نجاح (9) ادخل، قيل: (10) لمن تنادي؟ ~~قال: لعبيد أريد أن (11) أشتريهم بعد عشرين سنة (12) ، نسبه كل عاقل ~~PageV03P352 # إلى السفه والحمق فكيف يحسن منهم أن ينسبوا إلى الله ذلك في الأزل؟ (1) ~~". # والجواب عن هذا من وجوه: # أحدها أن يقال: هذا قول الكلابية وهم طائفة من الذين يقولون: (2 كلام ~~الله غير مخلوق، وهؤلاء طائفة من الذين يقولون بإمامة الخلفاء الثلاثة، ~~فقولهم سواء كان حقا أو باطلا لا يقتضي صحة مذهب الرافضة، ولا بطلان قول ~~أهل السنة والجماعة، فهذا القول الذي ذكره إذا كان باطلا فأكثر القائلين ~~بإمامة الخلفاء الثلاثة لا يقولون به، لا من يقول 2) (2) : القرآن مخلوق، ~~كالمعتزلة، ولا (3) من يقول: هو كلام الله غير مخلوق، كالكرامية والسالمية ~~والسلف وأهل الحديث من أهل (4) المذاهب الأربعة وغيرهم، فليس في ذكر مثل ~~هذا (5) حصول مقصود الرافضي. # الوجه الثاني أن يقال: (6) أكثر أئمة الشيعة يقولون: " القرآن غير مخلوق ~~" وهو الثابت عن أئمة أهل البيت. وحينئذ فهذا قول من أقوال هؤلاء، فإن لم ~~يكن حقا أمكن أن يقال: بغيره من أقوالهم. PageV03P353 # الوجه الثالث أن يقال: إن كان (1) الكلابية والأشعرية إنما قالوا هذا ~~لموافقتهم المعتزلة في الأصل الذي اضطرهم إلى ذلك، فإنهم وافقوهم كما تقدم ~~على صحة دليل حدوث الأجسام، فلزمهم ms0724 أن يقولوا بحدوث ما لا يخلو عن الحوادث. ~~ثم قالوا: وما يقوم به الحوادث لا يخلو منها. # فإذا قيل: الجسم لم يخل عن الحركة والسكون، فإن الجسم إما أن يكون متحركا ~~وإما أن يكون ساكنا. # قالوا: والسكون الأزلي يمتنع زواله ; لأنه موجود أزلي (2) وكل موجود أزلي ~~يمتنع زواله، وكل جسم يجوز عليه الحركة، فإذا جاز عليه الحركة وهو (3) أزلي ~~وجب (4) أن تكون حركته أزلية، لامتناع زوال السكون الأزلي (5) ولو جاز أن ~~تكون حركته أزلية (6) لزم حوادث لا أول لها، وذلك ممتنع، فلزم من ذلك أن ~~الباري لا تقوم به الحوادث ; لأنها (7) لو قامت به لم يخل منها ; لأن ~~القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده، وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث، ~~لامتناع حوادث لا أول لها. # وقد علموا بالأدلة اليقينية أن الكلام يقوم بالمتكلم، كما يقوم العلم ~~PageV03P354 # بالعالم والقدرة بالقادر، والحركة بالمتحرك، وأن الكلام الذي يخلقه الله ~~في غيره ليس كلاما له، بل لذلك المحل الذي خلقه فيه. فإن الصفة إذا قامت ~~بمحل عاد حكمها على ذلك المحل، ولم يعد (1) على غيره، واشتق لذلك المحل منه ~~اسم (2) ولم يشتق لغيره. # فلو (3) كان الكلام المخلوق في غيره كلاما له، لزم أربعة أمور باطلة: ~~[ثبوت حكم الصفة والاسم المشتق منها لغير الله، وانتفاء الحكم والاسم عن ~~الله لازمان عقليان ولازمان سمعيان يلزمان] (4) بكون (5) الكلام (6) صفة ~~لذلك المحل لا لله، فيكون هو المنادي بما يقوم به (7) فتكون الشجرة التي ~~خلق فيها (8) نداء موسى هي القائلة " إنني (9) أنا الله، لا يكون الله هو ~~المنادي بذلك، ويلزم أن تسمى هي متكلمة منادية لموسى، ويلزم أن لا يكون ~~الله متكلما ولا مناديا ولا مناجيا (10) . PageV03P355 # وهذا خلاف ما علم بالاضطرار من دين المسلمين، [وهذا قد بسط في غير هذا ~~الموضع] (1) . # وقالوا أيضا: لو لم يكن متكلما في الأزل لزم اتصافه بنقيض الكلام من ~~السكوت أو الخرس (2) وقالوا أيضا (3) : لو كان كلامه مخلوقا لكان إن خلقه ~~في محل كان كلاما لذلك المحل، وإن خلقه قائما بنفسه لزم ms0725 أن تقوم الصفة ~~والعرض بنفسها، وإن خلقه في نفسه لزم أن تكون نفسه محلا للمخلوقات. # (4 وهذه اللوازم الثلاثة باطلة تبطل كونه مخلوقا 4) (4) ، كما هو مبسوط ~~(5) في غير هذا الموضع. # فلما ثبت عندهم أن الكلام لا بد أن يقوم بالمتكلم، وقد وافقوا المعتزلة ~~على أن الحوادث لا تقوم بالقديم (6) ، لزم من هذين الأصلين أن يكون الكلام ~~قديما. # قالوا: وقدم الأصوات ممتنع ; لأن الصوت لا يبقى زمانين، فتعين أن يكون ~~القديم معنى ليس بحرف ولا صوت، وإذا كان كذلك كان معنى واحدا ; لأنه لو زاد ~~على واحد لم يكن له حد محدود، ويمتنع وجود معان لا نهاية لها. PageV03P356 # فهذا أصل قولهم، فهم يقولون: نحن وافقناكم على امتناع أن يقوم (1) بالرب ~~ما هو مراد له مقدور، وخالفناكم في كون كلامه مخلوقا منفصلا عنه، فلزم ما ~~ذكرتموه من مناقضتنا (2) ، فإن كان الجمع بين هذين ممكنا لم نكن متناقضين، ~~وإن تعذر ذلك لزم خطؤنا (3) في إحدى المسألتين، ولم يتعين الخطأ فيما ~~خالفناكم فيه، بل قد نكون مخطئين (4) فيما وافقناكم فيه (5) من كون الرب لا ~~يتكلم بمشيئته وقدرته بكلام يقوم به، مع أن إثبات هذا القول هو قول جمهور ~~(6) أهل الحديث وطوائف من أهل الكلام من المرجئة والكرامية والشيعة وغيرهم، ~~بل لعله قول أكثر أهل الطوائف. # وإن لزم خطؤنا (7) في إحدى المسألتين لا بعينها لا يلزم صوابكم أنتم (8) ~~، بل نحن إذا اضطررنا إلى موافقة إحدى الطائفتين، كانت موافقتنا لمن يقول: ~~إن الرب يتكلم بكلام يقوم به (9) بمشيئته وقدرته خيرا من موافقتنا لمن ~~يقول: إن كلامه إنما هو ما يخلقه في غيره، فإن فساد PageV03P357 # هذا القول في الشرع والعقل (1) أظهر من فساد القول بكونه يتكلم بكلام ~~يقوم به يتعلق بمشيئته وقدرته. # ثم القائلون بأنه يتكلم بمشيئته وقدرته بكلام يقوم به وهم جمهور المسلمين ~~اختلفوا على قولين: منهم قال: إنه يتكلم بمشيئته وقدرته (2) بكلام (3) بعد ~~أن لم يكن الكلام موجودا فيه، كما تقوله الكرامية وموافقوهم. # ومنهم من يقول (4) : لم يزل متكلما إذا شاء وكيف شاء، كما تقوله أئمة ms0726 أهل ~~(5) السنة والحديث، كعبد الله بن المبارك (6) ، وأحمد بن حنبل، وغيرهما من ~~أئمة أهل السنة (7) . # والكلابية (8) يقولون: لو اضطررنا إلى موافقة من يقول: كلامه مخلوق ومن ~~يقول: كلامه قائم بذاته، وجنس الكلام حادث في ذاته (9) بعد أن لم يكن، كان ~~كلام (10) هؤلاء أخفى فسادا من قول المعتزلة، وقول PageV03P358 # المعتزلة أظهر فسادا، فإن الحجة النافية لهذا وهو أن القابل للشيء (1) لا ~~يخلو منه ومن (2) ضده حجة ضعيفة اعترف بضعفها حذاق الطوائف واعترف منصفوهم ~~(3) أنه لا يقوم لهم دليل عقلي - بل ولا سمعي - على نفي قيام (4) الحوادث ~~به، إلا ما ينفي الصفات مطلقا، وذلك في غاية الفساد، فكيف يمكن أن يصير (5) ~~إلى القول الآخر، قول السلف وأهل الحديث؟ . # وبالجملة فكون الرب لم يزل متكلما إذا شاء، كما هو قول أهل الحديث مبني ~~على مقدمتين: على أنه تقوم به (6) الأمور الاختيارية وأن كلامه لا نهاية ~~له. # قال الله تعالى: {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن ~~تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا} [سورة الكهف: 109] وقال: {ولو أنما في ~~الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن ~~الله عزيز حكيم} [سورة لقمان: 27] . # وقد قال: غير واحد من العلماء: إن مثل هذا الكلام (7) يراد به الدلالة ~~PageV03P359 # على أن كلام (1) الله لا ينقضي ولا ينفد، بل لا نهاية له (2) ومن قال: ~~إنه يتكلم (3) بمشيئته وقدرته بكلام يقوم بذاته، يقولون: إنه لا نهاية له ~~(4) في المستقبل. # وأما في الماضي فلهم قولان: منهم من يقول: لها بداية في الماضي (5) ، ~~وأئمتهم يقولون: لا بداية لها في الماضي (6) [كما لا نهاية لها في ~~المستقبل] (7) وهذا يستلزم وجود ما لا نهاية له أزلا وأبدا من الكلمات. # والكلام صفة كمال (8) ، والمتكلم بمشيئته وقدرته أكمل ممن لا يتكلم ~~بمشيئته وقدرته، بل لا يعقل متكلم إلا كذلك. ولا يكون الكلام صفة كمال إلا ~~إذا قام بالمتكلم. وأما الأمور المنفصلة عن الذات فلا يتصف بها ألبتة، فضلا ~~عن أن تكون صفة كمال أو ms0727 نقص. # قالوا: ولم نعرف عن أحد من السلف لا من الصحابة ولا من التابعين لهم ~~بإحسان ولا غيرهم من أئمة المسلمين من أنكر هذا الأصل، ولا قال: إنه يمتنع ~~وجود كلمات لا نهاية لها لا في الماضي ولا في المستقبل، ولا قالوا: ما ~~يستلزم امتناع هذا. PageV03P360 # وإنما قال ذلك أهل الكلام المحدث المبتدع المذموم عند السلف والأئمة ~~الذين أحدثوا في الإسلام نفي صفات الله وعلوه على خلقه ورؤيته في الآخرة، ~~وقالوا: إنه (1) لا يتكلم، ثم قالوا: إنه يتكلم بكلام مخلوق منفصل عن الله. # قالوا: وإنما (2) قلنا ذلك ; لأنا استدللنا على حدوث العالم بحدوث ~~الأجسام، وإنما استدللنا على حدوثها بقيام الحوادث بها، وأن ما لا ينفك (3) ~~عن الحوادث فهو حادث، لامتناع حوادث لا أول لها. فلو قلنا: إنه تقوم به ~~الصفات والكلام، لزم قيام الحوادث به ; لأن هذه أعراض (4) حادثة. # فقال لهم أهل السنة: أحدثتم بدعا تزعمون (5) أنكم تنصرون بها الإسلام، ~~فلا للإسلام نصرتم (6) ولا لعدوه كسرتم، بل سلطتم عليكم أهل الشرع والعقل، ~~فالعالمون (7) بنصوص المرسلين يعلمون أنكم خالفتموها، وأنكم أهل بدعة ~~وضلالة، والعالمون بالمعاني المعقولة يعلمون أنكم قلتم ما يخالف المعقول، ~~وأنكم أهل خطأ وجهالة. PageV03P361 # والفلاسفة الذين زعمتم أنكم تحتجون عليهم (1) بهذه الطريق تسلطوا (2) ~~عليكم بها، ورأوا أنكم خالفتم (3) صريح العقل. والفلاسفة أجهل منكم بالشرع ~~[والعقل في الإلهيات، لكن لما ظنوا أن ما جئتم به هو الشرع، وقد رأوه يخالف ~~العقل - صاروا أبعد عن الشرع والعقل منكم] (4) لكن (5) عارضوكم بأدلة عقلية ~~- بل وشرعية - ظهر (6) بها عجزكم في هذا الباب عن بيان حقيقة الصواب. # وكان ذلك مما زادهم ضلالا في أنفسهم وتسلطا عليكم، ولو سلكتم معهم طريق ~~(7) العارفين بحقيقة المعقول والمنقول، لكان ذلك أنصر لكم وأتبع لما جاء به ~~الرسول - صلى الله عليه وسلم - (8) ولكنكم كنتم بمنزلة من جاهد الكفار بنوع ~~من الكذب والعدوان، وأوهمهم (9) أن هذا يدخل في حقيقة الإيمان، فصار ما ~~عرفه أولئك من كذب هؤلاء وعدوانهم مما يوجب القدح فيما ادعوه من إيمانهم، ~~ولما رأى أولئك في الملك ms0728 (10) والرياسة والمال، من جنس هذه المخادعة ~~والمحال - سلكوا PageV03P362 # طريقا أبلغ في المخادعة (1) والمحال من طرق أولئك المبتدعين الضالين (2) ~~، فسلطوا عليهم عقوبة لهم على خروجهم عن الدين. # قال الله تعالى: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل ~~هو من عند أنفسكم} [آل عمران: 165] وقال: (3) : {إن الذين تولوا منكم يوم ~~التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن ~~الله غفور حليم} [آل عمران: 155] وقال: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان ~~فبإذن الله وليعلم المؤمنين} ] (4) [آل عمران: 166] . # فما جاء به الرسول حق محض يتصادق عليه صريح المعقول وصحيح المنقول، ~~والأقوال المخالفة لذلك وإن كان كثير من أصحابها (5) مجتهدين مغفورا لهم ~~خطؤهم، فلا يملكون (6) نصرها بالأدلة العلمية، ولا الجواب عما يقدح فيها ~~بالأجوبة العلمية، فإن الأدلة العقلية (7) الصحيحة لا تدل إلا على القول ~~الحق، والأجوبة الصحيحة المفسدة (8) لحجة الخصم لا تفسدها إلا إذا كانت ~~باطلة، فإن ما هو باطل (9) لا يقوم عليه دليل صحيح، وما هو حق لا يمكن دفعه ~~بحجة صحيحة. PageV03P363 # والمقصود هنا أن من قال: قولا أصاب فيه من وجه، وأخطأ فيه من وجه آخر حتى ~~تناقض في ذلك القول، بحيث جمع فيه (1) بين أمرين متناقضين، يقول [لمن ~~يناقضه بمقدمة جدلية سلمها له] (2) : تناقضي (3) إنما (4) يدل على خطئي في ~~أحد القولين: إما القول الذي سلمته لك، وإما القول الذي ألزمتني بالتزامه ~~(5) وهذا لا يدل على صحة قولك، بل يمكن أن يكون القول الآخر هو الصواب. # فالأشعرية (6) العارفون بأن كلام الله غير مخلوق، وبأن هذا قول السلف ~~والأئمة، وبما دل (7) على ذلك من الأدلة الشرعية والعقلية إذا قيل لهم: ~~القول بقدم القرآن ممتنع، أمكنهم أن يقولوا: هنا قولان آخران لمن يقول: إنه ~~غير مخلوق كما تقدم، ولا يلزم واحدا من القولين لازم (8) إلا ولازم قول من ~~يقول إنه مخلوق أعظم فسادا. # فالعاقل لا يكون مستجيرا من الرمضاء بالنار، بل إذا انتقل ينتقل من قول ~~مرجوح (9) إلى راجح، والذين قالوا: إنه (10) يتكلم بمشيئته وقدرته ~~PageV03P364 # بعد أن لم ms0729 يكن متكلما، لا حجة للمعتزلة ونحوهم عليهم، إلا حجة نفي ~~الصفات، وهي حجة داحضة، ولا حجة للكلابية عليهم، إلا أن ذلك يستلزم (1) ~~دوام الحوادث ; لأن القابل للشيء لا يخلو عنه وعن (2) ضده؛ ولأن القابلية ~~للحوادث تكون من لوازم ذاته. # وهذه الحجج (3) مما قد التزم هؤلاء ما هو (4) أضعف منها كما قد بسط في ~~مواضعه (5) ، واعترف حذاقهم بضعف (6) جميع هذه (7) الحجج العقلية في هذا ~~الباب، وأما السمعيات فهي مع المثبتة لا مع النفاة. # والقول بدوام كونه متكلما إذا شاء وأن الكلام لازم لذات الرب، معه من ~~الحجج (8) ما يضيق هذا الموضع عن استقصائها، وأي القولين صح أمكن الانتقال ~~إليه. # والرازي وغيره يقولون: إن جميع طوائف (9) العقلاء يلزمهم القول بقيام ~~الحوادث به، فإن صح هذا أمكن القول بأنه يتكلم بمشيئته وقدرته. وقد بسطنا ~~الكلام على نهايات عقول العقلاء في هذه المسائل، [وما دل عليه الكتاب ~~والسنة وأقوال سلف الأمة] (10) في كتاب " درء تعارض العقل والنقل " (11) ~~وغير ذلك. PageV03P365 # وبالجملة فما ذكر من الحجة مبني على أن السكون أمر وجودي (1) ، (2 وعلى ~~أن الله يصير فاعلا بعد أن لم يكن كذلك، فتكون الحوادث غير دائمة 2) (2) ، ~~ومن المعلوم أن فساد (3) هذين القولين ليس ظاهرا، لا سيما وعند التحقيق ~~يظهر صحتهما (4) أو صحة أحدهما، وأيهما صح (5) أمكن معه القول بأن الله ~~يتكلم بكلام يقوم به بمشيئته وقدرته. # قال (6) الأشعرية: وإذا كان هذا هو الحق فنحن إذا قلنا: إن كلامه يقوم ~~به، فليس متعلقا بمشيئته وقدرته، قلنا ببعض الحق وتناقضنا، فكان (7) هذا ~~خيرا ممن يقول: إنه ليس لله كلام إلا ما يخلقه في غيره؛ لما في هذا القول ~~من مخالفة الشرع والعقل. # الوجه الرابع: أن يقال: الخطاب لمعدوم لم يوجد بعد بشرط وجوده أقرب إلى ~~العقل من متكلم لا يقوم به كلامه، ومن كون الرب مسلوب صفات الكمال لا ~~يتكلم، ومن أن (8) يخلق كلاما في غيره فيكون ذلك ليس كلاما لمن خلقه فيه ~~(9) بل لخالقه، وهو إذا خلق في غيره حركة كانت الحركة حركة للمحل المخلوقة ~~فيه (10) لا ms0730 للخالق لها، وكذلك سائر PageV03P366 # الأعراض، فما خلق الله من عرض في جسم (1) إلا كان صفة لذلك الجسم لا لله ~~تعالى. # وأما خطاب من لم يوجد (2) بشرط وجوده، فإن الموصي قد يوصي بأشياء ويقول: ~~أنا آمر الوصي بعد موتي أن يعمل كذا ويعمل كذا، فإذا بلغ ولدي فلان (3) ~~يكون هو الوصي وأنا آمره بكذا وكذا، بل يقف وقفا يبقى سنين، ويأمر الناظر ~~الذي يخلفه بعد بأشياء (4) . # وأما القائل: يا " سالم " ويا " غانم " فإن قصد به خطاب حاضر ليس بموجود، ~~فهذا قبيح بالاتفاق (5) ، وأما إن (6) قصد به خطاب من سيكون، مثل أن يقول: ~~قد أخبرني الصادق أن أمتي تلد غلاما ويسمى غانما، فإذا ولدته فهو حر، وقد ~~جعلته وصيا على أولادي وأنا آمرك يا غانم بكذا وكذا (7) لم يكن هذا ممتنعا. # وذلك لأن (8) الخطاب هنا هو لحاضر في العلم، وإن كان مفقودا في العين، ~~والإنسان يخاطب من يستحضره في نفسه، ويتذكر (9) أشخاصا قد أمرهم بأشياء، ~~فيقول: يا فلان أما قلت لك كذا. PageV03P367 # والشيعة والسنية يروون عن علي - رضي الله عنه - أنه لما مر بكربلاء قال: ~~صبرا أبا عبد الله، صبرا أبا عبد الله، يخاطب الحسين لعلمه بأنه سيقتل، ~~وهذا قبل أن يحضر الحسين بكربلاء ويطلب قتله. # والنبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الدجال وخروجه وأنه قال: " «يا عباد ~~الله اثبتوا» " (1) وبعد لم يوجد عباد الله أولئك. # والمسلمون يقولون في صلاتهم: " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله ~~وبركاته " وليس هو حاضرا عندهم ولكنه حاضر في قلوبهم. # وقد قال تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} [سورة يس: ~~82] وهذا عند أكثر العلماء هو خطاب يكون (2) لمن يعلمه الرب تعالى في نفسه، ~~وإن لم يوجد بعد. ومن قال: إنه عبارة عن شرعة التكوين فقد خالف مفهوم ~~الخطاب، وحمل الآية على ذلك يستدعي استعمال الخطاب في مثل هذا المعنى، وأن ~~هذا من اللغة التي نزل بها القرآن، وإلا فليس لأحد أن يحمل خطاب الله ~~ورسوله على ما يخطر له. PageV03P368 # بل القرآن نزل ms0731 بلغة العرب، بل بلغة قريش، وقد علمت العادة المعروفة في ~~خطاب الله ورسوله، فليس لأحد أن يخرج عنها. # وبالجملة فنحن ليس مقصودنا هنا نصر قول من يقول: القرآن قديم، فإن هذا ~~القول أول من عرف أنه قاله في الإسلام أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب، ~~واتبعه على ذلك طوائف، فصاروا حزبين: حزبا يقول: القديم هو معنى قائم ~~بالذات، وحزبا يقول: هو حروف، أو حروف وأصوات. # وقد صار إلى كل من القولين طوائف من المنتسبين إلى السنة من أصحاب مالك ~~والشافعي وأحمد وغيرهم. وليس هذا القول ولا هذا القول قول أحد من الأئمة ~~الأربعة، بل الأئمة الأربعة وسائر الأئمة متفقون على أن كلام الله منزل غير ~~مخلوق. وقد صرح غير واحد منهم أن الله تعالى متكلم (1) (* بمشيئته وقدرته، ~~وصرحوا بأنه لم يزل متكلما إذا شاء كيف شاء، وغير ذلك من الأقوال المنقولة ~~عنهم، وهذه المسألة قد تكلم فيها السلف *) (2) ، لكن اشتهر النزاع فيها في ~~المحنة المشهورة لما امتحن أئمة الإسلام، وكان الذي ثبته الله في المحنة ~~وأقامه لنصر السنة هو الإمام أحمد (2 بن حنبل - رحمه الله تعالى 2) (3) - ~~وكلامه وكلام غيره في ذلك (4) موجود في كتب كثيرة، وإن كان طائفة من متأخري ~~PageV03P369 # أصحابه (1) وافقوا ابن كلاب على قوله: إن القرآن قديم، فأئمة (2) أصحابه ~~على نفي ذلك، وأن كلامه قديم، بمعنى أنه لم يزل متكلما بمشيئته وقدرته. # ولهم قولان: هل يوصف الله بالسكوت عن كل كلام، [أو أنه لم يزل متكلما ~~وإنما يوصف بالسكوت عن بعض الأشياء؟] (3) ذكرهما أبو بكر عبد العزيز وأبو ~~عبد الله بن حامد وغيرهما. وأكثر أئمتهم وجمهورهم على أنه لم يزل متكلما، ~~إنما يوصف بالسكوت عن بعض الأشياء. # كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «الحلال ما أحله الله في كتابه، ~~والحرام ما حرمه الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه» ". (4) . # وأحمد وغيره من السلف يقولون: إن الله تعالى يتكلم بصوت، لكن لم يقل أحد ~~منهم: إن ذلك الصوت المعين قديم. PageV03P370 # يقولون: إن الله ms0732 تعالى يتكلم بصوت، لكن لم يقل أحد منهم: إن ذلك الصوت ~~المعين قديم ### | فصل زعم الرافضي بأن أهل السنة ينكرون عصمة الأنبياء وكلامه على مقالتهم في الإمامة والرد عليه # فصل (1) قال الرافضي (2) : وذهب جميع من عدا (3) الإمامية والإسماعيلية ~~إلى أن الأنبياء والأئمة (4) غير معصومين، فجوزوا بعثة من يجوز عليه الكذب ~~والسهو والخطأ والسرقة، فأي وثوق يبقى للعامة في أقوالهم (5) ، وكيف (6) ~~يحصل الانقياد إليهم (7) ، وكيف يجب اتباعهم مع تجويز أن يكون ما يأمرون به ~~خطأ؟ ولم يجعلوا الأئمة محصورين في عدد معين بل كل من بايع (8) قرشيا ~~انعقدت إمامته عندهم، ووجب (9) طاعته على جميع الخلق إذا كان مستور الحال، ~~وإن كان (10) على غاية من الكفر والفسوق والنفاق (11) . PageV03P371 # فيقال: الكلام على هذا من وجوه: # أحدها: أن يقال: ما ذكرته عن الجمهور من نفي (1) العصمة عن الأنبياء ~~وتجويز الكذب والسرقة (2) والأمر بالخطأ عليهم فهذا (3) كذب على الجمهور؛ ~~فإنهم متفقون على أن الأنبياء معصومون في تبليغ الرسالة، ولا يجوز أن يستقر ~~في شيء من الشريعة خطأ باتفاق المسلمين، وكل ما يبلغونه عن الله - عز وجل - ~~(4) من الأمر والنهي يجب طاعته فيه (5) باتفاق المسلمين، وما أخبروا به وجب ~~تصديقهم فيه بإجماع المسلمين، وما أمروهم به ونهوهم عنه (6) وجبت طاعتهم ~~فيه (7) عند جميع فرق الأمة، إلا عند طائفة من الخوارج يقولون: إن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - (8) معصوم فيما يبلغه عن الله لا فيما يأمر هو به ~~وينهى عنه. وهؤلاء ضلال باتفاق أهل السنة والجماعة (9) . # وقد ذكرنا غير مرة أنه إذا كان في بعض المسلمين [من قال: قولا خطأ لم يكن ~~ذلك قدحا في المسلمين] (10) ، ولو كان كذلك لكان خطأ الرافضة PageV03P372 # عيبا في دين المسلمين، فلا يعرف في الطوائف أكثر خطأ وكذبا منهم، وذلك ~~(1) لا يضر المسلمين شيئا، فكذلك لا يضرهم (2) وجود مخطئ آخر (3) غير ~~الرافضة. # وأكثر الناس - أو كثير منهم - لا يجوزون عليهم الكبائر، والجمهور الذي ~~يجوزون الصغائر -[هم ومن يجوز الكبائر -] (4) يقولون: إنهم لا يقرون عليها، ~~بل يحصل لهم بالتوبة منها من المنزلة (5) أعظم ms0733 مما كان قبل ذلك كما تقدم ~~التنبيه عليه. # وبالجملة (6) فليس في المسلمين من يقول: إنه يجب طاعة الرسول مع جواز أن ~~يكون أمره خطأ، بل هم متفقون على أن الأمر الذي يجب طاعته لا يكون إلا ~~صوابا. فقوله: " كيف يجب اتباعهم مع تجويز أن يكون ما يأمرون (7) به خطأ " ~~قول لا يلزم أحدا من الأمة (8) . # وللناس في تجويز الخطأ عليهم في الاجتهاد قولان معروفان، وهم متفقون على ~~أنهم لا يقرون عليه، وإنما يطاعون فيما أقروا عليه، لا فيما غيره الله ونهى ~~عنه، ولم يأمر بالطاعة فيه. PageV03P373 # وأما عصمة الأئمة فلم يقل بها إلا كما قال الإمامية والإسماعيلية. # وناهيك (1) بقول (2) لم يوافقهم عليه إلا الملاحدة المنافقون، الذين ~~شيوخهم الكبار أكفر من اليهود والنصارى والمشركين! (3) وهذا دأب الرافضة ~~دائما (4) يتجاوزون عن جماعة المسلمين إلى اليهود والنصارى والمشركين في ~~الأقوال والموالاة والمعاونة (5) والقتال وغير ذلك. # فهل يوجد أضل (6) من قوم يعادون السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ~~ويوالون الكفار والمنافقين؟ (7) وقد قال الله تعالى: {ألم تر إلى الذين ~~تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم ~~يعلمون - أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون - اتخذوا ~~أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين - لن تغني عنهم أموالهم ولا ~~أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون - يوم يبعثهم الله ~~جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم ~~الكاذبون - استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا ~~إن حزب الشيطان هم الخاسرون - إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في ~~الأذلين - كتب PageV03P374 # الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز - لا تجد قوما يؤمنون بالله ~~واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو ~~إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم ~~جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب ~~الله ألا إن ms0734 حزب الله هم المفلحون} [سورة المجادلة: 14 - 22] . # فهذه الآيات نزلت في المنافقين، وليس المنافقون في طائفة أكثر منهم في ~~الرافضة، حتى أنه ليس في الروافض إلا من فيه شعبة من شعب النفاق. # كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «أربع من كن فيه كان منافقا ~~خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت (1) فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ~~حدث كذب، وإذااؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» ". أخرجاه في ~~الصحيحين (2) . # {ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله ~~عليهم وفي العذاب هم خالدون - ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ~~ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون} [سورة المائدة: 80 - 81] (3) . ~~PageV03P375 # وقال تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن ~~مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون - كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما ~~كانوا يفعلون - ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا} [سورة المائدة: 78 - ~~80] وهم غالبا لا يتناهون عن منكر فعلوه، بل ديارهم أكثر البلاد منكرا من ~~الظلم والفواحش (1) وغير ذلك، وهم يتولون الكفار الذين غضب الله عليهم، ~~فليسوا مع المؤمنين ولا مع الكفار (2) كما قال تعالى: {ألم تر إلى الذين ~~تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم} [سورة المجادلة: 14] . # ولهذا هم عند جماهير (3) المسلمين نوع آخر حتى أن المسلمين لما قاتلوهم ~~بالجبل الذي كانوا عاصين فيه (4) بساحل الشام، يسفكون دماء المسلمين ~~ويأخذون أموالهم ويقطعون الطريق استحلالا لذلك وتدينا به، فقاتلهم صنف من ~~التركمان فصاروا يقولون: نحن مسلمون، فيقولون: لا أنتم جنس (5) آخر. فهم ~~بسلامة قلوبهم علموا أنهم جنس آخر (6) خارجون عن المسلمين [لامتيازهم عنهم] ~~(7) . PageV03P376 # وقد قال الله تعالى: {ويحلفون على الكذب وهم يعلمون} [سورة المجادلة: 14] ~~وهذا حال (1) الرافضة، وكذلك (2) {اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله} ~~إلى قوله: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ~~ورسوله} [الآية سورة المجادلة: 16 - 22] وكثير منهم يواد (3) الكفار من وسط ~~قلبه (4) أكثر من موادته للمسلمين؛ ولهذا لما ms0735 خرج (5) الترك والكفار من جهة ~~المشرق (6) فقاتلوا (7) المسلمين وسفكوا دماءهم ببلاد (8) خراسان والعراق ~~والشام والجزيرة وغيرها، كانت الرافضة معاونة لهم على قتال (9) المسلمين، ~~(10 ووزير بغداد المعروف بالعلقمي (10) هو وأمثاله كانوا من أعظم الناس ~~معاونة لهم على المسلمين 10) (11) ، وكذلك الذين كانوا بالشام بحلب وغيرها ~~(12) من الرافضة كانوا من أشد الناس معاونة لهم على قتال المسلمين، وكذلك ~~النصارى PageV03P377 # الذين قاتلهم المسلمون (1) بالشام، كانت الرافضة من أعظم أعوانهم (2) . ~~وكذلك إذا صار اليهود (3) دولة بالعراق وغيره تكون الرافضة من أعظم أعوانهم ~~(4) فهم (5) دائما يوالون الكفار من المشركين واليهود والنصارى، ويعاونونهم ~~على قتال المسلمين ومعاداتهم. # ثم إن هذا (6) ادعى عصمة الأئمة دعوى لم يقم عليها حجة (7) ، إلا ما تقدم ~~من أن الله لم يخل العالم من أئمة معصومين لما في ذلك من المصلحة واللطف، ~~ومن المعلوم المتيقن (8) : أن هذا المنتظر الغائب المفقود لم يحصل به شيء ~~من المصلحة واللطف، سواء كان ميتا كما يقوله الجمهور أو كان حيا كما تظنه ~~الإمامية. وكذلك أجداده المتقدمون لم يحصل بهم شيء من المصلحة واللطف ~~الحاصلة (9) من إمام معصوم ذي سلطان، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~بالمدينة بعد الهجرة، فإنه كان إمام المؤمنين الذي يجب عليهم طاعته (10) ، ~~ويحصل بذلك سعادتهم، ولم يحصل بعده PageV03P378 # أحد له سلطان تدعى له العصمة إلا علي - رضي الله عنه - (1) زمن خلافته. # ومن المعلوم بالضرورة أن حال اللطف والمصلحة التي (2) كان المؤمنون فيها ~~زمن الخلفاء الثلاثة أعظم من اللطف والمصلحة (3) الذي كان [في خلافة علي] ~~(4) زمن القتال والفتنة والافتراق، فإذا لم يوجد من يدعي الإمامية فيه أنه ~~معصوم وحصل له سلطان بمبايعة ذي الشوكة (5) إلا علي وحده، وكان مصلحة ~~المكلفين واللطف الذي حصل لهم في دينهم ودنياهم في ذلك الزمان أقل منه في ~~زمن الخلفاء الثلاثة - علم (6) بالضرورة أن ما يدعونه من اللطف والمصلحة ~~الحاصلة بالأئمة المعصومين باطل (7) قطعا. # وهو (8) من جنس الهدى والإيمان الذي يدعى في رجال (9) الغيب بجبل لبنان ~~وغيره من الجبال (10) مثل جبل قاسيون بدمشق، ومغارة الدم، وجبل الفتح بمصر ms0736، ~~ونحو ذلك من الجبال والغيران (11) ، فإن PageV03P379 # هذه المواضع يسكنها الجن ويكون بها الشياطين، ويتراءون أحيانا لبعض ~~الناس، ويغيبون عن الأبصار في أكثر الأوقات، فيظن الجهال أنهم رجال من ~~الإنس وإنما هم رجال من الجن. # كما قال تعالى: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم ~~رهقا} [سورة الجن: 6] . # وهؤلاء يؤمن بهم وبمن ينتحلهم من المشايخ طوائف ضالون (1) لكن المشايخ ~~الذين ينتحلون رجال الغيب لا يحصل بهم من الفساد ما يحصل بالذين يدعون ~~الإمام المعصوم، بل المفسدة والشر الحاصل في هؤلاء أكثر، فإنهم يدعون ~~الدعوة (2) إلى إمام معصوم ولا يوجد لهم أئمة ذوو سيف يستعينون بهم إلا ~~كافر أو فاسق أو منافق أو جاهل (3) ، لا تخرج رءوسهم عن هذه الأقسام. # والإسماعيلية شر منهم، فإنهم يدعون إلى الإمام المعصوم ومنتهى (4) دعوتهم ~~إلى رجال ملاحدة منافقين فساق، ومنهم من هو شر في الباطن من اليهود ~~والنصارى. # فالداعون إلى المعصوم لا يدعون إلى سلطان معصوم، بل إلى سلطان كفور أو ~~ظلوم. وهذا أمر مشهور يعرفه كل من له خبرة بأحوالهم. # وقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي ~~PageV03P380 # الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون ~~بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} [سورة النساء: 59] . # فأمر الله المؤمنين عند التنازع بالرد إلى الله والرسول، ولو كان للناس ~~معصوم غير الرسول - صلى الله عليه وسلم - (1) لأمرهم بالرد إليه (2) ، فدل ~~القرآن على أنه لا معصوم إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم - (3) ### | [فصل التعليق على كلامه عن الإمامة " ولم يجعلوا الأئمة محصورين في عدد معين "] # فصل # وأما قوله: " ولم يجعلوا الأئمة محصورين في عدد معين " فهذا حق؛ وذلك أن ~~الله تعالى قال: {ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي ~~الأمر منكم} [سورة النساء: 59] ولم يوقتهم بعدد معين. # وكذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الثابتة عنه المستفيضة ~~لم يوقت ولاة الأمور في عدد معين. # ففي الصحيحين عن أبي ذر قال: " «إن خليلي أوصاني أن ms0737 أسمع وأطيع وإن كان ~~عبدا حبشيا مجدع الأطراف» ". (4) PageV03P381 # وفي صحيح (1) مسلم عن أم الحصين: أنها «سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- بمنى أو بعرفات في حجة الوداع يقول: " لو استعمل عليكم عبد أسود (2) مجدع ~~يقودكم بكتاب الله فاسمعوا وأطيعوا» ". (3) # وروى البخاري عن أنس بن مالك (4) قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: ~~" «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة» " (5) . # وفي الصحيحين عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ~~«لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان» ". (6) PageV03P382 # (1 وفي البخاري: " «ما بقي منهم اثنان» " 1) (1) . # (* وفي الصحيحين عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي إلى النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - فسمعته يقول (2) : " «إن هذا الأمر ما ينقضي حتى يمضي منهم ~~اثنا عشر خليفة ". [ثم تكلم بكلمة خفيفة لم أفهمها - أو قال: خفيت علي - ~~فقلت لأبي: ماذا قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " كلهم من ~~قريش» " (3) وفي لفظ في الصحيحين: قال: " «لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني ~~عشر خليفة» ".] (4) . # وفي الصحيحين عن جابر PageV03P383 # أيضا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " «لا يزال أمر الناس ~~ماضيا ما وليهم اثنا عشر أميرا كلهم من قريش» " (1) . # وفي الصحيحين عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: «كتبت إلى جابر بن سمرة مع ~~غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكتب ~~إلي: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم جمعة (2) عشية رجم الأسلمي ~~قال: " لا يزال هذا الدين قائما حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر ~~خليفة كلهم من قريش» ". (3) . # *) (4) ] وفي الصحيحين (5) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - (6) - قال: قال ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " «الناس تبع لقريش في هذا الشأن، ~~مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم» " (7) . PageV03P384 # وعن جابر بن عبد الله قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «الناس ~~تبع لقريش في الخير والشر» ".] (1) . # وفي البخاري عن معاوية [رضي الله عنه] (2) قال: سمعت ms0738 رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - يقول: «إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله ~~على وجهه ما أقاموا الدين» ". (3) [خرجه في باب الأمراء من قريش] (4) ### | [فصل تابع رد ابن تيمية على كلام ابن المطهر عن الإمامة عند أهل السنة] # فصل. # وأما قوله عنهم (5) " كل من بايع قرشيا انعقدت إمامته ووجبت طاعته على ~~جميع الخلق إذا كان مستور الحال، وإن كان على (6) على غاية من الفسق (7) ~~والكفر والنفاق ". PageV03P385 # فجوابه من وجوه: # أحدها: أن هذا ليس قول أهل السنة والجماعة، وليس مذهبهم أنه بمجرد مبايعة ~~واحد قرشي (1) تنعقد بيعته، ويجب على جميع (2) الناس طاعته. وهذا وإن كان ~~قد قاله بعض أهل الكلام فليس هو قول أئمة أهل السنة (3) والجماعة بل قد قال ~~عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] (4) : من بايع رجلا بغير (5) مشورة من ~~المسلمين، فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا ". الحديث رواه ~~البخاري، وسيأتي بكماله إن شاء الله تعالى.] (6) . PageV03P386 # الوجه الثاني: أنهم لا يوجبون طاعة (1) الإمام في كل ما يأمر به، بل لا ~~يوجبون طاعته إلا فيما تسوغ طاعته فيه في الشريعة، فلا يجوزون طاعته في ~~معصية الله وإن كان إماما عادلا (2) ، وإذا (3) أمرهم بطاعة الله فأطاعوه: ~~مثل أن يأمرهم بإقامة (4) الصلاة وإيتاء الزكاة، والصدق والعدل والحج ~~والجهاد في سبيل الله، فهم في الحقيقة إنما أطاعوا الله، والكافر والفاسق ~~إذا أمر بما هو طاعة لله لم تحرم طاعة الله ولا يسقط وجوبها لأجل أمر ذلك ~~الفاسق بها، كما أنه إذا تكلم بحق لم يجز تكذيبه ولا يسقط وجوب اتباع الحق ~~لكونه قد قاله فاسق، فأهل السنة لا يطيعون ولاة الأمور مطلقا، إنما ~~يطيعونهم في ضمن طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - (5) . # كما قال تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [سورة ~~النساء: 59] ، فأمر بطاعة الله مطلقا وأمر بطاعة الرسول ; لأنه لا يأمر إلا ~~بطاعة الله {من يطع الرسول فقد أطاع الله} [سورة النساء: 80] ، وجعل طاعة ~~أولي الأمر داخلة في ذلك، فقال: {وأولي الأمر ms0739 منكم} (6) ولم يذكر لهم طاعة ~~ثالثة ; لأن ولي الأمر لا يطاع طاعة مطلقة إنما (7) يطاع في المعروف. ~~PageV03P387 # كما قال: النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «إنما الطاعة في المعروف» ". ~~(1) . وقال: " «لا طاعة في معصية الله» " (2) و " «لا طاعة لمخلوق في معصية ~~الخالق» " (3) ، وقال: " «ومن أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه» " (4) . ~~PageV03P388 # وقول هؤلاء الرافضة المنسوبين إلى شيعة علي [رضي الله عنه] (1) أنه تجب ~~طاعة غير الرسول [صلى الله عليه وسلم] (2) مطلقا في كل ما أمر به، أفسد من ~~قول من كان منسوبا إلى شيعة عثمان [رضي الله عنه] (3) من أهل الشام من (4) ~~أنه يجب طاعة ولي الأمر مطلقا، فإن أولئك كانوا يطيعون ذا السلطان وهو ~~موجود (5) وهؤلاء يوجبون طاعة معصوم مفقود. # وأيضا فأولئك لم يكونوا يدعون في أئمتهم العصمة التي تدعيها الرافضة، بل ~~كانوا يجعلونهم كالخلفاء الراشدين وأئمة العدل الذين يقلدون فيما لم تعرف ~~(6) حقيقة أمره، أو يقولون: إن الله يقبل منهم الحسنات ويتجاوز لهم عن ~~السيئات. وهذا أهون ممن يقول: إنهم معصومون لا يخطئون. # فتبين أن هؤلاء المنسوبين إلى النصب من شيعة عثمان وإن كان PageV03P389 # فيهم خروج عن بعض الحق والعدل فخروج الإمامية عن الحق والعدل أكثر وأشد. ~~فكيف بقول أئمة السنة الموافق (1) للكتاب والسنة، وهو الأمر بطاعة ولي ~~الأمر فيما يأمر به من طاعة الله، دون ما يأمر به من معصية الله. # الوجه الثالث أن يقال: إن (2) الناس قد تنازعوا في ولي الأمر الفاسق ~~والجاهل: هل يطاع فيما يأمر به (3) من طاعة الله، وينفذ حكمه وقسمه إذا ~~وافق العدل؟ أو لا يطاع في شيء، ولا ينفذ شيء من حكمه وقسمه؟ أو يفرق في ~~ذلك بين الإمام الأعظم وبين القاضي ونحوه من الفروع؟ على ثلاثة أقوال: ~~أضعفها عند أهل السنة: هو رد جميع أمره وحكمه وقسمه، وأصحها عند أهل الحديث ~~وأئمة الفقهاء هو القول الأول وهو: أن يطاع في طاعة الله مطلقا وينفذ حكمه ~~وقسمه إذا كان فعله عدلا مطلقا، حتى أن القاضي الجاهل والظالم ينفذ حكمه ~~بالعدل (4) وقسمه (5) بالعدل على هذا ms0740 القول، كما هو قول أكثر الفقهاء. # والقول الثالث: هو الفرق بين الإمام الأعظم وبين غيره (6) ; لأن ذلك لا ~~يمكن عزله إذا فسق إلا بقتال وفتنة، بخلاف الحاكم ونحوه، فإنه PageV03P390 # يمكن عزله بدون ذلك وهو فرق ضعيف، فإن الحاكم إذا ولاه ذو الشوكة لا يمكن ~~عزله إلا بفتنة، ومتى كان السعي في عزله مفسدة أعظم من مفسدة بقائه، لم يجز ~~الإتيان بأعظم الفسادين (1) لدفع أدناهما، وكذلك الإمام الأعظم. # ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة ~~وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم (2) ظلم كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة ~~المستفيضة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ; لأن الفساد في القتال والفتنة ~~أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال (3) ولا فتنة فلا يدفع أعظم ~~الفسادين بالتزام أدناهما (4) ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان، ~~إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو (5) أعظم من الفساد الذي أزالته. # والله تعالى لم يأمر بقتال كل ظالم وكل باغ كيفما كان، ولا أمر بقتال ~~الباغين ابتداء (6) بل قال: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا ~~بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر ~~الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل} [سورة الحجرات: 9] فلم يأمر بقتال ~~الباغية (7) ، ابتداء، فكيف يأمر بقتال ولاة الأمر (8) ابتداء؟ . ~~PageV03P391 # وفي صحيح مسلم عن أم سلمة - رضي الله عنها - (1) أن رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - قال: «سيكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر ~~سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا نقاتلهم قال: لا ما صلوا» ". (2) فقد ~~نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتالهم مع إخباره أنهم يأتون ~~أمورا منكرة، فدل على أنه لا يجوز الإنكار عليهم بالسيف كما يراه من يقاتل ~~ولاة الأمر من الخوارج والزيدية والمعتزلة وطائفة من الفقهاء وغيرهم. # وفي الصحيحين عن ابن مسعود - رضي الله عنه - (3) قال: قال لنا رسول الله ~~- صلى الله عليه وسلم -: «إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها. قالوا: ~~فما تأمرنا يا ms0741 رسول الله؟ قال: " تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي ~~لكم» " (4) . # فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الأمراء يظلمون ويفعلون أمورا ~~منكرة، ومع هذا فأمرنا أن (5) نؤتيهم الحق الذي لهم، ونسأل الله الحق الذي ~~لنا، ولم يأذن في أخذ الحق بالقتال ولم يرخص في ترك الحق الذي لهم. # وفي الصحيحين عن ابن عباس - رضي الله عنهما - (6) عن النبي - صلى ~~PageV03P392 # الله عليه وسلم - قال: " «من رأى من أميره شيئا يكرهه (1) فليصبر عليه، ~~فإنه (2) من فارق الجماعة شبرا فمات إلا مات (3) ميتة جاهلية» ". (4) وفي ~~لفظ: " «فإنه من خرج (5) من السلطان شبرا فمات مات ميتة (6) جاهلية» ". ~~واللفظ للبخاري (7) وقد تقدم قوله - صلى الله عليه وسلم - (8) [لما ذكر] ~~(9) أنهم «لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته. قال حذيفة: كيف أصنع (10) يا ~~رسول الله، إن أدركت ذلك؟ قال: " تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ~~فاسمع وأطع» ". (11) فهذا أمر بالطاعة مع ظلم الأمير. PageV03P393 # وتقدم قوله - صلى الله عليه وسلم - (1) " «من ولي عليه وال فرآه يأتي ~~شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا عن طاعة» ~~". (2) وهذا نهي عن الخروج عن السلطان وإن عصى. # وتقدم حديث عبادة: «بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع ~~والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر ~~أهله» ، قال (3) : «إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان» " وفي ~~رواية: «وأن نقول - أو نقوم - بالحق حيث ما كنا، لا نخاف في الله لومة ~~لائم» (4) ". فهذا PageV03P394 # أمر (1) بالطاعة مع استئثار ولي الأمر، وذلك ظلم منه، ونهي عن منازعة ~~الأمر أهله، وذلك نهي عن الخروج عليه ; لأن أهله هم أولو الأمر الذين أمر ~~بطاعتهم، وهم الذين لهم سلطان يأمرون به، وليس (2) المراد من يستحق أن يولى ~~(3) ولا سلطان له، ولا المتولي العادل (4) ; لأنه (5) قد ذكر أنهم ~~يستأثرون، فدل على أنه نهي (6) عن منازعة ولي الأمر وإن كان مستأثرا، وهذا ~~باب واسع. # الوجه الرابع: أنا إذا قدرنا أنه يشترط العدل ms0742 في كل متول (7) فلا يطاع ~~إلا من كان ذا عدل، لا من كان ظالما. فمعلوم أن اشتراط العدل في الولاة ليس ~~بأعظم (8) من اشتراطه في الشهود (9) فإن الشاهد قد (10) يخبر بما لا (11) ~~يعلم، فإن لم يكن ذا عدل لم يعرف صدقه فيما أخبر به، وأما ولي الأمر فهو ~~يأمر بأمر (12) يعلم حكمه من غيره، فيعلم هل هو طاعة لله أو معصية. ~~PageV03P395 # ولهذا قال تعالى: {إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا} [سورة الحجرات: 6] فأمر ~~بالتبين (1) إذا جاء الفاسق بنبأ. ومعلوم أن الظلم لا يمنع من فعل الطاعة ~~ولا من الأمر بها. # وهذا مما يوافق عليه الإمامية، فإنهم لا يقولون بتخليد أهل الكبائر في ~~النار (2) فالفسق عندهم لا يحبط الحسنات [كلها] (3) (* بخلاف من خالف في ~~ذلك من الزيدية والمعتزلة والخوارج، الذين يقولون: إن الفسق يحبط الحسنات ~~كلها *) (4) ، ولو حبطت حسناته كلها (5) لحبط إيمانه، ولو حبط إيمانه لكان ~~(6) كافرا مرتدا فوجب (7) قتله. # ونصوص الكتاب والسنة والإجماع (8) تدل على أن الزاني والسارق والقاذف لا ~~يقتل بل يقام عليه الحد، فدل على أنه ليس بمرتد. # وكذلك قوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} ~~الأية [سورة الحجرات: 9] يدل (9) على وجود الإيمان والأخوة مع الاقتتال ~~والبغي. PageV03P396 # وقد ثبت في الحديث (1) الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ~~" «من كانت (2) عنده لأخيه مظلمة من عرض (3) أو شيء فليتحلله منه (4) اليوم ~~قبل أن لا يكون درهم ولا دينار، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، ~~وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فطرحت عليه ثم ألقي في النار» ". ~~أخرجاه في الصحيحين. (5) . فثبت أن الظالم يكون له حسنات فيستوفي (6) ~~المظلوم منها حقه. # وكذلك ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه (7) قال: " «ما ~~تعدون المفلس فيكم؟ " قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا دينار. قال: " ~~المفلس من يأتي يوم القيامة وله حسنات أمثال (8) الجبال وقد شتم هذا، وأخذ ~~مال هذا، وسفك دم هذا، وقذف هذا، وضرب هذا (9) ، فيعطى (10) هذا من ms0743 حسناته ~~وهذا من حسناته، فإذا فنيت PageV03P397 # حسناته قبل أن يقضى (1) ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في ~~النار» ". رواه مسلم. (2) # وقد قال تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات} [سورة هود: 114] ، (* فدل ذلك ~~على أنه في حال إساءته يفعل حسنات تمحو إساءاته (3) وإلا لو كانت السيئات ~~قد زالت قبل ذلك بتوبة ونحوها (4) لم تكن الحسنات قد أذهبتها، وليس هذا ~~موضع بسط ذلك. # والمقصود [هنا (5) ] *) (6) : أن الله جعل الفسق مانعا من قبول النبأ (7) ~~والفسق ليس مانعا من فعل كل حسنة. وإذا كان كذلك وقد ثبت بالكتاب والسنة ~~والإجماع: أنه لا يستشهد إلا ذوو العدل، ثم يكفي في ذلك الظاهر، فإذا اشترط ~~العدل في الولاية، فلأن يكفي في ذلك الظاهر أولى. # فعلم أنه لا يشترط في الولاية من العلم والعدالة أكثر مما يشترط في ~~PageV03P398 # الشهادة (1) يبين ذلك (2) أن الإمامية (3) وجميع الناس يجوزون أن يكون ~~نواب الإمام غير معصومين، وأن لا يكون الإمام عالما بعصمتهم، بدليل أن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ولى الوليد بن عقبة بن أبي معيط ثم أخبره ~~بمحاربة الذين أرسله إليهم (4) فأنزل الله تعالى (5) {ياأيها الذين آمنوا ~~إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم ~~نادمين} [سورة الحجرات: 6] (6) وعلي - رضي الله عنه - (7) كان كثير من ~~نوابه يخونه (8) ، وفيهم من هرب عنه، وله مع نوابه سير معلومة. فعلم أنه ~~ليس في كون الإمام معصوما ما يمنع اعتبار الظاهر ووجود مثل هذه المفاسد، ~~وأن اشتراط العصمة في الأئمة شرط ليس بمقدور ولا مأمور، ولم يحصل به (9) ~~منفعة، لا في الدين ولا في الدنيا. PageV03P399 # مثل كثير من النساك الذين يشترطون في الشيخ أن يعلم أمورا لا يكاد يعلمها ~~أحد من البشر، فيصفون الشيخ بصفات من جنس صفات المعصوم عند الإمامية. ثم ~~منتهى (1) هؤلاء اتباع (2) شيخ جاهل أو ظالم (3) ، واتباع هؤلاء لمتول ظالم ~~أو (4) جاهل مثل الذي جاع وقال: لا يأكل (5) من طعام البلد (6) حتى يحصل له ~~مثل طعام أهل الجنة (7) ، فخرج إلى البرية فصار لا ms0744 يحصل له إلا علف ~~البهائم، فبينا هو يدعو إلى مثل طعام الجنة، انتهى أمره إلى علف الدواب ~~كالكلأ النابت في (8) المباحات. وهكذا من غلا في الزهد والورع حتى خرج عن ~~حد العدل الشرعي، ينتهي أمره إلى الرغبة الفاسدة وانتهاك المحارم، كما قد ~~رؤي ذلك وجرب. ### | فصل كلام الرافضي على قول أهل السنة بالقياس وأخذهم بالرأي والرد عليه # فصل. # قال الرافضي (9) : وذهب الجميع منهم إلى القول بالقياس والأخذ بالرأي، ~~فأدخلوا في دين الله ما ليس منه، PageV03P400 # وحرفوا أحكام الشريعة، وأحدثوا (1) مذاهب أربعة لم تكن في زمن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - (2) ولا زمن صحابته (3) ، وأهملوا أقاويل (4) ~~الصحابة، مع أنهم نصوا على ترك القياس، وقالوا: أول من قاس إبليس ". # فيقال: الجواب عن هذا من وجوه: # أحدها: أن دعواه على جميع أهل السنة المثبتين لإمامة الخلفاء الثلاثة ~~أنهم يقولون بالقياس دعوى باطلة، فقد عرف فيهم طوائف لا يقولون بالقياس، ~~كالمعتزلة البغداديين (5) ، وكالظاهرية كداود وابن حزم وغيرهما، وطائفة من ~~أهل الحديث والصوفية. # وأيضا ففي الشيعة (6) من يقول بالقياس كالزيدية. فصار النزاع فيه بين ~~الشيعة كما هو بين أهل السنة والجماعة. # الثاني: أن يقال: القياس ولو قيل (7) : إنه ضعيف هو خير من تقليد من لم ~~يبلغ في العلم مبلغ المجتهدين، فإن كل من له (8) علم PageV03P401 # وإنصاف يعلم أن مثل مالك والليث بن سعد والأوزاعي وأبي حنيفة والثوري ~~وابن أبي ليلى، ومثل الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور أعلم وأفقه ~~من العسكريين وأمثالهما (1) . # وأيضا فهؤلاء خير من المنتظر الذي لا يعلم ما يقول، فإن الواحد من هؤلاء ~~إن كان عنده نص منقول: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا ريب أن النص ~~الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مقدم على (2) القياس بلا ريب، وإن ~~لم يكن عنده نص ولم يقل (3) بالقياس كان جاهلا، فالقياس (4) الذي يفيد الظن ~~خير من الجهل الذي لا علم معه ولا ظن، فإن قال هؤلاء: كل ما يقولونه هو ~~ثابت (5) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان (6) هذا أضعف من ms0745 قول من قال: ~~كل ما (7) يقوله المجتهد فإنه قول (8) النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن ~~هذا يقوله طائفة من أهل الرأي، وقولهم أقرب من قول الرافضة (9) فإن قول ~~أولئك كذب صريح. # وأيضا فهذا كقول من يقول (10) : عمل أهل المدينة (11) متلقى عن ~~PageV03P402 # الصحابة، وقول الصحابة (1) متلقى (2) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ~~وقول من يقول: ما قاله الصحابة في غير (3) مجاري القياس فإنه لا يقوله إلا ~~توقيفا (4) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقول من يقول: قول المجتهد (5) ~~أو الشيخ العارف (6) هو إلهام من الله ووحي يجب اتباعه. # فإن قال: هؤلاء تنازعوا. # قيل: وأولئك تنازعوا، فلا يمكن أن يدعى دعوى باطلة إلا أمكن معارضتهم ~~بمثلها [أو بخير منها] (7) ، ولا يقولون حقا (8) إلا كان في أهل السنة ~~والجماعة [من يقول] (9) مثل ذلك الحق أو ما هو خير منه، فإن البدعة مع ~~السنة كالكفر مع الإيمان. وقد قال تعالى: {ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق ~~وأحسن تفسيرا} [سورة الفرقان: 33] . # الثالث: أن يقال: الذين أدخلوا في دين الله ما ليس منه وحرفوا ~~PageV03P403 # أحكام الشريعة ليسوا في طائفة أكثر منهم في الرافضة، فإنهم أدخلوا في دين ~~الله من الكذب على رسول الله (1) - صلى الله عليه وسلم - ما لم يكذبه ~~غيرهم، وردوا من الصدق ما لم يرده غيرهم، وحرفوا القرآن (2) تحريفا لم ~~يحرفه غيرهم مثل قولهم إن قوله تعالى: (3) : {إنما وليكم الله ورسوله ~~والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} [سورة ~~المائدة: 55] (4) نزلت في علي لما تصدق بخاتمه في الصلاة. # وقوله تعالى: {مرج البحرين} [سورة الرحمن: 19] علي وفاطمة، {يخرج منهما ~~اللؤلؤ والمرجان} [سورة الرحمن: 22] الحسن والحسين {وكل شيء أحصيناه في ~~إمام مبين} [سورة يس: 12] علي بن أبي طالب (5) {إن الله اصطفى آدم ونوحا ~~وآل إبراهيم وآل عمران} [سورة آل عمران: 33] (6) هم (7) آل أبي طالب (8) ~~واسم أبي طالب عمران، {فقاتلوا أئمة الكفر} [سورة التوبة: 12] طلحة ~~والزبير، {والشجرة الملعونة في القرآن} [سورة الإسراء: 60] : PageV03P404 # هم (1) بنو أمية {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} [سورة البقرة: 67] ~~عائشة، و ms0746 {لئن أشركت ليحبطن عملك} [سورة الزمر: 65] لئن أشركت (2) بين أبي ~~بكر وعلي في الولاية. # وكل هذا وأمثاله وجدته في كتبهم. ثم من هذا دخلت الإسماعيلية والنصيرية ~~في تأويل (3) الواجبات والمحرمات، فهم أئمة التأويل الذي هو تحريف الكلم عن ~~مواضعه. ومن تدبر ما عندهم وجد فيه من الكذب في المنقولات (4) والتكذيب ~~بالحق منها (5) والتحريف لمعانيها ما لا يوجد في صنف من المسلمين. فهم قطعا ~~أدخلوا في دين الله (6) ما ليس منه أكثر من كل أحد وحرفوا (كتابه تحريفا لم ~~يصل غيرهم إلى قريب منه. # الوجه الرابع (7) : قوله: " وأحدثوا مذاهب أربعة لم تكن في زمن النبي (8) ~~- صلى الله عليه وسلم - ولا زمن صحابته، وأهملوا أقاويل الصحابة ". # فيقال له: (9) متى كان مخالفة الصحابة والعدول عن أقاويلهم (10) منكرا ~~PageV03P405 # عند الإمامية؟ وهؤلاء متفقون (1) على محبة الصحابة وموالاتهم وتفضيلهم ~~على سائر القرون وعلى (2) أن إجماعهم حجة، وعلى (3) أنه ليس لهم الخروج عن ~~إجماعهم (4) ، بل عامة الأئمة المجتهدين يصرحون بأنه ليس لنا أن نخرج عن ~~أقاويل الصحابة، فكيف يطعن عليهم بمخالفة الصحابة من يقول: إن إجماع ~~الصحابة ليس بحجة، وينسبهم إلى الكفر والظلم؟ . # فإن كان إجماع الصحابة حجة فهو حجة على الطائفتين وإن لم يكن حجة فلا ~~يحتج به عليهم. # وإن قال: أهل السنة يجعلونه حجة وقد خالفوه. # قيل: أما أهل السنة فلا يتصور (5) أن يتفقوا على مخالفة إجماع الصحابة. ~~وأما الإمامية فلا ريب أنهم متفقون على مخالفة إجماع العترة النبوية، مع ~~مخالفة إجماع الصحابة، فإنه لم يكن (6) في العترة النبوية - بنو هاشم - (7) ~~على عهد النبي (8) صلى الله عليه وسلم وأبي بكر PageV03P406 # وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم (1) من يقول بإمامة الاثني عشر (2) ولا ~~بعصمة أحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا بكفر الخلفاء الثلاثة، بل ~~ولا من (3) يطعن في إمامتهم، بل ولا من ينكر الصفات، ولا من (4) يكذب ~~بالقدر. # فالإمامية بلا ريب متفقون على مخالفة إجماع (5) العترة النبوية مع ~~مخالفتهم لإجماع الصحابة، فكيف ينكرون على من لم يخالف لا إجماع (6) ~~الصحابة ولا إجماع العترة؟ . # الوجه ms0747 الخامس (7) : أن قوله: " أحدثوا مذاهب أربعة لم تكن على عهد رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - " إن أراد بذلك أنهم اتفقوا على أن يحدثوا هذه ~~المذاهب مع مخالفة الصحابة فهذا كذب عليهم، فإن هؤلاء الأئمة لم يكونوا في ~~(8) عصر واحد، بل أبو حنيفة توفي سنة (9) خمسين ومائة، ومالك سنة (10) تسع ~~وسبعين ومائة، والشافعي سنة أربع ومائتين، وأحمد بن حنبل سنة إحدى وأربعين ~~ومائتين، وليس في هؤلاء PageV03P407 # من يقلد الآخر ولا من يأمر باتباع الناس له، بل (1) كل منهم يدعو إلى ~~متابعة الكتاب والسنة، وإذا قال: غيره قولا يخالف الكتاب والسنة عنده (2) ~~رده ولا يوجب على الناس تقليده. # وإن قلت: إن أصحاب هذه المذاهب اتبعهم الناس، فهذا لم يحصل بموطأة، بل ~~اتفق أن قوما اتبعوا هذا، [وقوما اتبعوا هذا] (3) كالحجاج الذين طلبوا من ~~يدلهم على الطريق فرأى قوم هذا دليلا خبيرا (4) فاتبعوه، وكذلك الآخرون (5) ~~. # وإذا كان كذلك لم يكن في ذلك اتفاق أهل السنة على باطل، بل كل قوم منهم ~~(6) ينكرون ما عند غيرهم (7) من الخطأ، فلم يتفقوا على أن الشخص المعين ~~عليه أن يقبل من كل من هؤلاء ما قاله، بل جمهورهم (8) لا يأمرون العامي ~~بتقليد شخص معين غير النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل ما يقوله. # والله تعالى قد ضمن العصمة للأمة، فمن تمام العصمة أن يجعل PageV03P408 # عددا من العلماء إن أخطأ الواحد منهم في (1) شيء كان الآخر قد أصاب فيه ~~حتى لا يضيع الحق. ولهذا لما كان في قول بعضهم من الخطأ مسائل، كبعض ~~المسائل التي أوردها، كان الصواب في قول الآخر، فلم يتفق أهل السنة على ~~ضلالة أصلا. وأما خطأ بعضهم في بعض الدين، فقد قدمنا غير مرة أن هذا لا يضر ~~كخطأ بعض المسلمين. وأما الشيعة فكل ما خالفوا فيه أهل السنة كلهم فهم ~~مخطئون فيه كما أخطأ اليهود والنصارى في كل ما خالفوا فيه المسلمين. # الوجه السادس (2) : أن يقال: قوله: " إن هذه المذاهب لم تكن في زمن النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - ولا الصحابة ms0748 إن أراد أن الأقوال التي لهم (3) لم ~~تنقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن الصحابة (4) ، بل (5) تركوا ~~قول النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة (6) وابتدعوا خلاف ذلك، فهذا ~~كذب عليهم. فإنهم لم يتفقوا على مخالفة الصحابة، بل هم -[وسائر أهل السنة] ~~(7) متبعون للصحابة في أقوالهم (8) ، وإن قدر أن بعض أهل السنة (9) خالف ~~الصحابة لعدم علمه بأقاويلهم، فالباقون يوافقونهم ويثبتون خطأ من يخالفهم، ~~وإن أراد أن نفس أصحابها لم PageV03P409 # يكونوا في ذلك الزمان (1) فهذا لا (2) محذور فيه. فمن المعلوم أن كل قرن ~~يأتي يكون بعد القرن الأول. # الوجه السابع: (3) قوله: " وأهملوا أقاويل الصحابة " كذب منه، بل كتب ~~أرباب المذاهب مشحونة بنقل أقاويل الصحابة والاستدلال بها، وإن كان عند كل ~~طائفة منها ما ليس عند الأخرى. وإن قال: أردت (4) بذلك أنهم لا يقولون: ~~مذهب أبي بكر وعمر ونحو ذلك، فسبب ذلك أن الواحد من هؤلاء جمع الآثار وما ~~استنبطه منها، فأضيف ذلك إليه، كما تضاف كتب الحديث إلى من جمعها، كالبخاري ~~ومسلم وأبي داود، وكما تضاف القراءات إلى من اختارها كنافع وابن كثير. # وغالب ما يقوله هؤلاء منقول عمن قبلهم، وفي قول بعضهم ما ليس منقولا عمن ~~(5) ، قبله لكنه (6) استنبطه من تلك الأصول. ثم قد (7) جاء بعده من تعقب ~~أقواله (8) فبين منها ما كان خطأ عنده (9) ، كل ذلك حفظا لهذا الدين، حتى ~~يكون أهله كما وصفهم الله به: PageV03P410 # {يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} [سورة التوبة: 71] ، فمتى وقع من ~~أحدهم منكر خطأ أو عمدا أنكره عليه غيره. # وليس العلماء بأكثر من الأنبياء، وقد قال تعالى: {وداود وسليمان إذ ~~يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين - ففهمناها ~~سليمان وكلا آتينا حكما وعلما} [سورة الأنبياء: 78، 79] . # وثبت في الصحيحين عن [ابن عمر - رضي الله عنهما - أن] (1) النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - قال (2) لأصحابه عام الخندق: " «لا يصلين أحد العصر إلا ~~في بني قريظة ; فأدركتهم صلاة العصر (3) في الطريق، فقال بعضهم: لم يرد منا ~~تفويت الصلاة، فصلوا في الطريق. وقال بعضهم ms0749: لا نصلي إلا في بني قريظة ~~فصلوا العصر بعد ما غربت الشمس، فما عنف واحدة (4) من الطائفتين» ". (5) ~~فهذا دليل على أن PageV03P411 # المجتهدين يتنازعون في فهم كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1) ~~وليس كل واحد منهم آثما (2) . # الوجه الثامن (3) : أن أهل السنة لم يقل أحد منهم إن إجماع الأئمة (4) ~~الأربعة حجة معصومة، ولا قال: إن الحق منحصر (5) فيها وإن ما خرج عنها ~~باطل، بل إذا قال: من ليس من أتباع الأئمة كسفيان الثوري والأوزاعي والليث ~~بن سعد ومن قبلهم ومن بعدهم من المجتهدين قولا يخالف قول الأئمة الأربعة ~~(6) ، رد ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله (7) ، وكان القول الراجح هو القول ~~(8) الذي قام عليه الدليل. # الوجه التاسع (9) : قوله: " الصحابة نصوا على ترك (10) القياس ". يقال ~~له: (11) الجمهور الذين يثبتون القياس قالوا: قد ثبت عن الصحابة أنهم قالوا ~~بالرأي واجتهاد الرأي وقاسوا، كما ثبت عنهم ذم ما PageV03P412 # ذموه من القياس. قالوا: وكلا القولين صحيح، فالمذموم القياس المعارض ~~للنص، كقياس الذين قالوا: إنما البيع مثل الربا، وقياس إبليس الذي عارض به ~~أمر الله له (1) بالسجود لآدم (2) ، وقياس المشركين الذين قالوا: أتأكلون ~~(3) ما قتلتم ولا تأكلون ما قتله (4) الله؟ قال الله تعالى: {وإن الشياطين ~~ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} [سورة الأنعام ~~121] . # وكذلك القياس الذي لا يكون الفرع فيه (5) مشاركا للأصل في مناط الحكم، ~~فالقياس يذم إما لفوات شرطه؛ وهو عدم المساواة في مناط الحكم، وإما لوجود ~~مانعه؛ وهو النص الذي يجب تقديمه عليه، وإن كانا متلازمين في نفس الأمر، ~~فلا يفوت الشرط إلا والمانع موجود، ولا يوجد المانع (6) إلا والشرط مفقود. # فأما القياس الذي يستوي (7) فيه الأصل والفرع في مناط الحكم ولم يعارضه ~~ما هو أرجح منه، فهذا هو القياس الذي يتبع. (8) # ولا ريب أن القياس فيه فاسد، وكثير من الفقهاء قاسوا أقيسة فاسدة، ~~PageV03P413 # بعضها باطل بالنص، وبعضها مما اتفق السلف على بطلانه (1) ، لكن بطلان ~~كثير من القياس لا يقتضي بطلان جميعه، كما أن وجود الكذب في كثير من الحديث ~~لا يوجب ms0750 كذب جميعه. # ومدار القياس على أن الصورتين يستويان في موجب الحكم ومقتضاه (2) ، فمتى ~~كان كذلك كان القياس صحيحا بلا شك، ولكن قد يظن القايس ما ليس مناط الحكم ~~مناطا فيغلط، ولهذا كان عمدة القياس عند القايسين على بيان تأثير المشترك ~~الذي يسمونه جواب سؤال المطالبة، وهو أن يقال: لا نسلم أن علة الحكم في ~~الأصل هو الوصف المشترك بين الأصل والفرع، حتى يلحق هذا الفرع به، فإن ~~القياس لا تثبت صحته حتى تكون الصورتان مشتركتين (3) في المشترك المستلزم ~~(4) للحكم إما في العلة نفسها، وإما في دليل العلة: تارة بإبداء الجامع، ~~وتارة بإلغاء الفارق، فإذا عرف أنه ليس بين الصورتين فرق يؤثر، علم ~~استواؤهما (5) في الحكم، وإن لم يعلم عين الجامع. # وهم يثبتون قياس الطرد، وهو إثبات مثل حكم الأصل في الفرع لاشتراكهما في ~~مناط الحكم. # (* وقياس العكس وهو نفي حكم الأصل عن الفرع، لافتراقهما في مناط الحكم *) ~~(6) فهذا (7) يفرق بينهما ; لأن العلة المثبتة للحكم في الأصل PageV03P414 # منتفية في الفرع، وذاك يجمع بينهما لوجود العلة المثبتة في الفرع، وهذه ~~الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع (1) . ### | فصل كلام الرافضي على أمور فقهية شنيعة يقول بها أهل السنة في زعمه والرد عليه # فصل. (2) # قال الرافضي (3) : " وذهبوا بسبب ذلك إلى أمور شنيعة: كإباحة البنت ~~المخلوقة من الزنا، وسقوط الحد عمن نكح أمه أو أخته أو بنته (4) مع علمه ~~بالتحريم والنسب بواسطة عقد يعقده وهو يعلم بطلانه، وعمن لف على ذكره خرقة ~~وزنى بأمه أو بنته (5) ، وعن اللائط مع أنه أفحش من الزنا وأقبح، وإلحاق ~~نسب المشرقية بالمغربي، فإذا (6) زوج الرجل ابنته وهي في المشرق برجل هو ~~وأبوها في المغرب ولم يفترقا ليلا ولا نهارا (7) حتى مضت مدة (8) ستة أشهر ~~فولدت البنت في المشرق (9) ، التحق الولد بالرجل (10) وهو وأبوها (11) في ~~المغرب، PageV03P415 # مع أنه لا يمكنه الوصول إليها إلا بعد سنين متعددة، بل لو حبسه السلطان ~~من حين العقد وقيده، وجعل عليه حفظة مدة خمسين سنة (1) ، ثم وصل إلى بلد ~~(2) المرأة فرأى جماعة كثيرة من أولادها ms0751 (3) وأولاد أولادها (4) إلى عدة ~~بطون، التحقوا كلهم بالرجل الذي لم يقرب هذه المرأة ولا غيرها ألبتة. ~~وإباحة النبيذ مع مشاركته الخمر (5) في الإسكار والوضوء به، والصلاة في جلد ~~الكلب، وعلى العذرة (6) اليابسة. # وحكى بعض الفقهاء لبعض الملوك، وعنده بعض فقهاء (7) الحنفية، صفة صلاة ~~الحنفي (8) ، فدخل دارا مغصوبة وتوضأ بالنبيذ، وكبر وقرأ بالفارسية (9) [من ~~غير نية، وقرأ: {مدهامتان} [سورة الرحمن: 64] لا غير بالفارسية] (10) ثم ~~طأطأ PageV03P416 # رأسه من غير طمأنينة، وسجد كذلك، ورفع رأسه بقدر حد السيف، ثم سجد، وقام ~~ففعل كذلك (1) ثانية، ثم أحدث في مقام التسليم، فتبرأ (2) الملك - وكان ~~حنفيا - من هذا (3) المذهب. # وأباحوا المغصوب لو غير (4) الغاصب الصفة، فقالوا: لو أن سارقا دخل بدار ~~شخص (5) له فيه (6) دواب ورحى وطعام، فطحن السارق الطعام بالدواب والأرحية ~~(7) ملك ذلك الطحين بذلك (8) ، فلو جاء المالك ونازعه كان المالك ظالما، ~~والسارق مظلوما (9) ، فلو تقاتلا فإن قتل المالك كان هدرا (10) وإن قتل ~~السارق كان شهيدا. # وأوجبوا الحد على الزاني إذا كذب الشهود (11) ، وأسقطوه (12) إذا صدقهم، ~~فأسقط (13) الحد مع اجتماع الإقرار والبينة، وهذا PageV03P417 # ذريعة إلى إسقاط حدود الله تعالى، فإن كل من شهد عليه بالزنا فصدق (1) ~~الشهود يسقط (2) عنه الحد وإباحة (3) أكل الكلب واللواط بالعبيد، (4) ~~وإباحة الملاهي كالشطرنج والغناء، وغير ذلك من المسائل [التي لا يحتملها ~~هذا المختصر] (5) . # والجواب من وجوه: أحدها] : (6) أنه [في هذه المسائل ما هو كذب على جميع ~~أهل السنة، وأما سائرها] (7) فليس (8) في هذه المسائل مسألة إلا وجمهور أهل ~~السنة على خلافها، وإن كان قد قالها بعضهم، فإن كان قوله خطأ فالصواب مع ~~غيره من أهل السنة، وإن كان صوابا فالصواب مع أهل السنة أيضا. فعلى ~~التقديرين لا يخرج الصواب عن قول (9) أهل السنة. # الثاني أن يقال: الرافضة يوجد فيهم من المسائل ما لا يقوله مسلم يعرف دين ~~الإسلام، منها ما يتفقون عليه، ومنها ما يقوله بعضهم: مثل ترك الجمعة ~~والجماعة (10) ، فيعطلون (11) المساجد التي أمر PageV03P418 # الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه عن الجمعة والجماعات (1) ويعمرون المشاهد ~~التي حرم (2) الله ورسوله بناءها ms0752، ويجعلونها بمنزلة دور الأوثان، ومنهم من ~~يجعل زيارتها كالحج، كما صنف المفيد (كتابا سماه " مناسك حج المشاهد "، ~~وفيه من الكذب والشرك ما هو من جنس كذب النصارى وشركهم (3) ، ومنها تأخير ~~صلاة المغرب (4) ، مضاهاة لليهود، ومنها وتحريم (5) ذبائح أهل الكتاب، ~~وتحريم نوع من السمك، وتحريم بعضهم لحم الجمل (6) ، واشتراط بعضهم في ~~الطلاق الشهود [على الطلاق] ، وإيجابهم (7) أخذ خمس مكاسب المسلمين، وجعلهم ~~الميراث كله للبنت دون العم وغيره من العصبة (8) والجمع الدائم بين ~~الصلاتين (9) ، ومثل صوم (10) بعضهم بالعدد لا بالهلال، يصومون قبل الهلال ~~ويفطرون قبله، ومثل ذلك (11) من الأحكام التي يعلم علما يقينيا (12) أنها ~~خلاف دين المسلمين، الذي PageV03P419 # بعث الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم - (1) وأنزل به (كتابه. [وقد ~~قدمنا ذكر بعض أمورهم (2) التي هي من أظهر الأمور إنكارا في الشرع والعقل] ~~(3) ولهم مقالات (4) باطلة وإن كان قد وافقهم (5) عليها بعض المتقدمين: مثل ~~إحلال المتعة وأن الطلاق المعلق بالشرط لا يقع وإن قصد إيقاعه عند الشرط، ~~وأن الطلاق لا يقع بالكنايات (6) وأنه يشترط فيه الإشهاد. # الثالث: أن يقال: هذه المسائل لها مأخذ عند من قالها من الفقهاء وإن كانت ~~خطأ عند جمهورهم، فأهل السنة أنفسهم يثبتون خطأها (7) ، فلا يخرج بيان ~~الصواب عنهم، كما لا يخرج الصواب عنهم (8) ، فالمخلوقات من ماء الزنا ~~يحرمها جمهورهم، كأبي حنيفة وأحمد ومالك في أظهر الروايتين، وحكى ذلك قولا ~~للشافعي (9) . PageV03P420 # وأحمد لم يكن يظن أن في هذه المسائل نزاعا (1) حتى أفتى بقتل من فعل ذلك، ~~والذين قالوها كالشافعي وابن الماجشون رأوا النسب منتفيا لعدم الإرث (2) ، ~~فانتفت أحكامه كلها، والتحريم (3) من أحكامه، والذين أنكروها (4) قالوا: ~~أحكام الأنساب (5) تختلف، فيثبت لبعض الأنساب من الأحكام ما لا يثبت لبعض، ~~فباب التحريم يتناول ما شمله اللفظ ولو مجازا حتى تحرم بنت البنت، بل يحرم ~~من الرضاع ما يحرم من النسب، فالمخلوقة من مائه أولى بالتحريم، بخلاف الإرث ~~فإنه يختص بمن ينسب إلى الميت من ولده، فيثبت لولد البنين دون ولد البنات. # وأما عقده على ذوات المحارم، فأبو حنيفة جعل ذلك شبهة ms0753 تدرأ الحد لوجود ~~صورة العقد. وأما جمهور الفقهاء فلم يجعلوا ذلك شبهة، بل قالوا: هذا مما ~~يوجب تغليظ الحد عقوبة (6) لكونه فعل محرمين: العقد والوطء (7) . ~~PageV03P421 # وكذلك اللواط، أكثر السلف يوجبون قتل فاعله مطلقا، وإن لم يكن محصنا. ~~وقيل: إن ذلك إجماع الصحابة، وهو مذهب أهل المدينة كمالك وغيره، ومذهب أحمد ~~في أصح الروايتين عنه والشافعي في أحد قوليه. وعلى هذا القول (1) . يقتل ~~المفعول به مطلقا إذا كان بالغا. والقول الآخر أن حده حد الزاني (2) .، وهو ~~قول أبي يوسف ومحمد والشافعي وأحمد في أحد قوليهما. # وإذا قيل: الفاعل كالزاني فقيل: يقتل المفعول به مطلقا. وقيل: لا يقتل، ~~وقيل: بالفرق كالفاعل. وسقوط الحد من مفردات أبي حنيفة. # وأما إلحاق النسب في تزويج المشرقية بالمغربي فهذا (3) . أيضا من مفاريد ~~(4) . أبي حنيفة. وأصله في هذا الباب: أن النسب عنده يقصد به المال. فهو ~~يقسم (5) . المقصود به، فإذا ادعت امرأتان ولدا (6) . ألحقه بهما بمعنى: ~~أنهما يقتسمان ميراثه لا بمعنى أنه خلق منهما. # وكذلك فيما إذا طلق المرأة قبل التمكن من وطئها، فجعل الولد له: بمعنى ~~أنهما يتوارثان لا بمعنى أنه خلق من مائه. PageV03P422 # وحقيقة مذهبه (1) . أنه لا يشترط في الحكم بالنسب ثبوت الولادة الحقيقية، ~~بل الولد عنده للزوج الذي هو للفراش (2) . مع قطعه أنه لم يحبلها. # وهذا كما أنه إذا طلق إحدى امرأتيه ومات، ولم تعرف المطلقة فإنه يقسم ~~الميراث بينهما. وأما أحمد فإنه يقرع بينهما (3) .، وأما الشافعي فتوقف في ~~الأمر فلم يحكم أ، ب: (4) . بشيء حتى يتبين له له: (5) . الأمر أو يصطلحا. ~~وجمهور العلماء يخالفونه ويقولون: إذا علم انتفاء الولادة لم يجز إثبات ~~النسب ولا حكم من أحكامه، وهو يقول: قد ثبت بعض الأحكام مع انتفاء الولادة. # كما يقول فيما إذا قال لمملوكه الذي هو أكبر منه: أنت ابني، يجعل ذلك ~~كناية في عتقه لا إقرارا بنسبه. وجمهور العلماء يقولون: هو إقرار علم كذبه ~~فيه، فلا (6) : يثبت به شيء. # فالشناعة التي شنع بها على أبي حنيفة: إن كانت حقا، فجمهور أهل السنة ~~يوافقون عليها ms0754. وإن كانت باطلا (7) . لم تضرهم شيئا (8) . مع PageV03P423 # أنه يشنع تشنيع من يظن أن أبا حنيفة يقول: إن هذا الولد مخلوق من ماء هذا ~~الرجل الذي لم يجتمع بامرأته، وهذا لا يقوله أقل الناس عقلا، فكيف بمثل أبي ~~حنيفة؟ ولكنه يثبت حكم النسب بدون الولادة، وهو أصل انفرد به وخالفه فيه ~~فيه: (1) . الجمهور وخطئوا من قال به. # ثم منهم من يثبت النسب إذا أمكن وطء الزوج لها، كما يقوله الشافعي وكثير ~~من أصحاب أحمد، ومنهم من يقول: لا يثبت النسب إلا إذا دخل بها. وهذا هو ~~القول الآخر في مذهب أحمد، وقول (2) . مالك وغيره. # وكذلك مسألة حل الأنبذة (3) . قد علم أن جمهور أهل السنة يحرمون ذلك ~~ويبالغون فيه حتى يحدون الشارب المتأول، ولهم في فسقه قولان: مذهب (4) . ~~مالك وأحمد في إحدى الروايتين لا يفسق، ومذهب الشافعي وأحمد في الرواية ~~الأخرى لا يفسق، ومحمد بن الحسن يقول بالتحريم. وهذا هو المختار عند أهل ~~الإنصاف من أصحاب أبي حنيفة، كأبي الليث السمرقندي ونحوه. ### | الكلام على زعم الرافضي بأن أهل السنة يبيحون النبيذ # وقول [هذا الرافضي] (5) . " وإباحة النبيذ مع مشاركته الخمر في ~~PageV03P424 # الإسكار " احتجاج منه على أبي حنيفة بالقياس، فإن كان القياس حقا بطل ~~إنكاره (1) . وإن كان باطلا بطلت هذه الحجة. # ولو احتج عليه بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «كل مسكر خمر، وكل ~~خمر (2) . حرام» " (3) لكان أجود. # وأما الوضوء بالنبيذ، فجمهور العلماء ينكرونه. وعن أبي حنيفة فيه روايتان ~~أيضا. وإنما أخذ ذلك لحديث لحديث: (4) . روي في هذا هذا: (5) . الباب: حديث ~~ابن مسعود م: (6) . وفيه: " «تمرة (7) . طيبة وماء طهور» ". والجمهور منهم ~~من يضعف (8) . هذا الحديث (9) .، ويقولون: إن كان صحيحا فهو منسوخ ~~PageV03P425 # بآية الوضوء وآية تحريم الخمر، مع أنه قد يكون لم يصر نبيذا، وإنما كان ~~الماء (1) . باقيا لم يتغير، أو تغير تغيرا يسيرا أو تغيرا كثيرا، مع كونه ~~ماء على قول من يجوز الوضوء بالماء المضاف، كماء الباقلاء وماء الحمص ~~ونحوهما، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في أكثر (2) . الروايات عنه، وهو أقوى ~~في الحجة ms0755 من القول الآخر ; لأن قوله (3) . {فلم تجدوا ماء} [سورة النساء: ~~43] (4) . نكرة (5) . في سياق النفي، فيعم ما تغير بإلقاء هذه الطاهرات (6) ~~. فيه، كما يعم ما تغير بأصل خلقته، أو بما لا يمكن صونه عنه (7) ، إذ شمول ~~اللفظ لهما سواء كما يجوز التوضؤ بماء البحر. # وقد (8) . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قيل له «أنتوضأ من ماء ~~البحر؟ [فإنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا. ~~فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (9) " وهو الطهور ماؤه الحل ~~ميتته» ". قال الترمذي: حديث صحيح (10) ، فماء البحر طهور، مع PageV03P426 # كونه في غاية الملوحة والمرارة والزهومة (1) . فالمتغير بالطاهرات أحسن ~~حالا منه، لكن ذاك تغير أصلي وهذا طارئ. # وهذا الفرق لا يعود إلى اسم الماء، ومن اعتبره جعل مقتضى القياس أنه لا ~~يتوضأ بماء البحر ونحوه، ولكن أبيح ; لأنه لا يمكن صونه عن المغيرات (2) . ~~والأصل ثبوت الأحكام على وفق القياس لا على خلافه، فإن كان هذا داخلا في ~~اللفظ دخل الآخر (3) ، وإلا فلا. وهذه دلالة لفظية لا قياسية، حتى يعتبر ~~فيها المشقة وعدمها. ### | الكلام على قول الرافضي بإباحة أهل السنة للصلاة في جلد الكلب # وأما الصلاة في جلد الكلب، فإنما يجوز ذلك أبو حنيفة إذا كان (4) . ~~مدبوغا. وهذا قول طائفة من العلماء، ليس هذا (5) من مفاريده، وحجتهم (6) ~~قوله - صلى الله عليه وسلم -: " «أيما إهاب دبغ فقد طهر» ". (7) وهذه مسألة ~~اجتهاد وليست هذه من مسائل الشناعات (8) ولو قيل PageV03P427 # : لهذا المنكر: هات دليلا قاطعا قاطعا: (1) على تحريم ذلك، لم يجده، بل ~~لو طولب بدليل على تحريم الكلب ليرد به على مالك في إحدى الروايتين [عنه ~~فإنه يكرهه ولا يحرمه] (2) لم يكن هذا الرد من صناعته، مع أن الصحيح الذي ~~عليه جمهور العلماء أن جلد الكلب - بل وسائر السباع - لا يطهر بالدباغ. # لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[من وجوه متعددة] (3) أنه «نهى ~~عن جلود السباع» (4) وقوله - صلى الله عليه وسلم - (5) : " «أيما إهاب دبغ ~~فقد طهر» " ضعفه أحمد وغيره [من أئمة الحديث] (6) وقد ms0756 رواه مسلم. (7) ~~PageV03P428 # وكذلك تحريم الكلب دلت عليه أدلة شرعية، لكن هؤلاء الإمامية تعجز عن ~~إقامة دليل يردون به على مالك في إحدى الروايتين (1) # وأما الصلاة على العذرة اليابسة بلا حائل، فليس هذا مذهب أبي حنيفة ولا ~~أحد من الأئمة الأربعة، ولكن إذا أصابت الأرض نجاسة، فذهبت بالشمس أو الريح ~~أو الاستحالة، فمذهب الأكثرين (2) . طهارة الأرض وجواز الصلاة عليها (3) . ~~هذا مذهب أبي حنيفة، وأحد القولين في مذهب مالك وأحمد، وهو القول القديم ~~للشافعي. وهذا القول أظهر من قول من لا يطهرها بذلك. # وأما ما ذكره من صفة (4) الصلاة التي يجيزها أبو حنيفة وفعلها عند بعض ~~الملوك حتى رجع عن مذهبه، فليس بحجة على فساد مذهب أهل السنة ; لأن أهل ~~السنة يقولون: إن الحق لا يخرج عنهم، لا يقولون: إنه لم يخطئ (5) أحد منهم. # وهذه الصلاة ينكرها جمهور أهل السنة، كمذهب مالك (6) والشافعي وأحمد. ~~والملك الذي ذكره هو محمود بن سبكتكين، وإنما رجع إلى ما ظهر عنده أنه سنة ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان من خيار الملوك PageV03P429 # وأعدلهم (1) وكان من أشد الناس قياما على أهل البدع لا سيما الرافضة، ~~فإنه كان قد أمر بلعنتهم ولعنة (2) أمثالهم في بلاده، وكان الحاكم العبيدي ~~بمصر كتب إليه يدعوه فأحرق كتابه على رأس رسوله، ونصر أهل السنة نصرا ~~معروفا عنه. (3) ### | الكلام على زعم الرافضي بأن أهل السنة أباحوا المغصوب لو غير الغاصب الصفة # قوله: " وأباحوا المغصوب لو غير الغاصب الصفة فقالوا: لو أن سارقا دخل ~~مدارا لشخص (4) له (5) فيه دواب ورحى وطعام، فطحن السارق طعام صاحب المدار ~~بدوابه وأرحيته، ملك (6) الطحين بذلك، فلو جاء المالك ونازعه، كان المالك ~~ظالما والسارق مظلوما، فلو تقاتلا فإن قتل المالك كان هدرا (7) وإن قتل ~~السارق كان شهيدا ". # فيقال: أولا: هذه المسألة (8) ليست قول جمهور علماء السنة (9) . ~~PageV03P430 # وإنما قالها من ينازعه فيها جمهورهم، ويردون قوله بالأدلة الشرعية، فهي ~~قول بعض العلماء (1) ، ولكن الفقهاء متنازعون (2) في الغاصب إذا غير ~~المغصوب بما أزال اسمه، كطحن الحب الحب: (3) ، فقيل: هذا بمنزلة إتلافه ~~فيجب ms0757 للمالك (4) القيمة، وهذا قول أبي حنيفة. # وقيل: بل هو باق على ملك صاحبه، والزيادة له (5) والنقص على الغاصب، وهو ~~قول (6) الشافعي. # وقيل: بل يخير المالك بين أخذ العين والمطالبة بالنقص إن نقص (7) ، وبين ~~المطالبة بالبدل وترك العين للغاصب، [وهذا هو المشهور من مذهب مالك] (8) ، ~~وإذا أخذ العين فقيل: يكون (9) الغاصب شريكا بما أحدثه فيه من الصنعة. ~~وقيل: لا شيء له. وهذه الأقوال في مذهب أحمد وغيره. وحينئذ فالقول الذي ~~أنكره خلاف قول جمهور أهل السنة. # ثم إنه كذب في نقله بقوله (10) : " لو تقاتلا كان المالك ظالما "، فإن ~~PageV03P431 # المالك إن كان متأولا لا يعتقد غير هذا القول، لم يكن ظالما، ولم تجز ~~مقاتلته، بل إذا تنازعا ترافعا (1) إلى من يفصل بينهما، إذا كان اعتقاد هذا ~~أن هذه العين ملكه، واعتقاد الآخر أنها ملكه. # وأيضا فقد يفرق بين من غصب الحب ثم اتفق أنه طحنه، وبين من قصد بطحنه ~~تملكه (2) ، فإن معاقبة هذا بنقيض (3) قصده من باب سد الذرائع. # وبالجملة فهذه المسائل التي أنكرها كلها من مذهب أبي حنيفة، ليس فيها ~~لغيره إلا مسألة المخلوقة من ماء (4) الزنا للشافعي. # فيقال له: الشيعة تقول: إن مذهب أبي حنيفة أصح من بقية المذاهب الثلاثة، ~~ويقولون: إنه إذا اضطر الإنسان إلى استفتاء بعض المذاهب الأربعة استفتى ~~الحنفية، ويرجحون محمد بن الحسن على أبي يوسف، فإنهم لنفورهم عن الحديث ~~والسنة ينفرون عمن كان أكثر تمسكا بالحديث والسنة. # فإذا كان كذلك، فهذه الشناعات في مذهب أبي حنيفة، فإن كان قوله هو الراجح ~~من مذاهب الأئمة الأربعة كان تكثير التشنيع عليه دون غيره تناقضا منهم، ~~وكانوا قد رجحوا مذهبا وفضلوه على غيره، ثم بينوا فيه (5) PageV03P432 # من الضعف والنقص ما يقتضي أن يكون أنقص من غيره. وما هذا التناقض بعيد ~~منهم (1) ، فإنهم لفرط جهلهم وظلمهم يمدحون ويذمون بلا علم ولا عدل، فإن ~~كان مذهب أبي حنيفة هو الراجح، كان ما ذكروه من اختصاصه بالمسائل الضعيفة ~~التي لا يوجد مثلها (2) لغيره تناقضا، وإن لم يكن الراجح كان ترجيحه على ~~بقية ms0758 المذاهب باطلا، فيلزم (3) بالضرورة أن يكون (4) الشيعة على الباطل على ~~كل تقدير. ولا ريب أنهم أصحاب جهل وهوى، فيتكلمون في كل موضع بما يناسب ~~أغراضهم، سواء كان حقا أو باطلا. # وقصدهم في هذا المقام ذم جميع طوائف أهل السنة، فينكرون من كل مذهب (5) ~~ما يظنونه مذموما فيه، سواء صدقوا في النقل أو كذبوا، وسواء كان ما ذكروه ~~من الذم حقا أو باطلا، وإن كان في مذهبهم من المعايب أعظم وأكثر من معايب ~~غيرهم. ### | التعليق على مزاعمه عن مقالة أهل السنة في الحدود # وأما قوله: " وأوجب الحد على الزاني إذا كذب الشهود، وأسقطه إذا صدقهم، ~~فأسقط الحد مع اجتماع الإقرار والبينة، وهذا ذريعة إلى إسقاط حدود الله ~~تعالى، فإن كل من شهد عليه بالزنا فصدق الشهود يسقط (6) عند الحد ". ~~PageV03P433 # فيقال: وهذا أيضا من أقوال أبي حنيفة، وخالفه فيها الجمهور كمالك ~~والشافعي وأحمد وغيرهم (1) ومأخذ أبي حنيفة أنه إذا أقر سقط حكم الشهادة، ~~ولا يؤخذ بالإقرار إلا إذا كان (2) أربع مرات. وأما الجمهور فيقولون: ~~الإقرار يؤكد حكم الشهادة ولا يبطلها (3) ; لأنه موافق لها لا مخالف لها، ~~وإن لم يحتج إليه كزيادة عدد الشهود على الأربعة وكإقراره أكثر من أربع ~~مرات. # وبالجملة فهذا قول جمهور أهل السنة، فإن كان صوابا فهو قولهم وإن كان ~~الآخر هو الصواب (4) فهو قولهم. # ثم يقال له: من المعلوم أن جمهور أهل السنة ينكرون هذه المسائل، ويردون ~~على من قالها بحجج وأدلة لا تعرفها الإمامية. ### | الرد على مزاعمه عن إباحة أهل السنة لأكل الكلب واللواط والملاهي # وأما قوله: " وإباحة أكل الكلب، واللواط بالعبيد، وإباحة الملاهي ~~كالشطرنج والغناء، وغير ذلك من المسائل التي لا يحتملها هذا المختصر ". # فيقال: نقل هذا عن جميع أهل السنة كذب، وكذلك نقله عن جمهورهم. بل فيه ما ~~قاله بعض المقرين بخلافة الخلفاء الثلاثة، PageV03P434 # وفيه (1) ما هو كذب عليهم لم يقله أحد منهم، وذلك الذي قاله بعض هؤلاء ~~أنكره جمهورهم فلم يتفقوا على ضلالة. # ثم إن الموجود في الشيعة من الأمور المنكرة الشنيعة (2) المخالفة للكتاب ms0759 ~~والسنة والإجماع، أعظم وأشنع (3) مما يوجد في أي طائفة فرضت من طوائف ~~السنة، فما من طائفة من طوائف السنة (4) يوجد في قولها ما هو (5) ضعيف إلا ~~ويوجد ما هو أضعف منه وأشنع من أقوال الشيعة (6) . # فتبين على كل تقدير أن كل طائفة من أهل السنة خير منهم، فإن الكذب الذي ~~(7) يوجد فيهم، والتكذيب بالحق، وفرط الجهل، والتصديق بالمحالات، وقلة ~~العقل، والغلو في اتباع الأهواء (8) ، والتعلق بالمجهولات لا يوجد مثله في ~~طائفة أخرى. # وأما ما حكاه من إباحة اللواط بالعبيد، فهو كذب لم يقله أحد من علماء أهل ~~(9) السنة، وأظنه قصد التشنيع به على مالك، فإني رأيت من الجهال من يحكي ~~هذا عن مالك. وأصل ذلك ما يحكى عنه في حشوش PageV03P435 # النساء (1) ، فإنه لما حكي عن طائفة من أهل المدينة إباحة ذلك، وحكي عن ~~مالك فيه روايتان، ظن الجاهل أن أدبار المماليك كذلك. # وهذا من أعظم الغلط على من هو (2) دون مالك، فكيف على مالك مع جلالة قدره ~~وشرف مذهبه وكمال صيانته عن الفواحش، وأحكامه بسد الذرائع، وأنه من أبلغ ~~المذاهب إقامة للحدود، ونهيا عن المنكرات والبدع (3) . # ولا يختلف مذهب مالك في أن من استحل إتيان المماليك أنه يكفر، كما أن هذا ~~قول جميع أئمة المسلمين، فإنهم متفقون على أن استحلال هذا بمنزلة استحلال ~~وطء أمته التي هي بنته من الرضاعة، أو أخته من الرضاعة، أو هي موطوءة ابنه ~~أو أبيه، فكما أن مملوكته إذا كانت محرمة برضاع أو صهر لا تباح له باتفاق ~~المسلمين، فمملوكه أولى بالتحريم، فإن هذا الجنس محرم (4) مطلقا لا يباح ~~بعقد نكاح ولا ملك يمين، بخلاف وطء الإناث. # ولهذا كان مذهب مالك وعلماء المدينة أن اللوطي (5) يقتل رجما، ~~PageV03P436 # محصنا كان أو غير محصن، سواء تلوط بمملوكه أو غير مملوكه، فإنه يقتل ~~عندهم الفاعل والمفعول به. # كما في السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «اقتلوا الفاعل ~~والمفعول به» ". رواه أبو داود وغيره (1) . . # وهذا مذهب أحمد في الرواية المنصوصة عنه (2) .، وهو أحد قولي الشافعي. ~~فمن ms0760 يكن مذهبه أن هذا أشد من الزنا، كيف يحكى عنه أنه أباح ذلك. وكذلك لم ~~يبحه غيره من العلماء (3) بل هم متفقون على تحريم ذلك. ولكن كثيرا من ~~الأشياء يتفقون (4) . على تحريمها، ويتنازعون في إقامة الحد على فاعلها: هل ~~يحد أو يعزر بما دون الحد كما لو وطئ أمته التي هي ابنته من الرضاعة. # وأما قوله: " وإباحة الملاهي كالشطرنج والغناء ". # فيقال: مذهب جمهور العلماء (5) . أن الشطرنج حرام. وقد ثبت عن ~~PageV03P437 # علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (1) . أنه مر بقوم يلعبون بالشطرنج، ~~فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون (2) .؟ . # وكذلك النهي عنها معروف عن أبي موسى وابن عباس وابن عمر وغيره من ~~الصحابة. # وتنازعوا في أيهما أشد (3) . تحريما: الشطرنج أوالنرد؟ فقال مالك: ~~الشطرنج أشد من النرد. وهذا منقول (4) . عن ابن عمر، وهذا لأنها تشغل القلب ~~بالفكر الذي يصد عن ذكر الله وعن الصلاة أكثر من النرد. # وقال: أبو حنيفة وأحمد: النرد أشد، فإن العوض يدخل فيها أكثر. وأما ~~الشافعي فلم يقل (5) .: إن (6) . الشطرنج حلال، ولكن قال: النرد حرام ~~والشطرنج دونها، ولا يتبين لي (7) . أنها حرام، فتوقف في التحريم. ولأصحابه ~~في تحريمها قولان (8) .: فإن كان التحليل هو الراجح فلا ضرر، PageV03P438 # وإن كان التحريم هو الراجح فهو قول جمهور أهل السنة، فعلى التقديرين لا ~~يخرج الحق عنهم. # قوله: " وإباحة الغناء ". # فيقال له: هذا من الكذب على الأئمة الأربعة، فإنهم متفقون على تحريم ~~المعازف (1) . التي هي آلات اللهو كالعود ونحوه، ولو أتلفها متلف عندهم لم ~~يضمن صورة التالف، بل يحرم عندهم اتخاذها. وهل يضمن المادة: على قولين (2) ~~. مشهورين لهم، كما لو أتلف أوعية الخمر، فإنه لو أتلف ما يقوم به المحرم ~~(3) . من المادة لم يضمنه في أحد قوليهم، كما هو مذهب مالك، وأشهر ~~الروايتين عن أحمد، كما أتلف موسى العجل المتخذ من الذهب (4) . . # وكما ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أمر عبد الله بن ~~عمرو أن يحرق الثوبين المعصفرين اللذين كانا عليه» (5) PageV03P439 # وكما أمرهم عام خيبر بكسر القدور التي ms0761 كان (1) . فيها لحوم الحمر، ثم أذن ~~لهم في إراقة (2) . ما فيها (3) .، فدل على جواز الأمرين. # وكما أمر لما حرمت الخمر بشق الظروف وكسر الدنان (4) . . # وكما أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - (5) . أمرا ~~بتحريق المكان الذي يباع فيه الخمر. # ومن لم يجوز ذلك من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد - في PageV03P440 # إحدى الروايتين عنه قالوا: هذه عقوبات مالية وهي منسوخة، وأولئك يقولون: ~~لم ينسخ ذلك (1) . شيء، فإن النسخ لا يكون (2) . إلا بنص متأخر عن الأول ~~يعارضه، ولم يرد شيء من ذلك (3) .، بل العقوبات المالية كالعقوبات البدنية ~~تستعمل على الوجه المشروع، بل هي أولى بالاستعمال، فإن إتلاف الأبدان ~~والأعضاء أعظم من إتلاف الأموال، فإذا كان جنس الأول مشروعا، فجنس الثاني ~~بطريق الأولى. # وقد تنازعوا أيضا في القصاص في الأموال: إذا خرق (4) . له ثوبا هل له أن ~~يخرق (5) . نظيره من ثيابه، فيتلف ماله كما أتلف ماله، على قولين هما ~~روايتان عن أحمد. فمن قال: لا يجوز ذلك قال: لأنه فساد (6) . ومن قال: ~~يجوز، قال: إتلاف النفس والطرف أشد فسادا، وهو جائز على وجه العدل ~~والاقتصاص، لما فيه من كف العدوان، [وشفاء نفس المظلوم] (7) . . ومن منع ~~قال: النفوس لو لم يشرع فيها القصاص لم تنكف النفوس (8) . فإن القاتل إذا ~~علم أنه لا يقتل بل يؤدي دية، أقدم (9) . على القتل وأدى (10) . الدية. ~~PageV03P441 # بخلاف الأموال، فإنه يؤخذ من المتلف نظير ما أتلفه، فحصل القصاص بذلك ~~الزجر. وأما إتلاف ذلك فضرره (1) . على المتلف عليه، فإنه يذهب ماله وعوض ~~ماله عليه، وذلك يقول: بل فيه نوع من (2) . شفاء غيظ المظلوم. وأما إذا ~~تعذر القصاص (3) . منه إلا بإتلاف ماله فهذا (4) . أظهر جوازا ; لأن (5) . ~~القصاص عدل، وجزاء سيئة سيئة مثلها، فإذا أتلف ماله ولم يكن الاقتصاص (6) . ~~منه إلا بإتلافه، جاز ذلك. # ولهذا اتفق العلماء على جواز إتلاف الشجر والزرع الذي للكفار، إذا فعلوا ~~بنا مثل ذلك، أو لم يقدر (7) . عليهم إلا به. وفي جوازه بدون ذلك نزاع ~~معروف (8) . وهو روايتان عن أحمد. والجواز مذهب الشافعي وغيره ms0762. # [والمقصود هنا] (9) . أن آلات اللهو محرمة عند الأئمة الأربعة، ولم يحك ~~عنهم نزاع في ذلك (10) .، إلا أن المتأخرين من الخراسانيين من أصحاب ~~الشافعي ذكروا في النزاع وجهين، والصحيح التحريم. وأما PageV03P442 # العراقيون وقدماء الخراسانيين فلم يذكروا في ذلك نزاعا. # وأما الغناء المجرد فمحرم عند أبي حنيفة ومالك، وهو أحد القولين في مذهب ~~الشافعي وأحمد، وعنهما أنه مكروه. وذهبت طائفة من أصحاب أحمد إلى أن الغناء ~~المجرد مباح. فإن كان هذا القول حقا فلا ضرر، وإن كان باطلا فجمهور أهل ~~السنة على التحريم، فلم يخرج الحق عن أهل السنة. ### | فصل قول الرافضي " الوجه الثاني في وجوب اتباع مذهب الإمامية أنها الفرقة الناجية " والرد عليه # فصل (1) . # قال الرافضي (2) .: " الوجه الثاني: في الدلالة (3) . على وجوب اتباع ~~مذهب الإمامية: ما قاله (4) . شيخنا الإمام (5) . الأعظم خواجه نصير الملة ~~والحق (6) . والدين محمد بن الحسن الطوسي، قدس الله روحه، وقد سألته (7) . ~~عن المذاهب فقال: بحثنا عنها وعن قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (8) ~~. «ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية (9) .، والباقي في ~~النار» (10) . وقد عين PageV03P443 # الفرقة (1) . الناجية والهالكة في حديث آخر صحيح متفق عليه، وهو في قوله ~~(2) .: «مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح: من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق» .] ~~(3) .، فوجدنا الفرقة الناجية هي فرقة الإمامية (4) . ; لأنهم باينوا جميع ~~المذاهب، وجميع المذاهب قد اشتركت في أصول العقائد ". # فيقال: الجواب من وجوه (5) # أحدها: أن هذا الإمامي قد كفر من قال: إن الله موجب بالذات، كما تقدم من ~~قوله: يلزم أن يكون الله موجبا بذاته لا مختارا (6) . فيلزم الكفر. ~~PageV03P444 # وهذا الذي قد جعله شيخه الأعظم (1) . واحتج بقوله، هو ممن يقول بأن (2) . ~~الله موجب بالذات (3) .، ويقول بقدم العالم، كما ذكر في (4) . كتاب (5) " ~~شرح الإشارات " له (6) . فيلزم على قوله أن يكون شيخه هذا الذي احتج به ~~كافرا، والكافر لا يقبل (7) . قوله في دين المسلمين. # الثاني: أن هذا الرجل اشتهر عند الخاص والعام أنه كان وزير الملاحدة ~~الباطنية الإسماعيلية بالألموت (8) ، ثم لما قدم الترك المشركون إلى بلاد ~~المسلمين (9) . وجاءوا إلى ms0763 بغداد - دار الخلاقة - كان هذا منجما مشيرا لملك ~~الترك المشركين هولاكو (10) . أشار عليه بقتل الخليفة، PageV03P445 # وقتل (1) . أهل العلم والدين، واستبقاء أهل الصناعات والتجارات الذين ~~ينفعونه في الدنيا، وأنه استولى على الوقف الذي للمسلمين، وكان يعطي منه ما ~~شاء الله لعلماء المشركين وشيوخهم من البخشية (2) . السحرة (3) . وأمثالهم، ~~وأنه لما بنى الرصد الذي بمراغة (4) على طريقة الصابئة المشركين، كان أبخس ~~(5) . الناس نصيبا منه من كان إلى (6) . أهل الملل أقرب، وأوفرهم نصيبا من ~~كان أبعدهم عن (7) . الملل، مثل الصابئة [المشركين، ومثل المعطلة] (8) . ~~وسائر المشركين، [وإن ارتزقوا بالنجوم والطب ونحو ذلك] . (9) . . ~~PageV03P446 # ومن المشهور عنه وعن أتباعه الاستهتار (1) . بواجبات الإسلام ومحرماته، ~~لا يحافظون على الفرائض كالصلوات (2) .، ولا ينزعون (3) . عن محارم الله من ~~الفواحش والخمر (4) . وغير ذلك من المنكرات، حتى أنهم في شهر رمضان يذكر ~~عنهم من إضاعة الصلوات، وارتكاب (5) . الفواحش، وشرب الخمور (6) . ما يعرفه ~~أهل الخبرة بهم ولم يكن لهم قوة وظهور إلا مع المشركين، الذين دينهم شر من ~~دين اليهود والنصارى. # ولهذا كان (7) . كلما قوي الإسلام في المغل وغيرهم من الترك ضعف أمر ~~هؤلاء لفرط معاداتهم (8) . للإسلام وأهله. ولهذا كانوا من أنقص الناس منزلة ~~عند الأمير نوروز (9) . المجاهد في سبيل الله الشهيد الذي دعا ملك المغل ~~غازان (10) . إلى الإسلام، والتزم له (11) . أن ينصره إذا أسلم، وقتل ~~المشركين الذين لم يسلموا من البخشية السحرة وغيرهم، PageV03P447 # وهدم البذخانات، وكسر الأصنام ومزق سدنتها (1) . كل ممزق، وألزم اليهود ~~والنصارى بالجزية والصغار، وبسببه ظهر الإسلام في المغل وأتباعهم (2) . . # وبالجملة (3) . فأمر هذا الطوسي وأتباعه عند المسلمين أشهر وأعرف من أن ~~يعرف ويوصف. ومع هذا فقد قيل: إنه كان في آخر عمره يحافظ على الصلوات الخمس ~~(4) . ويشتغل بتفسير البغوي وبالفقه ونحو ذلك. # فإن كان قد تاب من الإلحاد فالله يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن ~~السيئات. والله تعالى يقول: {ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من ~~رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا} [سورة الزمر: 53] . # لكن ما ذكره عنه هذا، إن كان قبل التوبة لم يقبل قوله، وإن كان بعد ms0764 ~~التوبة لم يكن قد تاب من الرفض، بل من الإلحاد وحده. وعلى PageV03P448 # التقديرين فلا يقبل قوله. والأظهر أنه إنما كان يجتمع به وبأمثاله لما ~~كان منجما للمغل المشركين، والإلحاد معروف من حاله إذ ذاك. # فمن يقدح في مثل (1) . أبي بكر وعمر وعثمان، وغيرهم من السابقين الأولين ~~من المهاجرين والأنصار، ويطعن على مثل مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن ~~حنبل وأتباعهم، ويعيرهم بغلطات بعضهم في مثل إباحة الشطرنج والغناء، كيف ~~يليق به أن يحتج لمذهبه بقول مثل هؤلاء الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم ~~الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق (2) . من الذين ~~أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (3) . (* ويستحلون (4) . ~~المحرمات المجمع على تحريمها، كالفواحش والخمر *) (5) ، في مثل شهر رمضان، ~~الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، (* وخرقوا سياج الشرائع، واستخفوا ~~بحرمات الدين، [وسلكوا غير طريق المؤمنين] (6) .، فهم كما قيل فيهم: # الدين يشكو بلية ... من فرقة فلسفية # لا يشهدون صلاة ... إلا لأجل التقية # ولا ترى الشرع إلا ... سياسة مدنية # ويؤثرون عليه ... مناهجا فلسفية *) (7) PageV03P449 # ولكن هذا حال الرافضة: دائما يعادون أولياء الله المتقين، من السابقين ~~الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان ويوالون الكفار ~~والمنافقين. فإن أعظم الناس نفاقا في المنتسبين إلى الإسلام هم (1) . ~~الملاحدة الباطنية الإسماعيلية، فمن احتج بأقوالهم في نصرة (2) . قوله، مع ~~ما تقدم من طعنه على أقوال (3) . أئمة المسلمين كان من أعظم الناس موالاة ~~لأهل النفاق، ومعاداة لأهل الإيمان. # ومن العجب أن هذا المصنف (4) . الرافضي [الخبيث] (5) . الكذاب المفتري ~~يذكر أبا بكر وعمر وعثمان وسائر السابقين الأولين (6) . والتابعين وسائر ~~أئمة المسلمين من أهل العلم والدين بالعظائم التي يفتريها عليهم (7) . هو ~~وإخوانه، ويجيء إلى من قد اشتهر عند المسلمين بمحادته ن، م: محادته الله ~~ورسوله، و: محادته لله ولرسوله. لله ورسوله، فيقول (8) .: " قال شيخنا ~~الأعظم " ويقول (9) .: " قدس الله روحه "، مع شهادته بالكفر عليه وعلى ~~أمثاله، ومع لعنة طائفته لخيار (10) . المؤمنين من الأولين والآخرين. ~~PageV03P450 # وهؤلاء داخلون في معنى قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من ms0765 ~~الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين ~~آمنوا سبيلا - أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا} ~~[سورة النساء: 51 - 52] . # فإن هؤلاء الإمامية أوتوا نصيبا من الكتاب، إذ كانوا مقرين ببعض ما في ~~الكتاب المنزل، وفيهم شعبة من الإيمان بالجبت وهو السحر، والطاغوت (1) .: ~~وهو يعبد من دون الله (2) .، فإنهم يعظمون الفلسفة المتضمنة لذلك (3) .، ~~ويرون الدعاء والعبادة للموتى، واتخاذ المساجد على القبور (4) .، ويجعلون ~~السفر إليها حجا له مناسك ويقولون: " مناسك حج المشاهد ". # وحدثني الثقات أن فيهم من يرون (5) . الحج إليها أعظم من الحج إلى البيت ~~العتيق، فيرون الإشراك بالله أعظم من عبادة الله، وهذا من أعظم الإيمان ~~بالطاغوت. # وهم يقولون لمن يقرون بكفره (6) . من القائلين بقدم العالم ودعوة ~~الكواكب، والمسوغين للشرك: هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا، فإنهم فضلوا ~~هؤلاء الملاحدة المشركين على السابقين الأولين من PageV03P451 # المهاجرين والأنصار] (1) . والذين اتبعوهم بإحسان. وليس هذا ببدع (2) . ~~من الرافضة (3) .، فقد عرف من موالاتهم (4) . لليهود والنصارى والمشركين، ~~ومعاونتهم على قتال المسلمين (5) .، ما يعرفه الخاص والعام، (* حتى قيل: ~~إنه ما اقتتل يهودي ومسلم، ولا نصراني ومسلم، [ولا مشرك ومسلم] (6) . إلا ~~كان الرافضي مع اليهودي والنصراني [والمشرك] (7) *) (8) . # والوجه الثالث: أنه قد عرف كل أحد أن الإسماعيلية والنصيرية هم من ~~الطوائف الذين يظهرون التشيع، وإن كانوا في الباطن كفارا منسلخين من كل ~~ملة. والنصيرية هم من غلاة الرافضة الذين يدعون إلهية علي، وهؤلاء أكفر من ~~اليهود والنصارى باتفاق المسلمين. # والإسماعيلية الباطنية أكفر منهم، فإن حقيقة قولهم التعطيل. أما أصحاب ~~الناموس الأكبر والبلاغ الأعظم، الذي هو (9) آخر المراتب عندهم (10) . فهم ~~من الدهرية القائلين بأن العالم لا فاعل له: لا علة ولا PageV03P452 # خالق. ويقولون ليس بيننا وبين الفلاسفة خلاف إلا في (1) . واجب الوجود، ~~فإنهم يثبتونه، وهو شيء لا حقيقة له، ويستهزئون بأسماء الله - عز وجل (2) . ~~ولا سيما (3) . هذا [الاسم (* الذي] (4) . هو الله، [فإن (5) *) (6) ] . ~~منهم من يكتبه على أسفل قدميه ويطؤه. # وأما من هو دون هؤلاء فيقولون بالسابق والتالي (7) .، الذين عبروا بهما ~~عن العقل والنفس ms0766 عند الفلاسفة، وعن النور والظلمة عند المجوس، وركبوا لهم ~~مذهبا من مذاهب الصابئة والمجوس ظاهره التشيع. # ولا ريب أن المجوس والصائبة (* شر من اليهود والنصارى، ولكن تظاهروا ~~بالتشيع *) (8) . . قالوا: لأن الشيعة أسرع الطوائف استجابة لنا، لما فيهم ~~من الخروج عن الشريعة، ولما فيهم من الجهل وتصديق المجهولات (9) . . ~~PageV03P453 # ولهذا كان أئمتهم في الباطن فلاسفة، كالنصير الطوسي هذا، وكسنان البصري ~~الذي كان بحصونهم بالشام، وكان يقول: قد رفعت عنهم الصوم والصلاة والحج ~~والزكاة (1) . . # فإذا كانت الإسماعيلية (2) . إنما يتظاهرون في الإسلام بالتشيع، ومنه ~~دخلوا، وبه ظهروا (3) .، وأهله هم المهاجرون إليهم لا إلى الله ورسوله، وهم ~~أنصارهم لا أنصار الله ورسوله (4) . علم أن شهادة الإسماعيلية للشيعة بأنهم ~~على الحق شهادة مردودة باتفاق العقلاء. # فإن هذا الشاهد: إن كان يعرف أن ما هو عليه مخالف لدين الإسلام في الباطن ~~وإنما أظهر التشيع لينفق به (5) . عند المسلمين، فهو محتاج إلى تعظيم ~~التشيع، وشهادته له شهادة المرء لنفسه، فهو كشهادة الآدمي (6) . لنفسه، ~~لكنه (7) . في هذه الشهادة يعلم أنه يكذب، وإنما كذب فيها (8) . كما ~~PageV03P454 # كذب (1) . في سائر أحواله، وإن كان يعتقد دين الإسلام في الباطن ويظن أن ~~هؤلاء على دين الإسلام، كان أيضا شاهدا لنفسه، لكن مع جهله وضلاله. # وعلى التقديرين فشهادة (2) . المرء لنفسه لا تقبل، سواء علم كذب نفسه، أو ~~اعتقد صدق نفسه. كما في السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ~~«لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذي غمر على أخيه» ". (3) \ 62. . وهؤلاء ~~خصماء أظناء متهمون ذوو غمر على أهل السنة والجماعة، فشهادتهم مردودة بكل ~~طريق. # الوجه الرابع: أن يقال: أولا أنتم قوم لا تحتجون بمثل هذه PageV03P455 # الأحاديث، فإن هذا الحديث إنما يرويه أهل السنة بأسانيد أهل السنة، ~~والحديث نفسه ليس في الصحيحين بل قد طعن فيه بعض أهل الحديث كابن حزم (1) ~~وغيره، ولكن قد رواه أهل السنن كأبي داود والترمذي وابن ماجه، ورواه أهل ~~المسانيد (2) . كالإمام أحمد وغيره (3) . . # فمن أين لكم على أصولكم ثبوته حتى تحتجوا به؟ وبتقدير ثبوته فهو من أخبار ~~الآحاد ms0767 فكيف يجوز أن تحتجوا (4) . في أصل من أصول الدين (5) . وإضلال جميع ~~المسلمين - إلا فرقة واحدة - بأخبار الآحاد التي لا يحتجون هم بها في ~~الفروع العلمية؟ ! # وهل هذا إلا من أعظم التناقض (6) . والجهل. # الوجه الخامس: أن الحديث روي تفسيره فيه من وجهين: أحدهما: أنه - صلى ~~الله عليه وسلم - (7) . «سئل عن الفرقة الناجية، فقال: " من كان على مثل ما ~~أنا عليه اليوم وأصحابي» ". وفي الرواية الأخرى قال: " «هم الجماعة» ". وكل ~~من التفسيرين يناقض قول الإمامية، ويقتضي أنهم PageV03P456 # خارجون عن الفرقة الناجية، فإنهم خارجون عن جماعة المسلمين: يكفرون أو ~~يفسقون (* أئمة (1) . الجماعة كأبي بكر وعمر وعثمان، دع معاوية وملوك بني ~~أمية وبني العباس، وكذلك يكفرون أو يفسقون *) (2) . علماء الجماعة وعبادهم، ~~كمالك والثوري والأوزاعي والليث بن سعد وأبي حنيفة والشافعي وأحمد (3) . ~~وإسحق وأبي عبيد وإبراهيم بن أدهم والفضيل بن عياض وأبي سليمان الداراني ~~ومعروف الكرخي وأمثال هؤلاء، وهم أبعد الناس عن معرفة سير الصحابة ~~والاقتداء بهم، لا في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا بعده، فإن (4) ~~. هذا إنما يعرفه أهل (5) . العلم بالحديث والمنقولات، والمعرفة بالرجال ~~(6) . الضعفاء والثقات، وهم من أعظم (7) . الناس جهلا بالحديث وبغضا له (8) ~~.، ومعاداة لأهله، فإذا كان وصف الفرقة الناجية أتباع الصحابة على عهد رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك شعار السنة والجماعة - كانت الفرقة ~~الناجية هم أهل السنة والجماعة، فالسنة ما كان [صلى الله عليه وسلم] (9) . ~~هو وأصحابه عليه (10) . PageV03P457 # في عهده، مما أمرهم به أو أقرهم عليه أو فعله هو والجماعة هم المجتمعون ~~(1) . الذين ما (2) . فرقوا دينهم وكانوا شيعا، فالذين (3) . فرقوا دينهم ~~وكانوا شيعا خارجون عن الجماعة (4) . قد برأ الله نبيه منهم، فعلم بذلك (5) ~~. أن هذا وصف أهل السنة والجماعة، لا وصف الرافضة، وأن هذا (6) . الحديث ~~وصف الفرقة الناجية باتباع سنته التي كان عليها هو وأصحابه وبلزوم جماعة ~~المسلمين. # فإن قيل: فقد قال في الحديث: " «من كان (7) . على مثل ما أنا عليه اليوم ~~وأصحابي» "، فمن خرج عن تلك الطريقة بعده لم يكن على طريقة الفرقة الناجية، ~~وقد ارتد ناس ms0768 بعده فليسوا من الفرقة الناجية. # قلنا: نعم، وأشهر الناس بالردة خصوم أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ~~وأتباعه؛ كمسيلمة الكذاب وأتباعه وغيرهم. وهؤلاء تتولاهم الرافضة كما ذكر ~~ذلك غير واحد من شيوخهم، مثل هذا الإمامي وغيره، ويقولون: إنهم كانوا على ~~الحق، وأن الصديق قاتلهم بغير حق. ثم من (8) . أظهر PageV03P458 # الناس ردة الغالية (1) . الذين حرقهم علي [رضي الله عنه] (2) . بالنار ~~لما ادعوا فيه الإلهية، وهم السبائية (3) . أتباع عبد الله بن سبأ الذين ~~أظهروا سب أبي بكر وعمر. # وأول من ظهر عنه دعوى النبوة من المنتسبين إلى الإسلام المختار بن أبي ~~عبيد وكان من الشيعة (4) \ 68. فعلم أن أعظم الناس ردة هم في الشيعة أكثر ~~منهم في سائر الطوائف، ولهذا لا يعرف ردة أسوأ [حالا] من ردة (5) . الغالية ~~كالنصيرية، ومن [ردة] الإسماعيلية (6) . الباطنية ونحوهم، وأشهر (7) . ~~الناس بقتال المرتدين هو أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -، فلا يكون ~~المرتدون في طائفة أكثر منها في خصوم أبي بكر الصديق، فدل ذلك على أن ~~المرتدين الذين لم يزالوا مرتدين على أعقابهم هم بالرافضة أولى منهم بأهل ~~السنة والجماعة. # وهذا بين يعرفه كل عاقل يعرف الإسلام وأهله (8) .، ولا يستريب (9) . أحد ~~أن جنس المرتدين في المنتسبين إلى التشيع أعظم وأفحش كفرا من PageV03P459 # جنس (1) . المرتدين والمنتسبين إلى أهل السنة والجماعة إن كان فيهم مرتد. # الوجه السادس: أن يقال: هذه الحجة التي احتج بها هذا (2) . الطوسي على أن ~~الإمامية هم (3) . الفرقة الناجية كذب في (4) . وصفها، كما هي باطلة في ~~دلاتها. وذلك أن قوله: " باينوا جميع المذاهب، وجميع المذاهب قد اشتركت في ~~أصول العقائد ". إن أراد بذلك أنهم باينوا جميع المذاهب فيما اختصوا به، ~~فهذا شأن جميع المذاهب، فإن الخوارج أيضا باينوا جميع المذاهب فيما اختصوا ~~به من التكفير (5) . بالذنوب، ومن تكفير علي - رضي الله عنه - ومن إسقاط ~~طاعة الرسول فيما [لم] (6) . يخبر به عن الله، وتجويز الظلم عليه في قسمه ~~والجور في حكمه، وإسقاط اتباع السنة المتواترة التي تخالف ما يظن أنه ظاهر ~~القرآن، كقطع السارق (7) . من المنكب وأمثال ذلك ms0769. # قال الأشعري في " المقالات " (8) .: " أجمعت (9) . الخوارج على إكفار ~~(10) . PageV03P460 # علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - إذ حكم " (1) .، وهم مختلفون هل كفره ~~شرك أم لا؟ ". # قال بعد الكلام السابق مباشرة 1/157: " وأجمعوا على أن كل كبيرة (2) . ~~كفر إلا النجدات فإنها لا تقول بذلك " (3) . . وأجمعوا على أن الله يعذب ~~أصحاب الكبائر عذابا دائما، إلا النجدات أصحاب نجدة ". # وكذلك المعتزلة باينوا جميع الطوائف (4) . فيما اختصوا به من المنزلة بين ~~المنزلتين، وقولهم: إن أهل الكبائر يخلدون في النار وليسوا بمؤمنين ولا ~~كفار، فإن (5) . هذا قولهم الذي سموا به معتزلة، فمن وافقهم فيه بعد ذلك من ~~الزيدية فعنهم أخذوا. # بل الطوائف المنتسبون (6) . إلى السنة والجماعة تباين كل طائفة (7) . ~~منهم سائر أهل السنة والجماعة فيما اختصت به، فالكلابية باينوا سائر الناس ~~في قولهم (8) .: إن الكلام معنى واحد، أو معان متعددة (9) .: أربعة أو ~~PageV03P461 # خمسة تقوم بذات المتكلم، هو الأمر والنهي والخبر: إن عبر عنه بالعربية ~~كان قرآنا، وإن عبر عنه بالعبرية (1) . كان توراة، فإن هذا لم يقله أحد من ~~الطوائف غيرهم. # وكذلك الكرامية باينوا سائر (2) . الطوائف في قولهم: إن الإيمان هو القول ~~باللسان، فمن أقر بلسانه كان مؤمنا، وإن جحد بقلبه قالوا: وهو (3) . مؤمن ~~مخلد في النار ; فإن هذا لم يقله غيرهم. # بل طوائف أهل السنة والعلم لكل طائفة قول لا يوافقهم عليه بقية الطوائف، ~~فلكل واحد من أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد مسائل تفرد بها عن الأئمة ~~الثلاثة كثيرة. # وإن أراد بذلك أنهم اختصوا بجميع أقوالهم، فليس كذلك، فإنهم في توحيدهم ~~(4) . موافقون للمعتزلة، وقدماؤهم كانوا مجسمة، وكذلك في القدر هم موافقون ~~للمعتزلة، فقدماؤهم (5) . كان كثير منهم يثبت القدر، وإنكار القدر في ~~قدمائهم أشهر من إنكار الصفات. وخروج أهل الذنوب من النار، وعفو الله - عز ~~وجل (6) . عن أهل الكبائر لهم فيه قولان. ومتأخروهم موافقون فيه الواقفية ~~(7) . الذين يقولون: لا ندري هل يدخل PageV03P462 # النار أحد من أهل القبلة أم لا؟ وهم طائفة من الأشعرية. وإن قالوا: إنا ~~(1) . نجزم بأن كثيرا من أهل الكبائر يدخل النار، فهذا (2) . قول الجمهور ~~من ms0770 أهل السنة. # ففي الجملة لهم أقوال اختصوا بها، وأقوال شاركهم غيرهم فيها، كما أن ~~الخوارج والمعتزلة وغيرهم كذلك. وأما أهل الحديث والسنة والجماعة فقد ~~اختصوا (3) . باتباعهم الكتاب والسنة الثابتة عن نبيهم - صلى الله عليه ~~وسلم - في الأصول والفروع، وما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - بخلاف الخوارج والمعتزلة والروافض ومن وافقهم في بعض أقوالهم، فإنهم ~~لا يتبعون الأحاديث التي رواها الثقات عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~التي يعلم أهل الحديث صحتها. # فالمعتزلة يقولون: هذه أخبار آحاد. وأما الرافضة فيطعنون في الصحابة ~~ونقلهم، وباطن أمرهم الطعن في الرسالة. والخوارج يقول قائلهم: اعدل يا محمد ~~فإنك لم تعدل، فيجوزون على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه (4) . يظلم. ~~ولهذا قال: النبي - صلى الله عليه وسلم - PageV03P463 # لأولهم (1) . " «ويلك من يعدل إذا لم أعدل» ؟ (2) . «لقد خبت وخسرت إن لم ~~أعدل» ". (3) . . فهم جهال فارقوا السنة والجماعة عن (4) . جهل. # وأما الرافضة فأصل بدعتهم عن نفاق، ولهذا فيهم من الزندقة ما ليس في ~~الخوارج. قال الأشعري: في " المقالات " (5) : " هذه حكاية (6) . . أصحاب ~~الحديث وأهل السنة. جملة ما عليه أصحاب الحديث وأهل السنة " (7) .: الإقرار ~~بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من (8) . عند الله وما رواه الثقات عن ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا يردون من ذلك شيئا، وأنه إله " (9) . ~~واحد فرد صمد، لا إله غيره، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، وأن محمدا عبده ~~ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار (10) حق، وأن الساعة PageV03P464 # آتية (1) . لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأن الله على " (2) ~~. عرشه كما قال: {الرحمن على العرش استوى} [سورة طه: 5] وأن له يدين بلا ~~كيف كما قال: {خلقت بيدي} \ 3) [سورة (ص) : 57] وكما قال: {بل يداه ~~مبسوطتان} [سورة المائدة: 64] وساق الكلام إلى آخره. # فإن قال: أن مراده بالمباينة: أنهم يكفرون كل أهل دار غير دارهم (3) .، ~~كما أفتى غير واحد من شيوخهم بأن الدار إذا كان الظاهر فيها مذهب النصب، ~~مثل المسح على الخفين، وحل شرب الفقاع، وتحريم المتعة: كانت دار كفر، وحكم ms0771 ~~بنجاسة ما فيها من المائعات. وإن كان الظاهر مذهب الطائفة المحقة - يعني ~~الإمامية - حكم بطهارة (4) . ما فيها من المائعات، وإن كان كلا الأمرين ~~ظاهرا كانت دار وقف [فينظر] : فمن (5) . كان فيها من طائفتهم كان ما عنده ~~من المائعات طاهرا، ومن كان (6) . من غيرهم حكم بنجاسة ما عنده من ~~المائعات. # قيل (7) .: هذا الوصف يشاركهم فيه الخوارج، والخوارج في ذلك أقوى منهم ; ~~فإن الخوارج ترى السيف، وحروبهم مع الجماعة مشهورة، وعندهم كل دار غير ~~دارهم فهي دار كفر. وقد نازع (8) . بعضهم PageV03P465 # في التكفير العام (1) .، كما نازع بعض الإمامية في التكفير العام (2) .، ~~وقد وافقوهم (3) . في أصل التكفير. # وأما السيف فإن الزيدية ترى السيف، والإمامية لا تراه. قال الأشعري (4) \ ~~123: وأجمعت الروافض (5) . على إبطال الخروج وإنكار السيف ولو قتلت، حتى ~~يظهر لها الإمام، وحتى يأمرها (6) . بذلك. # قلت: ولهذا لا يغزون الكفار ولا يقاتلون مع أئمة الجماعة، إلا من يلتزم ~~مذهبه منهم. فقد تبين أن المباينة والمشاركة في أصول العقائد قدر مشترك بين ~~الرافضة وغيرهم. # الوجه السابع: أن يقال: مباينتهم لجميع المذاهب هو على فساد قولهم أدل ~~منه على صحة قولهم (7) . ; فإن مجرد انفراد طائفة عن جميع الطوائف لا يدل ~~على أنه هو الصواب، واشتراك أولئك في قول لا يدل على أنه باطل. # فإن قيل (8) .: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل أمته ثلاثة وسبعين ~~فرقة، كلها في النار إلا واحدة (9) .، فدل على أنها لا بد أن تفارق هذه ~~الواحدة سائر الاثنتين وسبعين فرقة. PageV03P466 # قلنا: نعم، وكذلك يدل الحديث على مفارقة الثنتين وسبعين بعضها بعضا، كما ~~فارقت هذه الواحدة. فليس في الحديث ما يدل على اشتراك الثنتين والسبعين في ~~أصول العقائد، بل ليس في ظاهر الحديث إلا مباينة الثلاث والسبعين (1) . كل ~~طائفة للأخرى. وحينئذ فمعلوم أن جهة الافتراق جهة ذم لا جهة مدح ; فإن الله ~~تعالى أمر بالجماعة والائتلاف، وذم التفرق (2) . والاختلاف، فقال تعالى: ~~{واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} [سورة آل عمران: 103] وقال: {ولا ~~تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم ms0772 عذاب ~~عظيم - يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم} الآية [سورة آل ~~عمران: 105] قال ابن عباس وغيره: تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل ~~البدعة [والفرقة] (3) . . # وقال تعالى: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء} [سورة ~~الأنعام: 159] وقال: {وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم ~~البينات بغيا بينهم} [البقرة: 213] ، وقال: {وما تفرق الذين أوتوا الكتاب ~~إلا من بعد ما جاءتهم البينة} [سورة البينة: 4 \] . # وإذا كان كذلك فأعظم الطوائف مفارقة للجماعة وافتراقا في نفسها (4) . . ~~PageV03P467 # أولى الطوائف بالذم، وأقلها افتراقا ومفارقة للجماعة أقربها إلى الحق. ~~وإذا كانت الإمامية أولى بمفارقة سائر طوائف الأمة (1) . فهم أبعد عن (2) . ~~الحق لا سيما وهم في أنفسهم أكثر اختلافا من جميع فرق الأمة حتى يقال: إنهم ~~ثنتان وسبعون فرقة. وهذا القدر فيما (3) . نقله عن هذا الطوسي بعض أصحابه، ~~وقال: كان (4) . يقول: الشيعة تبلغ فرقهم ثنتين وسبعين فرقة (5) .، أو كما ~~قال. وقد صنف الحسن بن موسى النوبختي وغيره في تعديد فرق الشيعة (6) وأما ~~أهل الجماعة فهم أقل اختلافا في أصول دينهم من سائر الطوائف، وهم أقرب إلى ~~كل طائفة من كل طائفة إلى ضدها، فهم الوسط في أهل (7) . الإسلام كما أن أهل ~~الإسلام هم الوسط في أهل الملل: هم وسط في باب صفات الله (8) . بين أهل ~~التعطيل وأهل التمثيل. PageV03P468 # [وقال - صلى الله عليه وسلم -: " «خير الأمور أوسطها» ". (1) . " وحينئذ ~~أهل السنة والجماعة خير الفرق] . (2) . # وفي باب القدر بين أهل التكذيب به وأهل الاحتجاج به، وفي باب الأسماء ~~والأحكام بين الوعيدية والمرجئة، وفي باب الصحابة بين الغلاة والجفاة، فلا ~~يغلون في علي غلو الرافضة، ولا يكفرونه تكفير الخوارج، ولا يكفرون أبا بكر ~~وعمر وعثمان كما تكفرهم الروافض (3) . ولا يكفرون عثمان وعليا كما يكفرهما ~~الخوارج. # الوجه الثامن: أن يقال: إن الشيعة ليس لهم قول واحد اتفقوا عليه (4) .، ~~فإن القول الذي ذكره هذا قول (5) . من أقوال الإمامية، ومن الإمامية طوائف ~~تخالف هؤلاء في التوحيد والعدل، كما تقدم حكايته (6) . . وجمهور الشيعة ~~تخالف الإمامية في الاثني ms0773 عشر، PageV03P469 # فالزيدية والإسماعيلية وغيرهم (1) . متفقون على إنكار إمامة (2) . الاثني ~~عشر. # قال الناقلون لمقالات (3) . الناس (4) .: " الشيعة " (5) . ثلاثة أصناف، ~~وإنما قيل لهم الشيعة (6) . ; لأنهم شايعوا عليا وقدموه " (7) . على سائر ~~أصحاب رسول الله (8) . صلى الله عليه وسلم فمنهم الغالية: سموا بذاك ; ~~لأنهم " (9) . غلوا في علي، وقالوا فيه قولا عظيما (10) ". " مثل اعتقادهم ~~(11) . إلاهيته أو نبوته، وهؤلاء أصناف متعددة، والنصيرية منهم. والصنف ~~الثاني من (12) . الشيعة الرافضة. # قال الأشعري (13) : " وطائفة سموا المقالات: وإنما سموا. رافضة (14) . ~~لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر " (15) . ". PageV03P470 # قلت: الصحيح أنهم سموا رافضة لما رفضوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ~~أبي طالب لما خرج بالكوفة أيام هشام بن عبد الملك، وقد ذكر هذا أيضا ~~الأشعري وغيره (1) . # قالوا (2) : " وإنما سموا الزيدية (3) . لتمسكهم بقول زيد بن علي بن ~~الحسين بن علي بن أبي طالب. وكان زيد (4) . بويع له بالكوفة (5) . في أيام ~~هشام بن عبد الملك، وكان أمير الكوفة يوسف بن عمر الثقفي، وكان زيد يفضل ~~علي بن أبي طالب على سائر أصحاب النبي (6) . - صلى الله عليه وسلم - ويتولى ~~أبا بكر وعمر، ويرى الخروج على أئمة الجور، فلما ظهر بالكوفة (7) . في ~~أصحابه الذين بايعوه وسمع (8) . من بعضهم الطعن على (9) . أبي بكر وعمر ~~فأنكر (10) . ذلك على من سمعه منه، فتفرق عنه الذين بايعوه (11) . فقال لهم ~~(12) .: رفضتموني؟ (* قالوا: نعم. (13) ". فيقال: إنهم PageV03P471 # سموا رافضة (1) .، لقول زيد بن علي (2) . لهم (3) . رفضتموني *) (4) ، ~~وبقي في شرذمة (5) . فقاتل يوسف بن عمر فقتل ". # قالوا (6) : " والرافضة مجمعون " (7) . على أن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - نص على استخلاف علي بن أبي طالب باسمه، وأظهر ذلك وأعلنه، وأن أكثر ~~الصحابة ضلوا بتركهم (8) . الاقتداء به بعد وفاة النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -، وأن الإمامة لا تكون إلا بنص وتوقيف، وأنها قرابة، وأنه جائز ~~للإمام في حال التقية (9) . أن يقول إنه: ليس بإمام، وأبطلوا جميعا ~~الاجتهاد في الأحكام، وزعموا أن الإمام لا يكون إلا أفضل الناس، وزعموا أن ~~عليا " (10) . كان مصيبا في جميع أحواله، وأنه لم يخطئ في شيء من أمور ~~الدين (11) .، إلا الكاملية - أصحاب أبي كامل ms0774 - فإنهم أكفروا (12) . الناس ~~بترك الاقتداء به، وأكفروا عليا بترك الطلب، وأنكروا الخروج (13) . على ~~(14) . أئمة الجور، وقالوا: ليس يجوز ذلك دون الإمام PageV03P472 # المنصوص على إمامته، وهم سوى الكاملية أربع وعشرون فرقة، وهم يدعون ~~الإمامية لقولهم بالنص على إمامة علي. فالفرقة الأولى وهم القطعية (1) . ~~وإنما سموا القطعية (2) . ; لأنهم قطعوا على موت موسى بن جعفر (3) . بن ~~محمد، وهم وجمهور الشيعة يزعمون (4) . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص ~~على إمامة علي " (5) .، وأن عليا نص على إمامة الحسن " (6) .، وأن الحسن نص ~~على إمامة الحسين " (7) .، والحسين " (8) . نص على إمامة ابنه علي بن ~~الحسين، وعلي " (9) . بن الحسين نص على إمامة ابنه أبي جعفر محمد " (10) .، ~~ومحمد نص على إمامة جعفر بن محمد (11) .، وجعفر نص على إمامة ابنه موسى " ~~(12) .، وموسى نص على إمامة ابنه علي، وعلي PageV03P473 # نص على إمامة ابنه محمد بن علي " (1) ، ومحمد نص على إمامة ابنه علي بن ~~محمد (2) .، وعلي بن محمد (3) . نص على إمامة ابنه الحسن، والحسن نص على ~~إمامة ابنه محمد بن الحسن، وهو الغائب " (4) . المنتظر عندهم الذين يدعون ~~أنه يظهر فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا " (5) . . والفرقة الثانية منهم ~~الكيسانية " المقالات (6) . وهم إحدى عشرة فرقة (7) .، سموا كيسانية (8) . ~~; لأن المختار الذي خرج وطلب بدم الحسين بن علي ودعا إلى محمد بن الحنفية ~~كان يقال له PageV03P474 # كيسان ويقال: إنه مولى لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (1) . # فمن الكيسانية من يدعي أن عليا نص على إمامة محمد بن الحنفية " (2) . ; ~~لأنه دفع إليه الراية (3) . بالبصرة. # ومنهم من يقول: بل الحسين نص على إمامة محمد بن الحنفية " (4) .، ومنهم ~~من يقول: إن محمد بن الحنفية حي بجبال رضوى: أسد " (5) . عن يمينه ونمر عن ~~شماله يحفظانه، يأتيه رزقه غدوة وعشية إلى وقت خروجه، وزعموا أن السبب الذي ~~من أجله صبر على هذه (6) . الحال أن يكون مغيبا عن الخلق أن لله فيه تدبيرا ~~(7) . لا يعلمه غيره. # قالوا: ومن القائلين بهذا المذهب " (8) . كثير الشاعر، وفي ذلك يقول: # ألا إن الأئمة من قريش ... ولاة الحق (9) . أربعة سواء PageV03P475 # علي والثلاثة من بنيه ... هم ms0775 الأسباط ليس بهم خفاء # فسبط سبط إيمان وبر ... وسبط غيبته كربلاء # وسبط لا يذوق الموت حتى ... يقود الخيل يقدمها اللواء # تغيب (1) . لا يرى فيهم (2) . زمانا ... برضوى عنده عسل وماء (3) . # ومعلوم أن هؤلاء مع أن قولهم معلوم البطلان ضرورة، فقول الإمامية أبطل من ~~قولهم ; فإن هؤلاء ادعوا بقاء من كان موجودا حيا معروفا، وأولئك ادعوا بقاء ~~من لم يوجد بحال. ومن هؤلاء من يقول (4) .: إن محمد ابن الحنفية مات، وإن ~~الإمام بعده ابنه أبو هاشم عبد الله، ثم من هؤلاء من يقول: إن أبا هاشم عبد ~~الله (5) . أوصى إلى أخيه الحسن، وإن الحسن أوصى إلى ابنه علي بن الحسن، ~~وإن عليا هلك ولم يعقب، فهم ينتظرون رجعة محمد بن الحنفية ويقولون: إنه ~~يرجع ويملك، فهم PageV03P476 # اليوم في التيه لا إمام لهم إلى أن يرجع إليهم محمد بن الحنفية في زعمهم. # ومنهم من يقول: إن (1) . الإمام بعد أبي هاشم محمد بن علي بن عبد الله بن ~~عباس، [أو أبوه علي] (2) \ 92. (* قالوا: وذلك أن أبا هاشم مات بأرض الشراة ~~(3) . منصرفه من الشام *) (4) .، وأوصى هناك إلى محمد بن علي بن عبد الله ~~بن عباس، وأوصى محمد بن علي إلى ابنه إبراهيم بن محمد، ثم أوصى إبراهيم بن ~~محمد إلى أبي العباس السفاح، ثم أفضت الخلافة إلى أبي جعفر المنصور بوصية ~~بعضهم إلى بعض. # قال (5) \ 94: ثم رجع بعض (6) . هؤلاء عن هذا القول، وزعموا أن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - نص على العباس بن عبد المطلب ونصبه إماما. ثم نص ~~العباس على إمامة ابنه عبد الله، ونص عبد الله على إمامة ابنه علي بن عبد ~~الله، ثم ساقوا الإمامة إلى أن انتهوا بها (7) . إلى أبي جعفر المنصور، ~~وهؤلاء هم الراوندية. PageV03P477 # وافترقت هذه الفرقة في أمر أبي مسلم على مقالتين: فزعمت (1) . فرقة منهم ~~تدعى الرزامية أصحاب رجل يقال له: رزام أن أبا مسلم قتل. وقالت فرقة (2) . ~~أخرى: إن أبا مسلم لم يمت " (3) .، ويحكى عنهم الاستحلال " (4) . لما لم ~~يحلل (5) . لهم أسلافهم. # ومن الكيسانية طائفة يزعمون " (6) . أن أبا هاشم ms0776 نصب " (7) . عبد الله بن ~~عمرو بن حرب إماما، وتحولت روح أبي هاشم فيه، ثم وقفوا على كذب عبد الله بن ~~عمرو فصاروا إلى المدينة يلتمسون إماما، فلقوا عبد الله بن معاوية بن عبد ~~الله بن جعفر بن أبي طالب، فدعاهم إلى أن يأتموا به، فاتخذوه إماما، وادعوا ~~" (8) . له الوصية (9) . . # ثم منهم من قال: إنه مات، ومنهم من قال: إنه لم يمت حتى يقوم، ومنهم من ~~قال: بل (10) . هو المهدي المبشر به، وأنه حي بجبال أصبهان. PageV03P478 # ومنهم من يقول: إن أبا هاشم (1) . أوصى إلى بيان بن سمعان. ومنهم من ~~يقول: أوصى إلى علي بن الحسين. فهذه أقوال من يقول بوصول النص إلى محمد بن ~~الحنفية ثم أبي هاشم. # ومن الرافضة من قال: بل النص بعد الحسين بن علي على ابنه (2) . علي بن ~~الحسين ثم إلى ابنه أبي جعفر " (3) .، وأن أبا جعفر أوصى إلى المغيرة بن ~~سعيد، فهم يأتمون به إلى أن يخرج المهدي، والمهدي - فيما زعموا - هو محمد ~~بن عبد الله بن الحسن " (4) . بن علي بن أبي طالب، وزعموا أنه حي مقيم ~~بناحية الحاجر (5) . وأنه لا يزال مقيما هناك إلى أوان خروجه. # ومن الرافضة من يقول: إن الإمام بعد أبي جعفر محمد بن علي هو محمد بن عبد ~~الله بن الحسن (6) . الخارج بالمدينة في خلافة أبي جعفر المنصور، وقصته ~~مشهورة (7) ". . وزعموا أنه المهدي، وأنكروا إمامة المغيرة بن سعيد ~~PageV03P479 # ومن الرافضة من قال: إن أبا جعفر أوصى إلى أبي منصور. (* ثم من هؤلاء من ~~قال: إنه أوصى إلى ابنه الحسن بن أبي منصور *) (1) . (2) (3) . ومنهم من ~~مال إلى (4) . . تثبيت أمر (5) . محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين (6) ~~. . # وقالوا: إنما أوصى أبو جعفر إلى أبي منصور دون بني هاشم، كما أوصى موسى - ~~عليه السلام - (7) . إلى يوشع بن نون دون ولده، ودون ولد هارون - عليه ~~السلام - (8) . ثم إن الأمر بعد أبي منصور راجع (9) . إلى ولد علي، كما رجع ~~الأمر بعد يوشع " (10) . إلى ولد هارون. # ومنهم من قال (11) \ 97: إن أبا جعفر نص على ابنه جعفر ms0777 بن محمد، وأن ~~جعفرا حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر أمره، وهو القائم المهدي (12) . . ~~PageV03P480 # ومن الرافضة (1) \ 98. من يقول: إن جعفر بن محمد مات، وإن الإمام بعد ~~جعفر ابنه إسماعيل، وأنكروا أن يكون إسماعيل مات في حياة أبيه، وقالوا: لا ~~يموت حتى يملك ; لأن أباه قد كان يخبر أنه وصيه والإمام بعده. # ومن الرافضة القرامطة: يزعمون أن خلافة النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~اتصلت بالنص إلى جعفر (2) .، كما يقوله الاثنا عشرية، وأن جعفرا (3) . نص ~~على إمامة ابن ابنه محمد بن إسماعيل، وزعموا أن محمد بن إسماعيل حي إلى ~~اليوم - يعني إلى أوائل المائة الرابعة] (4) . لم يمت ولا يموت حتى (5) . ~~يملك الأرض، وأنه هو المهدي الذي تقدمت البشارة به. واحتجوا في ذلك بأخبار ~~رووها عن أسلافهم، يخبرون فيها (6) . أن سابع الأئمة قائمهم. # وهؤلاء (7) . يقال لهم: السبعية كما يقال لأولئك: الاثنا عشرية وهؤلاء ~~ذكر المصنفون (8) . مقالاتهم في أوائل الأمر قبل المائة الرابعة، قبل ~~ظهورهم بالمغرب (9) . والقاهرة، فإن هؤلاء انتشر من # أمرهم في أثناء المائة PageV03P481 # الرابعة وبعدها ما يطول وصفه، وظهر فيهم من الزندقة والإلحاد ما لم يعهد ~~مثله لا في الغلاة ولا غيرهم. # ومن بقايا هؤلاء الملاحدة الذين كانوا بخراسان والشام وغيرهما، وكان أهل ~~بيت ابن سينا من المستجيبين (1) . لدعوتهم زمن الحاكم. وكذلك هذا الطوسي ~~وأمثاله (2) . من أعوانهم، وكذلك سنان وغيره. # وأذكياؤهم يعلمون كذبهم وجهلهم، ولكن بسبب خدمتهم يحصل لهم من الرياسة ~~والمال والشهوات ما لا يحصل بدون ذلك، فهم يعاونونهم كما يعاون (3) . ~~أمثالهم من أهل الكذب والظلم، لتنال بهم الأغراض. # ومن الرافضة من يقول: إنها في ولد محمد بن إسماعيل، ومنهم من يقول: إنها ~~في ولد (4) . محمد بن جعفر بن محمد، لا في إسماعيل وابنه، ولا في موسى بن ~~جعفر، ومنهم من يقول: إنها في ابنه عبد الله بن جعفر، وكان أكبر من خلف من ~~ولده. (5) \ 99: وهؤلاء يقال لهم: الفطحية (6) . ; لأن عبد الله بن جعفر ~~كان أفطح الرجلين، قالوا: وهؤلاء عدد كثير. PageV03P482 # ومن الرافضة من يقول بإمامة موسى بن جعفر بن ms0778 محمد بعد أبيه، ولكن يقول: ~~إن موسى بن جعفر (1) . حي لم يمت ولا يموت حتى يملك مشرق الأرض ومغربها. ~~وهذا الصنف يدعون الواقفة (2) ; لأنهم وقفوا على موسى بن جعفر ولم يجاوزوه، ~~ويسمون الممطورة ; لأن يونس بن عبد الرحمن ناظرهم، فقال: أنتم أهون علي (3) ~~. من الكلاب الممطورة (4) .، فلزمهم هذا اللقب " (5) . . # ومنهم قوم وقفوا (6) \ 101 في أمر موسى بن جعفر، فقالوا: لا ندري أمات أم ~~لم يمت. # ومنهم من يقول: إن موسى بن جعفر نص على إمامة ابنه أحمد (7) . . # ومن الرافضة من قال: إن بعد محمد بن الحسن المنتظر عند الاثني ~~PageV03P483 # عشرية إماما آخر هو القائم الذي يظهر فيملأ الدنيا (1) . عدلا ويقمع ~~الظلم. " (2) . # فهذا بعض اختلاف الرافضة القائلين بالنص، فإذا كانوا أعظم تباينا ~~واختلافا من سائر طوائف الأمة، امتنع أن تكون هي الطائفة الناجية ; لأن أقل ~~ما في الطائفة الناجية أن تكون متفقة في أصول دينها كاتفاق أهل السنة ~~والجماعة على أصول دينهم. # وهؤلاء الإمامية الاثنا عشرية يقولون: إن أصول الدين (3) . أربعة: ~~التوحيد والعدل والنبوة والإمامة. وهم مختلفون في التوحيد والعدل والإمامة. ~~وأما النبوة فغايتهم أن يكونوا مقرين بها كإقرار سائر (4) . الأمة. (* ~~واختلافهم في الإمامة أعظم من اختلاف سائر الأمة *) (5) . فإن قالت الاثنا ~~عشرية: نحن أكثر من هذه الطوائف، فيكون الحق معنا PageV03P484 # دونهم (1) . قيل: لهم وأهل السنة أكثر منكم، فيكون الحق معهم دونكم، ~~فغايتكم أن تكون سائر فرق الإمامية (2) . معكم بمنزلتكم مع سائر المسلمين، ~~والإسلام هو دين الله الذي يجمع أهل الحق (3) . ### | فصل قول الرافضي " الوجه الثالث أن الإمامية جازمون بحصول النجاة لهم " والرد عليه # فصل. (4) . # قال الرافضي (5) .: " الوجه الثالث: أن الإمامية جازمون بحصول النجاة لهم ~~ولأئمتهم (6) -.، قاطعون بذلك (7) .، وبحصول ضدها لغيرهم (8) . . وأهل ~~السنة لا يجيزون ولا يجزمون (9) . بذلك لا لهم ولا لغيرهم. فيكون اتباع ~~أولئك أولى ; لأنا لو فرضنا مثلا خروج شخصين من بغداد يريدان الكوفة فوجدا ~~طريقين سلك كل منهما طريقا، فخرج ثالث يطلب الكوفة، فسأل أحدهما: إلى أين ~~تذهب (10) ؟ فقال: إلى الكوفة. فقال له: هل طريقك PageV03P485 # توصلك إليها (1) وهل طريقك ms0779 آمن أم مخوف؟ وهل طريق صاحبك تؤديه إلى ~~الكوفة؟ وهل هو آمن أم مخوف؟ فقال: لا أعلم شيئا من ذلك. ثم سأل صاحبه عن ~~ذلك فقال: أعلم (2) . أن طريقي يوصلني إلى الكوفة، وأنه آمن، وأعلم أن طريق ~~صاحبي لا يؤديه إلى الكوفة، وأنه ليس بآمن (3) .، فإن الثالث إن تابع الأول ~~عده العقلاء سفيها، وإن تابع الثاني نسب إلى الأخذ بالحزم ". # (* هكذا ذكره في كتابه والصواب أن يقال: وسأل الثاني فقال [له الثاني] ~~(4) .: لا أعلم أن طريقي تؤديني إلى الكوفة، ولا أعلم أنه آمن أم مخوف *) ~~(5) . (6) . # والجواب على هذا من وجوه:. # أحدها: أن يقال: إن كان اتباع الأئمة الذين (7) . تدعى لهم الطاعة ~~المطلقة، وأن ذلك لا يوجب لهم (8) . النجاة واجبا (9) .، كان اتباع (10) . ~~خلفاء PageV03P486 # بني أمية الذين كانوا يوجبون طاعة أئمتهم طاعة (1) . مطلقا، ويقولون: إن ~~ذلك يوجب النجاة مصيبين على الحق (2) .، وكانوا في سبهم عليا وغيره، ~~وقتالهم لمن قاتلوه من شيعة علي مصيبين ; لأنهم كانوا يعتقدون أن طاعة ~~الأئمة واجبة في كل شيء، وأن الإمام لا يؤاخذه الله بذنب، وأنه (3) . لا ~~ذنب لهم فيما أطاعوا فيه الإمام، بل أولئك أولى بالحجة من الشيعة ; لأنهم ~~كانوا مطيعين (4) . أئمة أقامهم الله ونصبهم وأيدهم وملكهم، فإذا كان من ~~مذهب القدرية أن الله لا يفعل إلا ما هو الأصلح لعباده، كان تولية أولئك ~~الأئمة (5) . مصلحة لعباده. # ومعلوم أن اللطف والمصلحة التي حصلت بهم أعظم من اللطف والمصلحة التي ~~حصلت (6) . بإمام معدوم أو عاجز. ولهذا حصل لأتباع خلفاء بني أمية من ~~المصلحة في دينهم ودنياهم، أعظم مما حصل لأتباع المنتظر ; فإن هؤلاء لم ~~يحصل لهم إمام يأمرهم بشيء من المعروف (7) . ولا ينهاهم عن شيء من المنكر، ~~ولا يعينهم على شيء من مصلحة دينهم ولا دنياهم، بخلاف أولئك فإنهم انتفعوا ~~بأئمتهم منافع كثيرة في دينهم ودنياهم، أعظم مما انتفع هؤلاء بأئمتهم. ~~PageV03P487 # فتبين أنه إن كانت (1) . حجة هؤلاء المنتسبين (2) . إلى مشايعة علي - رضي ~~الله عنه - صحيحة، فحجة أولئك المنتسبين إلى مشايعة عثمان - رضي الله عنه - ~~أولى بالصحة، وإن كانت ms0780 باطلة فهذه (3) . أبطل منها. فإذا (4) . كان هؤلاء ~~الشيعة متفقين مع سائر أهل السنة على أن جزم أولئك بنجاتهم إذا أطاعوا ~~أولئك (5) . الأئمة طاعة مطلقة خطأ وضلال، فخطأ هؤلاء وضلالهم إذا جزموا ~~بنجاتهم لطاعتهم (6) . لمن يدعي أنه نائب المعصوم - والمعصوم لا عين له ولا ~~أثر - أعظم وأعظم، فإن الشيعة ليس لهم أئمة يباشرونهم بالخطاب، إلا شيوخهم ~~الذين يأكلون أموالهم بالباطل، ويصدونهم (7) . عن سبيل الله، ويصدونهم (8) ~~. عن سبيل الله. # الوجه الثاني (9) .: أن هذا المثل إنما كان كان: (10) . يكون مطابقا لو ~~ثبت مقدمتان: إحداهما: أن لنا إماما معصوما. والثانية: أنه أمر بكذا وكذا. ~~(11) . المقدمتين غير معلومة، بل باطلة. دع المقدمة الأولى، بل الثانية، ~~فإن الأئمة (12) . الذين يدعى فيهم العصمة قد ماتوا منذ سنين PageV03P488 # كثيرة، والمنتظر له غائب (1) . أكثر من أربعمائة وخمسين سنة، وعند آخرين ~~هو معدوم لم يوجد. والذين يطاعون (2) . شيوخ (3) . من شيوخ الرافضة، أو كتب ~~صنفها بعض شيوخ الرافضة، وذكروا أن ما فيها منقول عن أولئك المعصومين. ~~وهؤلاء الشيوخ المصنفون (4) . ليسوا معصومين بالاتفاق، ولا مقطوعا لهم ~~بالنجاة. # فإذا الرافضة لا يتبعون إلا أئمة لا يقطعون بنجاتهم ولا سعادتهم، فلم ~~يكونوا قاطعين لا (5) . بنجاتهم، ولا بنجاة أئمتهم الذين يباشرونهم بالأمر ~~والنهي، وهم أئمتهم حقا حقا: ساقطة من (أ) ، (ب) .، وإنما هم في انتسابهم ~~إلى أولئك الأئمة بمنزلة كثير (6) من أتباع شيوخهم الذين ينتسبون إلى شيخ ~~قد مات من مدة ولا يدرون (7) . بماذا أمر (8) ، ولا بماذا نهى، بل له (9) ~~أتباع يأكلون أموالهم بالباطل ويصدون عن سبيل الله، (* يأمرونهم بالغلو في ~~ذلك الشيخ وفي خلفائه، وأن يتخذوهم أربابا، وكما تأمر شيوخ الشيعة ~~PageV03P489 # أتباعهم، وكما تأمر شيوخ النصارى أتباعهم، فهم يأمرونهم بالإشراك بالله ~~وعبادة غير الله، ويصدونهم عن سبيل الله *) (1) ، فيخرجون عن حقيقة شهادة ~~(2) أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإن حقيقة التوحيد أن نعبد ~~الله وحده، فلا يدعى إلا هو، ولا يخشى إلا هو، ولا يتقى إلا هو (3) ، ولا ~~يتوكل إلا عليه، ولا يكون الدين إلا له، لا لأحد من الخلق، وأن ms0781 لا نتخذ ~~الملائكة والنبيين أربابا، فكيف بالأئمة والشيوخ والعلماء والملوك وغيرهم؟ ~~! # والرسول - (4) هو المبلغ عن الله أمره ونهيه، فلا يطاع مخلوق طاعة مطلقة ~~إلا هو، فإذا جعل الإمام والشيخ كأنه إله يدعى مع مغيبة وبعد موته (5) ، ~~ويستغاث به، ويطلب منه الحوائج والطاعة إنما هي لشخص حاضر يأمر بما يريد، ~~وينهى عما يريد (6) كان (7) الميت مشبها بالله تعالى (8) .، والحي مشبها ~~برسول الله - (9) ، فيخرجون عن حقيقة الإسلام الذي أصله شهادة أن لا إله ~~إلا الله وشهادة أن (10) محمدا رسول الله. PageV03P490 # ثم إن كثيرا منهم يتعلقون بحكايات تنقل عن ذلك الشيخ، وكثير منها كذب ~~عليه، وبعضها خطأ منه، فيعدلون عن النقل الصدق عن القائل المعصوم إلى نقل ~~غير مصدق عن قائل غير معصوم. فإذا كان هؤلاء مخطئين في هذا (1) ، فالشيعة ~~أكثر وأعظم خطأ ; لأنهم أعظم كذبا فيما ينقلونه (2) عن الأئمة، وأعظم غلوا ~~في دعوى عصمة الأئمة. # وإذا كان الواحد من هؤلاء أتباع (3) الشيوخ الأحياء المضلين الغالين في ~~شيخ قد مات، مخطئين في قطعهم بالنجاة، فخطأ الشيعة في قطعهم بالنجاة أعظم ~~وأعظم، وإن قدر أن طريق الشيعة صواب لما فيه من القطع والجزم بالنجاة، ~~فطريق المشايخية (4) صواب لما فيه من القطع بالنجاة (5) ، وحينئذ فيكون (6) ~~طريق من يعتقد أن يزيد بن معاوية (7) كان من الأنبياء الذين يشربون الخمر، ~~وأن الخمر حلال له ; لأنه (8) شربها الأنبياء، ويزيد كان منهم طريقا صوابا. ~~وإذا كان يزيد نبيا، كان من خرج على نبي كافرا، فيلزم من ذلك كفر الحسين ~~وغيره، ويلزم من ذلك أن يكون طريق من يقول: كل رزق لا يرزقنيه الشيخ لا ~~أريده - طريقا PageV03P491 # صحيحا. وطريق من يقول: إن الله ينزل إلى الأرض، و [إن] كل مسجد فإن الله ~~[قد] وضع قدمه عليه (1) ، و: وكل مسجد وضع قدميه عليه. طريقا صحيحا. وطريق ~~من يقول: # على الدرة البيضاء كان اجتماعنا ... وفي قاب قوسين اجتماع الأحبة # طريقا صحيحا. وطريق من يقول (2) : إن شيخه قد أسقط عنه الصلاة طريقا ~~صحيحا، وأمثال هذه الضلالات التي توجد في كثير من العامة أتباع ms0782 المشايخ. # فإن كثيرا من هؤلاء (3) جازمون بنجاتهم وسعادة مشايخهم، أعظم من قطع ~~الاثني عشرية للأئمة وأتباعهم. فإن كان ما ذكره من اتباع الجازم بالنجاة ~~واجبا، وجب اتباع هؤلاء. ومن جملة اتباع (4) هؤلاء القدح في الشيعة وإبطال ~~طريقتهم (5) ، فيلزم من اتباع الجازم إبطال قول الشيعة، وإن لم يكن اتباع ~~الجازم مطلقا طريقا صحيحا بطلت حجته. # وكذلك يقال لهؤلاء وهؤلاء (6) : إن كان اتباع أهل الجزم أولى بالاتباع من ~~طريقة الذين يأمرون بطاعة الله ورسوله، (* ويتبعون أهل PageV03P492 # العلم والدين فيما يأمرون به من طاعة الله ورسوله *) (1) ، ولا يوجبون ~~طاعة معين إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يضمنون السعادة إلا ~~لمن أطاع الله ورسوله، ويقولون (2) : إن من سواه يخطئ ويصيب فلا يطاع ~~مطلقا، فإن كان (3) اتباع هؤلاء نقصا وخطأ والصواب اتباع أهل الجزم مطلقا، ~~وجب اتباع شيعة الأئمة المعصومين وشيعة المشايخ المحفوظين. وشيعة هؤلاء ~~يقدحون في هؤلاء، وشيعة هؤلاء يقدحون في هؤلاء، فيلزم أن يكون كل من ~~الطريقين (4) باطلا حقا (5) ، وهذا جمع بين النقيضين. وهذا إنما لزم لأن ~~الأصل فاسد؛ وهو اتباع من يجزم بلا علم ولا دليل، فكل من جعل اتباع الشيخ ~~الجازم والمجازف بلا حجة (6) . ولا دليل، أو الإمامي الجازم المجازف (7) ~~بالنجاة بلا حجة ولا دليل مما (8) يجب اتباعه، لزم تناقض أقوالهم، بخلاف ~~الأقوال التي ترجع إلى أصل صحيح فإنها لا تتناقض (9) . PageV03P493 # الوجه الثالث: منع الحكم في هذا المثال (1) الذي ضربه وجعله أصلا قاس ~~عليه، فإن الرجل إذا قال له أحد الرجلين: طريقي آمن يوصلني، وقال له الآخر: ~~لا علم لي بأن طريقي آمن يوصلني، أو قال ذلك الأول، لم يحسن في العقل تصديق ~~الأول بمجرد قوله، بل يجوز عند العقلاء أن يكون هذا (2) محتالا عليه، يكذب ~~حتى يصحبه في الطريق فيقتله ويأخذ ماله، ويجوز أن يكون جاهلا (3) لا يعرف ~~ما في الطريق من الخوف، وأما ذاك الرجل فلم يضمن للسائل شيئا، بل رده إلى ~~نظره. فالحزم في مثل (4) هذا أن ينظر الرجل أي الطريقين أولى بالسلوك: أحد ~~ذينك (5) الطريقين ms0783 أو غيرهما (6) # ولو كان (7) كل من قال: إن (8) طريقي آمن موصل يكون أولى بالتصديق ممن ~~توقف، لكان كل مفتر وجاهل يدعي في المسائل المشتبهة أن قولي فيها هو الصواب ~~وأنا قاطع بذلك، فيكون اتباعي أولى من طريق هؤلاء الذين ينظرون ويستدلون، ~~وكان ينبغي أن يكون الشيوخ الكذابون الذين يضمنون لمريدهم (9) الجنة، وأن ~~لهم في الآخرة كذا وكذا، وأن كل من أحبهم دخل الجنة، وأن من أعطاهم المال ~~أعطوه PageV03P494 # الحال الذي يقربه إلى ذي الجلال أولى بالاتباع من ذوي (1) العلم والصدق ~~والعدل الذين لا يضمنون له إلا ما ضمنه الله ورسوله لمن أطاعه، وكان أيضا ~~ينبغي أن يكون أئمة الإسماعيلية كالمعز والحاكم وأمثالهما أولى بالاتباع من ~~أئمة الاثني عشرية ; لأن أولئك يدعون من علم الغيب وكشف باطن الشريعة وعلو ~~الدرجة أعظم مما تدعيه الاثنا عشرية لأصحابهم، ويضمنون له (2) هذا مع ~~استحلال المحرمات وترك الواجبات، فيقولون له: قد أسقطنا عنك الصلاة والصوم ~~والحج والزكاة، وضمنا لك بموالاتنا الجنة [ونحن قاطعون بذلك] (3) # والاثنا عشرية يقولون: لا يستحق (4) الجنة حتى يؤدي الواجبات ويترك ~~المحرمات (5) فإن كان اتباع الجازم بمجرد جزمه أولى، كان اتباع هؤلاء أولى ~~من اتباع من يقول: أنت إذا أذنبت يحتمل أن تعاقب ويحتمل أن يعفى عنك، فيبقى ~~بين الخوف والرجاء، ونظائر هذا كثيرة. فتبين أن مجرد الإقدام على الجزم لا ~~يدل على علم صاحبه ولا على صدقه، وأن التوقف والإمساك حتى يتبين الدليل هو ~~عادة العقلاء. # الوجه الرابع: أن يقال: قوله (6) " إنهم جازمون بحصول النجاة لهم دون أهل ~~السنة " كذب كذب: (7) ، فإنه إن أراد بذلك أن كل واحد ممن PageV03P495 # اعتقد اعتقادهم يدخل الجنة، وإن ترك الواجبات وفعل المحرمات، فليس هذا ~~قول الإمامية، ولا يقوله عاقل. # وإن كان (1) حب علي حسنة لا يضر معها سيئة، فلا (2) يضره ترك الصلوات، ~~ولا الفجور بالعلويات (3) ولا نيل أغراضه بسفك دماء (4) بني هاشم إذا كان ~~يحب عليا. # فإن قالوا: المحبة الصادقة تستلزم الموافقة، عاد الأمر إلى أنه لا بد من ~~أداء الواجبات وترك المحرمات. وإن أراد ms0784 بذلك أنهم يعتقدون أن كل من اعتقد ~~الاعتقاد الصحيح وأدى الواجبات وترك المحرمات يدخل (5) الجنة، فهذا اعتقاد ~~أهل السنة ; فإنهم يجزمون (6) بالنجاة لكل من اتقى الله، كما نطق به ~~القرآن. وإنما يتوقفون في الشخص المعين (7) لعدم العلم (8) بدخوله في ~~المتقين، فإنه إذا علم (9) أنه مات على التقوى علم أنه من أهل الجنة. ولهذا ~~يشهدون بالجنة لمن شهد له الرسول [صلى PageV03P496 # الله عليه وسلم] (1) ولهم فيمن استفاض في الناس حسن الثناء عليه قولان. # فتبين أنه ليس في الإمامية جزم محمود اختصوا به عن أهل السنة والجماعة. ~~وإن قالوا: إنا (2) نجزم لكل شخص رأيناه ملتزما للواجبات عندنا تاركا ~~للمحرمات، بأنه من أهل الجنة من غير أن يخبرنا بباطنه معصوم. قيل: هذه ~~المسألة لا تتعلق بالإمامية بل إن كان إلى هذا طريق صحيح فهو طريق لأهل (3) ~~السنة، وهم بسلوكه أحذق، وإن لم يكن هنا (4) طريق صحيح إلى ذلك، كان ذلك ~~قولا بلا علم، فلا (5) فضيلة فيه بل في عدمه. # ففي الجملة لا يدعون علما صحيحا إلا وأهل السنة أحق به، وما ادعوه من ~~الجهل فهو نقص، وأهل السنة أبعد عنه. # والقول بكون الرجل المعين من أهل الجنة قد يكون سببه إخبار المعصوم، وقد ~~يكون سببه تواطؤ شهادات (6) المؤمنين الذين هم شهداء الله في الأرض. ~~PageV03P497 # كما في الصحيح «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مر عليه بجنازة، ~~فأثنوا عليها خيرا فقال: " وجبت وجبت ". ومر عليه بجنازة، فأثنوا عليها ~~عليها: (1) . شرا فقال: " وجبت وجبت ". فقالوا: يا رسول الله ما قولك: وجبت ~~وجبت؟ قال: " هذه الجنازة أثنيتم عليها خيرا، فقلت: وجبت لها الجنة. وهذه ~~الجنازة أثنيتم عليها شرا، فقلت: " وجبت لها النار، أنتم شهداء الله في ~~الأرض» (2) . . # وفي المسند «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " يوشك أن تعلموا ~~أهل الجنة من أهل النار " قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: " بالثناء الحسن ~~والثناء السيئ» (3) PageV03P498 # وقد يكون سبب ذلك تواطؤ رؤيا المؤمنين (1) فإن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - قال: " «لم يبق بعدي من النبوة إلا ms0785 الرؤيا الصالحة، يراها الرجل ~~المؤمن الصالح (2) أو ترى له» (3) . # «وسئل عن قوله تعالى: {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} [سورة ~~يونس: 64] قال: " هي الرؤيا الصالحة (4) يراها الرجل الصالح أو ترى له» (5) ~~. # وقد فسرها أيضا بثناء المؤمنين، «فقيل: يا رسول الله، الرجل يعمل ~~PageV03P499 # العمل لنفسه فيحمده الناس عليه. فقال: " تلك عاجل بشرى المؤمن» (1) . # والرؤيا قد تكون من الله، وقد تكون من حديث النفس، وقد تكون من الشيطان، ~~فإذا تواطأت رؤيا المؤمنين على أمر كان حقا، كما إذا تواطأت رواياتهم أو ~~رأيهم (2) فإن الواحد (3) قد يغلط أو يكذب، وقد يخطئ في الرأي (4) ، أو ~~يتعمد الباطل، فإذا اجتمعوا لم يجتمعوا على ضلالة، وإذا تواترت الروايات ~~(5) أورثت العلم، وكذلك الرؤيا (6) قال: النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ~~«أرى رؤياكم قد تواطأت على أنها في السبع الأواخر، فمن كان منكم متحريها ~~(7) .، فليتحرها في السبع الأواخر» (8) PageV03P500 # وهذه الأسباب كلها عند أهل السنة أكمل وأتم مما هي عند الشيعة، فلا طريق ~~لهم إلى العلم بالسعادة وحصولها، إلا وذلك (1) الطريق أكمل لأهل السنة. # الوجه الخامس: أن أهل السنة يجزمون بحصول النجاة لأئمتهم أعظم من جزم ~~الرافضة. وذلك أن أئمتهم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - هم السابقون ~~الأولون من المهاجرين والأنصار، وهم جازمون بحصول النجاة لهؤلاء، فإنهم ~~يشهدون أن العشرة (2) . في الجنة (3) ، ويشهدون «أن الله قال لأهل بدر: " ~~اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» . (4) ، بل يقولون: PageV03P501 # إنه " «لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة» "، كما ثبت ذلك في الصحيح (1) ~~عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (2) . فهؤلاء أكثر من ألف وأربعمائة إمام ~~لأهل السنة، يشهدون (3) أنه لا يدخل النار منهم أحد، وهي شهادة بعلم كما دل ~~على ذلك الكتاب والسنة. # الوجه السادس: أن يقال: أهل السنة يشهدون بالنجاة: إما مطلقا، وإما معينا ~~(4) ، شهادة مستندة إلى علم. وأما الرافضة فإنهم إن شهدوا شهدوا (5) بما لا ~~يعلمون، أو شهدوا بالزور الذي يعلمون أنه كذب، فهم كما قال الشافعي [رحمه ~~الله] (6) : ما رأيت قوما أشهد بالزور من الرافضة. PageV03P502 # الوجه السابع: أن الإمام ms0786 الذي شهد له بالنجاة: إما أن يكون هو المطاع في ~~كل شيء، وإن نازعه غيره من المؤمنين، أو هو المطاع فيما يأمر به من طاعة ~~الله ورسوله، وفيما يقوله باجتهاده (1) إذا لم يعلم أن غيره أولى منه، ونحو ~~ذلك (2) . فإن كان الإمام هو الأول، فلا إمام لأهل السنة بهذا الاعتبار إلا ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، [فإنه ليس عندهم من يجب أن يطاع في كل ~~شيء إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (3) وهم يقولون كما قال مجاهد ~~والحاكم (4) ومالك وغيرهم: كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم -. وهم يشهدون (5) لإمامهم أنه خير الخلائق، ويشهدون بأن كل ~~من ائتم به ففعل ما أمر به وترك ما نهى عنه دخل الجنة. وهذه الشهادة بهذا ~~وهذا هم فيها أتم من الرافضة من شهادتهم للعسكريين (6) وأمثالهما بأنه من ~~أطاعهم (7) دخل الجنة. # فثبت أن إمام أهل السنة أكمل، وشهادتهم له ولهم إذا (8) أطاعوه ~~PageV03P503 # أكمل، ولا سواء. ولكن قال الله تعالى: (آلله خير أم ما يشركون) [سورة ~~النمل: 59] فعند المقابلة يذكر فضل الخير المحض على الشر المحض، [وإن كان ~~الشر المحض] (1) لا خير فيه. # وإن أرادوا بالإمام الإمام المقيد، فذاك لا يوجب أهل السنة طاعته (2) ، ~~إن لم يكن ما أمر به موافقا لأمر الإمام المطلق رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - وهم إذا أطاعوه فيما أمر [الله بطاعته فيه] (3) ، فإنما هم مطيعون ~~لله ورسوله، فلا يضرهم توقفهم في الإمام المقيد: هل هو في الجنة أم لا؟ كما ~~لا يضر أتباع المعصوم عندهم (4) إذا أطاعوا نوابه، مع أن نوابه قد يكونون ~~من أهل النار، لا سيما ونواب المعصوم عندهم لا يعلم (5) أنهم يأمرون بما ~~يأمر به المعصوم، لعدم العلم بما يقوله معصومهم. وأما أقوال (6) الرسول - ~~صلى الله عليه وسلم - فهي معلومة، فمن أمر بها فقد (7) علم أنه وافقها، ومن ~~أمر بخلافها علم أنه خالفها، وما خفي منها (8) فاجتهد فيه (9) نائبه، فهذا ~~خير من طاعة نائب لمن تدعى PageV03P504 # عصمته (1) ولا ms0787 أحد يعلم بشيء مما أمر به هذا الغائب المنتظر، فضلا عن ~~العلم بكون نائبه موافقا أو مخالفا. فإن ادعوا أن النواب عالمون بأمر من ~~قبله (2) ، فعلم علماء الأمة بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتم ~~وأكمل من علم هؤلاء بقول من يدعون (3) عصمته، ولو طولب أحدهم بنقل صحيح ~~ثابت بما يقولونه عن علي أو عن غيره لما وجدوا إلى ذلك سبيلا. وليس لهم من ~~الإسناد والعلم بالرجال الناقلين ما (4) لأهل السنة. # الوجه الثامن: أن يقال: إن الله قد ضمن السعادة لمن أطاعه وأطاع رسوله، ~~وتوعد بالشقاء لمن لم يفعل ذلك، فمناط السعادة طاعة (5) الله ورسوله. كما ~~قال تعالى: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من ~~النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} [سورة النساء: 69] ~~وأمثال ذلك. # وإذا كان كذلك والله تعالى (6) يقول: {فاتقوا الله ما استطعتم} [سورة ~~التغابن: 16] ، فمن اجتهد في طاعة الله ورسوله بحسب استطاعته (7) كان من ~~أهل الجنة. # فقول الرافضة (8) : لن يدخل الجنة إلا من كان إماميا، كقول اليهود ~~والنصارى: {تلك أمانيهم PageV03P505 # قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين - بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله ~~أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} . # ومن المعلوم أن المنتظر (1) الذي يدعيه الرافضي لا يجب على أحد طاعته، ~~فإنه لا يعلم له قول منقول عنه، فإذا من أطاع الرسول - صلى الله عليه وسلم ~~- دخل الجنة، وإن لم يؤمن بهذا الإمام، ومن آمن بهذا الإمام لم يدخل الجنة ~~إلا إذا أطاع الرسول - صلى الله عليه وسلم - (2) فطاعة الرسول - (3) هي ~~مدار السعادة وجودا وعدما، وهي الفارقة بين أهل الجنة والنار (4) [ومحمد - ~~صلى الله عليه وسلم -] (5) فرق بين الناس، والله سبحانه وتعالى قد دل الخلق ~~على طاعته (6) بما بينه لهم، فتبين (7) أن أهل السنة جازمون بالسعادة ~~والنجاة لمن كان من أهل السنة. # تم بحمد الله الجزء الثالث من كتاب " منهاج السنة في نقض كلام الشيعة ~~القدرية " لابن تيمية، ويتلوه - إن شاء الله - الجزء الرابع، وأوله: فصل: ~~قال ms0788 الرافضي: الوجه الرابع: أن الإمامية أخذوا مذهبهم عن الأئمة المعصومين. ~~. . إلخ. PageV03P506 ### | كلام الرافضي على خصائص الأئمة الاثنى عشر # بسم الله الرحمن الرحيم # فصل (1) . # قال الرافضي: " [الوجه] (2) الرابع (3) : أن الإمامية أخذوا مذهبهم عن ~~الأئمة المعصومين المشهورين بالفضل والعلم والزهد والورع والاشتغال في كل ~~وقت بالعبادة والدعاء (4) وتلاوة القرآن والمداومة على ذلك من (5) زمن ~~الطفولية إلى آخر العمر، ومنهم من يعلم الناس العلوم (6) ، ونزل في حقهم: ~~{هل أتى} [سورة الإنسان: 1] ، وآية الطهارة، وإيجاب المودة لهم، وآية ~~الابتهال وغير ذلك. وكان علي [- رضي الله عنه -] (7) يصلي في كل يوم وليلة ~~ألف ركعة، ويتلو القرآن مع شدة ابتلائه بالحروب والجهاد. PageV04P005 # فأولهم علي بن أبي طالب [- رضي الله عنه -] (1) كان أفضل الخلق بعد رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - (2) وجعله الله نفس رسول الله (3) حيث قال: ~~{وأنفسنا وأنفسكم} [سورة آل عمران: 61] وواخاه [رسول الله] وزوجه (4) ~~ابنته، وفضله لا يخفى (5) وظهرت منه (6) معجزات كثيرة، حتى ادعى قوم فيه ~~(7) الربوبية وقتلهم، وصار إلى مقالتهم آخرون إلى هذه الغاية كالغلاة ~~والنصيرية. وكان ولداه سبطا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (8) «سيدا ~~شباب أهل الجنة» إمامين بنص النبي - صلى الله عليه وسلم - (9) ، وكانا أزهد ~~الناس وأعلمهم في زمانهما (10) ، وجاهدا (11) في الله حق جهاده حتى قتلا، ~~ولبس الحسن (12) الصوف تحت ثيابه الفاخرة من PageV04P006 # غير أن يشعر أحد (1) بذلك، «وأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - يوما ~~الحسين على فخذه الأيمن (2) ، وإبراهيم (3) على فخذه الأيسر، فنزل جبرائيل ~~[عليه السلام] (4) وقال: إن الله تعالى لم يكن ليجمع لك بينهما (5) ، فاختر ~~من شئت منهما، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - (6) : إذا مات الحسين ~~بكيت (7) أنا وعلي وفاطمة، وإذا مات إبراهيم بكيت أنا عليه، فاختار موت ~~إبراهيم (8) فمات بعد ثلاثة أيام، وكان إذا جاء الحسين بعد ذلك يقبله ويقول ~~(9) : أهلا ومرحبا بمن فديته بابني إبراهيم» . وكان علي بن الحسين زين ~~العابدين (10) يصوم نهاره ويقوم ليله، ويتلو الكتاب العزيز، ويصلي كل يوم ~~وليلة ألف ركعة، ويدعو كل ركعتين (11) بالأدعية المنقولة عنه وعن آبائه ~~(12) ثم يرمي الصحيفة ms0789 كالمتضجر، ويقول (13) : أنى لي بعبادة PageV04P007 # علي (1) ، وكان يبكي كثيرا (2) حتى أخذت الدموع من لحم خديه، وسجد حتى ~~سمي ذا الثفنات (3) ، «وسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيد ~~العابدين» . # وكان قد حج هشام بن عبد الملك فاجتهد أن يستلم الحجر (4) فلم يمكنه من ~~الزحام (5) فجاء زين العابدين فوقف (6) الناس له وتنحوا عن الحجر حتى ~~استلمه (7) ، ولم يبق عند الحجر سواه (8) ، فقال هشام [بن عبد الملك] : من ~~هذا؟ فقال الفرزدق [الشاعر] (9) : # هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم # هذا ابن خير عباد الله كلهم ... هذا التقي النقي الطاهر (10) العلم # يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم PageV04P008 # إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم # إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم ... أو قيل من خير أهل الأرض (1) قيل هم # هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله ... بجده أنبياء الله قد ختموا # يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلم إلا حين يبتسم # ينشق نور الهدى عن صبح غرته ... كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم # مشتقة من رسول الله نبعته ... طابت عناصره والخيم والشيم # الله شرفه قدما وفضله ... جرى بذاك له في لوحه القلم (2) # من معشر حبهم دين وبغضهم # كفر وقربهم ملجا ومعتصم ... لا يستطيع جواد بعد غايتهم # ولا يدانيهم قوم وإن كرموا ... هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت # والأسد أسد الشرى والرأي (3) محتدم ... لا ينقص (4) العسر بسطا من أكفهم # سيان ذلك إن أثروا وإن عدموا ... ما قال لا قط إلا في تشهده # لولا التشهد كانت لاؤه نعم ... يستدفع السوء (5) والبلوى بحبهم # ويسترق به الإحسان والنعم ... مقدم بعد ذكر الله ذكرهم # في كل بر (6) ومختوم به الكلم ... من يعرف الله يعرف أولوية ذا (7) # فالدين من بيت هذا ناله الأمم (8) PageV04P009 # فغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق بين مكة والمدينة، [فقال الفرزدق هذه ~~الأبيات وبعث بها إليه (1) # أتحبسني بين المدينة والتي ... إليها قلوب الناس يهوي منبيها (2) # تقلب رأسا لم يكن رأس سيد # وعينا له حولاء (3) باد عيوبها # ] (4) . # فبعث إليه الإمام (5) زين العابدين ms0790 (6) بألف دينار فردها، وقال: إنما قلت ~~هذا غضبا لله ولرسوله (7) ، فما آخذ عليه أجرا، فقال علي بن الحسين (8) : ~~نحن أهل بيت (9) لا يعود إلينا ما خرج منا، فقبلها (10) الفرزدق. ~~PageV04P010 # وكان بالمدينة قوم يأتيهم رزقهم ليلا ولا يعرفون ممن هو، فلما مات زين ~~العابدين (1) ، انقطع ذلك عنهم (2) وعرفوا أنه كان منه (3) . # وكان ابنه محمد الباقر (4) أعظم الناس زهدا وعبادة، بقر السجود جبهته، ~~وكان أعلم [أهل] (5) وقته، سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الباقر، ~~وجاء جابر بن عبد الله الأنصاري إليه (6) وهو صغير في الكتاب، فقال له: جدك ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسلم عليك. فقال: وعلى جدي السلام. فقيل ~~لجابر: كيف هذا؟ قال: (7) «كنت جالسا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~والحسين في حجره وهو يلاعبه، (8) فقال: يا جابر، يولد له ولد اسمه علي إذا ~~(9) كان يوم القيامة نادى مناد: ليقم سيد العابدين، فيقوم ولده، ثم يولد له ~~مولود اسمه محمد الباقر، يبقر (10) العلم بقرا، فإذا رأيته فأقرئه مني ~~السلام» (11) . # وروى عنه أبو حنيفة وغيره. PageV04P011 # وكان ابنه الصادق (1) عليه السلام أفضل أهل زمانه وأعبدهم. قال علماء ~~السيرة (2) إنه اشتغل بالعبادة عن طلب الرياسة. وقال عمر بن أبي المقدام: ~~كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد الصادق (3) علمت أنه من سلالة النبيين، وهو ~~الذي نشر فقه الإمامية، والمعارف الحقيقة، والعقائد اليقينية، وكان لا يخبر ~~بأمر إلا وقع، وبه سموه الصادق الأمين. # وكان عبد الله بن الحسن (4) جمع أكابر العلويين (5) للبيعة لولديه، فقال ~~الصادق (6) : هذا (7) الأمر لا يتم، فاغتاظ من ذلك، فقال: إنه لصاحب القباء ~~الأصفر، وأشار بذلك إلى المنصور، فلما سمع المنصور بذلك فرح لعلمه بوقوع ما ~~يخبر به (8) ، وعلم أن الأمر يصل إليه (9) ، ولما هرب كان يقول: أين قول ~~صادقهم؟ وبعد ذلك انتهى الأمر إليه. # وكان ابنه موسى الكاظم (10) يدعى بالعبد الصالح، وكان أعبد أهل زمانه ~~(11) ، يقوم الليل ويصوم النهار، وسمي الكاظم لأنه كان (12) إذ بلغه عن ~~PageV04P012 # أحد شيء بعث إليه بمال. ونقل فضله الموافق والمخالف. قال ابن ms0791 الجوزي من ~~الحنابلة: روى (1) عن شقيق البلخي قال: خرجت حاجا سنة تسع (2) وأربعين ~~ومائة، فنزلت القادسية فإذا شاب حسن الوجه شديد السمرة، عليه ثوب صوف مشتمل ~~بشملة، في رجليه نعلان، وقد جلس منفردا عن الناس، فقلت في نفسي: هذا الفتى ~~(3) من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس، والله لأمضين إليه أوبخه (4) ، ~~فدنوت منه (5) فلما رآني مقبلا (6) قال: يا شقيق، اجتنبوا كثيرا من الظن إن ~~بعض الظن إثم. فقلت في نفسي: هذا (7) عبد صالح قد نطق على ما في خاطري (8) ~~، لألحقنه ولأسألنه أن يحاللني (9) ، فغاب عن عيني (10) ، فلما نزلنا واقصة ~~إذا به يصلي (11) ، وأعضاؤه تضطرب، ودموعه تتحادر. فقلت: أمضي إليه وأعتذر، ~~فأوجز في صلاته، ثم قال: يا شقيق: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم ~~اهتدى} [سورة طه: 82] فقلت: هذا من الأبدال، قد تكلم على PageV04P013 # سري مرتين، فلما نزلنا [زبالة] (1) إذا به قائم على البئر وبيده ركوة ~~يريد أن يستقي ماء (2) فسقطت الركوة من يده (3) في البئر فرفع طرفه إلى ~~السماء وقال: # أنت ربي (4) إذا ظمئت إلى الماء وقوتي إذا أردت الطعاما. # يا سيدي مالي سواها. قال (5) شقيق: فوالله لقد رأيت البئر قد ارتفع ~~ماؤها، فأخذ الركوة (6) وملأها توضأ وصلى (7) أربع ركعات، ثم مال (8) إلى ~~كثيب رمل هناك، فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويشرب (9) . فقلت: أطعمني ~~من فضل ما رزقك الله أو ما أنعم الله عليك (10) . فقال: يا شقيق، لم تزل ~~نعم الله علينا ظاهرة وباطنة (11) فأحسن ظنك بربك، ثم ناولني الركوة فشربت ~~منها فإذا هو سويق وسكر، ما شربت والله ألذ منه ولا أطيب منه ريحا (12) ~~فشبعت ورويت. وأقمت (13) أياما لا أشتهي طعاما PageV04P014 # ولا شرابا، ثم لم أره حتى دخلت (1) مكة، فرأيته ليلة إلى جانب قبة ~~الميزاب (2) نصف الليل يصلي بخشوع وأنين وبكاء، فلم يزل كذلك حتى ذهب ~~الليل، فلما طلع الفجر جلس في مصلاه يسبح، ثم قام إلى صلاة الفجر، وطاف ~~بالبيت أسبوعا، وخرج (3) فتبعته، فإذا له حاشية وأموال وغلمان (4) ، وهو ~~على خلاف ما رأيته في ms0792 الطريق، ودار به الناس يسلمون عليه ويتبركون به، فقلت ~~لهم (5) : من هذا؟ قالوا: موسى (6) بن جعفر (7) ، فقلت: قد عجبت أن تكون ~~هذه العجائب إلا لمثل هذا السيد. هذا رواه الحنبلي. # وعلى يده تاب (8) بشر الحافي لأنه عليه السلام (9) اجتاز على داره ~~ببغداد، فسمع الملاهي وأصوات الغناء والقصب يخرج من تلك الدار، فخرجت جارية ~~وبيدها قمامة البقل (10) ، فرمت بها في الدرب، فقال لها (11) : يا جارية، ~~صاحب هذا الدار حر أم عبد؟ PageV04P015 # فقالت: بل حر، فقال: صدقت لو كان عبدا لخاف من مولاه. فلما دخلت الجارية ~~قال (1) مولاها وهو على مائدة السكر (2) : ما أبطأك علينا (3) ؟ قالت: ~~حدثني رجل بكذا وكذا، فخرج حافيا حتى لقي مولانا موسى بن جعفر فتاب على يده ~~(4) . ### | الجواب على قول الرافضي إن الإمامية أخذوا مذهبهم عن أهل البيت # والجواب عنه (5) من وجوه: أحدها: أن يقال: لا نسلم أن الإمامية أخذوا ~~مذهبهم عن (6) أهل البيت: لا الاثنا عشرية ولا غيرهم، بل هم مخالفون لعلي - ~~رضي الله عنه - وأئمة أهل البيت (7) في جميع أصولهم التي فارقوا فيها أهل ~~السنة والجماعة: توحيدهم وعدلهم وإمامتهم، فإن الثابت عن علي - رضي الله ~~عنه - (8) و [أئمة] أهل البيت (9) من إثبات الصفات لله، وإثبات القدر، ~~وإثبات خلافة الخلفاء الثلاثة، وإثبات فضيلة أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما ~~-، وغير ذلك من المسائل كله (10) يناقض PageV04P016 # مذهب (1) الرافضة. والنقل بذلك ثابت مستفيض في كتب أهل العلم، بحيث إن ~~معرفة المنقول في هذا الباب عن أئمة أهل البيت يوجب علما ضروريا بأن ~~الرافضة مخالفون لهم لا موافقون لهم (2) . # الثاني: أن يقال: قد علم أن الشيعة مختلفون اختلافا كثيرا في مسائل ~~الإمامة والصفات والقدر، وغير ذلك من مسائل أصول دينهم. فأي قول لهم هو ~~المأخوذ عن الأئمة المعصومين، حتى مسائل الإمامة، قد عرف اضطرابهم فيها. # وقد تقدم بعض اختلافهم في النص وفي المنتظر. فهم في الباقي المنتظر على ~~أقوال (3) : منهم من يقول ببقاء (4) جعفر بن محمد، ومنهم من يقول ببقاء ~~ابنه موسى بن جعفر (5) ، ومنهم من يقول ببقاء عبد الله ms0793 بن معاوية، ومنهم من ~~يقول ببقاء محمد بن عبد الله بن حسن، ومنهم من يقول ببقاء محمد ابن ~~الحنفية، وهؤلاء يقولون: نص (6) علي على الحسن والحسين (7) ، وهؤلاء ~~يقولون: على محمد ابن الحنفية (8) ، وهؤلاء يقولون: أوصى [علي بن الحسين] ~~إلى ابنه أبي جعفر، (وهؤلاء يقولون: إلى ابنه عبد الله) (9) ، وهؤلاء ~~PageV04P017 # يقولون: أوصى] (1) إلى محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين، وهؤلاء ~~يقولون: إن جعفرا أوصى إلى ابنه إسماعيل، وهؤلاء يقولون: إلى [ابنه] (2) ~~محمد بن إسماعيل، وهؤلاء يقولون: إلى ابنه محمد، وهؤلاء يقولون: إلى ابنه ~~عبد الله، وهؤلاء يقولون: إلى ابنه موسى، وهؤلاء يسوقون النص إلى محمد بن ~~الحسن، وهؤلاء يسوقون النص إلى بني [عبيد الله بن] (3) ميمون القداح الحاكم ~~وشيعته (4) ، وهؤلاء يسوقون النص من بني هاشم إلى بني العباس، ويمتنع أن ~~تكون هذه الأقوال المتناقضة مأخوذة عن معصوم، فبطل قولهم: أن أقوالهم ~~مأخوذة عن معصوم. # الوجه الثالث: أن يقال: هب أن عليا كان معصوما، فإذا كان الاختلاف بين ~~الشيعة هذا الاختلاف، وهم متنازعون هذا التنازع، فمن أين يعلم صحة بعض هذه ~~الأقوال عن علي دون الآخر، وكل منهم يدعي أن ما يقوله إنما أخذه عن ~~المعصومين، وليس للشيعة أسانيد متصلة برجال معروفين (5) مثل أسانيد أهل ~~السنة حتى ينظر في الإسناد (6) وعدالة الرجال. بل إنما هي منقولات منقطعة ~~عن طائفة عرف فيها كثرة الكذب وكثرة التناقض في النقل، فهل يثق عاقل بذلك؟ ~~PageV04P018 # وإن ادعوا تواتر نص هذا على هذا، [ونص هذا على هذا] (1) كان هذا معارضا ~~بدعوى غيرهم مثل هذا التواتر، فإن سائر القائلين بالنص إذا ادعوا مثل هذه ~~الدعوى لم يكن بين الدعويين (2) فرق. # فهذه الوجوه وغيرها تبين أن بتقدير (3) ثبوت عصمة علي - رضي الله عنه - ~~فمذهبهم (4) ليس مأخوذا عنه، فنفس دعواهم العصمة في علي مثل دعوى النصارى ~~الإلهية في المسيح. مع أن ما هم عليه ليس مأخوذا عن المسيح. # الوجه الرابع: أنهم في مذهبهم محتاجون إلى مقدمتين: إحداهما: عصمة من ~~يضيفون المذهب إليه (5) من الأئمة. والثانية ثبوت ذلك النقل ms0794 [عن الإمام] ~~(6) . وكلتا المقدمتين باطلة، فإن المسيح ليس بإله، بل هو رسول كريم، ~~وبتقدير أن يكون إلها أو رسولا كريما فقوله حق، لكن ما تقوله النصارى ليس ~~من قوله (7) ، ولهذا كان في علي - رضي الله عنه - (8) شبه من المسيح: قوم ~~غلوا فيه فوق قدره، وقوم نقصوه دون قدره فهم كاليهود (9) ، فهؤلاء يقولون ~~عن المسيح: إنه إله. وهؤلاء يقولون: كافر PageV04P019 # ولد بغية (1) . وكذلك علي: هؤلاء (2) يقولون: إنه (3) إله، وهؤلاء ~~يقولون: إنه كافر ظالم. # الوجه الخامس: أنه يقال: قد ثبت لعلي [بن أبي طالب - رضي الله عنه -] (4) ~~، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، وابنه محمد، وجعفر ابن محمد من المناقب ~~والفصائل ما لم يذكره هذا [المصنف] (5) الرافضي. وذكر أشياء من الكذب تدل ~~على جهل ناقلها، مثل قوله: نزل في حقهم: {هل أتى} ، فإن سورة: (6) {هل أتى} ~~مكية باتفاق العلماء، وعلي إنما تزوج فاطمة بالمدينة بعد الهجرة، ولم يدخل ~~بها إلا بعد غزوة بدر، وولد له الحسن في السنة الثالثة (7) من الهجرة، ~~والحسين في [السنة] (8) الرابعة من الهجرة بعد نزول: {هل أتى} بسنين كثيرة. # فقول القائل: إنها نزلت فيهم من الكذب الذي لا يخفى على من له علم بنزول ~~القرآن وعلم بأحوال (9) هؤلاء (10) السادة الأخيار. PageV04P020 # وأما آية الطهارة فليس فيها إخبار بطهارة أهل البيت وذهاب الرجس عنهم، ~~وإنما فيها الأمر لهم بما يوجب طهارتهم وذهاب الرجس عنهم. فإن قوله: {إنما ~~يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} [سورة الأحزاب: 33] ~~، كقوله تعالى: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم} [سورة ~~المائدة: 6] وقوله: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب ~~عليكم والله عليم حكيم - والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون ~~الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما - يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ~~ضعيفا} [سورة النساء، 26 - 28] . # فالإرادة هنا متضمنة للأمر والمحبة والرضا (1) ، وليست هي المشيئة ~~المستلزمة لوقوع المراد، فإنه لو كان كذلك لكان قد طهر (2) كل من أراد الله ~~طهارته. وهذا على قول هؤلاء القدرية الشيعة أوجه ms0795، فإن عندهم أن الله يريد ~~ما لا يكون، ويكون ما لا يريد. # فقوله: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} إذا ~~كان هذا بفعل المأمور وترك المحظور، كان (3) ذلك متعلقا بإرادتهم وأفعالهم، ~~فإن فعلوا ما أمروا به طهروا وإلا فلا. # وهم يقولون: إن الله لا يخلق أفعالهم، ولا يقدر على تطهيرهم (4) وإذهاب ~~الرجس عنهم (5) وأما المثبتون للقدر فيقولون: إن الله قادر على ذلك (6) ، ~~PageV04P021 # فإذا ألهمهم فعل ما أمر، وترك ما حظر حصلت (1) الطهارة وذهاب الرجس. # ومما يبين أن هذا مما أمروا به لا مما أخبروا بوقوعه (2) ، ما ثبت في ~~الصحيح «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدار الكساء على علي وفاطمة (3) ~~وحسن وحسين، ثم قال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم ~~تطهيرا» ". وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه عن عائشة، ورواه أهل السنن عن ~~أم سلمة (4) # وهو يدل على [ضد] (5) قول الرافضة من وجهين: أحدهما: أنه دعا لهم بذلك، ~~وهذا دليل على أن الآية لم تخبر بوقوع ذلك (6) ، فإنه لو كان قد (7) وقع ~~PageV04P022 # لكان يثني على الله بوقوعه ويشكره على ذلك، لا يقتصر على مجرد الدعاء به ~~(1) . # الثاني: أن هذا يدل على (2) أن الله قادر على إذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم، ~~وذلك يدل على (3) أنه خالق أفعال العباد. ومما يبين أن الآية متضمنة للأمر ~~والنهي قوله في سياق الكلام: {يانساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف ~~لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا - ومن يقنت منكن لله ورسوله ~~وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما - يانساء النبي لستن ~~كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن ~~قولا معروفا - وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة ~~وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ~~ويطهركم تطهيرا - واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله ~~كان لطيفا خبيرا} [سورة الأحزاب: 30 - 34] . # وهذا السياق يدل على أن ذلك (4) أمر ms0796 ونهي، ويدل على أن أزواج النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - من أهل بيته، فإن السياق إنما هو في مخاطبتهن (5) ، ويدل ~~على أن قوله: {ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} عم غير أزواجه، كعلي وفاطمة ~~وحسن وحسين - رضي الله عنهم -، لأنه (6) ذكره بصيغة PageV04P023 # التذكير لما اجتمع المذكر والمؤنث، وهؤلاء خصوا بكونهم من أهل البيت من ~~أزواجه (1) ، فلهذا خصهم بالدعاء لما أدخلهم في الكساء، كما أن مسجد قباء ~~أسس على التقوى، ومسجده [- صلى الله عليه وسلم - (2) ] أيضا أسس على التقوى ~~(3) وهو أكمل في ذلك، فلما نزل (4) قوله تعالى: {لمسجد أسس على التقوى من ~~أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} ~~[سورة التوبة: 108] بسبب مسجد قباء، تناول اللفظ لمسجد قباء ولمسجده [- صلى ~~الله عليه وسلم -] (5) بطريق الأولى (6) . # وقد تنازع العلماء: هل أزواجه (7) من آله؟ على قولين، هما روايتان عن ~~أحمد، أصحهما أنهن من آله وأهل بيته (8) ، كما دل على ذلك ما في الصحيحين ~~[من] قوله: " [اللهم] صل (9) على (10) محمد وعلى أزواجه وذريته (11) " وهذا ~~مبسوط في موضع آخر. PageV04P024 # وأما مواليهن فليسوا من أهل بيته (1) بلا نزاع، فلهذا كانت الصدقة تباح ~~لبريرة. وأما أبو رافع فكان من مواليهم، فلهذا نهاه عن الصدقة، لأن مولى ~~القوم منهم، وتحريم الصدقة عليهم هو من التطهير الذي أراده الله بهم، فإن ~~الصدقة (2) أوساخ الناس. # وكذلك قوله في إيجاب (3) المودة [لهم] (4) غلط. فقد ثبت في الصحيح عن ~~سعيد بن جبير (5) أن ابن عباس [رضي الله عنهما] (6) سئل عن قوله تعالى: {قل ~~لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} [سورة الشورى: 23] ، قال: فقلت: ~~إلا أن تودوا ذوي قربى محمد [- صلى الله عليه وسلم -] (7) . فقال ابن عباس: ~~عجلت، إنه (8) لم يكن بطن من (9) قريش إلا لرسول PageV04P025 # الله - صلى الله عليه وسلم - منهم (1) قرابة. فقال: قل لا أسألكم عليه ~~أجرا إلا أن تودوني في القرابة التي بيني وبينكم (2) . # فابن عباس كان من كبار أهل البيت وأعلمهم بتفسير القرآن، وهذا تفسيره ~~الثابت عنه. ويدل على ذلك أنه ms0797 لم يقل إلا المودة لذوي (3) القربى. ولكن ~~قال: إلا المودة في القربى (4) ألا ترى أنه لما أراد ذوي قرباه قال: ~~{واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى} [سورة ~~الأنفال: 41] ، ولا يقال: المودة في ذوي (5) القربى. وإنما يقال: المودة ~~لذوي (6) القربى. فكيف (* وقد قال: {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في ~~القربى} (7) ؟ ! . # ويبين ذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يسأل أجرا أصلا، إنما ~~أجره *) (8) على الله، وعلى المسلمين موالاة أهل البيت لكن بأدلة أخرى غير ~~PageV04P026 # هذه الآية، وليست موالاتنا لأهل البيت من أجر النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- في شيء. # وأيضا فإن هذه الآية مكية، ولم يكن علي بعد [قد] (1) تزوج بفاطمة ولا ولد ~~له (2) أولاد. # وأما آية الابتهال ففي الصحيح أنها لما نزلت أخذ النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - بيد علي وفاطمة وحسن وحسين ليباهل بهم (3) لكن خصهم بذلك؛ لأنهم ~~كانوا أقرب إليه من غيرهم، فإنه لم يكن ولد ذكر إذ ذاك يمشي معه. ولكن كان ~~يقول عن الحسن: " «إن ابني هذا سيد» (4) " فهما ابناه ونساؤه (5) [إذ] (6) ~~لم يكن قد (7) بقي له بنت إلا فاطمة - رضي الله عنها - (8) ، فإن المباهلة ~~كانت لما قدم وفد نجران، وهم نصارى، وذلك كان بعد فتح مكة، بل كان سنة تسع، ~~وفيها نزل صدر آل عمران، وفيها فرض PageV04P027 # الحج، وهي سنة الوفود. فإن مكة لما فتحت سنة ثمان قدمت وفود العرب من كل ~~ناحية، فهذه الآية تدل على كمال اتصالهم برسول الله - صلى الله عليه وسلم ~~-، كما دل على ذلك حديث الكساء، ولكن هذا لا يقتضي أن يكون الواحد منهم ~~أفضل من سائر المؤمنين ولا أعلم منهم، لأن الفضيلة بكمال الإيمان والتقوى ~~لا بقرب النسب. # كما قال تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [سورة الحجرات: 13] . وقد ~~ثبت أن الصديق كان أتقى الأمة بالكتاب والسنة، وتواتر عن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - أنه قال: " «لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر ~~خليلا» " (1) وهذا مبسوط في موضعه ms0798. # وأما ما نقله عن علي (2) أنه كان يصلي كل يوم وليلة ألف ركعة، فهذا يدل ~~على جهله بالفضيلة وجهله بالواقع. أما أولا فلأن (3) هذا ليس بفضيلة، فإنه ~~قد ثبت في الصحيح «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان لا يزيد في ~~الليل على ثلاث عشرة ركعة» (4) . وثبت عنه في الصحيح أنه قال PageV04P028 # [- صلى الله عليه وسلم -] (1) : " «أفضل القيام قيام داود، كان ينام نصف ~~الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه» " (2) . # وثبت عنه أنه «كان يقوم إذا سمع الصارخ» (3) . وثبت عنه أنه «بلغه أن ~~رجالا يقول أحدهم: " أما أنا فأصوم ولا أفطر. ويقول الآخر: وأما أنا فأقوم ~~ولا أنام. ويقول الآخر: أما أنا فلا آكل اللحم، ويقول الآخر: أما أنا فلا ~~أتزوج النساء. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لكني أصوم PageV04P029 # وأفطر، وأقوم وأنام، وآكل اللحم، أتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس ~~مني» " (1) . # وثبت عنه في الصحيح «أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص لما بلغه أنه ~~قال: لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت. [فقال رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم -] (2) : " لا تفعل، فإنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين، ونفهت له ~~النفس. إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولزورك عليك حقا، ولزوجك عليك ~~حقا، فآت كل ذي حق حقه» " (3) . # فالمداومة على قيام جميع الليل (4) ليس بمستحب، بل هو مكروه بسنة (5) ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - الثابتة عنه. وهكذا مداومة صيام النهار، فإن ~~أفضل الصيام [صيام داود - عليه السلام -] (6) : صيام يوم وفطر يوم. ~~PageV04P030 # وأيضا فالذي ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه «كان يصلي في اليوم ~~والليلة نحو أربعين ركعة» ، وعلي رضى الله عنه أعلم بسنته، وأتبع لهديه من ~~أن (1) يخالفه (2) هذه المخالفة لو كان ذلك ممكنا، فكيف وصلاة ألف ركعة في ~~اليوم والليلة، مع القيام بسائر الواجبات غير ممكن، فإنه لا بد له (3) من ~~أكل ونوم، وقضاء حق أهل (4) ، وقضاء حقوق الرعية، وغير ذلك من الأمور التي ~~تستوعب من (5) الزمان إما النصف أو أقل أو أكثر. والساعة ms0799 الواحدة لا تتسع ~~لثمانين (6) ركعة، وما يقارب ذلك، إلا أن يكون نقرا كنقر الغراب، وعلي أجل ~~من أن (7) يصلي صلاة المنافقين، كما ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - أنه قال: " «تلك صلاة، تلك صلاة، تلك صلاة المنافق (8) : يرقب ~~(9) الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها ~~إلا قليلا» " (10) . وقد PageV04P031 # نهى عن نقر كنقر الغراب (1) ، فنقل مثل هذا عن علي يدل على جهل ناقله (2) ~~، ثم إن (3) إحياء الليل بالتهجد وقراءة القرآن في ركعة هو ثابت عن عثمان - ~~رضي الله عنه -، فتهجده وتلاوته القرآن أظهر من غيره. # وأيضا فقوله: إن علي بن أبي طالب (4) كان أفضل الخلق بعد رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - دعوى مجردة، ينازعه فيها (5) جمهور المسلمين من الأولين ~~والآخرين. # وقوله: جعله الله نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (6) حيث قال: ~~{وأنفسنا وأنفسكم} [سورة آل عمران: 61] وواخاه (7) . # فيقال: أما حديث المؤاخاة فباطل موضوع (8) ، فإن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - لم يؤاخ أحدا، ولا آخى بين المهاجرين بعضهم مع (9) بعض، ولا بين ~~PageV04P032 # الأنصار بعضهم مع (1) بعض، ولكن آخى بين المهاجرين والأنصار، كما آخى بين ~~سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف، وآخى بين سلمان الفارسي وأبي الدرداء، ~~كما ثبت ذلك في الصحيح (2) وأما قوله: {وأنفسنا وأنفسكم} فهذا مثل قوله: ~~{لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا} [سورة النور: 12] ~~نزلت في قصة [عائشة - رضي الله عنها - في] (3) الإفك (4) فإن الواحد من ~~المؤمنين من أنفس (5) المؤمنين والمؤمنات. # وكذلك قوله تعالى: {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم} [سورة PageV04P033 # البقرة: 54] : أي يقتل بعضكم بعضا (1) . ومنه قوله تعالى: {وإذ أخذنا ~~ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم} [سورة البقرة: 84] ~~أي لا يخرج بعضكم بعضا (2) فالمراد بالأنفس الإخوان: إما في النسب وإما في ~~الدين (3) . # وقد «قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: " أنت مني وأنا منك» " (4) ~~PageV04P034 # وقال للأشعريين: " إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو نفدت نفقة عيالهم ~~(1) بالمدينة جمعوا ما كان معهم في ms0800 ثوب واحد ثم قسموه بينهم بالسوية، هم ~~مني وأنا منهم " وهذا في الصحيح (2) ، والأول أيضا في الصحيح. # وفي الصحيح [أيضا] (3) أنه «قال لجليبيب (4) : " هذا مني وأنا منه [هذا ~~مني وأنا منه] » (5) "، (6) وهذا مبسوط في موضعه. PageV04P035 # وأما تزويجه فاطمة ففضيلة لعلي، كما أن تزويجه عثمان بابنتيه (1) فضيلة ~~لعثمان أيضا، ولذلك سمي ذا النورين. وكذلك تزوجه بنت أبي بكر، وبنت عمر ~~فضيلة لهما. فالخلفاء الأربعة أصهاره - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله ~~عنهم. ### | [كلام الرافضي عن علي رضي الله عنه " وظهرت منه معجزات كثيرة " والرد عليه] # وأما قوله: " وظهرت منه معجزات كثيرة " فكأنه يسمي كرامات الأولياء ~~معجزات، وهذا اصطلاح لكثير (2) من الناس. فيقال: علي أفضل من كثير ممن له ~~كرامات (3) ، والكرامات متواترة عن كثير من عوام (4) أهل السنة الذين ~~يفضلون أبا بكر وعمر على علي (5) ، فكيف لا تكون الكرامات ثابتة لعلي - رضي ~~الله عنه -؟ وليس في مجرد الكرامات ما يدل على أنه أفضل من غيره. # وأما قوله: " حتى ادعى قوم فيه الربوبية وقتلهم ". PageV04P036 # فهذه مقالة جاهل في غاية الجهل لوجوه: أحدها: أن معجزات النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - أعظم بكثير، وما ادعى فيه أحد من أصحابه (1) الإلهية. # والثاني: أن معجزات الخليل وموسى أعظم بكثير (2) وما ادعى أحد فيهما (3) ~~الإلهية. # الثالث: أن معجزات نبينا و [معجزات] موسى (4) أعظم منه معجزات المسيح، ~~وما ادعيت فيهما الإلهية كما ادعيت (5) في المسيح. # الرابع: أن المسيح ادعيت فيه الإلهية أعظم مما ادعيت في محمد وإبراهيم ~~وموسى، ولم يدل ذلك لا على أنه أفضل منهم (6) ولا على أن معجزاته أبهر. # الخامس: أن دعوى الإلهية فيهما دعوى باطلة تقابلها (7) دعوى باطلة، وهي ~~دعوى اليهود في المسيح، و [دعوى] الخوارج (8) في علي، فإن الخوارج كفروا ~~عليا، فإن جاز أن يقال: إنما ادعيت فيه الإلهية لقوة الشبهة. جاز أن يقال: ~~إنما ادعي فيه الكفر لقوة الشبهة. وجاز أن يقال: صدرت منه ذنوب اقتضت أن ~~يكفره بها الخوارج. PageV04P037 # والخوارج أكثر وأعقل وأدين (1) من الذين ادعوا فيه الإلهية، فإن جاز ~~الاحتجاج بمثل هذا ms0801، وجعلت (2) هذه الدعوى منقبة، كان دعوى (3) المبغضين له ~~ودعوى الخوارج مثلبة أقوى وأقوى، وأين الخوارج من الرافضة الغالية؟ ! . # فالخوارج من أعظم الناس صلاة وصياما [وقراءة للقران] (4) ، ولهم جيوش ~~وعساكر، وهم متدينون بدين الإسلام باطنا وظاهرا. والغالية المدعون للإلهية ~~إما أن يكونوا من أجهل الناس وإما أن يكونوا من أكفر الناس (5) ، والغالية ~~كفار بإجماع العلماء، وأما الخوارج فلا يكفرهم إلا من يكفر الإمامية، فإنهم ~~خير من الإمامية، وعلي رضى الله عنه لم يكن يكفرهم، ولا أمر بقتل الواحد ~~المقدور عليه منهم، كما أمر بتحريق الغالية، بل لم يقاتلهم حتى قتلوا عبد ~~الله بن خباب (6) وأغاروا على سرح الناس. # فثبت بالإجماع من علي ومن سائر الصحابة والعلماء أن الخوارج خير من ~~الغالية، فإن جاز لشيعته (7) أن تجعل (8) دعوى الغالية الإلهية فيه حجة ~~PageV04P038 # على (* فضيلته (1) كان لشيعة عثمان أن يجعلوا (2) دعوى الخوارج لكفره حجة ~~*) (3) على نقيضه (4) بطريق الأولى، فعلم أن هذه الحجة إنما يحتج بها جاهل، ~~ثم إنها تعود عليه لا له. ولهذا كان الناس يعلمون أن الرافضة أجهل وأكذب من ~~الناصبة. # وأما قوله: " وكان ولداه سبطا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيدا ~~شباب أهل الجنة إمامين بنص النبي - صلى الله عليه وسلم - ". # فيقال: الذي ثبت بلا شك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح «أنه ~~قال عن الحسن: إن ابني هذا سيد، وإن الله سيصلح به بين فئتين عظيمتين من ~~المسلمين» " (5) ، وثبت عنه في الصحيح «أنه كان (6) يقعده وأسامة بن زيد ~~على فخذه ويقول: " اللهم إني أحبهما فأحبهما (7) وأحب من يحبهما» (8) . ~~PageV04P039 # وهذا يدل على أن ما فعله الحسن من ترك القتال على [الإمامة، وقصد الإصلاح ~~بين المسلمين (1) كان محبوبا يحبه الله ورسوله، ولم يكن ذلك مصيبة، بل كان] ~~(2) ذلك أحب إلى الله ورسوله من اقتتال المسلمين، ولهذا أحبه وأحب أسامة ~~[بن زيد] (3) ودعا لهما، فإن كلاهما كان (4) يكره القتال في الفتنة (5) ، ~~فأما أسامة فلم (6) يقاتل لا مع علي ولا مع معاوية، والحسن كان دائما يشير ~~على علي بترك القتال] (7) وهذا ms0802 نقيض ما عليه الرافضة من أن ذلك الصلح كان ~~مصيبة وكان ذلا، ولو كان هناك إمام معصوم يجب على كل أحد طاعته، ومن تولى ~~غيره كانت ولايته باطلة لا يجوز أن يجاهد معه ولا يصلى خلفه، لكان ذلك ~~الصلح من أعظم المصائب على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وفيه فساد ~~دينها، [فأي فضيلة كانت تكون للحسن بذلك (8) حتى يثنى عليه به؟ وإنما (9) ~~غايته أن يعذر لضعفه عن القتال الواجب (10) ] (11) والنبي - صلى الله عليه ~~وسلم - جعل الحسن في الصلح سيدا PageV04P040 # محمودا، ولم يجعله عاجزا معذورا، ولم يكن الحسن أعجز عن القتال من ~~الحسين، [بل كان أقدر على القتال من الحسين] (1) ، والحسين قاتل حتى قتل، ~~فإن كان ما فعله الحسين هو [الأفضل] (2) الواجب، كان ما فعله الحسن تركا ~~للواجب أو عجزا عنه، وإن كان ما فعله الحسن هو الأفضل الأصلح، دل على أن ~~ترك القتال هو الأفضل الأصلح، وأن الذي فعله الحسن أحب إلى الله ورسوله (3) ~~مما فعله غيره، والله يرفع درجات المؤمنين المتقين (4) بعضهم على بعض، ~~وكلهم في الجنة، - رضي الله عنهم -[أجمعين] (5) . # ثم إن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - جعلهما إمامين لم يكونا قد ~~استفادا الإمامة بنص علي، ولاستفادها الحسين بنص الحسن عليه. ولا ريب أن ~~الحسن والحسين ريحانتا النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا (6) . وقد ~~ثبت «أنه [صلى الله عليه وسلم] (7) أدخلهما مع أبويهما تحت الكساء، وقال: ~~اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» وأنه دعاهما في ~~المباهلة، وفضائلهما كثيرة وهما من أجلاء سادات المؤمنين وأما كونهما أزهد ~~الناس وأعلمهم في زمانهم فهذا قول بلا دليل. # وأما قوله: " وجاهدوا في الله حق جهاده حتى قتلا ". PageV04P041 # فهذا كذب عليهما، فإن الحسن تخلى عن الأمر وسلمه إلى معاوية ومعه جيوش ~~العراق (1) ، وما كان يختار قتال المسلمين قط، وهذا متواتر من سيرته (2) . # وأما موته، فقد قيل: (3) إنه مات مسموما، وهذا شهادة (4) [له] (5) وكرامة ~~في حقه، لكن لم يمت مقاتلا. # والحسين - رضي الله عنه - ما خرج يريد القتال ms0803 (6) ، ولكن ظن أن الناس ~~يطيعونه، فلما رأى انصرافهم عنه، طلب الرجوع إلى وطنه، أو الذهاب إلى ~~الثغر، أو إتيان يزيد، فلم يمكنه أولئك الظلمة لا من هذا ولا من هذا [ولا ~~من هذا] (7) وطلبوا أن يأخذوه أسيرا إلى يزيد، فامتنع من ذلك وقاتل حتى قتل ~~مظلوما شهيدا، لم يكن قصده ابتداء أن يقاتل. # وأما قوله عن الحسن: إنه لبس الصوف تحت ثيابه [الفاخرة] (8) . # فهذا من جنس قوله في علي: إنه كان يصلي ألف ركعة، فإن هذا لا فضيلة فيه، ~~وهو كذب. وذلك أن لبس الصوف تحت ثياب القطن وغيره لو كان فاضلا لكان النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - شرعه (9) [لأمته] (10) ، PageV04P042 # إما بقوله أو (1) بفعله، أو كان يفعله أصحابه على عهده (2) ، فلما لم ~~يفعله هو ولا أحد من أصحابه على عهده، ولا رغب فيه، دل على أنه لا فضيلة ~~فيه، ولكن «النبي - صلى الله عليه وسلم - لبس في السفر جبة من صوف فوق ~~ثيابه» (3) . وقصد لبس الصوف، دون القطن وغيره، ليس بمستحب في شريعتنا (4) ~~ولا هو من (5) هدي نبينا [صلى الله عليه وسلم] (6) . # وقد قيل (7) لمحمد بن سيرين: إن قوما يقصدون لبس الصوف ويقولون: إن ~~المسيح كان يلبسه. فقال: هدي نبينا أحب إلينا (8) من هدي غيره. # وقد تنازع العلماء (9) هل يكره لبس الصوف في الحضر من غير حاجة أم لا؟ ~~وأما لبسه في السفر فحسن، لأنه (10) مظنة الحاجة إليه. ثم بتقدير أن ~~PageV04P043 # يكون لبس الصوف طاعة وقربة، فإظهاره تواضعا أولى من إخفائه تحت الثياب، ~~فإنه ليس في ذلك إلا تعذيب النفس بلا فائدة. والله تعالى لم يأمر العباد ~~إلا بما هو [له] (1) أطوع ولهم أنفع، لم يأمرهم بتعذيب لا ينفعهم (2) ، بل ~~قال [النبي - صلى الله عليه وسلم -] (3) : " «إن الله لغني (4) عن تعذيب ~~هذا نفسه» " (5) . # وأما الحديث الذي رواه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ يوما الحسين ~~على فخذه الأيمن، وولده إبراهيم على فخذه الأيسر، فنزل جبريل وقال: إن الله ~~تعالى لم يكن ليجمع لك بينهما (6) فاختر من شئت منهما. فقال ms0804 النبي - صلى ~~الله عليه وسلم -: " إذا مات الحسين بكيت أنا وعلي وفاطمة، وإذا مات ~~إبراهيم بكيت أنا عليه " فاختار موت إبراهيم، فمات بعد ثلاثة أيام. وكان ~~إذا جاء الحسين بعد ذلك يقبله ويقول: [أهلا] ومرحبا (7) بمن فديته بابني ~~إبراهيم» ". ### | 2 - # PageV04P044 # فيقال: هذا الحديث لم يروه أحد من أهل العلم، ولا يعرف له إسناد، ولا ~~يعرف في شيء من كتب الحديث (1) . وهذا الناقل لم يذكر له إسنادا (2) ولا ~~عزاه إلى كتاب حديث (3) ، ولكن ذكره على عادته في (4) روايته أحاديث مسيبة ~~(5) بلا زمام ولا خطام. # ومن المعلوم أن المنقولات (6) لا يميز بين صدقها وكذبها إلا بالطرق ~~الدالة على ذلك، وإلا فدعوى النقل المجرد بمنزلة سائر الدعاوى. # ثم يقال: هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث (7) ، وهو من ~~أحاديث الجهال، فإن الله تعالى ليس في جمعه بين إبراهيم والحسين أعظم مما ~~في جمعه بين الحسن والحسين على مقتضى هذا الحديث، فإن موت الحسن أو الحسين ~~إذا كان أعظم من موت إبراهيم، فبقاء الحسن أعظم من بقاء إبراهيم، وقد بقي ~~الحسن مع الحسين. PageV04P045 # وأيضا فحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظم من حق غيره، وعلي يعلم ~~أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى به من نفسه، وهو يحب النبي [صلى ~~الله عليه وسلم] (1) أكثر مما يحب نفسه، فيكون لو مات إبراهيم لكان بكاؤه ~~لأجل النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر من بكائه لأجل ابنه، إلا أن يقال: ~~محبة الابن طبيعية لا يمكن دفعها. فيقال: هذا موجود في حب النبي - صلى الله ~~عليه وسلم -، وهو الذي «يقول لما مات إبراهيم: " تدمع العين، ويحزن القلب، ~~ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون» " (2) وهكذا ثبت ~~(3) في الحديث الصحيح، فكيف يكون قد اختار موته وجعله فداء لغيره؟ . ~~PageV04P046 # ثم هل يسوغ مثل هذا أن يجعل شخص معصوم [الدم] (1) فداء شخص معصوم [الدم] ~~(2) ؟ بل إن كان هذا جائزا كان الأمر بالعكس [أولى] (3) ، فإن الرجل لو لم ~~يكن عنده إلا ما ينفق على ابنه أو ms0805 ابن بنته، لوجب تقديم النفقة على الابن ~~باتفاق المسلمين، ولو لم يمكنه (4) دفع الموت أو الضرر (5) إلا عن ابنه أو ~~ابن بنته، لكان دفعه عن ابنه هو المشروع، لا سيما وهم يجعلون العمدة في ~~الكرامة هو القرابة من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويجعلون من أكبر ~~فصائل علي قرابته من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك الحسن والحسين. # ومعلوم أن الابن أقرب من الجميع، فكيف يكون الأبعد مقدما على الأقرب، ولا ~~مزية إلا القرابة؟ . # وقد قال أنس بن مالك: " لو قضي أن يكون بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبي ~~لعاش إبراهيم ". وغير أنس نازعه في هذا الكلام، وقال: لا يجب إذا شاء الله ~~نبيا أن يكون ابنه نبيا. # ثم لماذا كان إبراهيم فداء الحسين ولم يكن فداء الحسن؟ والأحاديث الصحيحة ~~تدل على أن الحسن كان أفضلهما، وهو كذلك باتفاق أهل السنة والشيعة. وقد ثبت ~~في الصحيح أنه «كان يقول عن الحسن: " اللهم PageV04P047 # إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه» " (1) . فلم لا كان إبراهيم فداء هذا الذي ~~دعا. بمحبة الله لمن يحبه (2) . ### | كلام الرافضي عن زين العابدين ومحمد الباقر والرد عليه # [ (فصل) ] (3) . # وأما علي بن الحسين (4) فمن كبار التابعين وساداتهم علما ودينا، أخذ عن ~~أبيه، وابن عباس، والمسور بن مخرمة، وأبي رافع مولى النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -، وعائشة وأم سلمة وصفية أمهات المؤمنين، وعن مروان بن الحكم وسعيد ~~بن المسيب، وعبد الله بن عثمان بن عفان PageV04P048 # وذكوان مولى عائشة وغيرهم [- رضي الله عنهم -] (1) . وروى عنه أبو سلمة ~~بن عبد الرحمن، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والزهري، وأبو الزناد، وزيد بن ~~أسلم وابنه أبو جعفر (2) . # قال يحيى بن سعيد: " هو أفضل هاشمي رأيته في المدينة ". وقال محمد بن سعد ~~في " الطبقات " (3) كان ثقة مأمونا كثير الحديث عاليا رفيعا ". وروى عن ~~حماد بن زيد [عن يحيى بن سعيد الأنصاري] (4) قال: " سمعت علي بن الحسين، ~~وكان أفضل هاشمي أدركته يقول: يا أيها الناس أحبونا حب الإسلام، فما برح ~~بنا حبكم حتى صار عارا علينا ms0806 ". وعن شيبة بن نعامة قال: " كان علي بن ~~الحسين يبخل، فلما مات وجدوه يقوت مائة أهل بيت بالمدينة في السر ". وله من ~~الخشوع [وصدقة السر وغير ذلك من] (5) الفصائل (6) ما هو معروف، حتى إنه كان ~~من صلاحه ودينه يتخطى مجالس أكابر الناس، ويجالس زيد بن أسلم مولى عمر [بن ~~الخطاب] (7) ، وكان من خيار أهل العلم والدين من التابعين، فيقال له: " تدع ~~مجالس قومك وتجالس هذا؟ " فيقول: " إنما يجلس الرجل حيث يجد صلاح قلبه ". ~~PageV04P049 # وأما ما ذكره من قيام ألف ركعة، فقد تقدم أن هذا لا يمكن إلا على وجه ~~يكره (1) في الشريعة، أو لا يمكن بحال، فلا يصلح ذكر مثل (2) هذا في ~~المناقب. وكذلك ما ذكر من تسمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[له] (3) ~~سيد العابدين (4) هو شيء لا أصل له، ولم يروه أحد من أهل العلم [والدين] ~~(5) . # وكذلك أبو جعفر محمد بن علي من خيار أهل العلم والدين. وقيل: إنما سمي ~~الباقر لأنه بقر العلم، لا لأجل بقر السجود جبهته. وأما كونه PageV04P050 # أعلم أهل زمانه فهذا يحتاج إلى دليل، والزهري من أقرانه، وهو عند الناس ~~أعلم منه، ونقل تسميته بالباقر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا أصل له ~~عند أهل العلم، بل هو من الأحاديث الموضوعة (1) . وكذلك حديث تبليغ جابر له ~~السلام هو من الموضوعات عند أهل العلم بالحديث، لكن هو روى عن جابر [بن عبد ~~الله] (2) غير حديث، مثل حديث الغسل والحج وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة ~~عنه (3) ودخل على جابر مع أبيه علي بن الحسين بعد ما أضر (4) جابر، وكان ~~جابر من المبين لهم - رضي الله عنهم -، وأخذ العلم عن جابر وأنس [بن مالك] ~~(5) ، وروى [أيضا] (6) عن ابن عباس وأبي سعيد وأبي هريرة وغيرهم من ~~الصحابة، وعن سعيد بن المسيب، ومحمد ابن الحنفية، وعبيد الله بن أبي رافع ~~كاتب علي (7) ، وروى عنه أبو إسحاق الهداني، وعمرو بن دينار، PageV04P051 # والزهري، وعطاء بن أبي رباح، وربيعة بن أبي عبد الرحمن (1) والأعرج وهو ~~أسن منه، وابنه جعفر، وابن ms0807 جريج، ويحيى بن أبي كثير (2) الأوزاعي وغيرهم. # وجعفر الصادق - رضي الله عنه - من خيار أهل العلم والدين، أخذ العلم عن ~~جده أبي أمه (3) أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعن محمد ~~بن المنكدر ونافع [مولى ابن عمر] (4) والزهري وعطاء [بن أبي رباح] (5) ~~وغيرهم. وروى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، ومالك [بن أنس] (6) وسفيان ~~الثوري، وسفيان بن عيينة، وابن جريج، وشعبة، ويحيى بن سعيد القطان، وحاتم ~~بن إسماعيل (7) وحفص بن غياث، ومحمد بن إسحاق [بن يسار] (8) . # وقال عمرو بن أبي المقدام: " كنت إذا نظرت PageV04P052 # إلى جعفر [بن محمد] (1) علمت أنه من سلالة النبيين " (2) . # وأما قوله: " اشتغل بالعبادة عن الرياسة ". # فهذا تناقض من الإمامية، لأن الإمامة (3) عندهم واجب عليه (4) أن يقوم ~~بها وبأعبائها، فإنه لا إمام في وقته إلا هو، فالقيام بهذا الأمر العظيم ~~(5) لو كان واجبا [لكان] (6) أولى من الاشتعال بنوافل العبادات. # وأما قوله: إنه (7) : " هو الذي نشر فقه الإمامية، والمعارف الحقيقية، ~~والعقائد اليقينية ". # فهذا الكلام يستلزم أحد أمرين: إما أنه ابتدع في العلم ما لم يكن يعلمه ~~من قبله. وإما أن يكون الذين قبله قصروا (8) فيما يجب [عليهم] (9) من نشر ~~العلم. وهل يشك عاقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين لأمته ~~PageV04P053 # المعارف الحقيقية والعقائد اليقينية أكمل بيان؟ وأن أصحابه تلقوا ذلك عنه ~~(1) وبلغوه إلى المسلمين؟ . # وهذا يقتضي القدح: إما فيه، وإما فيهم. بل كذب (2) على جعفر الصادق أكثر ~~مما كذب على من قبله، فالآفة وقعت من (3) الكذابين عليه لا منه. ولهذا نسب ~~إليه أنواع (4) من الأكاذيب، مثل كتاب " البطاقة " و " الجفر " و " الهفت " ~~والكلام في (5) النجوم، وفي تقدمة (6) المعرفة من جهة الرعود والبروق ~~واختلاج الأعضاء وغير ذلك (7) . حتى نقل عنه أبو عبد الرحمن في " حقائق ~~التفسير " (8) من الأكاذيب ما نزه الله جعفرا عنه، وحتى إن كل (9) من أراد ~~أن ينفق أكاذيبه (10) نسبها إلى جعفر، حتى إن طائفة من الناس يظنون أن " ~~رسائل إخوان الصفا " مأخوذة عنه، وهذا من الكذب المعلوم، فإن جعفرا توفي ~~سنة ثمان ms0808 وأربعين ومائة، وهذه الرسائل وضعت (11) بعد ذلك بنحو مائتي سنة: ~~وضعت (12) لما ظهرت دولة PageV04P054 # الإسماعيلية الباطنية الذين بنوا القاهرة المعزية سنة بضع وخمسين ~~وثلاثمائة، وفي تلك الأوقات صنفت هذه الرسائل بسبب ظهور هذا المذهب، الذي ~~ظاهره الرفض، وباطنه الكفر المحض، فأظهروا اتباع الشريعة، وأن لها باطنا ~~مخالفا لظاهرها، وباطن أمرهم مذهب الفلاسفة، وعلى هذا [الأمر] (1) وضعت هذه ~~الرسائل، وضعها (2) طائفة من المتفلسفة معروفون، وقد ذكروا في أثنائها ما ~~استولى عليه النصارى من أرض الشام، وكان أول (3) ذلك بعد ثلاثمائة سنة من ~~الهجرة النبوية في أوائل المائة الرابعة (4) . ### | كلام الرافضي عن موسى بن جعفر والرد عليه # (فصل) . # وأما من بعد جعفر فموسى بن جعفر. قال فيه أبو حاتم الرازي (5) : " ثقة ~~(6) صدوق إمام (7) من أئمة المسلمين ". قلت: موسى ولد بالمدينة سنة ~~PageV04P055 # بضع وعشرين ومائة، وأقدمه المهدي إلى بغداد ثم رده إلى المدينة، وأقام ~~بها إلى أيام الرشيد، فقدم هارون منصرفا من عمرة، فحمل موسى معه إلى بغداد، ~~وحبسه بها إلى أن توفي في محبسه (1) . قال ابن سعد: " فتوفي (2) سنة ثلاث ~~وثمانين ومائة وليس له كثير رواية، روى عن أبيه جعفر، وروى عنه أخوه علي، ~~وروى له الترمذي، وابن ماجه " (3) . # وأما من بعد موسى (4) فلم يؤخذ عنهم من العلم ما يذكر به أخبارهم في كتب ~~المشهورين بالعلم (5) وتواريخهم، فإن أولئك الثلاثة توجد أحاديثهم في ~~الصحاح والسنن والمسانيد (6) وتوجد فتاويهم في الكتب المصنفة في فتاوى ~~السلف، مثل كتب ابن المبارك، وسعيد بن منصور، وعبد الرزاق، وأبي بكر بن أبي ~~شيبة وغير هؤلاء. وأما من بعدهم فليس لهم (7) رواية في الكتب الأمهات من ~~كتب (8) الحديث، ولا فتاوى في الكتب المعروفة التي نقل فيها فتاوى السلف، ~~ولا لهم في التفسير وغيره أقوال PageV04P056 # معروفة، (1) ولكن لهم من الفضائل والمحاسن ما هم له أهل، - رضي الله عنهم ~~-[أجمعين] (2) ، وموسى بن جعفر مشهور بالعبادة والنسك. # وأما الحكاية المذكورة (3) عن شقيق البلخي فكذب، فإن هذه الحكاية تخالف ~~المعروف من حال موسى بن جعفر، وموسى كان مقيما بالمدينة بعد موت أبيه ms0809 جعفر، ~~وجعفر مات سنة ثمان وأربعين، ولم يكن قد جاء إذ ذاك إلى العراق حتى يكون ~~بالقادسية، ولم يكن أيضا ممن يترك (4) منفردا على هذه الحال (5) لشهرته، ~~وكثرة غاشيته (6) وإجلال الناس له، وهو معروف ومنهم (7) أيضا بالملك، ولذلك ~~(8) أخذه المهدي ثم الرشيد إلى بغداد. # أما قوله: " تاب على يده بشر الحافي " فمن أكاذيب من لا يعرف حاله ولا ~~حال بشر، فإن موسى بن جعفر لما قدم [به] (9) الرشيد إلى العراق حبسه، فلم ~~يكن ممن يجتاز على دار بشر وأمثاله من العامة. PageV04P057 ### | [كلام الرافضي على علي بن موسى الرضا والرد عليه] # (فصل) (1) . # قال الرافضي: (2) " وكان ولده علي الرضا (3) أزهد أهل زمانه و [كان] ~~أعلمهم (4) وأخذ عنه فقهاء الجمهور كثيرا (5) ، وولاه المأمون لعلمه بما هو ~~عليه من الكمال والفضل (6) . ووعظ يوما أخاه زيدا (7) ، فقال: يا زيد (8) ، ~~ما أنت قائل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سفكت الدماء، وأخذت ~~الأموال من غير حلها، وأخفت السبل (9) ، وغرك حمقى (10) أهل الكوفة؟ وقد ~~قال (11) رسول الله PageV04P058 # صلى الله عليه وسلم -: «إن فاطمة أحصنت (* فرجها، فحرم الله ذريتها على ~~النار *) » (1) . (2) [وفي رواية: «إن عليا قال: يا رسول الله، لم سميت ~~فاطمة؟ قال: لأن الله فطمها وذريتها من النار» ، فلا يكون الإحصان سببا ~~لتحريم ذريتها على النار وأنت تظلم.] (3) والله ما نالوا ذلك إلا بطاعة ~~الله (4) ، فإن أردت أن تنال بمعصية الله ما نالوه بطاعته، إنك (5) إذا ~~لأكرم على الله منهم. # وضرب المأمون اسمه على الدراهم والدنانير، وكتب إلى أهل الآفاق (6) ~~ببيعته (7) وطرح السواد ولبس الخضرة ". # قال: (8) " وقيل لأبي نواس: لم لا تمدح الرضا (9) ؟ فقال: # قيل لي أنت أفضل الناس طرا ... في المعاني وفي الكلام البديه # [لك من جوهر الكلام بديع # يثمر الدر في يدي مجتنيه (10) ] # فلماذا تركت مدح ابن موسى ... والخصال التي تجمعن فيه # قلت: لا أستطيع مدح إمام ... كان جبريل خادما لأبيه # " (11) . PageV04P059 # فيقال: من المصائب التي ابتلي بها ولد الحسين انتساب الرافضة إليهم، ~~وتعظيمهم [ومدحهم] (1) لهم، فإنهم يمدحونهم بما ليس بمدح، ويدعون لهم دعاوى ~~لا ms0810 حجة لها، ويذكرون من الكلام ما لو لم يعرف فضلهم من غير كلام الرافضة ~~(2) ، لكان ما تذكره الرافضة بالقدح أشبه منه بالمدح، فإن علي بن موسى له ~~من المحاسن والمكارم المعروفة، والممادح المناسبة لحاله (3) اللائقة به، ما ~~يعرفه بها أهل المعرفة. وأما (4) هذا الرافضي فلم يذكر له فضيلة واحدة ~~بحجة. # وأما قوله: " إنه (5) كان أزهد الناس وأعلمهم " فدعوى مجردة بلا دليل، ~~فكل من غلا في شخص أمكنه أن يدعي له هذه الدعوى، كيف والناس يعلمون أنه كان ~~في زمانه من هو أعلم منه، ومن هو أزهد منه (6) ، كالشافعي وإسحاق بن راهويه ~~(7) وأحمد بن حنبل، وأشهب بن عبد العزيز، وأبي سليمان الداراني، ومعروف ~~الكرخي، وأمثال هؤلاء. هذا ولم يأخذ عنه أحد من أهل العلم بالحديث شيئا، ~~ولا روي له حديث في الكتب الستة (8) ، وإنما يروي له: أبو الصلت الهروي ~~وأمثاله نسخا عن آبائه فيها من الأكاذيب PageV04P060 # ما قد (1) نزه الله عنه الصادقين من غير أهل البيت فكيف بالصادقين (2) ~~منهم (3) ؟ ! . # وأما قوله: " إنه أخذ عنه فقهاء الجمهور كثيرا (4) " فهذا من أظهر الكذب. ~~هؤلاء فقهاء الجمهور المشهورون لم يأخذوا عنه ما هو معروف، وإن أخذ عنه بعض ~~من لا يعرف من فقهاء الجمهور فهذا لا ينكر، فإن طلبة الفقهاء قد يأخذون عن ~~المتوسطين في العلم، ومن هم دون المتوسطين. # [وما يذكره بعض الناس من أن معروفا الكرخي كان خادما له، وأنه ~~PageV04P061 # أسلم على يديه، أو أن الخرقة متصلة منه إليه، فكله كذب باتفاق من يعرف ~~هذا الشأن] (1) . # والحديث الذي ذكره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن فاطمة هو كذب ~~باتفاق أهل المعرفة بالحديث (2) ، ويظهر كذبه لغير أهل الحديث [أيضا] (3) ، ~~فإن قوله: " «إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها (4) على النار» " ~~يقتضي أن إحصان فرجها هو السبب لتحريم ذريتها [على النار] (5) وهذا (6) ~~باطل قطعا، فإن سارة أحصنت فرجها، ولم يحرم الله جميع (7) ذريتها على ~~النار. # قال تعالى: {وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين - وباركنا عليه وعلى إسحاق ~~ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين} [سورة ms0811 الصافات: 122، 113] . ~~PageV04P062 # وقال تعالى: {ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة ~~والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون} [سورة الحديد: 26] . # ومن المعلوم (1) أن بني إسرائيل من ذرية سارة (2) والكفار فيهم لا يحصيهم ~~إلا الله. وأيضا فصفية عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحصنت فرجها ~~ومن ذريتها (3) محسن وظالم. # وفي الجملة فاللواتي (4) أحصن فروجهن لا يحصي عددهن إلا الله عز وجل، ومن ~~ذريتهن البر والفاجر، والمؤمن والكافر. # وأيضا ففضيلة فاطمة ومزيتها ليست بمجرد إحصان فرجها (5) ، فإن هذا يشارك ~~فيه فاطمة جمهور (6) نساء المؤمنين. وفاطمة لم تكن سيدة نساء العالمين بهذا ~~الوصف، بل بما هو أخص منه، بل هذا من جنس حجج الرافضة، فإنهم لجهلهم لا ~~يحسنون أن يحتجوا (7) ، ولا يحسنون أن يكذبوا (8) كذبا ينفق (9) . # وأيضا فليست ذرية فاطمة كلهم محرمين على النار، بل فيهم البر PageV04P063 # والفاجر. والرافضة تشهد على كثير منهم بالكفر والفسوق (1) وهم أهل السنة ~~منهم المتولون (2) لأبي بكر وعمر، كزيد بن علي بن الحسين وأمثاله من ذرية ~~فاطمة [- رضي الله عنها -] (3) ، فإن الرافضة رفضوا زيد بن علي بن الحسين ~~ومن والاه، وشهدوا عليهم (4) بالكفر والفسق، بل الرافضة أشد الناس عداوة ~~إما بالجهل وإما بالعناد لأولاد فاطمة - رضي الله عنها -. # ثم موعظة علي بن موسى لأخيه المذكور تدل على أن ذرية فاطمة فيهم مطيع ~~وعاص (5) وأنهم إنما بلغوا كرامة الله بطاعته، وهذا قدر مشترك بين جميع ~~الخلق، فمن أطاع الله أكرمه الله، ومن عصى الله كان مستحقا لإهانة الله، ~~وهذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنة. # وأما ما ذكره من تولية المأمون له الخلافة، فهذا صحيح. لكن [ذلك] لم يتم، ~~[بل] استمر ذلك إلى أن مات (6) علي بن موسى، ولم يجعله ولي عهده (7) . وهم ~~يزعمون أنه قتله بالسم، فإن كان فعل المأمون الأول PageV04P064 # حجة، كان فعله الثاني حجة، وإن لم يكن حجة لم يصلح أن يذكر مثل هذا في ~~مناقب علي بن موسى الرضا، ولكن القوم جهال بحقيقة المناقب والمثالب، والطرق ~~التي يعلم بها ذلك (1) . # ولهذا يستشهدون بأبيات أبي نواس ms0812، وهي لو كانت صدقا لم تصلح أن تثبت فصائل ~~شخص بشهادة شاعر معروف بالكذب والفجور الزائد الذي لا يخفى على من له أدنى ~~خبرة بأيام الناس، فكيف والكلام الذي ذكره فاسد؟ ! فإنه قال: - قلت لا ~~أستطيع مدح إمام كان جبريل خادما لأبيه # ومن المعلوم أن هذا وصف مشترك بين (* جميع من كان من ذرية الرسل، وجميع ~~ذرية علي يشاركونه في هذا، فأي مزية (2) له في هذا حتى يكون بها إماما دون ~~أمثاله المشاركين له في هذا الوصف؟ ! ثم هذا يقتضي أنه لا يمدح أحدا *) (3) ~~من ذرية علي أصلا، لأن هذا الوصف مشترك [بينهم، ثم كون الرجل (4) من ذرية ~~الأنبياء قدر مشترك] (5) بين الناس [فإن الناس] (6) PageV04P065 # كلهم من ذرية نوح [عليه السلام] (1) ، ومن ذرية آدم، وبنو إسرائيل: ~~يهوديهم وغير يهوديهم من ذرية إبراهيم وإسحاق ويعقوب. # وأيضا فتسمية جبريل رسول الله [إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -] (2) ~~خادما له (3) عبارة من لا يعرف قدر الملائكة، وقدر إرسال الله لهم إلى ~~الأنبياء. ولكن الرافضة غالب حججهم أشعار تليق بجهلهم وظلمهم، وحكايات ~~مكذوبة تليق بجهلهم وكذبهم، وما يثبت أصول (4) الدين بمثل هذه (5) الأشعار، ~~إلا من ليس معدودا من أولي (6) الأبصار. ### | [كلام الرافضي على محمد بن علي الجواد والرد عليه] # (فصل) (7) . # قال الرافضي (8) : " وكان ولده (9) محمد بن علي الجواد (10) على منهاج ~~أبيه في العلم والتقى والجود (11) ، ولما مات أبوه الرضا شغف بحبه المأمون ~~(12) ، لكثرة علمه ودينه ووفور عقله مع صغر سنه، وأراد PageV04P066 # أن يزوجه ابنته أم الفضل، وكان قد زوج أباه الرضا [عليه السلام] (1) ~~بابنته أم حبيب (2) ، فغلظ ذلك على العباسيين واستنكروه (3) وخافوا أن يخرج ~~الأمر منهم (4) ، وأن يبايعه كما بايع أباه، فاجتمع الأدنون منهم (5) ~~وسألوه ترك ذلك، وقالوا: إنه صغير السن (6) لا علم عنده، فقال: أنا أعرف ~~[منكم] به (7) ، فإن شئتم فامتحنوه، فرضوا بذلك، وجعلوا للقاضي يحيى بن ~~أكثم مالا كثيرا على امتحانه (8) في مسألة يعجزه فيها، فتواعدوا إلى يوم، ~~وأحضره (9) المأمون، وحضر القاضي وجماعة العباسيين، فقال القاضي: أسألك عن ~~شيء؟ فقال له عليه ms0813 السلام (10) : سل (11) . PageV04P067 # فقال: ما تقول في محرم قتل صيدا؟ فقال له عليه السلام (1) قتله في حل أو ~~حرم، عالما كان أو جاهلا (2) ، مبتدئا بقتله أو عائدا، من صغار الصيد كان ~~أم من كبارها (3) ، عبدا كان المحرم أو حرا، صغيرا كان أو كبيرا، من ذوات ~~الطير كان الصيد أم من غيرها؟ فتحير يحيى بن أكثم، وبان العجز في وجهه، حتى ~~عرف جماعة أهل المجلس أمره، فقال (4) المأمون لأهل بيته: عرفتم الآن ما ~~كنتم تنكرونه، ثم أقبل الإمام فقال (5) : أتخطب؟ قال: نعم. فقال: اخطب ~~لنفسك خطبة النكاح، فخطب وعقد على خمسمائة درهم جيادا (6) كمهر [جدته] ~~فاطمة (7) عليها السلام، ثم تزوج بها ". # والجواب أن يقال: إن (8) محمد بن علي الجواد كان من أعيان بني هاشم، وهو ~~معروف بالسخاء والسؤدد. ولهذا سمي الجواد، ومات وهو شاب ابن خمس وعشرين ~~سنة. ولد سنة خمس وتسعين ومات سنة عشرين أو سنة PageV04P068 # تسع عشرة، وكان المأمون زوجه بابنته، وكان يرسل إليه في السنة ألف ألف ~~درهم، واستقدمه المعتصم (1) إلى بغداد، ومات بها (2) . # وأما ما ذكره فإنه من نمط ما قبله، فإن الرافضة ليس لهم عقل صريح ولا نقل ~~صحيح، ولا يقيمون حقا، ولا يهدمون باطلا، لا بحجة وبيان (3) ، ولا بيد ~~وسنان (4) ، فإنه ليس فيما ذكره (5) ما يثبت فضيلة (6) محمد بن علي، فضلا ~~عن ثبوت إمامته، فإن هذه الحكاية التي حكاها عن يحيى بن أكثم (7) من ~~الأكاذيب التي لا يفرح بها إلا الجهال (8) ، ويحيى بن أكثم كان (9) أفقه ~~[وأعلم] (10) وأفضل من أن يطلب تعجيز شخص بأن يسأله عن محرم قتل صيدا، فإن ~~صغار (11) الفقهاء يعلمون حكم هذه المسألة، فليست من دقائق العلم ولا ~~غرائبه، ولا مما يختص به المبرزون في العلم. # ثم مجرد ما ذكره ليس فيه إلا تقسيم أحوال القاتل، ليس فيه بيان حكم هذه ~~الأقسام، [ومجرد التقسيم لا يقتضي العلم بأحكام الأقسام] (12) وإنما ~~PageV04P069 # يدل - إن دل - على حسن السؤال، وليس كل من سئل أحسن أن يجيب. ثم إن كان ~~ذكر الأقسام الممكنة واجبا، فلم يستوف الأقسام ms0814، وإن لم يكن واجبا فلا حاجة ~~إلى ذكر بعضها، فإنه (1) من جملة الأقسام أن يقال: متعمدا كان أو مخطئا؟ . # وهذا التقسيم أحق بالذكر من قوله: " عالما كان أو جاهلا " فإن الفرق بين ~~المتعمد والمخطئ ثابت في الإثم (2) باتفاق الناس، وفي لزوم الجزاء في الخطأ ~~نزاع مشهور، فقد ذهب طائفة من السلف والخلف إلى أن المخطئ لا جزاء عليه، ~~وهي (3) إحدى الروايتين عن أحمد. # قالوا لأن الله تعالى قال: {ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من ~~النعم} الآية [سورة المائدة: 95] ، فخص المتعمد بإيجاب (4) الجزاء، وهذا ~~يقتضي أن المخطئ لا جزاء عليه، لأن الأصل براءة ذمته، والنص إنما أوجب (5) ~~على المتعمد، فبقي المخطئ على الأصل، ولأن تخصيص الحكم بالمتعمد يقتضي ~~انتقاءه عن المخطئ فإن هذا مفهوم صفة في سياق الشرط، وقد ذكر الخاص بعد ~~العام، فإنه إذا كان الحكم يعم النوعين كان قوله: {ومن قتله منكم} يبين (6) ~~الحكم مع الإيجاز، فإذا PageV04P070 # قال: {ومن قتله منكم متعمدا} فزاد اللفظ ونقص المعنى كان هذا مما يصان ~~عنه كلام أدنى الناس حكمة، فكيف بكلام الله الذي هو خير الكلام وأفضله، ~~وفضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه؟ ! . # والجمهور القائلون بوجوب الجزاء على المخطئ يثبتون ذلك بعموم السنة ~~والآثار، وبالقياس على قتل الخطأ في الآدمي، ويقولون: إنما خص الله المتعمد ~~(1) بالذكر، لأنه ذكر من الأحكام ما يختص به المتعمد (2) وهو الوعيد بقوله ~~(3) : {ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه} ، [سورة ~~المائدة: 95] ، فلما ذكر الجزاء والانتقام، كان المجموع مختصا بالمتعمد، ~~وإذا كان المجموع مختصا بالمتعمد (4) ، لم يلزم ألا يثبت (5) بعضه مع عدم ~~العمد (6) . # مثل هذا قوله: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ~~إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} [سورة النساء: 101] فإنه أراد بالقصر قصر ~~العدد وقصر الأركان، وهذا القصر الجامع للنوعين متعلق بالسفر والخوف، ولا ~~يلزم من الاختصاص المجموع PageV04P071 # بالأمرين (1) أن لا يثبت أحدهما مع أحد الأمرين، ولهذا نظائر. # وكذلك (2) كان ينبغي له (3) أن ms0815 يسأله: أقتله وهو ذاكر لإحرامه أو ناس (4) ~~؟ فإن في الناسي من النزاع (5) أعظم مما في الجاهل. ويسأله: أقتله (6) ~~لكونه صال عليه؟ أو لكونه اضطر إليه لمخمصة (7) ؟ أو قتله اعتباطا (8) بلا ~~سبب؟ . # وأيضا فإن [في] (9) هذه التقاسيم ما يبين جهل السائل (10) ، وقد نزه الله ~~من يكون إماما معصوما عن هذا الجهل، وهو قوله: أفي حل قتله أم في حرم؟ فإن ~~المحرم إذا قتل الصيد وجب عليه الجزاء، سواء قتله في الحل أو في الحرم (11) ~~باتفاق المسلمين، والصيد الحرمي يحرم قتله على المحل والمحرم، فإذا كان ~~محرما وقتل صيدا حرميا توكدت الحرمة، لكن الجزاء واحد. # وأما قوله: " مبتدئا أو عائدا " فإن هذا فرق ضعيف لم يذهب إليه إلا شاذ ~~من أهل (12) العلم. PageV04P072 # وأما الجماهير فعلى أن الجزاء يجب على المبتدئ وعلى العائد. وقوله في ~~القرآن: {ومن عاد فينتقم الله منه} ، قيل: إن المراد من عاد إلى ذلك في ~~الإسلام، بعدما عفا الله عنه في الجاهلية وقبل نزول هذه الآية. # كما قال: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف} [سورة ~~النساء: 22] . # وقوله: {وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف} [سورة النساء: 23] وقوله: ~~{قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [سورة الأنفال: 38] . # يدل على ذلك أنه لو كان المراد به: عفا الله عن أول مرة، لما أوجب عليه ~~جزاء ولا انتقم منه، وقد أوجب عليه الجزاء أول مرة، وقال: {ليذوق وبال ~~أمره} [سورة المائدة: 95] فمن أذاقه الله وبال أمره، كيف يكون قد عفا عنه؟ ~~. # وأيضا فقوله: {عما سلف} لفظ عام، واللفظ العام المجرد عن قرائن التخصيص، ~~لا يراد به (1) مرة واحدة، فإن هذا ليس من لغة العرب. ولو قدر أن المراد ~~بالآية: عفا الله عن أول مرة، وأن قوله: (ومن عاد) يراد به العود إلى ~~القتل، فإن انتقام الله منه إذا عاد لا يسقط الجزاء عنه، فإن تغليظ الذنب ~~لا يسقط الواجب (2) كمن قتل نفسا بعد نفس (3) لا يسقط ذلك عنه قودا (4) ولا ~~دية ولا كفارة ms0816. PageV04P073 # وقوله: " إن مهر فاطمة كان (1) خمسمائة درهم " لا يثبت (2) وإنما الثابت ~~«أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يصدق امرأة من نسائه ولا أصدقت ~~(3) امرأة من بناته أكثر من خمسمائة درهم» : اثنتي عشرة أوقية ونش، والنش ~~هو النصف، وهذا معروف عن عمر وغيره (4) . لكن أم حبيبة زوجه بها النجاشي، ~~فزاد الصداق من عنده (5) . وسواء كان هذا ثابتا أو لم يكن (6) ثابتا فتحري ~~تخفيف (7) الصداق سنة. ولهذا استحب العلماء أن لا يزاد على PageV04P074 # صداق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنسائه وبناته. وقد روي أن عليا ~~أصدق فاطمة درعه. وبكل حال فليس في هذا ما يدل على فضيلة واحد من الأمراء ~~(1) فضلا عن إمامته، وإن كانت لهم (2) فضائل ثابتة بدون هذا (3) . ### | كلام الرافضي على علي الهادي ولد محمد بن علي الجواد # فصل (4) . # قال الرافضي (5) : " وكان ولده علي الهادي (6) ، ويقال له: العسكري، لأن ~~المتوكل أشخصه من المدينة إلى بغداد، ثم منها إلى سر من رأى، فأقام بموضع ~~عندها (7) يقال له: العسكر، ثم انتقل إلى سر من رأى فأقام بها عشرين سنة ~~وتسعة أشهر، وإنما PageV04P075 # أشخصه المتوكل، لأنه كان يبغض عليا - رضي الله عنه - (1) ، فبلغه مقام ~~علي بالمدينة (2) ، وميل الناس إليه، فخاف منه، فدعا يحيى بن هبيرة وأمره ~~بإحضاره (3) ، فضج أهل المدينة لذلك خوفا عليه، لأنه كان (4) محسنا إليهم، ~~ملازما للعبادة (5) في المسجد، فحلف يحيى أنه لا مكروه عليه (6) ، ثم فتش ~~منزله فلم يجد فيه سوى (7) مصاحف وأدعية (8) وكتب العلم، فعظم في عينه، ~~وتولى خدمته بنفسه، فلما قدم بغداد بدأ بإسحاق (9) بن إبراهيم [الطائي] ~~(10) والي بغداد. فقال له: يا يحيى هذا الرجل قد ولده (11) رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم -، والمتوكل من تعلم، فإن حرضته (12) عليه قتله، وكان رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - PageV04P076 # خصمك يوم القيامة، فقال له يحيى: والله ما وقعت (1) منه إلا على خير، ~~قال: فلما دخلت على المتوكل أخبرته بحسن سيرته وورعه وزهده، فأكرمه ~~المتوكل، ثم مرض المتوكل فنذر إن عوفي تصدق بدراهم كثيرة، فسأل الفقهاء [عن ~~ذلك ms0817] (2) فلم يجد عندهم جوابا، فبعث إلى علي الهادي (3) ، فسأله (4) فقال: ~~تصدق بثلاثة وثمانين درهما، فسأله المتوكل عن السبب، فقال: لقوله تعالى: ~~{لقد نصركم الله في مواطن كثيرة} [سورة التوبة: 25] ، وكانت المواطن هذه ~~الجملة (5) ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - غزا سبعا وعشرين غزاة (6) ~~وبعث ستا وخمسين سرية. قال المسعودي (7) : نمي (8) إلى المتوكل بعلي بن ~~محمد (9) أن في منزله سلاحا من شيعته من أهل قم، وأنه عازم على الملك (10) ~~، فبعث إليه جماعة من PageV04P077 # الأتراك، فهجموا داره (1) ليلا فلم يجدوا فيها شيئا، ووجدوه في بيت مغلق ~~عليه (2) وهو يقرأ (3) وعليه مدرعة من صوف، وهو جالس على الرمل والحصى ~~متوجها إلى الله تعالى يتلو (4) القرآن، فحمل على حالته تلك إلى المتوكل، ~~فأدخل عليه (5) وهو في مجلس الشراب، والكأس في يد المتوكل، فعظمه وأجلسه ~~إلى جانبه، وناوله الكأس، فقال: والله (6) ما خامر لحمي ودمي قط (7) ~~فأعفني، فأعفاه (8) وقال له: أسمعني صوتا، فقال (9) : {كم تركوا من جنات ~~وعيون} الآيات [سورة الدخان: 25] فقال: أنشدني شعرا، فقال: إني قليل ~~الرواية للشعر، فقال: لا بد من ذلك، فأنشده: باتوا على قلل الأجبال (10) ~~تحرسهم غلب الرجال فما أغنتهم (11) القلل PageV04P078 # واستنزلوا بعد عز من (1) معاقلهم ... وأسكنوا (2) حفرا يا بئس ما نزلوا # ناداهم صارخ (3) من بعد دفنهم ... أين الأسرة (4) والتيجان والحلل # أين الوجوه التي كانت منعمة ... من دونها تضرب الأستار والكلل # فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم (5) تلك الوجوه عليها الدود يقتتل (6) # قد طال ما أكلوا دهرا وما شربوا (7) # فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا. # فبكى المتوكل حتى بلت دموعه لحيته ". # فيقال: هذا الكلام من جنس ما قبله، لم يذكر منقبة بحجة صحيحة، بل ذكر ما ~~يعلم العلماء أنه من الباطل (8) ، فإنه ذكر في الحكاية أن والي بغداد كان ~~إسحاق بن إبراهيم الطائي، وهذا من جهله (9) ، فإن إسحاق بن إبراهيم هذا ~~خزاعي معروف هو وأهل بيته، كانوا من خزاعة، فإنه (10) إسحاق بن إبراهيم بن ~~الحسين بن مصعب، وابن عمه عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب أمير خراسان ~~المشهور المعلومة (11) سيرته ms0818، وابن هذا محمد بن عبد الله بن طاهر كان نائبا ~~على بغداد في خلافة PageV04P079 # المتوكل وغيره، وهو الذي صلى على أحمد بن حنبل لما مات، وإسحاق [بن ~~إبراهيم] (1) هذا كان نائبا لهم في إمارة المعتصم والواثق وبعض أيام ~~المتوكل، وهؤلاء كلهم من خزاعة ليسوا من طيئ، وهم [أهل] (2) بيت مشهورون ~~(3) . # وأما الفتيا التي ذكرها من أن المتوكل نذر إن عوفي يتصدق (4) بدراهم ~~كثيرة، وأنه سأل الفقهاء عن ذلك فلم يجد عندهم جوابا، وأن علي بن محمد أمره ~~أن يتصدق بثلاثة وثمانين درهما، لقوله تعالى: {لقد نصركم الله في مواطن ~~كثيرة} ، # [سورة التوبة: 25] ، وأن المواطن كانت [هذه الجملة، فإن النبي صلى الله ~~تعالى عليه وسلم غزا] (5) سبعا وعشرين غزاة (6) ، و [بعث] ستا (7) وخمسين ~~سرية، فهذه الحكاية أيضا تحكى عن PageV04P080 # علي بن موسى مع المأمون، وهي دائرة بين أمرين: إما أن تكون كذبا، وإما أن ~~تكون جهلا ممن أفتى بذلك. # فإن قول القائل: له علي دراهم كثيرة، أو والله لأعطين فلانا دراهم كثيرة، ~~أو لأتصدقن بدراهم كثيرة، لا يحمل على ثلاث وثمانين عند أحد من علماء ~~المسلمين. # والحجة المذكورة باطلة لوجوه:. # أحدها: أن قول القائل: إن المواطن كانت سبعا وعشرين غزاة وستا وخمسين ~~سرية، ليس بصحيح، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يغز سبعا وعشرين ~~غزاة باتفاق أهل العلم بالسير، بل أقل من ذلك (1) . # الثاني: أن هذه الآية نزلت يوم حنين، والله قد أخبر (2) بما كان قبل ذلك، ~~فيجب أن يكون ما تقدم قبل ذلك مواطن كثيرة، وكان بعد يوم حنين غزوة الطائف ~~وغزوة تبوك، وكثير من السرايا كانت بعد [يوم] (3) PageV04P081 # حنين كالسرايا التي كانت بعد فتح مكة (1) مثل إرسال جرير بن عبد الله إلى ~~ذي الخلصة، وأمثال ذلك. # وجرير إنما أسلم قبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحو سنة، وإذا ~~كان كثير من الغزوات والسرايا كانت بعد نزول هذه الآية، امتنع أن تكون هذه ~~الآية المخبرة عن الماضي (2) إخبارا بجميع (3) المغازي والسرايا. # الثالث: أن الله لم ينصرهم في جميع ms0819 المغازي، بل يوم أحد تولوا، وكان يوم ~~بلاء وتمحيص (4) . وكذلك يوم مؤتة وغيرها من السرايا لم يكونوا منصورين ~~فيها، فلو كان مجموع المغازي والسرايا ثلاثا وثمانين فإنهم لم ينصروا فيها ~~كلها، حتى يكون مجموع ما نصروا فيه ثلاثا وثمانين. # الرابع: أنه بتقدير (5) أن يكون المراد بالكثير في الآية ثلاثا وثمانين، ~~فهذا لا يقتضي اختصاص (6) هذا القدر بذلك، فإن لفظ " الكثير " لفظ عام ~~يتناول الألف والألفين والآلاف، وإذا عم أنواعا من المقادير، فتخصيص بعض ~~المقادير دون بعض تحكم. # الخامس: أن الله تعالى قال: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له ~~أضعافا كثيرة} [سورة البقرة: 245] ، والله يضاعف الحسنة إلى PageV04P082 # سبعمائة ضعف بنص القرآن وقد ورد (1) أنه يضاعفها ألفي ألف حسنة فقد سمى ~~هذه الأضعاف كثيرة، وهذه المواطن كثيرة. # وقد قال تعالى: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع ~~الصابرين} والكثرة هاهنا تتناول أنواعا من المقادير لأن (2) الفئات ~~المعلومة مع الكثرة لا تحصر (3) في عدد معين وقد تكون الفئة القليلة ألفا ~~والفئة الكثيرة ثلاثة آلاف فهي قليلة بالنسبة إلى كثرة عدد الأخرى. # وقد قال تعالى: {إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ~~ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم} [سورة الأنفال: 43] . ومعلوم أن الله ~~أراه أهل بدر أكثر من مائة، وقد سمى ذلك قليلا بالنسبة والإضافة. # وهذا كله مما يبين أن القلة والكثرة أمر إضافي. ولهذا تنازع الفقهاء فيما ~~إذا قال له: " علي مال عظيم أو خطير أو كثير أو جليل " هل يرجع في تفسيره ~~إليه فيفسره (4) بما يتمول؟ كقول الشافعي وطائفة من أصحاب أحمد أو لا يقبل ~~(5) تفسيره إلا بما له قدر خطير (6) كقول أبي حنيفة ومالك وبعض أصحاب أحمد ~~على قولين، وأصحاب القول الثاني منهم من قدره بنصاب السرقة، ومنهم من قدره ~~بنصاب الزكاة، ومنهم من قدره بالدية. وهذا النزاع في الإقرار لأنه خبر، ~~والخبر عن أمر ماض قد علمه المقر. PageV04P083 # وأما المسألة المذكورة فهي إنشاء، كما لو أوصى له بدراهم كثيرة. والأرجح ms0820 ~~في مثل هذا أن يرجع إلى عرف المتكلم، فما كان يسميه مثله كثيرا، حمل مطلق ~~كلامه على أقل محملاته (1) . والخليفة إذا قال: " دراهم كثيرة " في نذر ~~نذره، لم يكن عرفه في مثل هذا مائة درهم ونحوها، بل هو يستقل هذا ولا ~~يستكثره، بل إذا حمل [كلامه] (2) على مقدار الدية اثني عشر ألف درهم، كان ~~هذا أولى من حمله على ما دون ذلك، واللفظ يحتمل أكثر من ذلك، لكن هذا مقدار ~~النفس المسلمة في الشرع، ولا يكون عوض المسلم إلا كثيرا. # والخليفة يحمل الكثير منه على ما لا يحمل الكثير من آحاد العامة، فإن ~~صاحب ألف درهم إذا قال: أعطوا هذا دراهم كثيرة، احتمل عشرة وعشرين ونحو ذلك ~~(3) بحسب حاله. فمعنى القليل والكثير هو من الأمور النسبية الإضافية، ~~كالعظيم والحقير يتنوع بتنوع الناس، فيحمل كلام كل إنسان على ما هو المناسب ~~لحاله (4) في ذلك المقام. # والحكاية التي ذكرها عن المسعودي منقطعة الإسناد. [وفي تاريخ المسعودي من ~~الأكاذيب ما لا يحصيه إلا الله تعالى، فكيف يوثق بحكاية منقطعة الإسناد] ~~(5) في كتاب قد عرف بكثرة الكذب؟ (6) مع أنه ليس فيها PageV04P084 # الفضيلة إلا ما يوجد في كثير من عامة المسلمين، ويوجد فيهم ما هو أعظم ~~منها. ### | [كلام الرافضي على الحسن العسكري والرد عليه] # وأما قوله (1) : " وكان ولده (2) الحسن العسكري عالما زاهدا فاضلا عابدا، ~~أفضل أهل زمانه، وروت عنه العامة كثيرا ". # فهذا من نمط ما قبله من الدعاوى المجردة، والأكاذيب البينة (3) ، فإن ~~العلماء المعروفين بالرواية الذين كانوا في زمن هذا الحسن بن علي العسكري ~~ليست لهم [عنه] (4) رواية مشهورة في كتب أهل العلم، وشيوخ [أهل] (5) الكتب ~~الستة (6) : البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي (7) والنسائي وابن ماجه ~~كانوا موجودين في ذلك الزمان، وقريبا منه: قبله وبعده. # وقد جمع الحافظ أبو القاسم بن عساكر أخبار شيوخ النبل (8) ، يعني ~~PageV04P085 # شيوخ هؤلاء الأئمة، فليس في هؤلاء [الأئمة] (1) من روى عن الحسن بن علي ~~[هذا] (2) العسكري مع روايتهم عن ألوف مؤلفة من أهل الحديث، فكيف يقال: روت ~~عنه العامة كثيرا؟ وأين ms0821 هذه الروايات؟ وقوله: " إنه كان أفضل أهل زمانه " ~~هو من هذا النمط (3) . ### | كلام الرافضي على محمد بن الحسن المهدي عندهم والرد عليه # فصل (4) . # قال الرافضي (5) : " وولده (6) مولانا المهدي [محمد] (7) عليه السلام. ~~روى ابن الجوزي بإسناده إلى ابن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم -: " «يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي (8) وكنيته كنيتي، ~~يملأ الأرض عدلا (9) ، كما ملئت PageV04P086 # جورا " (1) فذلك هو المهدي» (2) . # فيقال: قد ذكر محمد بن جرير الطبري، وعبد الباقي بن قانع (3) وغيرهما من ~~أهل العلم بالأنساب والتواريخ: أن الحسن بن علي العسكري لم يكن له نسل ولا ~~عقب. والإمامية الذين يزعمون أنه كان له ولد يدعون أنه دخل السرداب بسامرا ~~وهو صغير. منهم من قال: عمره سنتان، ومنهم من PageV04P087 # قال: ثلاث، ومنهم من قال: خمس سنين (1) وهذا لو كان موجودا معلوما، لكان ~~الواجب في حكم الله الثابت بنص القرآن والسنة والإجماع PageV04P088 # أن يكون محضونا عند من يحضنه في بدنه، كأمه، وأم أمه، ونحوهما من أهل ~~الحضانة، وأن يكون ماله عند من يحفظه: إما وصي أبيه إن كان له وصي، وإما ~~غير [الوصي] : (1) إما قريب، وإما نائب لدى السلطان (2) ، فإنه يتيم لموت ~~أبيه. # والله تعالى يقول: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم ~~رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا} [سورة ~~النساء: 6] ، فهذا لا يجوز تسليم ماله إليه حتى يبلع النكاح ويؤنس منه ~~الرشد، كما ذكر الله تعالى ذلك في كتابه، فكيف يكون من يستحق الحجر عليه في ~~بدنه وماله إماما لجميع المسلمين معصوما، لا يكون أحد مؤمنا إلا بالإيمان ~~به؟ ! . # ثم إن (3) هذا باتفاق منهم: سواء قدر وجوده أو عدمه، لا ينتفعون به ~~PageV04P089 # لا في دين ولا في دنيا (1) ، ولا علم أحدا شيئا (2) ، ولا يعرف (3) له ~~صفة من صفات الخير ولا الشر، فلم يحصل به شيء من مقاصد الإمامة ولا مصالحها ~~(4) لا الخاصة ولا العامة، بل إن قدر وجوده فهو ضرر على أهل الأرض بلا نفع ~~أصلا، فإن المؤمنين ms0822 به لم ينتفعوا به (5) ، ولا حصل لهم به لطف ولا مصلحة، ~~والمكذبون به يعذبون [عندهم] (6) على تكذيبهم به، فهو شر محض ولا خير فيه، ~~وخلق مثل هذا ليس من فعل الحكيم العادل. # وإذا قالوا: إن الناس بسبب ظلمهم احتجب عنهم. # قيل: أولا: كان الظلم موجودا في زمن (7) آبائه ولم يحتجبوا. # وقيل: [ثانيا] : (8) فالمؤمنون به طبقوا الأرض فهلا اجتمع بهم في بعض ~~الأوقات، أو أرسل إليهم رسولا يعلمهم شيئا من العلم والدين؟ ! . # وقيل: ثالثا: قد كان يمكنه أن يأوي إلى كثير من المواضع التي فيها شيعته، ~~كجبال الشام التي كان فيها الرافضة عاصية، وغير ذلك (9) من المواضع ~~العاصية. # وقيل: رابعا: فإذا هو لا يمكنه أن يذكر شيئا من العلم والدين PageV04P090 # لأحد، لأجل هذا الخوف، لم يكن في وجوده لطف ولا مصلحة، فكان هذا مناقضا ~~لما أثبتوه. بخلاف من أرسل من الأنبياء وكذب، فإنه بلغ الرسالة، وحصل لمن ~~آمن من اللطف والمصلحة ما هو من نعم الله عليه. وهذا المنتظر لم يحصل به ~~لطائفته إلا الانتظار لمن لا يأتي، ودوام الحسرة والألم، ومعاداة العالم، ~~والدعاء الذي لا يستجيبه الله؛ لأنهم يدعون له بالخروج [والظهور] (1) (* من ~~مدة أكثر من أربعمائة وخمسين سنة لم (2) يحصل شيء من هذا. ثم إن عمر واحد ~~من المسلمين *) (3) هذه المدة أمر يعرف كذبه بالعادة المطردة في أمة محمد، ~~فلا يعرف أحد ولد في دين (4) الإسلام وعاش مائة وعشرين سنة (5) ، فضلا عن ~~هذا العمر. وقد ثبت في الصحيح (6) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ~~في آخر عمره: " «أرأيتكم ليلتكم هذه، فإنه (7) على رأس مائة سنة منها لا ~~يبقى على وجه الأرض ممن هو اليوم عليها (8) أحد» (9) . PageV04P091 # فمن كان في ذلك الوقت له سنة ونحوها لم يعش أكثر من مائة سنة قطعا. وإذا ~~كانت الأعمار في ذلك العصر لا تتجاوز هذا الحد، فما بعده من الأعصار أولى ~~بذلك في العادة الغالبة العامة، فإن أعمار بني آدم في الغالب كلما تأخر ~~الزمان قصرت ولم تطل، فإن نوحا [عليه السلام ms0823] لبث في قومه ألف سنة إلا ~~خمسين عاما، وآدم [عليه السلام] (1) عاش ألف سنة كما ثبت ذلك في حديث صحيح ~~رواه الترمذي وصححه (2) ، فكان PageV04P092 # العمر في ذلك الزمان طويلا، ثم أعمار هذه الأمة ما بين الستين إلى ~~السبعين، وأقلهم من (1) يجوز ذلك، كما [ثبت] ذلك في [الحديث] الصحيح (2) . # واحتجاجهم بحياة الخضر احتجاج باطل على باطل، فمن الذي يسلم لهم بقاء ~~الخضر. والذي عليه سائر العلماء المحققين (3) أنه مات، وبتقدير بقائه فليس ~~[هو] (4) من هذه الأمة (5) . PageV04P093 # ولهذا يوجد كثير [من الكذابين] (1) من الجن والإنس ممن يدعي أنه الخضر ~~ويظن من رآه أنه الخضر، وفي ذلك من الحكايات الصحيحة [التي نعرفها] (2) ما ~~يطول وصفها [هنا] (3) . # وكذلك [المنتظر] (4) محمد بن الحسن، فإن عددا كثيرا من الناس يدعي كل ~~واحد منهم أنه محمد بن الحسن، منهم من يظهر ذلك لطائفة (5) من الناس، ومنهم ~~من يكتم ذلك ولا يظهره إلا للواحد أو الاثنين. وما من هؤلاء إلا من يظهر ~~كذبه كما يظهر كذب من يدعي أنه الخضر. ### | الجواب عن كلام الرافضي على حديث المهدي من وجوه # فصل. # وقوله: روى (6) ابن الجوزي بإسناده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم -: " «يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي، وكنيته ~~كنيتي، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، فذلك هو المهدي» ". # فيقال: الجواب من وجوه:. PageV04P094 # أحدها: أنكم لا تحتجون بأحاديث أهل السنة، فمثل هذا الحديث لا يفيدكم ~~فائدة (1) . وإن قلتم: هو حجة على أهل السنة، فنذكر كلامهم فيه. # الثاني: إن هذا من أخبار الآحاد (2) ، فكيف يثبت به أصل الدين الذي لا ~~يصح الإيمان إلا به؟ . # الثالث: أن لفظ الحديث حجة عليكم لا لكم (3) ، فإن لفظه: " يواطئ اسمه ~~اسمي، واسم أبيه اسم أبي " فالمهدي الذي أخبر به النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - اسمه محمد بن عبد الله لا محمد بن الحسن. وقد روي عن علي [- رضي ~~الله عنه -] (4) أنه [قال: هو] (5) من ولد الحسن بن علي، لا من ولد الحسين ~~[بن علي] (6) . # وأحاديث المهدي ms0824 معروفة، رواها الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي وغيرهم، ~~كحديث عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «لو ~~لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم (7) حتى يبعث فيه رجلا من ~~أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ~~ملئت ظلما وجورا» " (8) . PageV04P095 # الوجه الرابع: أن (1) الحديث الذي ذكره، وقوله: " «اسمه كاسمي، وكنيته ~~كنيتي» " ولم يقل: يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي "، فلم يروه (2) أحد ~~من أهل العلم بالحديث في كتب الحديث المعروفة بهذا PageV04P096 # اللفظ. فهذا الرافضي لم يذكر الحديث بلفظه المعروف في كتب الحديث مثل ~~مسند أحمد (1) ، و [سنن] أبي داود (2) والترمذي، وغير ذلك من الكتب. وإنما ~~ذكره بلفظ مكذوب لم يروه (3) أحد منهم. # وقوله: إن ابن الجوزي رواه (4) بإسناده: إن أراد العالم المشهور صاحب ~~المصنفات الكثيرة أبا الفرج، فهو (5) كذب عليه. وإن أراد سبطه يوسف بن ~~قزأوغلي (6) صاحب التاريخ المسمى " بمرآة الزمان " وصاحب الكتاب المصنف في ~~" الاثنى عشر " الذي سماه " إعلام الخواص "، فهذا الرجل PageV04P097 # يذكر في مصنفاته أنواعا من الغث والسمين، ويحتج في أغراضه بأحاديث كثيرة ~~ضعيفة وموضوعة، وكان يصنف بحسب مقاصد الناس: يصنف للشيعة ما يناسبهم ~~ليعوضوه بذلك، ويصنف على مذهب أبي حنيفة لبعض الملوك لينال بذلك أغراضه، ~~فكانت طريقته طريقة الواعظ الذي قيل له: ما مذهبك؟ قال في أي مدينة؟ . # ولهذا يوجد في بعض كتبه [ثلب] (1) الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة ~~رضوان الله عليهم لأجل مداهنة (2) من قصد بذلك من الشيعة، ويوجد في بعضها ~~تعظيم الخلفاء الراشدين وغيرهم. # ولهذا لما كان الحديث المعروف عند السلف (3) والخلف أن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - قال في المهدي: " «يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي» " صار ~~يطمع كثير من الناس في (4) أن يكون هو المهدي، حتى سمى المنصور ابنه محمدا ~~ولقبه بالمهدي مواطأة لاسمه (5) باسمه واسم أبيه باسم أبيه، ولكن لم يكن هو ~~الموعود به. # وأبو عبد الله محمد بن التومرت [الملقب بالمهدي، الذي ظهر بالمغرب، ولقب ms0825 ~~طائفته بالموحدين، وأحواله معروفة، كان يقول: إنه المهدي] (6) المبشر به ~~وكان أصحابه يخطبون له على منابرهم، فيقولون في PageV04P098 # خطبتهم (1) : الإمام المعصوم، المهدي المعلوم، الذي بشرت به في صريح ~~وحيك، الذي اكتنفته بالنور الواضح، والعدل اللائح، الذي ملأ البرية قسطا ~~وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا ". # وهذا الملقب بالمهدي ظهر سنة بضع وخمسمائة (2) وتوفي سنة أربع وعشرين ~~وخمسمائة، وكان ينتسب (3) إلى أنه من ولد الحسن، لأنه كان أعلم بالحديث، ~~فادعى أنه هو المبشر به، ولم يكن الأمر كذلك، ولا ملأ الأرض كلها قسطا ولا ~~عدلا، بل دخل في أمور منكرة، وفعل أمورا حسنة. # وقد ادعى قبله أنه المهدي عبيد الله (4) بن ميمون القداح (5) ، ولكن لم ~~PageV04P099 # يوافق في الاسم ولا اسم الأب (1) وهذا ادعى أنه من ولد محمد بن إسماعيل ~~بن جعفر (2) وأن ميمونا هذا هو (3) محمد بن إسماعيل، وأهل المعرفة بالنسب ~~وغيرهم من علماء المسلمين [يعلمون] (4) أنه كذب في دعوى نسبه، وأن أباه كان ~~يهوديا ربيب مجوسي، فله نسبتان: نسبة إلى اليهود، ونسبة إلى المجوس. # وهو وأهل بيته كانوا ملاحدة، وهم أئمة الإسماعيلية، الذين قال فيهم ~~العلماء: " إن (5) ظاهر مذهبهم الرفض، وباطنه الكفر المحض ". وقد صنف ~~العلماء كتبا في كشف أسرارهم، وهتك أستارهم، وبيان كذبهم في دعوى النسب ~~ودعوى الإسلام، وأنهم بريئون من النبي - صلى الله عليه وسلم - نسبا ودينا. # وكان هذا المتلقب (6) بالمهدي عبيد الله بن ميمون قد ظهر سنة تسع وتسعين ~~ومائتين وتوفي سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، وانتقل الأمر إلى PageV04P100 # ولده القائم، ثم ابنه المنصور، ثم ابنه المعز الذي بنى القاهرة، ثم ~~العزيز، ثم الحاكم، ثم الظاهر ابنه، ثم المستنصر [ابنه] (1) وطالت مدته، ~~وفي زمنه كانت فتنة البساسيري، وخطب له ببغداد عاما كاملا (2) وابن الصباح ~~الذي أحدث السكين للإسماعيلية (3) ، هو من أتباع هؤلاء (4) . # وانقرض ملك هؤلاء في الديار المصرية سنة ثمان وستين وخمسمائة، فملكوها ~~أكثر من مائتي سنة، وأخبارهم عن العلماء مشهورة بالإلحاد والمحادة لله ~~ورسوله، والردة والنفاق. # والحديث الذي فيه: " «لا مهدي إلا عيسى ابن مريم» " رواه ابن ماجه ms0826 ~~PageV04P101 # وهو حديث ضعيف رواه عن يونس (* عن الشافعي عن شيخ [مجهول] (1) من أهل ~~اليمن، لا تقوم بإسناده حجة، وليس هو في مسنده، بل مداره على يونس *) (2) ~~بن عبد الأعلى (3) ، وروي عنه أنه قال: حدثت عن الشافعي (4) ، وفي " ~~الخلعيات (5) " وغيرها: " حدثنا يونس عن الشافعي " لم يقل: " حدثنا الشافعي ~~" ثم قال: " عن حديث محمد بن خالد الجندي " وهذا تدليس يدل على توهينه (6) ~~. # [ومن الناس من يقول: إن الشافعي لم يروه] (7) PageV04P102 ### | كلام الرافضي على عصمة الأئمة والرد عليه # (فصل) (1) . # قال الرافضي (2) : " فهؤلاء الأئمة الفضلاء المعصومون (3) ، الذين بلغوا ~~الغاية في الكمال، ولم يتخذوا ما اتخذ غيرهم من الأئمة المشتغلين بالملك ~~وأنواع المعاصي والملاهي، وشرب الخمور والفجور، حتى فعلوا بأقاربهم على ما ~~هو (4) المتواتر بين الناس. قالت الإمامية: فالله يحكم بيننا وبين هؤلاء، ~~وهو خير الحاكمين ". # قال أي ابن المطهر بعد الكلام السابق مباشرة ص 107 (م) .: " وما أحسن قول ~~الشاعر (5) # إذا شئت أن ترضى لنفسك مذهبا ... وتعلم أن الناس في نقل أخبار # فدع عنك قول الشافعي ومالك ... وأحمد والمروي عن كعب أحبار # ووال أناسا قولهم وحديثهم ... روى جدنا عن جبرئيل عن الباري # ". # والجواب من وجوه: أحدها: أن يقال: أما دعوى العصمة في هؤلاء فلم تذكر (6) ~~عليها حجة إلا ما ادعيته (7) من أنه يجب على الله أن يجعل للناس إماما ~~معصوما، PageV04P103 # ليكون لطفا ومصلحة في التكليف، وقد تبين فساد هذه الحجة من وجوه: أدناها ~~أن هذا مفقود (1) لا موجود، فإنه لم يوجد إمام معصوم حصل به لطف و [لا] ~~مصلحة (2) ، ولو لم يكن في الدليل على [انتفاء] (3) ذلك إلا المنتظر الذي ~~قد علم بصريح العقل أنه لم ينتفع به أحد، [لا] (4) في دين ولا دنيا، ولا ~~حصل لأحد من المكلفين به مصلحة ولا لطف، لكان هذا دليلا على بطلان قولهم، ~~فكيف مع كثرة الدلائل على ذلك؟ . # الوجه الثاني: أن قوله: " كل واحد من هؤلاء قد بلغ الغاية؟ في الكمال " ~~هو قول مجرد عن الدليل، والقول بلا علم يمكن كل أحد أن يقابله بمثله. وإن ~~ادعى المدعي ms0827 هذا الكمال فيمن هو أشهر في العلم والدين من العسكريين ~~وأمثالهما من الصحابة والتابعين، وسائر أئمة المسلمين، لكان ذلك أولى ~~بالقبول. ومن طالع أخبار الناس علم أن الفضائل العلمية والدينية المتواترة ~~عن غير واحد من الأئمة أكثر مما ينقل عن العسكريين وأمثالهما من الكذب، دع ~~الصدق (5) . # الثالث: أن قوله: " هؤلاء الأئمة " إن أراد بذلك (6) أنهم كانوا ذوي ~~سلطان وقدرة معهم السيف (7) ، فهذا كذب ظاهر، وهم لا يدعون ذلك، ~~PageV04P104 # بل يقولون: إنهم عاجزون ممنوعون مغلوبون مع الظالمين، لم يتمكن أحد منهم ~~من الإمامة، إلا علي بن أبي طالب، مع أن الأمور استصعبت عليه، ونصف الأمة - ~~أو أقل أو أكثر - لم يبايعوه، بل كثير منهم قاتلوه وقاتلهم، وكثير منهم لم ~~يقاتلوه (1) ولم يقاتلوا معه، وفي هؤلاء من هو أفضل من الذين قاتلوه ~~وقاتلوا معه (2) ، وكان فيهم من فضلاء المسلمين من لم يكن مع علي مثلهم (3) ~~، بل الذين تخلفوا عن القتال معه وله كانوا أفضل ممن قاتله وقاتل معه. # وإن أراد أنه (4) كان لهم علم ودين يستحقون به أن يكونوا أئمة، فهذه ~~الدعوى إذا صحت لا توجب كونهم أئمة يجب على الناس طاعتهم، كما أن استحقاق ~~الرجل أن يكون إمام مسجد لا يجعله إماما، واستحقاقه أن يكون قاضيا [لا ~~يصيره قاضيا] (5) ، واستحقاقه أن يكون أمير الحرب لا يجعله أمير الحرب. ~~والصلاة لا تصح إلا خلف من يكون إماما بالفعل، ولا خلف من ينبغي أن يكون ~~إماما. وكذلك الحكم بين الناس إنما يفصله (6) ذو سلطان وقدرة لا من يستحق ~~أن يولى القضاء، وكذلك الجند إنما يقاتلون مع أمير عليهم لا مع من لم يؤمر ~~وإن كان يستحق (7) أن يؤمر. PageV04P105 # ففي الجملة الفعل مشروط بالقدرة، فكل من ليس له قدرة وسلطان على الولاية ~~والإمارة لم يكن إماما، وإن كان يستحق (1) أن يجعل له قدرة حتى يتمكن، ~~فكونه يسوغ (2) أن يمكن أو يجب أن يمكن (3) ليس هو نفس التمكن، والإمام هو ~~المتمكن القادر [الذي له سلطان] (4) ، وليس في هؤلاء من هو كذلك إلا علي ~~[رضي الله ms0828 عنه] (5) كما تقدم. # الوجه الرابع: أن يقال: ما تعنون بالاستحقاق؟ أتعنون أن الواحد من هؤلاء ~~كان يجب أن يولى الإمامة دون سائر قريش؟ أم تريدون أن الواحد [منهم] (6) من ~~جملة من يصلح للخلافة؟ فإن أردتم الأول فهو ممنوع مردود، وإن أردتم الثاني ~~فذلك قدر مشترك بينهم (7) وبين خلق كثير من قريش. # [الوجه الخامس: أن يقال الإمام هو الذي يؤتم به (8) ] (9) وذلك على ~~وجهين: أحدهما: أن يرجع إليه في العلم والدين بحيث يطاع باختيار المطيع، ~~لكونه عالما بأمر الله عز وجل آمرا به، فيطيعه المطيع لذلك، وإن كان عاجزا ~~عن إلزامه (10) الطاعة. PageV04P106 # والثاني: أن يكون صاحب يد وسيف، بحيث يطاع طوعا وكرها لكونه (1) قادرا ~~على إلزام المطيع بالطاعة. # وقوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي ~~الأمر منكم} [سورة النساء: 59] قد فسر بالأمراء (2) بذوي القدرة كأمراء ~~الحرب، وفسر بأهل العلم والدين، وكلاهما حق. وهذان الوصفان كانا كاملين في ~~الخلفاء الراشدين، فإنهم كانوا كاملين في العلم والعدل والسياسة والسلطان، ~~وإن كان بعضهم أكمل في ذلك من بعض، فأبو بكر، وعمر أكمل في ذلك من عثمان ~~وعلي، وبعدهم لم يكمل أحد في هذه الأمور إلا عمر بن عبد العزيز، بل قد يكون ~~[الرجل] (3) أكمل في العلم والدين ممن [يكون] (4) له سلطان، وقد يكون أكمل ~~في السلطان ممن هو أعلم منه وأدين. # وهؤلاء إن أريد بكونهم أئمة أنهم ذوو سلطان فذلك باطل (5) ، وهم لا ~~يقولونه. وإن أريد بذلك أنهم أئمة في العلم والدين يطاعون مع عجزهم عن ~~إلزام غيرهم بالطاعة، فهذا قدر مشترك بين كل من كان متصفا بهذه الصفات. # ثم إما أن يقال: قد كان في أعصارهم من هو أعلم منهم وأدين، إذ ~~PageV04P107 # العلم المنقول عن غيرهم أضعاف العلم المنقول عنهم، وظهور آثار غيرهم في ~~الأمة أعظم من ظهور آثارهم في الأمة، والمتقدمون منهم كعلي بن الحسين، ~~وابنه أبي جعفر، وابنه جعفر بن محمد قد نقل (1) عنهم من العلم قطعة معروفة، ~~وأخذ عن غيرهم أكثر من ذلك بكثير كثير، وأما من ms0829 بعدهم فالعلم المأخوذ عنهم ~~قليل جدا، ولا ذكر لأحد منهم في رجال أهل العلم المشاهير بالرواية والحديث ~~والفتيا، ولا غيرهم من المشاهير بالعلم. وما يذكر لهم من المناقب والمحاسن، ~~فمثله يوجد لغيرهم من الأئمة (2) . # وإما أن يقال: إنهم أفضل الأمة في العلم والدين. فعلى التقديرين فإمامتهم ~~على هذا الاعتبار لا ينازع فيها أهل السنة، فإنهم متفقون على أنه يؤتم (3) ~~بكل أحد فيما يأمر به [من طاعة الله] (4) ويدعو إليه من دين الله ويفعله ~~مما يحبه الله، فما فعله هؤلاء من الخير ودعوا إليه من الخير فإنهم أئمة ~~فيه يقتدى بهم في ذلك (5) . # قال تعالى: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا ~~يوقنون} [سورة السجدة: 24] ، وقد قال تعالى لإبراهيم: {إني جاعلك للناس ~~إماما} [سورة البقرة: 124] ، ولم يكن ذلك بأن جعله ذا سيف يقاتل ~~PageV04P108 # به جميع الناس، بل جعله [بحيث] (1) يجب على الناس اتباعه، سواء أطاعوه أم ~~عصوه. # فهؤلاء في الإمامة (2) في الدين أسوة (3) أمثالهم، فأهل السنة مقرون ~~بإمامة هؤلاء فيما دلت الشريعة على الائتمام بهم فيه، (* وعلى الإمامة فيما ~~يمكن الائتمام بهم فيه *) (4) ، كما أن هذا الحكم ثابت لأمثالهم مثل أبي ~~بكر، وعمر وعثمان، وابن مسعود، وأبي بن كعب، ومعاذ، وأبي الدرداء وأمثالهم ~~من السابقين الأولين، ومثل سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن ~~عبد الله، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وأبي بكر بن عبد الرحمن، ~~وخارجة بن زيد. وهؤلاء هم (5) فقهاء المدينة (* السبعة الذين قيل فيهم: # إذا قيل من في العلم سبعة أبحر ... مقالة حق (6) ليست عن الحق خارجه # فقل هم عبيد الله عروة قاسم ... سعيد أبو بكر سليمان خارجه # *) (7) . # ومثل علقمة، والأسود بن يزيد (8) وأسامة (9) ومحمد بن سيرين، والحسن ~~البصري، ومثل سالم بن عبد الله بن عمر، ومثل هشام بن عروة PageV04P109 # وعبد الرحمن بن القاسم، وعبيد الله بن عمر (1) والزهري، ويحيى بن سعيد ~~الأنصاري وأبي الزناد، ومثل مالك، والأوزاعي، والليث بن سعد، وأبي حنيفة، ~~والشافعي، وأحمد وإسحاق بن إبراهيم وغيرهم (2) . # لكن المنقول الثابت عن ms0830 بعض هؤلاء من الحديث والفتيا قد يكون أكثر من ~~المنقول الثابت عن الآخر، فتكون شهرته لكثرة علمه أو لقوة حجته أو نحو ذلك، ~~وإلا فلا يقول أهل السنة: إن يحيى بن سعيد، وهشام بن عروة، وأبا الزناد ~~أولى بالاتباع من جعفر بن محمد، ولا يقولون: إن الزهري، ويحيى بن أبي كثير، ~~وحماد بن أبي سليمان (3) ومنصور بن المعتمر أولى بالاتباع من أبيه (4) أبي ~~جعفر الباقر، ولا يقولون: إن القاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وسالم بن ~~عبد الله أولى بالاتباع من علي بن الحسين، بل كل [واحد من] (5) هؤلاء ثقة ~~فيما ينقله، مصدق في ذلك، وما بينه من دلالة الكتاب والسنة على أمر من ~~الأمور فهو من العلم الذي يستفاد منه، فهو مصدق في الرواية والإسناد، مقبول ~~في الدلالة والإرشاد (6) ، وإذا أفتى بفتيا PageV04P110 # وعارضه [غيره] (1) رد ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله كما أمر الله ~~سبحانه بذلك (2) . وهذا حكم الله ورسوله بين هؤلاء جميعهم، وهكذا كان ~~المسلمون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، و [عهد الخلفاء ~~الراشدين] (3) . # الوجه السادس (4) : أن يقال: قوله: " لم يتخذوا ما اتخذه غيرهم من الأئمة ~~المشتغلين بالملك والمعاصي " كلام باطل. وذلك أنه إن أراد أهل السنة ~~يقولون: إنه يؤتم بهؤلاء الملوك فيما يفعلونه من معصية الله فهذا كذب عليهم ~~فإن علماء أهل السنة المعروفين بالعلم [عند أهل السنة] (5) متفقون على أنه ~~لا يقتدى بأحد في معصية الله، ولا يتخذ إماما في ذلك. # وإن أراد أن أهل السنة يستعينون بهؤلاء الملوك فيما يحتاج إليهم فيه من ~~طاعة الله (6) ، ويعاونونهم على ما يفعلونه من طاعة الله، فيقال لهم (7) : ~~إن كان اتخاذهم أئمة بهذا الاعتبار محذورا، فالرافضة أدخل منهم في ذلك، ~~فإنهم دائما يستعينون بالكفار والفجار على مطالبهم، ويعاونون الكفار ~~[والفجار] (8) على كثير من مآربهم، وهذا أمر مشهود (9) في كل زمان ~~PageV04P111 # ومكان، ولو لم يكن إلا صاحب هذا الكتاب " منهاج الندامة " وإخوانه، فإنهم ~~يتخذون المغل والكفار أو الفساق أو الجهال أئمة بهذا الاعتبار. # الوجه السابع (1) : أن يقال ms0831: الأئمة الذين هم مثل هؤلاء الذين ذكرهم في ~~كتابه وادعى عصمتهم ليس لهم سلطان تحصل به مقاصد (2) الإمامة، ولا يكفي ~~الائتمام بهم في طاعة الله، ولا في تحصيل ما لا بد منه مما يعين على طاعة ~~الله، فإذا لم يكن لهم ملك ولا سلطان لم يمكن أن تصلى خلفهم جمعة [ولا ~~جماعة] (3) ، ولا يكونون أئمة في الجهاد ولا في الحج، ولا تقام بهم الحدود، ~~ولا تفصل بهم الخصومات، ولا يستوفي الرجل بهم حقوقه التي عند الناس والتي ~~في بيت المال، ولا يؤمن بهم السبل (4) ، فإن هذه الأمور كلها تحتاج إلى ~~قادر يقوم بها، ولا يكون قادرا إلا من له أعوان على ذلك. وهؤلاء لم يكونوا ~~قادرين على ذلك، بل القادر على ذلك كان غيرهم، فمن طلب هذه الأمور من إمام ~~عاجز عنها (5) كان جاهلا ظالما، ومن استعان عليها بمن هو قادر عليها كان ~~عالما (6) مهتديا مسددا، فهذا يحصل مصلحة دينه ودنياه، والأول تفوته مصلحة ~~دينه ودنياه. # الوجه الثامن (7) : أن يقال: دعوى كون جميع الخلفاء كانوا مشتغلين بما ~~PageV04P112 # ذكره من الخمور والفجور كذب عليهم. والحكايات المنقولة في ذلك فيها ما هو ~~كذب، وقد علم أن فيهم العدل الزاهد (1) كعمر بن عبد العزيز والمهدي بالله ~~(2) ، وأكثرهم لم يكن مظهرا لهذه المنكرات من خلفاء بني أمية، وبني العباس، ~~وإن كان أحدهم قد يبتلى ببعض الذنوب، وقد يكون تاب منها، وقد يكون له حسنات ~~كثيرة تمحو تلك السيئات، وقد يبتلى بمصائب تكفر عنه خطاياه (3) . ففي ~~الجملة الملوك حسناتهم كبار وسيئاتهم كبار (4) ، والواحد من هؤلاء وإن كان ~~له ذنوب ومعاص لا تكون لآحاد المؤمنين، فلهم من الحسنات ما ليس لآحاد ~~المسلمين من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود وجهاد العدو ~~وإيصال كثير من الحقوق إلى مستحقيها ومنع كثير من الظلم وإقامة كثير من ~~العدل. # ونحن لا نقول: إنهم كانوا سالمين من (* المظالم والذنوب، كما لا نقول: إن ~~أكثر المسلمين كانوا سالمين من *) (5) ذلك، لكن نقول: وجود الظلم والمعاصي ~~من بعض المسلمين وولاة أمورهم (6) وعامتهم ms0832، لا يمنع أن يشارك فيما يعمله من ~~طاعة الله. # وأهل السنة لا يأمرون بموافقة ولاة الأمور إلا في طاعة الله لا في ~~PageV04P113 # معصيته (1) ، ولا ضرر على من وافق رجلا (2) في طاعة الله إذا انفرد ذلك ~~عنه بمعصية لم يشركه فيها، كما أن الرجل إذا حج مع الناس، فوقف معهم وطاف، ~~لم يضره كون بعض الحجاج له مظالم وذنوب ينفرد بها، وكذلك إذا شهد مع الناس ~~الجمعة والجماعة ومجالس العلم وغزا معهم، لم يضره أن يكون (3) بعض ~~المشاركين له في ذلك له ذنوب يختص بها، فولاة الأمور بمنزلة غيرهم، يشاركون ~~فيما يفعلونه من طاعة الله، ولا يشاركون فيما يفعلونه من معصية الله. # وهذه كانت سيرة أئمة (4) أهل البيت مع غيرهم، فمن اتبعهم في ذلك فهو ~~المقتدي بهم، دون من تبرأ من السابقين الأولين، وجمهور أهل العلم والدين، ~~وظاهر على عدواتهم الكفار والمنافقين، كما يفعله من يفعله من الرافضة ~~الضالين. # الوجه التاسع (5) : أن يقال: إمام قادر ينتظم به أمر الناس في أكثر ~~مصالحهم، بحيث تأمن به السبل (6) ويقام به ما يقام من الحدود، ويدفع به ما ~~يدفع من الظلم، ويحصل به ما يحصل من جهاد العدو، ويستوفى به ما يستوفى من ~~الحقوق، خير من إمام معدوم لا حقيقة له. PageV04P114 # والرافضة تدعو (1) إلى إمام معصوم، وليس عندهم في الباطن إلا إمام معدوم، ~~وفي الظاهر إمام كفور أو ظلوم (2) . فأئمة أهل السنة، ولو فرض ما فرض فيهم ~~من الظلم والذنوب، خير من الأئمة الظاهرين الذين يعتقدهم الرافضة (3) ، ~~وخير من إمام معدوم لا حقيقة له. وأما الأئمة الباقون الذين كانوا موجودين ~~فأولئك يأتم بهم أهل السنة كما يأتمون بأمثالهم، فهو وأمثالهم أئمة، ومن ~~ائتم بهؤلاء مع أمثالهم (4) من سائر المسلمين كان خيرا ممن ائتم بهم وحدهم، ~~فإن العلم رواية ودراية، كلما كثر فيه العلماء واتفقوا على ذلك (5) كان ~~أقوى وأولى الاتباع، فليس عند الشيعة خير إلا وأهل السنة يشركونهم [فيه، ~~والخير الذي اختص به أهل السنة] (6) لا يشركهم فيه الشيعة. # الوجه العاشر (7) : أن يقال: ما ms0833 ذكره هذا الإمامي يمكن كل واحد من أهل ~~السنة أن يعارضه بما هو أقوى منه، فإنه يقول عن مثل سعيد بن المسيب، ~~وعلقمة، والأسود، والحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، ومحمد بن سيرين، ومطرف ~~بن الشخير، ومكحول، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير PageV04P115 # وسالم بن عبد الله، ومن شاء الله من التابعين وتابعيهم، هؤلاء هم الأئمة ~~(1) فيما يمكن الائتمام بهم فيه من الدين مع الائتمام بالملوك فيما يحتاج ~~فيه إلى الائتمام بهم فيه من الدين (2) . وعلي بن الحسين وابنه وجعفر بن ~~محمد وغيرهم هم أيضا [من أئمة] (3) أهل السنة [والجماعة] (4) بهذا ~~الاعتبار، فلم تأتم الشيعة بإمام ذي علم وزهد إلا وأهل السنة يأتمون به ~~أيضا (5) وبجماعات (6) آخرين يشاركونهم في العلم والزهد، بل هم أعلم منه ~~وأزهد. وما اتخذ أهل السنة إماما من أهل المعاصي (7) إلا وقد اتخذت الشيعة ~~إماما من أهل المعاصي شرا منه، فأهل السنة [أولى بالائتمام بأئمة العدل ~~فيما يمكن الائتمام بهم فيه، وأبعد عن الائتمام (8) بأئمة الظلم في غير ما ~~هم ظالمون فيه، فهم] (9) خير من الشيعة في الطرفين. # الوجه الحادي عشر (10) : قوله: " قالت الإمامية فالله يحكم بيننا وبين ~~هؤلاء وهو خير الحاكمين ". PageV04P116 # فيقال للإمامية: إن الله قد حكم بينهم [في الدنيا] (1) بما أظهره من ~~الدلائل والبينات، وبما نصر به أهل الحق (2) عليكم، فهم ظاهرون عليكم ~~بالحجة والبيان، وباليد والسنان (3) ، كما أظهر دين نبيه على سائر الأديان. # قال تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ~~ولو كره المشركون} [سورة التوبة: 33] وكان من دينه (4) قول أهل السنة الذي ~~(5) خالفتموهم [فيه] (6) ، فإنه ظاهر عليكم بالحجة والسنان (7) ، كظهور دين ~~محمد - صلى الله عليه وسلم - على سائر الأديان، ولم يظهر دين محمد - صلى ~~الله عليه وسلم - قط على غيره من الأديان إلا بأهل السنة، كما ظهر في خلافة ~~أبي بكر، وعمر، وعثمان - رضي الله عنهم - ظهورا لم يحصل لشيء من الأديان. # وعلي - رضي الله عنه - مع أنه من الخلفاء الراشدين، ومن سادات السابقين ~~الأولين، فلم (8) يظهر ms0834 في خلافته دين الإسلام، بل وقعت الفتنة بين أهله، ~~وطمع فيهم عدوهم من [الكفار و] النصارى (9) والمجوس PageV04P117 # بالشام والمشرق. وأما بعد علي فلم يعرف أهل علم ودين (*، ولا أهل يد ~~وسيف، نصر الله بهم الإسلام إلا أهل السنة. وأما الرافضة فإما أن تعاون (1) ~~أعداء الإسلام، وإما أن *) (2) تمسك عن نصر الطائفتين. ولا ريب أن الله ~~تعالى يحكم يوم القيامة بين السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وبين ~~من عاداهم من الأولين والآخرين، كما يحكم بين المسلمين والكفار (3) . # الوجه الثاني عشر (4) : أن يقال: هذا التظلم ممن هو؟ إن قلتم: ممن ظلم ~~عليا، كأبي بكر، وعمر على زعمكم، فيقال لكم: الخصم في هذا (5) علي، وقد مات ~~كما مات أبو بكر، وعمر، وهذا أمر لا يتعلق بنا ولا بكم إلا بطريق بيان الحق ~~وموالاة أهله. ونحن نبين بالحجج الباهرة أن أبا بكر، وعمر أولى بالعدل من ~~كل أحد سواهما من هذه الأمة، وأبعد عن الظلم من كل من سواهما، وأن عليا لم ~~يكن يعتقد أنه إمام الأمة دونهما، كما يذكر هذا في موضعه [إن شاء الله ~~تعالى] (6) . # وإن قلتم: نتظلم من الملوك الذين منعوا هؤلاء حقوقهم من الإمامة، فهذا ~~فرع على كون هؤلاء [الاثنى عشر] (7) كانوا يطلبون PageV04P118 # الإمامة، أو كانوا يعتقدون أنهم أئمة [الأمة المعصومون] (1) ، وهذا كذب ~~على القوم. # وسواء كان صدقا أو كذبا، فالله يحكم بين الطائفتين إن كانوا مختصمين: {قل ~~اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما ~~كانوا فيه يختلفون} [سورة الزمر: 46] . # وإن كان التظلم من بعض الملوك الذين بينهم وبين هؤلاء منازعة في ولاية أو ~~مال، فلا ريب أن الله يحكم بين الجميع، كما يحكم بين سائر المختصمين، فإن ~~نفس الشيعة بينهم من المخاصمات أكثر مما بين سائر طوائف [أهل] (2) السنة. # وبنو هاشم قد جرى بينهم نوع من الحروب، وقد جرى (3) بين بني حسن وبني ~~حسين من الحروب ما يجري بين أمثالهم في هذه الأزمان. والحروب في الأزمان ~~المتأخرة بين بعض بني هاشم وبين غيرهم ms0835 من الطوائف أكثر من الحروب التي كانت ~~في أول الزمان بين بعض بني أمية وبعض بني هاشم، لا لشرف نسب أولئك إذ (4) ~~نسب بني هاشم أشرف، لكن لأن خير القرون هو القرن الذي بعث فيه النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - ثم الذين يلونهم، [ثم الذين يلونهم] (5) ، فالخير في تلك ~~القرون أكثر والشر فيما بعدها أكثر. PageV04P119 # وإن كان التظلم من أهل العلم والدين (1) الذين لم يظلموا أحدا، ولم ~~يعاونوا ظالما، ولكن يذكرون ما يجب من القول علما وعملا بالدلائل الكاشفة ~~للحق، فلا يشك من له أدنى عقل أن (2) من شبه مثل مالك، والأوزاعي، والثوري، ~~وأبي حنيفة، والليث بن سعد، والشافعي وأحمد، وإسحاق وأمثالهم، بمثل هشام بن ~~الحكم، وهشام بن سالم وأمثالهما من شيوخ الرافضة: إنه لمن أظلم الظالمين. ~~وكذلك من شبه المفيد بن النعمان والكراجكي (3) وأمثالهما بمثل أبي علي، ~~وأبي هاشم والقاضي عبد الجبار، وأبي الحسين (4) البصري: إنه لمن أظلم ~~الظالمين، وهؤلاء شيوخ المعتزلة، دع محمد بن الهيصم (5) وأمثاله، والقاضي ~~أبا بكر بن الطيب وأمثاله من متكلمة أهل الإثبات، دع أهل الفقه والحديث ~~والتصوف كأبي حامد الإسفراييني، وأبي زيد المروزي، وأبي عبد الله بن حامد ~~(6) ، و [أبي عبد الله] بن بطة (7) ، وأبي بكر عبد العزيز، وأبي بكر ~~الرازي، [وأبي الحسين القدوري] (8) . وأبي محمد بن أبي زيد، وأبي بكر ~~الأبهري، وأبي PageV04P120 # الحسن الدراقطني، و [أبي عبد الله] بن منده (1) ، وأبي الحسين بن سمعون ~~(2) ، وأبي طالب المكي، وأبي عبد الرحمن السلمي، وأمثال هؤلاء. # فما من طائفة من طوائف أهل السنة - على تنوعهم - إلا إذا اعتبرتها وجدتها ~~(3) أعلم وأعدل، وأبعد عن الجهل والظلم، من طائفة الرافضة (4) ، فلا يوجد ~~في أحد منهم معاونة ظالم إلا وهو في الرافضة أكثر، ولا يوجد في الشيعة بعد ~~[ما] عن (5) ظلم ظالم إلا وهو في هؤلاء أكثر. # وهذا أمر يشهد به العيان والسماع، لمن له اعتبار ونظر. ولا يوجد في جميع ~~الطوائف لا (6) أكذب منهم، ولا أظلم منهم، ولا أجهل منهم. وشيوخهم يقرون ~~بألسنتهم، يقولون: يا أهل السنة أنتم ms0836 فيكم فتوة لو قدرنا عليكم لما ~~عاملناكم (7) بما تعاملونا به عند القدرة علينا. PageV04P121 # الوجه الثالث عشر (1) : أن يقال: هذا الشعر الذي استشهد به [واستحسنه] ~~(2) هو قول جاهل، فإن أهل السنة متفقون على قبول ما روى جدهم عن جبريل عن ~~الباري، بل هم يقبلون مجرد قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويؤمنون به، ~~ولا يسألونه من أين علمت هذا، لعلمهم بأنه معصوم لا ينطق عن الهوى، إن هو ~~إلا وحي يوحى، وإنما سموا أهل السنة لاتباعهم لسنته (3) - صلى الله عليه ~~وسلم -. لكن الشأن في [معرفة] (4) ما رواه جدهم، فهم يطلبون علم ذلك من ~~الثقات الأثبات، فإن كان عند أحد من (5) العلويين علم شيء من ذلك استفادوه ~~منه (6) ، وإن كان عند غيرهم علم شيء من ذلك استفادوه منه] (7) . # وأما مجرد كون جدهم روى عن جبريل عن الباري إذا لم يكونوا عالمين به فما ~~يصنع لهم (8) ؟ والناس لم يأخذوا قول مالك والشافعي وأحمد وغيرهم إلا ~~لكونهم يسندون أقوالهم إلى ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن ~~هؤلاء من أعلم الناس بما جاء به، وأتبعهم لذلك، وأشدهم اجتهادا (9) في ~~معرفة [ذلك] واتباعه (10) ، وإلا فأي غرض للناس في تعظيم مثل (11) هؤلاء؟ . ~~PageV04P122 # وعامة الأحاديث التي يرويها هؤلاء يرويها أمثالهم، وكذلك عامة ما يجيبون ~~به في المسائل يقوله (1) أمثالهم، ولا يجعل أهل السنة قول واحد من هؤلاء ~~وحده (2) معصوما يجب اتباعه، بل إذا تنازعوا في شيء ردوه إلى الله والرسول. # واعتبر ذلك بما تشاهده في زمانك من علم (3) أهل العلم بالقرآن والحديث ~~والفقه فيهما (4) ، وأنت (5) تجد كثيرا من بني هاشم لا يحفظ القرآن، ولا ~~يعرف من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ما شاء الله ولا يفقه معاني ~~(6) ذلك. # فإذا قال هذا: روى جدنا عن جبريل عن الباري. قيل: نعم. وهؤلاء أعلم منكم ~~بما روى جدكم عن جبريل، وأنتم ترجعون في ذلك إليهم. وإذا كان كل من الأولين ~~والآخرين من بني هاشم قد تعلم (7) بعض ما جاء به الرسول ### | -[صلى الله عليه وسلم]- # (8) من ms0837 غيره، بل من غير بني PageV04P123 # هاشم، كان هذا من أمارة أنه لا علم عندهم بذلك إلا كعلم أمثالهم. فبمن ~~(1) يأتم الناس، وعمن يأخذون؟ عمن يعرف (2) ما جاء به جدهم أو عمن لا يعرف ~~ذلك؟ والعلماء هم ورثة الأنبياء، فإن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا، ~~وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه فقد (3) أخذ بحظ وافر. # وإن قال: مرادي بهؤلاء الأئمة الاثنا عشر. قيل له: ما رواه علي بن الحسين ~~وأبو جعفر وأمثالهما من حديث جدهم، فمقبول منهم كما يرويه أمثالهم. ولولا ~~أن الناس وجدوا عند مالك، والشافعي، وأحمد أكثر مما وجدوه عند موسى بن ~~جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، لما عدلوا عن هؤلاء إلى هؤلاء. وإلا فأي ~~غرض لأهل العلم والدين أن يعدلوا عن موسى بن جعفر إلى مالك بن أنس، وكلاهما ~~من بلد واحد، في عصر واحد؟ لو وجدوا عند موسى [بن جعفر] (4) من علم الرسول ~~ما وجدوه عند مالك - مع كمال رغبة المسلمين في معرفة علم الرسول، ونفس بني ~~هاشم كانوا يستفيدون علم الرسول من مالك بن أنس أكثر مما يستفيدونه من ابن ~~عمهم موسى بن جعفر، ثم الشافعي جاء بعد مالك وقد خالفه في أشياء وردها عليه ~~حتى وقع بينه وبين أصحاب مالك ما وقع، وهو أقرب نسبا PageV04P124 # ببني هاشم (* من مالك (1) ، ومن أحرص الناس على ما يستفيده من علم الرسول ~~من بني عمه وغير [بني عمه] (2) - فلو وجد (3) عند أحد من بني هاشم *) (4) ~~أعظم من العلم الذي وجده عند مالك، لكان أشد الناس مسارعة إلى ذلك، فلما ~~كان يعترف بأنه لم يأخذ [العلم] (5) عن أحد أعلم من مالك، وسفيان بن عيينة، ~~وكانت كتبه مشحونة بالأخذ عن هذين [الاثنين] (6) وعن غيرهما (7) ، وليس ~~فيها شيء عن موسى بن جعفر وأمثاله من بني هاشم، علم أن مطلوبه من علم ~~الرسول ### | -[صلى الله عليه وسلم]- # (8) كان عند مالك أكثر مما هو عند هؤلاء. # وكذلك أحمد بن حنبل قد علم كمال محبته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~ولحديثه، ومعرفته ms0838 بأقواله وأفعاله، وموالاته لمن يوافقه، ومعاداته لمن ~~يخالفه، ومحبته لبني هاشم، وتصنيفه في فضائلهم، حتى صنف " فضائل (9) علي، ~~والحسن، والحسين " كما صنف " فضائل الصحابة (10) "، ومع PageV04P125 # هذا فكتبه مملوءة بعلم (1) مثل مالك، والثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد، ~~ووكيع بن الجراج، ويحيى بن سعيد القطان، وهشيم بن بشير، وعبد الرحمن بن ~~مهدي وأمثالهم، دون موسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي وأمثالهم. ~~فلو وجد مطلوبه عن مثل هؤلاء لكان أشد الناس رغبة في ذلك. # فإن زعم زاعم أنه كان عندهم من العلم المخزون ما ليس عند أولئك لكن كانوا ~~يكتمونه، فأي فائدة للناس في علم يكتمونه؟ (2) فعلم لا يقال به ككنز لا ~~ينفق منه، وكيف (3) يأتم الناس بمن لا يبين لهم العلم المكتوم، كالإمام ~~المعدوم، وكلاهما لا ينتفع به، ولا يحصل به لطف ولا مصلحة. # وإن قالوا: بل كانوا يبينون (4) ذلك لخواصهم دون هؤلاء الأئمة. قيل: ~~أولا: هذا كذب عليهم، فإن جعفر بن محمد لم يجئ بعده مثله. وقد أخذ العلم ~~عنه (5) هؤلاء الأئمة، كمالك، وابن عيينة، وشعبة، والثوري، وابن جريج، ~~ويحيى بن سعيد، وأمثالهم من العلماء المشاهير (6) الأعيان. PageV04P126 # ثم من ظن بهؤلاء السادة أنهم يكتمون علمهم (1) عن مثل هؤلاء، ويخصون به ~~قوما مجهولين ليس لهم في الأمة لسان صدق، فقد أساء الظن بهم، فإن في هؤلاء ~~من المحبة لله ولرسوله، والطاعة له والرغبة في حفظ دينه وتبليغه وموالاة من ~~والاه ومعاداة من عاداه وصيانته عن الزيادة والنقصان ما لا يوجد قريب منه ~~لأحد من شيوخ الشيعة. # وهذا أمر معلوم بالضرورة لمن عرف هؤلاء وهؤلاء. واعتبر هذا مما تجده في ~~كل زمان من شيوخ السنة وشيوخ الرافضة، كمصنف هذا الكتاب، فإنه عند الإمامية ~~أفضلهم في زمانه، بل يقول بعض الناس: ليس في بلاد المشرق أفضل منه في جنس ~~العلوم مطلقا. ومع هذا فكلامه يدل على أنه من أجهل خلق الله بحال النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - وأقواله وأعماله، فيروي الكذب (2) الذي يظهر أنه كذب ~~من وجوه كثيرة، فإن كان عالما ms0839 بأنه كذب فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه ~~قال: " «من حدث عني بحديث وهو (3) يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» (4) " وإن ~~كان جاهلا بذلك دل على أنه من أجهل الناس بأحوال النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - كما قيل: PageV04P127 # فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم # (* وأما الأبيات التي أنشدها فقد قيل في معارضتها: # إذا شئت أن ترضى لنفسك مذهبا ... تنال به الزلفى وتنجو من النار # فدن بكتاب الله والسنة (1) التي ... أتت عن رسول الله من نقل أخيار (2) ~~ودع عنك دين الرفض (3) والبدع التي # يقودك داعيها إلى النار والعار # وسر خلف أصحاب الرسول فإنهم ... نجوم هدى في ضوئها يهتدي الساري # وعج عن طريق الرفض فهو مؤسس ... على الكفر تأسيسا على جرف هار # هما خطتا (4) : إما هدى وسعادة ... وإما شقاء مع ضلالة كفار # فأي فريقينا (5) أحق بأمنه ... وأهدى سبيلا عند ما يحكم الباري # أمن سب أصحاب الرسول وخالف ال ... كتاب ولم يعبا بثابت أخبار (6) أم ~~المقتدي بالوحي يسلك منهج ال صحابة مع حب القرابة الاطهار (7) *) (8) ~~PageV04P128 ### | كلام الرافضي على اختيار الناس لمذهب أهل السنة طلبا للدنيا والرد عليه # فصل (1) . # قال الرافضي (2) : " وما أظن أحدا من المحصلين (3) وقف على هذه المذاهب ~~واختار (4) غير مذهب الإمامية باطنا، وإن كان في الظاهر يصير إلى غيره طلبا ~~للدنيا؛ حيث وضعت لهم المدارس والربط والأوقاف حتى تستمر (5) لبني العباس ~~الدعوة ويشيدوا (6) للعامة اعتقاد إمامتهم ". # فيقال: هذا الكلام (7) لا يقوله إلا من هو من أجهل الناس بأحوال أهل ~~السنة، أو من (8) هو من أعظم الناس كذبا وعنادا، وبطلانه (9) ظاهر من وجوه ~~كثيرة، فإنه من المعلوم أن السنة كانت قبل أن تبنى المدارس أقوى وأظهر، فإن ~~المدارس إنما بنيت في بغداد في أثناء المائة الخامسة: بنيت النظامية في ~~حدود الستين والأربعمائة، وبنيت على مذهب واحد من الأئمة الأربعة (10) . ~~والمذاهب الأربعة طبقت المشرق PageV04P129 # والمغرب (1) وليس لأحد منهم مدرسة، والمالكية في الغرب (2) لا يذكر عندهم ~~ولد العباس. # ثم السنة كانت قبل دولة بني العباس أظهر منها ms0840 وأقوى في دولة بني العباس، ~~فإن بني العباس دخل في دولتهم كثير (3) من الشيعة وغيرهم من أهل البدع. ثم ~~إن (4) أهل السنة متفقون على أن الخلافة لا تختص ببني العباس، وإنه لو ~~تولاها بعض العلويين أو الأمويين أو غيرهم من بطون قريش جاز، ثم من المعلوم ~~أن علماء السنة كمالك وأحمد وغيرهما من أبعد الناس عن مداهنة الملوك أو ~~مقاربتهم، ثم إن (5) أهل السنة إنما يعظمون الخلفاء الراشدين، وليس فيهم ~~أحد من بني العباس. # ثم من المعلوم لكل عاقل أنه ليس في علماء المسلمين المشهورين أحد (6) ~~رافضي، بل كلهم متفقون على تجهيل الرافضة وتضليلهم، وكتبهم كلها ~~PageV04P130 # شاهدة بذلك، وهذه كتب الطوائف كلها تنطق (1) بذلك، مع أنه لا أحد يلجئهم ~~إلى ذكر الرافضة، وذكر جهلهم وضلالهم. # وهم دائما يذكرون من جهل الرافضة وضلالهم ما يعلم معه بالاضطرار أنهم ~~يعتقدون أن الرافضة من أجهل الناس وأضلهم، وأبعد طوائف الأمة عن الهدى. كيف ~~(2) . ومذهب هؤلاء الإمامية قد جمع عظائم البدع المنكرة، فإنهم جهمية قدرية ~~رافضة (3) . وكلام السلف والعلماء في ذم كل (4) صنف من هذه الأصناف لا ~~يحصيه إلا الله، والكتب مشحونة بذلك، ككتب الحديث والآثار والفقه والتفسير ~~والأصول والفروع وغير ذلك، وهؤلاء الثلاثة شر من غيرهم من أهل البدع ~~كالمرجئة (5) والحرورية. # والله يعلم أني مع كثرة بحثي وتطلعي إلى معرفة أقوال الناس [ومذاهبهم] ~~(6) ما علمت رجلا له في الأمة لسان صدق يتهم (7) بمذهب الإمامية، فضلا عن ~~أن يقال: إنه (8) يعتقده في الباطن. # وقد اتهم بمذهب الزيدية الحسن بن صالح بن حي، وكان فقيها PageV04P131 # صالحا (1) زاهدا (2) ، وقيل: إن ذلك كذب عليه، ولم ينقل (3) أحد عنه (4) ~~: إنه طعن في أبي بكر وعمر، فضلا عن أن يشك في إمامتهما. واتهم (5) طائفة ~~من الشيعة الأولى (* بتفضيل علي على عثمان (6) ، ولم يتهم أحد من الشيعة ~~الأولى بتفضيل علي على أبي بكر وعمر، بل كانت عامة الشيعة الأولى *) (7) ~~الذين يحبون عليا يفضلون عليه (8) أبا بكر وعمر، لكن كان فيهم طائفة ترجحه ~~(9) على عثمان، وكان الناس في الفتنة صاروا شيعتين ms0841: شيعة عثمانية، وشيعة ~~علوية. وليس كل من قاتل مع علي كان يفضله على عثمان، بل كان كثير منهم يفضل ~~عثمان عليه، كما هو قول سائر أهل السنة. PageV04P132 ### | كلام الرافضي على تدين بعض أهل السنة بمذهب الإمامية في الباطن والرد عليه # فصل (1) . # قال الرافضي (2) : " وكثيرا ما رأينا من يتدين في الباطن بمذهب (3) ~~الإمامية، ويمنعه عن إظهاره حب الدنيا وطلب الرياسة، وقد رأيت بعض أئمة ~~الحنابلة يقول: إني على مذهب الإمامية، فقلت: لم (4) تدرس على مذهب ~~الحنابلة؟ فقال: ليس في مذهبكم البغلات والمشاهرات. وكان أكبر مدرسي (5) ~~الشافعية في زماننا حيث توفي أوصى أن يتولى أمره في غسله وتجهيزه بعض ~~المؤمنين (6) وأن يدفن في مشهد مولانا الكاظم، وأشهد عليه أنه كان على مذهب ~~الإمامية ". # والجواب: أن قوله: " وكثيرا ما رأينا " هذا كذب (7) ، بل قد يوجد في بعض ~~المنتسبين إلى مذهب الأئمة الأربعة من هو في الباطن رافضي، كما يوجد في ~~المظهرين للإسلام من هو في الباطن منافق، فإن الرافضة لما كانوا من جنس ~~المنافقين يخفون أمرهم احتاجوا أن يتظاهروا بغير ذلك (8) ، كما احتاج ~~المنافقون (9) أن يتظاهروا بغير الكفر، ولا يوجد هذا إلا فيمن هو ~~PageV04P133 # جاهل بأحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمور المسلمين كيف كانت في ~~أول الإسلام. وأما من عرف الإسلام كيف كان، وهو مقر بأن محمدا رسول الله ~~باطنا وظاهرا، فإنه يمتنع أن يكون في الباطن رافضيا، ولا يتصور أن يكون في ~~الباطن رافضيا إلا زنديق منافق، أو جاهل بالإسلام كيف كان، [مفرط في الجهل] ~~(1) . # والحكاية التي ذكرها عن بعض الأئمة المدرسين ذكر لي بعض البغداديين أنها ~~كذب مفترى، فإن كان صادقا فيما نقله عن بعض المدرسين من هؤلاء وهؤلاء، فلا ~~ينكر أن يكون في المنتسبين إلى الأئمة الأربعة من هو زنديق ملحد مارق من ~~الإسلام (2) ، فضلا عن أن يكون رافضيا. ومن استدل بزندقة بعض الناس في ~~الباطن على أن علماء المسلمين كلهم زنادقة، كان من أجهل الناس، كذلك (3) من ~~استدل برفض بعض الناس في الباطن. # ولو كشف لنا عن اسم ms0842 هذا المدرس وهذا المدرس لبينا من جهله (4) ما يبين ~~حقيقة حاله (5) . وهل في مجرد كون الرجل تولى التدريس في مثل دولة الترك ~~الكفار، أو الحديثي العهد بالإسلام، ما يدل على فضيلة المدرس وديانته، حتى ~~يجعل له قول؟ مع العلم بأن (6) كثيرا ممن يتولى التدريس PageV04P134 # بجاه الظلمة الجهال (1) يكون من أجهل الناس وأظلمهم، ولكن الذي يدل على ~~فضيلة العلماء ما اشتهر من علمهم عند الناس، وما ظهر من آثار كلامهم ~~وكتبهم. فهل عرف أحد (2) من فضلاء أصحاب الشافعي وأحمد و [أصحاب] مالك (3) ~~كان رافضيا؟ أم يعلم (4) بالاضطرار أن كل فاضل منهم فإنه (5) من أشد الناس ~~إنكارا للرفض. وقد اتهم طائفة من أتباع الأئمة بالميل إلى نوع من الاعتزال، ~~ولم يعلم عن أحد منهم أنه اتهم بالرفض (6) ، لبعد الرفض (7) عن طريقة أهل ~~العلم، فإن المعتزلة وإن كانت أقوالهم متضمنة (8) لبدع منكرة، فإن فيهم من ~~العلم (9) والدين، والاستدلال بالأدلة الشرعية والعقلية، والرد على ما هو ~~أبعد عن الإسلام [منهم] (10) من أهل الملل والملاحدة، بل ومن الرد على ~~الرافضة ما أوجب أن يدخل فيهم جماعات من أهل العلم والدين، وإن انتسبوا ~~(11) إلى مذهب بعض الأئمة الأربعة، كأبي حنيفة وغيره، بخلاف الرافضة فإنهم ~~من أجهل PageV04P135 # الطوائف بالمنقول والمعقول، ومن دخل فيهم من المظهرين للعلم والدين باطنا ~~(1) فلا يكون إلا من أجهل الناس، أو زنديقا ملحدا. ### | [كلام الرافضي على وجوب اتباع مذهب الإمامية لأنهم لم يذهبوا إلى التعصب في غير الحق بخلاف غيرهم] # فصل (2) . # قال الرافضي (3) : " الوجه الخامس: في بيان وجوب اتباع مذهب الإمامية ~~أنهم لم يذهبوا (4) إلى التعصب في غير الحق، بخلاف غيرهم (5) ، فقد ذكر ~~الغزالي والماوردي (6) ، وهما (7) إمامان للشافعية، أن تسطيح القبور هو ~~المشروع، لكن لما جعلته الرافضة شعارا لهم (8) عدلنا عنه إلى التسنيم، وذكر ~~الزمخشري، PageV04P136 # وكان من أئمة الحنفية، في تفسير قوله تعالى: {هو الذي يصلي عليكم ~~وملائكته} [سورة الأحزاب: 42] أنه يجوز بمقتضى هذه الآية أن يصلى على آحاد ~~المسلمين، لكن لما اتخذت الرافضة ذلك في (1) أئمتهم منعناه، وقال مصنف " ~~الهداية " من الحنفية ms0843: إن المشروع التختم في اليمين (2) ، ولكن لما اتخذته ~~الرافضة جعلنا التختم في (3) في اليسار، وأمثال ذلك كثير. فانظر إلى من ~~يغير الشريعة ويبدل الأحكام التي ورد بها النص عن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - (4) ويذهب إلى ضد الصواب معاندة لقوم [معينين] (5) ، فهل يجوز ~~اتباعه والمصير إلى أقواله (6) ؟ ". # والجواب من طريقين: أحدهما: أن هذا الذي ذكره هو بالرافضة ألصق. # والثاني: أن أئمة السنة برآء من هذا. # أما الطريق الأول فيقال: لا نعلم طائفة أعظم تعصبا في الباطل من الرافضة، ~~حتى أنهم دون سائر الطوائف عرف منهم شهادة الزور لموافقهم PageV04P137 # على مخالفهم، وليس في التعصب أعظم من الكذب، وحتى أنهم في التعصب جعلوا ~~للبنت جميع الميراث، ليقولوا: إن فاطمة - رضي الله عنها - ورثت رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - دون عمه العباس [- رضي الله عنه -] (1) ، وحتى أن ~~فيهم من حرم لحم الجمل (2) ؛ لأن عائشة قاتلت على جمل، فخالفوا كتاب الله ~~وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإجماع الصحابة والقرابة لأمر لا يناسب ~~ذلك (3) ، فإن ذلك الجمل الذي ركبته عائشة [رضي الله عنها] (4) مات، ولو ~~فرض أنه حي فركوب الكفار على الجمال لا يوجب تحريمها، وما زال الكفار ~~يركبون جمالا (5) ويغنمها المسلمون منهم، ولحمها حلال لهم، فأي شيء في ركوب ~~عائشة للجمل مما (6) يوجب تحريم لحمه؟ . # وغاية ما يفرضون أن بعض من يجعلونه كافرا ركب جملا (7) ، مع أنهم كاذبون ~~مفترون فيما يرمون به أم المؤمنين - رضي الله عنها -. # ومن تعصبهم أنهم لا يذكرون اسم (8) " العشرة " بل يقولون: تسعة وواحد. ~~وإذا بنوا أعمدة أو غيرها لا يجعلونها عشرة، وهم يتحرون ذلك في كثير من ~~أمورهم. PageV04P138 # مع أن الكتاب العزيز قد جاء بذكر " العشرة " و " العشر " (1) في غير ~~موضع، كما في قوله تعالى: {فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك ~~عشرة كاملة} [سورة البقرة: 196] ، وقال: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ~~يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} [سورة البقرة: 234] ، وقال تعالى: ~~{وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر} [سورة الأعراف: 142] ، وقال ~~تعالى: {والفجر - وليال عشر} [سورة ms0844 الفجر: 1، 2] . # فذكر سبحانه وتعالى اسم " العشرة " في مواضع محمودة. وذكر اسم " التسعة " ~~في موضع مذموم كقوله تعالى: {وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا ~~يصلحون} [سورة النمل: 48] . # وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «تحروا ليلة القدر في العشر ~~الأواخر من رمضان» " (2) . وكان يعتكف العشر الأواخر حتى قبضه الله تعالى. ~~وقال: " «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام العشرة» ~~" (3) فإذا كان الله ورسوله قد تكلم باسم " العشرة " وعلق بهذا PageV04P139 # [العدد] (1) أحكاما شرعية محمودة، كان نفورهم عن التكلم بذلك لكونه قد ~~تسمى به (2) عشرة من الناس يبغضونهم غاية الجهل والتعصب. # ثم قولهم: تسعة وواحدة، هو معنى العشرة مع طول العبارة. وإذا (3) كان اسم ~~العشرة أو التسعة أو السبعة يقع على كل معدود بهذا العدد، سواء كان من ~~الناس أو الدواب أو الثياب أو الدراهم، وبعض المعدودات يكون محمودا، وبعضها ~~يكون مذموما، فنفور هؤلاء الجهال عن التكلم بهذه الأعداد في غاية الجهل (4) ~~، وإنما هو كنفورهم عن التكلم بأسماء قوم يبغضونهم، كما ينفرون عمن اسمه ~~أبو بكر وعمر [وعثمان] (5) لبغضهم لشخص كان اسمه هذا الاسم. # وقد كان من (6) الصحابة - رضي الله عنهم - من هو مسمى بأسماء تسمى بها ~~(7) بعض الكفار كالوليد بن الوليد. وقد ثبت في الصحيح «أن النبي - صلى ~~PageV04P140 # الله عليه وسلم - كان يقول في قنوته [إذا قنت] (1) : اللهم أنج الوليد بن ~~الوليد، وأنج سلمة (2) بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من ~~المؤمنين» " (3) . # وهذا الوليد مؤمن تقي، وأبوه الوليد كافر شقي، وكذلك عقبة بن أبي معيط من ~~كفار قريش. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «رأيت كأني في دار ~~عقبة بن رافع وأتينا برطب ابن طاب (4) ، فأولت الرفعة لنا (5) في الدنيا، ~~والعاقبة لنا في الآخرة، وأن ديننا قد طاب» (6) ". # وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو علي بن أبي طالب وفي الكفار ~~علي بن أمية بن خلف قتل هو وأبوه يوم بدر كافرين. وفي الصحابة PageV04P141 # كعب بن مالك شاعر النبي - صلى الله عليه ms0845 وسلم - وغيره، وكان كعب بن (1) ~~الأشرف قد آذى الله ورسوله (2) حتى ندب النبي - صلى الله عليه وسلم - لقتله ~~محمد بن مسلمة وأصحابه (3) . وفي الصحابة «أبي بن كعب (4) الذي قال له ~~النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله أمرني أن أقرأ عليك: {لم يكن ~~الذين كفروا} » [سورة البينة: 1] (5) يعني قراءة (6) تبليغ لا قراءة تعلم ~~(7) . وفي المشركين أبي بن خلف قتله النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده يوم ~~أحد، ولم يقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده [أحدا] (8) غيره، وقال: " ~~«إن (9) من أشد PageV04P142 # الناس عذابا يوم القيامة من قتل نبيا أو قتله نبي» " (1) . وهذا باب ~~واسع. # [وقد سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنه إبراهيم] (2) ، وقد سمى علي ~~- رضي الله عنه - ابنيه أبا بكر وعمر (3) . # ففي الجملة أسماء الأعلام يشترك فيها المسلم والكافر، كما تسمي اليهود ~~والنصارى إبراهيم وموسى وإسحاق ويعقوب، والمسلمون يسمون بذلك أيضا، فليس في ~~تسمية الكافر باسم ما يوجب هجران ذلك الاسم (4) ، [فلو فرض - والعياذ بالله ~~- أن هؤلاء كفار، كما يقول المفترون - لعنهم الله (5) - لم يكن في ذلك ما ~~يوجب هجران هذه الأسماء] (6) ، وإنما ذلك مبالغة في التعصب والجهل. # فإن قيل: إنما يكرهون هذا الاسم لأن المسمى به يكون سنيا. PageV04P143 # قيل: فهم قد يعرفون (1) مذهب الرجل ولا يخاطبونه بهذا الاسم، بل بغيره من ~~الأسماء، مبالغة في هجران هذا الاسم. ومن تعصبهم أنهم إذا وجدوا مسمى بعلي ~~أو جعفر أو الحسن أو الحسين بادروا إلى إكرامه (2) ، مع أنه قد يكون فاسقا، ~~وقد يكون في الباطن سنيا، فإن أهل السنة يسمون بهذه الأسماء. كل هذا من ~~التعصب والجهل، ومن تعصبهم وجهلهم أنهم يبغضون بني أمية كلهم لكون بعضهم ~~كان ممن يبغض عليا. # وقد كان في بني أمية قوم صالحون ماتوا قبل الفتنة، وكان بنو أمية أكثر ~~القبائل عمالا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لما فتح مكة استعمل ~~عليها عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية (3) ، واستعمل خالد بن سعيد بن ~~العاص (4) بن أمية، وأخويه (5) أبان بن سعيد (6) وسعيد بن ms0846 سعيد على أعمال ~~أخر (7) ، واستعمل أبا سفيان بن PageV04P144 # حرب بن أمية على نجران أو ابنه (1) يزيد، ومات وهو عليها (2) ، وصاهر ~~[نبي الله - صلى الله عليه وسلم -] (3) ببناته الثلاثة لبني أمية، فزوج ~~أكبر بناته زينب بأبي العاص بن الربيع بن أمية بن عبد شمس (4) ، وحمد صهره ~~لما أراد علي أن يتزوج ببنت (5) أبي جهل، فذكر صهرا له من بني [أمية] (6) ~~بن عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته، وقال: " حدثني فصدقني (7) ، ووعدني فوفى ~~لي " (8) . PageV04P145 # «وزوج ابنتيه لعثمان بن عفان، واحدة بعد واحدة، وقال: " لو كانت عندنا ~~ثالثة لزوجناها عثمان» " (1) . # وكذلك من جهلهم وتعصبهم أنهم (2) يبغضون أهل الشام؛ لكونهم (3) كان فيهم ~~أولا من يبغض عليا. ومعلوم أن مكة كان فيها كفار ومؤمنون، وكذلك المدنية ~~كان فيها مؤمنون ومنافقون (4) ، والشام في هذه الأعصار لم يبق فيه (5) من ~~يتظاهر ببغض علي، ولكن لفرط جهلهم يسحبون ذيل البغض. وكذلك من جهلهم أنهم ~~يذمون من ينتفع بشيء من آثار بني أمية، كالشرب من نهر يزيد، ويزيد لم يحفره ~~[ولكن وسعه] (6) ، PageV04P146 # وكالصلاة في جامع بناه بنو أمية. ومن المعلوم أن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - كان يصلي إلى الكعبة التي بناها المشركون، وكان يسكن في المساكن ~~التي بنوها، وكان يشرب من [ماء] (1) الآبار التي حفروها، ويلبس [من] (2) ~~الثياب التي نسجوها، ويعامل بالدراهم التي ضربوها. فإذا كان ينتفع بمساكنهم ~~وملابسهم، والمياه التي أنبطوها (3) ، والمساجد التي بنوها، فكيف بأهل ~~القبلة؟ ! . # فلو فرض أن يزيد كان كافرا وحفر نهرا، لم يكره الشرب منه (4) بإجماع ~~المسلمين، ولكن لفرط تعصبهم كرهوا ما يضاف إلى من يبغضونه. # ولقد حدثني ثقة أنه كان لرجل (5) منهم كلب فدعاه آخر منهم: بكير ~~PageV04P147 # بكير (1) فقال صاحب الكلب: أتسمي كلبي بأسماء أصحاب النار (2) ؟ ! ~~فاقتتلا على ذلك حتى جرى بينهما دم. فهل يكون أجهل من هؤلاء؟ ! . # والنبي - صلى الله عليه وسلم - يسمي أصحابه بأسماء قد تسمى بها قوم من ~~أهل النار الذين ذكرهم [الله] (3) في القرآن، كالوحيد الذي ذكره الله [في ~~القرآن] (4) في قوله: {ذرني ومن خلقت وحيدا} [سورة المدثر ms0847: 11] واسمه ~~الوليد بن المغيرة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو لابن هذا، ~~واسمه أيضا الوليد، ويسمي الابن والأب في الصلاة، ويقول: " «اللهم انج ~~الوليد بن الوليد» " كما ثبت ذلك في الصحيح (5) . # ومن فرط جهلهم وتعصبهم (6) أنهم يعمدون إلى يوم أحب الله صيامه فيرون ~~فطره، كيوم عاشوراء. وقد ثبت في الصحيح عن أبي موسى قال: «دخل النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - المدينة (7) وإذا ناس من اليهود يعظمون عاشوراء ويصومونه، ~~فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " نحن أحق بصومه " وأمر بصومه» ، أخرجه ~~البخاري (8) PageV04P148 # ومن فرط جهلهم وتعصبهم أنهم يعمدون إلى دابة عجماء فيؤذونها بغير حق، إذ ~~جعلوها بمنزلة من يبغضونه (1) ، كما يعمدون إلى نعجة حمراء يسمونها عائشة ~~وينتفون شعرها، ويعمدون إلى دواب لهم فيسمون بعضها أبا بكر وبعضها عمر ~~ويضربونها بغير حق، ويصورون صورة إنسان من حيس (2) يجعلونه عمر ويبعجون ~~بطنه، ويزعمون أنهم يأكلون لحمه ويشربون دمه (3) . # وأما الطريق الثاني في الجواب فنقول: الذي عليه أئمة الإسلام أن ما كان ~~مشروعا لم يترك لمجرد فعل أهل البدع: لا الرافضة ولا غيرهم. وأصول الأئمة ~~كلهم توافق (4) هذا، منها مسألة التسطيح الذي ذكرها، PageV04P149 # فإن مذهب أبي حنيفة وأحمد أن تسنيم القبور أفضل، كما ثبت في الصحيح «أن ~~قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مسنما» (1) ، ولأن ذلك أبعد عن ~~مشابهة أبنية الدنيا، وأمنع عن القعود (2) على القبور. والشافعي يستحب ~~التسطيح لما روي من الأمر بتسوية (3) القبور، فرأى أن التسوية هي التسطيح ~~(4) ، ثم إن بعض أصحابه قال: [إن] (5) هذا شعار الرافضة فيكره ذلك، فخالفه ~~جمهور الأصحاب (6) وقالوا: بل هو المستحب وإن فعلته الرافضة. # وكذلك الجهر بالبسملة هو (7) مذهب الرافضة، وبعض الناس تكلم في الشافعي ~~بسببها، وبسبب (8) القنوت، ونسبه إلى قول الرافضة والقدرية؛ لأن المعروف في ~~العراق أن الجهر [كان] (9) من شعار (10) PageV04P150 # الرافضة، وأن القنوت في الفجر كان من شعار (1) القدرية [الرافضة] (2) ، ~~حتى أن سفيان الثوري وغيره من الأئمة يذكرون في عقائدهم ترك الجهر ~~بالبسملة؛ لأنه كان عندهم من شعار الرافضة، [كما يذكرون المسح على ms0848 الخفين؛ ~~لأن تركه كان من شعار الرافضة] (3) ، ومع هذا فالشافعي لما رأى أن هذا هو ~~السنة كان ذلك مذهبه وإن وافق قول الرافضة. # وكذلك إحرام أهل العراق من العقيق يستحب (4) عنده، وإن كان ذلك مذهب ~~الرافضة، ونظائر هذا كثيرة. # وكذلك مالك يضعف أمر المسح على الخفين، حتى أنه في المشهور عنه لا يمسح ~~في الحضر، وإن وافق ذلك قول الرافضة. وكذلك مذهبه ومذهب أحمد، المشهور عنه ~~(5) أن المحرم لا يستظل (6) بالمحمل، وإن كان ذلك قول الرافضة. وكذلك قال ~~مالك: إن السجود يكره على غير جنس الأرض، والرافضة يمنعون من (7) السجود ~~على غير الأرض. وكذلك أحمد بن حنبل يستحب المتعة - متعة الحج - ويأمر بها ~~حتى يستحب (8) هو وغيره من الأئمة - أئمة أهل الحديث - لمن أحرم مفردا أو ~~قارنا أن PageV04P151 # يفسخ ذلك إلى العمرة ويصير متمتعا؛ لأن الأحاديث الصحيحة جاءت بذلك؛ حتى ~~قال سلمة بن شبيب (1) للإمام أحمد: يا أبا عبد الله قويت قلوب الرافضة لما ~~أفتيت أهل خراسان بالمتعة، فقال: يا سلمة، كان يبلغني عنك أنك أحمق، وكنت ~~أدفع عنك، والآن فقد (2) ثبت عندي أنك أحمق: عندي أحد عشر حديثا صحاحا عن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - أتركها لقولك؟ ! . # وكذلك أبو حنيفة مذهبه أنه يجوز الصلاة على (3) غير النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وهذا هو المنصوص عن أحمد في رواية ~~غير واحد من أصحابه. واستدل بما نقله عن علي - رضي الله عنه - أنه قال لعمر ~~[- رضي الله عنه - (4) ] : صلى الله عليك. وهو اختيار أكثر أصحابه، كالقاضي ~~أبي يعلى، وابن عقيل، وأبي محمد عبد القادر الجيلي (5) وغيرهم، ولكن نقل عن ~~مالك والشافعي المنع من ذلك، وهو PageV04P152 # اختيار بعض أصحاب أحمد لما روي عن ابن عباس [- رضي الله عنهما - (1) ] ~~أنه قال: لا تصلح الصلاة [من أحد على أحد] على غير النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - (2) (* وهذا الذي قاله ابن عباس [- رضي الله عنه -] (3) قاله - ~~والله أعلم - لما صارت الشيعة تخص بالصلاة عليا دون غيره، [ويجعلون ذلك ~~كأنه مأمور ms0849 به في حقه بخصوصه دون غيره] (4) ، وهذا خطأ بالاتفاق، فإن الله ~~تعالى أمر بالصلاة على نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وقد فسر النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - ذلك بالصلاة عليه وعلى آله، فيصلى على جميع آله تبعا له ~~(5) . # وآل محمد - صلى الله عليه وسلم - عند الشافعي وأحمد هم الذين حرمت (6) ~~عليهم الصدقة. وذهبت طائفة من أصحاب مالك وأحمد وغيرهما إلى أنهم أمة [محمد ~~- صلى الله عليه وسلم -] . وقالت (7) طائفة من الصوفية: إنهم الأولياء من ~~أمته، وهم المؤمنون المتقون، وروي (8) في ذلك حديث PageV04P153 # ضعيف (1) لا يثبت، فالذي قالته الحنفية وغيرهم، أنه إذا كان عند قوم (2) ~~لا يصلون إلا على علي دون الصحابة، فإذا صلى على علي ظن أنه منهم، فيكره ~~(3) لئلا يظن به أنه رافضي، فأما إذا علم أنه صلى (4) على علي وعلى سائر ~~الصحابة لم يكره ذلك. # وهذا القول يقوله سائر الأئمة (5) . فإنه إذا كان في فعل مستحب مفسدة ~~راجحة لم يصر مستحبا * (6)) . [ومن هنا] (7) ذهب من ذهب من الفقهاء إلى ترك ~~بعض المستحبات إذا صارت شعارا لهم، فإنه لم يترك واجبا بذلك (8) ، لكن قال ~~(9) : في إظهار ذلك مشابهة لهم، فلا يتميز السني من الرافضي، ومصلحة التميز ~~(10) عنهم لأجل هجرانهم ومخالفتهم، أعظم من مصلحة هذا المستحب. وهذا الذي ~~ذهب إليه يحتاج إليه في بعض المواضع إذا كان في الاختلاط والاشتباه مفسدة ~~راجحة على مصلحة فعل ذلك (11) المستحب، لكن هذا أمر عارض لا يقتضي أن يجعل ~~المشروع ليس PageV04P154 # بمشروع دائما، بل هذا مثل لباس (1) شعار الكفار وإن كان مباحا [إذا] (2) ~~لم يكن شعارا لهم، كلبس العمامة الصفراء، فإنه جائز إذا لم يكن شعارا ~~لليهود، فإذا صار شعارا لهم نهي عن ذلك (3) . ### | زعم الرافضي بأن المنصور ابتدع ذكر الخلفاء الراشدين في خطب الجمعة # فصل (4) . # قال الرافضي (5) : " مع أنهم ابتدعوا أشياء، واعترفوا بأنها بدعة، وأن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فإن مصيرها ~~إلى النار» ". وقال - صلى الله عليه وسلم -: " «من أدخل (6) في ديننا ما ~~ليس منه فهو ms0850 رد» "، ولو ردوا عنها كرهته (7) نفوسهم ونفرت قلوبهم، كذكر ~~الخلفاء في خطبهم (8) مع أنه بالإجماع لم يكن في زمن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -، ولا في زمن أحد من الصحابة والتابعين، ولا في زمن بني أمية، ولا في ~~صدر (9) ولاية العباسيين، بل شيء (10) أحدثه المنصور لما وقع بينه وبين ~~PageV04P155 # العلوية (1) [خلاف] (2) ، فقال: والله لأرغمن أنفي وأنوفهم وأرفع (3) ~~عليهم بني تيم وعدي، وذكر الصحابة في خطبته، واستمرت [هذه البدعة] (4) إلى ~~هذا الزمان ". ### | الجواب على زعم الرافضي بأن المنصور ابتدع ذكر الخلفاء الراشدين في خطب الجمعة من وجوه # فيقال: الجواب (5) من وجوه: أحدها: أن ذكر الخلفاء على المنبر كان على ~~عهد عمر بن عبد العزيز، بل قد روي أنه كان على عهد عمر بن الخطاب - رضي ~~الله عنه -، وحديث ضبة بن محصن (6) من أشهر الأحاديث. فروى الطلمنكي من ~~حديث ميمون بن مهران، قال: كان أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - إذا خطب ~~بالبصرة يوم الجمعة، وكان واليها، صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ~~ثنى بعمر بن الخطاب يدعو له. فيقوم ضبة بن محصن العنزي فيقول (7) : فأين ~~أنت عن (8) ذكر صاحبه قبله يفضله؟ (9) - يعني أبا بكر - رضي الله عنهما -. ~~ثم قعد، فلما فعل ذلك مرارا أمحكه (10) أبو موسى، فكتب أبو موسى إلى عمر - ~~رضي الله عنه - أن ضبة PageV04P156 # يطعن علينا ويفعل، فكتب عمر إلى ضبة يأمره (1) أن يخرج إليه، فبعث به أبو ~~موسى، فلما قدم ضبة المدينة على عمر - رضي الله عنه - قال له الحاجب (2) : ~~ضبة العنزي بالباب. فأذن له، فلما دخل [عليه] (3) قال: لا مرحبا بضبة ولا ~~أهلا. قال ضبة: أما المرحب فمن الله، وأما الأهل فلا أهل ولا مال، فبم ~~استحللت إشخاصي من مصري بلا ذنب أذنبت ولا شيء أتيت؟ قال: ما الذي شجر بينك ~~وبين عاملك؟ . # قلت (4) : الآن أخبرك يا أمير المؤمنين: إنه كان إذا خطب فحمد الله فأثنى ~~عليه (5) وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم -، [ثم] ثنى (6) يدعو لك، ~~فغاظني (7) ذلك منه، وقلت: أين أنت عن ms0851 (8) صاحبه: تفضله عليه؟ فكتب إليك ~~يشكوني. قال: فاندفع عمر - رضي الله عنه - باكيا وهو يقول: أنت والله أوفق ~~منه وأرشد منه، فهل أنت غافر لي ذنبي، يغفر الله لك؟ قلت: غفر الله لك يا ~~أمير المؤمنين، ثم اندفع باكيا وهو (9) PageV04P157 # يقول: والله لليلة (1) من أبي بكر ويوم خير من عمر وآل عمر، فهل لك أن ~~أحدثك بليلته (2) ويومه؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين. # قال: أما الليلة (3) فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج من ~~مكة هاربا من المشركين خرج ليلا، فتبعه أبو بكر، فجعل يمشي مرة أمامه، ومرة ~~خلفه، ومرة عن يمينه، ومرة عن يساره. فقال له رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم -: " ما هذا يا أبا بكر؟ ما أعرف هذا من فعلك ". فقال: يا رسول الله، ~~أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون خلفك، ومرة عن يمينك، ومرة عن ~~يسارك، لا آمن عليك. فمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أطراف ~~أصابعه حتى حفيت. فلما رأى أبو بكر أنها قد حفيت (4) حمله على عاتقه، حتى ~~أتى به فم الغار، فأنزله، ثم قال: والذي بعثك بالحق لا تدخله حتى أدخله، ~~فإن كان فيه شيء فيبدأ بي قبلك، فلم ير (5) شيئا يستريبه، فحمله فأدخله (6) ~~، وكان في الغار خرق فيه حيات (7) ، فلما رأى ذلك أبو بكر (8) ألقمه عقبه، ~~فجعلن يلسعنه أو يضربنه (9) وجعلت دموعه تتحادر على خده من ألم ما يجد، ~~PageV04P158 # ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " «لا تحزن يا أبا بكر (1) إن ~~الله معنا» " فأنزل الله سكينته وطمأنينته لأبي بكر (2) ، فهذه ليلته (3) . # وأما يومه فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ارتدت العرب، فقال ~~بعضهم: نصلي ولا نزكي. وقال بعضهم: نزكي ولا نصلي. فأتيته لا آلوه نصحا. ~~فقلت: يا خليفة رسول الله، تألف الناس وارفق بهم. فقال لي: أجبار (4) في ~~الجاهلية وخوار (5) في الإسلام؟ قبض رسول الله - عليه وسلم - وارتفع الوحي، ~~والله لو منعوني عقالا كانوا يعطونه رسول الله (6) - صلى الله عليه وسلم - ~~لقاتلتهم عليه. فقاتلنا ms0852 معه (7) ، فكان والله رشيد الأمر، فهذا يومه. ثم ~~كتب إلى أبي موسى يلومه (8) . PageV04P159 # فإن قيل: ذاك فيه ذكر عمر؛ لأنه كان هو السلطان الحي. قيل: فأبو بكر كان ~~(1) قد مات، فعلم أنهم ذكروا الميت أيضا. # الوجه الثاني: أنه قد قيل: إن عمر بن عبد العزيز ذكر الخلفاء الأربعة لما ~~كان بعض بني أمية يسبون عليا، فعوض عن ذلك بذكر الخلفاء والترضي عنهم، ~~ليمحو تلك السنة (2) الفاسدة. # [الوجه] (3) الثالث: أن ما ذكره من إحداث المنصور وقصده بذلك باطل، فإن ~~أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - توليا الخلافة قبل المنصور وقبل بني أمية، ~~فلم يكن في ذكر المنصور لهما إرغام لأنفه ولا لأنوف بني علي، إلا لو كان ~~بعض بني تيم أو بعض بني عدي [ينازعهم الخلافة (4) ، ولم يكن أحد من هؤلاء] ~~(5) ينازعهم فيها. # الوجه الرابع: أن أهل السنة لا يقولون: إن ذكر الخلفاء [الأربعة] (6) في ~~الخطبة فرض، بل يقولون إن الاقتصار على علي وحده، أو ذكر الاثنى عشر هو ~~البدعة المنكرة التي لم يفعلها أحد، لا من الصحابة، ولا من التابعين، ولا ~~من بني أمية، ولا من بني العباس. كما يقولون: إن ست علي أو غيره [من السلف] ~~(7) بدعة منكرة، فإن كان PageV04P160 # ذكر الخلفاء الأربعة (1) بدعة، مع أن كثيرا من الخلفاء فعلوا ذلك، ~~فالاقتصار على علي، مع أنه لم يسبق إليه أحد من الأمة، أولى أن يكون بدعة، ~~وإن كان ذكر علي لكونه أمير المؤمنين مستحبا، فذكر الأربعة الذين هم ~~الخلفاء الراشدون أولى بالاستحباب، ولكن الرافضة من المطففين (2) : يرى ~~أحدهم القذاة في عيون (3) أهل السنة، ولا يرى الجذع المعترض في عينه. # ومن المعلوم أن الخلفاء الثلاثة اتفقت (4) عليهم المسلمون، وكان السيف في ~~زمانهم مسلولا على الكفار، مكفوفا عن أهل الإسلام. وأما علي فلم يتفق ~~المسلمون على مبايعته، بل وقعت الفتنة تلك المدة، [وكان السيف في تلك ~~المدة] (5) مكفوفا عن الكفار مسلولا على أهل الإسلام، فاقتصار المقتصر على ~~ذكر علي وحده دون من سبقه، وهو ترك لذكر الأئمة وقت اجتماع المسلمين ~~وانتصارهم ms0853 على عدوهم، واقتصار على ذكر الإمام الذي كان إماما وقت افتراق ~~المسلمين [وطلب عدوهم لبلادهم (6) . # فإن الكفار بالشام وخراسان طمعوا وقت الفتنة في بلاد المسلمين] (7) ، ~~PageV04P161 # لاشتغال المسلمين بعضهم (1) ببعض، وهو ترك لذكر أئمة (2) الخلافة التامة ~~الكاملة، واقتصار على ذكر الخلافة التي لم تتم ولم يحصل مقصودها. # وهذا كان [من] (3) حجة من كان يربع بذكر معاوية [- رضي الله عنه -] (4) ~~ولا يذكر عليا رضي عنه، كما كان يفعل ذلك من [كان] (5) يفعله بالأندلس ~~وغيرها. قالوا (6) : لأن معاوية [- رضي الله عنه -] (7) اتفق المسلمون عليه ~~بخلاف علي [- رضي الله عنه -] (8) . ولا ريب أن قول هؤلاء، وإن كان خطأ، ~~فقول الذين يذكرون عليا وحده أعظم خطأ من هؤلاء. وأعظم من ذلك (9) كله ذكر ~~الاثنى عشر في خطبه أو غيرها، أو نقشهم على حائط، أو تلقينهم لميت، فهذا هو ~~البدعة المنكرة التي يعلم (10) بالاضطرار من دين الإسلام أنها (11) من أعظم ~~الأمور المبتدعة في دين الإسلام. ولو ترك الخطيب ذكر الأربعة جميعا (12) لم ~~ينكر عليه، وإنما المنكر الاقتصار PageV04P162 # على واحد دون الثلاثة السابقين، الذين كانت خلافتهم أكمل، وسيرتهم أفضل. ~~كما أنكر على أبي موسى ذكره لعمر دون أبي بكر، مع أن عمر كان هو الحي خليفة ~~الوقت. # الوجه الخامس: أنه ليس كل خطباء السنة يذكرون الخلفاء في الخطبة، بل كثير ~~من خطباء السنة بالمغرب وغيره (1) لا يذكرون أحدا من الخلفاء باسمه، وكان ~~كثير من خطباء المغرب يذكرون (2) أبا بكر وعمر وعثمان، ويربعون بذكر معاوية ~~(3) لا يذكرون عليا. قالوا: لأن (4) هؤلاء اتفق المسلمون على إمامتهم دون ~~علي. فإن كان ذكر الخلفاء بأسمائهم حسنا فبعض أهل السنة [يفعله، وإن لم يكن ~~حسنا فبعض أهل السنة] (5) يتركه، فالحق على التقديرين لا يخرج عن أهل ~~السنة. # الوجه السادس: أنه يقال: إن الذين اختاروا ذكر الخلفاء الراشدين على ~~المنبر يوم الجمعة إنما فعلوه تعويضا عمن يسبهم (6) ويقدح فيهم، وكان ذلك ~~فيه (7) من الفاسد في الإسلام ما لا يخفى، فأعلنوا (8) بذكرهم والثناء ~~عليهم والدعاء لهم؛ ليكون ذلك حفظا للإسلام بإظهار موالاتهم والثناء ~~PageV04P163 # عليهم ms0854 ومنعا (1) ممن يريد عوراتهم والطعن عليهم، فإنه قد صح عن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ~~المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات ~~الأمور، فإن كل بدعة ضلالة» " (2) . # والأحاديث في ذكر خلافتهم (3) كثيرة، فلما كان في بني أمية من يسب عليا - ~~رضي الله عنه - ويذمه (4) ويقول: إنه ليس من الخلفاء (5) الراشدين، وتولى ~~عمر بن عبد العزيز [بعد أولئك] (6) ، فقيل: إنه أول من ذكر الخلفاء ~~[الراشدين] (7) الأربعة على المنبر، فأظهر ذكر (8) علي والثناء عليه وذكر ~~فضائله، بعد أن كان طائفة ممن يبغض عليا لا تختار ذلك (9) . والخوارج تبغض ~~عليا وعثمان وتكفرهما، فكان في ذكرهما مع أبي بكر وعمر - رضي الله عنهم - ~~رد على الخوارج الذين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم. ~~PageV04P164 # والرافضة [شر] (1) من هؤلاء وهؤلاء، يبغضون أبا بكر وعمر وعثمان ~~ويسبونهم، بل قد يكفرونهم، فكان في ذكر هؤلاء وفضائلهم رد على الرافضة، ~~ولما قاموا في دولة خدابندة الذي صنف له هذا الرافضي هذا الكتاب (2) ، ~~فأرادوا إظهار مذهب الرافضة وإطفاء مذهب أهل السنة، وعقدوا ألوية الفتنة، ~~وأطلقوا عنان البدعة، وأظهروا من الشر والفساد ما لا يعلمه إلا رب العباد، ~~كان مما احتالوا به أن استفتوا بعض المنتسبين إلى السنة في ذكر الخلفاء في ~~الخطبة: هل يجب؟ فأفتى من أفتى بأنه لا يجب: إما جهلا بمقصودهم، وإما خوفا ~~منهم وتقية لهم (3) . # وهؤلاء إنما كان مقصودهم منع ذكر الخلفاء، ثم عوضوا عن ذلك بذكر علي ~~والإحدى عشر الذين يزعمون أنهم المعصومون (4) ، فالمفتي إذا علم أن مقصود ~~المستفتى له (5) أن يترك ذكر الخلفاء وأن يذكر (6) الاثنى عشر، وينادي بحي ~~(7) على خير العمل ليبطل الأذان المنقول بالتواتر من عهد النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - ويمنع قراءة (8) الأحاديث الثابتة الصحيحة عن رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - ويعوض عنها بالأحاديث التي افتراها PageV04P165 # المفترون، ويبطل الشرائع المعلومة من دين الإسلام، ويعوض عنها بالبدع (1) ~~المضلة، ويتوسل بذلك من يتوسل (2) إلى إظهار دين الملاحدة، الذين يبطنون ~~مذهب الفلاسفة، ويتظاهرون ms0855 بدين الإسلام، وهم أكفر من اليهود والنصارى، إلى ~~غير ذلك من مقاصد أهل الجهل والظلم، الكائدين (3) للإسلام وأهله - لم يحل ~~للمفتي أن يفتي بما (4) يجر إلى هذه المفاسد. # وإذا كان ذكر الخلفاء الراشدين هو الذي يحصل [به] المقاصد (5) المأمور ~~بها عند مثل هذه الأحوال، كان هذا مما يؤمر به في مثل هذه الأحوال، وإن لم ~~يكن من الواجبات التي تجب مطلقا، ولا من السنن التي يحافظ عليها في (6) كل ~~زمان ومكان، كما أن عسكر المسلمين والكفار إذا كان لهؤلاء شعار ولهؤلاء ~~شعار وجب إظهار شعار الإسلام دون شعار الكفر في مثل تلك الحال؛ لأن هذا ~~واجب (7) في كل زمان ومكان، فإذا قدر أن الواجبات الشرعية لا تقوم إلا ~~بإظهار ذكر الخلفاء، وإنه إذا ترك ذلك ظهر شعار أهل البدع والضلال، صار ~~مأمورا به في مثل هذه الأحوال. والأمور PageV04P166 # المأمور بها منها ما هو واجب أو مسنون دائما، كالصلوات الخمس، والوتر، ~~وركعتي الفجر. ومنها ما يؤمر به في بعض الأحوال إذا لم تحصل الواجبات إلا ~~به، ولم تندفع المحرمات إلا به. # الوجه السابع: أن يقال: الكلام في ذكر الخلفاء الراشدين على المنبر، وفي ~~الدعاء لسلطان الوقت، ونحو ذلك: إذا تكلم في ذلك العلماء أهل العلم والدين، ~~الذين يتكلمون بموجب (1) الأدلة الشرعية، كان كلامهم في ذلك مقبولا، وكان ~~للمصيب منهم أجران، وللمخطئ أجر على ما فعله من الخير، وخطؤه مغفور له، ~~وأما إذا أخذ يعيب ذلك من يعوض عنه بما هو شر منه، كطائفة ابن التومرت الذي ~~كان يدعى فيه أنه المهدي المعلوم، والإمام المعصوم، إذا ذكروه باسمه على ~~المنبر، ووصفوه بالصفات التي تعلم أنها باطلة، وجعلوا حزبه هم خواص أمة ~~محمد - صلى الله عليه وسلم -، وتركوا مع ذلك ذكر أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ~~الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين (2) الذين ثبت بالكتاب (3) والسنة ~~وإجماع السابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان (4) أنهم خير هذه الأمة ~~وأفضلها، وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون في زمن أفضل القرون، ثم ~~أخذ هؤلاء التومرتية ينتصرون لذلك بأن ذكر الخلفاء ms0856 الأربعة ليس سنة بل بدعة ~~- كان هذا القول مردودا عليهم غاية الرد مع ذكرهم لإمامهم (5) ابن ~~PageV04P167 # التومرت بعد موته، فإنه لا يشك من يؤمن بالله واليوم الآخر أن أبا بكر ~~وعمر وعثمان وعليا - رضي الله عنهم - خير منه وأفضل منه، وأن اتباعهم للنبي ~~- صلى الله عليه وسلم - وقيامهم بأمره أكمل (1) ، بل ذكر غير واحد من خلفاء ~~بني أمية (2) وبني العباس أولى من ذكر هذا الملقب بالمهدي، فإن خلافة أولئك ~~خير من خلافته، وقيامهم بالإسلام خير من قيامه، وظهورهم بمشارق الأرض ~~ومغاربها أعظم من ظهوره، وما فعلوه من الخير أعظم مما فعله هو، وفعل هو (3) ~~من الكذب والظلم والجهل والشر ما لم يفعله أولئك، فكيف يكون هو المهدي ~~دونهم؟ أم كيف يكون ذكره والثناء عليه في الخطبة مشروعا (4) دون ذكرهم، ~~فكيف ينكر ذكر أولئك من يذكر مثل هذا؟ . # وأعظم من ذلك إنكار [هؤلاء] (5) الإمامية الذين ينكرون ذكر الخلفاء ~~الراشدين، ويذكرون اثنى عشر رجلا: كل واحد من الثلاثة خير من أفضل الاثنى ~~عشر، وأكمل خلافة وإمامة. وأما سائر الاثنى عشر، فهم أصناف: منهم من هو من ~~الصحابة المشهود لهم بالجنة، كالحسن والحسين، وقد شركهم في ذلك من الصحابة ~~المشهود لهم بالجنة خلق كثير (6) وفي السابقين الأولين من هو أفضل منهما، ~~مثل أهل بدر. وهما رضي الله PageV04P168 # عنهما (1) وإن كانا سيدا شباب أهل الجنة فأبو بكر وعمر سيدا كهول أهل ~~الجنة، وهذا الصنف أكمل (2) من ذلك (3) الصنف. وإذا قال القائل: هما ولد ~~بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قيل وعلي [بن أبي طالب] أفضل (4) ~~منهما باتفاق أهل السنة والشيعة، وليس هو ولد بنت رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم -، وإبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرب إليه منهما، ~~وليس هو أفضل من السابقين الأولين، وكذا أمامة (5) بنت أبي العاص بنت بنته، ~~وكان لعثمان ولد من بنت النبي - صلى الله عليه وسلم -. # وإذا قيل: [علي] (6) هو ابن عمه. # قيل: في أعمام النبي - صلى الله عليه وسلم - وبني عمه جماعة (7) مؤمنون ~~صحبوه: كحمزة ms0857 والعباس وعبد الله (8) والفضل ابني العباس، وكربيعة بن الحارث ~~بن عبد المطلب. وحمزة أفضل من العباس، وعلي وجعفر أفضل من غيرهما، وعلي ~~أفضل من العباس، فعلم أن الفضل بالإيمان والتقوى لا بالنسب. وفي الاثنى عشر ~~من هو مشهور بالعلم PageV04P169 # والدين، كعلي بن الحسين، وابنه أبي جعفر، وابنه جعفر بن محمد، وهؤلاء لهم ~~حكم أمثالهم. ففي الأمة خلق كثير مثل هؤلاء وأفضل منهم، وفيهم المنتظر ولا ~~وجود له أو مفقود (1) لا منفعة [لهم] (2) فيه، فهذا ليس في اتباع إلا شر ~~[محض] (3) بلا خير. # وأما سائرهم ففي بني هاشم من العلويين والعباسيين جماعات مثلهم في العلم ~~والدين، ومن هو أعلم وأدين منهم، فكيف يجوز أن يعيب ذكر الخلفاء الراشدين، ~~الذين ليس في الإسلام أفضل منهم، من يعوض بذكر قوم في المسلمين خلق كثير ~~أفضل منهم؟ وقد انتفع المسلمون في دينهم ودنياهم بخلق كثير أضعاف أضعاف ما ~~انتفعوا بهؤلاء، مع أن الذين يذكرونهم قصدهم معاداة سائر المسلمين، ~~والاستعانة على ذلك بالكفار والمنافقين (4) ، وإطفاء ما بعث الله به رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - من الهدى ودين الحق، الذي وعد الله أن يظهره ~~على الدين كله، وفتح باب الزندقة والنفاق لمن يريد إفساد الملة (5) . ### | كلام الرافضي على مسح الرجلين في الوضوء بدلا من غسلهما والرد عليه # فصل (6) . # قال الرافضي (7) : " وكمسح الرجلين الذي نص الله تعالى عليه PageV04P170 # في كتابه [العزيز] (1) فقال: {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ~~وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} [سورة المائدة: 6] وقال ابن عباس (2) ~~: عضوان مغسولان، وعضوان ممسوحان، [فغيروه] (3) وأوجبوا الغسل ". # فيقال: الذين نقلوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الوضوء (4) قولا ~~وفعلا، والذين تعلموا الوضوء منه وتوضئوا على عهده، [وهو يراهم ويقرهم ~~عليه] (5) ، ونقلوه إلى من بعدهم، أكثر عددا (6) من الذين نقلوا لفظ هذه ~~الآية، فإن جميع المسلمين كانوا يتوضئون على عهده، ولم يتعلموا الوضوء إلا ~~منه - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن هذا العمل لم يكن معهودا عندهم في ~~الجاهلية، وهم قد رأوه يتوضأ ما لا يحصي عدده إلا الله تعالى، ونقلوا ms0858 عنه ~~ذكر غسل الرجلين فيما شاء الله من الحديث، حتى نقلوا عنه من غير وجه في ~~الصحاح وغيرها أنه قال: " «ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار» " (7) ، مع ~~أن الفرض إذا كان مسح ظهر القدم، كان PageV04P171 # غسل الجميع كلفة لا تدعو إليها الطباع، (1) كما تدعو الطباع إلى طلب ~~الرئاسة والمال (2) ؛ فإن جاز أن يقال: إنهم كذبوا وأخطئوا فيما نقلوه عنه ~~من ذلك، كان الكذب والخطأ فيما نقل (3) من لفظ الآية أقرب إلى الجواز. # وإن قيل: بل لفظ (4) الآية ثبت بالتواتر الذي لا يمكن الخطأ فيه، فثبوت ~~التواتر في نقل (5) الوضوء عنه أولى وأكمل، ولفظ الآية لا يخالف ما تواتر ~~من السنة، فإن المسح جنس تحته نوعان: الإسالة، وغير الإسالة، كما تقول ~~العرب: تمسحت للصلاة، فما كان بالإسالة فهو الغسل، وإذا خص أحد النوعين ~~باسم الغسل فقد يخص النوع الآخر باسم المسح، فالمسح يقال على المسح العام ~~الذي يندرج فيه الغسل، ويقال على الخاص الذي لا يندرج فيه الغسل. # ولهذا نظائر كثيرة، مثل لفظ " ذوي الأرحام " فإنه يعم العصبة [كلهم] (6) ~~وأهل الفروض وغيرهم، ثم لما كان للعصبة وأصحاب PageV04P172 # الفروض اسم يخصهما، بقي لفظ " ذوي الأرحام " مختصا في العرف بمن لا يرث ~~بفرض ولا تعصيب (1) . # وكذلك لفظ " الجائز " و " المباح " يعم ما ليس بحرام. ثم قد يختص بأحد ~~الأقسام الخمسة (2) . وكذلك لفظ " الممكن " يقال (3) على ما ليس بممتنع، ثم ~~يخص (4) بما ليس بواجب ولا ممتنع، فيفرق بين الواجب والجائز والممكن العام ~~والخاص. وكذلك لفظ " الحيوان " [ونحوه] (5) يتناول الإنسان وغيره، ثم قد ~~يختص بغير الإنسان. # ومثل هذا كثير: إذا كان لأحد النوعين اسم يخصه، بقي الاسم العام مختصا ~~بالنوع الآخر. ولفظ " المسح " من هذا الباب. وفي القرآن ما يدل على أنه لم ~~يرد بمسح الرجلين المسح الذي هو قسيم الغسل، بل المسح الذي الغسل قسم منه، ~~فإنه قال (6) : (إلى الكعبين) ولم يقل: إلى الكعاب، كما قال: (إلى المرافق) ~~، فدل على أنه ليس في كل رجل (7) كعب واحد، كما في كل يد مرفق واحد، بل ms0859 في ~~كل رجل كعبان، فيكون PageV04P173 # تعالى قد أمر بالمسح إلى العظمين الناتئين وهذا هو الغسل فإن من يمسح ~~المسح الخاص يجعل المسح لظهور القدمين وفي ذكره الغسل في العضوين الأولين ~~والمسح في الآخرين، التنبيه على أن هذين العضوين يجب فيهما المسح العام، ~~فتارة يجزئ المسح الخاص، كما في مسح الرأس والعمامة والمسح على الخفين، ~~وتارة لا بد من المسح الكامل الذي هو غسل (1) ، كما في الرجلين المكشوفتين. # وقد تواترت السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمسح على الخفين ~~وبغسل (2) الرجلين. والرافضة تخالف هذه السنة المتواترة، كما تخالف الخوارج ~~نحو ذلك، مما يتوهمون أنه مخالف لظاهر القرآن، بل تواتر غسل الرجلين والمسح ~~على الخفين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (3) أعظم من تواتر قطع اليد في ~~ربع دينار، أو ثلاثة دراهم، أو عشرة دراهم، أو نحو ذلك. # وفي ذكر المسح على الرجلين تنبيه على قلة الصب في الرجل، فإن السرف يعتاد ~~فيهما كثيرا، وفيه اختصار للكلام (4) ، فإن (5) المعطوف والمعطوف عليه إذا ~~كان فعلاهما من جنس واحد اكتفي بذكر أحد النوعين، كقوله: PageV04P174 # علفتها تبنا وماء باردا حتى غدت همالة عيناها # والماء يسقى، لا يقال: علفت الماء، لكن العلف والسقي (1) يجمعهما معنى ~~الإطعام. وكذلك قوله: # ورأيت زوجك في الوغى ... متقلدا سيفا ورمحا # أي: ومعتقلا (2) رمحا، لكن التقلد (3) والاعتقال يجمعهما معنى الحمل. # وكذلك قوله تعالى: {يطوف عليهم ولدان مخلدون} ، {بأكواب وأباريق وكأس من ~~معين} [سورة الواقعة: 17، 18] إلى قوله تعالى: {وحور عين} [سورة الواقعة: ~~22] . والحور العين لا يطاف بهن (4) ، ولكن المعنى: يؤتى بهذا وبهذا. وهم ~~قد يحذفون ما يدل الظاهر على جنسه لا على نفسه، كما في قوله تعالى (5) : ~~{يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما} [سورة الإنسان: 31] ~~. والمعنى: يعذب الظالمين. # وهذه الآية فيها قراءتان مشهورتان: الخفض والنصب، فالذين قرءوا بالنصب، ~~قال غير واحد منهم: أعاد الأمر إلى الغسل، أي: وامسحوا برءوسكم، واغسلوا ~~أرجلكم إلى الكعبين، والقراءتان (6) كالآيتين. ومن قال: إنه عطف على ~~PageV04P175 # محل الجار والمجرور، يكون المعنى: وامسحوا برءوسكم، وامسحوا ms0860 أرجلكم إلى ~~الكعبين. وقولهم (1) : مسحت الرجل، ليس مرادفا لقوله (2) : مسحت بالرجل، ~~فإنه إذا عدي بالباء أريد به (3) معنى الإلصاق، أي ألصقت به شيئا. وإذا ~~قيل: مسحته، لم يقتض ذلك أن يكون ألصقت به شيئا، وإنما يقتضي مجرد المسح، ~~وهو لم يرد مجرد المسح (4) باليد بالإجماع، فتعين أنه إذا (5) مسحه بالماء، ~~وهو مجمل، فسرته السنة، كما في قراءة الجر. # وفي الجملة فالقرآن ليس فيه نفي إيجاب الغسل، بل فيه إيجاب المسح، فلو ~~قدر أن السنة أوجبت قدرا زائدا على ما أوجبه القرآن لم يكن في هذا رفعا ~~لموجب القرآن، فكيف إذا فسرته وبينت معناه؟ وهذا مبسوط في موضعه. # وفي الجملة فيعلم أن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - هي التي تفسر ~~القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه، فالسنة المتواترة (6) تقضي على ما ~~يفهمه بعض الناس من ظاهر القرآن، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين ~~للناس لفظ القرآن ومعناه، كما قال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين ~~كانوا يقرءون القرآن: عثمان (7) بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهم، أنهم ~~PageV04P176 # كانوا إذا تعلموا من النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر آيات لم يجاوزوها ~~(1) حتى يتعلموا (2) معناها. # وما تقوله الإمامية من (3) أن الفرض مسح الرجلين إلى الكعبين اللذين هما ~~مجتمع (4) الساق والقدم عند معقد الشراك (5) ، أمر لا يدل عليه القرآن بوجه ~~من الوجوه، ولا فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث يعرف (6) ، ولا ~~هو معروف عن سلف الأمة، بل هم مخالفون للقرآن والسنة المتواترة، ولإجماع ~~السابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان (7) . # فإن لفظ القرآن يوجب المسح بالرءوس (8) وبالأرجل إلى الكعبين، مع إيجابه ~~لغسل الوجوه والأيدي (9) إلى المرافق، فكان في ظاهره ما يبين (10) أن في كل ~~يد مرفقا، وفي كل رجل كعبين فهذا على قراءة الخفض، وأما قراءة النصب فالعطف ~~إنما يكون على المحل (11) إذا كان المعنى واحدا، كقول الشاعر: PageV04P177 # معاوي إننا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا (1) فلو كان (2) ~~معنى قوله: مسحت برأسي ورجلي، هو: معنى مسحت رأسي ورجلي، لأمكن كون العطف ~~(3) على ms0861 المحل. والمعنى مختلف (4) ؛ فعلم أن قوله: " وأرجلكم " بالنصب، عطف ~~على: وأيديكم، كما قاله الذين قرءوه كذلك. # وحينئذ فهذه القراءة نص في وجوب الغسل، وليس في واحدة من القراءتين ما ~~يدل ظاهرها (5) على قولهم، فعلم أن القوم لم يتمسكوا [إلا] بظاهر القرآن ~~(6) ، وهذا حال سائر أهل الأقوال الضعيفة الذين يحتجون بظاهر PageV04P178 # القرآن على ما يخالف السنة إذا خفي الأمر عليهم، [مع أنه] (1) لم يوجد في ~~ظاهر القرآن ما يخالف السنة، كمن قال من الخوارج: لا نصلي (2) في سفر (3) ~~إلا أربعا (4) ، ومن قال: إن الأربع أفضل في السفر (5) من الركعتين (6) . ~~ومن قال: لا نحكم بشاهد ويمين. # وقد بسط الكلام على ذلك [في مواضع] وبين (7) أن ما دل عليه ظاهر القرآن ~~حق، وأنه ليس بعام مخصوص، فإنه ليس هناك عموم لفظي، وإنما هو مطلق، كقوله ~~تعالى: {فاقتلوا المشركين} [سورة التوبة: 5] فإنه عام في الأعيان، مطلق في ~~الأحوال، وقوله: {يوصيكم الله في أولادكم} [سورة النساء: 11] عام في ~~الأولاد، مطلق في الأحوال. # ولفظ " الظاهر " يراد به ما قد يظهر (8) للإنسان، وقد يراد به ما يدل ~~عليه اللفظ. فالأول يكون بحسب فهوم (9) الناس. وفي القرآن مما (10) يخالف ~~الفهم الفاسد شيء كثير، وأما الثاني فالكلام فيه. PageV04P179 ### | كلام الرافضي على متعة الحج والنساء والتعليق على كلامه # فصل (1) . # قال الرافضي (2) : " وكالمتعتين اللتين ورد بهما القرآن، فقال في متعة ~~الحج: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} [سورة البقرة: 196] ~~وتأسف النبي - صلى الله عليه وسلم - على فواتها لما حج قارنا، وقال: " «لو ~~استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي» " وقال في متعة النساء: {فما ~~استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة} [سورة النساء: 24] واستمرت فعلهما ~~مدة زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - ومدة خلافة أبي بكر (3) ، وبعض ~~خلافة عمر، إلى أن صعد المنبر، وقال: " متعتان كانتا [محللتين] (4) على عهد ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليها " (5) . # والجواب أن يقال: أما متعة الحج فمتفق على جوازها بين أئمة المسلمين، ~~ودعواه (6) أن أهل السنة ابتدعوا تحريمها ms0862 كذب عليهم، بل أكثر علماء ~~PageV04P180 # السنة (1) يستحبون المتعة ويرجحونها أو يوجبونها. والمتعة اسم جامع لمن ~~اعتمر في أشهر الحج وجمع بينها وبين الحج في سفر واحد، سواء حل من إحرامه ~~بالعمرة ثم أحرم بالحج، أو أحرم بالحج قبل طوافه بالبيت وصار قارنا، أو بعد ~~طوافه بالبيت وبين الصفا والمروة قبل التحلل من إحرامه لكونه ساق الهدي، أو ~~مطلقا. وقد يراد بالمتعة (2) مجرد العمرة في أشهر الحج. # وأكثر العلماء، كأحمد وغيره من فقهاء الحديث، وأبي حنيفة وغيره من فقهاء ~~العراق، والشافعي في أحد قوليه، وغيره من فقهاء مكة: يستحبون المتعة، وإن ~~كان منهم من يرجح القرآن كأبي حنيفة، ومنهم من يرجح التمتع الخاص، كأحد ~~القولين في مذهب الشافعي وأحمد، فالصحيح - وهو الصريح من نص أحمد - أنه إن ~~ساق الهدي فالقرآن أفضل، وإن لم يسقه فالتحلل (3) من إحرامه بعمرة أفضل. ~~فإن الأول (4) هو الذي فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، ~~والثاني هو الذي أمر به من لم يسق الهدي من أصحابه (5) . PageV04P181 # بل كثير من علماء السنة يوجب (1) المتعة، كما يروى عن ابن عباس - رضي ~~الله عنهما -، وهو قول أهل الظاهر كابن حزم وغيره، لما ذكر (2) من أمر ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - بها أصحابه في حجة الوداع. وإذا كان أهل ~~السنة متفقين على جوازها (3) ، وأكثرهم يستحبها، ومنهم من يوجبها، علم أن ~~ما ذكره من ابتداع تحريمها كذب عليهم. # وما ذكره عن عمر - رضي الله عنه - فجوابه أن يقال: أولا: هب أن عمر قال ~~قولا خالفه فيه غيره من الصحابة والتابعين، حتى قال عمران بن حصين - رضي ~~الله عنه -: تمتعنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونزل بها ~~القرآن (4) ، قال فيها رجل برأيه ما شاء. أخرجاه في الصحيحين (5) . # فأهل السنة متفقون على أن كل واحد (6) من الناس يؤخذ من قوله (7) ~~PageV04P182 # ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن كان مقصوده الطعن في ~~(1) أهل السنة مطلقا فهذا لا يرد عليهم، وإن كان مقصوده أن عمر أخطأ في ~~مسألة ms0863 فهم لا ينزهون عن الإقرار على الخطأ إلا رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم -. وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أقل خطأ من علي - رضي الله عنه -. ~~وقد جمع العلماء مسائل الفقه التي ضعف فيها قول أحدهما فوجدوا (2) الضعيف ~~في أقوال (3) علي - رضي الله عنه - أكثر: مثل إفتائه أن المتوفى عنها زوجها ~~تعتد أبعد الأجلين، مع أن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثابتة ~~عنه الموافقة لكتاب الله تقتضي أنها تحل بوضع الحمل. وبذلك أفتى عمر وابن ~~مسعود - رضي الله عنهما - (4) . # ومثل إفتائه بأن المفوضة يسقط مهرها بالموت، وقد أفتى ابن مسعود وغيره ~~بأن لها مهر نسائها (5) ، كما رواه الأشجعيون عن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - في بروع بنت واشق (6) . # وقد وجد من أقوال علي المتناقضة في مسائل الطلاق وأم الولد والفرائض وغير ~~ذلك أكثر مما وجد من أقوال عمر المتناقضة. # وإن أراد بالتمتع فسخ الحج إلى العمرة، فهذه المسألة نزاع بين ~~PageV04P183 # الفقهاء. فقهاء الحديث، كأحمد بن حنبل وغيره، يأمرون بفسخ الحج إلى ~~العمرة [استحبابا] (1) ومنهم من يوجبه كأهل الظاهر، وهو قول ابن عباس - رضي ~~الله عنهما -. ومذهب الشيعة وأبو حنيفة ومالك والشافعي لا يجوزون الفسخ. ~~والصحابة كانوا متنازعين في هذا، فكثير منهم كان يأمر به، ونقل عن أبي ذر ~~وطائفة أنهم منعوا منه، فإن كان الفسخ صوابا فهو من أقوال أهل السنة، وإن ~~كان خطأ (2) فهو من أقوال أهل السنة، فلا يخرج الحق عنهم (3) . # وإن قدحوا في عمر لكونه (4) نهى عنها، فأبو ذر كان أعظم نهيا عنها من ~~عمر، وكان يقول: إن المتعة كانت خاصة بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم -، وهم يتولون أبا ذر ويعظمونه، فإن كان الخطأ في هذه المسألة يوجب ~~القدح؛ فينبغي أن يقدحوا في أبي ذر، وإلا فكيف يقدح في عمر دونه، وعمر أفضل ~~وأفقه وأعلم منه؟ ! (5) ويقال: ثانيا: إن عمر - رضي الله عنه - لم يحرم ~~متعة الحج، بل ثبت عنه أن الضبي (6) بن معبد لما قال له: إني أحرمت بالحج ~~والعمرة جميعا ms0864، فقال له عمر: هديت لسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم -، رواه ~~النسائي وغيره (7) . PageV04P184 # وكان عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - يأمرهم بالمتعة، فيقولون له: إن ~~أباك نهى عنها (1) . فيقول: إن أبي لم يرد ما تقولون. فإذا ألحوا عليه قال: ~~أفرسول الله (2) - صلى الله عليه وسلم - أحق أن تتبعوا أم عمر؟ (3) . # وقد ثبت عن عمر أيضا (4) أنه قال: لو حججت لتمتعت، ولو حججت لتمتعت (5) . ~~وإنما كان مراد عمر - رضي الله عنه - أن يأمرهم بما هو الأفضل (6) ، وكان ~~الناس لسهولة المتعة تركوا الاعتمار (7) في غير أشهر الحج، فأراد ألا يعرى ~~البيت طول السنة، فإذا أفردوا الحج اعتمروا في سائر السنة، والاعتمار في ~~غير أشهر الحج، مع الحج في أشهر الحج أفضل من المتعة باتفاق الفقهاء ~~الأربعة وغيرهم. # وكذلك (8) قال عمر وعلي - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: {وأتموا الحج ~~والعمرة لله} [سورة البقرة: 96] (9) قالا: إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة ~~PageV04P185 # أهلك (1) : أراد عمر وعلي - رضي الله عنهما - أن تسافر للحج سفرا وللعمرة ~~سفرا، وإلا فهما لم ينشئا الإحرام من دويرة الأهل، ولا فعل ذلك رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من خلفائه. # والإمام إذا اختار لرعيته الأمر الفاضل، فالأمر بالشيء نهي عن ضده، فكان ~~نهيه عن المتعة على وجه الاختيار لا على وجه التحريم، وهو لم يقل: وأنا ~~أحرمهما (2) ، كما نقل هذا الرافضي، بل قال: أنهى عنهما، ثم كان نهيه عن ~~متعة الحج على وجه الاختيار للأفضل لا على وجه التحريم (3) ، وقد قيل: إنه ~~نهى عن الفسخ. # والفسخ حرام عند كثير من الفقهاء، وهو من مسائل الاجتهاد. فالفسخ يحرمه ~~أبو حنيفة ومالك والشافعي، لكن أحمد وغيره [من فقهاء الحديث وغيرهم (4) لا ~~يحرمون الفسخ، بل يستحبونه، بل يوجبه بعضهم، ولا يأخذون بقول عمر] (5) في ~~هذه المسألة، بل بقول علي وعمران بن حصين وابن عباس وابن عمر وغيرهم من ~~الصحابة - رضي الله عنهم -. # وأما متعة النساء [المتنازع فيها] (6) فليس في الآية نص صريح بحلها، فإنه ~~تعالى قال: PageV04P186 # {وأحل لكم ما وراء ms0865 ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما ~~استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من ~~بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما} ، {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح ~~المحصنات المؤمنات} [سورة النساء: 24، 25] فقوله: {فما استمتعتم به منهن} ~~يتناول كل (1) من دخل بها من النساء، فإنه أمر بأن يعطي جميع الصداق، بخلاف ~~المطلقة قبل الدخول التي لم يستمتع بها (2) فإنها لا تستحق إلا نصفه. # وهذا كقوله تعالى: {وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ~~ميثاقا غليظا} [سورة النساء: 21] فجعل الإفضاء مع العقد موجبا لاستقرار ~~الصداق، يبين (3) ذلك أنه ليس لتخصيص النكاح المؤقت بإعطاء الأجر فيه دون ~~النكاح المؤبد معنى، بل إعطاء الصداق كاملا في المؤبد أولى، فلا بد أن تدل ~~الآية على المؤبد: إما بطريق التخصيص، وإما بطريق العموم. # يدل على ذلك أنه ذكر بعد هذا نكاح الإماء، فعلم أن ما ذكر كان في نكاح ~~الحرائر مطلقا. فإن قيل: ففي قراءة طائفة من السلف: (فما استمتعتم به منهن ~~إلى أجل مسمى) قيل: أولا ليست هذه القراءة متواترة، وغايتها أن تكون كأخبار ~~الآحاد. ونحن لا ننكر أن المتعة أحلت في أول الإسلام، لكن الكلام في دلالة ~~القرآن على ذلك. PageV04P187 # الثاني: أن يقال: هذا الحرف إن كان نزل (1) ، فلا ريب أنه ليس [ثابتا] ~~(2) من القراءة المشهورة، فيكون منسوخا، ويكون نزوله (3) لما كانت المتعة ~~مباحة، فلما حرمت نسخ هذا الحرف، ويكون (4) الأمر بالإيتاء في الوقت تنبيها ~~على الإيتاء في النكاح المطلق. وغاية ما يقال: إنهما قراءتان، وكلاهما حق. ~~والأمر بالإيتاء في الاستمتاع إلى أجل مسمى (5) واجب إذا كان ذلك حلالا (6) ~~، [وإنما يكون ذلك إذا كان الاستمتاع إلى أجل مسمى حلالا،] (7) وهذا كان في ~~أول الإسلام، فليس في الآية ما يدل على أن الاستمتاع بها إلى أجل مسمى ~~حلال، فإنه لم يقل: وأحل لكم أن تستمتعوا بهن إلى أجل مسمى، بل قال: (فما ~~استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) فهذا يتناول ما وقع من الاستمتاع: سواء ~~كان ms0866 حلالا، أو كان في وطء شبهة. # ولهذا يجب المهر في النكاح الفاسد بالسنة والاتفاق. والمتمتع إذا اعتقد ~~حل المتعة وفعلها فعليه المهر، وأما الاستمتاع المحرم فلم تتناوله الآية؛ ~~فإنه لو استمتع بالمرأة من غير عقد مع مطاوعتها لكان زنا، ولا مهر فيه. وإن ~~كانت مستكرهة ففيه نزاع مشهور. PageV04P188 # وأما ما ذكره من نهي عمر عن متعة النساء، فقد ثبت عن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - أنه حرم متعة النساء [بعد الإحلال] (1) . هكذا رواه الثقات في ~~الصحيحين وغيرهما عن الزهري عن عبد الله والحسن ابني محمد بن الحنفية عن ~~أبيهما محمد بن الحنفية، «عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، أنه قال ~~لابن عباس - رضي الله عنه -[لما أباح المتعة] : (2) إنك امرؤ تائه، إن رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - حرم المتعة ولحوم الحمر الأهلية (* [عام خيبر] ~~» (3) ، رواه عن الزهري أعلم أهل زمانه بالسنة وأحفظهم لها، أئمة الإسلام ~~في زمنهم، مثل مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وغيرهما ممن اتفق المسلمون (4) ~~على علمهم وعدلهم وحفظهم، ولم يختلف أهل العلم بالحديث في أن هذا حديث صحيح ~~متلقى (5) بالقبول، ليس في أهل العلم من طعن فيه *) (6) . # وكذلك ثبت في الصحيح أنه حرمها (7) في غزاة الفتح إلى يوم القيامة. وقد ~~تنازع رواة حديث علي - رضي الله عنه -: هل قوله: " عام خيبر " توقيت لتحريم ~~الحمر فقط أو له ولتحريم المتعة؟ فالأول قول ابن عيينة وغيره، PageV04P189 # قالوا: إنما حرمت عام الفتح. ومن قال بالآخر قال: إنها حرمت ثم أحلت ثم ~~حرمت (1) . وادعت طائفة ثالثة أنها أحلت بعد ذلك، ثم حرمت في حجة الوداع. # فالروايات المستفيضة المتواترة متواطئة على أنه حرم المتعة بعد إحلالها. ~~والصواب أنها بعد أن حرمت لم تحل، وأنها إنما حرمت عام فتح مكة ولم تحل بعد ~~ذلك (2) ، ولم تحرم عام خيبر بل عام خيبر حرمت لحوم الحمر الأهلية. «وكان ~~ابن عباس يبيح المتعة ولحوم (3) الحمر فأنكر علي بن أبي طالب - رضي الله ~~عنه - ذلك عليه، وقال له: إن رسول الله - صلى الله ms0867 عليه وسلم - حرم متعة ~~النساء وحرم لحوم الحمر يوم خيبر» ، فقرن (4) علي - رضي الله عنه - بينهما ~~في الذكر لما روى ذلك لابن عباس - رضي الله عنهما -؛ لأن ابن عباس كان ~~يبيحهما. وقد روى ابن عباس - رضي الله عنه - أنه رجع عن ذلك [لما بلغه حديث ~~النهي عنهما] (5) . # فأهل السنة اتبعوا (6) عليا وغيره (7) من الخلفاء الراشدين فيما رووه عن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم -. PageV04P190 # والشيعة خالفوا عليا فيما رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، واتبعوا ~~قول من خالفه. # وأيضا فإن الله تعالى إنما أباح في كتابه الزوجة وملك اليمين، والمتمتع ~~بها ليست واحدة منهما، فإنها لو كانت زوجة لتوارثا، ولوجبت (1) عليها عدة ~~الوفاة، ولحقها الطلاق الثلاث؛ فإن هذه أحكام الزوجة في كتاب الله تعالى، ~~فلما انتفى عنها لوازم النكاح دل على انتفاء النكاح فإن (2) انتفاء اللازم ~~يقتضي انتفاء الملزوم. والله تعالى إنما أباح في كتابه الأزواج (3) وملك ~~اليمين، وحرم ما زاد على ذلك بقوله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون} ، ~~{إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} ، {فمن ابتغى وراء ~~ذلك فأولئك هم العادون} [سورة المؤمنون: 5 - 7] . # والمستمتع (4) بها بعد التحريم ليست زوجة ولا ملك يمين، فتكون حراما بنص ~~القرآن. أما كونها (5) ليست مملوكة فظاهر، وأما كونها (6) ليست زوجة ~~فلانتفاء لوازم النكاح [فيها] (7) ، فإن من لوازم النكاح كونه (8) سببا ~~للتوارث وثبوت عدة الوفاة [فيه] (9) ، والطلاق الثلاث، وتنصيف المهر ~~بالطلاق قبل الدخول، وغير ذلك من اللوازم. PageV04P191 # فإن قيل: فقد تكون زوجة لا ترث كالذمية والأمة. # قيل: عندهم نكاح (1) الذمية لا يجوز، ونكاح الأمة إنما يكون (2) عند ~~الضرورة. وهم يبيحون المتعة مطلقا. ثم يقال: نكاح الذمية والأمة سبب ~~للتوارث، ولكن المانع قائم، وهو الرق والكفر. كما أن النسب سبب للإرث (3) ~~إلا (4) إذا كان الولد رقيقا أو كافرا فالمانع قائم. ولهذا إذا أعتق الولد ~~أو أسلم ورث أباه في حياته (5) [وكذلك الزوجة الذمية (6) إذا أسلمت في حياة ~~زوجها ورثته باتفاق المسلمين، [بخلاف المستمتع بها] (7) ، فإن نفس نكاحها ~~لا يكون سببا للإرث، فلا ms0868 يثبت التوارث فيه بحال. فصار هذا النكاح كولد ~~الزنا الذي ولد على فراش زوج (8) فإن هذا لا يلحق بالزاني بحال، فلا يكون ~~ابنا يستحق الإرث. # فإن قيل: فالنسب قد تتبعض (9) أحكامه، فكذلك النكاح. # قيل: هذا فيه نزاع، والجمهور (10) يسلمونه، ولكن ليس في هذا حجة ~~PageV04P192 # لهم، فإن جميع أحكام الزوجية (1) منتفية في المستمتع بها، لم يثبت فيها ~~شيء من خصائص النكاح الحلال. فعلم انتفاء كونها زوجة، وما ثبت فيها (2) من ~~الأحكام مثل (3) لحوق النسب، ووجوب الاستبراء، ودرء الحد (4) ، ووجوب ~~المهر، ونحو ذلك - فهذا يثبت في وطء (5) الشبهة. فعلم أن وطء المستمتع بها ~~ليس وطئا لزوجة، لكنه مع اعتقاد الحل (6) مثل وطء الشبهة (7) . وأما كون ~~الوطء به حلالا فهذا مورد النزاع، فلا يحتج به أحد المتنازعين، وإنما يحتج ~~على الآخر بموارد النص والإجماع. ### | [كلام الرافضي على منع أبي بكر فاطمة إرثها] # فصل (8) . # قال الرافضي (9) : " ومنع أبو بكر فاطمة إرثها فقالت (10) . يا ابن أبي ~~قحافة أترث أباك ولا أرث أبي؟ والتجأ في ذلك إلى رواية انفرد بها - ~~PageV04P193 # وكان هو الغريم لها؛ لأن الصدقة تحل له - لأن (1) النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - قال: " «نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه (2) صدقة» " على أن ~~ما رووه عنه فالقرآن يخالف ذلك (3) ؛ لأن الله تعالى قال: {يوصيكم الله في ~~أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} [سورة النساء: 11] (4) ولم يجعل الله ذلك ~~خاصا بالأمة دونه - صلى الله عليه وسلم -، وكذب روايتهم (5) فقال تعالى: ~~{وورث سليمان داود} [سورة النمل: 16] ، وقال تعالى عن زكريا: {وإني خفت ~~الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا - يرثني ويرث من ~~آل يعقوب} [سورة مريم: 5، 6] . ### | [الجواب على كلام الرافضي منع أبي بكر فاطمة إرثها من وجوه] # والجواب عن ذلك من وجوه: أحدها: أن ما ذكر من قول فاطمة - رضي الله عنها ~~-: أترث أباك ولا أرث أبي؟ لا يعلم (6) صحته عنها، وإن (7) صح فليس (8) فيه ~~حجة؛ لأن أباها صلوات الله عليه وسلامه لا يقاس بأحد من PageV04P194 # البشر، وليس أبو بكر أولى بالمؤمنين من ms0869 أنفسهم [كأبيها] (1) ، ولا هو ممن ~~حرم الله عليه صدقة الفرض والتطوع كأبيها، ولا هو أيضا ممن جعل الله محبته ~~مقدمة على محبة الأهل والمال، كما جعل أباها كذلك. # والفرق بين الأنبياء وغيرهم أن الله تعالى صان الأنبياء عن أن يورثوا ~~دنيا (2) ، لئلا يكون ذلك شبهة لمن يقدح في نبوتهم بأنهم طلبوا الدنيا ~~وخلفوها (3) لورثتهم. وأما أبو الصديق (4) وأمثاله فلا نبوة لهم يقدح فيها ~~بمثل ذلك، كما صان الله تعالى نبينا عن الخط والشعر صيانة لنبوته عن ~~الشبهة، وإن كان غيره لم يحتج إلى هذه الصيانة. # الثاني: أن قوله: " والتجأ في ذلك إلى رواية (5) انفرد بها " كذب؛ فإن ~~قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا نورث ما تركنا فهو صدقة " رواه عنه ~~أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف والعباس ~~بن عبد المطلب وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو هريرة، والرواية ~~عن هؤلاء ثابتة في الصحاح والمسانيد (6) ، مشهورة يعلمها أهل PageV04P195 # العلم بالحديث (1) ، فقول القائل: إن أبا بكر انفرد بالرواية، يدل على ~~فرط (2) جهله أو تعمده (3) الكذب. # الثالث: قوله: " وكان هو الغريم [لها] " كذب (4) ، فإن أبا بكر - رضي ~~الله عنه - لم يدع هذا المال لنفسه ولا لأهل بيته، وإنما هو صدقة لمستحقها ~~(5) ، كما أن المسجد (6) حق للمسلمين. [والعدل] (7) لو شهد على رجل (8) أنه ~~وصى (9) PageV04P196 # بجعل بيته مسجدا، أو بجعل بئره مسبلة، أو أرضه مقبرة، ونحو ذلك، جازت ~~شهادته باتفاق المسلمين، وإن كان هو ممن يجوز له أن يصلي في المسجد، ويشرب ~~من تلك (1) البئر، ويدفن في تلك المقبرة. فإن هذا (2) شهادة لجهة عامة غير ~~محصورة، والشاهد دخل فيها بحكم العموم لا بحكم التعيين، ومثل هذا لا يكون ~~خصما. # ومثل هذا شهادة المسلم (3) بحق لبيت المال (4) مثل كون هذا الشخص (5) ~~لبيت المال عنده حق، وشهادته بأن (6) هذا ليس له وارث إلا بيت المال، ~~وشهادته على الذمي بما يوجب نقض عهده وكون ماله فيئا لبيت المال، ونحو ذلك. # ولو شهد عدل بأن فلانا وقف ماله على الفقراء والمساكين ms0870 قبلت شهادته، وإن ~~كان [الشاهد] (7) فقيرا. # الرابع: أن الصديق - رضي الله عنه - لم يكن من أهل هذه الصدقة، بل كان ~~مستغنيا عنها، ولا انتفع هو ولا أحد من أهله (8) بهذه الصدقة؛ فهو (9) ~~PageV04P197 # كما لو شهد قوم من الأغنياء على رجل أنه وصى بصدقة للفقراء؛ فإن هذه ~~شهادة مقبولة بالاتفاق. # الخامس: أن هذا لو كان فيه ما يعود نفعه على الراوي له من الصحابة لقبلت ~~روايته؛ لأنه من باب الرواية لا من باب الشهادة (1) ، والمحدث إذا حدث ~~بحديث في حكومة بينه وبين خصمه قبلت روايته للحديث (2) ؛ لأن الرواية تتضمن ~~حكما عاما يدخل فيه الراوي وغيره. وهذا من باب الخبر، كالشهادة (3) برؤية ~~الهلال، فإن ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - يتناول الراوي وغيره، ~~وكذلك ما نهى عنه، وكذلك ما أباحه (4) . # وهذا الحديث تضمن (5) رواية بحكم شرعي، ولهذا تضمن تحريم الميراث على ~~ابنة أبي بكر عائشة - رضي الله عنها -، وتضمن تحريم شرائه لهذا (6) الميراث ~~من الورثة واتهابه (7) لذلك منهم، وتضمن وجوب صرف هذا المال في مصارف ~~الصدقة. # السادس: أن قوله: " على أن (8) ما رووه فالقرآن يخالف ذلك؛ لأن الله ~~تعالى PageV04P198 # قال: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} [سورة النساء: 11] ~~ولم يجعل الله ذلك خاصا بالأمة دونه [- صلى الله عليه وسلم -] . # فيقال] : أولا: ليس في عموم لفظ الآية [ما يقتضي] (1) أن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - يورث، فإن الله تعالى قال: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر ~~مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة ~~فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن ~~له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس} [سورة ~~النساء: 11] وفي الآية الأخرى: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد ~~فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن} إلى قوله: {من بعد وصية يوصى بها أو ~~دين غير مضار} [سورة النساء: 12] ، وهذا الخطاب شامل للمقصودين بالخطاب ms0871 ~~وليس فيه ما يوجب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مخاطب بها. # و " كاف " الخطاب يتناول من قصده المخاطب، فإن لم يعلم أن المعين مقصود ~~بالخطاب لم يشمله اللفظ، حتى ذهبت طائفة من الناس إلى أن الضمائر مطلقا لا ~~تقبل التخصيص (2) [فكيف بضمير المخاطب؟] (3) فإنه لا يتناول إلا من قصد ~~بالخطاب دون من لم يقصد. ولو قدر أنه عام يقبل التخصيص، فإنه عام للمقصودين ~~بالخطاب، وليس فيها ما يقتضي كون النبي - صلى الله عليه وسلم - من ~~المخاطبين بهذا (4) . PageV04P199 # فإن قيل: هب أن [الضمائر] (1) ضمائر التكلم (2) والخطاب والغيبة لا تدل ~~بنفسها على شيء بعينه، لكن بحسب ما يقترن بها (3) ؛ فضمائر الخطاب موضوعة ~~لمن يقصده المخاطب بالخطاب، وضمائر التكلم (4) لمن يتكلم كائنا من كان. لكن ~~قد عرف أن الخطاب (5) بالقرآن هو للرسول (6) - صلى الله عليه وسلم - ~~والمؤمنين (7) جميعا، كقوله تعالى: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من ~~قبلكم} [سورة البقرة: 183] وقوله: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ~~وأيديكم إلى المرافق} [سورة المائدة: 6] ونحو ذلك. وكذلك قوله تعالى: ~~{يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} [سورة النساء: 11] . # قيل: بل كاف الجماعة في القرآن تارة تكون للنبي - صلى الله عليه وسلم - ~~والمؤمنين، وتارة تكون لهم دونه. كقوله تعالى: {واعلموا أن فيكم رسول الله ~~لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في ~~قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون} [سورة ~~الحجرات: 7] ؛ فإن هذه الكاف للأمة دون النبي - صلى الله عليه وسلم -. ~~PageV04P200 # وكذلك قوله تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص ~~عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} [سورة التوبة: 128] . # وكذلك قوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم} ~~[سورة محمد: 33] ، وقوله تعالى: {إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ~~ويغفر لكم ذنوبكم} [سورة آل عمران: 31] (1) ونحو ذلك؛ فإن كاف الخطاب في ~~هذه المواضع لم يدخل فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بل تناولت من ~~أرسل (2) . إليهم فلم لا يجوز أن تكون الكاف في ms0872 قوله تعالى: {يوصيكم الله ~~في أولادكم} [سورة النساء: 11] مثل هذه الكافات، فلا يكون في السنة ما ~~يخالف ظاهر القرآن. # ومثل هذه الآية قوله تعالى: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما ~~طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت ~~أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا - وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن ~~شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} [سورة النساء: 3، 4] ، فإن الضمير هنا (3) ~~في " خفتم " و " تقسطوا " و " انكحوا " و " طاب لكم " و " ما ملكت أيمانكم ~~" إنما يتناول الأمة دون نبيها - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن [النبي - صلى ~~الله عليه وسلم -] (4) له أن يتزوج أكثر من أربع، وله أن يتزوج بلا مهر، ~~كما ثبت ذلك بالنص والإجماع. PageV04P201 # فإن قيل: ما ذكرتموه من الأمثلة فيها ما يقتضي اختصاص الأمة (1) ، فإنه ~~لما ذكر ما يجب من طاعة الرسول خاطبهم بطاعته ومحبته، وذكر بعثه (2) إليهم، ~~علم أنه ليس داخلا في ذلك. # قيل: وكذلك آية الفرائض لما قال: {آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب ~~لكم نفعا} [سورة النساء: 11] ، وقال: {من بعد وصية يوصى بها أو دين غير ~~مضار} [سورة النساء: 11] ، ثم قال: {تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله ~~يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم - ومن يعص ~~الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين} " [سورة ~~النساء: 13، 14] ، فلما خاطبهم بعدم الدراية التي لا تناسب حال الرسول، ~~وذكر بعد هذا ما يجب عليهم من طاعته فيما ذكره من مقادير الفرائض، وأنهم إن ~~أطاعوا الله ورسوله في هذه الحدود استحقوا الثواب، وإن خالفوا الله والرسول ~~(3) استحقوا العقاب (4) ، وذلك بأن يعطوا الوارث أكثر من حقه، أو يمنعوا ~~الوارث ما يستحقه - دل ذلك على أن المخاطبين المسلوبين الدراية [لما ذكر] ~~(5) ، الموعودين على طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، المتوعدين على ~~معصية الله ورسوله وتعدي حدوده PageV04P202 # فيما قدره من المواريث وغير ذلك، لم يدخل فيهم الرسول صلوات الله وسلامه ~~عليه، كما لم يدخل ms0873 في نظائرها. # ولما كان ما ذكره من تحريم تعدي الحدود عقب ذكر الفرائض المحدودة، دل على ~~أنه لا يجوز أن يزاد أحد من أهل الفرائض على ما قدر له، ودل على أنه لا ~~تجوز الوصية لهم، وكان هذا ناسخا لما أمر به أولا من الوصية للوالدين ~~والأقربين. # ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع: " «إن الله قد ~~أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث» رواه أهل السنن كأبي داود وغيره، ~~[ورواه أهل السير] (1) ، واتفقت الأمة عليه، حتى ظن بعض الناس أن آية ~~الوصية إنما نسخت بهذا الخبر؛ لأنه لم ير بين استحقاق الإرث وبين استحقاق ~~(2) الوصية منافاة، والنسخ لا يكون إلا مع تنافي الناسخ والمنسوخ. ~~PageV04P203 # وأما السلف والجمهور فقالوا: الناسخ هو آية الفرائض؛ لأن الله تعالى قدر ~~فرائض محدودة، ومنع من تعدي حدوده، فإذا أعطى (1) الميت لوارثه أكثر مما ~~حده الله له، فقد تعدى حد الله، فكان ذلك محرما، فإن ما زاد على المحدود ~~يستحقه غيره من الورثة أو العصبة، فإذا أخذ حق العاصب فأعطاه لهذا كان ~~ظالما (2) له. # ولهذا تنازع العلماء فيمن ليس له عاصب (3) : هل يرد عليه أم لا؟ فمن منع ~~الرد قال: الميراث حق لبيت المال، فلا يجوز أن يعطاه غيره. ومن جوز الرد ~~قال: إنما يوضع المال في بيت المال؛ لكونه ليس له مستحق خاص، وهؤلاء لهم ~~رحم عام ورحم خاص، كما قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: " ذو السهم أولى ~~ممن لا سهم له ". # والمقصود هنا أنه لا يمكنهم إقامة دليل على شمول الآية للرسول - صلى الله ~~عليه وسلم - أصلا. # فإن قيل: فلو مات أحد من أولاد النبي - صلى الله عليه وسلم - ورثه، كما ~~ماتت بناته الثلاث في حياته، ومات ابنه إبراهيم؟ . # قيل: الخطاب في الآية للموروث دون الوارث (4) ، فلا يلزم إذا دخل أولاده ~~في كاف الخطاب لكونهم (5) موروثين (6) أن يدخلوا إذا كانوا وارثين. ~~PageV04P204 # (* يوضح ذلك أنه قال: {ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ~~ولد} ، [سورة النساء ms0874: 11] فذكره بضمير الغيبة لا بضمير الخطاب، وهو عائد ~~على (1) المخاطب بكاف الخطاب (2) وهو الموروث، فكل من سوى النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - من أولاده وغيرهم موروثون شملهم النص وكان النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - وارثا لمن خوطب، ولم يخاطب هو بأن يورث أحدا شيئا، وأولاد ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن شملهم (3) كاف الخطاب فوصاهم بأولادهم ~~للذكر مثل حظ الأنثيين، ففاطمة - رضي الله عنها - وصاها الله في أولادها ~~للذكر مثل حظ الأنثيين، ولأبويها لو ماتت في حياتهما لكل واحد منهما السدس ~~*) (4) . # فإن قيل: ففي آية الزوجين قال: (ولكم) ، (ولهن) . # قيل: أولا: الرافضة يقولون: إن زوجاته (5) لم يرثنه ولا عمه العباس، ~~وإنما ورثته (6) البنت وحدها. # الثاني (7) : أنه بعد نزول الآية لم يعلم أنه ماتت واحدة (8) من أزواجه ~~ولها مال حتى يكون وارثا لها. وأما خديجة - رضي الله عنها - فماتت بمكة، ~~وأما PageV04P205 # زينب بنت خزيمة الهلالية فماتت بالمدينة، لكن من أين نعلم أنها خلفت ~~مالا، وأن آية الفرائض كانت قد نزلت. فإن قوله تعالى: {ولكم نصف ما ترك ~~أزواجكم} [سورة النساء: 12] إنما تناول من ماتت له زوجة ولها تركة، فمن لم ~~تمت زوجته أو ماتت (1) ولا مال لها لم يخاطب (2) بهذه الكاف. # وبتقدير ذلك فلا يلزم من شمول إحدى الكافين له شمول الأخرى، بل ذلك موقوف ~~على الدليل. # فإن قيل: فأنتم تقولون: إن ما ثبت في حقه من الأحكام ثبت في حق أمته ~~وبالعكس. فإن الله إذا أمره بأمر تناول الأمة، وإن ذلك قد عرف بعادة (3) ~~الشرع. ولهذا قال تعالى: {فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على ~~المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا} [سورة الأحزاب: 37] ، ~~فذكر أنه أحل ذلك له؛ ليكون (4) حلالا لأمته ولما خصه بالتحليل قال: ~~{وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من ~~دون المؤمنين} [سورة الأحزاب: 50] فكيف يقال: إن هذه الكاف لم تتناوله؟ . # قيل: من المعلوم أن من قال ذلك قاله لما عرف من عادة الشارع (5) في ~~خطابه ms0875، كما يعرف من عادة الملوك إذا خاطبوا أميرا بأمر أن نظيره مخاطب ~~PageV04P206 # بمثل ذلك، فهذا يعلم بالعادة والعرف (1) المستقر (2) في خطاب المخاطب، ~~كما يعلم معاني الألفاظ بالعادة المستقرة (3) لأهل تلك اللغة: أنهم يريدون ~~ذلك المعنى. # وإذا كان كذلك؛ فالخطاب بصيغة الجمع قد تنوعت عادة القرآن فيها: تارة ~~تتناول الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتارة لا تتناوله، فلا يجب أن يكون ~~هذا الموضع مما تناوله (4) وغاية ما يدعي المدعي أن يقال: الأصل شمول الكاف ~~له، كما يقول: الأصل مساواة أمته له في الأحكام، ومساواته لأمته في ~~الأحكام، حتى يقوم دليل التخصيص. ومعلوم أن له خصائص كثيرة خص بها عن أمته. ~~وأهل السنة يقولون: من خصائصه أنه لا يورث، فلا يجوز أن ينكر اختصاصه بهذا ~~الحكم إلا كما ينكر اختصاصه (5) بسائر (6) الخصائص، لكن للإنسان أن يطالب ~~بدليل الاختصاص. ومعلوم أن الأحاديث الصحيحة المستفيضة، بل المتواترة [عنه] ~~(7) في (8) أنه لا يورث، أعظم من الأحاديث المروية في كثير من خصائصه، مثل ~~اختصاصه بالفيء (9) وغيره. PageV04P207 # وقد تنازع السلف والخلف في كثير من الأحكام: هل هو من خصائصه؟ كتنازعهم ~~في الفيء والخمس، هل كان ملكا له أم لا؟ وهل أبيح له من (1) حرم عليه من ~~النساء أم لا؟ . # ولم يتنازع السلف في أنه لا يورث، لظهور ذلك عنه واستفاضته في أصحابه. ~~وذلك أن الله تعالى قال في كتابه: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله ~~والرسول} [سورة الأنفال: 1] ، وقال في [كتابه] (2) : {واعلموا أنما غنمتم ~~من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} ~~[سورة الأنفال: 41] ، [وقال في كتابه: {ما أفاء الله على رسوله من أهل ~~القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} ] (3) ~~[سورة الحشر: 7] . ولفظ آية الفيء كلفظ آية الخمس، وسورة الأنفال نزلت بسبب ~~بدر، فدخلت الغنائم في ذلك بلا ريب، وقد يدخل في ذلك سائر ما نفله الله ~~للمسلمين من مال الكفار. كما أن لفظ " الفيء " قد يراد به كل ما أفاء الله ~~على المسلمين، فيدخل فيه الغنائم، وقد يختص ذلك ms0876 بما أفاء الله عليه مما لم ~~يوجف عليه المسلمون (4) بخيل ولا ركاب. # ومن الأول (5) قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «ليس لي مما أفاء ~~الله PageV04P208 # عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم» " (1) . فلما أضاف هذه الأموال إلى ~~الله والرسول رأى طائفة من لعلماء (2) أن [هذه] (3) الإضافة تقتضي أن ذلك ~~ملك للرسول - صلى الله عليه وسلم - كسائر أملاك الناس، ثم جعلت الغنائم بعد ~~ذلك للغانمين، وخمسها لمن سمى (4) ، وبقي الفيء، أو أربعة أخماسه (5) ، ~~ملكا للرسول - صلى الله عليه وسلم - كما يقول ذلك الشافعي، وطائفة من أصحاب ~~أحمد، وإنما ترددوا في الفيء، فإنه عامة العلماء لا يخمسون الفيء، وإنما ~~قال بتخميسه الشافعي وطائفة من أصحاب أحمد (6) PageV04P209 # كالخرقي. وأما مالك وأبو حنيفة وأحمد وجمهور أصحابه وسائر أئمة المسلمين ~~فلا يرون تخميس الفيء، وهو ما أخذ من المشركين بغير قتال، كالجزية والخراج. # وقالت طائفة ثانية من العلماء: بل (1) هذه الإضافة لا تقتضي أن تكون ~~الأموال ملكا للرسول، بل تقتضي أن يكون أمرها إلى الله والرسول؛ فالرسول ~~ينفقها فيما أمره الله [به] (2) . # كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - أنه قال: " «إني والله لا أعطي أحدا ولا أمنع أحدا، وإنما ~~أنا قاسم أضع حيث أمرت» " (3) . . # وقال أيضا في الحديث الصحيح: " تسموا (4) باسمي، ولا تكنوا (5) بكنيتي، ~~فإنما أنا قاسم أقسم بينكم " (6) . PageV04P210 # فالرسول مبلغ عن الله أمره ونهيه، فالمال المضاف إلى الله ورسوله، هو ~~المال الذي يصرف فيما أمر الله به ورسوله من واجب ومستحب، بخلاف الأموال ~~التي ملكها الله لعباده، فإن لهم صرفها في المباحات. # ولهذا لما قال الله في المكاتبين: {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} [سورة ~~النور: 33] ذهب أكثر العلماء، كمالك وأبي حنيفة وغيرهما، إلى أن المراد: ~~آتاكم [الله] (1) من الأموال التي ملكها الله لعباده (2) ، فإنه لم يضفها ~~إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بخلاف ما أضافه إلى الله والرسول، فإنه ~~لا يعطى إلا فيما أمر الله به ورسوله. # فالأنفال لله والرسول؛ لأن (3) قسمتها إلى ms0877 الله والرسول ليست كالمواريث ~~التي قسمها الله بين المستحقين. وكذلك مال الخمس ومال الفيء. PageV04P211 # وقد تنازع العلماء في الخمس والفيء، فقال مالك [وغيره من العلماء] (1) : ~~مصرفهما واحد، وهو فيما أمر الله به ورسوله، وعين ما عينه (2) من اليتامى ~~والمساكين وابن السبيل تخصيصا لهم بالذكر. وقد روي عن أحمد بن حنبل ما ~~يوافق ذلك، وأنه جعل مصرف الخمس من الركاز مصرف الفيء، وهو تبع لخمس ~~الغنائم (3) . وقال الشافعي، وأحمد في الرواية المشهورة: الخمس (4) يقسم ~~على خمسة أقسام. وقال أبو حنيفة: على ثلاثة، فأسقط (5) سهم الرسول وذوي ~~القربى بموته - صلى الله عليه وسلم -، وقال (6) داود بن علي: بل مال الفيء ~~[أيضا] (7) يقسم [على خمسة أقسام] (8) . والقول الأول أصح [الأقوال] (9) ~~كما قد بسطت أدلته في غير هذا الموضع (10) ، وعلى ذلك تدل سنة رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم -، وسنة خلفائه الراشدين. # فقوله: (11) {لله وللرسول} في الخمس والفيء، كقوله في الأنفال: (لله ~~PageV04P212 # والرسول) فالإضافة (1) للرسول؛ لأنه هو الذي يقسم هذه الأموال بأمر الله، ~~ليست ملكا لأحد. وقوله صلى الله عليه وسلم: " «إني والله لا أعطي أحدا ولا ~~أمنع أحدا، وإنما أنا قاسم أضع حيث أمرت» " يدل على أنه ليس بمالك للأموال، ~~وإنما هو منفذ لأمر الله عز وجل فيها، وذلك لأن الله خيره بين أن يكون ملكا ~~نبيا وبين أن يكون عبدا رسولا، فاختار أن يكون عبدا رسولا، وهذا أعلى ~~المنزلتين، فالملك يصرف المال فيما أحب (2) ولا إثم عليه، والعبد الرسول لا ~~يصرف المال إلا فيما أمر به، فيكون فيما (3) يفعله عبادة الله وطاعة له (4) ~~، ليس في قسمه ما هو من المباح الذي لا يثاب عليه، بل يثاب عليه كله. # وقوله صلى الله عليه وسلم: " «ليس لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، ~~والخمس مردود عليكم» " يؤيد (5) ذلك، فإن قوله: " لي " أي أمره إلي، ولهذا ~~قال: " «والخمس مردود عليكم» ". وعلى هذا الأصل فما كان بيده من أموال بني ~~النضير وفدك وخمس خيبر وغير ذلك، هي كلها من مال (6) الفيء الذي (7) لم يكن ~~يملكه فلا ms0878 (8) يورث عنه، وإنما يورث عنه ما يملكه. PageV04P213 # بل تلك الأموال يجب أن تصرف فيما يحبه الله ورسوله من الأعمال. وكذلك قال ~~[أبو بكر] الصديق [- رضي الله عنه -] (1) . وأما ما قد يظن أنه ملكه، كمال ~~أوصى له (2) به [مخيريق] (3) وسهمه من خيبر (4) ، فهذا إما أن يقال: حكمه ~~حكم المال الأول، وإما أن يقال: هو ملكه، ولكن حكم الله في حقه أن يأخذ من ~~المال حاجته، وما زاد على ذلك يكون صدقة ولا يورث. # كما في الحديث الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - قال: (* «لا يقتسم (5) ورثتي دينارا ولا درهما، وما تركت بعد ~~نفقة (6) نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة» " (7) . وفي الصحيحين عن أبي هريرة - ~~رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال *) (8) : «لا نورث ما ~~PageV04P214 # تركناه فهو صدقة» " أخرجه البخاري عن جماعة منهم أبو هريرة - رضي الله ~~عنه - ورواه مسلم عنه وعن غيره (1) . # يبين ذلك أن هذا مذكور في سياق قوله تعالى: {وإن خفتم ألا تقسطوا في ~~اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا ~~تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا - وآتوا النساء ~~صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} ، [سورة ~~النساء: 3، 4] إلى قوله: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} ~~[سورة النساء: 11] . # ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخاطب بهذا، فإنه ليس مخصوصا ~~بمثنى ولا ثلاث ولا رباع، بل له أن يتزوج أكثر من ذلك، ولا مأمورا بأن يوفي ~~كل امرأة صداقها، بل له أن يتزوج من تهب نفسها له بغير صداق. كما قال تعالى ~~(2) : {ياأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت ~~يمينك مما أفاء الله عليك} [سورة الأحزاب: 50] إلى قوله: {وامرأة مؤمنة إن ~~وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد ~~علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج ms0879 ~~وكان الله غفورا رحيما} [سورة الأحزاب: 50] . # وإذا كان سياق الكلام إنما هو خطاب للأمة دونه لم يدخل هو في عموم هذه ~~الآية. PageV04P215 # فإن قيل: بل الخطاب (1) متناول له وللأمة في عموم هذه الآية (2) ، لكن خص ~~هو من آية النكاح والصداق. # قيل: وكذلك خص من آية الميراث، فما قيل في تلك يقال مثله في هذه وسواء ~~(3) قيل: إن لفظ الآية شمله وخص منه، أو قيل: إنه لم يشمله لكونه ليس (4) ~~من المخاطبين: يقال مثله هنا (5) . # السابع: أن يقال: هذه الآية لم يقصد بها بيان من يورث [ومن لا يورث] (6) ~~، ولا بيان صفة الموروث والوارث، وإنما قصد بها أن المال الموروث يقسم بين ~~الوارثين على هذا التفصيل. فالمقصود هنا بيان مقدار أنصباء هؤلاء المذكورين ~~إذا كانوا ورثة. ولهذا لو كان الميت مسلما وهؤلاء كفارا لم يرثوا باتفاق ~~المسلمين، وكذلك لو كان كافرا وهؤلاء مسلمين لم يرثوا بالسنة وقول جماهير ~~المسلمين (7) ، وكذلك لو كان عبدا وهم أحرار، أو كان حرا وهم عبيد. وكذلك ~~القاتل عمدا عند عامة المسلمين، وكذلك القاتل خطأ من الدية. وفي غيرها ~~نزاع. PageV04P216 # وإذا علم أن في الموتى من يرثه أولاده، وفيهم من لا يرثه أولاده، والآية ~~لم تفصل (1) : من يرثه ورثته ومن لا يرثه، ولا صفة الوارث والموروث، علم ~~أنه لم يقصد بها بيان ذلك، بل قصد بها بيان حقوق هؤلاء إذا كانوا ورثة. # وحينئذ (2) فالآية إذا لم تبين من يورث ومن يرثه، لم يكن فيها دلالة على ~~كون [غير] (3) النبي - صلى الله عليه وسلم - يرث أو لا يورث (4) ، فلأن لا ~~يكون فيها دلالة على كونه هو يورث بطرق الأولى والأحرى. # وهكذا كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: " «فيما سقت السماء العشر، ~~وفيما سقي (5) بالدوالي والنواضح فنصف (6) العشر» (7) . " فإن قصد به الفرق ~~بين ما يجب فيه العشر وبين ما يجب فيه نصف العشر، ولم يقصد به بيان ما يجب ~~فيه أحدهما وما لا يجب واحد منهما، فلهذا لا يحتج بعمومه على وجوب الصدقة ~~في الخضراوات. PageV04P217 # وقوله تعالى: {وأحل ms0880 الله البيع وحرم الربا} [سورة البقرة: 275] قصد فيه ~~الفرق بين البيع والربا: في أن أحدهما حلال والآخر حرام، ولم يقصد فيه بيان ~~ما يجوز بيعه وما لا يجوز، فلا يحتج بعمومه على جواز بيع كل شيء. ومن ظن أن ~~قوله (وأحل الله البيع) يعم بيع الميتة والخنزير والخمر والكلب وأم الولد ~~والوقف وملك الغير والثمار قبل بدو صلاحها ونحو ذلك - كان غالطا. # الوجه (1) الثامن: أن يقال: هب أن لفظ الآية عام، فإنه خص منها الولد ~~الكافر والعبد والقاتل بأدلة هي أضعف من الدليل الذي دل على خروج النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - منها؛ فإن الصحابة الذين نقلوا عنه أنه لا يورث أكثر ~~وأجل من الذين نقلوا عنه (2) أن المسلم لا يرث الكافر، وأنه ليس لقاتل ~~ميراث، وأن من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه (3) المبتاع. # وفي الجملة فإذا كانت الآية مخصوصة بنص أو إجماع، كان تخصيصها بنص آخر ~~جائزا باتفاق علماء المسلمين. بل قد (4) ذهب طائفة إلى أن العام المخصوص ~~يبقى مجملا. وقد تنازع العلماء في تخصيص (5) عموم القرآن PageV04P218 # إذا لم يكن مخصوصا [بخبر الواحد] (1) ، فأما العام المخصوص فيجوز تخصيصه ~~بخبر الواحد عن عوامهم، لا سيما الخبر المتلقى بالقبول؛ فإنهم متفقون على ~~تخصيص عموم القرآن به. # وهذا الخبر تلقته الصحابة بالقبول، وأجمعوا على العمل به، كما سنذكره [إن ~~شاء الله تعالى] (2) . # والتخصيص بالنص المستفيض والإجماع متفق عليه. ومن سلك هذا المسلك يقول: ~~ظاهر الآية العموم (3) ، لكنه عموم مخصوص. ومن سلك المسلك الأول لم يسلم ~~ظهور العموم إلا فيمن علم أن هؤلاء يرثونه، ولا يقال (4) : إن ظاهرها ~~متروك، بل نقول (5) : لم يقصد بها إلا بيان (6) نصيب الوارث، لا بيان الحال ~~التي يثبت فيها الإرث (7) ، فالآية عامة في الأولاد والموتى، مطلقة في ~~[الموروثين. وأما] (8) شروط الإرث فلم تتعرض له الآية، بل هي مطلقة فيه (9) ~~: لا تدل عليه بنفي ولا إثبات. # كما في قوله (10) تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [سورة التوبة: ~~5] PageV04P219 # عام في الأشخاص، مطلق في المكان والأحوال. فالخطاب المقيد ms0881 لهذا المطلق ~~يكون خطابا مبتدأ مبينا لحكم شرعي لم يتقدم ما ينافيه (1) ، لا يكون (2) ~~رافعا لظاهر خطاب شرعي، فلا يكون مخالفا للأصل. # الوجه التاسع: أن يقال: كون النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يورث ثبت ~~بالسنة المقطوع بها وبإجماع الصحابة، وكل منهما دليل قطعي، فلا يعارض ذلك ~~بما يظن أنه عموم، وإن كان عموما فهو مخصوص؛ لأن ذلك لو كان دليلا لما كان ~~إلا ظنيا، فلا يعارض القطعي؛ إذ الظني لا يعارض القطعي. # وذلك أن هذا الخبر رواه غير واحد من الصحابة في أوقات ومجالس، وليس فيهم ~~من ينكره، بل كلهم تلقاه بالقبول والتصديق. ولهذا لم يصر أحد من أزواجه على ~~طلب الميراث، ولا أصر العم على طلب الميراث، بل من طلب من ذلك شيئا فأخبر ~~(3) بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - رجع عن طلبه. واستمر الأمر على ذلك ~~على عهد الخلفاء الراشدين إلى علي، فلم يغير شيئا من ذلك وقسم له تركة. # الوجه العاشر: أن يقال: إن أبا بكر وعمر قد أعطيا عليا وأولاده من المال ~~أضعاف أضعاف ما خلفه النبي - صلى الله عليه وسلم - من المال. والمال الذي ~~خلفه النبي صلى الله عليه سلم - لم ينتفع واحد [منهما] (4) منه بشيء، بل ~~PageV04P220 # سلمه عمر إلى علي والعباس - رضي الله عنهم - يليانه ويفعلان فيه ما كان ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله. وهذا مما يوجب انتفاء التهمة (1) ~~عنهما في ذلك. # الوجه الحادي عشر: أن يقال: قد جرت العادة بأن الظلمة من الملوك إذا ~~تولوا بعد غيرهم من الملوك الذين أحسنوا إليهم أو ربوهم (2) ، وقد انتزعوا ~~الملك من بيت ذلك الملك، استعطفوهم وأعطوهم ليكفوا عنهم منازعتهم، فلو قدر ~~- والعياذ بالله - أن أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - متغلبان متوثبان، ~~لكانت العادة تقضي (3) بأن يزاحما الورثة المستحقين للولاية والتركة [في ~~المال] (4) ، بل يعطيانهم ذلك وأضعافه؛ ليكفوا عن المنازعة في الولاية. ~~وأما منع الولاية والميراث بالكلية فهذا لا يعلم (5) أنه فعله أحد من ~~الملوك، وإن كان من أظلم الناس وأفجرهم. فعلم أن الذي ms0882 فعلوه مع النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - أمر خارج عن العادة (6) الطبيعية في الملوك، كما هو خارج ~~عن العادات الشرعية في المؤمنين، وذلك لاختصاصه - صلى الله عليه وسلم - بما ~~لم يخص الله به غيره من ولاة الأمور وهو النبوة (7) ؛ إذ الأنبياء لا ~~يورثون. PageV04P221 # الوجه الثاني عشر: أن قوله تعالى: {وورث سليمان داود} [سورة النمل: 16] ، ~~وقوله تعالى [عن زكريا] (1) : {فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل ~~يعقوب} [سورة مريم: 5، 6] ، لا يدل على محل النزاع؛ لأن الإرث اسم جنس تحته ~~أنواع، والدال على ما به الاشتراك لا يدل على ما به الامتياز. فإذا قيل: ~~هذا حيوان، لا يدل على أنه إنسان أو فرس أو بعير. وذلك أن لفظ " الإرث " ~~(2) يستعمل في إرث العلم والنبوة والملك وغير ذلك من أنواع الانتقال. قال ~~تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} [سورة فاطر: 32] . # وقال تعالى: {أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون} ~~[سورة المؤمنون: 10، 11] . وقال تعالى: {وتلك الجنة التي أورثتموها بما ~~كنتم تعملون} [سورة الزخرف: 72] . # وقال تعالى: {وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها} [سورة ~~الأحزاب: 27] . # وقال تعالى: {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين} ~~[سورة الأعراف: 128] . # وقال تعالى: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها ~~التي باركنا فيها} [سورة الأعراف: 137] . PageV04P222 # وقال تعالى: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي ~~الصالحون} [سورة الأنبياء: 105] . # وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا ~~درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر» " رواه أبو داود وغيره ~~(1) . # وهكذا لفظ " الخلافة " ولهذا يقال: الوارث خليفة الميت، أي خلفه فيما ~~تركه. والخلافة قد تكون في المال، وقد تكون في الملك، وقد تكون في العلم، ~~وغير ذلك. # وإذا كان كذلك فقوله تعالى: {وورث سليمان داود} [سورة النمل: 16] ، ~~وقوله: {يرثني ويرث من آل يعقوب} [سورة مريم: 6] إنما يدل على جنس الإرث، ~~لا يدل على إرث المال. فاستدلال المستدل بهذا الكلام على خصوص إرث المال ~~جهل ms0883 منه بوجه الدلالة، كما لو قيل: هذا خليفة هذا، وقد خلفه - كان دالا على ~~خلافة مطلقة، لم يكن فيها ما يدل على PageV04P223 # أنه خلفه في ماله أو امرأته أو ملكه أو غير ذلك من الأمور. # الوجه الثالث عشر: أن يقال: المراد بهذا الإرث إرث العلم والنبوة ونحو ~~ذلك لا إرث المال. وذلك لأنه قال: {وورث سليمان داود} [سورة النمل: 16] ، ~~ومعلوم أن داود كان له أولاد كثيرون غير سليمان، فلا يختص سليمان بماله. # وأيضا فليس في كونه ورث ماله صفة مدح، لا لداود ولا لسليمان، فإن اليهودي ~~والنصراني يرث أباه ماله (1) ، والآية سيقت في بيان المدح لسليمان، وما خصه ~~الله به من النعمة. # وأيضا فإرث المال هو من الأمور العادية المشتركة بين الناس، كالأكل، ~~والشرب، ودفن الميت. ومثل هذا لا يقص عن الأنبياء؛ إذ لا فائدة فيه (2) ، ~~وإنما يقص ما فيه عبرة وفائدة تستفاد، وإلا فقول القائل: " مات فلان وورث ~~ابنه ماله " (3) مثل قوله: " ودفنوه " ومثل قوله: " أكلوا وشربوا وناموا " ~~(4) ونحو ذلك مما لا يحسن أن يجعل من قصص القرآن. # وكذلك قوله [عن زكريا] (5) : {يرثني ويرث من آل يعقوب} [سورة مريم: 6] : ~~[ليس المراد به إرث المال؛ لأنه لا يرث من آل يعقوب شيئا من] (6) ~~PageV04P224 # أموالهم بل إنما يرثهم ذلك أولادهم وسائر ورثتهم لو ورثوا؛ ولأن النبي لا ~~يطلب (1) ولدا ليرث ماله؛ فإنه لو كان يورث لم يكن بد من أن ينتقل المال ~~إلى غيره: سواء كان ابنا أو غيره، فلو كان مقصوده بالولد أن يرث ماله، كان ~~مقصوده أنه لا يرثه أحد غير الولد (2) . # وهذا لا يقصده أعظم الناس بخلا وشحا على من ينتقل إليه المال، فإنه لو ~~كان الولد موجودا وقصد إعطاءه دون غيره، لكان المقصود إعطاء الولد. وأما ~~إذا لم يكن له ولد، وليس مراده بالولد إلا أن يجوز (3) المال دون غيره، كان ~~المقصود أن لا يأخذ أولئك المال، وقصد الولد بالقصد الثاني، وهذا يقبح (4) ~~من أقل الناس عقلا ودينا. # وأيضا فزكريا - عليه السلام - لم يعرف (5) له مال، بل ms0884 كان نجارا. ويحيى ~~ابنه - عليه السلام - كان من أزهد الناس. # وأيضا فإنه قال: {وإني خفت الموالي من ورائي} [سورة مريم: 5] ومعلوم أنه ~~لم يخف أن يأخذوا (6) ماله [من بعده] (7) إذا مات فإن هذا ليس بمخوف (8) . ~~PageV04P225 ### | كلام الرافضي على منع فاطمة من إرث فدك # فصل. (1) # قال الرافضي (2) : " ولما ذكرت فاطمة أن أباها رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - وهبها فدك (3) قال [لها] (4) : هات أسود أو أحمر يشهد (5) لك بذلك، ~~فجاءت بأم أيمن (6) ، فشهدت لها بذلك، فقال: امرأة لا يقبل قولها. وقد رووا ~~جميعا أن رسول الله (7) - صلى الله عليه وسلم - قال: أم أيمن امرأة من أهل ~~الجنة، فجاء أمير المؤمنين (8) فشهد لها بذلك، فقال: هذا بعلك يجره إلى ~~نفسه ولا نحكم (9) بشهادته لك، وقد رووا جميعا أن رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - قال: علي مع الحق، والحق معه (10) يدور [معه] (11) حيث دار لن ~~(12) يفترقا حتى يردا علي الحوض، فغضبت فاطمة - عليها PageV04P226 # السلام - (1) عند ذلك وانصرفت (2) ، وحلفت أن لا تكلمه ولا صاحبه (3) حتى ~~تلقى أباها وتشكو إليه (4) ، فلما حضرتها الوفاة أوصت عليا أن يدفنها ليلا ~~(5) ولا يدع أحدا منهم يصلي عليها، وقد رووا جميعا أن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - قال: يا فاطمة إن الله تعالى يغضب لغضبك ويرضى لرضاك. ورووا ~~(6) جميعا [أنه قال] (7) : «فاطمة (8) . بضعة مني، من آذاها فقد آذاني، ومن ~~آذاني، فقد آذى الله» . ولو كان هذا الخبر صحيحا (9) حقا لما جاز له ترك ~~البغلة التي خلفها النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيفه وعمامته عند أمير ~~المؤمنين علي، ولما (10) حكم له بها لما ادعاها العباس، ولكان أهل البيت ~~الذين طهرهم الله في كتابه من الرجس مرتكبين ما لا يجوز (11) ؛ لأن الصدقة ~~عليهم محرمة. وبعد ذلك جاء إليه (12) مال البحرين وعنده جابر بن عبد الله ~~الأنصاري، فقال له: إن النبي PageV04P227 # - صلى الله عليه وسلم - قال لي: إذا أتى مال البحرين حثوت (1) لك، ثم ~~حثوت لك، [ثلاثا] (2) ، فقال له: تقدم فخذ بعددها (3) ، فأخذ [من بيت] (4) ~~مال المسلمين من غير بينة بل ms0885 بمجرد قوله " (5) . # والجواب: أن في هذا الكلام من الكذب والبهتان والكلام الفاسد ما لا يكاد ~~يحصى إلا بكلفة، ولكن سنذكر من ذلك وجوها [إن شاء الله تعالى] (6) . # أحدها: أن ما ذكر من ادعاء فاطمة - رضي الله عنها - فدك فإن هذا يناقض ~~كونها (7) ميراثا لها، فإن كان طلبها (8) بطريق الإرث امتنع أن يكون بطريق ~~الهبة، وإن كان بطريق الهبة امتنع أن يكون بطريق الإرث، ثم إن كانت هذه هبة ~~في مرض الموت، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - منزه، إن كان يورث كما ~~يورث غيره، أن يوصى لوارث أو يخصه في مرض موته بأكثر من حقه، وإن كان في ~~صحته (9) فلا بد أن تكون هذه هبة مقبوضة، وإلا فإذا وهب الواهب بكلامه (10) ~~ولم يقبض الموهوب شيئا حتى مات الواهب (11) PageV04P228 # كان ذلك باطلا عند جماهير العلماء، فكيف يهب النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- فدك لفاطمة ولا يكون هذا أمرا معروفا (1) عند أهل بيته والمسلمين، حتى ~~تخص بمعرفته أم أيمن أو علي - رضي الله عنهما -؟ . # الوجه الثاني: أن ادعاء فاطمة ذلك كذب على فاطمة (2) ، [وقد قال الإمام ~~أبو العباس بن سريج (3) في الكتاب الذي صنفه في الرد على عيسى بن أبان (4) ~~لما تكلم معه في باب اليمين والشاهد، واحتج بما احتج، وأجاب عما عارض به ~~عيسى بن أبان، قال: وأما حديث البحتري بن حسان عن زيد بن علي: أن فاطمة ~~ذكرت لأبي بكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاها فدك، وأنها جاءت ~~برجل وامرأة، فقال: رجل مع رجل، وامرأة مع امرأة، فسبحان الله ما أعجب هذا! ~~! قد سألت فاطمة أبا بكر (5) ميراثها وأخبرها عن رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - أنه قال: «لا نورث» ، وما PageV04P229 # حكي في شيء من الأحاديث أن فاطمة ادعتها بغير الميراث، ولا أن أحدا شهد ~~بذلك. # ولقد روى جرير عن مغيرة عن عمر بن عبد العزيز أنه قال في فدك: " إن فاطمة ~~سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعلها لها فأبى، وأن النبي - صلى ~~الله عليه ms0886 وسلم - كان ينفق منها ويعود على ضعفة بني هاشم ويزوج منه أيمهم، ~~وكانت كذلك حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر صدقة وقبلت فاطمة ~~الحق (1) ، وإني أشهدكم أني رددتها إلى ما كانت في عهد رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - " (2) . # ولم يسمع أن فاطمة - رضي الله عنها - ادعت أن النبي صلى الله عليه وسلم ~~PageV04P230 # أعطاها إياها في حديث ثابت متصل، ولا أن شاهدا شهد لها. ولو كان ذلك ~~لحكي؛ لأنها خصومة وأمر ظاهر تنازعت فيه الأمة وتحادثت فيه، فلم يقل أحد من ~~المسلمين: شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاها فاطمة ولا سمعت فاطمة ~~تدعيها حتى جاء البحتري بن حسان يحكي عن زيد شيئا لا ندري ما أصله، ولا من ~~جاء به، وليس من أحاديث أهل العلم: فضل بن مرزوق عن البحتري عن زيد، وقد ~~كان ينبغي لصاحب الكتاب أن يكف عن بعض هذا الذي لا معنى له، وكان الحديث قد ~~حسن بقول زيد: لو كنت أنا لقضيت بما قضى به أبو بكر. وهذا مما لا يثبت على ~~أبي بكر ولا على فاطمة لو لم يخالفه أحد، ولو لم تجر فيه المناظرة ويأت ~~فيها الرواية، فكيف وقد جاءت؟ وأصل المذهب أن الحديث إذا ثبت عن رسول الله ~~- صلى الله عليه وسلم -، ثم قال أبو بكر بخلافه، إن هذا من أبي بكر رحمه ~~الله كنحو ما كان منه في الجدة، وأنه متى بلغه الخبر رجع إليه. # ولو ثبت هذا الحديث لم يكن فيه حجة؛ لأن فاطمة لم تقل: إني أحلف مع شاهدي ~~فمنعت. ولم يقل أبو بكر: إني لا أرى اليمين مع الشاهد. # قالوا: وهذا الحديث غلط؛ لأن أسامة بن زيد يروي عن الزهري عن مالك بن أوس ~~بن الحدثان (1) ، قال (2) : كان مما احتج به عمر أن قال: كانت PageV04P231 # لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث صفايا: بنو النضير (1) ، وخيبر، ~~وفدك. فأما بنو النضير فكانت حبسا لنوائبه. وأما فدك فكانت حبسا لأبناء ~~السبيل، وأما خيبر فجزأها رسول الله - صلى الله ms0887 عليه وسلم - ثلاثة أجزاء: ~~جزأين بين المسلمين، وجزءا نفقة لأهله، فما فضل عن نفقة أهله جعله بين ~~فقراء المهاجرين جزأين. # وروى الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة (2) أنها أخبرته أن ~~فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسلت إلى أبي بكر الصديق ~~تسأله ميراثها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما أفاء الله عليه ~~بالمدينة (3) وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - قال: «لا نورث ما تركنا صدقة، وإنما يأكل آل محمد من هذا ~~المال» ، وإني والله (4) لا أغير شيئا من صدقة رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~PageV04P232 # (1) ، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبى ~~أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا (2) . # ورواه شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال: حدثني عروة: أن عائشة أخبرته بهذا ~~الحديث. «قال: وفاطمة - رضي الله عنها - حينئذ تطلب صدقة رسول الله التي ~~بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر. قالت عائشة: فقال أبو بكر: إن رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا نورث ما تركنا صدقة، وإنما يأكل آل ~~محمد في هذا المال» ، يعني مال الله عز وجل، ليس لهم أن يزيدوا على المال. # ورواه صالح عن ابن شهاب عن عروة أن عائشة قالت فيه (3) : فأبى أبو بكر ~~عليها ذلك، وقال: لست تاركا شيئا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~يعمل به إلا عملت به، إني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ. فأما صدقته ~~بالمدينة فدفعها عمر إلى علي وعباس، فغلب علي عليها. وأما خيبر وفدك ~~فأمسكها عمر، وقال: هما صدقة رسول الله PageV04P233 # - صلى الله عليه وسلم - كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه (1) ، وأمرها ~~إلى من ولي الأمر. قال: فهما على ذلك إلى اليوم. # فهذه الأحاديث الثابتة المعروفة عند أهل العلم، وفيها ما يبين أن فاطمة - ~~رضي ms0888 الله عنها - طلبت ميراثها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما ~~كانت تعرف من المواريث، فأخبرت بما كان من رسول الله فسلمت ورجعت، فكيف ~~تطلبها ميراثا وهي تدعيها ملكا بالعطية؟ هذا ما لا معنى فيه. وقد كان ينبغي ~~لصاحب الكتاب أن يتدبر، ولا نحتج بما يوجد في الأحاديث الثابتة لرده وإبانة ~~الغلط فيه (2) ، ولكن حبك الشيء يعمي ويصم. # وقد روي عن أنس أن أبا بكر قال لفاطمة وقد قرأت عليه إني أقرأ مثل ما ~~قرأت (3) ولا يبلغن علمي أن يكون قاله كله. قالت فاطمة: هو لك ولقرابتك؟ ~~قال: لا وأنت عندي مصدقة أمينة، فإن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~عهد إليك في هذا، أو وعدك فيه موعدا أو أوجبه لكم حقا صدقتك. فقالت: لا غير ~~«أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال حين أنزل عليه: " أبشروا يا آل ~~محمد وقد جاءكم الله عز وجل بالغنى» ". قال PageV04P234 # أبو بكر: صدق الله ورسوله وصدقت، فلكم الفيء، ولم يبلغ علمي بتأويل هذه ~~أن أستلم هذا السهم كله كاملا إليكم، ولكم الفيء (1) الذي يسعكم. وهذا يبين ~~أن أبا بكر كان يقبل قولها، فكيف يرده ومعه شاهد وامرأة؟ ولكنه يتعلق بكل ~~شيء يجده] (2) . # الوجه الثالث: أن يقال: إن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يورث فالخصم ~~في ذلك أزواجه وعمه، ولا تقبل عليهم شهادة امرأة واحدة ولا رجل واحد بكتاب ~~الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - واتفاق المسلمين، وإن كان لا يورث ~~فالخصم في ذلك المسلمون، فكذلك لا يقبل عليهم شهادة امرأة واحدة ولا رجل ~~واحد باتفاق المسلمين، ولا رجل وامرأة. نعم يحكم في [مثل] ذلك (3) بشهادة ~~(4) ويمين الطالب عند فقهاء الحجاز [وفقهاء أصحاب] الحديث (5) . وشهادة ~~الزوج لزوجته فيها قولان مشهوران للعلماء، هما روايتان عن أحمد: إحداهما ~~(6) لا تقبل، وهي مذهب أبي حنيفة ومالك والليث بن سعد والأوزاعي وإسحاق ~~وغيرهم. # والثانية: تقبل، وهي مذهب الشافعي وأبي ثور وابن المنذر وغيرهم (7) . ~~فعلى هذا (8) لو قدر صحة هذه القصة (9) لم يجز ms0889 للإمام أن يحكم PageV04P235 # بشهادة رجل واحد ولا امرأة (1) واحدة باتفاق المسلمين، لا سيما وأكثرهم ~~لا يجيزون شهادة الزوج (2) ، ومن هؤلاء من لا يحكم بشاهد (3) ويمين، ومن ~~يحكم بشاهد ويمين لم يحكم للطالب حتى يحلفه. # الوجه الرابع: قوله: " فجاءت بأم أيمن فشهدت لها بذلك، فقال: امرأة لا ~~يقبل قولها. وقد رووا جميعا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أم ~~أيمن امرأة من أهل الجنة ". # الجواب: أن هذا احتجاج جاهل مفرط في الجهل (4) يريد أن يحتج لنفسه فيحتج ~~عليها، فإن هذا القول لو قاله الحجاج بن يوسف والمختار بن أبي عبيد ~~وأمثالهما لكان قد قال حقا، فإن امرأة واحدة لا يقبل قولها في الحكم بالمال ~~لمدع يريد أن يأخذ ما هو في الظاهر لغيره، فكيف إذا حكي مثل هذا عن أبي بكر ~~الصديق - رضي الله عنه -؟ ! . # وأما الحديث الذي ذكره وزعم أنهم رووه جميعا، فهذا الخبر لا يعرف في شيء ~~من دواوين الإسلام ولا يعرف عالم من علماء الحديث رواه (5) . وأم ~~PageV04P236 # أيمن هي أم أسامة بن زيد، وهي حاضنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي ~~من المهاجرات، ولها حق وحرمة (1) لكن الرواية عن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - لا تكون بالكذب عليه وعلى أهل العلم. وقول القائل: " رووا جميعا " ~~لا يكون إلا في خبر متواتر، فمن ينكر (2) حديث النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- «أنه لا يورث» ، وقد رواه أكابر الصحابة، ويقول: إنهم جميعا رووا هذا ~~الحديث، إنما يكون من أجهل الناس وأعظمهم جحدا للحق. # وبتقدير أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر أنها من أهل ~~الجنة، فهو كإخباره عن غيرها أنه من أهل الجنة، وقد أخبر عن كل واحد من ~~العشرة أنه في الجنة، وقد قال (3) : " «لا يدخل النار أحد بايع (4) تحت ~~الشجرة» " وهذا الحديث في الصحيح ثابت عند (5) أهل العلم بالحديث (6) ، ~~وحديث الشهادة لهم بالجنة رواه أهل السنن من غير وجه، من حديث عبد الرحمن ~~بن عوف وسعيد بن زيد (7) . فهذه الأحاديث المعروفة عن أهل العلم بالحديث ms0890. ~~ثم هؤلاء يكذبون من علم أن الرسول شهد لهم بالجنة، وينكرون عليهم كونهم لم ~~يقبلوا (8) شهادة امرأة زعموا أنه شهد لها بالجنة، فهل يكون أعظم من جهل ~~هؤلاء وعنادهم؟ ! . PageV04P237 # ثم يقال: كون الرجل من أهل الجنة لا يوجب قبول شهادته، لجواز أن يغلط في ~~الشهادة. ولهذا لو شهدت خديجة وفاطمة وعائشة ونحوهن، ممن يعلم أنهن من أهل ~~الجنة، لكانت شهادة إحداهن نصف شهادة رجل، كما حكم بذلك القرآن. كما أن ~~ميراث إحداهن نصف ميراث رجل، وديتها نصف دية رجل (1) . وهذا كله باتفاق ~~المسلمين، فكون المرأة من أهل الجنة لا يوجب قبول شهادتها لجواز الغلط ~~عليها، فكيف وقد يكون الإنسان ممن يكذب ويتوب من الكذب ثم يدخل الجنة؟ . # الوجه الخامس: قوله: " إن عليا شهد لها فرد شهادته لكونه زوجها " فهذا مع ~~أنه كذب (2) لو صح ليس يقدح (3) ، إذ كانت شهادة الزوج مردودة عند أكثر ~~العلماء (4) ، ومن قبلها منهم لم يقبلها حتى يتم النصاب إما برجل آخر وإما ~~بامرأة مع امرأة (5) ، وأما الحكم بشهادة رجل وامرأة مع عدم يمين المدعي ~~فهذا لا يسوغ. # الوجه السادس: قولهم: إنهم رووا جميعا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم ~~- قال: " علي مع الحق، والحق معه يدور (6) حيث دار، ولن يفترقا حتى يردا ~~علي الحوض " من أعظم الكلام كذبا وجهلا، فإن هذا الحديث لم يروه أحد عن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا بإسناد صحيح ولا PageV04P238 # ضعيف (1) . فكيف يقال: إنهم جميعا رووا هذا الحديث؟ وهل يكون أكذب ممن ~~يروى عن الصحابة والعلماء (2) أنهم رووا حديثا، والحديث لا يعرف عن واحد ~~(3) منهم أصلا؟ بل هذا من أظهر الكذب. ولو قيل: رواه بعضهم، وكان يمكن صحته ~~لكان ممكنا، فكيف (4) وهو كذب قطعا على النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ ! . # بخلاف إخباره أن أم أيمن في الجنة، فهذا يمكن أنه قاله، فإن أم أيمن ~~امرأة صالحة من المهاجرات، فإخباره أنها في الجنة لا ينكر، بخلاف قوله عن ~~رجل من أصحابه (5) أنه مع الحق [وأن الحق] (6) يدور معه حيثما دار (7) لن ms0891 ~~(8) يفترقا حتى يردا علي الحوض؛ فإنه كلام ينزه عنه رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم -. # أما أولا: فلأن الحوض إنما يرده (9) عليه أشخاص، كما قال للأنصار: ~~PageV04P239 # " «اصبروا حتى تلقوني على الحوض» " (1) وقال: " «إن حوضي لأبعد ما (2) ~~بين أيلة إلى عدن، وإن أول الناس ورودا فقراء المهاجرين الشعث رءوسا الدنس ~~ثيابا الذين لا ينكحون المتنعمات ولا تفتح لهم أبواب (3) السدد، يموت أحدهم ~~وحاجته في صدره لا يجد لها قضاء» " رواه مسلم وغيره (4) . # وأما الحق فليس من الأشخاص الذين يردون الحوض. وقد روي [أنه قال] (5) : " ~~«إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ولن (6) PageV04P240 # يفترقا حتى يردا علي الحوض» (1) ". فهو من هذا النمط، وفيه كلام يذكر في ~~موضعه [إن شاء الله] (2) . # ولو صح هذا لكان المراد به ثواب القرآن. أما الحق الذي يدور مع شخص (3) ~~ويدور الشخص معه فهو صفة لذلك الشخص لا يتعداه. ومعنى ذلك أن قوله صدق ~~وعمله صالح، ليس المراد به أن غيره لا يكون (4) معه شيء من الحق. # وأيضا فالحق لا يدور مع شخص غير النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو دار ~~الحق مع علي حيثما دار لوجب أن يكون معصوما كالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ~~وهم من جهلهم يدعون ذلك، ولكن من علم أنه لم يكن بأولى بالعصمة من أبي بكر ~~وعمر وعثمان وغيرهم (5) ، وليس فيهم من هو معصوم، علم كذبهم، وفتاويه من ~~جنس فتاوي عمر وعثمان (6) ليس هو أولى بالصواب منهم، ولا في أقوالهم من ~~الأقوال المرجوحة أكثر مما في قوله (7) ، ولا كان ثناء النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - ورضاه عنه بأعظم من ثنائه عليهم PageV04P241 # ورضائه عنهم (1) ، بل لو قال القائل: إنه لا يعرف من النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - أنه عتب على عثمان في شيء، وقد عتب على علي في غير موضع لما ~~أبعد، فإنه لما أراد أن يتزوج بنت (2) . (3) «اشتكته (4) فاطمة لأبيها ~~وقالت: إن الناس يقولون إنك لا تغضب لبناتك، فقام [رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم -] (5) خطيبا وقال: " إن بني المغيرة استأذنوني ms0892 أن يزوجوا ابنتهم ~~علي بن أبي طالب، وإني لا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن إلا أن يريد ابن أبي ~~طالب أن يطلق ابنتي ويتزوج ابنتهم، فإنما فاطمة بضعة مني [يريبني ما رابها» ~~] (6) ويؤذيني ما آذاها " ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فقال: " حدثني ~~فصدقني ووعدني فوفى لي " والحديث (7) ثابت صحيح أخرجناه في الصحيحين. # وكذلك في الصحيحين (8) لما طرقه وفاطمة ليلا، فقال: " ألا تصليان؟ " فقال ~~له علي: إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا، فانطلق وهو يضرب ~~فخذه ويقول: " {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} " (9) . # وأما الفتاوي فقد أفتى بأن (10) المتوفى عنها زوجها وهي حامل (11) تعتد ~~PageV04P242 # أبعد الأجلين، وهذه الفتيا كان قد أفتى بها أبو السنابل بن بعكك على عهد ~~النبي - صلى الله عليه وسلم -، «فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: " ~~كذب أبو السنابل» " (1) وأمثال ذلك كثير. ثم بكل حال فلا يجوز أن يحكم ~~بشهادته وحده، كما لا يجوز له أن يحكم لنفسه. # الوجه السابع: أن ما ذكره عن فاطمة أمر لا يليق بها، ولا يحتج بذلك إلا ~~رجل جاهل يحسب أنه يمدحها وهو يجرحها؛ فإنه ليس فيما ذكره (2) ما يوجب ~~الغضب عليه؛ إذ لم يحكم - لو كان ذلك صحيحا - إلا بالحق الذي لا يحل لمسلم ~~أن يحكم بخلافه. ومن طلب أن يحكم له بغير حكم الله ورسوله فغضب (3) وحلف أن ~~لا يكلم الحاكم، ولا صاحب الحاكم، لم يكن هذا مما يحمد عليه (4) ولا مما ~~يذم به الحاكم، بل هذا إلى أن يكون جرحا أقرب منه إلى أن يكون مدحا. ونحن ~~نعلم أن ما يحكى عن فاطمة PageV04P243 # وغيرها من الصحابة من القوادح كثير منها كذب وبعضها كانوا فيه متأولين. ~~وإذا كان بعضها ذنبا فليس القوم معصومين بل هم مع كونهم أولياء الله ومن ~~أهل الجنة لهم ذنوب يغفرها الله لهم. وكذلك ما ذكره من حلفها أنها لا تكلمه ~~ولا صاحبه حتى تلقى أباها وتشتكي إليه، أمر لا يليق أن يذكر عن فاطمة - رضي ~~الله عنها ms0893 -؛ فإن الشكوى إنما تكون إلى الله تعالى، كما قال العبد الصالح: ~~{إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} [سورة يوسف: 86] ، وفي دعاء موسى - عليه ~~السلام - اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، ~~وعليك التكلان. «وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس: " إذا سألت ~~فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله» " الحديث عن ابن عباس - رضي الله ~~عنه - في: سنن الترمذي 4 (كتاب صفة القيامة، باب رقم 22) وقال الترمذي: " ~~هذا حديث حسن صحيح ". وأوله فيه: " «يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله ~~يحفظك» . . . الحديث، وهو في المسند: (ط. المعارف) 4/233، 269 270 286 ~~287.، ولم يقل: سلني ولا استعن بي (1) . # وقد قال تعالى: {فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب} [سورة الشرح: 7، 8] . # ثم من المعلوم لكل عاقل أن المرأة (2) إذا طلبت مالا من ولي أمر (3) فلم ~~يعطها [إياه] (4) لكونها لا تستحقه عنده، وهو لم (5) يأخذه ولم يعطه لأحد ~~من PageV04P244 # أهله ولا أصدقائه بل أعطاه لجميع المسلمين، وقيل: إن الطالب غضب على ~~الحاكم - كان غاية ذلك أنه غضب لكونه لم يعطه مالا، وقال (1) الحاكم: إنه ~~لغيرك لا لك، فأي مدح للطالب في هذا الغضب؟ لو كان مظلوما (2) محضا لم يكن ~~غضبه إلا للدنيا. وكيف والتهمة عن (3) الحاكم الذي لا يأخذ لنفسه أبعد من ~~التهمة عن الطالب (4) الذي يأخذ لنفسه، فكيف تحال (5) التهمة على من لا ~~يطلب (6) لنفسه مالا، ولا تحال على من يطلب (7) لنفسه المال؟ . # وذلك (8) الحاكم يقول: إنما (9) أمنع لله لأني لا يحل لي أن آخذ المال من ~~مستحقه فأدفعه إلى غير مستحقه، والطالب يقول: إنما أغضب لحظي القليل (10) ~~من المال. أليس من يذكر [مثل] (11) هذا عن فاطمة ويجعله من مناقبها جاهلا؟ ~~. # أو ليس الله قد ذم المنافقين الذين قال فيهم: PageV04P245 # {ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا ~~هم يسخطون - ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا ~~الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون} [سورة التوبة: 58، 59] فذكر الله ~~(1) قوما رضوا إن أعطوا، وغضبوا إن لم ms0894 يعطوا، فذمهم بذلك، فمن مدح فاطمة ~~بما فيه شبه من هؤلاء ألا يكون (2) قادحا فيها؟ فقاتل الله الرافضة، وانتصف ~~لأهل البيت منهم، فإنهم ألصقوا بهم من العيوب (3) والشين مالا يخفى على ذي ~~عين. # ولو قال قائل: فاطمة لا تطلب إلا حقها، لم يكن هذا بأولى من قول القائل: ~~أبو بكر لا يمنع يهوديا ولا نصرانيا حقه فكيف يمنعه سيدة نساء العالمين ~~حقها؟ فإن الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - قد شهدا لأبي بكر أنه ~~ينفق ماله لله، فكيف يمنع الناس أموالهم؟ وفاطمة - رضي الله عنها - قد طلبت ~~من النبي - صلى الله عليه وسلم - مالا، فلم يعطها إياه. كما ثبت في ~~الصحيحين عن علي - رضي الله عنه - في حديث الخادم لما ذهبت فاطمة إلى النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - تسأله خادما، فلم يعطها خادما وعلمها التسبيح (4) . ~~وإذا جاز أن تطلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - ما PageV04P246 # يمنعها [النبي - صلى الله عليه وسلم -] (1) إياه ولا يجب عليه أن (2) ~~يعطيها إياه (3) ، جاز أن تطلب ذلك من أبي بكر خليفة رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم -، وعلم أنها ليست معصومة أن تطلب ما لا يجب إعطاؤها إياه. وإذا ~~لم يجب عليه الإعطاء لم يكن مذموما بتركه (4) ما ليس بواجب وإن كان مباحا. ~~فأما (5) إذا قدرنا أن الإعطاء ليس بمباح، فإنه يستحق أن يحمد على المنع. ~~وأما أبو بكر فلم يعلم أنه منع أحدا حقه، ولا ظلم أحدا حقه، (6) لا في حياة ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا بعد موته. # وكذلك ما ذكره من إيصائها أن تدفن ليلا ولا يصلي عليها أحد منهم، لا ~~يحكيه عن فاطمة ويحتج به إلا رجل جاهل يطرق على فاطمة ما لا يليق بها، (7) ~~وهذا لو صح لكان بالذنب المغفور أولى منه بالسعي المشكور، فإن صلاة المسلم ~~على غيره زيادة خير تصل إليه، ولا يضر (8) أفضل الخلق أن PageV04P247 # يصلي عليه شر الخلق، وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي عليه ~~[ويسلم عليه] (1) الأبرار والفجار بل (2) والمنافقون ms0895، وهذا إن لم ينفعه لم ~~يضره، وهو يعلم أن في أمته منافقين، ولم ينه أحدا من أمته عن (3) الصلاة ~~عليه، بل أمر (4) الناس كلهم بالصلاة والسلام عليه، مع أن فيهم المؤمن ~~والمنافق، فكيف يذكر في معرض الثناء عليها والاحتجاج لها (5) مثل هذا الذي ~~لا يحكيه ولا يحتج به (6) إلا مفرط في الجهل، ولو وصى (7) موص بأن المسلمين ~~لا يصلون عليه لم تنفذ وصيته، فإن صلاتهم عليه خير له بكل حال. # ومن المعلوم أن إنسانا لو ظلمه ظالم، فأوصى بأن لا يصلي عليه ذلك الظالم، ~~لم يكن هذا من الحسنات التي يحمد عليها، ولا هذا مما أمر الله به ورسوله. ~~فمن يقصد مدح فاطمة وتعظيمها، كيف يذكر مثل هذا الذي لا مدح فيه، بل المدح ~~في خلافه، كما دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع؟ ! . # وأما قوله: " ورووا جميعا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يا ~~فاطمة إن الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك» " فهذا كذب منه، ما رووا (8) هذا ~~PageV04P248 # عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يعرف هذا في شيء من كتب الحديث ~~المعروفة، ولا له إسناد معروف (1) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا ~~صحيح ولا حسن. ونحن إذا شهدنا لفاطمة بالجنة، وبأن الله يرضى عنها، فنحن ~~لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي (2) وطلحة والزبير وسعيد (3) وعبد الرحمن [بن ~~عوف] (4) بذلك نشهد، ونشهد بأن (5) الله تعالى أخبر برضاه عنهم في غير ~~موضع، كقوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين ~~اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه} [سورة التوبة: 100] وقوله تعالى: ~~{لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} [سورة الفتح: 18] وقد ~~ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي وهو عنهم راض، ومن - رضي الله ~~عنه - ورسوله لا يضره غضب أحد من الخلق عليه (6) كائنا من كان، بل من (7) - ~~رضي الله عنه - ورضي عن الله، يكون رضاه موافقا لرضا الله، فإن الله راض ~~عنه، فهو موافق لما يرضي الله (8) ، وهو راض عن الله، فحكم الله (9) موافق ~~لرضاه، PageV04P249 # وإذا رضوا ms0896 بحكمه غضبوا لغضبه، فإن من رضي بغضب غيره (1) لزم أن يغضب ~~لغضبه، فإن الغضب إذا كان مرضيا لك، فعلت ما هو مرض لك، وكذلك الرب [تعالى ~~- وله المثل الأعلى] (2) - إذا رضي عنهم غضب لغضبهم؛ إذ هو راض بغضبهم. # وأما قوله: " رووا جميعا «أن فاطمة بضعة مني من آذاها آذاني، ومن آذاني ~~آذى الله» " فإن هذا الحديث لم يرو بهذا اللفظ، بل [روي] بغيره (3) ، كما ~~روي في سياق حديث (4) خطبة علي لابنة أبي جهل، لما قام النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - خطيبا فقال: «إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ~~ابنتهم علي بن أبي طالب، وإني لا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن، إنما فاطمة ~~بضعة مني يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن ~~يطلق ابنتي وينكح ابنتهم» " وفي رواية: " إني أخاف أن تفتن (5) في دينها " ~~ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه فقال (6) : " ~~حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي. وإني لست أحل حراما، ولا أحرم حلالا، ولكن ~~والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله مكانا واحدا أبدا " (7) رواه ~~البخاري ومسلم [في الصحيحين] (8) من PageV04P250 # رواية علي بن الحسين والمسور بن مخرمة سبق الحديث في هذا الجزء ص 145. ~~ورواية علي بن الحسين هي عن المسور بن مخرمة في: مسلم 4/1903 (كتاب فضائل ~~الصحابة، باب فضائل فاطمة) وفيه. . أن علي بن الحسين حدثه أنهم حين قدموا ~~المدينة من عند يزيد بن معاوية، مقتل الحسين بن علي - رضي الله عنهما -، ~~لقيه المسور بن مخرمة. . . الحديث وفيه: «إن علي بن أبي طالب خطب بنت أبي ~~جهل على فاطمة، فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب الناس في ~~ذلك على منبره هذا، وأنا يومئذ محتلم، فقال: " إن فاطمة مني، وإني أتخوف في ~~دينها ". قال: ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته فأحسن ~~قال: " حدثني فصدقني ووعدني فأوفى لي. وإني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما ms0897، ~~ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبنت عدو الله ~~مكانا واحدا أبدا» ". قال النووي في شرحه على مسلم 16/24: " قال العلماء في ~~هذا الحديث تحريم إيذاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بكل حال وعلى كل وجه، ~~وإن تولد ذلك الإيذاء مما كان أصله مباحا وهو حي، وهذا بخلاف غيره. قالوا: ~~وقد أعلم - صلى الله عليه وسلم - بإباحة نكاح بنت أبي جهل لعلي بقوله - صلى ~~الله عليه وسلم -: " لست أحرم حلالا ". ولكن نهى عن الجمع بينهما لعلتين ~~منصوصتين: إحداهما: أن ذلك يؤدي إلى أذى فاطمة. فيتأذى حينئذ النبي - صلى ~~الله عليه وسلم -: فيهلك من آذاه، فنهى عن ذلك لكمال شفقته على علي وعلى ~~فاطمة. والثانية: خوف الفتنة عليها بسبب الغيرة. . ويحتمل أن المراد: تحريم ~~جمعهما، ويكون معنى: " «لا أحرم حلالا» " أي لا أقول شيئا يخالف حكم الله، ~~فإذا أحل شيئا لم أحرمه وإذا حرمه لم أحلله ولم أسكت عن تحريمه، لأن سكوتي ~~تحليل له ويكون من جملة محرمات النكاح الجمع بين بنت نبي الله وبنت عدو ~~الله ".، فسبب الحديث خطبة علي - رضي الله عنه - لابنة أبي جهل، والسبب ~~داخل في اللفظ قطعا، إذ اللفظ الوارد على سبب (1) لا يجوز إخراج سببه منه ~~(2) ، بل السبب يجب دخوله بالاتفاق. # وقد قال في الحديث: " «يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها» " ومعلوم قطعا ~~أن خطبة ابنة أبي جهل عليها رابها وآذاها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ~~PageV04P251 # رابه ذلك وآذاه، فإن كان هذا وعيدا (1) لاحقا بفاعله، لزم أن يلحق هذا ~~الوعيد علي بن أبي طالب، وإن لم يكن وعيدا لاحقا بفاعله، كان أبو بكر أبعد ~~عن الوعيد من علي. # وإن قيل: إن عليا تاب من تلك الخطبة ورجع عنها. # قيل: فهذا يقتضي أنه غير معصوم. وإذا جاز أن من راب (2) فاطمة آذاها، ~~يذهب ذلك بتوبته، جاز أن يذهب بغير ذلك من الحسنات الماحية، فإن ما هو أعظم ~~من هذا الذنب تذهبه الحسنات الماحية والتوبة والمصائب المكفرة. # وذلك أن هذا الذنب ليس من ms0898 الكفر الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة، ولو كان ~~كذلك لكان علي - والعياذ بالله - قد ارتد عن [دين] (3) الإسلام في حياة ~~النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومعلوم أن الله تعالى نزه عليا من ذلك. ~~والخوارج الذين قالوا: إنه ارتد بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ~~يقولوا: إنه ارتد في حياته، ومن ارتد فلا بد (4) أن يعود إلى الإسلام أو ~~يقتله النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا لم يقع. وإذا كان هذا الذنب هو ~~مما دون الشرك فقد قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ~~ذلك لمن يشاء} [سورة النساء: 48] . PageV04P252 # وإن قالوا بجهلهم: إن هذا الذنب كفر (1) ليكفروا (2) بذلك أبا بكر، لزمهم ~~تكفير علي، واللازم باطل فالملزوم مثله. وهم دائما يعيبون أبا بكر وعمر ~~وعثمان، بل (3) ويكفرونهم بأمور (4) قد صدر من علي ما هو مثلها أو أبعد عن ~~العذر منها، فإن كان مأجورا أو معذورا فهم أولى بالأجر والعذر، وإن قيل ~~باستلزام الأمر الأخف فسقا أو كفرا، كان استلزام الأغلظ لذلك أولى. # وأيضا فيقال: إن فاطمة - رضي الله عنها - إنما عظم أذاها لما في ذلك من ~~أذى أبيها، فإذا دار الأمر بين أذى أبيها وأذاها (5) كان الاحتراز عن أذى ~~أبيها أوجب. وهذا حال أبي بكر وعمر، فإنهما احترزا عن (6) أن يؤذيا أباها ~~أو يريباه (7) بشيء، فإنه عهد عهدا وأمر بأمر (8) ، فخافا إن غيرا عهده ~~وأمره أن يغضب لمخالفة أمره وعهده ويتأذى بذلك. وكل عاقل يعلم أن رسول الله ~~- صلى الله عليه وسلم - إذا حكم بحكم، وطلبت فاطمة أو غيرها ما يخالف ذلك ~~الحكم، كان مراعاة حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى، فإن طاعته ~~واجبة، ومعصيته محرمة، ومن تأذى لطاعته كان مخطئا في PageV04P253 # تأذيه بذلك، وكان الموافق لطاعته مصيبا في طاعته. وهذا بخلاف من آذاها ~~لغرض نفسه (1) لا لأجل طاعة الله ورسوله. # ومن تدبر حال أبي بكر في رعايته لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه ~~إنما قصد طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم ms0899 - لا أمرا (2) آخر، يحكم أن ~~حاله أكمل وأفضل [وأعلى] (3) من حال علي رضي الله عنهما، وكلاهما سيد كبير ~~من أكابر أولياء الله المتقين، وحزب الله المفلحين، [وعباد الله الصالحين] ~~(4) ، ومن السابقين الأولين، ومن أكابر المقربين، الذين يشربون بالتسنيم. ~~ولهذا كان أبو بكر - رضي الله عنه - يقول: " والله لقرابة رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - أحب إلي أن أصل من قرابتي " (5) . وقال: " ارقبوا محمدا - ~~صلى الله عليه وسلم - في أهل بيته " رواه البخاري عنه (6) . PageV04P254 # لكن المقصود أنه لو قدر أن أبا بكر آذاها، فلم يؤذها لغرض نفسه، بل ليطيع ~~الله ورسوله، ويوصل الحق إلى مستحقه. وعلي - رضي الله عنه - كان قصده أن ~~يتزوج عليها، فله في أذاها غرض، بخلاف أبي بكر. فعلم أن أبا بكر كان أبعد ~~أن يذم بأذاها من علي، وأنه إنما قصد طاعة الله ورسوله بما لا حظ له فيه، ~~بخلاف علي؛ فإنه كان له (1) حظ فيما رابها به. وأبو بكر كان من جنس من هاجر ~~إلى الله ورسوله، وهذا لا يشبه من كان مقصوده امرأة يتزوجها (2) . والنبي - ~~صلى الله عليه وسلم - يؤذيه ما يؤذي فاطمة إذا لم يعارض ذلك أمر الله ~~تعالى، فإذا أمر الله تعالى بشيء فعله، وإن تأذى من تأذى من أهله وغيرهم، ~~وهو في حال طاعته لله يؤذيه ما يعارض (3) طاعة الله ورسوله. وهذا الإطلاق ~~كقوله: " «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاني ~~فقد عصى الله، ومن عصى أميري فقد عصاني» (4) ، 16/39 40، 17/107، 18/95؛ ~~المسند (ط. الحلبي) 2/467، 471، 511. " ثم قد بين ذلك بقوله صلى الله عليه ~~وسلم PageV04P255 # : " «إنما الطاعة في المعروف» (1) ". فإذا كانت طاعة أمرائه أطلقها ~~ومراده بها الطاعة في المعروف، فقوله: " «من آذاها فقد آذاني» " يحمل على ~~الأذى في المعروف بطريق الأولى والأحرى؛ لأن طاعة أمرائه فرض، وضدها معصية ~~كبيرة. وأما فعل ما يؤذي فاطمة فليس هو بمنزلة معصية أمر النبي (2) - صلى ~~الله عليه وسلم -، وإلا لزم أن يكون علي قد (3) فعل ما هو أعظم (4) من ~~معصية الله ورسوله، فإن معصية أمرائه ms0900 معصيته، ومعصيته معصية الله (5) . (* ~~ثم إذا عارض معارض وقال: أبو بكر وعمر وليا الأمر، والله قد أمر بطاعة أولي ~~(6) الأمر، وطاعة ولي الأمر طاعة لله ومعصيته معصية لله (7) ، *) (8) ، فمن ~~سخط أمره وحكمه فقد سخط أمر الله وحكمه. # ثم أخذ يشنع على علي وفاطمة - رضي الله عنهما - بأنهما ردا أمر الله، ~~وسخطا حكمه، وكرها ما أرضى الله؛ لأن الله يرضيه طاعته وطاعة ولي الأمر، ~~فمن كره طاعة ولي الأمر فقد كره رضوان الله، والله يسخط PageV04P256 # لمعصيته، ومعصية ولي الأمر معصيته، فمن اتبع معصية ولي الأمر فقد اتبع ما ~~أسخط الله وكره رضوانه. وهذا التشنيع (1) ونحوه (2) على علي وفاطمة - رضي ~~الله عنهما - أوجه من تشنيع الرافضة على أبي بكر وعمر ; وذلك لأن (3) ~~النصوص الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في طاعة ولاة الأمور، ~~ولزوم الجماعة (4) ، والصبر على ذلك مشهورة كثيرة، بل لو قال قائل: إن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بطاعة ولاة الأمور وإن استأثروا، والصبر ~~على جورهم، وقال: " «إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» ~~" (5) وقال: " «أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم» (6) " وأمثال ذلك. فلو ~~قدر أن أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - كانا ظالمين مستأثرين بالمال ~~لأنفسهما، لكان (7) الواجب مع ذلك طاعتهما والصبر على جورهما. # ثم لو (8) أخذ هذا القائل يقدح في علي وفاطمة - رضي الله عنهما - ونحوهما ~~بأنهم لم يصبروا ولم يلزموا الجماعة، بل جزعوا وفرقوا الجماعة، وهذه معصية ~~عظيمة - لكانت هذه الشناعة أوجه من تشنيع PageV04P257 # الرافضة على أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -، فإن أبا بكر وعمر لا تقوم ~~حجة بأنهما تركا واجبا فعلا محرما أصلا، بخلاف غيرهما، فإنه قد تقوم الحجة ~~بنوع من الذنوب التي لم يفعل مثلها أبو بكر ولا عمر. وما ينزه علي وفاطمة - ~~رضي الله عنهما - عن ترك واجب أو فعل محظور إلا وتنزيه أبي بكر وعمر أولى ~~بكثير، ولا يمكن أن تقوم شبهة (1) بتركهما واجبا أو تعديهما حدا، إلا ~~والشبهة (2) التي تقوم في علي وفاطمة أقوى وأكبر (3) ، فطلب الطالب ms0901 مدح علي ~~وفاطمة - رضي الله عنهما - إما بسلامتهما من الذنوب، وإما بغفران الله ~~لهما، مع القدح في أبي بكر وعمر بإقامة الذنب والمنع من المغفرة - من أعظم ~~الجهل والظلم، وهو أجهل وأظلم ممن يريد مثل ذلك في علي ومعاوية - رضي الله ~~عنهما - إذا أراد مدح معاوية - رضي الله عنه -، والقدح في علي - رضي الله ~~عنه -. # الوجه الثامن (4) : أن قوله: " لو كان هذا الخبر صحيحا حقا لما جاز له ~~ترك (5) البغلة والسيف والعمامة عند علي والحكم له بها (6) لما ادعاها ~~العباس ". # فيقال: ومن نقل (7) أن أبا بكر وعمر حكما بذلك لأحد، أو تركا ذلك ~~PageV04P258 # عند أحد، على أن ذلك ملك له (1) ، فهذا من أبين الكذب عليهما، بل غاية ما ~~في هذا (2) أن يترك عند من يترك \ عنده، كما تركا صدقته (3) عند علي ~~والعباس ليصرفاها (4) في مصارفها الشرعية. # وأما قوله: " ولكان أهل البيت الذين طهرهم الله في كتابه مرتكبين ما لا ~~يجوز ". # فيقال له: أولا إن الله تعالى لم يخبر أنه طهر جميع أهل البيت وأذهب عنهم ~~الرجس، فإن هذا كذب على الله. كيف ونحن نعلم أن في (5) بني هاشم من ليس ~~بمطهر من الذنوب، ولا أذهب عنهم الرجس، لا سيما عند الرافضة، فإن (6) عندهم ~~كل من كان من بني هاشم يحب أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - فليس (7) ~~بمطهر، والآية (8) إنما قال فيها: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل ~~البيت} [سورة الأحزاب: 33] . وقد تقدم أن هذا مثل قوله: {ما يريد الله ~~ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون} ~~[سورة المائدة: 6] PageV04P259 # وقوله: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم} ~~[سورة النساء: 26] ، ونحو ذلك مما فيه بيان أن الله يحب ذلك لكم ويرضاه لكم ~~ويأمركم به، فمن فعله حصل له هذا المراد المحبوب المرضي (1) ، ومن لم يفعله ~~لم يحصل له ذلك. # وقد بسط هذا في غير هذا الموضع، وبين أن هذا ألزم (2) لهؤلاء الرافضة ~~القدرية ; فإن عندهم [أن] (3) إرادة الله بمعنى أمره، لا ms0902 بمعنى أنه يفعل ما ~~أراد، فلا يلزم إذا أراد الله تطهير أحد أن يكون ذلك قد تطهر، ولا يجوز ~~عندهم أن يطهر الله أحدا (4) ، [بل من أراد الله تطهيره، فإن شاء طهر نفسه، ~~وإن شاء لم يطهرها] (5) ، ولا يقدر الله عندهم على تطهير أحد. # وأما قوله: " لأن (6) الصدقة محرمة عليهم ". # فيقال له (7) : أولا المحرم عليهم صدقة الفرض، وأما صدقات (8) التطوع فقد ~~كانوا يشربون من المياه المسبلة بين مكة والمدينة، ويقولون: إنما حرم علينا ~~الفرض، ولم يحرم علينا التطوع. وإذا جاز أن ينتفعوا بصدقات الأجانب التي هي ~~تطوع، فانتفاعهم بصدقة النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى وأحرى ; فإن هذه ~~الأموال لم تكن زكاة مفروضة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي أوساخ ~~الناس التي حرمت عليهم (9) PageV04P260 # وإنما هي من الفيء الذي أفاءه الله على رسوله، والفيء حلال لهم، والنبي - ~~صلى الله عليه وسلم - جعل ما جعله الله له من الفيء صدقة، إذ غايته (1) أن ~~يكون ملكا للنبي - صلى الله عليه وسلم - تصدق به على المسلمين، وأهل بيته ~~أحق بصدقته ; فإن الصدقة [على المسلمين صدقة، والصدقة] (2) على القرابة ~~صدقة وصلة. # الوجه التاسع (3) : في معارضته بحديث (4) جابر - رضي الله عنه - فيقال: ~~جابر لم يدع حقا لغيره (5) ينتزع من ذلك الغير ويجعل له (6) ، وإنما طلب ~~شيئا من بيت المال يجوز للإمام أن يعطيه إياه، ولو لم يعده به النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - فإذا وعده به كان أولى بالجواز، فلهذا لم يفتقر إلى بينة. ~~ومثال هذا أن يجيء شخص إلى عقار بيت المال فيدعيه لنفسه خاصة، فليس للإمام ~~أن ينزعه من بيت المال ويدفعه إليه بلا حجة شرعية، وآخر طلب شيئا من المال ~~المنقول (7) الذي يجب قسمه (8) على المسلمين [من مال بيت المال] (9) ; فهذا ~~يجوز أن يعطى بلا بينة (10) . ألا ترى أن صدقة PageV04P261 # رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الموقوفة، وصدقة غيره من المسلمين (1) ~~لا يجوز لأحد [من المسلمين] أن يملك أصلها (2) ، ويجوز أن يعطى من ريعها ما ~~ينتفع به، فالمال الذي أعطي منه ms0903 جابر هو المال الذي يقسم بين المسلمين، ~~بخلاف أصول المال. # ولهذا كان أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - يعطيان العباس [وبنيه] (3) ~~وعليا (4) والحسن والحسين وغيرهم من بني هاشم أعظم مما أعطوا جابر [بن عبد ~~الله] (5) من المال الذي يقسم بين الناس، وإن لم يكن (6) معهما وعد من ~~النبي - صلى الله عليه وسلم -. # فقول هؤلاء الرافضة الجهال: إن جابر [بن عبد الله] أخذ (7) مال المسلمين ~~من غير بينة (8) بل بمجرد الدعوى، كلام من لا يعرف حكم الله، لا في هذا ولا ~~في ذاك، فإن المال الذي أعطي [منه] (9) جابر مال يجب قسمته (10) بين ~~المسلمين. وجابر أحد المسلمين، وله حق فيه، وهو PageV04P262 # أحد الشركاء، والإمام إذا أعطى أحد المسلمين (1) من مال الفيء ونحوه من ~~مال المسلمين، لا يقال: إنه أعطاه مال المسلمين من غير بينة ; لأن القسم ~~بين المسلمين وإعطاءهم لا يفتقر إلى بينة، بخلاف من يدعي أن أصل المال له ~~دون المسلمين (2) . # نعم الإمام يقسم المال باجتهاده في التقدير، والنبي - صلى الله عليه وسلم ~~- كان يقسم المال بالحثيات. وكذلك روي عن عمر - رضي الله عنه - وهو نوع من ~~الكيل باليد. وجابر ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعده بثلاث حثيات ~~(3) ، وهذا أمر معتاد مثله من النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يذكر إلا ~~ما عهد من النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله، وما يجوز الاقتداء به فيه، ~~فأعطاه حثية، ثم نظر عددها فأعطاه بقدرها مرتين، تحريا لما ظنه موافقا لقول ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - في القسم، فإن PageV04P263 # الواجب موافقته بحسب الإمكان، فإن أمكن العلم وإلا اتبع ما أمكن من ~~التحري والاجتهاد. # أما قصة فاطمة - رضي الله عنها - فما ذكروه من دعواها الهبة والشهادة ~~المذكورة ونحو ذلك، لو كان صحيحا لكان بالقدح فيمن يحتجون له أشبه منه (1) ~~بالمدح (2) . ### | كلام الرافضي على أبي ذر الغفاري وأبي بكر الصديق والرد عليه # فصل (3) . # قال الرافضي (4) : " وقد روي عن الجماعة (5) كلهم أن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - قال في حق أبي ذر: " «ما أقلت ms0904 الغبراء، ولا (6) أظلت الخضراء ~~على ذي لهجة أصدق من أبي ذر» ، ولم يسموه صديقا، وسموا أبا بكر [بذلك] (7) ~~مع أنه لم يرد مثل ذلك في حقه ". # فيقال هذا الحديث: لم يروه الجماعة كلهم، ولا هو في PageV04P264 # الصحيحين، ولا [هو] (1) في السنن، بل هو مروي في الجملة (2) . وبتقدير ~~صحته وثبوته، فمن المعلوم أن هذا الحديث لم يرد به أن أبا ذر أصدق من جميع ~~الخلق، فإن هذا يلزم منه أن يكون أصدق من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ~~ومن سائر النبيين، ومن علي [بن أبي طالب] (3) . وهذا خلاف إجماع المسلمين ~~[كلهم] (4) من السنة (5) والشيعة، فعلم أن هذه الكلمة معناها أن أبا ذر ~~صادق، ليس غيره أكثر تحريا للصدق منه. ولا يلزم إذا كان بمنزلة غيره في ~~تحري الصدق، أن يكون بمنزلته في كثرة الصدق والتصديق بالحق، وفي عظم الحق ~~الذي صدق فيه وصدق به. وذلك أنه يقال: فلان صادق اللهجة إذا تحرى الصدق، ~~وإن كان قليل العلم بما جاءت به (6) الأنبياء. والنبي - صلى الله عليه وسلم ~~- لم يقل: ما أقلت الغبراء أعظم تصديقا من أبي ذر. بل قال: «أصدق لهجة» ، ~~PageV04P265 # والمدح للصديق (1) (* الذي صدق الأنبياء، ليس بمجرد كونه صادقا، بل في ~~كونه مصدقا للأنبياء. وتصديقه) * (2) للنبي - صلى الله عليه وسلم - هو صدق ~~خاص، فالمدح بهذا التصديق - الذي هو صدق خاص - نوع، والمدح بنفس كونه صادقا ~~نوع آخر. فكل صديق صادق، وليس كل صادق صديقا. # ففي الصحيحين [عن ابن مسعود] (3) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ~~قال: " «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة. ولا ~~يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا. وإياكم والكذب، فإن ~~الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار. ولا يزال الرجل يكذب ~~ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا» (4) ". فالصديق قد يراد به الكامل ~~في الصدق، وقد يراد به الكامل في التصديق. والصديق ليست فضيلته في مجرد ~~تحري (5) PageV04P266 # الصدق، بل في أنه علم ما أخبر به النبي - صلى الله ms0905 عليه وسلم - جملة ~~وتفصيلا، وصدق ذلك تصديقا كاملا في العلم والقصد والقول والعمل. وهذا القدر ~~لم يحصل لأبي ذر ولا لغيره، فإن أبا ذر لم يعلم ما أخبر به النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - كما علمه أبو بكر، ولا حصل له من التصديق المفصل كما حصل ~~لأبي بكر (1) . (* ولا حصل عنده من كمال التصديق معرفة وحالا (2) . كما حصل ~~لأبي بكر) * (3) ; فإن أبا بكر أعرف منه، وأعظم حبا لله ورسوله منه، وأعظم ~~نصرا لله ورسوله منه، وأعظم جهادا بنفسه وماله منه، إلى غير ذلك من الصفات ~~التي هي كمال الصديقية. # وفي الصحيحين عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «صعد رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - أحدا، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، [فرجف بهم] (4) ، فقال: ~~" اسكن أحد " وضربه برجله، وقال (5) : " ليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان» ~~(6) PageV04P267 # وفي الترمذي وغيره عن عائشة - رضي الله عنها -، قالت: «يا رسول الله ~~الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة: أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر ~~ويخاف؟ قال: " لا يابنة الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويتصدق (1) ويخاف أن لا ~~يقبل منه» " (2) . ### | [كلام الرافضي على أبي بكر رضي الله عنه " وسموه خليفة رسول الله ولم يستخلفه في حياته ولا بعد وفاته عندهم " والرد عليه] # فصل (3) . # قال الرافضي (4) : " وسموه خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم ~~يستخلفه \ `8 (5) في حياته ولا بعد وفاته عندهم (6) .، ولم يسموا أمير ~~PageV04P268 # المؤمنين خليفة رسول الله مع أنه استخلفه في عدة مواطن، منها: أنه ~~استخلفه على المدينة في غزوة تبوك، وقال له: «إن المدينة لا تصلح إلا بي أو ~~بك، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي» . # وأمر أسامة بن زيد على الجيش الذين فيهم أبو بكر وعمر، ومات ولم يعزله، ~~ولم يسموه خليفة، ولما تولى أبو بكر غضب أسامة، وقال: إن رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - أمرني عليك (1) ، فمن استخلفك علي؟ فمشى إليه هو وعمر حتى ~~استرضاه، وكانا يسميانه مدة حياته (2) أميرا ". # والجواب من وجوه ms0906: أحدها: أن الخليفة إما أن يكون معناه: الذي يخلف غيره ~~وإن كان لم يستخلفه، كما هو المعروف في اللغة، وهو قول الجمهور. وإما أن ~~يكون معناه: من استخلفه غيره، كما قاله (3) . طائفة من أهل الظاهر والشيعة ~~[ونحوهم] (4) . فإن كان هو (5) الأول ; فأبو بكر خليفة رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - لأنه خلفه بعد موته، ولم يخلف رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - أحد بعد موته إلا أبو بكر، فكان هو الخليفة دون PageV04P269 # غيره ضرورة، فإن الشيعة وغيرهم لا ينازعون في أنه هو الذي (1) صار ولي ~~الأمر بعده، وصار خليفة له يصلي بالمسلمين، ويقيم فيهم الحدود، ويقسم بينهم ~~(2) الفيء، ويغزو بهم العدو (3) ويولي عليهم العمال والأمراء، وغير ذلك من ~~الأمور التي يفعلها ولاة الأمور. # فهذه باتفاق الناس (4) إنما باشرها بعد موته أبو بكر، فكان (5) هو ~~الخليفة للرسول - صلى الله عليه وسلم - فيها قطعا. لكن أهل السنة يقولون: ~~خلفه (6) وكان هو أحق (7) بخلافته، والشيعة يقولون: علي كان هو الأحق (8) ~~لكن تصح خلافة أبي بكر، ويقولون: (9) ما كان يحل له أن يصير هو خليفة (10) ~~، لكن لا ينازعون [في] (11) أنه صار خليفة بالفعل، وهو مستحق لهذا الاسم، ~~إذ (12) كان الخليفة من خلف غيره على كل تقدير. # وأما إن قيل: إن الخليفة من استخلفه غيره، كما قاله بعض أهل السنة ~~PageV04P270 # وبعض الشيعة، فمن قال هذا من أهل (1) السنة فإنه (2) يقول: إن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - استخلف أبا بكر إما بالنص الجلي، كما قاله بعضهم، ~~وإما بالنص الخفي. كما أن الشيعة القائلين بالنص على علي منهم من يقول ~~بالنص الجلي، كما تقوله الإمامية، ومنهم من يقول بالنص الخفي، كما تقوله ~~الجارودية من الزيدية (3) ودعوى أولئك للنص الجلي أو الخفي على أبي بكر ~~أقوى وأظهر بكثير من دعوى هؤلاء للنص على علي، لكثرة النصوص الدالة على ~~[ثبوت] خلافة (4) أبي بكر، وأن عليا لم يدل على خلافته إلا ما يعلم أنه ~~كذب، أو يعلم أنه لا دلالة فيه. # وعلى هذا التقدير فلم يستخلف بعد موته أحدا إلا ms0907 أبا بكر، فلهذا كان هو ~~الخليفة ; فإن الخليفة المطلق هو من خلفه بعد موته، أو استخلفه بعد موته. ~~وهذان الوصفان لم يثبتا إلا لأبي بكر ; [فلهذا كان هو الخليفة] . (5) . # وأما استخلافه لعلي على المدينة، فذلك ليس من خصائصه ; فإن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - كان إذا خرج في غزاة استخلف على المدينة رجلا من أصحابه، ~~كما استخلف ابن أم مكتوم تارة، وعثمان بن عفان تارة. PageV04P271 # [واستخلف ابن أم مكتوم في غزوة بدر وغيرها، وعثمان في غزوة ذات الرقاع ~~وغطفان التي يقال لها غزوة أنمار، واستخلف في بدر الوعيد بن رواحة وزيد بن ~~حارثة في المريسيع، واستخلف أبا لبابة في غزوة بني قينقاع وغزوة السويق، ~~وفي غزوة الأبواء سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ في غزوة بواط، وفي غزوة ~~العشيرة أبا سلمة] (1) # واستخلاف علي لم يكن على أكثر ولا أفضل ممن استخلف عليهم غيره، بل [كان] ~~يكون في المدينة في كل غزوة [من الغزوات] من المهاجرين (2) والأنصار أكثر ~~وأفضل ممن تخلف في غزوة تبوك ; فإن غزوة تبوك لم يأذن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - لأحد بالتخلف فيها، فلم يتخلف فيها إلا منافق أو معذور أو ~~الثلاثة الذين تاب الله عليهم، وإنما كان عظم (3) من تخلف فيها النساء ~~والصبيان. ولهذا لما استخلف عليا فيها خرج إليه باكيا، وقال: أتدعني مع ~~النساء والصبيان (4 - 4) : (4) ؟ [وروي أن بعض المنافقين طعنوا في علي، ~~وقالوا: إنما استخلفه لأنه يبغضه] (5) وإذا كان قد استخلف غير علي على أكثر ~~وأفضل مما استخلف عليه عليا، وكان (6) ذلك استخلافا مقيدا على طائفة معينة ~~[في مغيبه] (7) ، ليس هو استخلافا PageV04P272 # مطلقا بعد موته على أمته، لم يطلق (1) على أحد من هؤلاء أنه خليفة رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - إلا مع التقييد. وإذا سمي (2) علي بذلك فغيره ~~من الصحابة المستخلفين أولى بهذا الاسم، فلم يكن هذا من خصائصه. # وأيضا فالذي يخلف المطاع بعد موته لا يكون إلا أفضل الناس. وأما الذي ~~يخلفه في حال غزوه لعدوه، فلا [يجب أن] يكون (3) أفضل الناس، بل ms0908 العادة ~~جارية بأنه (4) يستصحب في خروجه لحاجته إليه (5) في المغازي من يكون عنده ~~أفضل ممن يستخلفه (6) ، على عياله ; لأن الذي ينفع في الجهاد هو شريكه فيما ~~يفعله، فهو أعظم ممن يخلفه على العيال (7 - 7) : (7) ، فإن نفع ذاك ليس ~~كنفع المشارك له (8) في الجهاد. # والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما (9) شبه عليا بهارون في أصل ~~الاستخلاف لا في كماله، ولعلي شركاء في هذا الاستخلاف. يبين ذلك أن موسى ~~لما ذهب إلى ميقات ربه لم يكن معه أحد يشاركه في ذلك، PageV04P273 # فاستخلف هارون على جميع قومه. والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما ذهب إلى ~~غزوة تبوك أخذ معه جميع المسلمين إلا المعذور (1) ، ولم يستخلف عليا إلا ~~على العيال وقليل من الرجال (2) ، فلم يكن استخلافه كاستخلاف موسى لهارون، ~~بل ائتمنه في حال مغيبه، كما ائتمن موسى هارون (3) في حال مغيبه، فبين له ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الاستخلاف ليس لنقص مرتبة المستخلف، بل قد ~~يكون لأمانته كما استخلف موسى هارون على قومه، وكان علي خرج إليه يبكي وقال ~~أتذرني مع النساء والصبيان؟ كأنه كره أن يتخلف عنه. # وقد قيل: إن بعض المنافقين طعن فيه، فبين له النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- أن هذه المنزلة ليست لنقص المستخلف ; إذ لو كان كذلك ما استخلف موسى ~~هارون (4) . ### | [الرد على قول الرافضي أن النبي قال لعلي إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك] # وأما قوله: " أنه قال [له] (5) : «إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك» " ~~فهذا كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعرف في كتب العلم (6) ~~المعتمدة (7) . ومما يبين كذبه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من ~~PageV04P274 # المدينة غير مرة ومعه علي، وليس بالمدينة لا هو ولا علي. فكيف يقول: إن ~~المدينة لا تصلح إلا بي أو بك؟ فيوم بدر كان علي معه (1) ، وبين بدر ~~والمدينة عدة مراحل، وليس واحد منهما (2) بالمدينة، وعلي كان (3) معه يوم ~~بدر بالتواتر، وكان يوم فتح مكة (4) معه باتفاق العلماء، «وقد كانت أخته أم ~~هانئ قد ms0909 أجارت (5) حموين لها، فأراد علي قتلهما، فقالت: يا رسول الله، زعم ~~ابن أمي علي أنه قاتل رجلا أجرته: فلان بن هبيرة. فقال رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم -: " قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ» والحديث في الصحيح (6) ، ~~ولم يكن بالمدينة لا هو ولا علي. PageV04P275 # وكذلك يوم خيبر (1) كان قد طلب عليا، فقدم وهو أرمد، فأعطاه الراية حتى ~~فتح الله على يديه، ولم يكن بالمدينة لا هو ولا علي. # وكذلك يوم حنين والطائف، وكذلك في حجة الوداع كان علي باليمن، والنبي - ~~صلى الله عليه وسلم - خرج حاجا فاجتمعا بمكة وليس بالمدينة واحد منهما. # والرافضة من فرط جهلهم يكذبون الكذب الذي لا يخفى على من له بالسيرة أدنى ~~علم. ### | [الرد على قول الرافضي أن النبي أمر أسامة على الجيش الذين فيهم أبو بكر وعمر] # وأما قوله: " إنه أمر أسامة - رضي الله عنه - على الجيش الذين فيهم أبو ~~بكر وعمر ". # فمن الكذب الذي يعرفه من له أدنى معرفة بالحديث، فإن أبا بكر لم يكن في ~~[ذلك] ذلك: (2) الجيش، بل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستخلفه في ~~الصلاة في حين (3) . مرض إلى أن مات، وأسامة قد روي أنه قد عقد له الراية ~~قبل مرضه، ثم لما مرض أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، فصلى بهم إلى أن مات ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - (4) ، فلو قدر أنه أمر بالخروج PageV04P276 # مع أسامة قبل المرض لكان أمره له بالصلاة تلك المدة، مع إذنه لأسامة أن ~~يسافر في مرضه، موجبا لنسخ إمرة أسامة عنه، فكيف إذا لم يؤمر عليه أسامة ~~بحال؟ . # وأيضا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تكن عادته في سراياه (1) ، ~~[بل] ولا [في] مغازيه (2) أن يعين كل من يخرج معه في الغزو بأسمائهم، ولكن ~~يندب الناس ندبا عاما مطلقا، فتارة يعلمون منه أنه لم يأمر كل أحد بالخروج ~~معه ولكن ندبهم إلى ذلك، كما في غزوة PageV04P277 # الغابة (1) ، وتارة يأمر أناسا (2) بصفة، كما أمر في غزوة (3) بدر أن ~~يخرج من حضر ظهره، فلم يخرج ms0910 معه كثير من المسلمين، وكما (4) أمر في غزوة ~~السويق بعد أحد أن لا يخرج معه إلا من شهد أحدا، وتارة يستنفرهم نفيرا (5) ~~عاما، ولا يأذن لأحد في التخلف، كما في غزوة تبوك. # وكذلك كانت سنة خلفائه [من] (6) بعده، وكان أبو بكر لما أمر الأمراء إلى ~~الشام وغيرها يندب (7) الناس إلى الخروج معهم (8) ، فإذا خرج مع الأمير من ~~رأى حصول المقصود بهم سيره. # والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما أرسل إلى مؤتة السرية التي أرسلها ~~وقال: «أميركم زيد، فإن قتل فجعفر، فإن قتل فعبد الله بن رواحة» (9) لم ~~PageV04P278 # يعين كل من خرج معهم فلان وفلان، ولم تكن الصحابة مكتوبين عند النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - في ديوان، ولا يطوف نقباء يخرجونهم بأسمائهم ~~وأعيانهم، بل كان (1) يؤمر الأمير، فإذا اجتمع معه من يحصل بهم المقصود ~~أرسلهم وصار أميرا عليهم، كما أنه في الحج لما أمر أبا بكر لم يعين من يحج ~~معه، لكن من حج معه كان أميرا عليه (22) : (2) وأردفه بعلي، وأخبر أنه ~~مأمور (3) ، وأن أبا بكر أمير عليه. ولما أمر أسامة بن زيد (4) بعد مقتل ~~أبيه، فأرسله (5) إلى ناحية العدو الذين قتلوا أباه، لما رآه في ذلك من ~~المصلحة، ندب الناس [معه] (6) فانتدب معه من رغب في الغزو، وروي أن عمر كان ~~ممن انتدب معه، لا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عين عمر ولا غير عمر ~~(7) للخروج معه، لكن من خرج معه في الغزاة كان أسامة أميرا عليه، كما أنه ~~لما استخلف عتاب بن أسيد على مكة، PageV04P279 # كان من أقام بمكة فعتاب أمير عليه، وكذلك لما أرسل خالد بن الوليد وغيره ~~من أمراء السرايا، كان من خرج مع الأمير، فالأمير أمير عليه باختياره ~~الخروج معه، لا بأن (1) النبي - صلى الله عليه وسلم - عين للخروج مع الأمير ~~كل من معه ومن هذا لم يكن من عادة النبي - صلى الله عليه وسلم - بل ولا من ~~عادة أبي بكر. # وهذا (2) كما أنه إذا كان إمام راتب في حياته يصلي بقوم، فمن صلى خلفه ms0911 ~~كان ذلك الإمام إماما له يتقدم عليه، وإن كان المأموم أفضل منه. # وفي صحيح مسلم [وغيره] (3) عن أبي مسعود البدري أن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - قال: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء ~~فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في ~~الهجرة سواء فأقدمهم سنا، ولا يؤمن الرجل [الرجل] (4) في سلطانه ; ولا يجلس ~~على تكرمته إلا بإذنه» (5) فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتقدم على ~~الإمام ذي السلطان (6) وإن كان المأموم أفضل منه. PageV04P280 # ولهذا قال العلماء: إن الإمام الراتب لا يقدم عليه من هو أفضل منه. # وكانت السنة أولا أن الأمير هو الذي يصلي بالناس. وتنازع الفقهاء فيما ~~إذا اجتمع صاحب البيت والمتولي: أيهما يقدم؟ على قولين: كما تنازعوا في ~~صلاة الجنازة هل يقدم الوالي أو الولي (1) . وأكثرهم قدم (2) الوالي. # ولهذا لما مات الحسن بن علي قدم أخوه الحسين [بن علي] أمير (3) . المدينة ~~للصلاة عليه، وقال: لولا أنها السنة لما (4) قدمتك. والحسين أفضل من ذلك ~~الأمير الذي أمره أن يصلي على أخيه، لكن لما كان هو الأمير، وقد قال النبي ~~- صلى الله عليه وسلم -: " «لا يؤمن الرجل [الرجل] (5) في سلطانه» " قدمه ~~لذلك. # وكان يقدم الأمير على من معه في المغازي، كتقدمه في الصلاة وفي الحج (6) ~~; لأنهم صلوا خلفه باختيارهم، وحجوا معه، مع أنه (7) قد تتعين صلاتهم خلفه ~~وحجهم معه إذا لم يكن للحج إلا أمير واحد وللصلاة إلا إمام واحد، وكذلك من ~~أراد الغزو وليس للغزو إلا أمير واحد (8/8) : (8) خرج معه، ولكن في الغزو ~~لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر جميع PageV04P281 # الناس بالخروج في (1) السرايا، ولا يعين من يخرج بأسمائهم وأعيانهم، بل ~~يندبهم فيخرج من يختار الغزو. ولهذا كان الخارجون يفضلون (2) على القاعدين، ~~ولو كان الخروج معينا لكان كل منهم مطيعا لأمره. بل قال تعالى: {لا يستوي ~~القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم ~~وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد ms0912 ~~الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما - درجات منه ~~ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما} [سورة النساء: 95، 96] . # فأسامة - رضي الله عنه - كان أميرا من أمراء السرايا، وأمراء السرايا لم ~~يكونوا يسمون خلفاء، فإنهم لم يخلفوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ~~موته، ولا خلفوه في مغيبه على شيء كان يباشره، بل هو أنشأ لهم سفرا وعملا ~~استعمل عليه (3) رجلا منهم فهو متول عليه (4) ابتداء لا خلافة عمن كان ~~يعمله قبله. وقد يسمى العمل على الأمصار والقرى خلافة، ويسمى العمل مخلافا. ~~وهذه أمور لفظية (5) تطلق بحسب اللغة والاستعمال. # وقوله (6) : " ومات ولم يعزله ". PageV04P282 # فأبو بكر أنفذ جيش أسامة - رضي الله عنه - بعد أن أشار الناس عليه برده ~~خوفا من العدو. وقال: والله لا أحل راية عقدها رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - مع أنه كان يملك عزله، كما كان يملك ذلك رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - لأنه قام مقامه، فيعمل ما هو أصلح للمسلمين. # وأما ما ذكره من غضب أسامة لما تولى أبو بكر، فمن الأكاذيب السمجة، فإن ~~محبة أسامة - رضي الله عنه - لأبي بكر وطاعته له أشهر وأعرف من أن تنكر (1) ~~، وأسامة من أبعد الناس عن الفرقة والاختلاف، فإنه لم يقاتل لا مع علي ولا ~~مع معاوية واعتزل الفتنة. وأسامة لم يكن من قريش، ولا ممن يصلح للخلافة، ~~ولا يخطر بقلبه أن يتولاها، فأي فائدة [له] (2) في أن يقول مثل (3) هذا ~~القول لأي من تولى الأمر، مع علمه أنه لا يتولى الأمر أحد إلا كان خليفة ~~عليه، ولو قدر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره على أبي بكر ثم مات، ~~فبموته صار الأمر إلى الخليفة من بعده، وإليه الأمر في إنفاذ الجيش أو ~~حبسه، وفي تأمير أسامة أو عزله (4) وفي سائر النسخ: وعزله. . وإذا قال: ~~[أمرني عليك] (5) فمن (6) وفي سائر النسخ: من. استخلفك علي؟ قال: من ~~استخلفني على جميع المسلمين، وعلى من هو أفضل منك. وإذا قال: أنا أمرني ~~عليك (7) . قال: أمرك علي قبل أن أستخلف ms0913، فبعد أن صرت خليفة PageV04P283 # صرت أنا الأمير عليك (1) ، كما لو قدر أن أبا بكر أمر على عمر أحدا ثم ~~مات أبو بكر وولي عمر، صار عمر أميرا على من كان أميرا عليه. وكذلك لو أمر ~~عمر على عثمان أو علي أو غيرهما أحدا (2) ، ثم لما مات عمر صار هو الخليفة، ~~فإنه يصير أميرا على من كان هو أميرا عليه (3) ، ولو قدر أن عليا كان أرسله ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمر عليه غيره، كما أمر عليه أبا بكر لما ~~أرسله [ليحج بالناس] (4) سنة تسع، ولحقه (5) علي، فقال لعلي: أنت أمير أو ~~مأمور؟ فقال: بل مأمور. فكان أبو بكر أميرا على علي، فلو قدر أن عليا هو ~~الخليفة، لكان يصلح أميرا على أبي بكر. # ومثل هذا لا ينكره إلا جاهل. وأسامة أعقل وأتقى وأعلم من أن يتكلم بمثل ~~هذا الهذيان لمثل أبي بكر. # وأعجب من هذا (6) قول هؤلاء المفترين: إنه مشى هو وعمر إليه حتى استرضاه، ~~مع قولهم: إنهما قهرا عليا وبني هاشم وبني عبد مناف، ولم يسترضياهم (7) ، ~~وهم أعز وأقوى [وأكثر (8) ] وأشرف من أسامة - رضي الله عنه - فأي حاجة بمن ~~قهروا بني هاشم وبني أمية وسائر بني PageV04P284 # عبد مناف، وبطون قريش والأنصار والعرب، إلى أن يسترضوا أسامة بن زيد، وهو ~~من أضعف رعيتهم، ليس له قبيلة ولا عشيرة، ولا [معه] (1) مال ولا رجال، ~~ولولا حب النبي - صلى الله عليه وسلم - إياه (2) وتقديمه له لم يكن إلا ~~كأمثاله من الضعفاء؟ . # فإن قلتم: إنهما استرضياه (3) لحب النبي - صلى الله عليه وسلم - له، ~~فأنتم تقولون: إنهم بدلوا عهده، وظلموا وصيه وغصبوه (4) ، فمن عصى الأمر ~~الصحيح، وبدل العهد البين، وظلم واعتدى وقهر، ولم يلتفت إلى طاعة الله ~~ورسوله، ولم يرقب في آل محمد إلا ولا ذمة، يراعي مثل أسامة بن زيد ~~ويسترضيه؟ وهو قد رد شهادة أم أيمن ولم يسترضها، وأغضب فاطمة وآذاها، وهي ~~أحق بالاسترضاء. فمن يفعل (5) مثل هذا أي حاجة به (6) إلى استرضاء أسامة بن ~~زيد؟ وإنما يسترضى الشخص للدين أو للدنيا ms0914، فإذا لم يكن عندهم دين يحملهم ~~على استرضاء من يجب استرضاؤه، ولا هم محتاجون في الدنيا إليه، فأي داع ~~يدعوهم إلى استرضائه؟ ولا هم محتاجون في الدنيا إليه، فأي داع يدعوهم إلى ~~استرضائه؟ والرافضة من جهلهم وكذبهم يتناقضون تناقضا [كثيرا] (7) بينا إذ ~~هم (8) في قول مختلف، يؤفك عنه من أفك. PageV04P285 ### | زعم الرافضي أن رسول الله سمى عليا فاروق أمته والرد عليه # فصل ر، ه، ص: الفصل الرابع والعشرون. . # قال الرافضي في (1) : " وسموا عمر الفاروق (2) ، ولم يسموا عليا [عليه ~~السلام] عليه السلام: (3) بذلك، مع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~قال [فيه] (4) : «هذا فاروق أمتي يفرق بين أهل الحق والباطل.» وقال [ابن] ~~عمر (5) : ما كنا نعرف المنافقين على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ~~ببغضهم عليا - عليه السلام - (6) ". # فيقال: أولا: أما هذان الحديثان فلا يستريب أهل المعرفة بالحديث أنهما ~~(7) حديثان موضوعان مكذوبان على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يرو واحد ~~منهما في [شيء من] (8) كتب العلم المعتمدة، ولا لواحد منهما إسناد معروف لم ~~أجد الحديثين لا في كتب الأحاديث الصحيحة ولا كتب الأحاديث الموضوعة. . # ويقال: ثانيا: من احتج في مسألة فرعية بحديث فلا بد له أن يسنده، فكيف في ~~مسائل أصول الدين؟ وإلا فمجرد قول القائل: " قال رسول الله PageV04P286 # - صلى الله عليه وسلم - " ليس حجة باتفاق أهل العلم. ولو كان حجة لكان كل ~~حديث قال في واحد من أهل السنة: " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ~~حجة، ونحن نقنع في هذا الباب بأن يروى الحديث بإسناد معروفين (1) بالصدق من ~~أي طائفة كانوا. # لكن إذا لم يكن الحديث له إسناد، فهذا الناقل له، وإن كان لم يكذبه بل ~~نقله من كتاب غيره، فذلك الناقل لم يعرف عمن نقله. ومن المعروف كثرة الكذب ~~في هذا الباب وغيره (22) : (2) ، فكيف يجوز لأحد أن يشهد على رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - بما لم يعرف إسناده؟ . # ويقال: ثالثا: من المعلوم لكل من له خبرة أن أهل الحديث أعظم (3) . الناس ~~بحثا عن أقوال ms0915 النبي - صلى الله عليه وسلم - وطلبا لعلمها، وأرغب الناس في ~~اتباعها، وأبعد الناس عن اتباع [هوى] (4) يخالفها، فلو ثبت عندهم أن النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - قال لعلي هذا، لم يكن أحد من الناس أولى منهم ~~باتباع قوله، فإنهم يتبعون قوله إيمانا به، ومحبة لمتابعته، لا لغرض لهم في ~~الشخص الممدوح. # ولهذا يذكرون ما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - من فضائل علي، كما ~~يذكرون ما قاله من فضائل عثمان، كما يذكرون ما ذكره من فضائل الأنصار، كما ~~يذكرون ما ذكره من فضائل المهاجرين، وفضائل بني PageV04P287 # إسماعيل وبني فارس ويذكرون فضائل بني هاشم (1) ويذكرون ما ذكره من فضائل ~~[طلحة والزبير، كما يذكرون ما ذكره من فضائل] (2) سعد بن أبي وقاص وأسامة ~~بن زيد [وما ذكره من فضائل الحسن والحسين، ويذكرون] (3) من فضائل عائشة، ~~[كما يذكرون ما ذكره من] فضائل فاطمة (4) . وخديجة، فهم في [أهل] (5) ~~الإسلام كأهل الإسلام في أهل الملل: يدينون (6) بكل رسول وكل (7) كتاب، لا ~~يفرقون بين أحد من رسل الله، ولم يكونوا من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا. # فلو ثبت عندهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي: هذا فاروق ~~أمتي، لقبلوا ذلك ونقلوه، كما نقلوا ه، ر، ص: كما قبلوا ونقلوا. قوله لأبي ~~عبيدة: " «هذا أمين هذه PageV04P288 # الأمة» " (1) وقوله للزبير: " «إن لكل نبي حواريا وحواري الزبير» (2) " ~~وكما قبلوا ونقلوا (3) قوله لعلي: " «لأعطين الراية [غدا] (4) رجلا يحب ~~الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله» (5) وحديث الكساء لما قال لعلي وفاطمة ~~وحسن وحسين: " «اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» (6) ~~" وأمثال ذلك. PageV04P289 # ويقال: رابعا: كل من الحديثين يعلم بالدليل أنه كذب، لا يجوز نسبته إلى ~~النبي - صلى الله عليه وسلم -. فإنه يقال: ما المعنى بكون (1) علي أو غيره ~~(2) فاروق الأمة يفرق بين الحق والباطل؟ إن عنى بذلك أنه يميز بين أهل الحق ~~وأهل الباطل (3) ، فيميز [بين] (4) المؤمنين والمنافقين، فهذا أمر لا يقدر ~~عليه أحد من البشر: لا نبي ولا غيره. وقد قال تعالى لنبيه: {وممن حولكم من ~~الأعراب ms0916 منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم} ~~[سورة التوبة: 101] ، فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعلم عين ~~كل منافق في مدينته وفيما حولها، فكيف يعلم (5) ذلك غيره؟ . # وإن قيل: إنه يذكر صفات أهل الحق وأهل الباطل، فالقرآن قد (6) بين ذلك ~~غاية البيان، وهو الفرقان الذي فرق الله فيه بين (7) . الحق والباطل بلا ~~ريب. # وإن أريد بذلك أن من قاتل معه كان على الحق ومن قاتله كان على الباطل ~~(88) : (8) . # فيقال: هذا لو كان صحيحا لم يكن فيه إلا (9) التمييز بين تلك الطائفة ~~PageV04P290 # المعينة. وحينئذ فأبو بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - أولى بذلك لأنهم ~~قاتلوا بالمؤمنين أهل الحق الكفار (1) أهل الباطل، فكان التمييز الذي حصل ~~بفعلهم أكمل وأفضل ; فإنه لا يشك عاقل أن الذين قاتلهم الثلاثة كانوا أولى ~~بالباطل ممن قاتلهم (2) علي، وكلما كان العدو أعظم باطلا كان عدوه أولى ~~بالحق. # ولهذا كان أشد الناس عذابا يوم القيامة من قتل نبيا أو [من] قتله نبي (3) ~~، وكان المشركون الذين باشروا الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالتكذيب ~~والمعاداة، كأبي لهب وأبي جهل، شرا من غيرهم. فإذا كان من قاتله (4) ~~الثلاثة أعظم باطلا، كان الذين قاتلوهم أعظم حقا، فيكونوا أولى بالفرقان ~~بهذا الاعتبار. # وإن قيل: إنه فاروق ; لأن محبته هي المفرقة بين أهل الحق والباطل. # قيل: أولا: هذا ليس من فعله حتى يكون هو به فاروقا. # وقيل: ثانيا: بل محبة (5) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظم تفريقا ~~بين أهل الحق والباطل باتفاق المسلمين (6) . # وقيل: ثالثا: لو عارض هذا (7) معارض فجعل محبة عثمان هي الفارقة ~~PageV04P291 # بين الحق والباطل لم تكن (1) دعواه دون دعوى ذلك في علي، مع ما روي عن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله لما ذكر الفتنة: " «هذا يومئذ (2) . ~~وأصحابه على الحق» " (3) . وأما إذا جعل ذلك في أبي بكر وعمر، فلا يخفى أنه ~~أظهر في المقابلة. ومن كان قوله مجرد دعوى أمكن مقابلته بمثله (4) . # وإن أريد بذلك مطلق دعوى المحبة، دخل في ذلك الغالية كالمدعين ms0917 لإلهيته ~~ونبوته، فيكون هؤلاء أهل حق (5) وهذا كفر باتفاق المسلمين. # وإن أريد بذلك المحبة المطلقة (6) فالشأن فيها، فأهل (7) السنة يقولون: ~~نحن أحق بها من الشيعة، وذلك أن المحبة المتضمنة للغلو هي PageV04P292 # كمحبة اليهود لموسى، والنصارى للمسيح، وهي محبة باطلة. وذلك أن المحبة ~~الصحيحة (1) أن يحب العبد ذلك المحبوب على ما هو عليه في نفس الأمر، فلو ~~اعتقد رجل في بعض الصالحين أنه نبي من الأنبياء، أو أنه من السابقين ~~الأولين فأحبه، (2) قد أحب ما لا حقيقة له ; لأنه أحب ذلك الشخص بناء على ~~أنه موصوف بتلك الصفة، وهي باطلة، فقد أحب معدوما لا موجودا، كمن تزوج ~~امرأة توهم أنها عظيمة المال والجمال والدين والحسب فأحبها، ثم تبين أنها ~~دون ما ظنه بكثير، فلا ريب أن حبه ينقص بحسب نقص اعتقاده، إذ الحكم إذا ثبت ~~لعلة زال بزوالها. # فاليهودي إذا أحب (3) موسى بناء على أنه قال: تمسكوا بالسبت ما دامت ~~السماوات والأرض، وأنه نهى عن اتباع المسيح (4) ومحمد - صلى الله عليه وسلم ~~- ولم يكن موسى كذلك، فإذا تبين له (5) حقيقة موسى [- صلى الله عليه وسلم ~~-] (6) يوم القيامة علم أنه لم يكن يحب (7) موسى على ما هو عليه، وإنما أحب ~~موصوفا بصفات لا وجود لها، فكانت محبته (8) PageV04P293 # باطلة، فلم يكن مع موسى المبشر بعيسى المسيح (1) ومحمد. # وقد ثبت (2) في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ~~«المرء مع من أحب» (3) ". واليهودي لم يحب إلا ما لا وجود له في الخارج، ~~فلا يكون مع موسى المبشر بعيسى (4) . ومحمد - صلى الله عليه وسلم - فإنه لم ~~يحب موسى هذا. والحب والإرادة ونحو ذلك يتبع العلم والاعتقاد، فهو فرع ~~الشعور (5) ، فمن اعتقد باطلا فأحبه، كان محبا لذلك الباطل، وكانت محبته ~~باطلة فلم تنفعه، وهكذا من (6) اعتقد في بشر الإلهية فأحبه لذلك، كمن اعتقد ~~إلهية فرعون ونحوه (7) ، أو أئمة الإسماعيلية، أو اعتقد الإلهية في بعض ~~الشيوخ، أو بعض أهل البيت، أو في (8) بعض الأنبياء أو الملائكة، كالنصارى ~~ونحوهم (9) ، ومن عرف الحق فأحبه، كان حبه لذلك ms0918 الحق فكانت محبته من الحق ~~فنفعته (10) . PageV04P294 # قال الله تعالى: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم - والذين ~~آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم ~~سيئاتهم وأصلح بالهم - ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا ~~اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم} [سورة محمد: 1 - 2] . ~~وهكذا النصراني (1) مع المسيح: إذا (2) أحبه معتقدا أنه إله - وكان عبدا - ~~كان قد أحب ما لا حقيقة له، فإذا تبين له أن المسيح عبد رسول (3) لم يكن قد ~~أحبه، فلا يكون معه. # وهكذا من أحب الصحابة [والتابعين] (4) والصالحين معتقدا فيهم الباطل، ~~كانت محبته لذلك الباطل باطلة. ومحبة الرافضة لعلي - رضي الله عنه - من هذا ~~الباب ; فإنهم يحبون ما لم يوجد، وهو الإمام المعصوم المنصوص على إمامته، ~~الذي لا إمام بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا هو، الذي كان يعتقد أن ~~(5) أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - ظالمان معتديان أو كافران (6) ، فإذا ~~تبين لهم يوم القيامة أن عليا لم يكن أفضل من واحد من هؤلاء، وإنما غايته ~~أن يكون قريبا من أحدهم (7) ، وإنه كان مقرا بإمامتهم وفضلهم، ولم يكن ~~معصوما لا هو ولا هم (8) ، ولا كان منصوصا على PageV04P295 # إمامته، تبين لهم أنهم لم يكونوا يحبون عليا، بل هم من أعظم الناس بغضا ~~لعلي - رضي الله عنه - في الحقيقة، فإنهم يبغضون من اتصف بالصفات التي كانت ~~في علي أكمل منها في غيره: من إثبات إمامة الثلاثة وتفضيلهم، فإن عليا - ~~رضي الله عنه - كان يفضلهم ويقر بإمامتهم. فتبين أنهم مبغضون لعلي (1) ~~قطعا. # وبهذا يتبين الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه «عن علي - رضي الله عنه - ~~أنه قال: إنه لعهد (2) النبي الأمي إلي أنه (3) " لا يحبني إلا مؤمن ولا ~~يبغضني إلا منافق» " (4) إن كان هذا محفوظا ثابتا عن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - فإن الرافضة لا تحبه على ما هو عليه، بل محبتهم من جنس محبة اليهود ~~لموسى والنصارى لعيسى (5) ، بل الرافضة تبغض نعوت علي وصفاته، كما تبغض ms0919 ~~اليهود والنصارى نعوت موسى وعيسى، فإنهم يبغضون من أقر نبوة محمد - صلى ~~الله عليه وسلم - (55) : (6) وكانا مقرين بها (7) [صلى الله عليهم أجمعين] ~~(8) . PageV04P296 # وهكذا كل من أحب شيخا على أنه موصوف بصفات ولم يكن كذلك في نفس الأمر، ~~كمن اعتقد في شيخ أنه يشفع في مريديه (1) يوم القيامة، وأنه (2) يرزقه ~~وينصره ويفرج عنه الكربات (3) ويجيبه في الضرورات، (* كمن اعتقد أن عنده ~~خزائن الله، أو أنه يعلم الغيب، أو أنه ملك، وهو ليس كذلك في نفس الأمر، ~~فقد *) (4) أحب ما لا حقيقة له. # وقول علي - رضي الله عنه - في هذا الحديث: «لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني ~~إلا منافق» ، ليس من خصائصه، بل قد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - أنه قال: " «آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار» ~~" (5) وقال: «لا يحب الأنصار إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا PageV04P297 # منافق» " (1) . وفي [الحديث] (2) الصحيح حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ~~أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا له ولأمه أن يحببهما الله إلى عباده ~~المؤمنين، قال: فلا تجد مؤمنا إلا يحبني وأمي (3) # وهذا مما يبين به الفرق بين هذا [الحديث] وبين الحديث (4) الذي روي (5) ~~عن ابن عمر: " ما كنا نعرف المنافقين على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~إلا ببغضهم عليا " (6) فإن هذا مما يعلم كل عالم أنه كذب ; PageV04P298 # لأن النفاق له علامات كثيرة وأسباب متعددة غير بغض علي، فكيف لا يكون على ~~النفاق علامة إلا بغض علي؟ وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث ~~الصحيح: " «آية (1) النفاق بغض الأنصار» " وقال في الحديث الصحيح: " «آية ~~المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» (2) ". # وقد قال تعالى في القرآن في صفة المنافقين: {ومنهم من يلمزك في الصدقات ~~فإن أعطوا منها رضوا} [سورة التوبة: 58] ، {ومنهم الذين يؤذون النبي} [سورة ~~التوبة: 61] ، {ومنهم من عاهد الله} [سورة التوبة: 75] ، {ومنهم من يقول ~~ائذن لي ولا تفتني} [سورة التوبة: 49] ، {فمنهم من يقول أيكم زادته هذه ~~إيمانا} [سورة التوبة: 124] . # وذكر لهم سبحانه ms0920 وتعالى في سورة " براءة " وغيرها من العلامات والصفات ما ~~لا يتسع هذا الموضع لبسطه (3) . # بل لو قال: كنا نعرف المنافقين ببغض علي لكان متوجها (4) ، كما أنهم أيضا ~~يعرفون ببغض الأنصار، [بل] (5) وببغض أبي بكر وعمر، PageV04P299 # وببغض غير هؤلاء، فإن كل من أبغض ما يعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- يحبه ويواليه، وأنه كان (1) يحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ويواليه، ~~كان بغضه شعبة من شعب النفاق (2) ، والدليل يطرد ولا ينعكس. ولهذا كان أعظم ~~الطوائف نفاقا المبغضين (3) لأبي بكر ; لأنه لم يكن في الصحابة أحب إلى ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - منه، ولا كان فيهم أعظم حبا للنبي - صلى الله ~~عليه وسلم - منه، فبغضه من أعظم [آيات] (4) النفاق. ولهذا لا يوجد ~~المنافقون في طائفة أعظم منها في مبغضيه، كالنصيرية والإسماعيلية وغيرهم ~~(5) . # وإن (6) قال قائل: فالرافضة (7) الذين يبغضونه يظنون أنه كان عدوا للنبي ~~- صلى الله عليه وسلم - لما يذكر لهم من الأخبار التي تقتضي أنه كان يبغض ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته فأبغضوه (8) لذلك. # قيل: إن كان هذا عذرا يمنع نفاق الذين يبغضونه جهلا وتأويلا، فكذلك ~~المبغضون لعلي الذين اعتقدوا أنه كافر مرتد، أو ظالم فاسق، فأبغضوه لبغضه ~~لدين الإسلام، أو لما أحبه الله وأمر به من العدل، ولاعتقادهم أنه قتل ~~المؤمنين بغير حق، وأراد علوا في الأرض وفسادا، PageV04P300 # وكان كفرعون ونحوه ; فإن هؤلاء وإن كانوا جهالا فليسوا بأجهل ممن اعتقد ~~في عمر أنه فرعون هذه الأمة، فإن لم يكن بغض أولئك لأبي بكر وعمر نفاقا ~~لجهلهم وتأويلهم فكذلك بغض هؤلاء لعلي بطريق (1) # الأولى والأحرى، وإن كان بغض علي نفاقا وإن كان المبغض جاهلا متأولا فبغض ~~أبي بكر وعمر أولى أن يكون نفاقا حينئذ، وإن كان المبغض جاهلا متأولا. ### | كلام الرافضي على خديجة وعائشة رضي الله عنهما والجواب عليه # (فصل) ر، ه، ص: الفصل الخامس والعشرون. # قال الرافضي في (ك) ص [0 - 9] 11 (م) 112 (م) . # : " وأعظموا أمر عائشة على باقي نسوانه، مع أنه - عليه السلام - (2) # «كان يكثر من ذكر خديجة بنت ms0921 خويلد، وقالت له عائشة: إنك تكثر [من] (3) # ذكرها، وقد أبدلك الله خيرا منها. فقال: والله ما بدلت بها ما هو خير ~~منها ك: أبدلت بها من هو خير منها. # صدقتني إذ كذبني الناس، وآوتني إذ طردني الناس، وأسعدتني بمالها، ورزقني ~~الله الولد منها، ولم أرزق من غيرها» ) . # والجواب أولا أولا: ساقطة من (ب) ، (ص) . # : أن يقال: إن أهل السنة ليسوا مجمعين على أن عائشة PageV04P301 # أفضل نسائه، بل قد ذهب إلى ذلك كثير من أهل السنة، واحتجوا بما في ~~الصحيحين عن أبي موسى وعن أنس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - قال: " «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» " (1) # والثريد هو أفضل الأطعمة لأنه خبز ولحم، كما قال الشاعر: # إذا ما الخبز تأدمه بلحم ... فذاك أمانة الله الثريد. # وذلك أن البر أفضل الأقوات، واللحم أفضل الإدام (2) # ، كما في الحديث الذي رواه ابن قتيبة وغيره عن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - أنه قال: " «سيد إدام [أهل] أهل: ساقطة من (ن) ، (م) . # الدنيا والآخرة اللحم» " (3) # فإذا كان اللحم سيد PageV04P302 # الإدام، والبر سيد الأقوات، ومجموعهما الثريد، كان الثريد أفضل الطعام. ~~وقد صح من غير وجه عن الصادق المصدوق أنه قال: " «فضل عائشة على النساء ~~كفضل الثريد على سائر الطعام» ". # وفي الصحيح «عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، ~~أي الناس (1) # أحب إليك؟ قال: " عائشة " قلت: (2) # الرجال؟ قال: " أبوها " قلت: ثم من؟ قال: " عمر " وسمى رجالا» (3) # وهؤلاء يقولون: قوله لخديجة: " ما أبدلني الله بخير منها " (4) # : إن صح معناه: [ما] (5) # أبدلني بخير (6) # لي منها ; لأن (7) # خديجة نفعته في أول الإسلام نفعا لم يقم غيرها فيه مقامها، فكانت خيرا له ~~من هذا الوجه، لكونها نفعته وقت الحاجة، لكن عائشة (8) # صحبته في آخر النبوة وكمال الدين، فحصل لها من العلم والإيمان ما لم يحصل ~~لمن لم يدرك إلا PageV04P303 # أول زمن (1) النبوة، فكانت أفضل بهذه (2) الزيادة، فإن الأمة انتفعت بها ~~أكثر مما انتفعت بغيرها، وبلغت من العلم والسنة (3) # ما ms0922 لم يبلغه غيرها، فخديجة كان خيرها مقصورا على نفس النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - لم تبلغ عنه شيئا، ولم تنتفع بها الأمة كما انتفعوا بعائشة، ~~ولا كان الدين قد كمل أ (4) حتى تعلمه ويحصل لها من كمال الإيمان به ما حصل ~~لمن علمه وآمن به (5) . # بعد كماله، ومعلوم أن من اجتمع همه على شيء واحد كان أبلغ فيه ممن تفرق ~~همه في أعمال متنوعة ; فخديجة - رضي الله تعالى عنها - خير له من هذا ~~الوجه، ولكن أنواع البر لم تنحصر في ذلك. ألا ترى أن من كان من الصحابة (6) # [أعظم إيمانا وأكثر جهادا بنفسه وماله، كحمزة وعلي وسعد بن معاذ وأسيد بن ~~حضير وغيرهم - هم أفضل ممن كان يخدم النبي] (7) # صلى الله عليه وسلم وينفعه في نفسه أكثر منهم، كأبي رافع وأنس بن مالك ~~وغيرهما. # وفي الجملة الكلام في تفضيل عائشة وخديجة ليس هذا موضع استقصائه. لكن ~~المقصود هنا أن أهل السنة مجمعون على تعظيم (8) # عائشة ومحبتها، وأن نساءه أمهات المؤمنين اللاتي (9) مات عنهن كانت ~~PageV04P304 # عائشة أحبهن إليه وأعلمهن (1) # وأعظمهن حرمة عند المسلمين. # وقد ثبت في الصحيح أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة (2) # ، لما يعلمون من حبه (3) # إياها، حتى إن نساءه غرن من ذلك، وأرسلن إليه فاطمة - رضي الله عنها - ~~فقلن له (4) # : نسألك العدل (5) # في ابنة أبي قحافة. فقال لفاطمة: " أي بنية: (6) . # تحبين ما أحب؟ " قالت: بلى. قال: " فأحبي هذه " الحديث وهو في الصحيحين ~~(7) .. # * وفي الصحيحين أيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يا ~~PageV04P305 # عائش (1) # هذا جبريل يقرأ عليك السلام " فقالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ~~(2) # ، ترى ما لا نرى *» (3) (4) " ولما أراد فراق سودة بنت زمعة وهبت يومها ~~لعائشة - رضي الله عنها - بإذنه - صلى الله عليه وسلم - (5) ، وكان في مرضه ~~الذي مات فيه يقول: " «أين أنا اليوم» (6) ؟ " استبطاء ليوم عائشة، ثم ~~استأذن نساءه أن يمرض في بيت عائشة - رضي الله عنها - فمرض فيه، وفي بيتها ~~توفي بين سحرها ونحرها وفي حجرها (7) # ، وجمع الله (8) # بين ريقه PageV04P306 # وريقها (1) . # وكانت - رضي الله ms0923 عنها - مباركة على أمته، حتى قال أسيد بن حضير لما أنزل ~~الله آية التيمم بسببها: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، ما نزل بك أمر ~~قط تكرهينه إلا جعل الله فيه للمسلمين بركة (2) . PageV04P307 # وكان قد نزلت (1) آيات (2) براءتها قبل ذلك لما رماها أهل الإفك، فبرأها ~~الله من فوق سبع سماوات، وجعلها من الطيبات (3) . ### | كلام الرافضي على عائشة رضي الله عنها أنها أذاعت سر رسول الله وخالفت أمر الله بالخروج على علي والرد عليه # فصل. ر، ه، ص: الفصل السادس والعشرون. # قال الرافضي (4) # : " وأذاعت سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال لها النبي - صلى ~~الله عليه وسلم -: «إنك تقاتلين عليا وأنت ظالمة له» (5) # ، ثم إنها خالفت أمر الله في قوله تعالى: {وقرن في بيوتكن} [سورة ~~الأحزاب: 33] وخرجت (6) في ملأ من الناس لتقاتل عليا على غير ذنب، لأن ~~المسلمين أجمعوا على قتل PageV04P308 # عثمان، وكانت هي في كل وقت تأمر بقتله، وتقول: اقتلوا نعثلا (1) . # ، قتل الله نعثلا ; لما (2) # بلغها قتله فرحت بذلك، ثم سألت: من تولى الخلافة؟ فقالوا: علي فخرجت ~~لقتاله (3) # على دم عثمان، فأي ذنب كان لعلي على ذلك؟ وكيف (4) . # استجاز طلحة والزبير وغيرهما مطاوعتها على ذلك؟ وبأي وجه يلقون رسول الله ~~- صلى الله عليه وسلم؟ مع أن الواحد منا لو تحدث مع (5) # امرأة غيره وأخرجها من منزلها أو سافر بها (6) # كان أشد الناس عداوة له، وكيف أطاعها على ذلك عشرات ألوف (7) # من المسلمين، وساعدوها على حرب أمير المؤمنين (8) # ولم ينصر أحد منهم بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما طلبت حقها ~~من أبي بكر، ولا شخص واحد [كلمه] (9) # بكلمة واحدة؟ ". # والجواب: أن يقال: أما أهل السنة فإنهم في هذا الباب وغيره قائمون بالقسط ~~شهداء لله، وقولهم حق وعدل لا يتناقض. وأما الرافضة وغيرهم PageV04P309 # من أهل البدع ففي أقوالهم من الباطل والتناقض ما ننبه - إن شاء الله ~~تعالى - على بعضه، وذلك أن أهل السنة عندهم أن أهل بدر كلهم في الجنة، ~~وكذلك أمهات المؤمنين: عائشة وغيرها، وأبو بكر ms0924 وعمر وعثمان وعلي وطلحة ~~والزبير هم سادات أهل الجنة [بعد الأنبياء، وأهل السنة يقولون: إن أهل ~~الجنة] (1) . # ليس من شرطهم سلامتهم عن (2) # الخطأ، بل ولا عن الذنب (3) # ، بل يجوز أن يذنب الرجل منهم ذنبا صغيرا أو كبيرا ويتوب منه (4) # . وهذا متفق عليه بين المسلمين، ولو لم يتب منه فالصغائر مغفورة باجتناب ~~(5) . # الكبائر عند جماهيرهم، بل وعند الأكثرين منهم أن الكبائر قد (6) # تمحى بالحسنات التي هي أعظم منها، وبالمصائب المكفرة وغير ذلك. # وإذا كان هذا أصلهم فيقولون: ما يذكر (7) # عن الصحابة من السيئات كثير منه كذب، وكثير منه كانوا مجتهدين فيه، ولكن ~~لم يعرف (8) # كثير من الناس وجه اجتهادهم، وما قدر أنه كان فيه ذنب من الذنوب [لهم] ~~(9) # فهو مغفور لهم: إما بتوبة، وإما بحسنات ماحية، وإما بمصائب مكفرة، وإما ~~بغير ذلك ; فإنه (10) قد قام الدليل الذي يجب القول بموجبه: إنهم من أهل ~~PageV04P310 # الجنة، فامتنع أن يفعلوا ما يوجب النار لا محالة، وإذا لم يمت أحد منهم ~~(1) # على موجب النار لم يقدح ما سوى ذلك في استحقاقهم للجنة. ونحن قد علمنا ~~أنهم من أهل الجنة، ولو لم يعلم أن أولئك المعينين في الجنة لم يجز لنا أن ~~نقدح في استحقاقهم للجنة بأمور (2) لا نعلم أنها توجب النار، فإن هذا لا ~~يجوز في آحاد المؤمنين الذين لم يعلم أنهم يدخلون الجنة، ليس (3) # لنا أن نشهد لأحد منهم بالنار لأمور محتملة لا تدل على ذلك، فكيف يجوز ~~مثل (4) # ذلك في خيار المؤمنين (5) # ، والعلم بتفاصيل أحوال كل واحد واحد (6) # [منهم] (7) # باطنا وظاهرا، وحسناته وسيئاته واجتهاداته (8) - أمر يتعذر علينا معرفته؟ ~~! فكان كلامنا في ذلك كلاما فيما لا نعلمه، والكلام بلا علم حرام، فلهذا ~~كان الإمساك عما شجر بين الصحابة خيرا من الخوض في ذلك بغير علم بحقيقة ~~الأحوال، إذ كان كثير من الخوض في ذلك - أو أكثره - كلاما بلا علم، وهذا ~~حرام لو لم يكن فيه هوى ومعارضة الحق المعلوم، فكيف إذا كان كلاما بهوى (9) # يطلب فيه دفع الحق المعلوم؟ ! وقد قال النبي - صلى الله ms0925 عليه PageV04P311 # وسلم -: " «القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وقاض في الجنة: رجل علم الحق ~~وقضى به فهو في الجنة، ورجل علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار، ورجل قضى ~~للناس على جهل فهو في النار» " (1) # . فإذا كان هذا في قضاء بين اثنين في قليل المال أو كثيره، فكيف بالقضاء ~~(2) # بين الصحابة في أمور كثيرة؟ . # فمن تكلم في هذا الباب بجهل أو بخلاف ما يعلم من الحق (3) # كان مستوجبا للوعيد، ولو تكلم بحق لقصد [اتباع] (4) # الهوى لا لوجه الله تعالى، أو يعارض به حقا آخر، لكان [أيضا] (5) # مستوجبا للذم والعقاب. ومن علم ما دل عليه القرآن والسنة من الثناء على ~~القوم، ورضا الله عنهم، واستحقاقهم الجنة، وأنهم خير هذه الأمة التي هي خير ~~أمة أخرجت للناس - لم يعارض هذا المتيقن المعلوم بأمور مشتبهة: منها ما لا ~~يعلم (6) # صحته، ومنها ما يتبين كذبه، ومنها ما لا يعلم (7) # كيف وقع، ومنها ما يعلم PageV04P312 # عذر القوم فيه، ومنها ما يعلم توبتهم منه، ومنها ما يعلم أن لهم من ~~الحسنات ما يغمره، فمن سلك سبيل أهل السنة استقام قوله، وكان من أهل الحق ~~والاستقامة والاعتدال، وإلا حصل في جهل وكذب (1) # وتناقض كحال هؤلاء الضلال. # وأما قوله: " وأذاعت سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فلا ريب أن ~~الله تعالى يقول: {وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره ~~الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال ~~نبأني العليم الخبير} [سورة التحريم: 3] . # وقد ثبت في الصحيح [عن عمر] (2) # أنهما (3) عائشة وحفصة (4) . # فيقال: أولا: هؤلاء يعمدون (5) # إلى نصوص القرآن التي فيها ذكر ذنوب ومعاص بينة لمن نصت (6) # عنه من المتقدمين [يتأولون النصوص بأنواع التأويلات، وأهل السنة يقولون: ~~بل أصحاب الذنوب] (7) # تابوا منها ورفع الله درجاتهم بالتوبة. PageV04P313 # وهذه الآية ليست [بأولى] (1) . # في دلالتها على الذنوب من تلك الآيات، فإن كان تأويل تلك (2) # سائغا كان تأويل هذه كذلك، وإن كان تأويل هذه باطلا فتأويل تلك أبطل. # ويقال: ثانيا: بتقدير أن ms0926 يكون هناك ذنب لعائشة وحفصة، فيكونان قد تابتا ~~منه (3) # . وهذا ظاهر لقوله تعالى: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} [سورة ~~التحريم: 4] فدعاهما الله تعالى إلى التوبة، فلا يظن بهما أنهما لم يتوبا، ~~مع ما ثبت من علو درجتهما، وأنهما زوجتا (4) # نبينا في الجنة، وأن الله خيرهن بين الحياة الدنيا وزينتها وبين الله ~~ورسوله والدار الآخرة، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، ولذلك حرم الله ~~(5) # عليه أن يتبدل (6) بهن غيرهن، وحرم عليه أن يتزوج عليهن، واختلف في إباحة ~~ذلك له بعد ذلك، ومات عنهن وهن أمهات المؤمنين بنص القرآن. ثم قد تقدم أن ~~الذنب يغفر ويعفى عنه بالتوبة (7) # وبالحسنات الماحية وبالمصائب (8) # المكفرة. # ويقال: ثالثا: المذكور عن أزواجه كالمذكور عمن شهد له بالجنة PageV04P314 # من أهل بيته وغيرهم من الصحابة (1) # ، فإن عليا لما خطب ابنة أبي جهل على فاطمة، وقام النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - خطيبا فقال: " «إن بني المغيرة استأذنوني أن ينكحوا عليا ابنتهم، ~~وإني لا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن (2) # ، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي ويتزوج ابنتهم، إنما فاطمة (3) # بضعة مني يريبني ما رابها ص: أرابها. # ويؤذيني ما آذاها» (4) # " فلا يظن بعلي - رضي الله عنه - أنه ترك الخطبة في الظاهر فقط، بل تركها ~~بقلبه وتاب بقلبه عما كان طلبه وسعى فيه. # وكذلك «لما صالح النبي - صلى الله عليه وسلم - المشركين يوم الحديبية، ~~وقال لأصحابه: " انحروا واحلقوا رءوسكم " فلم يقم أحد، فدخل مغضبا على أم ~~سلمة، فقالت: من أغضبك - أغضبه الله؟ فقال: " ما لي لا أغضب وأنا آمر ~~بالأمر فلا يطاع (5) # " فقالت: يا رسول الله ادع بهديك فانحره، وأمر الحلاق فليحلق (6) # رأسك، وأمر عليا أن يمحو اسمه. فقال: والله لا أمحوك. فأخذ الكتاب من يده ~~ومحاه» (7) # " فمعلوم (8) PageV04P315 # أن تأخر علي وغيره من الصحابة عما أمروا به حتى غضب النبي - صلى الله ~~عليه وسلم -: إذا قال القائل: هذا ذنب، كان جوابه كجواب القائل: إن عائشة ~~أذنبت في ذلك، فمن الناس من يتأول ويقول: إنما تأخروا متأولين، لكونهم ms0927 ~~كانوا يرجون تغيير الحال بأن يدخلوا مكة: وآخر يقول: لو كان لهم تأويل ~~مقبول لم يغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - بل تابوا من ذلك التأخير (1) ~~ورجعوا عنه، مع أن حسناتهم تمحو مثل هذا الذنب، وعلي داخل في هؤلاء - رضي ~~الله عنهم - أجمعين. # وأما الحديث الذي رواه وهو قوله لها: " «تقاتلين عليا وأنت ظالمة له» " ~~(2) # فهذا لا يعرف في شيء من كتب العلم المعتمدة، ولا له إسناد معروف، وهو ~~بالموضوعات المكذوبات أشبه منه بالأحاديث الصحيحة لم أجد هذا الحديث ~~الموضوع. # ، بل هو كذب قطعا، فإن عائشة لم تقاتل ولم تخرج لقتال، وإنما خرجت لقصد ~~(3) الإصلاح بين المسلمين، وظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين، ثم تبين لها ~~فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى، فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تبل ~~خمارها. # وهكذا عامة السابقين ندموا على ما دخلوا فيه من القتال، فندم طلحة ~~والزبير وعلي - رضي الله عنهم - أجمعين، ولم يكن يوم الجمل لهؤلاء قصد في ~~الاقتتال (4) # ، ولكن وقع الاقتتال بغير اختيارهم، فإنه لما تراسل علي PageV04P316 # وطلحة والزبير، وقصدوا الاتفاق على المصلحة، وأنهم إذا تمكنوا طلبوا قتلة ~~عثمان أهل الفتنة، وكان علي غير راض بقتل عثمان ولا معينا عليه، كما كان ~~يحلف فيقول: والله ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله، وهو الصادق البار في ~~يمينه، فخشي القتلة أن يتفق علي معهم على إمساك القتلة، فحملوا على عسكر ~~طلحة والزبير، فظن طلحة والزبير أن عليا حمل عليهم، فحملوا (1) # دفعا عن أنفسهم، فظن علي أنهم حملوا عليه، فحمل دفعا عن نفسه، فوقعت ~~الفتنة بغير اختيارهم، وعائشة - رضي الله عنها - راكبة: لا قاتلت، ولا أمرت ~~بالقتال (2) # . هكذا ذكره غير واحد من أهل المعرفة بالأخبار (3) . # وأما قوله (4) : " وخالفت أمر الله في قوله تعالى: {وقرن في بيوتكن ولا ~~تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} [سورة الأحزاب: 33] فهي - رضي الله عنها - لم ~~تتبرج تبرج الجاهلية الأولى. والأمر بالاستقرار في البيوت لا ينافي الخروج ~~لمصلحة مأمور بها، كما لو خرجت للحج والعمرة، أو خرجت مع زوجها في سفرة ms0928 (5) # ، فإن هذه الآية قد (6) # نزلت في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد سافر بهن [رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم -] بعد PageV04P317 # ذلك (1) # [كما سافر] (2) # في حجة الوداع بعائشة [- رضي الله عنها -] وغيرها (3) # ، وأرسلها مع عبد الرحمن أخيها فأردفها خلفه، وأعمرها من التنعيم. وحجة ~~الوداع كانت قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأقل من ثلاثة أشهر بعد ~~نزول هذه (4) # الآية، ولهذا كان (5) # أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يحججن كما كن يحججن معه (6) خلافة ~~عمر - رضي الله عنه - وغيره (7) # ، وكان عمر يوكل بقطارهن عثمان أو عبد الرحمن بن عوف، وإذا كان سفرهن ~~لمصلحة جائزا فعائشة اعتقدت أن ذلك السفر مصلحة للمسلمين، فتأولت في ذلك ~~(8) . # وهذا كما أن قول الله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم ~~بينكم بالباطل} [سورة النساء: 29] # [وقوله] (9) # : {ولا تقتلوا أنفسكم} [سورة النساء: 29] يتضمن نهي المؤمنين عن قتل ~~بعضهم (10) . # بعضا، كما في قوله: {ولا تلمزوا أنفسكم} [سورة الحجرات: 111] وقوله: ~~{لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا} [سورة النور: 12] . ~~PageV04P318 # وكذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم ~~عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا» " (1) # وقوله - صلى الله عليه وسلم -: " «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل ~~والمقتول في النار ". قيل: يا رسول الله: هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: ~~" كان حريصا على قتل صاحبه» (2) ". # فلو قال قائل: [إن] عليا (3) # ومن قاتله قد التقيا بسيفهما، وقد استحلوا دماء المسلمين (4) # ، فيجب أن يلحقهم الوعيد. # لكان جوابه (5) # : أن الوعيد لا يتناول المجتهد المتأول وإن كان PageV04P319 # مخطئا، فإن الله تعالى يقول في دعاء المؤمنين: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا ~~أو أخطأنا} [سورة البقرة: 286] قال (1) # : " قد فعلت (2) # " فقد عفي (3) # للمؤمنين (4) عن النسيان والخطأ، والمجتهد المخطئ مغفور له خطؤه، وإذا ~~غفر خطأ هؤلاء في قتال المؤمنين، فالمغفرة لعائشة لكونها لم تقر في بيتها ~~إذ كانت مجتهدة أولى. # وأيضا فلو قال قائل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «إن المدينة ~~تنفي خبثها وينصع طيبها» (5) # " وقال: " «لا يخرج ms0929 أحد من المدينة رغبة PageV04P320 # عنها إلا أبدلها الله خيرا منه» " أخرجه في الموطأ الحديث عن هشام بن ~~عروة عن أبيه في: الموطأ 2/887 (كتاب الجامع، باب الدعاء للمدينة وأهلها) . ~~وفي التعليق: " قال أبو عمر: وصله معن بن عيسى وحده عن مالك عن هشام عن ~~أبيه عن عائشة ". # . [كما في الصحيحين عن زيد بن ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ~~" «إنها طيبة (يعني المدينة) وإنها تنفي الرجال كما تنفي النار خبث الحديد» ~~"، وفي لفظ: " «تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة» "] (1) # . وقال: إن عليا خرج عنها (2) ولم يقم بها كما أقام الخلفاء قبله، ولهذا ~~لم تجتمع عليه الكلمة. # لكان الجواب: أن المجتهد إذا كان دون علي لم يتناوله الوعيد، فعلي أولى ~~أن لا يتناوله الوعيد لاجتهاده، وبهذا يجاب عن خروج عائشة - رضي الله عنها ~~-. وإذا كان المجتهد مخطئا فالخطأ مغفور بالكتاب والسنة. # وأما قوله: " إنها (3) # خرجت في ملأ من الناس تقاتل عليا على غير ذنب ". # فهذا أولا: كذب عليها. فإنها لم تخرج لقصد القتال، ولا كان أيضا ~~PageV04P321 # طلحة والزبير قصدهما قتال علي أ، ب: القتال لعلي، ولو قدر أنهم قصدوا (1) # القتال، فهذا هو القتال المذكور في قوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين ~~اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى ~~تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب ~~المقسطين} ، {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} [سورة الحجرات: 9، ~~10] فجعلهم مؤمنين إخوة مع الاقتتال. وإذا كان هذا ثابتا لمن هو دون أولئك ~~المؤمنين (2) # فهم به أولى وأحرى. ### | [زعم الرافضي أن المسلمين أجمعوا على قتل عثمان وجوابه من وجوه] # وأما قوله: " إن المسلمين أجمعوا على قتل عثمان ". # فجوابه من وجوه: أحدها ب (فقط) : من وجهين أحدهما. # : أن يقال: أولا: هذا من أظهر الكذب وأبينه ; فإن جماهير المسلمين لم ~~يأمروا بقتله، ولا شاركوا (3) # في قتله، ولا رضوا بقتله. # أما أولا: (4) أكثر (5) # المسلمين لم يكونوا بالمدينة، بل كانوا بمكة واليمن والشام والكوفة ~~والبصرة ومصر وخراسان، وأهل ms0930 المدينة بعض المسلمين. # وأما ثانيا: فلأن (6) # خيار المسلمين لم يدخل واحد منهم في دم عثمان PageV04P322 # [لا قتل] (1) # ولا أمر بقتله، وإنما قتله طائفة من المفسدين في الأرض من أوباش القبائل ~~وأهل الفتن، وكان علي - رضي الله عنه - يحلف دائما: " إني ما قتلت عثمان ~~ولا مالأت على قتله " ويقول: " اللهم العن قتلة عثمان في البر والبحر ~~والسهل والجبل ". وغاية ما يقال: إنهم لم ينصروه حق (2) . # النصرة، وأنه حصل نوع من الفتور والخذلان، حتى تمكن أولئك المفسدون. ولهم ~~في ذلك تأويلات، وما كانوا يظنون أن الأمر يبلغ إلى ما بلغ، ولو علموا ذلك ~~لسدوا الذريعة وحسموا مادة (3) . # الفتنة. # ولهذا قال تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} [سورة ~~الأنفال: 25] ، فإن الظالم يظلم فيبتلى الناس بفتنة تصيب من لم (4) # يظلم، فيعجز (5) . # عن ردها حينئذ، بخلاف ما لو منع الظالم ابتداء، فإنه كان يزول سبب ~~الفتنة. # الثاني (6) وهذا هو الوجه الثاني من وجوه الجواب، وبدأ الأول في الصفحة ~~السابقة. # : أن هؤلاء الرافضة في غاية التناقض والكذب ; فإنه من المعلوم (7) ### | 1 - # أن الناس أجمعوا على بيعة عثمان ما لم يجمعوا (8) . # على قتله ; فإنهم كلهم بايعوه في جميع الأرض. فإن جاز الاحتجاج بالإجماع ~~الظاهر، فيجب (9) # أن تكون بيعته حقا لحصول الإجماع عليها. وإن لم PageV04P323 # يجز الاحتجاج به، بطلت حجتهم بالإجماع على قتله. لا سيما ومن المعلوم أنه ~~لم يباشر قتله إلا طائفة قليلة. ثم إنهم ينكرون الإجماع على بيعته، ~~ويقولون: إنما بايع أهل الحق منهم خوفا وكرها (1) # . ومعلوم أنهم لو اتفقوا كلهم على قتله (2) # ، وقال قائل: كان أهل الحق كارهين [لقتله (3) # لكن سكتوا خوفا وتقية (4) على أنفسهم، لكان (5) # هذا أقرب إلى الحق،] (6) # لأن العادة قد جرت بأن من يريد قتل الأئمة يخيف من ينازعه، بخلاف من يريد ~~مبايعة الأئمة (7) # ، فإنه لا يخيف المخالف، كما يخيف (8) # من يريد قتله، فإن المريدين (9) # للقتل أسرع إلى الشر وسفك الدماء وإخافة الناس من المريدين للمبايعة. # فهذا لو قدر أن جميع الناس ظهر منهم الأمر بقتله، فكيف وجمهورهم أنكروا ~~(10) # قتله ms0931، ودافع عنه من دافع في بيته، كالحسن بن علي وعبد الله بن الزبير ~~وغيرهما؟ . # وأيضا فإجماع الناس على بيعة أبي بكر أعظم من إجماعهم على بيعة ~~PageV04P324 # علي وعلى قتل عثمان وعلى غير ذلك (1) # ، فإنه لم يتخلف عنها إلا نفر يسير كسعد بن عبادة (2) . # ، وسعد قد علم سبب تخلفه، والله يغفر له ويرضى عنه. وكان رجلا صالحا من ~~السابقين الأولين من الأنصار من أهل الجنة، كما قالت عائشة - رضي الله عنها ~~- في قصة الإفك لما أخذ يدافع عن عبد الله بن أبي رأس المنافقين، [قالت] ~~(3) # : " وكان قبل ذلك رجلا صالحا، ولكن احتملته (4) # الحمية " (5) . # وقد قلنا غير مرة: إن الرجل الصالح المشهود له بالجنة قد يكون له سيئات ~~يتوب منها، أو تمحوها حسناته، أو تكفر عنه بالمصائب، أو بغير ذلك (6) ; فإن ~~المؤمن (7) # ، إذا أذنب كان لدفع عقوبة [النار] عنه (8) # عشرة أسباب: ثلاثة منه، وثلاثة من الناس، وأربعة يبتديها الله (9) # : التوبة، والاستغفار، والحسنات الماحية، ودعاء المؤمنين له (10) ، ~~وإهداؤهم العمل الصالح له، وشفاعة نبينا - صلى الله عليه وسلم - والمصائب ~~PageV04P325 # المكفرة في الدنيا، وفي البرزخ، وفي عرصات القيامة، ومغفرة الله له بفضل ~~رحمته. # والمقصود هنا أن هذا الإجماع ظاهر معلوم، فكيف يدعي الإجماع على مثل قتل ~~عثمان من ينكر مثل (1) # هذا الإجماع؟ بل من المعلوم أن الذين تخلفوا عن القتال مع علي من ~~المسلمين أضعاف الذين أجمعوا (2) على قتل عثمان ; فإن الناس كانوا في زمن ~~علي على ثلاثة أصناف: صنف قاتلوا معه، وصنف قاتلوه، وصنف لا قاتلوه ولا ~~قاتلوا معه. وأكثر السابقين الأولين كانوا من هذا الصنف، ولو لم يكن تخلف ~~عنه إلا من قاتل مع معاوية - رضي الله عنه - فإن معاوية ومن معه لم ~~يبايعوه، وهم أضعاف الذين قتلوا (3) # عثمان أضعافا مضاعفة، والذين أنكروا قتل عثمان أضعاف الذين قاتلوا مع ~~علي. فإن كان قول القائل: إن الناس أجمعوا (4) # على قتال علي باطلا، فقوله: إنهم أجمعوا (5) على قتل عثمان أبطل وأبطل. # وإن جاز أن يقال: إنهم أجمعوا على قتل عثمان، لكون ذلك وقع في العالم ms0932 ولم ~~يدفع. فقول القائل: إنهم أجمعوا على قتال علي [أيضا] (6) # والتخلف عن بيعته أجوز وأجوز ; فإن هذا وقع (7) # في العالم ولم يدفع [أيضا] (8) . PageV04P326 # وإن قيل: إن (1) # الذين كانوا مع علي لم يمكنهم إلزام الناس بالبيعة له، وجمعهم (2) # عليه، ولا دفعهم عن قتاله، فعجزوا عن ذلك. # قيل: والذين كانوا مع عثمان لما حصر لم يمكنهم أيضا (3) # دفع القتال عنه. # وإن قيل: بل أصحاب علي فرطوا وتخاذلوا، حتى عجزوا (4) # عن دفع القتال، أو قهر الذين قاتلوه ص: قتلوه. # أو جمع الناس عليه. # قيل: والذين كانوا مع عثمان [فرطوا وتخاذلوا (5) حتى تمكن منه أولئك. ثم ~~دعوى المدعي الإجماع على قتل عثمان] (6) مع ظهور الإنكار [من] جماهير ~~الإنكار (7) الأمة له وقيامهم (8) # في الانتصار له والانتقام ممن قتله - أظهر كذبا من دعوى المدعي إجماع ~~الأئمة على قتل الحسين - رضي الله عنه -. # فلو قال قائل: إن الحسين قتل بإجماع الناس، لأن الذين قاتلوه وقتلوه لم ~~يدفعهم أحد من ذلك، لم يكن كذبه بأظهر من كذب المدعي للإجماع (9) # على قتل عثمان ; فإن الحسين - رضي الله عنه - لم يعظم إنكار PageV04P327 # الأمة لقتله، كما عظم إنكارهم لقتل عثمان، ولا انتصر له جيوش كالجيوش ~~الذين انتصرت (1) لعثمان، ولا انتقم أعوانه من أعدائه كما انتقم أعوان ~~عثمان من أعدائه، ولا حصل بقتله من الفتنة والشر والفساد ما حصل بقتل ~~عثمان، ولا كان قتله أعظم إنكارا عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين من قتل ~~عثمان ; فإن عثمان من أعيان السابقين الأولين من المهاجرين من طبقة علي ~~وطلحة والزبير، وهو خليفة للمسلمين أجمعوا على بيعته، بل لم يشهر في الأمة ~~سيفا ولا قتل على ولايته أحدا (2) # ، وكان يغزو بالمسلمين الكفار بالسيف، وكان السيف في خلافته كما كان في ~~خلافة أبي بكر وعمر مسلولا على الكفار، مكفوفا عن أهل القبلة، ثم إنه طلب ~~قتله وهو خليفة فصبر ولم يقاتل دفعا عن نفسه حتى قتل، ولا ريب أن هذا أعظم ~~أجرا، وقتله (3) # أعظم إثما، ممن لم يكن متوليا فخرج يطلب الولاية، ولم يتمكن من ذلك ms0933 (4) # أعوان الذين طلب أخذ الأمر منهم، فقاتل عن نفسه حتى قتل. # ولا ريب أن قتال الدافع عن نفسه وولايته أقرب من قتال الطالب لأن يأخذ ~~الأمر من غيره، وعثمان ترك القتال دفعا عن ولايته، فكان حاله أفضل من حال ~~الحسين، وقتله أشنع من قتل الحسين. كما أن الحسن - رضي الله عنه - لما لم ~~يقاتل على الأمر، بل أصلح بين الأمة بتركه القتال (5) # ، PageV04P328 # مدحه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك فقال: " «إن ابني هذا سيد، ~~(1) # وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» " (2) . # والمنتصرون لعثمان معاوية وأهل الشام، والمنتصرون من قتلة الحسين المختار ~~بن أبي عبيد [الثقفي] (3) # وأعوانه. ولا يشك عاقل أن معاوية - رضي الله عنه - خير من المختار ; فإن ~~المختار كذاب ادعى النبوة. وقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - قال: " «يكون في ثقيف كذاب ومبير» " (4) # فالكذاب هو المختار، والمبير هو الحجاج بن يوسف. وهذا المختار كان أبوه ~~رجلا صالحا، وهو أبو عبيد الثقفي الذي قتل شهيدا في حرب المجوس، وأخته صفية ~~بنت أبي عبيد امرأة عبد الله بن عمر امرأة صالحة، وكان المختار رجل سوء. ### | الرد على قوله إن عائشة كانت تأمر بقتل عثمان من وجوه # وأما قوله: " إن عائشة كانت في كل وقت تأمر (5) بقتل عثمان، وتقول في كل ~~وقت: اقتلوا نعثلا، قتل الله نعثلا، ولما بلغها قتله فرحت بذلك ". ~~PageV04P329 # فيقال له: أولا، أين النقل الثابت عن عائشة بذلك؟ . # ويقال: ثانيا: المنقول الثابت عنها يكذب (1) ذلك، ويبين أنها أنكرت قتله، ~~وذمت من قتله، ودعت على أخيها محمد وغيره لمشاركتهم في ذلك. # ويقال: ثالثا: هب أن واحدا من الصحابة: عائشة أو غيرها قال في ذلك (2) ~~على وجه الغضب، لإنكاره بعض ما ينكر، فليس قوله حجة، ولا يقدح ذلك لا في ~~إيمان (3) القائل ولا المقول له، بل قد يكون كلاهما وليا لله تعالى من أهل ~~الجنة، ويظن أحدهما جواز قتل الآخر، بل يظن كفره، وهو مخطئ في هذا الظن. # كما [ثبت] (4) في الصحيحين عن علي وغيره ms0934 في قصة حاطب بن أبي بلتعة، وكان ~~من أهل بدر والحديبية. وقد ثبت في الصحيح أن غلامه «قال: يا رسول الله، ~~والله ليدخلن حاطب النار. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: " كذبت، ~~إنه قد (5) شهد بدرا والحديبية» (6) . وفي حديث علي «أن حاطبا كتب إلى ~~المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أراد غزوة ~~الفتح فأطلع الله نبيه على ذلك، فقال لعلي والزبير: " اذهبا حتى تأتيا روضة ~~خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب ". فلما PageV04P330 # أتيا بالكتاب، قال: " ما هذا يا حاطب؟ " فقال: والله يا رسول الله ما ~~فعلت هذا ارتدادا ولا رضا بالكفر، ولكن كنت امرأ ملصقا في قريش، ولم أكن من ~~أنفسهم، وكان من معك من المهاجرين لهم بمكة قرابات يحمون بها أهليهم، ~~فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي. فقال عمر - رضي ~~الله عنه -: دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال: " إنه شهد بدرا، وما يدريك ~~أن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» " وأنزل الله ~~تعالى أول سورة الممتحنة {ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ~~تلقون إليهم بالمودة} [سورة الممتحنة: 1] (1) وهذه القصة مما اتفق أهل ~~العلم على صحتها، وهي متواترة عندهم، معروفة عند علماء التفسير، وعلماء ~~الحديث (2) وعلماء المغازي والسير والتواريخ، وعلماء الفقه، وغير هؤلاء. ~~وكان علي - رضي الله عنه - يحدث بهذا الحديث في خلافته بعد الفتنة، وروى ~~عنه كاتبه عبد الله بن أبي رافع ليبين [لهم] (3) أن السابقين مغفور لهم، ~~ولو جرى منهم (4) ما جرى. # فإن عثمان وعليا وطلحة (5) والزبير أفضل باتفاق المسلمين من حاطب ~~PageV04P331 # بن أبي بلتعة، وكان حاطب مسيئا إلى مماليكه، وكان ذنبه في مكاتبة ~~المشركين (1) وإعانتهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أعظم من ~~الذنوب التي تضاف إلى هؤلاء، ومع هذا فالنبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ~~قتله، وكذب من قال: إنه يدخل النار، لأنه شهد بدرا والحديبية، وأخبر بمغفرة ~~الله لأهل بدر. ومع هذا فقد قال ms0935 (2) عمر - رضي الله عنه -: دعني أضرب عنق ~~هذا المنافق. فسماه منافقا، واستحل قتله، ولم يقدح ذلك في إيمان واحد ~~منهما، ولا في كونه من أهل الجنة. # وكذلك في الصحيحين [وغيرهما] (3) في حديث الإفك لما قام النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - خطيبا على المنبر يعتذر من رأس المنافقين عبد الله بن أبي ~~فقال: " «من يعذرني من رجل [قد] (4) بلغني أذاه في أهلي. والله ما علمت على ~~أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا» " (5) . فقام سعد ~~بن معاذ سيد الأوس، وهو الذي اهتز لموته عرش الرحمن، وهو الذي كان لا تأخذه ~~في الله لومة لائم، بل حكم في حلفائه من بني قريظة بأن يقتل مقاتلهم وتسبى ~~ذراريهم وتغنم أموالهم، حتى قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «لقد حكمت ~~فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة» " (6) . «فقال: يا رسول الله نحن نعذرك ~~منه. إن كان من إخواننا من PageV04P332 # الأوس (1) ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج (2) أمرتنا ففعلنا ~~فيه أمرك. فقام سعد بن عبادة فقال: كذبت لعمر الله، لا تقتله ولا تقدر على ~~قتله. فقام أسيد بن حضير، فقال: كذبت لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل ~~عن المنافقين. وكادت تثور فتنة بين الأوس والخزرج، حتى نزل النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - وخفضهم» (3) . # وهؤلاء الثلاثة من خيار السابقين الأولين، وقد قال أسيد بن حضير لسعد بن ~~عبادة: " إنك منافق تجادل عن المنافقين " وهذا مؤمن ولي لله من أهل الجنة، ~~وذاك مؤمن ولي لله (4) من أهل الجنة ; فدل على أن الرجل قد يكفر آخر (5) ~~بالتأويل، ولا يكون واحد منهما كافرا. PageV04P333 # وكذلك في الصحيحين حديث عتبان بن مالك «لما أتى النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - منزله في نفر من أصحابه، فقام يصلي وأصحابه يتحدثون بينهم، ثم ~~أسندوا عظم ذلك إلى مالك بن الدخشم (1) ، وودوا أن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - دعا عليه فيهلك، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته (2) ~~وقال: " أليس يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول ms0936 الله؟ " قالوا: [بلى] ~~وإنه يقول (3) ذلك، وما هو في قلبه. فقال: " لا يشهد أحد أن لا إله إلا ~~الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه» " (4) . # وإذا كان ذلك (5) فإذا ثبت أن شخصا من الصحابة: إما عائشة، وإما ~~PageV04P334 # عمار بن ياسر، وإما غيرهما: كفر آخر من الصحابة: عثمان أو غيره، * أو ~~أباح قتله على وجه التأويل - كان هذا من باب التأويل المذكور، ولم يقدح ذلك ~~في إيمان واحد منهما، ولا في كونه من أهل الجنة ; فإن عثمان وغيره * (1) ~~أفضل من حاطب بن أبي بلتعة، وعمر أفضل من عمار وعائشة وغيرهما، وذنب حاطب ~~أعظم (2) ، فإذا غفر لحاطب ذنبه، فالمغفرة لعثمان أولى، وإذا جاز أن يجتهد ~~مثل عمر وأسيد بن حضير في التكفير أو استحلال القتل، ولا يكون ذلك مطابقا، ~~فصدور مثل ذلك من عائشة (3) وعمار أولى. # ويقال: رابعا: [إن] (4) هذا المنقول عن عائشة من القدح في عثمان: إن كان ~~صحيحا فإما أن يكون صوابا أو خطأ، فإن كان صوابا لم يذكر في مساوئ عائشة، ~~وإن كان خطأ لم يذكر في مساوئ عثمان، والجمع بين نقص (5) عائشة وعثمان باطل ~~قطعا (6) . وأيضا فعائشة ظهر منها من التألم لقتل (7) عثمان، والذم لقتلته، ~~وطلب الانتقام منهم ما يقتضي الندم على ما ينافي ذلك، كما ظهر منها الندم ~~على مسيرها إلى الجمل ; فإن كان ندمها على ذلك يدل على فضيلة علي واعترافها ~~له بالحق، فكذلك هذا يدل على فضيلة عثمان واعترافها له بالحق، وإلا فلا. ~~PageV04P335 # وأيضا فما ظهر من عائشة وجمهور الصحابة وجمهور المسلمين من الملام لعلي ~~أعظم مما ظهر منهم من الملام لعثمان ; فإن كان هذا حجة في لوم عثمان فهو ~~حجة في لوم علي، وإن لم يكن حجة في لوم علي، فليس حجة في لوم عثمان (1) . ~~وإن كان المقصود بذلك القدح في عائشة لما لامت (2) عثمان وعليا، فعائشة في ~~ذلك مع جمهور الصحابة، لكن تختلف درجات الملام. # وإن كان المقصود القدح في الجميع: في عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، ~~وعائشة، واللائم والملوم. # قيل (3) : نحن لسنا ms0937 ندعي لواحد من هؤلاء العصمة من كل ذنب، بل ندعي أنهم ~~من أولياء الله المتقين، وحزبه المفلحين، وعباده الصالحين، وأنهم من سادات ~~أهل الجنة، ونقول: [إن] (4) الذنوب جائزة على من هو أفضل منهم من الصديقين، ~~ومن هو أكبر من الصديقين، ولكن الذنوب يرفع عقابها بالتوبة (5) والاستغفار ~~والحسنات الماحية والمصائب المكفرة، وغير ذلك، وهؤلاء لهم من التوبة ~~والاستغفار والحسنات ما ليس لمن هو دونهم، وابتلوا بمصائب يكفر الله بها ~~خطاياهم، لم يبتل بها من دونهم، فلهم من السعي المشكور والعمل المبرور ما ~~ليس لمن بعدهم، وهم بمغفرة الذنوب أحق من غيرهم ممن بعدهم. PageV04P336 # والكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل، لا بجهل وظلم، كحال أهل البدع ; ~~فإن الرافضة تعمد (1) إلى أقوام متقاربين (2) في الفضيلة، تريد أن تجعل (3) ~~أحدهم معصوما من الذنوب والخطايا، والآخر مأثوما فاسقا أو كافرا، فيظهر ~~جهلهم وتناقضهم، كاليهودي والنصراني إذا أراد أن يثبت نبوة موسى أو عيسى، ~~مع قدحه في نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - فإنه يظهر عجزه وجهله ~~وتناقضه، فإنه ما من طريق يثبت بها نبوة موسى وعيسى إلا وتثبت نبوة محمد - ~~صلى الله عليه وسلم - بمثلها أو بما هو أقوى منها، وما من (4) شبهة تعرض ~~على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا وتعرض في نبوة موسى وعيسى - ~~عليهما السلام - بما (5) هو مثلها أو أقوى منها، وكل من عمد إلى التفريق ~~بين المتماثلين، أو مدح الشيء وذم ما هو من جنسه، أو أولى بالمدح منه أو ~~بالعكس، أصابه مثل هذا التناقض والعجز والجهل. وهكذا أتباع العلماء ~~والمشايخ إذا أراد أحدهم أن يمدح متبوعه ويذم نظيره، أو يفضل أحدهم على ~~الآخر بمثل هذا الطريق. # فإذا قال العراقي: (6) أهل المدينة خالفوا السنة في كذا وكذا، وتركوا ~~الحديث الصحيح في كذا وكذا، واتبعوا الرأي في كذا وكذا، مثل أن يقول عمن ~~يقوله من أهل المدينة: إنهم لا يرون التلبية إلى رمي جمرة PageV04P337 # العقبة، ولا الطيب للمحرم قبل الإحرام ولا قبل التحلل الثاني، ولا السجود ~~في المفصل، ولا ms0938 الاستفتاح والتعوذ في الصلاة، ولا التسليمتين منها، ولا ~~تحريم كل ذي ناب من السباع، ولا كل ذي مخلب من الطير، وأنهم يستحلون الحشوش ~~ونحو ذلك، مع ما في هذه المسائل من النزاع بينهم. فيقول المدنيون: نحن أتبع ~~للسنة وأبعد عن مخالفتها وعن الرأي الخطأ من أهل العراق، الذين لا يرون [أن ~~كل مسكر حرام، ولا أن مياه الآبار لا تنجس بمجرد وقوع النجاسات، ولا يرون] ~~(1) صلاة الاستسقاء ولا صلاة الكسوف بركوعين (2) في كل ركعة، ولا يحرمون ~~حرم المدينة، ولا يحكمون بشاهد ويمين، ولا يبدءون (3) في القسامة بأيمان ~~المدعين، ولا يجتزءون (4) بطواف واحد وسعي واحد من القران، ويوجبون الزكاة ~~في الخضروات، ولا يجيزون الأحباس (5) ، ولا يبطلون نكاح الشغار، [ولا نكاح] ~~المحلل (6) ، ولا يجعلون الحكمين بين الزوجين إلا مجرد وكيلين (7) ، ولا ~~يجعلون الأعمال في العقود بالنيات، ويستحلون محارم الله تعالى بأدنى الحيل، ~~* فيسقطون الحقوق كالشفعة وغيرها بالحيل، ويحلون (8) المحرمات كالزنا ~~والميسر والسفاح بالحيل * (9) ، ويسقطون الزكاة PageV04P338 # بالحيل، ولا يعتبرون القصود (1) في العقد، ويعطلون (2) الحدود حتى لا ~~يمكن سياسة بلد برأيهم ; فلا يقطعون يد من يسرق الأطعمة والفاكهة وما أصله ~~الإباحة، ولا يحدون أحدا يشرب (3) الخمر حتى يقر أو تقوم عليه بينة (4) ، ~~ولا يحدونه إذا رئي يستقيها أو وجدت (5) رائحتها منه، وسنة رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - وخلفائه بخلاف ذلك، ولا يوجبون القود بالمثقل (6) ، ولا ~~يفعلون بالقاتل كما فعل بالمقتول، بل يكون (7) الظالم قد قطع يدي المظلوم ~~(8) ورجليه وبقر بطنه، فيكتفون بضرب (9) عنقه، ويقتلون الواحد من خيار ~~المسلمين بقتل واحد كافر ذمي، ويسوون بين دية المهاجرين والأنصار وديات ~~الكفار (10) من أهل الذمة، ويسقطون الحد عمن وطئ ذات محرمه كأمه وابنته ~~عالما بالتحريم لمجرد (11) صورة العقد، كما يسقطون بعقد الاستئجار (12) على ~~المنافع، ولا يجمعون بين PageV04P339 # الصلاتين إلا بعرفة ومزدلفة، ولا يستحبون التغليس بالفجر، ولا يستحبون ~~القراءة خلف الإمام في صلاة السر، ولا يوجبون تبييت نية الصوم (1) على من ~~علم أن غدا من رمضان، ولا يجوزون وقف المشاع ولا هبته ولا رهنه، ويحرمون ~~الضب والضبع ms0939 وغيرهما مما أحله (2) الله ورسوله، ويحللون المسكر (3) الذي ~~حرمه الله ورسوله، * ولا يرون أن وقت العصر يدخل إذا صار ظل كل شيء مثليه ~~(4) ، ويقولون: إن صلاة الفجر تبطل بطلوع الشمس، ولا يجيزون القرعة، ولا ~~يأخذون بحديث المصراة، ولا بحديث المشتري إذا أفلس، ويقولون: إن الجمعة ~~وغيرها تدرك بأقل من ركعة، ولا يجيزون القصر في مسيرة (5) يوم أو يومين، ~~ويجيزون تأخير [بعض] الصلوات (6) عن وقتها * (7) . # وكذلك بعض أتباع فقهاء (8) الحديث لو قال بعضهم (9) : إنا نحن أتبع، إنما ~~نتبع الحديث الصحيح (10) ، وأنتم تعلمون بالضعيف، فقال له الآخرون: نحن ~~أعلم بالحديث الصحيح [منكم] (11) وأتبع له [منكم] (12) PageV04P340 # ممن يروي عن الضعفاء ما يعتقد صحته، ويظن أنه ثبت عن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - ما لم يثبت عنه ; كما يظن ثبوت كون النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- كان (1) في السفر أحيانا يتم الصلاة، أو أنه كان (2) يقنت بعد الركوع في ~~الفجر حتى فارق الدنيا، أو أنه أحرم بالحج إحراما مطلقا: لم ينو تمتعا ولا ~~إفرادا ولا قرانا، أو أن مكة فتحت صلحا، وأن ما فعله عمر وعثمان وغيرهما من ~~ترك قسمة العقار ينقض، وينقض حكم الخلفاء الراشدين والصحابة كعمر وعثمان ~~وعلي وابن عمر وغيرهم في المفقود (3) ، ويحتج بحديث غير واحد من الضعفاء. # وأما نحن فقولنا: إن الحديث الضعيف خير من الرأي، ليس المراد به الضعيف ~~المتروك، لكن المراد به الحسن، كحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وحديث ~~إبراهيم الهجري، وأمثالهما ممن (4) يحسن الترمذي حديثه أو يصححه. وكان (5) ~~الحديث في اصطلاح ما قبل الترمذي: إما صحيحا وإما ضعيفا، والضعيف نوعان: ~~ضعيف متروك، وضعيف ليس بمتروك (6) ، فتكلم أئمة الحديث بذلك الاصطلاح، فجاء ~~من لم يعرف إلا اصطلاح (7) الترمذي ; فسمع قول بعض الأئمة (8) PageV04P341 # : الحديث الضعيف أحب إلي من القياس، فظن أنه يحتج بالحديث الذي يضعفه مثل ~~الترمذي، وأخذ يرجح طريقة من يرى أنه أتبع (1) للحديث الصحيح، وهو في ذلك ~~من المتناقضين الذين (2) يرجحون الشيء على ما هو أولى بالرجحان منه إن لم ~~يكن دونه. # وكذلك شيوخ ms0940 الزهد إذا أراد الرجل أن يقدح في بعض الشيوخ ويعظم آخر، ~~وأولئك (3) أولى بالتعظيم وأبعد عن القدح ; كمن يفضل أبا يزيد والشبلي ~~وغيرهما، ممن يحكى عنه نوع من الشطح، على مثل الجنيد وسهل بن عبد الله ~~التستري وغيرهما ممن هو أولى بالاستقامة وأعظم قدرا. # وذلك لأن هؤلاء من جهلهم يجعلون مجرد الدعوى العظيمة موجبة لتفضيل ~~المدعي، ولا يعلمون أن تلك غايتها أن تكون من الخطأ المغفور، لا من السعي ~~المشكور. وكل من لم يسلك سبيل العلم والعدل أصابه مثل هذا التناقض، ولكن ~~الإنسان كما قال الله تعالى: {وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا - ليعذب ~~الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين ~~والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما} [سورة الأحزاب: 72، 73] فهو ظالم جاهل ~~إلا من تاب الله عليه. PageV04P342 # وأما قوله (1) : " إنها سألت: من تولى الخلافة؟ فقالوا: علي. فخرجت ~~لقتاله على دم عثمان، فأي (2) ذنب كان لعلي في ذلك؟ ". # فيقال له: أولا: قول القائل (3) : إن عائشة وطلحة والزبير اتهموا عليا ~~بأنه قتل عثمان وقاتلوه على ذلك - كذب بين (4) ، بل إنما طلبوا القتلة ~~الذين كانوا تحيزوا إلى علي، وهم يعلمون أن براءة علي من دم عثمان كبراءتهم ~~وأعظم، لكن القتلة كانوا قد أووا إليه، فطلبوا قتل القتلة، ولكن كانوا ~~عاجزين عن ذلك هم وعلي، لأن القوم كانت لهم قبائل يذبون عنهم. # والفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن (5) دفع السفهاء، فصار الأكابر [- ~~رضي الله عنهم -] (6) عاجزين عن إطفاء الفتنة وكف أهلها. وهذا شأن الفتن ~~كما قال تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} [سورة ~~الأنفال: 25] . وإذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله. # وأيضا فقوله: " أي ذنب كان لعلي في قتله؟ (7) ". # تناقض منه ; فإنه يزعم أن عليا كان ممن (8) يستحل قتله [وقتاله] (9) ، ~~PageV04P343 # وممن ألب عليه وقام في ذلك، فإن عليا - رضي الله عنه - نسبه إلى قتل (1) ~~عثمان كثير من شيعته ومن شيعة (2) عثمان، هؤلاء لبغضهم لعثمان وهؤلاء ~~لبغضهم لعلي (3) ، وأما جماهير المسلمين (4) فيعلمون كذب الطائفتين على ms0941 ~~علي. # والرافضة تقول: إن عليا كان ممن يستحل قتل عثمان، بل وقتل أبي بكر وعمر، ~~وترى أن الإعانة على قتله من الطاعات والقربات. فكيف يقول من هذا اعتقاده: ~~أي ذنب كان لعلي على ذلك؟ وإنما يليق هذا التنزيه لعلي بأقوال أهل السنة، ~~لكن الرافضة من أعظم الناس تناقضا. # وأما قوله: " وكيف استجاز طلحة والزبير وغيرهما مطاوعتها على ذلك؟ وبأي ~~وجه يلقون رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ من أن الواحد منا لو تحدث مع ~~(5) امرأة غيره وأخرجها من منزلها وسافر بها (6) كان أشد الناس عداوة له ". # فيقال: هذا من تناقض الرافضة وجهلهم ; فإنهم يرمون عائشة PageV04P344 # بالعظائم، ثم منهم من يرميها بالفاحشة التي برأها الله منها، وأنزل (1) ~~القرآن في ذلك. # ثم إنهم لفرط جهلهم يدعون ذلك (2) في غيرها من نساء الأنبياء، فيزعمون ~~(3) أن امرأة نوح كانت بغيا، وأن الابن الذي دعاه نوح لم يكن منه وإنما كان ~~منها، وأن معنى قوله: {إنه عمل غير صالح} [سورة هود: 46] أن هذا الولد من ~~عمل غير صالح. ومنهم من يقرأ: {ونادى نوح ابنه} [سورة هود: 42] يريدون: ~~ابنها، ويحتجون بقوله: {إنه ليس من أهلك} [سورة هود: 46] ويتأولون قوله ~~تعالى: {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين ~~من عبادنا صالحين فخانتاهما} [سورة التحريم: 10] على أن امرأة نوح خانته في ~~فراشه (4) ، وأنها كانت قحبة (5) . # وضاهوا في ذلك المنافقين والفاسقين أهل الإفك الذين رموا عائشة بالإفك ~~والفاحشة ولم يتوبوا (6) ، وفيهم خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: " ~~«أيها الناس من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، والله ما علمت على أهلي ~~إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا، والله ما علمت عليه إلا خيرا» " (7) . # ومن المعلوم أنه من أعظم أنواع الأذى للإنسان أن يكذب على امرأته ~~PageV04P345 # رجل (1) ويقول إنها بغي ويجعل الزوج زوج قحبة (2) ، فإن هذا (3) من أعظم ~~ما يشتم به الناس بعضهم بعضا، حتى إنهم (4) يقولون [في المبالغة] (5) : ~~شتمه بالزاي والقاف (6) مبالغة في شتمه. # والرمي بالفاحشة - دون سائر المعاصي - جعل الله فيه حد ms0942 القذف، لأن الأذى ~~الذي يحصل به للمرمي لا يحصل مثله بغيره (7) ، فإنه لو رمي بالكفر أمكنه ~~تكذيب الرامي بما يظهره من الإسلام، بخلاف الرمي بالفاحشة ; فإنه لا يمكنه ~~تكذيب المفتري بما يضاد ذلك، فإن الفاحشة تخفى وتكتم مع تظاهر الإنسان ~~بخلاف ذلك، والله تعالى قد ذم من يحب إشاعتها في المؤمنين (8) ، لما في ~~إشاعتها من أذى الناس وظلمهم، ولما في ذلك من إغراء النفوس [بها] ، لما ~~فيها (9) من التشبه والاقتداء، فإذا رأى الإنسان أن غيره فعلها تشبه به، ~~ففي القذف بها من الظلم والفواحش ما ليس في القذف بغيرها، لأن النفوس ~~تشتهيها، بخلاف الكفر والقتل، ولأن إظهار الكفر والقتل فيه التحذير للنفوس ~~من PageV04P346 # مضرة ذلك، فمصلحة إظهار فعل فاعله في الجملة راجحة على مصلحة كتمان ذلك، ~~ولهذا يقبل فيه شاهدان، ويقام الحد فيه بإقراره مرة واحدة، بخلاف الفاحشة ; ~~فإنها لا تثبت إلا بأربعة شهداء بالاتفاق، ولا تثبت بالإقرار إلا بإقرار ~~(1) أربع مرات عند كثير من العلماء. # والرجل يتأذى برمي امرأته بالفاحشة (2) ، كما يتأذى بفعل امرأته للفاحشة، ~~ولهذا شرع له الشارع اللعان إذا قذف امرأته، وأن يدفع عنه (3) حد القذف ~~باللعان دون غيره ; فإنه إذا قذف محصنة لم يكن بد من إقامة الشهادة وإما ~~الحد (4) إن طلب ذلك المقذوف، ولهذا لو قذفت امرأة غير محصنة ولها زوج محصن ~~وجب حد القذف على القاذف في أحد قولي العلماء، وهو إحدى الروايتين عن أحمد. # فهذه الشواهد الشرعية والعرفية مما يبين أن تأذي الإنسان برمي (5) امرأته ~~بالفاحشة أعظم من تأذيه بإخراجها من منزلها (6) لمصلحة عامة يظنها المخرج، ~~مع أن طلحة والزبير لم يخرجاها من منزلها، بل لما قتل عثمان - رضي الله عنه ~~- كانت عائشة بمكة [ولم تكن بالمدينة] (7) ، ولم تشهد قتله، فذهب طلحة ~~والزبير فاجتمعا بها في مكة. PageV04P347 # وهؤلاء الرافضة يرمون أزواج الأنبياء: عائشة وامرأة نوح بالفاحشة ; ~~فيؤذون نبينا - صلى الله عليه وسلم - وغيره من الأنبياء من الأذى بما هو من ~~جنس أذى المنافقين المكذبين للرسل، ثم ينكرون على طلحة والزبير أخذهما ~~لعائشة معهما ms0943 لما سافرا معها من مكة إلى البصرة، ولم يكن في ذلك ريبة فاحشة ~~بوجه من الوجوه. فهل هؤلاء إلا من أعظم الناس جهلا وتناقضا؟ . # وأما أهل السنة فعندهم أنه ما بغت امرأة نبي قط، وأن ابن نوح كان ابنه. ~~كما قال تعالى وهو أصدق القائلين: {ونادى نوح ابنه} [سورة هود: 42] وكما ~~قال نوح: {يابني اركب معنا} [سورة هود: 42] وقال: {إن ابني من أهلي} [سورة ~~هود: 45] ، فالله ورسوله يقولان: إنه ابنه، وهؤلاء الكذابون المفترون ~~المؤذون للأنبياء يقولون: إنه ليس ابنه. والله تعالى لم يقل: إنه (1) ليس ~~ابنك، ولكن قال: {إنه ليس من أهلك} . # وهو سبحانه وتعالى قال: {قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من ~~سبق عليه القول} [سورة هود: 40] ثم قال: {ومن آمن} [سورة هود: 40] أي: ~~واحمل (2) من آمن، فلم يأمره بحمل أهله كلهم، بل استثنى من سبق عليه القول ~~[منهم] (3) ، وكان ابنه قد سبق عليه القول، ولم يكن نوح يعلم ذلك. فلذلك ~~قال: {رب إن ابني من أهلي} ظانا PageV04P348 # أنه دخل في جملة (1) من وعد بنجاتهم. [ولهذا قال من قال من العلماء: إنه ~~ليس من أهلك الذين وعدت بإنجائهم] (2) . وهو وإن كان من الأهل نسبا فليس هو ~~منهم دينا، والكفر قطع (3) الموالاة بين المؤمنين والكافرين، كما نقول: إن ~~أبا لهب ليس من آل محمد ولا من أهل بيته، وإن كان من أقاربه، فلا يدخل في ~~قولنا (4) : " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ". # وخيانة امرأة نوح لزوجها كانت في الدين ; فإنها كانت تقول: إنه مجنون. ~~وخيانة امرأة لوط أيضا كانت في الدين ; فإنها كانت تدل قومها على الأضياف، ~~وقومها كانوا يأتون الذكران، لم تكن معصيتهم الزنا بالنساء حتى يظن أنها ~~أتت فاحشة، بل كانت تعينهم على المعصية وترضى عملهم. # ثم من جهل الرافضة أنهم يعظمون أنساب الأنبياء: آباءهم وأبناءهم، ويقدحون ~~في أزواجهم ; كل ذلك عصبية واتباع هوى (5) حتى يعظمون فاطمة والحسن ~~والحسين، ويقدحون في عائشة [أم المؤمنين] (6) ، فيقولون - أو من يقول منهم ~~-: إن آزر أبا إبراهيم كان ms0944 مؤمنا، وإن أبوي النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~كانا مؤمنين، حتى لا يقولون: إن النبي يكون أبوه PageV04P349 # كافرا، فإذا كان (1) أبوه كافرا أمكن أن يكون ابنه كافرا، فلا يكون في ~~مجرد النسب فضيلة. # وهذا مما يدفعون به أن ابن نوح كان كافرا لكونه ابن نبي، فلا يجعلونه ~~كافرا مع كونه ابنه، ويقولون أيضا: إن أبا طالب كان مؤمنا. ومنهم من يقول: ~~كان اسمه عمران، وهو المذكور في قوله تعالى: {إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل ~~إبراهيم وآل عمران على العالمين} . [سورة آل عمران: 33] # وهذا الذي فعلوه مع ما فيه من الافتراء والبهتان ففيه (2) من التناقض ~~وعدم حصول مقصودهم ما لا يخفى. وذلك أن كون الرجل أبيه (3) أو ابنه كافرا ~~لا ينقصه [ذلك] (4) عند الله شيئا، فإن الله يخرج الحي من الميت ويخرج ~~الميت من الحي. # ومن المعلوم أن الصحابة أفضل من آبائهم، وكان آباؤهم كفارا، بخلاف من ~~كونه زوج بغي [قحبة] (5) ; فإن هذا من أعظم ما يذم به ويعاب ; لأن مضرة ذلك ~~تدخل عليه، بخلاف كفر أبيه أو ابنه. # وأيضا فلو كان المؤمن لا يلد إلا مؤمنا، لكان بنو آدم كلهم مؤمنين. وقد ~~قال تعالى: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من ~~PageV04P350 # أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين} ~~[سورة المائدة: 27] إلى آخر القصة. # وفي الصحيحين عن (1) النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «لا تقتل ~~نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول من سن القتل» " ~~(2) . # وأيضا فهم يقدحون في العباس عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي ~~تواتر إيمانه، ويمدحون أبا طالب الذي مات كافرا باتفاق أهل العلم، كما دلت ~~عليه (3) الأحاديث الصحيحة. ففي الصحيحين عن المسيب بن حزن قال: «لما حضرت ~~أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد عنده أبا جهل ~~وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة (4) ، فقال رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم -: " يا عم ms0945 قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله ". فقال أبو ~~جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - PageV04P351 # يعرضها عليه ويعود له (1) ، وفي رواية: ويعودان بتلك المقالة (2) ، حتى ~~قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله ~~إلا الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لأستغفرن لك ما لم أنه ~~عنك " فأنزل الله تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ~~ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} [سورة التوبة: ~~113] وأنزل في أبي طالب، فقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {إنك لا ~~تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} » (3) وأخرجه مسلم من حديث أبي ~~هريرة أيضا، وقال فيه: «قال أبو طالب: لولا أن تعيرني قريش يقولون: إنما ~~(4) حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك. فأنزل الله تعالى: {إنك لا تهدي ~~من أحببت} » (5) \ 441. . # وفي الصحيحين «عن العباس بن عبد المطلب، قال: قلت: يا رسول الله هل نفعت ~~أبا طالب بشيء، فإنه كان يحوطك وينصرك ويغضب لك؟ فقال: " نعم هو في ضحضاح ~~من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار» " (6) . PageV04P352 # وفي حديث أبي سعيد لما ذكر عنده، قال: " «لعله تنفعه شفاعتي، فيجعل في ~~ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منهما دماغه» " أخرجاه في الصحيحين (1) . # وأيضا فإن الله لم يثن على أحد بمجرد نسبه، بل إنما يثني عليه (2) ~~بإيمانه وتقواه، كما قال تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [سورة ~~الحجرات: 13] وإن كان: " «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة: خيارهم في ~~الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» " كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح (3) ~~. فالمعدن هو مظنة حصول المطلوب، فإن لم يحصل وإلا كان المعدن الناقص الذي ~~يحصل منه المطلوب خيرا منه. # [وأيضا] (4) من تناقضهم أنهم يعظمون عائشة في هذا المقام طعنا في ~~PageV04P353 # طلحة والزبير، ولا يعلمون أن هذا إن كان ms0946 متوجها، فالطعن في علي بذلك أوجه ~~; فإن طلحة والزبير كانا معظمين عائشة، موافقين لها، مؤتمرين بأمرها، وهما ~~وهي من أبعد الناس عن الفواحش والمعاونة عليها. فإن جاز لرافضي (1) أن يقدح ~~فيهما يقول (2) : " بأي وجه تلقون (3) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ~~مع أن الواحد منا لو تحدث مع (4) امرأة غيره حتى أخرجها من منزلها وسافر ~~بها " (5) ، مع أن ذلك إنما جعلها بمنزلة الملكة التي يأتمر (6) بأمرها ~~ويطيعها، ولم يكن إخراجها لمظان الفاحشة - كان لناصبي (7) أن يقول: بأي وجه ~~يلقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قاتل امرأته وسلط عليها أعوانه ~~حتى عقروا بها بعيرها، وسقطت من هودجها، وأعداؤها حولها يطوفون بها ~~كالمسبية التي أحاط بها من يقصد سباءها؟ ومعلوم أن هذا في مظنة الإهانة ~~لأهل الرجل وهتكها وسبائها (8) وتسليط (9) الأجانب على قهرها وإذلالها ~~وسبيها وامتهانها - أعظم من إخراجها [من منزلها] (10) بمنزلة الملكة ~~العظيمة المبجلة (11) التي لا يأتي PageV04P354 # إليها أحد إلا بإذنها، ولا يهتك أحد سترها، ولا ينظر في خدرها. # ولم يكن طلحة والزبير ولا غيرهما من الأجانب يحملونها، بل كان في العسكر ~~من محارمها، مثل عبد الله بن الزبير ابن أختها، وخلوة ابن الزبير بها (1) ~~ومسه لها جائز بالكتاب والسنة والإجماع. وكذلك سفر المرأة مع ذي محرمها ~~جائز بالكتاب والسنة والإجماع، وهي لم تسافر إلا مع ذي محرم منها (2) . ~~وأما العسكر الذين قاتلوها، فلولا أنه كان في العسكر محمد بن أبي بكر مد ~~يده إليها لمد يده إليها الأجانب، ولهذا دعت عائشة - رضي الله عنها - على ~~من مد يده إليها وقالت: يد من هذه؟ أحرقها الله بالنار. فقال: أي أخية (3) ~~في الدنيا قبل الآخرة. فقالت: في الدنيا قبل الآخرة. فأحرق بالنار بمصر (4) ~~. # ولو قال المشنع: أنتم تقولون: إن آل الحسين سبوا لما قتل الحسين ولم يفعل ~~بهم إلا من جنس ما فعل بعائشة حيث استولي عليها، وردت إلى بيتها، وأعطيت ~~نفقتها. وكذلك آل الحسين استولي عليهم، وردوا إلى أهليهم، وأعطوا نفقة (5) ~~، فإن كان هذا سببا واستحلالا للحرمة النبوية، فعائشة ms0947 قد سبيت واستحلت حرمة ~~رسول الله - صلى الله عليه PageV04P355 # وسلم -. وهم يشنعون ويزعمون أن بعض أهل الشام طلب أن يسترق (1) فاطمة بنت ~~الحسين، وأنها قالت: لا هالله (2) حتى تكفر (3) بديننا. وهذا إن كان وقع ~~فالذين طلبوا من علي - رضي الله عنه - أن يسبي (4) من قاتلهم من أهل الجمل ~~وصفين ويغنموا أموالهم، أعظم جرما من هؤلاء (5) ، وكان في ذلك لو سبوا ~~عائشة وغيرها. # ثم إن هؤلاء الذين طلبوا ذلك من علي كانوا متدينين به مصرين عليه، إلى أن ~~خرجوا على علي وقاتلهم على ذلك. وذلك الذي طلب استرقاق فاطمة بنت الحسين ~~واحد (6) مجهول لا شوكة له ولا حجة، ولا فعل هذا تدينا، ولما منعه سلطانه ~~من ذلك امتنع، فكان (7) المستحلون لدماء المؤمنين (8) وحرمهم وأموالهم ~~وحرمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عسكر علي أعظم منهم في بني ~~أمية، وهذا متفق عليه بين الناس ; فإن الخوارج الذين مرقوا من عسكر علي - ~~رضي الله عنه - هم شر من شرار عسكر معاوية - رضي الله عنه -. ولهذا أمر ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم وأجمع الصحابة والعلماء على قتالهم. # والرافضة أكذب منهم وأظلم وأجهل، وأقرب إلى الكفر والنفاق، [لكنهم] أعجز ~~(9) منهم وأذل، وكلا الطائفتين من عسكر علي. وبهذا PageV04P356 # وأمثاله ضعف علي وعجز عن مقاومة من كان بإزائه. # والمقصود هنا أن ما يذكرونه من القدح في طلحة والزبير ينقلب بما (1) هو ~~أعظم منه في حق علي. فإن أجابوا عن ذلك بأن عليا كان مجتهدا فيما فعل، وأنه ~~أولى بالحق من طلحة والزبير. # قيل: نعم، وطلحة (2) والزبير كانا مجتهدين، وعلي - وإن كان أفضل منهما - ~~لكن لم يبلغ فعلهما بعائشة - رضي الله عنها - ما بلغ فعل علي، فعلي (3) ~~أعظم قدرا منهما، ولكن إن كان فعل طلحة والزبير معها ذنبا، ففعل علي أعظم ~~ذنبا، فتقاوم (4) كبر القدر وعظم الذنب. # فإن قالوا: هما أحوجا عليا إلى ذلك (5) ، لأنهما أتيا بها، فما فعله علي ~~مضاف إليهما لا إلى علي. # قيل: وهكذا معاوية لما قيل له: قد قتل عمار (6) ، وقد قال ms0948 النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - " «تقتلك الفئة الباغية» " (7) قال: أو نحن قتلناه؟ إنما ~~قتله الذين جاءوا به حتى جعلوه تحت سيوفنا. فإن كانت هذه الحجة مردودة، ~~فحجة من احتج بأن طلحة والزبير هما (8) فعلا بعائشة ما جرى PageV04P357 # عليها من إهانة عسكر علي لها، واستيلائهم [عليها] (1) - مردودة أيضا. وإن ~~قبلت هذه الحجة قبلت حجة معاوية - رضي الله عنه -. # والرافضة وأمثالهم من أهل الجهل والظلم يحتجون بالحجة التي تستلزم فساد ~~قولهم وتناقضهم ; فإنه إن احتج بنظيرها [عليهم فسد قولهم المنقوض بنظيرها، ~~وإن لم يحتج بنظيرها] (2) بطلت هي في نفسها، لأنه لا بد من التسوية بين ~~المتماثلين، ولكن منتهاهم مجرد الهوى الذي لا علم معه، ومن أضل ممن اتبع ~~هواه بغير هدى من الله، إن الله لا يهدي القوم الظالمين. # وجماهير أهل السنة متفقون على أن عليا أفضل من طلحة والزبير، فضلا عن ~~معاوية وغيره. ويقولون: (3) إن المسلمين لما افترقوا في خلافته فطائفة ~~قاتلته وطائفة قاتلت (4) معه، كان هو وأصحابه أولى الطائفتين بالحق، كما ~~ثبت في الصحيحين (5) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «تمرق ~~مارقة على حين فرقة من المسلمين، يقتلهم أولى الطائفتين بالحق» " (6) . ~~هؤلاء هم الخوارج المارقون الذين مرقوا فقتلهم علي وأصحابه، فعلم أنهم ~~كانوا أولى بالحق من معاوية - رضي الله عنه - وأصحابه. لكن أهل السنة ~~يتكلمون بعلم وعدل، ويعطون كل ذي حق حقه. PageV04P358 # وأما قوله: " كيف أطاعها على ذلك عشرات ألوف من المسلمين (1) وساعدوها ~~(2) على حرب أمير المؤمنين، ولم ينصر أحد منهم بنت رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - لما طلبت حقها من أبي بكر - رضي الله عنه - ولا شخص واحد ~~[كلمه] (3) بكلمة واحدة ". # فيقال: أولا: هذا من أعظم الحجج عليك ; فإنه لا يشك عاقل أن القوم كانوا ~~يحبون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعظمونه ويعظمون قبيلته وبنته ~~أعظم مما يعظمون أبا بكر وعمر، ولو لم يكن هو رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم -. فكيف إذا كان [هو] (4) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي هو ~~أحب إليهم ms0949 من أنفسهم وأهليهم؟ ولا (5) يستريب عاقل أن العرب - قريشا وغير ~~قريش (6) - كانت تدين لبني عبد مناف وتعظمهم أعظم مما يعظمون بني تيم وعدي ~~(7) ، ولهذا لما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتولى أبو بكر، قيل ~~لأبي قحافة: مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال: حدث عظيم، فمن ~~ولي (8) بعده؟ قالوا: أبو بكر. PageV04P359 # قال: أو رضيت بنو عبد مناف (1) وبنو مخزوم؟ قالوا: نعم. قال: ذلك فضل ~~الله يؤتيه من يشاء، أو كما قال. # ولهذا جاء أبو سفيان إلى علي فقال: أرضيتم أن يكون هذا الأمر في بني تيم؟ ~~فقال: يا أبا سفيان إن أمر الإسلام ليس كأمر الجاهلية، أو كما قال. # فإذا كان المسلمون كلهم ليس فيهم من قال: إن فاطمة - رضي الله عنها - ~~مظلومة، ولا أن لها حقا عند أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ولا أنهما ~~ظلماها، ولا تكلم أحد في هذا بكلمة واحدة - دل ذلك على أن (2) القوم كانوا ~~يعلمون أنها ليست مظلومة، إذ لو علموا (3) أنها مظلومة لكان تركهم لنصرتها: ~~إما عجزا عن نصرتها، وإما إهمالا وإضاعة لحقها، وإما بغضا فيها، إذ الفعل ~~الذي يقدر عليه الإنسان إذا أراده إرادة جازمة فعله لا محالة، فإذا لم يرده ~~- مع قيام المقتضى لإرادته - فإما أن يكون جاهلا به، أو له معارض يمنعه من ~~إرادته، فلو كانت مظلومة مع شرفها وشرف قبيلتها وأقاربها، وأن أباها أفضل ~~الخلق وأحبهم إلى أمته، وهم يعلمون (4) أنها مظلومة - لكانوا إما عاجزين عن ~~نصرتهما (5) ، وإما أن يكون لهم معارض عارض إرادة النصر من بغضها (6) ، ~~وكلا الأمرين باطل ; فإن PageV04P360 # القوم ما كانوا كلهم عاجزين أن يتكلم واحد منهم بكلمة حق، وهم كانوا أقدر ~~(1) على تغيير ما هو أعظم من هذا. # وأبو بكر لم يكن ممتنعا من سماع كلام أحد منهم، ولا هو معروفا بالظلم ~~والجبروت. واتفاق هؤلاء كلهم، مع توفر (2) دواعيهم على بغض فاطمة، مع قيام ~~الأسباب الموجبة لمحبتها، مما يعلم بالضرورة امتناعه. وكذلك علي - رضي الله ~~عنه - لا سيما وجمهور قريش والأنصار والمسلمين ms0950 لم يكن (3) لعلي إلى أحد ~~منهم إساءة، لا في الجاهلية ولا في الإسلام، ولا قتل أحدا من أقاربهم، فإن ~~الذين قتلهم علي (4) لم يكونوا من أكبر القبائل، وما من أحد من الصحابة إلا ~~وقد قتل (5) أيضا. # وكان عمر - رضي الله عنه - أشد على الكفار وأكثر عداوة لهم من علي، ~~فكلامهم فيه وعداوتهم له (6) معروفة، ومع هذا تولى عليهم، فما مات (7) إلا ~~وكلهم يثني عليه خيرا، ويدعو له، ويتوجع لمصاب المسلمين به. # وهذا وغيره مما يبين أن الأمر على نقيض ما تقوله الرافضة من أكاذيبهم، ~~وأن القوم كانوا يعلمون أن فاطمة لم تكن مظلومة أصلا، فكيف ينتصر القوم ~~لعثمان حتى سفكوا دماءهم، ولا ينتصرون لمن هو PageV04P361 # أحب إليهم من عثمان، وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته؟ ! ~~وكيف يقاتلون مع معاوية (1) حتى سفكت دماؤهم معه، وقد اختلف عليه بنو عبد ~~مناف، ولا يقاتلون مع علي وبنو عبد مناف معه؟ فالعباس بن عبد المطلب أكبر ~~بني هاشم، وأبو سفيان بن حرب أكبر بني أمية، وكلاهما كانا يميلان إلى علي، ~~فلم لا قاتل الناس معه إذ ذاك، والأمر في أوله؟ والقتال (2) إذ ذاك لو كان ~~حقا كان مع علي أولى (3) ، وولاية علي أسهل ; فإنه لو عرض نفر قليل فقالوا: ~~الأمر لعلي، وهو الخليفة والوصي، ونحن لا نبايع إلا له، ولا نعصي رسول الله ~~- صلى الله عليه وسلم - ولا نظلم وصيه وأهل بيته، ولا نقدم الظالمين أو ~~المنافقين من آل تيم على بني هاشم، الذين هم خيرنا في الجاهلية والإسلام - ~~لكان القائل لهذا يستجيب له جمهور الناس، بل يستجيبون له إلا القليل، لا ~~سيما وأبو بكر ليس عنده رغبة ولا رهبة. # وهب أن عمر وطائفة معه كانوا يشذون معه (4) ، فليس هؤلاء أكثر ولا أعز من ~~الذين كانوا مع معاوية - رضي الله عنه - ومع طلحة والزبير - رضي الله عنهما ~~- ومع هذا فقد قاتلهم أعوان علي، مع كونهم دون السابقين الأولين في العلم ~~والدين، وفيهم قليل من السابقين [الأولين] (5) ، فهلا PageV04P362 # قاتلهم من هو أفضل ms0951 من هؤلاء؟ إذ كان إذ ذاك [علي] على الحق (1) ، وعدوه ~~على الباطل، مع أن وليه إذ ذاك أكثر وأعز وأعظم علما وإيمانا، وعدوه إذ ذاك ~~- إن كان عدوا - أذل وأعجز وأضعف علما وإيمانا وأقل عدوانا، فإنه لو كان ~~الحق كما تقوله الرافضة لكان أبو بكر وعمر والسابقون الأولون من شرار أهل ~~الأرض وأعظمهم جهلا وظلما، حيث عمدوا عقب موت نبيهم - صلى الله عليه وسلم - ~~فبدلوا وغيروا وظلموا الوصي، وفعلوا بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ما ~~لم تفعله اليهود والنصارى عقب موت موسى والمسيح (2) - عليهما الصلاة ~~والسلام - ; فإن اليهود والنصارى لم يفعلوا عقب موت أنبيائهم ما تقوله ~~الرافضة إن هؤلاء فعلوه عقب موت النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى قولهم ~~تكون هذه الأمة شر أمة أخرجت للناس، ويكون سابقوها شرارها. # وكل هذا مما يعلم بالاضطرار فساده من دين الإسلام، وهو مما يبين أن الذي ~~ابتدع مذهب الرافضة كان زنديقا ملحدا عدوا لدين الإسلام (3) وأهله، ولم يكن ~~من أهل البدع المتأولين كالخوارج والقدرية، وإن كان قول الرافضة راج بعد ~~ذلك على قوم فيهم إيمان لفرط جهلهم. # ومما يبين ذلك أن يقال: أي داع كان للقوم في أن ينصروا عائشة بنت أبي بكر ~~ويقاتلوا معها عليا كما ذكروا (4) ، ولا ينصرون فاطمة بنت رسول PageV04P363 # الله - صلى الله عليه وسلم - ويقاتلون معها ومع زوجها الوصي أبا بكر ~~وعمر؟ فإن كان [القوم] (1) الذين فعلوا هذا يحبون الرياسة ويكرهون إمارة ~~علي عليهم، كان (2) حبهم للرياسة يدعوهم إلى قتال أبي بكر بطريق الأولى ; ~~فإن (3) رياسة بيت (4) علي أحب إليهم من رياسة بيت (5) أبي بكر. # ولهذا قال صفوان بن أمية يوم حنين لما ولوا مدبرين، وقال بعض الطلقاء: لا ~~ينتهي فلهم دون البحر، وقال الآخر: بطل السحر، فقال صفوان: والله لأن يربني ~~رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من ثقيف (6) . وصفوان (7) رأس الطلقاء ~~- كان أن يربه (8) رجل من بني عبد مناف أحب إليه من أن يربه رجل من بني ~~تيم، فحب الرياسة إذا كان هو ms0952 الداعي كان يدعوهم إلى تقديم بني هاشم على بني ~~تيم باتفاق العقلاء، ولو لم يقدموا عليا لقدموا العباس ; فإن العباس كان ~~أقرب إلى موافقتهم (9) على المطالب الدنيوية من أبي بكر، فإن كانوا قد ~~أقدموا (10) على ظلم PageV04P364 # الوصي الهاشمي لئلا يحملهم على الحق الذي يكرهونه، كان تقديم (1) من يحصل ~~مطالبهم مع الرياسة الهاشمية - وهو العباس - أولى وأحرى من أبي بكر، الذي ~~لا يعينهم على مطالبهم كإعانة العباس، ويحملهم على الحق المر أكثر ما ~~يحملهم عليه علي، فلو كره من علي حق مر لكان ذلك من (2) أبي بكر أكره، ولو ~~أريد من أبي بكر دنيا حلوة لكان طلبها عند العباس وعلي أقرب، فعدولهم عن ~~علي وعن العباس وغيرهما إلى أبي بكر دليل على أن القوم وضعوا الحق في ~~نصابه، [وأقروه في إهابه] (3) ، وأتوا الأمر الأرشد من بابه (4) ، وأنهم ~~علموا أن الله ورسوله كانا يرضيان تقديم أبي بكر - رضي الله عنه -. # وهذا أمر كان معلوما لهم علما ظاهرا بينا لما رأوه وسمعوه من النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - مدة صحبتهم له، فعلموا من تفضيل النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - لأبي بكر بطول المشاهدة والتجربة (5) والسماع ما أوجب تقديمه ~~وطاعته. ولهذا قال عمر - رضي الله عنه -: " ليس فيكم (6) من تقطع إليه (7) ~~الأعناق مثل أبي بكر " (8) أراد أن فضيلته على غيره ظاهرة مكشوفة لا تحتاج ~~إلى بحث ونظر. PageV04P365 # ولهذا قال له بمحضر من المهاجرين والأنصار: " أنت خيرنا وسيدنا وأحبنا ~~إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (1) ، وهم يقرونه على ذلك، ولا ~~ينازعه منهم أحد، حتى إن المنازعين في الخلافة من الأنصار لم ينازعوا في ~~هذا، ولا قال أحد: بل علي أو غيره أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم ~~- أو خير منه أو أفضل (2) . # ومن المعلوم أنه يمتنع في العادة، لا سيما عادة الصحابة المتضمنة كمال ~~دينهم وقولهم بالحق (3) ، ألا يتكلم أحد منهم بالحق المتضمن تفضيل علي، بل ~~كلهم موافقون (4) على تفضيل أبي بكر من غير رغبة فيه (5) ولا رهبة (6) . ### | كلام الرافضي على عائشة ms0953 مع كلامه على معاوية والرد عليه # فصل (7) . # قال الرافضي (8) : " وسموها أم المؤمنين ولم يسموا غيرها بذلك (9) ، ولم ~~يسموا أخاها محمد بن أبي بكر (10) - مع عظم شأنه PageV04P366 # وقرب منزلته من أبيه وأخته عائشة أم المؤمنين - فلم يسموه (1) خال ~~المؤمنين، وسموا معاوية بن أبي سفيان خال المؤمنين، لأن أخته أم حبيبة بنت ~~أبي سفيان إحدى زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - (2) ، وأخت محمد بن أبي ~~بكر وأبوه أعظم (3) من أخت معاوية و [من] أبيها (4) ". # والجواب أن يقال: أما قوله: " إنهم سموا عائشة - رضي الله عنها - أم (5) ~~المؤمنين ولم يسموا غيرها بذلك ". # فهذا من البهتان الواضح الظاهر لكل أحد، وما أدري هل هذا (6) الرجل ~~وأمثاله يتعمدون الكذب، أم أعمى الله أبصارهم (7) لفرط هواهم، حتى خفي (8) ~~عليهم أن هذا كذب؟ وهم ينكرون على بعض النواصب أن الحسين لما قال لهم أما ~~تعلمون أني ابن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: والله ما ~~نعلم ذلك (9) . وهذا لا يقوله ولا يجحد PageV04P367 # نسب الحسين إلا متعمد للكذب (1) والافتراء، ومن أعمى الله بصيرته باتباع ~~هواه حتى يخفى (2) عليه مثل هذا؟ فإن عين الهوى عمياء. والرافضة أعظم جحدا ~~للحق تعمدا، وأعمى (3) من هؤلاء ; فإن منهم (4) - ومن المنتسبين إليهم - ~~كالنصيرية وغيرهم من يقول: إن الحسن والحسين ما كانا أولاد علي، بل أولاد ~~سلمان الفارسي. ومنهم من يقول: إن عليا لم يمت، وكذلك يقولون عن غيره. # ومنهم من يقول: إن أبا بكر وعمر ليسا مدفونين عند النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - ومنهم من يقول: إن رقية وأم كلثوم زوجتي عثمان ليستا بنتي النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - ولكن هما بنتا خديجة من غيره. ولهم في المكابرات وجحد ~~المعلومات بالضرورة أعظم مما (5) لأولئك النواصب الذين قتلوا الحسين. وهذا ~~مما يبين أنهم أكذب وأظلم وأجهل من قتلة الحسين. # وذلك أنه من المعلوم أن كل واحدة من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~يقال لها: " أم المؤمنين " عائشة، وحفصة، [وزينب بنت جحش] (6) ، وأم سلمة، ~~وسودة بنت زمعة، وميمونة بنت الحارث الهلالية ms0954، وجويرية بنت الحارث ~~المصطلقية، وصفية بنت حيي بن PageV04P368 # أخطب الهارونية، - رضي الله عنهن -. وقد قال الله تعالى: {النبي أولى ~~بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} [سورة الأحزاب: 6] وهذا أمر معلوم ~~للأمة علما عاما، وقد أجمع المسلمون على تحريم نكاح هؤلاء بعد موته على ~~غيره، وعلى وجوب احترامهن ; فهن أمهات المؤمنين في الحرمة والتحريم، ولسن ~~أمهات المؤمنين في المحرمية، فلا يجوز لغير أقاربهن الخلوة بهن، ولا السفر ~~بهن، كما يخلو الرجل ويسافر بذوات محارمه. # ولهذا أمرن بالحجاب، فقال الله تعالى: {ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ~~ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} ~~[سورة الأحزاب: 59] وقال تعالى: {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء ~~حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن ~~تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما} [سورة الأحزاب: ~~53] . # ولما كن بمنزلة الأمهات في حكم التحريم دون المحرمية تنازع العلماء في ~~إخوتهن: هل يقال لأحدهم خال المؤمنين؟ فقيل: يقال لأحدهم خال المؤمنين، ~~وعلى هذا فهذا الحكم لا يختص بمعاوية، بل يدخل في ذلك عبد الرحمن ومحمد ~~ولدا (1) أبي بكر، وعبد الله وعبيد الله وعاصم أولاد عمر، ويدخل في ذلك ~~عمرو بن الحارث بن أبي ضرار أخو جويرية بنت الحارث، ويدخل في ذلك عتبة بن ~~أبي سفيان ويزيد بن أبي سفيان أخوا معاوية. PageV04P369 # ومن علماء السنة من قال: لا يطلق على إخوة الأزواج أنهم أخوال المؤمنين ; ~~فإنه لو أطلق ذلك لأطلق على أخواتهن أنهن خالات المؤمنين. ولو كانوا أخوالا ~~وخالات لحرم على المؤمنين أن يتزوج أحدهم خالته (1) ، وحرم على المرأة أن ~~تتزوج خالها. # وقد ثبت بالنص والإجماع أنه يجوز للمؤمنين والمؤمنات أن يتزوجوا أخواتهن ~~وإخوتهن (2) ، كما تزوج العباس أم الفضل أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين ~~(3) ، وولد [له] منها (4) عبد الله والفضل وغيرهما، وكما تزوج عبد الله بن ~~عمر وعبيد الله ومعاوية وعبد الرحمن بن أبي بكر ومحمد بن أبي بكر من ~~تزوجوهن (5) من المؤمنات. ولو كانوا أخوالا ms0955 لهن لما جاز للمرأة أن تتزوج ~~خالها. # قالوا: وكذلك لا يطلق على أمهاتهن أنهن جدات المؤمنين، ولا على آبائهن ~~(6) أنهم أجداد المؤمنين، لأنه لم يثبت في حق الأمهات جميع أحكام النسب، ~~وإنما ثبت الحرمة والتحريم. وأحكام النسب تتبعض، كما يثبت بالرضاع (7) ~~التحريم والمحرمية، ولا يثبت بها سائر أحكام النسب، وهذا كله متفق عليه. # والذين أطلقوا على الواحد من أولئك أنه خال المؤمنين لم ينازعوا (8) ~~PageV04P370 # في هذه الأحكام، ولكن قصدوا بذلك الإطلاق أن لأحدهم مصاهرة مع النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - واشتهر ذكرهم لذلك عن معاوية - رضي الله عنه - كما ~~اشتهر أنه كاتب الوحي - وقد كتب الوحي غيره - وأنه رديف رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - وقد أردف غيره. # فهم لا يذكرون ما يذكرون من ذلك لاختصاصه به، بل يذكرون ما له من الاتصال ~~بالنبي - صلى الله عليه وسلم - كما يذكرون في فضائل غيره ما ليس من خصائصه. # كقوله - صلى الله عليه وسلم - لعلي - رضي الله عنه -: " «لأعطين الراية ~~رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» " (1) . وقوله: " «إنه لعهد النبي ~~الأمي إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق» " (2) . وقوله - ~~صلى الله عليه وسلم -: " «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، [إلا ~~أنه لا نبي بعدي] » " (3) . # فهذه الأمور ليست من خصائص علي، لكنها من فضائله ومناقبه التي تعرف بها ~~فضيلته، واشتهر رواية أهل السنة لها، ليدفعوا بها قدح من قدح في علي وجعلوه ~~كافرا أو ظالما، من الخوارج وغيرهم. PageV04P371 # ومعاوية أيضا لما كان له نصيب من الصحبة والاتصال برسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - وصار أقوام يجعلونه كافرا أو فاسقا، ويستحلون لعنته (1) ونحو ~~ذلك، احتاج أهل العلم أن يذكروا ما له من الاتصال برسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - ليرعى بذلك حق المتصلين برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~بحسب درجاتهم. # وهذا القدر لو اجتهد فيه الرجل وأخطأ، لكان خيرا ممن اجتهد في بغضهم ~~وأخطأ (2) ; فإن باب الإحسان إلى الناس والعفو عنهم مقدم على باب الإساءة ~~والانتقام ms0956، كما في الحديث: " «ادرءوا الحدود بالشبهات» " (3) . فإن الإمام ~~أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة. # وكذلك يعطي المجهول الذي يدعي الفقر من الصدقة، كما «أعطى النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - رجلين سألاه (4) ، فرآهما جلدين. فقال: " إن شئتما ~~أعطيتكما، ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب» " (5) 2/6. # . وهذا لأن PageV04P372 # إعطاء الغني خير من حرمان الفقير، والعفو عن المجرم خير من عقوبة البريء. # فإذا كان هذا في حق آحاد الناس، فالصحابة أولى (1) أن يسلك بهم هذا. فخطأ ~~المجتهد في الإحسان إليهم بالدعاء والثناء عليهم والذب [عنهم] (2) خير من ~~خطائه (3) في الإساءة إليهم باللعن والذم والطعن. وما شجر بينهم غايته أن ~~يكون ذنبا، والذنوب مغفورة بأسباب متعددة هم أحق بها ممن بعدهم. وما تجد ~~أحدا قدح فيهم إلا وهو يعظم من [هو] (4) دونهم، ولا تجد أحدا يعظم شيئا من ~~زلاتهم إلا وهو يغضي عما هو أكبر من ذلك من زلات غيرهم، وهذا من أعظم الجهل ~~والظلم. # وهؤلاء الرافضة يقدحون فيهم بالصغائر، وهم يغضون عن الكفر والكبائر فيمن ~~يعاونهم (5) من الكفار والمنافقين، كاليهود والنصارى والمشركين ~~والإسماعيلية والنصيرية وغيرهم، فمن ناقش المؤمنين على PageV04P373 # الذنوب، وهو لا يناقش الكفار والمنافقين على كفرهم ونفاقهم، بل وربما ~~يمدحهم ويعظمهم، دل (1) على أنه من أعظم الناس جهلا وظلما، إن لم ينته به ~~جهله وظلمه إلى الكفر والنفاق. # ومما يبين تناقضهم أنه ذكر معاوية ومحمد بن أبي بكر، وأنهم سموا هذا خال ~~المؤمنين، ولم يسموا هذا خال المؤمنين، ولم يذكر بقية من شاركهما (2) في ~~ذلك، وهم أفضل منهما، كعبد الله بن عمر بن الخطاب وأمثاله. وقد بينا أن أهل ~~السنة لا يخصون معاوية - رضي الله عنه - بذلك، وأما هؤلاء (3) الرافضة ~~فخصوا محمد بن أبي بكر بالمعارضة، وليس هو قريبا من عبد الله بن عمر في ~~عمله ودينه، بل ولا هو مثل أخيه عبد الرحمن، بل عبد الرحمن له صحبة وفضيلة، ~~ومحمد بن أبي بكر إنما ولد عام حجة الوداع بذي الحليفة، فأمر النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - أمه ms0957 أسماء بنت عميس أن تغتسل للإحرام وهي نفساء، وصار ذلك ~~سنة، ولم يدرك من حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا خمس ليال من ذي ~~القعدة، وذا الحجة والمحرم، وصفرا، وأوائل شهر ربيع الأول، ولا يبلغ ذلك ~~أربعة أشهر. ومات أبوه أبو بكر - رضي الله عنه - وعمره أقل من ثلاث سنوات ~~ولم يكن له صحبة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا قرب منزلة من أبيه، ~~إلا كما يكون لمثله من الأطفال، وتزوج علي بعد أبي بكر بأمه أسماء بنت ~~عميس، فكان ربيب علي، وكان اختصاصه بعلي لهذا السبب. PageV04P374 # ويقال: إنه أتى حدا فجلده عثمان عليه، فبقي في نفسه على عثمان، [لما كان ~~في نفسه من تشرفه (1) بأبيه أبي بكر، فلما قام أهل الفتنة على عثمان] (2) . ~~قالوا: إنه كان معهم، وإنه دخل عليه وأخذ بلحيته، وأن عثمان قال له: لقد ~~أخذت مأخذا عظيما (3) ما كان أبوك ليأخذه. ويقال: إنه رجع لما قال [له] (4) ~~ذلك، وأن الذي قتل عثمان كان غيره. # ثم إنه كان مع علي في حروبه، وولاه مصر، فقتل بمصر: قتله شيعة عثمان لما ~~كانوا يعلمون أنه كان من الخارجين عليه، وحرق في بطن حمار: قتله معاوية بن ~~حديج (5) . والرافضة تغلو في تعظيمه على عادتهم الفاسدة في أنهم يمدحون ~~رجال الفتنة الذين قاموا على عثمان، ويبالغون في مدح من قاتل مع علي، حتى ~~يفضلون محمد بن أبي بكر على أبيه أبي بكر، فيلعنون أفضل الأمة بعد نبيها، ~~ويمدحون ابنه الذي ليس له صحبة ولا سابقة ولا فضيلة، ويتناقضون في ذلك في ~~تعظيم PageV04P375 # الإنسان (1) ، فإن كان الرجل لا يضره كفر أبيه أو فسقه لم يضر نبينا ولا ~~إبراهيم ولا عليا كفر آبائهم، وإن ضره (2) لزمهم أن يقدحوا في محمد بن أبي ~~بكر بأبيه (3) ، وهم يعظمونه، وابنه القاسم بن محمد وابن ابنه عبد الرحمن ~~بن القاسم خير عند المسلمين منه، ولا يذكرونهما بخير (4) لكونهما ليسا من ~~رجال الفتنة. # وأما قوله: " وعظم شأنه ". # فإن أراد عظم نسبه، فالنسب لا حرمة له عندهم ms0958 (5) ، لقدحهم في أبيه وأخته. ~~وأما أهل السنة فإنما يعظمون بالتقوى، لا بمجرد النسب. قال تعالى: {إن ~~أكرمكم عند الله أتقاكم} [سورة الحجرات: 13] . # وإن أراد (6) عظم شأنه لسابقته (7) وهجرته [ونصرته] وجهاده (8) ، فهو ليس ~~من الصحابة: لا من المهاجرين ولا الأنصار (9) . وإن أراد (10) بعظم (11) ~~شأنه أنه كان من أعلم (12) الناس وأدينهم، فليس الأمر كذلك، وليس هو معدودا ~~PageV04P376 # من أعيان العلماء والصالحين الذين في طبقته. وإن أراد (1) بذلك شرفه في ~~المنزلة لكونه كان له جاه [ومنزلة] (2) ورياسة، فمعاوية كان أعظم جاها ~~ورياسة ومنزلة منه، بل معاوية خير منه وأعلم وأدين وأحلم وأكرم، فإن معاوية ~~[- رضي الله عنه -] (3) روى الحديث وتكلم في الفقه. وقد روى أهل الحديث ~~حديثه في الصحاح والمساند وغيرها (4) ، وذكر بعض العلماء بعض فتاويه (5) ~~وأقضيته. وأما محمد بن أبي بكر فليس له ذكر في الكتب المعتمدة في الحديث ~~والفقه. # وأما قوله: " وأخت محمد وأبوه أعظم من أخت معاوية وأبيها (6) ". # فيقال: هذه الحجة باطلة على الأصلين. وذلك أن أهل السنة لا يفضلون الرجل ~~إلا بنفسه، فلا ينفع محمدا قربه من أبي بكر وعائشة، ولا يضر معاوية أن يكون ~~ذلك أفضل نسبا [منه] (7) ، وهذا أصل معروف لأهل السنة، كما لم (8) يضر ~~السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين أنفقوا من قبل الفتح ~~وقاتلوا، كبلال وصهيب وخباب وأمثالهم، أن PageV04P377 # يكون من تأخر عنهم من الطلقاء وغيرهم، كأبي سفيان بن حرب وابنيه معاوية ~~ويزيد وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ~~وعقيل بن أبي طالب ونحوهم - أعظم نسبا منهم ; فإن هؤلاء من بني عبد مناف ~~أشرف بيتا، وأولئك ليس لهم نسب شريف، ولكن فضلوهم (1) بما فضل الله به من ~~أنفق من قبل الفتح وقاتل، على الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، فكيف على من ~~بعد هؤلاء؟ ! . # وأما الرافضة فهم إذا اعتبروا أ، م: فإنهم إذا اعتبروا ; ب: فإنهم إن ~~اعتبروا. # النسب لزمهم (2) أن يكون محمد بن أبي بكر عندهم شر الناس نسبا (3) ، لقبح ~~قولهم في أبيه وأخته. فعلى أصلهم لا يجوز ms0959 تفضيله بقربه منهما (4) ، وإن ~~ذكروا ذلك على طريق الإلزام لأهل السنة فهم يفضلون من فضله الله، حيث يقول: ~~{إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [سورة الحجرات: 13] . ### | مزاعم الرافضي عن معاوية رضي الله عنه والرد عليه # (فصل) ر، ص، ه: الفصل الثامن والعشرون. # قال الرافضي في (ك) ص 113 (م) . # : " مع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن معاوية الطليق ابن ~~الطليق، اللعين [ابن اللعين] (5) . # ، وقال: «إذا PageV04P378 # رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه» . وكان من المؤلفة قلوبهم، وقاتل عليا ~~وهو عندهم رابع الخلفاء، إمام حق، وكل من حارب إمام حق [فهو] باغ ظالم " ~~(1) .. # قال (2) . # : " وسبب ذلك محبة محمد بن أبي بكر لعلي - عليه السلام - (3) . # ، ومفارقته لأبيه، وبغض معاوية (4) . # لعلي ومحاربته له، وسموه كاتب الوحي ولم يكتب له كلمة واحدة من الوحي، بل ~~كان يكتب له رسائل (5) . # . وقد كان بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة عشر نفسا يكتبون ~~الوحي، أولهم وأخصهم (6) . # وأقربهم إليه علي بن أبي طالب [عليه السلام] (7) . # ، مع أن معاوية لم يزل مشركا بالله تعالى (8) . في مدة كون النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - مبعوثا يكذب بالوحي ويهزأ بالشرع (9) . # ". # والجواب: أن يقال: " أما ما ذكره من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن ~~PageV04P379 # معاوية وأمر بقتله إذا رؤي على المنبر، فهذا الحديث ليس في شيء من كتب ~~الإسلام التي يرجع إليها في علم النقل، وهو عند أهل المعرفة بالحديث كذب ~~موضوع مختلق على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا الرافضي الراوي [له] ~~(1) . # لم يذكر له إسنادا حتى ينظر فيه، وقد ذكره أبو الفرج بن الجوزي في ~~الموضوعات (2) . # ومما يبين كذبه أن منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صعد عليه بعد ~~معاوية من كان معاوية خيرا منه باتفاق المسلمين. فإن كان يجب قتل من صعد ~~عليه لمجرد الصعود على المنبر، وجب قتل هؤلاء كلهم. ثم هذا خلاف المعلوم ~~بالاضطرار من دين الإسلام، فإن (3) . # مجرد صعود المنبر لا يبيح قتل مسلم. وإن أمر (4) . # بقتله لكونه تولى الأمر (5) . # وهو لا يصلح، PageV04P380 # فيجب قتل ms0960 كل من تولى الأمر بعد معاوية ممن معاوية أفضل منه. وهذا خلاف ما ~~تواترت به السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من نهيه عن قتل ولاة ~~الأمور وقتالهم، كما تقدم بيانه. # ثم الأمة متفقة على خلاف هذا ; فإنها لم تقتل كل من تولى أمرها ولا ~~استحلت ذلك. ثم هذا يوجب من الفساد والهرج ما هو أعظم من ولاية كل ظالم، ~~فكيف يأمر (1) . # النبي - صلى الله عليه وسلم - بشيء يكون فعله أعظم فسادا من تركه؟ ! . # وأما قوله: " إنه الطليق ابن الطليق ". # فهذا ليس نعت ذم ; فإن الطلقاء هم مسلمة الفتح، [الذين أسلموا عام فتح ~~مكة] (2) # ، وأطلقهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانوا نحوا من ألفي رجل، وفيهم ~~من صار من خيار المسلمين، كالحارث بن هشام، وسهل بن عمرو (3) . # ، وصفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، ويزيد بن أبي سفيان، وحكيم بن ~~حزام، وأبي سفيان بن الحارث [بن عبد المطلب] (4) . # ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يهجوه ثم حسن إسلامه، ~~وعتاب بن أسيد الذي ولاه النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة لما فتحها (5) ~~". # ، وغير هؤلاء ممن حسن إسلامه. PageV04P381 # ومعاوية ممن حسن إسلامه باتفاق أهل العلم. ولهذا ولاه عمر بن الخطاب - ~~رضي الله عنه - موضع أخيه يزيد بن أبي سفيان لما مات أخوه يزيد بالشام، ~~وكان يزيد بن أبي سفيان من خيار الناس، وكان أحد الأمراء الذين بعثهم أبو ~~بكر وعمر لفتح الشام: يزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص، ~~مع أبي عبيدة بن الجراح، وخالد بن الوليد، فلما توفي يزيد بن أبي سفيان ولى ~~عمر مكانه أخاه معاوية (1) . # ، وعمر لم يكن تأخذه في الله لومة لائم، وليس هو ممن يحابي في الولاية، ~~ولا كان ممن يحب أبا سفيان أباه، بل كان من أعظم الناس عداوة لأبيه أبي ~~سفيان قبل الإسلام، حتى إنه لما جاء به العباس يوم فتح مكة كان عمر حريصا ~~على قتله، حتى جرى بينه وبين العباس نوع من المخاشنة بسبب بغض عمر ms0961 لأبي ~~سفيان. فتولية عمر لابنه معاوية ليس لها سبب دنيوي، ولولا استحقاقه للإمارة ~~لما أمره. # ثم إنه بقي في الشام عشرين سنة أميرا، وعشرين سنة خليفة، ورعيته من أشد ~~الناس محبة له وموافقة له (2) . # ، وهو من أعظم الناس إحسانا إليهم وتأليفا لقلوبهم، حتى إنهم (3) . # قاتلوا معه علي [بن أبي طالب] (4) . # وصابروا PageV04P382 # عسكره، حتى قاوموهم وغلبوهم (1) . # ، وعلي أفضل منه وأعلى درجة، وهو أولى بالحق منه باتفاق الناس، وعسكر ~~معاوية يعلمون أن عليا أفضل منه وأحق بالأمر (2) . # ، ولا ينكر ذلك [منهم] (3) . # إلا معاند أو من أعمى الهوى قلبه. # ولم يكن معاوية قبل تحكيم الحكمين يدعي الأمر لنفسه، ولا يتسمى بأمير ~~المؤمنين، بل إنما (4) . # ادعى [ذلك] (5) # بعد حكم الحكمين، وكان غير واحد من عسكر معاوية يقول له: لم ذا؟ تقاتل ~~عليا وليس لك سابقته ولا فضله (6) . # ولا صهره، وهو أولى بالأمر منك؟ فيعترف لهم معاوية بذلك. # لكن قاتلوا مع معاوية لظنهم أن عسكر علي فيه (7) . # ظلمة يعتدون عليهم كما اعتدوا على عثمان، وأنهم يقاتلونهم دفعا لصيالهم ~~عليهم (8) . # ، وقتال الصائل جائز، ولهذا لم يبدءوهم بالقتال حتى بدأهم أولئك. ولهذا ~~قال الأشتر النخعي: إنهم ينصرون علينا لأنا نحن بدأناهم بدأناهم: (9) # وعلي - رضي الله عنه - كان عاجزا عن قهر الظلمة من العسكرين، ولم ~~PageV04P383 # تكن أعوانه يوافقونه على ما يأمر به، وأعوان معاوية يوافقونه، وكان يرى ~~أن القتال يحصل به المطلوب، فما حصل به إلا ضد المطلوب، وكان في عسكر ~~معاوية من يتهم عليا بأشياء من الظلم هو بريء منها (1) . # ، وطالب الحق من عسكر معاوية يقول: لا يمكننا أن نبايع إلا من يعدل علينا ~~ولا يظلمنا، ونحن إذا بايعنا عليا ظلمنا عسكره، كما ظلم (2) . # عثمان. وعلي إما عاجز عن العدل علينا، أو غير فاعل لذلك، وليس علينا أن ~~نبايع عاجزا عن العدل علينا ولا تاركا له. فأئمة السنة يعلمون أنه ما كان ~~القتال مأمورا به: لا واجبا ولا مستحبا، ولكن يعذرون من اجتهد فأخطأ. # وأما قوله: " كان معاوية من المؤلفة قلوبهم ". # فنعم وأكثر الطلقاء كلهم (3) . # من المؤلفة ms0962 قلوبهم، كالحارث بن هشام، وابن أخيه عكرمة بن أبي جهل، وسهيل ~~بن عمرو، وصفوان بن أمية، وحكيم بن حزام، وهؤلاء من خيار المسلمين. ~~والمؤلفة قلوبهم غالبهم حسن إسلامه (4) . # ، وكان الرجل منهم يسلم أول النهار رغبة منه في الدنيا، فلا يجيء آخر ~~النهار إلا والإسلام أحب إليه مما طلعت عليه الشمس. # وأما قوله: " وقاتل عليا وهو عندهم رابع الخلفاء إمام حق، وكل من قاتل ~~إمام حق فهو باغ ظالم ". PageV04P384 # فيقال له: أولا: الباغي قد يكون متأولا معتقدا أنه على حق، وقد يكون ~~متعمدا يعلم أنه باغ، وقد يكون بغيه مركبا (1) . # من شبهة وشهوة (2) . # ، وهو الغالب. وعلى كل تقدير فهذا لا يقدح فيما عليه أهل السنة ; فإنهم ~~لا ينزهون معاوية ولا من هو أفضل منه من الذنوب، فضلا عن تنزيههم عن الخطأ ~~في الاجتهاد، بل يقولون: إن الذنوب لها أسباب تدفع عقوبتها من التوبة ~~والاستغفار، والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة، وغير ذلك. وهذا أمر يعم ~~الصحابة وغيرهم. والحكاية المعروفة (3) . # عن المسور بن مخرمة، وكان من خيار صغار الصحابة، لما أتى معاوية، وخلا ~~به، وطلب منه أن يخبره (4) . # بجميع ما ينقمه عليه (5) # ، فذكر له المسور جميع ما ينقمه عليه (6) . # . فقال: ومع هذا يا مسور ألك سيئات؟ قال: نعم. قال: أترجو أن يغفرها ~~الله؟ قال: نعم. قال: فما جعلك أرجى لرحمة الله مني (7) . # ؟ وإني مع ذلك والله ما خيرت بين الله وبين غيره إلا اخترت الله على ~~غيره، ووالله لما أليه (8) . # من الجهاد وإقامة الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أفضل من عملك، ~~وأنا PageV04P385 # على دين يقبل من أهله (1) . # الحسنات، ويتجاوز لهم عن السيئات، فما جعلك أرجى لرحمة الله مني؟ قال (2) ~~. # المسور [بن مخرمة] (3) . # : فخصمني. أو كما قال. # ويقال لهم: ثانيا: أما أهل السنة فأصلهم مستقيم مطرد في هذا الباب. وأما ~~أنتم فمتناقضون. وذلك أن النواصب - من الخوارج وغيرهم - الذين يكفرون عليا ~~أو يفسقونه أو يشكون في عدالته من المعتزلة والمروانية وغيرهم، لو قالوا ~~لكم: ما الدليل على إيمان علي وإمامته وعدله؟ لم يكن لكم ms0963 حجة ; فإنكم إن ~~احتججتم بما تواتر من إسلامه وعبادته، قالوا لكم: وهذا متواتر عن الصحابة، ~~والتابعين، والخلفاء الثلاثة، وخلفاء بني أمية كمعاوية ويزيد وعبد الملك ~~وغيرهم، وأنتم تقدحون في إيمانهم، فليس قدحنا في إيمان علي وغيره إلا وقد ~~حكم في إيمان هؤلاء أعظم، والذين تقدحون أنتم فيهم أعظم من الذين نقدح نحن ~~فيهم، وإن احتججتم بما في القرآن من الثناء والمدح. قالوا: آيات القرآن ~~عامة تتناول أبا بكر (4) . # وعمر وعثمان وغيرهم مثل ما تتناول عليا أو أعظم من ذلك. وأنتم [قد] (5) . # أخرجتم هؤلاء من المدح والثناء فإخراجنا عليا أيسر. وإن قلتم بما جاء عن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضائله: قالوا: هذه الفضائل روتها الصحابة ~~الذين رووا فضائل أولئك، PageV04P386 # فإن كانوا عدولا فاقبلوا الجميع، وإن كانوا فساقا فإن جاءكم فاسق بنبأ ~~فتبينوا، وليس لأحد أن يقول في الشهود: إنهم إن شهدوا لي كانوا عدولا، وإن ~~شهدوا علي كانوا فساقا، أو: إن شهدوا بمدح من أحببته كانوا عدولا، وإن ~~شهدوا بمدح من أبغضته ص: من أبغضه. # كانوا فساقا. # وأما إمامة علي فهؤلاء ينازعونكم في إمامته هم وغيرهم. فإن احتججتم عليهم ~~بالنص الذي تدعونه، كان احتجاجهم بالنصوص التي يدعونها لأبي بكر - بل ~~العباس (1) . # - معارضا لذلك، ولا ريب عند كل من يعرف الحديث أن تلك أولى بالقبول ~~والتصديق. وكذلك يستدل على تصديقها بدلالات كثيرة يعلمها من ليس من علماء ~~أهل الحديث. وإن احتججتم بمبايعة الناس له. قالوا: من المعلوم أن الناس ~~اجتمعوا على بيعة (2) . # أبي بكر وعمر وعثمان أعظم مما اجتمعوا على بيعة (3) . # علي، وأنتم قد قدحتم في تلك البيعة، فالقدح في هذه أيسر، فلا تحتجون على ~~إمامة علي (4) . # بنص ولا إجماع إلا كان مع أولئك من النص والإجماع ما هو أقوى من حجتكم، ~~فيكون إثبات خلافة من قدحتم في خلافته أولى من إثبات خلافة من أثبتم (5) . # خلافته. # وهذا لا يرد على أهل السنة ; فإنهم يثبتون خلافة الخلفاء كلهم، ~~PageV04P387 # ويستدلون على صحة خلافتهم بالنصوص الدالة عليه، ويقولون: إنها انعقدت ~~بمبايعة أهل الشوكة ms0964 لهم، وعلي بايعه أهل الشوكة، وإن كانوا لم يجتمعوا عليه ~~كما اجتمعوا على من قبله، لكن لا ريب أنه كان له سلطان وقوة بمبايعة أهل ~~الشوكة له، وقد دل النص على أن خلافته (1) . # خلافة نبوة. # وأما تخلف من تخلف عن مبايعته، فعذرهم في ذلك أظهر من عذر سعد بن عبادة ~~وغيره لما تخلفوا عن بيعة أبي بكر، وإن كان لم يستقر تخلف أحد إلا سعد ~~وحده. وأما علي وغيره فبايعوا الصديق بلا خلاف بين الناس. لكن قيل: إنهم ~~(2) . # تأخروا عن مبايعته (3) . # ستة أشهر، ثم بايعوه. # وهم يقولون للشيعة: علي إما أن يكون تخلف أولا عن بيعة أبي بكر، ثم بايعه ~~بعد ستة أشهر، كما تقول ذلك طائفة من أهل السنة مع الشيعة. وإما أن يكون ~~بايعه أول يوم، كما يقول ذلك طائفة أخرى. فإن كان الثاني بطل قول الشيعة: ~~إنه تخلف عن بيعته، وثبت أنه كان من أول السابقين إلى بيعته. وإن كان ~~الأول، فعذر من تخلف عن بيعة علي أظهر من عذر من تخلف عن بيعة أبي بكر؛ لأن ~~النص والإجماع المثبتين لخلافة أبي بكر، ليس في خلافة علي مثلها (4) . # ، فإنه ليس في الصحيحين ما يدل على خلافته، وإنما روى ذلك أهل السنن. ~~PageV04P388 # وقد طعن بعض أهل الحديث في حديث سفينة (1) . # . وأما الإجماع فقد تخلف عن بيعته والقتال معه نصف الأمة، أو أقل أو ~~أكثر. # والنصوص الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تقتضي أن ترك القتال ~~كان خيرا للطائفتين، وأن القعود عن القتال كان خيرا من القيام فيه، وأن ~~عليا، مع كونه أولى بالحق من معاوية (2 وأقرب إلى الحق عن معاوية 2) (2 - ~~2) : (2) .، لو ترك القتال لكان أفضل وأصلح وخيرا. # وأهل السنة و: السنن. يترحمون على الجميع، ويستغفرون لهم، كما أمرهم الله ~~تعالى بقوله: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين ~~سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم} . # وأما الرافضي فإذا قدح في معاوية - رضي الله عنه - بأنه كان باغيا ظالما ms0965، ~~قال له الناصبي: وعلي أيضا كان باغيا ظالما لما قاتل المسلمين على إمارته، ~~وبدأهم بالقتال، وصال عليهم، وسفك دماء الأمة بغير فائدة لهم (3) . # : لا في دينهم ولا في دنياهم، وكان السيف في خلافته مسلولا على أهل ~~الملة، مكفوفا عن الكفار. # والقادحون في علي طوائف: طائفة تقدح فيه وفيمن قاتله جميعا. وطائفة تقول: ~~فسق (4) . # أحدهما لا بعينه، كما يقول ذلك عمرو بن عبيد PageV04P389 # وغيره من شيوخ المعتزلة، ويقولون في أهل الجمل: فسق إحدى الطائفتين لا ~~بعينها، وهؤلاء يفسقون معاوية. وطائفة تقول (1) . # : هو الظالم دون معاوية، كما يقول [ذلك] المروانية (2) . # . وطائفة تقول (3) . # : كان في أول الأمر مصيبا (4) . # ، فلما حكم الحكمين كفر وارتد [عن الإسلام] (5) . # ومات كافرا. وهؤلاء هم الخوارج. # فالخوارج والمروانية وكثير من المعتزلة وغيرهم يقدحون في علي - رضي الله ~~عنه -. وكلهم مخطئون في ذلك ضالون مبتدعون. وخطأ الشيعة في القدح في أبي ~~بكر وعمر أعظم من خطأ أولئك. فإن قال الذاب (6) . # عن علي: (* هؤلاء الذين قاتلهم علي كانوا بغاة، فقد ثبت في الصحيح أن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمار بن ياسر - رضي الله عنه -: " ~~«تقتلك الفئة الباغية» " (7) . # وهم قتلوا عمارا. فههنا للناس أقوال: منهم من قدح (8) . # في حديث عمار، ومنهم من تأوله على أن الباغي الطالب، وهو تأويل ضعيف. ~~وأما السلف والأئمة فيقول أكثرهم - كأبي حنيفة PageV04P390 # ومالك وأحمد وغيرهم: لم يوجد شرط قتال الطائفة الباغية ; فإن الله لم ~~يأمر بقتالها ابتداء، بل أمر إذا اقتتلت طائفتان أن يصلح بينهما، ثم إن بغت ~~إحداهما على الأخرى قوتلت التي تبغي. وهؤلاء قوتلوا ابتداء قبل أن يبدءوا ~~بقتال. [ومذهب أبي حنيفة وأحمد وغيرهما أن مانعي الزكاة إذا قالوا: نحن (1) ~~. # نؤديها بأنفسنا ولا ندفعها إلى الإمام، لم يكن له قتالهم،] (2) . # ولهذا كان هذا القتال عند أحمد وغيره - كمالك - قتال فتنة. وأبو حنيفة ~~يقول: لا يجوز قتال البغاة حتى يبدءوا بقتال الإمام. وهؤلاء لم يبدءوه (3) ~~. # [بل الخوارج بدءوا به] (4) . # . وأما قتال الخوارج فهو ثابت بالنص (5) . # والإجماع. # فإن قال الذاب (6) . # عن علي *) (7) . كان [علي] (8) . # مجتهدا ms0966 في ذلك. قال له منازعه: ومعاوية كان مجتهدا [في ذلك. فإن قال: كان ~~مجتهدا مصيبا، ففي الناس من يقول له: ومعاوية كان مجتهدا] (9) . مصيبا ~~أيضا، (10) . # بناء على أن كل مجتهد مصيب. وهو قول الأشعري. ومنهم من يقول: PageV04P391 # بل معاوية مجتهد مخطئ، وخطأ المجتهد مغفور. ومنهم من يقول: بل المصيب ~~أحدهما لا بعينه. [ومن الفقهاء (1) . # من يقول: كلاهما كان مجتهدا، لكن علي كان مجتهدا (2) . # مصيبا، ومعاوية كان مجتهدا مخطئا. والمصيب (3) . # له أجران، والمخطئ له أجر. ومنهم من يقول: بل كلاهما مجتهد مصيب (4) . # (5 بناء على قولهم كل مجتهد مصيب 5) (5 - 5) : (5) ، وهو قول الأشعري ~~وكثير من أصحابه، وطائفة من أصحاب (6) . # أحمد وغيره، ومنهم من يقول (7) . # : المصيب واحد لا بعينه. # وهذه الأقوال ذكرها أبو عبد الله بن حامد عن أصحاب الإمام أحمد (8) . # ، لكن المنصوص عنه نفسه وعن أمثاله من الأئمة أن ترك القتال كان خيرا من ~~فعله، وأنه قتال فتنة. # ولهذا كان عمران بن حصين - رضي الله عنه - ينهى (9) # عن بيع السلاح فيه، ويقول ر، ص: عن بيع السلاح ويقول ; أ: عن بيع السلاح، ~~وفيه يقول. # : لا يباع السلاح في الفتنة. وهذا قول سعد بن أبي وقاص PageV04P392 # - رضي الله عنه -، ومحمد بن مسلمة (1) . # ، وابن عمر، وأسامة بن زيد - رضي الله عنهم -، وأكثر من كان بقي (2) . . # من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وهو قول أكثر أئمة الفقه ~~والحديث. # وقالت الكرامية: بل كلاهما إمام مصيب، ويجوز عقد البيعة (3) . # لإمامين للحاجة] (4) . # ، ومن نازعه في أنه كان إمام حق لم يمكن الرافضي أن يحتج (5) . # على إمامته بحجة إلا نقضها ذلك المعارض، ومن سلم له أنه كان إمام حق كأهل ~~السنة فإنه يقول: الإمام الحق ليس معصوما، ولا يجب على الإنسان أن يقاتل ~~معه كل من خرج عن طاعته، ولا يطيعه الإنسان فيما يعلم أنه معصية لله، أو أن ~~تركه خير من فعله. # والصحابة الذين لم يقاتلوا معه كانوا يعتقدون أن ترك القتال خير من ~~القتال، أو أنه معصية، فلم يجب عليهم موافقته في ذلك. # والذين قاتلوه لا يخلو: إما ms0967 أن يكونوا عصاة، أو مجتهدين مخطئين، أو ~~مصيبين. وعلى كل تقدير فهذا لا يقدح في إيمانهم ولا يمنعهم الجنة. # فإن الله تعالى قال: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ~~فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن ~~فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب PageV04P393 # المقسطين} ، {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ~~ترحمون} ، فسماهم إخوة ووصفهم بأنهم مؤمنون، مع وجود الاقتتال بينهم، ~~والبغي من بعضهم على بعض. # فمن قاتل عليا: فإن (1) . # كان باغيا فليس ذلك بمخرجه من (2) . # الإيمان، ولا بموجب (3) له النيران، ولا مانع له من الجنان ; فإن البغي ~~إذا كان بتأويل (4) . # كان صاحبه مجتهدا. # ولهذا اتفق أهل السنة على أنه لا تفسق واحدة من الطائفتين، وإن قالوا في ~~إحداهما: إنهم كانوا بغاة؛ لأنهم كانوا متأولين مجتهدين، والمجتهد المخطئ ~~لا يكفر ولا يفسق، وإن تعمد البغي فهو ذنب من الذنوب، والذنوب يرفع عقابها ~~بأسباب متعددة: كالتوبة، والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة، وشفاعة النبي ~~- صلى الله عليه وسلم -، ودعاء المؤمنين وغير ذلك. # وأما قوله: " إن سبب ذلك محبة محمد بن أبي بكر لعلي، ومفارقته لأبيه ". # فكذب بين. وذلك أن محمد بن أبي بكر في حياة أبيه لم يكن إلا طفلا له أقل ~~من ثلاث سنين، وبعد موت أبيه كان من أشد الناس تعظيما لأبيه، وبه كان ~~يتشرف، وكانت له بذلك حرمة عند الناس. PageV04P394 # وأما قوله: " إن سبب قولهم لمعاوية: إنه خال المؤمنين دون محمد، أن محمدا ~~هذا كان يحب عليا، ومعاوية كان يبغضه ". # فيقال: هذا كذب أيضا ; فإن [عبد الله] بن عمر [كان] أحق (1) بهذا المعنى ~~من هذا وهذا، وهو لم يقاتل لا مع هذا، ولا مع هذا، وكان معظما لعلي، محبا ~~له، يذكر فضائله ومناقبه، وكان مبايعا لمعاوية لما اجتمع عليه الناس غير ~~خارج عليه، وأخته أفضل من أخت معاوية، وأبوه أفضل من أبي معاوية، والناس ~~أكثر محبة وتعظيما له من معاوية ومحمد، ومع هذا فلم يشتهر عنه أنه خال ~~المؤمنين ms0968. فعلم أنه ليس سبب ذلك ما ذكره. # وأيضا فأهل السنة يحبون الذين لم يقاتلوا عليا أعظم مما يحبون من قاتله، ~~ويفضلون من لم يقاتله على من قاتله، كسعد بن أبي وقاص، وأسامة بن زيد، ~~ومحمد بن مسلمة (2) . # ، وعبد الله بن عمر - رضي الله عنهم -. فهؤلاء أفضل من الذين قاتلوا عليا ~~عند أهل السنة. والحب لعلي وترك قتاله (3) . # خير بإجماع أهل السنة من بغضه وقتاله. وهم متفقون على وجوب موالاته ~~ومحبته، وهم من أشد الناس ذبا عنه، وردا على من يطعن عليه من الخوارج ~~وغيرهم من النواصب، لكن لكل مقام مقال. # والرافضة لا يمكنهم أن يثبتوا وجوب موالاته كما يمكن أهل السنة. وأهل ~~السنة متفقون على ذم الخوارج الذين هم أشد بغضا له وعداوة من غيرهم. وأهل ~~السنة متفقون على وجوب قتالهم، فكيف يفتري المفتري PageV04P395 # عليهم بأن قدح هذا لبغضه عليا وذم هذا لحبه عليا (1) . # ، مع أنه ليس من أهل السنة من يجعل بغض علي طاعة ولا حسنة، ولا يأمر ~~بذلك، ولا من يجعل مجرد حبه سيئة ولا معصية، ولا ينهى عن ذلك. # وكتب أهل السنة من جميع الطوائف مملوءة بذكر فضائله ومناقبه، وبذم الذين ~~يظلمونه من جميع الفرق، وهم ينكرون على من سبه، وكارهون لذلك. وما جرى من ~~التساب والتلاعن بين العسكرين، من جنس ما جرى من القتال. وأهل السنة من أشد ~~(2) . # الناس بغضا وكراهة لأن يتعرض له بقتال أو سب، بل هم كلهم متفقون على أنه ~~أجل قدرا، وأحق بالإمامة، وأفضل عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين من ~~معاوية وأبيه وأخيه الذي كان خيرا منه، وعلي أفضل ممن هو أفضل من معاوية - ~~رضي الله عنه -، فالسابقون الأولون الذين بايعوا تحت الشجرة كلهم أفضل من ~~الذين أسلموا عام الفتح، وفي هؤلاء خلق كثير أفضل من معاوية، وأهل الشجرة ~~أفضل من هؤلاء كلهم، وعلي أفضل جمهور ن (3) . # الذين بايعوا تحت الشجرة، [بل] (4) . # هو أفضل منهم كلهم إلا الثلاثة، فليس في أهل السنة من يقدم عليه [أحدا] ~~(5) . # غير الثلاثة، بل يفضلونه على ms0969 جمهور أهل بدر وأهل بيعة الرضوان، وعلى ~~السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار. PageV04P396 # وما في أهل السنة من يقول: إن طلحة والزبير وسعدا وعبد الرحمن بن عوف ~~أفضل منه، بل غاية ما قد (1) . # يقولون السكوت عن التفضيل بين أهل الشورى، وهؤلاء أهل الشورى عندهم أفضل ~~السابقين الأولين، والسابقون [الأولون] (2) . # أفضل من الذين أنفقوا من بعد الفتح وقاتلوا، وهم على أصح القولين الذين ~~بايعوا تحت الشجرة عام الحديبية، وقيل: من صلى [إلى] (3) . # القبلتين، وليس بشيء. # وممن أسلم بعد الحديبية خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وشيبة الحجبي ~~(4) ". # وغيرهم. وأما سهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، وأبو سفيان بن حرب، ~~وابناه يزيد ومعاوية، وصفوان بن أمية، وغيرهم، فهؤلاء مسلمة الفتح. ومن ~~الناس من يقول: إن معاوية - رضي الله عنه - أسلم قبل أبيه، فيجعلونه من ~~الصنف الأول. # وقد ثبت في الصحيح أنه كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف كلام، ~~فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «يا خالد لا تسبوا أصحابي، فلو أن ~~أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك (5) . # مد أحدهم ولا نصيفه» " (6) \ 21. # فنهى خالدا ونحوه، ممن أنفق من بعد الفتح وقاتل، أن PageV04P397 # يتعرضوا (1) . # للذين صحبوه قبل ذلك، وهم الذين أنفقوا من من: ساقطة (2) . # قبل الفتح وقاتلوا، وبين أن الواحد من هؤلاء لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ ~~مد أحدهم ولا نصيفه. # فإذا كان [هذا] نهيه (3) . # لخالد [بن الوليد] (4)) . # وأمثاله من مسلمة الحديبية، فكيف مسلمة (5) . # الفتح الذين لم يسلموا إلا بعد فتح مكة؟ مع أن أولئك كانوا مهاجرين ; فإن ~~خالدا وعمرا ونحوهما ممن أسلم بعد الحديبية، وقبل فتح مكة، وهاجر إلى ~~المدينة، هو (6) . # من المهاجرين. وأما الذين أسلموا بعد فتح مكة فلا هجرة لهم ; فإن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - قال: " «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا ~~استنفرتم فانفروا» " رواه البخاري (7) .. # ولهذا كان إذا أتي بالواحد من هؤلاء ليبايعه بايعه على الإسلام ولا ~~يبايعه على الهجرة. ومن هؤلاء أكثر بني هاشم، كعقيل بن أبي طالب، ~~PageV04P398 # وأبي سفيان ms0970 بن الحارث بن عبد المطلب وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب (1) ~~. # ، وكذلك العباس ; فإنه أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطريق وهو ~~ذاهب إلى مكة، لم يصل إلى المدينة. وكذلك أبو سفيان بن الحارث بن عبد ~~المطلب ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، [وهذا غير أبي سفيان بن حرب] ~~(2) . # ، وكان شاعرا يهجو النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأدركه في الطريق، وكان ~~ممن حسن إسلامه، وكان هو والعباس مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين ~~[لما انكشف الناس آخذين ببغلته] (3) . # . فإذا كانت هذه مراتب الصحابة عند أهل السنة، كما دل عليه الكتاب ~~والسنة، وهم متفقون على تأخر معاوية وأمثاله من مسلمة الفتح عمن أسلم بعد ~~الحديبية، وعلى تأخر هؤلاء عن السابقين الأولين أهل الحديبية، وعلى أن ~~البدريين أفضل من غير البدريين (4) . # ، وعلى أن عليا أفضل من جماهير هؤلاء - لم يقدم عليه أحد غير الثلاثة، ~~فكيف ينسب إلى أهل السنة تسويته بمعاوية، أو تقديم معاوية عليه؟ . # نعم مع معاوية طائفة كثيرة (5) . # من المروانية وغيرهم، كالذين قاتلوا معه وأتباعهم بعدهم، يقولون: إنه كان ~~في قتاله على الحق مجتهدا مصيبا، وأن عليا ومن معه كانوا إما ظالمين وإما ~~مجتهدين (6) مخطئين. وقد صنف PageV04P399 # لهم في ذلك مصنفات مثل كتاب " المروانية " الذي صنفه الجاحظ (1) . # ، وطائفة وضعوا لمعاوية فضائل ورووا أحاديث عن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - في ذلك كلها كذب، ولهم [في ذلك] (2) . # حجج طويلة ليس هذا موضعها. # ولكن هؤلاء عند أهل السنة مخطئون في ذلك، وإن كان خطأ الرافضة أعظم [من ~~خطئهم] (3) . # . ولا يمكن الرافضة أن ترد (4) . # على هؤلاء بحجة صحيحة مع اعتقادهم مذهب الإمامية، فإن حجج الإمامية ~~متناقضة، يحتجون بالحجج (5) . # التي ينقضونها في موضع آخر، ويحتجون بالحجة العقلية أو السمعية مع دفعهم ~~لما هو أعظم منها، بخلاف أهل السنة فإن حججهم صحيحة مطردة، كالمسلمين مع ~~[النصارى وغيرهم من] (6) . # أهل الكتاب، فيمكن لأهل (7) . # السنة الانتصار لعلي ممن يذمه [ويسبه] (8) . # أو يقول: إن الذين قاتلوه كانوا أولى بالحق منه، كما يمكن المسلمين أن ms0971 ~~ينصروا المسيح (9) . # ممن كذبه من اليهود وغيرهم، بخلاف النصارى PageV04P400 # فإنهم (1) . # لا يمكنهم نصر قولهم في المسيح بالحجج العلمية على من كذبه من اليهود ~~وغيرهم. # والمنتقصون لعلي من أهل البدع طوائف: طائفة تكفره كالخوارج، وهؤلاء ~~يكفرون معه عثمان وجمهور المسلمين، فيثبت أهل السنة إيمان علي ووجوب ~~موالاته بمثل ما يثبتون به (2) . # إيمان عثمان ووجوب موالاته. # وطائفة يقولون: إنه وإن كان (3) . . . # أفضل من معاوية،. لكن كان معاوية مصيبا في قتاله، ولم يكن علي مصيبا في ~~قتال معاوية. وهؤلاء كثيرون كالذين قاتلوه مع معاوية، وهؤلاء يقولون - أو ~~جمهورهم -: إن عليا لم يكن إماما مفترض الطاعة (4) . # لأنه لم تثبت خلافته بنص ولا إجماع. # وهذا القول قاله طائفة أخرى ممن يراه أفضل من معاوية، وأنه أقرب إلى الحق ~~من معاوية، ويقولون: إن معاوية لم يكن مصيبا في قتاله، لكن يقولون مع ذلك: ~~إن الزمان كان زمان فتنة وفرقة، لم يكن هناك إمام جماعة ولا خليفة. # وهذا القول قاله كثير (5) . # من علماء أهل الحديث البصريين والشاميين والأندلسيين وغيرهم. وكان ~~بالأندلس كثير من بني أمية يذهبون إلى هذا القول، ويترحمون على علي، ويثنون ~~عليه، لكن يقولون: لم يكن PageV04P401 # خليفة، وإنما (1) . # الخليفة من اجتمع الناس عليه (2) . # ولم يجتمعوا (3) . # على علي، وكان من هؤلاء من يربع بمعاوية في خطبة (4) . # الجمعة، فيذكر الثلاثة ويربع بمعاوية، ولا يذكر عليا، ويحتجون بأن معاوية ~~اجتمع عليه الناس (5) . # [بالمبايعة] (6) . # لما بايعه الحسن، بخلاف علي فإن المسلمين لم يجتمعوا عليه (7) . # ، ويقولون لهذا: ربعنا بمعاوية (8) . # ، لا لأنه أفضل من علي، بل علي أفضل منه، كما أن كثيرا من الصحابة أفضل ~~من معاوية وإن لم يكونوا خلفاء. # وهؤلاء قد احتج عليهم الإمام أحمد وغيره بحديث سفينة عن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - أنه قال: " «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا» " وقال ~~أحمد: من لم يربع بعلي في الخلافة (9) . # فهو أضل من حمار أهله. وتكلم بعض هؤلاء في أحمد بسبب هذا الكلام، وقال: ~~قد أنكر خلافته من الصحابة طلحة (10) . # والزبير وغيرهما ممن لا يقال (11) . # فيه هذا PageV04P402 # [القول ms0972] (1) . # . واحتجوا بأن أكثر الأحاديث التي فيها ذكر خلافة النبوة لا يذكر فيها ~~إلا الخلفاء الثلاثة. # مثل ما روى الإمام أحمد في مسنده عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان ~~عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - يوما: " «أيكم رأى رؤيا؟ " فقلت: أنا يا رسول الله، رأيت كأن ميزانا ~~دلي من السماء فوزنت بأبي بكر (2) . # فرجحت بأبي بكر، ثم وزن أبو بكر بعمر فرجح أبو بكر بعمر، ثم وزن عمر ~~بعثمان فرجح عمر [بعثمان] (3) . # ثم رفع الميزان. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " خلافة نبوة ثم ~~يؤتي الله الملك من يشاء» " (4) . . # وروى أبو داود حديثا عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم -: " «رأى الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم -، ونيط عمر بأبي بكر، ونيط عثمان بعمر ". قال جابر: فلما قمنا ~~من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلنا: أما الرجل الصالح فرسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم -، وأما نوط بعضهم ببعض فهم ولاة هذا الأمر الذي ~~بعث الله به نبيه» (5) \ 491. # ". # وروى أبو داود من حديث سمرة بن جندب «أن رجلا قال (6) . # : يا رسول PageV04P403 # الله رأيت كأن دلوا دلي من السماء، فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيها، فشرب ~~شربا ضعيفا، ثم جاء عمر فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع، ثم جاء عثمان فأخذ ~~بعراقيها فشرب حتى تضلع، ثم جاء علي فأخذ بعراقيها فانتشطت (1) . # فانتضح (2) . # عليه منها (3) # شيء» (4) .. # وروي عن الشافعي وغيره أنهم قالوا: الخلفاء ثلاثة: أبو بكر وعمر وعثمان. # وما جاءت به الأخبار النبوية الصحيحة حق كله، فالخلافة (5) . # التامة التي أجمع عليها المسلمون، وقوتل بها الكافرون، وظهر بها الدين، ~~كانت خلافة أبي بكر وعمر وعثمان. وخلافة علي اختلف فيها أهل القبلة، ولم ~~يكن فيها زيادة قوة للمسلمين، [ولا قهر] (6) . # ونقص للكافرين، ولكن هذا لا يقدح في أن عليا كان خليفة راشدا مهديا، ولكن ~~لم يتمكن كما تمكن غيره ms0973، ولا أطاعته الأمة كما أطاعت غيره، فلم يحصل في ~~زمنه من الخلافة التامة العامة ما حصل في زمن الثلاثة، مع أنه من الخلفاء ~~الراشدين المهديين. # وأما الذين قالوا: إن معاوية - رضي الله عنه - كان مصيبا في قتاله له (7) ~~. # ، PageV04P404 # ولم يكن علي - رضي الله عنه - (1) ، في قتاله لمعاوية، فقولهم أضعف من ~~قول هؤلاء. وحجة هؤلاء أن معاوية - رضي الله عنه - كان طالبا (2) . # بدم عثمان - رضي الله عنه -، وكان هو ابن عمه ووليه، وبنو عثمان وسائر ~~عصبته اجتمعوا إليه وطلبوا من علي أن يمكنهم من قتلة عثمان أو يسلمهم ~~إليهم، فامتنع علي من ذلك، فتركوا مبايعته فلم (3) . # يقاتلوه، ثم إن عليا بدأهم بالقتال فقاتلوه دفعا عن أنفسهم وبلادهم. ~~قالوا: وكان علي باغيا عليهم. # وأما الحديث الذي روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لعمار: " ~~«تقتلك الفئة الباغية» " (4) # فبعضهم ضعفه، وبعضهم تأوله. فقال بعضهم معناه: الطالبة (5) . # لدم عثمان - رضي الله عنه -، كما قالوا: نبغي ابن عفان بأطراف الأسل. ~~وبعضهم قال (6) . # : ما يروى عن معاوية - رضي الله عنه - أنه قال لما ذكر (7) . # له هذا الحديث: أونحن قتلناه؟ إنما قتله علي وأصحابه حيث ألقوه بين ~~أسيافنا. # وروي عن علي - رضي الله عنه - أنه ذكر له هذا التأويل، فقال: فرسول الله ~~- صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يكونون حينئذ قد قتلوا حمزة وأصحابه يوم ~~أحد؛ لأنه قاتل معهم المشركين. PageV04P405 # وهذا القول لا أعلم له قائلا من أصحاب الأئمة الأربعة ونحوهم من أهل ~~السنة، ولكن هو قول كثير من المروانية (1) . # ومن وافقهم. ومن هؤلاء من يقول: إن عليا (2) . # شارك في دم عثمان، فمنهم من يقول: إنه (3) . # أمر علانية، ومنهم من يقول إنه (4) . # : أمر سرا، ومنهم من يقول: بل رضي بقتله وفرح بذلك، ومنهم من يقول غير ~~ذلك. وهذا كله كذب على علي - رضي الله عنه - وافتراء عليه (5) . # ، فعلي - رضي الله عنه - لم يشارك (6) . # في دم عثمان ولا أمر ولا رضي. وقد روي عنه - وهو الصادق البار (7) . # - أنه قال: والله ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله ms0974. وروي عنه أنه قال: ~~ما قتلت ولا رضيت. وروي عنه أنه سمع أصحاب معاوية يلعنون قتلة عثمان، فقال: ~~اللهم العن قتلة عثمان في البر والبحر، والسهل والجبل. وروي أن أقواما (8) ~~. # شهدوا عليه بالزور عند أهل الشام أنه شارك في دم عثمان (9) . # ، وكان هذا مما دعاهم إلى ترك مبايعته لما اعتقدوا أنه ظالم وأنه (10) . # من قتلة عثمان، وأنه آوى قتلة عثمان لموافقته لهم على قتله. PageV04P406 # وهذا وأمثاله [مما] (1) . # يبين شبهة الذين قاتلوه، ووجه اجتهادهم في قتاله (2) . # ، لكن لا يدل على أنهم كانوا مصيبين في ترك مبايعته وقتاله ; وكون قتلة ~~عثمان من رعيته لا يوجب أنه كان موافقا لهم (3) . # ، وقد اعتذر بعض الناس عن علي بأنه (4) . # لم يكن يعرف القتلة بأعيانهم، أو بأنه كان (5) . # لا يرى قتل الجماعة بالواحد، أو بأنه لم يدع عنده ولي الدم دعوى توجب ~~الحكم له. # ولا حاجة إلى هذه الأعذار (6) . # ، بل لم يكن علي مع تفرق الناس عليه متمكنا من قتل قتلة عثمان إلا بفتنة ~~تزيد الأمر شرا وبلاء، ودفع أفسد الفاسدين بالتزام أدناهما أولى من العكس؛ ~~لأنهم كانوا عسكرا، وكان لهم قبائل تغضب لهم، والمباشر منهم للقتل ن، م: ~~القتل. # - وإن كان قليلا - فكان ردؤهم (7) ". # أهل الشوكة، ولولا ذلك لم يتمكنوا. ولما سار طلحة والزبير إلى البصرة ~~ليقتلوا قتلة عثمان، قام بسبب ذلك حرب قتل فيها (8) . # خلق. # ومما يبين ذلك أن معاوية قد أجمع (9) . # الناس عليه بعد موت علي، PageV04P407 # وصار أميرا على جميع المسلمين، ومع هذا فلم (1) . # يقتل قتلة عثمان الذين كانوا قد بقوا (2) . # بل روي عنه أنه [لما] (3) . # قدم المدينة (4)) . # حاجا فسمع الصوت في دار (5) . # عثمان: " يا أمير المؤمنيناه، يا أمير المؤمنيناه " (6) . # ، فقال: ما هذا؟ قالوا: بنت عثمان تندب عثمان. فصرف (7) . # الناس، ثم ذهب إليها فقال: يا ابنة عم إن الناس قد بذلوا لنا الطاعة على ~~كره، وبذلنا لهم حلما على غيظ، فإن رددنا حلمنا ردوا طاعتهم؛ ولأن تكوني ~~بنت أمير المؤمنين خير من أن تكوني واحدة من عرض الناس، فلا أسمعنك بعد ~~اليوم ذكرت ms0975 عثمان. # فمعاوية - رضي الله عنه -، الذي يقول المنتصر له: إنه كان مصيبا في قتال ~~علي، لأنه كان طالبا لقتل (8) . # قتلة عثمان، لما (9) . # تمكن وأجمع الناس عليه لم يقتل قتلة عثمان. فإن كان قتلهم واجبا، وهو ~~مقدور له، كان فعله بدون قتال المسلمين أولى من أن يقاتل عليا وأصحابه لأجل ~~ذلك، ولو قتل معاوية قتلة عثمان لم يقع من الفتنة أكثر مما وقع ليالي ~~PageV04P408 # صفين. وإن كان معاوية معذورا في كونه لم يقتل قتلة عثمان إما (1) . # لعجزه عن ذلك، أو لما يفضي إليه ذلك من الفتنة وتفريق (2) . # الكلمة وضعف سلطانه، فعلي أولى أن يكون معذورا [أكثر] (3) . # من معاوية، إذ كانت الفتنة وتفريق (4) # الكلمة وضعف سلطانه بقتل القتلة لو سعى في ذلك أشد. ومن قال: إن قتل ~~الخلق الكثير الذين قتلوا بينه وبين علي كان صوابا منه لأجل قتل قتلة ~~عثمان، فقتل ما هو دون ذلك لأجل قتل قتلة عثمان أولى أن يكون صوابا، وهو لم ~~يفعل ذلك لما تولى (5) . # ، ولم يقتل قتلة عثمان. # وذلك أن الفتن إنما يعرف ما فيها من الشر إذا أدبرت. فأما إذا أقبلت ~~فإنها تزين، ويظن أن فيها خيرا، فإذا ذاق الناس ما فيها من الشر والمرارة ~~والبلاء، صار ذلك مبينا لهم مضرتها، وواعظا لهم أن يعودوا في مثلها. كما ~~أنشد [بعضهم] (6) .: - # الحرب أول ما تكون فتية ... تسعى بزينتها لكل جهول # حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها ... ولت (7) . عجوزا غير ذات حليل (8) . ~~PageV04P409 # شمطاء ينكر (1) . # لونها وتغيرت (2) . # مكروهة للشم والتقبيل (3) .. # والذين دخلوا في الفتنة من الطائفتين لم يعرفوا ما في القتال من الشر، ~~ولا عرفوا مرارة الفتنة حتى وقعت، وصارت (4) . # عبرة لهم ولغيرهم. # ومن استقرأ أحوال الفتن التي تجري بين المسلمين، تبين له أنه ما دخل فيها ~~أحد فحمد عاقبة دخوله، لما يحصل له من الضرر في دينه، ودنياه (5) . # . ولهذا كانت من باب المنهي عنه، والإمساك عنها من المأمور به، الذي قال ~~الله فيه: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب ~~أليم} . # وأما قول القائل ms0976: " إن عليا بدأهم بالقتال ". # قيل له (6) . # : وهم أولا امتنعوا (7) . # من طاعته ومبايعته، وجعلوه ظالما مشاركا (8) . # في دم (9) . # عثمان، وقبلوا عليه شهادة الزور، ونسبوه إلى ما هو بريء منه. # وإذا قيل (10) . # : هذا وحده لم يبح له (11) . # قتالهم. PageV04P410 # قيل: ولا كان قتاله مباحا لكونه عاجزا عن قتل قتلة عثمان، بل لو كان ~~قادرا على قتل قتلة عثمان وقدر أنه ترك هذا الواجب: إما متأولا وإما مذنبا، ~~لم يكن ذلك موجبا لتفريق الجماعة، والامتناع عن مبايعته، ولمقاتلته ن: ~~ومقاتلته. # ، بل كانت مبايعته على كل حال (1) . # ، أصلح في الدين، وأنفع للمسلمين، وأطوع لله ولرسوله من ترك مبايعته. # فقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «إن الله ~~يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله ~~جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم» " (2) .. # وثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «على المرء ~~المسلم السمع والطاعة في: عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه، وأثرة عليه، ما لم ~~يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» " (3) .. # وفي الصحيحين عن عبادة - رضي الله عنه - قال: «بايعنا رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - على السمع والطاعة: في يسرنا وعسرنا، ومنشطنا ومكرهنا، ~~وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقول - أو نقوم - بالحق حيث ما ~~كنا (4) . # ، لا نخاف في الله لومة لائم» " (5) . # . وفي الصحيح عن PageV04P411 # النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «من رأى من أمير شيئا يكرهه ~~فليصبر عليه ; فإنه من فارق الجماعة قيد شبر [فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ~~". وفي رواية: فارق الجماعة قيد شبر] (1) . # فمات فميتته [ميتة] (2) . # جاهلية» " (3) \ 113.. # وفي الصحيح من حديث ابن عمر (4) . # - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " «من ~~خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه ~~بيعة مات ميتة جاهلية» " (5) \ 561.. # وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (6)) . # : " «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم ms0977 القيامة (7) . # ، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: رجل لا يبايع إماما إلا ~~لدنيا: إن أعطاه منها رضي وإن منع سخط» . . " الحديث. (8) . . PageV04P412 # وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «اسمعوا وأطيعوا ~~وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة» " (1) \ 382.. # وعلي - رضي الله عنه - كان قد بايعه أهل الكوفة (2) . # ، ولم يكن في وقته أحق منه بالخلافة، وهو خليفة راشد تجب طاعته. [ومعلوم ~~أن قتل القاتل إنما شرع عصمة للدماء، فإذا أفضى قتل الطائفة القليلة إلى ~~قتل أضعافها، لم يكن هذا طاعة ولا مصلحة، وقد قتل بصفين أضعاف أضعاف قتلة ~~عثمان] (3) .. # وأيضا فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق على صحته: " ~~«تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين، تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق» " ~~(4) \ 306. # يدل على أن عليا وأصحابه أدنى إلى الحق من معاوية وأصحابه، [فلا يكون ~~معاوية وأصحابه في قتالهم لعلي أدنى إلى الحق] (5) .. # وكذلك حديث عمار [بن ياسر] (6) . # ت: " «تقتلك الفئة الباغية» " قد رواه PageV04P413 # مسلم في صحيحه من غير وجه، ورواه البخاري، لكن في كثير من النسخ لم يذكره ~~تاما (1) . # . وأما تأويل من تأوله: أن عليا وأصحابه قتلوه، وأن الباغية الطالبة بدم ~~عثمان ; فهذا من التأويلات الظاهرة الفساد، التي يظهر فسادها للعامة ~~والخاصة. والحديث ثابت في الصحيحين، وقد صححه أحمد بن حنبل وغيره من ~~الأئمة، وإن كان قد روي عنه أنه ضعفه، فآخر الأمرين منه تصحيحه (2) .. # قال يعقوب بن شيبة في مسنده [في المكيين] (3) . # في مسند عمار بن ياسر، لما ذكر أخبار عمار: سمعت أحمد بن حنبل سئل عن ~~حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في عمار: " «تقتلك الفئة الباغية» " ~~فقال أحمد: قتلته (4) . # الفئة الباغية، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال: في هذا غير ~~حديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكره أن يتكلم في هذا بأكثر من ~~هذا. وقال البخاري في صحيحه: 1 (5) . " حدثنا مسدد، حدثنا عبد العزيز بن ~~[المختار] (6) . # ، حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة، قال: PageV04P414 # «قال لي ابن عباس ولابنه (1) . # : انطلقا ms0978 إلى أبي سعيد واسمعا من حديثه، فانطلقنا فإذا هو في حائط يصلحه، ~~فأخذ رداءه فاحتبى، ثم أنشأ يحدثنا، حتى أتى على ذكر بناء المسجد، فقال: ~~كنا نحمل لبنة لبنة، وعمار لبنتين لبنتين، فرآه رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم -، فجعل ينفض التراب عنه، ويقول: " ويح عمار تقتله الفئة الباغية، ~~يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار " قال: يقول عمار: أعوذ بالله من ~~الفتن» . # ورواه البخاري من وجه آخر 4 (2)) .، عن عكرمة، عن أبي سعيد الخدري (3) ". # ، لكن في كثير من النسخ لا يذكر الحديث بتمامه، بل فيها: " «ويح عمار ~~يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار» ". ولكن لا يختلف أهل العلم بالحديث ~~أن هذه الزيادة هي في الحديث. # قال أبو بكر البيهقي وغيره: " قد رواه غير واحد عن خالد الحذاء، عن ~~عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ". وظن البيهقي وغيره أن البخاري لم ~~يذكر الزيادة، واعتذر عن ذلك بأن هذه الزيادة لم يسمعها PageV04P415 # أبو سعيد من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن حدثه بها أصحابه، مثل ~~أبي قتادة (1) .. # كما رواه مسلم في صحيحه (2) . # من حديث شعبة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد (3) . # ، قال: أخبرني من هو خير مني: أبو قتادة (4) . # ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمار: " «تقتلك الفئة الباغية» ~~". # وفي حديث داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، أن رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - قال: " «تمرق مارقة فتقتلهم أولى الطائفتين بالله» " (5) ~~.. # وكان عمار يحمل لبنتين لبنتين. قال: فلم أسمعه من النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -، ولكن جئت إلى أصحابي وهم يقولون: إن رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - قال: " «ويحك ابن سمية تقتلك الفئة الباغية» " (6) . # رواه مسلم PageV04P416 # في صحيحه والنسائي وغيرهما من حديث ابن عون، عن الحسن البصري، عن أمه، عن ~~أم سلمة، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " «تقتل عمارا الفئة ~~الباغية» " (1) . # . ورواه أيضا من حديث شعبة، عن خالد، عن سعيد بن أبي الحسن، والحسن، عن ~~أمهما (2) . # ، عن أم سلمة - رضي الله عنها - (3) . # . وفي ms0979 بعض طرقه أنه قال ذلك في حفر الخندق (4) .. # وذكر البيهقي وغيره أن هذا غلط. والصحيح أنه إنما قاله يوم بناء المسجد. ~~وقد قيل: إنه يحتمل أنه قاله مرتين. # وقد روي هذا من وجوه أخرى من حديث عمرو بن العاص وابنه عبد الله (5) . # ، ومن حديث عثمان بن عفان (6) -. # ، ومن حديث عمار نفسه (7) . # . وأسانيد هذه مقاربة (8) . # . وقد روي من وجوه أخرى واهية. وفي الصحيح ما يغني عن غيره. PageV04P417 # والحديث ثابت صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أهل العلم ~~بالحديث (1) ، والذين قتلوه هم الذين باشروا قتله. والحديث أطلق فيه لفظ " ~~البغي " لم يقيده بمفعول، كما قال تعالى: {لا يبغون عنها حولا} سورة الكهف، ~~وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «الذين هم فيكم تبع لا يبغون ~~أهلا ولا مالا» " (2) .. # ولفظ البغي إذا أطلق فهو الظلم، كما قال تعالى: ((3)) سورة الحجرات وقال: ~~((4)) سورة البقرة. PageV04P418 # وأيضا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر هذا لما كانوا ينقلون اللبن ~~لبناء المسجد، وكانوا ينقلون لبنة لبنة، وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين فقال ~~النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم ~~إلى الجنة ويدعونه إلى النار» " (1) . # . وهذا ليس فيه ذم لعمار، بل مدح له. ولو كان القاتلون له مصيبين في قتله ~~لم يكن مدحا له، وليس في كونهم يطلبون دم عثمان ما يوجب مدحه. # وكذلك من تأول قاتله (2) . # بأنهم الطائفة التي قاتل معها، فتأويله ظاهر الفساد، ويلزمهم ما ألزمهم ~~إياه علي، وهو أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه قد قتلوا كل ~~من قتل معهم في الغزو، كحمزة وغيره. وقد يقال: فلان قتل فلانا، إذا أمره ~~بأمر كان فيه حتفه، ولكن هذا مع القرينة، لا يقال عند الإطلاق، بل القاتل ~~عند الإطلاق الذي قتله دون الذي أمره. # ثم هذا يقال لمن أمر غيره، وعمار لم يأمره أحد بقتال أصحاب معاوية، بل ~~[هو] كان من (3) أحرص الناس على قتالهم، وأشدهم رغبة في ذلك، وكان حرصه على ~~ذلك أعظم من حرص غيره، وكان هو ms0980 يحض عليا وغيره على قتالهم. # ولهذا لم يذهب أحد من أهل العلم الذين تذكر مقالاتهم إلى هذا التأويل، بل ~~أهل العلم في هذا الحديث على ثلاثة أقوال: فطائفة ضعفته لما روي عندها ~~بأسانيد ليست ثابتة عندهم، ولكن رواه أهل PageV04P419 # الصحيح: رواه البخاري كما تقدم من حديث أبي سعيد: ورواه مسلم من غير وجه ~~من حديث الحسن عن أمه عن أم سلمة [- رضي الله عنها -، ومن حديث] أبي سعيد ~~(1) . . # عن أبي قتادة وغيره. # ومنهم من قال: هذا دليل على أن معاوية وأصحابه بغاة، وأن قتال علي لهم ~~قتال أهل العدل لأهل البغي، لكنهم بغاة متأولون لا يكفرون ولا يفسقون. # ولكن يقال: ليس في مجرد كونهم بغاة ما يوجب الأمر بقتالهم ; فإن الله لم ~~يأمر بقتال كل باغ، بل ولا أمر بقتال البغاة ابتداء، ولكن قال: {وإن ~~طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى ~~فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل ~~وأقسطوا إن الله يحب المقسطين - إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ~~واتقوا الله لعلكم ترحمون} سورة الحجرات، فلم يأمر بقتال البغاة ابتداء، بل ~~أمر إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين أن يصلح بينهما. وهذا يتناول ما إذا ~~كانتا باغيتين أو إحداهما باغية. # ثم قال: {فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر ~~الله} وقوله: {فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي} قد يقال: ~~المراد به البغي بعد الإصلاح، ولكن هذا خلاف ظاهر القرآن ; فإن قوله: {بغت ~~إحداهما على الأخرى} يتناول الطائفتين المقتتلتين، سواء أصلح بينهما أو لم ~~يصلح. كما أن الأمر PageV04P420 # بالإصلاح يتناول المقتتلتين (1) . # مطلقا ; فليس في القرآن أمر بقتال الباغي (2) . # ابتداء، لكن أمر إذا اقتتلت طائفتان أن يصلح بينهما، وأنه إن بغت إحداهما ~~على الأخرى بعد القتال أن تقاتل حتى تفيء. وهذا يكون إذا لم تجب إلى ~~الإصلاح بينهما، وإلا فإذا (3) . # أجابت إلى الإصلاح بينهما لم تقاتل، فلو قوتلت ثم فاءت إلى الإصلاح لم ~~تقاتل، لقوله ms0981 تعالى: {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت ~~فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} فأمر بعد القتال إلى ~~أن تفيء أن يصلح بينهما بالعدل وأن يقسط. # وقتال الفتنة لا يقع فيه هذا، وذلك قد يكون لأن الله لم يأمر بالقتال ~~ابتداء، ولكن أمر * إذا اقتتلوا وبغت إحداهما على الأخرى بقتال الفئة ~~الباغية. وقد تكون الآية أمرا * (4) . بالإصلاح (5) . # وقتال الباغية جميعا لم يأمر بأحدهما، وقد تكون الطائفة باغية ابتداء، ~~لكن لما بغت أمر بقتالها، وحينئذ لم يكن المقاتل لها قادرا لعدم الأعوان أو ~~لغير ذلك، وقد يكون عاجزا ابتداء عن قتال الفئة الباغية، أو عاجزا عن قتال ~~تفيء فيه إلى أمر الله، فليس كل من كان قادرا على القتال كان قادرا على ~~قتال يفئ فيه إلى أمر الله، وإذا كان عاجزا عن قتالها حتى تفيء إلى أمر ~~الله، لم يكن مأمورا بقتالها: لا أمر إيجاب ولا أمر استحباب، ولكن قد يظن ~~أنه قادر PageV04P421 # على ذلك، فتبين (1) . # له في آخر الأمر أنه لم يكن قادرا. فهذا من الاجتهاد الذي يثاب صاحبه على ~~حسن القصد وفعل ما أمر، وإن أخطأ فيكون له فيه أجر، ليس من الاجتهاد الذي ~~يكون له فيه أجران ; فإن هذا إنما يكون إذا وافق حكم الله في الباطن. # كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " «إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، ~~وإذا اجتهد فأصاب فله أجران» " (2) . # . ومن الاجتهاد أن يكون ولي الأمر - أو نائبه - مخيرا بين أمرين فأكثر ~~(3) .، تخيير تحر للإصلاح، لا تخيير شهوة، كما يخير الإمام في الأسرى بين ~~القتل والاسترقاق (4) . # والمن والفداء عند أكثر العلماء. # فإن قوله تعالى: {فإما منا بعد وإما فداء} ليس بمنسوخ. وكذلك تخيير من ~~نزل العدو على حكمه، كما نزل بنو قريظة على حكم النبي - صلى الله عليه وسلم ~~-، فسأله حلفاؤهم من الأوس أن يمن عليهم كما من على بني النضير حلفاء ~~الخزرج، فقال النبي - PageV04P422 # صلى الله عليه وسلم -: " «ألا ترضون أن أحكم فيهم (1) . # سعد بن معاذ سيد ms0982 الأوس؟ " فرضيت الأوس بذلك، فأرسل النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - خلف سعد بن معاذ، فجاء وهو راكب، وكان متمرضا من أثر جرح به في ~~المسجد، وبنو قريظة شرقي المدينة بينهم نصف نهار (2) . # أو نحو ذلك، فلما أقبل سعد - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -: " قوموا إلى سيدكم " [فقاموا] (3) . # وأقاربه في الطريق يسألونه أن يمن عليهم، ويذكرونه بمعاونتهم (4) . # ونصرهم له في الجاهلية، فلما دنا قال: لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله ~~لومة لائم، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحكم فيهم، فحكم بأن (5) ~~. # تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم وتغنم أموالهم. فقال النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -: " لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات» ". والحديث ثابت في ~~الصحيحين (6) .. # وفي الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن بريدة عن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - قال: " «إذا حاصرت أهل حصن فسألوك أن تنزلهم (7) . # على حكم الله فلا تنزلهم (8) . # على حكم الله ; فإنك لا تدري ما حكم الله فيهم، PageV04P423 # ولكن أنزلهم (1) . # على حكمك وحكم أصحابك» " (2) . # فدل هذان الحديثان [الصحيحان] على أن لله حكما معينا فيما يكون ولي الأمر ~~مخيرا فيه تخيير مصلحة، وإن كان لو حكم بغير ذلك نفذ حكمه [في الظاهر] (3) ~~. # ، فما كان من باب القتال فهو (4) . # أولى أن يكون أحد الأمرين أحب إلى الله ورسوله: إما فعله وإما تركه، ~~ويتبين (5) . # ذلك بالمصلحة [والمفسدة] (6) . # ; فما كان وجوده خيرا من عدمه لما حصل فيه من المصلحة الراجحة في الدين، ~~فهذا مما يأمر الله به أمر إيجاب أو استحباب، وما كان عدمه خيرا من وجوده، ~~فليس بواجب ولا مستحب، وإن كان فاعله مجتهدا مأجورا على اجتهاده. # والقتال إنما يكون لطائفة ممتنعة، فلو بغت ثم أجابت إلى الصلح ~~PageV04P424 # بالعدل لم تكن ممتنعة، فلم يجز قتالها. ولو كانت باغية، وقد أمر بقتال ~~الباغية إلى أن تفيء إلى أمر الله، أي ترجع، ثم قال: ( «فإن فاءت فأصلحوا ~~بينهما بالعدل» ) فأمر بالإصلاح بعد قتال الفئة [الباغية] (1) . # ، كما أمر بالإصلاح إذا اقتتلتا ابتداء، وقد ms0983 قالت عائشة - رضي الله عنها ~~- لما وقعت الفتنة: " ترك الناس العمل بهذه الآية ". وهو كما قالت ; فإنهما ~~لما اقتتلتا لم يصلح بينهما، ولو قدر أنه قوتلت الباغية، فلم تقاتل حتى ~~تفيء إلى أمر الله، ثم أصلح بينهما بالعدل - والله تعالى أمر بالقتال إلى ~~الفيء، ثم الإصلاح، لم يأمر بقتال مجرد، بل قال: {فقاتلوا التي تبغي حتى ~~تفيء إلى أمر الله} - وما حصل قتال حتى تفيء إلى أمر الله، فإن كان ذلك ~~مقدورا فما وقع، وإن كان معجوزا عنه لم يكن مأمورا به (2) .. # وعجز المسلمين يوم أحد عن القتال الذي يقتضي انتصارهم كان بترك طاعة ~~الرسول وذنوبهم، وكذلك التولي يوم حنين كان من الذنوب. يبين ذلك أنه لو قدر ~~أن طائفة بغت على طائفة، وأمكن دفع البغي بلا قتال، لم يجز القتال، فلو ~~اندفع البغي (3) . # بوعظ أو فتيا (4) . # أو أمر بمعروف لم يجز PageV04P425 # القتال، ولو اندفع البغي بقتل واحد مقدور عليه، أو إقامة حد أو تعزيز، ~~مثل قطع سارق وقتل محارب وحد قاذف لم يجز القتال. وكثيرا ما تثور الفتنة ~~إذا ظلم بعض طائفة (1) . # لطائفة أخرى، فإذا أمكن استيفاء حق المظلوم بلا قتال لم يجز القتال. # وليس في الآية أن كل من امتنع من مبايعة إمام عادل (2) . # يجب قتاله بمجرد ذلك، وإن سمي باغيا لترك طاعة الإمام، فليس كل من ترك ~~طاعة [الإمام] (3) . # يقاتل. # والصديق قاتل مانعي الزكاة لكونهم امتنعوا عن أدائها بالكلية، فقوتلوا ~~بالكتاب والسنة، وإلا فلو أقروا بأدائها، وقالوا: لا نؤديها إليك، لم يجز ~~قتالهم عند أكثر العلماء. # وأولئك لم يكونوا كذلك. ولهذا كان القول الثالث في هذا الحديث - حديث ~~عمار - إن قاتل عمار طائفة باغية، ليس لهم أن يقاتلوا عليا، ولا يمتنعوا عن ~~مبايعته وطاعته، وإن لم يكن علي مأمورا بقتالهم، ولا كان فرضا عليه قتالهم ~~لمجرد امتناعهم عن طاعته، مع كونهم ملتزمين شرائع (4) . # الإسلام، وإن كان كل من المقتتلتين متأولين مسلمين مؤمنين، [وكلهم] (5) . # يستغفر لهم ويترحم عليهم، عملا بقوله تعالى: {والذين جاءوا من بعدهم ~~يقولون ربنا اغفر ms0984 لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا ~~غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم} سورة الحشر PageV04P426 ### | [الرد على مزاعم الرافضي عن معاوية رضي الله عنه " وسموه كاتب الوحي ولم يكتب له كلمة "] # فصل. # وأما قول الرافضي: " وسموه كاتب الوحي ولم يكتب له كلمة (1) واحدة من ~~الوحي ". # * فهذا قول بلا حجة ولا علم (2) ، فما الدليل على أنه لم يكتب له كلمة ~~(3) واحدة من الوحي * (4) ، وإنما كان يكتب له رسائل؟ . # وقوله: " إن كتاب الوحي كانوا بضعة عشر أخصهم وأقربهم إليه علي ". # فلا ريب (5) أن عليا كان ممن يكتب له أيضا، كما كتب الصلح بينه وبين ~~المشركين عام الحديبية. ولكن كان يكتب له أبو بكر وعمر أيضا، ويكتب له زيد ~~بن ثابت [بلا ريب] (6) . # ففي الصحيحين أن زيد بن ثابت لما نزلت: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} ~~سورة النساء كتبها [له] (7) . وكتب له أبو بكر، وعمر، PageV04P427 # وعثمان، وعلي، وعامر بن فهيرة، وعبد الله بن الأرقم (1) ، وأبي بن كعب، ~~وثابت بن قيس، وخالد بن سعيد بن العاص، وحنظلة بن الربيع الأسدي، وزيد بن ~~ثابت، ومعاوية، وشرحبيل بن حسنة - رضي الله عنهم - (2) . # وأما قوله: " إن معاوية لم يزل مشركا مدة كون النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- مبعوثا ". # فيقال: لا ريب أن معاوية (3) وأباه وأخاه وغيرهم أسلموا عام فتح مكة، قبل ~~موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحو من ثلاث سنين، فكيف يكون مشركا مدة ~~المبعث (4) . ومعاوية - رضي الله عنه - كان حين بعث (5) النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - صغيرا، كانت هند ترقصه. ومعاوية - رضي الله عنه - أسلم مع ~~مسلمة الفتح، مثل أخيه [يزيد، وسهيل بن عمرو،] (6) وصفوان [بن أمية] (7) ، ~~وعكرمة [بن أبي جهل] ، وأبي سفيان [بن حرب] ، PageV04P428 # وهؤلاء (1) كانوا قبل إسلامهم أعظم كفرا ومحاربة للنبي - صلى الله عليه ~~وسلم - من معاوية. # فصفوان وعكرمة وأبو سفيان كانوا مقدمين للكفار يوم أحد، رءوس الأحزاب في ~~غزوة الخندق، ومع هذا كان أبو سفيان وصفوان (2) وعكرمة من أحسن الناس ~~إسلاما، واستشهدوا - رضي الله عنهم - يوم اليرموك. # ومعاوية لم ms0985 يعرف عنه (3) قبل الإسلام أذى للنبي - صلى الله عليه وسلم - ~~(4) لا بيد ولا بلسان، فإذا كان من هو أعظم معاداة للنبي - صلى الله عليه ~~وسلم - من معاوية قد حسن إسلامه، وصار ممن يحب الله ورسوله، ويحبه الله ~~ورسوله، فما المانع أن يكون معاوية - رضي الله عنه - كذلك؟ . # وكان من أحسن الناس سيرة في ولايته، وهو ممن حسن إسلامه، ولولا محاربته ~~لعلي - رضي الله عنه - وتوليه الملك، لم يذكره أحد إلا بخير، كما لم يذكر ~~أمثاله (5) إلا بخير. وهؤلاء مسلمة الفتح - معاوية ونحوه - قد شهدوا مع ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - عدة غزوات، كغزاة حنين والطائف وتبوك، فله من ~~الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله ما لأمثاله، فكيف يكون هؤلاء كفارا ~~وقد صاروا مؤمنين مجاهدين تمام سنة ثمان وتسع وعشر، وبعض سنة إحدى عشرة؟ . ~~PageV04P429 # فإن مكة فتحت باتفاق الناس في شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة، والنبي - ~~صلى الله عليه وسلم - باتفاق الناس توفي في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة، ~~والناس كلهم كانوا كفارا قبل إيمانهم بما جاء به النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -، وكان فيهم من هو أشد عداوة للنبي - صلى الله عليه وسلم -[من ~~معاوية] (1) وأسلم وحسن إسلامه، كأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان من أشد الناس بغضا للنبي - صلى الله ~~عليه وسلم - (2) وهجاء له قبل الإسلام. # وأما معاوية - رضي الله عنه - فكان أبوه شديد العداوة للنبي - صلى الله ~~عليه وسلم -، وكذلك أمه حتى أسلمت، فقالت: " «والله يا رسول الله ما كان ~~على وجه (3) الأرض أهل خباء أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك، وما أصبح اليوم ~~على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من أهل خبائك» " أخرجه البخاري ~~(4) . # وفيهم أنزل الله تعالى: {عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم ~~مودة والله قدير والله غفور رحيم} سورة الممتحنة. فإن الله جعل بين النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - وبين الذي عادوه، كأبي سفيان وهند وغيرهما ms0986، مودة، ~~والله قدير على تبديل العداوة بالمودة، وهو غفور لهم بتوبتهم من الشرك، ~~رحيم بالمؤمنين، وقد صاروا من المؤمنين. PageV04P430 ### | [مزاعم الرافضي عن معاوية بقوله " وكان باليمن يوم الفتح يطعن على رسول الله "] # فصل (1) . # قال الرافضي (2) : " وكان باليمن يوم الفتح يطعن على رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم -، وكتب (3) إلى أبيه (4) صخر بن حرب يعيره بإسلامه، ويقول: ~~أصبوت إلى دين محمد (5) ؟ وكتب إليه: (6) # يا صخر لا تسلمن طوعا فتفضحنا (7) # بعد الذين ببدر أصبحوا فرقا (8) # جدي وخالي وعم الأم يا لهم ... قوما وحنظلة المهدي لنا أرقا (9) # فالموت أهون من قول الوشاة # لنا خلي ابن هند عن العزى لقد فرقا (10) . # والفتح كان في رمضان (11) لثمان سنين (12) من قدوم النبي صلى PageV04P431 # الله عليه وسلم المدينة، ومعاوية مقيم (1) على شركه، هارب من النبي - صلى ~~الله عليه وسلم -، لأنه كان قد أهدر (2) دمه، فهرب إلى مكة، فلما لم يجد له ~~مأوى صار إلى النبي (3) - صلى الله عليه وسلم - مضطرا، فأظهر الإسلام، وكان ~~إسلامه قبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بخمسة أشهر، وطرح نفسه على ~~العباس، فسأل فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعفا (4) ، ثم شفع إليه ~~(5) أن يشرفه ويضيفه إلى جملة الكتاب، فأجابه وجعله واحدا من أربعة عشر، ~~فكم كان حظه من هذه المدة (6) لو سلمنا أنه كاتب (7) الوحي حتى استحق أن ~~يوصف بذلك دون غيره؟ مع أن الزمخشري - من مشايخ الحنفية - ذكر في كتاب (8) ~~" ربيع الأبرار " أنه ادعى نبوته أربعة نفر (9) . على أن من جملة الكتبة ~~(10) [عبد الله بن سعد] (11) بن أبي سرح وارتد مشركا، وفيه نزل (12) ~~PageV04P432 # {ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم} . # وقد «روى عبد الله بن عمر قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمعته ~~يقول: يطلع عليكم رجل يموت على غير سنتي، فطلع معاوية. وقام النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - خطيبا (1) ، فأخذ معاوية بيد ابنه يزيد وخرج ولم يسمع ~~الخطبة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لعن الله القائد والمقود، أي ~~يوم يكون للأمة ms0987 (2) مع معاوية ذي الإساءة؟» . # وبالغ في محاربة علي - عليه السلام -، وقتل جمعا كثيرا من خيار الصحابة، ~~ولعنه على المنابر (3) ، واستمر سبه ثمانين سنة (4) ، إلى أن قطعه عمر بن ~~عبد العزيز. # وسم الحسن [عليه السلام] (5) وقتل ابنه يزيد مولانا الحسين (6) ، ونهب ~~نساءه، وكسر أبوه (7) ثنية النبي - صلى الله عليه وسلم - (8) ، وأكلت أمه ~~كبد حمزة عم النبي - صلى الله عليه وسلم - " (9) . PageV04P433 ### | [الرد على مزاعم الرافضي عن معاوية من أنه كان باليمن يوم الفتح يطعن على رسول الله] # والجواب: أما قوله: " كان (1) باليمن يطعن على النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -، وكتب إلى أبيه صخر بن حرب يعيره بإسلامه، وكتب إليه الأبيات ". # فهذا من الكذب المعلوم ; فإن معاوية إنما كان بمكة، لم يكن باليمن، وأبوه ~~«أسلم قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة بمر الظهران ليلة نزل ~~بها، وقال له العباس: إن أبا سفيان يحب الشرف. فقال [النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -] (2) : " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ~~ومن ألقى السلاح فهو آمن» " (3) . # وأبو سفيان كان عنده من دلائل النبوة ما أخبره به (4) هرقل ملك الروم، ~~لما سافر إلى الشام في الهدنة التي كانت بين النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~وبينهم (5) ، وما كان عنده (6) من أمية بن أبي الصلت، لكن الحسد منعه من ~~PageV04P434 # الإيمان، حتى أدخله الله عليه وهو كاره، بخلاف معاوية فإنه لم يعرف عنه ~~شيء من ذلك، ولا عن أخيه يزيد. # وهذا الشعر كذب على معاوية قطعا ; فإنه قال فيه: # فالموت أهون من قول الوشاة لنا ... خلي ابن هند عن العزى لقد فرقا. # ومعلوم أنه «بعد فتح مكة أسلم الناس وأزيلت العزى: بعث النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - إليها خالد بن الوليد، فجعل يقول: يا عز (1) كفرانك لا سبحانك ~~إني رأيت الله قد أهانك.» # وكانت قريبا من عرفات، فلم يبق هناك لا عزى ولا من يلومهم على ترك العزى. ~~فعلم أن هذا من وضع بعض الكذابين على لسان معاوية. وهو كذاب (2) جاهل لم ~~يعلم (3) كيف ms0988 وقع الأمر. # وكذلك ما ذكره من حال جده أبي أمية عتبة بن ربيعة وخاله الوليد بن عتبة ~~وعم أمه شيبة بن ربيعة وأخيه حنظلة، أمر يشترك فيه هو وجمهور قريش، فما ~~منهم من أحد (4) إلا وله أقارب كفار، قتلوا كفارا أو ماتوا (5) كفارا، فهل ~~كان في إسلامهم فضيحة؟ ! . # وقد أسلم عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية، وكانا من خيار المسلمين، ~~وأبواهما قتلا ببدر. وكذلك الحارث بن هشام قتل أخوه يوم PageV04P435 # بدر. وفي الجملة الطعن بهذا طعن في عامة أهل الإيمان. وهل يحل لأحد أن ~~يطعن في علي بأن عمه أبا لهب كان شديد العداوة للنبي - صلى الله عليه وسلم ~~-؟ . أو يطعن في العباس - رضي الله عنه - بأن أخاه كان معاديا للنبي - صلى ~~الله عليه وسلم -؟ (1) أو يعير عليا بكفر أبي طالب أو يعير بذلك العباس؟ ~~وهل مثل ذلك إلا من كلام من ليس من المسلمين؟ (2) . # ثم الشعر المذكور ليس من جنس الشعر القديم (3) ، بل هو شعر رديء. # وأما قوله: " إن الفتح كان في رمضان لثمان من مقدم النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - المدينة " فهذا صحيح (4) . # وأما قوله: " إن معاوية كان مقيما على شركه هاربا من النبي - صلى الله ~~عليه وسلم -، لأنه كان قد أهدر دمه، فهرب إلى مكة، فلما لم يجد له مأوى صار ~~(5) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مضطرا فأظهر الإسلام، وكان إسلامه ~~قبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بخمسة أشهر ". # فهذا من أظهر الكذب ; فإن معاوية أسلم عام الفتح باتفاق الناس، وقد تقدم ~~قوله: " إنه من المؤلفة قلوبهم " والمؤلفة قلوبهم أعطاهم النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - عام حنين من غنائم هوازن، وكان معاوية ممن أعطاه [منها، ~~PageV04P436 # والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتألف السادة المطاعين في عشائرهم] ~~(1) ، فإن كان معاوية هاربا لم يكن من المؤلفة قلوبهم، ولو لم يسلم إلا قبل ~~موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بخمسة أشهر لم يعط شيئا من غنائم حنين. # ومن كانت غايته أن يؤمن لم يحتج إلى تأليف. وبعض ms0989 الناس يقول: إنه أسلم ~~قبل ذلك، فإن في الصحيح عنه أنه قال: " «قصرت عن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - على المروة» " رواه البخاري ومسلم [ولفظه: «أعلمت أني قصرت من رأس ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند المروة بمشقص؟ قاله لابن عباس، وقال ~~له: لا أعلم هذا حجة إلا عليك» ] (2) . وهذا قد قيل: إنه كان في حجة ~~الوداع، ولكن هذا خلاف الأحاديث المروية (3) المتواترة عن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم -، فإنها كلها متفقة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحل ~~من إحرامه في حجة الوداع إلى يوم النحر، وأنه أمر أصحابه (4) أن يحلوا من ~~إحرامهم الحل كله، ويصيروا متمتعين بالعمرة إلى الحج، إلا من ساق الهدي، ~~فإنه يبقى على إحرامه إلى أن يبلغ الهدي محله. وكان النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - وعلي وطلحة وطائفة من أصحابه قد ساقوا PageV04P437 # الهدي فلم يحلوا، وكانت فاطمة وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من لم ~~يسق [الهدي] (1) فحللن. والأحاديث بذلك معروفة في الصحاح والسنن والمساند ~~(2) . # فعرف أنه لم يقصر معاوية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، ~~ولكن من اعتقد ذلك أباح للمتمتع السائق للهدي (3) أن يقصر من شعره، وهو ~~إحدى الروايتين عن أحمد، كما أن عنه رواية أنه إذا قدم قبل العشر حل من ~~إحرامه. ومالك والشافعي يبيحان لكل متمتع أن يحل من إحرامه وإن كان قد ساق ~~الهدي. وأما أبو حنيفة وأحمد - في المشهور عنه - وغيرهما من العلماء ~~فيعلمون (4) بالسنة المتواترة أن سائق الهدي لا يحل إلى يوم النحر (5) . # وتقصير معاوية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذا قد (6) كان قبل ~~حجة الوداع: إما في عمرة القضية - وعلى هذا فيكون قد أسلم قبل الفتح ~~PageV04P438 # كما زعم بعض الناس، لكن لا يعرف صحة هذا - وإما في عمرة الجعرانة، كما ~~روي أن هذا التقصير كان في عمرة الجعرانة، وكانت بعد فتح مكة، وبعد غزوة ~~حنين، وبعد حصاره للطائف (1) ; فإنه - صلى الله عليه وسلم - رجع من ذلك ~~فقسم غنائم حنين ms0990 بالجعرانة، واعتمر منها إلى مكة، فقصر عنه معاوية - رضي ~~الله عنه -، وكان [معاوية] (2) قد أسلم حينئذ، فإنه أسلم (3) عند فتح مكة، ~~واستكتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - لخبرته وأمانته، ولا يعرف عنه ولا ~~عن أخيه يزيد بن أبي سفيان أنهما آذيا النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما ~~كان يؤذيه بعض المشركين. # وأخوه يزيد أفضل منه. وبعض الجهال يظن أن يزيد هذا هو يزيد الذي تولى ~~الخلافة بعد معاوية (4) ، وقتل الحسين في زمنه، فيظن يزيد بن معاوية من ~~الصحابة، وهذا جهل ظاهر ; فإن يزيد بن معاوية ولد في خلافة عثمان، وأما ~~يزيد عمه هذا (5) فرجل صالح من خيار الصحابة، واستعمله الصديق أحد أمراء ~~الشام، ومشى في ركابه، ومات في خلافة عمر، فولى عمر - رضي الله عنه - أخاه ~~معاوية - رضي الله عنه - مكانه أميرا، ثم لما ولي عثمان أقره على الإمارة ~~وزاده، وبقي أميرا، إلى أن قتل عثمان ووقعت الفتنة، إلى أن قتل أمير ~~المؤمنين [علي - رضي الله عنه -] (6) وبايع أهل العراق الحسن بن ~~PageV04P439 # علي - رضي الله عنهما -، فأقام ستة أشهر، ثم سلم إلى معاوية، تحقيقا لما ~~ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «إن ابني هذا ~~سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» " (1) وبقي معاوية بعد ~~ذلك عشرين سنة، ومات سنة ستين. # ومما يبين كذب ما ذكره هذا الرافضي أنه لم يتأخر إسلام أحد من قريش إلى ~~هذه الغاية، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بعث أبا بكر عام تسع بعد ~~الفتح بأكثر من سنة ليقيم الحج، وينادى أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف ~~بالبيت عريان. وفي تلك السنة نبذت العهود إلى المشركين، وأجلوا أربعة أشهر، ~~فانقضت المدة في سنة عشر، فكان هذا أمانا عاما لكل مشرك من سائر قبائل ~~العرب، وغزا النبي - صلى الله عليه وسلم - غزوة تبوك سنة تسع لقتال النصارى ~~بالشام، وقد ظهر الإسلام بأرض العرب. # ولو كان لمعاوية من الذنوب ما كان لكان الإسلام يجب ما قبله، فكيف ms0991 ولم ~~يعرف له ذنب يهرب لأجله، أو يهدر دمه لأجله؟ ! وأهل السير والمغازي متفقون ~~على أنه لم يكن معاوية ممن أهدر دمه عام الفتح. فهذه مغازي عروة بن الزبير، ~~والزهري، وموسى بن عقبة، وابن إسحاق، والواقدي، وسعيد بن يحيى الأموي، ~~ومحمد بن عائذ (2) ، وأبي إسحاق الفزاري، وغيرهم. وكتب التفسير والحديث ~~كلها تنطق بخلاف ما ذكره ويذكرون PageV04P440 # من إهدار النبي - صلى الله عليه وسلم - دمه، مثل مقيس بن حبابة (1) وعبد ~~الله بن خطل، وهذان قتلا. وأهدر دم عبد الله بن سعد بن أبي سرح، ثم بايعه. ~~والذين أهدر دماءهم كانوا [نفرا] (2) قليلا نحو العشرة. # وأبو سفيان كان أعظم الناس (3) عداوة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو ~~في غزوة بدر [الذي] (4) أرسل إلى قريش ليستنفرهم، وفي غزوة أحد [هو الذي] ~~(5) جمع الأموال التي كانت معه للتجارة، وطلب من قريش أن ينفقها في قتال ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو من أعظم قواد الجيش يوم أحد، وهو ~~قائد الأحزاب أيضا، وقد أخذه العباس بغير عهد ولا عقد، ومشى عمر معه يقول ~~للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا نبي الله هذا عدو الله أبو سفيان، قد ~~أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد، فاضرب عنقه. فقاوله العباس في ذلك، فأسلم ~~أبو سفيان، وأمنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: " «من دخل دار أبي ~~سفيان فهو آمن، [ومن دخل المسجد فهو آمن] (6) ، ومن ألقى السلاح فهو آمن» ~~". # فكيف يهدر (7) دم معاوية، وهو شاب صغير ليس له ذنب يختص به، PageV04P441 # ولا عرف [عنه] (1) أنه كان يحض على عداوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ~~وقد أمن رءوس الأحزاب؟ (2) فهل يظن هذا إلا من هو من أجهل الناس بالسيرة؟ ~~وهذا الذي ذكرناه مجمع عليه [بين أهل العلم] (3) مذكور في عامة الكتب ~~المصنفة في هذا الشأن. # وقد بسطنا الكلام على هذا في كتاب " الصارم المسلول على شاتم الرسول - ~~صلى الله عليه وسلم - " لما ذكرنا من أهدر النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~دمه [عام الفتح] (4) ، وذكرناهم واحدا واحدا (5) . نعم ms0992 كان فيهم عبد الله ~~بن سعد بن أبي سرح، ثم إن عثمان (6) - رضي الله عنه - أتى به فأسلم بمكة ~~(7) وحقن النبي - صلى الله عليه وسلم - دمه. # وأما قوله: " إنه استحق أن يوصف بذلك دون غيره ". # ففرية على أهل السنة ; فإنه ليس فيهم من يقول: إن هذا من خصائص معاوية، ~~بل هو واحد من كتاب الوحي (8) . وأما [عبد الله بن PageV04P442 # سعد] (1) بن أبي سرح فارتد عن الإسلام، وافترى على النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -، ثم إنه عاد إلى الإسلام. # وأما قوله إنه نزل فيه: {ولكن من شرح بالكفر صدرا} . # فهو باطل ; فإن هذه الآية نزلت بمكة، لما (2) أكره عمار وبلال على الكفر. ~~وردة هذا كانت بالمدينة (3) بعد الهجرة، ولو قدر أنه نزلت فيه هذه الآية ; ~~فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قد قبل إسلامه وبايعه. # وقد قال تعالى: {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول ~~حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين أولئك جزاؤهم أن عليهم ~~لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ~~ينظرون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم} . # وأما قوله: " وقد «روى عبد الله بن عمر قال: أتيت النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - فسمعته يقول: " يطلع عليكم رجل يموت على غير سنتي " فطلع معاوية. ~~وقام النبي - صلى الله عليه وسلم - خطيبا، فأخذ معاوية بيد ابنه يزيد وخرج ~~ولم يسمع الخطبة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لعن الله القائد ~~والمقود، أي يوم يكون للأمة مع (4) معاوية ذي الإساءة» ". PageV04P443 # فالجواب: أن يقال: أولا: نحن نطالب بصحة هذا الحديث ; [فإن الاحتجاج ~~بالحديث] (1) لا يجوز إلا بعد ثبوته. ونحن نقول هذا في مقام المناظرة، وإلا ~~فنحن نعلم قطعا أنه كذب. # ويقال ثانيا: هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث، ~~ولا يوجد في شيء من دواوين الحديث التي يرجع إليها في معرفة الحديث، ولا له ~~إسناد معروف (2) . وهذا المحتج به لم يذكر له إسنادا. ثم من جهله ms0993 أن يروي ~~مثل هذا عن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمر كان من أبعد الناس عن ثلب ~~الصحابة، وأروى الناس لمناقبهم، وقوله في مدح معاوية معروف ثابت عنه، حيث ~~يقول: ما رأيت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسود من معاوية. قيل ~~له: ولا أبو بكر وعمر؟ فقال: كان أبو بكر وعمر خيرا منه، وما رأيت بعد رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - أسود من معاوية (3) . PageV04P444 # قال أحمد [بن حنبل] (1) : السيد الحليم [يعني معاوية] (2) ، وكان معاوية ~~كريما حليما. # ثم إن خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تكن واحدة، بل كان يخطب في ~~الجمع والأعياد والحج وغير ذلك. ومعاوية وأبوه يشهدان الخطب، كما يشهدها ~~المسلمون كلهم. أفتراهما (3) في كل خطبة كانا يقومان ويمكنان من ذلك؟ هذا ~~قدح في النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي سائر المسلمين، إذ يمكنون اثنين ~~دائما يقومان ولا يحضران (4) الخطبة ولا الجمعة. وإن كانا يشهدان كل خطبة، ~~فما بالهما يمتنعان [من سماع] خطبة (5) واحدة قبل أن يتكلم بها؟ . # ثم من المعلوم من سيرة معاوية أنه كان من أحلم الناس، وأصبرهم على من ~~يؤذيه، وأعظم الناس تأليفا لمن يعاديه، فكيف ينفر عن رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم -، مع أنه أعظم الخلق (6) مرتبة في الدين والدنيا، وهو محتاج ~~إليه في كل أموره؟ فكيف لا يصبر على سماع كلامه وهو بعد الملك [كان] (7) ~~يسمع كلام من يسبه (8) في وجهه؟ فلماذا لا (9) يسمع كلام النبي - صلى الله ~~PageV04P445 # عليه وسلم -؟ وكيف يتخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - كاتبا من هذه حاله؟ ~~. (1) # وقوله: " إنه أخذ بيد ابنه زيدا أو يزيد " (2) فمعاوية لم يكن له ابن ~~اسمه زيد (3) . وأما يزيد ابنه (4) الذي تولى [بعده] (5) الملك وجرى في ~~خلافته ما جرى، فإنما ولد في خلافة عثمان باتفاق أهل العلم، ولم يكن ~~لمعاوية ولد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. # قال الحافظ أبو الفضل ابن ناصر (6) : " خطب معاوية - رضي الله عنه - في ~~زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم ms0994 - فلم يزوج (7) لأنه كان فقيرا، وإنما ~~تزوج في زمن عمر - رضي الله عنه -، وولد له يزيد في زمن عثمان بن عفان - ~~رضي الله عنه - سنة سبع وعشرين من الهجرة ". # ثم نقول ثالثا: هذا الحديث يمكن معارضته بمثله من جنسه بما يدل على فضل ~~معاوية - رضي الله عنه -. قال الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في كتاب " ~~الموضوعات " (8) : " قد تعصب قوم ممن يدعي السنة، فوضعوا في PageV04P446 # فضل معاوية - رضي الله عنه - أحاديث ليغيظوا (1) الرافضة، وتعصب قوم من ~~الرافضة فوضعوا في ذمه أحاديث، وكلا الفريقين على الخطأ القبيح ". # وأما قوله: " إنه بالغ في محاربة علي ". # فلا ريب أنه اقتتل العسكران: عسكر علي ومعاوية بصفين، ولم يكن معاوية ممن ~~يختار الحرب ابتداء، بل كان من أشد الناس حرصا (2) على أن لا يكون قتال، ~~وكان غيره أحرص على القتال منه. وقتال صفين للناس فيه أقوال: فمنهم من ~~يقول: كلاهما كان مجتهدا [مصيبا] (3) ، كما يقول ذلك كثير من أهل الكلام ~~والفقه والحديث، ممن يقول: كل مجتهد مصيب، ويقول: كانا مجتهدين. وهذا قول ~~كثير من الأشعرية والكرامية والفقهاء وغيرهم، وهو قول طائفة (4) من أصحاب ~~[أبي حنيفة والشافعي] (5) وأحمد وغيرهم، وتقول الكرامية: كلاهما إمام مصيب، ~~ويجوز نصب إمامين للحاجة. # ومنهم من يقول: بل المصيب أحدهما لا بعينه، [وهذا قول طائفة منهم] . # ومنهم من يقول: علي هو المصيب وحده، ومعاوية مجتهد مخطئ، كما يقول ذلك ~~طوائف من أهل الكلام والفقهاء أهل المذاهب الأربعة. PageV04P447 # وقد حكى هذه الأقوال الثلاثة أبو عبد الله بن حامد عن أصحاب أحمد وغيرهم. # ومنهم من يقول: كان الصواب أن لا يكون قتال، وكان ترك القتال خيرا ~~للطائفتين، فليس في الاقتتال صواب، ولكن علي كان أقرب إلى الحق من معاوية، ~~والقتال قتال فتنة ليس بواجب ولا مستحب، وكان ترك القتال خيرا للطائفتين، ~~مع أن عليا كان أولى بالحق. # وهذا هو قول أحمد وأكثر أهل الحديث وأكثر أئمة (1) الفقهاء، وهو قول ~~أكابر الصحابة والتابعين [لهم بإحسان] (2) ، وهو قول عمران بن حصين - رضي ~~الله عنه -، وكان ينهى عن ms0995 بيع السلاح في ذلك القتال، ويقول: هو بيع السلاح ~~في الفتنة، وهو قول أسامة بن زيد، ومحمد بن مسلمة، وابن عمر، وسعد بن أبي ~~وقاص، وأكثر من بقي من السابقين [الأولين] من المهاجرين (3) والأنصار - رضي ~~الله عنهم -. # ولهذا كان من مذاهب (4) أهل السنة الإمساك عما شجر بين الصحابة، ~~PageV04P448 # فإنه قد ثبتت فضائلهم، ووجبت موالاتهم ومحبتهم. وما وقع منه ما يكون لهم ~~فيه عذر يخفى على الإنسان، ومنه ما تاب صاحبه منه، ومنه ما يكون مغفورا. ~~فالخوض فيما شجر يوقع في نفوس كثير من الناس بغضا وذما، ويكون هو في ذلك ~~(1) مخطئا، بل عاصيا، فيضر نفسه ومن خاض معه في ذلك، كما جرى لأكثر من تكلم ~~في ذلك ; فإنهم تكلموا بكلام لا يحبه الله ولا رسوله: إما من ذم من لا ~~يستحق الذم، وإما من مدح أمور لا تستحق المدح (2) . # [ولهذا كان] الإمساك (3) طريقة أفاضل السلف (4) . وأما غير هؤلاء فمنهم ~~من يقول: [كان معاوية فاسقا دون علي، كما يقوله بعض المعتزلة. ومنهم من ~~يقول: بل كان كافرا، كما يقوله بعض الرافضة، ومنهم من يقول:] (5) كلاهما ~~كافر: علي ومعاوية، كما يقوله الخوارج. ومنهم من يقول: فسق أحدهما لا ~~بعينه، كما يقوله بعض المعتزلة. ومنهم من يقول: [بل] (6) معاوية على الحق ~~وعلي كان ظالما، كما تقوله المروانية. # والكتاب - والسنة - قد دل على أن الطائفتين مسلمون، وأن ترك القتال كان ~~خيرا من وجوده. قال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا PageV04P449 # فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء ~~إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب ~~المقسطين} فسماهم (1) مؤمنين إخوة مع وجود الاقتتال والبغي. # وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «تمرق مارقة ~~على حين فرقة من المسلمين يقتلهم أولى الطائفتين بالحق» " (2) وهؤلاء ~~المارقة مرقوا على علي، فدل على أن طائفته أقرب إلى الحق من طائفة معاوية. # وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «إن ابني هذا ~~سيد، وإن الله ms0996 سيصلح به بين فئتين عظيمتين من المؤمنين» " (3) فأصلح الله ~~به بين أصحاب علي وأصحاب معاوية، فمدح النبي - صلى الله عليه وسلم - الحسن ~~بالإصلاح بينهما، وسماهما مؤمنين. وهذا يدل على أن الإصلاح بينهما هو ~~المحمود، ولو كان القتال واجبا أو مستحبا، لم يكن تركه محمودا. # وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «ستكون فتنة القاعد ~~فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من ~~الساعي، من يستشرف لها تستشرفه، ومن وجد فيها ملجأ فليعذ به» " أخرجاه في ~~الصحيحين (4) . # وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «يوشك أن ~~PageV04P450 # يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من ~~الفتن» " (1) . # وفي الصحيح عن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - أنه قال: " «إني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كمواقع القطر» " (2) . # والذين رووا أحاديث القعود في الفتنة والتحذير منها، كسعد بن أبي وقاص، ~~ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد لم يقاتلوا لا مع علي ولا مع معاوية. # وقال حذيفة - رضي الله عنه -: " «ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلا أنا ~~PageV04P451 # أخافها عليه إلا محمد بن مسلمة ; فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - يقول له: " لا تضرك الفتنة» (1) . # وعن ثعلبة بن ضبيعة (2) قال: «دخلنا على حذيفة فقال: " إني لأعرف رجلا لا ~~تضره الفتنة شيئا، فخرجنا فإذا فسطاط مضروب فدخلنا فإذا فيه محمد بن مسلمة، ~~فسألناه عن ذلك فقال: ما أريد أن يشتمل علي شيء من أمصارهم حتى تنجلي عما ~~انجلت» " رواهما (3) أبو داود (4) . ### | [فصل وقوع أمور في الأمة بالتأويل في دمائها وأموالها وأعراضها] # (فصل) . # ومما ينبغي أن يعلم أن الأمة يقع فيها أمور بالتأويل (5) في دمائها ~~وأموالها وأعراضها، كالقتال واللعن والتكفير. وقد ثبت في الصحيحين «عن ~~أسامة بن زيد - رضي الله عنه - أنه قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - في سرية، فصبحنا الحرقات من جهينة، فأدركت رجلا فعلوته بالسيف، ~~PageV04P452 # فقال: لا إله ms0997 إلا الله، فطعنته فقتلته، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته ~~للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: " أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟ ~~" قال: قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح. قال: " أفلا شققت عن ~~قلبه حتى تعلم أقالها [خوفا من السلاح] (1) أم لا؟ " فما زال يكررها حتى ~~تمنيت أني أسلمت يومئذ» " (2) . # وفي الصحيحين «عن المقداد بن الأسود - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول ~~الله، أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي فقطعها ثم لاذ ~~مني بشجرة، فقال: أسلمت لله. أفأقتله بعد أن قالها؟ قال رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم -: " لا تقتله " فقلت: يا رسول الله إنه قطعها ثم قال [ذلك] ~~(3) بعد أن قطعها، أفأقتله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا ~~تقتله، فإنك إن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول ~~كلمته التي قالها» " (4) . # فقد ثبت أن هؤلاء قتلوا قوما مسلمين لا (5) يحل قتلهم، ومع هذا فلم ~~يقتلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا ضمن المقتول بقود ولا دية ~~PageV04P453 # ولا كفارة، لأن القاتل كان متأولا. وهذا قول أكثر العلماء، كالشافعي ~~وأحمد وغيرهما. ومن الناس من يقول: بل كانوا أسلموا ولم يهاجروا، فثبتت في ~~حقهم العصمة المؤثمة دون المضمنة، بمنزلة نساء أهل الحرب وصبيانهم، كما ~~يقوله أبو حنيفة وبعض المالكية. ثم إن جماهير العلماء، كمالك [وأبي حنيفة] ~~(1) وأحمد في ظاهر مذهبه، والشافعي في أحد قوليه: يقولون: إن أهل العدل ~~والبغاة إذا اقتتلوا بالتأويل لم يضمن هؤلاء ما أتلفوه لهؤلاء من النفوس ~~(2) والأموال حال القتال، ولم يضمن هؤلاء ما أتلفوه لهؤلاء (3) . # كما قال الزهري: وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~(4) متوافرون، فأجمعوا أن كل دم أو مال أصيب بتأويل القرآن فإنه هدر، ~~أنزلوهم (5) منزلة الجاهلية. يعني بذلك أن القاتل لم يكن يعتقد أنه فعل ~~محرما (6) . وإن قيل (7) : إنه محرم في نفس الأمر، فقد ثبت بسنة رسول الله ~~- صلى الله عليه وسلم - المتواترة واتفاق المسلمين أن الكافر ms0998 الحربي إذا ~~قتل PageV04P454 # مسلما أو أتلف ماله ثم أسلم، لم يضمنه بقود [ولا دية] (1) ولا كفارة، مع ~~أن قتله له كان من أعظم الكبائر؛ لأنه كان متأولا، وإن كان تأويله فاسدا. # وكذلك المرتدون الممتنعون إذا قتلوا بعض المسلمين، لم يضمنوا دمه إذا ~~عادوا إلى الإسلام عند أكثر العلماء، كما هو قول (2) أبي حنيفة ومالك ~~وأحمد، وإن كان من متأخري أصحابه من يحكيه قولا، كأبي بكر عبد العزيز (3) ~~حيث قد نص أحمد على أن المرتد يضمن ما أتلفه بعد الردة. # فهذا النص في المرتد المقدور عليه، وذاك في المحارب الممتنع، كما يفرق ~~بين الكافر الذمي (4) والمحارب، أو يكون في المسألة روايتان، وللشافعي ~~قولان، وهذا هو الصواب ; فإن المرتدين الذين قاتلهم الصديق وسائر الصحابة ~~لم يضمنهم الصحابة بعد عودهم إلى الإسلام بما كانوا قتلوه من المسلمين ~~وأتلفوه من أموالهم؛ لأنهم كانوا متأولين. # فالبغاة المتأولون كذلك لم تضمنهم الصحابة - رضي الله عنهم -، وإذا كان ~~هذا (5) في الدماء والأموال، مع أن من أتلفها خطأ ضمنها بنص القرآن فكيف في ~~الأعراض (6) ؟ مثل لعن بعضهم بعضا، وتكفير بعضهم بعضا. # وقد ثبت في الصحيحين «من حديث الإفك، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ~~" من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي. والله ما علمت على PageV04P455 # أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا [والله] (1) ما علمت عليه إلا خيرا، وما ~~كان يدخل على أهلي إلا معي ". قال سعد بن معاذ: أنا أعذرك منه، إن كان من ~~الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا الخزرج (2) أمرتنا ففعلنا فيه أمرك. ~~فقام (3) سعد بن عبادة، وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية، ~~فقال: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير فقال: ~~كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فاستب الحيان حتى ~~جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم، وكان سعد بن عبادة - رضي الله ~~عنه - يريد الدفع عن عبد الله بن أبي المنافق، [فقال له أسيد بن حضير: إنك ~~منافق] » (4) ، وهذا كان ms0999 تأويلا [منه] (5) . # وكذلك ثبت في الصحيحين «أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال لحاطب بن ~~أبي بلتعة: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، لما كاتب المشركين ~~بخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، [فقال له رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم -] (6) : " إنه شهد بدرا، وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال: ~~اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» " (7) . PageV04P456 # وثبت في الصحيحين «أن طائفة من المسلمين قالوا في مالك بن الدخشن: إنه ~~منافق، فأنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك» ولم يكفرهم. # فقد ثبت أن في الصحابة من قال عن بعض أمته: إنه منافق متأولا في ذلك، ولم ~~يكفر النبي - صلى الله عليه وسلم - واحدا منهما (1) . # . وقد ثبت في الصحيح (2) . # أن فيهم من لعن عبد الله حمارا (3) لكثرة شربه PageV04P457 # الخمر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «لا تلعنه فإنه يحب الله ~~ورسوله» " (1) ولم يعاقب اللاعن لتأويله. # والمتأول المخطيء مغفور له بالكتاب والسنة. قال الله تعالى في دعاء ~~المؤمنين: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} وثبت في الصحيح (2) أن ~~الله عز وجل قال ; " قد فعلت " (3) # . وفي سنن ابن ماجه وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «إن ~~الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان» " (4) . ### | [الراففضة يعظمون الأمر على من قاتل عليا ويمدحون من قتل عثمان] # (فصل) . # إذا تبين هذا فيقال: قول الرافضة من أفسد الأقوال وأشدها تناقضا ; فإنهم ~~يعظمون الأمر على من قاتل عليا، ويمدحون من قتل عثمان، مع أن الذم والإثم ~~لمن قتل عثمان أعظم من الذم والإثم لمن قاتل عليا، فإن عثمان PageV04P458 # كان خليفة اجتمع الناس عليه، ولم يقتل (1) . ### | 1 - # مسلما، وقد قاتلوه لينخلع من (2) # الأمر، فكان عذره في أن يستمر على ولايته أعظم من عذر علي في طلبه ~~لطاعتهم (3) # له، وصبر عثمان حتى قتل مظلوما شهيدا من غير أن يدفع عن نفسه، وعلي بدأ ~~بالقتال (4) أصحاب معاوية، ولم يكونوا يقاتلونه، ولكن امتنعوا من بيعته. # فإن جاز قتال من امتنع عن بيعة الإمام الذي بايعه نصف ms1000 المسلمين، أو ~~أكثرهم [أو نحو ذلك] (5) ، فقتال من قاتل (6) وفي سائر النسخ: فيقال من ~~قاتل. # وقتل الإمام الذي أجمع (7) # المسلمون على بيعته أولى بالجواز. # وإن قيل: إن عثمان فعل أشياء أنكروها. # قيل: تلك الأشياء لم تبح خلعه ولا قتله (8) # ، وإن أباحت خلعه وقتله كان ما نقموه على علي أولى أن يبيح ترك مبايعته ; ~~فإنهم إن ادعوا على عثمان نوعا من المحاباة لبني أمية فقد ادعوا (9) # على علي تحاملا عليهم وتركا لإنصافهم، وأنه بادر بعزل معاوية، ولم يكن ~~ليستحق (10) العزل ; فإن النبي PageV04P459 # - صلى الله عليه وسلم - ولى أباه أبا سفيان على نجران، ومات رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - وهو أمير عليها (1) ، وكان كثير من أمراء النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - على الأعمال من بني أمية ; فإنه استعمل على مكة عتاب بن ~~أسيد بن أبي العاص بن أمية، واستعمل خالد بن سعيد بن العاص بن أمية على ~~صدقات مذحج وصنعاء اليمن، ولم يزل عليها حتى مات النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -، واستعمل عمرا على تيماء [وخيبر وقرى عرينة] (2) # وأبان بن سعيد بن العاص [استعمله أيضا على البحرين برها وبحرها حين عزل ~~العلاء بن الحضرمي، فلم يزل عليها حتى مات النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~وأرسله قبل ذلك أميرا على سرايا منها سرية إلى نجد] (3) وولاه عمر - رضي ~~الله عنه -، ولا يتهم لا في دينه ولا في سياسته. [وقد ثبت] في الصحيح (4) ~~عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ~~ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم. وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ~~ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم» " (5) . PageV04P460 # قالوا: ومعاوية كانت رعيته تحبه وهو يحبهم (1) # ، ويصلون عليه وهو يصلي عليهم. [وقد ثبت] في الصحيح (2) عن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - أنه قال: " «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا ~~يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم» " (3) # . قال مالك بن يخامر: سمعت معاذا يقول: " وهم بالشام " قالوا: " وهؤلاء ~~كانوا عسكر معاوية ". # وفي صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «لا يزال ms1001 أهل ~~الغرب ظاهرين حتى تقوم الساعة» " (4) قال أحمد بن حنبل (5) أهل PageV04P461 # الغرب هم أهل الشام. وقد بسطنا هذا في موضع آخر، وهذا [النص] (1) يتناول ~~عسكر معاوية. # قالوا: ومعاوية أيضا (2) كان خيرا من كثير ممن استنابه علي، فلم يكن ~~يستحق أن يعزل ويولى من هو دونه في السياسة، فإن عليا استناب زياد بن أبيه، ~~وقد أشاروا (3) على علي بتولية معاوية. [قالوا: يا أمير المؤمنين توليه ~~شهرا واعزله دهرا] (4) . ولا ريب أن هذا كان هو المصلحة، إما لاستحقاقه ~~وإما لتأليفه (5) واستعطافه، فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~أفضل من علي، وولى أبا سفيان، ومعاوية خير منه، فولى من هو خير من علي من ~~هو دون معاوية. # فإذا قيل: إن عليا كان مجتهدا في ذلك. # قيل: وعثمان كان مجتهدا فيما فعل. وأين الاجتهاد في تخصيص بعض الناس ~~بولاية [أو إمارة] (6) أو مال، من الاجتهاد في سفك المسلمين بعضهم دماء ~~بعض، حتى ذل المؤمنون وعجزوا عن مقاومة الكفار، حتى طمعوا فيهم وفي ~~الاستيلاء عليهم؟ ولا ريب أنه لو لم يكن قتال، بل كان معاوية مقيما على ~~سياسة رعيته، وعلي مقيما (7) على سياسة رعيته، لم يكن في ذلك PageV04P462 # من الشر أعظم (1) مما حصل بالاقتتال ; فإنه بالاقتتال لم تزل هذه الفرقة ~~ولم يجتمعوا على إمام، بل سفكت الدماء، وقويت العداوة والبغضاء، وضعفت ~~الطائفة التي كانت أقرب إلى الحق، وهي طائفة علي، وصاروا يطلبون من الطائفة ~~الأخرى من المسالمة ما [كانت] (2) تلك تطلبه ابتداء. # ومعلوم أن الفعل الذي تكون مصلحته راجحة على مفسدته، يحصل به من الخير ~~أعظم مما يحصل بعدمه (3) . وهنا لم يحصل بالاقتتال مصلحة، بل كان الأمر مع ~~عدم القتال (4) خيرا وأصلح منه بعد القتال، و [كان] علي وعسكره [أكثر] ~~وأقوى (5) ، ومعاوية وأصحابه أقرب إلى موافقته ومسالمته (6) ومصالحته، فإذا ~~كان مثل هذا الاجتهاد مغفورا لصاحبه، فاجتهاد عثمان أن يكون مغفورا أولى ~~وأحرى. # وأما معاوية وأعوانه فيقولون: إنما قاتلنا عليا قتال دفع عن أنفسنا ~~وبلادنا ; فإنه بدأنا (7) بالقتال فدفعناه بالقتال ولم نبتدئه بذلك ولا ms1002 ~~اعتدينا عليه. فإذا قيل لهم: هو الإمام الذي كانت تجب طاعته عليكم ومبايعته ~~وأن لا تشقوا عصا المسلمين. قالوا: ما نعلم أنه إمام تجب طاعته؛ لأن ذلك ~~عند الشيعة إنما يعلم بالنص، ولم يبلغنا عن النبي - صلى الله عليه ~~PageV04P463 # وسلم - نص بإمامته ووجوب طاعته. ولا ريب أن عذرهم في هذا ظاهر، فإنه لو ~~قدر أن النص الجلي الذي تدعيه الإمامية حق، فإن هذا قد كتم وأخفي في زمن ~~أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم -، فلم يجب أن يعلم معاوية وأصحابه ~~مثل ذلك لو كان حقا، فكيف إذا كان باطلا؟ ! . # وأما قوله: " الخلافة ثلاثون سنة " ونحو ذلك. فهذه الأحاديث لم تكن ~~مشهورة شهرة يعلمها مثل أولئك ; إنما هي من نقل الخاصة [لا سيما] (1) وليست ~~من أحاديث الصحيحين وغيرهما. وإذا كان عبد الملك بن مروان خفي عليه قول ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة - رضي الله عنها -: " «لولا أن قومك ~~حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة، ولألصقتها بالأرض، ولجعلت لها بابين» " ~~(2) ونحو ذلك، حتى هدم (3) ما فعله ابن الزبير، ثم لما بلغه ذلك قال: وددت ~~أني وليته من ذلك ما تولاه. مع أن حديث عائشة - رضي الله عنها -[ثابت] صحيح ~~متفق على [صحته] عند أهل العلم (4) ، فلأن يخفى على معاوية وأصحابه قوله: " ~~«الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا» " بطريق الأولى، مع أن هذا في أول ~~خلافة علي - رضي الله عنه - لا يدل على علي عينا، وإنما علمت دلالته على ~~ذلك لما مات - رضي الله عنه -، مع أنه ليس نصا في إثبات خليفة معين. ~~PageV04P464 # ومن جوز خليفتين (1) في وقت يقول: كلاهما خلافة نبوة ; فإن معاوية - رضي ~~الله عنه - كان في أول خلافته محمودا عندهم أكثر مما كان في آخرها. وإن ~~قيل: إن خلافة علي ثبتت بمبايعة أهل الشوكة، كما ثبتت خلافة من كان قبله ~~بذلك، أوردوا على ذلك أن طلحة بايعه مكرها، والذين بايعوه قاتلوه، فلم تتفق ~~(2) أهل الشوكة على طاعته. # وأيضا فإنما تجب مبايعته كمبايعة من قبله إذا سار سيرة من ms1003 قبله. وأولئك ~~كانوا قادرين على دفع الظلم عمن يبايعهم، وفاعلين لما يقدرون عليه من ذلك. ~~وهؤلاء قالوا: إذا بايعناه كنا في ولايته مظلومين بولايته (3) مع الظلم ~~الذي تقدم لعثمان، وهو لا ينصفنا إما لعجزه عن ذلك، وإما تأويلا منه، وإما ~~لما ينسبه إليه آخرون منهم ; فإن قتلة عثمان وحلفاءهم أعداؤنا، وهم كثيرون ~~في عسكره، وهو عاجز عن دفعهم، بدليل ما جرى يوم الجمل ; فإنه لما طلب طلحة ~~والزبير الانتصار من قتلة عثمان، قامت قبائلهم فقاتلوهم (4) . # ولهذا كان الإمساك عن مثل هذا هو المصلحة، كما أشار به علي على طلحة ~~والزبير، واتفقوا على ذلك. ثم إن القتلة أحسوا باتفاق الأكابر، فأثاروا ~~الفتنة (5) وبدأوا بالحملة على عسكر طلحة والزبير، وقالوا لعلي: إنهم ~~PageV04P465 # حملوا قبل ذلك، فقاتل كل من هؤلاء وهؤلاء [دفعا عن نفسه] ، ولم يكن لعلي ~~(1) ولا لطلحة والزبير غرض في القتال أصلا، وإنما كان الشر (2) من قتلة ~~عثمان. # [وإذا كان لا ينصفنا إما تأويلا منه وإما عجزا منه عن نصرتنا، فليس علينا ~~أن نبايع من نظلم بولايته لا لتأوليه ولا لعجزه] (3) . قالوا: والذين جوزوا ~~قتالنا قالوا: إنا بغاة، والبغي ظلم، فإن كان مجرد الظلم مبيحا للقتال، ~~فلأن يكون مبيحا لترك المبايعة أولى وأحرى، فإن القتال أعظم فسادا من ترك ~~المبايعة بلا قتال. # وإن قيل: علي - رضي الله عنه - لم يكن متعمدا لظلمهم، بل كان مجتهدا في ~~العدل لهم وعليهم. # قالوا: وكذلك نحن لم نكن متعمدين للبغي، بل مجتهدين في العدل له وعليه. ~~وإذا كنا بغاة كنا بغاة للتأويل. والله تعالى لم يأمر بقتال الباغي ابتداء، ~~وليس مجرد البغي مبيحا للقتال، بل قال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين ~~اقتتلوا فأصلحوا بينهما} سورة الحجرات فأمر بالإصلاح عند الاقتتال، ثم قال: ~~{فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} ~~وهذا بغي بعد الاقتتال، فإنه بغي إحدى الطائفتين المقتتلتين لا بغي بدون ~~الاقتتال، فالبغي المجرد PageV04P466 # لا يبيح القتال، مع أن الذي في الحديث أن عمارا تقتله (1) # الفئة الباغية، قد تكون ms1004 (2) الفئة التي باشرت قتله أ، ن، ص، و، ه: الفئة ~~هي التي باشرت قتله. ### | 1 - # [هم البغاة] (3) لكونهم قاتلوا لغير حاجة إلى القتال أو لغير ذلك، وقد ~~تكون غير بغاة قبل القتال، لكن لما اقتتلتا بغيتا، وحينئذ قتل عمارا الفئة ~~الباغية. فليس في الحديث ما يدل على أن البغي كان منا قبل القتال، ولما ~~بغينا كان عسكر علي متخاذلا لم يقاتلنا. ولهذا قالت عائشة - رضي الله عنها ~~-: ترك الناس العمل بهذه الآية. # وأما قوله: " إن معاوية قتل جمعا كثيرا من خيار الصحابة ". # فيقال: الذين قتلوا [قتلوا] (4) من الطائفتين ; قتل هؤلاء من هؤلاء، ~~وهؤلاء من هؤلاء. وأكثر الذين كانوا يختارون القتال من الطائفتين لم يكونوا ~~يطيعون لا عليا ولا معاوية، وكان علي ومعاوية - رضي الله عنهما - أطلب لكف ~~الدماء من أكثر المقتتلين، لكن غلبا فيما وقع. والفتنة إذا ثارت عجز ~~الحكماء (5) عن إطفاء نارها، وكان في العسكرين مثل الأشتر النخعي، وهاشم بن ~~عتبة [المرقال] (6) وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وأبي الأعور السلمي، ~~ونحوهم من المحرضين على القتال: قوم ينتصرون لعثمان PageV04P467 # غاية الانتصار، وقوم ينفرون عنه، [وقوم ينتصرون لعلي، وقوم ينفرون عنه] ~~(1) . # ثم قتال أصحاب معاوية معه لم يكن لخصوص معاوية، بل كان لأسباب أخرى. ~~وقتال الفتنة مثل قتال الجاهلية لا تنضبط مقاصد أهله واعتقاداتهم، كما قال ~~الزهري: " وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوافرون، ~~فأجمعوا أن كل دم أو مال أو فرج (2) أصيب بتأويل القرآن فإنه هدر: أنزلوهم ~~منزلة الجاهلية ". # وأما ما ذكره من لعن علي، فإن التلاعن وقع من الطائفتين كما وقعت ~~المحاربة، وكان هؤلاء يلعنون رءوس هؤلاء في دعائهم، وهؤلاء يلعنون رءوس ~~هؤلاء في دعائهم. وقيل: إن كل طائفة كانت تقنت على الأخرى. والقتال باليد ~~أعظم من التلاعن باللسان، وهذا كله سواء كان ذنبا أو اجتهادا: مخطئا أو ~~مصيبا، فإن مغفرة الله ورحمته تتناول ذلك بالتوبة والحسنات الماحية ~~والمصائب المكفرة وغير ذلك. # ثم من العجب أن الرافضة تنكر سب علي، وهم يسبون أبا بكر وعمر وعثمان ms1005 ~~ويكفرونهم ومن والاهم. ومعاوية - رضي الله عنه - وأصحابه ما كانوا يكفرون ~~عليا، وإنما يكفره الخوارج المارقون، والرافضة شر منهم. فلو أنكرت الخوارج ~~السب لكان تناقضا منها، فكيف إذا أنكرته الرافضة؟ ! . # ولا ريب أنه لا يجوز سب أحد من الصحابة: لا علي ولا عثمان ولا غيرهما، ~~ومن سب أبا بكر وعمر وعثمان فهو أعظم إثما ممن سب عليا، PageV04P468 # وإن كان متأولا فتأويله أفسد من تأويل من سب عليا، وإن كان المتأول في ~~سبهم ليس بمذموم لم يكن أصحاب معاوية مذمومين، وإن كان مذموما كان ذم ~~الشيعة الذين سبوا الثلاثة أعظم من سب الناصبة الذين سبوا عليا وحده. فعلى ~~كل تقدير هؤلاء أبعد عن الحق. # وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «لا تسبوا ~~أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا ~~نصيفه» " (1) . # وأما قوله: " إن معاوية سم الحسن ". # فهذا مما ذكره بعض الناس، ولم يثبت ذلك ببينة شرعية، أو إقرار معتبر، ولا ~~نقل يجزم به. وهذا مما لا يمكن العلم به، فالقول به قول بلا علم. وقد رأينا ~~في زماننا من يقال عنه: إنه سم ومات مسموما من الملوك وغيرهم (2) ، ويختلف ~~الناس في ذلك، حتى في نفس الموضع الذي مات فيه ذلك الملك، والقلعة التي مات ~~فيها، فتجد كلا منهم يحدث بالشيء بخلاف ما يحدث به الآخر، ويقول: هذا سمه ~~فلان، وهذا يقول: بل سمه غيره (3) لأنه جرى كذا، وهي واقعة في زمانك، ~~والذين كانوا في قلعته هم الذين يحدثونك. # والحسن - رضي الله عنه - قد نقل عنه (4) أنه مات مسموما. وهذا مما يمكن ~~PageV04P469 # أن يعلم، فإن موت المسموم لا يخفى، لكن يقال: إن امرأته سمته. ولا ريب ~~أنه مات بالمدينة ومعاوية بالشام، فغاية ما يظن الظان [أن يقال] : (1) إن ~~معاوية أرسل إليها وأمرها بذلك. وقد يقال: بل سمته امرأته (2) لغرض آخر مما ~~تفعله النساء ; فإنه كان مطلاقا لا يدوم مع امرأة. # وقد قيل (3) : إن أباها الأشعث بن قيس أمرها بذلك (4) ; فإنه ms1006 كان يتهم ~~بالانحراف في الباطن عن علي (5) وابنه الحسن. # وإذا قيل: إن معاوية أمر أباها، كان هذا ظنا محضا. والنبي - صلى الله ~~عليه وسلم - قال: (6) " «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث» " (7) . # وبالجملة فمثل هذا لا يحكم به في الشرع باتفاق المسلمين، فلا يترتب ~~PageV04P470 # عليه أمر ظاهر: لا مدح ولا ذم، والله أعلم. * ثم إن الأشعث بن قيس مات ~~سنة أربعين، وقيل: سنة إحدى وأربعين، ولهذا لم يذكر في الصلح الذي كان بين ~~معاوية والحسن بن علي، في العام الذي كان يسمى عام الجماعة، وهو عام أحد ~~وأربعين (1) ، وكان الأشعث حما (2) الحسن بن علي، فلو كان شاهدا لكان يكون ~~له ذكر في ذلك، وإذا كان قد مات قبل الحسن بنحو عشر سنين، فكيف يكون هو ~~الذي أمر ابنته أن تسم الحسن؟ (3) # والله سبحانه وتعالى أعلم * (4) بحقيقة الحال، وهو يحكم بين عباده فيما ~~كانوا فيه يختلفون. فإن كان قد وقع شيء من ذلك فهو من باب قتال (5) بعضهم ~~بعضا [كما تقدم، وقتال المسلمين بعضهم بعضا] (6) بتأويل، وسب بعضهم بعضا ~~بتأويل، وتكفير بعضهم بعضا بتأويل: باب عظيم، ومن لم يعلم حقيقة الواجب فيه ~~وإلا (7) ضل. PageV04P471 # وأما قوله: " وقتل ابنه يزيد مولانا الحسين ونهب نساءه ". # فيقال: إن يزيد لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل، ولكن كتب إلى ابن ~~زياد أن يمنعه عن ولاية العراق. والحسين - رضي الله عنه - كان يظن أن أهل ~~العراق ينصرونه ويفون له (1) بما كتبوا إليه، فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن ~~عقيل، فلما قتلوا مسلما وغدروا به وبايعوا ابن زياد، أراد الرجوع فأدركته ~~السرية الظالمة، فطلب (2) أن يذهب إلى يزيد، أو يذهب إلى الثغر، أو يرجع ~~إلى بلده، فلم يمكنوه من شيء من ذلك حتى يستأسر (3) لهم، فامتنع، فقاتلوه ~~حتى قتل شهيدا مظلوما - رضي الله عنه -، ولما بلغ ذلك يزيد أظهر التوجع على ~~ذلك، وظهر (4) البكاء في داره، ولم يسب له حريما أصلا، بل أكرم أهل بيته، ~~وأجازهم حتى ردهم إلى بلدهم (5) . # ولو قدر أن يزيد قتل الحسين لم ms1007 يكن ذنب ابنه (6) ذنبا له ; فإن الله ~~تعالى يقول: ((7) قصة معروفة، لما حضه على PageV04P472 # طلب الخلافة، وامتناع (1) سعد من ذلك، ولم يكن بقي من أهل الشورى غيره. # ففي صحيح مسلم «عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: كان سعد بن أبي وقاص في ~~إبله، فجاءه (2) ابنه عمر، فلما رآه سعد قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب. ~~فنزل فقال له أنزلت في إبلك وغنمك وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم؟ فضرب ~~سعد في صدره فقال: اسكت، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إن ~~الله يحب العبد التقي الغني الخفي» (3) . # ومحمد بن أبي بكر يقال: إنه أعان على قتل عثمان، وكان أبوه أبو بكر - رضي ~~الله عنه - من أشد الناس تعظيما لعثمان، فهل روى أحد من أهل السنة قدحا في ~~أبي بكر لأجل فعل ابنه (4) . # وإذا قيل: إن معاوية - رضي الله عنه - استخلف يزيد، وبسبب ولايته فعل ~~هذا. # قيل: استخلافه إن كان جائزا لم يضره ما فعل، وإن لم يكن جائزا فذاك ذنب ~~مستقل ولو لم يقتل الحسين. وهو مع ذلك كان من أحرص الناس على إكرام الحسين ~~- رضي الله عنه - وصيانة حرمته، فضلا عن دمه (5) ، فمع هذا القصد والاجتهاد ~~لا يضاف إليه فعل أهل الفساد. PageV04P473 # وأما قوله: " وكسر أبوه ثنية النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأكلت أمه ~~كبد حمزة عم النبي - صلى الله عليه وسلم - ". # فلا ريب أن أبا سفيان بن حرب كان قائد المشركين يوم أحد، وكسرت ذلك اليوم ~~ثنية النبي - صلى الله عليه وسلم -، كسرها بعض المشركين. لكن لم يقل أحد: ~~إن أبا سفيان باشر ذلك، وإنما كسرها عتبة بن أبي وقاص (1) ، وأخذت هند كبد ~~حمزة فلاكتها، فلم تستطع أن تبلعها فلفظتها. # وكان هذا قبل إسلامهم، ثم بعد ذلك أسلموا وحسن إسلامهم وإسلام هند، وكان ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - يكرمها، والإسلام يجب ما قبله، وقد قال الله ~~تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} سورة الأنفال. # وفي صحيح مسلم عن عبد ms1008 الرحمن بن شماسة المهري قال: (2) «حضرنا (3) ~~PageV04P474 # عمرو بن العاص وهو في سياقة (1) الموت، فبكى طويلا، وحول وجهه إلى ~~الجدار، فجعل ابنه يقول: (2) ما يبكيك يا أبتاه؟ أما بشرك رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - بكذا؟ أما بشرك بكذا؟ قال: فأقبل بوجهه فقال: (3) إن أفضل ~~ما نعد (4) شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، إني قد كنت على ~~أطباق ثلاث، لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم ~~- مني، ولا أحب إلي أن أكون قد استمكنت منه فقتلته، فلو مت على تلك الحال ~~لكنت من أهل النار، فلما جعل الله - عز وجل - الإسلام في قلبي أتيت النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه. قال: فقبضت ~~يدي. فقال: " ما لك (5) يا عمرو؟ " قال: قلت: أريد أن أشترط، قال: " تشترط ~~بماذا؟ " (6) قلت: أن يغفر لي. قال: (7) " أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان ~~قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله؟» " وذكر ~~الحديث (8) . # وفي البخاري: لما أسلمت هند [أم معاوية - رضي الله عنهما -] قالت: (9) ~~PageV04P475 # والله يا رسول الله ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يذلوا من ~~أهل خبائك، ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من ~~أهل خبائك (1) . ### | كلام الرافضي على خالد بن الوليد رضي الله عنه والرد عليه # (فصل) (2) . # قال الرافضي (3) : " وسموا خالد بن الوليد سيف الله عنادا لأمير ~~المؤمنين، الذي هو أحق بهذا الاسم، حيث (4) قتل بسيفه الكفار، وثبت بواسطته ~~قواعد الدين (5) ، وقال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: علي سيف ~~الله وسهم الله. وقال علي على المنبر: أنا سيف الله على أعدائه، ورحمته (6) ~~لأوليائه. # وخالد لم يزل عدوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكذبا له، وهو كان ~~السبب في قتل المسلمين يوم أحد، وفي كسر رباعية النبي - صلى الله عليه وسلم ~~-، وفي قتل حمزة (7) عمه، ولما تظاهر بالإسلام بعثه النبي - صلى الله ms1009 عليه ~~وسلم - إلى بني جذيمة ليأخذ منهم PageV04P476 # الصدقات، فخانه وخالفه على أمره وقتل المسلمين، «فقام النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - في أصحابه خطيبا (1) بالإنكار عليه رافعا يديه (2) إلى السماء ~~حتى شوهد بياض إبطيه، وهو يقول: " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد» ، ثم ~~أنفذ إليه بأمير المؤمنين لتلافي فارطه (3) ، وأمره بأن (4) يسترضي القوم ~~من فعله " ك: القوم ففعل.. # فيقال: أما تسمية خالد بسيف الله فليس هو مختصا به، بل هو " سيف من سيوف ~~الله سله الله على المشركين " هكذا جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم (5) . - والنبي - صلى الله عليه وسلم - هو أول من سماه بهذا ~~PageV04P477 # الاسم، كما ثبت في صحيح البخاري من حديث أيوب السختياني، عن حميد بن ~~هلال، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيه خبرهم، فقال: " أخذ الراية ~~زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان، ~~حتى أخذها سيف من سيوف الله خالد (1) حتى فتح الله عليهم» " (2) .. # وهذا لا يمنع أن يكون غيره سيفا لله تعالى، بل هو يتضمن أن سيوف الله ~~متعددة، وهو واحد منها. ولا ريب أن خالدا قتل من الكفار أكثر مما قتل غيره، ~~وكان سعيدا في حروبه، وهو أسلم قبل فتح مكة بعد الحديبية، هو وعمرو بن ~~العاص، وشيبة بن عثمان، وغيرهم. ومن حين أسلم كان النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - يؤمره في الجهاد، وخرج في غزوة مؤتة التي قال فيها النبي - صلى الله ~~عليه وسلم -: " «أميركم زيد، فإن قتل فجعفر، فإن قتل PageV04P478 # فعبد الله بن رواحة» " (1) . وكانت قبل فتح مكة، ولهذا لم يشهد هؤلاء فتح ~~مكة، فلما قتل هؤلاء الأمراء أخذ الراية خالد بن الوليد من غير إمرة، ففتح ~~الله على يديه، وانقطع في يده (2) يوم مؤتة تسعة أسياف، وما ثبت معه إلا ~~صفيحة يمانية. رواه البخاري ومسلم (3) . ثم إن رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - أمره يوم فتح مكة ms1010، وأرسله إلى هدم العزى، وأرسله إلى بني جذيمة، ~~وأرسله إلى غير هؤلاء، وكان أحيانا يفعل ما ينكره عليه، كما فعل يوم بني ~~جذيمة، وتبرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك (4) . # ثم إنه مع هذا لا يعزله، بل يقره على إمارته. وقد اختصم هو وعبد الرحمن ~~بن عوف يوم بني جذيمة، حتى قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «لا ~~تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد ~~أحدهم ولا نصيفه» ". # وأمره أبو بكر على قتال أهل الردة، وفتح العراق، والشام، فكان من أعظم ~~الناس غناء (5) في قتال العدو. وهذا أمر لا يمكن أحد (6) إنكاره. فلا ريب ~~إنه سيف من سيوف الله سله الله على المشركين. PageV04P479 # وأما قوله: " علي أحق بهذا الاسم ". # فيقال: أولا: من الذي نازع في ذلك؟ ومن قال: إن عليا لم يكن سيفا من سيوف ~~الله؟ أ، ب: لم يكن سيفا لله. # وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي ثبت في الصحيح يدل على أن لله ~~سيوفا متعددة، ولا ريب أن عليا من أعظمها. وما في المسلمين من يفضل خالدا ~~على علي، حتى يقال: إنهم جعلوا هذا مختصا بخالد. والتسمية بذلك وقعت من ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح، فهو - صلى الله عليه وسلم ~~- الذي قال: «إن خالدا سيف من سيوف الله.» # ثم يقال: ثانيا: علي أجل قدرا من خالد، وأجل من أن تجعل فضيلته أنه سيف ~~من سيوف الله ; فإن عليا له من العلم والبيان والدين والإيمان والسابقة (1) ~~. # ما هو به أعظم من أن تجعل فضيلته أنه سيف من سيوف الله ; فإن السيف خاصته ~~القتال (2) ، وعلي كان القتال (3) # أحد فضائله ; بخلاف خالد فإنه كان هو فضيلته التي تميز بها عن غيره، لم ~~يتقدم بسابقة ولا كثرة علم ولا عظيم (4) . # زهد، وإنما تقدم بالقتال ; فلهذا عبر عن خالد بأنه سيف من سيوف الله. # وقوله: " إن عليا قتل بسيفه الكفار ". PageV04P480 # فلا ريب أنه لم يقتل إلا بعض الكفار. وكذلك سائر ms1011 المشهورين بالقتال من ~~الصحابة، كعمر والزبير وحمزة والمقداد وأبي طلحة والبراء بن مالك وغيرهم - ~~رضي الله عنهم -، ما منهم من أحد إلا قتل بسيفه طائفة من الكفار. والبراء ~~بن مالك قتل مائة رجل مبارزة، غير من شرك في دمه (1) . # وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «صوت أبي طلحة في الجيش خير من ~~فئة» " (2) # . وقال: " «إن لكل نبي حواري، وإن حواري الزبير» " (3) . وكلا الحديثين ~~في الصحيح. # وفي المغازي أنه قال لعلي يوم أحد، لما قال لفاطمة عن السيف (4) # : " «اغسليه غير ذميم» ": " «إن تكن أحسنت فقد أحسن فلان وفلان» " (5) . ~~PageV04P481 # وقال عن البراء بن مالك: [" «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره، ~~منهم البراء بن مالك» "] (1) . وكانوا يقولون في المغازي للبراء بن مالك: ~~يا براء أقسم على ربك، فيقسم على ربه فيهزم (2) ثم في آخر غزوة غزاها قال: ~~" أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم، وجعلتني أول شهيد " فاستشهد - رضي ~~الله عنه - (3) (4) . PageV04P482 # «وكان - صلى الله عليه وسلم - يستفتح بصعاليك المهاجرين» (1) . # ومع هذا فعلي أفضل من البراء [بن مالك] (2) وأمثاله، فكيف لا يكون أفضل ~~من خالد؟ ! . # وأما قوله: " وقال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «علي سيف الله ~~وسهم الله» ". # فهذا الحديث لا يعرف في شيء من كتب الحديث، ولا له إسناد معروف (3) . # ، ومعناه باطل ; فإن عليا ليس هو وحده سيف الله وسهمه. وهذه العبارة ~~يقتضي ظاهرها الحصر. PageV04P483 # والذي في الصحيح أن أبا بكر قال يوم حنين: لاها الله (1) . # ، إذن لا نعمد (2) إلى أسد من أسود الله تعالى يقاتل عن الله عز وجل وعن ~~رسوله فنعطيك (3) # سلبه. # فإن أريد بذلك أن عليا وحده سيف الله وسهم الله (4) ، فهذا باطل. وإن ~~أريد به أنه سيف من سيوف الله، فعلي أجل من ذلك وأفضل، وذلك بعض فضائله. # وكذلك ما نقل عن علي - رضي الله عنه - أنه قال على المنبر: " أنا سيف ~~الله على أعدائه ورحمته (5) لأوليائه ". # فهذا لا إسناد له، ولا يعرف له صحة. لكن إن كان قاله فمعناه صحيح، وهو ms1012 ~~قدر مشترك بينه وبين أمثاله. # قال الله تعالى فيهم (6) . ### | 1 - # : {أشداء على الكفار رحماء بينهم} سورة الفتح، وقال: {أذلة على المؤمنين ~~أعزة على الكافرين} سورة المائدة. # وكل من المهاجرين المجاهدين كان سيفا على أعداء الله ورحمة لأولياء الله ~~(7) . # . ولا يجوز أن يريد: إني أنا وحدي سيف الله، وأنا وحدي رحمة PageV04P484 # على (1) . . # أولياء الله ; فإن هذا من الكذب الذي يجب تنزيه علي عن عن: (2) أن يقوله. # وإن أريد أنه في ذلك أكمل من غيره ; فالحصر للكمال، فهذا صحيح في زمنه. ~~وإلا فمعلوم (3) أن عمر كان قهره للكفار أعظم، وانتفاع المؤمنين به أعظم. ~~وهذا مما يعرفه (4) كل من عرف السيرتين ; فإن المؤمنين جميعهم حصل لهم ~~بولاية عمر - رضي الله عنه - من الرحمة في دينهم ودنياهم ما لم يحصل شيء ~~منه بولاية علي، وحصل لجميع أعداء الدين (5) من المشركين وأهل الكتاب ~~والمنافقين من القهر والقتل والذل بولاية عمر - رضي الله عنه - ما لم يحصل ~~شيء منه بولاية علي. هذا أمر معلوم للخاصة والعامة، ولم يكن في خلافة علي ~~[للمؤمنين] (6) الرحمة التي كانت في زمن عمر وعثمان، بل كانوا يقتتلون ~~ويتلاعنون، ولم يكن لهم على الكفار سيف، بل الكفار كانوا قد طمعوا فيهم، ~~وأخذوا منهم أموالا وبلادا، فكيف يظن مع هذا تقدم علي في هذا الوصف على عمر ~~وعثمان؟ . # ثم الرافضة يتناقضون، فإنهم يصفون عليا بأنه كان هو الناصر لرسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - الذي لولا هو لما قام دينه، ثم يصفونه بالعجز والذل ~~المنافي لذلك. PageV04P485 # وأما قوله: " وخالد لم يزل عدوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكذبا ~~له ". # فهذا كان قبل إسلامه، كما كان الصحابة كلهم مكذبين له قبل الإسلام، من ~~بني هاشم وغير بني هاشم (1) ، مثل أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ~~وأخيه ربيعة، وحمزة عمه، وعقيل، وغيرهم. # وقوله: " وبعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بني جذيمة ليأخذ منهم ~~الصدقات، فخانه وخالفه على أمره (2) # وقتل المسلمين، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - خطيبا بالإنكار عليه ~~رافعا يديه إلى السماء ms1013 حتى شوهد بياض إبطيه، وهو يقول: " «اللهم إني أبرأ ~~إليك مما صنع خالد» " ثم أنفذ إليه بأمير المؤمنين لتلافي فارطه (3) ، ~~وأمره أن يسترضي القوم من فعله ". # فيقال: هذا النقل فيه من الجهل والتحريف ما لا يخفى على من يعلم السيرة ; ~~فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسله إليهم بعد فتح مكة ليسلموا، فلم ~~يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فقالوا: صبأنا صبأنا، فلم يقبل ذلك منهم، وقال: ~~إن هذا ليس بإسلام، فقتلهم، فأنكر ذلك عليه من معه من أعيان الصحابة، كسالم ~~مولى أبي حذيفة، وعبد الله بن عمر، وغيرهما. ولما بلغ ذلك النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - رفع يديه (4) # إلى السماء وقال: PageV04P486 # " «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع (1) خالد» " (2) . لأنه خاف أن يطالبه ~~الله بما جرى عليهم من العدوان. وقد قال تعالى: {فإن عصوك فقل إني بريء مما ~~تعملون} سورة الشعراء، ثم أرسل عليا، وأرسل معه مالا، فأعطاهم نصف الديات، ~~وضمن لهم ما تلف حتى ميلغة الكلب، ودفع إليهم ما بقي احتياطا لئلا يكون بقي ~~شيء لم يعلم به (3) .. # ومع هذا فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعزل خالدا عن الإمارة (4) ، ~~بل ما زال يؤمره ويقدمه؛ لأن الأمير إذا جرى منه خطأ أو ذنب أمر بالرجوع عن ~~ذلك، وأقر على ولايته، ولم يكن خالد معاندا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ~~بل كان مطيعا له، ولكن لم يكن في الفقه والدين بمنزلة غيره، فخفي عليه حكم ~~هذه القضية (5) . # ويقال: إنه كان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية، وكان ذلك مما حركه على ~~قتلهم. وعلي كان رسولا في ذلك. PageV04P487 # وأما قوله: " إنه أمره أن يسترضي القوم من فعله ". # فكلام جاهل ; فإنما أرسله لإنصافهم وضمان ما تلف لهم، لا لمجرد ~~الاسترضاء. # وكذلك قوله عن خالد: " إنه خانه وخالف أمره وقتل المسلمين ". # كذب على خالد ; فإن خالدا لم يتعمد خيانة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ~~ولا مخالفة أمره، ولا قتل من هو مسلم معصوم عنده، ولكنه أخطأ كما أخطأ ~~أسامة بن زيد في الذي قتله بعد أن ms1014 قال: لا إله إلا الله، وقتل السرية لصاحب ~~الغنيمة الذي قال: أنا مسلم، فقتلوه وأخذوا غنمه (1) # وأنزل الله في ذلك: {ياأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ~~ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند ~~الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما ~~تعملون خبيرا} سورة النساء. # وفي صحيح مسلم وغيره عن أسامة بن زيد قال، «بعثنا رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - إلى الحرقات من جهينة فصبحنا القوم فهزمناهم قال: " ولحقت أنا ~~ورجل من الأنصار رجلا منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف عنه ~~الأنصاري، وطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا [المدينة] المدينة: (2) بلغ ~~ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: " يا أسامة أقتلته بعد أن قال ~~لا إله إلا الله؟ " قال: قلت: يا رسول الله إنما قالها متعوذا. PageV04P488 # قال: " فقتله بعد أن قال لا إله إلا الله؟ " فما زال يكررها حتى تمنيت ~~أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم» (1) . ### | [كلام الرافضي على خالد بن الوليد رضي الله عنه بأنه قتل مالك بن نويرة صبرا وهو مسلم وعرس بامرأته والرد عليه] # (فصل) ر، ص، ه: الفصل الحادي والثلاثون.. # قال الرافضي (2) # : " ولما قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنفذه أبو بكر لقتال أهل ~~اليمامة قتل منهم ألفا ومائتي نفر (3) . # مع تظاهرهم بالإسلام، وقتل مالك بن نويرة صبرا (4) وهو مسلم، وعرس (5) ~~بامرأته (6) ، وسموا بني حنيفة أهل الردة؛ لأنهم لم يحملوا الزكاة إلى أبي ~~بكر؛ لأنهم لم يعتقدوا إمامته، واستحل دماءهم وأموالهم ونساءهم ك: دمائهم ~~وأموالهم ونسائهم. # حتى أنكر عمر عليه، فسموا مانع الزكاة مرتدا، ولم يسموا من استحل دماء ~~المسلمين ومحاربة أمير المؤمنين مرتدا، مع أنهم سمعوا قول النبي - صلى الله ~~عليه وسلم -: «يا علي PageV04P489 # حربك حربي، وسلمك سلمي حربك (1) . # ، ومحارب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كافر بالإجماع» ". # والجواب بعد أن يقال: الله أكبر على هؤلاء المرتدين المفترين، أتباع ~~المرتدين * الذين برزوا بمعاداة ms1015 الله ورسوله وكتابه ودينه، ومرقوا من ~~الإسلام ونبذوه وراء ظهورهم، وشاقوا الله ورسوله وعباده المؤمنين، وتولوا ~~أهل الردة والشقاق * (2) .، فإن هذا الفصل وأمثاله من كلامهم يحقق أن هؤلاء ~~القوم المتعصبين على الصديق - رضي الله عنه - وحزبه [من أصولهم] (3) من جنس ~~المرتدين الكفار، كالمرتدين الذين قاتلهم الصديق - رضي الله عنه -. # وذلك أن أهل اليمامة هم بنو حنيفة الذين كانوا قد آمنوا بمسيلمة الكذاب، ~~الذي ادعى النبوة في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان قد قدم ~~المدينة وأظهر الإسلام، وقال: إن جعل محمد لي (4) الأمر من بعده آمنت به. ~~ثم لما صار إلى اليمامة ادعى أنه شريك النبي - صلى الله عليه وسلم - في ~~النبوة، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صدقه على ذلك، وشهد له الرجال بن ~~عنفوة (5) . # . وكان قد صنف قرآنا يقول فيه: " والطاحنات طحنا، فالعاجنات عجنا، ~~فالخابزات خبزا، إهالة وسمنا، إن الأرض بيننا وبين PageV04P490 # قريش نصفين ولكن قريشا قوم لا يعدلون ". [ (* ومنه قوله لعنه الله: " يا ~~ضفدع بنت ضفدعين، نقى كم تنقين، لا الماء تكدرين، ولا الشارب تمنعين، رأسك ~~في الماء وذنبك في الطين "] (1) . ومنه قوله لعنه الله: " الفيل، وما أدراك ~~ما الفيل، له زلوم (2) # طويل، إن ذلك من خلق ربنا الجليل " (3) # ونحو ذلك من الهذيان السمج الذي قال فيه الصديق - رضي الله عنه - لقومه ~~لما قرءوه عليه: " ويلكم أين (4) . # يذهب بعقولكم، إن هذا كلام لم يخرج من إل # * (5) (6) . # وكان هذا الكذاب قد كتب للنبي - صلى الله عليه وسلم -: " من مسيلمة رسول ~~الله إلى محمد رسول الله. أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك ". فكتب إليه ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب ~~". فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إليه أبو بكر خالد بن ~~الوليد فقاتله بمن معه من المسلمين، بعد أن قاتل PageV04P491 # خالد بن الوليد طليحة الأسدي، الذي كان أيضا قد ادعى النبوة، واتبعه ~~طوائف من أهل نجد. فلما نصر الله المؤمنين على هؤلاء وهزموهم، وقتل ذلك ~~اليوم ms1016 عكاشة بن محصن الأسدي، وأسلم بعد ذلك طليحة الأسدي هذا، ذهبوا (1) # بعد ذلك إلى قتال مسيلمة الكذاب باليمامة، ولقي المؤمنون في حربه شدة ~~عظيمة، وقتل في حربه طائفة من خيار الصحابة (2) مثل زيد بن الخطاب، وثابت ~~بن قيس بن الشماس (3) ، وأسيد بن حضير وغيرهم (4) . # وفي الجملة فأمر مسيلمة الكذاب وادعاؤه النبوة واتباع بني حنيفة له ~~باليمامة، وقتال الصديق لهم على ذلك، أمر متواتر مشهور، قد علمه الخاص ~~والعام، كتواتر أمثاله. وليس هذا من العلم الذي تفرد به الخاصة، بل علم ~~الناس بذلك أظهر من علمهم بقتال الجمل وصفين، فقد ذكر عن بعض أهل الكلام ~~أنه أنكر الجمل وصفين، وهذا الإنكار - وإن كان باطلا - فلم نعلم أحدا ص: أن ~~أحدا. # أنكر قتال أهل اليمامة، وأن مسيلمة الكذاب ادعى النبوة، وأنهم قاتلوه (5) ~~على ذلك. PageV04P492 # لكن هؤلاء الرافضة من جحدهم لهذا (1) وجهلهم به بمنزلة إنكارهم لكون (2) ~~أبي بكر وعمر دفنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنكارهم لموالاة (3) ~~أبي بكر وعمر للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ودعواهم أنه نص على علي ~~بالخلافة. بل منهم من ينكر أن تكون زينب ورقية وأم كلثوم من بنات النبي - ~~صلى الله عليه وسلم -، ويقولون: إنهن لخديجة من زوجها الذي كان كافرا قبل ~~النبي - صلى الله عليه وسلم -. # ومنهم من يقول: إن عمر غصب بنت علي حتى زوجه بها، وأنه تزوج غصبا في ~~الإسلام. ومنهم من يقول: إنهم بعجوا بطن فاطمة حتى أسقطت، وهدموا سقف بيتها ~~على من فيه، وأمثال هذه الأكاذيب التي يعلم من له أدنى علم ومعرفة أنها ~~كذب، فهم دائما يعمدون إلى الأمور المعلومة المتواترة ينكرونها، وإلى ~~الأمور المعدومة التي لا حقيقة لها يثبتونها. فلهم أوفر نصيب من قوله ~~تعالى: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق} سورة العنكبوت فهم ~~يفترون الكذب ويكذبون بالحق، وهذا حال المرتدين. # وهم يدعون أن أبا بكر وعمر ومن اتبعهما ارتدوا عن الإسلام (4) # . وقد علم الخاص والعام أن أبا بكر هو الذي قاتل المرتدين، فإذا كانوا ~~يدعون ms1017 أن أهل اليمامة مظلومون قتلوا بغير حق، وكانوا منكرين لقتال أولئك ~~PageV04P493 # متأولين لهم، كان هذا مما يحقق أن هؤلاء الخلف تبع لأولئك السلف، وأن ~~الصديق وأتباعه يقاتلون المرتدين في كل زمان. # وقوله: " إنهم سموا بني حنيفة مرتدين، لأنهم لم يحملوا الزكاة إلى أبي ~~بكر ". # فهذا من أظهر الكذب وأبينه ; فإنه إنما قاتل بني حنيفة لكونهم آمنوا ~~بمسيلمة الكذاب، واعتقدوا نبوته. وأما مانعو الزكاة فكانوا قوما آخرين غير ~~بني حنيفة. وهؤلاء كان قد وقع لبعض الصحابة شبهة في جواز قتالهم. وأما بنو ~~حنيفة فلم يتوقف أحد في وجوب قتالهم (1) . وأما مانعو الزكاة «فإن عمر بن ~~الخطاب - رضي الله عنه - قال: يا خليفة رسول الله كيف تقاتل الناس وقد قال ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا ~~إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا قالوها (2) عصموا مني دماءهم ~~وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ". فقال له أبو بكر: ألم يقل: " إلا ~~بحقها " فإن الزكاة من حقها. والله لو منعوني [عناقا أو] (3) عقالا كانوا ~~يؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه» " (4) . ~~PageV04P494 # وهؤلاء لم يقاتلوهم لكونهم لم يؤدوها إلى الصديق ; فإنهم لو أعطوها ~~بأنفسهم لمستحقيها (1) . # ولم يؤدوها إليه لم يقاتلهم. هذا قول جمهور العلماء، كأبي حنيفة وأحمد ~~وغيرهما. وقالوا: إذا قالوا: نحن نؤديها بأنفسنا ولا ندفعها إلى الإمام، لم ~~يكن له قتالهم. فإن الصديق - رضي الله عنه - لم يقاتل أحدا على طاعته، ولا ~~ألزم أحدا بمبايعته. ولهذا لما تخلف عن بيعته سعد (2) # لم يكرهه على ذلك. # فقول القائل: " سموا بني حنيفة أهل الردة لأنهم لم يحملوا الزكاة إلى أبي ~~بكر، لأنهم لم يعتقدوا إمامته " من أظهر الكذب والفرية. وكذلك قوله: " إن ~~عمر أنكر قتال بني حنيفة ". ### | عود الرافضي إلى الكلام على معاوية رضي الله عنه والرد عليه # وأما قوله: " ولم يسموا من استحل دماء المسلمين، ومحاربة أمير المؤمنين، ~~مرتدا، مع أنهم سمعوا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " «يا علي حربك ~~حربي وسلمك ms1018 سلمي» (3) ومحارب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كافر ~~بالإجماع " (4) . # فيقال في الجواب: أولا: دعواهم أنهم سمعوا هذا الحديث من النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - أو عنه كذب عليهم، فمن الذي نقل عنهم أنهم سمعوا ذلك؟ ~~وهذا الحديث ليس في شيء من كتب علماء (5) الحديث PageV04P495 # المعروفة، ولا روي بإسناد معروف. ولو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~قاله لم يجب أن يكونوا قد سمعوه، فإنه لم يسمع كل منهم كل ما قاله الرسول - ~~صلى الله عليه وسلم -، فكيف إذا لم يعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~قاله، ولا روي بإسناد معروف؟ بل كيف إذا علم أنه كذب موضوع على النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - باتفاق أهل العلم بالحديث؟ (1) . # وعلي - رضي الله عنه - لم يكن قتاله يوم الجمل وصفين بأمر من النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - وإنما كان رأيا رآه. # وقال أبو داود في سننه (2) : " حدثنا إسماعيل بن إبراهيم الهذلي، حدثنا ~~ابن علية، عن يونس، عن الحسن، عن قيس بن عباد قال: قلت لعلي - رضي الله عنه ~~-: أخبرنا (3) عن مسيرك هذا: أعهد عهده إليك رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم -، أم رأي رأيته؟ قال: ما عهد إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~شيئا (4) ، ولكنه رأي رأيته ". # ولو كان محارب علي محاربا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتدا، لكان ~~علي يسير فيهم السيرة في المرتدين. وقد تواتر عن علي (5) يوم الجمل لما ~~قاتلهم أنه لم يتبع مدبرهم، ولم يجهز على جريحهم، ولم يغنم لهم مالا (6) ، ~~ولا سبى (7) PageV04P496 # لهم ذرية، وأمر مناديه ينادي (1) في عسكره: أن لا يتبع لهم مدبر (2) ، ~~ولا يجهز على جريحهم، ولا تغنم أموالهم. ولو كانوا عنده مرتدين لأجهز على ~~جريحهم واتبع مدبرهم (3) . # وهذا مما أنكره الخوارج عليه، وقالوا له: إن كانوا مؤمنين فلا يحل ~~قتالهم، وإن كانوا كفارا فلم حرمت أموالهم ونساءهم؟ فأرسل إليهم ابن عباس - ~~رضي الله عنهما - فناظرهم، وقال لهم: كانت عائشة فيهم، فإن قلتم: إنها ليست ~~أمنا كفرتم (4) بكتاب الله، وإن قلتم: هي ms1019 أمنا استحللتم وطأها (5) كفرتم ~~بكتاب الله " (6) . # وكذلك أصحاب الجمل كان يقول فيهم: إخواننا (7) بغوا علينا طهرهم السيف. # وقد نقل عنه - رضي الله عنه - أنه صلى على قتلى الطائفتين. وسيجيء إن شاء ~~الله بعض الآثار بذلك. # وإن كان أولئك مرتدين، وقد نزل الحسن عن (8) أمر المسلمين، PageV04P497 # وسلمه (1) إلى كافر مرتد، كان المعصوم عندهم قد سلم أمر المسلمين إلى ~~المرتدين. وليس هذا من فعل المؤمنين، فضلا عن المعصومين. # وأيضا فإن كان (2) أولئك مرتدين، والمؤمنون أصحاب علي، لكان الكفار (3) ~~المرتدون منتصرين على المؤمنين دائما. # والله تعالى يقول في كتابه [: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة ~~الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} سورة غافر، ويقول في كتابه] (4) : {ولقد سبقت ~~كلمتنا لعبادنا المرسلين - إنهم لهم المنصورون - وإن جندنا لهم الغالبون} ~~سورة الصافات، ويقول في كتابه: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} سورة ~~المنافقون. # وهؤلاء الرافضة، الذين يدعون أنهم المؤمنون، إنما لهم الذل [والصغار] (5) ~~، {ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس} . # وأيضا فإن الله تعالى يقول في كتابه: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ~~فأصلحوا بينهما} الآية، سورة الحجرات، فقد جعلهم مؤمنين إخوة مع الاقتتال ~~والبغي. # وأيضا فقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ~~PageV04P498 # " «تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق» " ~~(1) . وقال: " «إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من ~~المسلمين» " (2) . وقال لعمار: " «تقتلك الفئة الباغية» " (3) لم يقل: ~~الكافرة. # وهذه الأحاديث صحيحة عند أهل العلم (4) بالحديث، وهي مروية بأسانيد ~~متنوعة، لم يأخذ بعضهم عن بعض. # وهذا مما يوجب العلم بمضمونها. # وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الطائفتين المفترقتين مسلمتان، ~~ومدح من أصلح الله به بينهما. # و [قد] أخبر (5) أنه تمرق مارقة وأنه تقتلها أدنى (6) الطائفتين إلى ~~الحق. # ثم يقال لهؤلاء الرافضة: لو قالت لكم النواصب (7) : علي قد استحل دماء ~~المسلمين: وقاتلهم بغير أمر الله ورسوله على رياسته. وقد قال النبي - صلى ~~الله عليه وسلم -: " «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» " (8) . وقال ms1020: ~~PageV04P499 # " «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» " (1) . فيكون علي كافرا ~~لذلك - لم تكن حجتكم أقوى من حجتهم ; لأن الأحاديث التي احتجوا بها صحيحة. # وأيضا فيقولون: قتل النفوس فساد، فمن قتل النفوس على طاعته كان مريدا ~~للعلو في الأرض والفساد. وهذا حال فرعون. والله تعالى يقول: {تلك الدار ~~الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين} ~~سورة القصص فمن أراد العلو في الأرض والفساد لم يكن من أهل السعادة في ~~الآخرة. وليس هذا كقتال الصديق للمرتدين ولمانعي الزكاة ; فإن الصديق إنما ~~قاتلهم على طاعة الله ورسوله: لا على طاعته. فإن الزكاة فرض عليهم، فقاتلهم ~~على الإقرار بها، وعلى أدائها، بخلاف من قاتل ليطاع هو. ولهذا قال الإمام ~~أحمد وأبو حنيفة وغيرهما: من قال أنا أؤدي الزكاة ولا أعطيها للإمام لم يكن ~~للإمام أن يقاتله. وهذا فيه نزاع بين الفقهاء، فمن يجوز القتال على ترك ~~طاعة ولي الأمر جوز قتال هؤلاء، وهو قول طائفة من الفقهاء، ويحكى هذا عن ~~الشافعي - رحمه الله -. PageV04P500 # ومن لم يجوز القتال إلا على ترك طاعة الله ورسوله، لا على ترك طاعة شخص ~~معين، لم يجوز قتال هؤلاء. # وفي الجملة فالذين قاتلهم الصديق - رضي الله عنه - كانوا ممتنعين عن طاعة ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1) . # والإقرار بما جاء به، فلهذا كانوا مرتدين، بخلاف من أقر بذلك ولكن امتنع ~~عن طاعة شخص معين كمعاوية وأهل الشام ; فإن هؤلاء كانوا مقرين بجميع ما جاء ~~به الرسول - صلى الله عليه وسلم -: يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، وقالوا: ~~نحن نقوم بالواجبات من غير دخول في طاعة علي - رضي الله عنه - لما علينا في ~~ذلك من الضرر، فأين هؤلاء من هؤلاء؟ . # واعلم أن طائفة من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد جعلوا قتال ~~مانعي الزكاة وقتال الخوارج جميعا من قتال البغاة، وجعلوا قتال الجمل وصفين ~~من هذا الباب. وهذا القول خطأ مخالف لقول الأئمة الكبار، وهو خلاف نص مالك ~~وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم من أئمة السلف، ومخالف ms1021 للسنة الثابتة عن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - ; فإن الخوارج أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~بقتالهم، واتفق على ذلك الصحابة. وأما القتال بالجمل وصفين (2) . # فهو قتال فتنة، وليس فيه أمر من الله ورسوله ولا إجماع من الصحابة. وأما ~~قتال مانعي الزكاة إذا كانوا ممتنعين عن أدائها بالكلية، أو عن (3) . . # الإقرار بها ; فهو أعظم من قتال الخوارج. PageV04P501 # (* وأهل صفين لم يبدءوا عليا بالقتال، وأبو حنيفة وغيره لا يجوزون قتال ~~البغاة إلا أن يبدءوا الإمام [بالقتال] (1) # ، وكذلك أحمد وأبو حنيفة ومالك لا يجوزون (2) # قتال من قام بالواجب، إذا كانت طائفة ممتنعة قالت: (3) # لا نؤدي زكاتنا إلى فلان *) (4) . ; فيجب الفرق بين قتال المرتدين وقتال ~~الخوارج المارقين. # وأما قتال البغاة المذكورين (5) # في القرآن فنوع ثالث غير هذا وهذا ; فإن الله تعالى لم يأمر بقتال البغاة ~~ابتداء، بل أمر إذا اقتتلت طائفتان من المؤمنين بالإصلاح بينهما، وليس هذا ~~حكم المرتدين ولا حكم الخوارج (6) # . والقتال يوم الجمل وصفين فيه نزاع: هل هو (7) # من باب قتال البغاة المأمور به في القرآن؟ أو هو قتال فتنة القاعد فيه ~~(8) # خير من القائم، فالقاعدون من الصحابة وجمهور أهل الحديث والسنة وأئمة ~~الفقهاء [بعدهم] (9) يقولون: هو قتال فتنة، ليس هو قتال البغاة المأمور به ~~في القرآن ; فإن الله لم يأمر بقتال المؤمنين البغاة ابتداء لمجرد بغيهم، ~~بل إنما أمر إذا اقتتل المؤمنون بالإصلاح بينهم. PageV04P502 # وقوله: {فإن بغت إحداهما على الأخرى} يعود الضمير فيه إلى الطائفتين ~~المقتتلتين من المؤمنين، لا يعود إلى طائفة مؤمنة لم تقاتل. بالتقدير: فإن ~~بغت إحدى الطائفتين المؤمنتين المقتتلتين على الأخرى، فقاتلوا الباغية حتى ~~تفيء إلى أمر الله، فمتى كانت طائفة باغية ولم تقاتل لم يكن في الآية أمر ~~بقتالها. # ثم إن كان قوله: {فإن بغت إحداهما على الأخرى} سورة الحجرات بعد الإصلاح ~~فهو أوكد، وإن كان بعد الاقتتال حصل المقصود. # وحينئذ فأصحاب معاوية إن كانوا قد بغوا قبل القتال لكونهم لم يبايعوا ~~عليا، فليس في الآية الأمر بقتال من بغى ولم يقاتل. وإن كان بغيهم بعد ms1022 ~~الاقتتال والإصلاح وجب قتالهم، لكن هذا لم يوجد ; فإن أحدا لم يصلح بينهما ~~(1) . # (* ولهذا قالت عائشة - رضي الله عنها -: " هذه الآية ترك الناس العمل بها ~~" يعني إذ ذاك. # وإن كان بغيهم (2) بعد الاقتتال *) (3) وقبل الإصلاح، فهنا إذا قيل بجواز ~~القتال، فهذا القدر إنما حصل في أثناء القتال. وحينئذ فشل أصحاب علي ونكلوا ~~عن القتال (4) لما رفعوا المصاحف. ففي الحال التي أمر بقتالهم فيها لم ~~يقاتلوهم، وفي الحال التي قاتلوهم لم يكن قتالهم مأمورا به. فإن كان ~~PageV04P503 # أولئك بغاة معتدين فهؤلاء مفرطون مقصرون، ولهذا ذلوا وعجزوا وتفرقوا، ~~وليس الإمام مأمورا بأن يقاتل بمثل هؤلاء. # وفي الجملة فالبحث في هذه الدقائق من وظيفة خواص أهل العلم، بخلاف الكلام ~~في تكفيرهم ; فإن هذا أمر يعلم فساده الخاصة والعامة بالدلائل الكثيرة. # ومما يبين كذب هذا الحديث: أنه لو كان حرب علي حربا لرسول الله صلى الله ~~عليه وسلم والله تعالى قد تكفل بنصر رسوله، كما في قوله تعالى: {إنا لننصر ~~رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} سورة غافر، وكما ~~في قوله تعالى: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين - إنهم لهم المنصورون - ~~وإن جندنا لهم الغالبون} سورة الصافات لوجب أن يغلب محارب رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم -. # ولم يكن الأمر كذلك، بل الخوارج لما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~بقتالهم، وكانوا من جنس المحاربين لله ورسوله، انتصر عليهم، كما كان ينتصر ~~عليهم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والرسل صلوات الله عليهم، ~~وإن كانت تبتلى في حروبهم، فالعاقبة لها. فلو كانت محاربته محاربة للرسول، ~~لكان المنتصر في آخر الأمر هو. ولم يكن الأمر كذلك، بل كان في آخر الأمر ~~يطلب مسالمة معاوية - رضي الله عنه - ومهادنته، وأن يكف عنه، كما كان ~~معاوية يطلب (1) ذلك منه أول [الأمر] (2) . # فعلم أن ذلك القتال، وإن كان واقعا باجتهاد، فليس هو من القتال ~~PageV04P504 # الذي يكون محارب أصحابه محاربا لله ورسوله. ثم إنه لو قدر أنه محارب لله ~~ورسوله، فالمحاربون قطاع الطريق لا يكفرون ms1023 إذا كانوا مسلمين. # وقد تنازع الناس في قوله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ~~ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا} سورة المائدة هل هي في الكفار ~~أو في المسلمين؟ ومن يقول: إنها في المسلمين، يقول: إن الله تعالى يقول: ~~{إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو ~~يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض} ولو كانوا كفارا ~~مرتدين لم يجز أن يقتصر على قطع أيديهم ولا نفيهم (1) ; بل يجب قتلهم فإن ~~المرتد يجب قتله. # وكذلك من كان متأولا في محاربته مجتهدا لم يكن كافرا، كقتل أسامة بن زيد ~~لذلك المسلم متأولا لم يكن به كافرا. وإن كان استحلال قتل المسلم المعصوم ~~كفرا، وكذلك تكفير المؤمن كفر، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ~~«إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما» " (2) . ومع هذا إذا ~~قالها متأولا لم يكفر، كما قال عمر بن الخطاب لحاطب بن أبي بلتعة: ~~PageV04P505 # " «دعني أضرب عنق هذا المنافق وأمثاله» "، وكقول أسيد بن حضير لسعد بن ~~عبادة: " إنك لمنافق (1) تجادل عن المنافقين " في قصة الإفك (2) . # (فصل (3)) . # قال الرافضي (4) : " وقد أحسن بعض الفضلاء في قوله: شر من إبليس من لم ~~يسبقه في سالف طاعته (5) ، وجرى معه في ميدان معصيته (6) . ولا شك بين ~~العلماء أن إبليس كان أعبد من الملائكة (7) ، وكان يحمل العرش وحده ستة ~~آلاف سنة، ولما خلق الله آدم (8) وجعله خليفة في الأرض، وأمره بالسجود ~~فاستكبر فاستحق اللعنة والطرد (9) . ومعاوية لم يزل في الإشراك وعبادة ~~الأصنام (10) إلى أن أسلم بعد ظهور النبي - صلى الله عليه وسلم - بمدة ~~طويلة، ثم استكبر عن طاعة الله في نصب أمير المؤمنين عليه إماما (11) ، ~~وبايعه PageV04P506 # الكل بعد قتل عثمان (1) وجلس مكانه، فكان (2) شرا من إبليس ". # فيقال: هذا الكلام فيه من الجهل والضلال والخروج عن دين الإسلام وكل دين، ~~بل وعن العقل الذي يكون لكثير من الكفار، ما لا يخفى عن من تدبره. # أما أولا: فلأن (3) إبليس أكفر من ms1024 كل كافر، وكل من دخل النار فمن أتباعه. ~~كما قال تعالى: {لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} سورة ص وهو الآمر ~~[لهم] (4) بكل قبيح المزين له، فكيف يكون أحد شرا منه؟ لا سيما من ~~المسلمين، لا سيما من الصحابة؟ . # وقول هذا القائل: " شر من إبليس من لم يسبقه في سالف طاعة، وجرى معه في ~~ميدان المعصية " (5) يقتضي أن كل من عصى الله فهو شر من إبليس، لأنه لم ~~يسبقه في سالف طاعة، وجرى معه في ميدان المعصية. وحينئذ فيكون آدم وذريته ~~شرا من إبليس ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «كل بني آدم خطاء، ~~وخير الخطائين التوابون» " (6) . # ثم هل يقول من يؤمن بالله واليوم الآخر: إن من أذنب ذنبا من المسلمين ~~يكون شرا من إبليس؟ أو ليس هذا مما يعلم فساده بالاضطرار من دين ~~PageV04P507 # الإسلام؟ وقائل هذا كافر كفرا معلوما بالضرورة من الدين. وعلى هذا ~~فالشيعة دائما يذنبون، فيكون كل منهم شرا من إبليس. ثم إذا قالت الخوارج: ~~إن عليا أذنب فيكون شرا من إبليس - لم يكن للروافض (1) حجة إلا دعوى عصمته ~~(2) . وهم لا يقدرون أن يقيموا حجة على الخوارج بإيمانه وإمامته وعدالته، ~~فكيف يقيمون حجة عليهم بعصمته؟ ولكن أهل السنة تقدر أن تقيم الحجة بإيمانه ~~وإمامته، لأن ما تحتج به الرافضة منقوض ومعارض بمثله، فيبطل الاحتجاج به. # ثم إذا قام الدليل على قول الجمهور الذي دل عليه القرآن كقوله تعالى: ~~{وعصى آدم ربه فغوى} سورة طه، لزم أن يكون آدم شرا من إبليس. # وفي الجملة فلوازم هذا القول وما فيه من الفساد يفوق الحصر والتعداد. # وأما ثانيا: فهذا الكلام كلام بلا حجة، بل هو باطل في نفسه. فلم قلت: إن ~~شرا من إبليس من لم يسبقه في سالف طاعة وجرى معه في ميدان معصية؟ (3) وذلك ~~أن أحدا لا يجري مع إبليس في ميدان معصيته كلها، فلا يتصور أن يكون في ~~الآدميين من يساوي إبليس في معصيته، بحيث يضل الناس كلهم ويغويهم. # وأما طاعة إبليس المتقدمة فهي حابطة ms1025 بكفره بعد ذلك (4) ، (* فإن الردة ~~PageV04P508 # تحبط العمل، فما تقدم (1) من طاعته: إن كان طاعة فهي حابطة بكفره وردته ~~*) (2) ، وما يفعله من المعاصي لا يماثله أحد فيه، فامتنع أن يكون أحد شرا ~~منه، وصار نظير هذا المرتد الذي يقتل النفوس ويزني ويفعل عامة القبائح بعد ~~سابق طاعاته، فمن جاء بعده ولم يسبقه إلى تلك الطاعات الحابطة، وشاركه في ~~قليل من معاصيه، لا يكون شرا منه، فكيف يكون أحد شرا من إبليس؟ . # وهذا ينقض أصول الشيعة: حقها وباطلها. وأقل ما يلزمهم أن يكون أصحاب علي ~~الذين قاتلوا معه، وكانوا أحيانا يعصونه، شرا من الذين امتنعوا عن مبايعته ~~من الصحابة؛ لأن هؤلاء عبدوا الله قبلهم، وأولئك جروا معهم في ميدان ~~المعصية. # ويقال: ثالثا: ما الدليل على أن إبليس [كان] (3) أعبد الملائكة؟ وأنه كان ~~(4) يحمل العرش وحده ستة آلاف سنة؟ أو أنه (5) كان من حملة العرش في ~~الجملة؟ أو أنه كان طاووس الملائكة؟ أو أنه ما ترك في السماء رقعة ولا في ~~الأرض بقعة إلا وله فيها سجدة وركعة؟ ونحو ذلك مما يقوله بعض الناس. # فإن هذا أمر إنما يعلم بالنقل الصادق، وليس في القرآن شيء من ذلك، ولا في ~~ذلك خبر صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهل يحتج بمثل هذا في أصول ~~الدين إلا من هو من أعظم الجاهلين؟ ! . PageV04P509 # وأعجب من ذلك قوله: " ولا شك بين العلماء أن إبليس كان أعبد الملائكة ". # فيقال: من الذي قال هذا من علماء الصحابة والتابعين وغيرهم من علماء ~~المسلمين؟ فضلا عن أن يكون هذا متفقا عليه بين العلماء؟ وهذا شيء لم يقله ~~قط عالم يقبل قوله من علماء المسلمين. وهو أمر لا يعرف إلا بالنقل، ولم ~~ينقل هذا أحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: [لا] (1) بإسناد صحيح ولا ~~ضعيف. فإن كان قاله بعض الوعاظ أو المصنفين في الرقائق، أو بعض من ينقل في ~~التفسير من الإسرائيليات ما لا إسناد له (2) ، فمثل هذا لا يحتج به في جرزة ~~بقل (3) ، فكيف يحتج به في جعل إبليس ms1026 خيرا (* من كل من عصى الله من بني ~~آدم، ويجعل الصحابة من هؤلاء الذين إبليس خير منهم *) (4) ؟ . # وما وصف الله ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - إبليس بخير قط ولا بعبادة ~~(5) متقدمة ولا غيرها (5 مع أنه لو كان له عبادة لكانت قد حبطت بكفره وردته ~~5) (6) . # وأعجب من ذلك قوله: " لا شك بين العلماء أنه كان يحمل العرش PageV04P510 # وحده ستة آلاف سنة " فيا سبحان الله! هل قال ذلك (1) أحد من علماء (2) ~~المسلمين المقبولين عند المسلمين؟ وهل يتكلم بذلك إلا مفرط في الجهل؟ فإن ~~هذا لا يعرف - لو كان حقا - إلا بنقل الأنبياء، وليس عن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - في ذلك شيء. # ثم حمل واحد من الملائكة العرش (3) خلاف ما دل عليه النقل الصحيح (4) . ~~[ثم ما باله حمل العرش وحده ستة آلاف سنة ولم يكن (5) يحمله وحده دائما؟] ~~(6) ومن الذي نقل أن إبليس من حملة العرش؟ . # وهذا من أكذب الكذب (7) ; فإن الله تعالى (8) يقول: {الذين يحملون العرش ~~ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا} سورة غافر، ~~[فأخبر أن له حملة لا واحدا، وأنهم كلهم مؤمنون مسبحون بحمد ربهم، مستغفرون ~~للذين آمنوا] (9) . PageV04P511 # وإذا قيل: هذا إخبار عن الحمل [المطلق] ، ليس (1) فيه أنه لم يزل له ~~حملة. # قيل: قد جاءت الآثار بأنه لم يزل له حملة، كحديث عبد الله بن صالح، عن ~~معاوية بن صالح (2) ، «أن الله تعالى لما خلق العرش أمر الملائكة بحمله. ~~قالوا: ربنا كيف نحمل عرشك وعليه عظمتك؟ فقال: قولوا: لا حول ولا قوة إلا ~~بالله (3) ، فقالوها، فأطاقوا حمله» " (4) . # ويقال: رابعا: إن إبليس كفر، كما أخبر الله تعالى بقوله (5) : {إلا إبليس ~~استكبر وكان من الكافرين} سورة ص، فلو قدر أنه كان له عمل صالح حبط بكفره. ~~كذلك غيره (6) إذا كفر حبط عمله، فأين تشبيه المؤمنين بهذا؟ ! . # ويقال: خامسا: قوله: " إن معاوية لم يزل في الإشراك إلى أن أسلم " به ~~يظهر الفرق فيما قصد به الجمع ; فإن معاوية أسلم بعد الكفر، وقد قال تعالى: ~~{قل للذين كفروا إن ms1027 ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} سورة الأنفال، وتاب من شركه ~~وأقام الصلاة وآتى الزكاة، وقد قال تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا ~~الزكاة فإخوانكم في الدين} سورة التوبة. # وإبليس كفر بعد إيمانه فحبط إيمانه بكفره، وذاك حبط كفره PageV04P512 # بإيمانه (1) ، فكيف يقاس من آمن بعد الكفر بمن كفر بعد الإيمان؟ ! (2) . # ويقال: سادسا: قد ثبت إسلام معاوية - رضي الله عنه - والإسلام يجب ما ~~قبله. فمن ادعى أنه ارتد بعد ذلك كان مدعيا دعوى بلا دليل لو لم يعلم كذب ~~دعواه، فكيف إذا علم كذب دعواه، وأنه ما زال على الإسلام إلى أن مات، كما ~~علم بقاء غيره على الإسلام؟ فالطريق الذي يعلم به [بقاء إسلام] (3) أكثر ~~الناس من الصحابة وغيرهم، يعلم به بقاء إسلام معاوية - رضي الله عنه -. ~~والمدعي لارتداد معاوية وعثمان وأبي بكر وعمر - رضي الله عنهم - ليس هو ~~أظهر حجة من المدعي لارتداد علي. فإن كان المدعي لارتداد علي كاذبا، ~~فالمدعي لارتداد هؤلاء أظهر كذبا، لأن الحجة على بقاء إيمان هؤلاء أظهر، ~~وشبهة (4) الخوارج أظهر من شبهة الروافض. # ويقال: سابعا: هذه الدعوى إن كانت صحيحة، ففيها من القدح والغضاضة بعلي ~~والحسن وغيرهما مالا يخفى. وذلك أنه كان مغلوبا (5) مع المرتدين، وكان ~~الحسن قد سلم أمر المسلمين إلى المرتدين، وخالد بن الوليد قهر المرتدين، ~~فيكون نصر الله لخالد على الكفار (6) PageV04P513 # أعظم من نصره لعلي. والله سبحانه وتعالى عدل لا يظلم واحدا منهما، فيكون ~~ما استحقه خالد من النصر أعظم مما استحقه علي، فيكون أفضل عند الله منه. # [بل] (1) وكذلك جيوش أبي بكر وعمر وعثمان ونوابهم ; [فإنهم] (2) كانوا ~~منصورين على الكفار، وعلي عاجز عن مقاومة المرتدين الذين هم من الكفار ~~أيضا. # فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن ~~كنتم مؤمنين} [آل عمران: 139] وقال تعالى: {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم ~~وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم} [سورة محمد: 35] . # وعلي - رضي الله عنه - دعا معاوية إلى السلم في آخر (3) الأمر، لما عجز ~~عن دفعه عن بلاده، وطلب ms1028 منه أن يبقى كل واحد [منهما] (4) على ما هو عليه. ~~وقد قال تعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} [سورة ~~آل عمران: 139] فإن (5) كان أصحابه مؤمنين وأولئك مرتدين وجب أن يكونوا ~~الأعلين، وهو خلاف الواقع. # [ويقال ثامنا] (6) من قال: إن معاوية - رضي الله عنه - استكبر عن طاعة ~~PageV04P514 # الله في نصب (1) أمير المؤمنين، ولم قلت: إنه علم أن ولايته صحيحة، وأن ~~طاعته واجبة عليه؟ . فإن الدليل على ثبوت ولايته ووجوب طاعته من المسائل ~~المشتبهة التي لا تظهر إلا بعد بحث ونظر، بخلاف من أجمع الناس على طاعته. ~~وبتقدير أن يكون علم ذلك، فليس كل من عصى يكون مستكبرا عن طاعة الله. ~~والمعصية تصدر تارة عن شهوة، وتارة عن كبر، وهل يحكم على كل عاص بأنه ~~مستكبر عن طاعة الله كاستكبار إبليس؟ ! . # ويقال تاسعا: قوله: " وبايعه الكل بعد عثمان ". # إن لم يكن هذا حجة فلا فائدة فيه، وإن كان حجة فمبايعتهم لعثمان كان ~~اجتماعهم عليها أعظم. وأنتم لا ترون الممتنع عن طاعة عثمان كافرا، بل مؤمنا ~~تقيا. # ويقال عاشرا: اجتماع الناس على مبايعة أبي بكر كانت [على قولكم] (2) ~~أكمل، وأنتم وغيركم تقولون: إن عليا تخلف عنها مدة. فيلزم [على قولكم] (3) ~~أن يكون علي مستكبرا عن طاعة الله في نصب أبي بكر عليه إماما، فيلزم حينئذ ~~كفر علي بمقتضى حجتكم، أو بطلانها في نفسها. وكفر علي باطل، فلزم (4) ~~بطلانها. # ويقال: حادي عشر قولكم: " بايعه الكل بعد عثمان ". # من أظهر الكذب، فإن كثيرا من المسلمين: إما النصف، وإما أقل PageV04P515 # أو أكثر لم يبايعوه، ولم يبايعه سعد بن أبي وقاص ولا ابن عمر ولا غيرهما. # ويقال: ثاني عشر: قولكم: " إنه جلس مكانه ". # كذب ; فإن معاوية لم يطلب الأمر لنفسه ابتداء، ولا ذهب إلى علي لينزعه عن ~~(1) إمارته، ولكن امتنع هو وأصحابه عن (2) مبايعته، وبقي على ما كان عليه ~~واليا على من كان واليا عليه (3) في زمن عمر وعثمان. ولما جرى حكم الحكمين ~~إنما كان متوليا على رعيته فقط. فإن أريد بجلوسه في ms1029 مكانه أنه استبد بالأمر ~~دونه في تلك البلاد، فهذا صحيح، لكن معاوية - رضي الله عنه - يقول: إني لم ~~أنازعه شيئا هو في يده، ولم يثبت عندي ما يوجب علي دخولي (4) في طاعته. ~~وهذا الكلام سواء كان حقا أو باطلا لا يوجب كون صاحبه شرا من إبليس، ومن ~~جعل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرا من إبليس، فما أبقى غاية ~~في الافتراء على الله ورسوله والمؤمنين، والعدوان على خير القرون (5) في ~~مثل هذا المقام، والله ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم ~~الأشهاد، والهوى إذا بلغ بصاحبه إلى هذا الحد فقد أخرج صاحبه عن ربقة ~~العقل، فضلا عن العلم والدين، فنسأل الله العافية من كل بلية، وإن حقا على ~~الله أن يذل أصحاب مثل هذا PageV04P516 # الكلام (1) ، وينتصر لعباده المؤمنين - من أصحاب نبيه وغيرهم - من هؤلاء ~~المفترين الظالمين (2) . ### | كلام الرافضي على يوم مقتل الحسين رضي الله عنه والرد عليه # (فصل) . # قال الرافضي (3) : " وتمادى بعضهم في التعصب حتى اعتقد (4) إمامة يزيد بن ~~معاوية مع ما صدر عنه (5) من الأفعال القبيحة من قتل الإمام الحسين ونهب ~~أمواله وسبي نسائه ودورانهم (6) في البلاد على الجمال بغير قتب، ومولانا ~~زين العابدين مغلول اليدين، ولم يقنعوا بقتله حتى رضوا أضلاعه وصدره ~~بالخيول، وحملوا رءوسهم على القنا مع أن مشايخهم رووا (7) أن يوم قتل ~~الحسين مطرت (8) السماء دما. وقد ذكر ذلك الرافعي في " شرح الوجيز " وذكر ~~ابن سعد في " الطبقات " أن الحمرة ظهرت في السماء يوم قتل الحسين ولم تر ~~(9) قبل ذلك. وقال أيضا: ما رفع حجر في الدنيا PageV04P517 # إلا وتحته دم عبيط، ولقد مطرت (1) السماء مطرا بقي (2) أثره في الثياب ~~(3) مدة حتى تقطعت. قال الزهري: ما بقي أحد من قاتلي (4) الحسين إلا وعوقب ~~في الدنيا (5) : إما بالقتل وإما بالعمى (6) أو سواد الوجه أو زوال الملك ~~في مدة يسيرة. # وكان (7) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر الوصية للمسلمين (8) في ~~ولديه الحسن والحسين ويقول لهم: هؤلاء وديعتي (9) عندكم. وأنزل الله تعالى: ~~{قل لا أسألكم ms1030 عليه أجرا إلا المودة في القربى} [سورة الشورى: 23] . # والجواب: أما قوله: " وتمادى بعضهم في التعصب حتى اعتقد إمامة يزيد بن ~~معاوية ". # إن أراد بذلك أنه اعتقد أنه من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين (10) ، ~~كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فهذا لم يعتقده أحد من علماء (11) المسلمين. ~~PageV04P518 # وإن اعتقد مثل هذا بعض الجهال، كما يحكى عن بعض الجهال من الأكراد (1) ~~ونحوهم أنه يعتقد أن يزيد من الصحابة، وعن بعضهم أنه من الأنبياء (2) ، ~~وبعضهم يعتقد أنه من الخلفاء الراشدين [المهديين] (3) ، فهؤلاء ليسوا من ~~أهل العلم الذين يحكى قولهم. وهم مع هذا الجهل خير من جهال الشيعة ~~وملاحدتهم الذين يعتقدون إلهية علي أو نبوته، أو يعتقدون أن باطن الشريعة ~~يناقض (4) ظاهرها، كما تقوله الإسماعيلية (5) والنصيرية وغيرهم من أنه يسقط ~~عن خواصهم الصوم والصلاة والحج والزكاة، وينكرون المعاد، بل غلاتهم يجحدون ~~الصانع، وهم يعتقدون في محمد بن إسماعيل أنه أفضل من محمد بن عبد الله بن ~~عبد المطلب، وأنه نسخ شريعته، ويعتقدون في أئمتهم، كالذي يسمونه المهدي ~~وأولاده، مثل المعز والحاكم وأمثالهم: أنهم أئمة معصومون. فلا ريب أن من ~~اعتقد عصمة خلفاء بني أمية وبني العباس كلهم كان خيرا من هؤلاء من وجوه ~~كثيرة ; فإن خلفاء بني أمية وبني العباس مسلمون ظاهرا وباطنا، وذنوبهم من ~~جنس ذنوب المسلمين، ليسوا كفارا منافقين. # وهؤلاء الباطنية هم في الباطن أكفر من اليهود والنصارى. فمن اعتقد عصمة ~~هؤلاء كان أعظم جهلا وضلالا ممن اعتقد عصمة خلفاء بني أمية PageV04P519 # وبني العباس، بل ولو اعتقد معتقد عصمة سائر ملوك المسلمين، الذين هم ~~مسلمون ظاهرا وباطنا، لكان خيرا ممن اعتقد عصمة هؤلاء. فقد تبين أن الجهل ~~الذي يوجد فيمن هو من أجهل أهل السنة، يوجد في الشيعة من الجهل ما هو أعظم ~~[منه] (1) ، لا سيما وجهل أولئك أصله جهل نفاق وزندقة لا جهل تأويل وبدعة. ~~وهؤلاء أصل جهلهم لم يكن جهل نفاق وزندقة، بل جهل بدعة وتأويل وقلة علم ~~بالشريعة. # ولهذا إذا تبين لهؤلاء حقيقة ما بعث الله به [محمدا] (2) رسوله رجعوا عن ms1031 ~~جهلهم وبدعتهم. وأما أئمة الملاحدة فيعلمون في الباطن أن ما يقولونه مناقض ~~لما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - وهم يخالفونه لاعتقادهم أنه وضع ~~ناموسا بعقله وفضيلته، فيجوز لنا أن نضع ناموسا كما وضع ناموسا، إذ كانت ~~النبوة عندهم مكتسبة، وهي [عندهم] (3) من جنس فضيلة العلماء العباد، ~~والشرائع من جنس سياسة الملوك العادية، فيجوزون أن تنسخ شريعته بشريعة ~~يضعها الواحد من أئمتهم، ويقولون: إن الشريعة إنما هي للعامة، فأما الخاصة ~~إذا علموا باطنها فإنه تسقط عنهم الواجبات وتباح لهم المحظورات. # وهؤلاء ونحوهم أكثر من اليهود والنصارى، بل إذا قدر قوم يعتقدون عصمة ~~الواحد من بني أمية أو بني العباس، أو أنه لا ذنوب لهم، أو أن الله ~~PageV04P520 # لا يؤاخذهم بذنوبهم، كما يحكى عن بعض أتباع بني أمية أنهم كانوا يقولون: ~~إن الخليفة يتقبل الله منه الحسنات ويتجاوز له عن السيئات ; فهؤلاء مع ~~ضلالهم أقل ضلالا ممن يقول بإمامة المنتظر والعسكريين ونحوهم. ويقولون: ~~إنهم معصومون، فإن هؤلاء اعتقدوا (1) العصمة والإمامة في معدوم أو فيمن ~~[ليس] (2) له سلطان ينتفعون به ولا عنده من العلم والدين أكثر مما عند كثير ~~من عامة المسلمين، وأولئك اعتقدوا أن الإمام له حسنات (3) كثيرة تغمر ~~سيئاته. وهذا ممكن في الجملة، فإنه يمكن أن يكون للمسلم حسنات تغمر سيئاته، ~~وإن كان ذلك لا يشهد به لمعين إلا بما يدل على التعيين. أما كون واحد ممن ~~يوجد في المسلمين من هو أعلم منه وأدين معصوما عن الخطأ فهذا باطل قطعا ; ~~بل دعوى العصمة فيمن سوى الرسول - صلى الله عليه وسلم - دعوى باطلة قطعا، ~~فتبين أن أولئك مع جهالتهم (4) هم أقرب إلى الحق وأقل جهلا من هؤلاء ~~الروافض (5) ، وأن من اعتقد أن يزيد من الصحابة أو الأنبياء لم يكن جهله ~~وضلاله أعظم من جهل وضلال من اعتقد الإلهية والنبوة في شيوخ الشيعة، لا ~~سيما شيوخ الإسماعيلية والنصيرية، الذين هم أكفر من اليهود والنصارى، ~~وأتباعهم يعتقدون فيهم الإلهية. PageV04P521 # وأما علماء أهل (1) السنة الذين لهم قول [يحكى] (2) فليس فيهم من يعتقد ms1032 ~~أن يزيد وأمثاله من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين (3) ، كأبي بكر وعمر ~~وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - بل أهل السنة يقولون بالحديث الذي في السنن: ~~" «خلافة النبوة (4) ثلاثون سنة ثم تصير ملكا» " (5) . # وإن أراد باعتقادهم (6) إمامة يزيد، أنهم يعتقدون أنه كان (7) ملك جمهور ~~المسلمين وخليفتهم في زمانه (8) صاحب السيف، كما كان أمثاله من خلفاء بني ~~أمية وبني العباس، فهذا أمر معلوم لكل أحد، ومن نازع في هذا كان مكابرا ; ~~فإن يزيد بويع بعد موت أبيه معاوية، وصار متوليا على أهل الشام ومصر ~~والعراق وخراسان وغير ذلك من بلاد المسلمين. # والحسين - رضي الله عنه - استشهد يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، وهي أول ~~سنة في ملك يزيد. والحسين استشهد قبل أن يتولى على شيء من البلاد. ثم إن ~~ابن الزبير لما (9) جرى بينه وبين يزيد ما جرى من الفتنة، واتبعه من اتبعه ~~من أهل مكة والحجاز وغيرهما، وكان إظهاره طلب الأمر لنفسه (10) بعد ~~PageV04P522 # موت يزيد، فإنه حينئذ تسمى بأمير المؤمنين، وبايعه عامة أهل الأمصار إلا ~~أهل الشام. ولهذا إنما تعد ولايته من بعد موت يزيد، وأما في حياة يزيد فإنه ~~امتنع عن مبايعته أولا، ثم بذل المبايعة له، فلم يرض يزيد إلا بأن يأتيه ~~أسيرا، فجرت بينهما فتنة، وأرسل إليه يزيد من حاصره بمكة، فمات يزيد وهو ~~محصور، فلما مات يزيد بايع ابن الزبير طائفة من أهل الشام والعراق وغيرهم. ~~وتولى بعد يزيد ابنه معاوية بن يزيد (1) ولم تطل أيامه (2) ، بل أقام ~~أربعين يوما أو نحوها، وكان فيه صلاح وزهد، ولم يستخلف أحدا، فتأمر بعده ~~مروان [بن الحكم] (3) على الشام، ولم تطل أيامه (4) ، ثم تأمر بعده ابنه ~~عبد الملك، وسار إلى مصعب بن الزبير نائب أخيه على العراق، فقتله حتى ملك ~~العراق، وأرسل الحجاج إلى ابن الزبير [فحاصره] (5) وقاتله، حتى قتل ابن ~~الزبير، واستوثق الأمر لعبد الملك، ثم لأولاده من بعده، وفتح في أيامه ~~بخارى وغيرها من بلاد ما وراء النهر، فتحها قتيبة بن مسلم نائب الحجاج بن ~~يوسف الذي كان نائب عبد ms1033 الملك بن مروان على العراق، مع ما كان فيه من ~~الظلم، وقاتل المسلمون ملك الترك خاقان وهزموه وأسروا أولاده، وفتحوا أيضا ~~بلاد السند، وفتحوا أيضا بلاد الأندلس، وغزوا القسطنطينية وحاصروها مدة، ~~وكانت لهم الغزوات الشاتية (6) والصائفة. PageV04P523 # ثم لما انتقل الأمر إلى بني العباس (1) تولوا على بلاد العراق والشام ~~ومصر والحجاز واليمن وخراسان وغيرهما مما كان قد تولى عليه بنو أمية، إلا ~~بلاد المغرب، فإن الأندلس تولى عليه بنو أمية، وبلاد القيروان كانت دولة ~~بين هؤلاء وهؤلاء. # فيزيد في ولايته هو واحد من هؤلاء الملوك، ملوك المسلمين المستخلفين في ~~الأرض، ولكنه مات وابن الزبير ومن بايعه بمكة خارجون عن طاعته، لم يتول على ~~جميع بلاد المسلمين، كما أن ولد العباس لم يتولوا على جميع بلاد المسلمين، ~~بخلاف عبد الملك وأولاده فإنهم تولوا على جميع بلاد المسلمين، وكذلك ~~الخلفاء الثلاثة ومعاوية تولوا على جميع بلاد المسلمين، وعلي - رضي الله ~~عنه - لم يتول على جميع بلاد المسلمين. # فكون الواحد من هؤلاء إماما، بمعنى أنه كان له سلطان ومعه السيف يولي ~~ويعزل، ويعطي ويحرم، ويحكم وينفذ (2) ، ويقيم الحدود ويجاهد الكفار، ويقسم ~~الأموال - أمر مشهور (3) متواتر لا يمكن جحده. وهذا معنى كونه إماما وخليفة ~~وسلطانا، كما أن إمام الصلاة هو الذي يصلي بالناس. فإذا رأينا رجلا يصلي ~~بالناس كان القول بأنه إمام أمرا مشهودا محسوسا لا يمكن المكابرة فيه. وأما ~~كونه برا أو فاجرا، أو مطيعا أو عاصيا، فذاك أمر آخر. PageV04P524 # فأهل السنة إذا اعتقدوا إمامة الواحد من هؤلاء: يزيد، أو عبد الملك، أو ~~المنصور، أو غيرهم - كان بهذا الاعتبار. ومن نازع في هذا فهو شبيه بمن نازع ~~في ولاية أبي بكر وعمر وعثمان، وفي ملك كسرى وقيصر والنجاشي وغيرهم من ~~الملوك. # وأما كون الواحد من هؤلاء معصوما، فليس هذا اعتقاد أحد من علماء المسلمين ~~(1) ، وكذلك كونه عادلا في كل أموره، مطيعا لله في جميع أفعاله، ليس هذا ~~اعتقاد أحد (2) من أئمة المسلمين. وكذلك وجوب طاعته في كل ما يأمر به، وإن ~~كان معصية لله ms1034، ليس هو اعتقاد أحد من أئمة المسلمين. # ولكن مذهب أهل السنة والجماعة أن هؤلاء يشاركون فيما يحتاج إليهم فيه من ~~طاعة الله، فتصلى خلفهم الجمعة والعيدان (3) وغيرهما من الصلوات التي ~~يقيمونها هم، لأنها لو لم تصل خلفهم أفضى إلى تعطيلها، ونجاهد معهم الكفار، ~~ونحج معهم البيت العتيق، ويستعان بهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ~~وإقامة الحدود، فإن الإنسان لو قدر أنه حج (4) في رفقة لهم ذنوب وقد جاءوا ~~يحجون، لم يضره هذا شيئا، وكذلك الغزو وغيره من الأعمال الصالحة، إذا فعلها ~~البر وشاركه في ذلك الفاجر لم يضره ذلك شيئا، فكيف إذا لم يمكن فعلها (5) ~~إلا على هذا الوجه، فكيف إذا كان PageV04P525 # الوالي الذي يفعلها فيه معصية؟ ! ويستعان بهم أيضا في العدل في الحكم ~~والقسم ; فإنه لا يمكن عاقل (1) أن ينازع في أنهم كثيرا ما يعدلون في حكمهم ~~وقسمهم، ويعاونون على البر والتقوى، ولا يعاونون على الإثم والعدوان. # وللناس نزاع في تفاصيل تتعلق بهذه الجملة ليس هذا موضعها، مثل إنفاذ حكم ~~الحاكم الفاسق إذا كان الحكم عدلا، ومثل الصلاة خلف الفاسق هل تعاد أم لا؟ ~~والصواب (2) الجامع في هذا الباب أن من حكم بعدل أو قسم بعدل نفذ حكمه ~~وقسمه (3) ، ومن أمر بمعروف أو نهى عن منكر أعين على ذلك، إذا لم يكن في ~~ذلك مفسدة راجحة، وأنه لا بد من إقامة الجمعة والجماعة، فإن أمكن تولية ~~إمام [بر] لم [يجز] تولية فاجر ولا مبتدع (4) يظهر بدعته، فإن هؤلاء يجب ~~الإنكار عليهم بحسب الإمكان ولا يجوز (5) توليتهم، فإن لم يمكن إلا تولية ~~أحد رجلين كلاهما فيه بدعة وفجور، كان تولية أصلحهما ولاية هو الواجب. وإذا ~~لم يمكن في الغزو إلا تأمير أحد رجلين: أحدهما فيه دين وضعف عن الجهاد، ~~والآخر فيه منفعة في الجهاد مع ذنوب له، كان تولية هذا الذي ولايته أنفع ~~للمسلمين، خيرا من تولية من ولايته أضر على المسلمين. وإذا لم يمكن صلاة ~~الجمعة PageV04P526 # والجماعة وغيرهما إلا خلف الفاجر والمبتدع صليت خلفه ولم تعد، وإن أمكن ms1035 ~~الصلاة خلف غيره (1) ، وكان في ترك الصلاة خلفه هجر له، ليرتدع هو وأمثاله ~~به عن البدعة والفجور، فعل ذلك. وإن لم يكن في ترك الصلاة خلفه مصلحة دينية ~~صلي خلفه، وليس على أحد أن يصلي الصلاة مرتين. # ففي الجملة أهل السنة يجتهدون في طاعة الله ورسوله بحسب الإمكان، كما قال ~~تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [سورة التغابن: 16] وقال النبي - صلى الله ~~عليه وسلم -: " «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» " (2) ، ويعلمون أن ~~الله تعالى بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - بصلاح العباد في المعاش ~~والمعاد، وأنه أمر بالصلاح ونهى عن الفساد، فإذا كان الفعل فيه صلاح وفساد ~~رجحوا الراجح منهما، فإذا كان صلاحه أكثر من فساده رجحوا فعله، وإن كان ~~فساده أكثر من صلاحه رجحوا تركه. # فإن الله تعالى بعث رسوله - صلى الله عليه وسلم - بتحصيل المصالح ~~وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها. فإذا تولى خليفة من الخلفاء، كيزيد ~~وعبد الملك والمنصور وغيرهم، * فإما أن يقال: يجب منعه من الولاية وقتاله ~~حتى يولى (3) غيره * (4) كما يفعله من يرى السيف، فهذا رأي فاسد، فإن مفسدة ~~هذا (5) أعظم من مصلحته. وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان PageV04P527 # ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير. كالذين خرجوا على يزيد ~~بالمدينة، وكابن الأشعث الذي خرج على عبد الملك بالعراق، وكابن المهلب الذي ~~خرج على ابنه (1) بخراسان، وكأبي مسلم صاحب الدعوة الذي خرج عليهم بخراسان ~~[أيضا] (2) ، وكالذين (3) خرجوا على المنصور بالمدينة والبصرة، وأمثال ~~هؤلاء. # وغاية هؤلاء إما أن يغلبوا وإما أن يغلبوا، ثم يزول ملكهم فلا يكون لهم ~~عاقبة ; فإن عبد الله بن علي وأبا مسلم هما اللذان (4) قتلا خلقا كثيرا، ~~وكلاهما قتله أبو جعفر المنصور. وأما أهل الحرة وابن الأشعث وابن المهلب ~~وغيرهم (5) فهزموا وهزم أصحابهم، فلا أقاموا دينا ولا أبقوا دنيا. والله ~~تعالى لا يأمر بأمر لا يحصل به صلاح الدين ولا صلاح الدنيا، وإن كان فاعل ~~ذلك من أولياء الله (6) المتقين ومن أهل الجنة، فليسوا أفضل من علي ms1036 وعائشة ~~وطلحة والزبير وغيرهم، ومع هذا لم يحمدوا ما فعلوه (7) من القتال، وهم أعظم ~~قدرا عند الله وأحسن نية من غيرهم. # وكذلك أهل الحرة كان فيهم من أهل العلم والدين خلق. وكذلك PageV04P528 # أصحاب ابن الأشعث كان فيهم خلق من أهل العلم والدين، والله يغفر لهم ~~[كلهم] (1) . # وقد قيل للشعبي في فتنة ابن الأشعث: أين كنت يا عامر؟ قال: كنت حيث يقول ~~الشاعر # عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى ... وصوت إنسان فكدت أطير. # أصابتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء. # وكان الحسن البصري يقول: إن الحجاج عذاب الله، فلا تدفعوا عذاب الله ~~بأيديكم، ولكن عليكم بالاستكانة والتضرع، فإن الله تعالى يقول: {ولقد ~~أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون} [سورة المؤمنون: 76] وكان ~~طلق بن حبيب يقول: اتقوا الفتنة بالتقوى. فقيل له: أجمل لنا التقوى. فقال: ~~أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو رحمة الله، وأن تترك معصية الله ~~على نور من الله تخاف عذاب الله. رواه أحمد وابن أبي الدنيا. # وكان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة، كما كان عبد ~~الله بن عمر وسعيد بن المسيب وعلي بن الحسين وغيرهم ينهون عام الحرة عن ~~الخروج على يزيد، وكما كان الحسن البصري ومجاهد وغيرهما ينهون عن الخروج في ~~فتنة ابن الأشعث. ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة ~~للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاروا يذكرون ~~هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جور PageV04P529 # الأئمة وترك قتالهم، وإن كان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم ~~والدين. # وباب قتال أهل البغي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشتبه بالقتال في ~~الفتنة، وليس هذا موضع بسطه. ومن تأمل الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب واعتبر أيضا اعتبار أولي الأبصار، علم ~~أن الذي جاءت به النصوص النبوية خير الأمور. ولهذا لما أراد الحسين - رضي ~~الله عنه - أن يخرج إلى أهل العراق لما كاتبوه كتبا كثيرة ms1037 أشار عليه أفاضل ~~أهل العلم والدين، كابن عمر وابن عباس وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن ~~هشام أن لا يخرج، وغلب على ظنهم أنه يقتل، حتى إن بعضهم قال: أستودعك الله ~~من قتيل. وقال بعضهم: لولا الشفاعة لأمسكتك ومنعتك من الخروج. وهم في ذلك ~~قاصدون نصيحته طالبون لمصلحته ومصلحة المسلمين. والله ورسوله إنما يأمر ~~بالصلاح لا بالفساد، لكن الرأي يصيب تارة ويخطئ أخرى. # فتبين أن الأمر على ما قاله أولئك، ولم يكن في الخروج لا مصلحة دين ولا ~~مصلحة دنيا (1) ، بل تمكن أولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - حتى قتلوه مظلوما شهيدا، وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم ~~يكن حصل (2) لو قعد في بلده، فإن ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل ~~منه شيء، بل زاد الشر بخروجه وقتله، ونقص PageV04P530 # الخير بذلك، وصار ذلك (1) سببا لشر عظيم. وكان قتل الحسين مما أوجب ~~الفتن، كما كان قتل عثمان مما أوجب الفتن. # وهذا كله مما يبين أن ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصبر ~~على جور الأئمة وترك قتالهم والخروج عليهم هو أصلح الأمور للعباد في المعاش ~~والمعاد، وأن من خالف ذلك متعمدا أو مخطئا لم يحصل بفعله صلاح بل فساد. ~~ولهذا أثنى النبي - صلى الله عليه وسلم - على الحسن بقوله: " «إن ابني هذا ~~سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» " (2) ولم يثن على أحد ~~لا بقتال في فتنة ولا بخروج على الأئمة ولا نزع يد من طاعة ولا مفارقة ~~للجماعة. # وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الثابتة في الصحيح كلها تدل على ~~هذا. كما في صحيح البخاري من حديث الحسن البصري: سمعت أبا بكرة - رضي الله ~~عنه - قال: «سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر والحسن إلى جنبه ~~ينظر إلى الناس مرة وإليه مرة ويقول: " إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح ~~به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» ". فقد أخبر النبي - صلى الله ms1038 عليه وسلم ~~- بأنه سيد، وحقق ما أشار إليه من أن الله يصلح به بين فئتين [عظيمتين] (3) ~~من المسلمين. # وهذا يبين أن الإصلاح بين الطائفتين كان محبوبا (4) ممدوحا يحبه الله ~~PageV04P531 # ورسوله، وأن ما فعله الحسن من ذلك كان من أعظم فضائله ومناقبه التي أثنى ~~بها عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولو كان القتال واجبا أو مستحبا لم ~~يثن النبي - صلى الله عليه وسلم - على أحد (1) بترك واجب أو مستحب. ولهذا ~~لم يثن النبي - صلى الله عليه وسلم - على أحد (2) بما جرى من القتال يوم ~~الجمل وصفين فضلا عما جرى في المدينة يوم الحرة، وما جرى بمكة في حصار ابن ~~الزبير، وما جرى في فتنة ابن الأشعث وابن المهلب وغير ذلك من الفتن. ولكن ~~تواتر عنه أنه أمر بقتال الخوارج المارقين الذين قاتلهم أمير المؤمنين علي ~~بن أبي طالب - رضي الله عنه - بالنهروان بعد خروجهم عليه بحروراء ; فهؤلاء ~~استفاضت السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأمر بقتالهم، ولما ~~قاتلهم علي - رضي الله عنه - فرح بقتالهم، وروى الحديث فيهم. واتفق الصحابة ~~على قتال هؤلاء، وكذلك أئمة أهل العلم بعدهم لم يكن هذا القتال [عندهم] (3) ~~كقتال أهل الجمل وصفين وغيرهما مما لم يأت فيه نص ولا إجماع، ولا حمده ~~أفاضل الداخلين فيه، بل ندموا عليه ورجعوا عنه. # وهذا الحديث من أعلام نبوة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - حيث ذكر في ~~الحسن ما ذكره، وحمد منه ما حمده، [فكان ما ذكره وما حمده] (4) مطابقا للحق ~~الواقع بعد أكثر من ثلاثين سنة ; فإن إصلاح الله بالحسن بين الفئتين ~~PageV04P532 # كان سنة إحدى وأربعين من الهجرة، وكان علي - رضي الله عنه - استشهد في ~~رمضان سنة أربعين، والحسن حين مات النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عمره ~~نحو سبع سنين، فإنه ولد عام ثلاث من الهجرة، وأبو بكرة أسلم عام الطائف، ~~تدلى ببكرة فقيل له أبو بكرة (1) . والطائف كانت بعد فتح مكة. فهذا الحديث ~~الذي قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحسن كان بعد ما ms1039 مضى ثمان من ~~الهجرة، وكان بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاثين سنة التي هي ~~خلافة النبوة، فلا بد أن يكون قد مضى له أكثر من ثلاثين سنه، فإنه قاله قبل ~~موته - صلى الله عليه وسلم -. ومما يناسب هذا ما ثبت في الصحيح (2) من حديث ~~سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي «عن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - عن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يأخذه والحسن ويقول: " اللهم إني ~~أحبهما فأحبهما» " (3) . ففي هذا الحديث جمعه بين الحسن وأسامة - رضي الله ~~عنهما - وإخباره بأنه يحبهما [ودعاؤه الله أن يحبهما] (4) . وحبه - صلى ~~الله عليه وسلم - لهذين (5) مستفيض عنه في أحاديث صحيحة، كما في الصحيحين ~~من حديث شعبة، عن عدي بن ثابت قال: سمعت البراء بن عازب - رضي الله عنه - ~~قال (6) : «رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - PageV04P533 # والحسن [بن علي] (1) على عاتقه [وهو] (2) يقول: " اللهم إني أحبه فأحبه» ~~" (3) . # وفي الصحيحين عن الزهري، عن عروة، عن عائشة - رضي الله عنها -: «أن قريشا ~~أهمهم [شأن] (4) المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم -؟ [قالوا] (5) : ومن يجترئ عليه إلا أسامة (6) ~~بن زيد حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» ؟ (7) وفي صحيح البخاري عن ~~عبد الله بن دينار قال: نظر ابن عمر يوما وهو في المسجد إلى رجل يسحب ثيابه ~~في ناحية من المسجد، فقال: انظر من هذا؟ ليت هذا PageV04P534 # عندي! قال له إنسان: أما تعرف هذا يا أبا عبد الرحمن؟ هذا محمد بن أسامة. ~~قال: فطأطأ ابن عمر - رضي الله عنه - رأسه، ونقر بيديه (1) على الأرض، ~~وقال: لو رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأحبه (2) . # وهذان اللذان جمع بينهما في محبته، ودعا الله لهما بالمحبة، وكان يعرف ~~حبه لكل [واحد] (3) منهما منفردا، لم يكن رأيهما القتال في تلك الحروب، بل ~~أسامة قعد عن القتال يوم صفين: لم يقاتل مع هؤلاء ولا [مع] هؤلاء (4) . # وكذلك الحسن كان دائما (5) يشير على أبيه وأخيه بترك القتال، ولما صار ~~الأمر ms1040 إليه ترك القتال، وأصلح الله به بين الطائفتين المقتتلتين. # وعلي - رضي الله عنه - في آخر الأمر تبين له أن المصلحة في ترك القتال ~~أعظم منها في فعله. # وكذلك الحسين - رضي الله عنه - لم يقتل إلا مظلوما شهيدا، تاركا لطلب ~~الإمارة (6) ، طالبا للرجوع: إما إلى بلده، أو إلى الثغر (7) ، أو إلى ~~المتولي على الناس يزيد. PageV04P535 # وإذا قال القائل: إن عليا والحسين إنما تركا القتال [في آخر الأمر] (1) ~~للعجز، لأنه لم يكن لهما أنصار (2) ، فكان في المقاتلة قتل النفوس بلا حصول ~~المصلحة المطلوبة. # قيل له: وهذا بعينه هو الحكمة التي راعاها الشارع - صلى الله عليه وسلم - ~~في النهي عن الخروج على الأمراء، وندب إلى ترك القتال في الفتنة، وإن كان ~~الفاعلون لذلك يرون أن مقصودهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كالذين ~~خرجوا بالحرة وبدير الجماجم على يزيد والحجاج وغيرهما. # لكن إذا لم يزل المنكر إلا بما هو أنكر منه، صار (3) إزالته على هذا ~~الوجه منكرا، وإذا لم يحصل المعروف إلا بمنكر مفسدته أعظم من مصلحة ذلك ~~المعروف، كان تحصيل ذلك المعروف على هذا الوجه منكرا. # وبهذا الوجه صارت الخوارج تستحل السيف (4) على أهل القبلة، حتى قاتلت ~~عليا وغيره من المسلمين. وكذلك من وافقهم في الخروج على الأئمة بالسيف [في ~~الجملة] (5) من المعتزلة والزيدية والفقهاء وغيرهم، كالذين خرجوا مع محمد ~~بن عبد الله بن حسن بن حسين، وأخيه إبراهيم بن عبد الله [بن حسن بن حسين] ~~(6) وغير هؤلاء، فإن أهل الديانة من هؤلاء يقصدون تحصيل ما يرونه دينا. ~~PageV04P536 # لكن قد يخطئون من وجهين: # أحدهما: أن يكون ما رأوه دينا ليس بدين (1) ، كرأي الخوارج وغيرهم من أهل ~~الأهواء ; فإنهم يعتقدون رأيا هو خطأ وبدعة، ويقاتلون الناس عليه، بل ~~يكفرون من خالفهم، فيصيرون مخطئين في رأيهم، وفي قتال (2) من خالفهم أو ~~تكفيرهم ولعنهم. # وهذه حال (3) عامة أهل الأهواء، كالجهمية الذين يدعون الناس إلى إنكار ~~حقيقة أسماء الله الحسنى وصفاته العلى (4) ، ويقولون: إنه ليس له كلام إلا ~~ما خلقه في غيره، وإنه لا يرى، ونحو ذلك ms1041. وامتحنوا الناس لما مال إليهم بعض ~~ولاة الأمور، فصاروا يعاقبون من خالفهم في رأيهم: إما بالقتل، وإما بالحبس، ~~وإما بالعزل ومنع الرزق. وكذلك قد (5) فعلت الجهمية ذلك (6) غير مرة، والله ~~ينصر عباده المؤمنين عليهم. # والرافضة شر منهم: إذا تمكنوا فإنهم يوالون الكفار وينصرونهم، ويعادون من ~~المسلمين كل من لم يوافقهم على رأيهم. وكذلك من فيه نوع من البدع: إما من ~~بدع الحلولية: حلولية الذات أو الصفات، وإما من بدع النفاة أو الغلو في ~~الإثبات، وإما [من] (7) بدع القدرية أو الإرجاء PageV04P537 # أو غير ذلك - تجده يعتقد اعتقادات فاسدة، ويكفر من خالفه أو يلعنه. ~~والخوارج المارقون أئمة هؤلاء في تكفير أهل السنة والجماعة وفي قتالهم. # الوجه الثاني: من يقاتل (1) على اعتقاد رأي يدعو إليه مخالف للسنة ~~والجماعة، كأهل الجمل وصفين والحرة والجماجم وغيرهم، لكن يظن أنه بالقتال ~~تحصل المصلحة المطلوبة، فلا يحصل بالقتال ذلك، بل تعظم المفسدة أكثر مما ~~كانت، فيتبين لهم في آخر الأمر ما كان الشارع دل عليه من أول الأمر. # وفيهم من لم تبلغه نصوص الشارع، أو لم تثبت عنده. وفيهم من يظنها منسوخة ~~كابن حزم. وفيهم من يتأولها كما يجري لكثير من المجتهدين في كثير من ~~النصوص. # فإن بهذه الوجوه [الثلاثة] (2) يترك من يترك (3) من أهل الاستدلال العمل ~~ببعض النصوص ; إما أن لا يعتقد ثبوتها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~وإما أن يعتقدها غير دالة على مورد الاستدلال، وإما أن يعتقدها منسوخة. # ومما ينبغي أن يعلم أن أسباب هذه الفتن تكون مشتركة، فيرد على القلوب من ~~الواردات ما يمنع القلوب عن معرفة الحق وقصده. ولهذا تكون بمنزلة الجاهلية، ~~والجاهلية ليس فيها معرفة الحق ولا قصده، والإسلام جاء بالعلم النافع ~~والعمل الصالح، بمعرفة الحق وقصده. فيتفق أن بعض PageV04P538 # الولاة يظلم باستئثار (1) فلا تصبر النفوس على ظلمه، ولا يمكنها دفع ظلمه ~~إلا بما هو أعظم فسادا منه. ولكن لأجل محبة الإنسان لأخذ حقه ودفع الظلم ~~عنه، لا ينظر في الفساد العام الذي يتولد عن فعله. # ولهذا قال النبي - صلى ms1042 الله عليه وسلم -: " «إنكم ستلقون بعدي أثرة ~~فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» " (2) . # وفي الصحيح من حديث أنس بن مالك وأسيد بن حضير - رضي الله عنهما - «أن ~~رجلا من الأنصار قال: يا رسول الله ألا تستعملني كما استعملت فلانا؟ قال: " ~~ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» " (3) . # وفي رواية [للبخاري] (4) عن يحيى بن سعيد الأنصاري سمع أنس بن مالك حين ~~خرج معه إلى الوليد قال: «دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - الأنصار إلى أن ~~يقطع لهم البحرين، فقالوا: لا إلا أن تقطع لإخواننا من PageV04P539 # المهاجرين مثلها. فقال: " أما لا، فاصبروا حتى تلقوني [على الحوض] (1) ~~فإنه ستصيبكم أثرة بعدي» " (2) . # وكذلك ثبت عنه في الصحيح أنه قال: " «على المرء المسلم السمع والطاعة في ~~يسره وعسره، ومنشطه ومكرهه، وأثرة عليه» " (3) . # وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (4) عن عبادة قال: " «بايعنا ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة: في عسرنا ويسرنا، ~~ومنشطنا ومكرهنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقول أو نقوم ~~بالحق حيثما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم» " (5) . # فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين بأن يصبروا على الاستئثار ~~عليهم، وأن يطيعوا ولاة [أمورهم وإن استأثروا عليهم، وأن لا ينازعوهم ~~الأمر. وكثير ممن خرج على ولاة] (6) الأمور أو أكثرهم إنما خرج لينازعهم مع ~~استئثارهم عليه، ولم يصبروا (7) على الاستئثار. ثم إنه يكون لولي الأمر ~~ذنوب أخرى، فيبقى بغضه لاستئثاره يعظم (8) تلك السيئات، ويبقى PageV04P540 # المقاتل له ظانا أنه يقاتله لئلا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، ومن ~~أعظم ما حركه عليه (1) طلب غرضه: إما ولاية، وإما مال (2) . # كما قال تعالى: {فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون} ~~[سورة التوبة: 58] وفي الصحيح (3) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ~~قال: " «ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم ~~عذاب أليم: رجل على فضل ماء يمنعه من (4) ابن السبيل، يقول الله له [يوم ~~القيامة] (5) : اليوم أمنعك فضلي (6) كما منعت ms1043 فضل ما لم تعمل يداك. ورجل ~~بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا: إن أعطاه منها رضي: وإن منعه سخط. ورجل ~~حلف على سلعة بعد العصر كاذبا: لقد أعطى بها أكثر مما أعطى» " (7) . # فإذا اتفق من هذه الجهة شبهة وشهوة، ومن هذه الجهة شهوة وشبهة قامت ~~الفتنة. والشارع أمر كل إنسان بما هو المصلحة له وللمسلمين، فأمر الولاة ~~بالعدل والنصح لرعيتهم، حتى قال: " «ما من راع يسترعيه الله PageV04P541 # رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه رائحة الجنة» " ~~(1) . # وأمر الرعية بالطاعة والنصح، كما ثبت في الحديث (2) الصحيح: " «الدين ~~النصيحة " - ثلاثا - قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: " لله ولكتابه ولرسوله ~~ولأئمة المسلمين وعامتهم» " (3) . # وأمر بالصبر على استئثارهم، ونهى عن مقاتلتهم ومنازعتهم الأمر مع ظلمهم، ~~لأن الفساد الناشئ من القتال في الفتنة، أعظم من فساد ظلم ولاة الأمر (4) ، ~~فلا يزال أخف الفسادين بأعظمهما. # ومن تدبر الكتاب والسنة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~واعتبر ذلك بما يجده في (5) نفسه وفي الآفاق علم تحقيق قول الله تعالى: ~~{سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} [سورة فصلت: ~~53] . PageV04P542 # ; فإن الله تعالى يري عباده آياته في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أن ~~القرآن حق، فخبره صدق (1) وأمره عدل: {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل ~~لكلماته وهو السميع العليم} [سورة الأنعام: 115] . # ومما يتعلق بهذا الباب أن يعلم أن الرجل العظيم في العلم والدين، من ~~الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة، أهل البيت وغيرهم، قد يحصل ~~منه نوع من الاجتهاد مقرونا بالظن، ونوع من الهوى الخفي، فيحصل بسبب ذلك ما ~~لا ينبغي اتباعه [فيه] (2) ، وإن كان من أولياء الله المتقين. # ومثل هذا إذا وقع يصير (3) فتنة لطائفتين (4) : طائفة تعظمه فتريد تصويب ~~ذلك الفعل واتباعه عليه، وطائفة تذمه فتجعل ذلك قادحا في ولايته وتقواه، بل ~~في بره وكونه من أهل الجنة، بل في إيمانه حتى تخرجه عن الإيمان. وكلا هذين ~~الطرفين (5) فاسد. # والخوارج والروافض (6) وغيرهم من ذوي الأهواء ms1044 دخل عليهم الداخل من هذا. ~~ومن سلك طريق الاعتدال عظم من يستحق التعظيم، وأحبه ووالاه، وأعطى الحق ~~حقه، فيعظم الحق، ويرحم الخلق، ويعلم PageV04P543 # أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات، فيحمد ويذم، ويثاب ويعاقب، ويحب ~~من وجه ويبغض من وجه. # هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، خلافا للخوارج والمعتزلة ومن وافقهم. ~~وقد بسط هذا في موضعه. # وإذا تبين ذلك فالقول في يزيد كالقول في أشباهه من الخلفاء والملوك: من ~~وافقهم في طاعة الله تعالى: كالصلاة، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف، ~~والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود - كان مأجورا على ما فعله من طاعة الله ~~ورسوله. وكذلك كان صالحو المؤمنين (1) يفعلون (2) ، كعبد الله بن عمر ~~وأمثاله. ومن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، كان من المعينين على الإثم ~~والعدوان، المستحقين للذم والعقاب. # ولهذا كان الصحابة - رضي الله عنهم - يغزون مع يزيد وغيره، فإنه غزا ~~القسطنطينية في حياة أبيه معاوية - رضي الله عنه - وكان معهم (3) في الجيش ~~أبو أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - وذلك الجيش أول جيش غزا القسطنطينية. # وفي صحيح البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما، - عن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - أنه قال: " «أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور لهم» " (4) . ~~PageV04P544 # وعامة الخلفاء الملوك جرى في أوقاتهم فتن، كما جرى في زمن يزيد بن معاوية ~~قتل الحسين، ووقعة الحرة، وحصار ابن الزبير بمكة. وجرى في زمن مروان بن ~~الحكم فتنة مرج راهط بينه وبين النعمان بن بشير، وجرى في زمن عبد الملك ~~فتنة مصعب بن الزبير وأخيه عبد الله بن الزبير وحصاره أيضا بمكة. وجرى في ~~زمن هشام فتنة زيد بن علي. وجرى في زمن مروان بن محمد فتنة أبي مسلم، حتى ~~خرج عنهم الأمر إلى ولد العباس. ثم كان في زمن المنصور فتنة محمد بن عبد ~~الله بن الحسن بن الحسين بالمدينة، وأخيه إبراهيم بالبصرة، إلى فتن يطول ~~وصفها. # والفتن (1) في كل زمان بحسب رجاله ; فالفتنة الأولى فتنة قتل عثمان - رضي ~~الله عنه - هي أول الفتن وأعظمها. # ولهذا جاء في الحديث المرفوع الذي ms1045 رواه الإمام أحمد في المسند وغيره: " ~~«ثلاث من نجا منهن فقد نجا: موتي، وقتل خليفة مضطهد بغير حق، والدجال» " ~~(2) . PageV04P545 # ولهذا جاء (1) # في حديث عمر لما سأل عن الفتنة التي تموج موج البحر، وقال له حذيفة: إن ~~بينك وبينها بابا مغلقا. فقال: أيكسر الباب أم يفتح؟ فقال: بل يكسر. فقال: ~~لو كان يفتح لكاد يعاد (2) # . وكان عمر هو الباب، فقتل عمر، وتولى عثمان، فحدثت أسباب الفتنة في آخر ~~خلافته، حتى قتل وانفتح باب الفتنة إلى يوم القيامة، وحدث بسبب ذلك فتنة ~~الجمل وصفين، ولا يقاس رجالهما بأحد، فإنهم أفضل من كل من بعدهم. # وكذلك فتنة الحرة وفتنة ابن الأشعث، كان فيها من خيار التابعين من لا ~~يقاس بهم من بعدهم. وليس في وقوع هذه الفتن في تلك الأعصار ما يوجب أن أهل ~~ذلك العصر كانوا شرا من غيرهم، بل فتنة كل زمان بحسب رجاله. # وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «خير القرون القرن الذي بعثت ~~فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» " (3) . # وفتن ما بعد ذلك الزمان بحسب أهله. وقد روي أنه قال: " «كما تكونون يولى ~~عليكم» " (4) # . وفي أثر آخر يقول الله تعالى: ( «أنا الله عز وجل ملك PageV04P546 # الملوك، قلوب الملوك ونواصيهم بيدي، من أطاعني جعلتهم عليه رحمة، ومن ~~عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشتغلوا بسب الملوك، وأطيعوني أعطف قلوبهم ~~عليكم» (1) . # ولما انهزم المسلمون يوم أحد هزمهم الكفار. قال الله تعالى: {أولما ~~أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم} [سورة آل ~~عمران: 165] . # والذنوب ترفع عقوبتها [بالتوبة] والاستغفار (2) # والحسنات الماحية والمصائب المكفرة. # والقتل الذي وقع في الأمة مما يكفر الله به ذنوبها، كما جاء في الحديث. ~~والفتنة هي من جنس الجاهلية، كما قال الزهري: وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله ~~- صلى الله عليه وسلم - متوافرون (3) ، فأجمعوا أن كل دم أو مال أو فرج ~~أصيب بتأويل القرآن فإنه هدر: أنزلوهم منزلة الجاهلية. # وذلك أن الله تعالى بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالهدى ودين الحق، ~~فبالهدى يعرف ms1046 الحق، وبدين الحق يقصد الخير ويعمل به، فلا بد من علم بالحق، ~~وقصد له وقدرة عليه. والفتنة تضاد ذلك ; فإنها تمنع معرفة PageV04P547 # الحق أو قصده أو القدرة عليه، فيكون فيها من الشبهات ما يلبس الحق ~~بالباطل، حتى لا يتميز لكثير من الناس أو أكثرهم، ويكون فيها من الأهواء ~~والشهوات ما يمنع قصد الحق وإرادته، ويكون فيها من ظهور قوة الشر ما يضعف ~~القدرة على الخير (1) . # ولهذا ينكر الإنسان قلبه عند الفتنة، فيرد على القلوب ما يمنعها من معرفة ~~الحق وقصده. ولهذا يقال: فتنة عمياء صماء. ويقال: فتن كقطع الليل المظلم، ~~ونحو ذلك من الألفاظ التي يتبين ظهور الجهل فيها، وخفاء العلم. # فلهذا كان أهلها بمنزلة أهل (2) الجاهلية (*، ولهذا لا تضمن فيها النفوس ~~والأموال، لأن الضمان يكون لمن يعرف أنه (3) أتلف نفس غيره أو ماله بغير ~~حق، فأما من لم يعرف ذلك، كأهل الجاهلية *) (4) من الكفار والمرتدين ~~والبغاة المتأولين، [فلا يعرفون ذلك] (5) ، فلا ضمان عليهم، كما لا يضمن من ~~علم أنه أتلفه بحق، وإن كان هذا مثابا مصيبا. # وذلك من أهل الجاهلية إما أن يتوبوا من تلك الجهالة (6) ، فيغفر لهم ~~بالتوبة جاهليتهم وما كان فيها، وإما أن يكونوا ممن يستحق العذاب على ~~PageV04P548 # الجهالة (1) كالكفار، فهؤلاء حسبهم عذاب الله في الآخرة. وإما أن يكون ~~أحدهم [متأولا] (2) مجتهدا مخطئا ; فهؤلاء إذا غفر لهم خطؤهم (3) غفر لهم ~~موجبات الخطأ أيضا (4) . ### | الناس في يزيد طرفان ووسط # (فصل) . # إذا تبين هذا فنقول: الناس في يزيد طرفان ووسط. قوم يعتقدون أنه كان (5) ~~من الصحابة، أو من الخلفاء الراشدين المهديين، أو من الأنبياء، وهذا [كله] ~~باطل (6) . وقوم يعتقدون أنه كان كافرا منافقا (7) في الباطن، وأنه كان له ~~قصد في أخذ ثأر كفار (8) أقاربه من أهل المدينة وبني هاشم، و [أنه] أنشد ~~(9) # لما بدت تلك الحمول وأشرفت (10) # تلك الرءوس على ربى جيرون ... نعق الغراب فقلت نح أو لا تنح # فلقد قضيت من النبي ديوني PageV04P549 # وأنه تمثل بشعر ابن الزبعرى (1) : # ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل # قد ms1047 قتلنا القرن من ساداتهم ... وعدلناه ببدر فاعتدل. # وكلا القولين باطل، يعلم بطلانه كل عاقل ; فإن الرجل ملك من ملوك ~~المسلمين، وخليفة من الخلفاء الملوك، لا هذا ولا هذا. وأما مقتل الحسين - ~~رضي الله عنه - فلا ريب أنه قتل مظلوما شهيدا، كما قتل أشباهه من المظلومين ~~الشهداء. # وقتل الحسين معصية لله ورسوله ممن قتله أو أعان على قتله [أو رضي بذلك] ~~(2) ، وهو مصيبة أصيب بها المسلمون من أهله وغير أهله، وهو في حقه شهادة ~~له، ورفع درجة، وعلو منزلة ; فإنه وأخاه سبقت لهما من الله السعادة، التي ~~لا تنال إلا بنوع من البلاء، ولم يكن لهما من السوابق ما لأهل بيتهما، ~~فإنهما تربيا في حجر الإسلام، في عز وأمان، فمات هذا (3) مسموما وهذا ~~مقتولا، لينالا بذلك منازل السعداء وعيش الشهداء. # وليس ما وقع من ذلك بأعظم من قتل الأنبياء ; فإن الله تعالى قد أخبر أن ~~بني إسرائيل كانوا يقتلون النبيين بغير حق. وقتل النبي أعظم ذنبا ومصيبة، ~~وكذلك قتل علي - رضي الله عنه - أعظم ذنبا ومصيبة، وكذلك قتل عثمان - رضي ~~الله عنه - أعظم ذنبا ومصيبة. PageV04P550 # إذا كان كذلك فالواجب عند المصائب الصبر والاسترجاع، كما يحبه الله ~~ورسوله. قال الله تعالى: {وبشر الصابرين - الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا ~~إنا لله وإنا إليه راجعون} [سورة البقرة: 156، 155] . # وفي مسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجه عن فاطمة بنت الحسين، عن أبيها ~~الحسين، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «ما من مسلم يصاب ~~بمصيبة فيذكر مصيبته وإن قدمت، فيحدث لها استرجاعا، إلا أعطاه الله من ~~الأجر مثل أجره يوم أصيب بها» " (1) # ورواية الحسين وابنته التي شهدت مصرعه لهذا الحديث آية، فإن مصيبة الحسين ~~هي ما يذكر وإن قدمت، فيشرع (2) للمسلم أن يحدث لها استرجاعا. # وأما ما يكرهه الله ورسوله من لطم الخدود، وشق الجيوب، والدعاء بدعوى ~~الجاهلية، فهذا محرم تبرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - من فاعله. كما في ~~[الحديث] الصحيح (3) عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «ليس منا من ~~لطم الخدود، وشق ms1048 الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية» " (4) «وتبرأ من " الصالقة ~~والحالقة والشاقة» " (5) فالصالقة التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة ~~التي تحلق شعرها، والشاقة التي تشق ثيابها. PageV04P551 # وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «إن النائحة إذا ~~لم تتب قبل موتها فإنها تلبس يوم القيامة درعا من جرب وسربالا من قطران» " ~~(1) . # ورفع إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - نائحة، فأمر بضربها، فقيل: يا ~~أمير المؤمنين إنه قد بدا شعرها. فقال: إنه لا حرمة لها ; أنها تنهى عن ~~الصبر، وقد أمر الله به، وتأمر بالجزع، وقد نهى الله عنه، وتفتن الحي، ~~وتؤذي الميت، وتبيع عبرتها، وتبكي بشجو غيرها، إنها لا تبكي على ميتكم، ~~إنما تبكي على أخذ دراهمكم. PageV04P552 ### | [الناس في قتل الحسين رضي الله عنه طرفان ووسط] # (فصل) (1) . # وصار الناس في قتل الحسين - رضي الله عنه -[ثلاثة أصناف] (2) : طرفين ~~ووسطا. أحد الطرفين يقول: إنه قتل بحق ; فإنه أراد أن يشق عصا [المسلمين] ~~(3) ويفرق الجماعة. # وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «من جاءكم ~~وأمركم على رجل واحد يريد أن يفرق جماعتكم فاقتلوه» " (4) . قالوا: والحسين ~~جاء وأمر المسلمين على رجل واحد، فأراد أن يفرق جماعتهم. وقال بعض هؤلاء: ~~هو أول خارج خرج في الإسلام على ولاة الأمر. # والطرف الآخر قالوا: بل [كان] هو (5) الإمام الواجب طاعته، الذي لا ينفذ ~~أمر من أمور الإيمان إلا به، ولا تصلى جماعة ولا جمعة إلا خلف من يوليه (6) ~~، ولا يجاهد عدو إلا بإذنه، ونحو ذلك. # وأما الوسط فهم أهل السنة، الذين لا يقولون لا هذا ولا هذا، بل يقولون: ~~قتل مظلوما شهيدا، ولم يكن متوليا لأمر (7) الأمة. والحديث PageV04P553 # المذكور لا يتناوله، فإنه لما بلغه ما فعل بابن عمه مسلم بن عقيل ترك طلب ~~الأمر، وطلب أن يذهب إلى يزيد ابن عمه (1) ، أو إلى الثغر، أو إلى بلده، ~~فلم يمكنوه، وطلبوا منه أن يستأسر لهم، وهذا لم يكن واجبا عليه. ### | [أحدث الناس بدعتين يوم عاشوراء بدعة الحزن والنوح وبدعة السرور والفرح] # (فصل ms1049) . # وصار الشيطان بسبب قتل الحسين - رضي الله عنه - يحدث للناس بدعتين: بدعة ~~الحزن والنوح يوم عاشوراء، من اللطم والصراخ والبكاء والعطش وإنشاد ~~المراثي، وما يفضي إليه ذلك من سب السلف ولعنتهم (2) ، وإدخال من لا ذنب له ~~مع ذوي الذنوب، حتى يسب السابقون الأولون، وتقرأ أخبار مصرعه التي كثير ~~منها كذب. وكان قصد من سن ذلك فتح باب الفتنة والفرقة بين الأمة ; فإن هذا ~~ليس واجبا ولا مستحبا باتفاق المسلمين، بل إحداث الجزع والنياحة للمصائب ~~القديمة من أعظم ما حرمه الله ورسوله. وكذلك بدعة السرور والفرح. # وكانت الكوفة بها قوم من الشيعة المنتصرين للحسين، وكان رأسهم (3) # المختار بن أبي عبيد (4) # الكذاب، وقوم من الناصبة المبغضين لعلي - رضي الله عنه - وأولاده، ومنهم ~~الحجاج بن يوسف الثقفي. وقد ثبت في الصحيح عن PageV04P554 # النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «سيكون في ثقيف كذاب ومبير» " ~~(1) # فكان ذلك الشيعي هو الكذاب، وهذا الناصبي هو المبير، فأحدث أولئك الحزن، ~~وأحدث هؤلاء السرور، ورووا أنه «من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه ~~سائر سنته» . # قال حرب الكرماني: سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث، فقال لا أصل له، ~~وليس له إسناد يثبت (2) ، إلا ما رواه سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن محمد ~~بن المنتشر، عن أبيه، أنه قال: بلغنا أنه «من وسع على أهله يوم عاشوراء» ~~(3) الحديث. # وابن المنتشر كوفي سمعه ورواه عمن لا يعرف، ورووا أنه من اكتحل يوم ~~عاشوراء لم يرمد ذلك العام، ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام، فصار ~~أقوام (4) يستحبون يوم عاشوراء الاكتحال والاغتسال والتوسعة على العيال ~~وإحداث (5) أطعمة غير معتادة. # وهذه بدعة أصلها من المتعصبين بالباطل على الحسين - رضي الله عنه - وتلك ~~بدعة أصلها من المتعصبين بالباطل (6) له، وكل بدعة ضلالة ولم يستحب أحد من ~~أئمة المسلمين الأربعة (7) وغيرهم لا هذا ولا هذا، ولا في PageV04P555 # شيء من استحباب ذلك حجة شرعية، بل المستحب يوم عاشوراء الصيام عند جمهور ~~العلماء، ويستحب أن يصام معه التاسع، ومنهم من يكره إفراده ms1050 بالصيام، كما قد ~~بسط في موضعه. ### | عود إلى الكلام على مقتل الحسين رضي الله عنه # والذين نقلوا مصرع الحسين زادوا أشياء من الكذب، كما زادوا في قتل عثمان، ~~وكما زادوا فيما يراد تعظيمه من الحوادث، وكما زادوا في المغازي والفتوحات ~~وغير ذلك. والمصنفون في أخبار قتل الحسين منهم من هو من أهل العلم، كالبغوي ~~وابن أبي الدنيا وغيرهما، ومع ذلك فيما يروونه آثار منقطعة وأمور باطلة. ~~وأما ما يرويه المصنفون في المصرع بلا إسناد، فالكذب فيه كثير، والذي ثبت ~~في الصحيح أن الحسين لما قتل حمل رأسه إلى قدام عبيد الله بن زياد، وأنه ~~نكت بالقضيب على ثناياه، وكان بالمجلس أنس بن مالك - رضي الله عنه - وأبو ~~برزة الأسلمي. # ففي صحيح البخاري عن محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ~~قال: أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين فجعل في طست (1) فجعل ينكت، وقال ~~في حسنه شيئا، فقال أنس: كان أشبههم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~وكان مخضوبا بالوسمة (2) . # وفيه أيضا عن ابن أبي نعم (3) ، قال: سمعت ابن عمر، وسأله رجل ~~PageV04P556 # عن المحرم يقتل الذباب، فقال: يا أهل العراق تسألوني عن قتل الذباب، وقد ~~قتلتم ابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال النبي - صلى الله ~~عليه وسلم -: " «هما ريحانتاي من الدنيا» " (1) . # وقد روي بإسناد مجهول أن هذا كان قدام يزيد، وأن الرأس حمل إليه (2) ، ~~وأنه هو الذي نكت على ثناياه. وهذا مع أنه لم يثبت ففي الحديث ما يدل على ~~أنه كذب، فإن الذين حضروا نكته بالقضيب من الصحابة لم يكونوا بالشام وإنما ~~كانوا بالعراق. والذي نقله غير واحد أن يزيد لم يأمر بقتل الحسين، ولا كان ~~له غرض في ذلك، بل كان يختار أن يكرمه ويعظمه، كما أمره بذلك معاوية - رضي ~~الله عنه -. ولكن كان يختار أن يمتنع من الولاية والخروج عليه، فلما قدم ~~الحسين وعلم أن أهل العراق يخذلونه ويسلمونه، طلب أن يرجع إلى يزيد، أو ~~يرجع إلى وطنه، أو يذهب إلى ms1051 الثغر، فمنعوه من ذلك حتى يستأسر، فقاتلوه حتى ~~قتل مظلوما شهيدا - رضي الله عنه - وأن خبر قتله لما بلغ يزيد وأهله ساءهم ~~ذلك، وبكوا على قتله، وقال يزيد: لعن الله ابن مرجانة - يعني عبيد الله بن ~~زياد -[أما] والله PageV04P557 # لو كان (1) بينه وبين الحسين رحم لما قتله. وقال: قد كنت أرضى من طاعة ~~أهل العراق بدون قتل الحسين. وأنه جهز أهله بأحسن الجهاز وأرسلهم إلى ~~المدينة، لكنه مع ذلك ما انتصر للحسين، ولا أمر بقتل قاتله، ولا أخذ بثأره. # وأما ما ذكره من سبي نسائه [والذراري] (2) ، والدوران بهم في البلاد (3) ~~، وحملهم على الجمال بغير أقتاب، فهذا كذب وباطل: ما سبى المسلمون - ولله ~~الحمد - هاشمية قط، ولا استحلت أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - سبي بني ~~هاشم قط، ولكن أهل الهوى والجهل يكذبون كثيرا، كما تقول طائفة منهم: إن ~~الحجاج قتل الأشراف، يعنون بني هاشم. # وبعض الوعاظ وقع بينه وبين بعض من كانوا يدعون أنهم علويون، ونسبهم مطعون ~~فيه، فقال على منبره: إن الحجاج قتل الأشراف كلهم، فلم يبق لنسائهم رجل، ~~فمكنوا منهن (4) رجالا، فهؤلاء من أولاد أولئك. وهذا كله كذب ; فإن الحجاج ~~لم يقتل من بني هاشم أحدا قط، مع كثرة قتله لغيرهم. فإن عبد الملك أرسل ~~إليه يقول له: إياك وبني هاشم أن تتعرض لهم، فقد رأيت بني حرب لما تعرضوا ~~للحسين أصابهم ما أصابهم. أو كما قال (5) . ولكن قتل الحجاج كثيرا من أشراف ~~العرب، أي PageV04P558 # سادات العرب. ولما سمع الجاهل أنه قتل الأشراف - وفي لغته أن الأشراف هم ~~(1) الهاشميون أو بعض الهاشميين، ففي بعض البلاد أن الأشراف عندهم ولد ~~العباس، وفي بعضها الأشراف عندهم ولد علي. # ولفظ " الأشراف " لا يتعلق به حكم شرعي، وإنما الحكم يتعلق ببني هاشم، ~~كتحريم الصدقة، وأنهم آل محمد - صلى الله عليه وسلم - وغير ذلك. # والحجاج كان قد تزوج ببنت عبد الله بن جعفر، فلم يرض بذلك بنو أمية حتى ~~نزعوها منه، لأنهم معظمون لبني هاشم. # وفي الجملة فما يعرف في الإسلام أن المسلمين ms1052 سبوا امرأة يعرفون أنها ~~هاشمية، ولا سبي عيال الحسين، بل لما دخلوا إلى بيت يزيد (2) قامت النياحة ~~في بيته، [وأكرمهم] (3) وخيرهم بين المقام عنده والذهاب إلى المدينة، ~~فاختاروا الرجوع إلى المدينة، ولا طيف برأس الحسين. وهذه الحوادث فيها من ~~الأكاذيب (4) ما ليس هذا موضع بسطه. # وأما ما ذكره من الأحداث والعقوبات الحاصلة بقتل الحسين ; فلا ريب أن قتل ~~الحسين من أعظم الذنوب، وأن فاعل ذلك والراضي به والمعين عليه مستحق لعقاب ~~الله الذي يستحقه أمثاله، لكن قتله ليس بأعظم من قتل من هو أفضل منه من ~~النبيين، والسابقين الأولين، ومن قتل في حرب مسيلمة، وكشهداء أحد، والذين ~~قتلوا ببئر معونة، وكقتل عثمان، وقتل PageV04P559 # علي، لا سيما والذين قتلوا أباه عليا كانوا يعتقدونه كافرا مرتدا، وأن ~~قتله من أعظم القربات، بخلاف الذين قتلوا الحسين ; فإنهم لم يكونوا يعتقدون ~~(1) كفره، وكان كثير منهم - أو أكثرهم - يكرهون قتله، ويرونه ذنبا عظيما، ~~لكن قتلوه لغرضهم، كما يقتل الناس بعضهم بعضا على الملك. # وبهذا وغيره يتبين أن كثيرا مما روي في ذلك كذب، مثل كون السماء أمطرت ~~(2) دما، [فإن هذا ما وقع قط في قتل أحد] (3) ، ومثل كون الحمرة ظهرت في ~~السماء يوم قتل الحسين ولم تظهر قبل ذلك ; فإن هذا من الترهات، فما زالت ~~هذه الحمرة تظهر ولها سبب طبيعي من جهة الشمس، فهي بمنزلة الشفق. # وكذلك قول القائل: " إنه ما رفع حجر في الدنيا إلا وجد تحته دم عبيط ". # هو أيضا كذب بين. # وأما قول الزهري: ما بقي أحد من قتلة الحسين إلا عوقب (4) في الدنيا. # فهذا ممكن، وأسرع الذنوب عقوبة البغي، والبغي على الحسين من أعظم البغي. # وأما قوله: " «وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر الوصية للمسلمين ~~في ولديه الحسن والحسين، ويقول لهم: هؤلاء وديعتي عندكم» . وأنزل الله ~~PageV04P560 # فيهم: {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} [سورة الشورى: 23] ~~. # فالجواب: أما الحسن والحسين فحقهما واجب بلا ريب. و [قد ثبت] في الصحيح ~~(1) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه خطب ms1053 الناس بغدير يدعى خما بين ~~مكة والمدينة فقال: " إني تارك فيكم الثقلين: أحدهما كتاب الله " فذكر كتاب ~~الله وحض عليه، ثم قال: " وعترتي أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي، ~~[أذكركم الله في أهل بيتي] » " (2) . # والحسن والحسين من أعظم أهل بيته اختصاصا به، كما ثبت في الصحيح «أنه ~~أدار كساءه (3) على علي وفاطمة وحسن وحسين ثم قال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي، ~~فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» " (4) . # وأما قوله: " إنه «كان يكثر الوصية بهما ويقوله لهم (5) : " هؤلاء وديعتي ~~عندكم» " (6) . # فهذا الحديث لا يعرف في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها. # والنبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم من أن يودع ولديه لمخلوق، فإن ذلك إن ~~أريد به حفظهما كما يحفظ المال المودع، فالرجال لا يودعون. وإن كان كما ~~يستودع الرجل أطفاله لمن يحفظهم ويربيهم، فهما كانا في حضانة أبيهما، ~~PageV04P561 # ثم لما بلغا رفع عنهما [حجر] (1) الحضانة فصار كل منهما في يد نفسه. وإن ~~أريد بذلك أنه أراد أن الأمة تحفظهما وتحرسهما، فالله خير حافظا وهو أرحم ~~الراحمين، وكيف يمكن واحد من الأمة أن يدفع عنهما الآفات؟ . # وإن أراد بذلك المنع من أذاهما بالعدوان عليهما، ونصرهما ممن يبغي ~~عليهما. فلا ريب أن هذا واجب لمن هو دونهما، [فكيف] (2) لا يجب لهما؟ وهذا ~~من حقوق المسلم على المسلم، وحقهما أوكد من حق غيرهما. # وأما قوله: " وأنزل الله فيهم: {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في ~~القربى} [سورة الشورى: 23] . # فهذا كذب ظاهر (3) ; فإن هذه الآية في سورة الشورى، وسورة [الشورى] مكية ~~(4) بلا ريب نزلت قبل أن يتزوج علي بفاطمة - رضي الله عنهما - وقبل أن يولد ~~[له] (5) الحسن والحسين ; فإن عليا إنما تزوج فاطمة (6) بالمدينة بعد ~~الهجرة في العام الثاني، ولم يدخل بها إلا بعد غزوة بدر، وكانت بدر في شهر ~~رمضان سنة اثنتين. وقد تقدم الكلام على الآية [الكريمة] (7) ، وأن المراد ~~بها ما بينه ابن عباس - رضي الله عنهما - من أنه لم PageV04P562 # تكن قبيلة من قريش (1) إلا وبينها وبين رسول الله - صلى الله ms1054 عليه وسلم - ~~قرابة، فقال: " {لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} : إلا أن ~~تودوني (2) في القرابة التي بيني وبينكم " رواه البخاري وغيره (3) . # وقد ذكر طائفة من المصنفين من أهل السنة والجماعة والشيعة، من أصحاب أحمد ~~وغيرهم، حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أن هذه الآية لما نزلت ~~قالوا: يا رسول الله من هؤلاء؟ قال علي وفاطمة وابناهما» . وهذا كذب باتفاق ~~أهل المعرفة [بالحديث] (4) . # [ومما يبين ذلك أن هذه الآية نزلت بمكة باتفاق أهل العلم] (5) ; فإن سورة ~~الشورى جميعها مكية، بل جميع آل حم كلهن مكيات، وعلي لم يتزوج فاطمة إلا ~~بالمدينة كما تقدم، ولم يولد له الحسن والحسين إلا في السنة الثالثة ~~والرابعة من الهجرة، فكيف يمكن أنها «لما نزلت بمكة قالوا: يا رسول الله من ~~هؤلاء؟ قال: علي وفاطمة وابناهما» . # قال الحافظ عبد الغني المقدسي: " ولد الحسن سنة ثلاث من الهجرة في النصف ~~من شهر رمضان. هذا أصح ما قيل فيه. وولد الحسين لخمس خلون من شعبان سنة ~~أربع من الهجرة ". قال: " وقيل سنة ثلاث ". # قلت: ومن قال هذا يقول: إن الحسن ولد سنة اثنتين (6) ، وهذا PageV04P563 # ضعيف ; فقد ثبت في الصحيح أن عليا لم يدخل بفاطمة - رضي الله عنهما - إلا ~~بعد غزوة بدر (1) . ### | مزاعم الرافضي عن يزيد بن معاوية # (فصل) (2) . # قال الرافضي (3) : " وتوقف جماعة ممن لا يقول بإمامته في لعنه (4) مع أنه ~~عندهم ظالم بقتل الحسين ونهب حريمه. وقد قال الله تعالى: {ألا لعنة الله ~~على الظالمين} [سورة هود: 18] وقال أبو الفرج بن الجوزي من شيوخ الحنابلة ~~عن ابن عباس [- رضي الله عنهما -] (5) قال: أوحى الله تعالى إلى محمد - صلى ~~الله عليه وسلم - إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا، وإني قاتل بابن بنتك ~~(6) سبعين ألفا وسبعين ألفا. وحكى السدي وكان من فضلائهم (7) قال: نزلت ~~بكربلاء ومعي طعام للتجارة، فنزلنا على رجل فتعشينا PageV04P564 # عنده، وتذاكرنا قتل الحسين (1) وقلنا: ما شرك أحد في قتل الحسين إلا ومات ~~أقبح موتة. فقال الرجل: ما أكذبكم، أنا شركت في دمه (2) وكنت ms1055 ممن قتله فما ~~(3) أصابني شيء. قال: فلما كان من آخر (4) الليل إذا أنا بصائح (5) . قلنا: ~~ما الخبر؟ قالوا: قام الرجل يصلح المصباح فاحترقت إصبعه، ثم دب الحريق في ~~جسده (6) فاحترق. [قال السدي: فأنا والله رأيته وهو حممة سوداء (7) ] (8) . ~~وقد سأل مهنا بن يحيى أحمد بن حنبل عن يزيد، فقال: هو الذي فعل ما فعل. ~~قلت: وما فعل؟ قال: نهب المدينة. # وقال له صالح ولده يوما: إن قوما ينسبوننا (9) إلى تولي (10) يزيد. فقال: ~~يا بني وهل يتولى (11) يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟ فقال: لم لا ~~تلعنه؟ (12) ؟ فقال: وكيف لا ألعن من لعنه الله [في كتابه] (13) ؟ ~~PageV04P565 # فقلت: وأين لعن يزيد (1) ؟ فقال: في قوله تعالى: {فهل عسيتم إن توليتم أن ~~تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم - أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى ~~أبصارهم} [سورة محمد: 23، 22] ، فهل يكون فساد أعظم من القتل ونهب المدينة ~~ثلاثة أيام وسبي أهلها؟ وقتل جمعا (2) من وجوه الناس فيها من قريش والأنصار ~~والمهاجرين من يبلغ (3) عددهم سبعمائة، وقتل من لم يعرف من عبد أو حر أو ~~امرأة (4) عشرة آلاف، وخاض الناس في الدماء حتى وصلت الدماء إلى قبر رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - وامتلأت الروضة والمسجد، ثم ضرب الكعبة ~~بالمنجنيق وهدمها وأحرقها. # وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " «إن قاتل الحسين في تابوت من ~~نار عليه نصف عذاب أهل النار (5) ، وقد شد (6) يداه ورجلاه بسلاسل من نار ~~ينكس (7) في النار حتى يقع في قعر جهنم، PageV04P566 # وله ريح يتعوذ أهل النار (1) إلى ربهم من شدة نتن ريحه، وهو فيها خالد ~~وذائق (2) العذاب الأليم، كلما نضجت جلودهم بدل الله لهم الجلود حتى يذوقوا ~~العذاب، لا يفتر عنهم ساعة، ويسقى (3) من حميم جهنم. الويل لهم من عذاب ~~الله عز وجل» . وقال - عليه الصلاة والسلام -: «اشتد غضب الله وغضبي على من ~~أراق دم أهلي وآذاني في عترتي» ". # والجواب: أن القول في لعنة يزيد كالقول في لعنة أمثاله من الملوك الخلفاء ~~(4) وغيرهم، ويزيد خير من غيره: خير من المختار بن أبي عبيد ms1056 الثقفي أمير ~~العراق، الذي أظهر الانتقام من قتلة الحسين ; فإن هذا ادعى أن جبريل يأتيه. ~~وخير من الحجاج بن يوسف ; فإنه أظلم من يزيد باتفاق الناس. # ومع هذا فيقال: غاية يزيد وأمثاله من الملوك أن يكونوا فساقا، فلعنة ~~الفاسق المعين ليست مأمورا بها، إنما جاءت السنة بلعنة (5) الأنواع، كقول ~~النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «لعن الله السارق ; يسرق البيضة فتقطع» ~~PageV04P567 # يده " (1) . وقوله: " «لعن الله من أحدث حدثا أو آوى محدثا» " (2) . ~~وقوله: " «لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه» " (3) . وقوله: " ~~«لعن الله المحلل والمحلل له» " (4) ، " «لعن الله الخمر وعاصرها ومعتصرها، ~~وحاملها والمحمولة إليه، PageV04P568 # وساقيها، وشاربها، وآكل ثمنها» " (1) . # وقد تنازع الناس في لعنة الفاسق المعين. فقيل: إنه جائز، كما قال ذلك ~~طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم، كأبي الفرج بن الجوزي وغيره. وقيل: إنه لا ~~يجوز، كما قال ذلك طائفة أخرى من أصحاب أحمد وغيرهم، كأبي بكر عبد العزيز ~~وغيره. والمعروف عن أحمد كراهة (2) لعن المعين، كالحجاج بن يوسف وأمثاله، ~~وأن يقول كما قال الله تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} [سورة هود: 18] ~~وقد ثبت في [صحيح] البخاري (3) «أن رجلا كان يدعى حمارا (4) ، وكان يشرب ~~الخمر، وكان يؤتى به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيضربه، فأتي به ~~إليه مرة، فقال رجل: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي - صلى الله ~~عليه وسلم -. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا تلعنه، فإنه يحب ~~الله ورسوله» " (5) . # فقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن لعنة هذا المعين الذي كان يكثر ~~شرب الخمر معللا ذلك بأنه يحب الله ورسوله، مع أنه - صلى الله عليه وسلم - ~~PageV04P569 # لعن شارب الخمر مطلقا، فدل ذلك على أنه [يجوز أن] (1) يلعن المطلق ولا ~~تجوز لعنة المعين الذي يحب الله ورسوله. # [ومن المعلوم أن كل مؤمن فلا بد (2) أن يحب الله ورسوله] (3) ، ولكن في ~~المظهرين للإسلام من هم منافقون، فأولئك ملعونون لا يحبون الله ورسوله، ومن ~~علم حال الواحد من هؤلاء لم يصل عليه إذا مات، لقوله تعالى: {ولا ms1057 تصل على ~~أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} [سورة التوبة: 84] . # ومن جوز [من أهل السنة والجماعة] (4) لعنة الفاسق المعين (5) ; فإنه يقول ~~يجوز أن أصلي عليه وأن ألعنه، فإنه مستحق للثواب [مستحق للعقاب] (6) ، ~~فالصلاة عليه لاستحقاقه الثواب، واللعنة له لاستحقاقه العقاب (7) . واللعنة ~~البعد عن الرحمة، والصلاة عليه سبب للرحمة، فيرحم من وجه، ويبعد عنها من ~~وجه. # وهذا كله على مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وسائر أهل السنة ~~والجماعة، ومن يدخل فيهم من الكرامية والمرجئة والشيعة، ومذهب كثير من ~~الشيعة الإمامية وغيرهم الذين يقولون: إن الفاسق لا يخلد في PageV04P570 # النار. وأما من يقول بتخليده في النار كالخوارج (1) والمعتزلة وبعض ~~الشيعة، فهؤلاء عندهم لا يجتمع في حق الشخص الواحد ثواب وعقاب. # وقد استفاضت السنن النبوية بأنه يخرج من النار قوم بالشفاعة، ويخرج منها ~~من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان. وعلى هذا الأصل فالذي يجوز لعنة يزيد ~~[وأمثاله] (2) يحتاج إلى شيئين: إلى ثبوت أنه كان من الفساق الظالمين الذين ~~تباح لعنتهم، [وأنه مات مصرا على ذلك] (3) . والثاني: أن لعنة المعين من ~~هؤلاء جائزة. والمنازع يطعن في المقدمتين، لا سيما الأولى. # فأما قول الله تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} [سورة هود: 18] فهي ~~آية عامة كآيات الوعيد، بمنزلة قوله: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ~~إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} [سورة النساء: 10] وهذا يقتضي ~~أن هذا الذنب سبب اللعن والعذاب، لكن قد يرتفع موجبه لمعارض راجح: إما ~~توبة، وإما حسنات ماحية، وإما مصائب مكفرة. فمن أين يعلم الإنسان أن يزيد ~~أو غيره من الظلمة لم يتب من هذه (4) ؟ أو لم تكن له حسنات ماحية تمحو ~~ظلمه؟ ولم يبتل بمصائب تكفر عنه؟ [وأن الله لا يغفر له ذلك مع قوله تعالى] ~~(5) : {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [سورة ~~النساء: 48] . وقد ثبت في صحيح البخاري (6) PageV04P571 # عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ~~«أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور لهم ms1058» " (1) وأول جيش غزاها كان أميرهم ~~يزيد، والجيش عدد معين لا مطلق، وشمول المغفرة لآحاد هذا الجيش أقوى من ~~شمول اللعنة لكل واحد واحد من الظالمين، فإن هذا أخص، والجيش معينون. # ويقال: إن يزيد إنما غزا القسطنطينية لأجل هذا الحديث. ونحن نعلم أن أكثر ~~المسلمين لا بد لهم من ظلم، فإن فتح هذا الباب ساغ (2) أن يلعن أكثر موتى ~~المسلمين. والله تعالى أمر بالصلاة على موتى المسلمين، لم يأمر بلعنتهم (3) ~~. # ثم الكلام في لعنة الأموات أعظم من لعنة الحي ; فإنه قد ثبت في الصحيح عن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «لا تسبوا الأموات PageV04P572 # فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا» " (1) . حتى أنه قال: " «لا تسبوا أمواتنا ~~فتؤذوا أحياءنا» " (2) لما كان قوم يسبون أبا جهل ونحوه من الكفار الذين ~~أسلم أقاربهم، فإذا سبوا ذلك آذوا قرابته. # وأما ما نقله عن أحمد، فالمنصوص الثابت عنه من رواية صالح أنه قال: " ~~ومتى رأيت أباك يلعن أحدا؟ [لما قيل له: ألا تلعن يزيد؟ فقال: ومتى رأيت ~~أباك يلعن أحدا؟] (3) وثبت عنه أن الرجل إذا ذكر الحجاج ونحوه من الظلمة ~~وأراد أن يلعن يقول (4) : {ألا لعنة الله على الظالمين} ، وكره أن يلعن ~~المعين باسمه. # ونقلت عنه رواية في لعنة يزيد وأنه قال: ألا ألعن من لعنه الله، واستدل ~~بالآية، لكنها رواية منقطعة ليست ثابتة عنه، والآية لا تدل على لعن المعين، ~~ولو كان كل ذنب لعن (5) فاعله، يلعن المعين الذي فعله؛ للعن جمهور ~~PageV04P573 # الناس. وهذا بمنزلة الوعيد المطلق، لا يستلزم ثبوته في حق المعين إلا إذا ~~وجدت شروطه وانتفت موانعه، وهكذا اللعن. وهذا بتقدير أن يكون يزيد فعل ما ~~يقطع به الرحم. # ثم إن هذا تحقق في كثير من بني هاشم الذين تقاتلوا من العباسيين ~~والطالبيين، فهل يلعن هؤلاء كلهم؟ وكذلك من ظلم قرابة له لا سيما وبينه ~~وبينه عدة آباء، أيلعنه بعينه؟ ثم إذا لعن هؤلاء لعن كل من شمله ألفاظه، ~~وحينئذ فيلعن جمهور المسلمين. # وقوله تعالى: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في ms1059 الأرض وتقطعوا أرحامكم - ~~أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} [سورة محمد: 23، 22] وعيد ~~عام في حق كل من فعل ذلك، وقد فعل بنو هاشم بعضهم ببعض أعظم مما فعل يزيد. # فإن قيل بموجب هذا لعن (1) ما شاء الله من بني هاشم: العلويين والعباسيين ~~وغيرهم من المؤمنين. # وأما أبو الفرج بن الجوزي فله كتاب في [إباحة] (2) لعنة يزيد، رد فيه على ~~الشيخ عبد المغيث الحربي ; فإنه كان ينهى عن ذلك. وقد قيل: إن الخليفة ~~الناصر لما بلغه نهي الشيخ عبد المغيث عن ذلك قصده وسأله عن ذلك، وعرف عبد ~~المغيث أنه الخليفة، ولم يظهر أنه يعلمه فقال: يا هذا أنا قصدي كف (3) ~~ألسنة الناس عن لعنة (4) خلفاء المسلمين وولاتهم، وإلا فلو PageV04P574 # فتحنا هذا الباب لكان خليفة وقتنا أحق باللعن ; فإنه يفعل أمورا منكرة ~~أعظم مما فعله يزيد ; فإن هذا يفعل كذا ويفعل كذا. وجعل يعدد مظالم (1) ~~الخليفة، حتى قال له: ادع لي يا شيخ، وذهب (2) . # وأما ما فعله بأهل الحرة، فإنهم لما خلعوه وأخرجوا نوابه وعشيرته (3) ، ~~أرسل إليهم مرة بعد مرة يطلب الطاعة، فامتنعوا، فأرسل إليهم مسلم بن عقبة ~~المري، وأمره إذا ظهر عليهم أن يبيح المدينة ثلاثة [أيام] (4) . وهذا هو ~~الذي عظم إنكار الناس له من فعل يزيد. ولهذا قيل لأحمد: أتكتب الحديث عن ~~يزيد؟ قال: لا ولا كرامة. أوليس هو الذي فعل بأهل المدينة ما فعل؟ . # لكن لم يقتل جميع الأشراف، ولا بلغ عدد القتلى عشرة آلاف، PageV04P575 # ولا وصلت الدماء إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا إلى الروضة، ~~ولا كان القتل في المسجد. وأما الكعبة فإن الله شرفها وعظمها وجعلها محرمة، ~~فلم يمكن الله أحدا (1) من إهانتها لا قبل الإسلام ولا بعده، بل لما قصدها ~~أهل الفيل عاقبهم الله العقوبة المشهورة. # كما قال تعالى: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل - ألم يجعل كيدهم في ~~تضليل - وأرسل عليهم طيرا أبابيل - ترميهم بحجارة من سجيل - فجعلهم كعصف ~~مأكول} [سورة الفيل: 1 - 5] وقال تعالى: {إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل ms1060 ~~الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه ~~بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} [سورة الحج: 25] قال ابن مسعود - رضي الله ~~عنه - «لو هم رجل بعدن أبين أن يلحد في الحرم لأذاقه الله من عذاب أليم» ~~(2) . رواه الإمام أحمد في مسنده موقوفا ومرفوعا (3) . # ومعلوم أن [من] أعظم الناس كفرا القرامطة الباطنية، الذين قتلوا ~~PageV04P576 # الحجاج، وألقوهم في بئر زمزم، وأخذوا الحجر الأسود وبقي عندهم مدة، ثم ~~أعادوه، وجرى فيه عبرة حتى أعيد، ومع هذا فلم يسلطوا على الكعبة بإهانة، بل ~~كانت معظمة مشرفة، وهم كانوا من (1) أكفر خلق الله تعالى. # وأما ملوك المسلمين، من بني أمية وبني العباس [ونوابهم] (2) ، فلا ريب أن ~~أحدا منهم لم يقصد إهانة الكعبة: لا نائب يزيد، ولا نائب عبد الملك الحجاج ~~بن يوسف، ولا غيرهما. بل كل المسلمين كانوا معظمين للكعبة (3) ، وإنما كان ~~مقصودهم حصار ابن الزبير. والضرب بالمنجنيق كان له لا للكعبة، ويزيد لم ~~يهدم الكعبة، ولم يقصد إحراقها: لا هو ولا نوابه باتفاق المسلمين. ولكن ابن ~~الزبير هدمها [تعظيما لها] (4) ، لقصد إعادتها وبنائها على الوجه الذي وصفه ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة - رضي الله عنها - وكانت النار قد ~~أصابت بعض ستائرها فتفجر بعض الحجارة. # ثم إن عبد الملك أمر الحجاج بإعادتها إلى البناء الذي كانت عليه زمن رسول ~~PageV04P577 # الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ما زاد في طولها في السماء، فأمره أن ~~يدعه، فهي على هذه الصفة إلى الآن. # وهذه مسألة اجتهاد (1) ; فابن الزبير ومن وافقه من السلف رأوا إعادتها ~~إلى الصفة التي ذكرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قال لعائشة: " ~~«لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولجعلتها على أساس إبراهيم، ~~فإن قريشا حين بنت الكعبة استقصرت، ولجعلت لها خلفا» ". قال البخاري: يعني ~~بابا. وعنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " «لولا أن ~~قومك حديثو عهد بجاهلية - أو قال: بكفر - لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله، ~~ولجعلت بابها بالأرض، ولأدخلت ms1061 فيها من الحجر» ". وفي رواية في صحيح مسلم: " ~~«ولجعلت لها بابين: بابا شرقيا وبابا غربيا، وزدت (2) فيها ستة أذرع من ~~الحجر» " (3) . # و [روى] مسلم [في صحيحه] عن عطاء بن أبي رباح (4) قال (5) : لما ~~PageV04P578 # احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاه (1) أهل الشام، فكان من أمره ما ~~كان، تركه ابن الزبير، حتى قدم الناس الموسم، يريد أن يجرئهم (2) على أهل ~~الشام، فلما صدر الناس قال: يا أيها الناس أشيروا علي في الكعبة: أنقضها ثم ~~أبني (3) بناءها (4) أم أصلح ما وهى منها؟ قال ابن عباس - رضي الله عنهما ~~-: فإني قد فرق لي فيها رأي (5) أرى أن تصلح ما وهى منها (6) وتدع بيتا (7) ~~أسلم الناس عليه، وأحجارا أسلم الناس عليها، وبعث عليها النبي - صلى الله ~~عليه وسلم -. فقال ابن الزبير: لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجده ~~(8) . فكيف بيت (9) ربكم؟ إني مستخير ربي ثلاثا، ثم عازم على أمري. فلما ~~مضت (10) الثلاث أجمع أمره على أن ينقضها، فتحاماه الناس أن ينزل بأول ~~الناس يصعد فيه أمر من السماء حتى صعده رجل فألقى منه حجارة، فلما لم يره ~~الناس أصابه شيء تتابعوا، فنقضوه حتى بلغوا الأرض، فجعل ابن الزبير أعمدة ~~فستر عليها الستور، حتى ارتفع بناؤه. قال ابن الزبير: سمعت (11) عائشة - ~~رضي الله عنها - تقول إن النبي - صلى PageV04P579 # الله عليه وسلم - قال: " «لولا أن الناس حديث عهدهم بكفر (1) وليس عندي ~~من النفقة ما يقويني (2) على بنائه، لكنت أدخلت فيه من الحجر خمس أذرع، ~~ولجعلت لها بابين (3) بابا يدخل الناس منه، وبابا يخرجون منه» ". قال: فأنا ~~اليوم أجد ما أنفق ولست أخاف الناس. قال: فزاد فيه خمس أذرع من الحجر، حتى ~~أبدى أسا (4) نظر إليه الناس (5) . فبنى عليه البناء وكان طول الكعبة ثماني ~~(6) عشرة ذراعا، فلما زاد فيه استقصره، فزاد في طوله عشرة أذرع وجعل لها ~~(7) بابين: أحدهما يدخل منه والآخر يخرج (8) . منه فلما قتل ابن الزبير كتب ~~الحجاج إلى عبد الملك [بن مروان] (9) بذلك، ويخبره أن ابن الزبير قد وضع ~~البناء على ms1062 أس نظر إليه العدول من أهل مكة. فكتب إليه عبد الملك: إنا لسنا ~~من تلطيخ ابن الزبير في شيء. أما ما زاد في طوله فأقره، وأما ما زاد فيه من ~~الحجر فرده إلى بنائه، وسد الباب PageV04P580 # الذي فتحه. فنقضه وأعاده إلى بنائه ". وعن عبد الله بن عبيد قال (1) : ~~وفد الحارث بن عبد الله على عبد الملك بن مروان في خلافته، فقال عبد الملك: ~~ما أظن أبا خبيب - يعني ابن الزبير - سمع من عائشة - رضي الله عنها (2) - ~~ما كان زعم (3) أنه سمعه منها. قال الحارث: بلى أنا سمعته منها، قال: ~~سمعتها تقول ماذا؟ قالت (4) : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " «إن ~~قومك استقصروا من بنيان البيت، ولولا حداثة عهدهم بالشرك أعدت (5) ما تركوا ~~منه، فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه فهلمي لأريك ما تركوا منه " فأراها ~~قريبا من سبعة أذرع» ، هذا حديث عبد الله بن عبيد. # وعن الوليد بن عطاء عن الحارث في هذا الحديث (6) : قال النبي - صلى الله ~~عليه وسلم -: " «ولجعلت لها بابين موضوعين بالأرض (7) : شرقيا وغربيا. وهل ~~تدرين لم كان قومك رفعوا بابها؟ [قالت:] (8) " قلت: لا. قال: " تعززا ألا ~~(9) يدخلها إلا من أرادوا، فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها يدعونه يرتقي، ~~حتى إذا كاد أن يدخلها (10) دفعوه فسقط» ". قال عبد الملك PageV04P581 # للحارث: أنت سمعتها تقول هذا؟ قال: نعم. فنكت (1) ساعة بعصاه، ثم قال: ~~وددت أني تركته وما تحمل ". # وذكر البخاري (2) عن يزيد بن رومان: قال: شهدت (3) ابن الزبير حين هدمه ~~وبناه وأدخل فيه من الحجر، وقد رأيت أساس إبراهيم [حجارة] (4) كأسنمة الإبل ~~" فذكر الزيادة ستة أذرع أو نحوها. # قلت: وابن عباس وطائفة أخرى رأوا إقرارها على الصفة التي كانت عليها زمن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرها ~~كذلك. ثم إنه لما قتل ابن الزبير رأى عبد الملك أن تعاد [كما كانت] (5) ~~لاعتقاده أن ما فعله ابن الزبير لا مستند له فيه، ولما بلغه الحديث ود أنه ~~تركه، فلما كانت خلافة ms1063 الرشيد رحمه الله، شاور مالك بن أنس في أن يفعل كما ~~فعل ابن الزبير، فأشار عليه مالك بن أنس (6) أن لا يفعل ذلك، وقيل عن ~~الشافعي: إنه رجح فعل ابن الزبير. # وكل من الأمراء والعلماء الذين رأوا هذا وهذا معظمون للكعبة مشرفون لها، ~~إنما يقصدون (7) ما يرونه أحب إلى الله ورسوله، وأفضل عند الله PageV04P582 # ورسوله، ليس فيهم من يقصد إهانة الكعبة (1) . ومن قال: إن أحدا من خلق ~~الله قصد رمي الكعبة بمنجنيق أو عذرة (2) فقد كذب، فإن هذا لم يكن لا في ~~الجاهلية ولا في الإسلام (3) . والذين كانوا [كفارا] (4) لا يحترمون ~~الكعبة، كأصحاب الفيل والقرامطة، لم يفعلوا هذا، فكيف بالمسلمين الذين ~~كانوا يعظمون الكعبة؟ ! (5) . # وأيضا فلو قدر - والعياذ بالله - أن أحدا يقصد إهانة الكعبة، وهو قادر ~~على ذلك، لم يحتج إلى رميها بالمنجنيق، بل يمكن تخريبها بدون ذلك، كما تخرب ~~في آخر الزمان إذا أراد الله أن يقيم القيامة فيخرب بيته، ويرفع كلامه من ~~الأرض، فلا يبقى في المصاحف والقلوب قرآن، ويبعث ريحا طيبة فتقبض (6) روح ~~كل مؤمن ومؤمنة، ولا يبقى في الأرض خير بعد ذلك. # وتخريبها بأن يسلط عليها ذو السويقتين، كما في الصحيحين عن أبي هريرة - ~~رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «يخرب الكعبة ذو ~~السويقتين من الحبشة» " (7) . PageV04P583 # وروى البخاري عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «كأني ~~به أسود أفحج يقلعها حجرا حجرا» " (1) . # وقال الله تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر ~~الحرام والهدي والقلائد} [سورة المائدة: 97] قال ابن عباس - رضي الله عنهما ~~-: لو ترك الناس الحج سنة واحدة لما نوظروا. وقال: لو اجتمع الناس على أن ~~لا يحجوا لسقطت السماء على الأرض. ذكره الإمام أحمد في " المناسك " (2) . ~~ولهذا قال غير واحد من الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد: إن الحج كل عام فرض ~~على الكفاية. # والمنجنيق إنما يرمى به ما لا يقدر عليه (3) بدونه، كما «رمى النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - أهل الطائف بالمنجنيق» ، لما دخلوا حصنهم وامتنعوا ms1064 فيه، ~~والذين حاصروا ابن الزبير لما استجار هو وأصحابه بالمسجد الحرام رموهم ~~بالمنجنيق، حيث لم يقدروا عليهم بدونه. ولما قتل ابن الزبير دخلوا بعد هذا ~~إلى المسجد الحرام فطافوا بالكعبة، وحج الحجاج بن يوسف ذلك العام بالناس، ~~وأمره عبد الملك بن مروان أن لا يخالف ابن عمر في أمر الحج. # فلو كان قصدهم بالكعبة شرا لفعلوا ذلك بعد أن تمكنوا منها، كما أنهم لما ~~تمكنوا من ابن الزبير قتلوه. PageV04P584 # وأما الحديث الذي رواه وقوله (1) : " «إن قاتل الحسين في تابوت من نار ~~عليه نصف عذاب أهل النار، وقد شدت (2) يداه ورجلاه بسلاسل من نار، ينكس في ~~النار حتى يقع في قعر جهنم، وله ريح يتعوذ أهل (3) النار إلى ربهم من شدة ~~نتن ريحه، وهو فيها خالد» " إلى آخره. # فهذا من أحاديث الكذابين الذين لا يستحيون من المجازفة في الكذب على رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - (4) ، فهل يكون على واحد نصف عذاب أهل النار؟ ~~أو يقدر نصف عذاب أهل النار؟ وأين عذاب آل فرعون [وآل المائدة] (5) ~~والمنافقين وسائر الكفار؟ وأين قتلة (6) الأنبياء، وقتلة السابقين الأولين؟ ~~. # وقاتل عثمان أعظم إثما من قاتل الحسين. فهذا الغلو الزائد يقابل بغلو ~~الناصبة، الذين يزعمون أن الحسين كان خارجيا، وأنه كان يجوز قتله، لقول ~~النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «من أتاكم وأمركم على رجل واحد يريد أن ~~يفرق جماعتكم، فاضربوا عنقه بالسيف كائنا من كان» " رواه مسلم (7) . # وأهل السنة والجماعة يردون غلو هؤلاء وهؤلاء، ويقولون: إن الحسين ~~PageV04P585 # قتل مظلوما شهيدا، وإن الذين قتلوه كانوا ظالمين معتدين. وأحاديث النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - التي يأمر فيها بقتال (1) المفارق للجماعة لم تتناوله ~~; فإنه - رضي الله عنه - لم يفرق (2) الجماعة، ولم يقتل إلا وهو طالب ~~للرجوع (3) إلى بلده، أو [إلى] الثغر (4) ، أو إلى يزيد، داخلا في الجماعة، ~~معرضا عن تفريق الأمة (5) . ولو كان طالب ذلك أقل الناس لوجب إجابته إلى ~~ذلك، فكيف لا تجب إجابة الحسين إلى ذلك؟ ! ولو كان الطالب لهذه الأمور من ~~هو دون الحسين لم يجز ms1065 حبسه ولا إمساكه، فضلا عن أسره وقتله. # وكذلك قوله: «اشتد غضب الله وغضبي على من أراق دم أهلي وآذاني في عترتي» ~~. # كلام لا ينقله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا ينسبه إليه إلا جاهل ~~(6) . فإن العاصم لدم الحسن والحسين وغيرهما من الإيمان والتقوى أعظم من ~~مجرد القرابة، ولو كان الرجل من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتى ~~بما يبيح قتله أو قطعه، كان ذلك جائزا بإجماع المسلمين. PageV04P586 # كما ثبت عنه (1) في الصحيح أنه قال: " «إنما أهلك من كان قبلكم أنهم ~~كانوا إذا سرق فيهم (2) الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه ~~الحد. وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» " (3) . # فقد أخبر (4) أن أعز الناس عليه من أهله لو أتى بما يوجب الحد لأقامه ~~عليه، فلو زنى الهاشمي وهو محصن رجم حتى يموت باتفاق علماء المسلمين، ولو ~~قتل نفسا عمدا عدوانا محضا لجاز قتله به، وإن كان المقتول من الحبشة أو ~~الروم أو الترك أو الديلم. # فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «المسلمون تتكافأ دماؤهم» " (5) ~~فدماء الهاشميين وغير الهاشميين سواء إذا كانوا أحرارا مسلمين باتفاق ~~الأمة، فلا فرق بين إراقة دم الهاشمي وغير الهاشمي إذا كان بحق، فكيف ~~PageV04P587 # يخص النبي - صلى الله عليه وسلم - أهله بأن يشتد غضب الله على من أراق ~~دماءهم. # فإن الله حرم قتل النفس إلا بحق، فالمقتول بحق لم يشتد غضب الله على من ~~قتله، سواء كان المقتول هاشميا أو غير هاشمي؟ . # وإن قتل بغير حق، {ومن يقتل (1) مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ~~وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما} . فالعاصم للدماء والمبيح لها ~~يشترك فيه بنو هاشم وغيرهم، فلا يضيف مثل هذا الكلام إلى رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - إلا منافق يقدح في نبوته، أو جاهل لا يعلم العدل الذي بعث ~~به - صلى الله عليه وسلم -. # وكذلك قوله: " «من آذاني في عترتي» " فإن إيذاء رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - حرام في عترته وأمته وسنته ms1066 وغير ذلك (2) . PageV04P588 ### | زعم الرافضي أن الإمامية ينزهون الله وملائكته وأنبياءه وأئمته # (فصل) (1) . # قال الرافضي (2) : " فلينظر العاقل أي الفريقين أحق بالأمن: الذي نزه ~~الله وملائكته وأنبياءه وأئمته ; ونزه (3) الشرع عن المسائل الردية (4) ، ~~ومن يبطل (5) الصلاة بإهمال الصلاة على أئمتهم، ويذكر أئمة غيرهم (6) ، أم ~~الذي فعل ضد ذلك واعتقد خلافه؟ ". # والجواب أن يقال: ما ذكرتموه من التنزيه إنما هو تعطيل وتنقيص لله ~~ولأنبيائه. [بيان] ذلك أن (7) قول الجهمية نفاة الصفات يتضمن وصف الله ~~تعالى بسلب صفات الكمال التي يشابه فيها الجمادات والمعدومات، فإذا قالوا: ~~إنه لا تقوم به حياة ولا علم ولا قدرة، ولا كلام ولا مشيئة، ولا حب ولا ~~بغض، ولا رضا ولا سخط، ولا يرى ولا يفعل بنفسه فعلا، ولا يقدر أن يتصرف ~~بنفسه، كانوا قد شبهوه بالجمادات المنقوصات، وسلبوه صفات الكمال، فكان هذا ~~تنقيصا وتعطيلا لا تنزيها، وإنما التنزيه أن ينزه PageV04P589 # عن النقائص المنافية لصفات الكمال، فينزه عن الموت والسنة والنوم، والعجز ~~والجهل والحاجة، كما نزه نفسه في كتابه، فيجمع له بين إثبات صفات الكمال، ~~ونفي النقائص المنافية للكمال، وينزه عن مماثلة شيء من المخلوقات له في شيء ~~من صفاته، وينزه عن النقائص مطلقا، وينزه في صفات الكمال أن يكون له فيها ~~مثل من الأمثال. # وأما الأنبياء فإنكم سلبتموهم ما أعطاهم الله من الكمال وعلو الدرجات، ~~بحقيقة التوبة والاستغفار، والانتقال من كمال إلى ما هو أكمل منه (1) ، ~~وكذبتم ما أخبر الله به من ذلك، وحرفتم الكلم عن مواضعه، وظننتم أن انتقال ~~الآدمي من الجهل إلى العلم، ومن الضلال إلى الهدى، ومن الغي إلى الرشاد، ~~تنقصا (2) ، ولم تعلموا أن هذا من أعظم نعم الله وأعظم قدرته، حيث ينقل ~~العباد من النقص إلى الكمال، وأنه قد يكون الذي يذوق الشر والخير ويعرفهما، ~~يكون (3) حبه للخير وبغضه للشر أعظم ممن لا يعرف إلا الخير. كما قال عمر بن ~~الخطاب - رضي الله عنه -: " إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في ~~الإسلام من لا يعرف الجاهلية ". # وأما تنزيه الأئمة فمن الفضائح التي ms1067 يستحيا (4) من ذكرها، لا سيما الإمام ~~المعدوم الذي لا ينتفع به لا في دين ولا دنيا. # وأما تنزيه الشرع عن المسائل الردية، فقد تقدم أن أهل السنة لم يتفقوا ~~PageV04P590 # على مسألة ردية، بخلاف الرافضة ; فإن لهم من المسائل الردية ما لا يوجد ~~لغيرهم. # وأما قوله: " ومن يبطل الصلاة بإهمال الصلاة على أئمتهم، ويذكر أئمة ~~غيرهم ". # فإما أن يكون المراد بذلك أنه تجب الصلاة على الأئمة الاثني عشر، أو على ~~واحد معين غير النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم أو من غيرهم. # وأما أن يكون المراد وجوب الصلاة على [آل] (1) النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -. فإن أراد (2) الأول فهذا من أعظم ضلالهم وخروجهم عن شريعة محمد - ~~صلى الله عليه وسلم - ; فإنا نحن وهم نعلم بالاضطرار أن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - لم يأمر المسلمين أن يصلوا على الاثني عشر: لا في الصلاة، ولا ~~في غير [الصلاة] (3) ، ولا كان أحد من المسلمين يفعل شيئا من ذلك على عهده، ~~ولا نقل هذا أحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا بإسناد صحيح ولا ~~ضعيف، ولا كان يجب على أحد في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ~~يتخذ أحدا من الاثني عشر إماما، فضلا عن أن تجب الصلاة عليه في الصلاة. # وكانت صلاة المسلمين صحيحة في عهده (4) بالضرورة والإجماع. فمن أوجب ~~الصلاة على هؤلاء في الصلاة، وأبطل الصلاة بإهمال الصلاة PageV04P591 # عليهم، فقد غير دين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبدله، كما بدلت اليهود ~~والنصارى دين الأنبياء. # وإن قيل: المراد أن يصلى على آل محمد، وهم منهم. # قيل: آل محمد يدخل فيهم (1) بنو هاشم وأزواجه، وكذلك بنو المطلب على أحد ~~(2) القولين. وأكثر هؤلاء تذمهم الإمامية ; فإنهم (3) يذمون ولد العباس، لا ~~سيما خلفاؤهم، وهم من آل محمد - صلى الله عليه وسلم - ويذمون من يتولى أبا ~~بكر وعمر. وجمهور بني هاشم يتولون أبا بكر وعمر، ولا يتبرأ منهم صحيح النسب ~~من بني هاشم إلا نفر قليل (4) بالنسبة إلى كثرة بني هاشم. وأهل العلم ~~[والدين] (5) منهم ms1068 يتولون أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما -. # ومن العجب من هؤلاء الرافضة أنهم يدعون تعظيم آل محمد - عليه أفضل الصلاة ~~والسلام - وهم سعوا في مجيء التتر (6) الكفار إلى بغداد دار الخلافة، حتى ~~قتلت الكفار من المسلمين ما لا يحصيه إلا الله تعالى [من بني هاشم وغيرهم] ~~(7) وقتلوا بجهات بغداد ألف ألف وثمانمائة ألف ونيفا وسبعين ألفا (8) ~~وقتلوا الخليفة العباسي، وسبوا النساء الهاشميات وصبيان الهاشميين. ~~PageV04P592 # فهذا هو البغض لآل محمد - صلى الله عليه وسلم - بلا ريب. [وكان ذلك من ~~فعل الكفار بمعاونة الرافضة، وهم الذين سعوا في سبي الهاشميات ونحوهم إلى ~~يزيد وأمثاله، فما يعيبون على غيرهم بعيب إلا وهو فيهم أعظم] (1) . # وقد ثبت في الصحيح والمسانيد والسنن من غير وجه «أن المسلمين سألوا النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - كيف يصلون عليه. قال: " قولوا: اللهم صل على محمد ~~وعلى آل محمد، كما صليت على [إبراهيم وعلى] آل إبراهيم (2) إنك حميد مجيد. ~~وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك ~~حميد» (3) مجيد (4) ، وفي لفظ: " «وعلى أزواجه وذريته» " (5) . PageV04P593 # وقد ثبت في الصحيح أنه قال: " «إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد» ". ~~وثبت في الصحيح «أن الفضل بن العباس و [عبد المطلب] (1) بن ربيعة بن الحارث ~~بن عبد المطلب طلبا منه - عليه الصلاة والسلام - أن يوليهما على الصدقة، ~~فقال: " إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد، وإنما هي أوساخ الناس» " (2) ~~فبين (3) أن ولد العباس وولد الحارث بن عبد المطلب من آل محمد تحرم عليهم ~~الصدقة. # وثبت في الصحاح «أنه أعطى من سهم ذوي القربى لبني المطلب بن عبد مناف، ~~وقال: " إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد، إنهم لم يفارقونا (4) في ~~جاهلية ولا إسلام» " (5) . # وهؤلاء أبعد من بني العباس وبني الحارث بن عبد المطلب ; فهؤلاء كلهم من ~~ذوي القربى. ولهذا اتفق العلماء على أن بني العباس وبني الحارث بن عبد ~~المطلب من آل محمد الذين تحرم عليهم الصدقة، PageV04P594 # ويدخلون في الصلاة، ويستحقون [من] (1) الخمس وتنازعوا (2) في ms1069 بني المطلب ~~بن عبد مناف: هل تحرم عليهم الصدقة، ويدخلون في آل محمد - صلى الله عليه ~~وسلم -؟ على قولين هما روايتان عن أحمد: إحداهما: أنه تحرم عليهم الصدقة، ~~كقول الشافعي. والثانية: لا تحرم، كقول أبي حنيفة. وآل محمد عند الشافعي ~~وأحمد في المنصوص عنه - وهو اختيار الشريف أبي جعفر بن أبي موسى وغيره من ~~أصحابه - هم الذين تحرم عليهم الصدقة، وهم بنو هاشم. وفي بني المطلب ~~روايتان. # وكذلك أزواجه: هل هن من آله الذين تحرم عليهم الصدقة؟ عن أحمد فيه ~~روايتان. وأما عتقى أزواجه: كبريرة، فتحل لهن الصدقة وبالإجماع، وإن حرمت ~~على موالي بني هاشم. وعند طائفة أخرى من أصحاب مالك وأحمد وغيرهما: هم ~~أمته. وعند طائفة من الصوفية: هم الأتقياء من أمته. # ولم يأمر الله بالصلاة على معين غير النبي - صلى الله عليه وسلم - في ~~الصلاة، ولو صلى على بعض أهل بيته دون بعض، كالصلاة على ولد العباس دون علي ~~أو بالعكس - لكان مخالفا للشريعة، فكيف إذا صلى على قوم معينين دون غيرهم؟ ~~. # ثم إبطال الصلاة بترك الصلاة على هؤلاء من العجائب. والفقهاء متنازعون في ~~وجوب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة، وجمهورهم لا ~~يوجبها، ومن أوجبها يوجب الصلاة عليه دون آله، ولو PageV04P595 # أوجب (1) الصلاة على آله عموما لم يجز أن يجعل الواجب الصلاة على قوم ~~معينين دون غيرهم، بل قد تنازع العلماء فيما إذا دعا لقوم معينين في الصلاة ~~هل تبطل [صلاته] (2) ؟ على قولين. وإن كان الصحيح أنها لا تبطل، ولا [أن ~~يجعل] (3) مناط الوجوب كونهم أئمة، ولهذا لم يوجب أهل السنة الصلاة على غير ~~النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا أئمتهم ولا غير [أئمتهم] (4) لأن إيجاب ~~هذا من البدع المضلة المخالفة لشريعة الله تعالى، كما أن الشهادتين ليس ~~فيهما (5) إلا ذكر الله ورسوله، لا في الأذان ولا في الصلاة ولا في غير ذلك ~~(6) ، فلو (7) ذكر في الشهادتين غير الله ورسوله من الأئمة كان ذلك من أعظم ~~الضلالات (8) ، وكذلك إبطاله (9) الصلاة بالصلاة على أئمة المسلمين ms1070 قول ~~باطل ; فإنه لو دعا لمعين أو عليه في الصلاة بدعاء جائز لم تبطل الصلاة ~~بذلك (10) عند جماهير العلماء، فإنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~أنه كان يقول في صلاته: " «اللهم أنج (11) الوليد بن الوليد، PageV04P596 # وسلمة بن هشام، والمستضعفين من المؤمنين (1) ، اللهم اشدد وطأتك على مضر، ~~واجعلها عليهم سنين كسني يوسف» " (2) . # وكذلك كان يقول: " «اللهم العن رعلا وذكوان وعصية» " (3) . فقد دعا في ~~صلاته (4) لقوم معينين بأسمائهم، ودعا على قبائل معينين بأسمائهم ; فمن ~~أبطل الصلاة بمثل ذلك كان فساد قوله كفساد قوله بإيجاب الصلاة على ناس ~~معينين. # وأهل السنة لا يوجبون (5) هذا ولا يحرمون هذا، إنما يوجبون ما أوجب الله ~~تعالى ورسوله، ويحرمون ما حرم الله ورسوله. # وأما إن أراد أنه تجب الصلاة على آل محمد دون غيرهم. # فيقال: أولا: هذا فيه نزاع بين العلماء ; فمذهب الأكثرين أنه لا يجب في ~~الصلاة [أن يصلى] (6) على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا آله. وهذا مذهب ~~أبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وادعى بعض الناس [- وهو ~~الطحاوي -] (7) وغيره أن هذا إجماع قديم. والقول الثاني PageV04P597 # أنه تجب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -[في الصلاة] (1) ، كقول ~~الشافعي وأحمد في الرواية الثانية عنه. ثم على هذه الرواية: هل هي ركن أو ~~واجب تسقط بالسهو فيه؟ (2) عن أحمد روايتان. # وهؤلاء الذين أوجبوا الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم من ~~أوجبها باللفظ المأثور، وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد. فعلى هذا تجب الصلاة ~~على آل محمد. ومنهم من لم يوجب اللفظ، بل منهم من لا يوجب إلا الصلاة عليه ~~دون آله، كما هو معروف في مذهب الشافعي وأحمد ; فعلى هذا لا تجب الصلاة على ~~آله. # وإذا عرف أن في هذه المسألة نزاعا مشهورا، فيقال: على تقدير وجوب الصلاة ~~على آل محمد (3) فهذه (4) الصلاة لجميع آل محمد لا تختص (5) بصالحيهم (6) ، ~~فضلا عن أن تختص (7) بمن هو معصوم، بل تتناول كل من دخل في آل محمد، كما أن ~~الدعاء للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين ms1071 والمسلمات يتناول كل من دخل في ~~الإيمان والإسلام، ولا يلزم من الدعاء للمؤمنين عموما ولا لأهل البيت عموما ~~أن يكون كل منهم برا تقيا، بل الدعاء لهم طلبا لإحسان الله تعالى إليهم ~~وتفضله عليهم، وفضل الله PageV04P598 # سبحانه وإحسانه يطلب لكل أحد (1) ، لكن يقال: إن هذا حق لآل محمد أمر ~~الله به. # ولا ريب أنه لآل محمد - صلى الله عليه وسلم - حقا على الأمة لا يشركهم ~~فيه غيرهم، ويستحقون من زيادة المحبة والموالاة ما لا يستحقه سائر بطون ~~قريش، كما أن قريشا يستحقون (2) من المحبة والموالاة ما لا يستحقه غير قريش ~~من القبائل، كما أن جنس العرب يستحق من المحبة والموالاة ما لا يستحقه سائر ~~أجناس بني آدم. وهذا على مذهب الجمهور الذين يرون فضل العرب على غيرهم، ~~وفضل قريش على سائر العرب، وفضل بني هاشم على سائر قريش. وهذا هو المنصوص ~~عن الأئمة كأحمد وغيره. # والنصوص دلت على هذا القول (3) ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - في ~~[الحديث] الصحيح: (4) " «إن الله اصطفى قريشا من كنانة، واصطفى بني هاشم من ~~قريش، واصطفاني من بني هاشم» " (5) . وكقوله في [الحديث] الصحيح: (6) " ~~«الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ; خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام ~~إذا فقهوا» " (7) ، وأمثال ذلك. PageV04P599 # وذهبت طائفة إلى عدم التفضيل بين هذه الأجناس. وهذا قول طائفة من أهل ~~الكلام، كالقاضي أبي بكر بن الطيب وغيره، وهو الذي ذكره القاضي أبو يعلى في ~~المعتمد. وهذا القول يقال له مذهب الشعوبية (1) ، وهو قول ضعيف من أقوال ~~أهل البدع، كما بسط في موضعه، وبينا أن تفضيل الجملة على الجملة لا يقتضي ~~تفضيل كل فرد على كل فرد، كما أن تفضيل القرن الأول على الثاني والثاني على ~~الثالث لا يقتضي ذلك، بل في القرن الثالث من هو خير (2) من كثير من القرن ~~الثاني. # وإنما تنازع العلماء: هل في غير الصحابة من هو خير من بعضهم؟ على قولين. ~~ولا ريب أنه قد ثبت اختصاص قريش بحكم شرعي، وهو كون الإمامة فيهم دون ~~غيرهم. وثبت اختصاص بني هاشم بتحريم ms1072 الصدقة عليهم، وكذلك استحقاقهم من ~~الفيء عند أكثر العلماء، وبنو المطلب معهم في ذلك، فالصلاة عليهم من هذا ~~الباب، فهم مخصوصون بأحكام لهم وعليهم، وهذه الأحكام تثبت للواحد منهم وإن ~~لم يكن رجلا صالحا، بل كان عاصيا. # وأما نفس ترتيب الثواب والعقاب على القرابة، ومدح الله عز وجل للشخص ~~المعين، وكرامته عند الله تعالى - فهذا لا يؤثر فيه النسب، وإنما ~~PageV04P600 # يؤثر فيه الإيمان والعمل الصالح، وهو التقوى. كما قال تعالى: {إن أكرمكم ~~عند الله أتقاكم} . # و [قد ثبت] في الصحيح «أن النبي (1) - صلى الله عليه وسلم - سئل: أي ~~الناس أكرم؟ فقال: " أتقاهم ". فقالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: " فيوسف نبي ~~الله ابن يعقوب نبي الله ابن إسحاق نبي الله ابن إبراهيم خليل الله " ~~قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: " أفعن معادن العرب تسألوني؟ خيارهم في ~~الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» " (2) . # و [ثبت عنه] في الصحيح (3) أنه قال: " «من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» ~~" رواه مسلم (4) . # ولهذا أثنى الله في القرآن على [السابقين الأولين من] المهاجرين (5) ~~PageV04P601 # والأنصار، وأخبر أنه رضي عنهم، كما أثنى على المؤمنين عموما. فكون الرجل ~~مؤمنا وصف استحق به (1) المدح والثواب [عند الله، وكذلك كونه ممن آمن ~~بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبه وصف يستحق به المدح والثواب] (2) . ثم ~~هم متفاوتون في الصحبة، فأقومهم بما أمر الله به ورسوله في الصحبة، أفضل ~~ممن هو دونه، كفضل السابقين الأولين على من دونهم، وهم الذين أنفقوا من قبل ~~الفتح وقاتلوا. ومنهم أهل (3) بيعة الرضوان، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة، ~~وهؤلاء لا يدخل النار منهم أحد، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - (4) . # وأما نفس القرابة فلم يعلق بها ثوابا ولا عقابا، ولا مدح [أحدا] (5) ~~بمجرد ذلك، وهذا لا ينافي ما ذكرناه من أن بعض الأجناس والقبائل أفضل من ~~بعض، فإن هذا التفضيل معناه كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ~~«الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام ~~إذا ms1073 فقهوا» "، فالأرض إذا كان فيها معدن ذهب ومعدن فضة، كان معدن الذهب ~~خيرا، لأنه مظنة وجود أفضل الأمرين فيه، فإن قدر أنه تعطل ولم يخرج ذهبا، ~~كان ما يخرج الفضة أفضل منه. # فالعرب في الأجناس، وقريش فيها ثم هاشم في قريش مظنة أن يكون فيهم من (6) ~~الخير أعظم مما يوجد في غيرهم. ولهذا كان في بني هاشم النبي PageV04P602 # - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يماثله أحد في قريش، فضلا عن وجوده في ~~سائر العرب [وغير العرب] (1) ، وكان في قريش الخلفاء الراشدون وسائر العشرة ~~وغيرهم ممن لا يوجد له نظير في العرب وغير العرب، وكان في العرب من ~~السابقين الأولين من لا يوجد له نظير في سائر الأجناس. # فلا بد أن يوجد في الصنف الأفضل ما لا يوجد مثله في المفضول، وقد يوجد في ~~المفضول ما يكون أفضل من كثير مما يوجد في الفاضل. كما أن الأنبياء الذين ~~ليسوا من العرب أفضل من العرب الذين ليسوا بأنبياء، والمؤمنون المتقون من ~~غير قريش أفضل من القرشيين الذين ليسوا مثلهم في الإيمان والتقوى، وكذلك ~~المؤمنون المتقون من قريش وغيرهم أفضل ممن ليس مثلهم في الإيمان والتقوى من ~~بني هاشم. # فهذا هو الأصل المعتبر في هذا الباب دون من ألغى فضيلة الأنساب (2) ~~مطلقا، ودون من ظن أن الله تعالى يفضل الإنسان بنسبه على من هو مثله في ~~الإيمان والتقوى، فضلا عمن هو أعظم إيمانا وتقوى. فكلا القولين خطأ، وهما ~~متقابلان. بل الفضيلة بالنسب (3) فضيلة جملة، وفضيلة لأجل المظنة والسبب، ~~والفضيلة بالإيمان والتقوى فضيلة تعيين وتحقيق وغاية ; فالأول يفضل به لأنه ~~سبب وعلامة، ولأن الجملة أفضل من جملة تساويها في العدد. والثاني: يفضل به ~~لأنه الحقيقة والغاية (4) ، ولأن كل من كان أتقى PageV04P603 # لله كان أكرم عند الله، والثواب من الله يقع على هذا، لأن الحقيقة قد ~~وجدت، فلم يعلق الحكم بالمظنة، ولأن الله تعالى يعلم الأشياء على ما هي ~~عليه، فلا يستدل بالأسباب والعلامات. # ولهذا كان رضا الله عن السابقين الأولين أفضل من الصلاة على ms1074 آل محمد، لأن ~~ذلك إخبار برضا الله عنهم، فالرضا قد حصل، وهذا طلب وسؤال لما لم يحصل (1) ~~. ومحمد - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر الله [عنه] (2) أنه يصلي عليه هو ~~وملائكته بقوله: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} [سورة الأحزاب: 56] ~~فلم تكن فضيلته بمجرد كون الأمة يصلون عليه، بل بأن الله تعالى وملائكته ~~يصلون عليه بخصوصه، وإن كان الله وملائكته يصلون على المؤمنين عموما، كما ~~قال تعالى: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور} ~~[سورة الأحزاب: 43] ، ويصلون على معلمي (3) الناس الخير، كما في الحديث: " ~~«إن الله وملائكته يصلون على معلمي (4) الناس الخير» " (5) . PageV04P604 # فمحمد (1) - صلى الله عليه وسلم - لما كان أكمل الناس فيما يستحق به ~~الصلاة من الإيمان وتعليم الخير وغير ذلك، كان له من الصلاة عليه خبرا (2) ~~وأمرا، خاصية لا يوجد [مثلها] (3) لغيره - صلى الله عليه وسلم -. # فبنو هاشم لهم حق وعليهم حق، والله تعالى إذا أمر الإنسان بما لم يأمر به ~~غيره، لم يكن أفضل من غيره بمجرد ذلك، بل إن امتثل ما أمر الله به كان أفضل ~~من غيره بالطاعة، كولاة الأمور وغيرهم ممن أمر بما لم يؤمر به غيره: من ~~أطاع منهم كان أفضل، لأن طاعته أكمل، ومن لم يطع منهم كان من هو أفضل منه ~~في التقوى أفضل منه. ولهذا فضل الخلفاء الراشدون على سائر الناس، وفضل من ~~فضل من أمهات المؤمنين على سائر النساء ; لأن الله أمر الخلفاء بما لم يأمر ~~به غيرهم، فقاموا من الأعمال الصالحة بما لم يقم غيرهم بنظيره، فصاروا ~~أفضل. وكذلك أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الله لهن: {من يأت ~~منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا - ومن ~~يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا ~~كريما} [سورة الأحزاب: 13، 30] وهن - ولله الحمد (4) - قنتن لله ورسوله ~~وعملن صالحا، فاستحققن الأجر مرتين، فصرن أفضل لطاعة الأمر، لا لمجرد ~~الأمر. ولو قدر - والعياذ بالله - أن واحدة تأتي بفاحشة مبينة (5) لضوعف ms1075 ~~لها العذاب ضعفين. PageV04P605 # وقد روي عن علي بن الحسين أنه جعل هذا الحكم عاما في آل البيت، وأن عقوبة ~~الواحد منهم تضاعف، وتضاعف حسناته، كما تضاعف العقوبة والثواب على من كان ~~في المسجد الحرام، وعلى من فعل ذلك في شهر رمضان (1) ، ونحو ذلك. # وهذا كله مما يبين أن كرامة الله تعالى [لعباده] (2) إنما هي بالتقوى ~~فقط. كما في الحديث الذي في السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ~~قال: " «لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأسود (3) على ~~أبيض، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى. الناس من آدم وآدم من تراب» " (4) . # وقال: " «إن الله تعالى أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، الناس ~~رجلان:: مؤمن تقي، وفاجر شقي» " (5) . # فالصلاة على آل محمد حق لهم عند المسلمين، وذلك سبب لرحمة الله تعالى لهم ~~بهذا النسب (6) ، لأن ذلك يوجب أن يكون كل واحد من بني PageV04P606 # هاشم لأجل الأمر بالصلاة عليه تبعا للنبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل ~~ممن لم يصل عليه. ألا ترى أن الله تعالى قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: ~~{خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم} [سورة ~~التوبة: 103] . # وفي الصحيحين عن ابن أبي أوفى «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ~~أتاه بصدقتهم صلى عليهم، وإن أبي أتاه بصدقته فقال: " اللهم صل على آل أبي ~~أوفى» " (1) . # فهذا فيه إثبات فضيلة لمن صلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن كان ~~يأتيه بالصدقة، ولا يلزم من هذا أن يكون كل من لم يأته بصدقة (2) لفقره دون ~~من أتاه بصدقة (3) وصلى عليه ; بل قد يكون من فقراء المهاجرين الذين ليس ~~لهم صدقة يأتونه بها من هو أفضل من كثير ممن أتاه بالصدقة وصلى عليه، وقد ~~يكون بعض من يأخذ الصدقة أفضل من بعض من يعطيها، وقد يكون فيمن يعطيها أفضل ~~من بعض من يأخذها، وإن كانت اليد العليا خيرا من اليد السفلى. # فالفضيلة بنوع لا تستلزم أن يكون صاحبها أفضل مطلقا ms1076. ولهذا كان في ~~الأغنياء من هو أفضل من جمهور الفقراء، وفي الفقراء من هو أفضل من ~~PageV04P607 # جمهور الأغنياء ; فإبراهيم وداود وسليمان ويوسف وأمثالهم أفضل من أكثر ~~الفقراء، ويحيى وعيسى ونحوهما أفضل من أكثر الأغنياء. # فالاعتبار العام هو التقوى، كما قال تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} ~~. فكل من كان أتقى كان أفضل مطلقا، وإذا تساوى اثنان في التقوى استويا في ~~الفضل، سواء كانا - أو أحدهما - (1) غنيين أو فقيرين، أو أحدهما غنيا ~~والآخر فقيرا، وسواء كانا - أو أحدهما - (2) عربيين أو أعجميين، أو قرشيين ~~أو هاشميين، أو كان أحدهما من صنف والآخر من صنف آخر. وإن قدر أن أحدهما له ~~من سبب الفضيلة ومظنتها [ما ليس للآخر] (3) ، فإذا كان ذاك [قد] (4) أتى ~~بحقيقة الفضيلة كان أفضل ممن لم يأت بحقيقتها، وإن كان أقدر على الإتيان ~~بها، فالعالم خير من الجاهل، وإن كان الجاهل أقدر على تحصيل العلم، والبر ~~أفضل من الفاجر، وإن كان الفاجر أقدر على البر، والمؤمن الضعيف خير من ~~الكافر القوي، وإن كان ذاك يقدر على الإيمان أكثر من المؤمن القوي. وبهذا ~~تزول شبه كثيرة تعرض في مثل هذه الأمور (5) . PageV04P608 ### | [الفصل الثاني كلام الرافضي على فضائل علي رضي الله عنه والرد عليه] # الفصل الثاني (1) # قال الرافضي (2) السادس (3) : إن الإمامية لما رأوا فضائل أمير المؤمنين ~~وكمالاته لا تحصى (4) قد رواها المخالف والموافق (5) ، ورأوا الجمهور قد ~~نقلوا عن غيره من الصحابة مطاعن كثيرة، ولم ينقلوا في علي طعنا ألبتة ~~اتبعوا (6) قوله، وجعلوه إماما لهم ; حيث نزهه المخالف والموافق (7) وتركوا ~~غيره حيث روى فيه من يعتقد إمامته من المطاعن ما يطعن في إمامته. ونحن نذكر ~~هنا شيئا يسيرا مما هو صحيح عندهم ونقلوه في المعتمد من قولهم وكتبهم (8) ، ~~ليكون حجة عليهم يوم القيامة. # فمن ذلك ما رواه أبو الحسن الأندلسي في الجمع بين الصحاح الستة: موطأ (9) ~~مالك وصحيحي البخاري ومسلم (10) PageV05P005 # وسنن أبي داود وصحيح الترمذي وصحيح النسائي (1) «عن أم سلمة زوج النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - أن قوله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب ms1077 عنكم الرجس أهل ~~البيت ويطهركم تطهيرا} [سورة الأحزاب: 33] أنزلت (2) في بيتها وأنا جالسة ~~عند الباب فقلت: يا رسول الله، ألست من أهل البيت؟ فقال: إنك على خير إنك ~~من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. (3) قالت: وفي البيت رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - (4) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (5) فجللهم بكساء وقال: ~~اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» . # والجواب أن يقال: إن الفضائل الثابتة في الأحاديث الصحيحة لأبي بكر وعمر ~~أكثر وأعظم من الفضائل الثابتة لعلي، والأحاديث التي ذكرها هذا وذكر أنها ~~في الصحيح عند الجمهور، وأنهم نقلوها في المعتمد من قولهم وكتبهم هو من ~~أبين الكذب على علماء الجمهور ; فإن هذه الأحاديث التي ذكرها، أكثرها كذب ~~أو ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث، والصحيح الذي فيها ليس فيه ما يدل على ~~إمامة علي ولا على فضيلته على أبي بكر PageV05P006 # وعمر *، بل (1) وليست من خصائصه بل هي فضائل شاركه فيها غيره بخلاف ما ~~ثبت من فضائل أبي بكر وعمر * (2) ; فإن كثيرا منها خصائص لهما لا سيما ~~فضائل أبي بكر؛ فإن عامتها خصائص لم يشركه فيها غيره. # وأما ما ذكره من المطاعن فلا يمكن أن يوجه على الخلفاء الثلاثة من (3) ~~مطعن إلا وجه على علي ما هو مثله أو أعظم منه. # فتبين أن ما ذكره في هذا الوجه من أعظم الباطل ونحن نبين ذلك تفصيلا. # وأما قوله: إنهم جعلوه إماما لهم حيث نزهه المخالف والموافق (4) وتركوا ~~غيره حيث روى من يعتقد إمامته من المطاعن ما يطعن في إمامته. # فيقال: هذا كذب بين ; فإن عليا رضي الله عنه لم ينزهه المخالفون، بل ~~القادحون في علي طوائف متعددة وهم أفضل من القادحين في أبي بكر وعمر وعثمان ~~والقادحون فيه أفضل من الغلاة فيه، فإن الخوارج متفقون على كفره وهم عند ~~المسلمين كلهم (5) خير من الغلاة الذين يعتقدون إلاهيته أو نبوته، بل هم - ~~والذين قاتلوه من الصحابة والتابعين - خير عند جماهير المسلمين من الرافضة ~~الاثني عشرية الذين اعتقدوه إماما معصوما. PageV05P007 # وأبو بكر وعمر ms1078 وعثمان (1) ليس في الأمة من يقدح فيهم إلا الرافضة، ~~والخوارج المكفرون لعلي يوالون أبا بكر وعمر ويترضون عنهما، والمروانية ~~الذين ينسبون عليا إلى الظلم ويقولون: إنه لم يكن خليفة يوالون أبا بكر ~~وعمر مع أنهما ليسا من أقاربهم؛ فكيف يقال مع هذا: إن عليا نزهه المؤالف ~~(2) والمخالف بخلاف الخلفاء الثلاثة؟ . # ومن المعلوم أن المنزهين لهؤلاء أعظم وأكثر وأفضل، وأن القادحين في علي - ~~حتى (3) بالكفر والفسوق والعصيان - طوائف معروفة، وهم أعلم من الرافضة ~~وأدين، والرافضة عاجزون معهم علما ويدا؛ فلا يمكن الرافضة أن تقيم عليهم ~~حجة تقطعهم بها، ولا كانوا معهم في القتال منصورين عليهم. # والذين قدحوا في علي رضي الله عنه وجعلوه كافرا وظالما ليس فيهم طائفة ~~معروفة بالردة عن الإسلام، بخلاف الذين يمدحونه ويقدحون في الثلاثة، ~~كالغالية الذين يدعون إلاهيته من النصيرية وغيرهم، وكالإسماعيلية الملاحدة ~~الذين هم شر من النصيرية، وكالغالية الذين يدعون نبوته ; فإن هؤلاء كفار ~~مرتدون، كفرهم PageV05P008 # [بالله ورسوله] (1) ظاهر لا يخفى على عالم بدين الإسلام، فمن اعتقد في ~~بشر الإلهية، أو اعتقد بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - نبيا، أو أنه لم ~~يكن نبيا، بل كان علي هو النبي دونه وإنما غلط جبريل ; فهذه المقالات ~~ونحوها مما يظهر كفر أهلها لمن يعرف الإسلام أدنى معرفة. # بخلاف من يكفر عليا ويلعنه من الخوارج، وممن (2) قاتله ولعنه من أصحاب ~~معاوية وبني مروان وغيرهم ; فإن هؤلاء كانوا مقرين بالإسلام وشرائعه: ~~يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويصومون رمضان، ويحجون البيت العتيق، ~~ويحرمون ما حرم الله ورسوله، وليس فيهم كفر ظاهر؛ بل شعائر الإسلام وشرائعه ~~ظاهرة فيهم معظمة عندهم. وهذا أمر يعرفه كل من عرف أحوال الإسلام، فكيف ~~يدعى مع هذا أن جميع المخالفين نزهوه دون الثلاثة؟ . # بل إذا اعتبر الذين كانوا يبغضونه ويوالون عثمان والذين كانوا يبغضون ~~عثمان ويحبون عليا، وجد هؤلاء خيرا (3) من أولئك من وجوه متعددة؛ فالمنزهون ~~لعثمان القادحون في علي أعظم وأدين PageV05P009 # وأفضل من المنزهين لعلي القادحين في عثمان، [كالزيدية مثلا] (1) . # فمعلوم أن الذين قاتلوه ولعنوه وذموه من ms1079 الصحابة والتابعين وغيرهم هم ~~أعلم وأدين من الذين يتولونه ويلعنون عثمان، ولو تخلى أهل السنة عن موالاة ~~علي رضي الله عنه وتحقيق إيمانه ووجوب موالاته، لم يكن في المتولين له من ~~يقدر أن يقاوم المبغضين له من الخوارج والأموية والمروانية ; فإن هؤلاء ~~طوائف كثيرة. \ 510 ومعلوم أن شر الذين يبغضونه هم الخوارج الذين كفروه، ~~واعتقدوا أنه مرتد عن الإسلام (2) واستحلوا قتله تقربا إلى الله تعالى، حتى ~~قال شاعرهم عمران بن حطان: # يا ضربة من تقي ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا # إني لأذكره حينا (3) فأحسبه ... أوفى البرية عند الله ميزانا # فعارضه شاعر أهل السنة فقال: # يا ضربة من شقي ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش خسرانا # إني لأذكره حينا فألعنه ... لعنا وألعن عمران (4) بن حطانا PageV05P010 # وهؤلاء الخوارج كانوا ثمان عشرة (1) فرقة؛ كالأزارقة أتباع نافع بن ~~الأزرق (2) والنجدات (3) أتباع نجدة الحروري (4) والإباضية أتباع عبد الله ~~PageV05P011 # بن إباض (1) ومقالاتهم وسيرهم مشهورة في كتب المقالات والحديث والسير، ~~وكانوا موجودين في زمن الصحابة والتابعين يناظرونهم ويقاتلونهم، والصحابة ~~اتفقوا على وجوب قتالهم، ومع هذا فلم يكفروهم ولا كفرهم علي بن أبي طالب ~~رضي الله عنه. # وأما الغالية في علي رضي الله عنه فقد اتفق الصحابة وسائر المسلمين على ~~كفرهم، وكفرهم علي بن أبي طالب نفسه وحرقهم بالنار. وهؤلاء الغالية يقتل ~~الواحد منهم المقدور عليه، وأما الخوارج فلم يقاتلهم (2) علي حتى قتلوا ~~واحدا من المسلمين، وأغاروا على أموال الناس فأخذوها، فأولئك حكم فيهم علي ~~وسائر الصحابة بحكم المرتدين، وهؤلاء لم يحكموا (3) فيهم بحكم المرتدين. ~~PageV05P012 # وهذا مما يبين أن الذين زعموا أنهم والوه دون أبي بكر وعمر وعثمان يوجد ~~فيهم من الشر والكفر باتفاق علي وجميع الصحابة ما لا يوجد في الذين عادوه ~~وكفروه، ويبين أن جنس المبغضين (1) لأبي بكر وعمر شر عند علي وجميع الصحابة ~~من جنس المبغضين (2) لعلي. ### | [الكلام على حديث الكساء] # فصل # وأما حديث الكساء فهو صحيح رواه أحمد والترمذي من حديث أم سلمة (3) ، ~~ورواه مسلم في صحيحه (4) من حديث ms1080 عائشة. قالت: «خرج النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - ذات غداة وعليه مرط مرحل (5) من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله ~~(6) ، ثم جاء الحسين فأدخله معه (7) ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي ~~فأدخله، ثم قال: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم ~~تطهيرا} » [سورة الأحزاب: 33] . # وهذا الحديث قد شركه فيه فاطمة وحسن وحسين رضي الله عنهم، PageV05P013 # فليس هو من خصائصه. ومعلوم أن المرأة لا تصلح للإمامة فعلم أن هذه ~~الفضيلة لا تختص بالأئمة؛ بل يشركهم فيها غيرهم. ثم إن مضمون هذا الحديث أن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا لهم بأن يذهب عنهم (1) الرجس ويطهرهم ~~تطهيرا. وغاية ذلك أن يكون دعا لهم بأن يكونوا من المتقين الذين أذهب الله ~~عنهم الرجس وطهرهم؛ واجتناب الرجس واجب على المؤمنين، والطهارة مأمور بها ~~كل مؤمن. # قال الله تعالى: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ~~وليتم نعمته عليكم} [سورة المائدة: 6] . وقال: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم ~~وتزكيهم بها} [سورة التوبة: 103] . # وقال تعالى: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} [سورة البقرة: 122] . # فغاية هذا أن يكون هذا دعاء لهم بفعل المأمور وترك المحظور. # والصديق رضي الله عنه قد أخبر الله عنه بأنه: {الأتقى - الذي يؤتي ماله ~~يتزكى - وما لأحد عنده من نعمة تجزى - إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى - ولسوف ~~يرضى} [سورة الليل 17 - 21] . # وأيضا فإن السابقين (2) الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم ~~بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه {وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين ~~فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} [سورة التوبة: 100] لا بد أن يكونوا قد فعلوا ~~المأمور وتركوا المحظور، فإن هذا الرضوان وهذا PageV05P014 # الجزاء إنما ينال بذلك. وحينئذ فيكون ذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم من الذنوب ~~بعض صفاتهم. فما دعا به النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل الكساء هو بعض ~~ما وصف به السابقين الأولين. والنبي - صلى الله عليه وسلم - دعا لغير أهل ~~الكساء بأن يصلي الله عليهم ودعا لأقوام كثيرين (1) بالجنة والمغفرة وغير ~~ذلك مما هو أعظم من ms1081 الدعاء بذلك ولم يلزم أن يكون من دعا له بذلك أفضل من ~~السابقين الأولين. # ولكن أهل الكساء لما كان قد أوجب عليهم اجتناب الرجس وفعل التطهير، دعا ~~لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يعينهم على فعل ما أمرهم به، لئلا ~~يكونوا مستحقين للذم والعقاب، ولينالوا المدح والثواب. ### | [الفصل الثالث كلام الرافضي عن قوله تعالي فقدموا بين يدي نجواكم صدقة والرد عليه] # الفصل الثالث (2) # قال الرافضي (3) : في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم ~~الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} [سورة المجادلة: 12] . قال أمير ~~المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لم يعمل (4) بهذه الآية غيري، وبي ~~خفف الله عن هذه الأمة أمر هذه الآية. PageV05P015 # والجواب أن يقال: الأمر بالصدقة لم يكن واجبا على المسلمين حتى يكونوا ~~عصاة بتركه، وإنما أمر به من أراد النجوى، واتفق أنه لم يرد النجوى إذ ذاك ~~إلا علي رضي الله عنه فتصدق لأجل المناجاة (1) . # وهذا كأمره بالهدي لمن تمتع بالعمرة إلى الحج، وأمره بالهدي لمن أحصر ~~وأمره لمن به أذى من رأسه بفدية من صيام أو صدقة أو نسك. وهذه الآية نزلت ~~في كعب بن عجرة لما مر به النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ينفخ تحت قدر ~~وهوام رأسه تؤذيه (2) . وكأمره لمن كان مريضا أو على سفر بعدة من أيام أخر، ~~وكأمره لمن حنث في يمينه بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، ~~وكأمره إذا قاموا إلى الصلاة أن يغسلوا وجوههم وأيديهم إلى المرافق، وكأمره ~~إذا قرءوا القرآن أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم، ونظائر هذا متعددة. # فالأمر المعلق بشرط إذا لم يوجد ذلك الشرط إلا في حق واحد لم يؤمر ~~PageV05P016 # به غيره. وهكذا آية النجوى ; فإنه لم يناج الرسول قبل نسخها إلا علي، ولم ~~يكن على من ترك النجوى حرج. فمثل هذا العمل ليس من خصائص الأئمة، ولا من ~~خصائص علي رضي الله عنه، ولا يقال إن غير علي ترك النجوى بخلا بالصدقة ; ~~لأن هذا غير معلوم؛ فإن المدة ms1082 لم تطل. وفي تلك المدة القصيرة قد لا يحتاج ~~(1) الواحد إلى النجوى، وإن قدر أن هذا كان يخص بعض الناس لم يلزم أن يكون ~~أبو بكر وعمر رضي الله عنهما من هؤلاء. كيف (2) وأبو بكر رضي الله عنه قد ~~(3) أنفق ماله كله يوم رغب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصدقة، وعمر ~~رضي الله عنه جاء (4) بنصف ماله بلا حاجة إلى النجوى. فكيف يبخل أحدهما (5) ~~بدرهمين أو ثلاثة يقدمها بين يدي نجواه؟ . # وقد روى زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر يقول: أمرنا رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - أن نتصدق، فوافق ذلك مالا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر ~~إن سبقته يوما، فجئت بنصف مالي، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ~~أبقيت لأهلك يا عمر، فقلت: مثله، قال: وأتى أبو بكر بكل مال عنده، فقال: يا ~~أبا بكر ما أبقيت لأهلك، فقال: أبقيت لهم الله ورسوله، فقلت: لا أسابقك إلى ~~شيء أبدا (6) . PageV05P017 ### | [الفصل الرابع تابع كلام الرافضي عن فضائل علي رضي الله عنه والرد عليه] # الفصل الرابع (1) # قال الرافضي (2) : وعن محمد بن كعب القرظي قال: افتخر طلحة بن شيبة من ~~بني عبد الدار وعباس بن عبد المطلب [وعلي بن أبي طالب] (3) . فقال: طلحة بن ~~شيبة: معي مفاتيح البيت، ولو أشاء بت فيه. وقال العباس: أنا صاحب السقاية ~~والقائم عليها، ولو أشاء بت في المسجد، وقال علي (4) : ما أدري ما تقولان، ~~لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد. فأنزل الله ~~تعالى: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم ~~الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم ~~الظالمين} [سورة التوبة: 19] . # والجواب أن يقال: هذا اللفظ لا يعرف في شيء من (5) كتب الحديث المعتمدة، ~~(* بل دلالات (6) الكذب عليه ظاهرة، منها: أن طلحة بن شيبة لا وجود له، ~~وإنما خادم الكعبة هو شيبة بن عثمان بن أبي PageV05P018 # طلحة (1) . وهذا مما يبين لك أن الحديث لا يصح. ثم فيه ms1083 قول العباس: لو ~~أشاء بت (2) في المسجد فأي كبير أمر في مبيته في المسجد حتى يتبجح به؟ . # ثم فيه قول علي: صليت ستة أشهر قبل الناس. فهذا مما يعلم بطلانه بالضرورة ~~; فإن بين إسلامه وإسلام (3) زيد وأبي بكر وخديجة يوما أو نحوه، فكيف يصلي ~~قبل الناس بستة أشهر؟ . # وأيضا فلا يقول: أنا صاحب الجهاد، وقد شاركه فيه عدد كثير جدا *) (4) . # وأما الحديث فيقال: الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه (5) ولفظه: عن ~~النعمان بن بشير قال: «كنت عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال ~~رجل: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر: ~~ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام (6) إلا أن أعمر PageV05P019 # المسجد الحرام. وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم. فزجرهم (1) ~~عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~وهو يوم الجمعة، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه. ~~فأنزل الله عز وجل: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن ~~بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله} » [سورة التوبة: 19] الآية إلى ~~آخرها. # وهذا الحديث ليس (2) من خصائص الأئمة، ولا من خصائص علي، فإن الذين آمنوا ~~بالله واليوم الآخر وجاهدوا في سبيل الله كثيرون، والمهاجرون والأنصار ~~يشتركون في هذا الوصف، وأبو بكر وعمر أعظمهم (3) إيمانا وجهادا، لا سيما ~~وقد قال: {الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم ~~درجة عند الله} [سورة الأنفال: 72] . ولا ريب أن جهاد أبي بكر بماله ونفسه ~~أعظم من جهاد علي وغيره. # كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: «إن أمن (4) ~~الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر» (5) . PageV05P020 # «وقال: ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر» (1) . وأبو بكر كان مجاهدا ~~بلسانه ويده، وهو أول من دعا إلى الله (2) وأول من أوذي في الله بعد رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - وأول من دافع عن رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم ms1084 - وكان مشاركا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - (3) في هجرته وجهاده ~~حتى كان هو وحده معه في العريش يوم بدر، «وحتى أن أبا سفيان يوم أحد لم ~~يسأل إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر، لما قال: أفيكم ~~محمد؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تجيبوه. فقال: أفيكم ابن أبي ~~قحافة؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تجيبوه. فقال: أفيكم ابن ~~الخطاب؟ (4) فقال: النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تجيبوه. فقال: أما ~~هؤلاء فقد كفيتموهم. فلم يملك عمر نفسه، فقال: كذبت عدو الله، (5) إن الذين ~~(6) عددت لأحياء، (7) وقد أبقى الله لك PageV05P021 # ما يخزيك» (1) . ذكره البخاري وغيره (2) . ### | [الفصل الخامس نسب الرافضي حديثا موضوعا إلى الإمام أحمد أن علي هو الوصي والرد عليه] # الفصل الخامس (3) # قال الرافضي (4) : ومنها ما رواه أحمد بن حنبل عن أنس بن مالك، قال: ~~«قلنا لسلمان: سل (5) النبي - صلى الله عليه وسلم - من وصيه، فقال له (6) ~~سلمان: يا رسول الله، من وصيك؟ فقال (7) : يا سلمان، من كان وصي موسى؟ ~~فقال: يوشع بن نون. قال (8) : فإن (9) وصيي ووارثي يقضي (10) ديني وينجز ~~موعدي علي بن أبي طالب» (11) . PageV05P022 # (* والجواب أن هذا الحديث *) (1) كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث ~~(2) ليس هو في مسند الإمام أحمد بن حنبل. وأحمد قد صنف كتابا في فضائل ~~الصحابة ذكر فيه فضل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وجماعة من الصحابة، وذكر فيه ~~ما روي في ذلك من صحيح وضعيف للتعريف بذلك، (3) وليس كل ما رواه يكون ~~صحيحا. ثم إن في هذا الكتاب زيادات من روايات (4) ابنه عبد الله، وزيادات ~~من رواية القطيعي عن شيوخه. وهذه الزيادات التي زادها القطيعي غالبها كذب، ~~كما سيأتي ذكر بعضها إن شاء الله، (5) وشيوخ القطيعي يروون عمن في طبقة ~~أحمد. وهؤلاء الرافضة جهال، إذا رأوا فيه حديثا ظنوا أن القائل لذلك أحمد ~~بن حنبل. ويكون القائل لذلك هو القطيعي، وذاك الرجل من شيوخ القطيعي الذين ~~يروون عمن في طبقة أحمد. وكذلك في المسند زيادات زادها ابنه عبد ms1085 الله، (6) ~~لا سيما في مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه، (7) فإنه زاد زيادات كثيرة. ~~PageV05P023 ### | [الفصل السادس تابع كلام الرافضي عن فضائل علي رضي الله عنه والرد عليه] # الفصل السادس (1) # قال الرافضي (2) : وعن يزيد بن أبي مريم (3) «عن علي رضي الله عنه (4) : ~~قال: انطلقت أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - (5) حتى أتينا الكعبة، ~~فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم: اجلس، فصعد على منكبي، فذهبت ~~لأنهض به، فرأى مني ضعفا، فنزل وجلس لي نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ~~وقال اصعد على منكبي. فصعدت على منكبه (6) . قال: فنهض بي. قال: فإنه تخيل ~~لي (7) أني لو شئت لنلت أفق السماء، حتى صعدت على البيت وعليه تمثال صفر أو ~~نحاس (8) ، فجعلت أزاوله عن يمينه وعن شماله وبين يديه ومن خلفه، حتى إذا ~~استمكنت منه قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم: اقذف به. فقذفت به ~~فتكسر كما تنكسر (9) القوارير، ثم نزلت PageV05P024 # فانطلقت (1) ، أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - نستبق حتى توارينا ~~في البيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس» . # والجواب (2) أن هذا الحديث إن صح فليس فيه شيء من خصائص الأئمة ولا خصائص ~~علي ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - «كان يصلي وهو حامل أمامة بنت أبي ~~العاص بن الربيع (3) على منكبه، إذا قام حملها، وإذا سجد وضعها» . «وكان ~~إذا سجد جاء الحسن فارتحله، ويقول: إن ابني ارتحلني» (4) «وكان يقبل زبيبة ~~الحسن» (5) . فإذا كان يحمل الطفلة والطفل لم يكن في حمله لعلي ما يوجب أن ~~يكون ذلك من خصائصه، [بل قد أشركه فيه غيره] (6) ، وإنما حمله لعجز علي عن ~~PageV05P025 # حمله، فهذا يدخل في مناقب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (* وفضيلة من ~~يحمل النبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم من فضيلة من يحمله - النبي صلى ~~الله عليه وسلم - *) (1) كما حمله يوم أحد من حمله من الصحابة، مثل طلحة بن ~~عبيد الله (2) ، فإن هذا نفع النبي (3) - صلى الله عليه وسلم - وذاك نفعه ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعلوم ms1086 أن نفعه بالنفس والمال أعظم من انتفاع ~~الإنسان بنفس النبي - صلى الله عليه وسلم - وماله. ### | [الفصل السابع حديث موضوع آخر يذكره الرافضي في فضائل علي والرد عليه] # الفصل السابع (4) # قال الرافضي (5) : «وعن ابن أبي ليلى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم: الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل PageV05P026 # ياسين (1) ، وحزقيل مؤمن آل فرعون (2) ، وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم» . # الجواب أن هذا كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه قد ثبت عنه ~~في الصحيح أنه وصف أبا بكر رضي الله عنه بأنه صديق (3) . وفي الصحيح عن ابن ~~مسعود رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «عليكم ~~بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل ~~يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا. وإياكم والكذب ; فإن الكذب ~~يهدي إلى الفجور، وإن الفجور (4) يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ~~ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا» (5) . فهذا يبين أن الصديقين ~~كثيرون. # وأيضا فقد قال تعالى عن مريم ابنة (6) عمران إنها صديقة، وهي امرأة. ~~PageV05P027 # وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «كمل من الرجال كثير ولم يكمل من ~~النساء إلا أربع» (1) . فالصديقون من الرجال كثيرون. ### | [الفصل الثامن حديث آخر صحيح يذكره الرافضي قال لعلي أنت مني وأنا منك والرد عليه] # الفصل الثامن (2) # قال الرافضي (3) : وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه «قال لعلي: ~~أنت مني وأنا منك» . PageV05P028 # والجواب أن هذا حديث (1) صحيح أخرجاه في الصحيحين (2) من حديث البراء بن ~~عازب، «لما تنازع علي وجعفر (3) وزيد في ابنة حمزة، فقضى بها لخالتها، ~~وكانت تحت جعفر، وقال لعلي: أنت مني وأنا منك. وقال لجعفر: أشبهت خلقي ~~وخلقي. وقال لزيد أنت أخونا ومولانا» (4) . # لكن هذا اللفظ قد قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - لطائفة من أصحابه، ~~كما في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ~~«إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو (5) أو قلت نفقة عيالهم (6) في المدينة ms1087 ~~(7) جمعوا ما كان معهم في ثوب واحد، ثم قسموه بينهم بالسوية. هم مني وأنا ~~منهم» (8) . # وكذلك قال «عن جليبيب (9) : هو مني وأنا منه» . فروى مسلم في صحيحه (10) ~~عن أبي برزة قال: «كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مغزى (11) له. ~~فأفاء الله عليه، فقال: لأصحابه: هل تفقدون من أحد؟ PageV05P029 # قالوا: نعم، فلانا وفلانا (1) . ثم قال: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نعم، ~~فلانا وفلانا وفلانا. ثم قال: هل (2) تفقدون من أحد؟ قالوا: لا. قال: لكني ~~أفقد جليبيبا، فاطلبوه. فطلبوه (3) في القتلى، فوجدوه إلى جنب سبعة قد ~~قتلهم ثم قتلوه. فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فوقف عليه فقال: قتل ~~سبعة ثم قتلوه. هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه. قال: فوضعه علي على ~~ساعديه، ليس له إلا ساعدا النبي - صلى الله عليه وسلم - (4) قال: فحفر له ~~فوضع (5) في قبره ولم يذكر غسلا» (6) . # فتبين أن قوله لعلي: «أنت مني وأنا منك» . ليس من خصائصه، بل قال ذلك ~~للأشعريين، وقاله لجليبيب. وإذا لم يكن من خصائصه، بل قد شاركه في ذلك غيره ~~من (7) هو دون الخلفاء (8) الثلاثة في الفضيلة، لم يكن دالا على الأفضلية ~~(9) ولا على الإمامة. ### | [الفصل التاسع تابع كلام الرافضي عن فضائل علي وقول عمرو بن ميمون والرد عليه] # الفصل التاسع (10) # قال الرافضي (11) : وعن عمرو بن ميمون قال: لعلي بن أبي PageV05P030 # طالب (1) عشر (2) فضائل ليست لغيره. قال له (3) النبي - صلى الله عليه ~~وسلم: «لأبعثن رجلا لا يخزيه الله أبدا، يحب الله ورسوله، [ويحبه الله ~~ورسوله] (4) ، فاستشرف إليها (5) من استشرف. قال (6) : أين علي بن أبي طالب ~~(7) ؟ قالوا: هو أرمد (8) في الرحى يطحن. قال (9) : وما كان أحدهم يطحن. # قال: فجاء وهو أرمد لا يكاد أن يبصر. قال: فنفث (10) في عينيه ثم هز ~~الراية ثلاثا وأعطاها إياه (11) ، فجاء بصفية بنت حيي. قال: ثم بعث أبا بكر ~~بسورة التوبة (12) ، فبعث عليا خلفه (13) فأخذها منه وقال: لا يذهب بها إلا ~~رجل هو مني وأنا منه» . PageV05P031 # وقال لبني عمه (1) : «أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ قال ms1088: وعلي معهم ~~جالس (2) فأبوا، فقال علي (3) : أنا أواليك في الدنيا والآخرة. قال (4) : ~~فتركه، ثم أقبل على رجل رجل منهم (5) ، فقال: أيكم يواليني في الدنيا ~~والآخرة؟ فأبوا، فقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة. فقال: أنت وليي ~~في الدنيا والآخرة» . # قال: «وكان علي أول من أسلم من الناس بعد خديجة» . قال: «وأخذ رسول الله ~~- صلى الله عليه وسلم - (6) ثوبه فوضعه على علي وفاطمة والحسن والحسين، ~~فقال: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} » [سورة ~~الأحزاب: 33] . # قال: «وشرى علي نفسه ولبس ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نام ~~مكانه، وكان (7) المشركون يرمونه بالحجارة» . # «وخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - (8) بالناس في غزاة تبوك، فقال له ~~علي (9) : أخرج معك؟ قال (10) : لا. فبكى علي، فقال له: PageV05P032 # أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنك لست بنبي، لا (1) ~~ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي» (2) . # وقال (3) «له رسول الله - صلى الله عليه وسلم: أنت وليي في كل مؤمن بعدي» ~~. # قال: «وسد (4) أبواب المسجد إلا باب علي» (5) . قال وكان يدخل المسجد (6) ~~جنبا، وهو طريقه ليس له طريق غيره. # وقال له: «من كنت مولاه فعلي مولاه» (7) . # وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرفوعا «أنه بعث أبا بكر في (براءة) ~~إلى مكة (8) ، فسار بها (9) ثلاثا ثم قال لعلي: الحقه فرده وبلغها أنت، ~~ففعل (10) . فلما (11) قدم أبو بكر على النبي - صلى الله عليه وسلم - بكى ~~وقال: يا رسول الله، حدث (12) في شيء؟ قال: لا، ولكن أمرت (13) أن لا ~~يبلغها (14) إلا أنا أو رجل مني» . PageV05P033 # والجواب: أن هذا (1) ليس مسندا، بل هو (2) مرسل لو ثبت عن عمرو بن ميمون، ~~وفيه ألفاظ هي كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كقوله: [ «أما ~~ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنك لست بنبي» ] (3) ، لا ~~ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي. فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب غير ~~مرة وخليفته على المدينة غير علي، كما اعتمر عمرة الحديبية وعلي معه ~~وخليفته غيره ms1089، وغزا بعد ذلك خيبر ومعه علي وخليفته بالمدينة غيره، وغزا ~~غزوة الفتح وعلي معه وخليفته في المدينة (4) غيره، وغزا حنينا والطائف وعلي ~~معه وخليفته بالمدينة غيره، [وحج حجة الوداع وعلي معه وخليفته بالمدينة ~~غيره] (5) ، وغزا غزوة بدر ومعه علي وخليفته بالمدينة غيره. # وكل هذا معلوم بالأسانيد الصحيحة وباتفاق أهل العلم بالحديث، وكان علي ~~معه في غالب الغزوات وإن لم يكن فيها قتال. # فإن قيل: استخلافه يدل على أنه لا يستخلف إلا الأفضل، لزم أن يكون علي ~~مفضولا في عامة الغزوات، وفي عمرته وحجته، لا سيما وكل مرة كان يكون ~~الاستخلاف على رجال مؤمنين، وعام تبوك ما كان الاستخلاف إلا على النساء ~~والصبيان ومن عذر الله، وعلى الثلاثة الذين PageV05P034 # خلفوا (1) أو متهم بالنفاق، وكانت المدينة آمنة لا يخاف على أهلها، ولا ~~يحتاج المستخلف إلى جهاد كما يحتاج في أكثر الاستخلافات. # وكذلك قوله: " «وسد الأبواب كلها إلا باب علي» " فإن هذا مما وضعته ~~الشيعة على طريق المقابلة (2) ، فإن الذي في الصحيح عن أبي سعيد عن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - أنه قال في مرضه الذي مات فيه: " «إن أمن الناس علي ~~في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ~~ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي ~~بكر» " ورواه ابن عباس أيضا في الصحيحين (3) ، ومثل قوله: " «أنت وليي في ~~كل مؤمن بعدي» " فإن هذا PageV05P035 # موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث (1) ، والذي فيه من الصحيح (2) ليس هو ~~من خصائص الأئمة، بل ولا من خصائص علي، بل قد شاركه فيه غيره، مثل كونه يحب ~~الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله ومثل استخلافه وكونه منه بمنزلة هارون من ~~موسى، ومثل كون علي مولى من النبي - صلى الله عليه وسلم - مولاه (3) فإن كل ~~مؤمن موال لله ورسوله، ومثل كون (براءة) لا يبلغها إلا رجل من بني هاشم ; ~~فإن هذا يشترك فيه جميع الهاشميين، لما روي أن العادة كانت جارية بأن لا ~~ينقض العهود ويحلها (4) إلا ms1090 رجل من قبيلة المطاع. ### | [الفصل العاشر كلام الرافضي عن فضائل علي وكلام أخطب خوارزم والرد عليه] # الفصل العاشر (5) # قال الرافضي (6) : ومنها ما رواه أخطب خوارزم عن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - أنه قال: «يا علي لو أن عبدا (7) عبد الله - عز PageV05P036 # وجل - مثل ما قام (1) نوح في قومه، وكان له مثل أحد ذهبا فأنفقه في سبيل ~~الله، ومد في عمره حتى حج ألف عام على قدميه (2) ، ثم قتل بين الصفا ~~والمروة مظلوما، ثم لم يوالك يا علي؛ لم يشم رائحة الجنة ولم يدخلها» . # وقال رجل لسلمان: ما أشد حبك لعلي. قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - يقول: «من أحب عليا فقد أحبني، ومن أبغض عليا فقد أبغضني» . وعن أنس ~~(3) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «خلق الله من نور وجه علي ~~(4) سبعين ألف ملك يستغفرون له ولمحبيه (5) إلى يوم القيامة» . # وعن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من أحب عليا قبل ~~الله عنه (6) صلاته وصيامه وقيامه واستجاب دعاءه (7) . ألا ومن أحب عليا ~~أعطاه الله بكل عرق من بدنه (8) مدينة في الجنة. ألا ومن أحب آل محمد أمن ~~من الحساب والميزان والصراط. ألا ومن مات على حب آل محمد فأنا كفيله في ~~الجنة (9) مع الأنبياء، ألا (10) ومن أبغض آل محمد جاء يوم القيامة ~~PageV05P037 # مكتوبا (1) بين عينيه: آيس من رحمة الله» . # وعن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ~~(2) : «من زعم أنه آمن بي وبما جئت به وهو يبغض (3) عليا فهو كاذب ليس ~~بمؤمن» . # وعن أبي برزة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «ونحن جلوس ذات ~~يوم: والذي نفسي بيده لا يزول قدم (4) عبد يوم القيامة حتى يسأله الله ~~تبارك وتعالى (5) عن أربع (6) : عن عمره فيما (7) أفناه، وعن جسده فيما (8) ~~أبلاه، وعن ماله مم اكتسبه وفيم أنفقه (9) ، وعن حبنا أهل البيت (10) . ~~فقال له: عمر فما آية حبكم من بعدكم (11) ؟ فوضع يده على رأس علي بن أبي ms1091 ~~طالب (12) وهو إلى جانبه (13) فقال (14) : إن حبي من بعدي حب هذا» . ~~PageV05P038 # وعن عبد الله بن عمر (1) قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «وقد ~~سئل (2) : بأي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج؟ فقال: خاطبني بلغة علي (3) ، ~~فألهمني أن قلت: يا رب خاطبتني أم علي؟ فقال: يا محمد (4) أنا شيء لست ~~كالأشياء (5) ، لا أقاس بالناس ولا أوصف بالأشياء (6) ، خلقتك من نوري ~~وخلقت عليا من نورك فاطلعت على سرائر قلبك، فلم أجد إلى قلبك أحب من علي ~~(7) فخاطبتك بلسانه كيما (8) يطمئن قلبك» . # وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لو أن الرياض ~~أقلام والبحر مداد والجن حساب والإنس كتاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب» ~~(9) . # وبالإسناد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى جعل ~~الأجر على (10) فضائل علي لا يحصى كثرة (11) ، PageV05P039 # فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرا بها غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ~~ومن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة ~~رسم، ومن استمع فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها ~~بالاستماع، ومن نظر إلى (1) كتاب من فضائله غفر الله له الذنوب التي ~~اكتسبها بالنظر، ثم قال: النظر إلى وجه أمير المؤمنين علي (2) عبادة، وذكره ~~عبادة، لا يقبل (3) الله إيمان عبد إلا بولايته والبراءة من أعدائه» . # وعن حكيم بن حزام (4) عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~أنه قال (5) : «لمبارزة علي (6) لعمرو بن عبد (7) ود يوم الخندق أفضل من ~~عمل أمتي إلى يوم القيامة» . # وعن سعد بن أبي وقاص قال: «أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا بالسب فأبى، ~~فقال: ما منعك أن تسب علي بن أبي طالب (8) ؟ قال ثلاث قالهن رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - فلن PageV05P040 # أسبه، لأن يكون لي واحدة منهن أحب (1) إلي من حمر النعم: سمعت رسول الله ~~- صلى الله عليه وسلم - يقول لعلي وقد خلفه في بعض مغازيه، فقال له (2) : ~~علي تخلفني مع النساء ms1092 والصبيان؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~أما ترضى (3) أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبي بعدي. ~~وسمعته يقول يوم خيبر (4) لأعطين الراية رجلا (5) يحب الله ورسوله ويحبه ~~الله ورسوله. قال: فتطاولنا، فقال (6) : ادعوا لي (7) عليا. فأتاه به رمد، ~~فبصق في عينيه (8) ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه. وأنزلت (9) هذه ~~الآية: {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} [سورة آل عمران: 61] دعا (10) ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليا وفاطمة والحسن والحسين فقال: هؤلاء ~~(11) أهلي» . # والجواب: أن أخطب خوارزم هذا له مصنف في هذا الباب فيه (12) من ~~PageV05P041 # الأحاديث المكذوبة ما لا يخفى كذبه على من له أدنى معرفة بالحديث، فضلا ~~عن علماء الحديث، وليس هو من علماء الحديث ولا ممن يرجع إليه في هذا الشأن ~~البتة (1) . وهذه الأحاديث مما يعلم أهل المعرفة بالحديث أنها من ~~المكذوبات. وهذا الرجل قد ذكر أنه يذكر ما هو صحيح عندهم، ونقلوه في ~~المعتمد من قولهم وكتبهم؛ فكيف يذكر ما أجمعوا على أنه كذب موضوع، ولم يرو ~~(2) في شيء من كتب الحديث المعتمدة، ولا صححه أحد من أئمة الحديث. # فالعشرة الأول (3) كلها كذب إلى آخر حديث قتله (4) لعمرو بن عبد ود. وأما ~~حديث سعد لما أمره معاوية بالسب فأبى، فقال: ما منعك أن تسب علي بن أبي ~~طالب؟ فقال: ثلاث قالهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلن أسبه، لأن ~~يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم. . . الحديث. فهذا حديث صحيح رواه ~~مسلم في صحيحه (5) وفيه ثلاث فضائل لعلي لكن ليست من خصائص الأئمة ولا من ~~خصائص PageV05P042 # علي، فإن قوله «وقد خلفه في بعض مغازيه فقال له علي: يا رسول الله، ~~تخلفني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم: أما ~~ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» . ليس من ~~خصائصه ; فإنه استخلف على المدينة غير واحد، ولم يكن هذا الاستخلاف أكمل من ~~غيره. ولهذا قال له علي: أتخلفني مع ms1093 النساء والصبيان؟ لأن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - كان في كل غزاة (1) يترك بالمدينة رجالا من المهاجرين والأنصار ~~إلا في غزوة تبوك فإنه أمر المسلمين جميعهم بالنفير (2) ، فلم يتخلف ~~بالمدينة إلا عاص أو معذور غير النساء والصبيان. ولهذا كره علي الاستخلاف، ~~وقال: أتخلفني مع النساء والصبيان؟ يقول تتركني مخلفا لا تستصحبني معك؟ ~~فبين له النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الاستخلاف ليس نقصا (3) ولا غضاضة ~~; فإن موسى استخلف هارون على قومه لأمانته عنده، وكذلك أنت استخلفتك ~~لأمانتك عندي، لكن موسى استخلف نبيا وأنا لا نبي بعدي. وهذا تشبيه في أصل ~~الاستخلاف فإن موسى استخلف هارون على جميع بني إسرائيل، والنبي - صلى الله ~~عليه وسلم - استخلف عليا على قليل من المسلمين، وجمهورهم استصحبهم في ~~الغزاة. وتشبيهه بهارون ليس بأعظم من تشبيه أبي بكر وعمر: هذا بإبراهيم ~~وعيسى، وهذا بنوح وموسى ; فإن هؤلاء الأربعة أفضل من هارون، وكل من أبي بكر ~~وعمر شبه باثنين لا بواحد، فكان (4) هذا التشبيه أعظم من تشبيه PageV05P043 # علي، مع أن استخلاف علي له فيه أشباه وأمثال من الصحابه. # وهذا التشبيه ليس لهذين فيه شبيه، فلم يكن الاستخلاف من الخصائص، ولا ~~التشبيه بنبي في بعض أحواله من الخصائص. # وكذلك قوله «لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله [ويحبه الله ورسوله] (1) ~~قال: فتطاولنا، فقال: ادعوا لي عليا، فأتاه وبه رمد، فبصق في عينيه (2) ~~ودفع الراية إليه، ففتح الله على يديه» . وهذا الحديث أصح ما روي لعلي من ~~الفضائل، أخرجاه في الصحيحين من غير وجه. وليس هذا الوصف مختصا بالأئمة ولا ~~بعلي ; فإن الله ورسوله يحب كل مؤمن تقي وكل مؤمن تقي يحب الله ورسوله؛ لكن ~~هذا الحديث من أحسن ما يحتج به على النواصب الذين يتبرءون منه ولا يتولونه ~~ولا يحبونه، بل قد (3) يكفرونه أو يفسقونه (4) كالخوارج ; فإن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - شهد له بأنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله (5) . # لكن هذا الاحتجاج لا يتم على قول الرافضة الذين يجعلون النصوص الدالة على ~~فضائل الصحابة كانت قبل ردتهم ms1094 ; فإن الخوارج تقول في علي مثل ذلك، لكن هذا ~~باطل، فإن الله ورسوله لا يطلق هذا المدح على من يعلم أنه يموت كافرا (6) ، ~~وبعض أهل الأهواء من PageV05P044 # المعتزلة وغيرهم، وبعض المروانية ومن كان على هواهم، الذين كانوا يبغضونه ~~ويسبونه. # كذلك حديث المباهلة شركه فيه فاطمة وحسن وحسين (1) ، كما شركوه (2) في ~~حديث الكساء، فعلم أن ذلك (3) لا يختص بالرجال ولا بالذكور ولا بالأئمة، بل ~~يشركه (4) فيه المرأة والصبي، فإن الحسن والحسين كانا صغيرين عند المباهلة، ~~فإن المباهلة كانت لما قدم وفد نجران بعد فتح مكة [سنة تسع أو عشر] (5) ، ~~والنبي - صلى الله عليه وسلم - مات ولم يكمل الحسين سبع سنين، والحسن أكبر ~~منه بنحو سنة، وإنما دعا هؤلاء لأنه أمر أن يدعو كل واحد من (6) الأقربين: ~~الأبناء (7) والنساء والأنفس، فيدعو (8) الواحد من أولئك أبناءه ونساءه، ~~وأخص الرجال به نسبا. # وهؤلاء أقرب الناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - نسبا، وإن كان غيرهم ~~أفضل منهم عنده، فلم يؤمر أن يدعو أفضل أتباعه، لأن المقصود أن يدعو كل ~~واحد منهم (9) أخص الناس به، لما في جبلة الإنسان من الخوف عليه وعلى ذوي ~~(10) رحمه الأقربين إليه، ولهذا خصهم في حديث الكساء. PageV05P045 # والدعاء لهم والمباهلة مبناها على العدل (1) ، فأولئك أيضا يحتاجون أن ~~يدعوا أقرب الناس إليهم نسبا، وهم يخافون عليهم ما لا يخافون على الأجانب؛ ~~ولهذا امتنعوا عن (2) المباهلة، لعلمهم بأنه (3) على الحق، وأنهم إذا ~~باهلوه حقت عليهم بهلة الله (4) وعلى الأقربين إليهم، بل قد يحذر الإنسان ~~على ولده ما لا يحذره (5) على نفسه. # فإن قيل فإذا (6) كان ما صح من فضائل علي رضي الله عنه، كقوله - صلى الله ~~عليه وسلم: " «لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» "، ~~وقوله: " «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى» "، وقوله: " «اللهم ~~هؤلاء (7) أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» " ليس من خصائصه، بل ~~له فيه شركاء، فلماذا تمنى بعض الصحابة أن يكون له ذلك كما روي عن سعد (8) ~~وعن عمر؟ . # فالجواب: أن في ذلك ms1095 شهادة النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي بإيمانه ~~باطنا وظاهرا، وإثباتا لموالاته لله ورسوله ووجوب موالاة المؤمنين له. وفي ~~ذلك رد على النواصب الذين يعتقدون كفره أو فسقه، كالخوارج المارقين الذين ~~كانوا من أعبد الناس، كما قال النبي (9) - صلى الله عليه PageV05P046 # وسلم - فيهم (1) يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته ~~مع قراءتهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق ~~السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم (2) وهؤلاء يكفرونه ويستحلون ~~قتله، ولهذا قتله واحد منهم؛ وهو عبد الرحمن بن ملجم المرادي مع كونه كان ~~من أعبد الناس. # وأهل العلم والسنة يحتاجون إلى إثبات إيمان علي وعدله ودينه - للرد على ~~هؤلاء - أعظم مما يحتاجون إلى مناظرة الشيعة ; فإن هؤلاء أصدق وأدين، ~~والشبه (3) التي يحتجون بها أعظم من الشبه (4) التي تحتج بها الشيعة، كما ~~أن المسلمين يحتاجون في أمر المسيح صلوات الله وسلامه عليه إلى مناظرة ~~اليهود والنصارى، فيحتاجون أن ينفوا عنه ما يرميه به اليهود من أنه كاذب ~~ولد زنا، وإلى نفي ما تدعيه النصارى من الإلهية، وجدل اليهود أشد من جدل ~~النصارى، ولهم شبه لا يقدر النصارى أن يجيبوهم عنها، وإنما يجيبهم عنها ~~المسلمون. كما أن للنواصب شبها (5) PageV05P047 # لا يمكن الشيعة أن يجيبوا عنها، وإنما يجيبهم عنها أهل السنة. # فهذه الأحاديث الصحيحة المثبتة لإيمان علي باطنا وظاهرا رد على هؤلاء، ~~وإن لم يكن ذلك من خصائصه، كالنصوص الدالة على إيمان أهل بدر وبيعة الرضوان ~~باطنا وظاهرا ; فإن فيها ردا على من ينازع في ذلك من الروافض والخوارج، وإن ~~لم يكن ما يستدل به من خصائص واحد منهم. وإذا شهد النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - لمعين بشهادة، أو دعا له بدعاء؛ أحب كثير من الناس أن يكون له مثل ~~تلك الشهادة ومثل (1) ذلك الدعاء، وإن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~يشهد بذلك لخلق كثير، ويدعو به لخلق كثير وكان تعيينه لذلك المعين من أعظم ~~فضائله ومناقبه. وهذا كالشهادة بالجنة لثابت بن قيس بن شماس (2) وعبد الله ~~بن ms1096 سلام (3) ، وغيرهما. وإن كان قد شهد بالجنة لآخرين. والشهادة بمحبة الله ~~PageV05P048 # ورسوله لعبد الله حمار الذي ضرب في الخمر (1) ، وإن شهد بذلك لمن هو أفضل ~~منه، وكشهادته لعمرو بن تغلب بأنه ممن لا يعطيه لما في قلبه من الغنى ~~والخير لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: " «إني ~~لأعطي رجالا وأدع رجالا، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي، أعطي رجالا لما ~~في قلوبهم من الهلع والجزع وأكل رجالا إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى ~~والخير، منهم عمرو بن تغلب» (2) . # وفي الحديث الصحيح «لما صلى على ميت (3) قال: " اللهم اغفر له وارحمه، ~~وعافه واعف عنه، وأكرم منزله، ووسع (4) مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد ~~(5) ، ونقه من الذنوب والخطايا (6) كما ينقى (7) الثوب الأبيض من الدنس، ~~وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وقه فتنة القبر وعذاب ~~النار، وأفسح له في قبره، ونور له فيه» ". قال عوف بن PageV05P049 # مالك فتمنيت أن أكون أنا (1) ذلك الميت (2) . وهذا الدعاء ليس مختصا بذلك ~~الميت. # الفصل الحادي عشر (3) # قال الرافضي (4) : " وعن عامر بن واثلة (5) قال: كنت مع علي عليه السلام ~~(6) يوم الشورى (7) يقول لهم (8) : لأحتجن عليكم بما لا يستطيع عربيكم ~~وعجميكم تغيير ذلك، ثم قال: أنشدكم بالله أيها النفر جميعا أفيكم (9) أحد ~~وحد الله تعالى PageV05P050 # قبلي؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم (1) بالله هل فيكم أحد له أخ مثل ~~أخي جعفر الطيار في الجنة مع الملائكة غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم ~~بالله هل فيكم أحد له عم مثل عمي حمزة أسد الله وأسد رسوله سيد الشهداء ~~غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد له زوجة مثل زوجتي ~~فاطمة بنت محمد سيدة نساء (2) أهل الجنة غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: ~~فأنشدكم بالله هل فيكم أحد له (3) سبطان مثل سبطي الحسن والحسين سيدا شباب ~~أهل الجنة غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد ناجى رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - عشر مرات قدم (4) بين يدي نجواه ms1097 (5) صدقة غيري ~~(6) ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم: «من كنت مولاه فعلي (7) مولاه، اللهم وال من والاه، ~~وعاد من عاداه (8) ، ليبلغ (9) الشاهد الغائب» غيري؟ PageV05P051 # قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم: «اللهم ائتني بأحب خلقك (1) إليك وإلي يأكل معي من هذا ~~الطير (2) فأتاه فأكل (3) معه» غيري؟ قالوا: اللهم لا. (* قال: فأنشدكم ~~بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لأعطين الراية ~~رجلا (4) يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، لا يرجع حتى يفتح الله على ~~يديه إذ رجع غيري منهزما» غيري؟ (5) قالوا: اللهم لا *) (6) . قال: (7) ~~فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبني ~~وكيعة (8) : «لتنتهن أو لأبعثن إليكم رجلا نفسه كنفسي، وطاعته كطاعتي، ~~ومعصيته كمعصيتي (9) يفصلكم (10) بالسيف» غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال ~~فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال PageV05P052 # له رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «كذب من زعم أنه يحبني ويبغض هذا، ~~غيري» ؟ قالوا: اللهم لا. قال فأنشدكم بالله «هل فيكم أحد (1) سلم عليه في ~~ساعة واحدة ثلاثة آلاف من الملائكة: جبرائيل (2) وميكائيل وإسرافيل حيث جئت ~~بالماء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من القليب» غيري؟ قالوا: ~~اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله «هل فيكم أحد نودي به من السماء لا سيف إلا ~~ذو الفقار ولا فتى إلا علي» غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله «هل ~~فيكم أحد قال له جبريل هذه (3) هي المواساة، فقال له (4) رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم: إنه مني (5) وأنا منه. فقال: جبريل (6) وأنا منكما» غيري؟ ~~قالوا: اللهم لا. قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له (7) رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم: «تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين» على لسان النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - غيري (8) ؟ قالوا: اللهم لا. قال: PageV05P053 # فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إني ~~قاتلت ms1098 على تنزيل القرآن وأنت تقاتل على تأويله» غيري؟ (1) قالوا: اللهم لا. ~~قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد ردت عليه الشمس حتى صلى العصر في وقتها ~~غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال فأنشدكم بالله «فيكم أحد أمره رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - أن يأخذ (براءة) من أبي بكر؟ فقال له أبو بكر: يا رسول ~~الله، أنزل (2) في شيء؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم: إنه (3) ~~لا يؤدي عني إلا علي» (4) غيري؟ قالوا اللهم لا. # قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ~~«لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق كافر» (5) غيري؟ قالوا: اللهم لا. # قال فأنشدكم بالله هل تعلمون (6) أنه «أمر بسد أبوابكم وفتح بابي فقلتم ~~في ذلك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ما أنا سددت أبوابكم (7) ولا ~~فتحت بابه، بل الله سد أبوابكم وفتح بابه» PageV05P054 # غيري؟ قالوا: اللهم لا (1) . # (* قال: فأنشدكم بالله أتعلمون (2) «أنه ناجاني (3) يوم الطائف دون الناس ~~فأطال ذلك، فقلتم ناجاه دوننا، فقال: ما أنا انتجيته بل الله انتجاه» ، ~~غيري؟ قالوا: اللهم نعم *) (4) . # قال: فأنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ~~«الحق مع علي وعلي مع الحق، يزول الحق مع علي كيفما زال» (5) قالوا (6) : ~~اللهم نعم. # قال: فأنشدكم بالله أتعلمون (7) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~قال: «إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، لن تضلوا ما ~~استمسكتم بهما، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض» ؟ قالوا: اللهم نعم. # قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد وقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~بنفسه من المشركين واضطجع في مضجعه غيري (8) ؟ PageV05P055 # قالوا: اللهم (1) لا. # قال: فأنشدكم بالله (2) هل فيكم أحد بارز عمرو بن عبد (3) ود العامري حيث ~~(4) دعاكم إلى البراز غيري؟ قالوا: اللهم لا. # قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد نزل فيه آية التطهير حيث (5) يقول: {إنما ~~يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} [سورة الأحزاب: 33] ~~غيري؟ قالوا: اللهم لا. # قال ms1099: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ~~«أنت سيد المؤمنين» (6) غيري؟ قالوا: اللهم لا. # قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ~~«ما سألت الله شيئا إلا وسألت لك (7) مثله» غيري؟ قالوا: اللهم (8) لا. # ومنها ما رواه أبو عمرو (9) الزاهد عن ابن عباس قال: لعلي PageV05P056 # أربع خصال ليست (1) لأحد من الناس غيره، هو أول عربي وعجمي صلى مع النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - (2) وهو الذي كان لواؤه (3) معه في كل زحف، وهو ~~الذي صبر معه يوم حنين (4) ، وهو الذي غسله وأدخله قبره (5) . # وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مررت ليلة المعراج بقوم (6) ~~تشرشر أشداقهم، فقلت: يا جبريل (7) من هؤلاء؟ قال: قوم يقطعون (8) الناس ~~بالغيبة. قال: ومررت بقوم وقد ضوضئوا (9) ، فقلت: يا جبريل (10) من هؤلاء؟ ~~قال: هؤلاء (11) الكفار. قال: ثم عدلنا عن الطريق (12) ، فلما انتهينا إلى ~~السماء الرابعة رأيت عليا يصلي، فقلت: يا جبريل (13) هذا علي قد سبقنا. ~~قال: لا ليس هذا عليا (14) . قلت: فمن هو (15) قال: إن الملائكة ~~PageV05P057 # المقربين والملائكة الكروبيين لما سمعت فضائل علي وخاصته (1) وسمعت (2) ~~قولك فيه: أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، اشتاقت إلى ~~علي، فخلق الله تعالى لها ملكا على صورة علي، فإذا اشتاقت إلى علي (3) جاءت ~~(4) إلى ذلك المكان؛ فكأنها قد رأت عليا» . # وعن ابن عباس قال: «إن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قال ذات يوم وهو ~~نشيط: أنا الفتى ابن الفتى أخو الفتى» . قال: فقوله: أنا الفتى، يعني (5) ~~هو فتى العرب (6) وقوله ابن الفتى، يعني إبراهيم (7) من قوله تعالى: {سمعنا ~~فتى يذكرهم يقال له إبراهيم} [سورة الأنبياء: 60] وقوله: أخو الفتى، يعني ~~عليا، وهو معنى قول جبريل في (8) يوم بدر وقد عرج إلى السماء وهو فرح (9) ~~وهو يقول (10) : «لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي» . PageV05P058 # وعن ابن عباس (1) قال: رأيت أبا ذر وهو متعلق بأستار الكعبة وهو يقول: من ~~عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني ms1100 فأنا أبو ذر، لو صمتم حتى تكونوا كالأوتار، ~~وصليتم حتى تكونوا كالحنايا، ما نفعكم ذلك حتى تحبوا عليا (2) . # والجواب: أما قوله (3) عن عامر بن واثلة وما ذكره يوم الشورى، فهذا كذب ~~باتفاق أهل المعرفة بالحديث (4) ، ولم يقل علي رضي الله عنه يوم الشورى ~~شيئا من هذا ولا ما يشابهه (5) ، بل قال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله ~~عنه: لئن أمرتك لتعدلن؟ قال: نعم. قال: وإن (6) بايعت عثمان لتسمعن وتطيعن؟ ~~قال: نعم. وكذلك قال لعثمان. ومكث عبد الرحمن (7) ثلاثة أيام يشاور ~~المسلمين. # ففي الصحيحين (8) - وهذا لفظ البخاري (9) - عن عمرو بن ميمون في ~~PageV05P059 # مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط ~~فقال عبد الرحمن (1) : اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم. قال (2) الزبير: قد ~~جعلت أمري إلى علي. وقال (3) طلحة: قد جعلت أمري [إلى عثمان. وقال سعد: قد ~~جعلت أمري] (4) إلى عبد الرحمن (5) . فقال عبد الرحمن: أيكم تبرأ (6) من ~~هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام. لينظرن أفضلهم في نفسه (7) ؟ ~~فأسكت الشيخان. فقال عبد الرحمن: أتجعلونه إلي والله علي أن لا آلو (8) عن ~~أفضلكم. قالا: نعم، فأخذ بيد أحدهما، فقال: لك قرابة من رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - والقدم في الإسلام ما قد علمت، فالله عليك لئن أمرتك ~~لتعدلن ولئن أمرت عليك لتسمعن ولتطيعن. ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك، ~~فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان (9) . PageV05P060 # وفي حديث المسور بن مخرمة (1) قال المسور (2) : إن الرهط الذين ولاهم عمر ~~اجتمعوا فتشاوروا. قال لهم عبد الرحمن (3) : لست بالذي أتكلم في هذا الأمر ~~(4) ولكنكم إن شئتم (5) اخترت لكم منكم فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن، فلما ~~ولوا عبد الرحمن أمرهم مال الناس على عبد الرحمن [حتى ما أرى أحدا من الناس ~~يتبع ذلك الرهط ولا يطأ عقبه، ومال الناس على عبد الرحمن] (6) يشاورونه تلك ~~(7) الليالي، حتى إذا كانت الليلة التي أصبحنا منها فبايعنا (8) عثمان. قال ~~المسور: طرقني عبد الرحمن بعد هجع (9) من الليل، فضرب الباب حتى استيقظت ms1101، ~~فقال: أراك نائما؛ فوالله ما اكتحلت هذه الليلة (10) بكبير نوم، انطلق فادع ~~الزبير وسعدا، فدعوتهما له، فشاورهما (11) ، ثم دعاني، فقال: ادع لي عليا، ~~فدعوته، فناجاه [حتى إبهار الليل، ثم قام علي من عنده وهو على طمع، وقد كان ~~عبد الرحمن يخشى PageV05P061 # من علي شيئا. ثم قال: ادع لي عثمان، فدعوته فناجاه] (1) حتى فرق بينهما ~~المؤذن بالصبح؛ فلما صلى الناس الصبح، واجتمع أولئك الرهط عند المنبر أرسل ~~إلي من (2) كان حاضرا من المهاجرين والأنصار، وأرسل إلى أمراء الأجناد، ~~وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر، فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن، ثم قال: أما ~~بعد يا علي إني (3) قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا ~~تجعلن على نفسك سبيلا. فقال: أبايعك على سنة الله ورسوله (4) والخليفتين من ~~بعده، فبايعه عبد الرحمن، وبايعه الناس والمهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد ~~والمسلمون. هذا لفظ البخاري. # وفي هذا الحديث الذي ذكره هذا الرافضي أنواع من الأكاذيب التي نزه الله ~~عليا عنها، مثل احتجاجه بأخيه وعمه وزوجته، وعلي رضي الله عنه أفضل من ~~هؤلاء، وهو يعلم أن أكرم الخلق عند الله أتقاهم. ولو قال العباس: هل فيكم ~~مثل أخي حمزة ومثل أولاد إخوتي (5) محمد وعلي وجعفر؟ لكانت هذه الحجة من ~~جنس تلك، بل احتجاج الإنسان ببني إخوته أعظم من احتجاجه بعمه. ولو قال ~~عثمان هل فيكم من تزوج بنتي نبي (6) ؟ لكان من جنس قول القائل هل فيكم من ~~زوجته كزوجتي (7) ؟ وكانت فاطمة قد ماتت قبل الشورى كما ماتت زوجتا عثمان، ~~فإنها ماتت PageV05P062 # بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحو ستة أشهر (1) . # وكذلك قوله: هل فيكم من له ولد كولدي (2) ؟ . # وفيه أكاذيب متعددة، مثل قوله: «ما سألت الله شيئا إلا وسألت لك مثله» . ~~وكذلك قوله: «لا يؤدي عني إلا علي. من الكذب» (3) . # وقال الخطابي في كتاب شعار الدين (4) : وقوله: «لا يؤدي عني إلا رجل من ~~أهل بيتي» . هو شيء جاء به أهل الكوفة عن زيد بن يثيع (5) ، وهو متهم في ~~الرواية منسوب إلى الرفض. وعامة (6) من ms1102 بلغ عنه غير أهل بيته، فقد بعث رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - أسعد بن زرارة إلى المدينة يدعو الناس إلى ~~الإسلام ويعلم الأنصار القرآن ويفقههم في الدين. وبعث العلاء بن الحضرمي ~~إلى البحرين في مثل ذلك، وبعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن، وبعث عتاب بن ~~أسيد إلى مكة. فأين قول من زعم أنه لا يبلغ عنه إلا رجل من أهل بيته؟ . # وأما حديث ابن عباس ففيه أكاذيب: منها قوله: كان لواؤه معه في كل ~~PageV05P063 # زحف؛ فإن هذا من الكذب المعلوم، إذ لواء النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~كان يوم أحد مع مصعب بن عمير باتفاق الناس، ولواؤه يوم الفتح كان مع الزبير ~~بن العوام، وأمره (1) رسول الله (2) - صلى الله عليه وسلم - أن يركز رايته ~~بالحجون، فقال العباس للزبير بن العوام (3) : أهاهنا أمرك رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - أن تركز الراية؟ أخرجه البخاري في صحيحه (4) . وكذلك ~~قوله: " وهو الذي صبر معه يوم حنين ". # وقد علم أنه «لم يكن أقرب إليه من العباس بن عبد المطلب، وأبي سفيان بن ~~الحارث بن عبد المطلب، والعباس آخذ (5) بلجام بغلته، وأبو سفيان بن الحارث ~~آخذ بركابه، وقال له النبي - صلى الله عليه وسلم: " ناد أصحاب السمرة " ~~قال: فقلت بأعلى صوتي أين أصحاب السمرة؟ فوالله كأن عطفتهم علي حين سمعوا ~~صوتي عطفة (6) البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك يا لبيك. والنبي - صلى ~~الله عليه وسلم - يقول: " أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، " ونزل عن ~~بغلته وأخذ كفا من حصى فرمى بها (7) القوم وقال: " انهزموا ورب الكعبة " ~~قال العباس: " فوالله ما هو إلا PageV05P064 # أن رماهم فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا، حتى هزمهم الله» . أخرجاه ~~في الصحيحين (1) . وفي لفظ للبخاري قال: " وأبو سفيان آخذ بلجام بغلته (2) ~~" وفيه: " قال العباس: لزمت أنا وأبو سفيان رسول الله - صلى الله عليه وسلم ~~- يوم حنين فلم نفارقه " (3) . # وأما غسله - صلى الله عليه وسلم - وإدخاله قبره، فاشترك فيه أهل بيته، ~~PageV05P065 # كالعباس وأولاده، ومولاه شقران (1) ، وبعض الأنصار، لكن ms1103 علي كان (2) ~~يباشر الغسل، والعباس حاضر لجلالة العباس، وأن عليا أولاهم بمباشرة ذلك. # وكذلك قوله: " هو أول عربي وعجمي (3) صلى " يناقض ما هو المعروف عن ابن ~~عباس. # فصل # وأما حديث المعراج وقوله فيه: إن الملائكة المقربين والملائكة الكروبيين ~~لما سمعت فضائل علي وخاصته، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم (4) : " أما ~~ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ " اشتاقت إلى علي فخلق الله (5) ~~لها ملكا على صورة علي ". # فالجواب: أن هذا (6) من كذب الجهال الذين لا يحسنون أن يكذبوا، فإن ~~المعراج كان بمكة قبل الهجرة بإجماع الناس، كما قال تعالى: {سبحان الذي ~~أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ~~لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} [سورة الإسراء: 1] . PageV05P066 # [وكان الإسراء من المسجد الحرام] (1) . وقال: {والنجم إذا هوى - ما ضل ~~صاحبكم وما غوى - وما ينطق عن الهوى - إن هو إلا وحي يوحى} [سورة النجم] ~~إلى قوله: {أفتمارونه على ما يرى - ولقد رآه نزلة أخرى - عند سدرة المنتهى} ~~[سورة النجم: 12 - 14] إلى قوله: {أفرأيتم اللات والعزى} [سورة النجم: 19] ~~وهذا كله نزل بمكة بإجماع الناس. # وقوله: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ " قاله في غزوة ~~تبوك، وهي آخر الغزوات عام تسع من الهجرة. فكيف يقال إن الملائكة ليلة ~~المعراج سمعوا قوله: " «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى» "؟ . # ثم قد علم أن الاستخلاف على المدينة مشترك، فكل الاستخلافات التي قبل ~~غزوة تبوك وبعد تبوك كان يكون بالمدينة رجال من المؤمنين المطيعين (2) ~~يستخلف عليهم. وغزوة (3) تبوك لم يكن فيها رجل مؤمن مطيع إلا من عذره الله ~~ممن هو عاجز عن الجهاد، فكان المستخلف عليهم في غزوة تبوك أقل وأضعف من ~~المستخلف عليهم في جميع أسفاره ومغازيه وعمره وحجه، وقد سافر [النبي صلى ~~الله عليه وسلم] (4) من المدينة قريبا من ثلاثين سفرة، وهو يستخلف فيها من ~~يستخلفه، كما استخلف في غزوة الأبواء سعد بن عبادة (5) ، واستخلف في غزوة ~~(6) PageV05P067 # بواط سعد بن معاذ (1) ، ثم لما رجع وخرج ms1104 في طلب كرز بن جابر (* الفهري ~~استخلف زيد بن حارثة (2) ، واستخلف في غزوة العشيرة أبا سلمة بن عبد الأشهل ~~(3) ، وفي غزوة بدر استخلف ابن أم مكتوم (4) ، واستخلفه في غزوة قرقرة ~~الكدر (5) ، ولما ذهب إلى بني سليم، وفي غزوة (6) حمراء الأسد، وغزوة بني ~~النضير، وغزوة بني قريظة: واستخلفه (7) لما خرج في طلب اللقاح التي استاقها ~~عيينة بن حصن، ونودي ذلك (8) اليوم: يا خيل الله اركبي، وفي غزوة الحديبية، ~~واستخلفه في غزوة الفتح، واستخلف PageV05P068 # أبا لبابة في غزوة بني قينقاع وغزوة السويق، واستخلف عثمان بن عفان في ~~غزوة غطفان التي يقال لها غزوة أنمار، واستخلفه في غزوة ذات الرقاع، ~~واستخلف ابن رواحة في غزوة بدر الموعد، واستخلف سباع بن عرفطة الغفاري في ~~غزوة دومة الجندل وفي غزوة خيبر، واستخلف زيد بن حارثة في غزوة المريسيع، ~~واستخلف أبا رهم (1) في عمرة (2) القضية *) (3) ، وكانت تلك الاستخلافات ~~أكمل من استخلاف علي رضي الله عنه عام تبوك، وكلهم كانوا منه بمنزلة (4) ~~هارون من موسى، إذ المراد التشبيه في أصل الاستخلاف (5) . # وإذا قيل: في تبوك كان السفر بعيدا. # قيل: ولكن كانت المدينة وما حولها أمنا، لم يكن هناك عدو يخاف، لأنهم ~~كلهم أسلموا، ومن لم يسلم ذهب. وفي غير تبوك كان العدو موجودا حول المدينة، ~~وكان يخاف على من بها، فكان خليفته يحتاج إلى مزيد اجتهاد ولا يحتاج إليه ~~في الاستخلاف في تبوك (6) . # فصل # وكذلك الحديث المذكور عن ابن عباس: «أن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ~~قال ذات يوم (7) وهو نشيط: " أنا الفتى ابن الفتى أخو الفتى» " قال: ~~PageV05P069 # فقوله: أنا الفتى يعني فتى العرب، وقوله: ابن الفتى يعني إبراهيم الخليل ~~صلوات الله عليه، من قوله: {سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم} [سورة ~~الأنبياء: 60] ، وقوله أخو الفتى يعني عليا، وهو معنى قول جبريل في يوم بدر ~~وقد عرج إلى السماء وهو فرح وهو يقول: " «لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى ~~إلا علي» ". # فإن هذا الحديث (1) من الأحاديث المكذوبة الموضوعة باتفاق أهل المعرفة ~~بالحديث (2) ، وكذبه معروف من غير ms1105 جهة الإسناد من وجوه. # منها: أن لفظ الفتى في الكتاب والسنة ولغة العرب ليس هو من أسماء المدح، ~~كما ليس هو من أسماء الذم، ولكن بمنزلة اسم (3) الشاب والكهل والشيخ ونحو ~~ذلك. والذين قالوا عن إبراهيم: سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم، هم ~~الكفار، ولم يقصدوا مدحه بذلك، وإنما الفتى كالشاب الحدث (4) . PageV05P070 # ومنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أجل من أن يفتخر بجده وابن عمه ~~(1) . # ومنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يؤاخ عليا ولا غيره، وحديث ~~المؤاخاة لعلي ومؤاخاة أبي بكر لعمر من الأكاذيب. وإنما آخى بين المهاجرين ~~والأنصار، ولم يؤاخ بين مهاجري ومهاجري. # ومنها: أن هذه المناداة يوم بدر كذب. # ومنها: أن ذا الفقار لم يكن لعلي، وإنما كان سيفا من سيوف أبي جهل غنمه ~~المسلمون منه يوم بدر، فلم يكن يوم بدر ذو الفقار من سيوف المسلمين، بل من ~~سيوف الكفار، كما روى ذلك أهل السنن. فروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه ~~عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تنفل (2) سيفه ذا الفقار (3) ~~يوم بدر (4) . # ومنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بعد النبوة كهلا قد تعدى سن ~~الفتيان. PageV05P071 # فصل # وأما حديث أبي ذر الذي رواه الرافضي فهو موقوف عليه ليس مرفوعا (1) ، فلا ~~يحتج به، مع أن (2) نقله عن أبي ذر فيه (3) نظر ومع هذا فحب علي واجب وليس ~~ذلك من خصائصه، بل علينا أن نحبه كما علينا أن نحب عثمان وعمر وأبا بكر، ~~وأن نحب الأنصار. # ففي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «آية الإيمان حب ~~الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار» " (4) وفي صحيح مسلم عن علي رضي الله ~~عنه أنه قال: " «إنه لعهد النبي الأمي إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا ~~يبغضني إلا منافق» " (5) . # فصل # قال الرافضي (6) : " ومنها ما نقله صاحب الفردوس في كتابه عن معاذ بن جبل ~~عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (7) : " «حب PageV05P072 # علي (1) حسنة لا تضر معها سيئة وبغضه سيئة لا ينفع ms1106 (2) معها حسنة» ". # والجواب: أن كتاب الفردوس (3) فيه من الأحاديث الموضوعات ما شاء الله، ~~ومصنفه شيرويه بن شهردار الديلمي (4) وإن كان من طلبة الحديث ورواته، فإن ~~هذه الأحاديث التي جمعها وحذف أسانيدها، نقلها (5) من غير اعتبار لصحيحها ~~وضعيفها وموضوعها ; فلهذا كان فيه من الموضوعات أحاديث كثيرة جدا. # وهذا الحديث مما يشهد المسلم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقوله ~~(6) ; فإن حب الله ورسوله أعظم من حب علي، والسيئات تضر مع ذلك. وقد كان ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - يضرب عبد الله بن حمار (7) في PageV05P073 # الخمر، وقال: " إنه يحب الله ورسوله " (1) . وكل مؤمن فلا بد أن يحب الله ~~ورسوله، والسيئات تضره. وقد أجمع المسلمون وعلم بالاضطرار من دين الإسلام ~~أن الشرك يضر صاحبه ولا يغفره الله لصاحبه (2) ، ولو أحب علي بن أبي طالب ; ~~فإن أباه أبا طالب كان يحبه وقد ضره الشرك حتى دخل النار، والغالية يقولون ~~إنهم يحبونه وهم كفار من أهل النار. # وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: " «لو أن فاطمة ~~بنت محمد سرقت لقطعت يدها» " (3) . وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن ~~الرجل لو سرق لقطعت يده وإن كان يحب عليا، ولو زنى أقيم عليه الحد ولو كان ~~يحب عليا، ولو قتل لأقيد بالمقتول وإن كان يحب عليا. وحب النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - أعظم من حب علي، ولو ترك رجل الصلاة والزكاة وفعل الكبائر لضره ~~ذلك مع حب النبي - صلى الله عليه وسلم - فكيف لا يضره ذلك مع حب علي؟ . ~~PageV05P074 # ثم من المعلوم أن المحبين له الذين رأوه وقاتلوا معه أعظم من غيرهم، وكان ~~هو دائما يذمهم ويعيبهم (1) ويطعن عليهم ويتبرأ من فعلهم به (2) ، ودعا ~~الله عليهم أن يبدله بهم خيرا منهم، ويبدلهم به شرا منه، ولو لم تكن إلا ~~ذنوبهم بتخاذلهم في القتال معه ومعصيتهم لأمره. فإذا كان أولئك خيار الشيعة ~~وعلي يبين أن تلك الذنوب تضرهم فكيف بما هو أعظم منها لمن هو شر من أولئك؟ ~~. # وبالجملة فهذا (3) القول كفر ظاهر ms1107 (4) يستتاب صاحبه، ولا يجوز أن يقول ~~هذا من يؤمن بالله واليوم الآخر. # وكذلك قوله: " «وبغضه سيئة لا ينفع معها حسنة» " فإن من أبغضه إن كان ~~كافرا فكفره هو الذي أشقاه، وإن كان مؤمنا نفعه إيمانه وإن أبغضه (5) . # وكذلك الحديث الذي ذكره (6) عن ابن مسعود [أن النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- قال:] (7) حب آل محمد يوما خير من عبادة سنة، ومن مات عليه دخل الجنة. ~~وقوله عن علي: «أنا وهذا حجة الله على خلقه» . هما حديثان PageV05P075 # موضوعان عند أهل العلم بالحديث (1) . وعبادة سنة فيها الإيمان والصلوات ~~الخمس كل يوم وصوم شهر رمضان، وقد أجمع المسلمون على أن هذا لا يقوم مقامه ~~حب آل محمد شهرا؛ فضلا عن حبهم يوما. # وكذلك حجة الله على عباده قامت بالرسل فقط. كما قال تعالى: {لئلا يكون ~~للناس على الله حجة بعد الرسل} [سورة النساء: 165] . ولم يقل بعد الرسل ~~والأئمة أو الأوصياء (2) أو غير ذلك. # وكذلك قوله: " لو اجتمع الناس على حب علي لم يخلق الله النار " من أبين ~~الكذب (3) باتفاق أهل العلم والإيمان (4) ، ولو اجتمعوا على حب علي لم ~~ينفعهم ذلك حتى يؤمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ويعملوا ~~صالحا، وإذا فعلوا ذلك دخلوا الجنة، وإن لم يعرفوا عليا بالكلية، ولم يخطر ~~بقلوبهم لا حبه ولا بغضه. PageV05P076 # قال الله تعالى: {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا ~~خوف عليهم ولا هم يحزنون} [سورة البقرة: 112] . # وقال تعالى: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من ~~النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} [سورة النساء 69] ~~. # وقال تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت ~~للمتقين - الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن ~~الناس والله يحب المحسنين - والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا ~~الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا ~~وهم يعلمون} أولئك {جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار ~~خالدين فيها ونعم أجر ms1108 العاملين} [سورة آل عمران 133 - 136] (1) فهؤلاء في ~~الجنة، ولم يشترط عليهم ما ذكروه من حب علي. # وكذلك قوله تعالى: {إن الإنسان خلق هلوعا - إذا مسه الشر جزوعا - وإذا ~~مسه الخير منوعا - إلا المصلين} [سورة المعارج 19 - 22] (2) إلى قوله: ~~{أولئك في جنات مكرمون} [سورة المعارج 35] وأمثال ذلك ولم يشترط حب علي. # وقد قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - عدة وفود، وآمنوا به، وآمن ~~PageV05P077 # به طوائف ممن لم يره، وهم لم يسمعوا بذكر علي ولا عرفوه، وهم من المؤمنين ~~المتقين المستحقين للجنة. وقد اجتمع على دعوى حبه الشيعة الرافضة (1) ~~والنصيرية والإسماعيلية، وجمهورهم من أهل النار، بل مخلدون في النار. # فصل # وكذلك الحديث الذي ذكره في العهد الذي عهده الله (2) في علي، وأنه راية ~~الهدى وإمام الأولياء، وهو الكلمة التي ألزمها للمتقين (3) إلخ (4) . ~~PageV05P078 # فإن هذا كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث (1) والعلم. ومجرد رواية ~~صاحب الحلية ونحوه (2) لا تفيد ولا تدل على الصحة ; فإن صاحب الحلية قد روى ~~في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والأولياء وغيرهم أحاديث ضعيفة، بل ~~موضوعة باتفاق العلماء (3) ، وهو وأمثاله من الحفاظ الثقات أهل (4) الحديث ~~ثقات فيما يروونه عن شيوخهم، لكن الآفة ممن هو فوقهم. وهم لم يكذبوا في ~~النقل عمن نقلوا عنه، لكن يكون واحد من رجال الإسناد ممن يتعمد الكذب أو ~~يغلط، وهم يبلغون عمن حدثهم ما سمعوه منه، ويروون الغرائب لتعرف. وعامة ~~الغرائب ضعيفة كما قال الإمام أحمد: " اتقوا هذه الغرائب، فإن عامتها ضعيفة ~~". # وقوله في الحديث: هو كلمة التقوى. مما يبين أن هذا كذب (5) ، فإن تسميته ~~(كلمة) من جنس تسمية المسيح عليه السلام كلمة الله (6) والمسيح سمي بذلك ~~لأن مثله عند الله كمثل آدم، خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون، فهو مخلوق ~~بالكلمة. وأما علي فهو مخلوق كما خلق PageV05P079 # سائر الناس. # وكلمة التقوى مثل لا إله إلا الله، والله أكبر، من الكلمات التي يصدق ~~المؤمنون بمضمونها إن كانت خبرا (1) ، ويطيعونها إن كانت أمرا، فمثل كلمة ~~طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ms1109، ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة ~~اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ~~في الحياة الدنيا وفي الآخرة. # وكلمة التقوى اسم جنس لكل كلمة يتقى الله فيها (2) ، وهو الصدق والعدل. # فكل من تحرى الصدق في خبره، والعدل في أمره فقد لزم كلمة التقوى. وأصدق ~~الكلام وأعدله قول لا إله إلا الله، فهو أخص الكلمات بأنها كلمة التقوى. # وكذلك حديث عمار وابن عباس كلاهما من الموضوعات (3) . PageV05P080 ### | قول الرافضي " المطاعن في الصحابة كثيرة إلا آل البيت " والرد عليه # فصل (1) . # قال الرافضي (2) : وأما المطاعن في الجماعة فقد نقل الجمهور منها أشياء ~~كثيرة (3) حتى صنف الكلبي كتابا في مثالب (4) الصحابة ولم يذكر فيه منقصة ~~واحدة لأهل البيت (5) . # والجواب أن يقال: قبل (6) الأجوبة المفصلة عما يذكر من المطاعن أن ما ~~ينقل عن الصحابة من المثالب فهو نوعان: أحدهما: ما هو كذب، إما كذب كله، ~~وإما محرف قد دخله من الزيادة والنقصان ما يخرجه إلى الذم والطعن. وأكثر ~~المنقول من المطاعن الصريحة هو من هذا الباب يرويها الكذابون المعروفون ~~بالكذب، مثل أبي مخنف لوط بن يحيى (7) ، ومثل هشام بن محمد بن السائب ~~الكلبي وأمثالهما من الكذابين. ولهذا استشهد هذا الرافضي بما صنفه هشام ~~الكلبي في ذلك، وهو من أكذب PageV05P081 # الناس (1) ؛ وهو شيعي يروي عن أبيه (2) . وعن أبي مخنف، وكلاهما متروك ~~كذاب. وقال الإمام أحمد في هذا: " الكلبي ما ظننت (3) أن أحدا يحدث عنه (4) ~~، إنما هو صاحب سمر وشبه (5) ". وقال الدارقطني: هو متروك. وقال ابن عدي: " ~~هشام الكلبي الغالب عليه الأسمار، ولا أعرف له في المسند شيئا، وأبوه أيضا ~~كذاب ". وقال زائدة والليث وسليمان التيمي (6) : هو كذاب. وقال يحيى: " ليس ~~بشيء (7) كذاب ساقط ". وقال ابن حبان (8) : " وضوح الكذب فيه أظهر من أن ~~يحتاج إلى الإغراق (9) في وصفه ". # النوع الثاني: ما هو صدق. وأكثر هذه الأمور لهم فيها معاذير تخرجها ~~PageV05P082 # عن أن تكون ذنوبا، وتجعلها من موارد الاجتهاد التي إن أصاب المجتهد فيها ~~فله أجران وإن أخطأ فله أجر. # وعامة المنقول الثابت ms1110 عن الخلفاء الراشدين من هذا الباب، وما قدر من هذه ~~الأمور ذنبا محققا فإن ذلك لا يقدح فيما علم من فضائلهم وسوابقهم وكونهم من ~~أهل الجنة ; لأن الذنب المحقق يرتفع عقابه في الآخرة بأسباب متعددة. # منها (1) : التوبة الماحية. وقد ثبت عن أئمة الإمامية (2) أنهم تابوا من ~~الذنوب المعروفة عنهم. # ومنها: الحسنات الماحية للذنوب ; فإن الحسنات يذهبن السيئات. وقد قال ~~تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} [سورة النساء 3] ~~ومنها: المصائب المكفرة. # ومنها: دعاء المؤمنين بعضهم لبعض، وشفاعة نبيهم، فما من سبب يسقط به الذم ~~والعقاب عن أحد من الأمة (3) إلا والصحابة أحق بذلك، فهم أحق بكل مدح، ونفي ~~كل ذم ممن بعدهم من الأمة. ### | [قاعدة جامعة " لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية يرد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل] ### | [الكلام في تصويب المجتهدين وتخطئتهم وتأثيمهم في مسائل الفروع والأصول] # ونحن نذكر قاعدة جامعة في هذا الباب لهم ولسائر الأمة فنقول: لا بد أن ~~يكون مع الإنسان أصول كلية يرد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف ~~الجزيئات كيف وقعت، وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات وجهل وظلم في ~~الكليات [فيتولد فساد عظيم] (4) . PageV05P083 # فنقول: الناس قد تكلموا في تصويب المجتهدين وتخطئتهم وتأثيمهم وعدم ~~تأثيمهم في مسائل الفروع والأصول. ونحن نذكر أصولا جامعة نافعة. # الأصل الأول: أنه هل يمكن كل أحد أن يعرف باجتهاده الحق في كل مسألة فيها ~~نزاع؟ وإذا لم يمكنه فاجتهد واستفرغ وسعه فلم يصل إلى الحق، بل قال ما ~~اعتقد أنه هو الحق في نفس الأمر، ولم يكن هو الحق (1) في نفس الأمر: هل ~~يستحق أن يعاقب أم لا؟ . # هذا أصل هذه المسائل، وللناس في هذا الأصل ثلاثة أقوال ; كل قول عليه ~~طائفة من النظار. # الأول: قول من يقول: إن الله قد نصب على الحق في كل مسألة دليلا يعرف به، ~~يمكن كل من اجتهد واستفرغ وسعه أن يعرف الحق، وكل من لم يعرف الحق في مسألة ~~أصولية أو فروعية، فإنما هو لتفريطه ms1111 فيما يجب عليه، لا لعجزه. وهذا القول ~~هو المشهور عن القدرية والمعتزلة: وهو قول (2) طائفة من أهل الكلام غير ~~هؤلاء. # ثم قال هؤلاء: أما المسائل العلمية فعليها أدلة قطعية تعرف بها، فكل من ~~لم يعرفها فإنه لم يستفرغ وسعه في طلب الحق فيأثم. # وأما المسائل العملية الشرعية فلهم فيها مذهبان: أحدهما: أنها كالعلمية، ~~وأنه على كل مسألة دليل قطعي، من خالفه فهو آثم. وهؤلاء PageV05P084 # الذين يقولون: المصيب واحد في كل مسألة أصلية وفرعية، وكل من سوى المصيب ~~فهو آثم لأنه مخطئ، والخطأ والإثم عندهم متلازمان. وهذا قول بشر المريسي ~~وكثير من المعتزلة البغداديين. # الثاني: أن المسائل العملية (1) إن كان عليها دليل قطعي فإن من خالفه آثم ~~مخطئ كالعلمية، وإن لم يكن عليها دليل قطعي فليس لله فيها حكم في الباطن، ~~وحكم الله في حق كل مجتهد ما أداه اجتهاده إليه. وهؤلاء وافقوا الأولين في ~~أن الخطأ والإثم متلازمان (2) ، وأن كل مخطئ آثم، لكن خالفوهم في المسائل ~~الاجتهادية، فقالوا: ليس فيها قاطع. # والظن ليس عليه دليل عند هؤلاء، وإنما هو من جنس ميل النفوس إلى شيء دون ~~شيء. فجعلوا الاعتقادات الظنية من جنس الإرادات، وادعوا أنه ليس في نفس ~~الأمر [حكم مطلوب بالاجتهاد، ولا ثم في نفس الأمر] (3) أمارة أرجح من ~~أمارة. # وهذا القول قول أبي الهذيل العلاف ومن اتبعه كالجبائي وابنه، وهو أحد ~~قولي الأشعري وأشهرهما، وهو اختيار القاضي أبي بكر الباقلاني، وأبي حامد ~~الغزالي، وأبي بكر بن العربي، ومن اتبعهم، وقد بسطنا القول في ذلك بسطا ~~كثيرا [في غير هذا الموضع] (4) . PageV05P085 # والمخالفون لهم كأبي إسحاق الإسفراييني وغيره من الأشعرية، وغيرهم، ~~يقولون: هذا القول أوله سفسطة وآخره زندقة. وهذا قول من يقول: إن كل مجتهد ~~في المسائل الشرعية (1) الاجتهادية العملية فهو مصيب باطنا وظاهرا، ولا ~~يتصور (2) عندهم أن يكون مجتهدا مخطئا إلا بمعنى أنه خفي عليه بعض الأمور، ~~وذلك الذي خفي عليه ليس هو حكم الله لا في حقه ولا في حق أمثاله. وأما من ~~كان مخطئا وهو المخطئ في ms1112 المسائل القطعية فهو آثم عندهم. # والقول الثاني في أصل المسألة: إن المجتهد المستدل قد يمكنه أن يعرف ~~الحق، وقد يعجز (3) عن ذلك، لكن إذا عجز عن ذلك فقد يعاقبه الله تعالى، وقد ~~لا يعاقبه، فإن له أن يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء بلا سبب أصلا، بل لمحض ~~المشيئة وهذا قول الجهمية والأشعرية، وكثير من الفقهاء أتباع الأئمة ~~الأربعة وغيرهم. # ثم قال هؤلاء: قد علم بالسمع أن كل كافر فهو في النار، فنحن نعلم أن كل ~~كافر فإن الله يعذبه، سواء كان قد اجتهد وعجز عن معرفة صحة دين الإسلام أو ~~لم يجتهد. وأما المسلمون المختلفون فإن كان اختلافهم في الفروعيات، فأكثرهم ~~يقول: لا عذاب فيها، وبعضهم يقول: لأن (4) الشارع عفا عن الخطأ فيها، وعلم ~~ذلك بإجماع السلف على أنه لا إثم على PageV05P086 # المخطئ فيها. وبعضهم يقول: لأن (1) الخطأ في الظنيات ممتنع، كما تقدم ~~ذكره عن بعض الجهمية والأشعرية. وأما القطعيات فأكثرهم يؤثم المخطئ فيها، ~~ويقول: إن السمع قد دل على ذلك. ومنهم من لا يؤثمه. والقول المحكي عن عبيد ~~الله بن الحسن العنبري (2) هذا معناه أنه كان لا يؤثم المخطئ من المجتهدين ~~من هذه الأمة: لا في الأصول ولا في الفروع. وأنكر جمهور الطائفتين من أهل ~~الكلام والرأي على عبيد الله هذا القول. # وأما غير هؤلاء فيقول: هذا قول السلف وأئمة الفتوى، كأبي حنيفة والشافعي ~~والثوري وداود بن علي وغيرهم، لا يؤثمون مجتهدا مخطئا لا في المسائل ~~الأصولية ولا في الفروعية، كما ذكر ذلك عنهم ابن حزم وغيره. ولهذا كان أبو ~~حنيفة والشافعي وغيرهما يقبلون شهادة أهل الأهواء، إلا الخطابية (3) ، ~~ويصححون الصلاة خلفهم. والكافر لا تقبل شهادته على المسلمين، ولا يصلى ~~خلفه. # وقالوا: هذا هو القول المعروف عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة ~~الدين: إنهم لا يكفرون ولا يفسقون ولا يؤثمون أحدا من المجتهدين المخطئين، ~~لا في مسألة عملية ولا علمية. # قالوا: والفرق بين مسائل الأصول والفروع إنما هو من أقوال أهل البدع ~~PageV05P087 # من أهل الكلام من المعتزلة والجهمية ms1113 ومن سلك سبيلهم. وانتقل هذا القول ~~إلى أقوام تكلموا بذلك في أصول الفقه. ولم يعرفوا حقيقة هذا القول ولا ~~غوره. # قالوا: والفرق في ذلك بين مسائل الأصول والفروع كما أنه بدعة محدثة (1) ~~في الإسلام، لم يدل عليها كتاب ولا سنة ولا إجماع، بل ولا قالها أحد من ~~السلف والأئمة، فهي باطلة عقلا ; فإن المفرقين (2) بين ما جعلوه مسائل أصول ~~ومسائل فروع لم يفرقوا (3) بينهما بفرق صحيح يميز بين النوعين، بل ذكروا ~~ثلاثة فروق أو أربعة كلها باطلة. # فمنهم من قال: مسائل الأصول هي العلمية الاعتقادية التي يطلب فيها العلم ~~والاعتقاد فقط، ومسائل الفروع هي العملية التي يطلب فيها العمل. # قالوا: وهذا فرق (4) باطل ; فإن المسائل العملية فيها ما يكفر جاحده، مثل ~~وجوب الصلوات الخمس والزكاة وصوم شهر رمضان وتحريم الزنا والربا والظلم ~~والفواحش. وفي المسائل العلمية ما لا يأثم المتنازعون فيه، كتنازع الصحابة: ~~هل رأى محمد ربه؟ وكتنازعهم في بعض النصوص هل قاله النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - أم لا؟ وما أراد بمعناه؟ وكتنازعهم في بعض الكلمات: هل هي من القرآن ~~أم لا؟ وكتنازعهم في بعض معاني القرآن PageV05P088 # والسنة: هل أراد الله ورسوله كذا وكذا؟ وكتنازع الناس في دقيق الكلام: ~~كمسألة الجوهر الفرد، وتماثل الأجسام، وبقاء الأعراض، ونحو ذلك ; فليس في ~~هذا تكفير ولا تفسيق. # قالوا: والمسائل العملية فيها علم وعمل؛ فإذا كان الخطأ مغفورا فيها (1) ~~، فالتي فيها علم بلا عمل أولى أن يكون الخطأ فيها مغفورا. # ومنهم من قال: المسائل الأصولية هي ما كان عليها دليل قطعي، والفرعية (2) ~~ما ليس عليها دليل قطعي. # قال أولئك: وهذا الفرق خطأ أيضا؛ فإن كثيرا من المسائل العملية عليها ~~أدلة قطعية عند من عرفها، وغيرهم لم يعرفها، وفيها ما هو قطعي بالإجماع، ~~كتحريم المحرمات الظاهرة، ووجوب الواجبات الظاهرة، ثم لو أنكرها الرجل بجهل ~~وتأويل لم يكفر حتى تقام عليه الحجة، كما أن جماعة استحلوا شرب (3) الخمر ~~على عهد عمر، منهم قدامة، ورأوا أنها حلال لهم، ولم يكفرهم الصحابة حتى ~~بينوا لهم خطأهم فتابوا ms1114 ورجعوا. # وقد كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - طائفة أكلوا بعد طلوع ~~الفجر حتى يتبين (4) لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ولم يؤثمهم (5) ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - فضلا عن تكفيرهم، وخطؤهم قطعي. # وكذلك أسامة بن زيد، وقد قتل الرجل المسلم، وكان خطؤه قطعيا. PageV05P089 # وكذلك الذين وجدوا رجلا في غنم له، فقال: إني مسلم، فقتلوه وأخذوا ماله، ~~كان خطؤهم قطعيا. وكذلك خالد بن الوليد لما قتل بني جذيمة وأخذ (1) أموالهم ~~كان مخطئا قطعا. وكذلك الذين تيمموا إلى الآباط. وعمار الذي تمعك في التراب ~~للجنابة [كما تمعك الدابة، بل والذين أصابتهم جنابة فلم يتيمموا ولم يصلوا] ~~(2) كانوا مخطئين قطعا. # وفي زماننا لو أسلم قوم في بعض الأطراف، ولم يعلموا وجوب الحج، أو لم ~~يعلموا تحريم الخمر، لم يحدوا على ذلك. وكذلك لو نشأوا بمكان جهل. # وقد زنت على عهد عمر امرأة فلما أقرت به، قال عثمان (3) : إنها لتستهل به ~~استهلال من لم يعلم (4) أنه حرام. فلما تبين للصحابة أنها لا تعرف التحريم ~~لم يحدوها. واستحلال الزنا خطأ قطعا. # والرجل إذا حلف على شيء يعتقده كما حلف عليه فتبين بخلافه، فهو مخطئ قطعا ~~ولا إثم عليه بالاتفاق، وكذلك لا كفارة عليه عند الأكثرين. # ومن اعتقد بقاء الفجر فأكل، فهو مخطئ قطعا إذا تبين له الأكل بعد الفجر، ~~ولا إثم عليه، وفي القضاء نزاع. وكذلك من اعتقد غروب الشمس، فتبين بخلافه، ~~ومثل هذا كثير. PageV05P090 # وقول الله تعالى في القرآن: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [سورة ~~البقرة 286] قال الله تعالى: قد فعلت (1) . ولم يفرق بين الخطأ القطعي ~~والظني (2) ، بل لا يجزم بأنه خطأ إلا إذا كان (3) أخطأ قطعا. # قالوا: فمن قال: إن المخطئ في مسألة قطعية أو ظنية (4) يأثم، فقد خالف ~~الكتاب والسنة والإجماع القديم. قالوا: وأيضا فكون المسألة قطعية أو ظنية ~~هو أمر (5) إضافي بحسب حال المعتقدين، ليس هو وصفا للقول في نفسه ; فإن ~~الإنسان قد يقطع بأشياء علمها بالضرورة أو بالنقل المعلوم صدقه عنده، وغيره ~~لا يعرف ذلك ms1115 لا قطعا ولا ظنا، وقد يكون الإنسان ذكيا قوي الذهن سريع ~~الإدراك علما وظنا (6) فيعرف من الحق ويقطع به ما لا يتصوره غيره ولا يعرفه ~~لا علما ولا ظنا؛ فالقطع والظن يكون بحسب ما وصل إلى الإنسان من الأدلة، ~~وبحسب قدرته على الاستدلال. # والناس يختلفون في هذا وهذا، فكون المسألة قطعية أو ظنية ليس هو صفة ~~ملازمة للقول المتنازع فيه، حتى يقال: كل من خالفه قد خالف القطعي، بل هو ~~صفة لحال الناظر المستدل المعتقد، وهذا مما يختلف فيه الناس. فعلم أن هذا ~~الفرق لا يطرد ولا ينعكس. # ومنهم من فرق بفرق ثالث، وقال: المسائل الأصولية هي المعلومة PageV05P091 # بالعقل، فكل مسألة علمية (1) استقل العقل بدركها (2) ، فهي من مسائل ~~الأصول التي يكفر أو يفسق مخالفها. والمسائل الفروعية هي المعلومة بالشرع. ~~قالوا: فالأول كمسائل الصفات والقدر، والثاني كمسائل الشفاعة وخروج أهل ~~الكبائر من النار. # فيقال لهم: ما ذكرتموه بالضد أولى ; فإن الكفر والفسق (3) أحكام شرعية، ~~ليس ذلك من الأحكام التي يستقل بها العقل (4) . فالكافر من جعله الله ~~ورسوله كافرا، والفاسق من جعله الله ورسوله فاسقا، كما أن المؤمن والمسلم ~~من جعله الله ورسوله مؤمنا ومسلما، والعدل من جعله الله ورسوله عدلا، ~~والمعصوم الدم من جعله الله ورسوله معصوم الدم، والسعيد في الآخرة من أخبر ~~الله ورسوله عنه أنه سعيد في الآخرة، والشقي فيها من أخبر الله ورسوله عنه ~~أنه شقي فيها، والواجب من الصلاة والصيام والصدقة والحج ما أوجبه الله ~~ورسوله، والمستحقون لميراث الميت من جعلهم الله ورسوله وارثين، والذي يقتل ~~حدا أو قصاصا من جعله الله ورسوله (5) مباح الدم بذلك، [والمستحق للفيء ~~والخمس من جعله الله ورسوله مستحقا لذلك] (6) ، والمستحق للموالاة ~~والمعاداة (* من جعله الله PageV05P092 # ورسوله مستحقا للموالاة والمعاداة *) (1) والحلال ما أحله الله ورسوله، ~~والحرام ما حرمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسوله. فهذه المسائل ~~كلها ثابتة بالشرع. # وأما الأمور التي يستقل بها العقل فمثل الأمور الطبيعية، مثل كون هذا ~~المرض ينفع فيه الدواء الفلاني، فإن مثل هذا يعلم (2) بالتجربة ms1116 والقياس ~~وتقليد الأطباء الذين علموا ذلك بقياس أو تجربة. وكذلك مسائل الحساب ~~والهندسة ونحو ذلك، هذا مما (3) يعلم بالعقل. وكذلك مسألة الجوهر الفرد، ~~وتماثل الأجسام أو اختلافها، وجواز بقاء الأعراض وامتناع بقائها ; فهذه ~~ونحوها تعلم بالعقل. # وإذا كان كذلك فكون الرجل مؤمنا وكافرا وعدلا وفاسقا هو من المسائل ~~الشرعية لا من المسائل العقلية، فكيف يكون من خالف ما جاء به الرسول ليس ~~كافرا، ومن خالف ما ادعى غيره أنه معلوم بعقله كافرا؟ وهل يكفر أحد بالخطأ ~~في مسائل الحساب والطب ودقيق الكلام؟ . # فإن قيل: هؤلاء لا يكفرون كل من خالف مسألة عقلية، لكن يكفرون من خالف ~~المسائل العقلية التي يعلم بها صدق الرسول ; فإن العلم بصدق الرسول مبني ~~عليها (4) : [على مسائل معينة] (5) ، فإذا أخطأ فيها لم يكن عالما بصدق ~~الرسول فيكون كافرا. PageV05P093 # قيل: تصديق الرسول ليس مبنيا على مسائل معينة من مسائل النزاع، بل ما ~~جعله أهل الكلام المحدث أصلا للعلم بصدق الرسول، كقول من قال من المعتزلة ~~والجهمية: إنه لا يعلم صدق الرسول إلا بأن يعلم أن العالم حادث، ولا يعلم ~~ذلك إلا بأن يعلم (1) أن الأجسام محدثة، ولا يعلم ذلك إلا بالعلم (2) بأنها ~~لا تنفك من الحوادث: إما الأعراض مطلقا، وإما الأكوان (3) ، وإما الحركات، ~~ولا يعلم حدوثها (4) حتى يعلم امتناع حوادث لا أول لها، ولا يعلم أنه صادق ~~حتى يعلم أن الرب غني، ولا يعلم غناه حتى يعلم أنه ليس بجسم. # ونحو ذلك من الأمور التي تزعم طائفة من أهل الكلام أنها أصول لتصديق ~~الرسول لا يعلم صدقه بدونها، هي مما يعلم بالاضطرار من دين الرسول أنه لم ~~يكن يجعل إيمان الناس موقوفا عليها، بل ولا دعا الناس إليها، ولا ذكرت في ~~كتاب ولا سنة، ولا ذكرها أحد من الصحابة، لكن الأصول التي بها يعلم (5) صدق ~~الرسول مذكورة في القرآن، وهي غير هذه، كما قد بين (6) في غير هذا الموضع. # وهؤلاء الذين ابتدعوا أصولا زعموا أنه لا يمكن تصديق الرسول إلا بها، وأن ~~معرفتها شرط في الإيمان، أو ms1117 واجبة على الأعيان هم من أهل PageV05P094 # البدع عند السلف والأئمة، وجمهور العلماء يعلمون أن أصولهم بدعة في ~~الشريعة. لكن كثيرا من الناس يظن أنها صحيحة في العقل، وأما الحذاق من ~~الأئمة ومن اتبعهم فيعلمون أنها باطلة في العقل، مبتدعة في الشرع، وأنها ~~تناقض ما جاء به الرسول. # وحينئذ فإن كان الخطأ في المسائل العقلية التي يقال إنها أصول الدين، ~~كفرا (1) ، فهؤلاء السالكون هذه الطرق الباطلة في العقل المبتدعة في الشرع ~~هم الكفار لا من خالفهم، وإن لم يكن الخطأ فيها كفرا، فلا يكفر من خالفهم ~~فيها فثبت أنه ليس كافرا في حكم الله ورسوله على التقديرين. # ولكن من شأن أهل البدع أنهم يبتدعون أقوالا يجعلونها واجبة في الدين، بل ~~يجعلونها من الإيمان الذي لا بد منه ويكفرون من خالفهم فيها، ويستحلون دمه ~~كفعل الخوارج والجهمية والرافضة والمعتزلة وغيرهم. وأهل السنة لا يبتدعون ~~قولا ولا يكفرون من اجتهد فأخطأ، وإن كان مخالفا لهم مكفرا لهم مستحلا ~~لدمائهم، كما لم تكفر الصحابة الخوارج، مع تكفيرهم لعثمان وعلي ومن ~~والاهما، واستحلالهم لدماء المسلمين المخالفين لهم. # وكلام هؤلاء المتكلمين في هذه المسائل بالتصويب والتخطئة، والتأثيم ونفيه ~~(2) ، والتكفير ونفيه، لكونهم بنوا على القولين المتقدمين: قول القدرية ~~الذين يجعلون كل مستدل قادرا على معرفة الحق، فيعذب كل من PageV05P095 # لم يعرفه، وقول الجهمية الجبرية الذين يقولون: لا قدرة للعبد على شيء ~~أصلا، بل الله يعذب بمحض المشيئة، فيعذب من لم يفعل ذنبا قط، وينعم من كفر ~~وفسق، وقد وافقهم على ذلك كثير من المتأخرين، وهؤلاء يقولون: يجوز أن يعذب ~~الأطفال والمجانين وإن لم يفعلوا ذنبا قط، ثم منهم من يجزم بعذاب أطفال ~~الكفار في الآخرة، ومنهم من يجوزه ويقول: لا أدري ما يقع، وهؤلاء يجوزون أن ~~يغفر لأفسق أهل القبلة بلا سبب أصلا، ويعذب الرجل الصالح على السيئة ~~الصغيرة، وإن كانت له حسنات أمثال الجبال بلا سبب أصلا، بل بمحض المشيئة. # وأصل الطائفتين أن القادر المختار يرجح أحد المتماثلين على الآخر بلا ~~مرجح. لكن هؤلاء الجهمية يقولون ms1118: إنه في كل حادث يرجح بلا مرجح، وأولئك ~~القدرية والمعتزلة والكرامية، وطوائف غيرهم من الفقهاء والصوفية وأهل ~~الحديث وغيرهم يقولون: أصل الإحداث والإبداع كان ترجيحا بلا مرجح، وأما بعد ~~ذلك فقد خلق أسبابا وحكما علق الحوادث بها. # واختلفت القدرية والجهمية الجبرية في الظلم. فقالت القدرية: الظلم في حقه ~~هو ما نعرفه من ظلم الناس بعضهم بعضا. فإذا قيل: إنه خالق أفعال العباد ~~وإنه مريد لكل ما وقع، وقيل مع ذلك: إنه يعذب العاصي، كان هذا ظلما كظلمنا، ~~وسموا أنفسهم العدلية. وقالت الجهمية: الظلم في حقه هو ما يمتنع وجوده، ~~فأما كل ما يمكن وجوده فليس بظلم ; فإن الظلم إما مخالفة أمر من تجب طاعته، ~~وإما التصرف في ملك الغير بغير # PageV05P096 # إذنه؛ فالإنسان يوصف بالظلم لأنه مخالف لأمر ربه، ولأنه قد (1) يتصرف في ~~ملك غيره بغير إذنه. والرب تعالى ليس فوقه آمر، ولا لغيره ملك، بل إنما ~~يتصرف في ملكه، فكل ما يمكن فليس بظلم؛ بل إذا نعم فرعون وأبا جهل ~~وأمثالهما ممن كفر به وعصاه، وعذب موسى ومحمدا ممن آمن به وأطاعه فهو مثل ~~العكس، الجميع بالنسبة إليه سواء. ولكن لما أخبر أنه ينعم المطيعين وأنه ~~يعذب العصاة صار ذلك معلوم الوقوع لخبره الصادق، لا لسبب اقتضى ذلك. ~~والأعمال علامات على الثواب والعقاب، ليست أسبابا. # فهذا قول جهم وأصحابه، ومن وافقه كالأشعري ومن وافقه من أتباع الفقهاء ~~الأربعة والصوفية وغيرهم. ولهذا جوز هؤلاء أن يعذب العاجز عن معرفة الحق ~~ولو اجتهد، فليس عندهم في نفس الأمر أسباب للحوادث ولا حكم، ولا في الأفعال ~~صفات لأجلها كانت مأمورا بها ومنهيا عنها، بل عندهم يمتنع أن يكون في خلقه ~~وأمره (لام كي) . # وأما القدرية فيثبتون له شريعة فيما يجب عليه ويحرم عليه بالقياس على ~~عباده. وقد تكلمنا على قول الفريقين في مواضع، وذكرنا فصلا في ذلك في هذا ~~الكتاب فيما تقدم، لما تكلمنا على ما نسبه هذا الرافضي إلى جميع (2) أهل ~~السنة من قول هؤلاء الجهمية الجبرية، وبينا أن هذه المسألة لا ms1119 تتعلق بمسألة ~~الإمامة والتفضيل، بل من الشيعة من يقول بالجبر والقدر، وفي أهل السنة من ~~يقول بهذا وبهذا. PageV05P097 # والمقصود هنا أن نبين أن الكلام في تصويب المتنازعين: مصيبين أو مخطئين، ~~مثابين أو معاقبين، مؤمنين أو كفارا - هو فرع عن هذا الأصل العام الشامل ~~لهذه المسائل وغيرها. # وبهذا يظهر القول الثالث في هذا الأصل، وهو أنه ليس كل من اجتهد واستدل ~~يتمكن من معرفة الحق، ولا يستحق الوعيد إلا من ترك مأمورا به (1) أو فعل ~~محظورا. وهذا هو قول (2) الفقهاء والأئمة، وهو القول المعروف عن سلف الأمة، ~~وقول جمهور المسلمين. # وهذا القول يجمع الصواب من القولين، فالصواب من القول الأول قول الجهمية ~~الذين وافقوا فيه السلف والجمهور وهو أنه ليس كل من طلب واجتهد واستدل على ~~الشيء يتمكن من معرفة الحق فيه، بل استطاعة الناس في ذلك متفاوتة. # والقدرية يقولون (3) : إن الله تعالى سوى بين المكلفين في القدرة، ولم ~~يخص المؤمنين بما فضلهم به على الكفار حتى آمنوا، ولا خص المطيعين بما ~~فضلهم به على العصاة حتى أطاعوا. # وهذا من أقوال (4) القدرية والمعتزلة وغيرهم التي خالفوا بها الكتاب ~~والسنة وإجماع السلف، والعقل الصريح، كما بسط في موضعه. ولهذا قالوا: إن كل ~~مستدل فمعه قدرة تامة يتوصل بها إلى معرفة الحق. PageV05P098 # ومعلوم أن الناس إذا اشتبهت عليهم القبلة في السفر (1) فكلهم مأمورون ~~بالاجتهاد والاستدلال على جهة القبلة، ثم بعضهم يتمكن من معرفة جهتها، ~~وبعضهم يعجز عن ذلك فيغلط، فيظن في بعض الجهات أنها جهتها، ولا يكون مصيبا ~~في ذلك. لكن هو مطيع لله ولا إثم عليه في صلاته إليها، لأن الله لا يكلف ~~نفسا إلا وسعها، فعجزه عن العلم بها كعجزه عن التوجه إليها [كالمقيد ~~والخائف والمحبوس والمريض الذي لا يمكنه التوجه إليها] (2) . # ولهذا كان الصواب في الأصل الثاني: قول من يقول: إن الله لا يعذب في ~~الآخرة إلا من عصاه بترك المأمور أو فعل المحظور. والمعتزلة في هذا وافقوا ~~الجماعة، بخلاف الجهمية ومن اتبعهم من الأشعرية وغيرهم ; فإنهم قالوا: بل ~~يعذب ms1120 من لا ذنب له، أو نحو ذلك. # ثم هؤلاء يحتجون على المعتزلة في نفس الإيجاب والتحريم العقلي بقوله ~~تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} [سورة الإسراء: 15] وهو حجة عليهم ~~أيضا في نفي العذاب مطلقا إلا بعد إرسال الرسل، وهم يجوزون التعذيب قبل ~~إرسال الرسل، فأولئك يقولون: يعذب من لم يبعث إليه رسولا لأنه فعل القبائح ~~العقلية، وهؤلاء يقولون: بل يعذب من لم يفعل قبيحا قط كالأطفال. # وهذا مخالف للكتاب والسنة والعقل أيضا. قال تعالى: PageV05P099 # {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} [سورة الإسراء 15] وقال تعالى عن النار: ~~{كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير} قالوا بلى قد جاءنا نذير ~~فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير [سورة الملك 8 - ~~9] . فقد أخبر سبحانه وتعالى بصيغة العموم أنه كلما ألقي فيها فوج سألهم ~~الخزنة: هل جاءهم (1) نذير فيعترفون بأنهم قد جاءهم نذير فلم يبق فوج يدخل ~~النار إلا وقد جاءهم نذير، فمن لم يأته نذير لم يدخل النار. # وقال تعالى لإبليس: {لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} [سورة ص: ~~85] فقد أقسم سبحانه أنه يملؤها من إبليس وأتباعه، وإنما أتباعه من أطاعه، ~~فمن لم يعمل ذنبا لم يطعه، فلا يكون ممن تملأ (2) به النار، وإذا ملئت ~~بأتباعه لم يكن لغيرهم فيها موضع. # وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة وأنس بن مالك أن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - قال: " «لا يزال يلقى في النار وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب ~~العزة فيها قدمه وفي رواية فيضع قدمه عليها فتقول: قط قط، وينزوي بعضها إلى ~~بعض " (3) أي تقول: حسبي PageV05P100 # حسبي. وأما الجنة فيبقى فيها فضل، فينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضول ~~الجنة.» (1) . هكذا روي في الصحاح من غير وجه، ووقع في بعض طرق البخاري غلط ~~قال فيه: " «وأما النار فيبقى فيها فضل» " (2) والبخاري رواه في سائر ~~المواضع على الصواب ليبين غلط هذا الراوي، كما جرت عادته بمثل ذلك إذا وقع ~~من بعض الرواة غلط ms1121 في لفظ، ذكر ألفاظ سائر الرواة التي يعلم بها الصواب، ~~وما علمت وقع فيه غلط إلا PageV05P101 # وقد بين فيه (1) الصواب، بخلاف مسلم فإنه وقع في صحيحه عدة أحاديث غلط، ~~أنكرها جماعة من الحفاظ على مسلم. والبخاري قد أنكر عليه بعض الناس تخريج ~~أحاديث، لكن الصواب فيها مع البخاري، والذي أنكر على الشيخين أحاديث قليلة ~~جدا، وأما سائر متونهما فمما اتفق علماء المحدثين على صحتها وتصديقها ~~وتلقيها بالقبول لا يستريبون في ذلك. # وقد قال تعالى: {يامعشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم ~~آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة ~~الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين - ذلك أن لم يكن ربك مهلك ~~القرى بظلم وأهلها غافلون} [سورة الأنعام 130 - 131] PageV05P102 # فقد خاطب الجن والإنس، واعترف المخاطبون بأنهم جاءتهم رسل يقصون عليهم ~~آياته وينذرونهم لقاء يوم القيامة. ثم قال: {ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى ~~بظلم وأهلها غافلون} أي هذا بهذا السبب؛ فعلم أنه لا يعذب من كان غافلا ما ~~لم يأته نذير، فكيف الطفل الذي لا عقل له؟ . # ودل أيضا على أن ذلك ظلم تنزه سبحانه عنه، وإلا فلو كان الظلم هو الممتنع ~~لم يتصور أن يهلكهم بظلم، بل كيفما أهلكهم فإنه ليس بظلم عند الجهمية ~~الجبرية. # وقد قال تعالى: {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو ~~عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون} [سورة القصص: 59] . ~~وقال تعالى: {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} [سورة هود: 117] ~~. وقال تعالى: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما} ~~[سورة طه 112] قال المفسرون: الظلم أن يحمل عليه سيئات غيره، والهضم أن ~~ينقص من حسناته، فجعل سبحانه عقوبته بذنب غيره ظلما ونزه نفسه عنه. # ومثل هذا كثير كقوله: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} [سورة البقرة 286] ~~وقوله: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [سورة الأنعام: 164] ، وكذلك قوله: {لا ~~تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد - ما يبدل القول لدي وما أنا ms1122 بظلام ~~للعبيد} [سورة ق 28 - 29] فبين سبحانه أنه قدم # PageV05P103 # بالوعيد وأنه ليس بظلام للعبيد (1) ، كما قال في الآية الأخرى: {ذلك من ~~أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد - وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم ~~فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما ~~زادوهم غير تتبيب} [سورة هود: 100 - 101] فهو سبحانه نزه نفسه عن ظلمهم ~~وبين أنهم هم الذين ظلموا أنفسهم بشركهم فمن لم يكن ظالما لنفسه تكون ~~عقوبته ظلما تنزه الله عنه. # وقال في الآية الأخرى: {إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون - لا يفتر عنهم ~~وهم فيه مبلسون - وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين} [سورة الزخرف 74 - ~~76] . # وهذا الظلم الذي نزه نفسه عنه: إن كان هو الممتنع الذي لا يمكن فعله فأي ~~فائدة في هذا؟ وهل أحد يخاف أن يفعل به ذلك؟ وأي تنزيه في هذا؟ وإذا قيل: ~~هو لا يفعل إلا ما يقدر عليه. قيل: هذا معلوم لكل أحد، وكل أحد لا يفعل إلا ~~ما يقدر عليه. فأي مدح في هذا مما يتميز به الرب سبحانه عن العالمين؟ (2) . # (* فعلم أن من الأمور الممكنة ما هو ظلم تنزه الله سبحانه عنه مع قدرته ~~عليه، وبذلك يحمد ويثنى عليه ; فإن الحمد والثناء يقع بالأمور الاختيارية ~~من فعل وترك، كعامة ما في القرآن من الحمد، والشكر أخص PageV05P104 # من ذلك، يكون على النعم، والمدح أعم من ذلك؛ وكذلك التسبيح فإنه تنزيه ~~وتعظيم، فإذا سبح بحمده جمع له (1) بين هذا وهذا كما قد بسطنا الكلام على ~~حقيقة التسبيح والتحميد ومعنى التسبيح بحمده في غير هذا الموضع *) (2) . # وقد قال سبحانه وتعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون} ~~[سورة الأنبياء: 26] فالاتخاذ فعل من الأفعال وقد نزه سبحانه نفسه عنه. ~~فعلم أن من الأفعال ما نزه سبحانه نفسه عنه. والجبرية (3) عندهم لا ينزه عن ~~فعل من الأفعال. # وفي حديث البطاقة الذي رواه الترمذي وصححه وغيره (4) ، ورواه الحاكم في ~~صحيحه. قال فيه: " «فينشر له تسعة وتسعون سجلا، كل سجل منها مد البصر ms1123. ثم ~~يقال: لا ظلم عليك، إن لك عندنا بطاقة؛ فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في ~~كفة، فثقلت البطاقة وطاشت السجلات» " (5) فقوله: ( «لا ظلم عليك» ) دليل ~~على أنه إن لم يجاز بتلك PageV05P105 # الحسنات وتوزن حسناته مع سيئاته، كان ذلك ظلما يقدس (1) الله عنه ; فإنه ~~القائم بالقسط. # وقد قال تعالى: {ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا ~~كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا} [سورة الكهف: ~~49] فهل يقال: هذا النفي أنه لا يفعل مع أحد ما لا يمكن ولا يقدر عليه؟ أو ~~لا يظلمهم شيئا من حسناتهم، بل يحصيها كلها ويثيبهم (2) عليها؟ فدل على أن ~~العبد يثاب على حسناته، ولا ينقص شيئا منها، ولا يعاقب إلا على سيئاته، وأن ~~عقوبته بغير ذنب وبخس حسناته ظلم ينزه (3) الرب تبارك وتعالى عنه. # وأيضا فقوله تعالى: {أفنجعل المسلمين كالمجرمين} [سورة القلم: 35] وقال ~~تعالى: {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل ~~المتقين كالفجار} [سورة ص: 28] . وقال: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن ~~نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون} ~~[سورة الجاثية: 21] إلى غير ذلك. # فدل على أن التسوية بين هذين المختلفين من الحكم السيئ الذي ينزه عنه، ~~وأن ذلك منكر لا يجوز نسبته إلى الله تعالى، وأن من جوز ذلك PageV05P106 # فقد جوز منكرا لا يصلح أن يضاف إلى الله تعالى ; فإن قوله: {أفنجعل ~~المسلمين كالمجرمين} [سورة القلم: 35] استفهام إنكار، فعلم أن جعل هؤلاء ~~مثل هؤلاء منكر لا يجوز أن يظن بالله أنه يفعله. فلو كان هذا وضده بالنسبة ~~إليه سواء جاز أن يفعل هذا وهذا. # وقوله: {ساء ما يحكمون} [سورة الأنعام: 136] دل على أن هذا حكم سيئ، ~~والحكم السيئ هو الظلم الذي لا يجوز، فعلم أن الله تعالى منزه عن هذا. ومن ~~قال إنه يسوي بين المختلفين، فقد نسب إليه الحكم السيئ، وكذلك تفضيل أحد ~~المتماثلين، بل التسوية بين المتماثلين والتفضيل بين المختلفين هو من العدل ~~والحكم الحسن الذي يوصف به الرب ms1124 سبحانه وتعالى. # والظلم وضع الشيء في غير موضعه ; فإذا جعل النور كالظلمة، [والمحسن ~~كالمسيء] (1) ، والمسلم كالمجرم كان هذا ظلما وحكما سيئا يقدس وينزه عنه ~~(2) سبحانه وتعالى. # وقال تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} ~~[سورة المائدة: 50] . وعند هؤلاء لو حكم بحكم الجاهلية لكان حسنا، وليس في ~~نفس الأمر حكم حسن وحكم غير حسن؛ بل الجميع سواء. فكيف يقال مع هذا: ومن ~~أحسن من الله حكما؟ فدل هذا النص على أن حكمه حسن لا أحسن منه؟ والحكم الذي ~~يخالفه PageV05P107 # سيئ ليس بحسن. وذلك دليل على أن الحسن صفة لحكمه، فلو لم يكن الحسن إلا ~~ما تعلق به (1) الأمر، أو ما لم ينه عنه؛ لم يكن في الكلام فائدة، ولم يقسم ~~الحكم إلى حسن وأحسن ; لأن عندهم يجوز أن يحكم الرب بكل ما يمكن وجوده، ~~وذلك كله حسن، فليس عندهم حكم ينزه الرب عنه. # وقال تعالى: {وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل ~~الله الله أعلم حيث يجعل رسالته} [سورة الأنعام: 124] (2) ، فدل على أنه ~~أعلم بالمحل الذي يناسب الرسالة، ولو كان الناس مستوين، والتخصيص بلا سبب، ~~لم يكن لهذا العلم معلوم يختص به محل الرسالة. # وقال تعالى: {ولقد جاء آل فرعون النذر - كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ ~~عزيز مقتدر - أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر} [سورة القمر: ~~41 - 43] ، وقال: {أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا ~~مجرمين} [سورة الدخان: 37] . فهذا يبين أن أولئك إذا كانوا كفارا وقد ~~عذبناهم، فالكفار الذين كذبوا محمدا ليسوا خيرا من أولئك، بل هم مثلهم (3) ~~استحقوا من العقوبة ما استحقه أولئك، ولو كانوا خيرا منهم لم يستحقوا ذلك. ~~فعلم أنه سبحانه يسوي بين المتماثلين ويفضل صاحب الخير فلا يسوي بينه وبين ~~من هو دونه. PageV05P108 # وكذلك قوله تعالى: {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم ~~لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم ~~الله من حيث ms1125 لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي ~~المؤمنين فاعتبروا ياأولي الأبصار} [سورة الحشر: 2] إلى قوله تعالى: {ذلك ~~بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب} [سورة الحشر: ~~4] ، والاعتبار أن يعبر منهم إلى أمثالهم، فيعرف أن من فعل كما فعلوا استحق ~~كما استحقوا ولو كان تعالى قد يسوي بين المتماثلين وقد لا يسوي، لم يمكن ~~الاعتبار حتى يعلم أن هذا المعين (1) مما يسوى بينه وبين نظيره، وحينئذ فلا ~~يمكن الاعتبار إلا بعد معرفة حكم ذلك المعين (2) ، وحينئذ فلا يحتاج إلى ~~الاعتبار. # ومن العجب أن أكثر أهل الكلام احتجوا بهذه الآية على القياس، وإنما تدل ~~عليه لكون الاعتبار (3) يتضمن التسوية بين المتماثلين، فعلم أن الرب يفعل ~~هذا في حكمه، فإذا اعتبروا بها في أمره الشرعي لدلالة مطلق الاعتبار على ~~ذلك، فهلا استدلوا بها على حكمه الخلقي الكوني في الثواب والعقاب، وهو الذي ~~قصد بالآية فدلالتها عليه أولى؟ . # فعلم أن المتماثلين في الذنب متماثلان في استحقاق العقاب، PageV05P109 # بخلاف من لم يشركهما في ذلك. وإذا قيل: هذا قد علم بخبره. قيل: هو لم ~~يخبر قبل بهذا، بل دل على أن هذا هو حكمه الذي لا يجوز أن يضاف إليه سواه، ~~كما دل على ذلك ما تقدم من الآيات. # وأيضا فالنصوص قد أخبرت بالميزان بالقسط، وأن الله لا يظلم مثقال ذرة، ~~وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما؛ فدل هذا على أن مثقال ذرة ~~إذا زيد في السيئات أو نقص من الحسنات كان ظلما ينزه الله عنه، ودل على أنه ~~يزن الأعمال بالقسط الذي هو العدل فدل على أن خلاف ذلك ليس قسطا، بل ظلم ~~(1) تنزه الله عنه، ولو لم يكن هنا (2) عدل لم يحتج إلى الموازنة ; فإنه ~~إذا كان التعذيب والتنعيم بلا قانون عدلي، بل بمحض المشيئة، لم يحتج إلى ~~الموازنة. # وقال تعالى: {تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما ~~للعالمين} [سورة آل عمران: 108] قال الزجاج وغيره: قد أعلمنا أنه يعذب من ~~عذبه ms1126 لاستحقاقه. وقال آخر: معناه أنه لا يعاقبهم بلا جرم، فسمى هذا ظلما. # وأيضا فإن الله تعالى قد أخبر في غير موضع أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها، ~~كقوله تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها} [سورة ~~الأعراف: 42] وقوله: {لا تكلف نفس إلا وسعها} [سورة البقرة 233] ، وقوله: ~~{لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها} PageV05P110 # [سورة الطلاق: 7] ، وأمر بتقواه بقدر الاستطاعة فقال: {فاتقوا الله ما ~~استطعتم} [سورة التغابن: 16] ، وقد دعاه المؤمنون بقولهم: {ربنا ولا تحمل ~~علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا ~~به} [سورة البقرة: 286] فقال: قد فعلت (1) . # فدلت هذه النصوص على أنه لا يكلف نفسا ما تعجز عنه، خلافا للجهمية ~~المجبرة (2) ودلت على أنه لا يؤاخذ المخطئ والناسي، خلافا للقدرية ~~والمعتزلة، وهذا فصل الخطاب في هذا الباب. # فالمجتهد المستدل من إمام وحاكم وعالم وناظر ومناظر ومفت وغير ذلك إذا ~~اجتهد واستدل فاتقى الله ما استطاع، كان هذا هو الذي كلفه الله إياه، وهو ~~مطيع لله مستحق للثواب إذا اتقاه ما استطاع، ولا يعاقبه الله البتة، خلافا ~~للجهمية المجبرة (3) ، وهو مصيب بمعنى أنه مطيع لله، لكن قد يعلم الحق في ~~نفس الأمر، وقد لا يعلمه، خلافا للقدرية والمعتزلة في قولهم: كل من استفرغ ~~وسعه علم الحق، فإن هذا باطل كما تقدم؛ بل كل من استفرغ وسعه استحق الثواب. # وكذلك الكفار من بلغته (4) دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - في دار ~~الكفر، وعلم أنه رسول الله فآمن به، وآمن بما أنزل عليه، واتقى الله ما ~~استطاع، كما فعل النجاشي وغيره، ولم يمكنه الهجرة إلى دار الإسلام. ~~PageV05P111 # ولا التزام جميع شرائع (1) الإسلام، لكونه ممنوعا من الهجرة، وممنوعا من ~~إظهار دينه، وليس عنده من يعلمه جميع شرائع الإسلام؛ فهذا مؤمن من أهل ~~الجنة، كما كان مؤمن آل فرعون مع قوم فرعون، وكما كانت امرأة فرعون، بل ~~وكما كان يوسف الصديق عليه السلام مع أهل مصر ; فإنهم كانوا كفارا، ولم يكن ~~يمكنه أن يفعل معهم ms1127 كل ما يعرفه من دين الإسلام، فإنه دعاهم إلى التوحيد ~~والإيمان فلم يجيبوه. # قال تعالى عن مؤمن آل فرعون: {ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم ~~في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا} [سورة ~~غافر: 34] . # وكذلك النجاشي هو وإن كان ملك النصارى فلم يطعه قومه في الدخول في ~~الإسلام، بل إنما دخل معه نفر منهم. ولهذا لما مات لم يكن هناك من (2) يصلي ~~عليه فصلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة: خرج بالمسلمين إلى ~~المصلى فصفهم صفوفا وصلى عليه، وأخبرهم بموته يوم مات، وقال: " «إن أخا لكم ~~صالحا من أهل الحبشة مات» " (3) . PageV05P112 # وكثير من شرائع الإسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك، فلم ~~يهاجر ولم يجاهد ولا حج البيت، بل قد روي أنه لم يكن يصلي الصلوات الخمس، ~~ولا يصوم شهر رمضان، ولا يؤدي الزكاة الشرعية ; لأن ذلك كان يظهر عند قومه ~~فينكرونه عليه، وهو لا يمكنه مخالفتهم. ونحن نعلم قطعا أنه لم يكن يمكنه أن ~~يحكم بينهم بحكم القرآن. # والله قد فرض على نبيه بالمدينة أنه إذا جاءه أهل الكتاب لم يحكم بينهم ~~إلا بما أنزل الله إليه، وحذره أن يفتنوه عن بعض ما أنزل الله إليه. وهذا ~~مثل الحكم في الزنا للمحصن بحد الرجم، وفي الديات بالعدل والتسوية في ~~الدماء بين الشريف والوضيع: النفس بالنفس، والعين بالعين، وغير ذلك. # والنجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن ; فإن قومه لا يقرونه على ~~ذلك. وكثيرا ما يتولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضيا - بل وإماما - وفي ~~نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها، فلا يمكنه ذلك، بل هناك من يمنعه ذلك ~~(1) ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. # وعمر بن عبد العزيز عودي وأوذي على بعض ما أقامه من العدل، وقيل: إنه سم ~~على ذلك. PageV05P113 # فالنجاشي وأمثاله سعداء في الجنة، وإن كانوا لم يلتزموا (1) مع شرائع ~~الإسلام ما لا يقدرون على التزامه، بل كانوا يحكمون بالأحكام التي ms1128 يمكنهم ~~الحكم بها، ولهذا جعل الله هؤلاء من أهل الكتاب. # قال تعالى: {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل ~~إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ~~ربهم إن الله سريع الحساب} [سورة آل عمران: 199] . وهذه الآية قد قال طائفة ~~من السلف: إنها نزلت في النجاشي. ويروى هذا عن جابر وابن عباس وأنس. ومنهم ~~من قال: فيه وفي أصحابه (2) ، كما قال الحسن وقتادة، وهذا مراد الصحابة، ~~لكن (3) هو المطاع ; فإن لفظ الآية لفظ الجمع لم يرد بها واحد، وعن عطاء ~~قال: نزلت في أربعين من أهل نجران وثلاثين من أهل (4) الحبشة، وثمانية من ~~الروم كانوا (5) على دين عيسى فآمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم (6) . ~~PageV05P114 # ولم يذكر هؤلاء من آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، مثل عبد ~~الله بن سلام وغيره ممن كان يهوديا، وسلمان الفارسي وغيره ممن كان نصرانيا ~~; لأن هؤلاء صاروا من المؤمنين، فلا يقال فيهم: {وإن من أهل الكتاب لمن ~~يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم} [سورة آل عمران: 199] ولا يقول ~~أحد: إن اليهود والنصارى بعد إسلامهم وهجرتهم ودخولهم في جملة المسلمين ~~المهاجرين المجاهدين، يقال: إنهم من أهل الكتاب، كما لا يقال عن الصحابة ~~الذين كانوا مشركين: وإن من المشركين لمن يؤمن بالله ورسوله، فإنهم بعد ~~الإيمان ما بقوا يسمون مشركين ; فدل على أن هؤلاء قوم من أهل الكتاب، أي من ~~جملتهم، وقد آمنوا بالرسول. # كما قال تعالى في المقتول خطأ: {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير ~~رقبة مؤمنة} [سورة النساء: 92] (1) فهو من العدو، ولكن هو كان قد آمن وما ~~أمكنه الهجرة وإظهار الإيمان والتزام شرائعه؛ فسماه مؤمنا لأنه فعل من ~~الإيمان ما يقدر عليه. # وهذا كما أنه قد كان بمكة جماعة من المؤمنين يستخفون PageV05P115 # بإيمانهم، وهم عاجزون عن الهجرة. قال تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ~~ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن ~~أرض الله واسعة ms1129 فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا - إلا ~~المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ~~- فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا} سورة النساء 97 - ~~99] فعذر سبحانه المستضعف العاجز عن الهجرة. # وقال تعالى: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال ~~والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ~~واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا} [سورة النساء: 75] فأولئك ~~كانوا عاجزين عن إقامة دينهم، فقد سقط عنهم ما عجزوا عنه. # فإذا كان هذا فيمن كان مشركا وآمن، فما الظن بمن كان من أهل الكتاب وآمن؟ ~~. # وقوله: {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن} [سورة النساء: 92] قيل: هو ~~الذي يكون عليه لباس أهل الحرب، مثل أن يكون (1) في صفهم (2) فيعذر القاتل ~~لأنه مأمور بقتاله، فتسقط عنه الدية وتجب الكفارة. وهو قول الشافعي وأحمد ~~في أحد القولين. PageV05P116 # وقيل: بل هو من أسلم ولم يهاجر، كما يقوله أبو حنيفة. لكن هذا قد أوجب ~~فيه الكفارة. وقيل: إذا كان من أهل الحرب لم يكن له وارث، فلا يعطى أهل ~~الحرب ديته (1) ، بل تجب الكفارة فقط. وسواء عرف أنه مؤمن وقتل خطأ، أو ظن ~~أنه كافر. وهذا ظاهر الآية. # وقد قال بعض المفسرين: إن هذه الآية نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه، ~~كما نقل عن ابن جريج ومقاتل وابن زيد؛ يعني قوله: وإن من أهل الكتاب وبعضهم ~~قال: إنها في مؤمني أهل الكتاب من اليهود والنصارى (2) . # فهذا إن أراد به من كان في الظاهر معدودا من أهل الكتاب، فهو كالقول ~~الأول. وإن أراد العموم، فهو كالثاني. وهذا قول مجاهد، ورواه أبو صالح عن ~~ابن عباس، وقول من أدخل فيها مثل ابن سلام وأمثاله ضعيف ; فإن هؤلاء من ~~المؤمنين ظاهرا وباطنا من كل وجه، لا يجوز أن يقال فيهم: {وإن من أهل ~~الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون ~~بآيات الله ثمنا قليلا ms1130 أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب} ~~[سورة آل عمران: 199] . # أما أولا: فلأن ابن سلام أسلم في أول ما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- المدينة، وقال: " «فلما رأيت وجهه علمت (3) أن وجهه ليس بوجه كذاب» " (4) ~~. PageV05P117 # وسورة آل عمران إنما نزل ذكر أهل الكتاب فيها لما قدم وفد نجران سنة تسع ~~أو عشر. # وثانيا: أن ابن سلام وأمثاله هو واحد من جملة الصحابة والمؤمنين، وهو من ~~أفضلهم، وكذلك سلمان الفارسي. فلا يقال فيه: إنه (1) من أهل الكتاب. وهؤلاء ~~لهم أجور مثل أجور سائر المؤمنين، بل يؤتون أجرهم مرتين، وهم ملتزمون جميع ~~شرائع الإسلام؛ فأجرهم أعظم من أن يقال فيه: أولئك لهم أجرهم عند ربهم. # وأيضا فإن أمر هؤلاء كان ظاهرا معروفا، ولم يكن أحد يشك فيهم، فأي فائدة ~~في الإخبار بهم؟ . # وما هذا إلا كما يقال: الإسلام دخل فيه من كان مشركا ومن كان كتابيا. ~~وهذا معلوم لكل أحد بأنه دين لم يكن يعرف قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - ~~فكل من دخل فيه كان قبل ذلك إما مشركا وإما من أهل الكتاب، إما كتابيا وإما ~~أميا، فأي فائدة في الإخبار بهذا؟ . PageV05P118 # بخلاف أمر النجاشي وأصحابه ممن كانوا متظاهرين بكثير مما عليه النصارى ; ~~فإن أمرهم قد يشتبه، ولهذا ذكروا في سبب نزول هذه الآية أنه لما مات ~~النجاشي (1) صلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال قائل: نصلي على ~~هذا العلج النصراني وهو في أرضه؟ فنزلت هذه الآية. هذا منقول عن جابر وأنس ~~بن مالك وابن عباس، وهم من الصحابة الذين باشروا الصلاة على النجاشي (2) . # وهذا بخلاف ابن سلام وسلمان الفارسي ; فإنه إذا صلى على واحد من هؤلاء لم ~~ينكر ذلك أحد. وهذا مما يبين أن المظهرين للإسلام فيهم منافق لا يصلى عليه ~~كما نزل (3) في حق ابن أبي وأمثاله، وأن من هو في أرض الكفر قد يكون مؤمنا ~~يصلى عليه كالنجاشي. # ويشبه هذه الآية أنه لما ذكر تعالى أهل الكتاب فقال: {ولو آمن أهل الكتاب ~~لكان خيرا ms1131 لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون - لن يضروكم إلا أذى وإن ~~يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون - ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا ~~بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك ~~بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا ~~وكانوا يعتدون - ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء ~~الليل وهم يسجدون - يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن ~~المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين} PageV05P119 # [سورة آل عمران: 110 - 114] . وهذه الآية (1) قيل: إنها نزلت في عبد الله ~~بن سلام وأصحابه، وقيل: إن قوله: {منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} هو عبد ~~الله بن سلام وأصحابه (2) . وهذا والله أعلم من نمط الذي قبله ; فإن هؤلاء ~~ما بقوا من أهل الكتاب. # وإنما المقصود من هو منهم في الظاهر، وهو مؤمن لكن لا يقدر على ما يقدر ~~عليه المؤمنون المهاجرون المجاهدون، كمؤمن آل فرعون: هو من آل فرعون وهو ~~مؤمن. # ولهذا قال تعالى: {وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا ~~أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم} [سورة غافر: 28] فهو من آل ~~فرعون وهو مؤمن. PageV05P120 # وكذلك هؤلاء منهم المؤمنون، ولهذا قال تعالى: {وأكثرهم الفاسقون} [سورة ~~آل عمران: 110] . وقد قال قبل هذا: {ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم} ~~[سورة آل عمران: 110] ثم قال: {منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} [سورة آل ~~عمران: 110] ثم قال: {لن يضروكم إلا أذى} [سورة آل عمران: 111] وهذا عائد ~~إليهم جميعهم لا إلى أكثرهم. ولهذا قال: {وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم ~~لا ينصرون} [سورة آل عمران: 111] . وقد يقاتلون وفيهم مؤمن يكتم إيمانه، ~~يشهد القتال معهم ولا يمكنه الهجرة، وهو مكره على القتال، ويبعث يوم ~~القيامة على نيته. # كما في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «يغزو جيش هذا ~~البيت، فبينما هم ببيداء من الأرض إذ خسف بهم ". فقيل: يا رسول الله، وفيهم ~~المكره؟ فقال: " يبعثون على نياتهم» " (1) . PageV05P121 # وهذا في ظاهر الأمر وإن ms1132 قتل (1) وحكم عليه بما يحكم على الكفار، فالله ~~يبعثه على نيته. كما أن المنافقين منا يحكم لهم في الظاهر بحكم الإسلام (2) ~~ويبعثون على نياتهم، فالجزاء يوم القيامة على ما في القلوب لا على مجرد ~~الظواهر (3) . # ولهذا روي «أن العباس قال: يا رسول الله، كنت مكرها. قال: " أما ظاهرك ~~فكان علينا، وأما سريرتك فإلى الله» " (4) . # وبالجملة لا خلاف بين المسلمين أن من كان في دار الكفر، وقد آمن وهو عاجز ~~عن الهجرة، لا يجب عليه من الشرائع ما يعجز عنها، بل الوجوب بحسب الإمكان. ~~وكذلك ما لم يعلم حكمه، فلو لم يعلم أن الصلاة واجبة عليه، وبقي مدة لم ~~يصل، لم يجب عليه القضاء في أظهر قولي العلماء. وهذا مذهب أبي حنيفة وأهل ~~الظاهر، وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد. وكذلك سائر الواجبات من صوم شهر ~~رمضان وأداء PageV05P122 # الزكاة وغير ذلك، ولو لم يعلم تحريم الخمر فشربها لم يحد باتفاق ~~المسلمين، وإنما اختلفوا في قضاء الصلاة (1) . # وكذلك لو عامل بما يستحله من ربا أو ميسر ثم تبين له تحريم ذلك بعد ~~القبض: هل يفسخ العقد أم لا؟ كما لا يفسخه (2) لو فعل ذلك قبل الإسلام. ~~وكذلك لو تزوج نكاحا يعتقد صحته على عادتهم، ثم لما بلغه شرائع الإسلام رأى ~~أنه قد أخل ببعض شروطه، كما لو تزوج في عدة وقد انقضت، فهل يكون هذا فاسدا ~~أو يقر عليه، كما لو عقده قبل الإسلام ثم أسلم. # وأصل هذا كله أن الشرائع هل تلزم من لم يعلمها؟ أم لا تلزم أحدا (3) إلا ~~بعد العلم؟ أو يفرق بين الشرائع الناسخة والمبتدأة؟ هذا فيه ثلاثة أقوال، ~~هي ثلاثة أوجه في مذهب أحمد؛ ذكر القاضي أبو يعلى الوجهين المطلقين في كتاب ~~له، وذكر هو وغيره الوجه المفرق في أصول الفقه، وهو أن النسخ لا يثبت في حق ~~المكلف حتى يبلغه الناسخ (4) ، وخرج أبو الخطاب وجها بثبوته. # ومن هذا الباب من ترك الطهارة الواجبة ولم يكن علم بوجوبها، أو صلى (5) ~~في الموضع المنهي عنه قبل علمه بالنهي ms1133، هل يعيد الصلاة؟ PageV05P123 # فيه روايتان منصوصتان عن أحمد. والصواب في هذا الباب كله أن الحكم لا ~~يثبت إلا مع التمكن من العلم، وأنه لا يقضي ما لم يعلم وجوبه (1) . # فقد ثبت في الصحيح أن من الصحابة من أكل بعد طلوع الفجر في رمضان حتى ~~تبين له الحبل (2) الأبيض من الأسود (3) ، ولم يأمرهم النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - بالقضاء (4) . # ومنهم من كان يمكث جنبا مدة لا يصلي، ولم يكن يعلم جواز الصلاة بالتيمم، ~~كأبي ذر، وكعمر بن الخطاب وعمار PageV05P124 # لما أجنبا، ولم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدا منهم بالقضاء (1) ~~. # ولا شك أن خلقا من المسلمين بمكة والبوادي صاروا يصلون إلى بيت المقدس ~~حتى بلغهم النسخ ولم يؤمروا بالإعادة. ومثل هذا كثير. # وهذا يطابق الأصل الذي عليه السلف والجمهور: أن الله تعالى لا يكلف نفسا ~~إلا وسعها. فالوجوب مشروط بالقدرة؛ والعقوبة لا تكون إلا على ترك مأمور أو ~~فعل محظور بعد قيام الحجة. PageV05P125 ### | [فصل كلام الذام للخلفاء ولغيرهم من الصحابة هو من باب الكلام في الأعراض وفيه حق لله تعالى] # فصل # وقد ذكرنا في غير هذا الموضوع حكم الناس في الوعد والوعيد والثواب ~~والعقاب، وأن فاعل السيئات تسقط عنه عقوبة جهنم بنحو عشرة أسباب. فإذا كان ~~هذا الحكم في المجتهدين وهذا الحكم في المذنبين حكما عاما في جميع الأمة، ~~فكيف في أصحاب (1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كان المتأخرون من ~~المجتهدين ومن المذنبين (2) يندفع عنهم الذم والعقاب بما ذكر من الأسباب، ~~فكيف بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار؟ . # ونحن نبسط هذا وننبه بالأدنى على الأعلى؛ فنقول: كلام الذام للخلفاء ~~ولغيرهم من الصحابة - من رافضي وغيره - هو من باب الكلام في الأعراض، وفيه ~~حق لله تعالى، لما يتعلق به من الولاية والعداوة والحب والبغض، وفيه حق ~~للآدميين أيضا (3) . # ومعلوم أنا إذا تكلمنا فيمن هو دون الصحابة، مثل الملوك المختلفين على ~~الملك، والعلماء والمشايخ المختلفين في (4) العلم والدين، وجب أن يكون ~~الكلام بعلم وعدل لا بجهل وظلم ; فإن العدل واجب لكل ms1134 أحد على كل أحد في كل ~~حال. والظلم محرم مطلقا، لا يباح قط بحال. # قال تعالى: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} ~~PageV05P126 # [سورة المائدة: 8] وهذه الآية نزلت بسبب بغضهم للكفار، وهو بغض مأمور به. ~~فإذا كان البغض الذي أمر الله به قد نهي صاحبه أن يظلم من أبغضه (1) ، فكيف ~~في بغض مسلم بتأويل وشبهة أو بهوى نفس؟ فهو أحق أن لا يظلم، بل يعدل عليه ~~(2) . # وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق من عدل عليهم في القول ~~والعمل. والعدل مما اتفق أهل الأرض على مدحه ومحبته، والثناء على أهله ~~ومحبتهم. والظلم مما اتفقوا (3) على بغضه وذمه (4) وتقبيحه، وذم أهله ~~وبغضهم، وليس المقصود الكلام في التحسين والتقبيح العقلي، فقد تكلمنا عليه ~~في غير هذا الموضوع في مصنف مفرد (5) ، ولكن المقصود أن العدل محمود محبوب ~~باتفاق أهل الأرض، وهو محبوب في النفوس، مركوز حبه في القلوب، تحبه القلوب ~~وتحمده، وهو من المعروف الذي تعرفه القلوب، والظلم من المنكر الذي تنكره ~~القلوب فتبغضه وتذمه. # والله تعالى أرسل الرسل ليقوم الناس بالقسط. قال الله تعالى: {لقد أرسلنا ~~رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} [سورة ~~الحديد: 25] (6) . وقال تعالى: {الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان} ~~PageV05P127 # [سورة الشورى: 17] . وقال تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى ~~أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} [سورة النساء: 58] . # وقال: {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا ~~وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين} [سورة المائدة: 42] . # وقال: {فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق} ~~[سورة المائدة: 48] فأمره أن يحكم بالقسط وأن يحكم بما أنزل الله، فدل ذلك ~~على أن القسط هو ما أنزل الله، فما أنزل الله هو القسط، والقسط هو ما أنزل ~~الله. # ولهذا وجب على كل من حكم بين اثنين أن يحكم بالعدل لقوله تعالى: {وإذا ~~حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} [سورة النساء: 58] فليس ms1135 لحاكم أن يحكم ~~بظلم أبدا، والشرع الذي يجب على حكام المسلمين الحكم به عدل كله، ليس في ~~الشرع ظلم أصلا، بل حكم الله أحسن الأحكام (1) . # والشرع هو ما أنزل الله ; فكل من حكم بما أنزل الله فقد حكم بالعدل، لكن ~~العدل قد يتنوع بتنوع الشرائع والمناهج، فيكون العدل في كل شرعة بحسبها. # ولهذا قال تعالى: PageV05P128 # {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين - وكيف يحكمونك ~~وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين - ~~إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين ~~هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء ~~فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل ~~الله فأولئك هم الكافرون} [سورة المائدة 42 - 44] . # إلى قوله: {وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل ~~الله فأولئك هم الفاسقون - وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه ~~من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما ~~جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ~~ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم ~~بما كنتم فيه تختلفون - وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ~~واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد ~~الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون - أفحكم الجاهلية ~~يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} [سورة المائدة 47 - 50] . # ذكر سبحانه حكم التوراة والإنجيل، ثم ذكر أنه أنزل القرآن، وأمر نبيه أن ~~يحكم بينهم بالقرآن ولا يتبع أهواءهم عما جاءه من الكتاب، وأخبر أنه جعل ~~لكل واحد من الأنبياء شرعة ومنهاجا فجعل لموسى وعيسى ما في التوراة ~~والإنجيل من الشرعة والمنهاج (1) ، وجعل للنبي - صلى الله عليه PageV05P129 # وسلم - ما في القرآن من الشرعة والمنهاج (1) ، وأمره أن يحكم بما أنزل ~~الله، وحذره أن يفتنوه عن ms1136 بعض ما أنزل الله، وأخبره أن ذلك هو حكم الله، ~~ومن ابتغى غيره فقد ابتغى حكم الجاهلية، وقال: {ومن لم يحكم بما أنزل الله ~~فأولئك هم الكافرون} [سورة المائدة 44] . # ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله (2) فهو ~~كافر، فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلا من غير اتباع لما أنزل ~~(3) الله فهو كافر ; فإنه ما من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل، وقد يكون ~~العدل في دينها ما رآه أكابرهم، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون ~~بعاداتهم التي لم ينزلها الله سبحانه وتعالى، كسوالف البادية، وكأوامر ~~المطاعين فيهم (4) ، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب ~~والسنة. # وهذا هو الكفر، فإن كثيرا من الناس أسلموا، ولكن مع هذا لا يحكمون إلا ~~بالعادات الجارية لهم التي يأمر بها المطاعون، فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا ~~يجوز الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ~~ما أنزل الله فهم كفار، وإلا كانوا جهالا، كمن تقدم أمرهم (5) . # وقد أمر الله المسلمين كلهم إذا تنازعوا في شيء أن يردوه إلى الله ~~PageV05P130 # والرسول، فقال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ~~وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم ~~تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} [سورة النساء 59] . # وقال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا ~~في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [سورة النساء 65] فمن لم يلتزم ~~تحكيم (1) الله ورسوله فيما شجر بينهم فقد أقسم الله بنفسه أنه لا يؤمن، ~~وأما من كان ملتزما لحكم الله ورسوله باطنا وظاهرا، لكن عصى واتبع هواه، ~~فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة. # وهذه الآية مما يحتج بها الخوارج على تكفير ولاة الأمر الذين لا يحكمون ~~بما أنزل الله، ثم يزعمون أن اعتقادهم هو حكم الله. وقد تكلم الناس بما ~~يطول ذكره هنا، وما ذكرته يدل عليه سياق الآية. # والمقصود ms1137 أن الحكم بالعدل واجب مطلقا، في كل زمان ومكان على كل أحد ولكل ~~أحد، والحكم بما أنزل الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - هو عدل خاص، ~~وهو أكمل أنواع العدل وأحسنها، والحكم به واجب على النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - وكل من اتبعه، ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر. # وهذا واجب على الأمة في كل ما تنازعت فيه من الأمور الاعتقادية والعملية. ~~قال تعالى: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل ~~معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا ~~الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات} PageV05P131 # [سورة البقرة 213] . # وقال تعالى: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} [سورة الشورى 10] . ~~وقال: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [سورة النساء 59] ~~فالأمور المشتركة بين الأمة لا يحكم فيها إلا الكتاب والسنة، ليس لأحد أن ~~يلزم الناس (1) بقول عالم ولا أمير ولا شيخ ولا ملك. # ومن اعتقد أنه يحكم بين الناس بشيء من ذلك، ولا يحكم بينهم بالكتاب ~~والسنة فهو كافر، وحكام المسلمين يحكمون في الأمور المعينة، لا يحكمون في ~~الأمور الكلية، وإذا حكموا في المعينات فعليهم أن يحكموا بما في كتاب الله، ~~فإن لم يكن فبما في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن لم يجدوا ~~اجتهد الحاكم برأيه. # وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم: " «القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، ~~وقاض في الجنة ; فمن علم الحق وقضى به فهو في الجنة، ومن علم الحق وقضى ~~بخلافه فهو في النار، ومن قضى للناس على جهل فهو في النار» " (2) . # وإذا حكم بعلم وعدل ; فإذا اجتهد فأصاب (3) فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ ~~فله أجر كما ثبت ذلك في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجهين ~~(4) . PageV05P132 # والمقصود هنا أنه إذا وجب فيما شجر بين عموم (1) المؤمنين أن لا يتكلم ~~إلا بعلم وعدل، ويرد ذلك إلى الله والرسول، فذاك في أمر الصحابة أظهر. فلو ~~طعن طاعن في بعض ولاة الأمور ms1138، من ملك وحاكم وأمير وشيخ ونحو ذلك، وجعله ~~كافرا معتديا على غيره في ولاية أو غيرها، وجعل غيره هو العالم العادل ~~المبرأ من كل خطأ وذنب، وجعل كل من أحب الأول وتولاه كافرا أو ظالما مستحقا ~~للسب وأخذ يسبه، فإنه يجب الكلام في ذلك بعلم وعدل. # والرافضة سلكوا في الصحابة مسلك التفرق، فوالوا بعضهم وغالوا فيه وعادوا ~~بعضهم وغالوا في معاداته وقد يسلك كثير من الناس ما يشبه هذا في أمرائهم ~~وملوكهم وعلمائهم وشيوخهم، فيحصل بينهم رفض في غير الصحابة: تجد أحد ~~الحزبين يتولى فلانا ومحبيه، ويبغض فلانا ومحبيه، وقد يسب ذلك بغير حق. # وهذا كله من التفرق والتشيع الذي نهى الله عنه ورسوله، فقال تعالى: {إن ~~الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء} [سورة الأنعام 159] . وقال ~~تعالى: {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم ~~مسلمون - واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ ~~كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا} [سورة آل عمران 102 - ~~103] . # وقال تعالى: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ~~وأولئك لهم عذاب عظيم - يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم ~~أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون - وأما الذين ابيضت ~~وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون} PageV05P133 # [سورة آل عمران 105 - 107] . قال ابن عباس: تبيض وجوه أهل السنة وتسود ~~وجوه أهل البدعة (1) . ولهذا كان أبو أمامة الباهلي وغيره يتأولها في ~~الخوارج. # فالله تعالى قد أمر المؤمنين كلهم أن يعتصموا بحبله جميعا ولا يتفرقوا، ~~وقد فسر حبله بكتابه، وبدينه، وبالإسلام، وبالإخلاص، وبأمره، وبعهده، ~~وبطاعته، وبالجماعة. وهذه كلها منقولة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى ~~يوم الدين، وكلها صحيحة (2) ; فإن القرآن يأمر بدين الإسلام، وذلك هو عهده ~~وأمره وطاعته، والاعتصام به جميعا إنما يكون في الجماعة، ودين الإسلام ~~حقيقته الإخلاص لله. # وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ~~«إن الله يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوه ولا ms1139 تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل ~~الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم» (3) ". ~~PageV05P134 # والله تعالى قد حرم ظلم المسلمين: أحيائهم وأمواتهم، وحرم دماءهم ~~وأموالهم وأعراضهم. وقد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~أنه قال في حجة الوداع: " «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة ~~يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا. ألا هل بلغت، ألا ليبلغ الشاهد ~~الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع» (1) ". # وقد قال تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد ~~احتملوا بهتانا وإثما مبينا} [سورة الأحزاب 58] فمن آذى مؤمنا حيا أو ميتا ~~بغير ذنب يوجب ذلك، فقد دخل في هذه الآية، ومن كان مجتهدا لا إثم عليه، ~~فإذا آذاه مؤذ (2) فقد آذاه بغير ما اكتسب، ومن كان مذنبا وقد تاب من ذنبه، ~~أو غفر له بسبب آخر بحيث لم يبق عليه عقوبة فآذاه مؤذ، فقد آذاه بغير ما ~~اكتسب، وإن حصل له بفعله مصيبة. # ولما «حاج موسى آدم (3) ، وقال: لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فقال آدم: ~~بكم وجدت مكتوبا علي قبل أن أخلق: {وعصى آدم ربه فغوى} [سورة طه 121] قال: ~~بأربعين سنة. قال: فحج آدم موسى» . وهذا الحديث ثابت في الصحيحين (4) ، لكن ~~غلط كثير من الناس في معناه، فظنوا أن آدم احتج بالقدر على أن الذنب (5) لا ~~يلام عليه، ثم تفرقوا بعد هذا: بين مكذب بلفظه ومتأول لمعناه تأويلات ~~فاسدة. وهذا فهم PageV05P135 # فاسد وخطأ عظيم، لا يجوز أن يظن بأقل الناس علما وإيمانا ; أن يظن أن كل ~~من أذنب فلا ملام عليه لكون الذنب مقدرا عليه، وهو يسمع ما أخبر الله به في ~~القرآن من تعذيبه لقوم نوح وعاد وثمود، وقوم فرعون ومدين، وقوم لوط (1) ~~وغيرهم. # والقدر شامل لجميع الخلق، فلو كان المذنب معذورا لم يعذب هؤلاء على ~~ذنوبهم، وهو يعلم ما أرسل الله به رسله محمدا وغيره من عقوبات المعتدين، ~~كما في التوراة والقرآن (2) ، وما أمر الله به من إقامة الحدود على ~~المفسدين، ومن قتال الكافرين، وما شرعه ms1140 الله من إنصاف المظلومين من ~~الظالمين، وما يقضي به يوم القيامة بين عباده من عقوبة الكفار (3) ، ~~والاقتصاص للمظلوم من الظالم. وقد بسطنا الكلام على هذا في غير هذا الموضع. # لكن مقصود الحديث أن ما يصيب العبد من المصائب فهي مقدرة عليه، ينبغي أن ~~يسلم لقدر الله. كما قال تعالى: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن ~~بالله يهد قلبه} [سورة التغابن 11] . قال علقمة: هو الرجل (4) تصيبه ~~المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم. وروى الوالبي عن ابن عباس: ~~يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ~~ليصيبه. وقال ابن السائب وابن قتيبة: إنه إذا ابتلي، صبر وإذا أنعم عليه ~~شكر، وإذا ظلم غفر. PageV05P136 # وإن كانت المصيبة بسبب فعل الأب أو الجد، فإن آدم قد تاب من الأكل، فما ~~بقي عليه ملام للتوبة، والمصيبة كانت مقدرة، فلا معنى للوم آدم عليها، فليس ~~للإنسان أن يؤذي مؤمنا جرى له على يديه (1) ما هو مصيبة في حقه. # والمؤمن إما معذور وإما مغفور له. ولا ريب أن كثيرا ممن حصل له مصيبة (2) ~~أو فوات غرض ببعض الماضين يسرع بذمه، كما يظن (3) بعض الرافضة أن أبا بكر ~~وعمر وعثمان رضي الله عنهم كانوا هم السبب في منع حقهم ظلما، وهذا كذب ~~عليهم. أو يقولون: بسببهم ظلمنا غيرهم، وهذا عدوان عليهم ; فإن القوم كانوا ~~عادلين متبعين لأمر الله ورسوله. # ومن أصابته مصيبة بسبب ما جاء به الرسول فبذنوبه أصيب، فليس لأحد أن يعيب ~~الرسول وما جاء به، لكونه فيه (4) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد ~~المنافقين، أو لكونه بسبب تقديمه أبا بكر وعمر قدمهما المسلمون بعده، كما ~~يذكر عن بعض الرافضة أنه آذى الله ورسوله بسبب تقديم الله ورسوله (5) . ~~لأبي بكر (* وعمر. # وعن بعضهم أنهم «كانوا يقرءون شيئا من الحديث في مسجد النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - فأتوا على فضائل أبي بكر، فلما سمعها قال PageV05P137 # لأصحابه: تعلمون والله بلاءكم من صاحب هذا القبر، يقول: مروا أبا بكر ms1141 ~~فليصل بالناس، لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، يأبى ~~الله والمسلمون إلا أبا بكر» . # وهذا كما أنه ليس لأحد *) (1) أن يقول بسبب نزول القرآن بلسان العرب (2) ~~اختلفت الأمة في التأويل واقتتلوا، إلى أمثال هذه الأمور التي يجعل الشر ~~الواقع فيها بسبب ما جاء به الرسول ; فإن هذا كله باطل، وهو من كلام ~~الكفار. # قال تعالى عن الكفار الذين قالوا (3) لرسلهم: {قالوا إنا تطيرنا بكم لئن ~~لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم - قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم ~~بل أنتم قوم مسرفون} [سورة يس 18 - 19] . # وقال عن قوم فرعون: {فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة ~~يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله} [سورة الأعراف 131] . # وقال لما ذكر الأمر بالجهاد وأن من الناس من يبطئ عنه {أينما تكونوا ~~يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند ~~الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء ~~القوم لا يكادون يفقهون حديثا - ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من ~~سيئة فمن نفسك} [سورة النساء 78 - 79] . PageV05P138 # والمراد بالحسنات والسيئات هنا النعم والمصائب، كما قد سمى الله ذلك ~~حسنات وسيئات في غير هذا الموضع من القرآن كقوله: {وبلوناهم بالحسنات ~~والسيئات} [سورة الأعراف 168] وقوله: {إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة ~~يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون} [سورة التوبة 50] . # ولهذا قال: ما أصابك ولم يقل: ما أصبت. وهكذا قال السلف. ففي رواية أبي ~~صالح (1) عن ابن عباس: أن الحسنة: الخصب (2) والمطر، والسيئة: الجدب ~~والغلاء. وفي رواية الوالبي عنه: أن الحسنة: الفتح والغنيمة، والسيئة ~~الهزيمة والجراح ونحو ذلك (3) . وقال في هذه الرواية: ما أصابك من حسنة: ما ~~فتح الله عليه يوم بدر، والسيئة ما أصابه يوم أحد. وكذلك قال ابن قتيبة: ~~الحسنة: الغنيمة والنعمة (4) ، والسيئة البلية. وروي ذلك عن أبي العالية، ~~وروي عنه أن الحسنة: الطاعة، والسيئة: المعصية. # وهذا يظنه طائفة من المتأخرين ms1142، ثم اختلف هؤلاء، فقال مثبتة القدر هذا حجة ~~لنا، لقوله سبحانه: {قل كل من عند الله} [سورة النساء 78] . وقال نفاته: بل ~~هو حجة لنا لقوله: {وما أصابك من سيئة فمن نفسك} [سورة النساء 79] . وحجة ~~كل فريق تدل على فساد قول الآخر. والقولان PageV05P139 # باطلان في هذه الآية ; فإن المراد: النعم والمصائب ولهذا قال: وإن تصبهم ~~والضمير قد قيل: إنه يعود على المنافقين، وقيل: على اليهود، وقيل: على ~~الطائفتين. # والتحقيق أنه يعود على من قال هذا من أي صنف كان. ولهذا قيل: هذا لا يعين ~~قائله ; لأنه دائما يقوله بعض الناس، فكل من قاله تناولته الآية ; فإن ~~الطاعنين فيما جاء به الرسول (1) من كافر ومنافق، بل ومن في قلبه مرض أو ~~عنده جهل يقول مثل ذلك، وكثير من الناس يقول ذلك في بعض ما جاء به الرسول، ~~ولا يعلم أنه جاء به، لظنه خطأ صاحبه، ويكون هو المخطئ، فإذا أصابهم نصر ~~ورزق، قالوا: هذا من عند الله، لا يضيفه إلى ما جاء به الرسول، وإن كان ~~سببا له. وإن أصابهم نقص رزق وخوف من العدو وظهوره، قالوا: هذا من عندك، ~~لأنه أمر بالجهاد فجرى ما جرى، وأنهم تطيروا بما جاء به، كما تطير قوم ~~فرعون بما جاء به موسى. # والسلف ذكروا المعنيين، فعن ابن عباس، قال: بشؤمك. وعن ابن زيد قال: بسوء ~~تدبيرك. قال تعالى: {قل كل من عند الله} [سورة النساء 78] . وعن ابن عباس: ~~الحسنة والسيئة، أما الحسنة فأنعم بها عليك، وأما السيئة فابتلاك بها. فما ~~لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا! ؟ وقد قيل في مثل هذا: لم يفقهوه (2) ~~ولم يكادوا، وأن النفي مقابل الإثبات. وقيل: بل معناه فقهوه (3) بعد أن ~~كادوا لا يفقهونه (4) . كقوله PageV05P140 # : {فذبحوها وما كادوا يفعلون} [سورة البقرة 71] ، فالمنفي بها مثبت، ~~والمثبت بها منفي (1) ، وهذا هو المشهور وعليه عامة الاستعمال. وقد يقال ~~(2) : يراد بها هذا تارة وهذا تارة ; فإذا صرحت بإثبات الفعل فقد وجد، فإذا ~~لم يؤت إلا بالنفي المحض كقوله: {لم يكد يراها} و {لا يكادون يفقهون ms1143 حديثا} ~~فهذا نفي مطلق، ولا قرينة معه تدل على الإثبات فيفرق بين مطلقها ومقيدها. # وهذه الأقوال الثلاثة للنحاة، وقال بكل قول طائفة. وقد وصف الله تعالى ~~المنافقين بعدم الفقه في مثل قوله تعالى: {هم الذين يقولون لا تنفقوا على ~~من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا ~~يفقهون} [سورة المنافقون 7] . # وفي مثل قوله: {ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين ~~أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا ~~أهواءهم} [سورة محمد 16] . فدل على أنهم لم يكونوا يفقهون القرآن. # لكن قوله حديثا نكرة في سياق النفي فتعم، كما قال في الكهف: {وجد من ~~دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا} [سورة الكهف 93] . ومعلوم أنهم (3) لا ~~بد أن يفقهوا بعض الأقوال، وإلا فلا يعيش الإنسان بدون ذلك، فعلم أن المراد ~~أنهم يفقهون بعد أن كادوا لم يفقهوه (4) . PageV05P141 # وكذلك في الرواية (1) ، وهذا أظهر أقوال النحاة (2) وأشهرها. # والمقصود أن هؤلاء لو فقهوا القرآن لعلموا أنك ما أمرتهم إلا بخير، وما ~~نهيتهم إلا عن شر، وأنه لم تكن المصيبة الحاصلة لهم بسببك، بل بسبب ذنوبهم. ~~ثم قال الله تعالى: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن ~~نفسك} [سورة النساء 79] . قال ابن عباس: وأنا (3) كتبتها عليك. وقيل: إنها ~~في حرف عند الله (4) وأنا قدرتها عليك. # وهذا كقوله: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} [سورة ~~الشورى 30] ، وقوله: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل ~~هو من عند أنفسكم} [سورة آل عمران 165] وقوله: {وإن تصبهم سيئة بما قدمت ~~أيديهم فإن الإنسان كفور} [سورة الشورى 48] . # وأما رواية كردم عن يعقوب: فمن نفسك، فمعناها يناقض القراءة المتواترة ~~فلا يعتمد عليها. # ومعنى هذه الآية كما في الحديث الصحيح الإلهي: " «يا عبادي إنما هي ~~أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد ~~غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» " (5) . # ومعنى هذه الآية متناول لكل من ms1144 نسب ما أصابه من المصيبة إلى ما ~~PageV05P142 # أمر الله به ورسوله كائنا من كان (1) . فمن قال: إنه بسبب تقديمه لأبي ~~بكر وعمر، واستخلافه في الصلاة، أو بسبب ولايتهما، حصل لهم (2) مصيبة. قيل: ~~مصيبتكم بسبب ذنوبكم: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا - ويرزقه من حيث لا ~~يحتسب} [سورة الطلاق 2 - 3] ، بل هذا كله من أذى المؤمنين بغير ما اكتسبوا ~~وقد قال تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضا} [سورة الحجرات: 12] . # وثبت في الصحيح (3) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «الغيبة ~~ذكرك أخاك بما يكره ". قيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: " إن كان ~~فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته» (4) ". فمن رمى أحدا بما ~~ليس فيه فقد بهته، فكيف إذا كان ذلك في الصحابة؟ . # ومن قال عن مجتهد: إنه تعمد الظلم وتعمد (5) معصية الله ورسوله ومخالفة ~~الكتاب والسنة، ولم يكن كذلك فقد بهته، وإذا كان فيه ذلك فقد اغتابه، لكن ~~يباح من ذلك ما أباحه (6) الله ورسوله، وهو ما يكون (7) PageV05P143 # على وجه القصاص والعدل، وما يحتاج إليه لمصلحة الدين ونصيحة المسلمين. ~~فالأول كقول المشتكي المظلوم: فلان ضربني وأخذ مالي ومنعني حقي ونحو ذلك. # قال تعالى: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم} [سورة ~~النساء: 148] ، وقد نزلت فيمن ضاف قوما فلم يقروه، لأن قرى الضيف واجب، كما ~~دلت عليه (1) الأحاديث الصحيحة، فلما منعوه حقه كان له ذكر ذلك، وقد أذن له ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعاقبهم (2) بمثل قراه في زرعهم ومالهم، ~~وقال: " نصره واجب على كل مسلم " (3) لأنه قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: " ~~«انصر أخاك ظالما أو مظلوما " قلت: يا رسول الله، أنصره مظلوما فكيف أنصره ~~ظالما؟ قال: تمنعه (4) من الظلم فذلك نصرك إياه» " (5) . # وأما الحاجة فمثل استفتاء هند بنت عتبة، كما ثبت في الصحيح أنها ~~PageV05P144 # «قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني وبني ما يكفيني ~~بالمعروف. فقال: النبي - صلى الله عليه وسلم: " خذي ما يكفيك ms1145 وولدك ~~بالمعروف» " أخرجاه في الصحيحين من حديث عائشة (1) ، فلم ينكر عليها قولها، ~~وهو من جنس قول المظلوم. # وأما النصيحة فمثل «قوله - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت قيس لما ~~استشارته فيمن خطبها فقالت: خطبني أبو جهم ومعاوية. فقال: " أما معاوية ~~فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه " وفي لفظ: " يضرب ~~النساء "، " انكحي أسامة» " (2) فلما استشارته حتى تتزوج (3) ذكر ما تحتاج ~~إليه. # وكذلك من استشار رجلا فيمن (4) يعامله. والنصيحة مأمور بها ولو لم ~~PageV05P145 # يشاوره ; فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: " ~~«الدين النصيحة، الدين النصيحة» " ثلاثا. قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال لله ~~ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " (1) . # وكذلك بيان أهل العلم لمن غلط في رواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~أو تعمد الكذب عليه، أو على من ينقل عنه العلم. وكذلك بيان من غلط في رأي ~~رآه في أمر الدين من المسائل العلمية والعملية ; فهذا إذا تكلم فيه الإنسان ~~بعلم وعدل، وقصد النصيحة، فالله تعالى يثيبه على ذلك، لا سيما إذا كان ~~المتكلم فيه داعيا إلى بدعة، فهذا يجب بيان أمره للناس، فإن دفع شره عنهم ~~أعظم من دفع شر قاطع الطريق. # وحكم المتكلم باجتهاده في العلم والدين حكم أمثاله من المجتهدين. ثم قد ~~يكون مجتهدا مخطئا أو مصيبا، وقد يكون كل من الرجلين المختلفين باللسان أو ~~اليد مجتهدا يعتقد الصواب معه، وقد يكونان جميعا مخطئين مغفورا لهما، كما ~~ذكرنا نظير ذلك مما كان يجري بين الصحابة. # ولهذا ينهى عما شجر بين هؤلاء سواء كانوا من الصحابة أو ممن بعدهم (2) ، ~~فإذا تشاجر مسلمان في قضية، ومضت ولا تعلق للناس بها، ولا يعرفون حقيقتها، ~~كان كلامهم فيها كلاما (3) بلا علم ولا عدل يتضمن أذاهما (4) بغير حق، ولو ~~عرفوا أنهما مذنبان أو مخطئان، لكان ذكر ذلك PageV05P146 # من غير مصلحة راجحة من باب الغيبة المذمومة. # لكن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين (1) أعظم حرمة، وأجل قدرا، وأنزه ~~أعراضا. وقد ثبت من فضائلهم خصوصا وعموما ما ms1146 لم يثبت لغيرهم، فلهذا كان ~~الكلام الذي فيه ذمهم على ما شجر بينهم أعظم إثما من الكلام في غيرهم. # فإن قيل: فأنتم في هذا المقام (2) تسبون الرافضة وتذمونهم وتذكرون ~~عيوبهم. # قيل: ذكر الأنواع المذمومة غير ذكر الأشخاص المعينة ; فإنه قد ثبت عن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن أنواعا كثيرة، كقوله: " «لعن الله الخمر ~~وشاربها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وبائعها وآكل ثمنها» ~~(3) " و " «لعن الله آكل الربا وموكله، وكاتبه وشاهديه» " (4) ، و " «لعن ~~الله من غير منار الأرض» " (5) وقال: " «المدينة PageV05P147 # حرم (1) ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثا، أو آوى محدثا فعليه ~~لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا» " (2) ~~. # وقال: " «لعن الله من عمل عمل قوم لوط» " (3) وقال: " «لعن الله المخنثين ~~من الرجال والمترجلات من النساء» " (4) وقال: " «من ادعى إلى غير (5) أبيه، ~~PageV05P148 # أو تولى (1) غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا ~~يقبل الله منه صرفا ولا عدلا» " (2) . # وقال الله تعالى في القرآن: {أن لعنة الله على الظالمين - الذين يصدون عن ~~سبيل الله ويبغونها عوجا} [سورة الأعراف: 44 - 45] . # فالقرآن والسنة مملوءان من ذم الأنواع المذمومة وذم أهلها ولعنهم، تحذيرا ~~من ذلك الفعل، وإخبارا بما يلحق أهله من الوعيد. # ثم المعاصي التي يعرف صاحبها أنه عاص [يتوب منها، والمبتدع الذي يظن أنه ~~على حق كالخوارج والنواصب الذي نصبوا العداوة والحرب] (3) لجماعة المسلمين ~~فابتدعوا بدعة، وكفروا من لم يوافقهم عليها، فصار بذلك ضررهم على المسلمين ~~أعظم من ضرر الظلمة، الذين يعلمون أن الظلم محرم، وإن كانت عقوبة أحدهم في ~~الآخرة لأجل التأويل قد تكون أخف، لكن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~PageV05P149 # بقتالهم، ونهى عن قتال الأمراء الظلمة، وتواترت عنه بذلك الأحاديث ~~الصحيحة. # فقال: في الخوارج: " «يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وقراءته مع قراءتهم، ~~وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما ~~يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم» " (1) . # وقال في بعضهم: " «يقتلون أهل الإيمان: ويدعون أهل الأوثان» " (2) . # وقال للأنصار: " «إنكم ms1147 ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» " ~~(3) أي تلقون من يستأثر عليكم بالمال ولا ينصفكم، فأمرهم بالصبر، ولم يأذن ~~لهم في قتالهم. # وقال أيضا: " «سيكون عليكم بعدي أمراء يطلبون منكم حقكم ويمنعونكم حقهم ~~". قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: " أدوا إليهم PageV05P150 # حقهم وسلوا الله حقكم» " (1) . # وقال: " «من رأى من أميره شيئا فليصبر عليه ; فإنه من فارق الجماعة قيد ~~شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه» " (2) . # وقال: " «من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة مات ميتة جاهلية» " (3) . # وقال: " «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون ~~عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم ". ~~قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: " لا ما صلوا» " (4) . # وهذه الأحاديث كلها في الصحيح، إلى أحاديث أمثالها. # فهذا أمره بقتال الخوارج، وهذا نهيه عن قتال الولاة الظلمة. وهذا مما ~~يستدل به على أنه ليس كل ظالم باغ يجوز قتاله. # ومن أسباب ذلك أن الظالم الذي (5) يستأثر بالمال والولايات لا يقاتل في ~~العادة إلا لأجل الدنيا (6) ، يقاتله (7) الناس حتى يعطيهم المال ~~والولايات، وحتى لا يظلمهم، فلم يكن أصل قتالهم ليكون الدين كله لله، ~~ولتكون كلمة الله هي العليا، ولا كان قتالهم من جنس قتال المحاربين قطاع ~~الطريق، الذين قال فيهم (8) : " «من قتل دون ماله فهو PageV05P151 # شهيد، ومن قتل دون [دينه فهو شهيد، ومن قتل دون] (1) حرمته فهو شهيد» " ~~(2) لأن أولئك معادون لجميع الناس، وجميع الناس يعينون على قتالهم، ولو قدر ~~أنه ليس كذلك العداوة والحرب، فليسوا ولاة أمر قادرين على الفعل والأخذ، بل ~~هم بالقتال يريدون أن يأخذوا أموال الناس ودماءهم، فهم مبتدءون الناس ~~بالقتال، بخلاف ولاة الأمور فإنهم لا يبتدءون بالقتال للرعية. # وفرق بين (3) من تقاتله دفعا وبين من تقاتله ابتداء. ولهذا هل يجوز في ~~حال الفتنة قتال الدفع؟ فيه عن أحمد روايتان لتعارض الآثار والمعاني. # وبالجملة العادة المعروفة أن الخروج على ولاة الأمور يكون لطلب ما في ~~أيديهم من المال والإمارة، وهذا قتال على الدنيا. PageV05P152 # ولهذا قال أبو برزة الأسلمي عن فتنة ابن الزبير، وفتنة القراء مع ms1148 الحجاج، ~~وفتنة مروان بالشام: هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء إنما يقاتلون على الدنيا، وأما ~~أهل البدع كالخوارج فهم يريدون إفساد دين الناس، فقتالهم قتال على (1) ~~الدين. # والمقصود بقتالهم أن تكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله. ~~فلهذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا، ونهى عن ذلك. # ولهذا كان قتال علي رضي الله عنه للخوارج (2) ثابتا بالنصوص الصريحة، ~~وبإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وسائر علماء المسلمين. وأما قتال ~~الجمل وصفين فكان قتال فتنة، كرهه فضلاء الصحابة والتابعين لهم بإحسان ~~وسائر العلماء، كما دلت عليه النصوص. حتى الذين حضروه كانوا كارهين له، ~~فكان كارهه في الأمة أكثر وأفضل من حامده. # وقد ثبت في الصحيحين من غير وجه «أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقسم ~~مالا فجاء ذو الخويصرة التميمي، وهو محلوق الرأس، كث اللحية، ناتئ الجبين، ~~بين عينيه أثر السجود، فقال: يا محمد اعدل فإنك لم تعدل. فقال: " ويحك ومن ~~(3) يعدل إذا لم أعدل؟ " ثم قال: أيأمنني (4) من في السماء ولا تأمنوني (5) ~~؟ " فقال له: بعض الصحابة: دعني PageV05P153 # أضرب عنقه. فقال: " يخرج من ضئضئ هذا أقوام يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، ~~وصيامه مع صيامهم» " الحديث (1) . # فهذا كلامه في هؤلاء العباد لما كانوا مبتدعين. وثبت عنه في الصحيح «أن ~~رجلا كان يشرب الخمر، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - كلما أتي به إليه ~~جلده الحد، فأتي به إليه مرة فلعنه رجل، وقال: ما أكثر ما يؤتى به النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - فقال: " لا تلعنه ; فإنه يحب الله ورسوله» " (2) فنهى ~~عن لعن هذا المعين المدمن الذي يشرب الخمر، وشهد له بأنه يحب الله ورسوله، ~~مع لعنة شارب الخمر عموما. # فعلم الفرق بين العام المطلق والخاص المعين، وعلم أن أهل الذنوب الذين ~~يعترفون بذنوبهم أخف ضررا على المسلمين من أمر أهل البدع الذين يبتدعون ~~بدعة يستحلون بها عقوبة من يخالفهم. # والرافضة أشد بدعة من الخوارج، وهم يكفرون من لم تكن الخوارج تكفره، كأبي ~~بكر وعمر، ويكذبون على النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة كذبا ms1149 ما كذب ~~أحد مثله، والخوارج لا يكذبون، لكن الخوارج كانوا أصدق وأشجع منهم، وأوفى ~~بالعهد منهم، فكانوا أكثر قتالا منهم، وهؤلاء أكذب وأجبن وأغدر وأذل. ~~PageV05P154 # وهم يستعينون بالكفار على المسلمين، فقد رأينا ورأى المسلمون أنه إذا ~~ابتلي المسلمون بعدو كافر كانوا معه على المسلمين، كما جرى لجنكزخان (1) ~~ملك التتر (2) الكفار، فإن الرافضة أعانته على المسلمين (3) . # وأما إعانتهم لهولاكو ابن ابنه لما جاء إلى خراسان والعراق والشام فهذا ~~أظهر وأشهر من أن يخفى على أحد، فكانوا بالعراق وخراسان من أعظم أنصاره ~~ظاهرا وباطنا (4) ، وكان وزير الخليفة ببغداد (5) الذي يقال له ابن العلقمي ~~منهم (6) ، فلم يزل يمكر بالخليفة والمسلمين، ويسعى في قطع أرزاق عسكر ~~المسلمين وضعفهم، وينهى العامة عن قتالهم، ويكيد أنواعا من الكيد، حتى ~~دخلوا فقتلوا من المسلمين ما يقال: إنه بضعة عشر ألف ألف إنسان، أو أكثر أو ~~أقل، ولم ير في الإسلام ملحمة مثل ملحمة الترك الكفار المسمين بالتتر، ~~وقتلوا الهاشميين وسبوا نساءهم من العباسيين وغير العباسيين (7) ، فهل يكون ~~مواليا لآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يسلط الكفار على قتلهم ~~وسبيهم وعلى سائر المسلمين؟ . PageV05P155 # وهم يكذبون على الحجاج وغيره أنه قتل الأشراف، ولم يقتل الحجاج هاشميا ~~قط، مع ظلمه وغشمه ; فإن عبد الملك نهاه عن ذلك، وإنما قتل ناسا من أشراف ~~العرب غير بني هاشم، وقد تزوج هاشمية، وهي بنت عبد الله بن جعفر، فما مكنه ~~بنو أمية من ذلك، وفرقوا بينه وبينها وقالوا: ليس الحجاج كفوا لشريفة ~~هاشمية. # وكذلك من كان (1) بالشام من الرافضة الذين لهم كلمة أو سلاح يعينون ~~الكفار من المشركين ومن النصارى (2) أهل الكتاب على المسلمين، على قتلهم ~~وسبيهم وأخذ أموالهم. # والخوارج ما عملت من هذا شيئا، بل كانوا هم (3) يقاتلون الناس، لكن ما ~~كانوا يسلطون الكفار من المشركين وأهل الكتاب على المسلمين. PageV05P156 # ودخل في الرافضة من الزنادقة المنافقين (1) : الإسماعيلية والنصيرية ~~وغيرهم ممن (2) لم يكن يجترئ أن يدخل عسكر الخوارج، لأن الخوارج كانوا ~~عبادا متورعين، كما قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم ms1150: " «يحقر أحدكم ~~صلاته مع صلاتهم [وصيامه مع صيامهم] » " (3) الحديث (4) ، فأين هؤلاء ~~الرافضة من الخوارج؟ . # والرافضة فيهم من هو متعبد متورع زاهد، لكن ليسوا في ذلك مثل غيرهم من ~~أهل الأهواء، فالمعتزلة أعقل منهم وأعلم وأدين، والكذب والفجور فيهم أقل ~~منه في الرافضة. والزيدية من الشيعة خير منهم: أقرب إلى الصدق والعدل ~~والعلم (5) ، وليس في أهل الأهواء أصدق ولا أعبد من الخوارج، ومع هذا فأهل ~~السنة يستعملون معهم العدل والإنصاف ولا يظلمونهم ; فإن الظلم حرام مطلقا ~~كما تقدم، بل أهل السنة لكل طائفة من هؤلاء خير من بعضهم لبعض، بل هم ~~للرافضة خير وأعدل من بعض الرافضة لبعض. # وهذا مما يعترفون هم به، ويقولون: أنتم تنصفوننا (6) ما لا ينصف ~~PageV05P157 # بعضنا بعضا. وهذا لأن الأصل الذي اشتركوا فيه أصل فاسد مبني على جهل ~~وظلم، وهم مشتركون في ظلم سائر المسلمين، فصاروا بمنزلة قطاع الطريق ~~المشتركين في ظلم الناس. ولا ريب أن المسلم العالم العادل أعدل عليهم وعلى ~~بعضهم من بعض. # والخوارج تكفر أهل الجماعة، وكذلك أكثر المعتزلة يكفرون من خالفهم وكذلك ~~أكثر الرافضة ومن لم يكفر فسق. وكذلك أكثر أهل الأهواء يبتدعون رأيا، ~~ويكفرون (1) من خالفهم فيه، وأهل السنة يتبعون الحق من ربهم الذي جاء به ~~الرسول، ولا يكفرون من خالفهم فيه، بل هم أعلم بالحق وأرحم بالخلق، كما وصف ~~الله به المسلمين بقوله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} [آل عمران 110] . قال ~~أبو هريرة: كنتم خير الناس للناس (2) . # وأهل السنة نقاوة المسلمين، فهم خير الناس للناس. وقد علم أنه كان بساحل ~~الشام جبل كبير، فيه ألوف من الرافضة يسفكون دماء الناس، ويأخذون أموالهم، ~~وقتلوا خلقا عظيما وأخذوا أموالهم، ولما انكسر المسلمون سنة غازان (3) ، ~~أخذوا الخيل والسلاح PageV05P158 # والأسرى (1) وباعوهم للكفار النصارى (2) بقبرص، وأخذوا من مر بهم من ~~الجند، وكانوا أضر على المسلمين من جميع الأعداء، وحمل بعض أمرائهم راية ~~النصارى، وقالوا له: أيما (3) خير: المسلمون أو النصارى؟ فقال: بل النصارى. ~~فقالوا له: مع من تحشر يوم القيامة؟ فقال: مع النصارى. وسلموا إليهم (4) ~~بعض ms1151 بلاد المسلمين. PageV05P159 # ومع هذا فلما استشار بعض (1) ولاة الأمر في غزوهم، وكتبت جوابا مبسوطا في ~~غزوهم، وذهبنا إلى ناحيتهم وحضر عندي جماعة منهم، وجرت بيني وبينهم مناظرات ~~ومفاوضات يطول وصفها، فلما فتح المسلمون بلدهم (2) ، وتمكن المسلمون منهم، ~~نهيتهم عن قتلهم وعن سبيهم (3) ، وأنزلناهم في بلاد المسلمين متفرقين لئلا ~~يجتمعوا. # فما أذكره في هذا الكتاب من (4) ذم الرافضة وبيان كذبهم وجهلهم قليل من ~~كثير مما أعرفه منهم، ولهم شر كثير لا أعرف تفصيله. # ومصنف هذا الكتاب وأمثاله من الرافضة، إنما نقابلهم ببعض ما فعلوه بأمة ~~محمد - صلى الله عليه وسلم: سلفها وخلفها ; فإنهم عمدوا إلى خيار أهل الأرض ~~من الأولين والآخرين بعد النبيين والمرسلين، وإلى خيار أمة أخرجت للناس، ~~فجعلوهم شرار الناس، وافتروا عليهم العظائم، وجعلوا حسناتهم سيئات (5) ، ~~وجاءوا إلى شر من انتسب إلى الإسلام من أهل الأهواء وهم الرافضة بأصنافها: ~~غاليها وإماميها وزيديها والله يعلم، وكفى بالله عليما (6) ، ليس في جميع ~~الطوائف المنتسبة إلى الإسلام مع بدعة وضلالة شر منهم: لا أجهل ولا أكذب، ~~ولا أظلم، ولا أقرب إلى الكفر والفسوق والعصيان، وأبعد عن حقائق ~~PageV05P160 # الإيمان منهم، فزعموا أن هؤلاء هم صفوة الله من عباده ; فإن ما سوى أمة ~~محمد كفار، وهؤلاء كفروا الأمة كلها أو ضللوها، سوى طائفتهم التي (1) ~~يزعمون أنها الطائفة المحقة، وأنها لا تجتمع على ضلالة، فجعلوهم صفوة بني ~~آدم. # فكان مثلهم كمن جاء إلى غنم كثيرة، فقيل له: أعطنا خير هذه الغنم لنضحي ~~بها، فعمد إلى شر تلك الغنم: إلى شاة عوراء عجفاء عرجاء مهزولة لا نقى لها ~~(2) ، فقال: هذه خيار هذه الغنم لا تجوز الأضحية إلا بها، وسائر هذه الغنم ~~ليست غنما، وإنما هي خنازير يجب قتلها، ولا تجوز الأضحية (3) بها. # وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «من حمى ~~مؤمنا من منافق حمى الله لحمه من نار جهنم يوم القيامة» " (4) . # وهؤلاء الرافضة: إما منافق وإما جاهل، فلا يكون رافضي ولا جهمي إلا ~~منافقا أو جاهلا بما جاء به الرسول ms1152 - صلى الله عليه وسلم - لا يكون فيهم ~~أحد عالما بما جاء به الرسول مع الإيمان به، فإن مخالفتهم لما جاء ~~PageV05P161 # به الرسول وكذبهم عليه لا يخفى قط إلا على مفرط في الجهل والهوى. # وشيوخهم المصنفون فيهم طوائف يعلمون أن كثيرا مما يقولونه كذب، ولكن ~~يصنفون لهم لرياستهم عليهم. # وهذا المصنف يتهمه الناس بهذا، ولكن صنف لأجل أتباعه ; فإن كان أحدهم ~~يعلم أن ما يقوله باطل ويظهره ويقول: إنه حق من عند الله، فهو من جنس علماء ~~اليهود الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ~~ثمنا قليلا، فويل لهم مما كتبت أيديهم، وويل لهم مما يكسبون. وإن كان يعتقد ~~أنه حق، دل ذلك على نهاية جهله وضلاله. # فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم # وهم في دينهم لهم عقليات وشرعيات، فالعقليات متأخروهم فيها أتباع ~~المعتزلة، إلا من تفلسف منهم (1) ، فيكون إما فيلسوفا، وإما ممتزجا من ~~فلسفة واعتزال، ويضم إلى ذلك الرفض، مثل مصنف هذا الكتاب وأمثاله، فيصيرون ~~بذلك من أبعد الناس عن الله ورسوله، وعن دين المسلمين (2) المحض. # وأما شرعياتهم فعمدتهم فيها على ما ينقل عن بعض أهل البيت (3) ، مثل أبي ~~جعفر الباقر، وجعفر بن محمد الصادق وغيرهما. PageV05P162 # ولا ريب أن هؤلاء من سادات المسلمين، وأئمة الدين، ولأقوالهم من الحرمة ~~والقدر ما يستحقه أمثالهم، لكن كثير مما ينقل عنهم كذب، والرافضة لا خبرة ~~لها بالأسانيد، والتمييز بين الثقات وغيرهم، بل هم في ذلك من أشباه أهل ~~الكتاب، كل ما (1) يجدونه في الكتب منقولا عن أسلافهم قبلوه، بخلاف أهل ~~السنة ; فإن لهم من الخبرة بالأسانيد ما يميزون به بين الصدق والكذب. # وإذا صح النقل عن علي بن الحسين (2) فله أسوة نظراؤه كالقاسم بن محمد، ~~وسالم بن عبد الله وغيرهما، كما كان علي بن أبي طالب مع سائر الصحابة. وقد ~~قال تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [سورة النساء: 59] ~~. فأمر برد ما تنازع فيه المسلمون إلى الله والرسول. # والرافضة لا تعتني ms1153 بحفظ القرآن، ومعرفة معانيه وتفسيره، وطلب الأدلة ~~الدالة على معانيه. ولا تعتني أيضا بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~ومعرفة صحيحه من سقيمه، والبحث عن معانيه، ولا تعتني بآثار الصحابة ~~والتابعين، حتى تعرف مآخذهم ومسالكهم، ويرد (3) ما PageV05P163 # تنازعوا فيه إلى الله والرسول، بل عمدتها آثار تنقل عن بعض أهل البيت ~~فيها صدق وكذب. # وقد أصلت لها ثلاثة أصول: أحدها: أن كل واحد من هؤلاء إمام معصوم بمنزلة ~~النبي، لا يقول إلا حقا ولا يجوز لأحد أن يخالفه، ولا يرد ما ينازعه فيه ~~غيره إلى الله والرسول، فيقولون عنه ما كان هو وأهل بيته يتبرءون منه. # والثاني: أن كل ما يقوله واحد من هؤلاء فإنه قد علم منه أنه قال: أنا ~~أنقل كل ما أقوله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويا ليتهم قنعوا بمراسيل ~~التابعين كعلي بن الحسين، بل يأتون إلى من تأخر زمانه كالعسكريين فيقولون: ~~كل ما قاله واحد من أولئك فالنبي قد قاله. # وكل من له عقل يعلم أن العسكريين بمنزلة أمثالهما ممن كان في زمانهما من ~~الهاشميين، ليس عندهم من العلم ما يمتازون به عن غيرهم، ويحتاج إليهم فيه ~~أهل العلم، ولا كان أهل العلم يأخذون عنهم، كما يأخذون عن علماء زمانهم، ~~وكما كان أهل العلم في زمن علي بن الحسين، وابنه أبي جعفر، وابن ابنه جعفر ~~بن محمد ; فإن هؤلاء الثلاثة رضي الله عنهم قد أخذ أهل العلم عنهم، كما ~~كانوا يأخذون # PageV05P164 # عن أمثالهم، بخلاف العسكريين ونحوهما (1) ; فإنه لم يأخذ أهل العلم ~~المعروفون بالعلم عنهم شيئا، فيريدون أن يجعلوا ما قاله الواحد من هؤلاء هو ~~قول الرسول الذي بعثه الله إلى جميع العالمين، بمنزلة القرآن والمتواتر من ~~السنن. وهذا مما لا يبني عليه دينه إلا من كان من أبعد الناس عن طريقة أهل ~~العلم والإيمان. ### | [زعم الرافضة أن إجماعهم هو إجماع العترة وأن إجماع العترة معصوم] # وأصلوا أصلا ثالثا: وهو أن إجماع الرافضة هو إجماع العترة، وإجماع العترة ~~معصوم. والمقدمة الأولى كاذبة بيقين. والثانية فيها ms1154 نزاع، فصارت الأقوال ~~التي فيها صدق وكذب على أولئك بمنزلة القرآن لهم، وبمنزلة السنة المسموعة ~~من الرسول، وبمنزلة إجماع الأمة وحدها. # وكل عاقل يعرف دين الإسلام وتصور هذا، فإنه يمجه أعظم مما يمج الملح ~~الأجاج والعلقم، لا سيما من كان له خبرة بطرق أهل العلم، لا سيما مذاهب أهل ~~الحديث وما عندهم من الروايات الصادقة التي لا ريب فيها عن المعصوم الذي لا ~~ينطق عن الهوى ; فإن هؤلاء جعلوا الرسول الذي بعثه الله إلى الخلق هو ~~إمامهم المعصوم، عنه يأخذون دينهم، فالحلال ما حلله، والحرام ما حرمه، ~~والدين ما شرعه، وكل قول يخالف قوله فهو مردود عندهم، وإن كان الذي قاله من ~~خيار المسلمين وأعلمهم، وهو مأجور فيه على اجتهاده، لكنهم لا يعارضون قول ~~الله وقول رسوله بشيء أصلا: لا نقل نقل عن غيره، ولا رأي رآه غيره. # ومن سواه من أهل العلم فإنما هم وسائط في التبليغ عنه: إما للفظ حديثه، ~~وإما لمعناه. فقوم بلغوا ما سمعوا منه من قرآن وحديث، وقوم PageV05P165 # تفقهوا في ذلك عرفوا معناه، وما تنازعوا فيه ردوه إلى الله والرسول. ### | الحق لا يخرج عن أهل السنة # فلهذا لم يجتمع قط أهل الحديث على خلاف قوله في كلمة واحدة، والحق لا ~~يخرج عنهم قط، وكل ما اجتمعوا عليه فهو مما جاء به الرسول، وكل من خالفهم ~~من خارجي ورافضي ومعتزلي وجهمي وغيرهم من أهل البدع، فإنما يخالف رسول الله ~~- صلى الله عليه وسلم - بل من خالف مذاهبهم في الشرائع العملية كان مخالفا ~~للسنة الثابتة، وكل من هؤلاء يوافقهم فيما خالف فيه الآخر، فأهل الأهواء ~~معهم بمنزلة أهل الملل مع المسلمين ; فإن أهل السنة في الإسلام كأهل ~~الإسلام في الملل، كما قد بسط في موضعه. ### | إجماع الصحابة يغني عن دعوى أي إجماع آخر # فإن قيل: فإذا كان الحق يخرج عن أهل الحديث، فلم لم يذكر في أصول الفقه ~~أن إجماعهم حجة، وذكر الخلاف في ذلك، كما تكلم على إجماع أهل المدينة ~~وإجماع العترة؟ . # قيل: لأن أهل الحديث ms1155 لا يتفقون إلا على ما جاء عن الله ورسوله (1) وما هو ~~منقول عن الصحابة، فيكون الاستدلال بالكتاب والسنة وبإجماع الصحابة مغنيا ~~(2) عن دعوى إجماع ينازع في كونه حجة بعض الناس، وهذا بخلاف من يدعي إجماع ~~المتأخرين من أهل المدينة إجماعا ; فإنهم يذكرون ذلك في مسائل لا نص فيها، ~~بل النص على خلافها. # [وكذلك المدعون إجماع العترة يدعون ذلك في مسائل لا نص معهم PageV05P166 # فيها، بل النص على خلافها] (1) ، فاحتاج هؤلاء إلى دعوى ما يدعونه من ~~الإجماع الذي يزعمون أنه حجة. # وأما أهل الحديث فالنصوص الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي ~~عمدتهم، وعليها يجمعون إذا أجمعوا، لا سيما وأئمتهم يقولون: لا يكون قط ~~إجماع صحيح على خلاف نص إلا ومع الإجماع نص ظاهر معلوم، يعرف أنه معارض ~~لذلك النص الآخر. فإذا كانوا لا يسوغون أن تعارض النصوص بما يدعى من إجماع ~~الأمة، لبطلان تعارض النص والإجماع عندهم، فكيف إذا عورضت النصوص بما يدعى ~~من إجماع العترة أو أهل المدينة؟ . # وكل من سوى أهل السنة والحديث من الفرق فلا ينفرد عن أئمة الحديث بقول ~~صحيح، بل لا بد أن يكون معه من دين الإسلام ما هو حق. وبسبب ذلك وقعت ~~الشبهة، وإلا فالباطل المحض لا يشتبه على أحد، ولهذا سمي أهل البدع أهل ~~الشبهات، وقيل فيهم: إنهم يلبسون الحق بالباطل. ### | [أهل الكتاب معهم حق وباطل] # وهكذا أهل الكتاب معهم حق وباطل، ولهذا قال تعالى لهم: {ولا تلبسوا الحق ~~بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون} [سورة البقرة: 42] ، وقال: {أفتؤمنون ~~ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} [سورة البقرة: 8] ، وقال عنهم: {ويقولون نؤمن ~~ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا} [سورة النساء: 150] ، ~~وقال عنهم: PageV05P167 # {وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون ~~بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم} [سورة البقرة: 91] . # وذلك لأنهم ابتدعوا بدعا خلطوها بما جاءت به الرسل، وفرقوا دينهم وكانوا ~~(1) شيعا، فصار (2) في كل فريق منهم حق وباطل، وهم يكذبون بالحق الذي مع ~~الفريق الآخر ms1156، ويصدقون بالباطل الذي معهم. # [وهذا حال أهل البدع كلهم ; فإن معهم] (3) حقا وباطلا (4) ، فهم فرقوا ~~دينهم وكانوا شيعا، كل فريق يكذب بما مع الآخر من الحق ويصدق بما معه من ~~الباطل، كالخوارج والشيعة ; فهؤلاء يكذبون بما ثبت من فضائل أمير المؤمنين ~~علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويصدقون بما روي في فضائل أبي بكر وعمر رضي ~~الله عنهما، ويصدقون بما ابتدعوه من تكفيره وتكفير من يتولاه ويحبه. وهؤلاء ~~يصدقون بما روي في فضائل علي بن أبي طالب، ويكذبون بما روي في فضائل أبي ~~بكر وعمر، ويصدقون بما ابتدعوه من التكفير والطعن في أبي بكر وعمر وعثمان. # ودين الإسلام وسط بين الأطراف المتجاذبة. فالمسلمون وسط في التوحيد بين ~~اليهود والنصارى، فاليهود (5) تصف الرب بصفات النقص التي يختص بها المخلوق، ~~ويشبهون الخالق بالمخلوق. كما قالوا: إنه بخيل، وإنه فقير، وإنه لما خلق ~~السماوات والأرض تعب. وهو سبحانه PageV05P168 # الجواد الذي لا يبخل والغني الذي لا يحتاج إلى غيره، والقادر الذي لا ~~يمسه لغوب. والقدرة والإرادة والغنى عما (1) سواه هي صفات الكمال التي ~~تستلزم سائرها. # والنصارى يصفون المخلوق بصفات الخالق التي يختص بها، ويشبهون المخلوق ~~بالخالق، حيث قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم، وإن الله ثالث ثلاثة، ~~وقالوا: المسيح ابن الله، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ~~والمسيح ابن مريم، {وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه ~~عما يشركون} . # فالمسلمون وحدوا الله ووصفوه بصفات الكمال، ونزهوه عن جميع صفات النقص، ~~ونزهوه عن أن يماثله شيء من المخلوقات في شيء من الصفات، فهو موصوف بصفات ~~الكمال لا بصفات النقص، وليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في ~~أفعاله. # وكذلك في النبوات ; فاليهود تقتل بعض الأنبياء، وتستكبر عن اتباعهم، ~~وتكذبهم (2) وتتهمهم بالكبائر. والنصارى يجعلون من ليس بنبي ولا رسول نبيا ~~ورسولا، كما يقولون في الحواريين: إنهم رسل، بل يطيعون أحبارهم ورهبانهم ~~كما تطاع الأنبياء. فالنصارى تصدق بالباطل، واليهود تكذب بالحق. # ولهذا كان في مبتدعة أهل الكلام ms1157 شبه (3) من اليهود، وفي مبتدعة أهل ~~PageV05P169 # التعبد شبه (1) من النصارى ; فآخر أولئك الشك والريب، وآخر هؤلاء الشطح ~~والدعاوى الكاذبة، لأن أولئك كذبوا بالحق فصاروا إلى الشك، وهؤلاء صدقوا ~~بالباطل فصاروا إلى الشطح، فأولئك كظلمات في بحر لجي، [يغشاه موج من فوقه ~~موج من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض] (2) ، وهؤلاء كسراب بقيعة يحسبه ~~الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا. # فمبتدعة أهل العلم والكلام طلبوا العلم بما ابتدعوه، ولم يتبعوا العلم ~~المشروع ويعملوا به، فانتهوا إلى الشك المنافي للعلم، بعد أن كان لهم علم ~~بالمشروع، لكن زاغوا فأزاغ الله قلوبهم، وكانوا مغضوبا عليهم. # ومبتدعة العباد (3) طلبوا القرب من الله بما ابتدعوه في العبادة، فلم ~~يحصل لهم إلا البعد منه ; فإنه ما ازداد مبتدع اجتهادا إلا ازداد من الله ~~تعالى بعدا. # والبعد عن رحمته (4) ، هو اللعنة وهو غاية النصارى. وأما الشرائع فاليهود ~~منعوا الخالق أن يبعث رسولا بغير شريعة الرسول الأول، وقالوا: لا يجوز أن ~~ينسخ ما شرعه. والنصارى جوزوا لأحبارهم أن يغيروا من الشرائع ما أرسل الله ~~بهم رسوله (5) ، فأولئك عجزوا الخالق، ومنعوه ما PageV05P170 # تقتضيه قدرته وحكمته في النبوات والشرائع. وهؤلاء جوزوا للمخلوق أن يغير ~~ما شرعه الخالق، فضاهوا المخلوق بالخالق (1) . # وكذلك في العبادات ; فالنصارى يعبدونه ببدع ابتدعوها ما أنزل الله بها من ~~سلطان. واليهود معرضون عن العبادات، حتى في يوم السبت الذي أمرهم الله أن ~~يتفرغوا فيه لعبادته، إنما يشتغلون فيه بالشهوات. فالنصارى مشركون به ~~واليهود مستكبرون عن عبادته. # والمسلمون عبدوا الله وحده بما شرع، ولم يعبدوه بالبدع. وهذا هو دين ~~الإسلام الذي بعث الله به جميع النبيين، وهو أن يستسلم العبد لله لا لغيره، ~~وهو الحنيفية دين إبراهيم. فمن استسلم له ولغيره كان مشركا، ومن لم يستسلم ~~له فهو مستكبر. # وقد قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} ~~[سورة النساء: 48] . # وقال: {إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} [سورة غافر: ~~60] . # وكذلك في أمر الحلال والحرام: في الطعام واللباس ms1158 وما يدخل في ذلك من ~~النجاسات ; فالنصارى لا تحرم ما حرمه الله ورسوله، ويستحلون الخبائث ~~المحرمة كالميتة والدم ولحم الخنزير، حتى أنهم يتعبدون بالنجاسات كالبول ~~والغائط، ولا يغتسلون من جنابة، ولا يتطهرون للصلاة، وكلما كان الراهب ~~عندهم أبعد عن الطهارة، وأكثر ملابسة للنجاسة كان معظما عندهم. PageV05P171 # واليهود (1) حرمت عليهم طيبات أحلت لهم، فهم يحرمون من الطيبات ما هو ~~منفعة للعباد، ويجتنبون الأمور الطاهرات (2) مع النجاسات، فالمرأة الحائض ~~لا يأكلون معها ولا يجالسونها، فهم في آصار وأغلال عذبوا بها. # فأولئك (3) يتناولون الخبائث المضرة، مع أن الرهبان يحرمون على أنفسهم ~~طيبات أحلت لهم، فيحرمون الطيبات ويباشرون النجاسات، وهؤلاء يحرمون الطيبات ~~النافعة، مع أنهم من أخبث الناس قلوبا، وأفسدهم بواطن. # وطهارة الظاهر إنما يقصد بها طهارة القلب، فهم يطهرون ظواهرهم وينجسون ~~قلوبهم. # وكذلك أهل السنة في الإسلام متوسطون في جميع الأمور. فهم في علي وسط بين ~~الخوارج والروافض. وكذلك في عثمان وسط بين المروانية وبين الزيدية. وكذلك ~~في سائر الصحابة وسط بين الغلاة فيهم والطاعنين عليهم. وهم في الوعيد وسط ~~بين الخوارج والمعتزلة وبين المرجئة. وهم في القدر وسط بين القدرية من ~~المعتزلة ونحوهم. وبين القدرية المجبرة من الجهمية ونحوهم. وهم في الصفات ~~وسط بين المعطلة وبين الممثلة. # والمقصود أن كل طائفة سوى أهل السنة والحديث المتبعين آثار PageV05P172 # رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا ينفردون عن سائر طوائف الأمة (1) ~~إلا بقول فاسد، لا ينفردون قط بقول صحيح. وكل من كان عن السنة أبعد، كان ~~انفراده بالأقوال والأفعال الباطلة أكثر. وليس في الطوائف المنتسبين إلى ~~السنة أبعد عن آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرافضة. ### | [أقوال الرافضة التي انفردوا بها عن الجماعة في غاية الفساد] # فلهذا تجد فيما انفردوا به عن الجماعة أقوالا في غاية الفساد، مثل ~~تأخيرهم صلاة المغرب حتى يطلع الكوكب مضاهاة لليهود، وقد تواترت النصوص عن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - بتعجيل المغرب (2) . ومثل صومهم قبل الناس ~~بيومين، وفطرهم قبل الناس بيومين مضاهاة لمبتدعة (3) أهل الكتاب الذين ~~عدلوا ms1159 عن الصوم بالهلال إلى الاجتماع، وجعلوا الصوم بالحساب. # وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «إنا أمة أمية ~~لا تحسب ولا تكتب، إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا ; فإن غم ~~عليكم فاقدروا له» ". وفي رواية: " «فأكملوا العدة» " (4) . PageV05P173 # ومثل تحريمهم بعض أنواع السمك، مضاهاة لليهود في تحريم (1) الطيبات ومثل ~~معاونة الكفار على قتال المسلمين، وترغيب الكفار في قتال المسلمين. وهذا لا ~~يعرف لأحد من فرق الأمة. # ومثل تنجيس المائعات التي يباشرها أهل السنة، وهذا من جنس دين السامرة ~~وهم رافضة اليهود، هم في اليهود كالرافضة في المسلمين، والرافضة تشابههم من ~~وجوه كثيرة ; فإن السامرة لا تؤمن بنبي بعد موسى وهارون غير يوشع، وكذلك ~~الرافضة لا تقر لأحد من الخلفاء والصحابة بفضل ولا إمامة إلا لعلي. ~~والسامرة تنجس وتحرم ما باشره غيرهم من المائعات، وكذلك الرافضة. والسامرة ~~لا يأكلون إلا ذبائح أنفسهم، وكذلك الرافضة فإنهم يحرمون ذبائح أهل الكتاب، ~~ويحرم أكثرهم ذبائح الجمهور لأنهم مرتدون عندهم، وذبيحة (2) المرتد لا ~~تباح. والسامرة فيهم كبر ورعونة وحمق ودعاو كاذبة، مع القلة والذلة، وكذلك ~~الرافضة. PageV05P174 # والرافضة تجعل الصلوات الخمس ثلاث صلوات، فيصلون دائما الظهر والعصر ~~جميعا، والمغرب والعشاء جميعا، وهذا لم يذهب إليه غيرهم من فرق الأمة، وهو ~~يشبه دين اليهود ; فإن الصلوات عندهم ثلاث (1) . # وغلاة العباد يوجبون على أصحابهم صلاة الضحى والوتر وقيام الليل، فتصير ~~الصلاة عندهم سبعا، وهو دين النصارى. والرافضة لا تصلي جمعة ولا جماعة لا ~~خلف أصحابهم ولا غير أصحابهم ولا يصلون إلا خلف المعصوم، ولا معصوم عندهم. ~~وهذا لا يوجد في سائر الفرق أكثر مما يوجد في الرافضة. فسائر أهل البدع (2) ~~سواهم، لا يصلون الجمعة والجماعة إلا خلف أصحابهم، كما هو دين الخوارج ~~والمعتزلة وغيرهم. وأما أنهم لا يصلون ذلك بحال، فهذا ليس إلا للرافضة. # ومن ذلك أنهم لا يؤمنون في الصلاة هم (3) أو بعضهم وهذا ليس لأحد من فرق ~~الأمة، بل هو دين اليهود ; فإن اليهود حسدوا المؤمنين على التأمين. وقد حكى ~~طائفة عن بعضهم أنه ms1160 يحرم لحم الإبل، وكان ذلك (4) لركوب عائشة على الجمل. ~~وهذا من أظهر الكفر ; وهو (5) من جنس دين اليهود. PageV05P175 # وكثير من عوامهم يقول (1) : إن الطلاق لا يكون إلا برضا المرأة، وعلماؤهم ~~ينكرون هذا. وهذا لم يقله أحد غيرهم (2) . # وهم يقولون بإمام منتظر موجود غائب لا يعرف له عين ولا أثر، ولا يعلم (3) ~~بحس ولا خبر، لا يتم الإيمان إلا به. # ويقولون: أصول الدين أربعة: التوحيد، والعدل، والنبوة، والإمامة. وهذا ~~منتهى الإمام عندهم: الإيمان بأنه معصوم غائب عن الأبصار كائن (4) في ~~الأمصار، سيخرج (5) الدينار من قعر البحار، يطبع الحصى، ويورق العصا. دخل ~~سرداب سامرا سنة ستين، ومائتين وله من العمر (6) إما سنتان، وإما ثلاث وإما ~~خمس، أو نحو ذلك ; فإنهم مختلفون في قدر عمره، ثم إلى الآن لم يعرف له خبر. ~~ودين الخلق مسلم إليه ; فالحلال ما حلله، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، ~~ولم ينتفع به أحد من عباد الله. # وكذلك كراهتهم لأسماء نظير أسماء من يبغضونه (7) ، ومحبتهم لأسماء نظير ~~أسماء من يحبونه، من غير نظر إلى المسمى، وكراهتهم لأن يتكلم أو يعمل بشيء ~~(8) عدده عشرة لكراهتهم نفرا عشرة، واشتفاؤهم (9) ممن PageV05P176 # يبغضونه كعمر وعائشة وغيرهما، بأن (1) يقدروا جمادا كالحيس (2) ، أو ~~حيوانا كالشاة الحمراء، أنه هو الذي يعادونه، ويعذبون تلك الشاة تشفيا من ~~العدو، من الجهل البليغ الذي لم يعرف عن غيرهم. # وكذلك إقامة المآتم والنوائح، ولطم الخدود، وشق الجيوب، وفرش الرماد، ~~وتعليق المسوح، وأكل المالح حتى يعطش، ولا يشرب ماء، تشبها بمن ظلم وقتل، ~~وإقامة مأتم (3) بعد خمسمائة أو ستمائة سنة من قتله، لا يعرف لغيرهم من ~~طوائف الأمة. # ومفاريد الرافضة التي تدل على غاية الجهل والضلال كثيرة لم نقصد ذكرها ~~هنا. لكن المقصود أن كل طائفة سوى أهل السنة والحديث المتبعين لآثار النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - لا ينفردون عن سائر الطوائف بحق، والرافضة أبلغ في ~~ذلك من غيرهم. # وأما الخوارج والمعتزلة والجهمية فإنهم أيضا لم ينفردوا (4) عن أهل السنة ~~والجماعة (* بحق، بل كل ما معهم من الحق ففي أهل ms1161 السنة (5) من يقول به، لكن ~~لم يبلغ (6) هؤلاء من قلة العقل وكثرة الجهل ما بلغت الرافضة. PageV05P177 ### | [الأقوال التي انفردت بها الطوائف المنتسبة إلى السنة من أهل الكلام والرأي] # وكذلك الطوائف المنتسبون إلى السنة من أهل الكلام والرأي، مثل الكلابية ~~والأشعرية والكرامية والسالمية، ومثل طوائف الفقه من الحنفية والمالكية ~~والسفيانية والأوزاعية والشافعية والحنبلية والداودية وغيرهم، مع تعظيم ~~الأقوال المشهورة عن أهل السنة والجماعة *) (1) ، لا يوجد لطائفة منهم قول ~~انفردوا به عن سائر الأمة وهو صواب، بل ما مع كل طائفة منهم من الصواب يوجد ~~عند غيرهم (2) من الطوائف، وقد ينفردون بخطأ لا يوجد عند غيرهم، لكن قد ~~تنفرد طائفة بالصواب عمن يناظرها من الطوائف، كأهل المذاهب الأربعة: قد ~~يوجد لكل واحد (3) منهم أقوال انفرد بها، وكان الصواب الموافق للسنة معه ~~دون الثلاثة، لكن يكون قوله قد قاله غيره من الصحابة والتابعين وسائر علماء ~~الأمة، بخلاف ما انفردوا به ولم ينقل عن غيرهم، فهذا لا يكون إلا خطأ. ~~وكذلك أهل الظاهر كل قول انفردوا به عن سائر الأمة فهو خطأ، وأما ما ~~انفردوا به عن الأربعة وهو صواب فقد قاله غيرهم من السلف. # وأما الصواب الذي ينفرد به كل طائفة من الثلاثة فكثير (4) ، لكن الغالب ~~أنه يوافقه عليه بعض أتباع الثلاثة. وذلك كقول أبي حنيفة بأن المحرم يجوز ~~له أن يلبس الخف المقطوع وما أشبهه كالجمجم والمداس. وهو وجه في مذهب أحمد ~~(5) وغيره، وقوله: بأن (6) الجد يسقط الإخوة، وقد وافقه عليه بعض أصحاب ~~الشافعي وأحمد، وكقوله بأن طهارة المسح PageV05P178 # يشترط لها دوام الطهارة دون ابتدائها، وقوله: إن النجاسة تزول بكل ما ~~يزيلها، وهذا أحد الأقوال الثلاثة في مذهب أحمد ومذهب مالك، وكذلك قوله ~~بأنها تطهر بالاستحالة. # ومثل قول مالك بأن الخمس مصرفه مصرف الفيء، وهو قول في مذهب أحمد، فإنه ~~عنه روايتان في خمس الركاز (1) : هل يصرف مصرف الفيء أو مصرف الزكاة (2) ؟ ~~وإذا صرف مصرف الفيء فإنما هو تابع لخمس الغنيمة. # ومثل قوله بجواز أخذ الجزية من كل كافر جازت معاهدته، لا ms1162 فرق بين العرب ~~والعجم، ولا بين أهل الكتاب وغيرهم، فلا يعتبر قط أمر النسب، بل الدين (3) ~~في الذمة والاسترقاق وحل الذبائح والمناكح، وهذا أصح الأقوال في هذا الباب، ~~وهو أحد القولين في مذهب أحمد ; فإنه لا يخالفه إلا في أخذ الجزية من مشركي ~~العرب، ولم يبق من مشركي العرب أحد بعد نزول (4) آية الجزية، بل كان جميع ~~مشركي العرب قد أسلموا. # ومثل قول مالك: إن أهل مكة يقصرون الصلاة بمنى وعرفة، وهو قول في مذهب ~~أحمد وغيره. # ومثل مذهبه في الحكم بالدلائل (5) والشواهد، وفي إقامة الحدود ~~PageV05P179 # ورعاية مقاصد الشريعة، وهذا من محاسن مذهبه، ومذهب أحمد قريب من مذهبه في ~~أكثر ذلك. # ومثل قول الشافعي بأن الصبي إذا صلى في أول الوقت ثم بلغ لم يعد الصلاة. ~~وكثير من الناس يعيب هذا على الشافعي، وغلطوا في ذلك، بل الصواب قوله، كما ~~بسط في موضعه، وهو وجه (1) في مذهب أحمد. # وقوله بفعل (2) ذوات الأسباب في وقت النهي وهو إحدى الروايتين عن أحمد. ~~وكذلك قوله بطهارة المني، كقول أحمد في أظهر الروايتين. # ومثل قول أحمد في نكاح البغي: لا يجوز حتى تتوب. وقوله بأن الصيد إذا جرح ~~ثم غاب أنه يؤكل ما لم يوجد فيه أثر آخر، وهو قول في مذهب الشافعي. وقوله ~~بأن صوم النذر يصام عن الميت، بل وكل المنذورات تفعل عن الميت، ورمضان يطعم ~~عنه. وبعض الناس يضعف هذا القول، وهو قول الصحابة (3) ابن عباس وغيره، ولم ~~يفهموا غوره (4) . # وقوله: إن المحرم إذا لم يجد النعلين والإزار لبس الخفين والسراويل بلا ~~قطع ولا فتق ; فإن هذا كان (5) آخر الأمرين من النبي - صلى الله عليه وسلم. ~~PageV05P180 # وقوله بأن مرور المرأة والكلب الأسود والحمار يقطع الصلاة. # وقوله بأن الجدة ترث وابنها حي. وقوله بصحة المساقاة والمزارعة وما أشبه ~~ذلك، وإن كان البذر من العامل، على إحدى الروايتين عنه، وكذلك طائفة من ~~أصحاب الشافعي. # وقوله في إحدى الروايتين: إن طلاق السكران لا يقع، وهو قول بعض أصحاب أبي ~~حنيفة والشافعي. # وقوله بأن الوقف ms1163 إذا تعطل نفعه بيع واشتري به ما يقوم مقامه. # وفي مذهب أبي حنيفة ما هو أقرب إلى قول (1) أحمد من غيره، وكذلك في (2) ~~مذهب مالك. # وكذلك قوله في إبدال الوقف، كإبدال مسجد بغيره، ويجعل الأول غير مسجد، ~~كما فعل (3) عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وفي مذهب أبي حنيفة ومالك جواز ~~(4) الإبدال للحاجة في مواضع. # وقوله بقبول شهادة العبد، وقوله بأن صلاة المنفرد خلف الصف يجب عليه فيها ~~الإعادة، وقوله: إن فسخ الحج إلى العمرة جائز مشروع، بل هو أفضل، وقوله بأن ~~القارن إذا ساق الهدي فقرانه أفضل (5) من التمتع والإفراد، كما فعل النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - ومثل قوله: إن صلاة الجماعة فرض على الأعيان. ~~PageV05P181 ### | الحق دائما مع السنة والآثار الصحيحة # وبالجملة فما اختص به كل إمام من المحاسن والفضائل كثير ليس هذا موضع ~~استقصائه ; فإن المقصود أن الحق دائما مع سنة رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - وآثاره الصحيحة، وإن كان كل (1) طائفة تضاف إلى غيره إذا انفردت ~~بقول عن سائر الأمة، لم يكن القول الذي انفردوا به (2) إلا خطأ، بخلاف ~~المضافين إليه أهل السنة والحديث ; فإن الصواب معهم دائما، ومن وافقهم كان ~~الصواب معه دائما لموافقته إياهم، ومن خالفهم فإن الصواب معهم دونه في جميع ~~أمور الدين ; فإن الحق مع الرسول، فمن كان أعلم بسنته وأتبع لها كان الصواب ~~معه. # وهؤلاء هم الذين لا ينتصرون إلا لقوله، ولا يضافون إلا إليه، وهم أعلم ~~الناس بسنته وأتبع لها. وأكثر سلف الأمة كذلك، لكن التفرق والاختلاف كثير ~~في المتأخرين. والذين رفع الله قدرهم في الأمة هو بما أحيوه من سنته ~~ونصرته. وهكذا سائر طوائف الأمة،، بل سائر طوائف الخلق، كل حير معهم فيما ~~جاءت به الرسل عن الله، وما كان معهم من خطأ أو ذنب فليس من جهة الرسل. # ولهذا كان الصحابة إذا تكلموا في مسألة باجتهادهم، قال أحدهم: أقول فيها ~~برأيي ; فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله ~~ورسوله بريئان منه. كما قال ms1164 أبو بكر رضي الله عنه في الكلالة، وكما قال ابن ~~مسعود في المفوضة إذا مات عنها زوجها، وكلاهما (3) أصاب فيما قاله برأيه، ~~لكن قال الحق ; فإن القول إذا كان PageV05P182 # صوابا فهو مما جاء به الرسول عن الله، فهو من الله، وإن كان خطأ فالله لم ~~يبعث الرسول بخطأ، فهو من نفسه ومن الشيطان، لا من الله ورسوله. # والمقصود بالإضافة إليه (1) الإضافة إليه من جهة إلاهيته، من جهة الأمر ~~والشرع والدين، وأنه يحبه ويرضاه، ويثيب فاعله عليه. وأما من جهة الخلق، ~~فكل الأشياء منه. والناس لم يسألوا الصحابة عما من الله خلقا وتقديرا، فقد ~~علموا أن كل ما وقع فمنه. والعرب كانت في جاهليتها تقر بالقضاء والقدر. قال ~~ابن قتيبة وغيره: ما زالت العرب في جاهليتها وإسلامها مقرة بالقدر (2) . ~~وقد (3) قال عنترة: # يا عبل أين من المنية مهرب ... إن كان ربي في السماء قضاها # وإنما كان سؤال الناس عما من الله من جهة أمره ودينه وشرعه الذي يرضاه ~~ويحبه ويثيب أهله. # وقد علم الصحابة أن ما خالف الشرع والدين فإنه يكون من النفس والشيطان، ~~وإن كان بقضاء الله وقدره، وإن كان يعفي عن صاحبه، كما يعفي عن النسيان ~~والخطأ. # ونسيان الخير يكون من الشيطان كما قال تعالى: {وإما ينسينك الشيطان فلا ~~تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} [سورة الأنعام: 68] . # وقال فتى موسى - صلى الله عليه وسلم: {وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره} ~~[سورة الكهف: 63] وقال: {فأنساه الشيطان ذكر ربه} [سورة يوسف: 42] . ~~PageV05P183 # ولما نام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في الوادي عن الصلاة قال: ~~" «هذا واد حضرنا فيه الشيطان» " (1) . وقال: " «إن الشيطان أتى بلالا فجعل ~~يهديه (2) كما يهدى الصبي حتى نام» " (3) فإنه كان وكل بلالا أن يكلأ لهم ~~الصبح (4) ، مع قوله: " «ليس في النوم تفريط» " (5) وقال: " «إن الله قبض ~~PageV05P184 # أرواحنا» " (1) . [وقال له بلال: " أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك "] (2) ~~وقال: " «من نام عن صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك» ". # ومع قوله تعالى عن المؤمنين: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا ms1165 أو أخطأنا} [سورة ~~البقرة: 286] قال تعالى " قد فعلت " (3) . # وكذلك الخطأ في الاجتهاد من النفس والشيطان وإن كان مغفورا لصاحبه. وكذلك ~~الاحتلام في المنام من الشيطان. وفي الصحيحين عنه أنه قال: " «الرؤيا ~~ثلاثة: رؤيا من الله، ورؤيا من الشيطان، ورؤيا مما يحدث به المرء نفسه في ~~اليقظة فيراه في المنام» " (4) . فالنائم يرى في منامه ما يكون من الشيطان، ~~وهو كما قال - صلى الله عليه وسلم: " «رفع PageV05P185 # القلم عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يحتلم» ~~" (1) . وأعذرهم النائم، ولهذا لم يكن لشيء من أقواله التي تسمع منه (2) في ~~المنام حكم باتفاق العلماء، فلو طلق أو أعتق أو تبرع أو غير ذلك في منامه ~~كان لغوا، بخلاف الصبي المميز، فإن أقواله قد تعتبر، إما بإذن الولي، وإما ~~بغير إذنه، في مواضع بالنص، وفي مواضع بالإجماع. # وكذلك الوسواس في النفس يكون من الشيطان تارة ومن النفس تارة. قال تعالى: ~~{ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه} [سورة ق: 16] . وقال: {فوسوس ~~إليه الشيطان} [سورة طه: 120] (3) ، وقال: {فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ~~ما ووري عنهما من سوآتهما} [سورة الأعراف: 20] . # والوسوسة من جنس الوشوشة بالشين المعجمة (4) ، ومنه وسوسة (5) الحلى، وهو ~~الكلام الخفي والصوت الخفي. PageV05P186 # وقد قال تعالى: {قل أعوذ برب الناس - ملك الناس - إله الناس - من شر ~~الوسواس الخناس - الذي يوسوس في صدور الناس - من الجنة والناس} [سورة ~~الناس: 1 - 6] . وقد قيل إن المعنى: من الذي يوسوس في صدور الناس: من الجنة ~~ومن الناس، وأنه جعل الناس أولا تتناول الجنة والناس، فسماهم ناسا، كما ~~سماهم رجالا. قاله الفراء. # وقيل: المعنى: من شر الموسوس في صدور الناس من الجن، ومن شر الناس مطلقا. ~~قاله الزجاج. ومن المفسرين كأبي الفرج بن الجوزي من لم يذكر غيرهما، ~~وكلاهما ضعيف. والصحيح أن المراد القول الثالث، وهو أن (1) الاستعاذة من شر ~~الموسوس من الجنة ومن الناس في صدور الناس، فأمر بالاستعاذة من شر شياطين ~~الإنس والجن (2) . # كما قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي ms1166 بعضهم ~~إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون} [سورة ~~الأنعام: 112] . # وفي حديث أبي ذر الطويل الذي رواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه PageV05P187 # بطوله قال: " «يا أبا ذر تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن ". فقال: يا ~~رسول الله، أو للإنس شياطين؟ قال: " نعم، شر من شياطين الجن» " (1) . # وقد قال تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى ~~شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون} [سورة البقرة: 14] . والمنقول ~~عن عامة المفسرين أن المراد شياطين الإنس، وما علمت أحدا قال: إنهم شياطين ~~الجن (2) . فعن ابن مسعود وابن عباس والحسن والسدي: أنهم رءوسهم (3) في ~~الكفر. وعن أبي العالية ومجاهد: إخوانهم من المشركين. وعن الضحاك وابن ~~السائب: كهنتهم (4) . # والآية تتناول هذا كله وغيره، ولفظها يدل على أن المراد شياطين الإنس، ~~لأنه قال: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا ~~إنا معكم} [سورة البقرة: 14] . ومعلوم أن شيطان (5) الجن معهم لما لقوا ~~الذين آمنوا لا يحتاج أن يخلوا به (6) ، وشيطان الجن هو PageV05P188 # الذي أمرهم بالنفاق ولم يكن ظاهرا حتى يخلو (1) معهم، ويقول: إنا معكم، ~~لا سيما إذا كانوا يظنون أنهم على حق. # كما قال تعالى: {وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن ~~السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون} [سورة البقرة: 13] ، ولو ~~علموا أن الذي يأمرهم (2) بذلك شيطان لم يرضوه. # وقد قال الخليل بن أحمد: كل متمرد عند العرب شيطان. وفي اشتقاقه قولان ~~أصحهما أنه من شطن يشطن إذا بعد عن الخير، والنون أصلية. قال أمية بن أبي ~~الصلت في صفة سليمان عليه السلام: # أيما شاطن (3) عصاه عكاه ثم يلقى في السجن والأغلال (4) عكاه: أوثقه. ~~وقال النابغة: # نأت بسعاد عنك نوى شطون ... فبانت والفؤاد بها رهين (5) ولهذا قرنت به ~~(6) اللعنة ; فإن اللعنة هي البعد من الخير، والشيطان بعيد من الخير، فيكون ~~وزنه: فيعالا، وفيعال (7) نظير فعال، وهو من صفات المبالغة، مثل القيام ~~والقوام، فالقيام فيعال، والقوام فعال، ومثل العياذ ms1167 والعواذ (8) . وفي ~~قراءة عمر: الحي القيام. PageV05P189 # فالشيطان المتصف بصفة ثابتة قوية في كثرة البعد عن الخير، بخلاف من بعد ~~عنه مرة وقرب منه أخرى ; فإنه لا يكون شيطانا. ومما يدل على ذلك قولهم: ~~تشيطن يتشيطن شيطنة، ولو كان من شاط يشيط لقيل: تشيط يتشيط. والذي قال: هو ~~من شاط يشيط إذا احترق والتهب، جعل النون زائدة وقال: وزنه فعلان. كما قال ~~الشاعر: # وقد يشيط على أرماحنا البطل (1) . # وهذا يصح في الاشتقاق الأكبر الذي يعتبر فيه الاتفاق في جنس الحروف، كما ~~يروى عن أبي جعفر أنه قال: العامة مشتق من العمى، ما رضي الله أن يشبههم ~~(2) بالأنعام حتى قال: {بل هم أضل سبيلا} وهذا كما يقال السرية مأخوذة من ~~السر، وهو النكاح. ولو جرت على القياس لقيل: سريرة (3) فإنها على وزن فعيلة ~~(4) . ولكن العرب تعاقب بين الحرف المضاعف والمعتل، كما يقولون: تقضى ~~البازي وتقضض. قال الشاعر: # تقضي البازي إذا (5) البازي كسر (6) ومنه قوله تعالى: {فانظر إلى طعامك ~~وشرابك لم يتسنه} [سورة البقرة: 259] ، وهذه الهاء تحتمل أن تكون أصلية ~~فجزمت بلم، ويكون من سانهت، وتحتمل أن تكون هاء السكت، كالهاء من كتابيه ~~PageV05P190 # و " حسابيه " و " اقتده " و " ماليه " و " سلطانيه ". وأكثر القراء ~~يثبتون الهاء وصلا ووقفا، وحمزة والكسائي يحذفانها من الوصل هنا ومن " ~~اقتده " فعلى قراءتهما يجب أن تكون هاء السكت، فإن الأصلية لا تحذف، فتكون ~~لفظة: " لم يتسن "، كما تقول: لم يتغن، وتكون مأخوذة من قولهم: تسنى يتسنى. ~~وعلى الاحتمال الآخر تكون من: تسنه يتسنه، والمعنى واحد. قال ابن قتيبة: أي ~~لم يتغير بمر السنين عليه. قال: واللفظ مأخوذ من السنه، يقال (1) : سانهت ~~النخلة إذا حملت عاما. وحالت عاما فذكر ابن قتيبة لغة من جعل الهاء أصلية، ~~وفيها لغتان: يقال: عاملته مسانهة ومساناة. ومن الشواهد لما ذكره ابن قتيبة ~~قول الشاعر: # فليست بسنهاء ولا رجبية (2) # ولكن عرايا (3) في السنين الجوائح (4) يمدح النخلة، والمقصود مدح صاحبها ~~بالجود، فقال: إنه (5) يعريها لمن يأكل ثمرها، لا يرجبها (6) لتخلية (7) ~~ثمرها (8) ولا هي بسنهاء (9) . # والمفسرون من ms1168 أهل اللغة يقولون في الآية: معناه: لم يتغير. وأما لغة من ~~قال: إن أصله سنوة فهي مشهورة، ولهذا يقال في جمعها: سنوات، PageV05P191 # ويشابهه في الاشتقاق الأكبر الماء الآسن، وهو المتغير المنتن، ويشابهه في ~~الاشتقاق الأصغر الحمأ المسنون، فإنه من سن، يقال: سننت الحجر على الحجر ~~إذا حككته، والذي يسيل بينهما (1) سنن (2) ، ولا يكون إلا منتنا (3) . وهذا ~~أصح من قول من يقول: المسنون المصبوب على سنة الوجه، أو المصبوب (4) ~~المفرغ، أي أبدع صورة الإنسان ; فإن هذا إنما كان بعد أن خلق من الحمأ (5) ~~المسنون، ونفس الحمأ لم يكن على صورة الإنسان ولا صورة وجه، ولكن المراد ~~المنتن. # فقوله: {لم يتسنه} بخلاف قوله: {ماء غير آسن} [سورة محمد: 15] ، فإنه من ~~قولهم: أسن يأسن ; فهذا من جنس الاشتقاق الأكبر، لاشتراكهما في السين ~~والنون والنون (6) الأخرى، والهمزة والهاء متقاربتان فإنهما حرفا حلق، وهذا ~~باب واسع. # والمقصود أن اللفظين إذا اشتركا في أكثر الحروف وتفاوتا في بعضها، قيل: ~~أحدهما مشتق من الآخر، وهو الاشتقاق الأكبر، والأوسط أن يشتركا في الحروف ~~لا في ترتيبها، كقول الكوفيين: الاسم مشتق من السمة والاشتقاق الأصغر الخاص ~~الاشتراك في الحروف وترتيبها وهو المشهور كقولك: علم يعلم فهو عالم. ~~PageV05P192 # وعلى هذا فالشيطان مشتق من شطن، وعلى الاشتقاق الأكبر هو من باب (1) شاط ~~يشيط، لأنهما اشتركا في الشين والطاء. والنون والياء متقاربتان. # فهو سبحانه (2) أمر في سورة الناس بالاستعاذة من: شر الوسواس من الجنة ~~والناس، الذي يوسوس في صدور الناس. ويدخل في ذلك وسوسة نفس الإنسان له، ~~ووسوسة غيره له. # والقول في معنى الآية مبسوط في مصنف مفرد (3) . # والمقصود هنا أنه قد ثبت (4) في الصحاح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~من حديث أبي هريرة وابن عباس: " «أن العبد إذا هم بخطيئة لم تكتب عليه، فإن ~~تركها لله كتبت له حسنة كاملة، فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة، وأنه إذا ~~(5) هم بحسنة كتبت له حسنة كاملة، فإن عملها كتبت له عشر حسنات إلى سبعمائة ~~ضعف إلى أضعاف كثيرة» " (6) . PageV05P193 # وفي الصحيحين عن أبي ms1169 هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (1) ~~: " «إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به» " ~~(2) . # وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ~~«إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي ~~التأذين أقبل، فإذا ثوب بالصلاة أدبر - يعني الإقامة - فإذا قضي التثويب ~~أقبل حتى يخطر (3) بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن ~~يذكر، حتى يضل (4) الرجل إن يدري كم صلى فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين» ~~" (5) . PageV05P194 # فقد أخبر أن هذا التذكير والوسواس من الشيطان، وأنه ينسيه حتى لا يدري كم ~~صلى، وأمره بسجدتي السهو، ولم يؤثمه بذلك. والوسواس الخفيف لا يبطل الصلاة ~~باتفاق العلماء. وأما إذا كان هو الأغلب، فقيل: عليه الإعادة، وهو اختيار ~~أبي عبد الله بن حامد. والصحيح الذي عليه الجمهور، وهو المنصوص عن أحمد ~~وغيره، أنه لا إعادة عليه. فإن حديث أبي هريرة عام مطلق في كل وسواس، ولم ~~يأمر (1) بالإعادة، لكن ينقص أجره بقدر ذلك. # قال ابن عباس: ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها. وفي السنن عن عمار بن ~~ياسر أنه صلى صلاة فخففها، فقيل له في ذلك، فقال: هل نقصت منها شيئا؟ ~~قالوا: لا. قال: فإني بدرت الوسواس، وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ~~" «إن الرجل لينصرف من صلاته ولم يكتب له منها إلا عشرها، إلا تسعها، إلا ~~ثمنها، حتى قال: إلا نصفها» " (2) . # وهذا الحديث حجة على ابن حامد ; فإن أدنى ما ذكر نصفها، وقد ذكر أنه يكتب ~~له عشرها. وأداء الواجب له مقصودان: أحدهما: براءة الذمة، بحيث يندفع عنه ~~الذم والعقاب المستحق بالترك، فهذا لا تجب معه الإعادة، فإن الإعادة يبقى ~~مقصودها حصول ثواب مجرد، وهو شأن PageV05P195 # التطوعات، لكن حصول الحسنات الماحية للسيئات (1) لا يكون إلا مع القبول ~~الذي عليه الثواب، فبقدر ما يكتب له من الثواب يكفر عنه به (2) من السيئات ~~الماضية، وما لا ثواب فيه لا يكفر ms1170 وإن برئت به الذمة. # كما في الحديث المأثور: " «رب صائم ليس حظه من صيامه إلا الجوع والعطش ~~(3) ، ورب قائم حظه من قيامه السهر» " (4) يقول: إنه تعب ولم يحصل له ~~منفعة، لكن برئت ذمته (5) ، فسلم من العقاب فكان على حاله لم يزدد بذلك ~~خيرا. # والصوم إنما شرع لتحصيل التقوى، كما قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا كتب ~~عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات} [سورة ~~البقرة: 183 - 184] . # وقال النبي - صلى الله عليه وسلم: " «الصيام (6) جنة، فإذا كان أحدكم ~~PageV05P196 # صائما فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائم» ". ~~وفيها ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره. قيل: يقول (1) في نفسه فلا يرد ~~عليه. وقيل: يقول (2) بلسانه. وقيل: يفرق بين الفرض فيقول (3) بلسانه ~~والنفل يقول في نفسه ; فإن صوم الفرض مشترك، والنفل يخاف عليه من الرياء. ~~والصحيح أنه يقول (4) بلسانه، كما دل عليه الحديث ; فإن القول المطلق لا ~~يكون إلا باللسان، وأما ما (5) في النفس فمقيد، كقوله: " «عما حدثت به ~~أنفسها» " ثم قال: " «ما لم تتكلم أو تعمل به» " فالكلام المطلق إنما هو ~~الكلام المسموع. وإذا قال بلسانه: إني (6) صائم بين عذره في إمساكه عن ~~الرد، وكان أزجر لمن بدأه بالعدوان. # وفي الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «من لم يدع قول ~~الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» " (7) . بين (8) ~~PageV05P197 # - صلى الله عليه وسلم - أن الله تعالى لم يحرم على الصائم الأكل لحاجته ~~إلى ترك الطعام والشراب، كما يحرم السيد على عبيده بعض ماله، بل المقصود ~~محبة الله تعالى، وهو حصول التقوى، فإذا لم يأت به فقد أتى بما ليس فيه ~~محبة ورضا، فلا يثاب عليه، ولكن لا يعاقب (1) عقوبة التارك. # والحسنات المقبولة تكفر السيئات، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - في ~~الحديث الصحيح (2) : " «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى ~~رمضان، كفارة لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» " (3) ولو كفر الجميع بالخمس ~~(4) لم يحتج إلى الجمعة، لكن التكفير بالحسنات المقبولة. وغالب ms1171 الناس لا ~~يكتب له من الصلاة إلا بعضها، فيكفر ذلك بقدره، والباقي يحتاج إلى تكفير. # ولهذا جاء من غير وجه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «أول ~~ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من أعماله الصلاة ; فإن أكملت وإلا قيل: ~~انظروا هل له من تطوع؟ فإن كان له تطوع أكملت به (5) الفريضة، ثم يصنع في ~~سائر الأعمال (6) كذلك» " (7) . PageV05P198 # وتكميل الفرائض (1) بالتطوع مطلق، فإنه يكون يوم القيامة يوم الجزاء، ~~فإنه إذا ترك بعض الواجبات استحق العقوبة، فإذا كان له من جنسه (2) تطوع سد ~~مسده فلا يعاقب، وإن (3) كان ثوابه ناقصا وله تطوع سد مسده فكمل ثوابه. وهو ~~في الدنيا يؤمر بأن يعيد حيث تمكن إعادة ما فعله (4) ناقصا من الواجبات (5) ~~، أو يجبره بما ينجبر به، كسجدتي السهو في الصلاة، وكالدم الجابر لما تركه ~~من واجبات الحج، ومثل صدقة الفطر التي فرضت طهرة للصائم من اللغو والرفث. ~~وذلك لأنه إذا أمكنه (6) أن يأتي بالواجب كان ذلك عليه، ولم يكن قد برئ من ~~عهدته، بل هو مطلوب به (7) . كما لو لم يفعله، بخلاف ما إذا تعذر فعله يوم ~~(8) الجزاء ; فإنه لم يبق هناك إلا الحسنات. # ولهذا كان جمهور العلماء على أن من ترك واجبا من واجبات الصلاة ~~PageV05P199 # عمدا فعليه إعادة الصلاة ما دام يمكن فعلها، وهو إعادتها في الوقت. هذا ~~مذهب مالك والشافعي وأحمد، لكن مالك وأحمد يقولان: قد يجب فيها ما يسقط ~~بالسهو، ويكون سجود السهو عوضا عنه، وسجود السهو واجب عندهما. وأما الشافعي ~~فيقول: كل ما وجب بطلت الصلاة بتركه عمدا أو سهوا. وسجود السهو عنده (1) ~~ليس بواجب ; فإن ما صحت الصلاة مع السهو عنه (2) لم يكن واجبا ولا مبطلا. ~~والأكثرون يوجبون سجود السهو، كمالك وأبي حنيفة وأحمد، ويقولون: قد أمر به ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - والأمر يقتضي الإيجاب، ويقولون: الزيادة في ~~الصلاة لو فعلها عمدا بطلت الصلاة بالاتفاق، مثل أن يزيد ركعة خامسة عمدا، ~~أو يسلم عمدا قبل إكمال الصلاة، ثم إذا فعله سهوا سجد للسهو بالسنة ms1172 ~~والإجماع. # فهذا سجود لما تصح الصلاة مع سهوة دون عمده. وكذلك ما نقصه منها ; فإن ~~السجود يكون للزيادة تارة وللنقص أخرى، كسجود النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~لما ترك التشهد الأول، ولو فعل ذلك أحد عمدا بطلت صلاته عند مالك وأحمد. ~~وأما أبو حنيفة فيوجب (* في الصلاة ما لا تبطل بتركه (3) لا (4) عمدا ولا ~~سهوا، ويقول: هو مسيء بتركه، كالطمأنينة وقراءة الفاتحة. PageV05P200 # وهذا مما نازعه فيه الأكثرون، وقالوا: من ترك الواجب عمدا فعليه الإعادة ~~الممكنة، لأنه لم يفعل ما أمر به، وهو قادر على فعله، فلا يسقط عنه. # وقد أخرجا (1) في الصحيحين حديث المسيء في صلاته، لما قال له النبي - صلى ~~الله عليه وسلم *) (2) : " «ارجع فصل ; فإنك لم تصل» " وأمره بالصلاة التي ~~فيها طمأنينة (3) ، فدل هذا الحديث الصحيح على أن من ترك الواجب لم يكن ما ~~فعله صلاة، بل يؤمر بالصلاة. والشارع - صلى الله عليه وسلم - (4) لا ينفي ~~الاسم إلا لانتفاء بعض واجباته، فقوله: " «فإنك (5) لم تصل» " لأنه ترك بعض ~~واجباتها ولم تكن صلاته تامة مقامة الإقامة المأمور بها في قوله تعالى: ~~{فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة} [سورة النساء: 103] فقد أمر بإتمامها. # ولهذا لما أمر بإتمام الحج والعمرة بقوله: {وأتموا الحج والعمرة لله} ~~PageV05P201 # [سورة البقرة: 196] ألزم (1) الشارع فيهما فعل جميع الواجبات، فإذا (2) ~~ترك بعضها فلا بد من الجبران. فعلم أنه إن لم يأت (3) بالمأمور به تاما ~~التمام الواجب (4) وإلا فعليه ما يمكن من إعادة أو جبران. # وكذلك أمر الذي رآه يصلي خلف الصف وحده أن يعيد. وقال: " «لا صلاة لفذ ~~خلف الصف» " (5) . وقد صححه أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وابن حزم وغيرهم ~~من علماء الحديث. # فإن قيل: ففي حديث المسيء الذي رواه أهل السنن من حديث PageV05P202 # رفاعة بن رافع أنه جعل ما تركه (1) من ذلك يؤاخذ بتركه (2) فقط، ويحسب له ~~ما فعل، ولا يكون كمن لم يصل. # قيل: وكذلك نقول (3) : من فعلها وترك بعض واجباتها لم يكن بمنزلة من لم ~~يأت بشيء منها، بل يثاب على ما فعل، ويعاقب على ms1173 ما ترك، وإنما يؤمر ~~بالإعادة لدفع عقوبة ما ترك، وترك الواجب سبب للعقاب، فإذا (4) كان يعاقب ~~على ترك البعض لزمه أن يفعلها، فإن كان له جبران أو أمكن فعله وحده، وإلا ~~فعله مع غيره، فإنه لا يمكن فعله مفردا. # فإن قيل: فإذا (5) لم يكن فعله مفردا طاعة لم يثب عليه أولا. # قيل: هو أولا فعله ولم يكن يعلم أنه لا يجوز، أو كان ساهيا، كالذي يصلي ~~بلا وضوء، أو يسهو عن القراءة والسجود المفروض، فيثاب على ما فعل، ولا ~~يعاقب بنسيانه وخطئه، لكن يؤمر بالإعادة، لأنه لم يفعل ما أمر به أولا، ~~كالنائم إذا استيقظ في الوقت، فإنه يؤمر بالصلاة لأنها واجبة عليه في وقتها ~~إذا أمكن، وإلا صلاها أي وقت (* استيقظ ; فإنه حينئذ يؤمر بها. وأما إذا ~~أمر بالإعادة، فقد علم أنه لا يجوز فعل ذلك *) (6) مفردا (7) ، فلا يؤمر به ~~مفردا (8) . PageV05P203 # فإن قيل: فلو تعمد أن يفعلها مع ترك الواجبات التي يعلم وجوبها. # قيل: هذا مستحق للعقاب ; فإنه عاص بهذا الفعل، وهذا قد يكون إثمه كإثم ~~التارك. وإن قدر أن هذا قد (1) يثاب، فإنه لا يثاب عليه (2) ثواب من فعله ~~مع غيره كما أمر به، بل أكثر ما يقال: إن له عليه ثوابا بحسبه (3) ، لكن ~~الذي يعرف أنه إذا لم يكن يعرف أن هذا واجب أو منهي عنه فإنه يثاب على ما ~~فعله. قال الله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة ~~شرا يره} [سورة الزلزلة: 7 - 8] . # والقرآن وذكر الله ودعاؤه خير. وإلا فالمسلم لا يصلي إلى غير قبلة، أو ~~بغير وضوء أو ركوع أو سجود، ومن فعل ذلك كان مستحقا للذم والعقاب. ومع هذا ~~فقد يمكن إذا فعل ذلك مع (* اعترافه بأنه مذنب لا على طريق (4) الاستهانة ~~(5) والاستهزاء والاستخفاف، بل على طريق الكسل، أن يثاب على ما فعله، كمن ~~ترك واجبات الحج المجبورة بدم، لكن لا يكون ثوابه كما إذا فعل ذلك مع *) ~~(6) غيره على الوجه المأمور به. # وبهذا يتبين الجواب عن شبهة أهل البدع ms1174 من الخوارج والمرجئة وغيرهم، ممن ~~يقول: إن الإيمان لا يتبعض ولا يتفاضل ولا ينقص. قالوا: لأنه إذا ذهب منه ~~جزء ذهب كله، لأن الشيء المركب من أجزاء PageV05P204 # متى (1) ذهب منه جزء ذهب كله، كالصلاة إذا ترك منها واجبا بطلت. ومن هذا ~~الأصل تشعبت بهم الطرق (2) . # وأما الصحابة وأهل السنة والحديث فقالوا: إنه يزيد وينقص. كما قال النبي ~~- صلى الله عليه وسلم: " «يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة (3) خردل ~~من إيمان» (4) . PageV05P205 # وعلى هذا فنقول: إذا نقص شيء من واجباته فقد ذهب ذلك الكمال والتمام، ~~ويجوز نفي الاسم إذا أريد به نفي ذلك الكمال، وعليه أن يأتي بذلك الجزء: إن ~~كان ترك واجبا فعله، أو كان ذنبا استغفر منه، وبذلك يصير من المؤمنين ~~المستحقين لثواب الله المحض الخالص عن العقاب. وأما إذا ترك واجبا منه أو ~~فعل محرما ; فإنه يستحق العقاب على ذلك، ويستحق الثواب على ما فعل. والمنفي ~~إنما هو المجموع لا كل جزء من أجزائه، كما إذا ذهب واحد من العشرة، لم تبق ~~العشرة عشرة، لكن بقي أكثر أجزائها. # وكذلك جاءت السنة في سائر الأعمال كالصلاة وغيرها، أنه يثاب على ما فعله ~~(1) منها ويعاقب على الباقي، حتى إنه (2) إن كان له تطوع جبر ما ترك ~~بالتطوع، ولو كان ما فعل باطلا وجوده كعدمه لا يثاب عليه لم يجبر بالنوافل ~~شيء. وعلى ذلك دل حديث المسيء الذي في السنن (3) : أنه إذا نقص منها شيئا ~~أثيب على ما فعله. # فإن قلت: فالفقهاء يطلقون أنه قد بطلت صلاته وصومه وحجه إذا ترك منه ~~ركنا. # قيل: لأن الباطل في عرفهم ضد الصحيح، والصحيح في عرفهم ما PageV05P206 # حصل به مقصوده وترتب عليه حكمه، وهو براءة الذمة. ولهذا يقولون: الصحيح ~~ما أسقط القضاء. فصار قولهم: بطلت، بمعنى: وجب القضاء، لا بمعنى: أنه لا ~~يثاب عليها بشيء في الآخرة. # وهكذا جاء النفي في كلام الله ورسوله، كقوله - صلى الله عليه وسلم: " «لا ~~يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» " (1) ، وقوله: " «لا إيمان لمن لا أمانة ms1175 ~~له، ولا دين لمن لا عهد له» " (2) . # وقوله تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} [سورة ~~الأنفال: 2] ، وقوله: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم ~~يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون} [سورة ~~الحجرات: 15] ; فإن نفي الإيمان عمن ترك واجبا منه أو فعل محرما ~~PageV05P207 # فيه كنفي غيره، كقوله: " «لا صلاة إلا بأم القرآن» " (1) . وقوله للمسيء: ~~" «ارجع فصل فإنك لم تصل» " (2) . وقوله للمنفرد خلف الصف لما أمره ~~بالإعادة: " «لا صلاة لفذ خلف الصف» " (3) وقوله: " «من سمع النداء ثم لم ~~يجب من غير عذر فلا صلاة له» " (4) . # ومن قال من الفقهاء: إن هذا لنفي الكمال. # قيل له: إن أردت الكمال المستحب ; فهذا باطل لوجهين: أحدهما: أن هذا لا ~~يوجد قط في لفظ الشارع: أنه ينفي عملا فعله العبد على الوجه الذي وجب عليه، ~~ثم ينفيه لترك بعض المستحبات. بل الشارع لا ينفي عملا إلا إذا لم يفعله ~~العبد كما وجب عليه. PageV05P208 # الثاني: أنه لو نفي بترك مستحب، لكان عامة الناس لا صلاة لهم ولا صيام. ~~فإن الكمال المستحب متفاوت، ولا أحد يصلي كصلاة رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - أفكل من لم يكملها كتكميل الرسول يقال: لا صلاة له. # فإن قيل: فهؤلاء الذين يتركون فرضا من الصلاة أو غيرها يؤمرون بإعادة ~~الصلاة، والإيمان إذا ترك بعض فرائضه لا يؤمر بإعادته؟ . # قيل: ليس الأمر بالإعادة مطلقا، بل يؤمر بالممكن ; فإن أمكن الإعادة ~~أعاد، وإن لم يمكن أمر أن يفعل حسنات غير ذلك، كما لو ترك الجمعة ; فإنه ~~وإن أمر بالظهر فلا تسد مسد الجمعة، بل الإثم الحاصل بترك الجمعة يزول ~~جميعه بالظهر. # وكذلك من ترك واجبات الحج عمدا ; فإنه يؤمر بها ما دام يمكن فعلها في ~~الوقت، فإذا فات الوقت أمر بالدم الجابر، ولم يكن ذلك مسقطا عنه إثم ~~التفويت (* مطلقا، بل هذا الذي يمكنه من البدل، وعليه أن يتوب توبة تغسل ~~إثم التفويت *) (1) ، كمن فعل محرما فعليه أن يتوب منه توبة تغسل إثمه، ومن ~~ذلك أن ms1176 يأتي بحسنات تمحوه. وكذلك من فوت واجبا لا (2) يمكنه استدراكه، وأما ~~إذا أمكنه استدراكه فعله بنفسه. # وهكذا نقول (3) فيمن ترك بعض واجبات الإيمان، بل كل مأمور تركه فقد ترك ~~جزءا من إيمانه، فيستدركه بحسب الإمكان، فإن فات وقته تاب وفعل حسنات أخر ~~غيره. PageV05P209 # ولهذا كان الذي اتفق عليه العلماء أنه يمكن إعادة الصلاة في الوقت الخاص ~~والمشترك (1) ، كما يصلي الظهر بعد دخول العصر، ويؤخر (2) العصر إلى ~~الاصفرار ; فهذا تصح صلاته وعليه إثم التأخير، وهو من المذمومين في قوله ~~تعالى: {فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون} [سورة الماعون: 4 - 5] ~~وقوله: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات} [سورة مريم: 59] ~~، فإن تأخيرها (3) عن الوقت الذي يجب فعلها فيه هو إضاعة لها وسهو عنها بلا ~~نزاع أعلمه بين العلماء (4) . وقد جاءت الآثار بذلك عن الصحابة والتابعين. # وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في الأمراء الذين ~~يؤخرون الصلاة عن وقتها: " «صلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم ~~نافلة» " (5) . وهم إنما كانوا يؤخرون الظهر إلى وقت العصر، والعصر ~~PageV05P210 # إلى وقت الاصفرار. وذلك مما هم مذمومون عليه. ولكن ليسوا كمن تركها أو ~~فوتها حتى غابت الشمس ; فإن هؤلاء أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~بقتالهم، ونهى عن قتال أولئك. «فإنه لما ذكر أنه سيكون أمراء ويفعلون ~~ويفعلون. قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: " لا، ما صلوا» " (1) وقد أخبر عن هذه ~~الصلاة التي يؤخرونها وأمر أن تصلى في الوقت، وتعاد معهم نافلة ; فدل على ~~صحة صلاتهم، ولو كانوا لم يصلوا لأمر بقتالهم. # وقد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال: " «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب ~~الشمس فقد أدرك العصر» (2) " مع قوله أيضا في الحديث الصحيح (3) : " «تلك ~~صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان ~~قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا» " (4) . PageV05P211 # وثبت عنه في الصحيحين (1) أنه قال: " «من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر ~~أهله وماله» " (2) . وثبت عنه في الصحيحين (3) أنه قال: " «من ترك صلاة ~~العصر فقد ms1177 حبط عمله» " (4) . وقال أيضا: " «إن هذه الصلاة عرضت على من كان ~~قبلكم فضيعوها، فمن حافظ عليها كان له الأجر مرتين» " (5) . # وقد اتفق العلماء على ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله: " ~~«من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها» " (6) . ~~فاتفقوا PageV05P212 # على أن النائم يصلي إذا استيقظ، والناسي إذا ذكر، وعليه قضاء الفائتة على ~~الفور عند جمهورهم، كمالك وأحمد بن حنبل وأبي حنيفة وغيرهم. وأما الشافعي ~~فيجعل قضاء النائم والناسي على التراخي، ومن (1) نسي بعض واجباتها فهو كمن ~~نسيها، فلو صلى ثم ذكر بعد خروج الوقت أنه كان على غير وضوء أعاد، كما أعاد ~~عمر وعثمان وغيرهما لما صلوا بالناس، ثم ذكروا بعد الصلاة أنهم كانوا جنبا ~~فأعادوا، ولم يأمروا المأمومين بالإعادة. # وفي حديث عمر أنه لم يذكر إلا بعد طلوع الشمس (2) . # وكذلك إذا أخرها تأخيرا يرى أنه جائز. كما أخرها النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - يوم الأحزاب وصلاها بعد مغيب الشمس (3) فإن ذلك التأخير إما أن يكون ~~لنسيان منه، أو لأنه كان جائزا إذا كانوا مشغولين بقتال العدو أن يؤخروا ~~الصلاة. PageV05P213 # والعلماء لهم في ذلك ثلاثة أقوال: قيل: يصلي حال القتال ولا يؤخر الصلاة ~~(1) ، وتأخير الخندق منسوخ. وهذا مذهب مالك والشافعي والإمام أحمد في ~~المشهور عنه. # وقيل: يخير بين تقديمها وتأخيرها. لأن الصحابة لما أمرهم النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة، كانت طائفة منهم ~~أخرت (2) الصلاة فصلوا بعد غروب الشمس، وكانت منهم طائفة قالوا: لم يرد منا ~~إلا المبادرة إلى العدو لا تفويت (3) الصلاة. فصلوا في الطريق، فلم يعنف ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدا من الطائفتين. # والحديث في الصحيحين من حديث ابن عمر (4) . وهذا قول طائفة من الشاميين ~~وغيرهم، وهو إحدى الروايتين عن أحمد. # وقيل: بل يؤخرونها كما فعل يوم الخندق. وهو مذهب أبي حنيفة. ففي الجملة ~~كل من أخرها تأخيرا يعذر به إما لنسيان أو لخطأ في الاجتهاد فإنه يصليها ~~بعد الوقت، كمن ظن ms1178 أن الشمس لم تطلع فأخرها حتى طلعت، أو ظن أن وقت العصر ~~باق فأخرها حتى غربت فإن هذا يصلي. # وعلى قول الأكثرين ما بقي تأخيرها جائزا حتى تغرب الشمس، ومن قال: إنه ~~يجوز التأخير فإنه يصليها، ولو أخرها باجتهاده فإنه يصليها. # وإن قيل: إنه أخطأ في اجتهاده (5) ، وليس هذا من أهل الوعيد PageV05P214 # المذكور في قوله: " «من ترك صلاة العصر فقد (1) حبط عمله» " (2) فإن هذا ~~مجتهد متأول مخطئ. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم: " «إن الله تجاوز ~~لي عن أمتي الخطأ والنسيان» " (3) . وهو حديث حسن، وقد دل عليه القرآن ~~والحديث الصحيح (4) . # وأما من فوتها عمدا عالما بوجوبها، أو فوت بعض واجباتها الذي يعلم وجوبه ~~منها ; فهذا مما تنازع فيه العلماء. فقيل في الجميع: يصح أن يصليها بعد ~~التفويت، ويجب ذلك عليه، ويثاب على ما فعل، ويعاقب على التفويت، كمن أخر ~~الظهر إلى وقت العصر، والمغرب والعشاء إلى آخر الليل من غير عذر. # وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد يقولون (5) : هو (6) في كل صلاة وجب ~~(7) إعادتها في الوقت فيجب إعادتها بعد الوقت، وأما مالك وغيره من أهل ~~المدينة فيفرقون بين ما يعاد في الوقت وما يعاد بعد خروج الوقت، فما لم يكن ~~فرضا بل واجبا - وهو الذي يسمونه سنة - أمروا بإعادة الصلاة إذا تركه في ~~الوقت، كمن صلى بالنجاسة. وأما ما كان فرضا، كالركوع والسجود والطهارة، ~~فإنه بمنزلة من لم يصل، فيعيد بعد الوقت. PageV05P215 # وقد أنكر عليهم كثير من الناس التفريق بين الإعادة في الوقت وبعده. وصنف ~~المزني مصنفا رد فيه على مالك ثلاثين مسألة منها هذه. وقد رد على المزني ~~الشيخ أبو بكر الأبهري (1) وصاحبه القاضي عبد الوهاب. وعمدتهم أن الصلاة إن ~~(2) فعلت كما أمر بها العبد فلا إعادة عليه في الوقت ولا بعده، وإن لم تفعل ~~كما أمر بها العبد فهي في ذمته، فيعيدها في الوقت وبعده. وأهل المدينة ~~يقولون: فعلها في الوقت واجب ليس لأحد قط أن يؤخرها عن الوقت، فإن كان ~~الوقت أوكد مما ترك لم يعد ms1179 بعد الوقت، لأنه ما بقي بعد الوقت يمكنه تلافيها ~~; فإن الصلاة مع النجاسة أو عريانا خير من الصلاة بلا نجاسة بعد الوقت، فلو ~~أمرناه أن يعيدها بعد الوقت لكنا نأمره بأنقص مما صلى، وهذا لا يأمر به ~~الشارع، وهذا بخلاف من ترك ركنا منها، فذاك بمنزلة من لم يصل فيعيد بعد ~~الوقت. # وهذا الفرق مبني على أن الصلاة من واجباتها (3) ما هو ركن لا تتم إلا به، ~~ومنها ما هو واجب تتم بدونه (4) ، إما مع السهو وإما مطلقا. وهذا قول ~~الجمهور، وأبو حنيفة يوجب فيها ما لا يجب بتركه الإعادة بحال. فإذا ~~PageV05P216 # أوجب أهل المدينة فيها ما يجب بتركه الإعادة في الوقت، كان أقرب إلى ~~الشرع. وأحمد مع مالك يوجبان فيها ما يسقط بالسهو ويجبر بالسجود، ثم ذلك ~~الواجب إذا تركه عمدا أمره أحمد في ظاهر مذهبه بالإعادة كما لو ترك فرضا، ~~وأما مالك ففي مذهبه قولان فيمن ترك ما يجب السجود لتركه سهوا، كترك التشهد ~~الأول، وترك تكبيرتين فصاعدا، أو قراءة (1) السورة والجهر والمخافتة في ~~موضعهما. # وقد اتفق الجميع على أن واجبات الحج منها ما يجبر الحج مع تركه، ومنها ما ~~يفوت الحج مع تركه فلا يجبر، كالوقوف بعرفة، فكذلك (2) الصلاة. # وقالت طائفة ثالثة: ما أمر الله به في الوقت إذا ترك لغير عذر حتى فات ~~وقته لم يمكن فعله بعد الوقت، كالجمعة، والوقوف بعرفة، ورمي الجمار ; فإن ~~الفعل بعد الوقت عبادة لا تشرع إلا إذا شرعها الشارع، فلا تكون مشروعة إلا ~~بشرعه، ولا واجبة إلا بأمره. وقد اتفق المسلمون على أن من فاته الوقوف ~~بعرفة لعذر أو لغيره (3) لا يقف بعرفة بعد طلوع الفجر، وكذلك رمي الجمار لا ~~ترمى بعد أيام منى، سواء فاتته (4) لعذر أو لغير عذر (5) . كذلك الجمعة لا ~~يقضيها الإنسان سواء فاتته بعذر أو بغير PageV05P217 # عذر (1) ، وكذلك لو فوتها (2) أهل المصر كلهم لم يصلوها (3) يوم السبت. # وأما الصلوات الخمس فقد ثبت أن المعذور يصليها إذا أمكنه، كما قال النبي ~~- صلى الله عليه وسلم: " «من نام ms1180 عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، فإن ~~ذلك وقتها لا كفارة لها إلا ذلك» " (4) . وكذلك صوم رمضان أمر الله المسافر ~~والمريض والحائض أن يصوموا (5) نظيره في أيام أخر. # والوقت المشترك بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء وقت (6) لجواز فعلهما ~~(7) جميعا عند العذر، وإن فعلتا لغير عذر ففاعلهما آثم، لكن هذه قد فعلت في ~~وقت هو وقتها في الجملة. # وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة خلف الأمراء الذين يؤخرون ~~الصلاة، ونهى عن قتالهم، مع ذمهم وظلمهم. وأولئك كانوا يؤخرون الظهر إلى ~~العصر، فجاءت طائفة من الشيعة (8) فصاروا يجمعون بين الصلاتين في وقت ~~الأولى دائما من غير عذر، فدخل في الوقت المشترك من جواز الجمع للعذر، من ~~تأويل الولاة وتصحيح الصلاة مع إثم التفويت، ما لم يدخل في التفويت المطلق ~~; كمن يفطر شهر رمضان عمدا ويقول: أنا أصوم في شوال، أو يؤخر الظهر والعصر ~~PageV05P218 # عمدا، ويقول: أصليهما بعد المغرب، ويؤخر (1) المغرب والعشاء ويقول: ~~أصليهما بعد الفجر، أو يؤخر الفجر ويقول: أصليها بعد طلوع الشمس، فهذا ~~تفويت محض بلا عذر. # وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم: " من «فاتته صلاة العصر فكأنما ~~وتر أهله وماله» "، وقال: " «من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله» " (2) ، فلو ~~كان يمكنه الاستدراك لم يحبط عمله. وقوله: " «وتر أهله وماله» " أي صار ~~وترا لا أهل له ولا مال، ولو كان فعلها ممكنا بالليل لم يكن موتورا. # وقال: " «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك» " (3) فلو ~~كان فعلها بعد المغرب صحيحا مطلقا، لكان مدركا، سواء أدرك ركعة أو لم يدرك ~~; فإنه لم يرد أن من أدرك ركعة صحت صلاته بلا إثم، بل يأثم بتعمد ذلك، كما ~~دلت عليه الأحاديث الصحيحة، فإنه أمر بأن تصلى الصلاة لوقتها الذي حده، وأن ~~لا يؤخر العصر إلى ما بعد الاصفرار، ففعلها قبل الاصفرار واجب بأمره، ~~وقوله: " «صلوا الصلاة لوقتها» " (4) . فعلم أن هذا الإدراك لا يرفع الإثم ~~عن غير المعذور، بل يكون PageV05P219 # قد صلاها مع الإثم، فلو كانت ms1181 أيضا تصلى بعد المغرب مع الإثم، لم يكن فرق ~~بين من يصليها عند الاصفرار أو يصليها بعد الغروب، إلا أن يقال: ذاك أعظم ~~إثما. ومعلوم أنه كلما أخرها كان أعظم إثما، فحيث جاز القضاء مع وجوب ~~التقديم كلما أخر القضاء كان أعظم لإثمه. # ومن نام عن صلاة أو نسيها فعليه أن يصليها إذا ذكرها ; [فإن ذلك وقتها] ~~(1) . وإذا أخرها من غير عذر أثم، كما يأثم من أخر الواجب على الفور، ويصح ~~فعلها بعد ذلك، فلو كانت العصر بعد المغرب بهذه المنزلة، لم يكن لتحديد ~~وقتها بغروب الشمس، وقوله: " «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس» " ~~(2) فائدة، بل كانت تكون كالواجب على الفور إذا أخره، أو كانت تكون كالمغرب ~~إذا أخرها إلى وقت العشاء. ومعلوم أن هذا قد يجوز، بل يسن كما في ليلة ~~المزدلفة، كما يسن تقديم العصر إلى وقت الظهر يوم عرفة بالسنة المتواترة ~~واتفاق المسلمين. PageV05P220 # وأما فعل العصر بعد المغرب (1) ، فلم يؤذن فيه قط لغير المعذور، كما لم ~~يؤذن في صلاة المغرب قبل غروب الشمس. قال هؤلاء: والصلاة في الوقت واجبة ~~على أي حال بترك جميع الواجبات لأجل الوقت، فإذا أمكنه أن يصلي في الوقت ~~بالتيمم، أو بلا قراءة، أو بلا إتمام ركوع وسجود، أو إلى غير القبلة، أو ~~يصلي عريانا، أو كيفما أمكن وجب ذلك عليه، ولم يكن له أن يصلي بعد الوقت مع ~~تمام الأفعال. وهذا مما ثبت بالكتاب والسنة وعامته مجمع عليه. # فعلم أن الوقت مقدم على جميع الواجبات. وحينئذ فمن صلى في الوقت بلا ~~قراءة، أو عريانا متعمدا، ونحو ذلك، إذا أمر أن يصلي بعد الوقت بقراءة ~~وسترة، كان ما أمر به دون ما فعله. ولهذا إذا لم يمكن إلا أحدهما، وجب أن ~~يصلي في الوقت بلا قراءة ولا سترة، ولا يؤخرها ويصلي بعد الوقت بقراءة ~~وسترة. # فعلم أن ذلك التفويت (2) ما بقي استدراكه ممكنا، وأما المعذور فالله ~~تعالى جعل الوقت في حقه متى أمكنه، فمن نسي الصلاة أو بعض واجباتها صلاها ms1182 ~~متى ذكرها (3) ، وكان ذلك هو الوقت في حقه وإذا قيل: صلاته في الوقت كانت ~~أكمل. # قيل: نعم، لكن تلك لم تجب عليه لعجزه بالنوم والنسيان، وإنما وجب عليه أن ~~يصلي إذا استيقظ وذكر، كما نقول في الحائض إذا طهرت PageV05P221 # في وقت العصر فهي حينئذ مأمورة بالظهر والعصر، وتكون مصلية للظهر في ~~وقتها أداء، وكذلك إذا طهرت آخر الليل صلت المغرب والعشاء، وكانت المغرب في ~~حقها أداء كما أمرها بذلك أصحاب رسول الله (1) - صلى الله عليه وسلم: عبد ~~الرحمن بن عوف، وابن عباس، وأبو هريرة رضي الله عنهم، ولم ينقل عن صحابي ~~خلافه. # وهذا يدل على أن هذا من السنة التي كان الصحابة يعرفونها ; فإن مثل هذا ~~يقع على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه، وقد دل على ذلك الكتاب ~~والسنة، حيث جعل الله المواقيت ثلاثة في حق المعذور، وهذه معذورة. وهذا ~~مذهب مالك والشافعي " وأحمد بن حنبل (2) ، وهو يدل على أن الوقت مشترك في ~~حق المعذور، فلا يحتاج أن ينوي الجمع، كما هو قول الأكثرين: أبي حنيفة ~~ومالك والإمام أحمد وقدماء أصحابه. # لكن الشافعي، وطائفة من أصحاب أحمد، كالخرقي ومن وافقه، قالوا: تجب النية ~~في القصر والجمع. وجمهور العلماء على أنه لا تجب النية لا لهذا ولا لهذا. ~~وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد وقدماء أصحابه (3) ، وهو الصواب، كما بسط ~~في غير هذا الموضع (4) . # وقضية (5) الحائض مما يبين أن فعل الصلاة في غير وقتها الذي أمر بها ~~PageV05P222 # فيه غير ممكن ; فإن ذلك لو كان ممكنا لكانت الحائض تؤمر بقضاء الصلاة أمر ~~إيجاب أو أمر استحباب (1) . # فإذا قيل: يسقط القضاء عنها تخفيفا. # قيل: فلو أرادت أن تصلي قضاء لتحصل (2) ثواب الصلاة التي فاتتها، لم يكن ~~هذا مشروعا باتفاق العلماء، وكان لها أن تصلى من النوافل ما ; شاءت فإن تلك ~~الصلاة لم تكن مأمورة بها في وقتها. والصلاة المكتوبة لا يمكن فعلها إلا في ~~الوقت الذي أمر به العبد، فلم يجز فعلها بعد ذلك. وكل من كان معذورا من ~~نائم وناس ms1183 ومخطئ، فهؤلاء مأمورون بها في الوقت الثاني، فلم يصلوا إلا في ~~وقت الأمر، كما أمرت الحائض والمسافر والمريض بقضاء رمضان، وقيل في المتعمد ~~لفطره: لا يجزيه صيام الدهر ولو صامه. # قالوا: والناسي إنما أمر بالصلاة إذا ذكرها، لم يؤمر بها قبل ذلك. وذلك ~~هو الوقت في حقه، فلم يصل إلا في وقتها، وكذلك النائم إذا استيقظ إنما صلى ~~في الوقت. # قالوا: ولم يجوز الله لأحد أن يصلي الصلاة لغير وقتها، ولا يقبلها منه في ~~غير وقتها ألبتة. وكذلك شهر رمضان. وفي السنن عن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - أنه قال: " «من أفطر يوما من رمضان لم يقضه صيام الدهر وإن صامه» " ~~(3) قالوا: وإنما يقبل الله صيامه في غير الشهر من المعذور، PageV05P223 # كالمريض والمسافر والحائض، ومن اشتبه عليه الشهر فتحرى فصام بعد ذلك، ~~فإنه يجزيه الصيام، أما المعتمد للفطر فلا. # قالوا: ولهذا لم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي جامع أهله في ~~رمضان بصوم، بل أمره بالكفارة فقط. وقد جاء ذكر أمره بالقضاء في حديث ضعيف ~~ضعفه العلماء: أحمد بن حنبل وغيره (1) . وكذلك جاء في الذي يستقيء عمدا أنه ~~يعيد، وهذا لم يثبت رفعه، وإنما ثبت أنه موقوف على أبي هريرة. وبتقدير صحته ~~فيكون المراد به المعذور الذي اعتقد أنه يجوز له الاستقاء، أو المريض الذي ~~احتاج إلى أن يستقيء فاستقاء ; فإن الاستقاءة لا تكون في العادة إلا لعذر، ~~وإلا فلا يقصد العاقل أن يستقيء بلا حاجة (2) ، فيكون المستقيء متداويا ~~بالاستقاءة، كما يتداوى PageV05P224 # بالأكل، وهذا يقبل منه القضاء ويؤمر به. وهذا الحديث ثابت عن أبي هريرة، ~~وإنما اختلف في رفعه، وبكل حال هذا معناه (1) . # فإن أبا هريرة هو الذي روى حديث الأعرابي، وحديث: " «من أفطر يوما من ~~رمضان لم يقضه صيام الدهر» " فتحمل أحاديثه على الاتفاق لا على الاختلاف. ~~وهذا قول طائفة من السلف والخلف، وهو قول أبي عبد الرحمن صاحب الشافعي، وهو ~~قول (2) داود بن علي، وابن حزم (3) ، وغيرهم. # قالوا: والمنازعون لنا ليس لهم قط حجة يرد إليها عند ms1184 التنازع، وأكثرهم ~~يقولون: لا يجب القضاء إلا بأمر ثان، وليس معهم هنا أمر. # ونحن لا ننازع في وجوب القضاء فقط، بل ننازع في قبول القضاء منه وصحة ~~الصلاة في غير وقتها، فنقول: الصلوات الخمس في غير وقتها المختص والمشترك، ~~المضيق والموسع، كالجمعة في غير وقتها، وكالحج في غير وقته، وكرمي الجمار ~~في غير وقتها. والوقت صفة للفعل، وهو من آكد واجباته، فكيف تقبل العبادة ~~بدون صفاتها (4) الواجبة فيها؟ . PageV05P225 # وهو لو صلى إلى غير القبلة بغير عذر لم تكن صلاته إلا باطلة، وكذلك إذا ~~صلى قبل الوقت المشترك لغير عذر، مثل أن يصلي الظهر قبل الزوال، والمغرب ~~قبل المغيب، ولو فعل ذلك متأولا، مثل الأسير إذا ظن دخول شهر رمضان فصام، ~~ومثل المسافر في يوم الغيم وغيرهما إذا اجتهدوا فصلوا الظهر: قبل الزوال أو ~~المغرب قبل الغروب ; فهؤلاء في وجوب الإعادة عليهم قولان معروفان للعلماء. ~~والنزاع في ذلك في مذهب مالك والشافعي. والمعروف من مذهب أحمد أنه لا ~~يجزئهم، ولو فعلوا ذلك في الوقت المشترك، كصلاة العصر في وقت الظهر، ~~والعشاء قبل مغيب الشفق، فقياس الصحيح من مذهب أحمد أن ذلك يجزئ، فإنه جمع ~~لعذر وهو لا يشترط النية، وقد نص على أن المسافر إذا صلى العشاء قبل مغيب ~~الشفق أجزأه لجواز الجمع له، وإن كان لم يصلها مع المغرب، ولهذا يستحب له ~~مع أمثاله تأخير الظهر وتقديم العصر، وتأخير المغرب وتقديم العشاء، كما نقل ~~عن السلف. فدل على أن الثانية إذا فعلت هنا قبل الوقت الخاص أجزأته. # قالوا: فالنزاع في صحة مثل هذه الصلاة، كالنزاع في رمي الجمار [لا يفعل ~~بعد الوقت] (1) . # قال لهم الأولون: ما قستم عليه من الجمعة والحج ورمي الجمار لا يفعل بعد ~~الوقت المحدود في الشرع بحال، لا لمعذور ولا لغير معذور (2) . فعلم أن هذه ~~الأفعال مختصة بزمان كما هي مختصة بمكان. PageV05P226 # وأما الصلوات الخمس فيجوز فعلها للمعذور بعد انقضاء الأوقات، فعلم أنه ~~يصح فعلها في غير الوقت، وأن الوقت ليس شرطا فيها، كما هو شرط ms1185 في تلك ~~العبادات. # قال الآخرون: الجواب من وجهين: أحدهما: أن يقال: هب أنه يجوز فعل الصلاة ~~بعد وقتها للمعذور، توسعة من الله ورحمة (1) ، وأما النائم والناسي فلا (2) ~~ذنب لهما، فوسع الله لهما عند الذكر والانتباه، إذا كان لا يمكنهما الصلاة ~~إلا حينئذ. فأي شيء في هذا مما يدل على جواز ذلك لمرتكب الكبيرة الذي لا ~~عذر له في تفويتها؟ والحج إذا فاته في عام أمكنه أن يحج في عام قابل، ورمي ~~الجمار إذا فاته جعل له بدل عنها وهو النسك. والجمعة إذا فاتت صلى الظهر. ~~فكان (3) المعذور إذا فاتته هذه العبادات المؤقتة شرع له أن يأتي ببدلها، ~~ولا إثم عليه، رحمة من الله في حقه. وأما غير المعذور فجعل له البدل أيضا ~~في الحج، لأن الحج يقبل النيابة ; فإذا مات الإنسان جاز أن يحج عنه وإن كان ~~مفرطا (4) فإذا جاز أن يحج عنه غيره فلأن يجوز أن يأتي هو بالبدل بطريق ~~الأحرى والأولى ; فإن الدم الذي يخرجه هو أولى من فعل غيره عنه. # وأما الجمعة إذا فاتته، فإنما يصلي الظهر، لأنها الفرض المعتاد في كل ~~يوم، لا لأنها بدل عن الجمعة، بل الواجب على كل أحد: إما PageV05P227 # الجمعة وإما الظهر ; فإذا أمكنه (1) الجمعة وجبت عليه، وإن لم يمكن صلى ~~الظهر، فإذا فاتت الجمعة أمكنه أن يصلي الظهر، فوجب عليه صلاة الظهر. ولهذا ~~لا يجوز فعلها عند أكثر العلماء إلا إذا فاتت الجمعة. # وأما الصلاة المكتوبة فلا تدخلها النيابة بحال، وكذلك صوم رمضان إن (2) ~~كان قادرا عليه وإلا سقط عنه الصوم، وأطعم هو عن كل يوم مسكينا عند ~~الأكثرين، وعند مالك لا شيء عليه. وأما ما وردت به السنة من صيام الإنسان ~~عن وليه، فذاك في النذر، كما فسرته الصحابة الذين رووه بهذا، كما يدل عليه ~~لفظه ; فإنه قال: " «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» " (3) والنذر في ذمته ~~وهو (4) عليه، وأما صوم رمضان فليس في ذمته ولا هو عليه، بل هو ساقط عن ~~العاجز عنه. # فلما كانت الصلوات الخمس وصيام ms1186 رمضان لا يفعله أحد عن أحد أصلا، لم يكن ~~لهما بدل، بخلاف الحج وغيره، فلهذا وسع الشارع في قضائهما للمعذور لحاجته ~~به إلى ذلك توسعة منه ورحمة، وغيرهما لم يوسع في قضائه لأحد، لأنه لا حاجة ~~به (5) إلى قضائه لما شرع من البدل، PageV05P228 # إما عبادة أخرى كالظهر عن الجمعة، والدم عن واجبات الحج، وإما فعل الغير، ~~كالحج عن المغصوب والميت. # فهذا يبين الفرق بين الصلاة والصوم وغيرهما، وبين المعذور وغيره، ويبين ~~أن من وسع فيهما لغير المعذور (1) كما يوسع للمعذور فقد أخطأ القياس. # الجواب الثاني: أنا لم نقس قياسا استفدنا به حكم الفرع من الأصل ; فإن ما ~~ذكرناه ثابت بالأدلة الشرعية التي لا تحتاج إلى القياس معها كما تقدم، لكن ~~ذكرنا القياس ليتصور الإنسان ما جاء به الشرع في هذا، كما يضرب الله ~~الأمثال للتفهيم والتصوير، لا لأن ذلك هو الدليل الشرعي. # والمراد بهذا القياس أن يعرف أن فعل الصلاة بعد الوقت، حيث حرم الله ~~ورسوله تأخيرها، بمنزلة فعل هذه العبادات. والمقصود تمثيل الحكم بالحكم، لا ~~تمثيل الفعل بالفعل، فيعرف (2) أن المقصود أن الصلاة ما بقيت تقبل ولا تصح، ~~كما لا تقبل هذه ولا تصح ; فإن من الجهال من يتوهم أن المراد بذلك تهوين ~~(3) أمر الصلاة، وأن من فوتها سقط عنه القضاء، فيدعو ذلك السفهاء إلى ~~تفويتها. # وهذا لا يقوله مسلم، بل من قال: إن من فوتها فلا إثم عليه، فهو كافر مرتد ~~يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. ولكن تفويت الصلاة عمدا مثل تفويت شهر رمضان ~~عمدا بإجماع المسلمين، فأجمع المسلمون كلهم من PageV05P229 # جميع الطوائف على أن من قال: لا أصلي صلاة النهار إلا بالليل، فهو كمن ~~قال: لا أصوم رمضان (1) إلا في شوال، فإن كان يستجيز تأخيرها ويرى ذلك ~~جائزا له، فهو كمن يرى تأخير رمضان جائزا. وهذا وهذا يجب (2) استتابتهما ~~باتفاق العلماء، فإن تابا واعتقدا وجوب فعل الصلاة والصوم في وقتهما وإلا ~~قتلا. # وكثير من العامة والجهال يعتقدون جواز تأخيرها إلى الليل بأدنى شغل، ويرى ~~أن صلاتها بالليل ms1187 خير من أن يصليها بالنهار مع الشغل، وهذا باطل بإجماع ~~المسلمين، بل هذا كفر (3) . وكثير منهم لا يرى جوازها في الوقت إلا مع كمال ~~الأفعال، وأنه إذا صلاها بعد الوقت مع كمال الأفعال كان أحسن، وهذا باطل، ~~بل كفر باتفاق العلماء. # ومن أسباب هذه الاعتقادات الفاسدة تجويز القضاء لغير المعذور، وقول ~~القائل: إنها تصح وتقبل وإن أثم بالتأخير، فجعلوا فعلها بعد الغروب كفعل ~~العصر بعد الاصفرار، وذلك جمع بين ما فرق الله ورسوله بينه. فلو علمت ~~العامة أن تفويت الصلاة كتفويت شهر رمضان باتفاق المسلمين، لاجتهدوا في ~~فعلها في الوقت. # ومن جملة أسباب ذلك أن رمضان يشترك في صومه جميع الناس، والوقت مطابق ~~للعبادة لا يفصل (4) عنها، وليس له شروط كالصلاة. والصلاة وقتها موسع، ~~فيصلي بعض الناس في أول الوقت وبعضهم في PageV05P230 # آخره، وكلاهما جائز، وفيها واجبات يظن الجهال أنه لا يجوز فعلها إلا مع ~~تلك الواجبات مطلقا، فيقولون: نفعلها بعد الوقت، فهو خير من فعلها في الوقت ~~بدون تلك الواجبات. # فهذا الجهل أوجب تفويت الصلاة التفويت (1) المحرم بالإجماع، ولا يجوز أن ~~يقال لمن فوتها: لا شيء عليك، أو تسقط عنك الصلاة، وإن قال هذا فهو كافر، ~~ولكن يبين له أنك بمنزلة من زنى وقتل النفس، وبمنزلة من أفطر رمضان عمدا، ~~إذ أذنبت ذنبا ما بقي له جبران يقوم مقامه، فإنه من الكبائر. بل قال عمر بن ~~الخطاب رضي الله عنه: الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر. # فإذا كان هذا في الجمع من غير عذر، فكيف بالتفويت من غير عذر؟ وحينئذ ~~فعليك بالتوبة والاجتهاد في أعمال صالحة أكثر من قضائها، فصل صلوات كثيرة، ~~لعله أن يكفر بها عنك ما فوته، وأنت مع ذلك على خطر، وتصدق فإن بعض الصحابة ~~ألهاه بستانه عن صلاة المغرب فتصدق ببستانه. # وسليمان بن داود لما فاتته صلاة العصر بسبب الخيل، طفق مسحا بالسوق ~~والأعناق، فعقرها كفارة لما صنع. # فمن فوت صلاة واحدة عمدا فقد أتى كبيرة عظيمة، فليستدرك بما أمكن من توبة ~~وأعمال ms1188 صالحة. ولو قضاها لم يكن مجرد (2) القضاء رافعا إثم ما فعل بإجماع ~~المسلمين. والذين يقولون: لا يقبل منه القضاء، يقولون: نأمره بأضعاف ~~القضاء، لعل الله أن يعفو عنه. وإذا قالوا: لا يجب القضاء إلا بأمر جديد، ~~فلأن القضاء تخفيف ورحمة، كما في حق المريض والمسافر في رمضان. والرحمة ~~والتخفيف تكون للمعذور والعاجز، لا تكون PageV05P231 # لأصحاب الكبائر المتعمدين لها، المفرطين في عمود الإسلام. # والصلاة عمود الإسلام، ألا ترى إلى ما ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - من غير وجه أنه لما سئل عمن وجب عليه الحج فعجز عنه، أو نذر ~~صياما أو حجا فمات، هل يفعل عنه؟ فقال: " «أرأيت لو كان على أبيك أو أمك ~~دين فقضيته، أما كان يجزي عنه؟ " قال: بلى. قال: " فالله (1) أحق بالقضاء» ~~" (2) . ومراده بذلك أن الله أحق بقبول القضاء عن المعذور من بني آدم ; فإن ~~الله أرحم وأكرم، فإذا كان الآدميون يقبلون القضاء عمن مات، فالله أحق ~~بقبوله أيضا، لم يرد بذلك أن الله يحب أن تقضى حقوقه التي كانت على الميت، ~~وهي أوجب ما يقضى من الدين، فإن دين الميت لا يجب على الورثة قضاؤه، لكن ~~يقضى من تركته، ولا يجب على أحد فعل ما وجب على الميت من نذر. # والسائل إنما سأل عن الإجزاء والقبول، لم يسأل عن الوجوب، فلا بد أن يجاب ~~عن سؤاله، فعلم أن الأمر بقضاء العبادات وقبول القضاء من باب الإحسان ~~والرحمة (3) ، وذلك مناسب للمعذور (4) . وأما صاحب الكبيرة المفوت عمدا (5) ~~فلا يستحق تخفيفا ولا رحمة، لكن إذا تاب فله PageV05P232 # أسوة بسائر التائبين من الكبائر، فيجتهد في طاعة (1) الله وعباداته بما ~~أمكن، والذين أمروه بالقضاء من العلماء (2) لا يقولون: إنه بمجرد القضاء ~~[يسقط عنه الإثم، بل يقولون: بالقضاء] (3) يخف عنه الإثم، وأما إثم التفويت ~~وتأخير الصلاة عن وقتها فهو كسائر الذنوب التي تحتاج: إما إلى توبة، وإما ~~إلى حسنات ماحية، وإما غير ذلك مما يسقط به العقاب. # وهذه المسائل لبسطها موضع آخر. والمقصود هنا أن ما كان من ms1189 الشيطان مما لا ~~يدخل تحت الطاقة فهو معفو عنه، كالنوم والنسيان والخطأ في الاجتهاد ونحو ~~ذلك، وأن كل من مدح من الأمة (4) أولهم وآخرهم على شيء أثابه الله عليه ~~ورفع به قدره، فهو مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فالثواب على ما ~~جاء به الرسول (5) ، والنصرة لمن نصره، والسعادة لمن اتبعه، وصلوات الله ~~وملائكته (6) على المؤمنين به، والمعلمين للناس دينه، والحق يدور معه حيثما ~~دار، وأعلم الخلق بالحق وأتبعهم له أعملهم بسنته وأتبعهم لها، وكل قول خالف ~~قوله فهو إما دين منسوخ وإما دين مبدل لم يشرع قط. # وقد قال علي رضي الله عنه في مفاوضة جرت بينه وبين عثمان رضي الله عنه: " ~~خيرنا أتبعنا لهذا الدين " وعثمان يوافقه على ذلك، وسائر الصحابة [رضي الله ~~عنهم أجمعين] (7) . PageV05P233 ### | [فصل الله أمر بالاستغفار لأصحاب محمد فسبهم الرافضة] # فصل # ولما قال السلف: إن الله أمر بالاستغفار لأصحاب محمد فسبهم الرافضة (1) ، ~~كان هذا كلاما حقا. وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: " ~~«لا تسبوا أصحابي» " (2) يقتضي تحريم سبهم، مع أن الأمر بالاستغفار ~~للمؤمنين والنهي عن سبهم عام. # ففي الصحيحين عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «سباب ~~المسلم فسوق وقتاله كفر» " (3) . وقد قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا ~~يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا ~~منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ~~ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} [سورة الحجرات: 11] فقد نهى عن السخرية ~~واللمز والتنابز بالألقاب. # واللمز: العيب والطعن، ومنه قوله تعالى: {ومنهم من يلمزك في الصدقات} ~~[سورة التوبة: 58] أي يعيبك ويطعن عليك، وقوله: {الذين يلمزون المطوعين من ~~المؤمنين في الصدقات} [سورة التوبة: 79] وقوله: {ولا تلمزوا أنفسكم} [سورة ~~الحجرات: 49] أي لا يلمز بعضكم بعضا كقوله: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون ~~والمؤمنات بأنفسهم خيرا} [سورة النور: 12] PageV05P234 # وقوله: {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم} [سورة البقرة: 54] وقد قال ~~تعالى: {ويل لكل همزة لمزة} الآية ms1190 [سورة الهمزة: 1] والهمز: العيب (1) ~~والطعن بشدة وعنف، ومنه همز الأرض بعقبه، ومنه الهمزة وهي نبرة من الصدر. # وأما الاستغفار للمؤمنين عموما فقد قال تعالى: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين ~~والمؤمنات} [سورة محمد: 19] . # وقد أمر الله بالصلاة على من يموت. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~يستغفر للمنافقين حتى نهي عن ذلك (2) . فكل مسلم لم يعلم أنه منافق جاز ~~الاستغفار له والصلاة عليه، وإن كان فيه بدعة أو فسق، لكن لا يجب على كل ~~أحد أن يصلي عليه. وإذا كان في ترك الصلاة على الداعي إلى البدعة والمظهر ~~للفجور مصلحة من جهة انزجار الناس، فالكف عن الصلاة كان مشروعا لمن كان (3) ~~يؤثر ترك صلاته في الزجر بأن لا يصلى عليه. كما قال النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - فيمن قتل نفسه: PageV05P235 # " «صلوا على صاحبكم» " (1) وكذلك قال في الغال: " «صلوا على صاحبكم» " ~~(2) وقد قيل لسمرة بن جندب: إن ابنك لم ينم البارحة. فقال: أبشما (3) ؟ ~~قالوا: بشما. قال: لو مات لم أصل عليه. يعني: لأنه يكون قد قتل نفسه. # وللعلماء هنا نزاع: هل يترك (4) الصلاة على مثل هذا الإمام (5) فقط، ~~لقوله صلى الله عليه وسلم: " «صلوا على صاحبكم» "؟ أم هذا الترك يختص ~~بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ أم مشروع لمن تطلب صلاته؟ وهل الإمام هو ~~الخليفة أو الإمام الراتب؟ وهل هذا مختص بهذين أم هو ثابت لغيرهما؟ فهذه ~~كلها مسائل تذكر في غير هذا الموضع. # لكن بكل حال المسلمون المظهرون للإسلام قسمان: إما مؤمن، PageV05P236 # وإما منافق. فمن علم نفاقه لم تجز الصلاة عليه والاستغفار له. ومن لم ~~يعلم ذلك منه (1) صلي عليه. وإذا علم شخص نفاق شخص لم يصل هو عليه، وصلى ~~(2) عليه من لم يعلم نفاقه. # وكان عمر رضي الله عنه لا يصلي على من لم يصل عليه حذيفة، لأنه كان في ~~غزوة تبوك قد عرف المنافقين، الذين عزموا على الفتك برسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم. # واعلم أنه لا منافاة بين عقوبة الإنسان في الدنيا على ذنبه وبين الصلاة ~~عليه والاستغفار له ; فإن الزاني ms1191 والسارق والشارب وغيرهم من العصاة تقام ~~عليهم الحدود، ومع هذا فيحسن إليهم (3) بالدعاء لهم في دينهم ودنياهم ; فإن ~~العقوبات الشرعية إنما شرعت رحمة من الله بعباده، فهي صادرة عن رحمة الله ~~(4) وإرادة الإحسان إليهم (5) . # ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على الذنوب أن يقصد بذلك الإحسان إليهم ~~والرحمة لهم، كما يقصد الوالد تأديب ولده، وكما يقصد الطبيب معالجة المريض ~~; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «إنما أنا لكم بمنزلة الوالد» " ~~(6) . . وقد قال تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} ~~[سورة الأحزاب: 6] PageV05P237 # وفي قراءة أبي: وهو أب لهم (1) . والقراءة المشهورة تدل على ذلك: فإن ~~نساءه إنما كن أمهات المؤمنين تبعا له، فلولا أنه كالأب لم يكن نساؤه ~~كالأمهات. والأنبياء أطباء الدين، والقرآن أنزله الله شفاء لما في الصدور، ~~فالذي يعاقب الناس عقوبة شرعية إنما هو نائب عنه (2) وخليفة له، فعليه أن ~~يفعل كما يفعل على الوجه الذي فعل. # ولهذا قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن ~~المنكر وتؤمنون بالله} [سورة آل عمران: 110] قال أبو هريرة: كنتم خير الناس ~~للناس (3) تأتون بهم في الأقياد والسلاسل تدخلونهم الجنة (4) . أخبر أن هذه ~~الأمة خير الأمم لبني آدم: فإنهم يعاقبونهم بالقتل (5) والأسر، ومقصودهم ~~بذلك الإحسان إليهم، وسوقهم إلى كرامة PageV05P238 # الله ورضوانه، وإلى دخول الجنة. # وهكذا الرد على أهل البدع من الرافضة وغيرهم: إن لم يقصد فيه بيان الحق ~~وهدى الخلق ورحمتهم والإحسان إليهم، لم يكن عمله صالحا. وإذا غلظ في ذم ~~بدعة ومعصية (1) كان قصده بيان ما فيها من الفساد ليحذرها العباد، كما في ~~نصوص الوعيد وغيرها. وقد يهجر الرجل عقوبة وتعزيرا، والمقصود بذلك ردعه ~~وردع أمثاله، للرحمة والإحسان، لا للتشفي والانتقام. # كما هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه الثلاثة الذي خلفوا لما جاء ~~المتخلفون عن الغزاة يعتذرون ويحلفون وكانوا يكذبون. وهؤلاء الثلاثة صدقوا ~~وعوقبوا بالهجر، ثم تاب الله عليهم ببركة الصدق (2) . # وهذا مبني على مسألتين: إحداهما: أن الذنب لا يوجب كفر صاحبه، كما تقوله ~~الخوارج، بل ولا تخليده ms1192 في النار ومنع الشفاعة فيه، كما يقوله المعتزلة. # الثاني أن المتأول الذي قصده متابعة الرسول لا يكفر، بل (3) ولا يفسق إذا ~~اجتهد فأخطأ. وهذا مشهور عند الناس في المسائل العملية. وأما مسائل العقائد ~~فكثير من الناس كفر (4) المخطئين فيها. # وهذا القول لا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا عن (5) ~~أحد من أئمة المسلمين، وإنما هو في الأصل من أقوال أهل PageV05P239 # البدع، الذين يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم، كالخوارج والمعتزلة ~~والجهمية، ووقع ذلك في كثير من أتباع الأئمة، كبعض أصحاب مالك والشافعي ~~وأحمد وغيرهم. # وقد يسلكون في التكفير ذلك ; فمنهم من يكفر أهل البدع مطلقا، ثم يجعل كل ~~من خرج عما هو عليه من أهل البدع. وهذا بعينه قول الخوارج والمعتزلة ~~الجهمية. وهذا القول أيضا يوجد (1) في طائفة من أصحاب الأئمة الأربعة، وليس ~~هو قول الأئمة الأربعة (2) ولا غيرهم (3) ، وليس فيهم من كفر كل مبتدع، بل ~~المنقولات الصريحة عنهم تناقض ذلك، ولكن قد ينقل عن أحدهم (4) أنه كفر من ~~قال بعض الأقوال، ويكون مقصوده أن هذا القول كفر ليحذر، ولا يلزم إذا كان ~~القول كفرا أن يكفر كل من قاله مع الجهل والتأويل ; فإن ثبوت الكفر في حق ~~الشخص المعين، كثبوت الوعيد في الآخرة في حقه، وذلك له شروط وموانع، كما ~~بسطناه في موضعه. # وإذا لم يكونوا في نفس الأمر كفارا لم يكونوا منافقين، فيكونون من ~~المؤمنين، فيستغفر لهم ويترحم عليهم. وإذا قال المؤمن (5) : {ربنا اغفر لنا ~~ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} [سورة الحشر: 10] يقصد كل (6) من ~~PageV05P240 # سبقه من قرون الأمة بالإيمان، وإن كان قد أخطأ في تأويل تأوله فخالف ~~السنة، أو أذنب ذنبا، فإنه من إخوانه الذين سبقوه بالإيمان، فيدخل في ~~العموم، وإن كان من الثنتين والسبعين فرقة، فإنه ما من فرقة إلا وفيها خلق ~~كثير ليسوا كفارا، بل مؤمنين فيهم ضلال وذنب يستحقون به الوعيد، كما يستحقه ~~عصاة المؤمنين. # والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخرجهم من الإسلام، بل جعلهم من أمته، ~~ولم يقل: إنهم يخلدون في ms1193 النار. فهذا أصل عظيم ينبغي مراعاته ; فإن كثيرا ~~من المنتسبين إلى السنة فيهم بدعة، من جنس بدع الرافضة والخوارج. وأصحاب ~~الرسول - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب وغيره لم يكفروا الخوارج ~~الذين قاتلوهم، بل أول ما خرجوا عليه وتحيزوا بحروراء، وخرجوا عن الطاعة ~~والجماعة، قال لهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن لكم علينا أن لا ~~نمنعكم مساجدنا (1) ولا حقكم من الفيء. ثم أرسل إليهم ابن عباس فناظرهم ~~فرجع نحو نصفهم، ثم قاتل الباقي وغلبهم، ومع هذا لم يسب لهم ذرية، ولا غنم ~~لهم مالا، ولا سار فيهم سيرة الصحابة في المرتدين، كمسيلمة الكذاب وأمثاله، ~~بل كانت سيرة علي والصحابة في الخوارج مخالفة لسيرة الصحابة في أهل الردة، ~~ولم ينكر أحد على علي ذلك، فعلم اتفاق الصحابة على أنهم لم يكونوا مرتدين ~~عن دين الإسلام (2) . # قال الإمام محمد بن نصر المروزي (3) : " وقد ولي علي رضي الله عنه ~~PageV05P241 # قتال أهل البغي، وروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهم ما روى، ~~وسماهم مؤمنين، وحكم فيهم بأحكام المؤمنين. وكذلك عمار بن ياسر ". # وقال محمد بن نصر أيضا: " حدثنا إسحاق بن راهويه، حدثنا يحيى بن آدم، عن ~~مفضل (1) بن مهلهل، عن الشيباني، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: " ~~كنت عند علي حين فرغ من قتال أهل النهروان، فقيل له: أمشركون هم؟ قال: من ~~الشرك فروا. فقيل: فمنافقون (2) ؟ قال: المنافقون لا يذكرون الله إلا ~~قليلا. قيل: فما هم؟ قال: قوم بغوا علينا فقاتلناهم ". # (* وقال محمد بن نصر أيضا: " حدثنا إسحاق حدثنا وكيع، عن مسعر، عن عامر ~~بن سفيان (3) ، عن أبي وائل، قال: قال رجل: من دعي (4) إلى البغلة الشهباء ~~يوم قتل المشركون؟ فقال علي: من الشرك فروا. قال: المنافقون؟ قال: إن ~~المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا. قال: فما هم؟ قال: قوم بغوا علينا ~~فقاتلناهم فنصرنا عليهم. # قال: حدثنا (5) إسحاق، حدثنا وكيع عن أبي خالدة (6) ، عن PageV05P242 # حكيم بن جابر، قال: قالوا لعلي حين قتل أهل النهروان: أمشركون ms1194 هم؟ قال: ~~من الشرك فروا. قيل: فمنافقون؟ قال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا. ~~قيل: فما هم؟ قال: قوم حاربونا فحاربناهم وقاتلونا فقاتلناهم *) (1) . # قلت: الحديث (2) الأول وهذا الحديث صريحان في أن عليا قال هذا القول في ~~الخوارج الحرورية أهل النهروان، الذين استفاضت الأحاديث الصحيحة عن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - في ذمهم والأمر بقتالهم، وهم يكفرون عثمان وعليا ومن ~~تولاهما، فمن لم يكن معهم كان عندهم كافرا ودارهم دار كفر، فإنما دار ~~الإسلام عندهم هي دارهم. # قال الأشعري وغيره: " أجمعت الخوارج على تكفير علي بن أبي طالب رضي الله ~~عنه (3) ". ومع هذا علي قاتلهم لما بدءوه بالقتال فقتلوا عبد الله بن خباب، ~~وطلب علي منهم قاتله، فقالوا: كلنا قتله، وأغاروا على ماشية الناس (4) . ~~ولهذا قال فيهم: " قوم قاتلونا فقاتلناهم، وحاربونا فحاربناهم " وقال: " ~~قوم بغوا علينا فقاتلناهم ". # وقد اتفق الصحابة والعلماء بعدهم على قتال هؤلاء ; فإنهم بغاة على جميع ~~المسلمين، سوى من وافقهم على مذهبهم، وهم يبدءون المسلمين بالقتال، ولا ~~يندفع شرهم إلا بالقتال ; فكانوا أضر على المسلمين من قطاع الطريق. فإن ~~أولئك إنما مقصودهم المال، (* فلو PageV05P243 # أعطوه لم يقاتلوا، وإنما يتعرضون لبعض الناس *) (1) وهؤلاء يقاتلون الناس ~~على الدين حتى يرجعوا عما ثبت بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة إلى ما ابتدعه ~~هؤلاء بتأويلهم الباطل وفهمهم الفاسد للقرآن. ومع هذا فقد صرح علي رضي الله ~~عنه بأنهم مؤمنون ليسوا كفارا ولا منافقين. # وهذا بخلاف ما كان يقوله بعض الناس، كأبي إسحاق الإسفراييني ومن اتبعه، ~~يقولون: " لا نكفر إلا من يكفر " (2) فإن الكفر ليس حقا لهم، بل هو حق لله ~~(3) ، وليس للإنسان أن يكذب على من يكذب (4) عليه، ولا يفعل الفاحشة بأهل ~~من فعل الفاحشة بأهله، بل ولو استكرهه رجل على اللواطة (5) ، لم يكن له أن ~~يستكرهه على ذلك، ولو قتله بتجريع خمر أو تلوط به (6) لم يجز قتله بمثل ذلك ~~(7) ، لأن هذا حرام لحق الله تعالى. ولو سب النصارى نبينا، لم يكن لنا أن ~~نسب المسيح. # والرافضة إذا كفروا أبا بكر وعمر، فليس ms1195 لنا أن نكفر عليا. وحديث أبي وائل ~~يوافق ذينك الحديثين. فالظاهر أنه كان يوم النهروان أيضا. وقد روي عنه في ~~أهل الجمل وصفين قول أحسن من هذا. قال إسحاق بن راهويه: حدثنا أبو نعيم، ~~حدثنا سفيان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: سمع علي يوم الجمل أو يوم (8) ~~صفين رجلا يغلو في القول، فقال: PageV05P244 # لا تقولوا إلا خيرا، إنما هم قوم زعموا إنا بغينا عليهم، وزعمنا أنهم ~~بغوا علينا فقاتلناهم. فذكر لأبي جعفر أنه أخذ منهم السلاح. فقال: ما كان ~~أغناه عن ذلك. # وقال محمد بن نصر: حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا أحمد بن خالد، حدثنا محمد ~~بن راشد، عن مكحول: أن أصحاب علي سألوه عمن قتل من أصحاب معاوية ما هم؟ ~~قال: هم مؤمنون (1) . وبه قال أحمد بن خالد، حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة، ~~عن عبد الواحد بن أبي عون، قال: مر علي وهو متكئ (2) على الأشتر على قتلى ~~صفين، فإذا حابس اليماني مقتول، فقال الأشتر: إنا لله وإنا إليه راجعون، ~~هذا حابس اليماني معهم يا أمير المؤمنين، عليه علامة معاوية، أما والله لقد ~~عهدته (3) مؤمنا. قال علي: والآن هو مؤمن. # قال: وكان حابس رجلا من أهل اليمن، من أهل العبادة والاجتهاد. # قال محمد بن يحيى: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا مختار بن نافع، عن أبي مطر، ~~قال: قال علي: متى ينبعث أشقاها؟ قيل: من أشقاها؟ قال: الذي يقتلني. فضربه ~~ابن ملجم بالسيف فوقع برأس علي رضي الله عنه، وهم المسلمون بقتله. فقال: لا ~~تقتلوا الرجل، فإن برئت فالجروح قصاص، وإن مت فاقتلوه. فقال: إنك ميت. قال: ~~وما يدريك؟ قال: كان سيفي مسموما (4) . PageV05P245 # وبه قال محمد بن عبيد (1) ، حدثنا الحسن وهو ابن الحكم النخعي عن رباح ~~(2) بن الحارث (3) ، قال: إنا لبواد، وإن ركبتي لتكاد تمس (4) ركبة عمار بن ~~ياسر، إذ أقبل رجل فقال: كفر والله أهل الشام (5) . فقال عمار: لا تقل ذلك، ~~فقبلتنا واحدة، ونبينا واحد، ولكنهم قوم مفتونون، فحق علينا قتالهم حتى ~~يرجعوا إلى الحق. # وبه ms1196 قال ابن يحيى، حدثنا قبيصة، حدثنا سفيان، عن الحسن بن الحكم، عن رباح ~~(6) بن الحارث، عن عمار بن ياسر، قال: ديننا واحد، وقبلتنا واحدة، ودعوتنا ~~واحدة، ولكنهم قوم بغوا علينا فقاتلناهم. قال ابن يحيى: حدثنا يعلى، حدثنا ~~مسعر عن عبد الله بن رباح، عن رباح بن الحارث، قال: قال عمار بن ياسر: لا ~~تقولوا كفر أهل الشام، قولوا: فسقوا، قولوا: ظلموا. # قال محمد بن نصر: " وهذا يدل على أن الخبر الذي روي عن عمار بن ياسر، أنه ~~قال لعثمان بن عفان: هو كافر، خبر باطل لا يصح، لأنه إذا أنكر كفر أصحاب ~~معاوية، وهم إنما كانوا يظهرون أنهم يقاتلون في دم عثمان، فهو لتكفير عثمان ~~أشد إنكارا ". # قلت: والمروي في حديث عمار أنه لما قال ذلك، أنكر عليه علي PageV05P246 # رضي الله عنه. وقال: أتكفر برب آمن به عثمان؟ وحدثه بما يبين بطلان ذلك ~~القول. فيكون عمار: إن كان قال ذلك متأولا فقد رجع عنه حين بين له علي رضي ~~الله عنه أنه (1) قول باطل. # ومما يدل على أن الصحابة لم يكفروا الخوارج أنهم كانوا يصلون خلفهم، وكان ~~عبد الله بن عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة (2) يصلون (3) خلف نجدة ~~الحروري، وكانوا أيضا يحدثونهم ويفتونهم ويخاطبونهم، كما يخاطب المسلم ~~المسلم، كما كان عبد الله بن عباس يجيب نجدة الحروري لما أرسل إليه يسأله ~~عن مسائل، وحديثه في البخاري (4) . وكما أجاب نافع بن الأزرق عن مسائل ~~مشهورة (5) ، وكان نافع يناظره في أشياء بالقرآن، كما يتناظر المسلمان. # وما زالت سيرة المسلمين على هذا، ما جعلوهم مرتدين كالذين PageV05P247 # قاتلهم الصديق رضي الله عنه. هذا مع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم ~~- بقتالهم (1) في الأحاديث الصحيحة، وما روي من أنهم " «شر قتلى تحت أديم ~~السماء، خير قتيل (2) من قتلوه» " في الحديث الذي رواه أبو أمامة، رواه ~~الترمذي وغيره (3) . أي أنهم شر على المسلمين من غيرهم، فإنهم لم يكن أحد ~~شرا على المسلمين منهم: لا اليهود ولا النصارى ; فإنهم كانوا مجتهدين في ~~قتل كل ms1197 مسلم لم يوافقهم، مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم، ~~مكفرين لهم، وكانوا متدينين بذلك لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة. # ومع هذا فالصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان لم يكفروهم، ولا ~~جعلوهم مرتدين، ولا اعتدوا عليهم بقول ولا فعل، بل اتقوا الله فيهم، وساروا ~~فيهم السيرة العادلة. وهكذا سائر فرق أهل البدع والأهواء من الشيعة ~~والمعتزلة ; وغيرهم فمن كفر الثنتين والسبعين فرقة PageV05P248 # كلهم فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان، مع أن ~~حديث الثنتين والسبعين فرقة ليس في الصحيحين، وقد ضعفه ابن حزم وغيره لكن ~~حسنه غيره أو صححه، كما صححه الحاكم وغيره، وقد رواه أهل السنن، وروي من ~~طرق (1) . # وليس قوله: " «ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة» " بأعظم من قوله ~~تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ~~وسيصلون سعيرا} [سورة النساء: 10] وقوله: {ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف ~~نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا} [سورة النساء: 30] ، وأمثال ذلك من ~~النصوص الصريحة بدخول من فعل ذلك النار. PageV05P249 # ومع هذا فلا نشهد لمعين بالنار لإمكان أنه تاب، أو كانت له حسنات محت ~~سيئاته، أو كفر الله عنه بمصائب أو غير ذلك كما تقدم، بل المؤمن بالله ~~ورسوله باطنا وظاهرا، الذي قصد اتباع الحق وما جاء به الرسول، إذا أخطأ ولم ~~يعرف الحق كان أولى أن يعذره الله في الآخرة من المتعمد العالم بالذنب ; ~~فإن هذا عاص مستحق للعذاب بلا ريب، وأما ذلك فليس متعمدا للذنب بل هو مخطئ، ~~والله قد تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان. # والعقوبة في الدنيا تكون لدفع ضرره عن المسلمين، وإن كان في الآخرة خيرا ~~ممن لم يعاقب، كما يعاقب المسلم المتعدي للحدود، ولا يعاقب أهل الذمة من ~~اليهود والنصارى. والمسلم في الآخرة خير منهم. # وأيضا فصاحب البدعة يبقى صاحب هوى يعمل لهواه لا ديانة، ويصدر عن الحق ~~الذي يخالفه هواه، فهذا يعاقبه الله على هواه، ومثل هذا يستحق العقوبة في ~~الدنيا والآخرة. ومن فسق من السلف الخوارج ونحوهم ms1198 كما روي عن سعد بن أبي ~~وقاص أنه قال فيهم قوله تعالى: {وما يضل به إلا الفاسقين - الذين ينقضون ~~عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض ~~أولئك هم الخاسرون} [سورة البقرة: 26 - 27] فقد يكون هذا قصده، لا سيما إذا ~~تفرق الناس، فكان ممن يطلب (1) الرياسة له ولأصحابه. # وإذا كان المسلم الذي يقاتل الكفار قد يقاتلهم شجاعة وحمية ورياء، وذلك ~~ليس في سبيل الله، فكيف بأهل البدع الذين يخاصمون ويقاتلون PageV05P250 # عليها؟ فإنهم يفعلون ذلك شجاعة وحمية، وربما يعاقبون لما اتبعوا أهواءهم ~~بغير هدى من الله، لا لمجرد (1) الخطأ الذي اجتهدوا فيه. # ولهذا قال الشافعي: " لأن أتكلم في علم يقال لي فيه: أخطأت، أحب إلي من ~~أن أتكلم في علم يقال لي فيه: كفرت ". فمن عيوب أهل البدع تكفير بعضهم ~~بعضا، ومن ممادح أهل العلم أنهم يخطئون ولا يكفرون. وسبب ذلك أن أحدهم قد ~~يظن ما ليس بكفر كفرا، [وقد يكون كفرا] (2) لأنه تبين له أنه تكذيب للرسول ~~وسب للخالق، والآخر لم يتبين له ذلك، فلا يلزم إذا كان هذا العالم بحاله ~~يكفر إذا قاله، أن يكفر من لم يعلم بحاله. # والناس لهم فيما يجعلونه (3) كفرا طرق متعددة (4) ; فمنهم من يقول: الكفر ~~تكذيب ما علم بالاضطرار من دين الرسول، ثم الناس متفاوتون في العلم الضروري ~~بذلك. # ومنهم من يقول: الكفر هو الجهل بالله تعالى، ثم قد يجعل الجهل بالصفة ~~كالجهل بالموصوف وقد لا يجعلها، وهم مختلفون في الصفات نفيا وإثباتا. # ومنهم من لا يحده بحد، بل كل ما تبين أنه تكذيب لما جاء به الرسول من أمر ~~الإيمان بالله واليوم الآخر جعله كفرا، إلى طرق أخر. # ولا ريب أن الكفر متعلق بالرسالة، فتكذيب الرسول كفر، وبغضه PageV05P251 # وسبه وعداوته مع العلم بصدقه في الباطن كفر عند الصحابة والتابعين لهم ~~بإحسان وأئمة العلم وسائر الطوائف، إلا الجهم ومن وافقه كالصالحي والأشعري ~~وغيرهم ; فإنهم قالوا: هذا كفر في الظاهر، وأما في الباطن فلا يكون كفرا ~~إلا إذا استلزم ms1199 الجهل، بحيث (1) لا يبقى في القلب شيء من التصديق بالرب، ~~وهذا بناء على أن الإيمان في القلب لا يتفاضل، ولا يكون في القلب بعض من ~~الإيمان. وهو خلاف النصوص الصريحة، وخلاف الواقع، ولبسط هذا موضع آخر. # والمقصود هنا أن كل من تاب من أهل البدع تاب الله عليه، وإذا كان الذنب ~~متعلقا بالله ورسوله فهو حق محض لله، فيجب أن يكون الإنسان في هذا الباب ~~(2) قاصدا لوجه الله، متبعا لرسوله، ليكون عمله خالصا صوابا. # قال تعالى: {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم ~~قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين - بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره ~~عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [سورة البقرة: 111 - 112] . # وقال تعالى: {ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة ~~إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا} [سورة النساء: 125] قال المفسرون ~~وأهل اللغة: معنى الآية: أخلص دينه وعمله (3) لله وهو محسن في عمله. ~~PageV05P252 # وقال الفراء في قوله: {فقل أسلمت وجهي لله} [سورة آل عمران: 20] أخلصت ~~عملي. وقال الزجاج: قصدت بعبادتي إلى الله. وهو كما قالوا، كما قد ذكر ~~توجيهه في موضع آخر. # وهذا المعنى يدور عليه القرآن ; فإن الله تعالى أمر أن لا يعبد إلا إياه، ~~وعبادته فعل ما أمر، وترك ما حظر. والأول هو إخلاص الدين والعمل لله. ~~والثاني هو الإحسان، وهو العمل الصالح. ولهذا كان عمر يقول في دعائه: " ~~اللهم اجعل عملي كله صالحا، واجعله لوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئا ". # وهذا هو الخالص الصواب، كما قال الفضيل بن عياض في قوله: ليبلوكم أيكم ~~أحسن عملا [سورة هود: 7] . قال أخلصه وأصوبه. قالوا: يا أبا علي ما أخلصه ~~وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان ~~صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل: حتى يكون خالصا صوابا. والخالص أن يكون لله، ~~والصواب أن يكون على السنة. # والأمر بالسنة والنهي عن البدعة هو (1) أمر بمعروف ونهي عن منكر، وهو ms1200 من ~~أفضل الأعمال الصالحة، فيجب أن يبتغي به وجه الله، وأن يكون مطابقا للأمر. # وفي الحديث: " «من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فينبغي أن يكون عليما (2) ~~بما يأمر به ; عليما (3) بما ينهى عنه، رفيقا فيما يأمر به، [رفيقا فيما ~~PageV05P253 # ينهى عنه] (1) ، حليما فيما يأمر به، حليما فيما ينهى عنه» " (2) . ~~فالعلم قبل الأمر، والرفق مع الأمر، والحلم بعد (3) الأمر ; فإن لم يكن ~~عالما لم يكن له أن يقفو ما (4) ليس له به علم، وإن كان عالما ولم يكن ~~رفيقا، كان كالطبيب الذي لا رفق فيه، فيغلظ على المريض فلا يقبل منه، ~~وكالمؤدب الغليظ الذي لا يقبل منه الولد. # وقد قال تعالى لموسى وهارون: {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} ~~[سورة طه: 44] . # ثم إذا أمر ونهى (5) فلا بد أن يؤذى في العادة، فعليه أن يصبر ويحلم. كما ~~قال تعالى: {وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من ~~عزم الأمور} [سورة: لقمان 17] . # وقد أمر الله نبيه بالصبر على أذى المشركين في غير موضع، وهو إمام ~~الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر. فإن الإنسان عليه أولا أن يكون أمره ~~لله، وقصده طاعة الله فيما أمره به (6) . وهو يحب صلاح المأمور، أو إقامة ~~الحجة عليه فإن فعل ذلك لطلب الرياسة لنفسه ولطائفته، وتنقيص غيره كان ذلك ~~حمية (7) لا يقبله الله، وكذلك إذا فعل ذلك لطلب السمعة والرياء كان عمله ~~حابطا. ثم إذا رد عليه ذلك وأوذي (8) أو PageV05P254 # نسب إلى أنه مخطئ وغرضه فاسد، طلبت نفسه الانتصار لنفسه، وأتاه الشيطان، ~~فكان مبدأ عمله لله، ثم صار له هوى يطلب به أن ينتصر على من آذاه، وربما ~~اعتدى على ذلك المؤذي. # وهكذا يصيب أصحاب المقالات المختلفة، إذا كان كل منهم يعتقد أن الحق معه، ~~وأنه على السنة ; فإن أكثرهم قد صار لهم في ذلك هوى أن ينتصر جاههم أو ~~رياستهم وما نسب إليهم، لا يقصدون أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون ~~الدين كله لله، بل يغضبون على من خالفهم، وإن ms1201 كان مجتهدا معذورا لا يغضب ~~الله عليه، ويرضون عمن يوافقهم (1) ، وإن كان جاهلا سيئ القصد، ليس له علم ~~ولا حسن قصد، فيفضي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله. ويذموا من ~~لم يذمه الله ورسوله. وتصير موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم لا على ~~دين الله ورسوله. # وهذا حال الكفار الذين لا يطلبون إلا أهواءهم، ويقولون: هذا صديقنا وهذا ~~عدونا، وبلغة المغل: هذا بال، هذا باغ، لا ينظرون إلى موالاة الله ورسوله، ~~ومعاداة الله ورسوله. # ومن هنا تنشأ الفتن بين الناس. قال الله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون ~~فتنة ويكون الدين كله لله} [سورة الأنفال: 39] ، فإذا لم يكن الدين كله لله ~~وكانت فتنة. # وأصل الدين أن يكون الحب لله، والبغض لله، والموالاة لله، والمعاداة لله، ~~والعبادة لله، والاستعانة بالله، والخوف من الله، والرجاء PageV05P255 # لله، والإعطاء لله، والمنع لله. وهذا إنما يكون بمتابعة رسول الله، الذي ~~أمره أمر الله، ونهيه نهي الله، ومعاداته معاداة الله، وطاعته طاعة الله، ~~ومعصيته معصية الله. # وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه، فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك، ولا ~~يطلبه، ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله، بل يرضى إذا ~~حصل ما يرضاه بهواه، ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه، ويكون مع ذلك معه ~~شبهة دين: أن الذي يرضى له ويغضب له أنه (1) السنة، وهو الحق، وهو الدين، ~~فإذا قدر أن الذي معه هو الحق المحض دين الإسلام، ولم يكن قصده أن يكون ~~الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، بل قصد الحمية لنفسه وطائفته ~~أو الرياء، ليعظم هو ويثنى عليه، أو فعل ذلك شجاعة وطبعا، أو لغرض من ~~الدنيا لم يكن لله، ولم يكن مجاهدا في سبيل الله. فكيف إذا كان الذي يدعي ~~الحق والسنة هو كنظيره، معه حق وباطل، وسنة وبدعة، ومع خصمه حق وباطل، وسنة ~~وبدعة؟ . # وهذا حال المختلفين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، وكفر بعضهم بعضا، ~~وفسق بعضهم بعضا. ولهذا قال تعالى فيهم: {وما تفرق ms1202 الذين أوتوا الكتاب إلا ~~من بعد ما جاءتهم البينة - وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ~~حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} [سورة البينة: 4 - 5] ~~. # وقال تعالى: {كان الناس أمة واحدة} [سورة البقرة: 213] ، يعني: ~~PageV05P256 # فاختلفوا، كما في سورة يونس، وكذلك في قراءة بعض الصحابة. وهذا على قراءة ~~الجمهور من الصحابة والتابعين: أنهم كانوا على دين الإسلام. وفي تفسير ابن ~~عطية عن ابن عباس: أنهم كانوا على الكفر (1) . وهذا ليس بشيء. وتفسير ابن ~~عطية عن ابن عباس ليس بثابت عن ابن عباس، بل قد ثبت عنه أنه قال: كان بين ~~آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام. # وقد قال في سورة يونس: {وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا} [سورة ~~يونس: 19] فذمهم على الاختلاف بعد أن كانوا على دين واحد، فعلم أنه كان ~~حقا. # والاختلاف في كتاب الله على وجهين: أحدهما: أن يكون كله مذموما، كقوله: ~~{وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد} [سورة البقرة: 176] . # والثاني: أن يكون بعضهم على الحق وبعضهم على الباطل، كقوله: {تلك الرسل ~~فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن ~~مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من ~~بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء ~~الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد} PageV05P257 # [سورة البقرة: 253] . لكن إذا أطلق الاختلاف فالجميع مذموم كقوله: {ولا ~~يزالون مختلفين - إلا من رحم ربك ولذلك} خلقهم [سورة هود: 118 - 119] . ~~وقول النبي - صلى الله عليه وسلم: " «إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم ~~واختلافهم على أنبيائهم» ". (1) # ولهذا فسروا الاختلاف في هذا الموضع بأنه كله مذموم. قال الفراء: في ~~اختلافهم وجهان: أحدهما: كفر بعضهم بكتاب بعض، والثاني: تبديل ما بدلوا. ~~وهو كما قال ; فإن المختلفين كل منهم يكون معه حق وباطل، فيكفر بالحق الذي ~~مع الآخر، ويصدق بالباطل الذي معه، وهو تبديل ما بدل. # فالاختلاف لا بد أن يجمع النوعين. ولهذا ذكر ms1203 كل من السلف أنواعا (2) من ~~هذا: أحدها: الاختلاف في اليوم الذي يكون فيه الاجتماع، فاليوم الذي أمروا ~~به يوم (3) الجمعة، فعدلت عنه الطائفتان ; فهذه أخذت السبت، وهذه أخذت ~~الأحد. # وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «نحن الآخرون ~~السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من ~~PageV05P258 # بعدهم، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له، الناس لنا فيه تبع، ~~اليوم لنا، وغدا لليهود، وبعد غد للنصارى» " (1) . # وهذا الحديث يطابق قوله تعالى: {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه ~~من الحق بإذنه} [سورة البقرة: 203] . # وفي صحيح مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- «كان إذا قام من الليل يصلي يقول: " اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، ~~فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا ~~فيه يختلفون، اهدني لما اختلفوا فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى ~~صراط مستقيم» " (2) # والحديث الأول يبين أن الله - تعالى - هدى المؤمنين لغير ما كان فيه ~~المختلفون ; فلا كانوا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، وهو مما يبين أن الاختلاف ~~كله مذموم. # والنوع الثاني: القبلة. فمنهم من يصلي إلى المشرق، ومنهم من يصلي إلى ~~المغرب. وكلاهما مذموم لم يشرعه الله. # والثالث: إبراهيم. قالت اليهود كان يهوديا، وقالت النصارى كان ~~PageV05P259 # نصرانيا. وكلاهما كان من الاختلاف المذموم: {ما كان إبراهيم يهوديا ولا ~~نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين} [سورة آل عمران: 67] . # والرابع: عيسى. جعلته اليهود لغية (1) ، وجعلته النصارى إلها. # والخامس: الكتب المنزلة. آمن هؤلاء ببعض، وهؤلاء ببعض. # والسادس: الدين. أخذ هؤلاء بدين، وهؤلاء بدين. ومن هذا الباب قوله تعالى: ~~{وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء} ~~[سورة البقرة: 113] . وقد روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - «أنه قال: ~~اختصمت يهود المدينة ونصارى نجران عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت ~~اليهود: ليست النصارى على شيء، ولا يدخل الجنة إلا من كان يهوديا، وكفروا ~~بالإنجيل وعيسى. وقالت ms1204 النصارى: ليست اليهود على شيء، وكفروا بالتوراة ~~وموسى، فأنزل الله هذه الآية والتي قبلها» (2) . # واختلاف أهل البدع هو من هذا النمط ; فالخارجي يقول: ليس الشيعي على شيء. ~~والشيعي يقول: ليس الخارجي على شيء. والقدري النافي يقول: ليس المثبت على ~~شيء. والقدري الجبري المثبت يقول: ليس النافي على شيء. والوعيدية تقول: ~~ليست المرجئة على شيء. والمرجئة تقول: ليست الوعيدية على شيء. # بل ويوجد شيء من هذا بين أهل المذاهب الأصولية والفروعية PageV05P260 # المنتسبين إلى السنة. فالكلابي يقول: ليس الكرامي على شيء. والكرامي ~~يقول: ليس الكلابي على شيء. والأشعري يقول: ليس السالمي على شيء. والسالمي ~~يقول: ليس الأشعري على شيء. # ويصنف (1) السالمي كأبي علي الأهوازي كتابا في مثالب الأشعري (2) ويصنف ~~(3) الأشعري كابن عساكر كتابا يناقض ذلك من كل وجه، وذكر فيه مثالب ~~السالمية (4) . # وكذلك أهل المذاهب الأربعة وغيرها، لا سيما وكثير منهم قد تلبس ببعض ~~المقالات الأصولية، وخلط هذا بهذا فالحنبلي والشافعي والمالكي يخلط بمذهب ~~مالك والشافعي وأحمد شيئا من أصول الأشعرية والسالمية وغير ذلك. ويضيفه إلى ~~مذهب مالك والشافعي وأحمد. وكذلك الحنفي يخلط بمذاهب أبي حنيفة شيئا من ~~أصول المعتزلة والكرامية والكلابية، ويضيفه إلى مذهب أبي حنيفة. # وهذا من جنس الرفض والتشيع، لكنه تشيع في تفضيل بعض الطوائف والعلماء، لا ~~تشيع في تفضيل بعض الصحابة. # والواجب على كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله PageV05P261 # وأن محمدا رسول الله أن يكون أصل قصده توحيد الله بعبادته وحده لا شريك ~~له وطاعة رسوله، يدور على ذلك، ويتبعه أين وجده، ويعلم أن أفضل الخلق بعد ~~الأنبياء هم الصحابة، فلا ينتصر لشخص انتصارا مطلقا عاما، إلا لرسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - ولا لطائفة انتصارا مطلقا عاما، إلا للصحابة - رضي ~~الله عنهم أجمعين. فإن الهدى يدور مع الرسول حيث دار، ويدور مع أصحابه دون ~~أصحاب غيره حيث داروا ; فإذا أجمعوا لم يجمعوا (1) على خطأ قط، بخلاف أصحاب ~~عالم من العلماء، فإنهم قد يجمعون (2) على خطأ، بل كل قول قالوه ولم يقله ~~غيرهم من الأمة (3) لا ms1205 يكون إلا خطأ ; فإن الدين الذي بعث الله به رسوله ~~(4) ليس مسلما إلى عالم واحد وأصحابه، ولو كان كذلك لكان ذلك الشخص نظيرا ~~لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو شبيه بقول الرافضة في الإمام ~~المعصوم. # ولا بد أن يكون الصحابة والتابعون يعرفون ذلك الحق الذي بعث الله (5) به ~~الرسول، قبل وجود المتبوعين الذين تنسب إليهم المذاهب في الأصول والفروع، ~~ويمتنع أن يكون هؤلاء جاءوا بحق يخالف ما جاء به الرسول، فإن كل ما خالف ~~الرسول فهو باطل، ويمتنع أن يكون أحدهم علم من جهة الرسول ما يخالف الصحابة ~~والتابعين لهم بإحسان، فإن أولئك لم يجتمعوا على ضلالة، فلابد أن يكون قوله ~~- إن PageV05P262 # كان حقا - مأخوذا عما جاء به الرسول، موجودا فيمن قبله، وكل قول قيل في ~~دين الإسلام، مخالف لما مضى عليه الصحابة والتابعون، لم يقله أحد منهم بل ~~قالوا خلافه، فإنه قول باطل. # والمقصود هنا أن الله - تعالى - ذكر أن المختلفين جاءتهم البينة، وجاءهم ~~العلم، وإنما اختلفوا بغيا. ولهذا ذمهم الله وعاقبهم ; فإنهم لم يكونوا ~~مجتهدين مخطئين (1) ، بل كانوا قاصدين البغي، عالمين بالحق، [معرضين عن ~~القول وعن العمل به] (2) . # ونظير هذا قوله: {إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا ~~الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم} [سورة آل عمران: 19] قال ~~الزجاج: اختلفوا للبغي لا لقصد البرهان. # وقال - تعالى -: {ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات ~~فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه ~~يختلفون} [سورة يونس: 93] . # وقال - تعالى -: {ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم ~~من الطيبات وفضلناهم على العالمين - وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا ~~إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم - إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة ~~فيما كانوا فيه يختلفون - ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع ~~أهواء الذين لا يعلمون - إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين ~~بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين - هذا بصائر للناس ms1206 وهدى ورحمة} [سورة ~~الجاثية: 16 - 20] . PageV05P263 # فهذه المواضع من القرآن تبين أن المختلفين ما اختلفوا حتى جاءهم العلم ~~والبينات، فاختلفوا للبغي والظلم، لا لأجل اشتباه الحق بالباطل عليهم. وهذا ~~حال أهل الاختلاف المذموم من أهل الأهواء كلهم ; لا يختلفون إلا من بعد أن ~~يظهر لهم (1) الحق ; ويجيئهم، العلم (2) فيبغي بعضهم على بعض. ثم المختلفون ~~المذمومون كل منهم يبغي على الآخر، فيكذب بما معه من الحق، مع علمه أنه حق، ~~ويصدق بما مع نفسه من الباطل، مع العلم (3) أنه باطل. # وهؤلاء كلهم مذمومون. ولهذا كان أهل الاختلاف المطلق (4) كلهم مذمومين في ~~الكتاب والسنة ; فإنه ما منهم إلا من خالف حقا واتبع باطلا. ولهذا أمر الله ~~الرسل أن تدعو إلى دين واحد، وهو دين الإسلام، ولا يتفرقوا فيه، وهو دين ~~الأولين والآخرين من الرسل وأتباعهم. # قال تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما ~~وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على ~~المشركين ما تدعوهم إليه} [سورة الشورى: 13] . # وقال في الآية الأخرى: {ياأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني ~~بما تعملون عليم - وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون - فتقطعوا ~~أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون} [سورة المؤمنون: 51 - 53] ~~PageV05P264 # أي كتبا، اتبع كل قوم كتابا مبتدعا غير كتاب الله فصاروا متفرقين ~~مختلفين، لأن أهل التفرق والاختلاف ليسوا على الحنيفية المحضة، التي هي ~~الإسلام المحض، الذي هو إخلاص الدين لله، الذي ذكره الله في قوله: {وما ~~أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا ~~الزكاة وذلك دين القيمة} [سورة البينة: 5] وقال في الآية الأخرى: {فأقم ~~وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك ~~الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون - منيبين إليه واتقوه وأقيموا ~~الصلاة ولا تكونوا من المشركين - من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب ~~بما لديهم فرحون} [سورة الروم: 30 - 32] ، فنهاه أن يكون من المشركين، ~~الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، وأعاد ms1207 حرف " من " ليبين أن الثاني بدل من ~~الأول. والبدل هو المقصود بالكلام، وما قبله توطئة له. # وقال تعالى: {ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك ~~لقضي بينهم} [سورة هود: 110] إلى قوله: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ~~ولا يزالون مختلفين - إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} [سورة هود: 18 - 119] ~~فأخبر أن أهل الرحمة لا يختلفون. # وقد ذكر في غير موضع أن دين الأنبياء كلهم الإسلام. كما قال - تعالى - عن ~~نوح: {وأمرت أن أكون من المسلمين} [سورة النمل: 91] ، وقال عن إبراهيم: # PageV05P265 # {إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين - ووصى بها إبراهيم بنيه ~~ويعقوب يابني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [سورة ~~البقرة: 131 - 132] ، وقال يوسف: {فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا ~~والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين} [سورة يوسف: 101] . {وقال موسى ~~ياقوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين} [سورة يونس: 84] ، ~~وقال عن السحرة: {ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين} [سورة الأعراف: 126] ~~. # وقال عن بلقيس: {رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين} ~~[سورة النمل: 44] . # وقال: {يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار} ~~[سورة المائدة: 44] . وقال: {وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي ~~قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون} [سورة المائدة: 111] . # وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «إنا معاشر ~~الأنبياء ديننا واحد» " (1) . وتنوع الشرائع لا يمنع أن يكون الدين واحدا ~~وهو PageV05P266 # الإسلام، كالدين الذي بعث الله به محمدا - صلى الله عليه وسلم - فإنه هو ~~دين الإسلام أولا وآخرا. # وكانت القبلة في أول الأمر بيت المقدس، ثم صارت القبلة الكعبة، وفي كلا ~~الحالين الدين واحد، وهو دين الإسلام. # فهكذا سائر ما شرع للأنبياء قبلنا. ولهذا حيث ذكر الله الحق في القرآن ~~جعله واحدا، وجعل الباطل متعددا. # كقوله: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن ~~سبيله} [سورة الأنعام: 153] . # وقوله: {اهدنا الصراط المستقيم - صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب ~~عليهم ولا الضالين ms1208} [سورة الفاتحة: 6 - 7] . # وقوله: {اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم} [سورة النحل: 121] . # وقوله: {ويهديك صراطا مستقيما} [سورة الفتح: 2] . # وقوله: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا ~~أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات} [سورة البقرة: 257] . # وهذا يطابق ما في كتاب الله من أن الاختلاف المطلق كله مذموم، بخلاف ~~المقيد الذي قيل فيه: {ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء ~~الله ما اقتتلوا} [سورة البقرة: 253] . فهذا قد بين أنه اختلاف بين أهل ~~الحق والباطل، كما قال: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} [سورة الحج: 19] . # PageV05P267 # وقد ثبت في الصحيحين (1) أنها نزلت في المقتتلين يوم بدر: في حمزة عم ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلي ابن عمه، وعبيدة بن الحارث ابن عمه ~~(2) ، والمشركين الذين بارزهم: عتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة (3) . # وقد تدبرت كتب الاختلاف التي يذكر فيها مقالات الناس إما نقلا مجردا، مثل ~~كتاب المقالات لأبي الحسن الأشعري، وكتاب الملل والنحل للشهرستاني، ولأبي ~~عيسى الوراق، أو مع انتصار لبعض الأقوال، كسائر ما صنفه أهل الكلام على ~~اختلاف طبقاتهم فرأيت عامة الاختلاف الذي فيها من الاختلاف المذموم. وأما ~~الحق الذي بعث الله به رسوله، وأنزل به كتابه، وكان عليه سلف الأمة فلا ~~يوجد فيها في جميع مسائل الاختلاف، بل يذكر أحدهم في المسألة عدة أقوال، ~~والقول الذي جاء به الكتاب والسنة لا يذكرونه، وليس ذلك لأنهم يعرفونه ولا ~~يذكرونه، بل لا يعرفونه. # ولهذا كان السلف والأئمة يذمون هذا الكلام. ولهذا يوجد الحاذق ~~PageV05P268 # منهم المنصف (1) الذي غرضه الحق في آخر عمره يصرح بالحيرة والشك، إذ لم ~~يجد في الاختلافات التي نظر فيها وناظر ما هو حق محض. وكثير منهم يترك ~~الجميع ويرجع إلى دين العامة الذي عليه العجائز والأعراب. # كما قال أبو المعالي وقت السياق: " لقد خضت البحر الخضم، وخليت أهل ~~الإسلام وعلومهم، ودخلت في الذي نهوني عنه. والآن إن لم يتداركني ربي ~~برحمته فالويل لابن الجويني، وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي ". # وكذلك أبو حامد في آخر عمره ms1209 استقر أمره على الوقف والحيرة، بعد أن نظر ~~فيما كان عنده من طرق النظار: أهل الكلام والفلسفة، وسلك ما تبين (2) له من ~~طرق العبادة والرياضة والزهد، وفي آخر عمره اشتغل بالحديث: بالبخاري ومسلم. # وكذلك الشهرستاني، مع أنه كان (3) من أخبر هؤلاء المتكلمين بالمقالات ~~والاختلاف، وصنف فيها كتابه المعروف بنهاية الإقدام في علم الكلام، وقال ~~(4) : " قد (5) أشار علي (6) من إشارته غنم، وطاعته حتم، أن أذكر له من ~~مشكلات (7) الأصول ما أشكل على ذوي العقول (8) ، ولعله PageV05P269 # استسمن (1) ذا ورم، ونفخ في غير ضرم، لعمري: # لقد طفت (2) المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم فلم أر إلا واضعا ~~كف حائر على ذقن أو قارعا سن نادم # فأخبر أنه لم يجد إلا حائرا شاكا ومرتابا، أو من اعتقد ثم ندم لما تبين ~~له خطؤه. فالأول في الجهل البسيط: كظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم ~~يكد يراها، وهذا دخل في الجهل المركب، ثم تبين له أنه جهل فندم، ولهذا تجده ~~في المسائل يذكر أقوال الفرق وحججهم (3) ، ولا يكاد يرجح شيئا للحيرة. # وكذلك الآمدي، الغالب عليه الوقف والحيرة. # وأما الرازي فهو في الكتاب الواحد، بل في الموضع الواحد منه، ينصر قولا، ~~وفي موضع آخر منه أو من كتاب آخر ينصر نقيضه. ولهذا استقر أمره على الحيرة ~~والشك. ولهذا لما ذكر أن أكمل العلوم العلم بالله (4) وبصفاته وأفعاله، ذكر ~~أن على كل منها إشكال (5) . وقد ذكرت PageV05P270 # كلامه، وبينت ما أشكل عليه وعلى هؤلاء في مواضع. # فإن الله قد أرسل رسله بالحق، وخلق عباده على الفطرة، فمن كمل فطرته بما ~~أرسل الله به رسله، وجد الهدى واليقين الذي لا ريب فيه، ولم يتناقض. لكن ~~هؤلاء أفسدوا فطرتهم العقلية وشرعتهم السمعية، بما حصل لهم من الشبهات ~~والاختلاف، الذي لم يهتدوا معه إلى الحق، كما قد ذكر تفصيل ذلك في موضع غير ~~هذا. # والمقصود هنا أنه لما ذكر ذلك قال: ومن الذي وصل إلى هذا الباب ومن الذي ~~ذاق هذا (1) الشراب. # نهاية إقدام العقول عقال وأكثر سعي العالمين ms1210 ضلال وأرواحنا في وحشة من ~~جسومنا وحاصل دنيانا أذى ووبال ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا ~~فيه قيل وقالوا وقال (2) : " لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، ~~فما رأيتها تشفي عليلا، ولا تروي غليلا. ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن ; ~~اقرأ في الإثبات (3) : {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [سورة ~~فاطر: 10] PageV05P271 # ، {الرحمن على العرش استوى} [سورة طه: 5] (1) واقرأ في النفي: {ليس كمثله ~~شيء وهو السميع البصير} [سورة الشورى: 11] (2) ، {ولا يحيطون به علما} ~~[سورة طه: 110] (3) ومن جرب مثل تجربتي، عرف مثل معرفتي ". # وهو صادق فيما أخبر به أنه لم يستفد من بحوثه في الطرق الكلامية ~~والفلسفية سوى أن جمع قيل وقالوا، وأنه لم يجد فيها ما يشفي عليلا، ولا ~~يروي غليلا، فإن من تدبر كتبه كلها (4) لم يجد فيها مسألة واحدة من مسائل ~~أصول الدين موافقة للحق [الذي يدل عليه] (5) المنقول والمعقول، بل يذكر في ~~المسألة عدة أقوال، والقول الحق لا يعرفه فلا يذكره. وهكذا غيره من أهل ~~الكلام والفلسفة، ليس هذا من خصائصه، فإن الحق واحد، ولا يخرج عما جاءت به ~~الرسل، وهو الموافق لصريح العقل: فطرة الله التي فطر الناس عليها (6) . # وهؤلاء لا يعرفون ذلك، بل هم من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، وهم ~~مختلفون في الكتاب: {وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد} [سورة ~~البقرة: 176] . PageV05P272 # وقال الإمام أحمد في خطبة مصنفه الذي صنفه في محبسه (1) في الرد على ~~الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله ~~قال (2) : " الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل، بقايا من أهل ~~العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله ~~الموتى (3) ، ويبصرون بنور الله أهل الضلالة والعمى (4) ، فكم من قتيل ~~لإبليس قد أحيوه، وكم من تائه ضال (5) قد (6) هدوه، فما أحسن أثرهم على ~~الناس، وما أقبح أثر (7) الناس عليهم. # ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ~~الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عنان (8) الفتنة، فهم مختلفون ms1211 في ~~الكتاب، مخالفون للكتاب، متفقون (9) على مفارقة الكتاب، (* يقولون على ~~الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم *) (10) ، يتكلمون بالمتشابه من ~~الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يلبسون (11) عليهم ". PageV05P273 # وهو كما وصفهم - رحمه الله - ; فإن المختلفين أهل المقالات المذكورة في ~~كتب الكلام: إما نقلا مجردا للأقوال، وإما نقلا وبحثا وذكرا للجدال (1) ~~مختلفون في الكتاب، كل منهم يوافق بعضا ويرد بعضا، ويجعل ما يوافق رأيه هو ~~المحكم الذي يجب اتباعه، وما يخالفه (2) هو المتشابه الذي يجب تأويله أو ~~تفويضه. # وهذا موجود في كل من صنف (3) في الكلام وذكر (4) النصوص التي (5) يحتج ~~(6) بها ويحتج بها عليه ; تجده يتأول النصوص التي تخالف قوله تأويلات لو ~~فعلها غيره لأقام القيامة عليه، ويتأول الآيات بما يعلم بالاضطرار أن ~~الرسول لم يرده، وبما لا يدل عليه اللفظ أصلا (7) ، وبما هو خلاف (8) ~~التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين، وخلاف نصوص أخرى. PageV05P274 # ولو ذكرت ما أعرفه من ذلك لذكرت خلقا، ولا استثني أحدا من أهل البدع (1) ~~: لا من المشهورين بالبدع الكبار من معتزلي ورافضي ونحو ذلك، ولا من ~~المنتسبين إلى السنة والجماعة من كرامي وأشعري وسالمي ونحو ذلك. # وكذلك من صنف على طريقهم من أهل المذاهب الأربعة وغيرها. هذا كله رأيته ~~في كتبهم، وهذا موجود في بحثهم في مسائل الصفات، والقرآن، ومسائل القدر، ~~ومسائل الأسماء والأحكام، والإيمان (2) والإسلام، ومسائل الوعد والوعيد، ~~وغير ذلك. # وقد بسطنا الكلام على ذلك (3) في مواضع من كتبنا غير هذا الكتاب (4) " ~~درء تعارض العقل والنقل " وغيره. ومن أجمع الكتب التي رأيتها في مقالات ~~الناس المختلفين (5) في أصول الدين كتاب أبي الحسن الأشعري، وقد ذكر فيه من ~~المقالات وتفاصيلها (6) ما لم يذكره غيره، وذكر فيه مذهب أهل الحديث والسنة ~~بحسب ما فهمه عنهم. وليس في جنسه أقرب إليهم منه، ومع هذا نفس القول الذي ~~جاء به الكتاب والسنة، وقال به الصحابة (7) والتابعون لهم بإحسان: في ~~القرآن، والرؤية (8) ، PageV05P275 # والصفات، والقدر، وغير ذلك من مسائل أصول الدين ليس في كتابه، وقد استقصى ~~ما عرفه من كلام المتكلمين. # وأما معرفة ms1212 ما جاء به الرسول من الكتاب والسنة وآثار الصحابة، فعلم آخر ~~لا يعرفه أحد من هؤلاء المتكلمين، المختلفين في أصول الدين. ولهذا كان سلف ~~الأمة وأئمتها متفقين على ذم أهل الكلام ; فإن كلامهم لا بد أن يشتمل على ~~تصديق بباطل، وتكذيب بحق (1) ، ومخالفة الكتاب (2) والسنة، فذموه لما فيه ~~من الكذب والخطأ والضلال. ولم يذم السلف من كان كلامه حقا، [فإن ما كان ~~حقا] (3) فإنه هو الذي جاء به الرسول، (وهذا لا يذمه السلف العارفون بما ~~جاء به الرسول) (4) ، ومع هذا فيستفاد من كلامهم (5) نقض بعضهم على بعض، ~~وبيان فساد قوله، فإن المختلفين كل كلامهم فيه شيء من الباطل (6) ، وكل ~~طائفة تقصد بيان بطلان (7) قول (8) الأخرى، فيبقى الإنسان عند دلائل كثيرة ~~تدل على فساد قول كل طائفة من الطوائف المختلفين في الكتاب. # وهذا مما مدح به الأشعري ; فإنه بين من فضائح المعتزلة وتناقض ~~PageV05P276 # أقوالهم وفسادها ما لم يبينه غيره، لأنه كان منهم، وكان قد درس الكلام ~~على أبي علي الجبائي أربعين سنة، وكان ذكيا، ثم إنه رجع عنهم، وصنف في الرد ~~عليهم، ونصر في الصفات طريقة ابن كلاب، لأنها أقرب إلى الحق والسنة من ~~قولهم، ولم يعرف غيرها، فإنه لم يكن خبيرا بالسنة والحديث، وأقوال الصحابة ~~والتابعين وغيرهم، وتفسير السلف للقرآن. والعلم بالسنة المحضة إنما يستفاد ~~من هذا (1) . # ولهذا يذكر (2) في المقالات مقالة المعتزلة مفصلة: يذكر (3) قول كل واحد ~~منهم، وما بينهم من النزاع في الدق والجل، كما يحكي ابن (4) أبي زيد (5) ~~مقالات أصحاب مالك، وكما يحكي أبو الحسن القدوري (6) اختلاف أصحاب أبي ~~حنيفة. ويذكر أيضا مقالات الخوارج والروافض (7) ، لكن نقله لها (8) من كتب ~~أرباب المقالات، لا عن مباشرة PageV05P277 # منه للقائلين، ولا عن خبرة بكتبهم، ولكن فيها تفصيل عظيم، ويذكر مقالة ~~ابن كلاب عن خبرة بها ونظر في كتبه، ويذكر اختلاف الناس في القرآن من عدة ~~كتب (1) . # فإذا جاء إلى (2) مقالة أهل السنة والحديث ذكر أمرا مجملا، يلقى (3) ~~أكثره عن زكريا بن يحيى الساجي (4) ، وبعضه عمن أخذ عنه من حنبلية بغداد ms1213 ~~ونحوهم. وأين العلم المفصل من العلم المجمل؟ (5) وهو يشبه (6) من بعض ~~الوجوه، علمنا بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - تفصيلا (7) ، وعلمنا ~~بما في التوراة والإنجيل مجملا، لما نقله الناس عن (8) التوراة والإنجيل، ~~وبمنزلة علم الرجل الحنفي أو الشافعي أو المالكي أو الحنبلي بمذهبه الذي ~~عرف أصوله وفروعه، واختلاف أهله وأدلته، بالنسبة إلى ما يذكرونه من خلاف ~~المذهب الآخر (9) ، فإنه إنما يعرفه معرفة مجملة. PageV05P278 # فهكذا (1) معرفته بمذهب أهل السنة والحديث، مع أنه من أعرف المتكلمين ~~المصنفين في الاختلاف بذلك، وهو أعرف به من جميع أصحابه: من القاضي أبي ~~بكر، وابن فورك، وأبي إسحاق. وهؤلاء أعلم به من أبي المعالي وذويه، ومن ~~الشهرستاني، [ولهذا كان ما يذكره الشهرستاني] (2) من مذهب أهل السنة ~~والحديث ناقصا عما يذكره الأشعري ; فإن الأشعري أعلم من هؤلاء كلهم بذلك ~~نقلا وتوجيها. # وهذا كالفقيه الذي يكون أعرف من غيره من الفقهاء بالحديث، وليس هو من ~~علماء الحديث. أو المحدث الذي يكون أفقه من غيره من المحدثين، وليس هو من ~~أئمة الفقه. والمقرئ الذي يكون أخبر من غيره بالنحو والإعراب، وليس هو من ~~أئمة النحاة. والنحوي الذي يكون أخبر من غيره بالقرآن، وليس هو من أئمة ~~القراء، ونظائر هذا متعددة. # والمقصود هنا بيان ما ذكره الله في كتابه من ذم الاختلاف في الكتاب. وهذا ~~الاختلاف القولي، وأما الاختلاف العملي وهو الاختلاف باليد والسيف والعصا ~~والسوط فهو داخل في الاختلاف. # والخوارج والروافض والمعتزلة ونحوهم (3) يدخلون في النوعين. والملوك ~~الذين يتقاتلون (4) على محض الدنيا يدخلون في الثاني. والذين يتكلمون في ~~العلم، ولا يدعون إلى قول ابتدعوه، ويحاربون عليه من خالفهم لا بيد، ولا ~~بلسان، هؤلاء هم أهل العلم، وهؤلاء خطؤهم مغفور PageV05P279 # لهم وليسوا مذمومين، إلا أن يدخلهم هوى وعدوان أو تفريط في بعض الأمور، ~~فيكون ذلك من ذنوبهم ; فإن العبد مأمور بالتزام الصراط المستقيم في كل ~~أموره، وقد شرع الله - تعالى - أن نسأله ذلك في كل صلاة، وهو أفضل الدعاء ~~وأفرضه وأجمعه لكل خير، وكل أحد محتاج إلى الدعاء ms1214 به، فلهذا أوجبه الله - ~~تعالى - على العبد في كل صلاة. # فإنه وإن كان قد هدي هدى مجملا، مثل إقراره بأن الإسلام حق والرسول حق، ~~فهو محتاج إلى التفصيل في كل ما يقوله ويفعله ويعتقده، فيثبته أو ينفيه، ~~ويحبه أو يبغضه، ويأمر به أو ينهى عنه، ويحمده أو يذمه. وهو محتاج في جميع ~~ذلك إلى أن يهديه الله الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من ~~النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. فإن كثيرا ممن سمع ~~ذم الكلام مجملا، أو سمع (1) ذم الطائفة الفلانية مجملا، وهو لا يعرف ~~تفاصيل الأمور: من الفقهاء وأهل الحديث والصوفية والعامة، ومن كان متوسطا ~~في الكلام، لم يصل إلى الغايات التي منها تفرقوا واختلفوا تجده يذم القول ~~وقائله بعبارة، ويقبله بعبارة (2) ، ويقرأ كتب التفسير والفقه وشروح ~~الحديث، وفيها تلك المقالات التي كان يذمها، فيقبلها من أشخاص أخر يحسن ~~الظن بهم، وقد ذكروها (3) بعبارة أخرى، أو في ضمن تفسير آية أو حديث أو غير ~~ذلك. PageV05P280 # وهذا مما يوجد كثيرا، والسالم من سلمه الله حتى أن كثيرا من هؤلاء (1) ~~يعظم أئمة، ويذم أقوالا، قد يلعن قائلها أو يكفره، وقد قالها أولئك الأئمة ~~الذين يعظمهم، ولو علم أنهم قالوها لما لعن القائل، وكثير منها يكون قد ~~قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو لا يعرف ذلك. # فإن كان ممن قبلها من المتكلمين (2) تقليديا، فإنه يتبع من يكون في نفسه ~~أعظم، فإن ظن أن المتكلمين حققوا ما لم يحققه أئمتهم قلدهم، وإن ظن أن ~~الأئمة أجل قدرا وأعرف بالحق (3) وأتبع للرسول قلدهم، وإن كان قد عرف الحجة ~~الكلامية على ذلك القول وبلغه أن أئمة يعظمهم قالوا بخلافه أو جاء (4) ~~الحديث بخلافه (5) بقي في الحيرة، وإن رجح أحد الجانبين رجح على مضض، وليس ~~عنده ما يبني عليه، وإنما يستقر قلبه بما يعرف صحة أحد القولين جزما ; فإن ~~التقليد لا يورث الجزم، فإذا جزم بأن الرسول قاله، وهو عالم بأنه لا يقول ~~إلا الحق، جزم بذلك وإن خالفه بعض أهل الكلام ms1215. # وعلم الإنسان باختلاف هؤلاء ورد بعضهم على بعض، وإن لم يعرف بعضهم فساد ~~مقالة بعض، هو من (6) أنفع الأمور ; فإنه ما منهم إلا من قد (7) فضل مقالته ~~طوائف، فإذا عرف رد الطائفة الأخرى على هذه PageV05P281 # المقالة عرف فسادها، فكان في ذلك نهي عما فيها من المنكر والباطل. # وكذلك إذا عرف رد هؤلاء على أولئك (1) ، فإنه أيضا يعرف ما عند أولئك من ~~الباطل، فيتقي الباطل الذي معهم. ثم من بين الله له الذي جاء به الرسول: ~~إما بأن يكون قولا ثالثا خارجا عن القولين، وإما بأن يكون بعض قول هؤلاء ~~وبعض قول هؤلاء، وعرف أن هذا هو الذي كان عليه الصحابة والتابعون لهم ~~بإحسان، وعليه دل الكتاب والسنة كان الله قد أتم عليه النعمة، إذ هداه ~~الصراط المستقيم، وجنبه صراط أهل البغي والضلال. # وإن لم يتبين له، كان امتناعه من موافقة هؤلاء على ضلالهم، وهؤلاء على ~~ضلالهم، نعمة في حقه، واعتصم بما عرفه من الكتاب والسنة مجملا، وأمسك عن ~~الكلام في تلك المسألة، وكانت من جملة ما لم يعرفه ; فإن الإنسان لا يعرف ~~الحق في كل ما تكلم الناس به، وأنت تجدهم يحكون أقوالا متعددة في التفسير ~~وشرح الحديث في مسائل الأحكام، بل والعربية والطب وغير ذلك، ثم كثير من ~~الناس يحكي الخلاف ولا يعرف الحق. # وأما الخلاف الذي بين الفلاسفة فلا يحصيه أحد لكثرته ولتفرقهم (2) ، فإن ~~الفلسفة التي (3) عند المتأخرين كالفارابي وابن سينا ومن نسج على منوالهما ~~هي فلسفة أرسطو وأتباعه، وهو صاحب التعاليم: المنطق، والطبيعي، وما بعد ~~الطبيعة (4) . والذي (5) يحكيه الغزالي PageV05P282 # والشهرستاني (1) والرازي وغيرهم من مقالات الفلاسفة هو من كلام ابن سينا. # والفلاسفة أصناف مصنفة غير هؤلاء. ولهذا يذكر القاضي أبو بكر في دقائق ~~الكلام (2) وقبله أبو الحسن الأشعري في كتاب مقالات غير الإسلاميين (3) ، ~~وهو كتاب كبير أكبر من مقالات الإسلاميين أقوالا كثيرة للفلاسفة لا يذكرها ~~هؤلاء الذين يأخذون عن ابن سينا. وكذلك غير الأشعري مثل أبي عيسى الوراق ~~(4) والنوبختي (5) وأبي علي (6) وأبي هاشم (7) وخلق كثير من أهل الكلام ms1216 ~~والفلسفة. # والمقصود أن كتب أهل الكلام يستفاد منها رد بعضهم على بعض. وهذا لا يحتاج ~~إليه من لا يحتاج إلى رد المقالة الباطلة لكونها لم تخطر بقلبه، ولا هناك ~~من يخاطبه بها، ولا يطالع كتابا هي فيه، ولا ينتفع به من لم يفهم الرد، بل ~~قد يستضر به من عرف الشبهة ولم يعرف فسادها. # ولكن المقصود هنا أن هذا هو العلم الذي في كتبهم ; فإنهم يردون باطلا ~~بباطل، وكلا القولين باطل، ولهذا كان مذموما ممنوعا منه عند السلف والأئمة، ~~وكثير منهم أو أكثرهم لا يعرف أن الذي يقوله باطل. PageV05P283 # وبكل حال فهم يذكرون من عيوب باطل غيرهم وذمه ما قد ينتفع به. # مثال ذلك تنازعهم في مسائل الأسماء والأحكام، والوعد والوعيد. فالخوارج ~~والمعتزلة يقولون: صاحب الكبائر الذي لم يتب منها مخلد في النار، ليس معه ~~شيء من الإيمان. ثم الخوارج تقول: هو كافر، والمعتزلة توافقهم على الحكم لا ~~على الاسم. والمرجئة تقول: هو مؤمن تام (1) الإيمان، لا نقص في إيمانه، بل ~~إيمانه كإيمان الأنبياء والأولياء. وهذا نزاع في الاسم. ثم تقول فقهاؤهم ما ~~تقوله الجماعة في أهل الكبائر: فيهم من يدخل النار، وفيهم من لا يدخل. كما ~~دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة، واتفق عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان. # فهؤلاء لا ينازعون أهل السنة والحديث في حكمه في الآخرة، وإنما ينازعونهم ~~في الاسم. وينازعون أيضا فيمن قال ولم يفعل. وكثير من متكلمة المرجئة تقول: ~~لا نعلم أن أحدا (2) من أهل القبلة من أهل الكبائر يدخل النار، ولا أن أحدا ~~منهم لا يدخلها، بل يجوز أن يدخلها جميع الفساق، ويجوز أن لا يدخلها أحد ~~منهم، ويجوز دخول بعضهم. ويقولون: من أذنب وتاب لا يقطع بقبول توبته، بل ~~يجوز أن يدخل النار أيضا، فهم يقفون في هذا كله، ولهذا سموا الواقفة. وهذا ~~قول القاضي أبي بكر وغيره من الأشعرية وغيرهم. # فيحتج أولئك بنصوص الوعيد وعمومها، ويعارضهم هؤلاء بنصوص الوعد وعمومها. ~~فقال أولئك: الفساق لا يدخلون في الوعد، لأنهم (3) لا PageV05P284 # حسنات لهم (1) ، لأنهم لم ms1217 يكونوا من المتقين. وقد قال الله - تعالى -: ~~{إنما يتقبل الله من المتقين} [سورة المائدة: 27] . وقال - تعالى -: {لا ~~تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} [سورة البقرة: 264] . وقال: {لا ترفعوا ~~أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط ~~أعمالكم وأنتم لا تشعرون} [سورة الحجرات: 2] . وقال: {ذلك بأنهم اتبعوا ما ~~أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم} [سورة محمد: 28] . # فهذه النصوص وغيرها تدل على أن الماضي من العمل قد يحبط بالسيئات، وأن ~~العمل لا يقبل إلا مع التقوى. والوعد إنما هو للمؤمن، وهؤلاء ليسوا مؤمنين ~~(2) ; بدليل قوله: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} [سورة ~~الأنفال: 2] ، وقوله: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم ~~يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون} [سورة ~~الحجرات: 15] ، وبقوله (3) : {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} ~~[سورة السجدة: 18] . والفاسق ليس بمؤمن فلا يتناوله الوعد. # وبما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح أنه قال: " «لا يزني ~~الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق ~~السارق حين يسرق وهو مؤمن» " (4) وقوله: " «من غشنا فليس منا، ومن حمل ~~علينا السلاح فليس منا» " (5) ونحو ذلك. PageV05P285 # وتقول المرجئة: قوله - تعالى -: {إنما يتقبل الله من المتقين} [سورة ~~المائدة: 27] المراد به: من اتقى الشرك. ويقولون: الأعمال لا تحبط إلا ~~بالكفر، قال تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك} [سورة الزمر 65] وقال: {ومن ~~يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} [سورة المائدة: 5] . # ويقولون: قد قال تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ~~ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ~~- جنات عدن يدخلونها} [سورة فاطر 32 - 33] فقد أخبر أن الثلاثة يدخلون ~~الجنة. وقد حكي عن بعض غلاة المرجئة أن أحدا من أهل التوحيد لا يدخل النار. ~~ولكن هذا لا أعرف به قائلا معينا فأحكيه عنه. ومن الناس من يحكيه (1) عن ~~مقاتل بن سليمان، والظاهر أنه غلط عليه. PageV05P286 # وهؤلاء قد يحتجون بهذه الآية، ويحتجون بقوله: {فأنذرتكم نارا تلظى ms1218 - لا ~~يصلاها إلا الأشقى - الذي كذب وتولى} [سورة الليل: 14 - 16] وقد يحتج بعض ~~الجهال بقوله: {ذلك يخوف الله به عباده} [سورة الزمر: 16] قال: فالوعيد شيء ~~يخوفكم به. # ويقولون: أما قوله: {ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم} [سورة ~~محمد: 9] فهذه في الكفار ; فإنه قال: {والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم ~~ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم} [سورة محمد: 8 - 9] . وكذلك ~~قوله: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول ~~لهم وأملى لهم - ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض ~~الأمر والله يعلم إسرارهم - فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم ~~وأدبارهم - ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم} ~~[سورة محمد: 25 - 28] ، فقد أخبر - سبحانه - أن هؤلاء ارتدوا على أدبارهم ~~من بعد ما تبين لهم الهدى، وأن الشيطان سول لهم وأملى لهم، أي: وسع لهم في ~~العمر، وكان هذا بسبب وعدهم للكفار (1) بالموافقة، فقال: {ذلك بأنهم قالوا ~~للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر} . # ولهذا فسر السلف هؤلاء الذين {كرهوا ما نزل الله} الذين كانوا سبب نزول ~~هذه الآية بالمنافقين واليهود. قالت الوعيدية: الله (2) - تعالى - إنما ~~PageV05P287 # وصفهم بمجرد كراهة ما نزل الله، والكراهة (1) عمل القلب. وعند الجهمية ~~الإيمان مجرد تصديق القلب (2) وعلمه (3) ، هذا قول جهم والصالحي والأشعري ~~في المشهور عنه وأكثر أصحابه. # وعند فقهاء المرجئة: هو قول اللسان مع تصديق القلب. وعلى القولين أعمال ~~القلوب ليست من الإيمان عندهم كأعمال الجوارح، فيمكن أن يكون الرجل مصدقا ~~بلسانه وقلبه (4) مع كراهة ما نزل (5) الله، وحينئذ فلا يكون هذا كافر ~~عندهم. والآية تتناوله، وإذا دلت على كفره دلت على فساد قولهم. # قالوا: وأما قولكم: المتقون الذين اتقوا الشرك. فهذا خلاف القرآن ; فإن ~~الله - تعالى - قال: {إن المتقين في ظلال وعيون - وفواكه مما يشتهون} [سورة ~~المرسلات: 41 - 42] ، {إن المتقين في جنات ونهر} [سورة القمر: 54] . # وقال: {الم - ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين - الذين يؤمنون بالغيب ~~ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون - والذين ms1219 يؤمنون بما أنزل إليك وما ~~أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون} [سورة البقرة: 1 - 4] . # وقالت مريم: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} [سورة مريم: 18] ~~PageV05P288 # ولم ترد به الشرك (1) ، بل أرادت التقي الذي يتقى فلا يقدم (2) على ~~الفجور. # وقال تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} [سورة ~~الطلاق: 1 - 2] . # وقال تعالى: {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم} [سورة ~~الأنفال: 29] . # وقال تعالى: {إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} [سورة ~~يوسف: 90] . # وقال تعالى: {لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب ~~من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم ~~الأمور} [سورة آل عمران: 186] . # وقال - تعالى -: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء ~~الذين لا يعلمون} إلى قوله: {والله ولي المتقين} [سورة الجاثية: 18 - 19] . # وقال: {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا - يصلح لكم ~~أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم} [سورة الأحزاب: 70 - 71] فهم قد آمنوا واتقوا ~~الشرك فلم يكن الذي أمرهم به بعد ذلك مجرد ترك الشرك. # وقال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته} [سورة آل عمران: ~~102] . PageV05P289 # أفيقول مسلم: إن قطاع الطريق الذين يسفكون دماء الناس ويأخذون أموالهم ~~اتقوا الله حق تقاته لكونهم لم يشركوا، وإن أهل الفواحش وشرب الخمر وظلم ~~الناس اتقوا الله حق تقاته؟ . # وقد قال السلف: ابن مسعود (1) وغيره: كالحسن، وعكرمة، وقتادة، ومقاتل: " ~~حق تقاته أن يطاع فلا يعصى، وأن يشكر فلا يكفر، وأن يذكر فلا ينسى " (2) . ~~وبعضهم يرويه عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وفي تفسير ~~الوالبي عن ابن عباس قال: هو أن يجاهد العبد في الله حق جهاده، وأن لا ~~تأخذه في الله لومة لائم، وأن يقوموا له بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم ~~وأبنائهم (3) . # وفي الآية (4) أخرى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [سورة التغابن: 16] وهذه ~~مفسرة لتلك. ومن قال من السلف هي ناسخة لها، فمعناه أنها رافعة لما يظن من ~~أن المراد من حق تقاته: ما ms1220 يعجز البشر عنه ; فإن الله لم يأمر بهذا قط. ومن ~~قال إن الله أمر به، فقد غلط. ولفظ النسخ في عرف السلف يدخل فيه كل ما فيه ~~نوع رفع لحكم، أو ظاهر، أو ظن دلالة حتى يسموا تخصيص العام نسخا (5) ، ~~ومنهم من يسمي الاستثناء نسخا إذا تأخر نزوله. PageV05P290 # وقد قال - تعالى -: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ~~ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ~~والله عليم حكيم} [سورة الحج: 52] ، فهذا رفع لشيء ألقاه الشيطان ولم ينزله ~~الله، لكن غايته أن يظن أن الله أنزله، وقد أخبر أنه نسخه. # وقد قال - تعالى -: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا ~~فإذا هم مبصرون - وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون} [سورة الأعراف: ~~201 - 202] ، فمن كان الشيطان لا يزال يمده في الغي، وهو لا يتذكر ولا ~~يبصر، كيف يكون من المتقين؟ . # وقد قال - تعالى - في آية الطلاق: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من ~~حيث لا يحتسب} [سورة الطلاق: 2 - 3] . وفي حديث أبي ذر عن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - أنه قال: " «يا أبا ذر لو عمل الناس كلهم بهذه الآية لكفتهم» " ~~(1) وكان ابن عباس وغيره من الصحابة إذا تعدى الرجل حد الله في الطلاق ~~يقولون له: لو اتقيت الله لجعل لك مخرجا وفرجا. # ومعلوم أنه ليس المراد بالتقوى هنا مجرد تقوى الشرك. ومن أواخر (2) ~~PageV05P291 # ما نزل من القرآن. وقيل: إنها آخر آية نزلت قوله - تعالى -: {واتقوا يوما ~~ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} [سورة البقرة: ~~281] ، فهل اتقاء ذلك هو مجرد ترك الشرك؟ ، وإن فعل كل ما حرم الله عليه، ~~وترك كل ما أمر الله به؟ وقد قال طلق بن حبيب ومع هذا كان سعيد بن جبير ~~ينسبه إلى الإرجاء قال: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ~~رحمة الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله ms1221. # وبالجملة فكون المتقين هم الأبرار الفاعلون (1) للفرائض، المجتنبون (2) ~~للمحارم، هو من العلم العام الذي يعرفه المسلمون خلفا عن سلف، والقرآن ~~والأحاديث تقتضي ذلك (3) . # قالت المرجئة: أما احتجاجكم بقوله تعالى: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ~~لا يستوون} [سورة السجدة: 18] فلا يصح، لأن تمام الآية يدل على أن المراد ~~بالفاسق المكذب ; فإنه قال: {وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا ~~أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به ~~تكذبون} [سورة السجدة: 20] فقد وصفهم بالتكذيب بعذاب الآخرة، وهذا وصف ~~المكذب لا العاصي. # وقالوا مع الجمهور للخوارج: لو كان صاحب الكبيرة كافرا لكان مرتدا ووجب ~~قتله. والله - تعالى - قد أمر بجلد الزاني وأمر بجلد القاذف وأمر ~~PageV05P292 # بقطع السارق (1) ، ومضت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجلد ~~الشارب. فهذه النصوص صريحة بأن الزاني والشارب والسارق والقاذف ليسوا كفارا ~~مرتدين يستحقون القتل، فمن جعلهم كفارا فقد خالف نص القرآن والسنة ~~المتواترة. # وقالوا لهم وللمعتزلة: قد (2) قال الله - تعالى -: {وإن طائفتان من ~~المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي ~~تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن ~~الله يحب المقسطين - إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله ~~لعلكم ترحمون} [سورة الحجرات: 9 - 10] قالوا: فقد سماهم مؤمنين مع الاقتتال ~~والبغي، وقد أمر الله - تعالى - بالإصلاح بينهم، وجعلهم إخوة المصلح (3) ~~بينهم الذي لم يقاتل. فعلم أن البغي لا يخرج عن الإيمان ولا عن أخوة ~~الإيمان. # قالت المرجئة: وقوله (4) : " ليس منا " أي ليس مثلنا، أو ليس من خيارنا. ~~فقيل لهم: فلو لم (5) يغش ولم يحمل السلاح، أكان يكون مثل النبي - صلى الله ~~عليه وسلم -؟ أو كان يكون من خيارهم بمجرد هذا الكلام؟ . # وقالت المرجئة: نصوص الوعيد عامة، ومنا من ينكر صيغ العموم. PageV05P293 # ومن أثبتها قال: لا يعلم (1) تناولها (2) لكل فرد من أفراد العام (3) ، ~~فمن لم يعذب (4) لم يكن اللفظ قد شمله. # فقيل للواقفة منهم: عندكم يجوز أن لا يحصل الوعيد بأحد من أهل القبلة ms1222، ~~فيلزم تعطيل نصوص الوعيد، ولا تبقى لا خاصة ولا عامة. # وليس مقصودنا هنا استيفاء الكلام في المسألة، وإنما الغرض التمثيل ~~بالمناظرات من الطرفين. وأهل السنة والحديث، وأئمة الإسلام المتبعون ~~للصحابة، متوسطون بين هؤلاء وهؤلاء. لا يقولون بتخليد أحد من أهل القبلة في ~~النار، كما تقول الخوارج والمعتزلة. لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- في (5) الأحاديث الصحيحة أنه يخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من ~~إيمان (6) وإخراجه من النار من يخرج بشفاعة نبينا - صلى الله عليه وسلم - ~~فيمن يشفع له من أهل الكبائر من أمته (7) . PageV05P294 # [وهذه أحاديث كثيرة مستفيضة متواترة عند أهل العلم بالحديث، ولا يقولون: ~~إنا نقف في الأحكام المطلقة، بل نعلم أن الله يدخل النار من يدخله من أهل ~~الكبائر] (1) ، وناس آخرون لا يدخلونها لأسباب. لكن تنازعوا: هل يكون ~~الداخلون بسبب اقتضى ذلك، كعظم (2) الذنوب وكثرتها، والذين لم يدخلوها بسبب ~~منع ذلك، كالحسنات المعارضة ونحوها؟ وأنه - سبحانه وتعالى - يفعل ما يفعله ~~بحكمة وأسباب؟ أم قد يفرق بين المتماثلين بمحض المشيئة، فيعذب الشخص ويعفو ~~عمن هو مثله من كل وجه بمحض المشيئة؟ هذا لهم فيه قولان والنصوص وأقوال ~~السلف توافق الأول. # وإنما قد نقف في الشخص المعين ; فلا نشهد له بجنة ولا نار إلا عن علم، ~~لأن حقيقة باطنه وما مات عليه لا نحيط به، لكن نرجو للمحسن ونخاف على ~~المسيء. # ولهم في الشهادة بالجنة ثلاثة أقوال: منهم من لا يشهد بالجنة لأحد إلا ~~للأنبياء. وهذا قول محمد ابن الحنفية والأوزاعي. # والثاني: أنه يشهد بالجنة لكل مؤمن جاء فيه نص. وهذا قول كثير من أهل ~~الحديث. # والثالث: يشهد بالجنة لهؤلاء ولمن شهد له المؤمنون. كما قال النبي - صلى ~~الله عليه وسلم -: " «أنتم شهداء الله في الأرض» " (3) . وقال: " «يوشك أن ~~PageV05P295 # تعلموا أهل الجنة من أهل النار " قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: " بالثناء ~~الحسن والثناء السيئ» " (1) فأخبر أن ذلك مما يعلم به أهل الجنة وأهل ~~النار. وكان أبو ثور يقول: " أشهد أن أحمد بن حنبل في الجنة ms1223 " ويحتج بهذا. ~~وبسط هذه المسألة له موضع آخر. # والإيمان عندهم يتفاضل، فيكون إيمان أكمل من إيمان. كما قال النبي - صلى ~~الله عليه وسلم -: " «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» " (2) فيقولون: ~~قوله: {إنما يتقبل الله من المتقين} [سورة المائدة: 27] أي ممن اتقاه في ~~ذلك العمل، ليس المراد به الخلو من الذنوب، ولا مجرد الخلو من الشرك، بل من ~~اتقاه في عمل قبله منه وإن كانت له ذنوب أخرى، بدليل قوله: {وأقم الصلاة ~~طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات} [سورة هود: 114] فلو ~~كانت الحسنة لا تقبل من صاحب السيئة لم تمحها. # وقد ثبت بالكتاب والسنة المتواترة (3) الموازنة بين الحسنات والسيئات، ~~فلو كانت الكبيرة تحبط الحسنات لم تبق حسنة توزن معها. PageV05P296 # وقد ثبت في الصحيحين «أن بغيا سقت كلبا فغفر الله» (1) لها بسقيه (2) . # قالوا: وابنا آدم لم يكن أحدهما مشركا، ولكن لم يقصد التقرب إلى الله ~~بالطيب من ماله، كما جاء في الأثر. فلهذا لم يتقبل الله قربانه. # وقد قال - تعالى - في حق المنافقين: {وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا ~~أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا ~~وهم كارهون} [سورة التوبة: 54] فجعل هذه موانع قبول النفقة دون مطلق ~~الذنوب. # قال أهل الحديث والسنة (3) : ومن نفى عنه الإيمان فلأنه ترك بعض واجباته. ~~والعبادة ينفى اسمها بنفي بعض واجباتها، لأنها لم تبق كاملة، ولا يلزم من ~~ذلك أن لا يبقى منه شيء، بل قد دلت النصوص على أنه يبقى بعضه، ويخرج من ~~النار من بقي معه بعضه. # ومعلوم أن العبادات فيها واجب كالحج، فيه واجب إذا تركه كان حجه ناقصا، ~~يأثم بما ترك، ولا إعادة عليه، بل يجبره بدم، كرمي الجمار، وإن لم يجبره ~~بقي في ذمته. فكذلك الإيمان ينقص بالذنوب، فإن تاب عاد، وإلا بقي ناقصا ~~نقصا يأثم به. وقد يحرم في الحج أفعال إذا فعلها PageV05P297 # نقص حجه ولم يبطل، كالتطيب ولبس الثياب، بل يجبر ذلك ولا يفسده من ~~المحرمات إلا الجماع. # فكذلك لا يزيل ms1224 الإيمان كله إلا الكفر المحض، الذي لا يبقى مع صاحبه شيء ~~من الإيمان. قالوا: وهذا هو الذي يحبط جميع الأعمال. وأما ما دون ذلك فقد ~~يحبط بعض العمل، كما في آية المن والأذى ; فإن ذلك يبطل تلك الصدقة، لا ~~يبطل سائر أعماله (1) . # والذين كرهوا ما أنزل الله كفار، وأعمال القلوب، مثل حب الله ورسوله، ~~وخشية الله، ونحو ذلك، كلها من الإيمان. وكراهة ما أنزل الله كفر. وأوثق ~~عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله. # وقد قال - تعالى -: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من ~~حاد الله ورسوله} [سورة المجادلة: 22] . # وقوله في السابق والمقتصد والظالم لنفسه: {جنات عدن يدخلونها} [سورة ~~الرعد: 23] لا يمنع أن يكون الظالم لنفسه قد عذب قبل هذا ثم يدخلها. # وقوله: {لا يصلاها إلا الأشقى} [سورة الليل: 15] لا يخلو إما أن يكون ~~المراد بالصلي نوعا من التعذيب ; كما قيل: إن الذي تصليه النار هو الذي ~~تحيط به، وأهل القبلة لا تحرق النار منهم مواضع السجود، أو تكون نارا ~~مخصوصة. # وقوله: {يخوف الله به عباده} [سورة الزمر: 16] كقول النبي - صلى الله ~~PageV05P298 # عليه وسلم - في الشمس والقمر: " «إنهما آيتان من آيات الله يخوف الله ~~بهما عباده» " (1) . # وقد قال تعالى: {وما نرسل بالآيات إلا تخويفا} [سورة الإسراء: 59] ~~والآيات التي خوف الله بها عباده (2) تكون سببا في شر ينزل بالناس، فمن ~~اتقى الله بفعل ما أمر به وقي ذلك الشر. ولو كان مما لا حقيقة له أصلا لم ~~يخف أحد إذا علم أنه لا شر في الباطن، وإنما يبقى التخويف للجاهل الفدم (3) ~~كما يفزع الصبيان بالخيال. # وقد قال - تعالى -: {ذلك يخوف الله به عباده ياعباد فاتقون} [سورة الزمر: ~~16] فخوف العباد مطلقا، وأمرهم بتقواه، لئلا ينزل المخوف، وأرسل الرسل ~~مبشرين ومنذرين، والإنذار هو الإعلام بما يخاف منه، وقد وجدت المخوفات في ~~الدنيا، وعاقب الله على الذنوب أمما كثيرة، كما قصه في كتابه، وكما شوهد من ~~الآيات، وأخبر عن دخول أهل النار النار في غير موضع من القرآن. # وقال - تعالى -: {إنما ms1225 يخشى الله من عباده العلماء} [سورة فاطر: 28] ولو ~~كان الأمر كما يتوهمه الجاهل لكان إنما يخشاه من عباده الجهال الذين ~~PageV05P299 # يتخيلون ما لا حقيقة له. وهذا كله (1) مبسوط في موضعه، وإنما الغرض هنا ~~التمثيل بأقوال المختلفين (2) التي كلها باطلة. # ومثال ذلك: إذا تنازع في القدر القدرية من المعتزلة وغيرهم، والقدرية ~~المجبرة (3) من الجهمية وغيرهم، فقالوا جميعا: إرادة الله هي محبته وهي ~~رضاه (4) . ثم قالت المعتزلة: وهو سبحانه يحب الإيمان والعمل الصالح، ويكره ~~الكفر والفسوق والعصيان، فلا يكون مريدا له. # قالوا: والدليل على ذلك قوله: {ولا يرضى لعباده الكفر} [سورة الزمر: 7] ~~وقوله: {إذ يبيتون ما لا يرضى من القول} [سورة النساء: 10] ، وقوله: {والله ~~لا يحب الفساد} [سورة البقرة: 205] . # والفقهاء متفقون على أن أفعال البر تنقسم إلى واجب ومستحب، والمستحب هو ~~ما أحبه الله ورسوله، وأن المنهي عنه (5) كله مكروه، كرهه الله ورسوله. ~~والكراهة نوعان: كراهة تحريم، وكراهة تنزيه. # وقد قال - تعالى - لما ذكر المحرمات: {كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها} ~~[سورة الإسراء: 38] . وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ~~قال: " «إن الله يكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة PageV05P300 # المال» " (1) وفي الصحيح أيضا عنه أنه قال: " «إن الله يحب العطاس ويكره ~~التثاؤب» " (2) قالوا: فهذا دليل على أنه يكون في العالم ما هو مكروه لله، ~~[فلا يكون مرادا لله] (3) فيكون في العالم ما لا يريده الله، وهو ما لم ~~يأمر الله به أو ينه عنه (4) . # قالوا: والأمر لا يعقل أمرا إلا بإرادة الآمر لما أمر به من المأمور، ومن ~~قدر أن الآمر يطلب المأمور به طلبا لا يكون إرادة ولا مستلزما للإرادة، ~~فهذا قد ادعى ما يعلم فساده بالضرورة، وما يحتج به من التمثيل بأمر ~~الممتحن، فذاك لم يكن طالبا (5) للمأمور به، ولا مريدا له في الباطن، بل ~~أظهر أنه مريد طالب. # [وقالوا] (6) : قد قال الله - تعالى -: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد ~~بكم العسر} [سورة البقرة: 185] . PageV05P301 # وقال تعالى: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ms1226 وليتم ~~نعمته عليكم لعلكم تشكرون} [سورة المائدة: 6] . # وقال - تعالى -: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب ~~عليكم والله عليم حكيم - والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون ~~الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما - يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ~~ضعيفا} [سورة النساء: 26 - 28] . # وقال الله - تعالى -: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ~~ويطهركم تطهيرا} [سورة الأحزاب: 33] . # فهذه المرادات كلها قد أمر بها عباده، فمنهم من أطاع، ومنهم من عصى، فعلم ~~أنه قد يريد من العباد ما لا يفعلونه، كما يأمرهم (1) بما لا يفعلونه. # قالت القدرية الجبرية من الجهمية، ومن اتبعهم: بل إرادته - تعالى - ~~تتناول ما وجد دون ما لم يوجد، فإن المسلمين متفقون على قولهم: ما شاء الله ~~كان، وما لم يشأ لم يكن، ولأن إرادة ما علم أنه لا يكون تمن. وقد قال ~~سبحانه: {ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} [سورة إبراهيم: 27] ، فكل ~~ما يشاؤه فقد فعله. # وقال تعالى: {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها} [سورة السجدة: 13] فعلم أنه ~~لم يشأ ذلك، فلم يرد هدى كل أحد، وإن كان قد أمر به. PageV05P302 # وقال تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله ~~يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} [سورة الأنعام: 125] ، فعلم أنه ~~يريد الإضلال، كما يريد شرح الصدر للإسلام. # وقال نوح: {ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن ~~يغويكم} [سورة هود: 34] ، فدل على أنه يريد إغواء من غوى. # وقد قال - تعالى -: {الله خالق كل شيء} [سورة الرعد: 16] ، فكل ما وجد من ~~أفعال [العباد] (1) . وغيرها فإن الله خالقه. # [قالوا] (2) : وما أراده فقد أحبه ورضيه، وقوله: {لا يحب الفساد} [سورة ~~البقرة: 205] أي: ممن لم يفسد، أو لا يحبه دينا (3) . # وكذلك قوله: {ولا يرضى لعباده الكفر} [سورة الزمر: 7] أي: ممن لم يكفر، ~~أو لا يرضاه (4) دينا، كما أنه لا يحب الإيمان ممن لم يؤمن، أو لا يحبه غير ~~دين. # قال المنازعون لهم من المعتزلة ms1227 وغيرهم: فقد قال: {إذ يبيتون ما لا يرضى ~~من القول} [سورة النساء: 108] . وأولئك منافقون، وذاك القول محرم عليهم، ~~وهو واقع منهم، وقد أخبر أنه لا يرضاه، فعلم أنه (5) . ما وقع من المعاصي ~~لا يرضاه. # وكذلك قوله: {إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر} ~~PageV05P303 # [سورة الزمر: 7] : أخبر أنه لا يرضاه بتقدير وقوعه، ولا يقال: إنه يرضى ~~كل موجود. # وقولكم: لا يرضاه دينا، فالرضا في كتاب الله متعلق بنفس الفعل، [لا بشيء] ~~(1) محذوف، وكونه لا يرضاه دينا عندكم، معناه: لا يريد أن يثيب صاحبه عليه، ~~ومعلوم أن إبليس والشياطين لا يرضونه دينا بهذا الاعتبار، مع أن إبليس يرضى ~~الكفر ويختاره، فإنه قد يحب ما يبغضه الله ويبغض ما يحبه [الله] (2) ليغوي ~~الناس بذلك. # قال الله تعالى عنه: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس ~~للظالمين بدلا} [سورة الكهف: 50] وقال تعالى: {ألم أعهد إليكم يابني آدم أن ~~لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين - وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم} [سورة ~~يس: 60 - 61] . قالوا: والأمة متفقة على أن الله - سبحانه - يحب الإيمان ~~والعمل الصالح، ويحب المتقين والمحسنين، ويحب التوابين، ويحب المتطهرين، ~~ويحب المقسطين، ولا يحب المعاصي ولا يرضاها. # واحتجاجنا بهذا الإجماع أقوى من احتجاجكم بقولهم (3) : " ما شاء الله ~~كان، وما لم يشأ لم يكن " فإنهم كلهم يقولون: إن الصلاة والصدقة والأعمال ~~الصالحة يرضاها الله ورسوله، ويحبها الله ورسوله، ويقولون عن الفواحش ~~والظلم: هذا لا يرضاه الله ورسوله، ولا يحبه الله ورسوله. PageV05P304 # فأنتم خالفتم الكتاب والسنة والإجماع في قولكم: إن كل ما وقع من الكفر ~~[والفسوق] (1) والعصيان فإن الله يحبه ويرضاه. # قالت القدرية المجبرة من الجهمية وغيرهم: أنتم تقولون: إن الله لم يختص ~~المؤمنين بنعمة اهتدوا بها، بل نعمته على الكفار والمؤمنين في الإيمان ~~سواء، وهذا خلاف الشرع [والعقل] (2) ; فإن الله تعالى يقول: {ولكن الله حبب ~~إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم ~~الراشدون} [سورة الحجرات: 7] . # وقال تعالى: {يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي ms1228 إسلامكم بل الله يمن ~~عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين} [سورة الحجرات: 17] . # وقال تعالى: {وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من ~~بيننا} [سورة الأنعام: 53] ، وقال: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا ~~منكم من أحد أبدا} [سورة النور: 21] . # وقال تعالى: {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه} [سورة الأنفال: 24] ~~. # وقال الخليل - عليه السلام -: {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة ~~مسلمة لك} [سورة البقرة: 128] . # وقال: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس} ~~[سورة إبراهيم: 35 - 36] ، وقال تعالى: {لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون ~~إلا أن يشاء الله رب العالمين} [سورة التكوير: 28 - 29] . PageV05P305 # وقال: {فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا} [سورة المزمل: 19] . # [وقال] (1) : {وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما} ~~[سورة الإنسان: 30] . # وقال: {فمن شاء ذكره - وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل ~~المغفرة} [سورة المدثر: 55 - 56] . # وقد أمرنا أن نقول في الصلاة: {اهدنا الصراط المستقيم - صراط الذين أنعمت ~~عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [سورة الفاتحة: 6 - 7] . # والذين أنعم الله عليهم: هم (2) المذكورون في قوله - تعالى -: {فأولئك مع ~~الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك ~~رفيقا} [سورة النساء: 69] . # والإنعام المطلق إنما يدخل فيه المؤمنون، فدل ذلك على [أن] الطاعة (3) ~~الحاصلة من المؤمنين هو الذي أنعم بها، ولو كانت نعمته عليهم كنعمته على ~~الكفار لكان الجميع من المنعم عليهم، أهل الصراط المستقيم. # وقوله تعالى: {غير المغضوب عليهم} [سورة الفاتحة: 7] صفة لا استثناء (4) ~~; لأنه خفض " غير " كما تقول العرب: إني لأمر بالصادق غير PageV05P306 # الكاذب. فالمغضوب عليهم والضالون لم يدخلوا في المنعم عليهم حتى يخرجوا، ~~بل بين أن هؤلاء مغايرون لأولئك، كمغايرة الصادق للكاذب. # وقد قال تعالى: {من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا ~~مرشدا} [سورة الكهف: 17] فدل على أن كل من هداه الله اهتدى، ولو هدى الكافر ~~كما هدى المؤمن لاهتدى. # وقال الخليل: {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء ms1229 ربنا ~~اغفر لي ولوالدي} [سورة إبراهيم: 40 - 41] فتبين أنه سبحانه هو الذي يجعله ~~مقيم الصلاة. # [وقال تعالى: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا} ] (1) [سورة ~~الأنبياء: 73] . وقال تعالى: {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار} [سورة القصص: ~~41] فهو الذي جعل هؤلاء أئمة هدى وهؤلاء أئمة ضلال. # وقال تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم} [سورة آل عمران: 159] فبين أن ~~لينه برحمة من الله. # وقال أهل الجنة: {الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن ~~هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق} [سورة الأعراف: 43] . # وقال - تعالى - لما ذكر الأنبياء: {ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم ~~واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم - ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من ~~عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} إلى قوله: PageV05P307 # {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} [سورة الأنعام: 87 - 90] فأخبر: ~~أنه يخص بهذا الهدى من يشاء من عباده، وأخبر: أن هؤلاء هم الذين هداهم ~~الله، فعلم أنه خص بهذا الهدى من اهتدى به دون من لم يهتد به (1) ، ودل على ~~تخصيص المهتدين بأنه هداهم ولم يهد من لم يهتد. # والهدى يكون بمعنى البيان والدعوة، وهذا يشترك فيه المؤمن والكافر. كقوله ~~- تعالى -: {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} [سورة فصلت: 17] ~~. # ويكون بمعنى جعله (2) مهتديا، وهذا يختص بالمؤمنين، وهو المطلوب بقوله: ~~{اهدنا الصراط المستقيم} [سورة الفاتحة: 7] ، وبقوله: {هدى للمتقين} [سورة ~~البقرة: 2] . وذلك أن هدى بمعنى دل وأرشد قد يكون بالقوة، فهذا مشترك، وقد ~~يكون بالفعل فهذا مختص. كما تقول (3) : علمته فتعلم، وعلمته فما تعلم. ~~وكذلك: هديته فاهتدى، وهديته فما اهتدى، فالأول مختص بالمؤمنين، والثاني ~~مشترك. # وليس تعليمه وهداه كتعليم البشر بعضهم بعضا، فإن المعلم يقول، والمتعلم ~~يتعلم بأسباب لا يقدر عليها المعلم، والله - تعالى - هو الذي يجعل العلم في ~~قلوب (4) من علمه. ولهذا يطلب منه ذلك فيقال: {اهدنا الصراط المستقيم} ولا ~~يقال ذلك للبشر (5) ; فإنهم لا يقدرون عليه. PageV05P308 # ويطلب العبد من الله أن يفهمه ويعلمه (1) ويشرح صدره، وأن يحبب إليه ~~الإيمان والعمل الصالح، ولا يطلب هذا من غير ms1230 الله. # قال تعالى: {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه} [سورة ~~الزمر: 22] . # وقال: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل ~~صدره ضيقا حرجا} [سورة الأنعام: 125] . # وقال: {ففهمناها سليمان} [سورة الأنبياء: 79] ، فخص سليمان بالتفهيم مع ~~أنهما كانا حاكمين، لم يخص أحدهما بعلم ظاهر، وقال تعالى: {ونفس وما سواها ~~- فألهمها فجورها وتقواها} [سورة الشمس: 7 - 8] . # «وكانت أكثر يمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا ومقلب القلوب» ~~" (2) . # وقال: " «ما من قلب من قلوب العباد إلا وهو بين إصبعين من أصابع ~~PageV05P309 # الرحمن، إن شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه» " (1) . # و [قد] قال [تعالى] في دعاء (2) المؤمنين: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ ~~هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب} [سورة آل عمران: 8] . # وقال تعالى: {ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله} ~~[سورة الكهف: 39] . # وقال: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا} [سورة يونس: 99] . # وقال: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة} [سورة هود: 118] . # وقال: {ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات} ~~[سورة البقرة: 253] . # وقال: {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها} [سورة السجدة: 13] . # وقال: {ولو شاء ربك ما فعلوه} [سورة الأنعام: 112] . # وقال: {ولو شاء الله ما أشركوا} [سورة الأنعام: 107] . # وقال: {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون - وجعلنا ~~من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون} PageV05P310 # [سورة يس: 8 - 9] . # والآيات والنصوص المثبتة للقدر كثيرة جدا، وهذا كله حجة على بطلان قول ~~المعتزلة، وغيرهم من القدرية النافية، فصار مع هؤلاء نصوص يقولون بها، ومع ~~هؤلاء نصوص. وكل من الطائفتين يتأول نصوص الأخرى بتأويلات فاسدة، ويضم إلى ~~النصوص التي يحتج (1) بها أمور لا تدل عليها النصوص. # وأما أهل السنة والحديث، من الصحابة والتابعين [لهم بإحسان، وأئمة ~~المسلمين] وعلماء أهل السنة والحديث - رضي الله عنهم - فآمنوا (2) بالكتاب ~~كله، ولم يحرفوا شيئا من النصوص، وقالوا: نحن نقول ms1231: " ما شاء الله كان، وما ~~لم يشأ لم يكن " ونقول: إن الله خالق كل شيء وربه ومليكه، فكل ما سوى الله ~~مخلوق له (3) ، حادث بمشيئته وقدرته، ولا يكون في ملكه ما لا يشاؤه ويخلقه، ~~فلا يقدر أحد أن يمنع الله عما أراد أن يخلقه ويكونه، فإن الواحد القهار ~~{ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده ~~[وهو العزيز الحكيم]] (4) [سورة فاطر: 2] . # وقالوا: إن الله يأمر بالإيمان والعمل الصالح، وينهى عن الكفر والفسوق ~~والعصيان، ويحب كل ما أمر به ويرضاه، ويكره ما نهى عنه PageV05P311 # ويسخطه، وهو - سبحانه - لا يحب الفساد، ولا يرضى لعباده الكفر. # قالوا: وليس كل ما أمر العباد به وأراد منهم أن يفعلوه، أراد هو أن يخلقه ~~لهم ويعينهم عليه، بل إعانته على الطاعة لمن أمره بها فضل منه كسائر النعم، ~~وهو يختص برحمته من يشاء. # والطائفتان غلطوا من حيث أنهم [لم] (1) يميزوا بين إرادته لما يخلقه في ~~عباده، وإرادته لما يأمر به عباده، وقد قال سبحانه: {ألا له الخلق والأمر} ~~[سورة الأعراف: 54] ، فالرب خالق كل شيء، وكل ما خلقه فبإرادته خلقه، فما ~~شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فما لم يكن لم يرد أن يخلقه، وما كان فقد ~~أراد أن يخلقه، وهو لا يريد [أن يخلق] (2) إلا ما سبق علمه بأنه سيخلقه، ~~فإن العلم يطابق المعلوم. # وقد أمر العباد (3) بالحسنات التي تنفعهم، ونهاهم عن السيئات التي تضرهم. ~~والحسنات محبوبة لله مرضية (4) والسيئات مكروهة له يسخطها ويسخط على أهلها، ~~وإن كان الجميع مخلوقا له، فإنه خلق جبريل وإبليس، وهو يحب جبريل ويبغض ~~إبليس، وخلق الجنة والنار، وجعل الظلمات والنور، وخلق الظل والحرور، وخلق ~~الموت والحياة، و [خلق] الذكر والأنثى، و [خلق] الأعمى (5) والبصير. ~~PageV05P312 # وقد قال: {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون} ~~[سورة الحشر: 20] . # وقال: {وما يستوي الأعمى والبصير - ولا الظلمات ولا النور - ولا الظل ولا ~~الحرور - وما يستوي الأحياء ولا الأموات} [سورة فاطر: 19 - 22] . # وقال: {أفنجعل ms1232 المسلمين كالمجرمين - ما لكم كيف تحكمون} [سورة القلم: 35 ~~- 36] . # وقال: {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل ~~المتقين كالفجار} [سورة ص: 28] . # وقال: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا ~~الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون} [سورة الجاثية: 21] . # وقد خلق الطيبات والخبائث، وليس (1) الطيبات كالخبائث، ولا الفواكه ~~والحبوب كالبول والعذرة، وهو - سبحانه - إليه يصعد الكلم الطيب والعمل ~~الصالح يرفعه، وهو طيب لا يقبل إلا طيبا، وهو نظيف يحب النظافة، وجميل يحب ~~الجمال، وليس كل ما خلقه يصعد إليه، ويكون [طيبا] (2) محبوبا له مرضيا ~~عنده، بل إنما يسكن في جنته من يناسبها ويصلح لها، وكذلك النار. قال تعالى: ~~{طبتم فادخلوها خالدين} [سورة الزمر: 73] . PageV05P313 # وفي الصحيح أنه إذا عبر أهل الجنة الصراط، وقفوا على قنطرة بين الجنة ~~والنار، فيقتص لبعضهم (1) من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا ~~هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، فلا يدخلون الجنة إلا بعد التهذيب ~~والتنقية (2) كما قال تعالى: {طبتم فادخلوها خالدين} [سورة الزمر: 73] . # ولما قال إبليس: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين - قال فاهبط ~~منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين} [سورة الأعراف: 12 ~~- 13] ، فبين سبحانه أنه ليس لمن في الجنة أن يتكبر. # وفي صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «لا يدخل ~~الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة ~~من إيمان " (3) قال رجل: يا رسول الله، الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله ~~حسنا (4) أفمن الكبر ذاك؟ قال: " لا. إن الله جميل يحب PageV05P314 # الجمال. الكبر بطر الحق وغمط الناس» " (1) وقوله: " «جميل يحب الجمال» " ~~أي: يحب أن يتجمل العبد له ويتزين، كما قال تعالى: {خذوا زينتكم عند كل ~~مسجد} [سورة الأعراف: 31] . # وهو يكره أن يصلي العبد له عريانا، بل يكره - سبحانه - أن تصلي المرأة له ~~مكشوفة الرأس، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «لا يقبل الله صلاة ~~حائض إلا ms1233 بخمار» " (2) . # ولهذا [لما] (3) كان المشركون يطوفون بالبيت عراة، ويقولون: إن الله ~~أمرنا بهذا، قال تعالى: {إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا ~~تعلمون} [سورة الأعراف: 28] . # فتحسين النعل والثوب لعبادة الله هو من التجمل الذي يحبه الله، ولو تزين ~~[به] (4) لمعصية (5) لم يحب ذلك. والمؤمن الذي نور الله قلبه بالإيمان يظهر ~~نور الإيمان على وجهه، ويكسى محبة ومهابة، والمنافق PageV05P315 # بالعكس. # وأما الصورة المجردة، سواء كانت حسنة مشتهاة، كشهوة الرجال للنساء، ~~والنساء للرجال، أو لم تكن مشتهاة، فقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - أنه قال: " «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا أموالكم، ولكن ينظر ~~إلى قلوبكم وأعمالكم» " (1) ، ويقال: ولا إلى لباسكم. # وقد قال - تعالى -: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين ~~آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا - وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن ~~أثاثا ورئيا} [سورة مريم: 73 - 74] ، والأثاث: اللباس والمال. والرئي: ~~المنظر والصورة. # وقال - تعالى -[عن المنافقين] (2) : {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن ~~يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم ~~قاتلهم الله أنى يؤفكون} [سورة المنافقون: 4] ، فبين أن لهم أجساما ومناظر، ~~قال ابن عباس: كان ابن أبي جسيما، فصيحا، طلق (3) اللسان. قال المفسرون: ~~وصفهم الله بحسن الصورة وإبانة المنطق، ثم أبان أنهم في عدم الفهم ~~والاستغفار بمنزلة الخشب المسندة الممالة إلى الجدار، والمراد أنها ليست ~~بأشجار تثمر (4) ، [بل هي خشب مسندة إلى PageV05P316 # حائط] (1) ، ثم عابهم بالجبن فقال: {يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو ~~فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون} أي: لا يسمعون صوتا إلا ظنوا أنهم قد ~~أتوا، لما في قلوبهم من الرعب أن يكشف الله أسرارهم. # فصاحب الصورة الجميلة إذا كان من أهل هذه الأعمال التي يبغضها الله، كان ~~الله يبغضه ولا يحبه لجماله، فإن الله لا ينظر إلى صورته، وإنما ينظر إلى ~~قلبه وعمله. # ويوسف الصديق، وإن كان أجمل من غيره من الأنبياء، وفي الصحيح: " «أنه ~~أعطي شطر الحسن» " (2) ، فلم يكن بذلك أفضل من ms1234 غيره، بل غيره أفضل منه، ~~كإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، وموسى، وعيسى، ومحمد، - صلوات الله ~~عليهم أجمعين - ويوسف، وإن كانت صورته أجمل، فإن إيمان هؤلاء وأعمالهم كانت ~~أفضل من إيمانه وعمله، وهؤلاء أوذوا على نفس الإيمان والدعوة إلى الله، ~~فكان الذين عادوهم معادين لله ورسوله، وكان صبرهم صبرا على توحيد الله ~~وعبادته PageV05P317 # وطاعته، وهكذا سائر قصص الأنبياء التي في القرآن. # ويوسف - عليه السلام - إنما آذاه إخوته لتقريب أبيه له، حسدا على حظ من ~~حظوظ الأنفس، لا على دين. ولهذا كان صبره على التي راودته، وحبس الذين ~~حبسوه على ذلك، أفضل له من صبره على أذى إخوته، فإن هذا صبر على تقوى الله ~~باختياره حتى لا يفعل المحرم، وذلك صبر على أذى الغير الحاصل بغير اختياره، ~~فهذا من جنس صبر المصاب على مصيبته، وذاك من جنس صبر المؤمن على الذين ~~يأمرونه بالمعاصي، ويدعونه إليها فيصبر على طاعة الله وعن معصيته، ويغلب ~~هواه وشهوته، وهذا أفضل. # فأما صبر إبراهيم وموسى وعيسى ونبينا - صلوات الله وسلامه عليهم - على ~~أذى الكفار، وعداوتهم على الإيمان بالله ورسوله، فذاك أفضل من هذا (1) كله، ~~كما أن التوحيد والإيمان أفضل من مجرد ترك الزنا، وكما أن [تلك] (2) ~~الطاعات أعظم، فالصبر عليها وعلى معاداة أهلها أعظم. # وأيضا فهؤلاء كانوا يطلبون قتل من يؤمن وإهلاكه بكل طريق، لا يحبون ~~المؤمنين أصلا، بخلاف يوسف فإنه إنما ابتلي بالحبس (3) ، وكانت المرأة تحبه ~~فلم تعاقبه بأكثر من ذلك. # وقوله تعالى: {نحن نقص عليك أحسن القصص} [سورة يوسف: 3] ، سواء كان القصص ~~مصدر قص يقص قصصا، أو كان مفعولا: أي أحسن PageV05P318 # المقصوص، فذاك لا يختص بقصة يوسف، بل قصة موسى أعظم منها قدرا وأحسن، ~~ولهذا [كرر] (1) ذكرها في القرآن وبسطها، قال تعالى: {فلما جاءه وقص عليه ~~القصص} [سورة القصص: 25] ولهذا قال: {بما أوحينا إليك هذا القرآن} [سورة ~~يوسف: 3] وقد قرئ: {أحسن القصص} بالكسر، ولا تختص بقصة يوسف، بل كل ما قصه ~~الله فهو أحسن القصص، فهو أحسن مقصوص، وقد قصه الله أحسن قصص. # وقوله - صلى الله ms1235 عليه وسلم -: " «إن الله جميل يحب الجمال» " قاله جوابا ~~للسائل في بيان ما يحبه الله من الأفعال وما يكرهه، فإنه - صلى الله عليه ~~وسلم - قال: " «لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا يدخل النار ~~من في قلبه مثقال ذرة من إيمان» " (2) . ومعلوم أن هذا الكبر من كسب العبد ~~الداخل تحت قدرته ومشيئته، وهو منهي عنه ومأمور بضده، فخاف السائل أن يكون ~~ما يتجمل به (3) الإنسان، فيكون أجمل به ممن لم يعمل مثله من الكبر ~~المذموم، فقال: إني أحب أن يكون ثوبي حسنا [ونعلي حسنا] (4) ، أفمن الكبر ~~ذاك؟ # وحسن ثوبه ونعله هو مما حصل بفعله وقصده، ليس هو شيئا مخلوقا فيه بغير ~~كسبه كصورته، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «إن الله جميل يحب ~~الجمال» " ففرق بين الكبر الذي يمقته الله، وبين الجمال PageV05P319 # الذي يحبه الله. # ومعلوم أن الله إذا خلق شخصا أعظم من شخص، وأكبر منه في بعض الصفات: إما ~~في جسمه، وإما في قوته، و [إما في] عقله (1) ، وذكائه ونحو ذلك، لم يكن هذا ~~مبغضا، فإن هذا ليس باختيار العبد، بل هذا خلق فيه بغير اختياره، بخلاف ما ~~إذا كان هو متكبرا على غيره، بذلك أو بغيره، فيكون هذا من عمله الذي يمقته ~~الله عليه، كما قال لإبليس: {فما يكون لك أن تتكبر فيها} [سورة الأعراف: ~~13] . # كذلك من خلقه الله حسن اللون معتدل القامة جميل الصورة، فهذا ليس من عمله ~~الذي يحمد عليه أو يذم، أو يثاب (2) أو يعاقب (3) ويحبه الله ورسوله عليه ~~أو يبغضه [عليه، كما أنه إذا كان أسود أو قصيرا، أو طويلا ونحو ذلك، لم يكن ~~هذا من عمله الذي يحمد عليه أو يذم، ويثاب أو يعاقب (4) ، ويحبه الله ~~ورسوله عليه أو يبغضه] (5) ; ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ~~«لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا ~~لأسود على أبيض إلا بالتقوى» " (6) . # ولهذا [لما] (7) كان المنافقون لهم جمال في الصورة] وليس في PageV05P320 # قلوبهم إيمان ms1236، شبههم الله - سبحانه - بالخشب المسندة اليابسة التي لا ~~تثمر، فالخشبة [اليابسة] إذا كانت [لا ثمر فيها] لا تمدح (1) ولو كانت ~~عظيمة، وهكذا الصورة مع القلب (2) ، نعم قد تكون الصورة عونا على الإيمان ~~والعمل الصالح، [كما تكون القوة] والمال (3) وغير ذلك، فيحمد صاحبها إذا ~~استعان بها (4) في طاعة الله وعف عن معاصيه، ويكون حينئذ فيه الجمال الذي ~~يحبه الله ولو كان أسود، وفعل ما يحبه الله من الجمال كان أيضا فيه الجمال ~~الذي يحبه الله. # والمقصود هنا ذكر ما يحبه الله ويرضاه، وهو الذي يثاب أصحابه عليه ~~ويدخلون الجنة. ومن المعلوم أن الفرق بين مطلق الإرادة وبين المحبة موجود ~~في الناس وغيرهم، فالإنسان يريد كل ما يفعله باختياره، وإن كان في ذلك ما ~~هو بغيض إليه مكروه له ; يريده لأنه وسيلة إلى ما هو محبوب له، كما يريد ~~المريض تناول (5) الدواء الذي يكرهه ويتألم منه ; لأنه وسيلة إلى ما يحبه ~~من العافية، وإلى زوال ما هو أبغض إليه من الآلام (6) . # والجهمية والقدرية إنما لم تفرق بين ما يشاؤه وما يحبه ; لأنهم لا يثبتون ~~لله محبة لبعض الأمور المخلوقة دون بعض، وفرحا بتوبة التائب. وكان أول من ~~أنكر هذا: الجعد بن درهم، فضحى به خالد بن PageV05P321 # عبد الله [القسري] (1) وقال: " ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني (2) مضح ~~بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليما، ولا اتخذ إبراهيم ~~خليلا (3) ، تعالى الله عما يقول الجعد [بن درهم] (4) علوا كبيرا " ثم نزل ~~[عن المنبر] (5) فذبحه (6) ، فإنه الخلة من توابع المحبة، فمن كان من أصله: ~~أن الله لا يحب ولا يحب، لم يكن للخلة عنده معنى (7) ، والرسل - صلوات الله ~~عليهم أجمعين - إنما جاءوا بإثبات هذا الأصل، وهو أن الله يحب بعض الأمور ~~المخلوقة (8) ويرضاها (9) ، ويسخط بعض الأمور ويمقتها، وأن أعمال العباد ~~ترضيه [تارة] (10) وتسخطه أخرى. # قال تعالى: {ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم} ~~[سورة محمد: 28] . # وقال - تعالى -: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ~~ما في ms1237 قلوبهم} [سورة الفتح: 18] . # وقال: {فلما آسفونا انتقمنا منهم} [سورة الزخرف: 55] . عن ابن عباس: ~~أغضبونا. قال ابن قتيبة: الأسف الغضب، [يقال: أسفت PageV05P322 # أسفا، أي: غضبت] (1) . # وقال الله تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب ~~الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما} [سورة النساء: 93] . # و [قد ثبت] في الصحيح (2) من غير وجه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~أنه قال: " «لله أشد فرحا بتوبة عبده من رجل أضل راحلته بأرض دوية (3) ~~مهلكة عليها طعامه وشرابه، فطلبها فلم يجدها، فقال (4) تحت شجرة ينتظر ~~الموت، فاستيقظ فإذا هو بدابته عليها طعامه وشرابه. فالله أشد فرحا بتوبة ~~عبده من هذا براحلته» " (5) . # والفرح إنما يكون بحصول المحبوب، والمذنب كالعبد الآبق من مولاه الفار ~~منه، فإذا تاب فهو كالعائد إلى مولاه وإلى طاعته. وهذا المثل (6) الذي ضربه ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - يبين من محبة الله وفرحه بتوبة العبد، ومن ~~كراهته لمعاصيه، ما يبين أن ذلك أعظم من التمثيل بالعبد الآبق، فإن الإنسان ~~إذا فقد الدابة التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة (7) ، فإنه يحصل ~~عنده ما الله به عليم من التأذي، من جهة فقد الطعام والشراب والمركب، وكون ~~الأرض مفازة لا يمكن الخلاص منها، وإذا طلبها فلم يجدها يئس واطمأن إلى ~~الموت، وإذا استيقظ فوجدها كان عنده من الفرح ما لا يمكن التعبير عنه بوجود ~~(8) ما يحبه PageV05P323 # ويرضاه، بعد الفقد المنافي لذلك. # وهذا يبين من محبة الله للتوبة المتضمنة للإيمان والعمل الصالح، ومن ~~كراهته لخلاف ذلك، ما يرد على منكري الفرق من الجهمية والقدرية، فإن ~~الطائفتين تجعل جميع الأشياء بالنسبة إليه سواء. [ثم] (1) القدرية يقولون: ~~هو يقصد نفع العبد لكون ذلك حسنا، ولا يقصد الظلم لكونه قبيحا، والجهمية ~~يقولون: إذا كان لا فرق بالنسبة إليه بين هذا وهذا، امتنع أن يكون عنده شيء ~~حسن وشيء قبيح، وإنما يرجع ذلك إلى أمور إضافية للعباد. # فالحسن بالنسبة إلى العبد ما يلائمه وما ترتب (2) عليه ثواب يلائمه، ~~والقبيح (3) بالعكس، ومن هنا جعلوا المحبة والإرادة سواء، فلو ms1238 أثبتوا أنه - ~~سبحانه - يحب ويفرح بحصول محبوبه - كما أخبر به الرسول - تبين لهم حكمته، ~~وتبين أيضا أنه يفعل الأفعال لحكمة. فإن الجهمية قالوا: إذا كانت الأشياء ~~بالنسبة إليه سواء، امتنع أن يفعل لحكمة، [والمعتزلة قالوا: يفعل لحكمة] ~~(4) تعود إلى العباد. فقالت لهم الجهمية: [تلك الحكمة] (5) يعود إليه منها ~~حكم (6) أو لا يعود؟ فالأول (7) خلاف الأصل الذي أصلتموه (8) . والثاني ~~ممتنع، فيمتنع أن أحدا يختار الحسن على PageV05P324 # القبيح (1) إن لم يكن له من فعل الحسن معنى يعود إليه، فيكون فعل الحسن ~~يناسبه، بخلاف القبيح. فإذا قدر نفي ذلك امتنع أن يفعل لحكمة. # ثم إن هذه الصفة من أعظم صفات الكمال، وكذلك كونه محبوبا لذاته هو (2) ~~أصل دين الرسل، فإنهم كلهم دعوا إلى عبادة الله وحده، وأن لا إله إلا هو، ~~والإله هو المستحق أن يعبد، والعبادة لا تكون إلا بتعظيم ومحبة، وإلا فمن ~~عمل لغيره لعوض (3) يعطيه إياه، ولم يكن يحبه، لم يكن عابدا [له] (4) . # وقد قال تعالى: {يحبهم ويحبونه} [سورة المائدة: 54] ، وقال تعالى: ~~{والذين آمنوا أشد حبا لله} [سورة البقرة: 165] ، وهؤلاء الذين ينفون أن ~~الله يحب ويحب آخر أمرهم أنه (5) لا يبقى عندهم فرق بالنسبة إلى الله بين ~~أوليائه وبين أعدائه، ولا بين الإيمان والكفر، ولا بين ما أمر به وما نهى ~~عنه، ولا بين بيوته التي هي المساجد وبين الحانات ومواضع الشرك. # وغاية ما يثبتونه من الفرق أن هذا علم على لذة تحصل للإنسان، وهذا علم ~~على ألم يحصل للإنسان (6) ، فإن كانوا (7) من الصوفية الذين PageV05P325 # يجعلون الكمال في فناء العبد عن حظوظه، دخلوا في مقام الفناء في توحيد ~~الربوبية، الذي يقولون فيه: (1) العارف لا يستحسن حسنة ولا يستقبح سيئة. ~~ويجعلون (2) هذا غاية العرفان، فيبقى عندهم لا فرق بين أولياء الله ~~وأعدائه، ولا بين الإيمان (3) والكفر به، ولا بين حمده والثناء عليه ~~وعبادته، وبين سبه وشتمه، وجعله ثالث ثلاثة، ولا بين رسول الله وبين أبي ~~جهل (4) ، ولا بين موسى وفرعون. # وقد بسطنا الكلام على هؤلاء (5) في غير هذا الموضع، وإن كان ms1239 من المتكلمين ~~الذين يقولون: ما ثم إلا ما هو حظ للعبد من المخلوقات صاروا مسخرين في ~~العبادات مستثقلين لها (6) ، وفي قلوبهم مرتع للشيطان، فإنه يقع لهم: لم لا ~~ينعم بالثواب بدون هذا التكليف (7) ؟ فإذا أجابوا أنفسهم بأن هذا ألذ (8) ~~كان هذا (9) من أبرد الأجوبة وأسمجها (10) . PageV05P326 # فإن هذا [إنما] (1) يقال في المناظرين (2) ، وأما رب العالمين فلا أحد ~~إلا [وهو] (3) مقر بفضله وإحسانه، ثم يقال: قد حصل بطلب الألذ من شقاوة ~~الأكثرين، ما كان خلقهم في الجنة ابتداء بلا هذا الألذ أجود لهم، وهو قادر ~~على خلق لذات عظيمة، إلى أمثال هذه الأجوبة. # وإن كان من المرجئة، الذين إيمانهم بالوعيد ضعيف، استرسلت نفسه في ~~المحرمات وترك الواجبات، حتى يكون من شر الخلق. بخلاف من وجد حلاوة الإيمان ~~بمحبة الله، وعلمه بأنه يحب العبادات، وأنه يحب أفعالا وأشخاصا، ويبغض ~~أفعالا وأشخاصا، ويرضى عن هؤلاء، ويغضب على هؤلاء، ويفرح بتوبة التائبين، ~~إلى غير ذلك مما أخبر به (4) الرسول، فإن هذا هو الإسلام الذي به يشهد ~~العبد أن لا إله إلا الله. # ومن لم يقل بالفرق، فلم يجعل الله معبودا محبوبا، فإنما يشهد (5) أن لا ~~رب إلا هو، والمشركون كانوا يقرون بهذه الشهادة، لم يشهدوا أن لا إله إلا ~~الله (6) ، والرسل - عليهم الصلاة والسلام - بعثوا بتوحيد الألوهية، ~~المتضمن توحيد الربوبية. # [وأما توحيد الربوبية] (7) مجردا، فقد كان المشركون يقرون (8) بأن الله ~~(9) وحده (10) خالق السماوات والأرض، كما أخبر الله بذلك عنهم [في ~~PageV05P327 # غير موضع من القرآن] (1) . # قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} [سورة ~~الزمر: 38] . وقال تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} [سورة ~~يوسف: 106] . وهذا قد بسطناه في موضع آخر. # وهؤلاء يدعون محبة الله في الابتداء، ويعظمون أمر محبته، ويستحبون السماع ~~بالغناء والدفوف والشبابات، ويرونه قربة ; لأن ذلك بزعمهم يحرك محبة الله ~~في قلوبهم، وإذا حقق أمرهم وجدت محبتهم تشبه محبة المشركين لا محبة ~~الموحدين، فإن محبة الموحدين بمتابعة الرسول والمجاهدة في سبيل الله. # قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني ms1240 يحببكم الله ويغفر لكم ~~ذنوبكم} [سورة آل عمران: 31] . # وقال تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم ~~وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ~~ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره} [سورة التوبة: 24] . # وقال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله ~~بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل ~~الله ولا يخافون لومة لائم} [سورة المائدة: 54] . # وهؤلاء لا يحققون متابعة الرسول، ولا الجهاد في سبيل الله، بل كثير ~~PageV05P328 # منهم - أو أكثرهم - يكرهون متابعة الرسول، وهم من أبعد الناس عن الجهاد ~~في سبيل الله، بل يعاونون (1) أعداءه، ويدعون محبته ; لأن محبتهم من جنس ~~محبة المشركين الذين (2) قال الله فيهم: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا ~~مكاء وتصدية} [سورة الأنفال: 35] . # ولهذا يحبون سماع القصائد أعظم مما يحبون سماع القرآن، ويجتهدون (3) في ~~دعاء مشايخهم، والاستغاثة بهم عند قبورهم، وفي حياتهم في مغيبهم، أعظم مما ~~يجتهدون في دعاء الله، والاستغاثة به في المساجد [والبيوت] (4) . # وهذا كله من فعل أهل الشرك ليس من فعل المخلصين لله دينهم، كالصحابة ~~والتابعين [لهم بإحسان] (5) ، فأولئك أنكروا محبته، وهؤلاء دخلوا في محبة ~~المشركين، والطائفتان خارجتان عن الكتاب والسنة. # فنفس محبته أصل لعبادته، والشرك في محبته أصل الإشراك في عبادته، وأولئك ~~فيهم شبه من اليهود (6) ، وعندهم كبر من جنس كبر اليهود. وهؤلاء فيهم شبه ~~من النصارى، وفيهم شرك من جنس شرك النصارى. # والنصارى ضالون لهم عبادة ورحمة ورهبانية لكن بلا علم، ولهذا يتبعون ~~أهواءهم بلا علم، قال تعالى [: {ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا ~~على الله إلا الحق} PageV05P329 # [سورة النساء: 171] . وقال تعالى] (1) : {ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ~~غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء ~~السبيل} [سورة المائدة: 77] أي: وسط الطريق، وهي السبيل القصد الذي قال ~~الله فيها: {وعلى الله قصد السبيل} [سورة النحل: 9] ، وهي الصراط المستقيم، ~~فأخبر بتقدم ضلالهم، ثم ذكر صفة ضلالهم ms1241. # والأهواء هي إرادات النفس (2) بغير علم، فكل من فعل ما تريده نفسه بغير ~~علم يبين أنه مصلحة فهو متبع هواه، والعلم بالذي هو مصلحة العبد عند الله ~~في الآخرة هو [العلم] (3) الذي [جاءت] (4) به الرسل. قال تعالى: {فإن لم ~~يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من ~~الله} [سورة القصص: 50] . # وقال تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى ~~الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ~~ولي ولا نصير} [سورة البقرة: 120] . # وقال تعالى: {فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من ~~الحق} [سورة المائدة: 48] . # وقال تعالى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين ~~لا يعلمون} [سورة الجاثية: 18] . PageV05P330 ### | التعليق على كلام بعض الصوفية الذي يتضمن الاتحاد والحلول ووحدة الوجود # ولهذا كان مشايخ الصوفية العارفون أهل الاستقامة يوصون كثيرا بمتابعة ~~العلم ومتابعة الشرع ; لأن كثيرا منهم سلكوا في العبادة لله مجرد (1) محبة ~~النفس وإراداتها وهواها، من غير اعتصام بالعلم الذي جاء به الكتاب والسنة، ~~فضلوا بسبب ذلك ضلالا يشبه ضلال النصارى. # ولهذا قال بعض الشيوخ - وهو أبو عمرو بن نجيد (2) -: " كل وجد لا يشهد له ~~الكتاب والسنة فهو باطل "، وقال سهل (3) : " كل عمل بلا اقتداء فهو عيش ~~النفس، وكل عمل باقتداء فهو عذاب على النفس ". وقال أبو عثمان النيسابوري ~~(4) : " من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق PageV05P331 # بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه [قولا وفعلا] (1) نطق بالبدعة ; لأن ~~الله تعالى يقول {وإن تطيعوه تهتدوا} [سورة النور: 54] ". وقال بعضهم: " ما ~~ترك أحد شيئا من السنة إلا لكبر في نفسه ". # وهو كما قالوا، فإنه إذا لم يكن متبعا للأمر الذي جاء به الرسول كان يعمل ~~بإرادة نفسه، فيكون متبعا لهواه بغير هدى من الله، وهذا عيش النفس، وهو من ~~الكبر، فإنه شعبة (2) من قول الذين قالوا: {لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي ~~رسل الله} [سورة الأنعام ms1242: 124] . # وكثير من هؤلاء يظن أنه يصل برياضته واجتهاده في العبادة وتصفية نفسه إلى ~~ما وصلت إليه الأنبياء، من غير اتباع لطريقهم (3) ، وفيهم طوائف يظنون أنهم ~~صاروا أفضل من الأنبياء، وأن الولي (4) الذي يظنون هم أنه الولي أفضل من ~~الأنبياء، وفيهم (5) من يقول: إن الأنبياء والرسل إنما يأخذون العلم بالله ~~من مشكاة خاتم الأولياء، ويدعي في نفسه أنه خاتم الأولياء، ويكون ذلك العلم ~~هو حقيقة قول فرعون: إن هذا PageV05P332 # الوجود المشهود واجب بنفسه، ليس له صانع مباين له. لكن هذا يقول: هو الله ~~(1) ، وفرعون أظهر الإنكار بالكلية، لكن كان فرعون في الباطن أعرف منهم، ~~فإن كان مثبتا للصانع. وهؤلاء ظنوا (2) أن الوجود المخلوق هو الوجود ~~الخالق، كما يقول ذلك ابن عربي وأمثاله من الاتحادية (3) . # والمقصود ذكر من عدل عن العبادات التي شرعها الرسول، إلى عبادات بإرادته ~~وذوقه ووجده ومحبته وهواه، وأنهم صاروا في أنواع من الضلال، [من جنس ضلال] ~~(4) النصارى. ففيهم من يدعي إسقاط وساطة الأنبياء، والوصول إلى الله بغير ~~طريقهم، ويدعي ما هو أفضل من النبوة، ومنهم من يدعي الاتحاد والحلول الخاص: ~~إما لنفسه، وإما لشيخه، وإما لطائفته الواصلين (5) ، إلى حقيقة التوحيد ~~بزعمه (6) . # وهذا قول النصارى، والنصارى موصوفون بالغلو وكذلك هؤلاء PageV05P333 # مبتدعة العباد الغلو فيهم وفي الرافضة، ولهذا يوجد في هذين الصنفين كثير ~~ممن يدعي إما لنفسه وإما لشيخه [الإلهية] (1) ، كما يدعيه كثير من ~~الإسماعيلية (2) لأئمتهم بني عبيد، وكما يدعيه كثير من الغالية: إما للاثنى ~~عشر، وإما لغيرهم من أهل البيت ومن غير أهل البيت، كما تدعيه النصيرية ~~وغيرهم. # وكذلك في جنس المبتدعة الخارجين عن الكتاب والسنة من أهل التعبد ~~[والتأله] (3) والتصوف، منهم طوائف من الغلاة يدعون الإلهية، ودعوى ما هو ~~فوق النبوة، وإن كان متفلسفا يجوز وجود نبي بعد محمد، كالسهروردي المقتول ~~في الزندقة (4) ، وابن سبعين (5) ، وغيرهما، صاروا PageV05P334 # يطلبون النبوة (1) ، بخلاف من أقر بما جاء به الشرع، ورأى أن الشرع ~~الظاهر لا سبيل إلى تغييره ; فإنه يقول: النبوة ختمت، لكن الولاية لم تختم. ~~ويدعي من (2) الولاية ما هو أعظم ms1243 من النبوة، وما يكون للأنبياء والمرسلين، ~~وأن الأنبياء يستفيدون منها. # ومن هؤلاء من يقول بالحلول والاتحاد، وهم في (3) الحلول والاتحاد نوعان ~~(4) : نوع يقول بالحلول والاتحاد العام المطلق، كابن عربي وأمثاله، ويقولون ~~في النبوة: إن الولاية أعظم منها، كما قال ابن عربي: PageV05P335 # مقام النبوة في برزخ ... فويق الرسول ودون الولي (1) # وقال ابن عربي في " الفصوص " (2) : " وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل ~~وخاتم الأنبياء، وما يراه أحد من الأنبياء إلا من مشكاة خاتم الأنبياء (3) ~~، وما يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة خاتم الأولياء (4) ، [حتى إن ~~الرسل إذا رأوه لا يرونه -[إذا رأوه] (5) - إلا من مشكاة خاتم الأولياء] ~~(6) ، فإن الرسالة والنبوة - أعني رسالة التشريع ونبوته (7) - تنقطعان، ~~وأما الولاية فلا تنقطع أبدا (8) . فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ~~ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء (9) ، فكيف بمن (10) دونهم من الأولياء؟ ~~وإن كان PageV05P336 # خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا ~~يقدح في مقامه، ولا يناقض ما ذهبنا إليه، فإنه من وجه يكون أنزل، ومن وجه ~~(1) يكون أعلى ". # قال (2) : " ولما مثل النبي - صلى الله عليه وسلم -[النبوة] (3) بالحائط ~~من اللبن، فرآها قد كملت إلا موضع لبنة (4) ، فكان هو - صلى الله عليه وسلم ~~- موضع اللبنة، وأما خاتم (5) الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما ~~مثله النبي - صلى الله عليه وسلم - (6) ، ويرى نفسه في الحائط موضع لبنتين، ~~ويرى نفسه (7) تنطبع [في] (8) موضع [تينك] (9) اللبنتين، فيكمل الحائط (10) ~~، والسبب الموجب لكونه رآها لبنتين أن الحائط لبنة من ذهب PageV05P337 # ولبنة من فضة، واللبنة الفضة هي ظاهره (1) وما يتبعه فيه من الأحكام، كما ~~هو آخذ عن الله في السر ما هو في الصورة (2) الظاهرة متبع فيه ; لأنه يرى ~~الأمر على ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا، وهو موضع اللبنة الذهبية في ~~الباطن، فإنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحى [به] (3) إلى ~~الرسول ". # قال (4) : فإن فهمت ما أشرنا إليه (5) ، فقد حصل لك العلم النافع (6) ". # قلت: وقد بسطنا الرد ms1244 على هؤلاء في مواضع، وبينا كشف ما هم عليه من الضلال ~~والخيال، والنفاق والزندقة. # وأما الذين يقولون بالاتحاد الخاص، فهؤلاء منهم من يصرح بذلك. # وأما من كان عنده علم بالنصوص [الظاهرة] (7) ، ورأى أن هذا يناقض ما عليه ~~المسلمون في الظاهر، فإنه يجعل هذا مما يشار إليه ويرمز به، ولا يباح به. ~~ثم إن كان معظما للرسول والقرآن [ظن أن الرسول] (8) كان يقول بذلك، لكنه لم ~~يبح به ; لأنه مما لا يمكن البشر أن يبوحوا به، وإن كان PageV05P338 # غير معظم للرسول، زعم أنه تعدى حد الرسول، وهذا الضلال حدث قديما من جهال ~~العباد. # ولهذا كان العارفون، كالجنيد بن محمد: سيد الطائفة (1) - قدس الله روحه - ~~(2) لما سئل عن التوحيد قال: " التوحيد إفراد الحدوث عن القدم " (3) فإنه ~~كان عارفا، ورأى أقواما ينتهي بهم الأمر إلى الاتحاد، فلا يميزون بين ~~القديم والمحدث، وكان أيضا [طائفة] (4) من أصحابه وقعوا في الفناء في توحيد ~~الربوبية، الذي لا يميز فيه بين المأمور والمحظور، فدعاهم الجنيد إلى الفرق ~~الثاني، وهو توحيد الإلهية، الذي يميز فيه بين المأمور والمحظور، فمنهم من ~~وافقه، ومنهم من خالفه، ومنهم لم يفهم كلامه. # وقد ذكر بعض ما جرى من ذلك أبو سعيد الأعرابي في " طبقات PageV05P339 # النساك " (1) وكان من أصحاب الجنيد، ومن شيوخ (2) أبي طالب المكي، [كان] ~~(3) من أهل العلم بالحديث وغيره، ومن أهل المعرفة بأخبار الزهاد وأهل ~~الحقائق. # وهذا الذي ذكره الجنيد من الفرق بين القديم والمحدث، والفرق بين المأمور ~~والمحظور، بهما يزول ما وقع فيه كثير من الصوفية من هذا الضلال. ولهذا كان ~~الضلال منهم يذمون الجنيد على ذلك، كابن عربي وأمثاله، فإن له كتابا سماه " ~~الإسرا إلى المقام الأسرى " (4) مضمونه حديث نفس ووساوس (5) شيطان حصلت في ~~نفسه، جعل ذلك معراجا كمعراج الأنبياء (6) ، وأخذ يعيب على الجنيد وعلى ~~غيره من الشيوخ ما ذكروه، وعاب على الجنيد قوله: " التوحيد إفراد الحدوث عن ~~القدم " وقال: قلت له: يا جنيد، ما يميز بين الشيئين إلا من كان خارجا ~~عنهما، وأنت إما PageV05P340 # قديم أو محدث، فكيف ms1245 تميز؟ " (1) . # وهذا جهل منه، فإن المميز بين الشيئين هو الذي يعرف أن هذا غير هذا، ليس ~~من شرطه أن يكون ثالثا، بل كل إنسان يميز بين نفسه وبين غيره وليس هو ~~ثالثا، والرب سبحانه يميز نفسه وبين غيره، وليس هناك ثالث. # وهذا الذي ذمه الجنيد - رحمه الله -، وأمثاله من الشيوخ العارفين، وقع ~~فيه خلق كثير، حتى من أهل العلم بالقرآن وتفسيره والحديث والآثار، ومن ~~المعظمين لله ورسوله باطنا وظاهرا، المحبين لسنة رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم -، الذابين عنها - وقعوا في هذا غلطا لا تعمدا، وهم يحسبون أن هذا ~~نهاية التوحيد. كما ذكر ذلك صاحب " منازل السائرين " PageV05P341 # مع علمه وسنته، ومعرفته ودينه (1) . # وقد ذكر في كتابه " منازل السائرين " أشياء حسنة نافعة، وأشياء باطلة. ~~ولكن هو فيه ينتهي إلى الفناء في توحيد الربوبية، ثم إلى التوحيد الذي هو ~~حقيقة الاتحاد. ولهذا قال (2) : " باب التوحيد: قال الله تعالى: {شهد الله ~~أنه لا إله إلا هو} [سورة آل عمران: 18] التوحيد: تنزيه الله عن الحدث (3) ~~. # قال (4) : وإنما نطق العلماء بما نطقوا به، وأشار المحققون (5) إلى ما ~~أشاروا إليه (6) في هذا الطريق لقصد تصحيح التوحيد، وما سواه من حال أو ~~مقام فكله مصحوب العلل ". PageV05P342 # قال (1) : " والتوحيد على ثلاثة أوجه: (2) : الأول (3) : توحيد العامة ~~الذي يصح بالشواهد، والثاني (4) : توحيد الخاصة وهو الذي يثبت بالحقائق. ~~والوجه الثالث: توحيد قائم بالقدم، وهو توحيد خاصة الخاصة. # فأما التوحيد الأول فهو شهادة أن لا إله إلا الله [وحده لا شريك له] (5) ~~، الأحد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد. هذا هو ~~التوحيد الظاهر الجلي، الذي نفى الشرك الأعظم، وعليه نصبت القبلة، وبه وجبت ~~الذمة، وبه حقنت الدماء والأموال، وانفصلت دار الإسلام من دار الكفر، وصحت ~~به الملة للعامة، وإن لم يقوموا بحسن (6) الاستدلال، بعد أن سلموا (7) من ~~الشبهة والحيرة والريبة، بصدق شهادة صححها قبول القلب. # هذا (8) توحيد العامة الذي يصح بالشواهد، والشواهد هي الرسالة، والصنائع ~~تجب (9) بالسمع، وتوجد (10) بتبصير الحق، وتنمو (11) على مشاهدة (12) ~~الشواهد ". PageV05P343 # قال (1) : " وأما التوحيد ms1246 الثاني الذي يثبت بالحقائق فهو توحيد الخاصة. ~~وهو إسقاط الأسباب الظاهرة، والصعود عن (2) منازعات العقول (3) ، وعن ~~التعلق بالشواهد، وهو أن لا يشهد (4) في التوحيد دليلا، ولا في التوكل ~~سببا، ولا في النجاة (5) وسيلة (6) ، فيكون (7) مشاهدا سبق (8) الحق بحكمه ~~وعلمه، ووضعه الأشياء مواضعها، وتعليقه (9) إياها بأحايينها، وإخفائه (10) ~~إياها في رسومها (11) ، ويحقق (12) معرفة العلل، ويسلك (13) سبيل إسقاط ~~الحدث (14) . هذا توحيد (15) الخاصة الذي يصح بعلم الفناء، ويصفو في علم ~~الجمع، ويجذب إلى توحيد أرباب الجمع ". قال (16) : " وأما التوحيد الثالث ~~فهو توحيد اختصه الحق لنفسه، PageV05P344 # واستحقه بقدره، وألاح منه لائحا إلى أسرار طائفة من صفوته، وأخرسهم عن ~~نعته، وأعجزهم عن بثه. والذي يشار [به] (1) إليه على ألسن المشيرين أنه ~~إسقاط الحدث (2) ، وإثبات القدم، على أن هذا الرمز في ذلك التوحيد علة، لا ~~يصح [ذلك التوحيد] (3) إلا بإسقاطها. # هذا قطب الإشارة إليه على ألسن علماء أهل هذا الطريق (4) ، وإن زخرفوا له ~~نعوتا، وفصلوه فصولا (5) ، فإن ذلك التوحيد تزيده العبارة خفاء (6) ، ~~والصفة نفورا، والبسط صعوبة، وإلى هذا التوحيد (7) شخص أهل الرياضة وأرباب ~~الأحوال، وإليه (8) قصد أهل التعظيم، وإياه (9) عنى المتكلمون في عين ~~الجمع، وعليه تصطلم الإشارات، ثم لم ينطق عنه (10) لسان، ولم تشر إليه ~~عبارة، فإن التوحيد وراء ما يشير إليه مكون، أو يتعاطاه خبر (11) ، أو يقله ~~سبب ". # قال (12) : " وقد أجبت في سالف الدهر (13) سائلا سألني عن توحيد الصوفية ~~PageV05P345 # بهذه القوافي الثلاث: # ما وحد الواحد من واحد ... إذ كل من وحده جاحد # توحيد من ينطق عن نعته ... عارية أبطلها الواحد # توحيده إياه توحيده ... ونعت من ينعته لاحد # قلت: وقد بسطت (1) الكلام على [هذا وأمثاله] في غير (2) هذا الموضع، لكن ~~ننبه هنا على ما يليق بهذا الموضع، فنقول؟ أما التوحيد [الأول] (3) الذي ~~ذكره فهو التوحيد الذي جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب، وبه بعث الله ~~الأولين والآخرين من الرسل. # قال تعالى: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة ~~يعبدون} [سورة الزخرف: 45] . # وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله ms1247 واجتنبوا ~~الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة} [سورة النحل: 36] . # وقال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا ~~أنا فاعبدون} [سورة الأنبياء: 25] . # وقد أخبر الله - تعالى - عن كل من الرسل، مثل نوح وهود، وصالح وشعيب، ~~وغيرهم، أنهم قالوا لقومهم: اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. وهذا أول دعوة ~~الرسل وآخرها. PageV05P346 # قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح المشهور: " «أمرت أن ~~أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا قالوها ~~فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله» " (1) . وقال ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح أيضا: " «من مات وهو يعلم ~~أن لا إله إلا الله دخل الجنة» " (2) . وقال: " «من كان آخر كلامه لا إله ~~إلا الله دخل الجنة» " (3) . # والقرآن كله مملوء من تحقيق هذا التوحيد والدعوة إليه، وتعليق النجاة ~~والفلاح، واقتضاء السعادة في الآخرة به. ومعلوم أن الناس متفاضلون في ~~تحقيقه، وحقيقته إخلاص الدين كله لله. والفناء في هذا التوحيد مقرون ~~بالبقاء (4) ، وهو أن تثبت إلهية الحق في قلبك، وتنفي إلهية ما سواه، فتجمع ~~بين النفي والإثبات، فتقول: لا إله إلا الله، فالنفي هو الفناء، والإثبات ~~هو البقاء. وحقيقته أن تفنى بعبادته عما سواه، [ومحبته عن محبة ما سواه] ~~(5) ، وبخشيته عن خشية ما سواه، وبطاعته عن طاعة ما سواه، وبموالاته عن ~~موالاة ما سواه، وبسؤاله عن سؤال ما سواه، وبالاستعاذة به عن الاستعاذة (6) ~~بما سواه، وبالتوكل عليه عن التوكل على PageV05P347 # ما سواه، وبالتفويض إليه عن التفويض إلى ما سواه، وبالإنابة إليه عن ~~الإنابة إلى ما سواه، وبالتحاكم إليه عن التحاكم إلى ما سواه، وبالتخاصم ~~إليه عن التخاصم إلى ما سواه. # وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه «كان يقول: (* إذا قام ~~يصلي من الليل، وقد روي أنه كان يقوله (1) بعد التكبير *) (2) : " اللهم لك ~~الحمد أنت قيم السماوات (3) والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات ~~والأرض ومن ms1248 فيهن، ولك الحمد (4) أنت الحق، وقولك الحق، ووعدك الحق (5) ، ~~ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد حق، اللهم لك أسلمت، ~~وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت ; فاغفر لي، ~~إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» " (6) . # وقال - تعالى -: {قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ~~ولا يطعم} [سورة الأنعام: 14] . PageV05P348 # وقال: {أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا} [سورة ~~الأنعام: 114] . # وقال: {أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون - ولقد أوحي إليك وإلى ~~الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين - بل الله فاعبد ~~وكن من الشاكرين} [سورة الزمر: 64 - 66] . # وقال - تعالى -: {قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة ~~إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين - قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ~~رب العالمين - لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين - قل أغير الله ~~أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها} [سورة الأنعام: 161 - ~~164] . # وهذا التوحيد كثير في القرآن، وهو أول الدين وآخره، وباطن الدين وظاهره، ~~وذروة سنام هذا التوحيد لأولي العزم من الرسل، ثم للخليلين محمد وإبراهيم - ~~صلى الله عليهما وسلم تسليما -. فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~من غير وجه أنه قال: " «إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا» " ~~(1) . PageV05P349 # وأفضل الرسل بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - إبراهيم ; فإنه قد ثبت في ~~الصحيح عنه أنه قال عن «خير البرية: " إنه إبراهيم» (1) . وهو الإمام الذي ~~جعله الله إماما، وجعله أمة، والأمة القدوة الذي يقتدى به، فإنه حقق هذا ~~التوحيد، وهو الحنيفية ملته. # قال تعالى: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا ~~لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم ~~العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه ~~لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا ~~وإليك المصير - ربنا لا تجعلنا فتنة ms1249 للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت ~~العزيز الحكيم - لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم ~~الآخر} [سورة الممتحنة: 4 - 6] . # وقال تعالى: {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون - إلا ~~الذي فطرني فإنه سيهدين - وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون} [سورة ~~الزخرف: 26 - 28] . PageV05P350 # وقال عن إبراهيم أنه قال: {ياقوم إني بريء مما تشركون - إني وجهت وجهي ~~للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين - وحاجه قومه قال ~~أتحاجوني في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا ~~وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون - وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم ~~أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم ~~تعلمون - الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ~~- وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم ~~عليم} [سورة الأنعام: 78 - 83] . # وقال: {أفرأيتم ما كنتم تعبدون - أنتم وآباؤكم الأقدمون - فإنهم عدو لي ~~إلا رب العالمين} [سورة الشعراء: 75 - 77] . # والخليل هو الذي تخللت محبة خليله قلبه (1) ، فلم يكن فيه مسلك لغيره كما ~~قيل: # قد تخللت مسلك الروح مني ... وبذا سمي الخليل خليلا # وقد قيل: إنه [مأخوذ من الخليل، وهو الفقير، مشتق من الخلة بالفتح. كما ~~قيل: PageV05P351 # وإن أتاه خليل يوم مسغبة ... يقول لا غائب مالي ولا حرم (1) # والصواب أنه (2) من الأول، وهو مستلزم للثاني فإن كمال] (3) حبه لله هو ~~محبة عبودية وافتقار، ليست كمحبة الرب لعبده، فإنها محبة استغناء وإحسان. # ولهذا قال - تعالى -: {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك ~~في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا} [سورة الإسراء: 111] . # فالرب لا يوالي عبده من ذل (4) ، كما يوالي المخلوق لغيره، بل يواليه ~~إحسانا إليه، والولي من الولاية، والولاية ضد العداوة. وأصل الولاية الحب، ~~وأصل العداوة البغض، وإذا قيل: هو مأخوذ من الولي، وهو القرب. فهذا جزء ~~معناه (5) ، فإن الولي يقرب إلى (6) وليه، والعدو ms1250 يبعد عن عدوه. ولما كانت ~~الخلة تستلزم كمال المحبة واستيعاب القلب، لم يصلح للنبي - صلى الله عليه ~~وسلم - أن يخالل مخلوقا (7) ، بل قال: " «لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا ~~لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن صاحبكم خليل الله» " (8) . PageV05P352 # ولهذا امتحن الله إبراهيم بذبح ابنه. والذبيح على القول الصحيح ابنه ~~الكبير إسماعيل، كما دلت على ذلك سورة " الصافات " وغير ذلك، فإنه قد كان ~~(1) سأل ربه أن يهب له من الصالحين، فبشره بالغلام الحليم إسماعيل، فلما ~~بلغ معه السعي أمره أن يذبحه، لئلا يبقى في قلبه محبة مخلوق تزاحم محبة ~~الخالق، إذ كان قد طلبه وهو بكره. # وكذلك في التوراة يقول: " اذبح ابنك وحيدك "، وفي ترجمة أخرى " بكرك "، ~~ولكن ألحق المبدلون لفظ إسحاق، وهو باطل (2) . فإن إسحاق هو الثاني من ~~أولاده (3) باتفاق المسلمين وأهل الكتاب، فليس هو وحيده ولا بكره، وإنما ~~وحيده وبكره إسماعيل. # ولهذا لما ذكر الله قصة الذبيح في القرآن قال بعد هذا: {وبشرناه بإسحاق ~~نبيا من الصالحين} [سورة الصافات: 112] . وقال في الآية الأخرى {فبشرناه ~~بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} [سورة هود: 71] . فكيف يبشره بولد ثم يأمره ~~بذبحه؟ . # والبشارة بإسحاق وقعت لسارة، وكانت قد غارت من هاجر لما ولدت إسماعيل، ~~وأمر الله إبراهيم أن يذهب بإسماعيل وأمه إلى مكة، ثم لما جاء الضيف - وهم ~~الملائكة - لإبراهيم، بشروها (4) بإسحاق، فكيف يأمره بذبح إسحاق مع بقاء ~~إسماعيل؟ . # وهي لم تصبر على وجود إسماعيل وحده، بل غارت أن يكون له ابن PageV05P353 # من غيرها، فكيف تصبر على ذبح ابنها وبقاء ابن ضرتها؟ وكيف يأمر الله ~~إبراهيم بذبح ابنه (1) وأمه مبشرة به وبابن ابنه [يعقوب] (2) ؟ وأيضا (3) ~~فالذبح إنما كان بمكة، وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - قرني الكبش في ~~البيت فقال للحاجب: " «إني رأيت قرني الكبش في الكعبة، فخمرهما (4) ; فإنه ~~لا ينبغي أن يكون في الكعبة شيء يلهي المصلي» " (5) . وإبراهيم وإسماعيل ~~هما اللذان بنيا الكعبة بنص القرآن، وإسحاق (6) كان في الشام. والمقصود ~~بالأمر بالذبح أن لا يبقى في قلبه محبة لغير الله تعالى. وهذا ms1251 إذا كان له ~~ابن واحد، فإذا صار له ابنان، فالمقصود لا PageV05P354 # يحصل إلا بذبحهما جميعا. وكل من قال: إنه إسحاق، فإنما أخذه عن اليهود، ~~أهل التحريف والتبديل، كما أخبر الله - تعالى - عنهم. # [وقد بسطنا هذه المسألة في مصنف مفرد] (1) . # والمقصود هنا أن الخليلين هما أكمل خاصة الخاصة توحيدا ; فلا يجوز أن ~~يكون في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من هو أكمل توحيدا من نبي من ~~الأنبياء، فضلا عن الرسل، فضلا عن أولي العزم، فضلا عن الخليلين. # وكمال توحيدهما بتحقيق إفراد الألوهية، وهو أن لا يبقى في القلب شيء لغير ~~الله أصلا، بل يبقى العبد (2) مواليا لربه في كل شيء، يحب ما أحب، ويبغض ما ~~أبغض، ويرضى بما رضي (3) ، ويسخط بما سخط (4) ، ويأمر بما أمر، وينهى عما ~~نهى. # وأما التوحيد الثاني الذي ذكره وسماه " توحيد الخاصة "، فهو الفناء في ~~توحيد الربوبية، وهو أن يشهد ربوبية (5) الرب لكل ما سواه، وأنه وحده رب كل ~~شيء ومليكه، والفناء إذا كان في توحيد الألوهية: وهو (6) أن PageV05P355 # يستولي على القلب شهود معبوده وذكره ومحبته، حتى لا يحس بشيء آخر، مع ~~العلم بثبوت ما أثبته الحق من الأسباب والحكم، وعبادته وحده لا شريك له ~~بالأمر والنهي، ولكن غلب على القلب شهود الواحد، كما يقال: غاب بموجوده عن ~~وجوده، وبمعبوده عن عبادته، وبمذكوره عن ذكره، وبمعروفه عن معرفته. # كما يذكر أن رجلا كان يحب آخر، فوقع المحبوب في اليم، فألقى المحب نفسه ~~خلفه، فقال له: أنا وقعت فلماذا وقعت أنت؟ فقال: غبت بك عني، فظننت أن أني ~~(1) . فصاحب هذا الفناء إذا غلب (2) في ذلك فهو معذور، لعجزه عند غلبة ذكر ~~الرب على قلبه عن شعوره بشيء آخر، كما يعذر من سمع الحق فمات أو غشي عليه، ~~وكما عذر موسى - صلى الله عليه وسلم - لما صعق حين تجلى ربه للجبل. # وليس هذا الحال غاية السالكين، ولا لازما لكل سالك. [ومن الناس من يظن ~~أنه لا بد لكل سالك] (3) منه، وليس كذلك. فنبينا - صلى الله عليه وسلم - ~~والسابقون ms1252 الأولون، هم أفضل. وما أصاب أحدا منهم هذا الفناء ولا صعق ولا ~~موت (4) عند سماع القرآن. وإنما تجد (5) هذا الصعق في التابعين، لا سيما في ~~عباد البصريين. PageV05P356 # ومن الناس من يجعل هذا الفناء هو الغاية التي ينتهي إليها سير العارفين. ~~وهذا أضعف [من الذي قبله] (1) . وما يذكر عن أبي يزيد البسطامي (2) من ~~قوله: " ما في الجبة إلا الله " وقوله: " أين أبو يزيد؟ أنا أطلب أبا يزيد ~~منذ كذا وكذا سنة " ونحو ذلك (3) ، فقد حملوه على أنه كان من هذا الباب ; ~~ولهذا يقال عنه: إنه كان إذا أفاق أنكر هذا. # فهذا ونحوه كفر، لكن إذا زال العقل بسبب يعذر فيه الإنسان، كالنوم ~~PageV05P357 # والإغماء، لم يكن مؤاخذا بما يصدر عنه في حال عدم التكليف، ولا ريب أن ~~هذا من ضعف العقل والتمييز. # وأما الفناء الذي يذكره صاحب " المنازل " فهو الفناء في توحيد الربوبية، ~~لا في توحيد الإلهية (1) ، وهو يثبت توحيد الربوبية مع نفي الأسباب والحكم، ~~كما هو قول القدرية المجبرة (2) ، كالجهم بن صفوان ومن اتبعه، والأشعري ~~وغيره. # وشيخ الإسلام (3) ، وإن كان - رحمه الله - من أشد الناس مباينة للجهمية ~~في الصفات، وقد صنف كتابه " الفاروق في الفرق بين المثبتة والمعطلة " (4) ~~وصنف كتاب " تكفير الجهمية " (5) وصنف كتاب " ذم الكلام وأهله " (6) ، وزاد ~~في هذا الباب حتى صار يوصف بالغلو في الإثبات للصفات، لكنه في القدر على ~~رأي الجهمية، نفاة الحكم والأسباب. PageV05P358 # والكلام في الصفات نوع، والكلام في القدر نوع، وهذا الفناء عنده لا يجامع ~~البقاء ; فإنه نفي لكل ما سوى حكم الرب بإرادته الشاملة، التي تخصص أحد ~~المتماثلين بلا مخصص. # ولهذا قال في " باب التوبة " في لطائف أسرار التوبة (1) : " اللطيفة (2) ~~الثالثة: أن (3) مشاهدة العبد الحكم لم تدع له استحسان حسنة ولا استقباح ~~سيئة، لصعوده من جميع المعاني إلى معنى الحكم " أي الحكم القدري، وهو خلقه ~~لكل شيء بقدرته وإرادته ; فإن من لم يثبت في الوجود فرقا بالنسبة إلى الرب، ~~بل يقول: كل ما سواه محبوب له، مرضي له، مراد له، سواء بالنسبة إليه، ليس ~~يحب ms1253 شيئا ويبغض شيئا، فإن مشاهدة هذا لا يكون معه استحسان حسنة، ولا ~~استقباح سيئة بالنسبة إلى الرب ; إذ الاستحسان والاستقباح على هذا المذهب ~~لا يكون إلا بالنسبة إلى العبد: يستحسن ما يلائمه، ويستقبح ما ينافيه. # وفي عين الفناء لا يشهد نفسه ولا غيره، بل لا يشهد إلا فعل ربه، فعند هذه ~~المشاهدة لا يستحسن شيئا ويستقبح آخر، على قول هؤلاء القدرية الجبرية، ~~المتبعين لجهم بن صفوان وأمثاله. # وهؤلاء وافقوا القدرية في أن مشيئة الرب وإرادته ومحبته ورضاه سواء. ثم ~~قالت القدرية النفاة: وهو لا يحب الكفر والفسوق والعصيان، فهو لا يريده ولا ~~يشاؤه ; فيكون في ملكه ما لا يشاء. PageV05P359 # وقالت الجهمية المجبرة: بل هو يشاء كل شيء، فهو يريده ويحبه ويرضاه. # وأما السلف وأتباعهم: فيفرقون بين المشيئة والمحبة. وأما الإرادة فتكون ~~تارة بمعنى المشيئة، وتارة بمعنى المحبة. وقد ذكر الأشعري القولين عن أهل ~~السنة المثبتين للقدر: قول من فرق بين المحبة والرضا. وقول من سوى بينهما، ~~واختار هو التسوية، وأبو المعالي يقول: إن أبا الحسن أول من سوى بينهما، ~~لكني رأيته في " الموجز " قد حكى قوله عن سليمان بن حرب، وعن ابن كلاب، وعن ~~الكرابيسي، وعن داود بن علي، وكذلك ابن عقيل يقول: " أجمع المسلمون على أن ~~الله لا يحب الكفر والفسوق والعصيان، ولم يقل: إنه يحبه، غير الأشعري ". # وأما القاضي أبو يعلى فهو في " المعتمد " يوافق الأشعري، وفي " مختصره " ~~ذكر القولين، وذكر في " المعتمد " قول أبي بكر عبد العزيز: أنه يقول ~~بالفرق، وتأول كلام أبي بكر بتأويل باطل (1) . لكن أهل الملل كلهم متفقون ~~على أن الله يثيب على الطاعات، ويعاقب على المعاصي، وإن كانت المشيئة شاملة ~~للنوعين، فهم يسلمون الفرق بالنسبة إلى العباد، والمدعون للمعرفة والحقيقة ~~والفناء فيهما يطلبون أن لا يكون لهم مراد، بل يريدون ما يريد الحق - تعالى ~~- ; فيقولون: الكمال أن تفنى عن إرادتك، وتبقى مع إرادة ربك، وعندهم أن ~~جميع الكائنات بالنسبة إلى PageV05P360 # الرب سواء، فلا يستحسنون حسنة، ولا يستقبحون سيئة. # وهذا الذي قالوه ممتنع عقلا ms1254 محرم شرعا، ولكن المقصود هنا بيان قولهم. ~~ولهذا قال شيخ الإسلام في توحيدهم، وهو التوحيد الثاني: " إنه إسقاط ~~الأسباب الظاهرة " فإن عندهم لم يخلق الله شيئا بسبب، بل يفعل عنده لا به. # قال: " والصعود عن منازعات العقول، وعن التعلق بالشواهد، وهو أن لا يشهد ~~في التوحيد دليلا، ولا في التوكل سببا، [ولا في النجاة وسيلة " وذلك ; لأن ~~عندهم ليس في الوجود شيء يكون سببا] (1) لشيء أصلا، ولا شيء جعل لأجل شيء، ~~ولا يكون شيء بشيء. # فالشبع عندهم لا يكون بالأكل، ولا العلم الحاصل في القلب بالدليل، ولا ما ~~يحصل للمتوكل من الرزق والنصر له سبب أصلا: لا في نفسه، ولا في نفس الأمر، ~~ولا الطاعات عندهم سبب للثواب، ولا المعاصي سبب للعقاب، فليس للنجاة وسيلة، ~~بل محض الإرادة الواحدة يصدر عنها كل حادث، ويصدر مع الآخر مقترنا به ~~اقترانا عاديا، لا أن أحدهما معلق بالآخر، أو سبب له، أو حكمة له، ولكن ~~لأجل ما جرت به العادة من اقتران أحدهما بالآخر، يجعل أحدهما أمارة وعلما، ~~ودليلا على الآخر، بمعنى أنه إذا وجد أحد المقترنين عادة كان الآخر موجودا ~~معه، وليس العلم الحاصل في القلب حاصلا بهذا الدليل، بل هذا أيضا من جملة ~~الاقترانات العادية. PageV05P361 # ولهذا قال: " فيكون مشاهدا سبق الحق بحكمه وعلمه " أى: يشهد أنه علم ما ~~سيكون وحكم به، أي أراده وقضاه وكتبه، وليس عندهم شيء إلا هذا. وكثير من ~~أهل هذا المذهب يتركون الأسباب الدنيوية، ويجعلون وجود السبب كعدمه. # ومنهم قوم يتركون الأسباب الأخروية، فيقولون: إن سبق العلم والحكم أنا ~~سعداء فنحن سعداء، وإن سبق أنا أشقياء فنحن أشقياء، فلا فائدة في العمل. # ومنهم من يترك الدعاء بناء على هذا الأصل الفاسد. # ولا ريب أن هذا الأصل الفاسد (1) مخالف للكتاب والسنة، وإجماع السلف ~~وأئمة الدين، ومخالف لصريح المعقول، ومخالف للحس والمشاهدة. # وقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إسقاط الأسباب نظرا إلى القدر ~~(2) ، فرد ذلك. كما [ثبت] (3) في الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه ~~قال: " «ما ms1255 منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة ومقعده من النار " ~~قالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ فقال: " لا. اعملوا ~~فكل ميسر لما خلق له» " (4) PageV05P362 # وفي الصحيح أيضا أنه «قيل له: يا رسول الله، أرأيت ما يكدح الناس فيه ~~اليوم ويعملون، أشيء قضي عليهم ومضى، أم فيما يستقبلون مما أتاهم فيه ~~الحجة؟ فقال: " بل شيء قضي عليهم ومضى فيهم " قالوا: يا رسول الله، أفلا ~~ندع العمل ونتكل على كتابنا؟ فقال: " لا. اعملوا فكل ميسر لما خلق له» (1) ~~. # وفي السنن «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قيل له: أرأيت أدوية ~~نتداوى بها، ورقى نسترقي بها، وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئا؟ ~~فقال: " هي من قدر الله» (2) . # وقد قال تعالى في كتابه: {وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى ~~إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل ~~الثمرات} [سورة الأعراف: 57] . PageV05P363 # وقال: {وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها} [سورة ~~الجاثية: 5] . # وقال: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم} [سورة التوبة: 14] . # وقال: {ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا} [سورة ~~التوبة: 52] . # وقال: {يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين} [سورة ~~البقرة: 26] . # وقال: {يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام} [سورة المائدة: 16] . # وقال: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} [سورة الشورى: 52] . # وقال: {ولكل قوم هاد} [سورة الرعد: 7] فكيف لا يشهد الدليل؟ ! . # قال: {وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم} [سورة الزمر: 61] . # وقال: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم} [سورة ~~يونس: 9] . # وقال: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ~~ألتناهم من عملهم من شيء} [سورة الطور: 21] . # وقال: {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم} ~~[سورة إبراهيم: 1] . # وقال: {كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية} [سورة الحاقة: ~~24] . # PageV05P364 # وقال: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} [سورة النحل: 32] . # وقال: {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا} [سورة ms1256 الأنفال: 29] . # وقال: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا - ويرزقه من حيث لا يحتسب} [سورة ~~الطلاق: 2 - 3] . # وقال: {فبما رحمة من الله لنت لهم} [سورة آل عمران: 159] . # وقال: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل ~~الله كثيرا - وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل} [سورة ~~النساء: 160 - 161] . # وقال: {فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين} [سورة الأنعام: ~~6] . # وقال: {فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار} [سورة ~~المائدة: 85] . # وقال: {وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا} [سورة الإنسان: 42] . # وقال: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي ~~الألباب} [سورة آل عمران: 190] . # وقال: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي ~~تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به ~~الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين ~~السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون} [سورة البقرة: 164] وأمثال ذلك في القرآن ~~كثير. # PageV05P365 # (* وفي الصحيحين «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لسعد: " عسى ~~أن تخلف فينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون» *) (1) ، فكيف يمكن أن يشهد أن ~~الله لم ينصب على توحيده دليلا، ولا جعل للنجاة من عذابه وسيلة، ولا جعل ~~لما يفعله المتوكل من عباده سببا. # وهو مسبب الأسباب، وخالق كل شيء بسبب منه، لكن الأسباب كما قال فيها (2) ~~أبو حامد، وأبو الفرج [بن الجوزي] (3) وغيرهما: " الالتفات إلى الأسباب شرك ~~في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابا تغيير (4) في وجه العقل، والإعراض ~~عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع ". # والتوكل معنى يلتئم (5) من معنى التوحيد (6) والعقل والشرع، فالموحد (7) ~~المتوكل لا يلتفت إلى الأسباب، بمعنى أنه لا يطمئن إليها، PageV05P366 # ولا يثق بها، ولا يرجوها، ولا يخافها ; فإنه ليس في الوجود سبب يستقل ~~بحكم، بل كل سبب فهو مفتقر إلى أمور أخرى تضم إليه، وله موانع وعوائق تمنع ~~موجبه، وما ثم سبب مستقل بالإحداث إلا مشيئة الله وحده، فما شاء كان وما لم ~~يشأ لم يكن، وما ms1257 شاء خلقه بالأسباب التي يحدثها ويصرف عنه الموانع، فلا ~~يجوز التوكل إلا عليه. # كما قال تعالى: {إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ~~ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون} [سورة آل عمران: 160] . # وما سبق من علمه وحكمه فهو حق. وقد علم وحكم بأن الشيء الفلاني يحدثه هو ~~- سبحانه - بالسبب الفلاني. فمن نظر إلى علمه وحكمه فليشهد الحدوث بما ~~أحدثه، وإذا نظر إلى الحدوث بلا سبب منه لم يكن شهوده مطابقا لعلمه وحكمه. # فمن شهد أن الله - تعالى - خلق الولد لا من أبوين لسبق علمه وحكمه ; فهذا ~~شهوده عمى، بل يشهد أن الله - تبارك وتعالى - سبق علمه وحكمه بأن يخلق ~~الولد من الأبوين، والأبوان سبب في وجوده، فكيف يجوز أن يقال: إنه سبق علمه ~~وحكمه بحدوثه بلا سبب. وإذا كان علمه وحكمه قد أثبت السبب، فكيف أشهد ~~الأمور بخلاف ما هي [عليه] (1) في علمه وحكمه؟ والعلل التي تنفى نوعان: ~~أحدهما: أن تعتمد على الأسباب وتتوكل عليها. وهذا شرك محرم (2) . والثاني: ~~أن تترك ما أمرت به من الأسباب، PageV05P367 # وهذا أيضا محرم. # بل عليك أن تعبده بفعل ما أمرك به من الأسباب، وعليك أن تتوكل عليه في أن ~~يعينك على ما أمرك به، وأن يفعل هو ما لا تقدر أنت عليه بدون سبب منك (1) ، ~~فليست العلة إلا ترك ما أمرك به الرب أمر إيجاب أو استحباب (2) ، ومن فعل ~~ما أمر به كما أمر به فليس عنده علة، ولكن قد يجهل حقيقة ما أمر به [كما ~~أمر به] (3) فيكون منه علة. # وقول القائل: " يسلك سبيل إسقاط الحدث، إن أراد أني (4) أعتقد نفي حدوث ~~شيء، فهذا مكابرة وتكذيب بخلق الرب وجحد للصانع، وإن أراد أني أسقط الحدث ~~من قلبي فلا أشهد محدثا - وهو مرادهم - فهذا خلاف ما أمرت به، وخلاف الحق. # بل قد أمرت أن أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأشهد حدوث ~~المحدثات بمشيئته بما (5) خلقه من الأسباب، ولما خلقه من الحكم (6) ، وما ~~أمرت أن ms1258 لا أشهد بقلبي حدوث شيء قط. # وقول القائل: " يفنى (7) من لم يكن، ويبقى (8) من لم يزل " إن أراد أنه ~~PageV05P368 # يبقى على الوجه المأمور [به] (1) بحيث يشهد أن الحق هو المحدث لكل ما ~~سواه بما أحدثه من الأسباب، ولما أراده من الحكمة، فهذا حق. وإن أراد (2) ~~أني لا أشهد قط مخلوقا، بل لا أشهد إلا القديم فقط ; فهذا نقص في الإيمان ~~والتوحيد والتحقيق، وهذا من باب الجهل والضلال، وهذا إذا غلب على قلب العبد ~~كان معذورا. أما أن يكون هذا مما (3) أمر الله به ورسوله ; فهذا خلاف ~~الكتاب والسنة والإجماع. # ولما كان هذا مرادهم قال (4) : " هذا توحيد الخاصة، الذي يصح بعلم ~~الفناء، ويصفو في علم الجمع، ويجذب إلى توحيد أرباب الجمع "، فإن المراد ~~بالجمع أن يشهد (5) الأشياء كلها مجتمعة في خلق الرب ومشيئته، وأنها صادرة ~~بإرادته، لا يرجح (6) مثلا عن مثل، فلا يفرق بين مأمور ومحظور، وحسن وقبيح، ~~وأولياء [الله] وأعدائه (7) . # والوقوف عند هذا الجمع هو الذي أنكره الجنيد وغيره من أئمة طريق أهل الله ~~أهل الحق (8) ; فإنهم أمروا بالفرق الثاني، وهو أن يشهد (9) مع هذا الجمع ~~أن الرب فرق بين ما أمر به وبين ما نهى عنه، فأحب هذا، PageV05P369 # وأبغض هذا، وأثاب على هذا، وعاقب على هذا، فيحب ما أحبه الله ورسوله، ~~ويبغض ما أبغضه الله ورسوله، ويشهد الفرق (1) في الجمع، والجمع في الفرق، ~~لا (2) يشهد جمعا محضا، ولا فرقا محضا (3) . # وأما قوله: " ويجذب إلى توحيد أرباب الجمع " فسيأتي. وهؤلاء شربوا من ~~العين التي شرب منها نفاة القدر، فإن أولئك الذين قالوا: الأمر أنف. قالوا: ~~إذا سبق علمه وحكمه بشيء، امتنع أن يأمر بخلافه، ووجب وجوده. وفي ذلك إبطال ~~الأمر والنهي، لكن أولئك كانوا معظمين (4) للأمر والنهي ; فظنوا أن إثبات ~~ما سبق من العلم والحكم ينافيه، فأثبتوا الشرع ونفوا القدر. # وهؤلاء اعتقدوا ذلك أيضا، لكن أثبتوا القدر ونفوا عمن شاهده أن يستحسن ~~حسنة يأمر بها، أو يستقبح سيئة ينهى عنها ; فأثبتوا القدر، وأبطلوا الشرع ~~عمن شاهد القدر. وهذا القول أشد ms1259 منافاة لدين الإسلام من قول نفاة القدر. # قال: " وأما التوحيد الثالث فهو توحيد اختصه الحق لنفسه، واستحقه بقدره. ~~. . إلى آخر كلامه " وقد تقدم حكايته. فهؤلاء هم الذين أنكر عليهم أئمة ~~الطريق، كالجنيد وغيره، حيث لم يفرقوا بين القديم والمحدث، وحقيقة قول ~~هؤلاء الاتحاد والحلول الخاص، من جنس قول النصارى في المسيح، وهو أن يكون ~~الموحد هو الموحد، ولا يوحد PageV05P370 # الله إلا الله، وكل من جعل غير الله يوحد الله فهو جاحد عندهم، كما قال: # ما وحد الواحد من واحد (أي من واحد غيره) ... إذ كل من وحده جاحد # فإنه على قولهم: هو الموحد والموحد. ولهذا قال: # توحيد من ينطق عن نعته ... عارية أبطلها الواحد # يعني إذا تكلم العبد بالتوحيد، وهو يرى أنه المتكلم، فإنما ينطق عن نعت ~~نفسه، فيستعير ما ليس له، فيتكلم به، وهذه عارية أبطلها الواحد، ولكن إذا ~~فنى عن شهود نفسه، وكان الحق هو المتكلم على لسانه، حيث فنى من لم يكن، ~~وبقي من لم يزل، فيكون الحق هو الناطق بنعت نفسه، لا بنعت العبد، ويكون هو ~~الموحد وهو الموحد، ولهذا قال: توحيده إياه توحيده - أي توحيد الحق إياه - ~~أي: نفسه هو (1) ، توحيده هو، لا توحيد المخلوقين له) فإنه لا يوحده عندهم ~~مخلوق، بمعنى أنه هو الناطق بالتوحيد على لسان خاصته، ليس الناطق هو ~~المخلوق، كما يقوله النصارى في المسيح: إن اللاهوت تكلم بلسان الناسوت. # وحقيقة الأمر أن كل من تكلم بالتوحيد أو تصوره، وهو يشهد غير الله، فليس ~~بموحد (2) عندهم. وإذا غاب وفنى عن نفسه بالكلية ; فتم له مقام توحيد ~~الفناء (3) ، الذي يجذبه (4) ، إلى توحيد أرباب الجمع، صار الحق هو ~~PageV05P371 # الناطق المتكلم بالتوحيد، وكان هو الموحد، وهو الموحد، لا موحد غيره. # وحقيقة هذا القول لا يكون إلا بأن يصير الرب والعبد شيئا واحدا، وهو ~~الاتحاد فيتحد اللاهوت والناسوت، كما يقول النصارى: إن المتكلم بما كان ~~يسمع من المسيح هو الله. وعندهم أن الذين سمعوا منه هم رسل الله، وهم عندهم ~~أفضل من إبراهيم وموسى (1) . # ولهذا تكلم ms1260 بلفظ اللاهوت والناسوت طائفة من الشيوخ الذين وقعوا في ~~الاتحاد والحلول مطلقا ومعينا، فكانوا ينشدون قصيدة ابن الفارض، ويتحلون ~~بما فيها من تحقيق الاتحاد العام، ويرون كل ما في الوجود هو مجلى ومظهر، ~~ظهر فيه عين الحق، وإذا رأى أحدهم منظرا حسنا (2) أنشد: # يتجلى في كل طرفة عين ... بلباس (3) من الجمال جديد # وينشد الآخر: # هيهات يشهد ناظري معكم سوى ... إذا أنتم عين الجوارح والقوى # (* وينشد الثالث: # أعاين في كل الوجود جمالكم ... وأسمع من كل الجهات نداكم (4) PageV05P372 # وتلتذ (1) إن مرت على جسدي يدي # لأني في التحقيق لست سواكم # *) (2) ولما كان ظهور قول النصارى بين المسلمين مما يظهر أنه باطل، لم ~~يمكن أصحاب هذا الاتحاد أن يتكلموا به كما تكلمت به النصارى، بل صار عندهم ~~مما يشهد ولا ينطق به، وهو عندهم من الأسرار التي لا يباح بها، ومن باح ~~بالسر قتل. # وقد يقول بعضهم: إن الحلاج لما باح (3) بهذا السر وجب قتله ; ولهذا قال ~~(4) : " هو توحيد اختصه الحق لنفسه، واستحقه بقدره، وألاح منه لائحا إلى ~~أسرار طائفة من صفوته، وأخرسهم عن نعته، وأعجزهم عن بثه ". # فيقال: أما توحيد الحق نفسه (5) بنفسه، وهو علمه بنفسه وكلامه الذي يخبر ~~به عن نفسه، كقوله: {شهد الله أنه لا إله إلا هو} [سورة آل عمران: 18] ، ~~وقوله: {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني} [سورة طه: 14] ; فذاك صفته ~~القائمة به، كما تقوم به سائر صفاته من حياته وقدرته، وغير ذلك. # وذلك لا يفارق ذات الرب وينتقل إلى غيره أصلا، كسائر صفاته، بل صفات ~~المخلوق لا تفارق ذاته وتنتقل إلى غيره، فكيف بصفات الخالق؟ ! . ~~PageV05P373 # ولكن هو - سبحانه - ينزل (1) على أنبيائه من علمه وكلامه ما أنزله (2) ، ~~كما أنزل القرآن (3) ، وهو كلامه، على خاتم الرسل. # وقد قال - سبحانه -: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم ~~قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} [سورة آل عمران: 18] ، فهو ~~سبحانه يشهد لنفسه بالوحدانية، والملائكة يشهدون، وأولو العلم من عباده ~~يشهدون، والشهادات متطابقة متوافقة. # وقد يقال: هذه الشهادة ms1261 هي هذه، بمعنى أنها نوعها، وليس نفس صفة المخلوق ~~هي نفس صفة الخالق، ولكن كلام الله الذي أنزله على رسوله هو القرآن الذي ~~يقرؤه المسلمون، وهو كلامه - سبحانه - مسموعا من المبلغين له، ليس تلاوة ~~العباد له وسماع بعضهم من بعض، بمنزلة سمع موسى له من الله بلا واسطة، فإن ~~موسى سمع نفس كلام الرب، كما يسمع كلام المتكلم منه، كما يسمع الصحابة كلام ~~الرسول منه، وأما سائر الناس فسمعوه مبلغا عن الله، كما يسمع (4) التابعون ~~ومن بعدهم كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - مبلغا عنه. # ولهذا قال لرسوله: {بلغ ما أنزل إليك من ربك} [سورة المائدة: 67] ، وقال: ~~{ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم} [سورة الجن: 28] . # وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «بلغوا عني [ولو آية] » " (5) . ~~وقال: PageV05P374 # " «نضر الله امرأ سمع منا (1) حديثا فبلغه إلى من لم يسمعه ; فرب حامل ~~فقه غير فقيه (2) ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» " (3) . وقال: " «ألا ~~رجل يحملني إلى قومه لأبلغ كلام ربي، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ~~ربي» " (4) . # وقول القائل: " وألاح منه لائحا إلى أسرار طائفة من صفوته، وأخرسهم عن ~~نعته، وأعجزهم عن بثه ". # فيقال: أفضل صفوته هم الأنبياء، وأفضلهم الرسل، وأفضل الرسل أولو العزم، ~~وأفضل أولي العزم محمد - صلى الله عليه وسلم -، وما ألاحه الله على أسرار ~~هؤلاء فهو أكمل توحيد عرفه العباد، وهم قد تكلموا بالتوحيد ونعتوه وبثوه، ~~وما يقدر أحد قط أن ينقل عن نبي من الأنبياء، ولا PageV05P375 # وارث نبي، أنه يدعي أنه يعلم توحيدا لا يمكنه النطق به، بل كل ما علمه ~~القلب أمكن التعبير عنه، لكن قد لا يفهمه إلا بعض الناس. # فأما أن يقال: إن محمدا - صلى الله عليه وسلم - عاجز عن أن يبين ما عرفه ~~الله من توحيده. فهذا ليس كذلك. # ثم يقال: إن أريد بهذا اللائح أن يكون الرب نفسه هو الموحد لنفسه في قلوب ~~صفوته لاتحاده بهم، أو حلوله فيهم. فهذا قول النصارى، وهو باطل شرعا وعقلا. # وإن أريد أنه يعرف صفوته ms1262 من توحيده ومعرفته والإيمان به ما لا يعرفه ~~غيرهم. فهذا حق، لكن ما قام بقلوبهم ليس هو نفس الرب [الخالق] تعالى (1) ، ~~بل هو العلم به ومحبته ومعرفته وتوحيده. # وقد يسمى المثل الأعلى، ويفسر به قوله - تعالى -: {وله المثل الأعلى في ~~السماوات والأرض} [سورة الروم: 27] أي في قلوب أهل السماوات والأرض، ويقال ~~له: المثال الحبي والمثال العلمي (2) . وقد يخيل لناقص العقل إذا أحب شخصا ~~محبة تامة، بحيث فني في حبه، حتى لا يشهد في قلبه غيره، أن نفس المحبوب صار ~~(3) في قلبه، وهو غالط (4) في ذلك، بل المحبوب في موضع آخر: إما في بيته، ~~وإما في المسجد (5) ، وإما في PageV05P376 # موضع آخر. ولكن الذي في قلبه هو مثاله. # وكثيرا ما يقول القائل: أنت في قلبي، وأنت في فؤادي، والمراد هذا المثال ~~; لأنه قد علم أنه لم يعن ذاته، فإن ذاته منفصلة عنه. كما يقال: أنت بين ~~عيني، وأنت دائما على لساني (1) ، كما قال الشاعر: # مثالك في عيني وذكرك في فمي ... ومثواك في قلبي فكيف تغيب (2) # وقال آخر: # ساكن في القلب يعمره ... لست أنساه فأذكره # فجعله ساكنا عامرا للقلب لا ينسى، ولم يرد أن ذاته حصلت في قلبه كما يحصل ~~(3) الإنسان الساكن في بيته، بل هذا الحاصل هو المثال العلمي. (* وقال آخر: # ومن عجب أني أحن إليهم ... وأسأل عنهم من لقيت وهم معي # وتطلبهم عيني وهم في سوادها ... ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي *) (4) # ومن هذا الباب قول القائل: " القلب بيت الرب " وما يذكرونه في ~~الإسرائيليات من قوله: " ما وسعتني أرضي ولا سمائي، ولكن وسعني قلب عبدي ~~المؤمن، التقي النقي، الورع (5) اللين (6) "، فليس المراد أن الله ~~PageV05P377 # نفسه يكون في قلب كل عبد، بل في القلب معرفته، ومحبته، وعبادته. # والنائم يرى في المنام إنسانا يخاطبه ويشاهده، ويجري معه فصولا (1) ، ~~وذلك المرئي قاعد في بيته، أو ميت في قبره، وإنما رأى مثاله. وكذلك يرى في ~~المرآة الشمس والقمر والكواكب وغير ذلك من المرئيات، ويراها تكبر بكبر ~~المرآة، وتصغر بصغرها، وتستدير باستدارتها، وتصفوا بصفائها، وتلك مثال ~~المرئيات ms1263 القائمة بالمرآة، وأما نفس الشمس التي في السماء، فلم تصر ذاتها ~~في المرآة. # وقد خاطبني مرة شيخ من هؤلاء في مثل هذا، وكان ممن يظن أن الحلاج قال: " ~~أنا الحق " ; لكونه كان في هذا التوحيد. فقال: الفرق بين فرعون والحلاج: أن ~~فرعون قال: {أنا ربكم الأعلى} [سورة النازعات: 24] وهو يشير إلى نفسه. وأما ~~الحلاج فكان فانيا (2) عن نفسه، والحق نطق على لسانه. فقلت له: أفصار الحق ~~في قلب الحلاج ينطق على لسانه كما ينطق الجني على لسان المصروع؟ ! ~~PageV05P378 # (1 وهو سبحانه بائن عن قلب الحلاج وغيره من المخلوقات (1) 1) ، فقلب (2) ~~الحلاج أو غيره كيف يسع ذات الحق؟ ! ثم الجني يدخل في جسد الإنسان ويشغل ~~(3) جميع أعضائه، (4 والإنسان المصروع لا يحس بما يقوله الجني ويفعله ~~بأعضائه (4) 4) ، لا يكون الجني في قلبه فقط، فإن القلب كل ما قام به فإنما ~~هو عرض من الأعراض، ليس شيئا موجودا قائما بنفسه، ولهذا لا يكون الجني ~~بقلبه الذي هو روحه. # وهؤلاء قد يدعون (5) أن ذات الحق قامت بقلبه فقط، فهذا يستحيل في حق ~~المخلوق (6) ، فكيف بالخالق جل جلاله؟ ! . # وقد يحتج بعضهم بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «فإذا قال الإمام: ~~سمع الله لمن حمده. فقولوا: ربنا، ولك الحمد» " (7) ; فإن الله قال على ~~لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -: " «سمع الله لمن حمده» فيقال لهم: النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - لم يرد ما أردتم من الحلول PageV05P379 # والاتحاد، ولكن أراد أن الله بلغكم هذا الكلام على لسان رسوله، وأخبركم ~~أنه يسمع (1) دعاء من حمده فاحمدوه أنتم، وقولوا: ربنا ولك الحمد ; حتى ~~يسمع الله لكم دعاءكم ; فإن الحمد قبل الدعاء سبب لاستجابة الدعاء. # وهذا أمر معروف، يقول المرسل لرسوله: قل على لساني كذا وكذا، ويقول ~~الرسول لمرسله: قلت على لسانك كذا وكذا، ويقول المرسل أيضا: قلت لكم على ~~لسان رسولي (2) كذا وكذا. # وقد قال تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو ~~يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء} [سورة الشورى: 51] ، فالله تعالى إذا أرسل ms1264 ~~رسولا من الملائكة أو من البشر برسالة، كان مكلما لعباده بواسطة رسوله، بما ~~أرسل به رسوله، وكان مبينا لهم بذلك. # كما قال تعالى: {قد نبأنا الله من أخباركم} [سورة التوبة: 94] أي: بواسطة ~~رسوله. وقال: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} [سورة القيامة: 18] ، وقال: {نتلوا ~~عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق} [سورة القصص: 3] ، وقال: {نحن نقص عليك ~~أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين} ~~[سورة يوسف: 3] . # فكانت تلك التلاوة والقراءة والقصص بواسطة جبريل ; فإنه سبحانه يكلم ~~عباده بواسطة رسول يرسله، فيوحي بإذنه ما يشاء ; ولهذا جاء بلفظ ~~PageV05P380 # الجمع، فإن ما فعله المطاع بجنده يقال فيه: نحن نفعل كذا، والملائكة رسل ~~الله فيما يخلقه ويأمر به، فما خلقه وأمر به بواسطة رسله من الملائكة قال ~~فيه: نحن فعلنا، كما قال - تعالى -: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} [سورة ~~القيامة: 18] . # وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: إن علينا أن نجمعه في قلبك، ثم أن (1) ~~نقرأه بلسانك، فإذا قرأه جبريل فاستمع له حتى يفرغ (2) . # كما قال (3) في الآية الأخرى: {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك ~~وحيه} [سورة طه: 114] أي: لا تعجل بتلاوة ما يقرؤه جبريل عليك من قبل أن ~~يقضي جبريل تلاوته، بل استمع له حتى يقضي (4) تلاوته، ثم PageV05P381 # بعد هذا اقرأ ما أنزله (1) إليك، وعلينا أن نجمع ذلك في قلبك، وأن تقرأه ~~بلسانك، ثم أن تبينه (2) للناس بعد ذهاب جبريل عنك. # وقوله: " والذي يشار إليه على ألسن المشيرين أنه إسقاط الحدث (3) ، ~~وإثبات القدم ". # فيقال: مرادهم بهذا نفي المحدث (4) ، أي: ليس هنا إلا القديم، وهذا على ~~وجهين. فإن أريد به نفي المحدث (5) بالكلية، وأن العبد هو القديم، فهذا شر ~~من قول النصارى، إلا أنه قريب إلى قول اليعقوبية من النصارى ; فإن ~~اليعقوبية يقولون: إن اللاهوت والناسوت امتزجا واختلطا فصارا جوهرا واحدا، ~~وأقنوما واحدا، وطبيعة واحدة، ويقول بعضهم: إن اليدين اللتين سمرتا (6) هما ~~اليدان اللتان خلق بهما آدم. # وأما النسطورية فيقولون بحلول اللاهوت في الناسوت، والملكانية (7) ~~يقولون: شخص واحد، له أقنوم ms1265 واحد، بطبيعتين ومشيئتين (8) . ويشبهونه ~~بالحديدة والنار، والنسطورية يشبهونه بالماء في الظروف، واليعقوبية يشبهونه ~~باختلاط الماء واللبن، والماء والخمر (9) . PageV05P382 # فقول القائل: " إسقاط الحدوث " (1) إن أراد به أن المحدث عدم ; فهذا ~~مكابرة، وإن أراد به إسقاط المحدث من قلب العبد، وأنه لم يبق في قلبه إلا ~~القديم ; فهذا إن أريد به ذات القديم فهو قول النسطورية من النصارى، وإن ~~أريد به معرفته والإيمان به وتوحيده، أو قيل: مثله، أو المثل (2) العلمي، ~~أو نوره، أو نحو ذلك، فهذا المعنى صحيح، فإن قلوب أهل التوحيد مملوءة بهذا، ~~لكن ليس في قلوبهم ذات الرب القديم وصفاته القائمة به. # وأما أهل الاتحاد العام فيقولون: ما في الوجود إلا الوجود القديم، وهذا ~~قول الجهمية. # وأبو إسماعيل لم يرد هذا، فإنه قد صرح في غير موضع من كتبه بتكفير هؤلاء ~~الجهمية الحلولية، الذين يقولون: إن الله بذاته في كل مكان، وإنما يشير إلى ~~ما يختص به بعض الناس. # ولهذا قال: " ألاح منه لائحا إلى أسرار طائفة من صفوته ". ### | الكلام على رؤية الله تعالى # والاتحاد والحلول الخاص وقع فيه كثير من العباد والصوفية وأهل الأحوال ; ~~فإنه (3) يفجؤهم ما يعجزون عن معرفته، وتضعف عقولهم عن تمييزه، فيظنونه ذات ~~الحق، وكثير منهم يظن أنه رأى الله بعينه، وفيهم من يحكي مخاطباته (4) له، ~~ومعاتباته (5) . وذاك كله إنما هو في قلوبهم من PageV05P383 # المثال العلمي الذي في قلوبهم بحسب إيمانهم به. # ومما يشبه المثال العلمي رؤية الرب تعالى (1) في المنام، فإنه يرى في صور ~~(2) مختلفة، يراه كل عبد (3) على حسب إيمانه، ولما كان النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - أعظم إيمانا من غيره رآه في أحسن صورة، وهي رؤية منام ~~بالمدينة، كما نطقت بذلك الأحاديث المأثورة عنه (4) ، وأما ليلة المعراج ~~فليس في شيء من الأحاديث المعروفة أنه رآه ليلة المعراج، لكن روي في ذلك ~~حديث موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث، رواه الخلال من طريق أبي عبيد، وذكره ~~القاضي أبو يعلى في " إبطال التأويل " (5) ، والذي نص عليه الإمام أحمد في ~~الرؤية هو ما جاء عن النبي ms1266 - صلى الله عليه PageV05P384 # وسلم -، وما قاله أصحابه، فتارة يقول: رآه بفؤاده متبعا لأبي ذر ; فإنه ~~روى بإسناده عن أبي ذر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~رأى ربه بفؤاده (1) . # وقد ثبت في صحيح مسلم: «أن أبا ذر سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: هل ~~رأيت ربك؟ فقال: " نور أنى أراه» (2) . ولم ينقل هذا السؤال عن غير أبي ذر. ~~وأما ما يذكره بعض العامة من أن أبا بكر - رضي الله عنه - سأل النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - فقال (3) : " نعم رأيته "، وأن عائشة سألته، فقال: " لم ~~أره " فهو كذب، لم يروه أحد من أهل العلم، ولا يجيب النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - عن مسألة واحدة بالنفي والإثبات مطلقا، فهو منزه عن ذلك (4) . ~~PageV05P385 # فلما كان أبو ذر أعلم من غيره اتبعه أحمد، مع ما ثبت في الصحيح عن ابن ~~عباس أنه قال: رآه بفؤاده مرتين (1) . وتارة يقول أحمد: رآه. فيطلق (2) ~~اللفظ ولا يقيده بعين ولا قلب (* اتباعا للحديث، وتارة يستحسن قول من يقول: ~~رآه. ولا يقول بعين ولا قلب *) (3) ، ولم ينقل أحد من أصحاب أحمد الذين ~~باشروه عنه أنه قال: رآه بعينه، وقد ذكر ما نقلوه عن أحمد الخلال في كتاب " ~~السنة " وغيره (4) . # وكذلك لم ينقل أحد بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه قال: " رآه بعينه "، بل ~~الثابت عنه إما الإطلاق، وإما التقييد بالفؤاد. # وقد ذكر طائفة من أصحاب أحمد، كالقاضي أبي يعلى (5) ومن اتبعه عن أحمد ~~ثلاث روايات في رؤيته تعالى: إحداها: أنه رآه بعينه، واختاروا ذلك. وكذلك ~~اختاره الأشعري وطائفة. ولم ينقل هؤلاء عن PageV05P386 # أحمد لفظا صريحا بذلك، ولا عن ابن عباس، ولكن المنقول الثابت عن أحمد من ~~جنس النقول الثابتة عن ابن عباس: إما تقييد الرؤية بالقلب، وإما إطلاقها، ~~وأما تقييدها بالعين فلم يثبت لا عن أحمد ولا عن ابن عباس. # وأما من سوى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد ذكر الإمام أحمد اتفاق ~~السلف على أنه لم يره أحد بعينه، وقد ثبت في صحيح مسلم عن ms1267 النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - أنه قال: " «واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت» " (1) ~~، وهذا لبسطه موضع آخر. # وإنما المقصود هنا أن كثيرا من السالكين يرد عليه من الأحوال ما يصطلمه ~~(2) ، حتى يظن أنه هو الحق، وأن الحق فيه، أو أن الحق يتكلم على لسانه، أو ~~أنه يرى الحق، أو نحو ذلك، وإنما يكون الذي يشاهدونه ويخاطبونه هو الشيطان، ~~وفيهم من يرى عرشا عليه نور، ويرى الملائكة PageV05P387 # حول العرش، ويكون ذلك الشيطان، وتلك الشياطين حوله، وقد جرى هذا لغير ~~واحد. ### | [فصل الكلام على محبة الله تعالى] # (فصل) # وقد اعترف طوائف بأنه يستحق أن يحب، وأنكروا أنه يحب غيره إلا بمعنى ~~الإرادة العامة، فإن محبة المؤمنين لربهم أمر موجود في القلوب (1) والفطر، ~~شهد به الكتاب والسنة، واستفاض عن سلف الأمة وأهل الصفوة، واتفق عليه أهل ~~المعرفة بالله. # وقد ثبت أن التذاذ المؤمنين يوم القيامة بالنظر إلى الله أعظم لذة في ~~الجنة، ففي صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «إذا دخل ~~أهل الجنة الجنة نادى مناد يا أهل الجنة: إن لكم عند الله موعدا يريد أن ~~ينجزكموه. فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا، ويثقل موازيننا، ويدخلنا ~~الجنة، ويجرنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب فينظرون إليه، فما أعطاهم شيئا ~~أحب إليهم من النظر إليه. وهو الزيادة» " (2) . # وفي حديث آخر رواه النسائي وغيره: " «أسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق ~~إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة» (3) ". PageV05P388 # فقوله في الحديث الصحيح: " «فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه» " ~~يبين أن اللذة الحاصلة بالنظر إليه أعظم من كل لذة في الجنة، والإنسان في ~~الدنيا يجد في قلبه بذكر الله، وذكر محامده، وآلائه، وعبادته، من اللذة ما ~~لا يجده بشيء آخر. # وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «جعلت قرة عيني في الصلاة» " (1) ، ~~وكان يقول: " «أرحنا بالصلاة يا بلال» " (2) وفي الحديث: " «إذا مررتم ~~PageV05P389 # برياض الجنة فارتعوا ". قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: " مجالس الذكر» " ~~(1) . ومن هذا الباب قوله: " «ما بين ms1268 بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة» " ~~(2) ; فإن هذا كان أعظم مجالس الذكر. # والمنكرون لرؤيته من الجهمية والمعتزلة تنكر هذه اللذة، وقد يفسرها من ~~يتأول (3) الرؤية بمزيد العلم على لذة العلم به، كاللذة التي في الدنيا ~~بذكره، لكن تلك أكمل. # وهذا قول متصوفة الفلاسفة والنفاة، كالفارابي، وكأبي حامد، وأمثاله، فإن ~~ما في كتبه من " الإحياء " وغيره من لذة النظر إلى وجهه هو بهذا المعنى (4) ~~، [والفلاسفة تثبت اللذة العقلية، وأبو نصر الفارابي PageV05P390 # وأمثاله (1) من المتفلسفة يثبت الرؤية لله، ويفسرها بهذا المعنى] (2) . # وهذه اللذة أيضا ثابتة بعد الموت، لكنهم مقصرون في تحقيقها، وإثبات غيرها ~~من لذات الآخرة، كما هو مبسوط في موضعه. # وأما أبو المعالي، وابن عقيل، ونحوهما فينكرون أن يلتذ أحد بالنظر إليه. ~~وقال أبو المعالي: يمكن أن يحصل (3) مع النظر إليه لذة ببعض PageV05P391 # المخلوقات من الجنة، فتكون اللذة مع النظر بذلك المخلوق (1) . # وسمع ابن عقيل رجلا يقول: أسألك لذة النظر إلى وجهك. فقال: هب أن له وجها ~~أفتلتذ بالنظر إليه؟ ! . # وهذا ونحوه مما أنكر على ابن عقيل ; فإنه كان فاضلا ذكيا، وكان تتلون ~~آراؤه في هذه المواضع ; ولهذا يوجد في كلامه كثير مما يوافق فيه قول ~~المعتزلة والجهمية، وهذا من ذاك. # وكذلك أبو المعالي بنى هذا على أصل الجهمية الذي وافقهم فيه الأشعري ومن ~~وافقه، كالقاضي أبي بكر، والقاضي أبي يعلى وغيرهما: أن الله لا يحب ذاته، ~~ويزعمون أن الخلاف في ذلك مع الصوفية. # وهذا القول من بقايا أقوال جهم بن صفوان، وأول من عرف في الإسلام أنه ~~أنكر أن الله يحب أو يحب الجهم بن صفوان وشيخه الجعد بن درهم، وكذلك هو أول ~~من عرف أنه أنكر حقيقة تكليم الله لموسى وغيره، وكان جهم ينفي الصفات ~~والأسماء، ثم انتقل بعض (2) ذلك إلى المعتزلة وغيرهم ; فنفوا الصفات دون ~~الأسماء. # وليس هذا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها (3) ، بل كلهم متفقون على أن الله ~~يستحق أن يحب، وليس شيء أحق بأن يحب من الله سبحانه، بل لا يصلح أن يحب ~~غيره إلا ms1269 لأجله وكل ما يحبه المؤمن من طعام وشراب ولباس وغير ذلك لا ينبغي ~~أن يفعله إلا ليستعين به على عبادته PageV05P392 # سبحانه، المتضمنة لمحبته، فإن الله إنما خلق الخلق لعبادته، وخلق فيهم ~~الشهوات ليتناولوا بها ما يستعينون به (1) على عبادته، ومن لم يعبد الله ~~فإنه فاسد هالك، والله لا يغفر أن يشرك به فيعبد معه غيره، فكيف بمن عطل ~~عبادته فلم يعبده البتة كفرعون وأمثاله؟ ! . # وقد قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} ~~[سورة النساء: 48] ، [والتعطيل ليس دون الشرك، بل أعظم منه، فالمستكبرون عن ~~عبادته أعظم جرما من الذين يعبدونه ويعبدون معه غيره، وهو لا يغفر لهم، ~~فأولئك أولى (2) ، وما من مؤمن إلا وفي قلبه حب الله] (3) ، ولو أنكر ذلك ~~بلسانه. # وهؤلاء الذين أنكروا محبته من أهل الكلام - وهم مؤمنون - لو رجعوا إلى ~~فطرتهم التي فطروا عليها، واعتبروا أحوال قلوبهم عند عبادته ; لوجدوا في ~~قلوبهم من محبته ما لا يعبر عن قدره، وهم من أكثر الناس نظرا في العلم به ~~وبصفاته وذكره، وذلك كله من محبته (4) ، وإلا فما لا يحب لا تحرص النفوس ~~على ذكره إلا لتعلق حاجتها به ; ولهذا يقال: من أحب شيئا أكثر من ذكره. # والمؤمن يجد نفسه محتاجة إلى الله في تحصيل مطالبه، ويجد في قلبه محبة ~~الله غير هذا، فهو محتاج إلى الله من جهة أنه ربه، ومن جهة PageV05P393 # أنه إلهه، قال تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين} ، فلا بد أن يكون العبد ~~عابدا لله، ولا بد أن يكون مستعينا به ; ولهذا كان هذا فرضا على كل مسلم أن ~~يقوله في صلاته. # وهذه الكلمة بين العبد وبين الرب، وقد روي عن (1) الحسن البصري - رحمه ~~الله -: أن الله أنزل مائة كتاب وأربعة كتب، جمع سرها في الأربعة، وجمع سر ~~الأربعة في القرآن، وجمع سر (2) القرآن في الفاتحة، وجمع (3) سر الفاتحة في ~~هاتين الكلمتين: [ {إياك نعبد وإياك نستعين} ] (4) ; ولهذا ثناها الله [في ~~كتابه] (5) في غير موضع من القرآن، كقوله: {فاعبده وتوكل عليه ms1270} [سورة هود: ~~123] ، وقوله: {عليه توكلت وإليه أنيب} [سورة هود: 88] ، وقوله: {عليه ~~توكلت وإليه متاب} [سورة الرعد: 30] ، وقوله: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ~~- ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [سورة الطلاق: 2 - ~~3] وأمثال ذلك. # وهم يتأولون محبته على محبة عبادته وطاعته. # فيقال لهم: فيمتنع في الفطرة أن يحب الإنسان طاعة مطاع وعبادته، إلا أن ~~يكون محبا لله، وإلا فما لا يحب في نفسه (6) لا يحب الإنسان لا PageV05P394 # طاعته ولا عبادته، ومن كان إنما يحب الطاعة والعبادة للعوض المخلوق، فهو ~~لا يحب إلا ذلك العوض، ولا يقال: إن هذا يحب الله. # ألا ترى أن الكافر والظالم ومن يبغضه المؤمن قد يستأجر المؤمن على عمل ~~يعمله، فيعمل المؤمن لأجل ذلك العوض، ولا يكون المؤمن محبا للكافر ولا ~~للظالم إذا عمل له بعوض ; لأنه ليس مقصوده إلا العوض. فمن كان لا يريد من ~~الله إلا العوض على عمله، فإنه لا يحبه [قط] (1) إلا كما يحب الفاعل لمن ~~يستأجره (2) ويعطيه العوض [على عمله] (3) ، فإن كل محبوب، إما أن يحب ~~لنفسه، وإما أن يحب لغيره، فما أحب لغيره فالمحبوب في نفس الأمر هو ذلك ~~الغير، وأما هذا فإنما أحب لكونه وسيلة إلى المحبوب، والوسيلة قد تكون ~~مكروهة غاية الكراهة، لكن يتحملها (4) الإنسان لأجل المقصود، كما يتجرع ~~المريض الدواء الكريه لأجل محبته للعافية، ولا يقال: إنه يحب ذلك الدواء ~~الكريه. # فإن كان الرب سبحانه لا يحب إلا لما يخلقه من النعم، فإنه لا يحب، وقد ~~قال تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين ~~آمنوا أشد حبا لله} [سورة البقرة: 165] ، فأخبر أن المؤمنين أشد حبا لله من ~~المشركين، وأن المشركين يحبون الأنداد كحب الله. PageV05P395 # ومن المعلوم أن المشركين يحبون آلهتهم محبة قوية، كما قال تعالى: ~~{وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم} [سورة البقرة: 93] ، وهذا وإن كان يقال: ~~[إنه] (1) لما يظنونه فيهم من أنها تنفعهم، فلا ريب أن الشيء يحب لهذا ~~ولهذا، ولكن إذا ظن فيه أنه متصف بصفات ms1271 الكمال كانت محبته (2) أشد، مع قطع ~~النظر عن نفعه. # والحديث الذي يروى: " «أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني بحب ~~الله، وأحبوا أهل بيتي بحبي» " إسناده ضعيف (3) ; فإن الله يحب أن يحب ~~لذاته، وإن كانت محبته واجبة لإحسانه. # وقول القائل: المحبة للإحسان محبة العامة، وتلك محبة الخاصة - ليس بشيء، ~~بل كل مؤمن فإنه يحب الله لذاته، ولو أنكر ذلك بلسانه. ومن لم يكن الله ~~ورسوله أحب إليه مما سواهما لم يكن مؤمنا. ومن قال: إني لا أجد (4) هذه ~~المحبة في قلبي لله ورسوله، فأحد الأمرين لازم: إما أن يكون صادقا في هذا ~~الخبر، فلا يكون مؤمنا، فإن أبا جهل وأبا لهب PageV05P396 # وأمثالهما إذا قالوا ذلك كانوا صادقين في هذا الخبر، وهم كفار أخبروا عما ~~في نفوسهم من الكفر، مع أن هؤلاء في قلوبهم محبة الله (1) لكن مع الشرك به، ~~فإنهم اتخذوا من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله ; ولهذا أبغضوا الرسول ~~وعادوه ; لأنه دعاهم إلى عبادة الله وحده، ورفض ما يحبونه معه، فنهاهم أن ~~يحبوا شيئا كحبه (2) ، فأبغضوه على هذا. فقد يكون بعض هؤلاء المشركين الذين ~~اتخذوا من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله، يفضل ذلك الند على الله في ~~أشياء. وهؤلاء قد يعلمون أن الله أجل وأعظم، لكن تهوى نفوسهم ذلك الند ~~أكثر. # والرب تعالى إذا جعل من يحب الأنداد كحبه مشركين، فمن أحب الند أكثر كان ~~أعظم شركا وكفرا، كما قال تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله ~~فيسبوا الله عدوا بغير علم} [سورة الأنعام: 108] ، فلولا تعظيمهم لآلهتهم ~~على الله لما سبوا الله إذا سبت آلهتهم. # وقال تعالى: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله ~~بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو ~~يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون} [سورة الأنعام: 136] ، «وقال أبو سفيان يوم ~~أحد: أعل هبل أعل هبل. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ألا تجيبوه؟ ~~فقالوا: وما نقول؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل ms1272. وقال أبو سفيان: إن لنا ~~العزى، ولا عزى لكم. قال: ألا تجيبوه؟ قالوا: PageV05P397 # وما نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا، ولا مولى لكم» (1) . # ويوجد كثير من الناس يحلف بند جعله لله، وينذر له، ويوالي في محبته، ~~ويعادي من يبغضه، ويحلف به فلا يكذب، ويوفي بما نذره له (2) ، وهو يكذب إذا ~~حلف بالله، ولا يوفي بما نذره لله، ولا يوالي في محبة الله، ولا يعادي في ~~الله، كما يوالي ويعادي لذلك الند. # فمن قال: إني لا أجد في قلبي أن الله أحب إلي مما سواه، فأحد الأمرين ~~لازم: إما أن يكون صادقا فيكون كافرا مخلدا في النار، من الذين اتخذوا من ~~دون الله أندادا يحبونهم كحب الله، وإما أن يكون غالطا في قوله: لا أجد في ~~قلبي هذا. # والإنسان قد يكون في قلبه معارف وإرادات، ولا يدري أنها في قلبه، فوجود ~~الشيء في القلب شيء، والدراية به شيء آخر ; ولهذا يوجد الواحد من هؤلاء ~~يطلب تحصيل ذلك في قلبه، وهو حاصل في قلبه، فتراه يتعب تعبا كثيرا لجهله، ~~وهذا كالموسوس (3) في الصلاة ; فإن كل من فعل فعلا باختياره، وهو يعلم ما ~~يفعله (4) ، فلا بد أن ينويه، ووجود ذلك بدون النية - التي هي الإرادة - ~~ممتنع، فمن كان يعلم أنه يقوم إلى الصلاة فهو يريد الصلاة، ولا يتصور أن ~~يصلي إلا وهو يريد الصلاة (5) ، PageV05P398 # فطلب مثل هذا لتحصيل النية من جهله بحقيقة النية ووجودها في نفسه. # وكذلك من كان يعلم أن غدا من رمضان، وهو مسلم يعتقد وجوب الصوم، وهو مريد ~~للصوم (1) ، فهذا نية الصوم. وهو حين يتعشى يتعشى عشاء من يريد الصوم، ~~ولهذا يفرق بين عشاء ليلة العيد، وعشاء ليالي شهر رمضان، فليلة العيد يعلم ~~أنه لا يصوم، فلا يريد الصوم ولا ينويه، ولا يتعشى عشاء من يريد الصوم. # وهذا مثل الذي يأكل ويشرب، ويمشي ويركب، ويلبس، إذا كان يعلم أنه يفعل ~~هذه الأفعال، فلا بد أن يريدها، وهذه نيتها، فلو قال بلسانه: أريد أن أضع ~~يدي في هذا الإناء لآخذ لقمة آكلها ms1273، كان أحمق عند الناس. فهكذا من يتكلم ~~بمثل هذه الألفاظ في نية الصلاة والطهارة والصيام (2) . ومع هذا فتجد خلقا ~~كثيرا من الموسوسين بعلم وعبادة يجتهد في تحصيل هذه النية أعظم مما يجتهد ~~من يستخرج ما في قعر معدته من القيء، أو من يبتلع الأدوية الكريهة. # وكذلك كثير من المعارف، قد يكون في نفس الإنسان ضروريا وفطريا، وهو يطلب ~~الدليل عليه ; لإعراضه عما في نفسه، وعدم شعوره بشعوره. # فهكذا كثير من المؤمنين يكون في قلبه محبة لله ورسوله، وقد نظر في كلام ~~الجهمية والمعتزلة نفاة المحبة، واعتقد ذلك قولا صحيحا ; لما ظنه من صحة ~~شبهاتهم، أو تقليدا لهم، فصار يقول بموجب ذلك الاعتقاد، PageV05P399 # وينكر ما في نفسه. # فإن نافي محبة الله يقول: المحبة لا تكون إلا لما يناسب المحبوب، ولا ~~مناسبة بين القديم والمحدث، وبين الواجب والممكن، وبين الخالق والمخلوق. # فيقال: لفظ المناسبة لفظ مجمل، فإنه يقال: لا مناسبة بين كذا وكذا، أي ~~أحدهما أعظم من الآخر، فلا ينسب هذا إلى هذا. كما يقال: لا نسبة لمال فلان ~~إلى مال فلان، ولا نسبة لعلمه أو جوده أو ملكه [إلى علم فلان وجود فلان ~~وملك فلان،] (1) يراد به أن هذه النسبة حقيرة صغيرة كلا نسبة، كما يقال: لا ~~نسبة للخردلة إلى الجبل، ولا نسبة للتراب إلى رب الأرباب. # فإذا أريد بأنه لا نسبة للمحدث إلى القديم هذا المعنى ونحوه، فهو صحيح، ~~وليست المحبة مستلزمة لهذه النسبة، وإن أريد أن ليس في القديم معنى يحبه ~~لأجله المحدث، فهذا رأس المسألة، فلم قلت: إنه ليس بين المحدث والقديم ما ~~يحب المحدث القديم لأجله؟ ولم قلت: إن القديم ليس متصفا بمحبة ما يحبه من ~~مخلوقاته؟ # والمحبة لا تستلزم نقصا، بل هي صفة كمال، بل هي أصل الإرادة. فكل إرادة ~~فلا بد أن تستلزم محبة؛ فإن الشيء إنما يراد ; لأنه محبوب، أو لأنه وسيلة ~~إلى المحبوب. ولو قدر عدم المحبة لامتنعت الإرادة ; فإن المحبة لازمة ~~للإرادة، فإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم، وكذلك المحبة PageV05P400 # مستلزمة للإرادة، فمن ms1274 أحب شيئا فلا بد أن يتضمن حبه إياه، إرادة لبعض ~~متعلقاته. # ولهذا كان خلقه تعالى لمخلوقاته لحكمة (1) ، والحكمة مرادة محبوبة. فهو ~~خلق ما خلق لمراد محبوب كما تقدم، وهو سبحانه يحب عباده المؤمنين، فيريد ~~الإحسان إليهم، وهم يحبونه فيريدون عبادته (2) [وطاعته] . # و [قد ثبت] في الصحيحين (3) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ~~«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» " (4) وما ~~من مؤمن إلا وهو يجد في قلبه للرسول من المحبة ما لا يجد (5) لغيره، حتى ~~أنه إذا سمع محبوبا له - من أقاربه وأصدقائه (6) - يسب الرسول، هان عليه ~~عداوته ومهاجرته، بل وقتله لحب الرسول، وإن لم يفعل ذلك لم يكن مؤمنا. # قال تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ~~ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في ~~قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه} [سورة المجادلة: 22] ، [بل قد] . ~~PageV05P401 # قال تعالى (1) : {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم ~~وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ~~ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره} [سورة التوبة: 24] ، ~~فتوعد من كان الأهل والمال أحب إليه من الله ورسوله والجهاد في سبيله. # وفي الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «ثلاث من كن فيه وجد ~~بهن (2) حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان ~~يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه ~~الله منه كما يكره أن يلقى في النار» " (3) . # فوجود حلاوة الإيمان في القلب لا تكون من محبة العوض الذي لم يحصل بعد، ~~بل الفاعل الذي لا يعمل إلا للكراء لا يجد حال العمل إلا التعب والمشقة وما ~~يؤلمه، فلو كان لا معنى لمحبة الله ورسوله إلا محبة PageV05P402 # ما سيصير إليه العبد من الأجر، لم يكن هنا حلاوة إيمان يجدها العبد في ~~قلبه وهو في دار التكليف والامتحان، وهذا خلاف الشرع ms1275 وخلاف الفطرة التي فطر ~~الله عليها قلوب عباده. # فقد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «كل ~~مولود يولد على الفطرة» " (1) وفي صحيح مسلم عنه أنه قال: " «يقول الله ~~تعالى: خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، ~~وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا» " (2) . # فالله فطر عباده على الحنيفية ملة إبراهيم، وأصلها محبة الله وحده، فما ~~من فطرة لم تفسد إلا وهي تجد فيها محبة الله تعالى، لكن قد تفسد الفطرة إما ~~لكبر وغرض فاسد (3) كما في فرعون. وإما بأن يشرك معه غيره في المحبة. # كما قال تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله} ~~[سورة البقرة: 165] . # وأما أهل التوحيد الذين يعبدون الله مخلصين له الدين، فإن في PageV05P403 # قلوبهم محبة الله، لا يماثله فيها غيره. ولهذا كان الرب محمودا حمدا ~~مطلقا على كل ما فعله، وحمدا خاصا على إحسانه إلى الحامد، فهذا حمد الشكر، ~~والأول حمده (1) على كل ما فعله. # كما قال: {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور} ~~[سورة الأنعام: 1] ، {الحمد لله فاطر السماوات والأرض} الآية [سورة فاطر: ~~1] . # والحمد ضد الذم. والحمد خبر بمحاسن المحمود مقرون بمحبته، والذم خبر ~~بمساوئ المذموم مقرون ببغضه ; فلا يكون حمد لمحمود إلا مع محبته، ولا يكون ~~ذم لمذموم إلا مع بغضه، وهو سبحانه له الحمد في الأولى والآخرة. # وأول ما نطق به آدم: [الحمد لله رب العالمين] (2) ، وأول ما سمع من ربه: ~~يرحمك ربك، وآخر دعوى أهل الجنة: أن الحمد لله رب العالمين، وأول من يدعى ~~إلى الجنة الحمادون، ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - صاحب لواء الحمد، ~~آدم فمن دونه تحت لوائه، وهو صاحب المقام المحمود، الذي يغبطه به الأولون ~~والآخرون. # فلا تكون عبادة إلا بحب المعبود (3) ، [ولا يكون حمد إلا بحب المحمود] ~~(4) ، وهو سبحانه المعبود المحمود. PageV05P404 # وأول نصف الفاتحة الذي للرب حمده، وآخره عبادته، أوله: {الحمد لله رب ~~العالمين} ، وآخره: {إياك نعبد} . كما ثبت في حديث ms1276 القسمة: " يقول الله - ~~تبارك وتعالى -: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي، ونصفها ~~لعبدي، ولعبدي ما سأل. يقول العبد: {الحمد لله رب العالمين} ; فيقول الله: ~~حمدني عبدي، يقول العبد: {الرحمن الرحيم} ، فيقول الله تعالى: أثنى علي ~~عبدي، يقول العبد: {مالك يوم الدين} فيقول الله - تبارك وتعالى -: مجدني ~~عبدي، يقول العبد: {إياك نعبد وإياك نستعين} ، فيقول الله تعالى: هذه الآية ~~بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل. يقول العبد: {اهدنا الصراط المستقيم} إلى ~~آخر السورة. يقول الله تعالى: هؤلاء (1) لعبدي، ولعبدي ما سأل» رواه مسلم ~~[في صحيحه] (2) . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «أفضل ما قلت: أنا ~~والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، ~~وهو على كل شيء قدير» " (3) فجمع بين التوحيد PageV05P405 # والتحميد. كما قال تعالى: {فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب ~~العالمين} [سورة غافر 65] . # وكان ابن عباس يقول: إذا قلت: لا إله إلا الله، فقل: الحمد لله رب ~~العالمين، يتأول هذه الآية (1) . # وفي سنن ابن ماجه وغيره، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ~~«أفضل الذكر: لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء: الحمد لله» " (2) . ~~PageV05P406 # وفي السنن عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «كل أمر ذي بال لا يبدأ ~~فيه بالحمد لله فهو أجذم» " (1) . # وقال أيضا: " «كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء» " (2) . ~~PageV05P407 # فلا بد في الخطب (1) من الحمد لله ومن توحيده ; ولهذا كانت الخطب في ~~الجمع والأعياد وغير ذلك مشتملة على هذين الأصلين، وكذلك التشهد في آخر ~~الصلاة أوله ثناء على الله، وآخره الشهادتان، ولا يكون الثناء إلا على ~~محبوب، ولا التأله إلا لمحبوب، وقد بسطنا (2) الكلام في حقائق هذه الكلمات ~~في مواضع متعددة. # وإذا كان العباد يحمدونه ويثنون عليه ويحبونه، فهو (3) سبحانه أحق بحمد ~~نفسه والثناء على نفسه والمحبة لنفسه، كما قال أفضل الخلق: " «لا أحصي ثناء ~~عليك أنت كما أثنيت على نفسك» " (4) فلا ثناء من مثن أعظم من ثناء الرب على ~~نفسه، ولا ثناء إلا بحب ms1277، ولا حب من محبوب لمحبوب أعظم من محبة الرب لنفسه، ~~وكل ما يحبه من عباده فهو تابع لحبه لنفسه، فهو يحب المقسطين والمحسنين، ~~والصابرين والمؤمنين، ويحب التوابين، ويحب المتطهرين، ويفرح بتوبة ~~التائبين، كل ذلك تبعا لمحبته لنفسه (5) ; فإن المؤمن إذا كان يحب ما يحبه ~~من المخلوقات لله ; فيكون حبه للرسول والصالحين تبعا لحبه لله، فكيف الرب ~~تعالى فيما يحبه من مخلوقاته؟ ! . # إنما يحبه تبعا لحبه لنفسه (6) ، وخلق المخلوقات لحكمته التي يحبها. ~~PageV05P408 # فما خلق شيئا إلا لحكمة، وهو سبحانه قد قال: {أحسن كل شيء خلقه} [سورة ~~السجدة: 7] ، وقال: {صنع الله الذي أتقن كل شيء} [سورة النمل: 88] . # وليس في أسمائه الحسنى إلا اسم يمدح به ; ولهذا كانت كلها حسنى، والحسنى ~~بخلاف السوأى، فكلها حسنة، والحسن محبوب ممدوح. # فالمقصود بالخلق ما يحبه ويرضاه، وذلك أمر ممدوح، ولكن قد يكون من لوازم ~~ذلك ما يريده ; لأنه من لوازم ما يحبه ووسائله، فإن وجود الملزوم بدون ~~اللازم ممتنع، كما يمتنع وجود العلم والإرادة بلا حياة، ويمتنع وجود ~~المولود -[مع كونه مولودا] (1) - بلا ولادة. # وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح، حديث الاستفتاح: ~~" «والخير كله (2) بيديك، والشر ليس إليك» " (3) وقد قيل: في تفسيره لا ~~يتقرب به إليك بناء على أنه الأعمال المنهي عنها، وقد قيل: PageV05P409 # لا يضاف إليك بناء على أنه المخلوق. # والشر المخلوق لا يضاف إلى الله مجردا عن الخير [قط] (1) ، وإنما يذكر ~~على أحد وجوه ثلاثة: إما مع إضافته إلى المخلوق، كقوله: {من شر ما خلق} ~~[سورة الفلق: 2] ، وإما مع حذف الفاعل، كقوله تعالى: {وأنا لا ندري أشر ~~أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا} [سورة الجن: 10] . # ومنه في الفاتحة: {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا ~~الضالين} [سورة الفاتحة: 7] ، فذكر الإنعام مضافا إليه، وذكر الغضب محذوفا ~~فاعله، وذكر الضلال مضافا إلى العبد. # وكذلك قوله: {وإذا مرضت فهو يشفين} [سورة الشعراء: 80] . # وإما أن يدخل في العموم كقوله: {خالق كل شيء} [سورة الأنعام: 102] ; ~~ولهذا إذا ذكر باسمه الخاص قرن ms1278 بالخير، كقوله في أسمائه الحسنى: الضار، ~~النافع، المعطي، المانع، [الخافض، الرافع، المعز، المذل، فجمع (2) بين ~~الاسمين لما فيه من العموم (3) والشمول الدال على وحدانيته، وأنه وحده يفعل ~~جميع هذه الأشياء ; ولهذا لا يدعى بأحد الاسمين: كالضار، والنافع، والخافض، ~~والرافع، بل يذكران جميعا] (4) . ولهذا كان كل نعمة منه فضلا، وكل نقمة منه ~~عدلا. PageV05P410 # وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «يمين الله ~~ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات ~~والأرض، فإنه لم يغض ما في يمينه؟ والقسط بيده الأخرى يخفض ويرفع» " (1) ، ~~فالإحسان بيده اليمنى، والعدل بيده الأخرى، وكلتا يديه يمين مباركة. # كما [ثبت] في الصحيح (2) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ~~«المقسطون عند الله يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن، وكلتا ~~يديه يمين، الذي يعدلون في أهليهم وما ولوا» " (3) ، ولبسط هذا موضع آخر. # والمقصود هنا أنه سبحانه إذا خلق ما يبغضه ويكرهه، لحكمة يحبها ويرضاها، ~~فهو مريد لكل ما خلقه، وإن كان بعض مخلوقاته إنما خلقه لغيره، وهو يبغضه ~~ولا يحبه. # وهذا الفرق بين المحبة والمشيئة هو مذهب السلف وأهل الحديث والفقهاء، ~~وأكثر متكلمي أهل السنة، كالحنفية والكرامية (4) ، PageV05P411 # والمتقدمين من الحنبلية والمالكية والشافعية، كما ذكر ذلك [أبو بكر] (1) ~~: عبد العزيز في كتاب " المقنع "، وهو أحد قولي الأشعري، وعليه اعتمد أبو ~~الفرج بن الجوزي، ورجحه على قول من قال: لا يحب الفساد للمؤمن، أو لا يحبه ~~دينا. # وذكر أبو المعالي أن هذا قول السلف، وأن أول من جعلهما (2) سواء من أهل ~~الإثبات هو أبو الحسن. # والذين قالوا: هذا من متأخري المالكية والشافعية والحنبلية، كأبي ~~المعالي، والقاضي أبي يعلى وغيرهما، هم في ذلك تبع للأشعري، وبهذا الفرق ~~يظهر أن الإرادة نوعان: إرادة أن يخلق، وإرادة لما أمر به. [فأما المأمور ~~به] (3) فهو مراد إرادة شرعية دينية، [متضمنة] (4) أنه يحب ما أمر به ~~ويرضاه. # وهذا معنى قولنا: يريد (5) من عبده، فهو يريده له كما يريد الأمر الناصح ~~للمأمور المنصوح، يقول ms1279: هذا خير لك، وأنفع [لك] (6) ، وهو إذا فعله أحبه ~~الله ورضيه، والمخلوقات مرادة إرادة خلقية كونية، وهذه الإرادة متضمنة لما ~~وقع دون ما لم يقع، وقد يكون الشيء مرادا له غير محبوب، بل أراده لإفضائه ~~إلى وجود ما هو محبوب له، أو لكونه شرطا في وجود ما هو محبوب له. ~~PageV05P412 # فهذه الإرادة الخلقية هي المذكورة في قوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه ~~يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} [سورة الأنعام: ~~125] . # وفي قوله: {ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن ~~يغويكم هو ربكم} [سورة هود: 34] . # وفي قول المسلمين: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. # وفي قوله: {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها} [سورة السجدة: 13] ، وأمثال ~~ذلك. # والإرادة الأمرية هي المذكورة في قوله: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد ~~بكم العسر} [سورة البقرة: 185] . # وفي قوله: {والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن ~~تميلوا ميلا عظيما - يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا} [سورة ~~النساء: 27 - 28] ، وفي قوله: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ~~ليطهركم وليتم نعمته عليكم} [سورة المائدة: 6] ، وأمثال ذلك. # وإذا قيل: الأمر هل يستلزم الإرادة، أم يأمر بما لا يريد؟ # قيل: هو لا يستلزم الإرادة الأولى، وهي (1) : إرادة الخلق. فليس كل ما ~~أمر الله به أراد أن يخلقه، وأن يجعل العبد المأمور فاعلا له. # والقدرية تنفي أن يريد ذلك ; لأنه عندهم لا يجعل أحدا فاعلا، ولا ~~PageV05P413 # يخلق فعل أحد. # وأما أهل السنة فعندهم هو الذي جعل الأبرار أبرارا، والمسلمين مسلمين، ~~وعندهم من أمره وجعله فاعلا للمأمور صار فاعلا له، وإن لم يجعله فاعلا [له] ~~(1) لم يصر فاعلا له (2) فأهل الإيمان والطاعة أراد منهم إيمانهم وطاعتهم ~~أمرا وخلقا، فأمرهم بذلك وأعانهم عليه، وجعلهم فاعلين لذلك (3) ، ولولا ~~إعانته لهم على طاعته لما أطاعوه. وأهل الكفر والمعصية أمرهم ولم يجعلهم ~~مطيعين، فلم يرد أن يخلق طاعتهم، لكنه أمرهم بها وأرادها منهم إرادة ms1280 شرعية ~~دينية ; لكونها منفعة لهم ومصلحة إذا فعلوها، ولم يرد هو أن يخلقها لما في ~~ذلك من الحكمة، وإذا كان يحبها بتقدير وجودها، فقد يكون ذلك مستلزما لأمر ~~يكرهه، أو لفوات ما هو أحب إليه منه، ودفعه أحب إليه من حصول ذلك المحبوب، ~~فيكون ترك هذا المحبوب لدفع المكروه أحب إليه من وجوده، كما أن وجود ~~المكروه المستلزم لوجود المحبوب يجعله مرادا لأجله، إذا كان محبته له أعظم ~~من محبته لعدم المكروه الذي هو الوسيلة (4) . # وليس كل من نصحته بقولك عليك أن تعينه على الفعل الذي أمرته به. ~~فالأنبياء والصالحون دائما ينصحون الناس ويأمرونهم، ويدلونهم على ما إذا ~~فعلوه كان صلاحا لهم، ولم يعاونونهم على أفعالهم، وقد يكونون قادرين، لكن ~~مقتضى حكمتهم أن لا يفعلوا ذلك لأسباب متعددة. PageV05P414 # والرب تعالى على كل شيء قدير، لكن ما من شيء إلا وله ضد ينافيه، وله لازم ~~لا بد منه ; فيمتنع وجود الضدين معا، أو وجود الملزوم بدون اللازم، كل من ~~الضدين مقدور لله، والله قادر على أن يخلقه، لكن بشرط عدم الآخر، فأما وجود ~~الضدين معا فممتنع (1) لذاته، فلا يلزم من كونه قادرا على كل منهما وجود ~~أحدهما مع الآخر. # والعباد قد لا يعلمون التنافي أو التلازم، فلا يكونون عالمين بالامتناع ; ~~فيظنونه ممكن الوجود، مع حصول المحبوب المطلوب (2) للرب، وفرق بين العلم ~~بالإمكان [وعدم العلم بالامتناع، وإنما عندهم عدم العلم بالامتناع، لا ~~العلم بالإمكان] (3) والعدم لا فاعل له، فأتوا من عدم علمهم، وهو الجهل ~~الذي هو أصل الكفر (4) . # وهو سبحانه إذا اقتضت حكمته خلق شيء، فلا بد من خلق لوازمه ونفي أضداده، ~~فإذا قال القائل: لم لم يجعل (5) معه الضد المنافي؟ أو لم وجد اللازم؟ كان ~~لعدم علمه بالحقائق. # وهذا مثل أن يقول القائل: هلا خلق زيدا قبل أبيه؟ . # فيقال له: يمتنع أن يكون ابنه ويخلق قبله، أو يخلق حتى يخلق أبوه، والناس ~~تظهر لهم الحكمة في كثير من تفاصيل الأمور التي يتدبرونها، كما تظهر لهم ~~الحكمة في ملوحة ماء العين، وعذوبة ms1281 ماء الفم، ومرارة PageV05P415 # ماء الأذن، وملوحة ماء البحر. وذلك يدلهم على الحكمة فيما لم يعلموا ~~حكمته، فإن من رأى إنسانا بارعا في النحو أو الطب أو الحساب أو الفقه، وعلم ~~أنه أعلم منه بذلك، إذا أشكل عليه بعض كلامه فلم يفهمه، سلم ذلك إليه. # فرب العالمين الذي بهرت العقول حكمته ورحمته، الذي أحاط بكل شيء علما، ~~وأحصى كل شيء عددا، وهو أرحم الراحمين، وأحكم الحاكمين، وأرحم بعباده من ~~الوالدة بولدها، كيف لا يجب على العبد أن يسلم ما جهله (1) من حكمته إلى ما ~~علمه منها؟ ! . # وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع، والمقصود هنا التنبيه على ~~المختلفين في الكتاب، الذين يرد كل منهم قول الآخر، وفي كلام كل منهم حق ~~وباطل، وقد ذكرنا مثالين: مثالا في الأسماء والأحكام والوعد والوعيد، ~~ومثالا في الشرع والقدر. ### | [الكلام على أن القرآن كلام الله غير مخلوق] # ونذكر مثالا ثالثا في القرآن ; فإن الأئمة والسلف اتفقوا على أن القرآن ~~كلام الله غير مخلوق، بل هو الذي تكلم به بقدرته ومشيئته، لم يقل أحد منهم ~~إنه مخلوق، ولا إنه قديم. # وصار المختلفون بعدهم على قولين: قوم (2) يقولون: هو مخلوق خلقه [الله] ~~في غيره (3) ، والله لا يقوم به كلام، ويقولون: الكلام صفة فعل لا صفة ذات، ~~ومرادهم بالفعل ما كان منفصلا عن الفاعل غير قائم به، وهذا لا يعقل أصلا، ~~ولا يعرف متكلم لا يقوم به كلامه. PageV05P416 # وقوم يقولون: بل هو قديم لم يزل قائما بالذات أزلا وأبدا، لا يتكلم لا ~~بقدرته ولا مشيئته، ولم يزل نداؤه لموسى أزليا، وكذلك قوله: يا إبراهيم، يا ~~موسى، يا عيسى. # ثم صار هؤلاء حزبين: حزبا عرفوا أن ما كان قديما لم يزل يمتنع أن يكون ~~حروفا، أو حروفا وأصواتا ; فإن الحروف متعاقبة: الباء قبل السين، والصوت لا ~~يبقى، بل يكون شيئا بعد شيء كالحركة ; فيمتنع أن يكون الصوت الذي سمعه موسى ~~قديما لم يزل ولا يزال ; فقالوا: كلامه معنى واحد قائم بذاته: هو الأمر بكل ~~مأمور، والنهي عن كل منهي ms1282 عنه، والخبر بكل ما أخبر به، إن عبر عنه بالعربية ~~كان قرآنا، وإن عبر عنه بالعبرانية (1) كان توراة، وإن عبر عنه بالسريانية ~~(2) كان إنجيلا، وأن ذلك المعنى هو أمر بكل ما أمر به، وهو نهي عن كل ما ~~نهى عنه، وهو خبر بكل ما أخبر به. وكونه أمرا، ونهيا، وخبرا صفات له ~~إضافية، مثل قولنا: زيد أب وعم وخال، ليست أنواعا له، ولا ينقسم الكلام إلى ~~هذا وهذا. # قالوا: والله لم يتكلم بالقرآن العربي، ولا بالتوراة العبرانية (3) ، ولا ~~بالإنجيل السريانية، ولا سمع موسى ولا غيره منه بأذنه صوتا، ولكن القرآن ~~العربي خلقه الله في غيره، أو أحدثه جبريل أو محمد، ليعبر به عما يراد ~~إفهامه من ذلك المعنى (4) الواحد. PageV05P417 # فقال لهم جمهور الناس: هذا القول مخالف لصريح المعقول وصحيح المنقول، ~~فإنا نعلم بالاضطرار أن معنى آية الكرسي ليس هو معنى آية الدين، ولا معنى: ~~{قل هو الله أحد} ، هو معنى: {تبت يدا أبي لهب} ، وقد عرب الناس التوراة ~~فوجدوا فيها معاني ليست هي المعاني التي في القرآن، ونحن نعلم قطعا أن ~~المعاني التي أخبر الله بها في القرآن في قصة بدر وأحد والخندق ونحو ذلك، ~~لم ينزلها الله على موسى بن عمران، كما لم ينزل على محمد تحريم السبت، ولا ~~الأمر بقتال عباد العجل، فكيف يكون كل كلام الله معنى واحدا (1) ؟ ! . # ونحن نعلم بالاضطرار أن الكلام معانيه وحروفه تنقسم إلى خبر وإنشاء، ~~والإنشاء منه الطلب، والطلب ينقسم إلى أمر ونهي، وحقيقة الطلب غير حقيقة ~~الخبر، فكيف لا تكون هذه أقسام الكلام وأنواعه، بل هو موصوف بها كلها؟ ! . # (* وأيضا فالله تعالى يخبر أنه [لما] (2) أتى موسى الشجرة ناداه، فناداه ~~في ذلك الوقت، لم يناده في الأزل، وكذلك قال: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم ~~قلنا للملائكة *) (3) اسجدوا لآدم} ) . [سورة الأعراف: 11] . # وقال: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} ~~[سورة آل عمران: 59] . # وقال: {وإذ قال ربك للملائكة} [سورة البقرة: 30] إلى مواضع كثيرة من ~~PageV05P418 # القرآن تبين ms1283 أنه تكلم بالكلام المذكور في ذلك الوقت، فكيف يكون أزليا ~~أبديا، ما زال ولا يزال؟ ! وكيف يكون لم يزل ولا يزال؟ ! قائلا: {يانوح ~~اهبط بسلام منا} [سورة هود: 48] ، {ياعيسى إني متوفيك ورافعك إلي} [سورة آل ~~عمران: 55] ، يا موسى: {إنني أنا الله لا إله إلا أنا} [سورة طه: 14] ، ~~{ياأيها المزمل - قم الليل إلا قليلا} [سورة المزمل: آية 1 - 2] . # وقال هؤلاء: هذا القرآن العربي ليس هو كلام الله. وقال هؤلاء: كلام الله ~~لا يتعدد ولا يتبعض. # فقال لهم الناس: موسى لما كلمه الله أفهمه كلامه كله أو بعضه؟ إن قلتم: ~~كله ; فقد صار موسى يعلم علم الله، وإن قلتم: بعضه ; فقد تبعض، وهو عندكم ~~واحد لا يتبعض. # وكذلك هذا القرآن العربي هو عندكم ليس كلام الله، ولكنه عبارة عنه، أفهو ~~عبارة عن كله؟ فهذا ممتنع أم عن بعضه؟ فهذا ممتنع أيضا، إلى كلام آخر يطول ~~ذكره هنا. # وقال الحزب الثاني لما رأوا فساد هذا القول:، بل نقول: إن القرآن قديم، ~~وإنه حروف، أو حروف وأصوات، وإن هذا القرآن العربي كلام الله، كما دل على ~~ذلك القرآن والسنة وإجماع المسلمين. # وفي القرآن مواضع كثيرة تبين أن هذا المنزل هو القرآن، وهو كلام الله، ~~وأنه عربي. # وأخذوا يشنعون على أولئك إنكارهم (1) أن يكون هذا كلام الله ; فإن ~~PageV05P419 # أولئك أثبتوا قرآنين: قرآنا قديما، وقرآنا مخلوقا. فأخذ هؤلاء يشنعون على ~~أولئك بإثبات قرآنين. # فقال لهم أولئك: فأنتم إذا جعلتم القرآن العربي - وهو قديم - كلام الله، ~~لزم أن يكون مخلوقا، وكنتم موافقين للمعتزلة ; فإن قولكم: إن القرآن العربي ~~قديم. ممتنع في صرائح العقول، ولم يقل ذلك أحد من السلف، ونحن وجميع ~~الطوائف ننكر عليكم هذا القول، ونقول: إنكم ابتدعتموه وخالفتم به المعقول ~~والمنقول، وإلا فكيف تكون السين المعينة المسبوقة بالباء المعينة قديمة ~~أزلية (1) ، وتكون الحروف المتعاقبة قديمة، والصوت (2) الذي كان في هذا ~~الوقت قديما؟ ! . # ولم يقل هذا أحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم، وإن كان بعض المتأخرين من ~~أصحاب مالك والشافعي وأحمد يقولونه، ويقوله ابن سالم وأصحابه (3) ، وطائفة ms1284 ~~من أهل الكلام والحديث ; فليس في هؤلاء أحد من السلف، وإن كان الشهرستاني ~~ذكر في " نهاية الإقدام " أن هذا قول السلف والحنابلة، فليس هو قول السلف، ~~ولا قول أحمد بن حنبل، ولا أصحابه القدماء، ولا جمهورهم. # فصار كثير من هؤلاء الموافقين للسالمية، وأولئك الموافقين للكلابية، ~~بينهم منازعات ومخاصمات، بل وفتن، وأصل ذلك قولهم جميعا: إن PageV05P420 # القرآن قديم. وهي أيضا بدعة لم يقلها أحد من السلف، وإنما السلف كانوا ~~يقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود (1) ، وكان قولهم ~~أولا: إنه كلام الله كافيا (2) عندهم. فإن ما كان كلاما لمتكلم لا يجوز أن ~~يكون منفصلا عنه، فإن هذا مخالف للمعقول والمنقول في الكلام، وفي جميع ~~الصفات يمتنع أن يوصف الموصوف بصفة لا تكون قط قائمة به، بل لا تكون إلا ~~بائنة عنه. # وما يزعمه الجهمية والمعتزلة من أن كلامه وإرادته، ومحبته وكراهته، ورضاه ~~وغضبه، وغير ذلك - كل ذلك مخلوقات له منفصلة عنه ; هو مما أنكره السلف ~~عليهم وجمهور الخلف، بل قالوا: إن هذا من الكفر الذي يتضمن تكذيب الرسول ~~(3) ، وجحود ما يستحقه الله من صفاته. # وكلام السلف في رد هذا القول، بل (4) وإطلاق الكفر عليه، كثير منتشر. ~~وكذلك لم يقل السلف: [إن] (5) غضبه على فرعون وقومه قديم، ولا أن فرحه ~~بتوبة التائب قديم. # وكذلك سائر ما وصف به نفسه من الجزاء لعباده على الطاعة والمعصية، من ~~رضاه وغضبه، لم يقل أحد منهم: إنه قديم ; فإن الجزاء لا يكون قبل العمل. ~~PageV05P421 # والقرآن صريح بأن أعمالهم كانت سببا لذلك كقوله: {فلما آسفونا انتقمنا ~~منهم} [سورة الزخرف: 55] ، وقوله: {ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا ~~رضوانه فأحبط أعمالهم} [سورة محمد: 28] ، وقوله: {قل إن كنتم تحبون الله ~~فاتبعوني يحببكم الله} [سورة آل عمران: 31] ، وأمثال ذلك. # بل قد ثبت في الصحيحين (1) من حديث الشفاعة أن كلا من الرسل يقول: " «إن ~~ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله» " (2) . # وفي الصحيحين عن زيد بن خالد قال: «صلى بنا رسول الله ms1285 - صلى الله عليه ~~وسلم - صلاة الصبح في إثر سماء كانت من الليل، فلما انفتل من صلاته قال (3) ~~: " أتدرون ماذا قال ربكم الليلة؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: " فإنه ~~قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي، فمن قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فهو ~~مؤمن بي، كافر بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فهو كافر بي، مؤمن ~~بالكوكب» " (4) . PageV05P422 # وفي الصحيح (1) عنه - صلى الله عليه وسلم -: «يقول الله تعالى: " ولا ~~يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه» (2) . # وفي القرآن والحديث من هذا ما يطول ذكره. وقد بسطنا هذا في كتاب " درء ~~(3) تعارض العقل والنقل " وغيره. # وقد أخبر الله تعالى في القرآن بندائه لعباده في أكثر من عشرة مواضع. ~~والنداء لا يكون إلا صوتا باتفاق أهل اللغة وسائر الناس. والله أخبر: أنه ~~نادى موسى حين جاء الشجرة، فقال: {فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن ~~حولها وسبحان الله رب العالمين} [سورة النمل: 8] ، {فلما أتاها نودي ياموسى ~~- إني أنا ربك} [سورة طه: 11 - 12] ، {فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي ~~الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة} [سورة القصص: 30] ، {وإذ نادى ربك ~~موسى أن ائت القوم الظالمين} [سورة الشعراء: 10] ، {وناديناه من جانب الطور ~~الأيمن} [سورة مريم: 52] {هل أتاك حديث موسى - إذ ناداه ربه بالوادي المقدس ~~طوى} [سورة النازعات: 15 - 16] ، {وما كنت بجانب الطور إذ نادينا} [سورة ~~القصص: 46] ، {ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون} [سورة ~~القصص: 62 - 74] PageV05P423 # [في موضعين] (1) {ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين} [سورة القصص: ~~65] ، {وناداهما ربهما} [سورة الأعراف: 22] . # فمن قال: إنه لم يزل مناديا من الأزل إلى الأبد، فقد خالف القرآن والعقل، ~~ومن قال: إنه بنفسه (2) لم يناد، ولكن خلق نداء في شجرة أو غيرها ; لزم أن ~~تكون الشجرة هي القائلة: إني أنا الله. وليس هذا كقول الناس: نادى الأمير، ~~إذ أمر مناديا ; فإن المنادي عن الأمير يقول: أمر الأمير بكذا، ورسم ~~السلطان بكذا، لا يقول: أنا أمرتكم. ولو قال ذلك لأهانه الناس. # والمنادي قال لموسى: {إنني أنا الله لا إله إلا ms1286 أنا فاعبدني} [سورة طه: ~~14] ، {إني أنا الله رب العالمين} [سورة القصص: 30] ، وهذا لا يجوز أن ~~يقوله ملك إلا إذا بلغه عن الله، كما نقرأ نحن القرآن، والملك إذا أمره ~~الله بالنداء قال كما [ثبت] في الصحيح (3) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~أنه قال: " «إذا أحب الله عبدا نادى جبريل: إني أحب فلانا فأحبه، ثم ينادي ~~جبريل في السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه» " (4) فجبريل إذا PageV05P424 # نادى في السماء قال: إن الله يحب فلانا فأحبوه، والله إذا نادى جبريل ~~يقول: يا جبريل إني أحب فلانا. # ولهذا لما نادت الملائكة زكريا قال تعالى: {فنادته الملائكة وهو قائم ~~يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى} [سورة آل عمران: 39] ، وقال: {وإذ ~~قالت الملائكة يامريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين} ~~[سورة آل عمران: 42] . # ولا يجوز قط لمخلوق أن يقول: إني أنا الله رب العالمين، ولا يقول: من ~~يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ والله تعالى ~~إذا خلق صفة في محل كان المحل متصفا بها، فإذا خلق في محل علما أو قدرة أو ~~حياة أو حركة أو لونا أو سمعا أو بصرا كان ذلك المحل هو العالم به، القادر، ~~المتحرك، الحي، المتلون، السميع، البصير، فإن الرب لا يتصف بما يخلقه في ~~مخلوقاته، وإنما يتصف بصفاته القائمة به، بل كل موصوف لا يوصف إلا بما يقوم ~~به، لا بما يقوم بغيره ولم يقم به. # فلو كان النداء مخلوقا في الشجرة ; لكانت هي القائلة: إني أنا الله. وإذا ~~كان ما خلقه الرب (1) في غيره كلاما له، وليس له كلام إلا ما خلقه، لزم أن ~~يكون إنطاقه لأعضاء الإنسان يوم القيامة كلاما له، وتسبيح الحصى كلاما له، ~~وتسليم الحجر على الرسول كلاما له، بل يلزم أن يكون كل كلام في الوجود ~~كلامه ; لأنه قد ثبت أنه خالق كل شيء. PageV05P425 # وهكذا طرد قول الحلولية الاتحادية كابن عربي، فإنه قال: # وكل كلام في الوجود كلامه ... سواء علينا نثره ونظامه (1) # ولهذا قال سليمان بن ms1287 داود الهاشمي (2) : من قال: إن قوله: {إنني أنا الله ~~لا إله إلا أنا فاعبدني} [سورة طه: 14] مخلوق، فقوله من جنس قول فرعون الذي ~~قال: {أنا ربكم الأعلى} [سورة النازعات: 42] ، فإن هذا مخلوق وهذا مخلوق، ~~يقول: إن هذا يوجب أن يكون ما خلق فيه هذا القول هو القائل له، كما كان ~~فرعون هو القائل لما قام به. # قالوا: وقولهم: إن الكلام صفة فعل، فيه تلبيس. # فيقال لهم: أتريدون به أنه مفعول منفصل عن المتكلم؟ أم تريدون به أنه ~~قائم به؟ (3) . # فإن قلتم بالأول فهو باطل، فلا يعرف قط متكلم بكلام، وكلامه مستلزم كونه ~~منفصلا عنه، والفعل أيضا لا بد أن لا يكون قائما بالفاعل، كما قال السلف ~~والأكثرون، وإنما المفعول هو الذي يكون بائنا عنه. PageV05P426 # والمخلوق المنفصل عن الرب ليس هو خلقه إياه، بل خلقه للسماوات (1) والأرض ~~ليس هو نفس السماوات والأرض، والذين قالوا: الخلق هو المخلوق، فروا من أمور ~~ظنوها محذورة، وكان ما فروا إليه شرا مما فروا منه ; فإنهم قالوا: لو كان ~~الخلق غير المخلوق لكان إما قديما وإما حادثا، فإن كان قديما لزم قدم ~~المخلوق، وإن كان حادثا فلا بد له من خلق آخر، فيلزم التسلسل. # فقال لهم الناس: بل هذا منقوض على أصلكم (2) ; فإنكم تقولون: إنه يريد ~~بإرادة قديمة، والمرادات كلها حادثة. فإن كان هذا جائزا فلماذا لا يجوز أن ~~يكون الخلق قديما والمخلوق حادثا؟ وإن كان هذا غير جائز، بل الإرادة تقارن ~~المراد، لزم جواز قيام الحوادث به. وحينئذ فيجوز أن يقوم به خلق مقارن ~~للمخلوق. فلزم فساد قولكم على التقديرين. # وكذلك إذا قيل: إن الخلق حادث. فلم قلتم: إنه محتاج إلى خلق آخر. فإنكم ~~تقولون: المخلوقات كلها حادثة، ولا تحتاج إلى خلق حادث. فلم لا يجوز أن ~~تكون مخلوقة بخلق حادث؟ وهو لا يحتاج إلى خلق آخر. # ومعلوم أن حدوثها بخلق حادث أقرب إلى العقول من حدوثها كلها بلا خلق أصلا ~~; فإن كان كل حادث يفتقر إلى خلق بطل قولكم، وإن PageV05P427 # كان فيها ما لا ms1288 يفتقر إلى خلق، جاز أن يكون الخلق نفسه لا يفتقر إلى خلق ~~آخر. # وهذه المواضع مبسوطة في غير هذا الموضع، والمقصود التمثيل بكلام ~~المختلفين في الكتاب، الذين في قول كل واحد منهم حق وباطل، وأن الصواب ما ~~دل عليه الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان. # والناس لهم في طلب العلم والدين طريقان مبتدعان وطريق شرعي، فالطريق ~~الشرعي هو النظر فيما جاء به الرسول والاستدلال بأدلته، والعمل بموجبها ; ~~فلا بد من علم بما جاء به (1) وعمل به، لا يكفي أحدهما. # وهذا الطريق متضمن للأدلة العقلية والبراهين اليقينية ; فإن الرسول بين ~~بالبراهين العقلية ما يتوقف السمع عليه، والرسل بينوا للناس العقليات التي ~~يحتاجون إليها، كما ضرب الله في القرآن من كل مثل، وهذا هو الصراط المستقيم ~~الذي أمر الله عباده أن يسألوه هدايته. # وأما الطريقان المبتدعان: فأحدهما: طريق أهل الكلام البدعي والرأي البدعي ~~; فإن هذا فيه باطل كثير، وكثير من أهله يفرطون فيما أمر الله به ورسوله من ~~الأعمال، فيبقى هؤلاء في فساد علم وفساد عمل، وهؤلاء منحرفون إلى اليهودية ~~الباطلة. # والثاني: طريق أهل الرياضة والتصوف والعبادة البدعية، وهؤلاء PageV05P428 # منحرفون إلى النصرانية الباطلة. فإن هؤلاء يقولون: إذا صفى الإنسان نفسه ~~على الوجه الذي يذكرونه، فاضت عليه العلوم بلا تعلم، وكثير من هؤلاء تكون ~~عبادته (1) مبتدعة، بل مخالفة لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ~~فيبقون (2) في فساد من جهة العمل، وفساد من نقص العلم، حيث لم يعرفوا ما ~~جاء به الرسول، وكثير ما يقع من (3) هؤلاء وهؤلاء، وتقدح كل طائفة في ~~الأخرى، وينتحل كل منهم اتباع الرسول. # والرسول ليس ما جاء به موافقا لما قال هؤلاء ولا هؤلاء: {ما كان إبراهيم ~~يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين} [سورة آل ~~عمران: 67] ، وما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه على ~~طريقة أهل البدع من أهل الكلام والرأي، ولا على طريقة أهل البدع من أهل ~~العبادة والتصوف، بل كان على ما بعثه الله من الكتاب ms1289 والحكمة. ### | الرد على أهل النظر وأهل الرياضة # وكثير من أهل النظر يزعمون أنه بمجرد النظر يحصل العلم، بلا عبادة ولا ~~دين ولا تزكية للنفس، وكثير من أهل الإرادة يزعمون أن طريق الرياضة بمجرده ~~تحصل المعارف (4) ، بلا تعلم ولا نظر، ولا تدبر للقرآن والحديث. ~~PageV05P429 # وكلا الفريقين غالط، بل لتزكية النفس والعمل بالعلم وتقوى الله تأثير ~~عظيم في حصول العلم، لكن مجرد العمل لا يفيد ذلك إلا بنظر وتدبر وفهم لما ~~بعث الله به الرسول. ولو تعبد الإنسان ما عسى أن يتعبد، لم يعرف ما خص الله ~~به محمدا - صلى الله عليه وسلم - إن لم يعرف ذلك من جهته. # وكذلك لو نظر واستدل ماذا عسى أن ينظر لم يحصل له المطلوب إلا بالتعلم من ~~جهته، ولا يحصل التعلم المطابق (1) النافع إلا مع العمل به، وإلا فقد قال ~~الله تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} [سورة الصف: 5] . # وقال: {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون - ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما ~~لم يؤمنوا به أول مرة} [سورة الأنعام: 109 - 110] . # وقال تعالى: {وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم} [سورة النساء: ~~155] ، وقال تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} [سورة ~~المطففين: 14] . # وقال: {أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم ~~بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون} [سورة الأعراف: 100] . # وقال: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا - وإذا ~~لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما - ولهديناهم صراطا مستقيما} [سورة النساء: 66 ~~- 68] . PageV05P430 # وقال: {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين - يهدي به الله من اتبع رضوانه ~~سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم} ~~[سورة المائدة: 15 - 16] . # وقال: {هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين} [سورة آل عمران: 138] . # وقال: {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين} [سورة البقرة: 2] . # وكذلك لو جاع وسهر وخلا وصمت وفعل ماذا عسى أن يفعل لا يكون مهتديا إن لم ~~يتعبد بالعبادات الشرعية، وإن لم يتلق علم الغيب من جهة الرسول. # قال تعالى لأفضل ms1290 الخلق الذي كان أزكى الناس نفسا، وأكملهم عقلا قبل ~~الوحي: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا ~~الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا} [سورة الشورى: 52] . # وقال: {قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه ~~سميع قريب} [سورة سبأ: 50] . # وقال: {فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى - ومن أعرض ~~عن ذكري فإن له معيشة ضنكا - ونحشره يوم القيامة أعمى - قال رب لم حشرتني ~~أعمى وقد كنت بصيرا - قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} ~~[سورة طه: 123 - 126] . # وقال تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين} # PageV05P431 # [سورة الزخرف: 36] أي: عن الذكر الذي أنزلته. قال المفسرون: يعش عنه فلا ~~يلتفت إلى كلامه ولا يخاف عقابه. # ومنه قوله: {وهذا ذكر مبارك أنزلناه} [سورة الأنبياء: 50] ، وقوله: {ما ~~يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} [سورة الأنبياء: 2] ، وشاهده في الآية الأخرى: ~~{ومن أعرض عن ذكري} [سورة طه: 124] ثم قال: {كذلك أتتك آياتنا فنسيتها ~~وكذلك اليوم تنسى} [سورة طه: 126] فكل من عشا عن القرآن فإنه يقيض له شيطان ~~يضله، ولو تعبد بما تعبد. # " ويعش " روي عن ابن عباس: " يعمى " وكذلك قال عطاء وابن زيد بن أسلم، ~~وكذلك أبو عبيدة قال: " تظلم عينه " (1) واختاره ابن قتيبة ورجحه على قول ~~من قال: " يعرض ". والعشا ضعف في البصر، ولهذا قيل: فيه يعش. وقالت طائفة: ~~يعرض، وهو رواية الضحاك عن ابن عباس، وقاله قتادة، واختاره الفراء والزجاج ~~(2) ، وهذا صحيح من جهة المعنى ; فإن قوله: " يعش " ضمن معنى " يعرض " ~~ولهذا عدي بحرف الجار (3) " عن " كما يقال: أنت أعمى عن محاسن فلان، إذا ~~أعرضت فلم تنظر إليها. فقوله: " يعش " أي: يكن (4) أعشى عنها (5) ، وهو دون ~~العمى (6) ، فلم ينظر إليها إلا نظرا ضعيفا. PageV05P432 # وهذا حال أهل الضلال الذين لم ينتفعوا بالقرآن، فإنهم لا ينظرون فيه كما ~~ينظرون في كلام سلفهم ; لأنهم يحسبون أنه لا يحصل المقصود، وهم الذين عشوا ~~عنه فقيضت ms1291 لهم الشياطين، تقترن بهم وتصدهم عن السبيل، وهم يحسبون أنهم ~~مهتدون. # ولهذا لا تجد في كلام من لم يتبع الكتاب والسنة بيان الحق علما وعملا ~~أبدا ; لكثرة ما في كلامه من وساوس الشياطين (1) . # وحدثني غير مرة رجل، وكان من أهل الفضل والذكاء والمعرفة والدين، أنه كان ~~قد قرأ على شخص سماه لي، وهو من أكابر أهل الكلام والنظر، دروسا من " ~~المحصل " لابن الخطيب، وأشياء من " إشارات " ابن سينا. قال: فرأيت حالي قد ~~تغير، وكان له نور وهدى، ورؤيت له منامات سيئة، فرآه صاحب النسخة بحال ~~سيئة، فقص عليه الرؤيا، فقال: هي من كتابك. # وإشارات ابن سينا يعرف جمهور المسلمين الذين يعرفون دين الإسلام أن فيها ~~إلحادا كثيرا، بخلاف " المحصل " يظن كثير من الناس أن فيه بحوثا تحصل ~~المقصود. # قال فكتبت عليه: محصل في أصول الدين حاصله من بعد تحصيله أصل بلا دين أصل ~~الضلالات والشك المبين فما فيه فأكثره وحي الشياطين # قلت: وقد سئلت أن أكتب على " المحصل " ما يعرف به الحق فيما PageV05P433 # ذكره، فكتبت من ذلك ما ليس هذا موضعه (1) ، وكذلك تكلمت على ما في ~~الإشارات في مواضع أخر (2) . # والمقصود هنا التنبيه على الجمل، فما (3) في " المحصل " وسائر كتب الكلام ~~المختلف أهله: كتب (4) الرازي وأمثاله من الكلابية ومن حذا حذوهم، وكتب ~~المعتزلة والشيعة والفلاسفة ونحو هؤلاء، لا يوجد فيها ما بعث الله به رسله ~~في أصول الدين، بل يوجد فيها حق ملبوس بباطل. # ويكفيك نفس مسألة خلق الرب مخلوقاته لا تجد فيها إلا قول القدرية ~~والجهمية والدهرية: إما العلة التي تثبتها الفلاسفة الدهرية، أو القادر ~~الذي تثبته المعتزلة والجهمية. ثم إن كان من الكلابية أثبت تلك الإرادة ~~الكلابية (5) ، ومن عرف حقائق هذه الأقوال تبين له أنها مع مخالفتها للكتاب ~~والسنة وإجماع السلف مخالفة لصرائح العقول (6) . # وكذلك قولهم في النبوات، فالمتفلسفة تثبت النبوة على أصلهم PageV05P434 # الفاسد: أنها قوة قدسية تختص بها بعض النفوس (1) ; لكونها أقوى نيلا ~~للعلم، وأقوى تأثيرا في العالم، وأقوى تخيلا لما تعقله (2) في صور متخيلة ~~وأصوات متخيلة ms1292، وهذه الثلاثة هي عندهم خاصة النبي، ومن اتصف بها فهو نبي ~~القوة القدسية العلمية، والتأثير في الهيولي، وما يتخيله في نفسه من أصوات ~~هي كلام الله، ومن صور هي عندهم ملائكة [الله] (3) . # ومعلوم عند من اعتبر العالم أن هذا القدر يوجد لكثير من آحاد الناس، ~~وأكثر الناس لهم نصيب من هذه الثلاثة، ولهذا طمع كثير من هؤلاء في أن يصير ~~نبيا، ولهذا قال هؤلاء: إن النبوة مكتسبة، وإنما قالوا هذا ; لأنهم لم ~~يثبتوا لله علما بالجزئيات، ولا قدرة، ولا كلاما يتكلم به تنزل به ملائكته ~~(4) . # ثم إن الجهمية والمعتزلة يردون عليهم تارة ردا مقاربا، وتارة ردا ضعيفا ; ~~لكونهم جعلوا صانع العالم يرجح أحد المتماثلين بلا مرجح، وجعلوا القادر ~~المختار يرجح بلا مرجح، وزعم أكثرهم (5) أنه مع وجود القدرة والداعي التام ~~لا يجب وجود الفعل، ففزعوا (6) من الموجب بالذات. ولفظ الموجب بالذات مجمل، ~~فالذي ادعته المتفلسفة باطل ; PageV05P435 # فإنهم أثبتوا موجبا بذات مجردة عن الصفات يستلزم مفعولاته، حتى لا يتأخر ~~عنه شيء، وأثبتوا له من الوحدة ما يضمنونه نفي صفاته وأفعاله القائمة به، ~~وقالوا: الواحد لا يصدر عنه إلا واحد، والواحد الذي ادعوه لا حقيقة له إلا ~~في الأذهان لا في الأعيان. # والكلام على مذاهبهم وإبطالها مبسوط في موضع آخر، وقد بينا أنهم أكثر ~~الناس تناقضا واضطرابا، وأن دعواهم أنه علة موجبة للمعلول (1) أزلا وأبدا ~~فاسدة من وجوه كثيرة. # وأما إذا قيل: هو موجب بالذات بمعنى أنه يوجب بمشيئته وقدرته ما يريد أن ~~يفعله ; فهذا هو الفاعل بقدرته ومشيئته، فتسمية المسمى له موجبا بذاته نزاع ~~لفظي. # وأكثر الجهمية والقدرية لا يقولون: إنه بقدرته ومشيئته يلزم وجود مقدوره، ~~بل قد يحصل وقد لا يحصل، فيرجح (2) إن حصل بلا مرجح. # وهذه الأمور مبسوطة في موضع آخر، والمقصود هنا أن الجهمية تثبت نبوة لا ~~تستلزم فصل صاحبها ولا كماله، ولا اختصاصه قط بشيء من صفات الكمال، بل يجوز ~~أن يجعل من هو من أجهل (3) الناس نبيا. # ثم الجهمية المحضة عندهم يخلق الله كلاما في غيره ms1293 فينزل به الملك. وأما ~~الكلابية فعندهم النبوة تعلق المعنى القائم بالذات بالنبي، بمعنى أنت عبدي ~~ورسولي. فيقولون في النبوة من جنس ما قالوه في PageV05P436 # أحكام أفعال العباد: إنه ليس للحكم معنى إلا تعلق المعنى القائم بالذات ~~به، والمعنى القائم بالذات المتعلق به لا يثبتون (1) في الإيمان والتقوى ~~والأعمال الصالحة خاصة تميزت به (2) عن السيئات، حتى أمر بها لأجلها، وكذلك ~~في النبوة. # والمعتزلة ومن وافقهم يثبتون لله شريعة بالقياس على عباده، فيوجبون عليه ~~من جنس ما يجب عليهم، ويحرمون عليه من جنس ما يحرم (3) عليهم، ولا يجعلون ~~أمره ونهيه، وحبه وبغضه، ورضاه وسخطه - له ثأثير في الأعمال، بل صفاتها ~~ثابتة بدون الخطاب، والخطاب مجرد كاشف، بمنزلة الذي يخبر عن الشمس والقمر ~~والكواكب بما هي متصفة به. # والله سبحانه قد أخبر أنه يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس، والاصطفاء ~~افتعال من التصفية، كما أن الاختيار افتعال من الخيرة، فيختار من يكون ~~مصطفى. وقد قال: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} [سورة الأنعام: 124] (4) فهو ~~أعلم بمن يجعله رسولا ممن لم يجعله رسولا، ولو كان كل الناس يصلح للرسالة ~~(5) لامتنع هذا. # وهو عالم بتعيين الرسول، وأنه أحق من غيره بالرسالة، كما دل القرآن على ~~ذلك. وقد قالت خديجة - رضي الله عنها - لما فجأ الوحي النبي (6) ~~PageV05P437 # - صلى الله عليه وسلم - وخاف من ذلك فقالت له: " كلا والله لا يخزيك الله ~~أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري ~~الضيف، وتعين على نوائب الحق " (1) ، وكانت أم المؤمنين خديجة - رضي الله ~~عنها - أعقل وأعلم من الجهمية، حيث رأت أن من جعله الله على هذه الأخلاق ~~الشريفة، المتضمنة لعدله وإحسانه، لا يخزيه الله فإن حكمة الرب تأبى ذلك. # وهؤلاء عندهم هذا لا يعلم، بل قد يخزي من يكون كذلك، وقد ينبأ شر الناس، ~~كأبي جهل وغيره، ولهذا أنكر المازري (2) وغيره على خديجة، كما أنكروا على ~~هرقل استدلاله بما استدل به في حديث أبي سفيان المشهور لما سأل عن صفات ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - (3) . PageV05P438 # والله سبحانه ms1294 إذا اتخذ رسولا فضله بصفات أخرى لم تكن موجودة فيه قبل ~~إرساله، كما كان يظهر لكل من رأى موسى وعيسى ومحمدا من أحوالهم وصفاتهم بعد ~~النبوة. وتلك الصفات غير الوحي الذي ينزل عليهم، فلا يقال: إن النبوة مجرد ~~صفة إضافية كأحكام الأفعال كما تقوله الجهمية. # ولهذا [لما] (1) صار كثير من أهل النظر - كالرازي وأمثاله - ليس عندهم ~~إلا قول الجهمية والقدرية والفلاسفة، تجدهم في تفسير القرآن، وفي سائر ~~كتبهم، يذكرون أقوالا كثيرة متعددة كلها باطلة، لا يذكرون الحق، مثل تفسيره ~~للهلال (2) ، وقد قال تعالى: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} ~~[سورة البقرة: 189] فذكر قول أهل الحساب فيه، وجعله من أقوال الفلاسفة، ~~وذكر قول الجهمية الذين يقولون: إن القادر المختار يحدث فيه الضوء بلا سبب ~~أصلا ولا لحكمة (3) . # وكذلك إذا تكلم في المطر يذكر قول أولئك الذين يجعلونه حاصلا عن مجرد ~~البخار المتصاعد والمنعقد في الجو، وقول من يقول: إنه أحدثه الفاعل المختار ~~بلا سبب، ويذكر قول من يقول: إنه نزل من PageV05P439 # الأفلاك. وقد يرجح (1) هذا القول في تفسيره (2) ، ويجزم بفساده في موضع ~~آخر. # وهذا القول لم يقله أحد من الصحابة، ولا التابعين لهم بإحسان، ولا أئمة ~~المسلمين، [بل سائر أهل العلم من المسلمين] (3) من السلف والخلف، يقولون: ~~إن المطر نزل من السحاب. # ولفظ " السماء " في اللغة والقرآن اسم لكل ما علا، فهو اسم جنس للعالي، ~~لا يتعين في شيء إلا بما يضاف إلى ذلك. # وقد قال: {فليمدد بسبب إلى السماء} [سورة الحج: 15] ، وقال: {الذي أنزل ~~من السماء ماء} [سورة الأنعام: 99] ، وقال: {أأمنتم من في السماء} [سورة ~~تبارك: 16] ، والمراد بالجميع العلو، ثم يتعين هنا بالسقف ونحوه، وهنا (4) ~~بالسحاب، وهناك بما فوق العالم كله. # فقوله: {أنزل من السماء ماء} [سورة الأنعام: 99] أي من العلو، مع قطع ~~النظر عن جسم معين. لكن قد صرح في موضع آخر بنزوله من السحاب، كما في قوله: ~~{أفرأيتم الماء الذي تشربون - أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون} ~~[سورة الواقعة: 68 - 69] والمزن: السحاب. PageV05P440 # وقوله: {ألم تر أن ms1295 الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى ~~الودق يخرج من خلاله} [سورة النور: 43] ، والودق: المطر، وقال تعالى: {الله ~~الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى ~~الودق يخرج من خلاله} [سورة الروم: 48] ، فأخبر سبحانه أنه يبسط السحاب في ~~السماء. # وهذا مما يبين أنه لم يرد بالسماء هنا الأفلاك ; فإن السحاب لا يبسط في ~~الأفلاك، بل الناس يشاهدون السحاب يبسط في الجو، وقد يكون الرجل في موضع ~~عال: إما على جبل أو على غيره، والسحاب يبسط أسفل منه، وينزل منه المطر، ~~والشمس فوقه. # والرازي (1) لا يثبت على قول [واحد] (2) ، بل هو دائما ينصر هنا قولا، ~~وهناك ما يناقضه لأسباب تقتضي ذلك. # وكثير من الناس يفهمون من القرآن ما لا يدل عليه، وهو معنى فاسد، ويجعلون ~~ذلك يعارض العقل. وقد بينا في مصنف مفرد " درء تعارض (3) العقل والنقل " ~~وذكرنا فيه عامة ما يذكرون من العقليات في معارضة الكتاب والسنة، وبينا أن ~~التعارض لا يقع إلا إذا كان ما سمى معقولا فاسدا، وهذا هو الغالب على كلام ~~أهل البدع، أو أن يكون (4) ما أضيف PageV05P441 # إلى الشرع ليس منه: إما حديث موضوع، وإما فهم فاسد من نص لا يدل عليه، ~~وإما نقل إجماع باطل. # ومن هذا كثير من الناس ذم الأحكام النجومية، ولا ريب أنها مذمومة بالشرع ~~مع العقل، وأن الخطأ فيها أضعاف الصواب، وأن من اعتمد عليها في تصرفاته، ~~وأعرض عما أمر الله به ورسوله، خسر الدنيا والآخرة. # لكن قد (1) يردونها على طريقة الجهمية ونحوهم بأن يدعوا أنه لا أثر لشيء ~~من العلويات في السفليات أصلا: إما على طريقة (2) الجهمية، لكن تلك لا تنفي ~~العادات الاقترانية، وإن لم تثبت سببا ومسببا وحكمة، وإما بناء على نفي ~~العادة (3) في ذلك. # ثم قد ينازعون (4) في استدارة الأفلاك، ويدعون شكلا آخر. وقد بينا في ~~جواب المسائل التي سئلت عنها في ذلك أن الأفلاك مستديرة عند علماء المسلمين ~~من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، كما ثبت ذلك عنهم بالأسانيد المذكورة ms1296 في ~~موضعها، بل قد نقل إجماع المسلمين على ذلك غير واحد من علماء المسلمين (5) ~~، الذين هم من أخبر الناس بالمنقولات، كأبي الحسين بن المنادي، أحد أكابر ~~الطبقة الثانية من PageV05P442 # أصحاب الإمام أحمد، وله نحو أربعمائة مصنف (1) ، وأبي محمد بن حزم ~~الأندلسي، وأبي الفرج بن الجوزي. # وقد دل ذلك على الكتاب والسنة، كما قد بسط في " الإحاطة " (2) وغيرها. # وكذلك المطر معروف عند السلف والخلف بأن الله تعالى يخلقه من الهواء ومن ~~البخار المتصاعد، لكن خلقه للمطر من هذا، كخلق الإنسان من نطفة، وخلقه ~~للشجر والزرع من الحب والنوى، فهذا معرفة (3) بالمادة التي خلق منها، ونفس ~~المادة لا توجب ما خلق منها باتفاق العقلاء، بل لا بد مما به يخلق تلك ~~الصورة (4) على ذلك الوجه، وهذا هو الدليل على القادر المختار الحكيم، الذي ~~يخلق المطر على قدر معلوم وقت الحاجة إليه، والبلد الجرز (5) يسوق إليه (6) ~~الماء من حيث أمطر، كما قال: PageV05P443 # {يسمعون أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل ~~منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون} [سورة السجدة: 27] ، فالأرض الجرز لا (1) ~~تمطر ما يكفيها، كأرض مصر: لو أمطرت المطر المعتاد لم يكفها ; فإنها أرض ~~إبليز (2) . وإن أمطرت كثيرا مثل مطر شهر خربت (3) المساكن، فكان من حكمة ~~الباري ورحمته أن أمطر مطرا أرضا بعيدة، ثم ساق ذلك الماء إلى أرض مصر. # فهذه الآيات (4) يستدل بها على علم الخالق وقدرته ومشيئته وحكمته، وإثبات ~~المادة التي خلق منها المطر والشجر والإنسان والحيوان مما يدل على حكمته ~~(5) . # ونحن لا نعرف شيئا قط خلق إلا من مادة، ولا أخبر الله في كتابه بمخلوق ~~إلا من مادة. # وكذلك كون كسوف الشمس وغيره سببا لبعض الحوادث هو مما دلت عليه النصوص ~~الصحيحة، ففي الصحاح من غير وجه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ~~" «إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا PageV05P444 # لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله - عز وجل - يخوف [الله] بهما (1) ~~عباده، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة» " (2) . # وقد ثبت عنه في الصحاح ms1297 أنه صلى صلاة الكسوف بركوع زائد في كل ركعة، وأنه ~~طولها تطويلا لم يطوله في شيء من صلوات الجماعات، وأمر عند الكسوف بالصلاة ~~والذكر والدعاء، والعتاقة والصدقة، والاستغفار (3) . # وقوله: " «يخوف الله بهما عباده» " كقوله تعالى: {وما نرسل بالآيات إلا ~~تخويفا} [سورة الإسراء: 59] ، ولهذا كانت الصلوات مشروعة عند الآيات عموما، ~~مثل تناثر الكواكب والزلزلة وغير ذلك، والتخويف إنما يكون بما هو سبب للشر ~~المخوف، كالزلزلة والريح العاصف. وإلا فما وجوده كعدمه لا يحصل به تخويف. # فعلم أن الكسوف سبب للشر، ثم قد يكون (4) عنه شر، ثم القول فيه كالقول في ~~سائر الأسباب: هل هو سبب؟ كما عليه جمهور الأمة، أو هو مجرد اقتران عادة ~~كما يقوله الجهمية؟ # وهو - صلى الله عليه وسلم - أخبر عند (5) أسباب الشر بما يدفعها من ~~PageV05P445 # العبادات، التي تقوي ما انعقد (1) سببه من الخير، وتدفع أو تضعف ما انعقد ~~سببه من الشر. كما قال: " «إن الدعاء والبلاء ليلتقيان فيعتلجان بين السماء ~~والأرض» " (2) . # والفلاسفة تعترف (3) بهذا، لكن هل ذلك بناء (4) على أن الله يدفع ذلك ~~بقدرته وحكمته، أو بناء على أن القوى النفسانية تؤثر؟ هذا مبني على أصولهم ~~في هذا الباب. # ويحكى عن بطليموس (5) أنه قال: " ضجيج الأصوات، في هياكل العبادات، بفنون ~~اللغات، تحلل (6) ما عقدته الأفلاك الدائرات "، وعن PageV05P446 # أبقراط (1) أنه قال: " واعلم أن طبنا بالنسبة إلى طب أرباب الهياكل كطب ~~العجائز بالنسبة إلى طبنا ". # فالقوم كانوا معترفين بما وراء القوى الطبيعية والفلكية، وليس ذلك مجرد ~~القوى النفسانية، كما يقوله ابن سينا وطائفة (2) ، بل ملائكة ملء (3) ~~العالم العلوي والسفلي، والجن أيضا لا يحصي عددهم إلا الله، والله قد وكل ~~الملائكة بتدبير هذا العالم بمشيئته وقدرته، كما دلت على ذلك الدلائل ~~الكثيرة من الكتاب والسنة، وكما يستدل على ذلك أيضا بأدلة عقلية. # والملائكة أحياء ناطقون، ليسوا أعراضا قائمة بغيرها، كما يزعمه كثير من ~~المتفلسفة. ولا هي مجرد العقول العشرة والنفوس التسعة، بل هذه (4) باطلة ~~بأدلة كثيرة (5) . PageV05P447 # وما يثبتونه من المجردات المفارقات لا يحصل معهم منه غير النفس الناطقة ; ~~فإنها تفارق ms1298 بدنها. وما سوى ذلك فلا يثبت معهم على طريقهم إلا المجردات ~~المعقولة في الأذهان، وهي الكليات المعقولة، ولكنهم يظنون ثبوت ذلك في ~~الخارج، كما يظن شيعة أفلاطون (1) ثبوت المثل الأفلاطونية في الخارج، فتثبت ~~(2) كليات قديمة أزلية أبدية مفارقة (3) كإنسان كلي. # وهذا هو غلطهم (4) ، حيث ظنوا ما هو في الأذهان موجودا في الأعيان، وكذلك ~~ما يثبتونه من الجواهر العقلية، وهي أربعة: العقل، والنفس، والمادة، ~~والصورة، وطائفة منهم كشيعة أفلاطون (5) تثبت جوهرا عقليا هو الدهر، وجوهرا ~~عقليا هو الخير، وتثبت جوهرا عقليا هو المادة الأولى المعارضة للصورة. # وكل هذه العقليات التي يثبتونها إذا حققت غاية التحقيق تبين أنها أمور ~~معقولة في النفس، فيتصورها في نفسه، فهي معقولات في قلبه، وهي مجردة عن ~~جزئياتها الموجودة في الخارج ; فإن العقل دائما ينتزع من الأعيان المعينة ~~المشهودة كليات مشتركة عقلية، كما يتصور زيدا وعمرا وبكرا، ثم يتصور إنسانا ~~مشتركا كليا ينطبق على زيد وعمرو وبكر، PageV05P448 # ولكن هذا المشترك إنما هو في قلبه وذهنه، يعقله بقلبه، ليس في الخارج ~~إنسان مشترك كلي يشترك (1) فيه هذا وهذا، بل كل إنسان يختص بذاته وصفاته، ~~لا يشاركه غيره في شيء مما قام به قط. # وإذا قيل: الإنسانية مشتركة أو الحيوانية، فالمراد أن في هذا حيوانية ~~وإنسانية تشابه ما في هذا من الحيوانية والإنسانية، ويشتركان في مسمى ~~الإنسانية والحيوانية، وذلك المسمى إذا أخذ مشتركا كليا لم يكن إلا في ~~الذهن. وهو تارة يوجد (2) مطلقا بشرط الإطلاق، فلا يكون إلا في الذهن عند ~~عامة العقلاء، إلا من أثبت المثل الأفلاطونية في الخارج. وتارة يوجد (3) ~~مطلقا لا بشرط الإطلاق بحيث يتناول المعينات، وهذا قد يقال: إنه موجود في ~~الخارج، وهو موجود في الخارج معينا مقيدا مخصوصا. فيقال: هذا الإنسان، وهذا ~~الحيوان، وهذا الفرس، وأما وجوده في الخارج [مع] (4) كونه مشتركا في الخارج ~~فهذا باطل. # ولهذا كان من المعروف عندهم أن الكليات ثابتة في الأذهان لا في الأعيان، ~~ومن قال: إن الكلي الطبيعي موجود في الخارج فمعناه الصحيح أن ما هو كلي إذا ms1299 ~~كان في الذهن يوجد في الخارج، لكن لا يوجد في الخارج كليا، وهذا كما يقال ~~(5) : ما يتصوره الذهن قد يوجد في PageV05P449 # الخارج وقد لا يوجد، ولا يراد بذلك أن (1) نفس الصورة الذهنية تكون ~~بعينها في الخارج، ولكن يراد به أن ما يتصور في الذهن قد يوجد في الخارج، ~~كما يوجد أمثاله في الخارج. # كما يتصور الإنسان (2) دارا يبنيها وعملا يعمله، ويقول الرجل لغيره: جئت ~~بما كان في نفسي، وفعلت هذا كما كان في نفسي، وقال عمر بن الخطاب - رضي ~~الله عنه -: " زورت في نفسي مقالة، فجاء أبو بكر في بديهته بأحسن منها ". ~~وهذا كله معروف عند الناس ; فإن الشيء له وجود في نفسه، وله مثال مطابق ~~[له] (3) في العلم، ولفظ يدل على ذلك المثال العلمي، وخط يطابق ذلك اللفظ. ~~ويقال: له وجود في الأعيان، ووجود في الأذهان، ووجود في اللسان، ووجود في ~~البنان (4) ، ووجود عيني، وعلمي، ولفظي، ورسمي، كالشمس الموجودة، والكعبة ~~الموجودة، ثم إذا رأى الإنسان الشمس يمثلها في نفسه، ثم يقول بلسانه: شمس، ~~وكعبة، ثم يكتب بخطه: شمس، وكعبة، فإذا كتب وقيل: هذه الشمس التي في ~~السماء، وهذه الكعبة التي يصلي إليها المسلمون، لم يرد بذلك أن الخط هو ~~الشمس والكعبة، ولكن المعنى معروف. # كما إذا قال (5) : يا زيد، فالمنادي لا ينادي الصوت، وإذا قال: ضربت ~~PageV05P450 # زيدا، لم يرد أنه ضرب الحروف، لكن قد عرف أنه إذا أطلق الأسماء فالمراد ~~مسمياتها التي جعلت الأسماء دالة عليها، وإذا كتبت الأسماء فالمراد بالخط ~~ما يراد باللفظ. فإذا قيل: لما في الورقة هذه الكعبة من الحجاز، فالمراد ~~المسمى (1) بالاسم اللفظي الذي طابقه الخط. # ومثل هذا كثير يعرفه كل أحد. فإذا قيل لما في النفس: ليس بعينه هو ~~الموجود في الخارج، فهو بهذا الاعتبار، أي: ما تصورته [في] (2) النفس موجود ~~في الخارج، لكن يطابقه مطابقة المعلوم للعلم. # فإذا قيل: الكلي الطبيعي في الخارج، فهو بهذا الاعتبار أي: يوجد في ~~الخارج ما يطابقه الكلي (3) الطبيعي، فإنه المطلق لا بشرط، فيطابق المعينات ~~بخلاف المطلق بشرط ms1300 الإطلاق، فإن هذا لا يطابق المعينات. # وأما أن يقال: [إن] (4) في الخارج أمرا كليا مشتركا فيه بعينه، هو في هذا ~~المعين وهذا المعين، فهذا (5) باطل قطعا، وإن كان قد قاله طائفة، وأثبتوا ~~ماهيات مجردة في الخارج عن المعينات، وقالوا: إن تلك الماهية غشيتها غواش ~~غريبة، وإن أسباب الماهية غير أسباب الوجود، وهذا قد بسط الكلام عليه في ~~الكلام على المنطق وعلى " الإشارات " وغير ذلك، وبين أن الذي لا ريب فيه أن ~~ما يتصور في الأذهان ليس هو الموجود في PageV05P451 # الأعيان، فمن عنى بالماهية ما في الذهن، وبالوجود ما في الخارج، فهو مصيب ~~في قوله: الوجود مغاير للماهية، وأما إذا عنى بالماهية ما في الخارج، ~~وبالوجود ما في الخارج، وبالماهية ما في الذهن، وبالوجود ما في الذهن، ~~وادعى أن في الذهن شيئين، وأن في الخارج شيئين: وجود وماهية، فهذا يتخيل ~~(1) خيالا لا حقيقة له. وبهذا التفصيل يزول الاشتباه الحاصل في هذا الموضع. # ولفظ " الماهية " مأخوذ من قول السائل: ما هو؟ وما هو سؤال عما يتصوره ~~المسئول ليجيب عنه، وتلك هي الماهية للشيء في نفسه، والمعنى المدلول عليه ~~باللفظ لا بد أن يكون مطابقا للفظ ; فتكون دلالة اللفظ عليه بالمطابقة، ~~ودلالة اللفظ على بعض ذلك المعنى بالتضمن، ودلالته على لازم ذلك المعنى ~~بالالتزام (2) . # وليست دلالة المطابقة دلالة اللفظ على ما وضع له، كما يظنه بعض الناس، ~~ولا دلالة (3) التضمن استعمال اللفظ في جزء معناه، ولا دلالة (4) الالتزام ~~استعمال اللفظ في لازم معناه. # بل يجب الفرق بين ما وضع له اللفظ وبين ما عناه المتكلم باللفظ، وبين ما ~~يحمل المستمع عليه اللفظ، فالمتكلم إذا استعمل اللفظ في PageV05P452 # معنى فذلك المعنى هو الذي عناه باللفظ، وسمي " معنى " (1) لأنه عنى به ~~(2) أي قصد وأريد بذلك، فهو مراد المتكلم ومقصوده بلفظه. # ثم قد يكون اللفظ مستعملا [فيما وضع له، وهو الحقيقة، وقد يكون مستعملا] ~~(3) في غير ما وضع له، وهو المجاز، وقد يكون المجاز من باب استعمال لفظ ~~الجميع في البعض، ومن باب استعمال الملزوم في ms1301 اللازم، وقد يكون في غير ذلك. # وذلك كله دلالة اللفظ على مجموع المعنى، وهي دلالة المطابقة، سواء كانت ~~الدلالة حقيقة أو مجازية (4) ، أو غير ذلك. ثم ذلك المعنى المدلول عليه ~~اللفظ: إذا كان له جزء فدلالة اللفظ عليه تضمن ; لأن اللفظ تضمن (5) ذلك ~~الجزء، ودلالته على لازم ذلك المعنى هي دلالة الملزوم، وكل لفظ استعمل في ~~معنى فدلالته عليه مطابقة ; لأن اللفظ طابق المعنى بأي لغة كان، سواء سمي ~~ذلك حقيقة أو مجازا. # فالماهية التي يعنيها المتكلم بلفظه دلالة لفظه عليها [دلالة] (6) ~~مطابقة، ودلالته على ما دخل فيها دلالة تضمن، ودلالته على ما يلزمها وهو ~~خارج عنها دلالة الالتزام. PageV05P453 # فإذا قيل: الصفات الذاتية الداخلة في الماهية والخارجة عن الماهية، وعني ~~بالداخل ما دل عليه اللفظ بالتضمن، وبالخارج ما دل عليه بالالتزام (1) ، ~~فهذا صحيح. # وهذا الدخول والخروج هو بحسب ما تصوره المتكلم، فمن تصور حيوانا ناطقا ~~فقال: إنسان، كانت دلالته على المجموع مطابقة، وعلى أحدهما تضمن، وعلى ~~اللازم - مثل كونه ضاحكا - التزام، وإذا تصور إنسانا ضاحكا كانت دلالة ~~إنسان على المجموع مطابقة، وعلى أحدهما تضمن، وعلى اللازم مثل كونه (2) ~~ناطقا التزام. # وأما أن تكون الصفات اللازمة للموصوف في الخارج: بعضها داخل في حقيقته ~~وماهيته، [وبعضها خارج عن حقيقته وماهيته] (3) ، والداخل هو الذاتي، ~~والخارج ينقسم إلى لازم للماهية (4) والوجود، وإلى لازم للوجود دون الماهية ~~; فهذا كله مما قد بسط الكلام عليه [في مواضع] (5) ، وبينا ما في المنطق ~~اليوناني من الأغاليط، التي بعضها من معلمهم الأول، وبعضها من تغيير ~~المتأخرين. # وتكلمنا على ما ذكره أئمتهم في ذلك [واحدا واحدا] (6) كابن سينا ~~PageV05P454 # وأبي البركات وغيرهما، وأنه (1) يوجد من كلامهم أنفسهم (2) ، ومن رد ~~بعضهم على بعض، ما يبين أن ما ذكروه من تقسيم الصفات اللازمة للموصوف إلى ~~هذه الأقسام الثلاثة تقسيم باطل، إلا إذا جعل ذلك باعتبار ما في الذهن من ~~الماهية، لا باعتبار ماهية موجودة في الخارج. # وكذلك ما فرعوه على هذا من أن الإنسان مركب من الجنس والفصل، فإن هذا ~~التركيب (3) ذهني لا ms1302 حقيقة له في الخارج، وتركبه من الحيوان والناطق من جنس ~~تركبه من الحيوان والضاحك، إذا جعل كل من الصفتين (4) لازما ملزوما، وأريد ~~الضاحك بالقوة والناطق بالقوة (5) . # وأما إذا قيل: [في الخارج] (6) الإنسان مركب من هذا وهذا. فإن أريد به أن ~~الإنسان موصوف بهذا وهذا، فهذا (7) صحيح، وكذلك (8) إذا فرق بين الصفات ~~اللازمة للإنسان، التي لا يكون إنسانا إلا بها، كالحيوانية والناطقية، ~~والضاحكية، وبين ما يعرض لبعض الناس، كالسواد والبياض، والعربية والعجمية، ~~فهذا صحيح. # أما إذا قيل: هو مركب من صفاته اللازمة له، وهي أجزاء له، وهي ~~PageV05P455 # متقدمة عليه تقدما ذاتيا - فإن الجزء قبل الكل، والمفرد قبل المركب -، ~~وأريد بذلك التركيب في الخارج، فهذا كله تخليط. فإن الصفة تابعة للموصوف، ~~فكيف تكون متقدمة عليه بوجه من الوجوه؟ # وإذا قيل: هو مركب من الحيوانية والناطقية، أو من الحيوان والناطق، فإن ~~أريد أنه مركب من جوهرين قائمين بأنفسهما، لزم أن يكون في كل موصوف جواهر ~~كثيرة بعدد صفاته، فيكون في الإنسان جوهر هو جسم، وجوهر هو حساس، وجوهر هو ~~نام، وجوهر هو متحرك بالإرادة، وجوهر هو ناطق. # ومعلوم أن هذا خطأ، بل الإنسان جوهر قائم بنفسه موصوف بهذه الصفات، ~~فيقال: جسم حساس (1) نام متحرك بالإرادة ناطق. # وإن أريد [به] (2) أنه مركب من عرضين، فالإنسان جوهر، والجوهر لا يتركب ~~من أعراض لاحقة له، فضلا عن أن تكون سابقة له متقدمة عليه. # وهذا كله قد بسطناه في مواضع، وإنما كان المقصود هنا أن هؤلاء الفلاسفة ~~كثيرا ما يغلطون في جعل الأمور الذهنية المعقولة في النفس، فيجعلون ذلك ~~بعينه أمورا موجودة في الخارج، فأصحاب فيثاغورس القائلون بالأعداد المجردة ~~في الخارج من هنا كان غلطهم (3) ، PageV05P456 # وأصحاب أفلاطون الذين أثبتوا المثل الأفلاطونية من \ هنا كان غلطهم (1) ، ~~وأصحاب صاحبه أرسطو الذين أثبتوا جواهر معقولة مجردة في الخارج مقارنة ~~للجواهر الموجودة المحسوسة، كالمادة والصورة والماهية الزائدة على الوجود ~~في الخارج، من هنا كان غلطهم (2) . # وهم إذا أثبتوا هذه الماهية، قيل لهم: أهي في الذهن أم في الخارج؟ ففي ~~أيهما أثبتوها ms1303 ظهر غلطهم، وإذا قالوا: نثبتها مطلقة، مع قطع النظر ~~PageV05P457 # عن هذا، وهذا أو أعم (1) من هذا وهذا، قيل: عدم نظر الناظر لا يغير ~~الحقائق عما هي عليه في نفس الأمر: إما في الذهن، وإما في الخارج. # وما كان أعم منها فهو أيضا في الذهن ; فإنك إذا قدرت ماهية لا في الذهن، ~~ولا في الخارج لم تكن مقدرا (2) إلا في الذهن. ومعنى ذلك أن هذا التقدير في ~~الذهن، لا أن الماهية التي قيل: عنها ليست في الذهن - هي في الذهن، بل ~~الماهية التي تصورها الإنسان في ذهنه يمكنه تقديرها ليست في ذهنه، مع أن ~~تقديرها ليست في ذهنه هو في ذهنه، وإن كان تقديرا ممتنعا. # بل يجب الفرق بين الماهية المقيدة بكونها في الذهن، وبين الماهية المطلقة ~~التي لا تتقدر بذهن ولا خارج، مع العلم بأن هذه الماهية المطلقة لا تكون ~~أيضا إلا في الذهن، وإن أعرض الذهن عن كونها في الذهن. فكونها في الذهن ~~شيء، والعلم بكونها في الذهن شيء آخر. # وهؤلاء يتصورون (3) أشياء ويقدرونها، وذلك لا يكون إلا في الذهن، لكن حال ~~ما يتصور الإنسان [شيئا] (4) في ذهنه ويقدره، قد لا يشعر بكونه في الذهن، ~~كمن رأى الشيء في الخارج، فاشتغل بالمرئي عن كونه رائيا له. وهذا يشبه ما ~~يسميه بعضهم الفناء، الذي يفنى بمذكوره عن ذكره، PageV05P458 # وبمحبوبه عن محبته، وبمعبوده عن عبادته، ونحو ذلك، كما يقدر الشيء بخلاف ~~ما هو عليه، كما إذا قدر أن الجبل من ياقوت، والبحر من زئبق، فتقدير الأمور ~~على خلاف ما هي عليه هو تقدير اعتقادات باطلة. # والاعتقادات الباطلة لا (1) تكون إلا في الأذهان، فمن قدر ماهية لا في ~~الذهن ولا في الخارج، فهو مثل من قدر موجودا لا واجبا ولا ممكنا، ولا قديما ~~ولا محدثا، ولا قائما بنفسه ولا قائما بغيره، وهذا التقدير في الذهن. # وقد بسطنا الكلام على ذلك لما بينا فساد احتجاج كثير من أهل النظر ~~بالتقديرات الذهنية على الإمكانات الخارجية، كما يقوله الرازي وغيره: إنا ~~يمكننا أن نقول: الموجود ms1304 إما داخل العالم، وإما خارج العالم، وإما لا داخل ~~العالم ولا خارجه، وكل (2) موجود إما مباين لغيره وإما محايث له، وإما لا ~~مباين ومحايث ; فهذا يدل على إمكان القسم الثالث. # وكذلك إذا قلنا: الموجود إما متحيز وإما قائم بالمتحيز، وإما لا متحيز، ~~ولا قائم بالمتحيز. وهذا يدل على إمكان القسم [الثالث] (3) وهذا غلط ; فإن ~~هذا كقول القائل: الموجود إما قائم بنفسه وإما قائم بغيره، وإما لا قائم ~~بنفسه ولا بغيره، فدل على إمكان القسم الثالث، فإن هذا غلط. PageV05P459 # وكذلك إذا قيل: إما قديم وإما محدث، وإما لا قديم ولا محدث، وإما واجب ~~وإما ممكن، وإما لا واجب ولا ممكن، وكذلك ما أشبه هذا. # ودخل الغلط على هؤلاء حيث ظنوا أن مجرد تقدير الذهن وفرضه يقتضي إمكان ~~ذلك في الخارج، وليس كذلك، بل الذهن يفرض أمورا ممتنعة، لا يجوز وجودها في ~~الخارج، ولا تكون تلك التقديرات إلا في الذهن لا في الخارج. # وهذه الأمور مبسوطة في موضع آخر، ولكن المقصود هنا ذكر ما اختلف فيه ~~الناس من جهة الذم والعقاب، وبينا أن الحال يرجع إلى أصلين: أحدهما: أن كل ~~ما تنازع فيه الناس: هل يمكن [كل] (1) أحد اجتهاد يعرف به الحق؟ أم (2) ~~الناس ينقسمون إلى قادر على ذلك وغير قادر؟ . # والأصل الثاني: المجتهد العاجز عن معرفة الصواب: هل يعاقبه الله أم لا ~~يعاقب من اتقى الله ما استطاع وعجز عن معرفة بعض الصواب؟ # وإذا عرف هذان الأصلان، فأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[جميع] ~~(3) ما يطعن به فيهم أكثره كذب، والصدق منه غايته أن يكون ذنبا أو خطأ، ~~والخطأ مغفور، والذنب له أسباب متعددة توجب المغفرة، ولا يمكن أحد (4) أن ~~يقطع بأن واحدا منهم فعل من الذنوب ما يوجب النار PageV05P460 # لا محالة. وكثير مما يطعن به على أحدهم يكون من محاسنه وفضائله، فهذا (1) ~~جواب مجمل (2) . # ثم نحن نتكلم على ما ذكرته الرافضة من المطاعن على وجه التفصيل، كما ذكره ~~أفضل الرافضة في زمنه (3) صاحب هذا الكتاب، لما ذكر أن الكلبي ms1305 صنف كتابا في ~~" المثالب " (4) . ### | مناقشة ابن المطهر على كلامه عن مثالب أبي بكر في زعمه # قال الرافضي (5) " وقد ذكر غيره منها (6) أشياء كثيرة، ونحن (7) نذكر ~~منها شيئا يسيرا. منها ما رووه (8) عن أبي بكر أنه قال على المنبر: «إن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتصم (9) بالوحي، وإن لي شيطانا ~~يعتريني، فإن استقمت فأعينوني، وإن زغت فقوموني» ، وكيف يجوز (10) إمامة من ~~يستعين بالرعية على تقويمه، مع أن الرعية تحتاج إليه؟ ". PageV05P461 # والجواب: أن يقال: هذا الحديث من أكبر فضائل الصديق - رضي الله عنه - ~~وأدلها على أنه لم يكن [يريد علوا في الأرض ولا فسادا، فلم يكن] (1) طالب ~~رياسة، ولا كان ظالما، وإنه إنما كان يأمر الناس بطاعة الله ورسوله فقال ~~لهم: إن استقمت على طاعة الله فأعينوني عليها، وإن زغت عنها فقوموني، كما ~~قال أيضا: [أيها الناس] (2) أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة ~~لي عليكم. # والشيطان الذي يعتريه يعتري جميع بني (3) آدم، فإنه ما من أحد إلا [وقد] ~~(4) وكل الله به قرينه من الملائكة وقرينه من الجن. # والشيطان يجري من ابن آدم (5) مجرى الدم، كما في الصحيحين عن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - أنه قال: (ما من أحد إلا وقد وكل الله به قرينه من ~~الملائكة وقرينه من الجن " قيل: وأنت يا رسول الله؟ قال: " وأنا إلا أن ~~الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير " (6) . # وفي الصحيح عنه قال: «لما مر به بعض الأنصار وهو يتحدث مع PageV05P462 # صفية ليلا، قال: " على رسلكما، إنها صفية (1) [بنت حيي] (2) " ثم قال: " ~~إني خشيت أن يقذف الشيطان في قلوبكما شيئا، إن الشيطان يجري من ابن آدم ~~مجرى الدم» " (3) . # ومقصود الصديق بذلك: إني لست معصوما كالرسول - صلى الله عليه وسلم - وهذا ~~حق. # وقول القائل: كيف تجوز إمامة من يستعين على تقويمه بالرعية؟ كلام جاهل ~~بحقيقة الإمامة، فإن الإمام ليس هو ربا لرعيته (4) حتى يستغني عنهم، ولا هو ~~رسول الله إليهم حتى يكون هو الواسطة بينهم وبين الله. وإنما هو والرعية ~~شركاء يتعاونون ms1306 هم وهو على مصلحة الدين والدنيا، فلا بد له من إعانتهم، ولا ~~بد لهم من إعانته، كأمير القافلة الذي يسير بهم في الطريق: إن سلك بهم ~~الطريق اتبعوه، وإن أخطأ عن الطريق (5) نبهوه وأرشدوه، وإن خرج عليهم صائل ~~يصول عليهم تعاون هو وهم على دفعه، لكن إذا كان أكملهم علما وقدرة ورحمة ~~كان ذلك أصلح لأحوالهم. PageV05P463 # وكذلك إمام الصلاة إن استقام صلوا بصلاته، وإن سها سبحوا به فقوموه إذا ~~زاغ. # وكذلك دليل الحاج إن مشى بهم في الطريق مشوا خلفه، وإن غلط قوموه. # والناس بعد الرسول لا يتعلمون الدين من الإمام (1) ، بل الأئمة والأمة ~~كلهم يتعلمون الدين من الكتاب والسنة. # ولهذا لم يأمر الله عند التنازع برد الأمر إلى الأئمة، بل قال تعالى: ~~{ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن ~~تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} الآية [سورة النساء: 59] ، (2 فأمر ~~بالرد عند التنازع إلى الله والرسول 2) (2) لا إلى الأئمة وولاة الأمور، ~~وإنما أمر بطاعة ولاة الأمور تبعا لطاعة الرسول. # ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «إنما الطاعة في المعروف» " ~~(3) ، وقال: " «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» " (4) ، وقال: " «من أمركم ~~بمعصية الله فلا تطيعوه» " (5) . PageV05P464 # وقول القائل: كيف تجوز إمامة من يستعين بالرعية على تقويمه، مع أن الرعية ~~تحتاج إليه؟ # وارد في كل متعاونين ومتشاركين يحتاج كل منهما إلى الآخر، حتى الشركاء في ~~التجارات والصناعات، وإمام الصلاة هو بهذه المنزلة، فإن المأمومين يحتاجون ~~إليه، وهو يحمل عنهم السهو وكذلك القراءة عند الجمهور، وهو يستعين بهم إذا ~~سها فينبهونه على سهوه ويقومونه، ولو زاغ في الصلاة (1) فخرج عن الصلاة ~~الشرعية لم يتبعوه فيها، ونظائره متعددة. # ثم يقال: استعانة علي برعيته وحاجته إليهم كانت أكثر من استعانة أبي بكر، ~~وكان تقويم أبي بكر لرعيته وطاعتهم له أعظم من تقويم علي لرعيته وطاعتهم ~~له، فإن أبا بكر كانوا إذا نازعوه أقام عليهم الحجة حتى يرجعوا إليه، كما ~~أقام الحجة على عمر في قتال مانعي الزكاة وغير ذلك. # وكانوا إذا ms1307 أمرهم أطاعوه. وعلي - رضي الله عنه - لما ذكر قوله في أمهات ~~الأولاد وأنه (2) اتفق رأيه ورأي عمر على أن لا يبعن، ثم رأى أن يبعن، فقال ~~له قاضيه عبيدة السلماني: رأيك مع عمر في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك ~~في الفرقة. # وكان يقول: اقضوا كما كنتم تقضون ; فإني أكره الخلاف، حتى يكون الناس ~~جماعة أو أموت كما مات أصحابي. # وكانت رعيته كثيرة المعصية له، وكانوا يشيرون عليه بالرأي الذي ~~PageV05P465 # يخالفهم فيه، ثم يتبين له أن الصواب كان معهم، كما أشار عليه الحسن ~~بأمور، مثل أن لا يخرج من المدينة دون المبايعة، وأن لا يخرج إلى الكوفة، ~~وأن لا يقاتل بصفين، وأشار عليه أن لا يعزل معاوية، وغير ذلك من الأمور. # وفي الجملة فلا يشك عاقل أن السياسة انتظمت لأبي بكر وعمر وعثمان ما لم ~~تنتظم لعلي - رضي الله عنهم -، فإن كان هذا لكمال المتولي وكمال الرعية، ~~كانوا هم ورعيتهم أفضل. وإن كان لكمال المتولي وحده، فهو أبلغ في فضلهم، ~~وإن كان ذلك لفرط نقص رعية علي، كان رعية علي أنقص من رعية أبي بكر - رضي ~~الله عنه - وعمر وعثمان. # ورعيته هم الذين قاتلوا معه، وأقروا بإمامته. ورعية الثلاثة كانوا مقرين ~~بإمامتهم. فإذا كان المقرون بإمامة الثلاثة أفضل من المقرين بإمامة علي، ~~لزم أن يكون كل واحد من الثلاثة أفضل منه. # وأيضا فقد انتظمت السياسة لمعاوية (1) ما لم تنتظم لعلي، فيلزم أن تكون ~~رعية معاوية خيرا من رعية علي، ورعية معاوية شيعة عثمان، وفيهم النواصب ~~المبغضون لعلي، فتكون شيعة عثمان والنواصب أفضل من شيعة علي، فيلزم على كل ~~تقدير: إما أن يكون الثلاثة أفضل من علي، وإما أن تكون شيعة عثمان والنواصب ~~أفضل من شيعة علي والروافض. # وأيهما كان لزم فساد مذهب الرافضة ; فإنهم يدعون أن عليا أكمل ~~PageV05P466 # من الثلاثة، وأن شيعته الذين قاتلوا معه أفضل من الذين بايعوا الثلاثة، ~~فضلا عن أصحاب معاوية. # والمعلوم باتفاق الناس أن الأمر انتظم للثلاثة ولمعاوية ما لم ينتظم ~~لعلي، فكيف يكون الإمام الكامل ms1308 والرعية الكاملة - على رأيهم - أعظم اضطرابا ~~وأقل انتظاما من الإمام الناقص والرعية الناقصة؟ بل من الكافرة والفاسقة ~~على رأيهم؟ # ولم يكن في أصحاب علي من العلم والدين والشجاعة والكرم، إلا ما هو دون ما ~~في رعية الثلاثة. فلم يكونوا أصلح في الدنيا ولا في الدين. # ومع هذا فلم يكن للشيعة إمام ذو سلطان معصوم بزعمهم أعظم من علي، فإذا لم ~~يستقيموا معه كانوا أن لا يستقيموا مع من هو دونه أولى وأحرى، فعلم أنهم شر ~~وأنقص (1) من غيرهم. # وهم يقولون: المعصوم إنما وجبت عصمته لما في ذلك من اللطف بالمكلفين ~~والمصلحة لهم. فإذا علم أن مصلحة غير الشيعة في كل زمان خير من مصلحة ~~الشيعة، واللطف لهم أعظم من اللطف للشيعة، علم أن ما ذكروه (2) من إثبات ~~العصمة باطل. # وتبين حينئذ حاجة الأئمة إلى الأمة، وأن الصديق هو الذي قال الحق وأقام ~~العدل أكثر (3) من غيره. PageV05P467 ### | كلام الرافضي على أبي بكر رضي الله عنه والرد عليه # فصل (1) # قال الرافضي: (2) " وقال: أقيلوني فلست (3) بخيركم، وعلي فيكم (4) . فإن ~~كانت إمامته حقا كانت استقالته منها معصية، وإن كانت باطلة لزم الطعن ". # والجواب: أن هذا كذب، ليس في شيء من كتب الحديث، ولا له إسناد معلوم، ~~فإنه لم يقل: " وعلي فيكم "، بل الذي ثبت (5) عنه في الصحيح أنه قال يوم ~~السقيفة: بايعوا أحد هذين الرجلين: عمر بن الخطاب، وأبا عبيدة بن الجراح، ~~فقال له عمر: بل أنت سيدنا، وخيرنا (6) ، وأحبنا إلى رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم -. قال " عمر: كنت (7) والله لأن أقدم فتضرب عنقي، لا يقربني ذلك ~~إلى إثم، أحب إلي من تأمري (8) على قوم فيهم أبو بكر (9) . # ثم لو قال: " وعلي فيكم " لاستخلفه مكان عمر، فإن أمره كان مطاعا. ~~PageV05P468 # وأما قوله: " إن كانت إمامته حقا كانت استقالته منها معصية ". # فيقال: إن ثبت أنه قال ذلك، فإن كونها حقا إما بمعنى كونها جائزة، ~~والجائز يجوز تركه، وإما بمعنى كونها واجبة إذا لم يولوا غيره، ولم يقيلوه. ~~وأما إذا أقالوه وولوا غيره لم تكن ms1309 واجبة عليه. # والإنسان قد يعقد بيعا أو إجارة، ويكون العقد حقا، ثم يطلب الإقالة وهو ~~لتواضعه وثقل الحمل عليه قد يطلب الإقالة، وإن لم يكن هناك من هو أحق بها ~~منه، وتواضع الإنسان لا يسقط حقه. # فصل (1) # قال الرافضي (2) : وقال عمر: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين ~~(3) شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه، ولو كانت إمامته صحيحة لم يستحق ~~فاعلها القتل، فيلزم تطرق الطعن إلى عمر. وإن كانت باطلة لزم الطعن عليهما ~~معا " (4) . # والجواب: أن لفظ الحديث سيأتي. قال فيه: " فلا يغترن امرؤ أن يقول: " ~~إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة فتمت. ألا وإنها قد كانت كذلك، ولكن وقى الله ~~شرها، وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر " (5) ومعناه أن بيعة ~~أبي بكر بودر إليها من غير تريث ولا انتظار ; لكونه PageV05P469 # كان متعينا لهذا الأمر. كما قال عمر: " ليس فيكم من تقطع إليه الأعناق ~~مثل أبي بكر ". # وكان ظهور فضيلة أبي بكر على من سواه، وتقديم رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - له على سائر الصحابة أمرا ظاهرا معلوما. فكانت دلالة النصوص على ~~تعيينه تغني عن مشاورة وانتظار وتريث، بخلاف غيره فإنه لا تجوز مبايعته إلا ~~بعد المشاورة والانتظار والتريث، فمن بايع غير أبي بكر عن غير انتظار ~~وتشاور لم يكن له ذلك. # وهذا قد جاء مفسرا في حديث عمر هذا في خطبته المشهورة الثابتة في الصحيح، ~~التي خطب بها مرجعه من الحج في آخر عمره. وهذه الخطبة معروفة عند أهل ~~العلم، وقد رواها البخاري في صحيحه (1) عن ابن عباس، قال (2) : " كنت أقرئ ~~رجالا من المهاجرين منهم: عبد الرحمن بن عوف، فبينما (3) أنا في منزله (4) ~~بمنى، وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها، إذ رجع إلى عبد الرحمن بن ~~عوف (5) ، PageV05P470 # فقال: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم، فقال: يا أمير المؤمنين، هل ~~لك في فلان يقول: لو قد مات عمر لقد (1) بايعت فلانا، فوالله، ما كانت بيعة ~~أبي بكر إلا فلتة فتمت؟ فغضب ms1310 عمر ثم قال (2) : إني إن شاء الله لقائم ~~العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم، فقال (3) ~~عبد الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين، لا تفعل ; فإن الموسم يجمع رعاع الناس ~~وغوغاءهم، وإنهم (4) هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس، وأنا (5) ~~أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها ~~على مواضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة ; فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلص ~~بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول مقالتك (6) متمكنا (7) ، فيعي أهل العلم ~~مقالتك ويضعونها (8) على مواضعها، فقال (9) عمر: أما والله إن شاء الله ~~لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة، قال ابن عباس: فقدمنا المدينة في عقب ~~ذي الحجة، فلما كان يوم الجمعة عجلت بالرواح (10) حين زاغت PageV05P471 # الشمس، حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر، فجلست ~~حوله تمس ركبتي ركبته، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب (1) ، فلما رأيته ~~مقبلا قلت: لسعيد بن زيد [بن عمرو بن نفيل] (2) : ليقولن العشية مقالة لم ~~يقلها منذ استخلف. فأنكر علي، وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله؟ فجلس ~~عمر على المنبر، فلما سكت المؤذنون (3) قام فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ~~قال: أما بعد فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها، لا أدري لعلها بين ~~يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي أن لا ~~يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب علي: إن الله بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم ~~- بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما (4) أنزل عليه آية (5) الرجم، ~~فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا ~~بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: [والله] (6) ما نجد آية ~~الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله ~~حق على من زنى [إذا أحصن] (7) من الرجال والنساء إذا قامت البينة، أو كان ~~الحبل أو الاعتراف، ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ ms1311 من كتاب PageV05P472 # الله: [أن] (1) لا ترغبوا عن آبائكم، فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ~~(2) ، ألا إن (3) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " «لا تطروني كما ~~أطرت النصاري عيسى (4) ابن مريم، وقولوا: عبد الله ورسوله» " ثم إنه بلغني ~~أن قائلا منكم (5) يقول: والله، لو مات عمر لبايعت (6) فلانا، فلا يغترن ~~امرؤ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة (7) فتمت (8) ، ألا وإنها قد ~~كانت كذلك، ولكن الله وقى شرها، وليس فيكم (9) من تقطع الأعناق إليه مثل ~~PageV05P473 # أبي بكر (1) ، من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين، فلا يبايع هو ولا ~~الذي بايعه تغرة أن يقتلا (2) ، وإنه قد كان من خبرنا (3) حين توفى الله ~~نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن (4) الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في ~~سقيفة بني ساعدة، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما (5) ، واجتمع المهاجرون ~~إلى أبي بكر. فقلت لأبي بكر: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من ~~الأنصار، فانطلقنا نريدهم، فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان، فذكرا ~~ما تمالأ عليه القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد ~~إخواننا هؤلاء (6) من الأنصار. فقالا: لا عليكم أن [لا] (7) تقربوهم. اقضوا ~~أمركم. فقلت: والله، لنأتينهم. فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، ~~فإذا رجل مزمل (8) بين ظهرانيهم. فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا سعد بن عبادة. ~~فقلت: ما له؟ قالوا: يوعك (9) . PageV05P474 # فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما ~~بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر (1) المهاجرين رهط وقد دفت ~~دافة (2) من قومكم، [فإذا هم] (3) يريدون أن يختزلونا (4) من أصلنا وأن ~~يحضنونا (5) من الأمر، فلما سكت أردت (6) أن أتكلم، وكنت زورت (7) مقالة ~~أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحد، فلما ~~أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك (8) . فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر، ~~فكان هو أحلم مني وأوقر. والله، ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال ~~في بديهته مثلها أو أفضل ms1312 منها، حتى سكت. فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم ~~له أهل، ولن يعرف (9) هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب ~~PageV05P475 # نسبا ودارا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم. فأخذ ~~بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا. فلم أكره مما قال غيرها، ~~كان والله، أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر ~~على قوم فيهم أبو بكر، اللهم إلا أن تسول لي (1) نفسي عند الموت شيئا لا ~~أجده (2) الآن. فقال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ~~(3) ، منا أمير، ومنكم أمير يا معشر قريش، فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات حتى ~~فرقت من الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر. فبسط يده، فبايعته وبايعه ~~المهاجرون، ثم بايعته (4) الأنصار، ونزونا (5) على سعد بن عبادة، فقال قائل ~~[منهم] (6) : قتلتم سعد بن عبادة. فقلت: قتل الله سعد بن عبادة. قال عمر: ~~وإنا والله PageV05P476 # ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا ~~القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا، فإما بايعناهم (1) على ما ~~لا نرضى (2) ، وإما أن نخالفهم (3) فيكون فساد، فمن بايع رجلا على غير (4) ~~مشورة من المسلمين فلا يتابع (5) هو ولا الذي (6) بايعه تغرة أن يقتلا " ~~(7) قال مالك (8) : وأخبرني ابن شهاب عن عروة بن الزبير: أن الرجلين اللذين ~~لقياهما (9) . عويمر (10) (ط. المعارف 1/327. بن ساعدة ومعن بن عدي - وهما ~~ممن شهد بدرا (11) - قال ابن شهاب: وأخبرني سعيد بن المسيب: أن PageV05P477 # الذي قال: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب: الحباب بن المنذر. # وفي صحيح البخاري (1) عن عائشة - رضي الله عنها -: أن رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - مات، وأبو بكر بالسنح (2) فقام عمر يقول: والله، ما مات ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال (3) : " وقال عمر: والله ما كان يقع ~~في قلبي (4) إلا ذاك - وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم فجاء أبو ~~بكر [- رضي الله عنه -] (5) فكشف عن رسول - صلى الله عليه وسلم -[فقبله] ~~(6) فقال ms1313 (7) : بأبي وأمي (8) ، طبت حيا وميتا، والذي نفسي بيده، لا يذيقك ~~الله الموتتين أبدا، ثم خرج فقال: أيها الحالف على رسلك. فلما تكلم أبو بكر ~~جلس عمر، فحمد الله أبو بكر، وأثنى عليه، وقال (9) : ألا من كان يعبد محمدا ~~(10) فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقال الله ~~تعالى (11) : {إنك ميت وإنهم ميتون} PageV05P478 # [سورة الزمر: 30] ، وقال: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن ~~مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا ~~وسيجزي الله الشاكرين} [سورة آل عمران: 144] قال: فنشج الناس يبكون، ~~واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا: منا أمير، ~~ومنكم أمير، فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، فذهب ~~عمر يتكلم فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: والله، ما أردت بذلك إلا أني ~~هيأت كلاما قد أعجبني، خشيت أن لا يبلغه أبو بكر، ثم تكلم أبو بكر فتكلم ~~أبلغ الناس، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فقال حباب بن ~~المنذر: لا والله، لا نفعل منا أمير، ومنكم أمير، فقال أبو بكر: لا. ولكنا ~~الأمراء، وأنتم الوزراء. هم أوسط العرب دارا، وأعربهم (1) أحسابا، فبايعوا ~~عمر أو أبا عبيدة بن الجراح، فقال عمر: بل نبايعك أنت. فأنت سيدنا وخيرنا، ~~وأحبنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذ عمر بيده فبايعه، ~~وبايعه الناس. فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة (2) . فقال عمر: قتله الله ~~(3) ". # وفي صحيح البخاري عن عائشة في هذه القصة قالت (4) : " ما كان (5) من ~~خطبتهما من خطبة إلا نفع الله بها، لقد خوف عمر الناس، وإن فيهم ~~PageV05P479 # لنفاقا، فردهم الله بذلك، ثم لقد بصر أبو بكر الناس الهدى، وعرفهم الحق ~~الذي عليهم ". # وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك (1) : أنه سمع خطبة عمر الآخرة (2) حين ~~جلس على المنبر، وذلك الغد من يوم توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ~~فتشهد وأبو بكر صامت لا يتكلم، قال: كنت ms1314 أرجو أن يعيش رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - حتى يدبرنا، يريد بذلك أن يكون آخرهم ; فإن يكن (3) محمد (4) ~~قد مات فإن الله (5) قد جعل بين أظهركم (6) نورا تهتدون به، به هدى الله ~~محمدا (7) ، وإن أبا بكر صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثاني ~~اثنين، وإنه (8) أولى المسلمين بأموركم، فقوموا فبايعوه، وكانت طائفة منهم ~~قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكانت بيعة (9) العامة على المنبر ~~". # وعنه (10) : " قال: سمعت (11) عمر يقول لأبي بكر يومئذ: اصعد المنبر، فلم ~~يزل به حتى صعد [المنبر] (12) فبايعه الناس عامة ". PageV05P480 # وفي طريق (1) أخرى لهذه الخطبة (2) : " أما بعد فاختار الله لرسوله الذي ~~عنده على الذي عندكم، وهذا الكتاب الذي (3) هدى الله به رسوله (4) ، فخذوا ~~به تهتدوا، لما هدى الله (5) به رسوله - صلى الله عليه وسلم - (6) ". ### | كلام الرافضي على أبي بكر رضي الله عنه عند الاحتضار والرد عليه # (فصل) (7) # قال الرافضي (8) : " وقال أبو بكر عند موته: ليتني كنت سألت رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - هل للأنصار في هذا الأمر حق، وهذا يدل على أنه في شك ~~من إمامته ولم تقع صوابا ". # والجواب: أن هذا كذب (9) على أبي بكر - رضي الله عنه -، وهو لم يذكر له ~~إسنادا، ومعلوم أن من احتج في أي مسألة كانت بشيء من النقل، فلا بد أن يذكر ~~إسنادا تقوم به الحجة، فكيف بمن يطعن في السابقين الأولين بمجرد حكاية لا ~~إسناد لها؟ # ثم يقال: هذا يقدح فيما تدعونه (10) من النص على علي، فإنه لو كان قد ~~PageV05P481 # نص على علي لم يكن للأنصار فيه حق، ولم يكن في ذلك شك. # (فصل) (1) # قال الرافضي (2) : " وقال عند احتضاره: ليت أمي لم تلدني! يا ليتني (3) ~~كنت تبنة في لبنة، مع أنهم [قد] (4) نقلوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~أنه قال: " «ما من محتضر يحتضر إلا ويرى مقعده من الجنة والنار» (5) ". # والجواب: أن تكلمه بهذا عند الموت غير معروف، بل هو باطل بلا ريب، بل ~~الثابت عنه أنه لما احتضر، وتمثلت عنده عائشة بقول ms1315 الشاعر: # لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر # فكشف عن وجهه، وقال: ليس كذلك، ولكن قولي: {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ~~ما كنت منه تحيد} [سورة ق: 19] . PageV05P482 # ولكن نقل عنه أنه قال في صحته: ليت أمي لم تلدني! ونحو هذا قاله خوفا - ~~إن صح النقل عنه. ومثل هذا الكلام منقول عن جماعة أنهم قالوه خوفا وهيبة من ~~أهوال يوم القيامة، حتى قال بعضهم: لو خيرت بين أن أحاسب وأدخل الجنة، وبين ~~أن أصير ترابا، لاخترت أن أصير ترابا. وروى الإمام أحمد عن أبي ذر أنه قال: ~~والله لوددت أني شجرة تعضد، وقد روى أبو نعيم في " حلية الأولياء " (1) ~~قال: حدثنا سليمان بن أحمد (2) ، حدثنا محمد بن علي الصائغ، حدثنا سعيد بن ~~منصور، حدثنا أبو معاوية، حدثنا السري بن يحيى. قال (3) : قال عبد الله بن ~~مسعود: " لو وقفت بين الجنة والنار، فقيل لي: اختر في أيهما تكون، أو تكون ~~رمادا، لاخترت أن أكون رمادا " (4) . # وروى الإمام أحمد بن حنبل (5) : حدثنا يحيى بن سعيد، عن مجالد، عن ~~الشعبي، عن مسروق قال: قال رجل عند عبد الله بن مسعود: ما أحب أن أكون من ~~أصحاب اليمين، أكون من المقربين أحب إلي. فقال عبد الله بن مسعود: لكن ~~هاهنا رجل ود أنه إذا مات لم يبعث، يعني نفسه. # والكلام في مثل هذا (6) : هل هو مشروع أم لا؟ له موضع آخر. لكن ~~PageV05P483 # الكلام الصادر عن خوف العبد من الله يدل على إيمانه بالله، وقد غفر الله ~~لمن خافه حين أمر أهله بتحريقه وتذرية نصفه في البر ونصفه في البحر، مع أنه ~~لم يعمل خيرا قط. وقال: «والله، لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه ~~أحدا من العالمين ; فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه. ~~وقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: من خشيتك يا رب، فغفر له» ، أخرجاه في ~~الصحيحين (1) . # فإذا كان مع شكه في القدرة والمعاد، إذا فعل ذلك غفر له بخوفه من الله ms1316، ~~علم أن الخوف من الله من أعظم أسباب المغفرة للأمور الحقيقية، إذا قدر أنها ~~ذنوب. # (فصل) (2) # قال الرافضي (3) : " وقال أبو بكر: ليتني في ظلة بني ساعدة ضربت بيدي على ~~يد (4) أحد الرجلين، فكان (5) هو الأمير، وكنت PageV05P484 # الوزير ". قال (1) : " وهو يدل على أنه لم يكن صالحا يرتضي لنفسه الإمامة ~~" (2) . # والجواب: أن هذا إن كان قاله (3) فهو أدل دليل (4) على أن عليا لم يكن هو ~~الإمام، وذلك أن قائل هذا إنما يقوله خوفا من الله أن يضيع حق الولاية، ~~وأنه إذا ولى غيره، وكان وزيرا له، كان أبرأ لذمته، فلو كان علي هو الإمام، ~~لكانت توليته لأحد الرجلين إضاعة للإمامة أيضا، وكان يكون وزيرا لظالم ~~غيره، وكان قد باع آخرته بدنيا غيره، وهذا لا يفعله من يخاف الله، ويطلب ~~براءة ذمته. # وهذا كما لو كان الميت قد وصى بديون، فاعتقد الوارث أن المستحق لها شخص، ~~فأرسلها إليه مع رسوله، ثم قال: يا ليتني (5) أرسلتها مع من هو أدين منه، ~~خوفا أن يكون الرسول الأول مقصرا في الوفاء، تفريطا أو خيانة. وهناك شخص ~~حاضر يدعي أنه المستحق للدين دون ذلك الغائب، فلو علم الوارث أنه المستحق ; ~~لكان يعطيه ولا يحتاج إلى الإرسال به إلى ذلك الغائب. ### | كلام الرافضي على عدم خروج أبي بكر وعمر مع جيش أسامة والرد عليه # (فصل) (6) # قال الرافضي (7) : " وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ~~PageV05P485 # مرض موته، مرة بعد أخرى، مكررا لذلك: «أنفذوا (1) جيش أسامة، لعن الله ~~المتخلف عن جيش أسامة، وكان الثلاثة معه، ومنع أبو بكر وعمر من ذلك» ". # والجواب: أن هذا من الكذب المتفق على أنه كذب عند كل من يعرف السيرة (2) ~~، ولم ينقل أحد من أهل العلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل أبا بكر ~~أو عثمان في جيش أسامة، وإنما روي ذلك في عمر، وكيف يرسل أبا بكر في جيش ~~أسامة، وقد استخلفه يصلي بالمسلمين مدة مرضه، وكان ابتداء مرضه من يوم ~~الخميس إلى الخميس إلى يوم الاثنين، اثني عشر يوما، ولم يقدم ms1317 في الصلاة ~~بالمسلمين إلا أبا بكر بالنقل المتواتر، ولم تكن الصلاة التي صلاها أبو بكر ~~بالمسلمين في مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة ولا صلاتين، ولا صلاة ~~يوم ولا يومين، حتى يظن ما تدعيه الرافضة من التلبيس، وأن عائشة قدمته بغير ~~أمره، بل كان يصلي بهم مدة مرضه، فإن الناس متفقون (3) على أن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - لم يصل بهم في مرض موته إلا أبو بكر، وعلى أنه صلى بهم ~~عدة (4) أيام. وأقل ما قيل: إنه صلى بهم سبعة عشرة صلاة، صلى بهم صلاة ~~العشاء الآخرة ليلة الجمعة، وخطب بهم يوم الجمعة. PageV05P486 # هذا مما تواترت به الأحاديث الصحيحة، ولم يزل يصلي بهم إلى فجر يوم ~~الاثنين: صلى بهم صلاة الفجر، وكشف النبي - صلى الله عليه وسلم - الستارة، ~~فرآهم يصلون خلف أبي بكر، فلما رأوه كادوا يفتنون في صلاتهم، ثم أرخى ~~الستارة. وكان ذلك آخر عهدهم به، وتوفي يوم الاثنين حين اشتد الضحى قريبا ~~من الزوال. # وقد قيل: إنه صلى بهم أكثر من ذلك من (1) الجمعة التي قبل (2) فيكون قد ~~صلى بهم مدة مرضه كلها، لكن (3) «خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة ~~واحدة لما وجد خفة في نفسه، فتقدم وجعل أبا بكر عن يمينه فكان أبو بكر يأتم ~~بالنبي - صلى الله عليه وسلم - (4) ، والناس يأتمون بأبي بكر» ، وقد كشف ~~الستارة يوم الاثنين صلاة الفجر، وهم يصلون خلف أبي بكر، ووجهه - صلى الله ~~عليه وسلم - كأنه ورقة مصحف، فسر بذلك لما رأى اجتماع الناس في الصلاة خلف ~~أبي بكر، ولم يروه بعدها. # وقد قيل: إن آخر صلاة صلاها كانت خلف أبي بكر. وقيل: صلى خلفه غيرها. # فكيف يتصور أن يأمره بالخروج في الغزاة وهو يأمره بالصلاة بالناس؟ ! ~~PageV05P487 # وأيضا فإنه جهز جيش أسامة قبل أن يمرض، فإنه أمره على جيش عامتهم ~~المهاجرون، منهم عمر بن الخطاب في آخر عهده - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا ~~(1) ثلاثة آلاف، وأمره أن يغير على أهل مؤتة، وعلى جانب فلسطين، حيث أصيب ~~أبوه، وجعفر ms1318، وابن رواحة، فتجهز أسامة بن زيد للغزو، وخرج في ثقله إلى ~~الجرف، وأقام بها أياما لشكوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدعا رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - أسامة فقال: " «اغد على بركة الله والنصر ~~والعافية. ثم أغر (2) حيث أمرتك أن تغير " قال أسامة: يا رسول الله، قد ~~أصبحت ضعيفا، وأرجو أن يكون الله قد عافاك، فأذن لي فأمكث حتى يشفيك الله، ~~فإني إن خرجت وأنت على هذه الحالة خرجت وفي نفسي منك قرحة، وأكره أن أسأل ~~عنك الناس " فسكت عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتوفي رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك بأيام، فلما جلس أبو بكر للخلافة أنفذه مع ~~ذلك الجيش، غير أنه استأذنه في (3) أن يأذن لعمر بن الخطاب في الإقامة ; ~~لأنه ذو رأي ناصح للإسلام، فأذن له، وسار أسامة لوجهه الذي أمر رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم -، فأصاب في ذلك (4) العدو مصيبة عظيمة، وغنم هو ~~وأصحابه، وقتل قاتل أبيه، وردهم الله سالمين إلى المدينة» . PageV05P488 # وإنما أنفذ جيش أسامة أبو بكر الصديق بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم ~~-، وقال: لا أحل راية عقدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأشار عليه ~~غير واحد أن يرد الجيش خوفا عليهم، فإنهم خافوا أن يطمع الناس في الجيش ~~بموت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فامتنع أبو بكر من رد الجيش وأمر ~~بإنفاذه، فلما رآهم الناس يغزون عقب موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، كان ~~ذلك مما أيد الله به الدين، وشد به قلوب المؤمنين، وأذل به الكفار ~~والمنافقين، وكان ذلك من كمال معرفة أبي بكر الصديق، وإيمانه ويقينه ~~وتدبيره [ورأيه] (1) . ### | [كلام الرافضي على أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوله أبدا والرد عليه] # (فصل) (2) # قال الرافضي (3) : " وأيضا لم يول النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر ~~ألبتة عملا في وقته، بل ولى عليه عمرو بن العاص تارة وأسامة أخرى، ولما ~~أنفذه (4) بسورة " براءة " رده بعد ثلاثة أيام بوحي ms1319 من الله، وكيف يرتضي ~~(5) العاقل إمامة من لا يرتضيه النبي (6) - صلى الله عليه وسلم - بوحي من ~~الله لأداء عشر آيات من " براءة "؟ ! ". PageV05P489 # والجواب: أن هذا من أبين الكذب ; فإنه من المعلوم المتواتر عند أهل ~~التفسير والمغازي والسير والحديث والفقه وغيرهم: أن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - استعمل أبا بكر على الحج عام تسع، وهو أول حج كان في الإسلام من ~~مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن قبله حج في الإسلام، إلا ~~الحجة التي أقامها عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية من مكة، فإن مكة فتحت ~~سنة ثمان، أقام الحج ذلك العام عتاب بن أسيد، الذي استعمله النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - على أهل مكة، ثم أمر أبا بكر سنة تسع للحج، بعد رجوع ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك، وفيها أمر أبا بكر بالمناداة ~~في الموسم: «أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان» ، ولم يؤمر ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - غير أبي بكر على مثل هذه الولاية، فولاية أبي ~~بكر كانت من خصائصه ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يؤمر على الحج ~~أحدا كتأمير أبي بكر، ولم يستخلف على الصلاة أحدا كاستخلاف أبي بكر، وكان ~~علي من رعيته في هذه الحجة، فإنه لحقه فقال: أمير أو (1) مأمور؟ فقال علي: ~~بل مأمور، وكان علي يصلي خلف أبي بكر مع سائر المسلمين في هذه الولاية، ~~ويأتمر لأمره كما يأتمر له سائر من معه، ونادى علي مع الناس (2) في هذه ~~الحجة بأمر أبي بكر. # وأما ولاية غير أبي بكر فكانت مما يشاركه فيها غيره، كولاية علي ~~PageV05P490 # وغيره، فلم يكن لعلي ولاية إلا ولغيره مثلها، بخلاف ولاية أبي بكر فإنها ~~من خصائصه، ولم يول النبي - صلى الله عليه وسلم - على أبي بكر لا أسامة بن ~~زيد، ولا عمرو بن العاص. # فأما تأمير أسامة عليه فمن (1) الكذب المتفق على كذبه. # وأما قصة عمرو بن العاص، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أرسل عمرا ms1320 ~~في سرية، وهي غزوة ذات السلاسل (2) ، وكانت إلى بني عذرة، وهم أخوال عمرو، ~~فأمر عمرا ليكون ذلك سببا لإسلامهم، للقرابة التي له منهم، ثم أردفه بأبي ~~عبيدة، ومعه أبو بكر وعمر وغيرهما من المهاجرين. وقال: " «تطاوعا ولا ~~تختلفا» " فلما لحق عمرا قال: أصلي بأصحابي وتصلي بأصحابك، قال: بل أنا ~~أصلي بكم، فإنما أنت مدد لي. فقال له أبو عبيدة: إن رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - أمرني أن أطاوعك، فإن عصيتني أطعتك. قال: فإنى أعصيك، فأراد ~~عمرو أن ينازعه في ذلك، فأشار عليه أبو بكر أن لا يفعل (3) ، ورأى أبو بكر ~~أن ذلك أصلح للأمر، فكانوا يصلون خلف عمرو، مع علم كل أحد (4) أن أبا بكر ~~وعمر وأبا عبيدة أفضل من عمرو (5) . PageV05P491 # وكان ذلك لفضلهم (1) وصلاحهم ; لأن عمرا كانت إمارته قد تقدمت لأجل ما في ~~ذلك من تألف (2) قومه الذين أرسل إليهم لكونهم أقاربه، ويجوز تولية المفضول ~~لمصلحة راجحة، كما أمر أسامة بن زيد ليأخذ بثأر أبيه زيد بن حارثة، لما قتل ~~في غزوة مؤتة، فكيف والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يؤمر على أبي بكر ~~أحدا في شيء من الأمور؟ ! # بل قد علم بالنقل العام المتواتر أنه لم يكن أحد عنده أقرب إليه (3) ولا ~~أخص به، ولا أكثر اجتماعا به ليلا ونهارا، سرا وعلانية، من أبي بكر، ~~PageV05P492 # ولا كان أحد من الصحابة يتكلم بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - قبله، ~~فيأمر وينهى، ويخطب ويفتي، يوقره النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك ~~راضيا بما يفعل. # ولم يكن ذلك تقدما بين يديه، بل بإذن منه قد علمه، وكان ذلك معونة للنبي ~~- صلى الله عليه وسلم - وتبليغا عنه، وتنفيذا لأمره ; لأنه كان أعلمهم ~~بالرسول وأحبهم (1) إلى الرسول وأتبعهم له. # وأما قول الرافضي: إنه لما أنفذه ببراءة رده بعد ثلاثة أيام، فهذا من ~~الكذب المعلوم أنه كذب ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أمر أبا بكر ~~على الحج، ذهب كما أمره، وأقام الحج في ذلك العام، عام تسع، للناس ولم يرجع ms1321 ~~إلى المدينة حتى قضى الحج، وأنفذ فيه ما أمره به النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -، فإن المشركين كانوا يحجون البيت، وكانوا يطوفون بالبيت عراة، وكان ~~بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين المشركين عهود مطلقة، فبعث أبا بكر ~~وأمره أن ينادي: «أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان» ، ~~فنادى بذلك من أمره أبو بكر بالنداء ذلك العام، وكان علي بن أبي طالب من ~~جملة من نادى بذلك في الموسم بأمر أبي بكر، ولكن لما خرج أبو بكر أردفه ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - بعلي بن أبي طالب لينبذ إلى المشركين العهود. # قالوا: وكان من عادة العرب أن لا يعقد العهود ولا يفسخها إلا المطاع، أو ~~رجل من أهل بيته. فبعث عليا لأجل فسخ العهود التي كانت مع المشركين خاصة، ~~لم يبعثه لشيء آخر، ولهذا كان علي يصلي خلف PageV05P493 # أبي بكر، ويدفع بدفعه في الحج، كسائر رعية أبي بكر الذين كانوا معه في ~~الموسم. # وكان هذا بعد غزوة تبوك، واستخلافه له فيها على من تركه بالمدينة، وقوله ~~له: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى» ؟ # ثم بعد هذا أمر أبا بكر على الموسم، وأردفه بعلي مأمورا عليه لأبي بكر ~~الصديق - رضي الله عنه -، وكان هذا مما دل على أن عليا لم يكن خليفة له، ~~إلا مدة مغيبه عن المدينة فقط. ثم أمر أبا بكر عليه عام تسع، ثم إنه بعد ~~هذا بعث عليا وأبا موسى الأشعري، ومعاذا إلى اليمن، فرجع علي وأبو موسى ~~إليه، وهو بمكة في حجة الوداع، وكل منهما قد أهل بإهلال النبي - صلى الله ~~عليه وسلم -، فأما معاذ فلم يرجع إلا بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم ~~-، في خلافة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -. ### | كلام الرافضي على أبي بكر رضي الله عنه أنه قطع يسار سارق والرد عليه # (فصل) (1) # قال الرافضي (2) : " وقطع يسار سارق (3) ، ولم يعلم أن القطع لليد اليمنى ~~" (4) . # والجواب: أن قول القائل: إن أبا بكر يجهل هذا من أظهر ms1322 الكذب. ولو قدر أن ~~أبا بكر كان يجيز ذلك (5) ، لكان ذلك قولا سائغا ; PageV05P494 # لأن القرآن ليس في ظاهره ما يعين اليمين، لكن تعيين (1) اليمين في قراءة ~~ابن مسعود: " فاقطعوا أيمانهما " وبذلك مضت السنة. ولكن أين النقل بذلك عن ~~أبي بكر - رضي الله عنه - أنه قطع اليسرى؟ وأين الإسناد الثابت؟ بذلك وهذه ~~كتب أهل العلم بالآثار موجودة ليس فيها ذلك، ولا نقل أهل العلم بالاختلاف ~~ذلك (2) قولا، مع تعظيمهم لأبي بكر - رضي الله عنه -. ### | كلام الرافضي على أبي بكر أنه أحرق الفجاءة السلمي بالنار والرد عليه # (فصل) (3) # قال الرافضي (4) : " وأحرق الفجاءة السلمي بالنار، وقد نهى النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - عن (5) الإحراق بالنار ". # الجواب: أن الإحراق بالنار عن علي أشهر وأظهر منه عن أبي بكر، [وأنه قد ~~ثبت] في الصحيح (6) . أن عليا أتي بقوم زنادقة من غلاة الشيعة، فحرقهم ~~بالنار، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم بالنار ; لنهي ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعذب بعذاب الله، ولضربت أعناقهم ; لقول ~~النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «من بدل دينه فاقتلوه» " (7) . ~~PageV05P495 # فبلغ ذلك عليا، فقال: ويح ابن أم الفضل ما أسقطه على الهنات. # فعلي حرق جماعة بالنار، فإن كان ما فعله أبو بكر منكرا، ففعل علي أنكر ~~منه، وإن كان فعل علي مما لا ينكر مثله على الأئمة، فأبو بكر أولى أن لا ~~ينكر عليه. ### | [كلام الرافضي أن أبا بكر خفي ليه أكثر أحكام الشريعة والرد عليه] # (فصل) (1) # قال الرافضي (2) : " وخفي عليه أكثر أحكام الشريعة، فلم (3) يعرف حكم ~~الكلالة، وقال: أقول فيها برأيي، فإن يك (4) صوابا فمن الله، وإن يك (5) ~~خطأ فمني ومن الشيطان، وقضى في الجد بسبعين قضية، وهو يدل على قصوره في ~~العلم ". # والجواب: أن هذا من أعظم البهتان. كيف (6) يخفى عليه أكثر أحكام الشريعة، ~~ولم يكن بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - من يقضي ويفتي إلا هو؟ ! ولم ~~يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر مشاورة لأحد من أصحابه (7) منه له ~~ولعمر، ولم يكن أحد أعظم ms1323 اختصاصا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - منه ثم ~~عمر. PageV05P496 # وقد ذكر غير واحد، مثل منصور بن عبد الجبار السمعاني وغيره، إجماع أهل ~~العلم على أن الصديق أعلم الأمة. وهذا بين، فإن الأمة لم تختلف في ولايته ~~في مسألة إلا فصلها هو بعلم يبينه لهم، وحجة يذكرها لهم من الكتاب والسنة، ~~كما بين لهم موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتثبيتهم على الإيمان، ~~وقراءته عليهم الآية (1) ، ثم بين لهم موضع دفنه، وبين لهم قتال مانعي ~~الزكاة [لما استراب فيه عمر] (2) ، وبين لهم أن الخلافة في قريش في سقيفة ~~بني ساعدة، لما ظن من ظن أنها تكون في غير قريش. # وقد استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على أول حجة حجت من مدينة ~~النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلم المناسك أدق ما (3) في العبادات، ولولا ~~سعة علمه بها لم يستعمله، وكذلك الصلاة استخلفه فيها، ولولا علمه بها لم ~~يستخلفه، ولم يستخلف غيره لا في حج ولا في صلاة. # وكتاب الصدقة التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذه أنس من ~~أبي بكر. وهو أصح ما روي فيها، وعليه اعتمد الفقهاء. # وفي الجملة لا يعرف لأبي بكر مسألة من الشريعة غلط فيها، وقد عرف لغيره ~~مسائل كثيرة، كما بسط في موضعه. # وقد تنازعت الصحابة بعده في مسائل: مثل الجد والإخوة، ومثل PageV05P497 # العمرتين، ومثل العول (1) ، وغير ذلك من مسائل (* الفرائض وتنازعوا في ~~مسألة (2) . الحرام، والطلاق الثلاث بكلمة، والخلية (3) .، والبرية (4) ، ~~والبتة (5) ، وغير ذلك من مسائل الطلاق. # وكذلك تنازعوا في مسائل *) (6) . صارت مسائل نزاع بين الأمة إلى اليوم. ~~وكان تنازعهم في خلافة عمر نزاع اجتهاد محض: كل منهم يقر صاحبه على ~~اجتهاده، كتنازع (7) . الفقهاء أهل العلم والدين. # وأما في خلافة عثمان فقوي النزاع في بعض الأمور، حتى صار يحصل كلام غليظ ~~من بعضهم لبعض، ولكن لم يقاتل بعضهم بعضا باليد (8) . ولا بسيف ولا غيره. # وأما في خلافة علي فتغلظ النزاع، حتى تقاتلوا بالسيوف. PageV05P498 # وأما في خلافة أبي بكر فلم يعلم أنه استقر بينهم نزاع في ms1324 مسألة واحدة من ~~مسائل الدين ; وذلك لكمال علم الصديق، وعدله، ومعرفته بالأدلة التي تزيل ~~النزاع، فلم يكن يقع بينهم نزاع إلا أظهر الصديق من الحجة التي تفصل النزاع ~~ما يزول معها (1) . النزاع، وكان عامة الحجج الفاصلة للنزاع يأتي بها ~~الصديق ابتداء، وقليل من ذلك يقوله عمر أو غيره، فيقره أبو بكر الصديق. # وهذا مما يدل على أن الصديق ورعيته أفضل من عمر ورعيته، وعثمان ورعيته، ~~وعلي ورعيته، فإن أبا بكر ورعيته أفضل الأئمة والأمة بعد النبي - صلى الله ~~عليه وسلم -. # ثم الأقوال التي خولف فيها الصديق بعد موته، قوله فيها أرجح من قول من ~~خالفه بعد موته. وطرد ذلك الجد والإخوة، فإن قول الصديق وجمهور الصحابة ~~وأكابرهم أنه يسقط الإخوة، وهو قول طوائف (2) . من العلماء، وهو مذهب أبي ~~حنيفة، وطائفة من أصحاب الشافعي، وأحمد، كأبي العباس بن سريج من الشافعية، ~~وأبي حفص البرمكي من الحنابلة، ويذكر ذلك رواية عن أحمد. # والذين قالوا: بتوريث الإخوة مع الجد، كعلي وزيد وابن مسعود، اختلفوا (3) ~~. اختلافا معروفا، وكل منهم قال قولا خالفه فيه الآخر، وانفرد بقوله عن ~~سائر الصحابة. وقد بسطنا الكلام على ذلك في غير هذا الموضع PageV05P499 # في مصنف مفرد، وبينا أن قول الصديق وجمهور الصحابة هو الصواب، وهو القول ~~الراجح الذي تدل عليه الأدلة الشرعية من وجوه كثيرة، [ليس هذا موضع بسطها] ~~(1) . . # وكذلك ما كان عليه الأمر في زمن صديق الأمة - رضي الله عنه - من جواز فسخ ~~الحج إلى العمرة بالتمتع، وأن من طلق ثلاثا بكلمة واحدة لا يلزمه إلا طلقة ~~واحدة هو الراجح، دون من يحرم الفسخ ويلزم بالثلاث ; فإن الكتاب والسنة ~~إنما يدل على ما كان عليه الأمر في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~وخلافة أبي بكر، دون القول المخالف لذلك. # ومما يدل على كمال حال الصديق، وأنه أفضل من كل من ولي الأمة، بل وممن ~~ولي غيرها من الأمم بعد الأنبياء، أنه من المعلوم أن رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - أفضل الأولين والآخرين، وأفضل من سائر الخلق ms1325 من جميع العالمين. # وقد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال: " «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، ~~كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء ويكثرون " قالوا: ~~يا رسول الله، فما تأمرنا؟ قال: " فوا (2) بيعة الأول فالأول» " (3) . # ومن المعلوم أنه (4) . من تولى بعد الفاضل إذا كان فيه نقص كثير عن ~~PageV05P500 # سياسة الأول، ظهر ذلك (1) . النقص ظهورا بينا، وهذا معلوم من حال الولاة ~~إذا تولى ملك بعد ملك، أو قاض بعد قاض، أو شيخ بعد شيخ، أو غير ذلك ; فإن ~~الثاني إذا كان ناقص الولاية نقصا بينا ظهر ذلك فيه، وتغيرت الأمور التي ~~كان الأول قد نظمها وألفها، ثم الصديق تولى بعد أكمل الخلق سياسة، فلم يظهر ~~في الإسلام نقص بوجه من الوجوه، بل قاتل المرتدين حتى عاد الأمر إلى ما كان ~~[عليه] (2) ، وأدخل الناس في الباب الذي خرجوا منه، ثم شرع في قتال الكفار ~~من أهل الكتاب، وعلم الأمة ما خفي عليهم، وقواهم لما ضعفوا، وشجعهم لما ~~جبنوا، وسار فيهم سيرة توجب صلاح دينهم ودنياهم، فأصلح الله بسببه الأمة في ~~علمهم، وقدرتهم ودينهم، وكان ذلك مما حفظ الله به على الأمة دينها، وهذا ~~مما يحقق أنه أحق الناس بخلافة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. # وأما قول الرافضي: " لم يعرف حكم الكلالة حتى قال فيها برأيه ". # فالجواب: أن هذا من أعظم علمه ; فإن هذا الرأي الذي رآه في الكلالة قد ~~اتفق عليه جماهير العلماء بعده، فإنهم أخذوا في الكلالة بقول أبي بكر، وهو ~~من لا ولد له ولا والد، والقول بالرأي هو معروف عن سائر الصحابة، كأبي بكر، ~~وعمر، وعثمان، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، لكن الرأي الموافق ~~للحق هو الذي يكون لصاحبه PageV05P501 # أجران، كرأي الصديق، فإن هذا خير من الرأي الذي غاية صاحبه أن يكون له ~~أجر واحد. # وقد قال قيس بن عباد لعلي: أرأيت مسيرك هذا: ألعهد عهده إليك رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - أم رأي رأيته؟ فقال: بل رأي رأيته. رواه أبو ms1326 داود ~~وغيره (1) . . # فإذا كان مثل هذا الرأي الذي حصل به من سفك الدماء ما حصل، لا يمنع صاحبه ~~أن يكون إماما، فكيف بذلك الرأي الذي اتفق جماهير العلماء على حسنه. # وأما ما ذكره من قضائه في الجد (2) . بسبعين قضية، فهذا كذب. وليس هو قول ~~أبي بكر، ولا نقل هذا عن [أبي بكر] (3) ، بل نقل هذا عن أبي PageV05P502 # بكر يدل على غاية جهل هؤلاء الروافض وكذبهم، ولكن نقل بعض الناس عن عمر ~~أنه قضى في الجد بسبعين قضية، ومع هذا هو باطل (1) ، عن عمر فإنه لم يمت في ~~خلافته سبعون جدا كل منهم كان لابن ابنه إخوة، وكانت تلك الوقائع تحتمل ~~سبعين قولا مختلفة، بل هذا الاختلاف لا يحتمله كل جد في العالم (2) .، فعلم ~~أن هذا كذب. # وأما مذهب أبي بكر في الجد، فإنه جعله أبا، وهو قول بضعة عشر من الصحابة، ~~وهو مذهب كثير من الفقهاء [كأبي حنيفة وطائفة من أصحاب الشافعي وأحمد، كأبي ~~حفص البرمكي، ويذكر رواية عن أحمد] (3) . كما تقدم (4) .، وهو أظهر القولين ~~في الدليل. # ولهذا يقال: لا يعرف لأبي بكر خطأ في الفتيا، بخلاف غيره من الصحابة ; ~~فإن قوله (5) في الجد أظهر القولين، والذين ورثوا الإخوة مع الجد، وهم علي، ~~وزيد، وابن مسعود، وعمر، في إحدى الروايتين عنه، تفرقوا في ذلك. وجمهور ~~الفقهاء على قول زيد، وهو قول مالك والشافعي وأحمد، فالفقهاء في الجد: إما ~~على قول أبي بكر، وإما على قول زيد الذي أمضاه عمر. ولم يذهب أحد من أئمة ~~الفتيا إلى قول علي في الجد، وذلك مما يبين أن الحق لا يخرج عن أبي بكر ~~وعمر ; فإن زيدا قاضي عمر، مع أن قول أبي بكر أرجح من قول زيد. PageV05P503 # وعمر كان متوقفا في الجد، وقال: " ثلاث وددت أن رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - بينهن لنا: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا " (1) . . # وذلك لأن الله تعالى سمى الجد أبا في غير موضع من كتابه، كما قال تعالى: ~~{أخرج أبويكم من الجنة} [سورة الأعراف: 27] ، وقوله: {ملة ms1327 أبيكم إبراهيم} ~~[سورة الحج: 78] ، وقد قال: {يابني إسرائيل} ، {يا بني آدم} ، في غير موضع. # وإذا كان ابن الابن ابنا، كان أبو الأب أبا، ولأن الجد يقوم مقام الأب في ~~غير مورد النزاع ; فإنه يسقط ولد الأم كالأب، ويقدم على جميع العصبات، سوى ~~البنين كالأب، ويأخذ مع الولد السدس كالأب، ويجمع له بين الفرض والتعصيب مع ~~البنات كالأب. # وأما في العمريتين زوج وأبوين، وزوجة (2) وأبوين ; فإن الأم تأخذ ثلث ~~الباقي، والباقي للأب (3) .، ولو كان معها (4) . جد لأخذت الثلث كله عند ~~جمهور الصحابة والعلماء إلا ابن مسعود ; لأن الأم أقرب من الجد، ~~PageV05P504 # وإنما الجدة نظير الجد، والأم تأخذ مع الأب الثلث، والجدة لا تأخذ مع ~~الجد إلا السدس، وهذا مما يقوى به الجد ; ولأن الإخوة مع الجد الأدنى ~~كالأعمام مع الجد الأعلى. # وقد اتفق المسلمون على أن الجد الأعلى يقدم على الأعمام، فكذلك الجد ~~الأدنى يقدم على الإخوة ; لأن نسبة الإخوة إلى الجد الأدنى كنسبة الأعمام ~~إلى الجد الأعلى ; ولأن الإخوة لو كانوا لكونهم بني الأب (1) . يشاركون ~~الجد، لكان بنو الإخوة كذلك، كما يقوم بنو البنين مقام آبائهم، ولما كان ~~بنو الإخوة لا يشاركون الجد، كان آباؤهم الإخوة كذلك، وعكسه البنون: لما ~~كان الجد يفرض له مع البنين، فرض له مع بني البنين (2) . . # وأما الحجة التي تورى عن علي وزيد في أن الإخوة يشاركون الجد، حيث شبهوا ~~ذلك بأصل شجرة خرج منها فرع، خرج منه غصنان، فأحد الغصنين أقرب إلى الآخر ~~منه إلى الأصل، وبنهر خرج منه نهر آخر، ومنه جدولان، فأحدهما إلى الآخر ~~أقرب (3) . من الجدول إلى النهر الأول. # فمضمون هذه الحجة: أن الإخوة أقرب إلى الميت من الجد. # ومن تدبر أصول الشريعة علم أن حجة أبي بكر وجمهور الصحابة لا تعارضها هذه ~~الحجة ; فإن هذه لو كانت صحيحة لكان بنو الأخ أولى من الجد، ولكان العم ~~أولى من جد الأب، فإن نسبة الإخوة من الأب إلى PageV05P505 # الجد أبي الأب، كنسبة الأعمام بني الجد الأعلى إلى الجد الأعلى جد الأب، ~~فلما ms1328 أجمع المسلمون على أن الجد أولى من الأعمام، كان الجد الأدنى أولى من ~~الإخوة. # وهذه حجة مستقلة تقتضي ترجيح الجد على الإخوة. # وأيضا فالقائلون بمشاركة الإخوة للجد لهم أقوال متعارضة متناقضة، لا دليل ~~على شيء منها، كما يعرف ذلك من يعرف الفرائض، فعلم أن قول أبي بكر في الجد ~~أصح الأقوال، كما أن قوله دائما أصح الأقوال. ### | كلام الرافضي على علم علي رضي الله عنه والرد عليه # (فصل) (1) # قال الرافضي (2) : " فأي نسبة له بمن قال (3) : سلوني قبل أن تفقدوني، ~~سلوني عن طرق السماء فإني أعرف بها من طرق الأرض (4) .، قال أبو البختري: ~~رأيت عليا صعد المنبر بالكوفة وعليه مدرعة كانت لرسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم -، متقلدا بسيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (* متعمما (5) ~~بعمامة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي إصبعه (6) خاتم رسول الله - ~~صلى PageV05P506 # الله عليه وسلم - *) (1) فقعد على المنبر، وكشف (2) . عن بطنه، فقال: ~~سلوني [من] (3) . قبل أن تفقدوني، فإنما بين الجوانح مني علم جم، هذا سفط ~~(4) . العلم، هذا لعاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، هذا ما زقني (5) ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زقا (6) من غير وحي إلي (7) ، فوالله، لو ~~ثنيت (8) . لي وسادة فجلست عليها لأفتيت أهل (9) . التوراة بتوراتهم، وأهل ~~(10) . الإنجيل بإنجيلهم، حتى ينطق الله التوراة والإنجيل فتقول (11) : صدق ~~علي، قد أفتاكم بما أنزل الله في، {وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} ". # والجواب: أما قول علي " سلوني " فإنما كان يخاطب بهذا (12) . أهل الكوفة ~~ليعلمهم العلم والدين ; فإن غالبهم كانوا جهالا لم يدركوا النبي - صلى الله ~~عليه وسلم -. وأما أبو بكر فكان الذين (13) حول منبره هم أكابر PageV05P507 # أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، الذين تعلموا من رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - العلم والدين، فكانت رعية أبي بكر أعلم الأمة وأدينها، ~~وأما الذين كان علي يخاطبهم فهم من جملة عوام الناس التابعين، وكان كثير ~~منهم من شرار التابعين، ولهذا كان علي - رضي الله عنه - يذمهم ويدعو عليهم، ~~وكان التابعون بمكة والمدينة والشام والبصرة خيرا منهم. # وقد ms1329 جمع الناس الأقضية والفتاوى المنقولة عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ~~فوجدوا أصوبها وأدلها على علم صاحبها أمور أبي بكر ثم عمر. # ولهذا كان ما يوجد من الأمور التي وجد نص يخالفها عن عمر أقل مما وجد عن ~~علي، وأما أبو بكر فلا يكاد يوجد نص يخالفه، وكان هو الذي يفصل الأمور ~~المشتبهة عليهم، ولم يكن يعرف منهم اختلاف على عهده. وعامة ما تنازعوا فيه ~~من الأحكام كان بعد أبي بكر. # والحديث المذكور عن علي كذب ظاهر لا تجوز نسبة مثله إلى علي ; فإن [عليا] ~~(1) . أعلم بالله وبدين الله من أن يحكم بالتوراة والإنجيل، إذ كان ~~المسلمون متفقين على أنه لا يجوز لمسلم أن يحكم بين أحد إلا بما أنزل الله ~~في القرآن (* وإذا تحاكم اليهود والنصارى إلى المسلمين لم يجز لهم أن ~~يحكموا [بينهم] (2) . إلا بما أنزل الله في القرآن *) (3) كما قال تعالى: ~~{ياأيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا ~~بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين ~~لم يأتوك} PageV05P508 # [سورة المائدة: 41] إلى قوله تعالى: {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ~~وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب ~~المقسطين} [سورة المائدة: 42] إلى قوله: {فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا ~~تتبع أهوائهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله ~~لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله ~~مرجعكم جميعا} [سورة المائدة: 48] إلى قوله: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ~~ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا ~~فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون} ~~[سورة المائدة: 49] (1) . # وإذا كان من المعلوم بالكتاب والسنة والإجماع، أن الحاكم بين اليهود ~~والنصارى لا يجوز أن يحكم بينهم إلا بما أنزل الله على محمد، سواء وافق ما ~~بأيديهم (2) من التوراة والإنجيل أو لم يوافقه، كان من نسب ms1330 عليا إلى أنه ~~(3) يحكم بالتوراة والإنجيل بين اليهود والنصارى، أو يفتيهم بذلك، ويمدحه ~~بذلك: إما أن يكون من أجهل (4) الناس بالدين، وبما يمدح به صاحبه، وإما أن ~~يكون زنديقا ملحدا أراد القدح في علي بمثل هذا الكلام الذي يستحق صاحبه ~~الذم والعقاب، دون المدح والثواب. PageV05P509 ### | كلام الرافضي على فضائل علي رضي الله عنه والتعليق عليه # (فصل) (1) # قال الرافضي (2) : " وروى البيهقي (3) بإسناده عن رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - أنه (4) قال: " «من أراد أن ينظر إلى آدم (5) في علمه، وإلى ~~نوح (6) في تقواه، وإلى إبراهيم (7) في حلمه (8) ، وإلى موسى (9) في هيبته، ~~وإلى عيسى (10) في عبادته فلينظر إلى [علي بن أبي طالب] (11) فأثبت له (12) ~~ما تفرق فيهم» ". # والجواب: أن يقال: أولا: أين إسناد هذا الحديث؟ والبيهقي يروي في الفضائل ~~أحاديث كثيرة ضعيفة، بل موضوعة، كما جرت عادة أمثاله من أهل العلم. # ويقال: ثانيا: هذا الحديث كذب موضوع على رسول الله - صلى الله ~~PageV05P510 # عليه وسلم - بلا ريب عند أهل العلم بالحديث (1) ، ولهذا لا يذكره أهل ~~العلم بالحديث، وإن كانوا حراصا على جمع فضائل علي كالنسائي ; فإنه قصد أن ~~يجمع فضائل علي في كتاب سماه " الخصائص "، والترمذي قد ذكر أحاديث متعددة ~~في فضائله، وفيها (2) ما هو ضعيف بل موضوع، ومع هذا لم يذكروا هذا ونحوه. # (فصل) (3) # قال الرافضي (4) : " قال أبو عمر الزاهد: قال أبو العباس (5) : لا نعلم ~~أحدا قال بعد نبيه: " سلوني " من شيث (6) إلى محمد إلا علي، فسأله الأكابر ~~أبو بكر وعمر وأشباههما (7) ، حتى انقطع PageV05P511 # السؤال. ثم قال بعد هذا (1) : يا كميل بن زياد، إن هاهنا لعلما (2) جما ~~لو أصبت (3) له حملة ". # والجواب: أن هذا النقل إن صح عن ثعلب فثعلب لم يذكر له إسنادا حتى يحتج ~~به. وليس ثعلب من أئمة الحديث الذين يعرفون صحيحه من سقيمه، حتى يقال: قد ~~صح عنده. كما إذا قال ذلك أحمد أو يحيى بن معين أو البخاري ونحوهم، بل من ~~هو أعلم من ثعلب من الفقهاء يذكرون أحاديث كثيرة لا أصل لها، فكيف ثعلب؟ ! ~~وهو قد ms1331 سمع هذا من بعض الناس الذين لا يذكرون (4) ما يقولون عن أحد. # وعلي - رضي الله عنه - لم يكن يقول هذا بالمدينة، لا في خلافة أبي بكر ~~ولا عمر ولا عثمان، وإنما كان يقول هذا في خلافته في الكوفة ; ليعلم أولئك ~~الذين لم يكونوا يعلمون ما ينبغي لهم علمه، وكان (5) هذا لتقصيرهم في طلب ~~العلم، وكان علي - رضي الله عنه - يأمرهم بطلب العلم والسؤال. # وحديث كميل بن زياد (6) يدل على هذا ; فإن كميلا من التابعين لم ~~PageV05P512 # يصحبه إلا بالكوفة، فدل على أنه كان يرى تقصيرا من أولئك عن كونهم حملة ~~للعلم، ولم يكن يقول هذا في المهاجرين والأنصار، بل كان عظيم الثناء عليهم. # وأما أبو بكر فلم يسأل عليا قط عن شيء. وأما عمر فكان يشاور الصحابة: ~~عثمان وعليا، وعبد الرحمن وابن مسعود، وزيد بن ثابت وغيرهم، فكان علي من ~~أهل الشورى، كعثمان وابن مسعود وغيرهما، ولم يكن (1) أبو بكر ولا عمر ولا ~~غيرهما، من أكابر الصحابة يخصان عليا بسؤال. # والمعروف أن عليا أخذ العلم عن أبي بكر، كما في السنن عن علي، قال: كنت ~~إذا سمعت من (2) النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا نفعني الله به ما شاء ~~أن ينفعني، وإذا حدثني غيره حديثا استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، وحدثني أبو ~~بكر، وصدق أبو بكر، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ~~«ما من عبد مؤمن يذنب ذنبا فيحسن الطهور، ثم يقوم فيصلي، ثم يستغفر الله ~~إلا (3) غفر الله له» " (4) . PageV05P513 ### | [كلام الرافضي على أبي بكر أنه أهمل حدود الله فلم يقتص من خالد بن الوليد والرد عليه] # (فصل) (1) # قال الرافضي (2) : " وأهمل حدود الله فلم يقتص من خالد بن الوليد، ولا ~~حده حيث (3) قتل مالك بن نويرة، وكان مسلما (4) ، وتزوج امرأته [في] (5) ~~ليلة قتله وضاجعها، وأشار عليه (6) عمر بقتله فلم يفعل " (7) . # والجواب: أن يقال أولا: إن كان ترك قتل قاتل المعصوم مما ينكر على ~~الأئمة، كان هذا من أعظم حجة شيعة عثمان على علي ; فإن عثمان خير من ملء ms1332 ~~الأرض من مثل مالك بن نويرة، وهو خليفة المسلمين، وقد قتل مظلوما شهيدا بلا ~~تأويل مسوغ لقتله، وعلي لم يقتل قتلته، وكان هذا من أعظم ما امتنعت به شيعة ~~عثمان عن مبايعة علي ; PageV05P514 # فإن كان علي له عذر شرعي في ترك قتل قتلة عثمان، فعذر أبي بكر في ترك قتل ~~قاتل مالك بن نويرة أقوى، وإن لم يكن لأبي بكر عذر في ذلك فعلي أولى أن لا ~~يكون له عذر في ترك قتل قتلة عثمان. # وأما ما تفعله الرافضة من الإنكار على أبي بكر في هذه القضية الصغيرة، ~~وترك إنكار ما هو أعظم منها على علي ; فهذا من فرط جهلهم وتناقضهم. # وكذلك إنكارهم على عثمان كونه لم يقتل عبيد الله بن عمر بالهرمزان، هو من ~~هذا الباب (1) . # وإذا قال القائل: علي كان معذورا في ترك قتل قتلة عثمان ; لأن شروط ~~الاستيفاء لم توجد: إما لعدم العلم بأعيان القتلة، وإما لعجزه عن القوم ~~لكونهم ذوي شوكة، ونحو ذلك. # قيل: فشروط الاستيفاء لم توجد في قتل قاتل مالك بن نويرة، وقتل قاتل ~~الهرمزان ; لوجود الشبهة في ذلك. والحدود تدرأ بالشبهات. PageV05P515 # وإذا قالوا: عمر أشار على أبي بكر بقتل خالد بن الوليد (1) ، وعلي أشار ~~على عثمان بقتل عبيد الله بن عمر. # قيل: وطلحة والزبير وغيرهما أشاروا على علي بقتل قتلة عثمان، مع أن الذين ~~أشاروا على أبي بكر بالقود، أقام عليهم حجة سلموا لها (2) : إما لظهور الحق ~~معه، وإما لكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد. # وعلي لما لم يوافق الذين أشاروا عليه بالقود، جرى بينه وبينهم من الحروب ~~ما قد علم، وقتل قتلة عثمان أهون مما جرى بالجمل وصفين (3) ، فإذا كان في ~~هذا اجتهاد سائغ، ففي ذلك أولى. # وإن قالوا: عثمان كان مباح الدم. # قيل لهم: فلا يشك أحد في أن إباحة دم مالك بن نويرة أظهر من إباحة دم ~~عثمان، بل مالك بن نويرة لا يعرف أنه كان معصوم الدم (4) ، PageV05P516 # ولم يثبت ذلك عندنا. وأما عثمان فقد ثبت بالتواتر ونصوص الكتاب والسنة ms1333 ~~أنه كان معصوم الدم، وبين عثمان ومالك بن نويرة من الفرق ما لا يحصي عدده ~~إلا الله تعالى. # ومن قال: إن عثمان كان مباح الدم، لم يمكنه أن يجعل عليا معصوم الدم، ولا ~~الحسين ; فإن عصمة دم عثمان أظهر من عصمة دم علي والحسين، وعثمان أبعد عن ~~(1) موجبات القتل من علي والحسين، وشبهة قتلة عثمان أضعف بكثير من شبهة ~~قتلة علي والحسين ; فإن عثمان لم يقتل مسلما، ولا قاتل أحدا على ولايته ~~[ولم يطلب قتال أحد على ولايته] (2) أصلا (3) ; فإن وجب أن يقال: من قتل ~~خلقا من المسلمين على ولايته [إنه] (4) معصوم الدم، وإنه مجتهد فيما فعله، ~~فلأن يقال: عثمان معصوم الدم، [وإنه مجتهد فيما فعله من الأموال والولايات ~~(5) بطريق الأولى والأحرى. PageV05P517 # ثم يقال: غاية ما يقال: في قصة مالك بن نويرة: إنه كان معصوم الدم] (1) ، ~~وإن خالدا قتله بتأويل، وهذا لا يبيح قتل خالد، كما أن أسامة بن زيد لما ~~قتل الرجل الذي قال: لا إله إلا الله. وقال له النبي - صلى الله عليه وسلم ~~-: " «يا أسامة، أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ يا أسامة، أقتلته بعد ~~أن قال: لا إله إلا الله؟ [يا أسامة، (2) . أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا ~~الله؟] » (3) فأنكر عليه قتله، ولم يوجب عليه قودا ولا دية ولا كفارة. # وقد روى محمد بن جرير الطبري وغيره «عن ابن عباس وقتادة أن هذه الآية: ~~قوله تعالى: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} الآية [سورة ~~النساء: 94] نزلت في شأن مرداس، رجل من غطفان، بعث النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - جيشا إلى قومه، عليهم غالب الليثي، ففر أصحابه ولم يفر. قال: إني ~~مؤمن، فصبحته الخيل، فسلم عليهم، فقتلوه وأخذوا غنمه، فأنزل الله هذه ~~الآية، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برد أمواله إلى أهله وبديته ~~إليهم، ونهى المؤمنين عن مثل ذلك» (4) . # وكذلك خالد بن الوليد قد قتل بني جذيمة متأولا، ورفع النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - يديه وقال: " «اللهم إني أبرأ إليك ms1334 مما صنع خالد» " (5) ، ومع ~~هذا فلم يقتله النبي - صلى الله عليه وسلم - ; لأنه كان متأولا. # فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقتله مع قتله (6) غير واحد من ~~PageV05P518 # المسلمين من بني جذيمة للتأويل (1) ، فلأن لا يقتله أبو بكر لقتله مالك ~~بن نويرة بطريق الأولى والأحرى. # وقد تقدم ما ذكره هذا الرافضي من فعل خالد ببني جذيمة، وهو يعلم أن النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - لم يقتله، فكيف لم يجعل ذلك حجة لأبي بكر في أن لا ~~يقتله؟ ! لكن من كان متبعا لهواه أعماه عن اتباع الهدى. # وقوله: إن عمر أشار بقتله. # فيقال: غاية هذا أن تكون مسألة اجتهاد، كان رأي أبي بكر فيها أن لا يقتل ~~خالدا، وكان رأي عمر فيها قتله، وليس عمر بأعلم من أبي بكر: لا عند السنة ~~(2) ، ولا عند الشيعة، ولا يجب على أبي بكر ترك رأيه لرأي عمر، ولم يظهر ~~بدليل شرعي أن قول عمر هو الراجح، فكيف يجوز أن يجعل مثل هذا عيبا لأبي بكر ~~إلا من هو من أقل الناس علما ودينا؟ # وليس عندنا أخبار صحيحة ثابتة بأن الأمر جرى على وجه يوجب قتل خالد. # وأما ما ذكره من تزوجه بامرأته ليلة قتله، فهذا مما لم يعرف ثبوته، ولو ~~ثبت لكان هناك تأويل يمنع الرجم، والفقهاء مختلفون في عدة الوفاة: هل تجب ~~للكافر؟ على قولين. وكذلك تنازعوا: هل يجب على الذمية عدة وفاة؟ على قولين ~~مشهورين للمسلمين (3) بخلاف عدة الطلاق ; فإن تلك سببها (4) الوطء، فلا بد ~~من براءة الرحم. وأما عدة الوفاة فتجب PageV05P519 # بمجرد العقد، فإذا مات قبل الدخول بها فهل تعتد من الكافر أم لا؟ فيه ~~نزاع. وكذلك إن كان دخل بها، وقد حاضت بعد الدخول حيضة. # هذا إذا كان الكافر أصليا، وأما المرتد إذا قتل، أو مات على ردته، ففي ~~مذهب الشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد ليس عليها عدة وفاة، بل عدة فرقة بائنة ~~; لأن النكاح بطل بردة الزوج، وهذه الفرقة ليست طلاقا عند الشافعي وأحمد، ~~وهي طلاق عند مالك ms1335 وأبي حنيفة ; ولهذا لم يوجبوا عليها عدة وفاة، بل عدة ~~فرقة بائنة، فإن كان لم يدخل بها فلا عدة عليها، كما ليس عليها عدة من ~~الطلاق. # ومعلوم أن خالدا قتل مالك بن نويرة ; لأنه رآه مرتدا، فإذا كان (1) لم ~~يدخل بامرأته فلا عدة عليها عند عامة العلماء (2) ، وإن كان قد دخل بها ~~فإنه يجب عليها استبراء بحيضة لا بعدة كاملة في أحد قوليهم، وفي الآخر ~~بثلاث حيض، وإن كان كافرا أصليا فليس على امرأته عدة وفاة في أحد قوليهم. ~~وإذا كان الواجب استبراء بحيضة فقد تكون حاضت. ومن الفقهاء من يجعل بعض ~~الحيضة استبراء، فإذا كانت في آخر الحيض جعل ذلك استبراء لدلالته على براءة ~~الرحم. # وبالجملة فنحن لم نعلم أن القضية وقعت على وجه لا يسوغ فيها الاجتهاد ~~والطعن بمثل ذلك من قول من يتكلم بلا علم، وهذا مما حرمه الله ورسوله. ~~PageV05P520 # (فصل) (1) # قال الرافضي (2) : " وخالف أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - (3) في ~~توريث بنت النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومنعها فدكا (4) ، وتسمى بخليفة ~~(5) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير أن يستخلفه ". # والجواب: أما الميراث فجميع المسلمين مع أبي بكر في ذلك، ما خلا بعض ~~الشيعة، وقد تقدم الكلام في ذلك، وبينا أن هذا من العلم الثابت عن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم -، وأن قول الرافضة باطل قطعا. # وكذلك ما ذكر من فدك، والخلفاء بعد أبي بكر على هذا القول، وأبو بكر وعمر ~~لم يتعلقا من فدك ولا غيرها من العقار بشيء ولا أعطيا أهلهما من ذلك شيئا، ~~وقد أعطيا بني هاشم أضعاف أضعاف ذلك. # ثم لو احتج محتج بأن عليا كان يمنع المال ابن عباس وغيره من بني هاشم، ~~حتى أخذ ابن عباس بعض مال البصرة وذهب له، لم يكن الجواب عن علي إلا بأنه ~~إمام عادل قاصد للحق، لا يتهم في ذلك. # وهذا الجواب هو في حق أبي بكر بطريق الأولى والأحرى، وأبو بكر ~~PageV05P521 # أعظم محبة لفاطمة ومراعاة لها من علي لابن عباس، وابن عباس ms1336 بعلي أشبه من ~~فاطمة بأبي بكر ; فإن فضل أبي بكر على فاطمة أعظم من فضل علي على ابن عباس. # وليس تبرئة (1) الإنسان لفاطمة من الظن والهوى بأولى من تبرئة (2) أبي ~~بكر ; فإن أبا بكر إمام لا يتصرف لنفسه، بل للمسلمين، والمال لم يأخذه ~~لنفسه، بل للمسلمين، وفاطمة تطلب لنفسها، وبالضرورة نعلم (3) أن بعد الحاكم ~~عن اتباع الهوى أعظم من بعد الخصم الطالب لنفسه ; فإن علم أبي بكر وغيره ~~بمثل (4) هذه القضية لكثرة مباشرتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم من ~~علم فاطمة. # وإذا كان أبو بكر أولى بعلم مثل (5) ذلك، وأولى بالعدل، فمن جعل فاطمة ~~أعلم (6) منه في ذلك وأعدل، كان من أجهل الناس، لا سيما وجميع المسلمين ~~الذين لا غرض لهم هم (7) مع أبي بكر في هذه المسألة، فجميع أئمة الفقهاء ~~عندهم أن الأنبياء لا يورثون مالا، وكلهم يحب فاطمة ويعظم قدرها - رضي الله ~~عنها -، لكن لا يترك ما علموه من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لقول ~~أحد من الناس، ولم يأمرهم الله ورسوله أن يأخذوا دينهم من غير محمد - صلى ~~الله عليه وسلم -: لا عن أقاربه، ولا عن غير أقاربه، وإنما أمرهم الله ~~بطاعة الرسول واتباعه. PageV05P522 # وقد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال: " «لا (1) أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» ~~" (2) ، فكيف يسوغ للأمة أن تعدل عما علمته من سنة رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - لما يحكى عن فاطمة في كونها طلبت الميراث، تظن أنها ترث (3) . # (فصل) # وأما تسميته بخليفة رسول الله ; فإن المسلمين سموه بذلك، فإن كان الخليفة ~~هو المستخلف، كما ادعاه هذا، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ~~استخلفه، كما يقول ذلك من يقول من أهل السنة، وإن كان PageV05P523 # الخليفة هو الذي خلف غيره - وإن كان لم يستخلفه ذلك الغير كما يقوله ~~الجمهور - لم يحتج في هذا الاسم إلى الاستخلاف. # [والاستعمال الموجود في الكتاب والسنة يدل على أن هذا الاسم يتناول كل من ~~خلف غيره: سواء استخلفه] (1) أو لم يستخلفه، كقوله تعالى: {ثم جعلناكم ms1337 ~~خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون} [سورة يونس: 14] ، وقوله ~~[تعالى: {وهو الذي جعلكم خلائف الأرض} الآية [سورة الأنعام: 165] ، وقال:] ~~(2) {ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون} [سورة الزخرف: 60] ، ~~وقوله: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح} [سورة الأعراف: 69] ، وفي ~~القصة الأخرى: {خلفاء من بعد عاد} [سورة الأعراف: 74] {وقال موسى لأخيه ~~هارون اخلفني في قومي} [سورة الأعراف: 142] فهذا استخلاف. # وقال تعالى: {وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر} [سورة ~~الفرقان: 62] ، وقال: {إن في اختلاف الليل والنهار} [سورة يونس: 6] أي: هذا ~~يخلف هذا، وهذا يخلف هذا، فهما يتعاقبان، وقال موسى: {عسى ربكم أن يهلك ~~عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون} PageV05P524 # [سورة الأعراف: 129] ، وقال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا ~~الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم} [سورة النور: 55] ~~، وقال للملائكة: {إني جاعل في الأرض خليفة} [سورة البقرة: 30] ، وقال: ~~{ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض} [سورة ص: 26] . # فغالب هذه المواضع ليكون الثاني خليفة عن الأول، وإن كان الأول لم ~~يستخلفه. # وسمي الخليفة خليفة ; لأنه يخلف من قبله، والله تعالى جعله يخلفه، كما ~~جعل الليل يخلف النهار، والنهار يخلف الليل، ليس المراد أنه خليفة عن الله، ~~كما ظنه بعض الناس، كما قد بسطناه في موضع آخر. # والناس يسمون ولاة أمور المسلمين الخلفاء. وقال النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -: " «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» " (1) . # ومعلوم أن عثمان لم يستخلف عليا، وعمر لم يستخلف واحدا معينا، وكان يقول: ~~" إن أستخلف فإن أبا بكر استخلف، وإن لم أستخلف فإن رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - لم يستخلف ". # وكان مع هذا يقول لأبي بكر: يا خليفة رسول الله. # وكذلك خلفاء بني أمية وبني العباس، كثير منهم لم يستخلفه من قبله. فعلم ~~أن الاسم عام فيمن خلف غيره. PageV05P525 # وفي الحديث ### | -[إن صح]- # (1) : " «وددت أني رأيت» " أو قال: " «رحمة الله على خلفائي ". قالوا: ~~ومن خلفاؤك يا رسول الله؟ قال: " الذين يحيون سنتي، ويعلمونها الناس» " (2) ~~. # وهذا إن ms1338 صح من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو حجة في المسألة، وإن ~~لم يكن من قوله فهو يدل على أن الذي وضعه كان من عادتهم استعمال لفظ " ~~الخليفة " فيمن خلف غيره وإن لم يستخلفه، فإذا قام مقامه وسد مسده في بعض ~~الأمور فهو خليفة عنه في ذلك الأمر. PageV05P526 ### | فصل كلام الرافضي على عمر رضي الله عنه ### | كلام عمر رضي الله عنه عند الاحتضار # فصل (1) # قال الرافضي (2) : # " ومنها ما رووه (3) عن عمر، روى أبو نعيم الحافظ في كتابه (4) " حلية ~~الأولياء " أنه قال (5) لما احتضر قال (6) : يا ليتني كنت كبشا لقومي ~~فسمنوني (7) ما بدا لهم، ثم جاءهم أحب قومهم إليهم فذبحوني، فجعلوا (8) ~~نصفي شواء ونصفي قديدا، فأكلوني، فأكون عذرة ولا أكون بشرا، وهل هذا إلا ~~مساو لقول الكافر (9) : {ياليتني كنت ترابا} ) [سورة النبأ: 40] ". # قال (10) .: " وقال ابن عباس عند احتضاره: لو أن لي ملء PageV06P005 # الأرض ذهبا ومثله معه لافتديت به نفسي من هول المطلع. وهذا مثل قوله (1) ~~: {ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء ~~العذاب} [سورة الزمر: 47] . فلينظر المنصف العاقل قول الرجلين عند ~~احتضارهما، وقول علي (2) : متى ألقى الأحبة محمدا وحزبه (3) # متى ألقاها متى يبعث (4) أشقاها # وقوله حين قتله [ابن ملجم] : فزت (5) ورب الكعبة ". # والجواب: أن في هذا الكلام من الجهالة ما يدل على فرط جهل قائله؛ وذلك أن ~~ما ذكره عن علي قد نقل مثله عمن هو دون أبي بكر وعمر وعثمان [وعلي] (6) ، ~~بل نقل مثله عمن يكفر علي [بن أبي طالب] (7) من الخوارج، كقول بلال عتيق ~~أبي بكر عند الاحتضار، وامرأته تقول: واحرباه، وهو يقول: واطرباه غدا ألقى ~~الأحبة محمدا وحزبه. # وكان عمر قد دعا لما عارضوه في قسمة الأرض فقال: " اللهم اكفني بلالا ~~وذويه " فما حال الحول وفيهم عين تطرف (8) . PageV06P006 # وروى أبو نعيم في " الحلية " (1) : حدثنا القطيعي، حدثنا الحسن بن عبد ~~الله (2) ، حدثنا عامر بن سيار، حدثنا عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن ~~حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن الحارث ms1339 بن عمير (3) ، قال: طعن معاذ وأبو ~~عبيدة وشرحبيل بن حسنة وأبو مالك الأشعري في يوم واحد (4) . فقال معاذ: إنه ~~رحمة ربكم، ودعوة نبيكم (5) ، وقبض الصالحين قبلكم، اللهم آت آل معاذ ~~النصيب الأوفر من هذه الرحمة، فما أمسى حتى طعن ابنه عبد الرحمن بكره الذي ~~كان يكنى به (6) ، وأحب الخلق إليه، فرجع من المسجد فوجده (7) مكروبا (8) . ~~فقال: يا عبد الرحمن كيف PageV06P007 # أنت؟ قال (1) : يا أبت الحق من ربك فلا تكونن (2) من الممترين. قال (3) : ~~وأنا إن شاء الله ستجدني من الصابرين (4) . فأمسكه ليله (5) ثم دفنه من ~~الغد، وطعن معاذ (6) ، فقال حين اشتد به النزع، [نزع الموت] (7) ، فنزع ~~نزعا لم ينزعه أحد، وكان كلما أفاق فتح طرفه، وقال (8) : رب اخنقني خنقك ~~(9) ، فوعزتك إنك لتعلم أن قلبي يحبك ". # وكذلك قوله: فزت ورب الكعبة، قد قالها من هو دون علي، قالها عامر بن ~~فهيرة مولى أبي بكر الصديق لما قتل يوم بئر معونة، وكان قد بعثه النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - مع سرية قبل نجد، قال العلماء بالسير: طعنه جبار بن ~~سلمى فأنفذه، فقال عامر: فزت والله، فقال جبار: ما قوله: فزت والله؟ قال ~~عروة بن الزبير: يرون أن الملائكة دفنته (10) . PageV06P008 # [وشبيب الخارجي] (1) لما طعن دخل في الطعنة، وجعل يقول: وعجلت إليك رب ~~لترضى. # [وأعرف شخصا من أصحابنا لما حضرته الوفاة جعل يقول: حبيبي ها قد جئتك، ~~حتى خرجت نفسه، ومثل هذا كثير] (2) ] . # وأما خوف عمر، ففي [صحيح] البخاري (3) عن المسور بن مخرمة قال: لما طعن ~~عمر جعل يألم، فقال ابن عباس (4) وكأنه يجزعه - أي يزيل جزعه (5) - يا أمير ~~المؤمنين ولئن (6) كان ذلك لقد صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راض، ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته، ثم ~~فارقته وهو عنك راض، ثم صحبت المسلمين (7) فأحسنت صحبتهم، ولئن فارقتهم ~~لتفارقنهم وهم عنك راضون، فقال: أما ما ذكرت من صحبة رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - ورضاه فإنما ذاك (8) من من الله من به علي، وأما ما ذكرت من ms1340 ~~صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذاك (9) من من الله (10) من به علي. وأما ما ترى ~~PageV06P009 # من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك، والله لو أن لي طلاع الأرض [ذهبا] (1) ~~لافتديت به من عذاب الله قبل أن أراه ". # وفي صحيح البخاري (2) عن عمرو بن ميمون في حديث قتل عمر " يا ابن عباس ~~انظر من قتلني، فجال ساعة، ثم جاء (3) فقال: غلام المغيرة، قال: الصنع؟ ~~قال: نعم. قال: قاتله الله، لقد أمرت به معروفا، الحمد لله الذي لم يجعل ~~قتلي (4) بيد رجل يدعي الإسلام، قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج ~~بالمدينة، وكان العباس أكثرهم رقيقا، فقال: إن شئت فعلت؛ أي: إن شئت قتلنا ~~(5) . قال: كذبت، بعد ما تعلموا (6) بلسانكم، وصلوا قبلتكم، وحجوا حجكم، ~~فاحتمل إلى بيته، فانطلقنا معه وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ، فقائل ~~يقول: لا بأس، وقائل يقول: أخاف عليه، فأتي بنبيذ فشربه، فخرج من جوفه، ثم ~~أتي بلبن فشربه، فخرج من جرحه (7) ، فعلموا (8) أنه ميت. فدخلنا (9) عليه، ~~PageV06P010 # [وجاء الناس يثنون عليه] (1) ، وجاء رجل شاب فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ~~ببشرى الله لك من صحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقدم في الإسلام ~~ما قد علمت، ووليت (2) فعدلت، ثم شهادة. قال: وددت أن (3) ذلك كفافا (4) لا ~~علي ولا لي. فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض. فقال (5) : ردوا علي الغلام، ~~قال: يا ابن أخي، ارفع إزارك (6) ، فإنه أبقى (7) لثوبك وأتقى لربك، يا عبد ~~الله بن عمر، انظر ما علي (8) من الدين. فحسبوه فوجدوه (9) ستة وثمانين ~~ألفا أو نحوه، قال: إن وفى له مال آل عمر [فأد من أموالهم] (10) وإلا فسل ~~(11) في بني عدي بن كعب، فإن لم تف أموالهم وإلا فسل (12) في قريش، ولا ~~تعدهم إلى غيرهم، فأد عني هذا المال، انطلق إلى عائشة أم المؤمنين، فقل: ~~يقرأ عليك عمر PageV06P011 # السلام - ولا تقل: أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا - وقل: ~~يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه. (* فسلم واستأذن، ثم دخل عليها ~~فوجدها قاعدة تبكي ms1341، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام (1) ويستأذن أن ~~يدفن مع صاحبيه *) (2) . فقالت (3) : كنت أريده لنفسي، ولأوثرنه اليوم (4) ~~على نفسي، فلما أقبل قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء. فقال (5) : ارفعوني. ~~فأسنده رجل إليه، فقال: ما لديك؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين، أذنت، ~~قال: الحمد لله، ما كان شيء أهم من ذلك (6) ، فإذا أنا قضيت (7) فاحملوني، ~~ثم سلم وقل (8) : يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردتني ~~ردوني (9) إلى مقابر المسلمين " وذكر تمام الحديث. # ففي نفس الحديث أنه يعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مات وهو ~~عنه راض ورعيته عنه راضون (10) مقرون بعدله فيهم، ولما مات كأنهم لم يصابوا ~~بمصيبة قبل مصيبته، لعظمها عندهم. PageV06P012 # وقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «خيار أئمتكم ~~الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذي ~~تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم» ". (1) # ولم يقتل عمر - رضي الله عنه - رجل من المسلمين لرضا المسلمين عنه، وإنما ~~قتله كافر فارسي مجوسي. # وخشيته من الله لكمال علمه؛ فإن الله - تعالى - يقول: {إنما يخشى الله من ~~عباده العلماء} [سورة فاطر: 28] . # وقد «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من ~~البكاء» (2) . «وقرأ عليه ابن مسعود سورة النساء، فلما بلغ إلى قوله {فكيف ~~إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} [سورة النساء: 41] ~~قال: " حسبك " فنظرت إلى عينيه وهما تذرفان» (3) . # وقد قال - تعالى - {قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا ~~بكم} [سورة الأحقاف: 9] . PageV06P013 # وفي صحيح مسلم أنه قال «لما قتل عثمان بن مظعون، قال: " ما أدري والله ~~وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم» " (1) . # وفي الترمذي وغيره عن أبي ذر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم (2) - أنه ~~قال: " «إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن ~~تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله، والله لو ~~تعلمون ما ms1342 أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ~~ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله، وددت أني كنت شجرة تعضد " وقوله: " ~~وددت أني كنت شجرة تعضد " قيل: إنه من قول أبي ذر، لا من قول النبي - صلى ~~الله عليه وسلم» - (3) . # وقال - تعالى -: {إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون - والذين هم بآيات ~~ربهم يؤمنون - والذين هم بربهم لا يشركون} الآية [سورة المؤمنون: ~~PageV06P014 ### | 57 - 59 # ] وفي الترمذي «عن عائشة قالت (1) : " [قلت] : (2) يا رسول الله، هو ~~الرجل يزني ويسرق ويخاف؟ فقال: " لا يا بنت (3) الصديق، ولكنه الرجل يصلي ~~(4) ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه» " (5) . # وأما قول الرافضي: " وهل هذا إلا مساو لقول الكافر: {ياليتني كنت ترابا} ~~[سورة النبأ: 40] . # فهذا جهل منه؛ فإن الكافر يقول ذلك يوم القيامة، حين لا تقبل توبة، ولا ~~تنفع حسنة (6) . وأما من يقول ذلك في الدنيا، فهذا يقوله في دار العمل على ~~وجه الخشية لله، فيثاب على خوفه من الله. # وقد قالت مريم: {ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا} [سورة مريم: 23] . ~~ولم يكن هذا كتمني الموت يوم القيامة. # ولا يجعل هذا كقول أهل النار، كما أخبر الله عنهم بقوله: {ونادوا يامالك ~~ليقض علينا ربك} [سورة الزخرف: 77] . # وكذلك قوله: {ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به ~~من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون} ~~PageV06P015 # [سورة الزمر: 47] ؛ فهذا إخبار عن حالهم (1) يوم القيامة حين لا ينفع ~~توبة ولا خشية. # وأما في الدنيا، فالعبد إذا خاف ربه كان خوفه مما يثيبه الله عليه، فمن ~~خاف [الله] في الدنيا (2) أمنه يوم القيامة، ومن جعل خوف المؤمن من ربه في ~~الدنيا كخوف الكافر في الآخرة فهو كمن جعل الظلمات كالنور، والظل كالحرور، ~~والأحياء كالأموات، ومن تولى أمر المسلمين فعدل فيهم عدلا يشهد به (3) ~~عامتهم، وهو في ذلك يخاف الله أن يكون ظلم، فهو (4) أفضل ممن يقول كثير من ~~رعيته: إنه ظلم، وهو في نفسه آمن من العذاب، مع أن كليهما من أهل الجنة ms1343. # والخوارج الذين كفروا عليا، واعتقدوا أنه ظالم مستحق للقتل، مع كونهم ~~ضلالا مخطئين، هم راضون عن عمر معظمون لسيرته وعدله. # وبعدل عمر يضرب المثل، حتى يقال: سيرة العمرين، سواء كانا عمر بن الخطاب ~~وعمر بن عبد العزيز، كما هو قول أهل العلم والحديث (5) ، كأحمد وغيره، أو ~~كانا أبا بكر وعمر، كما تقوله طائفة من أهل اللغة (6) كأبي عبيد [وغيره] ~~(7) ؛ فإن عمر بن الخطاب داخل في ذلك على التقديرين. PageV06P016 # ومعلوم أن شهادة الرعية لراعيها أعظم من شهادته هو لنفسه، وقد قال - ~~تعالى -: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول ~~عليكم شهيدا} [سورة البقرة: 143] . # وفي الصحيحين «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مر عليه بجنازة، ~~فأثنوا عليها خيرا فقال: " وجبت وجبت " ومر عليه بجنازة، فأثنوا عليها شرا، ~~فقال: " وجبت وجبت " قالوا: يا رسول الله، ما قولك: وجبت وجبت؟ قال: " هذه ~~الجنازة أثنيتم عليها خيرا، فقلت: وجبت لها الجنة، وهذه الجنازة أثنيتم ~~عليها شرا، فقلت: وجبت لها النار، أنتم شهداء الله في الأرض» " (1) . # وفي المسند عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «يوشك أن تعلموا ~~أهل الجنة من أهل النار "، قالوا: بم يا رسول الله؟ . قال: " بالثناء الحسن ~~وبالثناء السيئ» " (2) . # ومعلوم أن رعية عمر انتشرت شرقا وغربا، [وكانت رعية عمر خيرا من رعية ~~علي] (3) ، وكانت (4) رعية علي جزءا (5) من رعية عمر، ومع هذا فكلهم يصفون ~~عدله وزهده وسياسته ويعظمونه (6) ، والأمة قرنا بعد قرن تصف عدله وزهده ~~وسياسته، ولا يعرف أن أحدا طعن في ذلك. PageV06P017 # والرافضة لم تطعن في ذلك، بل لما غلت في علي جعلت ذنب عمر كونه تولى، ~~وجعلوا يطلبون له ما يتبين به (1) ظلمه فلم يمكنهم ذلك. # وأما علي - رضي الله عنه - فإن أهل السنة يحبونه ويتولونه، ويشهدون بأنه ~~من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين، لكن نصف رعيته يطعنون في عدله؛ ~~فالخوارج يكفرونه، وغير الخوارج من أهل بيته [وغير أهل بيته] (2) يقولون: ~~إنه لم ينصفهم، وشيعة عثمان يقولون: إنه ممن ظلم عثمان، وبالجملة لم يظهر ~~لعلي من ms1344 العدل، مع كثرة الرعية وانتشارها، ما ظهر لعمر، ولا قريب منه. # وعمر لم يول أحدا من أقاربه، وعلي ولى أقاربه، كما ولى عثمان أقاربه، ~~وعمر مع هذا يخاف أن يكون ظلمهم، فهو أعدل وأخوف من الله من علي، فهذا مما ~~يدل على أنه أفضل من علي. # وعمر مع رضا رعيته عنه، يخاف أن يكون ظلمهم، وعلي يشكو من رعيته وتظلمهم ~~(3) ، ويدعو عليهم ويقول: إني أبغضهم ويبغضوني (4) ، وسئمتهم وسئموني (5) . ~~اللهم فأبدلني بهم خيرا منهم، وأبدلهم بي شرا مني. # {فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون} ؟ PageV06P018 ### | فصل موقف عمر رضي الله عنه عند مرض الرسول صلى الله عليه وسلم ووفاته # فصل (1) # قال الرافضي (2) : " وروى أصحاب الصحاح الستة (3) من مسند ابن عباس «أن ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في مرض موته: ائتوني بدواة وبياض (4) ~~.، أكتب (5) . لكم كتابا لا تضلون به من بعدي، فقال عمر: إن الرجل ليهجر، ~~حسبنا كتاب الله، فكثر اللغط، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ~~اخرجوا عني، لا ينبغي (6) التنازع لدي. فقال ابن عباس: الرزية كل الرزية ما ~~(7) حال بيننا وبين كتاب (8) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال عمر ~~(9) لما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما مات محمد (10) ولا يموت ~~حتى يقطع أيدي رجال PageV06P019 # وأرجلهم، فلما نهاه (1) أبو بكر وتلا عليه: {إنك ميت وإنهم ميتون} [سورة ~~الزمر: 30] وقوله: {أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} [سورة آل عمران: ~~144] قال: كأني ما سمعت (2) هذه الآية» ". # والجواب: أن يقال: أما عمر فقد ثبت من علمه وفضله ما لم يثبت لأحد غير ~~أبي بكر، ففي صحيح مسلم عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان ~~يقول: " «قد كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فعمر» "، قال ~~ابن وهب: تفسير " محدثون ": ملهمون (3) . # وروى البخاري عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «إنه ~~قد (4) كان فيما مضى قبلكم من الأمم (5) محدثون، وإنه إن كان في أمتي هذه ~~منهم فإنه عمر [بن ms1345 الخطاب] » " (6) وفي لفظ للبخاري (7) : " «لقد كان ~~PageV06P020 # فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن ~~يكن في أمتي منهم أحد (1) فعمر» (2) . # وفي الصحيح عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «بينا أنا ~~نائم إذ رأيت قدحا أتيت به [فيه لبن] (3) ، فشربت منه حتى أني لأرى (4) ~~الري يخرج من أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب ". قالوا: فما أولته يا ~~رسول الله؟ قال: " العلم» " (5) . # وفي الصحيحين عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ~~«بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ~~ومنها ما يبلغ دون ذلك، ومر عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره ". قالوا: ما ~~أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: " الدين» " (6) PageV06P021 # وفي الصحيحين عن ابن عمر قال: قال عمر: " وافقت ربي في ثلاث (1) : في ~~مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى بدر ". (2) . وللبخاري عن أنس قال: ~~قال عمر: " وافقت ربي في ثلاث أو وافقني ربي في ثلاث. قلت: يا رسول الله، ~~لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} ~~[سورة البقرة: 125] (3) وقلت: يا رسول الله، يدخل عليك البر والفاجر، فلو ~~أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب، وبلغني معاتبة النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - بعض أزواجه، فدخلت عليهم، فقلت: إن انتهيتن، أو ~~ليبدلن الله رسوله خيرا منكن، حتى أتت (4) إحدى نسائه فقالت: يا عمر، أما ~~في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت؟ فأنزل ~~الله: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن} الآية [سورة التحريم: ~~5] (5) . PageV06P022 # وأما قصة الكتاب الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد أن ~~يكتبه، فقد جاء مبينا، كما في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ~~«قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه: " ادعي لي أباك وأخاك حتى ~~أكتب كتابا، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله ~~والمؤمنون إلا أبا بكر ms1346» " سبق الحديث فيما مضى 1/492، 511. # وفي [صحيح] البخاري (1) عن القاسم بن محمد، قال: «قالت عائشة: وا رأساه. ~~فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لو كان وأنا حي (2) فأستغفر لك ~~وأدعو لك ". قالت عائشة: وا ثكلاه، والله إني لأظنك تحب موتي، فلو كان ذلك ~~لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ~~" بل أنا وا رأساه. لقد همت أن (3) أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد (4) : أن ~~يقول القائلون أو يتمنى المتمنون، ويدفع الله ويأبى المؤمنون» " (5) . # وفي صحيح مسلم (6) عن [ابن] (7) أبي مليكة، قال: سمعت عائشة، PageV06P023 # وسئلت: من كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستخلفا لو استخلف؟ ~~قالت: أبو بكر، فقيل لها: ثم من بعد أبي بكر؟ قالت: عمر. قيل لها: ثم من ~~بعد عمر؟ قالت: أبو عبيدة عامر (1) بن الجراح، ثم انتهت إلى هذا (2) وأما ~~عمر فاشتبه عليه هل كان قول النبي - صلى الله عليه وسلم - من شدة المرض، أو ~~كان من أقواله المعروفة؟ والمرض جائز على الأنبياء، ولهذا قال: " ما له؟ ~~أهجر (3) ؟ " فشك في ذلك ولم يجزم بأنه هجر، والشك جائز على عمر، فإنه لا ~~معصوم إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - لا سيما وقد شك (4) بشبهة؛ فإن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مريضا، فلم يدر أكلامه (5) كان من وهج ~~المرض، كما يعرض للمريض، أو كان من كلامه المعروف الذي يجب قبوله؟ وكذلك ~~(6) . ظن أنه لم يمت حتى تبين أنه قد مات (7) . # والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد عزم على (8) أن يكتب الكتاب الذي ~~PageV06P024 # ذكره لعائشة، فلما رأى أن الشك قد وقع، علم أن الكتاب لا يرفع الشك، فلم ~~يبق فيه فائدة، وعلم أن الله يجمعهم على ما عزم عليه، كما قال: " «ويأبى ~~الله والمؤمنون إلا أبا بكر» ". # وقول ابن عباس: " إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - وبين أن يكتب الكتاب " (1) يقتضي أن هذا الحائل كان رزية، وهو ~~رزية في حق من شك (2) . في خلافة الصديق ms1347، أو اشتبه (3) عليه الأمر؛ فإنه لو ~~كان هناك كتاب لزال هذا الشك، فأما من علم أن خلافته حق فلا رزية في حقه، ~~ولله الحمد. # ومن توهم أن هذا الكتاب كان بخلافة علي فهو ضال باتفاق [عامة الناس] (4) ~~علماء السنة والشيعة، أما أهل السنة فمتفقون على تفضيل أبي بكر وتقديمه. ~~وأما الشيعة (5) القائلون بأن عليا كان هو المستحق للإمامة، فيقولون: إنه ~~قد نص على إمامته قبل ذلك نصا جليا ظاهرا معروفا، وحينئذ فلم يكن يحتاج إلى ~~كتاب. PageV06P025 # وإن قيل: إن الأمة جحدت النص المعلوم المشهور، فلأن تكتم (1) كتابا حضره ~~طائفة قليلة أولى وأحرى. # وأيضا فلم يكن يجوز عندهم تأخير البيان إلى مرض موته، ولا يجوز له ترك ~~الكتاب لشك من شك، فلو كان ما يكتبه في الكتاب مما يجب بيانه وكتابته، لكان ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - يبينه ويكتبه، ولا يلتفت إلى قول أحد، فإنه ~~أطوع الخلق له، فعلم أنه لما ترك الكتاب لم يكن الكتاب واجبا، ولا كان فيه ~~من الدين ما تجب كتابته حينئذ، إذ لو وجب لفعله، ولو أن عمر - رضي الله عنه ~~- اشتبه عليه أمر، ثم تبين له أو شك في بعض الأمور، فليس هو أعظم ممن يفتي ~~ويقضي بأمور ويكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حكم بخلافها، مجتهدا في ~~ذلك، ولا يكون قد علم حكم النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن الشك في الحق ~~أخف من الجزم بنقيضه. # وكل هذا [إذا كان] (2) باجتهاد سائغ كان غايته أن يكون من الخطأ الذي رفع ~~الله المؤاخذة به، كما قضى علي في الحامل المتوفى عنها زوجها أنها تعتد ~~أبعد الأجلين، مع ما ثبت في الصحاح «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ~~لما قيل له: إن أبا السنابل بن بعكك أفتى بذلك لسبيعة (3) الأسلمية، فقال ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " كذب PageV06P026 # أبو السنابل، [بل حللت] » (1) فانكحي من شئت " (2) . فقد كذب النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - هذا الذي أفتى بهذا، وأبو السنابل لم يكن من أهل ~~الاجتهاد، وما ms1348 كان له أن يفتي بهذا مع حضور النبي - صلى الله عليه وسلم -. # وأما علي وابن عباس - رضي الله عنهما - وإن كانا أفتيا بذلك، [لكن] (3) ~~كان ذلك عن اجتهاد، وكان ذلك بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن ~~بلغهما قصة سبيعة. # وهكذا سائر أهل الاجتهاد من الصحابة - رضي الله عنهم، إذا اجتهدوا فأفتوا ~~وقضوا وحكموا بأمر، والسنة بخلافه، ولم تبلغهم السنة، كانوا مثابين على ~~اجتهادهم، مطيعين لله ورسوله فيما فعلوه من الاجتهاد بحسب استطاعتهم، ولهم ~~أجر على ذلك (4) ، ومن اجتهد منهم وأصاب فله أجران. # والناس متنازعون: هل يقال: كل مجتهد مصيب؟ أم المصيب واحد؟ وفصل الخطاب ~~أنه [إن] (5) أريد بالمصيب المطيع لله ورسوله؛ فكل مجتهد اتقى الله ما ~~استطاع فهو مطيع لله ورسوله، فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وهذا عاجز ~~عن معرفة الحق في نفس الأمر، فسقط [عنه] (6) . PageV06P027 # وإن عني بالمصيب العالم بحكم الله في نفس الأمر، فالمصيب ليس إلا واحدا، ~~فإن الحق في نفس الأمر واحد. # وهذا كالمجتهدين في القبلة، إذا أفضى اجتهاد كل واحد منهم إلى جهة، فكل ~~منهم مطيع لله ورسوله، والفرض ساقط عنه بصلاته إلى الجهة التي اعتقد أنها ~~الكعبة، ولكن العالم بالكعبة المصلي إليها في نفس الأمر واحد، وهذا قد فضله ~~الله بالعلم والقدرة على معرفة الصواب والعمل به، فأجره أعظم، كما أن " ~~«المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير» " رواه ~~مسلم في صحيحه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) # وكذلك قضى علي - رضي الله عنه - في المفوضة بأن مهرها يسقط بالموت، مع ~~قضاء النبي - صلى الله عليه وسلم - في بروع بنت واشق بأن لها مهر نسائها ~~(2) . وكذلك طلبه نكاح بنت أبي جهل حتى غضب النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~فرجع عن ذلك (3) «وقوله لما ندبه وفاطمة [النبي - صلى الله عليه وسلم -] ~~(4) إلى الصلاة بالليل، فاحتج بالقدر لما قال: " ألا تصليان؟ " (5) فقال ~~PageV06P028 # علي: إنما أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فولى النبي - صلى ~~الله عليه ms1349 وسلم - وهو يضرب فخذه ويقول: " {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} » " ~~(1) # وأمثال هذا إذا (2) لم يقدح في علي لكونه كان مجتهدا، ثم رجع إلى ما تبين ~~له من الحق، فكذلك عمر لا يقدح فيه ما قاله باجتهاده، مع رجوعه إلى ما تبين ~~له من الحق. # والأمور التي كان ينبغي لعلي أن يرجع عنها (3) أعظم بكثير من الأمور التي ~~كان ينبغي لعمر أن يرجع عنها (4) ، مع أن عمر قد رجع عن عامة تلك الأمور، ~~وعلي عرف رجوعه عن بعضها فقط، كرجوعه عن خطبة بنت أبي جهل، وأما بعضها: ~~كفتياه بأن المتوفى عنها الحامل تعتد أبعد الأجلين، وأن المفوضة لا مهر لها ~~إذا مات الزوج، وقوله: [إن المخيرة] (5) إذا اختارت زوجها فهي واحدة (6) ، ~~مع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير نساءه، ولم يكن ذلك طلاقا. # فهذه لم يعرف إلا بقاؤه عليها حتى مات، وكذلك مسائل كثيرة ذكرها الشافعي ~~في كتاب " اختلاف علي وعبد الله " (7) وذكرها محمد بن نصر PageV06P029 # المروزي في كتاب " رفع اليدين في الصلاة " (1) وأكثرها موجودة في الكتب ~~التي يذكر فيها أقوال الصحابة، إما بإسناد، وإما بغير إسناد، مثل مصنف عبد ~~الرزاق، وسنن سعيد بن منصور، ومصنف وكيع، ومصنف أبي بكر بن أبي شيبة، وسنن ~~الأثرم، ومسائل حرب، وعبد الله بن أحمد، وصالح، وأمثالهم مثل كتاب ابن ~~المنذر، وابن جرير الطبري، والطحاوي، ومحمد بن نصر (2) ، وابن حزم، وغير ~~هؤلاء. ### | فصل كلام الرافضي على عمر رضي الله عنه والكلام على موقفه من فدك # فصل (3) # قال الرافضي (4) : " ولما وعظت فاطمة (5) . أبا بكر في فدك، كتب لها ~~كتابا بها (6) ، وردها عليها، فخرجت من عنده، PageV06P030 # فلقيها (1) عمر بن الخطاب فحرق (2) الكتاب، فدعت عليه بما فعله أبو لؤلؤة ~~به، وعطل حدود (3) الله فلم يحد المغيرة بن شعبة، وكان يعطي أزواج النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - من بيت المال أكثر مما ينبغي، وكان (4) . يعطي عائشة ~~وحفصة في كل سنة عشرة آلاف درهم، وغير حكم الله في المنفيين (5) ، وكان ~~قليل المعرفة في الأحكام ". # والجواب: أن هذا من ms1350 الكذب الذي لا يستريب (6) فيه عالم، ولم يذكر هذا أحد ~~من أهل العلم بالحديث، ولا يعرف له إسناد، وأبو بكر لم يكتب فدكا قط لأحد ~~لا لفاطمة، ولا غيرها (7) ، ولا دعت فاطمة على عمر. # وما فعله أبو لؤلؤة كرامة في حق عمر - رضي الله عنه - وهو أعظم مما فعله ~~ابن ملجم بعلي - رضي الله عنه، وما فعله قتلة الحسين - رضي الله عنه - به. ~~فإن أبا لؤلؤة كافر قتل عمر كما يقتل الكافر المؤمن، وهذه الشهادة أعظم من ~~شهادة من يقتله مسلم؛ فإن قتيل الكافر أعظم درجة من قتيل المسلمين (8) ، ~~وقتل أبي لؤلؤة لعمر كان بعد موت فاطمة بمدة PageV06P031 # خلافة أبي بكر وعمر إلا ستة أشهر، فمن أين يعرف (1) أن قتله كان بسبب ~~دعاء حصل في تلك المدة. # والداعي إذا دعا على مسلم بأن يقتله كافر، كان ذلك دعاء (2) له لا عليه، ~~كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو لأصحابه بنحو ذلك، كقوله: " ~~«يغفر الله لفلان " فيقولون: لو أمتعتنا به» ! [وكان] (3) . إذا دعا لأحد ~~بذلك استشهد (4) ولو قال قائل: إن عليا ظلم أهل صفين والخوارج حتى دعوا ~~عليه بما فعله ابن ملجم، لم يكن هذا أبعد عن المعقول من هذا، وكذلك لو قال: ~~إن آل [سفيان بن] حرب (5) دعوا على الحسين بما فعل به. PageV06P032 # وذلك أن عمر لم يكن له غرض في فدك؛ [لم] (1) يأخذها لنفسه ولا لأحد من ~~أقاربه وأصدقائه، ولا كان له غرض في حرمان [أهل] (2) . بيت النبي - صلى ~~الله عليه وسلم، بل كان يقدمهم في العطاء على جميع الناس، ويفضلهم في ~~العطاء على جميع الناس، حتى أنه «لما وضع الديوان للعطاء، وكتب أسماء ~~الناس، قالوا: نبدأ بك؟ قال: لا ابدأوا بأقارب رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم، وضعوا عمر حيث وضعه الله، فبدأ ببني هاشم، وضم إليهم بني المطلب؛ لأن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد، ~~إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام " (3) فقدم العباس وعليا والحسن ~~والحسين، وفرض لهم ms1351 أكثر مما فرض لنظرائهم من سائر القبائل، وفضل أسامة بن ~~زيد على ابنه عبد الله في العطاء، فغضب ابنه وقال: تفضل علي أسامة؟ قال: ~~فإنه كان أحب إلى رسول الله منك، وكان أبوه أحب إلى [رسول الله] من أبيك» ~~(4) . # وهذا الذي ذكرناه من تقديمه بني هاشم وتفضيله لهم أمر مشهور عند جميع ~~العلماء بالسير، لم يختلف فيه اثنان، فمن تكون هذه مراعاته لأقارب الرسول ~~وعترته، أيظلم أقرب الناس إليه، وسيدة نساء أهل الجنة وهي مصابة [به] (5) ~~في يسير من المال، وهو يعطي أولادها أضعاف PageV06P033 # ذلك المال، ويعطي من هو أبعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منها ويعطي ~~عليا؟ ! . # ثم العادة الجارية بأن طلاب الملك والرياسة لا يتعرضون للنساء، بل ~~يكرمونهن لأنهن لا يصلحن للملك، فكيف يجزل (1) العطاء للرجال، والمرأة ~~يحرمها من حقها، لا لغرض أصلا لا ديني ولا دنيوي؟ ! ### | [قول الرافضي أن عمر عطل حدود الله فلم يحد المغيرة بن شعبة والرد عليه] # وأما قول الرافضي: " وعطل حدود الله فلم يحد المغيرة بن شعبة ". # فالجواب: أن جماهير العلماء على ما فعله عمر في قصة المغيرة، وأن البينة ~~إذا لم تكمل حد الشهود، ومن قال بالقول الآخر لم ينازع في أن هذه مسألة ~~اجتهاد، وقد تقدم أن ما يرد على علي بتعطيل إقامة (2) القصاص والحدود على ~~قتلة عثمان أعظم، فإذا كان القادح في علي مبطلا، فالقادح في عمر أولى ~~بالبطلان. # والذي فعله بالمغيرة كان بحضرة الصحابة - رضي الله عنهم، وأقروه على ذلك، ~~وعلي منهم، والدليل على إقرار علي [له] (3) . أنه لما جلد الثلاثة الحد، ~~أعاد أبو بكرة القذف، وقال: والله لقد زنى، فهم عمر بجلده ثانيا، فقال له ~~علي: إن كنت جالده فارجم المغيرة، يعني أن هذا القول إن كان هو الأول (4) . ~~فقد حد عليه، وإن جعلته (5) بمنزلة قول ثان فقد PageV06P034 # تم النصاب [أربعة] (1) ، فيجب رجمه (2) . فلم يحده عمر (3) ، وهذا دليل ~~على رضا علي بحدهم أولا (4) . دون الحد الثاني، وإلا كان أنكر حدهم أولا، ~~كما أنكر الثاني. # وكان من هو ms1352 دون علي يراجع عمر ويحتج عليه بالكتاب والسنة، فيرجع عمر إلى ~~قوله؛ فإن عمر كان وقافا عند كتاب الله - تعالى -. # روى البخاري عن ابن عباس قال (5) : " قدم عيينة بن حصن على [ابن] (6) ~~أخيه الحر بن قيس (7) ، وكان من النفر الذين (8) يدنيهم عمر، وكان القراء ~~أصحاب مجالس (9) عمر كهولا (10) كانوا أو شبانا. فقال عيينة لابن أخيه: يا ~~ابن أخي لك وجه (11) عند هذا الأمير فاستأذن (12) لي عليه. فقال: سأستأذن ~~لك عليه، قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة، فأذن PageV06P035 # له عمر، فلما دخل عليه قال: هيه يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ~~ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى هم أن يوقع به (1) . فقال له الحر: يا ~~أمير المؤمنين إن الله - تعالى - قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {خذ ~~العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [سورة الأعراف: 199] وإن هذا من ~~الجاهلين، فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان عمر وقافا عند كتاب ~~الله ". # وعمر - رضي الله عنه - من المتواتر عنه أنه كان لا تأخذه في الله لومة ~~لائم، حتى أنه أقام على ابنه الحد لما شرب (2) بمصر، بعد أن كان عمرو بن ~~العاص ضربه الحد، [لكن] (3) كان (4) ضربه سرا في البيت، وكان الناس يضربون ~~علانية، فبعث عمر إلى عمرو يزجره ويتهدده (5) ، لكونه حابى ابنه، ثم طلبه ~~فضربه مرة ثانية، فقال له عبد الرحمن: ما لك هذا، فزجر عبد الرحمن، وما روي ~~أنه ضربه بعد الموت فكذب على عمر، وضرب الميت لا يجوز (6) . # وأخبار عمر المتواترة في إقامة الحدود، وأنه كان لا تأخذه في الله لومة ~~لائم، أكثر من أن تذكر هنا. PageV06P036 # وأي غرض كان لعمر في المغيرة بن شعبة؟ ! وكان عمر عند المسلمين كالميزان ~~العادل الذي لا يميل إلى ذا الجانب ولا ذا الجانب. ### | كلام الرافضي على عطايا عمر لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم # وقوله: " وكان يعطي أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من بيت المال ~~أكثر مما ينبغي، وكان يعطي عائشة وحفصة من المال في كل سنة عشرة ms1353 آلاف درهم ~~". # فالجواب: أما حفصة فكان ينقصها من العطاء لكونها ابنته، كما نقص عبد الله ~~بن عمر (1) . وهذا من كمال احتياطه في العدل، وخوفه مقام ربه، ونهيه نفسه ~~عن الهوى، وهو كان يرى التفضيل في العطاء بالفضل، فيعطي أزواج النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - أعظم مما يعطي غيرهن من النساء، كما كان يعطي بني هاشم من ~~آل أبي طالب وآل العباس أكثر مما يعطي أعدادهم من سائر القبائل، فإذا فضل ~~شخصا كان لأجل اتصاله برسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو لسابقته ~~واستحقاقه، وكان يقول: PageV06P037 # ليس أحد أحق بهذا المال من أحد، وإنما هو الرجل وغناؤه، والرجل وبلاؤه، ~~والرجل وسابقته، والرجل وحاجته، فما (1) كان يعطي من يتهم على إعطائه ~~بمحاباة في صداقة أو قرابة، بل كان ينقص ابنه وابنته ونحوهما عن نظرائهم في ~~العطاء، وإنما كان يفضل بالأسباب الدينية المحضة، ويفضل أهل بيت النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - على جميع البيوتات ويقدمهم. # وهذه السيرة لم يسرها بعده مثله لا عثمان ولا علي ولا غيرهما، فإن قدح ~~فيه بتفضيل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فليقدح فيه بتفضيل رجال أهل ~~بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم، بل وتقديمهم على غيرهم. ### | [فصل الرد على قول الرافضي في عمر: وغير حكم الله في المنفيين] # فصل # وأما قوله: " وغير (2) حكم الله في المنفيين ". # فالجواب: أن التغيير لحكم الله بما يناقض (3) حكم الله، مثل إسقاط ما ~~أوجبه الله، وتحريم ما أحله الله، والنفي في الخمر كان (4) من باب التعزير ~~الذي يسوغ فيه الاجتهاد، وذلك أن الخمر لم يقدر النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- حدها لا قدره ولا صفته، بل جوز فيها (5) الضرب PageV06P038 # بالجريد والنعال، وأطراف الثياب (1) وعثكول النخل (2) . والضرب في حد ~~القذف والزنا إنما يكون بالسوط، وأما العدد في الخمر (3) فقد ضرب الصحابة ~~أربعين، وضربوا ثمانين، وقد ثبت في الصحيح عن علي - رضي الله عنه - أنه ~~قال: " وكل سنة " (4) . والفقهاء لهم في ذلك قولان، قيل: الزيادة على ~~أربعين حد واجب، كقول أبي حنيفة ومالك ms1354 وأحمد في إحدى الروايتين [عنه] (5) . ~~وقيل: هو تعزير، للإمام أن يفعله وأن يتركه بحسب المصلحة، وهذا قول الشافعي ~~وأحمد في الرواية الأخرى، وهو أظهر، وكان عمر - رضي الله عنه - يحلق في شرب ~~الخمر وينفي أيضا، وكان هذا من جنس التعزير العارض فيها. # وقد «روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بقتل الشارب في ~~[الثالثة أو] الرابعة» (6) . رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما (7) . ~~PageV06P039 # وقد تنازع العلماء: هل هو منسوخ أو محكم؟ أو هو من باب التعزير الذي ~~يفعله الإمام إن احتاج إليه ولا يجب؟ على ثلاثة أقوال، وعلي - رضي الله عنه ~~- كان يضرب في الحد فوق الأربعين، وقال: " ما أحد أقيم عليه الحد فيموت، ~~فأجد في نفسي إلا شارب الخمر؛ فإنه لو مات لوديته، فإنه شيء فعلناه برأينا ~~" رواه الشافعي وغيره (1) واستدل الشافعي بهذا على أن الزيادة من باب ~~التعزير الذي يفعل بالاجتهاد، ثم هذا مبني على مسألة أخرى، وهو أن من أقيم ~~عليه حد أو تعزير أو قصاص فمات PageV06P040 # من ذلك، هل يضمن؟ اتفق العلماء على أن الواجب المقدر [كالحد لا تضمن ~~سرايته، لأنه واجب عليه، واختلفوا في المباح، كالقصاص، وفي غير المقدر] (1) ~~كالتعزير، وضرب الرجل امرأته، وضرب الرائض للدابة، والمؤدب للصبي، على ~~ثلاثة أقوال، فقيل: لا يضمن في الجميع لأنه مباح، وهو قول أحمد بن حنبل ~~ومالك فيما أظن (2) . وقيل: يضمن في المباح دون الواجب [الذي ليس بمقدر] ~~(3) لأن له تركه، وهو قول أبي حنيفة، وقيل: يضمن غير المقدر، وهو قول ~~الشافعي، لأن غير المقدر يتبين أنه أخطأ إذا تلف به. ### | فصل كلام الرافضي: أن عمر رضي الله عنه أمر برجم حامل # فصل (4) # قال الرافضي (5) : " وكان قليل المعرفة بالأحكام: أمر (6) برجم حامل، ~~فقال له علي (7) : إن كان لك عليها سبيل، فلا سبيل لك على ما في بطنها، ~~فأمسك، وقال: لولا علي لهلك عمر ". # والجواب: أن هذه القصة إن كانت صحيحة فلا تخلو من أن PageV06P041 # يكون عمر لم يعلم أنها حامل، فأخبره علي بحملها، ولا ريب أن الأصل عدم ms1355 ~~العلم، والإمام إذا لم يعلم أن المستحقة للقتل أو الرجم حامل، فعرفه بعض ~~الناس بحالها، كان هذا من جملة إخباره بأحوال الناس المغيبات، ومن جنس ما ~~يشهد به عنده الشهود، وهذا أمر لا بد منه مع كل أحد من الأنبياء والأئمة ~~وغيرهم، وليس هذا من الأحكام الكلية الشرعية. # وإما أن يكون عمر قد غاب عنه كون الحامل لا ترجم، فلما ذكره علي ذكر ذلك، ~~ولهذا أمسك، ولو كان رأيه أن الحامل ترجم لرجمها، ولم يرجع إلى رأي غيره، ~~وقد مضت سنة النبي - صلى الله عليه وسلم «- في الغامدية، لما قالت: إني ~~حبلى من الزنا، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: " اذهبي حتى تضعيه» ~~" (1) . ولو قدر أنه خفي عليه علم هذه المسألة حتى عرفه، لم يقدح ذلك فيه؛ ~~لأن عمر ساس المسلمين وأهل الذمة، يعطي الحقوق، ويقيم الحدود، ويحكم بين ~~الناس كلهم، وفي زمنه انتشر الإسلام، وظهر ظهورا لم يكن قبله مثله، وهو ~~دائما يقضي ويفتي، ولولا كثرة علمه لم يطق ذلك، فإذا خفيت عليه قضية من ~~مائة ألف قضية ثم عرفها (2) ، أو كان نسيها فذكرها، فأي عيب في ذلك؟ ! ~~PageV06P042 # وعلي - رضي الله عنه - قد خفي عليه من سنة رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - أضعاف ذلك، ومنها ما مات ولم يعرفه. # ثم يقال: عمر - رضي الله عنه - قد بلغ من علمه وعدله ورحمته بالذرية أنه ~~(1) كان لا يفرض للصغير (2) حتى يفطم (3) ، ويقول: يكفيه اللبن، فسمع امرأة ~~تكره ابنها على الفطام ليفرض له، فأصبح فنادى في الناس: أن أمير المؤمنين ~~يفرض للفطيم والرضيع (4) . وتضرر الرضيع كان بإكراه أمه لا بفعله هو، لكن ~~رأى أن يفرض للرضعاء ليمتنع الناس عن إيذائهم (5) . فهذا إحسانه إلى ذرية ~~المسلمين. # ولا ريب أن العقوبة إذا أمكن أن لا يتعدى بها الجاني كان ذلك هو الواجب ~~(6) . ومع هذا فإذا كان الفساد في ترك عقوبة الجاني أعظم من الفساد في ~~عقوبة من لم يجن، دفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما، كما رمى «النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - أهل ms1356 الطائف بالمنجنيق» (7) ، مع أن المنجنيق قد يصيب ~~النساء والصبيان. PageV06P043 # وفي الصحيحين أن «الصعب بن جثامة سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ~~أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من ذراريهم، فقال: " هم منهم» " (1) . # ولو صالت المرأة (2) الحامل على النفوس والأموال المعصومة، فلم يندفع ~~صيالها إلا بقتلها (3) قتلت، وإن قتل جنينها. # فإذا قدر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ظن أن إقامة الحدود من هذا ~~الباب، حتى تبين له أنه ليس من هذا الباب (4) ، لم يكن هذا بأعظم من القتال ~~يوم الجمل وصفين، الذي أفضى إلى أنواع من الفساد أعظم من هذا، وعلي - رضي ~~الله عنه - كان مع نظره واجتهاده، لا يظن أن الأمر يبلغ إلى ما بلغ، ولو ~~علم ذلك لما فعل ما فعل، كما أخبر عن نفسه. PageV06P044 ### | فصل كلام الرافضي: أن عمر رضي الله عنه أمر برجم مجنونة # فصل (1) # قال الرافضي (2) : " وأمر برجم مجنونة، فقال له علي - رضي الله عنه -: إن ~~القلم رفع عن المجنون حتى يفيق، فأمسك، وقال: لولا علي لهلك عمر ". # والجواب: أن هذه الزيادة ليست معروفة في هذا الحديث (3) . ورجم المجنونة ~~لا يخلو: إما أن يكون لم يعلم بجنونها فلا يقدح ذلك في علمه بالأحكام، أو ~~كان ذاهلا عن ذلك فذكر بذلك، أو يظن الظان أن العقوبات لدفع الضرر في ~~الدنيا، والمجنون قد يعاقب لدفع عدوانه على غيره من العقلاء والمجانين، ~~والزنا هو من العدوان، فيعاقب على ذلك حتى يتبين له أن هذا من باب حدود ~~الله - تعالى - التي لا تقام إلا على المكلف. # والشريعة قد جاءت بعقوبة الصبيان على ترك الصلاة، كما قال - صلى الله ~~عليه وسلم -: " «مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في ~~المضاجع» " (4) . PageV06P045 # والمجنون إذا صال ولم يندفع صياله إلا بقتله قتل، بل البهيمة إذا صالت ~~ولم يندفع صيالها إلا بقتلها قتلت، وإن كانت مملوكة لم يكن على قاتلها ضمان ~~للمالك عند جمهور العلماء، كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم، وأبو حنيفة يقول: ~~إنه يضمنها للمالك لأنه قتلها لمصلحته، فهو كما لو ms1357 قتلها في المخمصة، ~~والجمهور يقولون: هناك قتلها بسبب منه لا بسبب عدوانها (1) ، وهنا قتلها ~~بسبب عدوانها (2) . # ففي الجملة قتل غير المكلف، كالصبي والمجنون والبهيمة، لدفع عدوانهم ~~[جائز بالنص والاتفاق، (3) إلا في بعض المواضع] (4) كقتلهم في الإغارة ~~والبيات وبالمنجنيق وقتلهم لدفع صيالهم. # وحديث: " «رفع القلم عن ثلاثة» " إنما يدل على رفع الإثم لا [يدل] (5) ~~على منع الحد (6) إلا بمقدمة أخرى، وهو أن يقال: من لا قلم عليه لا حد ~~عليه، وهذه المقدمة فيها خفاء؛ فإن من لا قلم عليه (7) قد يعاقب أحيانا، ~~ولا يعاقب أحيانا، والفصل بينهما يحتاج إلى علم خفي، ولو استكره المجنون ~~امرأة على نفسها، ولم يندفع إلا بقتله، فلها قتله، بل عليها ذلك بالسنة ~~واتفاق أهل العلم. PageV06P046 # فلو اعتقد بعض المجتهدين أن الزنا عدوان، كما سماه الله - تعالى - عدوانا ~~بقوله: {فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} [سورة المؤمنون: 7] فيقتل ~~به المجنون، حتى يتبين له أن هذا حد الله، فلا يقام (1) إلا بعد العلم ~~بالتحريم، والمجنون لم يعلم التحريم، لم يشنع عليه في هذا إلا من شنع بأعظم ~~منه على غيره. # فلو قال قائل: قتال المسلمين هو عقوبة لهم، فلا يعاقبون حتى يعلموا ~~الإيجاب والتحريم، وأصحاب معاوية [الذين قاتلهم (2) علي] (3) لم يكونوا ~~يعلمون أن لهم ذنبا، فلم يجز لعلي قتالهم على ما لا يعلمون أنه ذنب، وإن ~~كانوا مذنبين فإن غاية ما يقال (4) : إنهم تركوا الطاعة الواجبة، لكن كثيرا ~~منهم - أو أكثرهم - لم يكونوا يعلمون أنه يجب عليهم طاعة علي ومتابعته، بل ~~كان لهم من الشبهات والتأويلات ما يمنع علمهم بالوجوب، فكيف جاز قتال من لم ~~يعلم أنه ترك واجبا، أو فعل محرما مع كونه كان معصوما؟ لم يكن مثل هذا قدحا ~~في إمامة علي، فكيف يكون ذلك قدحا في إمامة عمر؟ ! # لا سيما والقتال على ترك الواجب إنما يشرع إذا كانت مفسدة القتال أقل من ~~مفسدة ترك ذلك الواجب، والمصلحة بالقتال أعظم من المصلحة بتركه. ~~PageV06P047 # ولم يكن الأمر كذلك؛ فإن القتال لم يحصل الطاعة المطلوبة، بل زاد ms1358 بذلك ~~عصيان الناس لعلي، حتى عصاه وخرج عليه خوارج من عسكره، وقاتله كثير من ~~أمراء جيشه، وأكثرهم (1) لم يكونوا مطيعين له مطلقا، وكانوا قبل القتال ~~أطوع له منهم بعد القتال. # فإن قيل: علي كان مجتهدا في ذلك، معتقدا أنه بالقتال يحصل الطاعة. # قيل: فإذا كان مثل هذا الاجتهاد مغفورا، مع أنه أفضى إلى قتل ألوف من ~~المسلمين، بحيث حصل الفساد، ولم يحصل المطلوب من الصلاح، أفلا يكون ~~الاجتهاد في قتل واحد، لو قتل لحصل به نوع المصلحة من الزجر عن الفواحش، ~~اجتهادا مغفورا؟ مع أن ذلك لم يقتله، بل هم به وتركه. # وولي الأمر إلى معرفة الأحكام في السياسة العامة الكلية أحوج منه إلى ~~معرفة الأحكام (2) في الحدود الجزئية، وعمر - رضي الله عنه - لم يكن يخفى ~~عليه أن المجنون ليس بمكلف: لكن (3) المشكل أن من ليس بمكلف: هل يعاقب لدفع ~~الفساد؟ هذا موضع مشتبه؛ فإن الشرع قد جاء بعقوبة غير المكلفين في دفع ~~الفساد في غير موضع، والعقل يقتضي ذلك لحصول مصلحة الناس، والغلام الذي ~~قتله الخضر قد قيل: إنه PageV06P048 # كان لم يبلغ [الحلم] (1) وقتله لدفع صوله على أبويه بأن يرهقهما طغيانا ~~وكفرا. # وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم، ~~والمجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ» " (2) ، إنما يقتضي رفع المأثم لا ~~رفع الضمان باتفاق المسلمين، فلو أتلفوا نفسا أو مالا ضمنوه، وأما رفع ~~العقوبة إذا سرق أحدهما أو زنى أو قطع الطريق، فهذا علم بدليل منفصل بمجرد ~~هذا الحديث. # ولهذا اتفق العلماء على أن المجنون والصغير الذي ليس بمميز ليس عليه ~~عبادة بدنية كالصلاة والصيام والحج، واتفقوا على وجوب الحقوق في أموالهم ~~كالنفقات والأثمان، واختلفوا في الزكاة؛ فقالت طائفة - كأبي حنيفة -: إنها ~~لا تجب إلا على مكلف كالصلاة، وقال الجمهور - كمالك والشافعي وأحمد -: بل ~~الزكاة من الحقوق المالية كالعشر وصدقة الفطر، وهذا قول جمهور الصحابة. # فإذا كان غير المكلف قد تشتبه بعض الواجبات: هل تجب في ماله أم لا؟ فكذلك ~~بعض العقوبات قد تشتبه: هل ms1359 يعاقب بها أم لا؟ لأن من الواجبات ما يجب في ~~ذمته بالاتفاق، [ومنها ما لا يجب في ذمته بالاتفاق] (3) وبعضها يشتبه: هل ~~هو من هذا أو هذا؟ PageV06P049 # وكذلك العقوبات: منها ما لا يعاقب به (1) بالاتفاق، كالقتل على الإسلام، ~~فإن المجنون لا يقتل على الإسلام، ومنها ما يعاقب به، كدفع صياله، ومنها ما ~~قد يشتبه. # ولا نزاع بين العلماء أن غير المكلف كالصبي المميز يعاقب على الفاحشة ~~تعزيرا بليغا، وكذلك المجنون يضرب على ما فعله (2) لينزجر، لكن العقوبة (3) ~~التي فيها قتل أو قطع هي التي تسقط عن غير المكلف، وهذا إنما علم بالشرع، ~~وليس هو من الأمور الظاهرة حتى يعاب من خفيت عليه حتى يعلمها. # وأيضا فكثير من المجانين - أو أكثرهم - يكون له حال إفاقة وعقل، فلعل عمر ~~ظن أنها زنت في حال عقلها وإفاقتها، ولفظ " المجنون " (4) يقال (5) على من ~~به الجنون المطبق (6) ، والجنون الخانق، ولهذا يقسم الفقهاء المجنون إلى ~~هذين النوعين، والجنون المطبق قليل، والغالب هو الخانق. # وبالجملة فما ذكره من المطاعن في عمر وغيره يرجع إلى شيئين: إما نقص ~~العلم، وإما نقص الدين، ونحن الآن في ذكره، فما ذكره من منع فاطمة ومحاباته ~~في القسم ودرء الحد (7) ونحو ذلك يرجع إلى أنه لم يكن PageV06P050 # عادلا بل كان ظالما، ومن المعلوم للخاص والعام أن عدل عمر - رضي الله عنه ~~- ملأ الآفاق، وصار يضرب به المثل، كما قيل: سيرة العمرين، وأحدهما عمر بن ~~الخطاب، والآخر قيل: إنه عمر بن عبد العزيز، وهو قول أحمد بن حنبل وغيره ~~[من أهل العلم والحديث] (1) . وقيل: هو أبو بكر وعمر، وهو قول أبي عبيدة ~~وطائفة من أهل اللغة (2) والنحو. # ويكفي الإنسان أن الخوارج، الذين هم أشد الناس تعنتا (3) ، راضون عن أبي ~~بكر وعمر في سيرتهما، وكذلك الشيعة الأولى أصحاب علي كانوا يقدمون عليه أبا ~~بكر وعمر، وروى ابن بطة ما ذكره الحسن بن عرفة: حدثني كثير بن مروان ~~الفلسطيني (4) ، عن أنس بن سفيان، عن غالب بن عبد الله العقيلي، قال: لما ~~طعن عمر دخل عليه ms1360 رجال، منهم ابن عباس، وعمر يجود بنفسه وهو يبكي، فقال له ~~ابن عباس: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ فقال له عمر: أما والله ما أبكي جزعا ~~على الدنيا، ولا شوقا إليها، ولكن أخاف هول المطلع، قال: فقال له ابن عباس: ~~فلا تبك يا أمير المؤمنين، فوالله لقد أسلمت فكان إسلامك فتحا، ولقد ~~PageV06P051 # أمرت فكانت إمارتك فتحا، ولقد ملأت الأرض عدلا، وما من رجلين من المسلمين ~~يكون بينهما ما يكون بين المسلمين فتذكر عندهما إلا رضيا بقولك (1) وقنعا ~~به. قال: فقال عمر: أجلسوني، فلما جلس قال عمر: أعد علي كلامك يا ابن عباس. ~~قال: نعم (2) ، فأعاده. فقال عمر: أتشهد لي بهذا عند الله يوم القيامة يا ~~ابن عباس؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أنا أشهد لك بهذا عند الله، وهذا علي ~~يشهد لك، وعلي بن أبي طالب جالس، فقال علي بن أبي طالب: نعم يا أمير ~~المؤمنين (3) . # وهؤلاء أهل العلم الذين يبحثون الليل والنهار عن العلم، وليس لهم غرض مع ~~أحد، بل يرجحون قول هذا الصاحب (4) تارة، وقول هذا الصاحب (5) تارة، بحسب ~~ما يرونه من أدلة الشرع، كسعيد بن المسيب، وفقهاء المدينة، مثل عروة بن ~~الزبير، والقاسم بن محمد، وعلي بن الحسين، وأبي بكر بن عبد الرحمن، وعبيد ~~الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد، وسالم بن عبد ~~الله بن عمر، وغير هؤلاء. PageV06P052 # ومن بعدهم كابن شهاب الزهري، ويحيى بن سعيد، وأبي الزناد، وربيعة، ومالك ~~بن أنس، وابن أبي ذئب، وعبد العزيز الماجشون، وغيرهم. # ومثل طاوس اليماني، ومجاهد، وعطاء، وسعيد بن جبير، وعبيد بن عمير، وعكرمة ~~مولى ابن عباس. # ومن بعدهم مثل عمرو بن دينار، وابن جريج، وابن عيينة، وغيرهم من أهل مكة. # ومثل الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وجابر بن زيد أبي الشعثاء، ومطرف بن ~~عبد الله بن الشخير، ثم أيوب السختياني، وعبد الله بن عون، وسليمان التيمي، ~~وقتادة، وسعيد بن أبي عروبة، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد (1) . # وأمثالهم مثل علقمة، والأسود، وشريح القاضي ms1361، وأمثالهم، ثم إبراهيم ~~النخعي، وعامر الشعبي، والحكم بن عتيبة، ومنصور بن المعتمر، إلى سفيان ~~الثوري، وأبي حنيفة، وابن أبي ليلى، وشريك، إلى وكيع بن الجراح، وأبي يوسف، ~~ومحمد بن الحسن، وأمثالهم. # ثم الشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو عبيد القاسم بن سلام، ~~والحميدي عبد الله بن الزبير، وأبو ثور، ومحمد بن نصر المروزي، ومحمد بن ~~جرير الطبري، وأبو بكر بن المنذر، ومن لا PageV06P053 # يحصي عددهم إلا الله من أصناف علماء المسلمين، كلهم خاضعون لعدل عمر ~~وعلمه. ### | كلام العلماء في مناقب عمر رضي الله عنه # وقد أفرد العلماء مناقب عمر؛ فإنه لا يعرف في سير الناس كسيرته، كذلك قال ~~أبو المعالي الجويني، قال (1) : " ما دار الفلك على شكله، قالت عائشة - رضي ~~الله عنها -: كان عمر أحوذيا نسيج وحده، قد أعد للأمور أقرانها، وكانت ~~تقول: زينوا مجالسكم بذكر عمر (2) . وقال ابن مسعود: أفرس الناس ثلاثة: ~~ابنة (3) صاحب مدين إذ قالت: {ياأبت استأجره إن خير من استأجرت القوي ~~الأمين} [سورة القصص: 26] وخديجة في النبي - صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر ~~حين استخلف عمر " (4) . # وكل هؤلاء العلماء الذين ذكرناهم يعلمون أن عدل عمر كان أتم من عدل من ~~ولي بعده، وعلمه كان أتم من علم من ولي بعده. PageV06P054 # وأما التفاوت (1) بين سيرة عمر وسيرة من ولي بعده فأمر قد عرفته العامة ~~والخاصة؛ فإنها أعمال ظاهرة، وسيرة بينة، يظهر لعمر فيها من حسن النية، ~~وقصد العدل، وعدم الغرض، وقمع الهوى ما لا يظهر من غيره. # ولهذا قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «ما رآك الشيطان سالكا فجا ~~إلا سلك فجا غير فجك» " (2) ، لأن الشيطان إنما يستطيل على الإنسان بهواه، ~~وعمر قمع هواه. # وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر» ~~(3) ". PageV06P055 # وقال: " «إن الله ضرب الحق على لسان عمر وقلبه» " (1) . # ووافق ربه في غير واحدة نزل فيها القرآن بمثل ما قال. # وقال ابن عمر: كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر (2) . # وهذا لكمال نفسه بالعلم والعدل، قال ms1362 الله - تعالى -: {وتمت كلمة ربك صدقا ~~وعدلا} [سورة الأنعام: 115] فالله - تعالى - بعث الرسل بالعلم والعدل؛ فكل ~~من كان أتم علما وعدلا كان أقرب إلى ما جاءت به الرسل. # وهذا كان في عمر أظهر منه في غيره، وهذا في العمل والعدل ظاهر لكل أحد، ~~وأما العلم فيعرف برأيه وخبرته بمصالح المسلمين، وما ينفعهم وما يضرهم في ~~دينهم ودنياهم، ويعرف بمسائل النزاع التي له فيها قول ولغيره فيها قول؛ فإن ~~صواب عمر في مسائل النزاع وموافقته للنصوص أكثر من صواب عثمان وعلي. ~~PageV06P056 # ولهذا كان أهل المدينة إلى قوله أميل، ومذهبهم أرجح مذاهب أهل الأمصار؛ ~~فإنه لم يكن في مدائن الإسلام في القرون الثلاثة أهل مدينة أعلم بسنة رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - منهم، وهم متفقون على تقديم قول عمر على قول ~~علي. # ، وأما الكوفيون، فالطبقة الأولى منهم أصحاب ابن مسعود يقدمون قول عمر ~~على قول علي، وأولئك أفضل الكوفيين حتى قضاته (1) شريح وعبيدة السلماني ~~وأمثالهما كانوا يرجحون قول عمر [وعلي] على قوله وحده (2) . # قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: ما رأيت عمر قط إلا وأنا يخيل ~~لي أن بين عينيه ملكا يسدده (3) . وروى الشعبي عن علي قال: ما كنا نبعد أن ~~السكينة تنطق على لسان عمر (4) . وقال حذيفة بن اليمان: كان PageV06P057 # الإسلام في زمن عمر كالرجل المقبل، لا يزداد إلا قربا، فلما قتل كان ~~كالرجل المدبر لا يزداد إلا بعدا، وقال ابن مسعود: ما زلنا أعزة منذ أسلم ~~عمر (1) . وقال أيضا: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر، كان إسلامه نصرا، ~~وإمارته فتحا (2) . # وقال أيضا: كان عمر أعلمنا بكتاب الله، وأفقهنا في دين الله، وأعرفنا ~~بالله، والله لهو أبين من طريق الساعين، يعني أن هذا أمر بين يعرفه الناس ~~(3) PageV06P058 # وقال أيضا عبد الله بن مسعود: لو أن علم عمر وضع في كفة ميزان، ووضع علم ~~أهل الأرض في كفة لرجح عليهم، وقال أيضا لما مات عمر: إني لأحسب هذا قد ذهب ~~بتسعة أعشار العلم، وإني لأحسب تسعة أعشار العلم ذهب مع ms1363 عمر يوم أصيب (1) . # وقال مجاهد: إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ما صنع عمر فخذوا برأيه (2) ~~. # وقال أبو عثمان النهدي: إنما كان عمر ميزانا لا يقول كذا ولا يقول كذا ~~(3) . # وهذه الآثار وأضعافها مذكورة بالأسانيد الثابتة في الكتب المصنفة في هذا ~~الباب، ليس من أحاديث الكذابين، والكتب الموجودة فيها هذه الآثار المذكورة ~~بالأسانيد الثابتة كثيرة جدا. PageV06P059 # قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني أبي، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ~~إسماعيل بن أبي خالد، حدثنا قيس بن أبي حازم، قال: قال عبد الله بن مسعود: ~~ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر (1) . وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~من حديث ابن عمر وابن عباس وغيرهما أنه قال: " «اللهم أعز الإسلام بأبي جهل ~~بن هشام أو بعمر بن الخطاب ". قال: فغدا عمر على رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - فأسلم يومئذ، وفي لفظ: " أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك» " (2) ~~. # وروى النضر عن عكرمة عن ابن عباس، قال: لما أسلم عمر قال المشركون: قد ~~انتصف القوم منا (3) . PageV06P060 # وروى أحمد بن منيع، حدثنا ابن علية، حدثنا أيوب عن أبي معشر، عن إبراهيم ~~قال: قال ابن مسعود: كان عمر حائطا حصينا على الإسلام، يدخل الناس فيه ولا ~~يخرجون منه، فلما قتل عمر انثلم الحائط، فالناس اليوم يخرجون منه (1) . # وروى ابن بطة بالإسناد (2) المعروف عن الثوري، عن قيس بن مسلم، عن طارق ~~بن شهاب، عن أم أيمن قالت: وهي الإسلام يوم مات عمر (3) . # والثوري، عن منصور، عن ربعي، عن حذيفة قال: كان الإسلام في زمن عمر ~~كالرجل المقبل لا يزداد إلا قربا، فلما قتل كان كالرجل المدبر لا يزداد إلا ~~بعدا (4) . PageV06P061 # ومن طريق الماجشون، قال: أخبرني عبد الواحد بن أبي عون، عن القاسم بن ~~محمد: كانت عائشة - رضي الله عنها - تقول: من رأى عمر بن الخطاب علم أنه ~~خلق غناء للإسلام، كان والله أحوذيا (1) نسيج وحده، قد أعد للأمور أقرانها ~~(2) . # وقال محمد بن إسحاق في " السيرة ": " أسلم عمر بن الخطاب، وكان رجلا ذا ~~شكيمة ms1364 لا يرام ما وراء ظهره، فامتنع به [أصحاب رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - حتى عزوا، وكان عبد الله بن مسعود يقول: ما كنا نقدر أن نصلي عند ~~الكعبة حتى أسلم عمر بن الخطاب، فلما أسلم قاتل قريشا حتى صلى] (3) عند ~~الكعبة وصلينا معه ". # وكذلك رواه مسندا محمد بن عبيد الطنافسي، قال: حدثنا إسماعيل، عن قيس بن ~~أبي حازم، قال: قال عبد الله بن مسعود: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر، والله ~~لو رأيتنا وما نستطيع أن نصلي بالكعبة ظاهرين، حتى أسلم عمر فقاتلهم حتى ~~تركونا فصلينا (4) . PageV06P062 # وقد روي من وجوه ثابتة عن مكحول، عن غضيف، «عن أبي ذر قال: سمعت رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إن الله جعل الحق على لسان عمر يقول ~~به ". وفي لفظ: " جعل الحق على لسان عمر (1) وقلبه، أو قلبه ولسانه» " وهذا ~~مروي من حديث ابن عمر وأبي هريرة (2) . # وقد ثبت من غير وجه عن الشعبي عن علي قال: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق ~~على لسان عمر، ثبت هذا عن الشعبي عن علي، وهو قد رأى عليا، وهو من أخبر ~~الناس بأصحابه وحديثه (3) . # وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «قد كان في ~~الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي منهم أحد فعمر بن الخطاب» " (4) . # وثبت عن طارق بن شهاب قال: إن كان الرجل ليحدث عمر بالحديث فيكذب الكذبة ~~فيقول: احبس هذه، ثم يحدثه الحديث فيقول: احبس هذه، فيقول: كل ما حدثتك به ~~حق إلا ما أمرتني أن أحبسه. PageV06P063 # وروى ابن وهب، عن يحيى بن أيوب، عن ابن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر: أن ~~عمر بن الخطاب " بعث جيشا وأمر عليهم رجلا يدعى سارية. قال: فبينا عمر (1) ~~يخطب في الناس، فجعل يصيح على المنبر: يا سارية الجبل، يا سارية الجبل. ~~قال: فقدم رسول الجيش، فسأله، فقال: يا أمير المؤمنين، لقينا عدونا فهزمونا ~~(2) ، فإذا بصائح: يا سارية الجبل، يا سارية الجبل. فأسندنا ظهورنا إلى ~~الجبل، فهزمهم الله. فقيل لعمر ms1365 بن الخطاب: إنك كنت تصيح بذلك على المنبر ". ~~(3) # وفي الصحيحين عن عمر أنه قال: " وافقت ربي في ثلاث. قلت: يا رسول الله لو ~~اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزلت: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} [سورة ~~البقرة: 125] وقلت: يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو ~~أمرتهن أن يحتجبن، قال: فنزلت آية الحجاب، واجتمع على رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - نساؤه في الغيرة، فقلت لهن: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا ~~خيرا منكن} ، فنزلت كذلك " (4) . # وفي الصحيحين أنه «لما مات عبد الله بن أبي ابن سلول دعي له رسول ~~PageV06P064 # الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي عليه، قال عمر: فلما قام دنوت إليه، ~~فقلت: يا رسول الله، أتصلي عليه وهو منافق، فأنزل الله {ولا تصل على أحد ~~منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} [سورة التوبة: 84] وأنزل الله {استغفر لهم ~~أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} » [سورة ~~التوبة: 80] (1) . # وثبت عن قيس، عن طارق بن شهاب، قال: كنا نتحدث أن عمر يتحدث على لسانه ~~ملك (2) . # وعن مجاهد قال: كان عمر إذا رأى الرأي نزل به القرآن. # وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «رأيت كأن الناس ~~عرضوا علي وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما هو دون ذلك، وعرض علي ~~عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره ". قالوا (3) : فما أولته يا رسول الله؟ ~~قال: " الدين» " (4) . # وفي الصحيحين «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " بينا أنا نائم ~~رأيتني (5) أتيت بقدح فشربت منه، حتى أني لا أرى الري يخرج من PageV06P065 # أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب " قالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله؟ ~~قال: " العلم» " (1) . # وفي الصحيحين عنه قال: " «رأيت كأني أنزع على قليب بدلو، فأخذها ابن أبي ~~قحافة فنزع ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، والله يغفر له، ثم أخذ عمر بن ~~الخطاب فاستحالت في يده غربا فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه، حتى ضرب ~~الناس بعطن» " (2) . # وقال ms1366 عبد الله بن أحمد: حدثنا الحسن بن حماد، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن ~~شقيق، عن عبد الله بن مسعود، قال: " لو أن علم عمر وضع في كفة ميزان ووضع ~~علم [خيار] (3) أهل الأرض في كفة لرجح عليهم بعلمه ". قال الأعمش: فأنكرت ~~ذلك، وذكرته لإبراهيم، فقال: ما أنكرت من ذلك؟ قد قال ما هو أفضل من ذلك، ~~قال: " إني لأحسب تسعة أعشار العلم ذهب مع عمر بن الخطاب " (4) . # وروى ابن بطة بالإسناد الثابت عن ابن عيينة وحماد بن سلمة، وهذا لفظه عن ~~عبد الله بن عمير، عن زيد بن وهب: أن رجلا أقرأه معقل بن مقرن [أبو عميرة] ~~(5) آية، وأقرأها عمر بن الخطاب آخر، فسألا ابن مسعود عنها، فقال لأحدهما: ~~من أقرأكها؟ قال: أبو عميرة بن معقل بن مقرن. PageV06P066 # وقال للآخر: من أقرأكها؟ قال عمر بن الخطاب. فبكى ابن مسعود حتى كثرت ~~دموعه، ثم قال: اقرأها كما أقرأكها عمر؛ فإنه كان أقرأنا لكتاب الله، ~~وأعلمنا بدين الله، ثم قال: كان عمر حصنا حصينا [على الإسلام] (1) يدخل في ~~الإسلام ولا يخرج منه، فلما ذهب عمر انثلم الحصن ثلمة لا يسدها (2) أحد ~~بعده، وكان إذا سلك طريقا اتبعناه ووجدناه سهلا، فإذا ذكر الصالحون فحيهلا ~~بعمر [، فحيهلا بعمر، فحيهلا بعمر] (3) . وقال عبد الله بن أحمد: حدثنا ~~أبي، حدثنا هشيم، حدثنا العوام، عن مجاهد قال: " إذا اختلف الناس في شيء ~~فانظروا ما صنع عمر فخذوا به " (4) . # وروى ابن مهدي، عن حماد بن زيد، قال: سمعت خالدا الحذاء يقول: نرى أن ~~الناسخ من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان عليه عمر بن الخطاب ~~- رضي الله عنه -. # وروى ابن بطة من حديث أحمد بن يحيى الحلواني، حدثنا عبيد بن جناد، حدثنا ~~عطاء بن مسلم، عن صالح المرادي، عن عبد خير، قال: رأيت عليا صلى العصر فصف ~~له أهل نجران صفين، فلما صلى أومأ رجل PageV06P067 # منهم إلى رجل، فأخرج كتابا فناوله إياه، فلما قرأه دمعت عيناه، ثم رفع ~~رأسه إليهم فقال: يا أهل نجران - أو ms1367 يا أصحابي - هذا والله خطي بيدي، ~~وإملاء عمر علي. فقالوا: يا أمير المؤمنين أعطنا ما فيه، فدنوت منه فقلت: ~~إن كان رادا على عمر يوما فاليوم يرد عليه، فقال: لست رادا على عمر شيئا ~~صنعه، إن عمر كان رشيد الأمر، وإن عمر أعطاكم خيرا مما أخذ منكم، وأخذ منكم ~~خيرا مما أعطى، ولم يجر لعمر نفع مع أخذ لنفسه، إنما أخذه لجماعة المسلمين ~~(1) . # وقد روى أحمد والترمذي وغيرهما، قال أحمد: حدثنا أبو (2) عبد الرحمن ~~المقري، حدثنا حيوة بن شريح، حدثنا بكر بن عمرو المعافري، عن مشرح بن هاعان ~~(3) ، عن عقبة بن عامر الجهني قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~يقول: " لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب " (4) . PageV06P068 # ورواه ابن وهب وغيره عن ابن لهيعة عن مشرح، فهو ثابت عنه (1) . # وروى ابن بطة من حديث عقبة بن مالك الخطمي، قال: قال رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم -: " «لو كان غيري نبي لكان عمر بن الخطاب ". وفي لفظ: " لو ~~لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر» " وهذا اللفظ في الترمذي (2) . # وقال عبد الله بن أحمد (3) ، حدثنا شجاع بن مخلد، حدثنا يحيى بن يمان، ~~حدثنا سفيان، عن عمرو بن محمد (4) ، عن سالم بن عبد الله، عن أبي موسى ~~الأشعري أنه أبطأ عليه خبر عمر، فكلم امرأة في بطنها شيطان، فقالت: حتى ~~يجيء شيطاني فأسأله، فقال: رأيت عمر متزرا بكساء يهنأ إبل الصدقة (5) ، ~~وذلك (6) لا يراه الشيطان إلا خر لمنخريه (7) للملك الذي بين عينيه، روح ~~(8) القدس ينطق (9) على لسانه (10) . # ومثل هذا في الصحيحين «عن سعد بن أبي وقاص، قال: استأذن عمر PageV06P069 # على رسول الله - صلى الله عليه وسلم، وعنده نساء من قريش يكلمنه ~~ويستكثرنه، عالية أصواتهن، فلما استأذن عمر قمن فابتدرن (1) الحجاب، فأذن ~~له رسول الله - صلى الله عليه وسلم، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~يضحك. فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله. فقال رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم -: " عجبت (2) من هؤلاء اللاتي كن عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن ms1368 ~~الحجاب ". فقال عمر: قلت: يا رسول الله (3) أنت أحق أن يهبن. ثم قال عمر: ~~أي عدوات أنفسهن، تهبنني ولا تهبن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. [قلن: ~~نعم، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (4) . قال رسول ~~الله: " والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير ~~فجك» " (5) . # وفي حديث آخر «أن الشيطان يفر من حس عمر» (6) . PageV06P070 # وقال أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن واصل، عن مجاهد ~~قال: كنا نتحدث أن الشياطين كانت مصفدة في إمارة عمر، فلما قتل عمر وثبت. # وهذا باب طويل قد صنف الناس فيه مجلدات في مناقب عمر مثل كتاب أبي الفرج ~~بن الجوزي وعمر بن شبة (1) وغيرهما، غير ما ذكره الإمام أحمد بن حنبل وغيره ~~من أئمة العلم، مثل ما صنفه خيثمة بن سليمان في " فضائل الصحابة " ~~والدارقطني والبيهقي وغيرهم. ### | [رسالة عمر في القضاء إلى أبي موسى الأشعري] # ورسالة عمر المشهورة في القضاء إلى أبي موسى الأشعري تداولها الفقهاء، ~~وبنوا عليها واعتمدوا على ما فيها من الفقه وأصول الفقه، ومن طرقها ما رواه ~~أبو عبيد وابن بطة وغيرهما بالإسناد الثابت عن كثير بن هشام، عن جعفر بن ~~برقان، قال (2) : كتب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى أبي موسى ~~الأشعري: " أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أدلي ~~إليك (3) ، فإنه لا ينفع تكلم بحق (4) لا نفاذ PageV06P071 # له (1) ، آس (2) بين الناس في مجلسك ووجهك وقضائك (3) ، حتى لا يطمع شريف ~~في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك (4) البينة على من ادعى (5) ، واليمين على ~~من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما، أو حرم حلالا، ومن ~~ادعى حقا غائبا فامدد له أمدا ينتهي إليه، فإن جاء ببينة فأعطه حقه، وإن ~~أعجزه ذلك استحللت عليه القضية، فإن ذلك هو أبلغ في العذر، وأجلى للعمى (6) ~~. ولا يمنعك قضاء قضيته اليوم (7) فراجعت فيه رأيك (8) فهديت فيه لرشدك أن ~~تراجع الحق (9) ، فإن الحق قديم، وليس يبطله شيء ms1369 (10) ، ومراجعة الحق خير ~~من التمادي في الباطل (11) . والمسلمون عدول بعضهم (12) ؛ على بعض، إلا ~~مجربا عليه شهادة زور، أو مجلودا في حد، أو ظنينا في ولاء أو نسب (13) ~~PageV06P072 # فإن الله تولى من العباد السرائر، وستر عليهم الحدود إلا بالبينات ~~والأيمان (1) . ثم الفهم الفهم فيما أدلي إليك وفيما ورد (2) عليك، مما ليس ~~في قرآن ولا سنة (3) ، ثم قايس الأمور عند ذلك، ثم اعرف الأمثال (4) ، ثم ~~اعمد فيما ترى إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق (5) ، وإياك والغضب والقلق ~~والضجر والتأذي بالخصوم؛ فإن القضاء في مواطن الحق مما يوجب [الله] به ~~الأجر، ويحسن به الذخر (6) ، فمن خلصت نيته في الحق، ولو على نفسه، كفاه ~~الله ما بينه وبين الناس (7) ، ومن تزين بما ليس في نفسه شانه الله - عز ~~وجل - (8) ؛ (9) فإن الله - عز وجل - لا PageV06P073 # يقبل من العبد إلا ما كان له خالصا، فما ظنك بثواب (1) عند الله في عاجل ~~رزقه وخزائن رحمته " (2) . # وروى ابن بطة من حديث أبي يعلى الناجي، حدثنا العتبي، عن أبيه قال: خطب ~~عمر بن الخطاب يوم عرفة يوم بويع له فقال (3) : " الحمد لله الذي ابتلاني ~~بكم، وابتلاكم بي، وأبقاني فيكم من بعد صاحبي، من كان منكم شاهدا باشرناه، ~~ومن كان غائبا ولينا أمره أهل القوة عندنا، فإن أحسن زدناه، وإن أساء لم ~~نناظره، أيتها الرعية إن للولاة عليكم حقا، وإن لكم عليهم حقا، واعلموا (4) ~~أنه ليس حلم (5) أحب إلى الله وأعظم نفعا من حلم (6) إمام وعدله، وليس جهل ~~أبغض إلى الله - تعالى - من جهل وال وخرقه، وأنه من يأخذ العافية ممن تحت ~~يده يعطه الله العافية ممن هو فوقه ". # قلت: وهو معروف من حديث الأحنف عن عمر، قال: الوالي إذا طلب العافية ممن ~~هو دونه أعطاه الله العافية ممن هو فوقه. # وروي من حديث وكيع، عن الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن PageV06P074 # يحيى بن جعدة (1) ، قال: قال عمر - رضي الله عنه -: " لولا ثلاث لأحببت ~~أن أكون قد لحقت بالله، لولا أن أسير في سبيل الله، أو أضع جبهتي في ms1370 التراب ~~ساجدا، أو أجالس قوما يلتقطون طيب الكلام كما يلتقط طيب الثمر " (2) . # وكلام عمر - رضي الله عنه - من أجمع الكلام [وأكمله، فإنه ملهم] (3) ~~محدث، كل كلمة من كلامه تجمع علما كثيرا، مثل هؤلاء الثلاث التي ذكرهن (4) ~~؛ فإنه ذكر الصلاة والجهاد والعلم، وهذه الثلاث هي أفضل الأعمال بإجماع ~~الأمة، قال أحمد بن حنبل: أفضل ما تطوع به الإنسان الجهاد، وقال الشافعي: ~~أفضل ما تطوع به الصلاة. وقال أبو حنيفة ومالك: العلم. # والتحقيق أن كلا من الثلاثة لا بد له من الآخرين، وقد يكون هذا أفضل في ~~حال، وهذا أفضل في حال، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه ~~يفعلون هذا وهذا وهذا، كل في موضعه بحسب الحاجة والمصلحة، وعمر جمع الثلاث. # ومن حديث محمد بن إسحاق عن الزهري، عن عبيد الله بن PageV06P075 # عبد الله، عن ابن عباس قال: قال لي عمر: إنه والله يا ابن عباس ما يصلح ~~لهذا الأمر إلا القوي في غير عنف، اللين في غير ضعف، الجواد في (1) غير ~~سرف، الممسك في غير بخل، قال: يقول ابن عباس: فوالله ما أعرفه غير عمر. # وعن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه، أنه كان إذا ذكر عمر ~~قال: لله در عمر، لقل ما سمعته يقول، يحرك شفتيه بشيء قط يتخوفه إلا كان ~~حقا. ### | فصل كلام الرافضي أن عمر رضي الله عنه منع المغالاة في المهور # فصل (2) # قال الرافضي (3) : " وقال في خطبة له: من غالى في مهر امرأة جعلته في بيت ~~المال، فقالت له امرأة: كيف تمنعنا ما أعطانا الله في كتابه حين قال: ~~{وآتيتم إحداهن قنطارا} [سورة النساء: 20] ؟ فقال: كل أحد (4) أفقه من عمر ~~حتى المخدرات ". # والجواب: أن هذه القصة دليل على كمال فضل عمر ودينه وتقواه، ورجوعه إلى ~~الحق إذا تبين له، وأنه يقبل الحق حتى من امرأة، ويتواضع له، وأنه معترف ~~بفضل الواحد عليه، ولو في أدنى مسألة، وليس من شرط PageV06P076 # الأفضل أن لا ينبهه المفضول لأمر من الأمور، فقد قال الهدهد لسليمان ms1371: ~~{أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين} [سورة النمل: 22] وقد قال ~~موسى للخضر: {هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا} [سورة الكهف: 66] ~~والفرق بين موسى والخضر أعظم من الفرق بين عمر وبين أشباهه من الصحابة، ولم ~~يكن هذا بالذي أوجب أن يكون الخضر قريبا من موسى، فضلا عن أن يكون مثله، بل ~~الأنبياء المتبعون لموسى، كهارون ويوشع وداود وسليمان وغيرهم، أفضل من ~~الخضر. # وما كان عمر قد رآه فهو مما يقع مثله للمجتهد الفاضل، فإن الصداق فيه حق ~~لله - تعالى، ليس من جنس الثمن والأجرة، فإن المال والمنفعة يستباح ~~بالإباحة، ويجوز بذله بلا عوض، وأما البضع فلا يستباح بالإباحة، ولا يجوز ~~النكاح بغير صداق، لغير النبي - صلى الله عليه وسلم - باتفاق المسلمين، ~~واستحلال البضع بنكاح لا صداق فيه من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم، ~~لكن يجوز عقده بدون التسمية، ويجب مهر المثل، فلو مات قبل أن يفرض لها ~~ففيها قولان للصحابة والفقهاء، أحدهما: لا يجب شيء، وهو مذهب علي ومن ~~اتبعه، كمالك والشافعي في أحد قوليه، والثاني: يجب مهر المثل، وهو مذهب عبد ~~الله بن مسعود، ومذهب أبي حنيفة وأحمد والشافعي في قوله الآخر. # والنبي - صلى الله عليه وسلم - قضى في بروع بنت واشق بمثل ذلك (1) ، فكان ~~هذا قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فعمر لم يستقر قوله ~~PageV06P077 # على خلاف النص، فكان حاله أكمل من حال من استقر قوله على خلاف النص (1) ، ~~وإذا كان الصداق فيه حق لله أمكن أن يكون مقدرا بالشرع، كالزكاة وفدية ~~الأذى وغير ذلك، ولهذا ذهب أبو حنيفة ومالك إلى أن أقله مقدر (2) بنصاب ~~السرقة، وإذا جاز تقدير أقله جاز تقدير أكثره، وإذا كان مقدرا اعتبر ~~بالسنة، فلم يتجاوز به ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نسائه ~~وبناته. # وإذا قدر أن هذا لا يسوغ، كانت (3) قد بذلت لمن لا يستحقها، فلا يعطاها ~~الباذل لحصول مقصوده، ولا الآخذ لكونه [لا] (4) يستحقها، فتوضع في بيت ~~المال، كما تقوله طائفة ms1372 من الفقهاء: إن المتجر بمال غيره يتصدق بالربح، وهو ~~مذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايات، وكما يقوله محققو الفقهاء فيمن باع ~~سلاحا في الفتنة، أو عصيرا أو عنبا للخمر: إنه يتصدق بالثمن. # ففي الجملة عمر لو نفذ اجتهاده لم يكن أضعف من كثير من اجتهاد غيره الذي ~~أنفذه، وكيف لم ينفذه؟ ! # وقوله - تعالى -: {وآتيتم إحداهن قنطارا} [سورة النساء: 20] يتأول كثير ~~من الناس ما هو أصرح منها، بأن يقولوا: هذا قيل للمبالغة، كما قالوا في ~~PageV06P078 # قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " «التمس ولو خاتما من حديد» " ~~(1) ، أنه قاله على سبيل المبالغة، فإذا كان المقدرون لأدناه يتأولون مثل ~~هذا، جاز أن يكون المقدر لأعلاه يتأول مثل هذا. # وإذا كان في هذا منع للمرأة المستحقة، فكذلك منع المفوضة المهر (2) الذي ~~استحقته بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا سيما والمزوجة بلا ~~تسمية لم تغال في الصداق، وعمر مع هذا لم يصر على ذلك، بل رجع إلى الحق. # فعلم أن تأييد الله له وهدايته إياه أعظم من تأييده لغيره وهدايته إياه، ~~وأن أقواله الضعيفة التي رجع عنها ولم يصر عليها خير من أقوال غيره الضعيفة ~~التي لم يرجع عنها. PageV06P079 # والله - تعالى - قد غفر لهذه الأمة الخطأ وإن لم يرجعوا عنه، فكيف بمن ~~رجع (1) عنه؟ # وقد ثبت في موضع غير هذا أن اجتهادات السلف من الصحابة والتابعين كانت ~~أكمل من اجتهادات (2) المتأخرين، وأن صوابهم أكمل من صواب المتأخرين، ~~وخطأهم أخف من خطأ المتأخرين، فالذين قالوا من الصحابة والتابعين بصحة نكاح ~~المتعة خطؤهم أيسر من خطأ من قال من المتأخرين بصحة نكاح المحلل، من أكثر ~~من عشرين وجها، قد ذكرناها في مصنف مفرد، والذين قالوا من الصحابة ~~والتابعين بجواز الدرهم بدرهمين خطؤهم أخف من خطأ من جوز الحيل الربوية من ~~المتأخرين، وأن الذين أنكروا ما قاله الصحابة، عمر وغيره، في مسألة المفقود ~~من أن زوجها إذا أتى خير بين امرأته ومهرها - قولهم ضعيف، وقول الصحابة هو ~~الصواب الموافق لأصول الشرع، والذين عدوا هذا ms1373 خلاف القياس، وقالوا: لا ينفذ ~~حكم الحاكم إذا حكم به، قالوا ذلك لعدم معرفتهم بمآخذ الصحابة ودقة فهمهم ~~(3) ؛ فإن هذا مبني على وقف العقود عند الحاجة؛ وهو أصل شريف من أصول ~~الشرع. # وكذلك ما فعله عمر من جعل أرض العنوة فيئا هو فيه على الصواب، دون من لم ~~يفهم ذلك من المتأخرين، وأن الذي أشار به علي بن أبي طالب في قتال أهل ~~القبلة كان علي - رضي الله عنه - فيه على الصواب، دون من أنكره عليه من ~~الخوارج وغيرهم. PageV06P080 # وما أفتى به ابن عباس وغيره من الصحابة في مسائل الأيمان والنذور والطلاق ~~والخلع، قولهم فيها هو الصواب، دون قول من خالفهم من المتأخرين. # وبالجملة فهذا باب يطول وصفه، فالصحابة أعلم الأمة وأفقهها وأدينها، ~~ولهذا أحسن الشافعي - رحمه الله - في قوله: " هم فوقنا في كل علم [وفقه] ~~(1) ودين وهدى، وفي كل سبب ينال به علم وهدى، ورأيهم لنا خير من رأينا ~~لأنفسنا " أو كلاما هذا معناه. # وقال أحمد بن حنبل: " أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - ". # وما أحسن قول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - حيث قال: " أيها الناس ~~من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات (2) ، [فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة] ~~(3) أولئك أصحاب محمد كانوا أفضل هذه الأمة: أبرها قلوبا، وأعمقها علما، ~~وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم ~~فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم، فإنهم ~~كانوا على الهدى المستقيم ". # وقال حذيفة - رضي الله عنه -: " يا معشر القراء استقيموا وخذوا طريق من ~~كان قبلكم، فوالله لئن استقمتم لقد سبقتم سبقا بعيدا، وإن أخذتم يمينا ~~وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا ". PageV06P081 ### | فصل كلام الرافضي أن عمر رضي الله عنه لم يحد قدامة في الخمر # فصل (1) # قال الرافضي (2) : " ولم يحد قدامة (3) في الخمر، لأنه تلا عليه: {ليس ~~على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا} ~~[سورة المائدة: 93] الآية، فقال [له] (4) علي ms1374: ليس قدامة من أهل هذه الآية، ~~فلم يدر كم يحده، فقال له أمير المؤمنين حده ثمانين، إن شارب الخمر إذا ~~شربها (5) [سكر، وإذا سكر] (6) هذى، وإذا هذى افترى ". # والجواب: أن هذا من الكذب [البين] (7) الظاهر على عمر - رضي الله عنه؛ ~~فإن علم ابن الخطاب بالحكم في مثل هذه القضية أبين من أن يحتاج إلى دليل، ~~فإنه قد جلد في الخمر غير مرة هو وأبو بكر قبله، وكانوا يضربون فيها تارة ~~أربعين وتارة ثمانين، وكان عمر أحيانا يعزر فيها بحلق الرأس والنفي، وكانوا ~~يضربون فيها تارة بالجريد، وتارة بالنعال والأيدي PageV06P082 # وأطراف الثياب، وقد تنازع علماء المسلمين في الزائد عن الأربعين إلى ~~الثمانين: هل هو حد يجب إقامته؟ أو تعزير يختلف باختلاف الأحوال؟ على قولين ~~مشهورين، هما روايتان عن أحمد، أحدهما (1) : أنه (2) حد لأن أقل الحدود ~~ثمانون، وهو حد القذف، وادعى أصحاب هذا القول أن الصحابة أجمعت على ذلك، ~~وأن ما نقل من الضرب أربعين كان بسوط له طرفان، فكانت الأربعون قائمة مقام ~~الثمانين، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك وغيرهما، واختاره الخرقي والقاضي أبو ~~يعلى وغيرهما. # والثاني: أن الزائد على الأربعين جائز، فليس بحد واجب، وهو قول الشافعي، ~~واختاره أبو بكر وأبو محمد (3) وغيرهما. وهذا القول أقوى؛ لأنه قد ثبت في ~~الصحيح عن علي - رضي الله عنه - أنه جلد الوليد أربعين، وقال: جلد رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ~~ثمانين، وكل (4) سنة، وهذا أحب إلي (5) . # وفي الصحيحين «عن أنس قال: أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجل قد ~~شرب الخمر، فضربه بالنعال نحوا من أربعين، ثم أتي به أبو بكر ففعل به مثل ~~ذلك، ثم أتي به عمر فاستشار الناس في الحدود، PageV06P083 # فقال ابن عوف: أخف الحدود ثمانون، فضربه عمر» (1) . # ولأنه يجوز الضرب فيه بغير السوط، كالجريد والنعال والأيدي وأطراف ~~الثياب، فلما لم تكن صفة الضرب مقدرة (2) ، بل يرجع فيها إلى الاجتهاد، ~~فكذلك مقدار الضرب، وهذا لأن أحوال الشاربين تختلف، ولهذا أمر أولا بقتل ms1375 ~~الشارب في المرة الرابعة، وقد قيل: إن هذا منسوخ، وقيل: بل هو محكم، وقيل: ~~بل هو تعزير جائز يفعل عند الحاجة إليه، وهذا لأن الضرب بالثوب ليس أمرا ~~محدودا، بل يختلف باختلاف قلته وكثرته، وخفته وغلظته، والنفوس قد لا تنتهي ~~فيه عند مقدار، فردت أكثر العقوبة (3) فيه إلى الاجتهاد، وإن كان أقلها ~~مقدرا، كما أن (4) من التعزيرات ما يقدر أكثره ولا يقدر أقله. # وأما قصة قدامة فقد روى أبو إسحاق الجوزجاني [وغيره حديثه] (5) عن ابن ~~عباس (6) : أن قدامة بن مظعون شرب الخمر، فقال له عمر: ما يحملك (7) على ~~ذلك؟ فقال: إن الله يقول: {ليس على الذين آمنوا PageV06P084 # وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات} ~~الآية [سورة المائدة: 93] وإني من المهاجرين الأولين من أهل بدر وأحد. # فقال عمر: أجيبوا الرجل، فسكتوا عنه. فقال لابن عباس: أجبه، فقال: إنما ~~أنزلها الله عذرا للماضين لمن شربها قبل أن تحرم، وأنزل: {إنما الخمر ~~والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} [سورة المائدة: ~~90] حجة (1) على الناس. ثم سأل عمر عن الحد فيها، فقال علي بن أبي طالب: ~~إذا شرب هذى، وإذا هذى افترى، فاجلده ثمانين جلدة (2) ، فجلد عمر ثمانين. ~~ففيه أن عليا أشار بالثمانين، وفيه نظر. # فإن الذي ثبت في الصحيح أن عليا جلد أربعين عند عثمان بن عفان، لما جلد ~~الوليد بن عقبة، وأنه أضاف الثمانين إلى عمر، وثبت في الصحيح أن عبد الرحمن ~~بن عوف أشار بالثمانين (3) ، فلم يكن جلد الثمانين مما استفاده عمر من علي، ~~وعلي قد نقل عنه أنه جلد في خلافته ثمانين، فدل على أنه كان يجلد تارة ~~أربعين وتارة ثمانين، وروي عن علي أنه قال: ما كنت لأقيم حدا على أحد ~~فيموت، فأجد في نفسي، إلا صاحب الخمر، [فإنه] لو مات (4) لوديته، لأن النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - لم يسنه لنا (5) . PageV06P085 # وهذا لم يقل به أحد من الصحابة والفقهاء في الأربعين فما دونها، ولا ~~ينبغي أن يحمل كلام علي على ما يخالف الإجماع. وإنما ms1376 تنازع الفقهاء (1) ~~فيما إذا زاد على الأربعين فتلف: هل يضمن؟ على قولين: فقال جمهورهم: لا ~~يضمن أيضا، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم. وقال الشافعي: يضمنه ~~إما بنصف الدية في أحد القولين جعلا له قد تلف بفعل مضمن وغير مضمن (2) ، ~~وإما أن تقسط الدية على عدد الضربات كلها، فيجب من الدية (3) بقدر الزيادة ~~على الأربعين في القول الآخر. # والشافعي بنى هذا على أن الزيادة تعزير غير مقدر، ومن أصله أن من مات ~~بعقوبة غير مقدرة ضمن، لأنه بالتلف يتبين عدوان المعزر، كما إذا ضرب الرجل ~~امرأته، والمؤدب الصبي، والرائض الدابة. # وأما الجمهور فمنهم من يخالفه في الأصلين، ومنهم من يخالفه في أحدهما، ~~فأبو حنيفة ومالك يقولان: الثمانون حد واجب، وهو قول أحمد في إحدى ~~الروايتين، وفي الأخرى يقول (4) : كل من تلف بعقوبة جائزة، فالحق قتله، ~~سواء كانت واجبة أو مباحة، وسواء كانت مقدرة أو غير مقدرة إذا لم يتعد، ~~وعلى هذا لا يضمن عنده سراية القود في الطرف وإن لم يكن واجبا، وقد اتفق ~~الأئمة على أنه إذا تلف في عقوبة PageV06P086 # مقدرة واجبة لا يضمن، كالجلد في الزنا، والقطع في السرقة. وتنازعوا في ~~غير ذلك، فمنهم من يقول: يضمن في الجائز ولا يضمن في الواجب، كقول أبي ~~حنيفة، فإنه يقول: يضمن سراية القود ولا يضمن سراية التعزير لحق الله - ~~تعالى -. ومنهم من يقول: يضمن غير المقدر، ولا يضمن في المقدر، سواء كان ~~واجبا أو جائزا (1) كقول الشافعي. ومنهم من يقول: لا يضمن لا في هذا ولا في ~~هذا، كقول مالك وأحمد وغيرهما. ### | فصل كلام الرافضي على عمر رضي الله عنه أنه أسقطت حامل خوفا منه # فصل (2) # قال الرافضي (3) : " وأرسل إلى حامل يستدعيها (4) فأسقطت خوفا. فقال له ~~الصحابة: نراك مؤدبا ولا شيء (5) عليك. ثم سأل (6) أمير المؤمنين فأوجب ~~الدية على عاقلته ". # والجواب: أن هذه مسألة اجتهاد تنازع فيها العلماء، وكان عمر بن الخطاب ~~يشاور الصحابة - رضي الله عنهم - في الحوادث، يشاور عثمان PageV06P087 # وعليا وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وزيد ms1377 بن ثابت وغيرهم، حتى كان يشاور ~~ابن عباس، وهذا كان من كمال فضله وعقله ودينه، ولهذا (1) كان من أسد (2) ~~الناس رأيا، وكان يرجع تارة إلى رأي هذا وتارة إلى رأي هذا. # وقد أتي بامرأة قد أقرت بالزنا، فاتفقوا على رجمها، وعثمان ساكت، فقال: ~~ما لك لا تتكلم؟ فقال: أراها تستهل به استهلال من لا يعلم أن الزنا محرم، ~~فرجع (3) فأسقط الحد عنها لما ذكر له عثمان، ومعنى كلامه أنها تجهر به ~~وتبوح به، كما يجهر الإنسان ويبوح بالشيء الذي لا يراه قبيحا، مثل الأكل ~~والشرب والتزوج والتسري. # والاستهلال رفع الصوت، ومنه استهلال الصبي، وهو رفعه صوته عند الولادة، ~~وإذا كانت لا تعلمه قبيحا كانت جاهلة بتحريمه، والحد لا يجب إلا على من ~~بلغه (4) التحريم، فإن الله - تعالى - يقول: {وما كنا معذبين حتى نبعث ~~رسولا} [سورة الإسراء: 15] وقال - تعالى -: {لئلا يكون للناس على الله حجة ~~بعد الرسل} [سورة النساء: 165] . ولهذا لا يجوز قتال الكفار الذين لم ~~تبلغهم الدعوة حتى يدعوا إلى الإسلام. # ولهذا من أتى شيئا من المحرمات التي لم يعلم تحريمها لقرب عهده بالإسلام، ~~أو لكونه نشأ بمكان جهل لم يقم عليه الحد، ولهذا لم يعاقب النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - من أكل من أصحابه حتى يتبين له الخيط PageV06P088 # الأبيض من الخيط الأسود، لأنهم أخطأوا في التأويل. # ولم يعاقب أسامة بن زيد لما قتل الرجل الذي قال: لا إله إلا الله، لأنه ~~ظن جواز قتله، لما اعتقد أنه قالها تعوذا. # وكذلك السرية التي قتلت الرجل الذي قال: إنه مسلم، وأخذت ماله، لم ~~يعاقبها لأنها كانت متأولة، # وكذلك خالد بن الوليد لما قتل بني جذيمة لما قالوا: صبأنا، لم يعاقبه ~~لتأويله. # وكذلك الصديق لم يعاقب خالدا على قتل مالك بن نويرة لأنه كان متأولا. # وكذلك الصحابة لما قال هذا لهذا: أنت منافق، لم يعاقبه النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - لأنه كان متأولا (1) . # ولهذا قال الفقهاء: الشبهة التي يسقط بها الحد شبهة اعتقاد، أو شبهة ملك؛ ~~فمن تزوج نكاحا اعتقد أنه جائز ms1378 ووطئ فيه لم يحد، وإن كان حراما في الباطن، ~~وأما إذا علم التحريم ولم يعلم العقوبة فإنه يحد. # كما حد النبي - صلى الله عليه وسلم - ماعز بن مالك إذ كان قد علم تحريم ~~الزنا، ولكنه لم يكن يعلم أن الزاني المحصن يرجم، فرجمه النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - لعلمه بتحريم الفعل، وإن لم يعلم أنه يعاقب PageV06P089 # بالرجم (1) . # والمقصود هنا أن عمر - رضي الله عنه - كان يشاورهم، وأنه من ذكر ما هو حق ~~قبله، وذلك من وجهين: أحدهما: أن يتبين في القصة المعينة مناط الحكم الذي ~~يعرفونه، كقول عثمان: إنها جاهلة بالتحريم؛ فإن عثمان لم يفدهم معرفة الحكم ~~العام، بل أفادهم إن هذا المعين هو من أهله، وكذلك قول علي إن هذه مجنونة، ~~قد يكون من هذا، فأخبره بجنونها أو بحملها أو نحو ذلك. # والثاني: أن يتبين نصا (2) أو معنى نص يدل على الحكم العام، كتنبيه ~~المرأة له على قوله - تعالى -: {وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا} ~~[سورة النساء: 20] ، وكإلحاق عبد الرحمن حد الشارب بحد القاذف ونحو ذلك. ~~PageV06P090 ### | فصل كلام الرافضي أن عمر رضي الله عنه تنازعت عنده امرأتان في طفل وأفتاه علي رضي الله عنه # فصل (1) # قال الرافضي (2) : " وتنازعت امرأتان في طفل، ولم (3) يعلم الحكم، وفزع ~~فيه (4) إلى أمير المؤمنين علي (5) ، فاستدعى أمير المؤمنين المرأتين (6) ~~ووعظهما فلم ترجعا، فقال: ائتوني بمنشار، فقالت المرأتان: ما تصنع به؟ (7) ~~فقال: أقده بينكما نصفين فتأخذ (8) كل واحدة نصفا، فرضيت واحدة (9) . وقالت ~~الأخرى: الله الله يا أبا الحسن، إن كان ولا بد من ذلك فقد سمحت لها به، ~~فقال علي: الله أكبر (10) هو ابنك دونها، ولو كان ابنها لرقت عليه، فاعترفت ~~الأخرى أن الحق مع صاحبتها، ففرح عمر، ودعا لأمير المؤمنين ". PageV06P091 # والجواب: أن هذه قصة (1) لم يذكر لها إسنادا (2) ، ولا يعرف صحتها، ولا ~~أعلم أحدا من أهل العلم ذكرها، [ولو كان لها حقيقة لذكروها،] (3) ولا تعرف ~~عن عمر وعلي، ولكن هي معروفة عن سليمان بن داود - عليهما السلام -. وقد ثبت ~~ذلك في الصحيحين عن ms1379 النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة، قال: ~~قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " «بينما امرأتان معهما ابناهما جاء ~~الذئب فذهب بابن إحداهما. فقالت هذه (4) لصاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت ~~الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكما إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على ~~سليمان بن داود فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينكما، فقالت الصغرى: ~~لا تفعل يرحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصغرى "، قال أبو هريرة: والله إن ~~سمعت بالسكين إلا يومئذ، ما كنا نقول: إلا المدية» (5) . PageV06P092 # فإن كان بعض الصحابة: علي أو غيره، سمعوها من النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- كما سمعها أبو هريرة، أو سمعوها من أبي هريرة، فهذا غير مستبعد، وهذه ~~القصة فيها أن الله - تعالى - فهم سليمان من الحكم ما لم يفهمه لداود (1) ~~كما فهمه الحكم: إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم، وكان سليمان قد ~~سأل ربه حكما يوافق حكمه، ومع هذا فلا يحكم بمجرد ذلك بأن سليمان أفضل من ~~داود - عليهما السلام -. ### | فصل كلام الرافضي أن عمر رضي الله عنه أمر برجم امرأة ولدت لستة أشهر فرده علي # فصل (2) # قال الرافضي (3) : " وأمر برجم امرأة ولدت لستة أشهر، فقال له علي: إن ~~خاصمتك بكتاب الله - تعالى - خصمتك، إن الله يقول: {وحمله وفصاله ثلاثون ~~شهرا} [سورة الأحقاف: 15] وقال - تعالى -: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين ~~كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} [سورة البقرة: 233] ". # والجواب: أن عمر كان يستشير الصحابة، فتارة يشير عليه عثمان بما يراه ~~صوابا، وتارة يشير عليه علي، وتارة يشير عليه عبد الرحمن بن عوف، وتارة ~~يشير عليه غيرهم. وبهذا مدح الله المؤمنين بقوله - تعالى -: {وأمرهم شورى ~~بينهم} [سورة الشورى: 38] والناس متنازعون في المرأة إذا ظهر بها ~~PageV06P093 # حمل ولم يكن لها زوج ولا سيد ولا ادعت شبهة: هل ترجم؟ فمذهب مالك وغيره ~~من أهل المدينة والسلف: أنها ترجم، وهو قول أحمد في إحدى الروايتين، ومذهب ~~أبي حنيفة والشافعي: لا ترجم، وهي الرواية الثانية عن أحمد، قالوا: لأنها ~~قد تكون مستكرهة على الوطء ms1380، أو موطوءة بشبهة، أو حملت بغير وطء. # والقول الأول هو الثابت عن الخلفاء الراشدين، وقد ثبت في الصحيحين أن عمر ~~بن الخطاب خطب الناس في آخر عمره، وقال: الرجم في كتاب الله حق على من زنى ~~من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف (1) . فجعل ~~الحبل دليلا على ثبوت الزنا كالشهود، وهكذا (2) هذه القضية، وكذلك اختلفوا ~~في الشارب هل يحد إذا تقيأ أو وجدت منه الرائحة؟ على قولين؛ والمعروف عن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه (3) الراشدين أنهم كانوا يحدون ~~بالرائحة وبالقيء (4) ، وكان الشاهد إذا شهد أنه تقيأها كان كشهادته بأنه ~~شربها، والاحتمالات البعيدة هي مثل احتمال غلط الشهود أو كذبهم، وغلطه في ~~PageV06P094 # الإقرار أو كذبه، بل هذه الدلائل الظاهرة يحصل بها من العلم ما لا يحصل ~~بكثير من الشهادات والإقرارات. # والشهادة على الزنا لا يكاد يقام بها حد، وما أعرف حدا أقيم بها (1) ، ~~وإنما تقام الحدود (2) إما باعتراف، وإما بحبل، ولكن يقام بها ما دون الحد، ~~كما إذا رئيا متجردين في لحاف ونحو (3) ذلك، فلما كان معروفا عند الصحابة ~~أن الحد يقام بالحبل، فلو ولدت المرأة لدون ستة أشهر أقيم عليها الحد. # والولادة لستة أشهر نادرة إلى الغاية، والأمور النادرة قد لا تخطر ~~بالبال، فأجرى عمر ذلك على الأمر المعتاد المعروف في النساء، كما في أقصى ~~الحمل، فإن المعروف من النساء أن المرأة تلد لتسعة أشهر، وقد يوجد قليلا من ~~تلد لسنتين، ووجد نادرا من ولدت لأربع سنين، ووجد من ولدت لسبع سنين، فإذا ~~ولدت امرأة بعد إبانة زوجها لهذه المدة، فهل يلحقه النسب؟ فيه نزاع معروف، ~~وهذه من مسائل الاجتهاد. فكثير من العلماء يحد لأقصى الحمل المدة النادرة، ~~هذا يحد سنتين، وهذا يحد أربعا (4) ، وهذا يحد سبعا، ومنهم من يقول: هذا ~~أمر نادر لا يلتفت إليه، وإذا أبانها وجاءت بالولد على خلاف المعتاد، مع ~~ظهور كونه من غيره، لم يجب إلحاقه به. PageV06P095 ### | فصل كلام الرافضي أن عمر رضي الله عنه كان يضطرب في الأحكام # فصل ms1381 (1) # قال الرافضي (2) : " وكان يضطرب في الأحكام فقضى في الجد بمائة قضية " ~~(3) . # والجواب: أن عمر - رضي الله عنه - أسعد الصحابة المختلفين في الجد بالحق؛ ~~فإن الصحابة في الجد مع الإخوة على قولين: أنه يسقط الإخوة، وهذا قول أبي ~~بكر وأكثر الصحابة، كأبي بن كعب، وأبي موسى، وابن عباس، وابن الزبير، ويذكر ~~عن أربعة عشر منهم، وهو مذهب أبي حنيفة، وطائفة من أصحاب الشافعي وأحمد، ~~كابن سريج من أصحاب الشافعي، وأبي حفص البرمكي من أصحاب أحمد، ويذكر هذا ~~رواية عن أحمد. # وهذا القول هو الصحيح، فإن نسبة بني الإخوة من الأب إلى الجد، كنسبة ~~الأعمام بني الجد إلى الجد أبي الأب، وقد اتفق المسلمون على أن الجد أبا ~~الأب أولى من الأعمام، فيجب أن يكون الجد أبو الأب أولى من الإخوة. # وأيضا فإن الإخوة لو كانوا لكونهم يدلون ببنوة الأب بمنزلة الجد، لكان ~~أبناؤهم، وهم بنو الإخوة، كذلك. فلما كان أولادهم ليسوا PageV06P096 # بمنزلتهم، علم أنهم لا يتقدمون ببنوة الأب، ألا ترى أن الابن لما كان ~~أولى من الجد كان ابنه [- ابن الابن -] (1) بمنزلته؟ # وأيضا فإن الجدة كالأم، فيجب أن يكون الجد كالأب، ولأن الجد يسمى أبا، ~~وهذا القول هو إحدى الروايتين عن عمر. # والقول الثاني: أن الجد يقاسم الإخوة، وهذا قول علي وزيد وابن مسعود، ~~وروي عن عثمان القولان، ولكنهم مختلفون في التفصيل (2) اختلافا متباينا. # وجمهور أهل هذا القول على مذهب زيد، كمالك والشافعي وأحمد، وأما قول علي ~~في الجد فلم يذهب إليه أحد من أئمة الفقهاء، وإنما يذكر عن ابن أبي ليلى ~~أنه كان يقضي به، ويذكر عن علي فيه أقوال مختلفة، فإن كان القول الأول هو ~~الصواب، فهو قول لعمر، وإن كان الثاني فهو قول لعمر. # وإنما نفذ قول زيد في الناس لأنه كان قاضي عمر، وكان عمر ينفذ قضاءه (3) ~~في الجد لورعه، لأنه كان يرى أن الجد كالأب مثل قول أبي بكر، فلما صار جدا ~~تورع (4) وفوض الأمر في ذلك لزيد. # وقول القائل: " إنه قضى في الجد بمائة قضية ms1382 ". # إن صح هذا، لم يرد به أنه قضى في مسألة واحدة بمائة قول؛ فإن هذا غير ~~ممكن، وليس في مسائل الجد نزاع أكثر مما في مسألة الخرقاء PageV06P097 # أم وأخت وجد، والأقوال فيها ستة، فعلم أن المراد به إن كان صحيحا: أنه ~~قضى في مائة حادثة من حوادث الجد، وهذا مع أنه ممكن، لكن لم يخرج قوله عن ~~قولين أو ثلاثة، وقول علي مختلف أيضا. # وأهل الفرائض يعلمون هذا وهذا، مع (1) أن الأشبه أن هذا كذب، فإن وجود جد ~~وإخوة في الفريضة قليل جدا في الناس، وعمر إنما تولى عشر سنين، وكان قد ~~أمسك عن الكلام في الجد. # وثبت عنه في الصحيح أنه قال: " ثلاث وددت أن رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - كان بينهن لنا: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا " (2) . ومن ~~كان متوقفا لم يحكم فيها بشيء. # ومما يبين هذا أن الناس إنما نقلوا عن عمر في فريضة واحدة قضاءين. قضى ~~(3) في المشركة، فروي عنه بالإسناد المذكور في كتب أهل العلم أنه قضى فيها ~~مرة بعدم التشريك، وهذا قول علي، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل في ~~المشهور عنه. # وقضى في نظيرها في العام الثاني بالتشريك، وقال: ذلك على ما قضينا، وهذا ~~على ما نقضي، وهذا قول زيد، وهو قول مالك والشافعي؛ فإنهما وغيرهما مقلدان ~~لزيد في الفرائض، وهي رواية حرب، عن أحمد بن حنبل. # وهذا مما استدل به الفقهاء على أن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد. ~~PageV06P098 # وعلي - رضي الله عنه - يوافق على ذلك؛ فإنه قد ثبت عنه أنه قال: " كان ~~رأيي ورأي عمر في أمهات الأولاد أن لا يبعن، ثم قد رأيت أن يبعن " فقال له ~~قاضيه عبيدة السلماني: " رأيك مع عمر في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك في ~~الفرقة " فعلي له في المسألة قولان، ومعلوم أن ما قضى به في عتقهن ومنع ~~بيعهن هو وعمر لم يكن ينقضه، وإنما كان يرى أن يستأنف فيما بعد أن يجوز ~~بيعهن. # والمسائل التي لعلي فيها قولان وأكثر كثيرة، ونفس ms1383 الجد مع الإخوة قد نقل ~~عنه فيها اختلاف كثير. # ونقل عنه أنه كان إذا أرسل إليه بعض نوابه يسأله عن قضية في ذلك يأمره ~~فيها باجتهاده ويقول: قطع الكتاب؛ فإنه - رضي الله عنه - رأى أنه إنما ~~يتكلم فيها بالاجتهاد للضرورة، وهو مضطر إلى الاجتهاد في هذه المعينة، وكره ~~أن يقلده غيره من غير اجتهاد منه، فأمره بتقطيع الكتاب لذلك. # بخلاف ما إذا كان معه فيها نص، فإنه كان يبلغه، ويأمره بتبليغه، ولا يأمر ~~بقطع كتابه. # والعلماء مختلفون في بيع الكتب التي فيها العلم بالرأي، هل يجوز [بيعه ~~وغير ذلك من الأحكام فيه؟] (1) على قولين. PageV06P099 ### | فصل كلام الرافضي أن عمر كان يفضل في الغنيمة والعطاء # فصل (1) # قال الرافضي (2) : " وكان يفضل في الغنيمة والعطاء، وأوجب (3) الله - ~~تعالى - التسوية ". # والجواب: أما الغنيمة فلم يكن يقسمها هو بنفسه، وإنما يقسمها الجيش ~~الغانمون بعد الخمس، وكان الخمس يرسل إليه، كما يرسل إلى غيره، فيقسمه بين ~~أهله، ولم يقل عمر ولا غيره: إن الغنيمة يجب فيها التفضيل، ولكن تنازع ~~العلماء: هل للإمام أن يفضل بعض الغانمين على بعض، إذا تبين (4) له زيادة ~~نفع؟ # فيه قولان للعلماء، هما روايتان عن أحمد، إحداهما (5) : أن ذلك جائز، وهو ~~مذهب أبي حنيفة، «لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفل في بدايته الربع ~~بعد الخمس، وفي رجعته الثلث بعد الخمس» ، رواه أبو داود وغيره (6) . # وهذا تفضيل لبعض الغانمين من أربعة الأخماس، ولأن في PageV06P100 # الصحيح (1) صحيح مسلم «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى سلمة بن ~~الأكوع سهم راجل وفارس في غزوة الغابة، وكان راجلا، لأن أتى من القتل ~~والغنيمة وإرهاب العدو بما لم يأت به غيره» (2) . # والقول الثاني: لا يجوز ذلك، وهو مذهب مالك والشافعي، ومالك يقول: لا ~~يكون النفل إلا من الخمس، والشافعي يقول: لا يكون إلا من خمس الخمس. # وقد ثبت في الصحيح (3) عن ابن عمر قال: «غزونا مع النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - قبل نجد، فبلغت سهماننا (4) اثنى عشر بعيرا، ونفلنا رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - بعيرا ms1384 بعيرا» (5) . وهذا النفل لا يقوم به خمس الخمس. # وفي الجملة فهذه مسألة اجتهاد، فإذا كان عمر يسوغ التفضيل للمصلحة، فهو ~~الذي ضرب الله الحق على لسانه وقلبه (6) . # وأما التفضيل في العطاء فلا ريب أن عمر كان يفضل فيه ويجعل PageV06P101 # الناس فيه على مراتب، وروي عنه أنه قال: لئن عشت إلى قابل لأجعلن الناس ~~بابا (1) واحدا، أي نوعا واحدا. # وكان أبو بكر يسوي في العطاء، وكان علي يسوي أيضا، وكان عثمان يفضل، وهي ~~مسألة اجتهاد، فهل للإمام التفضيل فيه للمصلحة؟ على قولين هما روايتان عن ~~أحمد، والتسوية في العطاء اختيار أبي حنيفة والشافعي، والتفضيل قول مالك. # وأما قول القائل: " إن الله أوجب التسوية فيه ". # فهو لم يذكر على ذلك دليلا، ولو ذكر دليلا لتكلمنا عليه، كما نتكلم في ~~مسائل الاجتهاد، والذين أمروا بالتسوية من العلماء احتجوا بأن الله قسم ~~المواريث بين الجنس الواحد بالسواء، ولم يفضل أحدا بصفة، وأجاب المفضلون ~~بأن تلك تستحق بسبب لا بعمل (2) . واحتجوا «بأن النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- سوى في المغانم بين الجنس الواحد، فأعطى الراجل سهما واحدا، وأعطى الفارس ~~ثلاثة أسهم» ، كما ثبت في الصحيحين (3) . . وهو قول الجمهور: مالك والشافعي ~~وأحمد. وقيل: PageV06P102 # أعطاه سهمين، وهو قول أبي حنيفة، وقد روي في ذلك أحاديث ضعيفة، والثابت ~~في الصحيحين «أنه عام خيبر أعطى الفارس ثلاثة أسهم: سهما له، وسهمين لفرسه، ~~وكانت الخيل مائتي فرس، وكانوا أربعة عشر مائة، فقسم خيبر على ثمانية عشر ~~سهما، كل مائة في سهم، فأعطى أهل الخيل ستمائة سهم، وكانوا مائتين، وأعطى ~~ألفا ومائتين لألف ومائتي رجل، وكان أكثرهم ركبانا على الإبل، فلم يسهم ~~للإبل عام خيبر» (1) . # والمجوزون للتفضيل قالوا: بل الأصل التسوية، وكان أحيانا يفضل، فدل على ~~جواز التفضيل، وهذا القول أصح: أن (2) الأصل التسوية، وأن التفضيل لمصلحة ~~راجحة جائز. # وعمر لم يفضل لهوى ولا حابى، بل قسم المال على الفضائل الدينية، فقدم ~~السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ثم من بعدهم [من] (3) الصحابة، ثم ~~من بعدهم، وكان ينقص نفسه وأقاربه عن نظرائهم ms1385، فنقص ابنه وابنته عمن كانا ~~أفضل منه. PageV06P103 # وإنما يطعن في تفضيل من فضل لهوى، أما من كان قصده وجه الله - تعالى ~~وطاعة رسوله، وتعظيم من عظمه الله ورسوله، وتقديم من قدمه الله ورسوله - ~~فهذا يمدح ولا يذم. # ولهذا كان يعطي عليا والحسن والحسين ما لا يعطي لنظرائهم، وكذلك سائر ~~أقارب النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولو سوى لم يحصل لهم إلا بعض ذلك. # وأما الخمس فقد اختلف اجتهاد العلماء فيه، فقالت طائفة: سقط بموت النبي - ~~صلى الله عليه وسلم، ولا يستحق أحد من بني هاشم شيئا بالخمس، إلا أن يكون ~~فيهم يتيم أو مسكين، فيعطى لكونه يتيما أو مسكينا، وهذا مذهب أبي حنيفة ~~وغيره. # وقالت طائفة: بل هو لذي قربى ولي الأمر بعده، فكل ولي أمر (1) يعطي ~~أقاربه، وهذا قول طائفة، منهم [الحسن و] أبو ثور (2) فيما أظن (3) . وقد ~~نقل هذا القول عن عثمان. # وقالت طائفة: بل الخمس يقسم خمسة أقسام التسوية، وهذا قول الشافعي وأحمد ~~في المشهور عنه. # وقالت طائفة: بل الخمس إلى اجتهاد الإمام يقسمه بنفسه في طاعة الله ~~ورسوله كما يقسم الفيء، وهذا قول أكثر السلف، وهو قول عمر بن عبد العزيز ~~ومذهب أهل المدينة؛ مالك وغيره، وهو الرواية الأخرى عن PageV06P104 # أحمد، وهو أصح الأقوال، وعليه يدل الكتاب والسنة، كما قد بسطناه في ~~موضعه. # فمصرف الفيء والخمس واحد، فكان ديوان العطاء الذي لعمر يقسم فيه الخمس ~~والعطاء جميعا. # وأما ما يقوله الرافضة من أن خمس مكاسب المسلمين يؤخذ منهم ويصرف إلى من ~~يرونه هو نائب الإمام المعصوم أو إلى غيره، فهذا قول لم يقله قط أحد من ~~الصحابة: لا علي ولا غيره، ولا أحد من التابعين لهم بإحسان، ولا أحد من ~~القرابة: لا بني هاشم ولا غيرهم. # وكل من نقل هذا عن علي أو علماء أهل بيته، كالحسن والحسين وعلي بن الحسين ~~وأبي جعفر الباقر وجعفر بن محمد، فقد كذب عليهم، فإن هذا خلاف المتواتر من ~~سيرة علي - رضي الله عنه، فإنه قد تولى الخلافة أربع سنين ms1386 وبعض أخرى، ولم ~~يأخذ من المسلمين من أموالهم شيئا، بل لم يكن في ولايته قط خمس مقسوم، أما ~~المسلمون فما خمس لا هو ولا غيره أموالهم، وأما الكفار فإذا غنمت منهم ~~الأموال (1) خمست بالكتاب والسنة، لكن في عهده لم يتفرغ المسلمون لقتال ~~الكفار، بسبب ما وقع بينهم من الفتنة والاختلاف. # وكذلك من المعلوم بالضرورة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخمس ~~أموال المسلمين، ولا طالب أحدا (2) قط من المسلمين بخمس PageV06P105 # ماله، بل إنما كان يأخذ منهم الصدقات، ويقول: ليس لآل محمد منها شيء، ~~وكان يأمرهم بالجهاد بأموالهم وأنفسهم، وكان هو - صلى الله عليه وسلم - ~~يقسم ما أفاء الله على المسلمين: يقسم الغنائم بين أهلها، ويقسم الخمس ~~والفيء. # وهذه هي الأموال المشتركة السلطانية التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- وخلفاؤه يتولون قسمتها (1) . وقد صنف العلماء لها كتبا مفردة، وجمعوا ~~بينها في مواضع: يذكرون قسم الغنائم والفيء والصدقة. # والذي تنازع فيه أهل العلم لهم فيه مأخذ، فتنازعوا في الخمس، لأن الله - ~~تعالى - قال في القرآن: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ~~ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما ~~أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير} ~~[سورة الأنفال: 41] . # وقال في الفيء: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي ~~القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم} ~~[سورة الحشر: 7] . # وقد قال قبل ذلك: {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ~~ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء} [سورة الحشر: 6] . # وأصل الفيء الرجوع، والله خلق الخلق لعبادته، وأعطاهم الأموال يستعينون ~~بها على عبادته، فالكفار لما كفروا بالله وعبدوا غيره لم يبقوا PageV06P106 # مستحقين للأموال، فأباح الله لعباده قتلهم وأخذ أموالهم، فصارت فيئا ~~أعاده الله على عباده المؤمنين، لأنهم هم المستحقون له، وكل مال أخذ من ~~الكفار قد يسمى فيئا حتى الغنيمة. # كما قال النبي - صلى الله عليه ms1387 وسلم - في غنائم حنين: " «ليس لي مما أفاء ~~الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم» " (1) . # لكن لما قال - تعالى -: {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه ~~من خيل ولا ركاب} [سورة الحشر: 6] ، وقال: {ما أفاء الله على رسوله من أهل ~~القرى} [سورة الحشر: 7] صار اسم الفيء عند الإطلاق لما أخذ من الكفار بغير ~~قتال. # وجمهور العلماء على أن الفيء لا يخمس، كقول مالك وأبي حنيفة وأحمد، وهذا ~~قول السلف قاطبة، وقال الشافعي والخرقي ومن وافقه من أصحاب أحمد: يخمس، ~~والصواب قول الجمهور، فإن السنن الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~وخلفائه تقتضي أنهم لم يخمسوا فيئا قط، بل أموال بني النضيركانت أول الفيء، ~~ولم يخمسها النبي - صلى الله عليه وسلم، بل خمس غنيمة بدر، وخمس خيبر ~~وغنائم حنين. # وكذلك الخلفاء بعده، لم يكونوا يخمسون الجزية والخراج. # ومنشأ الخلاف أنه لما كان لفظ آية الخمس وآية الفيء واحدا، اختلف فهم ~~الناس للقرآن، فرأت طائفة أن آية الخمس تقتضي أن يقسم الخمس بين الخمسة ~~بالسوية، وهذا قول الشافعي وأحمد وداود PageV06P107 # الظاهري، لأنهم ظنوا أن هذا ظاهر القرآن، ثم إن آية الفيء لفظها كلفظ آية ~~الخمس، فرأى بعضهم أن الفيء كله يصرف أيضا مصرف الخمس إلى هؤلاء الخمسة، ~~وهذا قول داود بن علي وأتباعه، وما علمت أحدا من المسلمين قال هذا القول ~~قبله. # وهو قول يقتضي فساد الإسلام إذا دفع الفيء كله إلى هذه الأصناف، وهؤلاء ~~يتكلمون أحيانا بما يظنونه ظاهر اللفظ، ولا يتدبرون عواقب قولهم، ورأى ~~بعضهم أن قوله في آية الفيء: {فلله وللرسول ولذي القربى} [سورة الحشر: 7] ~~المراد بذلك: خمس الفيء، فرأوا أن الفيء يخمس، وهذا قول الشافعي ومن وافقه ~~من أصحاب أحمد. # وقال الجمهور: هذا ضعيف جدا، لأنه قال: {فلله وللرسول ولذي القربى ~~واليتامى والمساكين وابن السبيل} [سورة الحشر: 7] ، لم يقل: خمسه لهؤلاء، ~~ثم قال: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم} [سورة الحشر: ~~8] ، {والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم} [سورة الحشر: 9] {والذين ~~جاءوا من بعدهم} [سورة ms1388 الحشر: 10] وهؤلاء هم المستحقون للفيء كله، فكيف ~~يقول: المراد خمسه؟ # وقد ثبت عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه لما قرأ هذه الآية قال: " ~~هذه عمت المسلمين كلهم ". # وأما أبو حنيفة ومن وافقه فوافقوا هؤلاء على أن الخمس يستحقه هؤلاء، لكن ~~قالوا: إن سهم الرسول كان يستحقه في حياته، وذوو قرباه كانوا يستحقونه ~~لنصرهم له، وهذا قد سقط بموته فسقط سهمهم، كما سقط سهمه. # PageV06P108 # والشافعي وأحمد قالا: بل يقسم سهمه بعد موته في مصرف الفيء، إما في ~~الكراع والسلاح، وإما في المصالح مطلقا، واختلف هؤلاء: هل كان الفيء ملكا ~~للنبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته؟ على قولين: أحدهما: نعم، كما قاله ~~الشافعي وبعض أصحاب أحمد، لأنه أضيف إليه، والثاني: لم يكن ملكا له، لأنه ~~لم يكن يتصرف فيه تصرف المالك. # وقالت طائفة: ذوو القربى هم ذوو قربى (1) القاسم المتولي، وهو الرسول في ~~حياته، ومن يتولى الأمر بعده. # واحتجوا بما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «ما أطعم الله ~~نبيا طعمة إلا كانت لمن (2) يتولى الأمر بعده» " (3) . # والقول الخامس قول مالك وأهل المدينة وأكثر السلف: أن مصرف الخمس والفيء ~~واحد، وأن الجميع لله والرسول، بمعنى أنه يصرف فيما أمر الله به، والرسول ~~هو المبلغ عن الله: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [سورة ~~الحشر: 7] . PageV06P109 # وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: " «إني والله لا أعطي أحدا ولا أمنع ~~أحدا، وإنما أنا قاسم أضع حيث أمرت» " (1) . فدل على أنه يعطي المال لمن ~~أمره الله به لا لمن يريد هو، ودل على أنه أضافه إليه لكونه رسول الله لا ~~لكونه مالكا له. # وهذا بخلاف نصيبه من المغنم وما وصي له به، فإنه كان ملكه، ولهذا سمي ~~الفيء مال الله، بمعنى أنه المال الذي يجب صرفه فيما أمر الله به ورسوله؛ ~~أي: في طاعة الله، أي لا يصرفه أحد فيما يريد وإن كان مباحا، بخلاف الأموال ~~المملوكة. # وهذا بخلاف قوله: {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} [سورة النور ms1389: 33] فإنه ~~لم يضفه إلى الرسول بل جعله مما آتاهم الله، قالوا: وقوله - تعالى -: {ولذي ~~القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} [سورة الحشر: 7] تخصيص هؤلاء ~~بالذكر للاعتناء بهم، لا لاختصاصهم بالمال، ولهذا قال: {كي لا يكون دولة ~~بين الأغنياء منكم} [سورة الحشر: 7] أي لا تتداولونه وتحرمون الفقراء، ولو ~~كان مختصا بالفقراء لم يكن للأغنياء فضلا عن أن يكون دولة. # وقد قال - تعالى -: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} ~~[سورة الحشر: 7] فدل على أن الرسول هو القاسم للفيء والمغانم، ولو كانت ~~مقسومة محدودة كالفرائض، لم يكن للرسول أمر فيها ولا نهي. # وأيضا فالأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه تدل ~~على هذا القول؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخمس قط خمسا ~~PageV06P110 # خمسة أجزاء ولا خلفاؤه، ولا كانوا يعطون اليتامى مثل ما يعطون المساكين، ~~بل يعطون أهل الحاجة من هؤلاء وهؤلاء، وقد يكون المساكين أكثر من اليتامى ~~الأغنياء، وقد كان (1) بالمدينة يتامى أغنياء فلم يكونوا يسوون بينهم وبين ~~الفقراء، بل ولا عرف أنهم أعطوهم، بخلاف ذوي الحاجة، والأحاديث في هذا ~~كثيرة ليس هذا موضع ذكرها. ### | فصل كلام الرافضي أن عمر كان يأخذ بالرأي والحدس والظن # فصل (2) # قال الرافضي (3) : " وقال بالرأي والحدس والظن ". # والجواب: أن القول بالرأي لم يختص به عمر - رضي الله عنه، بل علي كان من ~~أقولهم بالرأي، وكذلك أبو بكر وعثمان وزيد وابن مسعود وغيرهم من الصحابة - ~~رضي الله عنهم - كانوا يقولون بالرأي، وكان رأي علي في دماء أهل القبلة ~~ونحوه من الأمور العظائم. # كما في سنن أبي داود (4) وغيره عن الحسن، عن قيس بن عباد (5) قال: قلت ~~لعلي: أخبرنا عن مسيرك هذا، أعهد عهده إليك رسول الله - صلى الله عليه وسلم ~~- أم رأي رأيته؟ قال: ما عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلي شيئا (6) ~~ولكنه رأي رأيته، وهذا أمر ثابت، ولهذا لم يرو علي PageV06P111 # - رضي الله عنه - في قتال الجمل وصفين شيئا، كما رواه في قتال الخوارج، ~~بل روى الأحاديث الصحيحة هو وغيره من الصحابة ms1390 في قتال الخوارج المارقين، ~~وأما قتال الجمل وصفين فلم يرو أحد منهم فيه نصا إلا القاعدون؛ فإنهم رووا ~~الأحاديث في ترك القتال في الفتنة. # وأما الحديث الذي يروى أنه أمر بقتل (1) الناكثين والقاسطين والمارقين ~~فهو حديث موضوع على النبي - صلى الله عليه وسلم - (2) . # ومعلوم أن الرأي إن لم يكن مذموما فلا لوم على من قال به (3) ، وإن كان ~~مذموما فلا رأي أعظم ذما من رأي أريق به دم ألوف مؤلفة من PageV06P112 # المسلمين، ولم يحصل بقتلهم مصلحة للمسلمين، لا في دينهم ولا في دنياهم، ~~بل نقص الخير عما كان، وزاد الشر على ما كان. # فإذا كان مثل هذا الرأي لا يعاب (1) به، فرأي عمر وغيره في مسائل الفرائض ~~والطلاق أولى أن لا يعاب (2) . مع أن عليا شركهم في هذا الرأي، وامتاز ~~برأيه في الدماء. # وقد كان ابنه الحسن وأكثر السابقين الأولين لا يرون القتال مصلحة، وكان ~~هذا الرأي أصلح (3) من رأي القتال بالدلائل الكثيرة. # ومن المعلوم أن قول علي في الجد وغيره من المسائل كان بالرأي، وقد قال: ~~اجتمع رأيي ورأي عمر على المنع من بيع أمهات الأولاد، والآن فقد رأيت أن ~~يبعن، فقال له قاضيه عبيدة السلماني: رأيك مع رأي عمر في الجماعة أحب إلينا ~~من رأيك وحدك في الفرقة. # وفي صحيح البخاري عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة، عن علي قال: " اقضوا ~~كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف، حتى يكون للناس جماعة، أو أموت كما ~~مات أصحابي "، قال: وكان ابن سيرين يرى أن عامة ما يروى عن علي كذب (4) . # وقد جمع الشافعي ومحمد بن نصر المروزي المسائل التي تركت من قول علي وابن ~~مسعود، فبلغت شيئا كثيرا، وكثير منها قد جاءت السنة بخلافه، كالمتوفى عنها ~~الحامل، فإن مذهب علي - رضي الله عنه - أنها PageV06P113 # تعتد أبعد الأجلين، وبذلك أفتى أبو السنابل بن بعكك في حياة النبي - صلى ~~الله عليه وسلم، فلما «جاءته سبيعة الأسلمية وذكرت ذلك له، قال: " كذب أبو ~~السنابل، بل حللت فانكحي من شئت» " (1) . وكان زوجها قد ms1391 توفي عنها بمكة في ~~حجة الوداع. # فإن كان القول بالرأي ذنبا، فذنب غير عمر - كعلي وغيره - أعظم، فإن ذنب ~~من استحل دماء المسلمين برأي، هو ذنب أعظم من ذنب من حكم في قضية جزئية ~~برأيه، وإن كان منه ما هو صواب ومنه ما هو خطأ، فعمر - رضي الله عنه - أسعد ~~بالصواب من غيره، فإن الصواب في رأيه أكثر منه في رأي غيره، والخطأ في رأي ~~غيره أكثر منه في رأيه، وإن كان الرأي كله صوابا، فالصواب (2) الذي مصلحته ~~أعظم هو خير وأفضل من الصواب الذي مصلحته دون ذلك، وآراء عمر - رضي الله ~~عنه - كانت مصالحها أعظم للمسلمين. # فعلى كل تقدير عمر فوق القائلين بالرأي من الصحابة فيما يحمد، وهو أخف ~~منهم فيما يذم، ومما يدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - أنه قال: " «قد كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي ~~أحد فعمر» " (3) . # ومعلوم أن رأي المحدث الملهم أفضل من رأي من ليس كذلك، وليس فوقه إلا ~~النص الذي هو حال الصديق المتلقي من الرسول، ونحن نسلم أن الصديق أفضل من ~~عمر، لكن عمر أفضل من سائرهم. PageV06P114 # وفي المسند وغيره أن الله - تعالى -: " «ضرب الحق على لسان عمر وقلبه» " ~~(1) . وقال عبد الله بن عمر: ما سمعت عمر يقول لشيء إني لأراه كذا وكذا إلا ~~كان كما يقول. (2) # فالنصوص والإجماع والاعتبار يدل على أن رأي عمر أولى بالصواب من رأي ~~عثمان وعلي وطلحة والزبير، وغيرهم من الصحابة - رضي الله عنهم، ولهذا كانت ~~آثار رأيه محمودة، فيها صلاح (3) الدين والدنيا، فهو الذي فتح بلاد فارس ~~والروم، وأعز الله به الإسلام، وأذل به الكفر والنفاق، وهو الذي وضع ~~الديوان، وفرض العطاء، وألزم أهل الذمة بالصغار والغيار، وقمع الفجار، وقوم ~~العمال، وكان الإسلام في زمنه أعز ما كان. # وما يتمارى في كمال سيرة عمر وعلمه وعدله وفضله من له أدنى مسكة من عقل ~~وإنصاف، ولا يطعن على أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - إلا أحد رجلين ms1392: إما ~~رجل منافق زنديق ملحد عدو للإسلام، يتوصل بالطعن فيهما إلى الطعن في الرسول ~~ودين الإسلام، وهذا حال المعلم الأول للرافضة، أول من ابتدع الرفض، وحال ~~أئمة الباطنية، وإما جاهل مفرط في الجهل والهوى، وهو الغالب على عامة ~~الشيعة، إذا كانوا مسلمين في الباطن. # وإذا قال الرافضي: علي كان معصوما لا يقول برأيه، بل كل ما قاله فهو مثل ~~نص الرسول، وهو الإمام المعصوم المنصوص على إمامته من جهة الرسول. ~~PageV06P115 # قيل له: نظيرك في البدعة الخوارج، كلهم يكفرون عليا، مع أنهم أعلم وأصدق ~~وأدين من الرافضة، لا يستريب في هذا كل من عرف حال هؤلاء وهؤلاء. # وقد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال فيهم: " ~~«يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم» " (1) # وقد قاتلوه في حياته، وقتله واحد منهم، ولهم جيوش وعلماء ومدائن، وأهل ~~السنة - ولله الحمد - متفقون على أنهم مبتدعة ضالون، وأنه يجب قتالهم ~~بالنصوص الصحيحة، وأن أمير المؤمنين عليا - رضي الله عنه - كان من أفضل ~~أعماله قتاله الخوارج. # وقد اتفقت الصحابة على قتالهم، ولا خلاف بين علماء السنة أنهم يقاتلون مع ~~أئمة العدل، مثل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لكن هل ~~يقاتلون مع أئمة الجور؟ فنقل عن مالك أنهم لا يقاتلون، (2) وكذلك قال فيمن ~~نقض العهد من أهل الذمة: لا يقاتلون مع أئمة الجور، ونقل عنه أنه قال ذلك ~~في الكفار، وهذا منقول عن مالك وبعض أصحابه، ونقل عنه خلاف ذلك، وهو قول ~~الجمهور، وأكثر أصحابه (3) خالفوه في ذلك، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي ~~وأحمد، وقالوا: يغزى مع كل أمير برا كان أو فاجرا إذا كان الغزو الذي يفعله ~~PageV06P116 # جائزا، فإذا قاتل الكفار أو المرتدين أو ناقضي العهد أو الخوارج قتالا ~~مشروعا قوتل معه، وإن قاتل قتالا غير جائز لم يقاتل معه، فيعاون على البر ~~والتقوى، ولا يعاون على الإثم والعدوان، كما أن الرجل يسافر مع من يحج ~~ويعتمر، وإن كان في القافلة من هو ظالم ms1393. # فالظالم لا يجوز أن يعاون على الظلم، لأن الله - تعالى - يقول: {وتعاونوا ~~على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [سورة المائدة: 2] . # وقال موسى: {رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين} [سورة القصص: 17] ~~. # وقال - تعالى -: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} [سورة هود: ~~113] . # وقال - تعالى -: {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة ~~سيئة يكن له كفل منها} [سورة النساء: 85] . # والشفيع: المعين، فكل من أعان شخصا على أمر فقد شفعه فيه، فلا يجوز أن ~~يعان أحد: لا ولي أمر ولا غيره على ما حرمه الله ورسوله، وأما إذا كان ~~للرجل ذنوب، وقد فعل برا، فهذا إذا أعين على البر، لم يكن هذا محرما، كما ~~لو أراد مذنب أن يؤدي زكاته، أو يحج، أو يقضي ديونه، أو يرد بعض ما عنده من ~~المظالم، أو يوصي على بناته - فهذا إذا أعين عليه فهو إعانة على بر وتقوى، ~~ليس إعانة على إثم وعدوان، فكيف الأمور العامة؟ # PageV06P117 # والجهاد لا يقوم به إلا ولاة الأمور، فإن لم يغز معهم، لزم أن أهل الخير ~~الأبرار لا يجاهدون، فتفتر عزمات أهل الدين عن الجهاد، فإما أن يتعطل، وإما ~~أن ينفرد به الفجار، فيلزم من ذلك استيلاء الكفار، أو ظهور الفجار، لأن ~~الدين لمن قاتل عليه. # وهذا الرأي من أفسد الآراء، وهو رأي أهل البدع من الرافضة والمعتزلة ~~وغيرهم، حتى قيل لبعض شيوخ الرافضة: إذا جاء الكفار إلى بلادنا فقتلوا ~~النفوس وسبوا الحريم وأخذوا الأموال، هل نقاتلهم؟ فقال: لا، المذهب أنا لا ~~نغزو إلا مع المعصوم، فقال ذلك المستفتي مع عاميته (1) : والله إن هذا ~~لمذهب نجس، فإن هذا المذهب يفضي إلى فساد الدين والدنيا. # وصاحب هذا القول تورع (2) فيما يظنه ظلما، فوقع في أضعاف ما تورع (3) عنه ~~بهذا الورع الفاسد، وأين ظلم بعض ولاة الأمور من استيلاء الكفار، بل من ~~استيلاء من هو أظلم منه؟ فالأقل ظلما ينبغي أن يعاون (4) على الأكثر ظلما؛ ~~فإن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد، وتقليلها ms1394 ~~بحسب الإمكان، ومعرفة خير الخيرين وشر الشرين، حتى يقدم عند التزاحم (5) ~~خير الخيرين ويدفع شر الشرين. # ومعلوم أن شر الكفار والمرتدين والخوارج أعظم من شر الظالم، وأما إذا لم ~~يكونوا يظلمون المسلمين، والمقاتل لهم يريد أن يظلمهم، فهذا عدوان منه، فلا ~~يعاون على العدوان. PageV06P118 ### | فصل كلام الرافضي أن عمر رضي الله عنه جعل الأمر شورى بعده وخالف من تقدمه # فصل (1) # قال الرافضي (2) : " وجعل الأمر شورى بعده، وخالف فيه من تقدمه؛ فإنه لم ~~يفوض الأمر فيه إلى اختيار الناس، ولا نص على إمام بعده، بل تأسف على سالم ~~مولى أبي (3) حذيفة، وقال: لو كان حيا لم يختلجني فيه شك، وأمير المؤمنين ~~علي حاضر. (4) # وجمع فيمن يختار بين الفاضل والمفضول (5) ، ومن حق الفاضل التقدم على ~~المفضول. ثم طعن (6) في كل واحد ممن اختاره للشورى، وأظهر أنه يكره أن ~~يتقلد (7) أمر المسلمين ميتا كما تقلده (8) حيا. ثم تقلده [ميتا] (9) بأن ~~جعل الإمامة في ستة، ثم ناقص (10) فجعلها في أربعة، ثم في ثلاثة، ثم في ~~واحد، فجعل إلى عبد الرحمن بن عوف الاختيار، بعد أن وصفه PageV06P119 # بالضعف والقصور، ثم قال: إن اجتمع أمير المؤمنين (1) وعثمان، فالقول ما ~~قالاه، وإن صاروا ثلاثة فالقول قول الذي صار فيهم عبد الرحمن بن عوف، لعلمه ~~أن عليا (2) وعثمان لا يجتمعان على أمر واحد (3) ، وأن عبد الرحمن لا يعدل ~~الأمر (4) عن أخيه وهو عثمان وابن عمه (5) ، ثم أمر بضرب أعناقهم إن تأخروا ~~عن البيعة ثلاثة أيام (6) ، مع أنهم عندهم من العشرة المبشرة بالجنة (7) ، ~~وأمر بقتل من خالف الأربعة منهم (8) ، وأمر بقتل من خالف الثلاثة [الذين ~~بينهم] عبد الرحمن (9) ، وكل ذلك مخالف للدين. # وقال لعلي: وإن (10) وليتها - وليسوا فاعلين (11) - لتركبنهم على المحجة ~~البيضاء، وفيه إشارة إلى أنهم لا يولونه إياها، قال لعثمان: إن وليتها ~~لتركبن آل أبي معيط (12) على رقاب الناس، وإن (13) فعلت لتقتلن. وفيه إشارة ~~إلى الأمر بقتله ". PageV06P120 # والجواب: أن هذا الكلام كله لا يخرج عن قسمين: إما كذب في النقل، وإما ~~قدح في الحق، فإن منه ما هو ms1395 كذب معلوم الكذب أو غير معلوم الصدق، وما علم ~~أنه صدق فليس فيه ما يوجب الطعن على عمر - رضي الله عنه، بل ذلك معدود من ~~فضائله ومحاسنه التي ختم الله بها عمله. # ولكن هؤلاء القوم لفرط جهلهم وهواهم يقلبون الحقائق في المنقول والمعقول، ~~فيأتون إلى الأمور التي وقعت وعلم أنها وقعت، فيقولون: ما وقعت، وإلى أمور ~~ما كانت ويعلم أنها ما كانت، فيقولون: كانت، ويأتون إلى الأمور التي هي خير ~~وصلاح، فيقولون: هي فساد وإلى الأمور التي هي فساد، فيقولون: هي خير وصلاح؛ ~~فليس لهم لا (1) عقل ولا نقل، بل لهم نصيب من قوله: {وقالوا لو كنا نسمع أو ~~نعقل ما كنا في أصحاب السعير} [سورة الملك: 10] . # وأما قول الرافضي: " وجعل الأمر شورى بعده وخالف فيه من تقدمه ". # فالجواب: أن الخلاف نوعان: خلاف تضاد، وخلاف تنوع، فالأول: مثل أن يوجب ~~هذا شيئا ويحرمه الآخر، والنوع الثاني: مثل القراءات التي يجوز كل منها، ~~وإن كان هذا يختار قراءة، وهذا يختار قراءة، كما ثبت في الصحاح، بل استفاض ~~عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: PageV06P121 # " «إن القرآن نزل (1) على سبعة أحرف، كلها شاف كاف» " (2) . # وثبت أن عمر وهشام بن حكيم بن حزام اختلفا في سورة الفرقان، فقرأها هذا ~~على وجه، وهذا على وجه آخر، فقال لكليهما: " هكذا أنزلت " (3) . # ومن هذا الباب أنواع التشهدات كتشهد ابن مسعود الذي أخرجاه في الصحيحين، ~~وتشهد أبي موسى الذي رواه مسلم، وألفاظهما متقاربة، وتشهد ابن عباس الذي ~~رواه مسلم، وتشهد عمر الذي علمه الناس على منبر النبي - صلى الله عليه ~~وسلم، وتشهد ابن عمر وعائشة وجابر اللواتي (4) PageV06P122 # رواها أهل السنن عنهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. (1) # فكل ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك فهو سائغ وجائز، وإن ~~اختار كل من الناس بعض التشهدات: إما لكونه هو الذي علمه ولاعتياده إياه، ~~وإما لاعتقاده رجحانه من بعض الوجوه. # وكذلك الترجيع في الآذان وترك (2) الترجيع؛ فإن الأول قد ثبت في الصحيح ~~في أذان أبي ms1396 محذورة، وروي في أوله التكبير مرتين، كما رواه مسلم، وروي ~~أربعا كما رواه أبو داود، وترك الترجيع هو الذي رواه أهل PageV06P123 # السنن في أذان بلال (1) . # وكذلك وتر الإقامة هو الذي ثبت في أذان بلال، وشفع الإقامة ثبت في الصحيح ~~في أذان أبي محذورة، فأحمد وغيره من فقهاء الحديث أخذوا بأذان بلال ~~وإقامته، والشافعي أخذ بأذان أبي محذورة وإقامة بلال، وأبو حنيفة أخذ بأذان ~~بلال وإقامة أبي محذورة (2) . # وكل هذه الأمور جائزة بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم، وإن كان من ~~الفقهاء من يكره بعض ذلك، لاعتقاده (3) أنه لم يثبت كونه سن في الأذان، ~~فذلك لا يقدح في علم من علم أنه سنة. # وكذلك أنواع صلاة الخوف، فإنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها ~~أنواع متعددة، كصلاة ذات الرقاع وصلاة عسفان وصلاة نجد، فإنه صلى بهم ~~بعسفان جماعة صلاة (4) واحدة، لكن جعلهم صفين، فالصف الواحد ركعوا معه ~~جميعا، وسجد معه الصف الأول، وتخلف الصف (5) PageV06P124 # الآخر عن المتابعة ليحرسوا، ثم أتموا لأنفسهم، وفي الركعة الثانية ~~بالعكس، فكان في ذلك من خلاف الصلاة المعتادة، تخلف أحد الصفين عن السجود ~~معه لأجل الحرس، وهذه مشروعة إذا كان العدو وجاه القبلة. # وصار هذا أصلا للفقهاء في تخلف المأموم (1) لعذر فيما دون الركعة، ~~كالزحمة والنوم والخوف وغير ذلك: أنه لا يبطل الصلاة، وأنه يفعل ما تخلف ~~عنه. # وأكثر الصلوات كان يجعلهم طائفتين، وهذا يتعين إذا كان العدو في غير جهة ~~الكعبة (2) فتارة يصلي بطائفة ركعة، ثم يفارقونه (3) ويتمون لأنفسهم، ثم ~~يصلي بالطائفة الثانية الركعة الثانية، ويتمون لأنفسهم قبل سلامه فيسلم ~~بهم، فيكون الأولون أحرموا معه، والآخرون سلموا معه، كما صلى بهم في ذات ~~الرقاع، وهذه أشهر الأنواع، وأكثر الفقهاء يختارونها، لكن منهم من يختار أن ~~تسلم الثانية بعده كالمسبوق، كما يروى عن مالك، والأكثرون يختارون ما ثبت ~~به النقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم، ولأن المسبوق قد صلى غيره مع ~~الإمام (4) الصلاة كلها فيسلم بهم، بخلاف هذا، فإن الطائفة الأولى لم تتم ms1397 ~~معه الصلاة، فلا يسلم إلا بهم، ليكون تسليمه بالمأمومين. PageV06P125 # فإن في السنن عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «مفتاح الصلاة ~~الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» " فهذا مروي عن علي وغيره (1) ~~. # ومنها صلاة نجد: صلى بطائفة ركعة، ثم ذهبت إلى وجاه العدو، وجاءت (2) ~~الطائفة الثانية فصلى بهم الثانية، ثم ذهبوا إلى وجاه العدو، ورجع الأولون ~~فأتموا بركعة (3) ، ثم رجع هؤلاء فأتموا بركعة (4) . # وهذه يختارها أبو حنيفة لأنها على وفق القياس عنده، إذ ليس فيها إلا ~~العمل الكثير واستدبار القبلة (5) لعذر، وهو يجوز ذلك لمن سبقه الحدث، ~~ومنها صلوات (6) أخرى. # والصحيح الذي لا يجوز أن يقال بغيره: أن كل ما ثبت عن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - من ذلك فهو جائز، وإن كان المختار يختار بعض ذلك فهذا من ~~اختلاف التنوع (7) . # ومن ذلك أنواع الاستفتاحات في الصلاة، كاستفتاح أبي هريرة الذي ~~PageV06P126 # رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم، وهو في الصحيحين، واستفتاح علي بن ~~أبي طالب الذي رواه مسلم، واستفتاح عمر الذي كان يجهر به في محراب النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - يعلمه الناس، متفق عليه، وهو في السنن مرفوع إلى ~~النبي - صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك من الاستفتاحات (1) . # ومن ذلك صفات الاستعاذة، وأنواع الأدعية في آخر الصلاة، وأنواع الأذكار ~~التي تقال في الركوع والسجود مع التسبيح المأمور به. # ومن ذلك صلاة التطوع: يخير فيها بين القيام والقعود، ويخير بين الجهر ~~بالليل والمخافتة (2) إلى أمثال ذلك. # ومن ذلك تخيير الحاج بين التعجيل (3) في يومين من أيام منى وبين التأخر ~~إلى (4) اليوم الثالث. # وهذا الاختلاف قسمان: أحدهما يكون (5) الإنسان مخيرا فيه بين النوعين ~~بدون اجتهاد في أصلحهما، والثاني يكون تخييره بحسب ما يراه من المصلحة. # وتخيير المتصرف لغيره هو من هذا الباب، كولي اليتيم، وناظر الوقف، ~~والوكيل، والمضارب، والشريك، وأمثال ذلك ممن تصرف (6) PageV06P127 # لغيره؛ فإنه إذا كان مخيرا بين هذا النقد وهذا النقد، أو بين النقد ~~والنسيئة، أو بين ابتياع هذا الصنف وهذا الصنف، أو البيع في هذا السوق وهذا ~~السوق ms1398، فهو تخيير مصلحة واجتهاد، فليس له أن يعدل عما يراه أصلح لمن ~~ائتمنه، إذا لم يكن عليه في ذلك مشقة تسوغ له تركه. # ومن هذا الباب تصرف ولي الأمر للمسلمين، كالأسير الذي يخير فيه بين القتل ~~والاسترقاق، وكذلك بين المن والفداء عند أكثر العلماء. # ولهذا «استشار النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه فيهم يوم بدر، فأشار ~~عليه أبو بكر - رضي الله عنه - بأخذ الفداء، وشبهه النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - بإبراهيم وعيسى، وأشار عليه عمر - رضي الله عنه - بالقتل، وشبهه ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - بنوح وموسى، ولم يعب واحدا منهما بما أشار ~~عليه به، بل مدحه وشبهه بالأنبياء» (1) . ولو كان مأمورا بأحد الأمرين حتما ~~لما استشارهم فيما يفعل. # وكذلك اجتهاد ولي الأمر فيمن يولي، فعليه أن يختار أصلح من يراه، ثم إن ~~الاجتهاد يختلف ويكون جميعه صوابا، كما أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - ~~كان رأيه أن يولي خالد بن الوليد في حروبه، وكان عمر يشير عليه بأن يعزله، ~~فلا يعزله، ويقول: إنه سيف سله الله على المشركين، ثم إن عمر لما تولى عزله ~~وولى أبا عبيدة بن الجراح، وما فعله كل منهما كان أصلح في وقته؛ فإن أبا ~~بكر كان فيه لين، وعمر كان فيه PageV06P128 # شدة، وكانا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يستشيرهما النبي - صلى ~~الله عليه وسلم -. # وروي عنه أنه قال: " «إذا اتفقتما على شيء لم أخالفكما» " (1) . وثبت في ~~الصحيح «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في بعض مغازيه: " إن يطع ~~القوم أبا بكر وعمر يرشدوا» ". (2) . # وفي رواية في الصحيح " «كيف ترون القوم صنعوا حين فقدوا نبيهم وأرهقتهم ~~صلاتهم؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: " أليس فيهم أبو بكر وعمر؟ إن ~~يطيعوهما [فقد رشدوا ورشدت أمتهم، وإن يعصوهما] (3) فقد غووا وغوت أمتهم " ~~قالها ثلاثا» (4) . PageV06P129 # وقد روى مسلم في صحيحه (1) من حديث [ابن عباس عن] عمر (2) قال: " «لما ~~كان يوم بدر نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين وهم ألف، ~~وأصحابه وهم ms1399 (3) ثلاثمائة وتسعة عشر (4) رجلا، فاستقبل رسول الله (5) - صلى ~~الله عليه وسلم - القبلة، ثم مد يديه فجعل (6) يهتف بربه: " اللهم أنجز لي ~~ما وعدتني، اللهم آتني (7) ما وعدتني، اللهم إن تهلك (8) هذه العصابة من ~~أهل الإسلام لا تعبد في الأرض " فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل (9) ~~القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه (10) ، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه ~~على منكبيه (11) ، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله كفاك (12) ~~مناشدتك ربك، [فإنه] (13) سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله تعالى: {إذ ~~تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} [سورة ~~الأنفال: 9] فأمده الله بالملائكة» . قال أبو زميل: «فحدثني ابن عباس قال: ~~بينما رجل من PageV06P130 # المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط ~~فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم (1) ، فنظر إلى المشرك أمامه فخر ~~مستلقيا، فنظر إليه فإذا قد (2) خطم (3) أنفه وشق وجهه كضربة السوط (4) . ~~فاخضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث بذلك (5) رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - فقال: " صدقت، ذلك (6) من مدد السماء الثالثة " فقتلوا يومئذ سبعين ~~وأسروا سبعين. فقال (7) أبو زميل: قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى قال ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر: " ما ترون في هؤلاء ~~الأسارى؟ " فقال أبو بكر: [يا نبي الله] (8) هم بنو العم والعشيرة، أرى أن ~~تأخذ منهم فدية، فتكون (9) لنا قوة على المشركين (10) ، فعسى الله أن ~~يهديهم للإسلام. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما ترى يا ابن ~~الخطاب؟ " قلت: لا والله يا رسول الله ما أرى PageV06P131 # الذي رأى أبو بكر، ولكني (1) أرى أن تمكننا (2) فنضرب (3) أعناقهم، فتمكن ~~عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني (4) من فلان - نسيب (5) . لعمر - فأضرب ~~عنقه؛ فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها (6) ، فهوى رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - ما قال (7) أبو بكر، ولم يهو ما قلت (8) ، فلما كان من الغد ~~جئت، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر [قاعدين] (9) يبكيان. ~~قلت (10) : يا رسول الله ما يبكيك أنت ms1400 وصاحبك (11) ؟ فإن وجدت بكاء بكيت، ~~وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ~~" أبكي للذي عرض علي أصحابك (12) من أخذهم الفداء، لقد عرض علي عذابهم أدنى ~~من هذه الشجرة ((13) شجرة قريبة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ~~فأنزل الله - تعالى (14) - PageV06P132 # {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} (1) الآية [سورة ~~الأنفال: 67] " قال (2) : " فأحل الله لهم الغنيمة» (3) . # ورواه عبد الله بن مسعود وقال فيه: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ~~-: " «إن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال: {فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني ~~فإنك غفور رحيم} [سورة إبراهيم: 36] أو كمثل عيسى قال: {إن تعذبهم فإنهم ~~عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} [سورة المائدة: 118] وإن مثلك ~~يا عمر كمثل نوح قال: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} [سورة نوح: ~~26] " وقال: " يا عمر كمثل موسى (4) قال: {واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى ~~يروا العذاب الأليم} » ) [سورة يونس: 88] (5) ". PageV06P133 # وقد روي هذا المعنى من حديث أم سلمة وابن عباس وغيرهما. # وقد روى أحمد في المسند من حديث أبي معاوية، ورواه ابن بطة، ورويناه في ~~جزء ابن عرفة عن أبي معاوية، وهذا لفظه قال (1) : " «لما كان يوم بدر قال ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما تقولون في هؤلاء الأسارى (2) ؟ " ~~فقال (3) أبو بكر: يا رسول الله قومك وأهلك، استبقهم واستأن بهم، لعل الله ~~يتوب (4) عليهم. وقال عمر: يا رسول الله كذبوك وأخرجوك (5) ، قربهم واضرب ~~أعناقهم " فذكر الحديث. قال: " فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم ~~يرد عليهم شيئا. قال: فخرج رسول PageV06P134 # الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " إن مثلك (1) يا أبا بكر كمثل ~~إبراهيم قال: {فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم} [سورة ~~إبراهيم: 36] وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال: {إن تعذبهم فإنهم عبادك ~~وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} [سورة المائدة: 118] وإن مثلك يا عمر ~~كمثل نوح قال: {رب لا تذر على الأرض من ms1401 الكافرين ديارا} [سورة نوح: 26] وإن ~~مثلك يا عمر كمثل موسى قال: {واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب ~~الأليم} » [سورة يونس: 88] . # وروى ابن بطة بالإسناد الثابت من حديث الزنجي ابن خالد عن إسماعيل بن ~~أمية قال: «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر: " لولا ~~أنكما تختلفان علي ما خالفتكما» " (2) . # وكان السلف متفقين على تقديمهما حتى شيعة علي - رضي الله عنه -. # وروى ابن بطة عن شيخه المعروف بأبي العباس بن مسروق، حدثنا محمد بن حميد، ~~حدثنا جرير، عن سفيان، عن عبد الله بن زياد، عن حدير (3) ، قال: " قدم أبو ~~إسحاق السبيعي (4) الكوفة، قال لنا شمر بن PageV06P135 # عطية (1) : قوموا إليه (2) ، فجلسنا إليه، فتحدثوا، فقال أبو إسحاق: خرجت ~~من الكوفة وليس أحد يشك في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما، وقدمت الآن وهم ~~يقولون ويقولون، ولا والله ما أدري ما يقولون ". # وقال: حدثنا النيسابوري، حدثنا أبو أسامة الحلبي، حدثنا أبي، حدثنا ضمرة، ~~عن سعيد بن حسن (3) ، قال: سمعت ليث بن أبي سليم (4) يقول: أدركت الشيعة ~~الأولى وما يفضلون على أبي بكر وعمر أحدا. # وقال أحمد بن حنبل: " حدثنا ابن عيينة، عن خالد بن سلمة (5) ، عن الشعبي، ~~عن مسروق قال: حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة ". (* ومسروق من أجل ~~تابعي الكوفة، وكذلك قال طاوس: " حب PageV06P136 # أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة *) ". (1) وقد روي ذلك عن ابن ~~مسعود. # وكيف لا تقدم الشيعة الأولى أبا بكر وعمر، وقد تواتر عن أمير المؤمنين ~~علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: " خير هذه الأمة بعد نبيها أبو ~~بكر ثم عمر ". (2) وقد روي هذا عنه من طرق كثيرة، قيل: إنها تبلغ ثمانين ~~طريقا. # وقد رواه (3) البخاري عنه [في صحيحه] (4) من حديث الهمدانيين الذين هم ~~أخص الناس بعلي حتى كان يقول: # ولو (5) كنت بوابا على باب جنة لقلت لهمدان ادخلي (6) بسلام # وقد رواه البخاري من حديث سفيان الثوري، [وهو همداني] (7) عن منذر [وهو ~~همداني] (8) عن محمد ابن الحنفية قال: قلت لأبي: يا ms1402 أبت، من خير الناس بعد ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: يا بني أوما تعرف؟ فقلت: لا. قال: ~~أبو بكر. فقلت: ثم من؟ قال: عمر. وهذا يقوله لابنه بينه وبينه، ليس هو مما ~~يجوز أن يقوله تقية ويرويه عن أبيه خاصة، وقاله على المنبر. PageV06P137 # وعنه أنه كان يقول: " لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته ~~جلد المفتري " (1) . # وفي السنن عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «اقتدوا باللذين من ~~بعدي أبي بكر وعمر» " (2) . # ولهذا كان أحد قولي العلماء - وهو إحدى الروايتين عن أحمد - أن قولهما ~~إذا اتفقا حجة لا يجوز العدول عنها. وهذا أظهر القولين. كما أن الأظهر أن ~~اتفاق الخلفاء الأربعة أيضا حجة لا يجوز خلافها، لأمر النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - باتباع سنتهم. # وكان نبينا - صلى الله عليه وسلم - مبعوثا بأعدل الأمور وأكملها، فهو ~~الضحوك القتال، وهو نبي الرحمة، ونبي الملحمة. بل أمته موصوفون بذلك في مثل ~~قوله تعالى: {أشداء على الكفار رحماء بينهم} [سورة الفتح: 29] # [وقوله تعالى] (3) : {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} [سورة ~~المائدة: 54] . فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين شدة هذا ولين ~~هذا، فيأمر بما هو العدل (4) ، وهما يطيعانه، فتكون أفعالهما على كمال ~~الاستقامة، فلما قبض الله نبيه، وصار كل منهما خليفة على المسلمين خلافة ~~نبوة، كان من كمال أبي بكر - رضي الله عنه - أن (5) يولي PageV06P138 # الشديد ويستعين به ليعتدل أمره، ويخلط الشدة باللين، فإن مجرد اللين ~~يفسد، ومجرد الشدة تفسد، ويكون قد قام مقام النبي صلى الله عليه وسلم، فكان ~~(1) يستعين باستشارة عمر وباستنابة خالد ونحو ذلك. # وهذا من كماله الذي صار به خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ~~ولهذا اشتد في قتال أهل الردة شدة برز بها على عمر وغيره. حتى روي أن عمر ~~قال [له] (2) : يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تألف الناس. ~~فقال: علام أتألفهم: أعلى حديث مفترى؟ أم على شعر مفتعل؟ . # وقال أنس: خطبنا أبو بكر عقيب وفاة النبي - صلى الله ms1403 عليه وسلم - وإنا ~~لكالثعالب، فما زال يشجعنا حتى صرنا كالأسود. # وأما عمر - رضي الله عنه - فكان شديدا في نفسه، فكان من كماله استعانته ~~باللين ليعتدل أمره، فكان يستعين بأبي عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، ~~وأبي عبيد الثقفي، والنعمان بن مقرن، وسعيد بن عامر، وأمثال هؤلاء من أهل ~~الصلاح والزهد، الذين هم أعظم زهدا وعبادة من مثل خالد بن الوليد [وأمثاله] ~~(3) . # ومن هذا الباب أمر الشورى، فإن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان كثير ~~المشاورة للصحابة فيما لم يتبين فيه أمر الله ورسوله؛ فإن الشارع نصوصه ~~كلمات جوامع، وقضايا كلية، وقواعد عامة، يمتنع أن PageV06P139 # ينص على كل فرد من جزئيات العالم إلى يوم القيامة، فلا بد من الاجتهاد في ~~المعينات: هل تدخل في كلماته (1) الجامعة أم لا؟ # وهذا الاجتهاد يسمى " تحقيق المناط "، وهو مما (2) اتفق عليه الناس كلهم: ~~نفاة القياس ومثبتته؛ فإن الله إذا أمر أن يستشهد ذوا عدل، فكون الشخص ~~المعين من ذوي العدل لا يعلم بالنص بل باجتهاد خاص. وكذلك إذا أمر أن تؤدى ~~الأمانات إلى أهلها وأن يولى الأمور من يصلح لها، فكون هذا الشخص المعين ~~صالحا لذلك أو راجحا على غيره لا يمكن أن تدل عليه النصوص، بل لا يعلم إلا ~~باجتهاد خاص. # والرافضي إن زعم أن الإمام يكون منصوصا عليه وهو معصوم، فليس هو أعظم من ~~الرسول، ونوابه وعماله ليسوا معصومين، ولا يمكن أن ينص الشارع على كل ~~معينة، ولا يمكن النبي ولا الإمام أن يعلم الباطن في كل معينة، بل قد كان ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - يولي الوليد بن عقبة ثم ينزل الله فيه: {إن ~~جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة} [سورة الحجرات: 6] (3) . # وقد كان يظن أن الحق في قضيته (4) مع بني أبيرق (5) ثم ينزل الله: ~~PageV06P140 # {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن ~~للخائنين خصيما} [سورة النساء: 105] الآيات (1) . # وأما علي (2) - رضي الله عنه - فظهور الأمر له (3) في الجزئيات بخلاف ما ~~ظنه كثير [جدا ms1404] (4) ، فعلم أنه لا بد من الاجتهاد في الجزئيات من المعصومين ~~وغير المعصومين (5) . # وفي الصحيح (6) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «إنكم ~~تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بنحو مما ~~أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من ~~النار» " (7) . # فحكمه في القضية المعينة إنما هو باجتهاده، ولهذا نهى المحكوم له أن يأخذ ~~ما حكم له به إذا كان الباطن بخلاف ما ظهر [للحاكم] (8) . # وعمر - رضي الله عنه - إمام، وعليه أن يستخلف الأصلح للمسلمين، فاجتهد في ~~ذلك ورأى أن هؤلاء الستة أحق من غيرهم، وهو كما رأى، فإنه لم يقل أحد أن ~~غيرهم أحق منهم. [وجعل التعيين إليهم خوفا أن PageV06P141 # يعين واحدا منهم ويكون غيره أصلح لهم، فإنه] (1) ظهر له (2) رجحان الستة ~~دون رجحان التعيين، وقال: الأمر في التعيين إلى الستة يعينون واحدا منهم. # وهذا أحسن، اجتهاد إمام عالم عادل ناصح لا هوى له رضي الله عنه. # وأيضا فقد قال تعالى: {وأمرهم شورى بينهم} [سورة الشورى: 38] ، وقال: ~~{وشاورهم في الأمر} [سورة آل عمران: 159] . فكان ما فعله من الشورى مصلحة، ~~وكان ما فعله أبو بكر - رضي الله عنه - من تعيين عمر هو المصلحة أيضا؛ فإن ~~أبا بكر تبين له من كمال عمر وفضله واستحقاقه للأمر ما لم يحتج معه إلى ~~الشورى، وظهر أثر هذا الرأي المبارك الميمون على المسلمين، فإن كل عاقل ~~منصف يعلم أن عثمان أو عليا أو طلحة أو الزبير أو سعدا أو عبد الرحمن بن ~~عوف لا يقوم (3) مقام عمر، فكان تعيين عمر في الاستحقاق كتعيين أبي بكر في ~~مبايعتهم له. # ولهذا قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: " أفرس الناس ثلاثة: بنت ~~صاحب مدين حيث قالت: {ياأبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين} [سورة ~~القصص: 26] وامرأة العزيز حيث قالت: {عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا} [سورة ~~القصص: 9] وأبو بكر حيث استخلف عمر " (4) . PageV06P142 # وقالت عائشة - رضي الله عنها - في خطبتها (1) : " أبي وما أبيه ms1405 (2) والله ~~لا تعطوه (3) الأيدي (4) . ذاك طود منيف (5) ، وفرع (6) مديد. هيهات! كذبت ~~الظنون! أنجح (7) إذ أكديتم (8) ، وسبق إذ ونيتم (9) سبق الجواد إذا استولى ~~على الأمد (10) ، فتى قريش ناشئا، وكهفها كهلا (11) ، يفك عانيها (12) ، ~~ويريش مملقها (13) ، ويرأب شعبها (14) حتى حليته قلوبها (15) ، ثم استشرى ~~PageV06P143 # في الله (1) ، فما برحت شكيمته في ذات الله تعالى تشتد (2) ، حتى اتخذ ~~بفنائه مسجدا (3) ، يحيي فيه ما أمات المبطلون. وكان - رحمه الله - غزير ~~الدمعة، وقيذ الجوانح (4) ، شجي النشيج (5) ، فتتقصف عليه نسوان مكة ~~وولدانها (6) ، يسخرون منه ويستهزئون به (الله يستهزئ بهم ويمدهم في ~~طغيانهم يعمهون) [سورة البقرة: 15] فأكبرت ذلك رجالات قريش فحنت له قسيها ~~(7) ، وفوقت له سهامها (8) ، وانتبلوه غرضا (9) ، فما فلوا له PageV06P144 # صفاة (1) ، ولا قصفوا له قناة، ومر على سيسائه (2) ، حتى إذا ضرب الدين ~~بجرانه (3) ، وألقى بركه (4) ، ورست (5) أوتاده، ودخل الناس فيه أفواجا، ~~ومن كل فرقة أرسالا وأشتاتا (6) ، اختار الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ~~ما عنده. فلما قبض الله نبيه نصب الشيطان رواقه (7) ، ومد طنبه (8) ، ونصب ~~حبائله (9) ، فظن رجال أن قد تحققت أطماعهم، ولات (10) حين الذي يرجون، ~~وأنى والصديق بين أظهرهم، فقام حاسرا مشمرا، فجمع حاشيته ورفع قطريه (11) ، ~~فرد (12) نشر الإسلام على غره (13) ، ولم شعثه PageV06P145 # بطبه (1) ، وأقام أوده بثقافه (2) ، فدق (3) النفاق بوطأته، وانتاش الدين ~~فمنعه (4) ، فلما أراح الحق على أهله (5) ، وقرر (6) الرءوس على كواهلها، ~~وحقن الدماء في أهبها (7) ، أتته منيته، فسد ثلمه (8) بنظيره (9) في ~~الرحمة، وشقيقه في السيرة والمعدلة، ذاك (10) ابن الخطاب، [لله] (11) أم ~~حملت به (12) ، [ودرت عليه] (13) ، لقد أوحدت (14) به، ففنخ الكفرة وديخها ~~(15) ، وشرد الشرك (16) شذر مذر (17) ، وبعج الأرض وبخعها (18) ، ~~PageV06P146 # فقاءت أكلها، ولفظت خبيئها (1) ، ترأمه ويصدف عنها (2) ، وتصدى له ~~ويأباها، ثم ورع (3) فيها وودعها كما صحبها. فأروني ما تريبون (4) ، وأي ~~يوم تنقمون (5) : أيوم إقامته إذ عدل فيكم؟ أم يوم ظعنه وقد (6) نظر لكم؟ ~~[أقول قولي هذا و] أستغفر الله لي ولكم " (7) . وروى هذه الخطبة جعفر بن ~~عون، عن أبيه، عن عائشة. وهؤلاء رواة الصحيحين. وقد رواها أبو أسامة، عن ~~هشام بن عروة، عن أبيه. وبعضهم رواها عن هشام، ولم ms1406 يذكر فيه عروة (8) . # وأما عمر - رضي الله عنه - فرأى الأمر في الستة متقاربا، فإنهم وإن كان ~~لبعضهم من الفضيلة ما ليس لبعض، فلذلك المفضول مزية أخرى ليست للآخر، ورأى ~~أنه إذا عين واحدا فقد يحصل بولايته نوع من الخلل، فيكون منسوبا إليه، فترك ~~التعيين خوفا من الله تعالى، وعلم أنه ليس واحد (9) أحق بهذا الأمر منهم، ~~فجمع بين المصلحتين: بين PageV06P147 # تعيينهم إذ لا أحق منهم، وترك تعيين واحد منهم لما تخوفه (1) من التقصير. # والله تعالى قد أوجب على العبد أن يفعل المصلحة بحسب الإمكان. فكان ما ~~فعله غاية ما يمكن من المصلحة. وإذا كان من الأمور [أمور] (2) لا يمكن ~~دفعها، فتلك لا تدخل في التكليف. وكان كما رآه، فعلم أنه إن ولى واحدا من ~~الستة، فلا بد أن يحصل نوع من التأخر عن سيرة أبي بكر وعمر - رضي الله ~~عنهما - (3) ، وأن يحصل بسبب ذلك مشاجرة، كما جبل الله على ذلك [طباع] (4) ~~بني آدم وإن كانوا من أولياء الله المتقين. وذكر [في] (5) كل واحد من الستة ~~الأمر (6) الذي منعه من تعيينه وتقديمه على غيره. # ثم إن الصحابة اجتمعوا على عثمان رضي الله عنه؛ لأن ولايته كانت أعظم ~~مصلحة وأقل مفسدة من ولاية غيره. والواجب أن يقدم أكثر الأمرين مصلحة، ~~وأقلهما مفسدة. # وعمر - رضي الله عنه - خاف أن يتقلد أمرا يكون فيه ما ذكر، ورأى أنهم إذا ~~بايعوا واحدا منهم باختيارهم حصلت المصلحة بحسب الإمكان، وكان الفرق بين ~~حال المحيا وحال الممات: أنه في الحياة يتولى أمر PageV06P148 # المسلمين، فيجب عليه أن يولي عليهم أصلح من يمكنه، وأما بعد الموت فلا ~~يجب عليه أن يستخلف (* معينا إذا كانوا يجتمعون على أمثلهم. كما أن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - لما علم أنهم يجتمعون على أبي بكر استغنى بذلك عن ~~كتابة الكتاب الذي كان قد عزم على أن يكتبه لأبي بكر. # وأيضا فلا دليل على أنه يجب على الخليفة أن يستخلف *) (1) بعده، فلم يترك ~~عمر واجبا. ولهذا روجع في استخلاف المعين. وقيل له: أرأيت لو ms1407 أنك استرعيت؟ ~~فقال: إن الله تعالى لم يكن يضيع (2) دينه ولا خلافته ولا الذي بعث به نبيه ~~صلى الله عليه وسلم، فإن عجل بي أمر، فالخلافة شورى بين هؤلاء [الستة] (3) ~~الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض. # ومما ينبغي أن يعلم أن الله تعالى بعث الرسل وأنزل الكتب (4) ليكون الناس ~~على غاية ما يمكن من الصلاح، لا لرفع الفساد بالكلية؛ فإن هذا ممتنع في ~~الطبيعة الإنسانية؛ إذ لا بد فيها من فساد. # ولهذا قال تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد ~~فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} الآية [سورة البقرة: 30] . ~~ولهذا لم تكن أمة من الأمم إلا وفيها شر وفساد. وأمثل PageV06P149 # الأمم قبلنا بنو إسرائيل، وكان فيهم من الفساد والشر ما قد علم بعضه. # وأمتنا خير الأمم وأكرمها على الله، وخيرها القرون الثلاثة، وأفضلهم ~~الصحابة. وفي أمتنا شر كثير، لكنه أقل من شر بني إسرائيل، وشر بني إسرائيل ~~أقل من شر الكفار الذين لم يتبعوا نبيا كفرعون وقومه. وكل خير في بني ~~إسرائيل ففي أمتنا خير منه. وكذلك أول هذه الأمة وآخرها، فكل خير من ~~المتأخرين ففي المتقدمين ما هو خير منه، وكل شر في المتقدمين ففي المتأخرين ~~ما هو شر منه. وقد قال تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [سورة التغابن: 16] ~~. # ولا ريب أن الستة الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم ~~راض، الذين عينهم عمر، لا يوجد أفضل منهم، وإن كان في كل منهم ما كرهه، فإن ~~غيرهم يكون فيه من المكروه أعظم. ولهذا لم يتول بعد عثمان خير منه ولا أحسن ~~سيرة، ولا تولى بعد علي خير منه (1) ، ولا تولى ملك من ملوك المسلمين أحسن ~~سيرة من معاوية رضي الله عنه، كما ذكر الناس سيرته وفضائله. # وإذا كان الواحد من هؤلاء له ذنوب، فغيرهم أعظم ذنوبا، وأقل حسنات. فهذا ~~من الأمور التي ينبغي أن تعرف، فإن الجاهل بمنزلة الذباب الذي لا يقع إلا ~~على العقير ms1408 (2) ولا يقع على الصحيح. والعاقل يزن الأمور جميعا: هذا وهذا. ~~PageV06P150 # وهؤلاء الرافضة من أجهل الناس، يعيبون على من يذمونه ما يعاب أعظم منه ~~على من يمدحونه، فإذا سلك معهم ميزان العدل تبين أن الذي ذموه أولى ~~بالتفضيل ممن مدحوه. # وأما ما يروى من ذكره لسالم مولى أبي حذيفة؛ فقد علم أن عمر وغيره من ~~الصحابة كانوا يعلمون أن الإمامة في قريش، كما استفاضت بذلك السنن [عن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم -] (1) . ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر - ~~رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " «لا يزال ~~هذا الأمر في قريش ما بقي في الناس اثنان " وفي لفظ: " ما بقي منهم اثنان» ~~" (2) . # وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم -: " «الناس تبع لقريش في هذا الشأن: مؤمنهم تبع لمؤمنهم، ~~وكافرهم تبع لكافرهم» " (3) رواه مسلم. # وفي حديث جابر قال: " «الناس تبع لقريش في الخير والشر» " (4) . # وخرج البخاري عن معاوية قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~يقول: " «إن هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما ~~أقاموا الدين» " (5) . PageV06P151 # وهذا مما احتجوا به على الأنصار يوم السقيفة. فكيف يظن بعمر أنه كان يولي ~~رجلا من غير قريش؟ ! بل من الممكن أنه كان يوليه ولاية جزئية (1) ، أو ~~يستشيره فيمن يولى ونحو ذلك من الأمور التي يصلح لها سالم مولى أبي حذيفة، ~~فإن سالما كان من خيار الصحابة، وهو الذي كان يؤمهم على عهد رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - لما قدم المهاجرون. ### | الرد على قول الرافضي إن عمر جمع بين الفاضل والمفضول # وأما قول الرافضي: " وجمع بين الفاضل والمفضول، ومن حق الفاضل التقدم ~~[على المفضول] (2) ". # فيقال له: أولا: [هؤلاء] (3) كانوا متقاربين في الفضيلة، ولم يكن تقدم ~~بعضهم على بعض ظاهرا، كتقدم أبي بكر وعمر على الباقين. ولهذا كان (4) في ~~الشورى تارة يؤخذ برأي عثمان، وتارة [يؤخذ] (5) برأي علي، وتارة برأي عبد ~~الرحمن. وكل منهم له ms1409 فضائل لم يشركه فيها الآخر. # ثم يقال له ثانيا: وإذا كان فيهم فاضل ومفضول، فلم قلت: إن عليا هو ~~الفاضل، وعثمان وغيره هم المفضولون؟ وهذا القول خلاف ما أجمع عليه ~~المهاجرون والأنصار، [كما قال غير واحد من الأئمة، منهم PageV06P152 # أيوب السختياني وغيره: من قدم عليا على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين ~~والأنصار] (1) . # وقد ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عمر قال: " كنا نفاضل على عهد رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم -: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان ". وفي لفظ: " ثم ~~ندع أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا نفاضل بينهم " (2) . # فهذا إخبار عما كان عليه الصحابة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم ~~-[من تفضيل أبي بكر ثم عمر ثم عثمان. وقد روي أن ذلك كان يبلغ النبي - صلى ~~الله عليه وسلم -] (3) فلا ينكره (4) . # وحينئذ فيكون هذا التفضيل ثابتا بالنص. وإلا فيكون ثابتا بما ظهر بين ~~المهاجرين والأنصار على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير نكير، ~~وبما ظهر لما توفي عمر؛ فإنهم كلهم بايعوا عثمان بن عفان من غير رغبة ولا ~~رهبة، ولم ينكر هذه الولاية منكر منهم. PageV06P153 # قال الإمام أحمد: " لم يجتمعوا على بيعة أحد ما اجتمعوا على بيعة عثمان " ~~وسئل عن خلافة النبوة فقال: " كل بيعة كانت بالمدينة ". وهو كما قال؛ فإنهم ~~كانوا في آخر ولاية عمر أعز ما كانوا وأظهر ما كانوا قبل ذلك. # وكلهم بايع (1) عثمان بلا رغبة بذلها [لهم] (2) ولا رهبة؛ فإنه لم يعط ~~أحدا على ولايته لا مالا ولا ولاية. وعبد الرحمن الذي بايعه لم يوله ولم ~~يعطه مالا. وكان عبد الرحمن من أبعد الناس عن الأغراض، مع أن عبد الرحمن ~~شاور جميع الناس، ولم يكن لبني أمية شوكة، ولا كان في الشورى منهم أحد غير ~~عثمان. # مع أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا كما وصفهم الله - عز وجل - {يحبهم ~~ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا ~~يخافون لومة لائم} [سورة المائدة: 54] . # [وقد بايعوا النبي - صلى الله ms1410 عليه وسلم - على أن يقولوا الحق حيثما ~~كانوا، لا يخافون في الله لومة لائم] (3) ، ولم ينكر أحد منهم ولاية عثمان، ~~بل كان في الذين بايعوه عمار بن ياسر وصهيب وأبو ذر وخباب والمقداد بن ~~الأسود وابن مسعود. وقال ابن مسعود: ولينا أعلانا ذا فوق ولم نأل. # وفيهم العباس بن عبد المطلب، وفيهم من النقباء مثل عبادة بن PageV06P154 # الصامت وأمثاله، وفيهم مثل أبي أيوب الأنصاري وأمثاله. # وكل من هؤلاء وغيرهم (1) لو تكلم بالحق لم يكن هناك عذر يسقطه (2) عنه، ~~فقد كان يتكلم من يتكلم منهم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ~~ولاية من يولى (3) وهو مستحق للولاية، ولا يحصل لهم ضرر. وتكلم طلحة وغيره ~~في ولاية عمر لما استخلفه أبو بكر، وتكلم أسيد بن حضير في ولاية أسامة [بن ~~زيد] (4) على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كانوا يكلمون عمر فيمن ~~يوليه [ويعزله. # وعثمان، بعد ولايته وقوة شوكته وكثرة أنصاره وظهور بني أمية، كانوا ~~يكلمونه فيمن يوليه] (5) ويعطيه منهم ومن غيرهم. ثم في آخر الأمر (6) لما ~~اشتكوا من بعضهم عزله، ولما اشتكوا من بعض من يأخذ بعض المال منعه. فأجابهم ~~إلى ما طلبوه من عزل ومنع من المال، وهم أطراف من الناس، وهو (7) في عزة ~~(8) ولايته. فكيف لا يسمع كلام الصحابة - أئمتهم وكبرائهم - مع عزهم وقوتهم ~~(9) لو تكلموا في ولاية عثمان؟ ! وقد تكلموا مع الصديق في ولاية عمر، ~~وقالوا: ماذا تقول لربك وقد وليت علينا فظا غليظا؟ فقال: أبالله تخوفوني؟ ~~أقول: وليت عليهم خير أهلك. فلم يحابوا الصديق في عهده لعمر مع شدته. ~~PageV06P155 # ومن شأن الناس أن يراعوا من يرشح للولاية فيحابونه، خوفا منه أن ينتقم ~~منهم إذا ولي، ورجاء له، وهذا موجود. فهؤلاء لم يحابوا عمر ولا أبا بكر مع ~~ولايتهما، فكيف يحابون عثمان، وهو بعد لم يتول [ولا شوكة له] ؟ (1) # فلولا علم القوم بأن عثمان أحقهم بالولاية لما ولوه. وهذا أمر كلما تدبره ~~الخبير ازداد به خبرة وعلما، ولا يشك فيه إلا من لم يتدبره ms1411 من أهل العلم ~~بالاستدلال، (2 أو من هو جاهل بالواقع أو بطريق النظر والاستدلال 2) (2) . # والجهل بالأدلة أو بالنظر فيها يورث الجهل، وأما من كان عالما بما وقع ~~وبالأدلة، وعالما بطريقة (3) النظر والاستدلال، فإنه يقطع قطعا لا يتمارى ~~فيه أن عثمان كان أحقهم بالخلافة، وأفضل من بقي بعده. فاتفاقهم (4) على ~~بيعة عثمان بغير نكير دليل على أنهم لم يكن عندهم أصلح منها، وإن كان في ~~ذلك كراهية في الباطن من بعضهم لاجتهاد أو هوى، فهذا لا يقدح فيها، كما لا ~~يقدح في غيرها من الولايات، كولاية أسامة بن زيد، وولاية أبي بكر وعمر. # وأيضا فإن ولاية عثمان [كان] (5) فيها من المصالح والخيرات ما لا يعلمها ~~إلا الله. وما حصل فيها من الأمور التي كرهوها، كتأمير بعض بني PageV06P156 # أمية، وإعطائهم بعض المال ونحو ذلك، فقد حصل من ولاية من بعده ما هو أعظم ~~من ذلك من الفساد، ولم يحصل فيها من الصلاح ما حصل في إمارة عثمان. # وأين إيثار بعض الناس بولاية أو مال، من كون الأمة يسفك بعضها دماء بعض ~~وتشتغل بذلك عن مصلحة دينها ودنياها حتى يطمع الكفار في بلاد المسلمين؟ ~~وأين اجتماع (1) المسلمين وفتح بلاد الأعداء من الفرقة والفتنة بين ~~المسلمين، وعجزهم عن الأعداء حتى يأخذوا بعض بلادهم أو بعض أموالهم قهرا أو ~~صلحا؟ ### | الرد على قول الرافضي إن عمر رضي الله عنه طعن في كل واحد ممن اختاره # وأما قول الرافضي: " إنه طعن في كل واحد ممن اختاره للشورى، وأظهر أنه ~~يكره أن يتقلد أمر المسلمين ميتا كما تقلده حيا، ثم تقلده بأن جعل الإمامة ~~في ستة ". # فالجواب: أن عمر لم يطعن فيهم طعن من يجعل غيرهم أحق بالإمامة منهم، بل ~~لم يكن عنده أحق بالإمامة منهم، كما نص على ذلك. لكن [بين] (2) عذره المانع ~~له من تعيين واحد منهم، وكره أن يتقلد ولاية معين، ولم يكره أن يتقلد تعيين ~~الستة؛ لأنه قد علم أنه لا أحد أحق بالأمر منهم، فالذي (3) علمه وعلم أن ~~الله يثيبه عليه ولا تبعة ms1412 عليه فيه [إن] (4) تقلده هو (5) PageV06P157 # اختيار الستة، والذي (1) خاف أن يكون عليه فيه تبعة، وهو تعيين واحد ~~منهم، تركه. # وهذا من كمال عقله ودينه - رضي الله عنه -. وليس كراهته لتقلده ميتا كما ~~تقلده حيا لطعنه في تقلده حيا؛ فإنه إنما تقلد الأمر حيا باختياره، وبأن ~~تقلده كان خيرا له وللأمة، وإن كان خائفا من تبعة الحساب. # فقد «قال تعالى: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم ~~راجعون} [سورة المؤمنون: 60] . قالت عائشة: يا رسول الله، أهو الرجل يزني ~~ويسرق ويشرب الخمر ويخاف أن يعاقب؟ قال: " لا يا بنت (2) الصديق، ولكنه ~~الرجل يصوم ويصلي ويتصدق (3) ويخاف أن لا يقبل منه» " (4) . # فخوفه (5) من التقصير في الطاعة من كمال الطاعة. والفرق بين تقلده حيا ~~وميتا أنه في حياته كان رقيبا على نوابه، متعقبا لأفعالهم، يأمرهم بالحج كل ~~عام ليحكم بينهم وبين الرعية، فكان ما يفعلونه مما يكرهه يمكنه منعهم منه ~~وتلافيه، بخلاف ما بعد الموت، فإنه لا يمكنه [لا] (6) منعهم مما يكرهه، ولا ~~تلافي ذلك؛ فلهذا كره تقلد الأمر (7) ميتا. PageV06P158 # وأما تعيين الستة فهو عنده واضح بين، لعلمه أنهم أحق الناس بهذا الأمر. ### | الرد على قول الرافضي في عمر ثم ناقص حتى جعل الاختيار إلى عبد الرحمن بن عوف # وأما قوله: " ثم ناقص (1) فجعلها في أربعة، ثم في ثلاثة، ثم في واحد، ~~فجعل إلى عبد الرحمن بن عوف الاختيار، بعد أن وصفه بالضعف والقصور ". # فالجواب (2) : أولا: أنه ينبغي لمن احتج بالمنقول أن يثبته (3) أولا. ~~وإذا قال القائل: هذا غير معلوم الصحة، لم يكن عليه حجة. والنقل الثابت في ~~صحيح البخاري وغيره ليس فيه شيء من هذا، بل هو يدل على نقيض هذا، وأن الستة ~~هم الذين جعلوا الأمر في ثلاثة، ثم الثلاثة جعلوا الاختيار إلى عبد الرحمن ~~بن عوف واحد منهم، ليس لعمر في ذلك أمر. # وفي الحديث الثابت عن عمرو بن ميمون (4) أن عمر بن الخطاب لما طعن قال ~~(5) : " إن الناس يقولون: [استخلف،] وإن الأمر (6) إلى هؤلاء الستة الذين ~~توفي رسول ms1413 الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض: علي وعثمان وطلحة ~~والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن مالك، ويشهدهم PageV06P159 # عبد الله بن عمر، وليس له من (1) الأمر شيء، فإن أصابت الخلافة سعدا، ~~وإلا فليستعن به من ولي، فإني لم أعزله عن (2) عجز ولا خيانة ". ثم قال (3) ~~: " أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله تعالى، وأوصيه بالمهاجرين الأولين ~~الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم (4) : أن يعرف لهم حقهم، ويحفظ لهم ~~حرمتهم، وأوصيه بالأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم: أن يقبل من ~~محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم، وأوصيه بأهل الأمصار [خيرا] (5) ، فإنهم ردء ~~الإسلام، وغيظ العدو، وجباة الأموال، لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضى منهم، ~~وأوصيه بالأعراب خيرا، فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام: أن يؤخذ منهم من ~~حواشي (6) أموالهم فترد على فقرائهم، وأوصيه بذمة الله ورسوله أن يوفى لهم ~~بعهدهم، ويقاتل من وراءهم (7) ، ولا يكلفوا إلا طاقتهم ". # فقد وصى (8) الخليفة من بعده بجميع أجناس الرعية السابقين الأولين من ~~المهاجرين والأنصار، وأوصاه بسكان الأمصار من المسلمين، PageV06P160 # وأوصاه بأهل البوادي وبأهل الذمة. قال عمرو بن ميمون (1) : " فلما قبض ~~انطلقنا نمشي، فسلم عبد الله بن عمر. وقال: يستأذن عمر بن الخطاب (2) . ~~قالت: أدخلوه، فأدخل، فوضع هنالك مع صاحبيه، فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء ~~الرهط فقال عبد الرحمن بن عوف: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم. قال الزبير: ~~قد جعلت أمري إلى علي. وقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان. وقال سعد (3) : ~~قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن [بن عوف] (4) . وقال عبد الرحمن: أيكم يبرأ من ~~هذا الأمر فنجعله إليه؟ والله عليه والإسلام لينظرن أفضل من في (5) نفسه. ~~فأسكت الشيخان، فقال عبد الرحمن: أتجعلونه إلي؟ والله علي أن لا آلو عن ~~أفضلكما. قالا: نعم. فأخذ بيد أحدهما، فقال: لك قرابة من رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - والقدم في الإسلام ما قد علمت، والله عليك لئن أمرتك ~~لتعدلن، ولئن أمرت عليك لتسمعن ولتطيعن. ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك، ~~فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك ms1414 يا عثمان. فبايعه، وبايع له علي، وولج أهل ~~الدار فبايعوه (6) . # وفي الصحيحين من حديث المسور بن مخرمة قال (7) : ". . أن الرهط ~~PageV06P161 # الذين ولاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا (1) ، وقال لهم عبد الرحمن: لست بالذي ~~أنافسكم في هذا الأمر، ولكن (2) إن شئتم اخترت لكم منكم. فجعلوا ذلك لعبد ~~الرحمن (3) بن عوف، فلما ولوا عبد الرحمن أمرهم مال (4) الناس على عبد ~~الرحمن حتى ما أرى أحدا من الناس يتبع أولئك الرهط الذين ولاهم عمر (5) ، ~~ولا يطأ عقبه ". قال (6) : " ومال الناس إلى عبد الرحمن يشاورونه تلك ~~الليالي، حتى إذا كانت الليلة التي أصبحنا منها (7) ، قال المسور: طرقني ~~عبد الرحمن بعد هجع من الليل، فضرب الباب حتى استيقظت فقال: أراك نائما، ~~والله (8) ما اكتحلت هذه الليلة (9) بكبير نوم، انطلق فادع لي (10) الزبير ~~وسعدا، فدعوتهما (11) فشاورهما. ثم دعاني فقال (12) : ادع لي عليا، فدعوته، ~~فناجاه حتى ابهار الليل، ثم قام علي من عنده، وهو على طمع. وقد كان عبد ~~الرحمن يخشى من علي PageV06P162 # شيئا. ثم قال: ادع لي عثمان، [فدعوته] (1) ، فناجاه حتى فرق بينهما ~~المؤذن بالصبح، فلما صلى الناس الصبح واجتمع (2) أولئك الرهط عند المنبر، ~~أرسل (3) إلى من كان حاضرا من المهاجرين والأنصار، وأرسل إلى أمراء ~~الأجناد، وكانوا وافوا (4) تلك الحجة مع عمر، فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ~~ثم قال: أما بعد يا علي إني (5) قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون ~~بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلا. فقال: أبايعك على سنة الله ورسوله ~~والخليفتين من بعده، فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس والمهاجرون والأنصار ~~وأمراء الأجناد والمسلمون ". ### | كلام الرافضي على ما تم في بيعة عثمان رضي الله عنه # وأما قوله: " [ثم قال] (6) : إن اجتمع علي وعثمان فالقول ما قالاه، وإن ~~صاروا ثلاثة، فالقول قول الذين (7) [صار] (8) فيهم عبد الرحمن، لعلمه أن ~~عليا وعثمان لا يجتمعان على أمر، وأن عبد الرحمن لا يعدل بالأمر عن أخيه ~~عثمان وابن عمه ". # فيقال له: من الذي قال إن عمر قال ذلك؟ وإن كان قد قال ذلك (9) ~~PageV06P163 # فلا يجوز أن يظن به (1) أنه ms1415 كان غرضه ولاية عثمان محاباة له، ومنع علي ~~معاداة له، فإنه لو كان قصده هذا لولى عثمان ابتداء، ولم ينتطح فيها عنزان. ~~كيف والذين عاشوا بعده قدموا عثمان بدون تعيين عمر له؟ فلو كان [عمر] (2) ~~عينه، لكانوا أعظم متابعة (3) له وطاعة، سواء كانوا كما يقوله المؤمنون: ~~أهل دين وخير وعدل، أو كانوا كما يقوله المنافقون الطاعنون فيهم: إن ~~مقصودهم الظلم والشر. لا سيما عمر كان في حال الحياة لا يخاف أحدا، ~~والرافضة تسميه: فرعون هذه الأمة. فإذا كان في حياته لم يخف من تقديم أبي ~~بكر، والأمر في أوله، والنفوس لم تتوطن (4) على طاعة أحد معين بعد النبي ~~صلى الله عليه وسلم، ولا صار لعمر أمر، فكيف يخاف من تقديم عثمان عند موته ~~والناس كلهم مطيعوه، وقد تمرنوا (5) على طاعته؟ # فعلم أنه لو كان له غرض في تقديم عثمان لقدمه، ولم يحتج إلى هذه الدورة ~~(6) البعيدة. # ثم أي غرض يكون لعمر - رضي الله عنه - في عثمان دون علي؟ وليس بينه وبين ~~عثمان من أسباب الصلة أكثر مما بينه وبين علي، لا من جهة القبيلة، ولا من ~~غير جهة القبيلة. PageV06P164 # وعمر قد أخرج من الأمر ابنه، ولم يدخل في الأمر ابن عمه سعيد بن زيد، وهو ~~أحد العشرة المشهود لأعيانهم بالجنة في حديث واحد (1) . وهم (2) من قبيلة ~~بني عدي. ولا كان يولي من بني عدي أحدا، بل ولى رجلا منهم ثم عزله. # وكان باتفاق الناس لا تأخذه في الله لومة لائم، فأي داع يدعوه إلى محاباة ~~زيد دون عمرو بلا غرض يحصله (3) من الدنيا (4) ؟ # فمن أقصى عشيرته، وأمر بأن الدين الذي عليه لا يوفى إلا من مال أقاربه، ~~ثم من مال بني عدي، ثم من مال قريش، ولا يؤخذ من بيت المال شيء، ولا من ~~سائر الناس، فأي حاجة له إلى عثمان أو علي أو غيرهما حتى يقدمه؟ وهو لا ~~يحتاج إليه لا في أهله الذين يخلفهم ولا في دينه الذي عليه؟ # والإنسان إنما يحابي من يتولى بعده لحاجته إليه في ms1416 نحو ذلك. فمن لا يكون ~~له حاجة لا إلى هذا ولا إلى هذا، فأي داع يدعوه إلى ذلك؟ لا سيما عند ~~الموت، وهو وقت يسلم فيه الكافر، ويتوب فيه الفاجر. فلو علم أن لعلي حقا ~~دون غيره، أو أنه أحق بالأمر من غيره، لكان الواجب أن يقدمه حينئذ: إما ~~توبة إلى الله، [وإما تخفيفا للذنب] (5) ، (6 فإنه إذا لم يكن له مانع ~~دنيوي لم يبق إلا الدين، فلو كان الدين يقتضي ذلك 6) (6) PageV06P165 # لفعله، وإلا فليس في العادة أن الرجل يفعل ما يعلم أنه يعاقب عليه، ولا ~~ينتفع به لا في دين ولا دنيا (1) ، بل لا يفعل ما لا غرض له فيه أصلا، ~~ويترك ما يحتاج إليه في دينه عند الموت، مع صحة العقل [وحضوره] (2) وطول ~~الوقت. # ولو قدر - والعياذ بالله - أنه كان عدوا مبغضا للنبي - صلى الله عليه ~~وسلم - غاية البغضة، فلا ريب أنه نال بسبب النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ~~ناله من السعادة، ولم يكن عمر ممن يخفى عليه أن رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - صادق مصدق (3) ، فإنه كان من أذكى الناس، ودلائل النبوة من أظهر ~~الأمور، فهو يعلم (4) أنه إن استمر على معاداته يعذب في الآخرة، وليس له ~~وقت الموت غرض في ولاية عثمان ونحوه، فكيف يصرف الأمر عن مستحقه لغير غرض؟ # وإن قيل: إنه كان يخاف أن يقال: إنه رجع وتاب، كما خاف أبو طالب من ~~الإسلام وقت الموت. # فيقال: قد كان يمكنه ولاية علي بلا إظهار توبة، فإنه لو ولى عليا أو غيره ~~لسمع الناس وأطاعوا، ولم ينتطح في ذلك عنزان. والإنسان قد يكون عليه مظالم ~~فيؤديها على وجه لا يعرف أنه كان ظالما، فيوصي وقت PageV06P166 # الموت لفلان بكذا ولفلان بكذا، ويجعلها وصية، ويكون إما معتقدا وإما ~~خائفا أن يكون حقا واجبا عليه. # وليس لعمر من يخاف عليه بعد موته، فإن أقاربه صرف الأمر عنهم، وهو يعلم ~~أن عليا أعدل وأتقى من أن يظلمهم. ولو قدر أن عليا كان ينتقم من الذين [لم] ~~(1) يبايعوه أولا ms1417، فبنو عدي كانوا أبعد الناس عن ذلك، فإنه (2) لم يكن لهم ~~شوكة ولا كانوا كثيرين، وهم كلهم محبون لعلي معظمون له، ليس فيهم من يبغض ~~عليا أو يبغضه علي، ولا قتل علي منهم أحدا لا في جاهلية ولا إسلام. وكذلك ~~بنو تيم (3) كلهم يحبون عليا [وعلي يحبهم] (4) ، ولم يقتل علي منهم أحدا في ~~جاهلية ولا إسلام. # ويقال ثانيا: عمر ما زال إذا روجع رجع، وما زال يعترف غير مرة أنه يتبين ~~له الحق فيرجع إليه، فإن (5) هذا توبة. ويقول: رجل أخطأ وامرأة أصابت، ~~ويجدد التوبة لما يعلم أنه يتاب منه. فهذا كان يفعله في حال الحياة، وهو ذو ~~سلطان على الأرض، فكيف لا يفعله وقت الموت؟ # وقد كان يمكنه أن يحتال لعلي بحيلة يتولى بها، ولا يظهر ما به يذم (6) ، ~~كما أنه احتال لعثمان. ولو علم أن الحق كان لعلي دون غيره، لكان له طرق ~~كثيرة في تعيينه تخفى على أكثر الناس. PageV06P167 # وكذلك قول القائل: إنه علم (1) أن عليا وعثمان لا يجتمعان على أمر، كذب ~~[على عمر - رضي الله عنه -] (2) . ولم يكن بين عثمان وعلي نزاع في حياة عمر ~~أصلا، بل كان أحدهما أقرب إلى صاحبه من سائر الأربعة إليهما (3) ، [كلاهما] ~~(4) من بني عبد مناف. وما زال بنو عبد مناف يدا واحدة، حتى أن أبا سفيان بن ~~حرب أتى عليا عقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وطلب منه أن يتولى الأمر، ~~لكون علي كان ابن عم أبي سفيان، وأبو سفيان كان (5) فيه بقايا من جاهلية ~~العرب، يكره أن يتولى على الناس رجل من غير قبيلته، وأحب أن تكون الولاية ~~في بني عبد مناف. # وكذلك خالد بن سعيد كان غائبا، فلما قدم تكلم مع عثمان وعلي وقال: أرضيتم ~~أن يخرج الأمر عن بني عبد مناف؟ # وكل من يعرف الأمور العادية، ويعرف ما تقدم من سيرة القوم، يعلم أن بني ~~هاشم وبني أمية كانوا في غاية الاتفاق في أيام النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- وأبي بكر وعمر، حتى أن أبا سفيان ms1418 لما خرج من مكة عام الفتح يكشف الخبر، ~~ورآه العباس، أخذه وأركبه خلفه، وأتى به النبي صلى الله عليه وسلم، وطلب من ~~النبي أن يشرفه بشيء لما قال له: إن PageV06P168 # أبا سفيان [رجل] (1) يحب الشرف (2) . وكل هذا من محبة العباس لأبي سفيان ~~وبني أمية؛ لأنهم كلهم بنو عبد مناف. # وحتى أنه كان بين علي وبين رجل آخر (3) من المسلمين منازعة في حد، فخرج ~~عثمان في موكب فيهم معاوية ليقفوا على الحد، فابتدر معاوية وسأل عن معلم من ~~معالم الحد: هل كان هذا على عهد عمر؟ فقالوا: نعم (4) . فقال: لو كان هذا ~~ظلما لغيره عمر. فانتصر معاوية لعلي في تلك الحكومة، ولم يكن علي حاضرا، بل ~~كان قد وكل ابن جعفر. وكان [علي] (5) يقول: " إن للخصومات قحما (6) ، وإن ~~الشيطان يحضرها " وكان قد وكل عبد الله بن جعفر عنه في المحاكمة. # وبهذا احتج الشافعي وغير واحد من الفقهاء على جواز التوكيل في الخصومة ~~بدون اختيار الخصم، كما هو مذهب الشافعي، و [أصحاب] أحمد (7) وأحد القولين ~~في مذهب أبي حنيفة. # فلما رجعوا ذكروا ذلك لعلي، فقال: أتدري لم فعل ذلك معاوية؟ PageV06P169 # فعل لأجل المنافية. أي لأجل أنا جميعا من بني عبد مناف. # وكانت قد وقعت حكومة شاورني فيها بعض قضاة القضاة، وأحضر لي كتابا فيه ~~هذه الحكومة، ولم يعرفوا هذه اللفظة: لفظة " المنافية " فبينتها لهم وفسرت ~~لهم معناها. # والمقصود أن بني عبد مناف كانوا متفقين في أول الأمر على عهد النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر، وإنما وقعت الفرقة بينهم بعد ذلك، لما ~~تفرقوا في الإمارة. كما أن بني هاشم كانوا متفقين على عهد الخلفاء الأربعة ~~وعهد بني أمية، وإنما حصلت الفرقة لما ولي بنو العباس، وصار بينهم وبين بعض ~~بني أبي طالب (1) فرقة واختلاف. وهكذا عادة الناس، يكون القوم متفقين إذا ~~لم يكن بينهم ما يتنازعون عليه من جاه أو مال أو غير ذلك، وإن كان لهم خصم ~~كانوا جميعا إلبا (2) واحدا عليه، فإذا صار الأمر إليهم تنازعوا واختلفوا. # فكان ms1419 بنو هاشم من آل علي والعباس وغيرهم في الخلافة الأموية متفقين لا ~~نزاع بينهم، ولما خرج من يدعو إليهم صار يدعو إلى الرضا من آل محمد ولا ~~يعينه، وكانت العلوية تطمع أن تكون (3) فيهم، وكان جعفر بن محمد وغيره قد ~~علموا أن هذا الأمر لا يكون إلا في بني العباس، فلما أزالوا (4) الدولة ~~الأموية، وصارت الدولة هاشمية، وبنى السفاح مدينة PageV06P170 # سماها الهاشمية، ثم (1) تولى المنصور، وقع (2) نزاع بين الهاشميين، فخرج ~~محمد وإبراهيم ابنا عبد الله بن حسن على المنصور، وسير المنصور إليهما من ~~يقاتلهما، وكانت فتنة عظيمة قتل فيها خلق كثير. ثم إن العباسيين وقع بينهم ~~نزاع، كما وقع بين الأمين والمأمون أمور أخر. فهذه الأمور [ونحوها من ~~الأمور] (3) التي جرت بها العادة (4) . # [ثم إن عثمان وعليا جميعا (5) اتفقا على تفويض الأمر (6) إلى عبد الرحمن ~~بن عوف، من غير أن يكره أحدهما الآخر] (7) . # وقوله: " إن عمر علم أن عبد الرحمن لا يعدل الأمر عن أخيه وابن عمه ". # فهذا كذب بين على عمر وعلى أنسابهم؛ فإن عبد الرحمن ليس أخا لعثمان ولا ~~ابن عمه ولا من قبيلته أصلا، بل هذا من بني زهرة وهذا من بني أمية. [وبنو] ~~زهرة (8) إلى بني هاشم أكثر ميلا منهم إلى بني أمية، فإن [بني] زهرة (9) ~~أخوال النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم عبد الرحمن بن PageV06P171 # عوف، وسعد بن أبي وقاص الذي قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «هذا ~~خالي، فليرني (1) امرؤ خاله» " (2) . # ولم يكن أيضا بين عثمان وعبد الرحمن مؤاخاة ولا مخالطة (3) ؛ فإن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - لم يؤاخ بين مهاجري ومهاجري (4) ، ولا بين أنصاري ~~وأنصاري، وإنما آخى بين المهاجرين والأنصار، فآخى بين عبد الرحمن بن عوف ~~وبين سعد بن الربيع الأنصاري، وحديثه مشهور ثابت في الصحاح وغيرها، يعرفه ~~أهل العلم بذلك (5) ، ولم يؤاخ قط بين عثمان وعبد الرحمن. PageV06P172 # وأما قوله: " ثم أمر بضرب أعناقهم إن تأخروا عن البيعة ثلاثة أيام ". # فيقال: أولا: من قال إن هذا الصحيح؟ وأين النقل الثابت بهذا؟ وإنما ms1420 ~~المعروف أنه أمر الأنصار [أن] (1) أن لا يفارقوهم حتى يبايعوا واحدا منهم. # ثم يقال ثانيا: هذا من الكذب على عمر، ولم ينقل هذا أحد من أهل العلم ~~بإسناد يعرف، ولا أمر عمر قط بقتل الستة الذين يعلم أنهم خيار الأمة. وكيف ~~يأمر بقتلهم، وإذا قتلوا كان الأمر [بعد قتلهم] (2) أشد فسادا؟ ثم لو أمر ~~بقتلهم لقال ولوا بعد قتلهم فلانا وفلانا، فكيف يأمر بقتل المستحقين للأمر، ~~ولا يولي بعدهم أحدا؟ # وأيضا فمن الذي يتمكن من قتل هؤلاء، والأمة كلها مطيعة لهم، والعساكر ~~والجنود معهم؟ ولو أرادت الأنصار كلهم قتل واحد منهم لعجزوا عن ذلك. وقد ~~أعاذ الله الأنصار من ذلك. فكيف يأمر طائفة قليلة من الأنصار بقتل هؤلاء ~~الستة [جميعا] (3) ؟ ولو قال هذا عمر فكيف كان يسكت هؤلاء الستة، ويمكنون ~~الأنصار منهم، ويجتمعون في موضع ليس فيه من ينصرهم؟ # ولو فرضنا أن الستة لم يتول واحد منهم، لم يجب قتل أحد منهم [بذلك] (4) ~~بل تولى (5) غيرهم. وهذا [عبد الله] بن عمر (6) كان دائما PageV06P173 # تعرض عليه الولايات، فلا يتولى، وما قتله أحد، وقد عين للخلافة يوم ~~الحكمين [فتغيب عنه] (1) وما آذاه أحد قط، وما سمع قط أن أحدا امتنع من ~~الولاية فقتل على ذلك. # فهذا من اختلاق مفتر [لا يدري] ما يكتب (2) لا شرعا ولا عادة. # ثم نقول جوابا مركبا: لا يخلو إما أن يكون عمر أمر بهذا، أو لم يكن أمر ~~به. فإن كان الأول بطل إنكاره. وإن كان الثاني فليس كون الرجل من أهل ~~الجنة، أو كونه وليا لله مما يمنع قتله إذا اقتضى الشرع ذلك. # فإنه قد ثبت في الصحاح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجم الغامدية، ~~وقال: " «لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له. وهل وجدت أفضل من أن ~~جادت بنفسها لله» " (3) فهذه يشهد لها الرسول بذلك. ثم لما كان الحد قد ثبت ~~عليها أمر برجمها. # ولو وجب على الرجل قصاص، وكان من أولياء الله، وتاب من قتل العمد توبة ~~نصوحا، لوجب أن يمكن ms1421 أولياء المقتول منه، فإن شاءوا قتلوه، ويكون قتله ~~كفارة له. PageV06P174 # والتعزير بالقتل إذا لم تحصل المصلحة بدونه مسألة اجتهادية (1) ، كقتل ~~الجاسوس المسلم، للعلماء فيه (2) قولان معروفان، وهما قولان في مذهب أحمد: ~~أحدهما: [يجوز قتله، وهو مذهب مالك، واختيار ابن عقيل. والثاني:] (3) لا ~~يجوز قتله، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، واختيار القاضي أبي يعلى وغيره. # وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «من جاءكم وأمركم ~~على رجل واحد، يريد أن يفرق جماعتكم فاقتلوه» " (4) وقال في «شارب الخمر: " ~~إن شربها (5) في الرابعة فاقتلوه» " (6) . وقد تنازع العلماء في هذا الحكم: ~~هل هو منسوخ أم لا؟ # فلو قدر أن عمر أمر بقتل واحد من المهاجرين الأولين، لكان ذلك منه على ~~سبيل الاجتهاد السائغ له، ولم يكن ذلك مانعا من كون ذلك الرجل في الجنة، ~~ولم يقدح لا في عدل هذا، ولا في دخول هذا الجنة. فكيف إذا لم يقع شيء من ~~ذلك؟ # ثم من العجب أن الرافضة يزعمون أن الذين أمر عمر بقتلهم، بتقدير صحة هذا ~~النقل، يستحقون القتل إلا عليا. فإن كان عمر أمر بقتلهم، فلماذا ينكرون ~~عليه ذلك، ثم يقولون: إنه كان يحابيهم في الولاية ويأمر PageV06P175 # بقتلهم؟ فهذا جمع بين الضدين. # وإن قلتم: كان مقصوده قتل علي. # قيل: لو بايعوا إلا عليا لم يكن ذلك يضر الولاية، فإنما يقتل من يخاف. ~~وقد تخلف سعد بن عبادة عن بيعة أبي بكر، ولم يضربوه ولم يحبسوه، فضلا عن ~~القتل. # وكذلك من يقول: إن عليا وبني هاشم تخلفوا عن بيعة أبي بكر ستة أشهر، يقول ~~(1) : إنهم لم يضربوا أحدا منهم، ولا أكرهوه على البيعة. فإذا لم يكره أحد ~~على مبايعة أبي بكر، التي هي عنده متعينة، فكيف يأمر بقتل الناس على مبايعة ~~عثمان، وهي عنده غير متعينة؟ # وأبو بكر وعمر مدة خلافتهما ما زالا [مكرمين] (2) غاية الإكرام لعلي ~~وسائر بني هاشم يقدمونهم على سائر الناس، ويقول [أبو بكر] (3) : أيها الناس ~~ارقبوا محمدا في أهل (4) بيته. وأبو بكر يذهب وحده إلى بيت علي ms1422، وعنده بنو ~~هاشم، فيذكر لهم (5) فضلهم، ويذكرون له فضله، ويعترفون له باستحقاقه ~~الخلافة، ويعتذرون من التأخر، ويبايعونه وهو عندهم وحده. # والآثار المتواترة بما كان بين القوم (6) من المحبة والائتلاف توجب كذب ~~من نقل ما يخالف ذلك. PageV06P176 # ولو أراد أبو بكر وعمر [في ولايتهما] (1) إيذاء علي بطريق من الطرق، ~~لكانا أقدر على ذلك من صرف الأمر عنه بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم ~~-. # فهؤلاء المفترون يزعمون أنهم ظلموه في حال كان فيها أقدر على دفع الظلم ~~عن نفسه، ومنعهما من ظلمه، وكانا أعجز عن ظلمه لو أرادا ذلك (2) ، فهلا ~~ظلماه بعد قوتهما ومطاوعة الناس لهما إن كانا مريدين لظلمه؟ # ومن العادة المعروفة أن من تولى ولاية، وهناك من هو مرشح لها يخاف أن ~~ينازعه (3) ، أنه لا يقر حتى يدفعه عن ذلك: إما بحبس، وإما بقتل (4) سرا أو ~~علانية (5) ، كما جرت عادة الملوك. فإذا كانا يعلمان أنهما ظالمان له، وهو ~~مظلوم يعرف أنه مظلوم، وهو مريد للولاية، فلا بد أن يخافا منه. # فكان ينبغي لو كان هذا حقا أن يسعيا في قتله أو حبسه ولو بالحيلة. وهذا ~~لو أراداه (6) لكان أسهل عليهما من منعه ابتداء مع وجود النص، ولو أرادا ~~تأميره على بعض الجيوش، وأوصيا (7) بعض أهل الجيوش (8) أن يقتله ~~PageV06P177 # ويسمه، كان هذا ممكنا. # ففي الجملة دفع المتولي لمن يعرف أنه ينازعه، ويقول: إنه أحق بالأمر منه، ~~أمر لا بد منه. وذلك بأنواع من إهانة وإيذاء وحبس وقتل وإبعاد. # وعلي رضي الله عنه، ما زالا مكرمين له غاية الإكرام بكل طريق، مقدمين له، ~~[بل] (1) ولسائر بني هاشم على غيرهم في العطاء، مقدمين له في المرتبة ~~والحرمة والمحبة والموالاة والثناء والتعظيم، كما يفعلان بنظرائه، ويفضلانه ~~بما فضله الله - عز وجل - به على من ليس مثله، ولم يعرف عنهم (2) كلمة سوء ~~في علي قط، [بل] (3) ولا في أحد من بني هاشم. # ومن المعلوم أن المعاداة التي في القلب توجب إرادة الأذى لمن يعادى. فإذا ~~كان الإنسان قادرا، اجتمعت القدرة مع الإرادة الجازمة، وذلك ms1423 يوجب وجود ~~المقدور. فلو كانا مريدين بعلي سوءا، لكان ذلك مما يوجب ظهوره لقدرتهما. ~~فكيف ولم يظهر منهما إلا المحبة والموالاة؟ ! # وكذلك علي - رضي الله عنه - قد تواتر عنه من محبتهما وموالاتهما ~~وتعظيمهما وتقديمهما على سائر الأمة (4) ، ما يعلم به حاله في ذلك. ولم ~~يعرف عنه قط كلمة سوء في حقهما، ولا أنه كان أحق بالأمر منهما. # وهذا معروف عند من عرف (5) الأخبار الثابتة المتواترة عند الخاصة ~~والعامة، والمنقولة بأخبار الثقات. PageV06P178 # وأما من رجع إلى ما ينقله من هو من أجهل الناس بالمنقولات، وأبعد الناس ~~عن معرفة أمور الإسلام، ومن هو معروف بافتراء الكذب الكثير، الذي لا يروج ~~إلا على البهائم، ويروج كذبه على قوم لا يعرفون الإسلام: إما قوم سكان ~~البوادي، أو رءوس الجبال، أو بلد أهله من أقل الناس علما وأكثرهم كذبا، ~~فهذا هو الذي يضل. # وهكذا الرافضة لا يتصور قط أن مذهبهم يروج على أهل مدينة كبيرة من مدائن ~~المسلمين، فيها أهل علم ودين. وإنما يروج على جهال [سكنوا البوادي والجبال] ~~(1) أو على محلة في مدينة أو بليدة، أو طائفة يظهرون للناس خلاف ما يبطنون ~~لظهور كذبهم، حتى أن القاهرة لما كانت مع العبيديين، وكانوا يظهرون التشيع، ~~لم يتمكنوا من ذلك، حتى منعوا من فيها من أهل العلم والدين من إظهار علمهم. ~~ومع هذا فكانوا خائفين من سائر مدائن المسلمين، يقدم عليهم الغريب من البلد ~~البعيد (2) ، فيكتمون عنه قولهم، ويداهنونه ويتقونه، كما يخاف الملك ~~المطاع، وهذا لأنهم أهل فرية وكذب. # وقد قال تعالى: {إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في ~~الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين} [سورة الأعراف: 152] قال أبو قلابة: هي ~~لكل مفتر من هذه الأمة إلى يوم القيامة. ### | الرد على قول الرافضي أن عمر رضي الله عنه أمر بقتل من خالف الأربعة ثم الثلاثة # وكذلك قوله: " أمر بقتل من خالف [الأربعة وأمر بقتل من خالف] (3) ~~الثلاثة، منهم عبد الرحمن ". PageV06P179 # فيقال: هذا (1) من الكذب المفترى. ولو قدر أنه فعل ذلك لم يكن عمر [قد ms1424] ~~(2) خالف الدين، بل يكون قد أمر بقتل من يقصد الفتنة. كما قال النبي - صلى ~~الله عليه وسلم -: " «من جاءكم وأمركم على رجل واحد يريد أن يفرق جماعتكم، ~~فاضربوا عنقه بالسيف كائنا من كان» " (3) . # والمعروف عن عمر - رضي الله عنه - أنه أمر بقتل من أراد أن ينفرد عن ~~المسلمين ببيعة بلا مشاورة لأجل هذا الحديث. # وأما قتل الواحد المتخلف عن البيعة إذا لم تقم فتنة، فلم يأمر عمر بقتل ~~[مثل] (4) هذا، ولا يجوز قتل مثل هذا. # وكذلك ما ذكره من الإشارة إلى قتل عثمان، ومن الإشارة إلى ترك ولاية علي، ~~كذب بين على عمر. فإن قوله: " لئن فعلت ليقتلنك [الناس] (5) " إخبار عما ~~يفعله الناس، ليس فيه أمر لهم بذلك. # وكذلك قوله: " لا يولونه إياها ". # إخبار عما سيقع، ليس فيه نهي لهم عن الولاية. مع أن هذا اللفظ بهذا ~~السياق ليس بثابت عن عمر. بل هو كذب عليه. [والله تعالى أعلم] (6) . ~~PageV06P180 ### | فصل كلام الرافضي على عثمان رضي الله عنه ### | الأمور التي أنكرها الرافضي على عثمان رضي الله عنه # فصل (1) # قال الرافضي (2) : " وأما عثمان فإنه ولى أمور المسلمين من لا يصلح ~~للولاية، حتى ظهر من بعضهم الفسوق (3) ، ومن بعضهم الخيانة، وقسم الولايات ~~بين أقاربه، وعوتب على ذلك مرارا فلم يرجع، واستعمل الوليد بن عقبة، حتى ~~ظهر منه شرب الخمر، وصلى بالناس وهو سكران. واستعمل سعيد بن العاص على ~~الكوفة، وظهر منه ما أدى إلى أن أخرجه أهل الكوفة منها. وولى عبد الله بن ~~سعد بن أبي سرح (4) مصر حتى تظلم منه أهلها، وكاتبه أن يستمر على ولايته ~~سرا، خلاف ما كتب إليه جهرا، وأمر (5) بقتل محمد بن أبي بكر. وولى معاوية ~~الشام، فأحدث من الفتن ما أحدث. وولى عبد الله بن عامر (6) البصرة (7) ~~PageV06P181 # ففعل من المناكير (1) ما فعل. وولى مروان أمره، وألقى إليه مقاليد أموره، ~~ودفع إليه خاتمه، فحدث من ذلك قتل عثمان، وحدث من الفتنة بين الأمة ما حدث. ~~وكان يؤثر أهله بالأموال الكثيرة من بيت المال (2) ، حتى أنه دفع إلى أربعة ms1425 ~~نفر من قريش - زوجهم بناته - أربعمائة ألف دينار، ودفع إلى مروان ألف [ألف] ~~دينار (3) . وكان ابن مسعود يطعن عليه ويكفره، ولما حكم ضربه حتى مات. وضرب ~~عمارا حتى صار به فتق. وقد قال فيه (4) النبي - صلى الله عليه وسلم -: ~~«عمار جلدة بين عيني (5) تقتله الفئة الباغية، لا أنالهم الله شفاعتي يوم ~~القيامة» . وكان عمار يطعن عليه. وطرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~الحكم بن أبي العاص عم عثمان عن المدينة، ومعه ابنه مروان، فلم يزل هو - ~~وابنه - طريدا (6) في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر. ~~فلما ولي عثمان آواه ورده إلى المدينة، وجعل مروان كاتبه وصاحب تدبيره. مع ~~أن الله تعالى قال: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد ~~الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم} الآية [سورة المجادلة: 22] . ~~PageV06P182 # ونفى أبا ذر إلى الربذة، وضربه ضربا وجيعا، مع أن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - قال في حقه: «ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على (1) ذي لهجة ~~أصدق من أبي ذر» . وقال (2) : «إن الله أوحى إلي أنه يحب أربعة من أصحابي ~~وأمرني بحبهم. فقيل (3) : من هم يا رسول الله؟ قال: سيدهم علي وسلمان ~~والمقداد (4) وأبو ذر» . وضيع حدود الله فلم يقتل (5) عبيد الله بن عمر حين ~~قتل الهرمزان مولى أمير المؤمنين (6) بعد إسلامه، وكان أمير المؤمنين يطلب ~~عبيد الله لإقامة القصاص عليه، فلحق بمعاوية. وأراد أن يعطل حد الشرب (7) ~~في الوليد بن عقبة (8) حتى حده (9) أمير المؤمنين، وقال: لا يبطل حد الله ~~(10) وأنا حاضر. وزاد الأذان الثاني يوم الجمعة، وهو بدعة، وصار (11) سنة ~~PageV06P183 # إلى الآن. وخالفه المسلمون كلهم حتى قتل، وعابوا أفعاله، وقالوا له: غبت ~~عن بدر، وهربت يوم أحد، ولم تشهد بيعة الرضوان. والأخبار في ذلك (1) أكثر ~~من أن تحصى ". # والجواب: أن يقال نواب علي خانوه وعصوه أكثر مما خان عمال عثمان له ~~وعصوه. وقد صنف الناس كتبا فيمن ولاه (2) علي فأخذ المال وخانه، وفيمن تركه ~~وذهب إلى معاوية. وقد ولى علي - رضي ms1426 الله عنه - زياد بن أبي سفيان أبا عبيد ~~الله بن زياد قاتل الحسين، وولى الأشتر النخعي، وولى محمد بن أبي بكر ~~وأمثال هؤلاء. # ولا يشك عاقل أن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - كان خيرا من هؤلاء ~~كلهم. # ومن العجب أن الشيعة ينكرون على عثمان ما يدعون أن عليا كان أبلغ فيه من ~~عثمان. فيقولون: إن عثمان ولى أقاربه من بني أمية. ومعلوم أن عليا ولى ~~أقاربه من قبل أبيه وأمه، كعبد الله وعبيد الله ابني العباس. فولى عبيد ~~الله [بن عباس] (3) على اليمن، وولى على مكة والطائف قثم بن العباس. وأما ~~المدينة فقيل: إنه ولى عليها سهل بن حنيف. وقيل: ثمامة بن العباس. وأما ~~البصرة فولى عليها عبد الله بن عباس. وولى على مصر ربيبه محمد بن أبي بكر ~~الذي رباه في حجره. # ثم إن الإمامية تدعي أن عليا نص على أولاده في الخلافة، أو على ~~PageV06P184 # ولده، وولده على ولده الآخر، وهلم جرا. # ومن المعلوم أنه إن كان تولية الأقربين منكرا، فتولية الخلافة العظمى ~~أعظم من إمارة بعض الأعمال (1) ، وتولية الأولاد أقرب إلى الإنكار من تولية ~~بني العم. ولهذا كان الوكيل والولي الذي لا يشتري لنفسه لا يشتري لابنه ~~[أيضا] (2) في أحد قولي العلماء، والذي دفع إليه المال ليعطيه لمن يشاء (3) ~~لا يأخذه لنفسه ولا يعطيه لولده في أحد قوليهم. # وكذلك تنازعوا في الخلافة: هل للخليفة أن يوصي بها لولده؟ على قولين. ~~والشهادة لابنه مردودة عند أكثر العلماء. ولا ترد الشهادة لبني عمه. وهكذا ~~غير ذلك من الأحكام. # وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «أنت ومالك لأبيك» " (4) . ~~وقال: " «ليس لواهب أن يرجع في هبته إلا الوالد فيما وهبه لولده» ". (5) ~~PageV06P185 ### | الرد على قولهم أن عليا رضي الله عنه فعل ذلك بالنص وبيان غلو الرافضة في علي والأئمة # فإن قالوا: إن عليا - رضي الله عنه - فعل ذلك بالنص. # قيل (1) : أولا: نحن نعتقد أن عليا خليفة راشد، وكذلك عثمان. لكن قبل أن ~~نعلم حجة كل منهما فيما فعل، فلا ms1427 ريب أن تطرق الظنون والتهم إلى ما فعله ~~علي أعظم من تطرق التهم والظنون إلى ما فعله عثمان. # وإذا قال القائل: لعلي حجة فيما فعله (2) . # قيل له: وحجة عثمان فيما فعله أعظم. وإذا ادعي لعلي العصمة ونحوها مما ~~يقطع عنه ألسنة الطاعنين، كان ما يدعى لعثمان من الاجتهاد الذي يقطع ألسنة ~~الطاعنين أقرب إلى المعقول [والمنقول] (3) . # فإن الرافضي يجيء إلى أشخاص ظهر بصريح (4) المعقول وصحيح المنقول أن ~~بعضهم أكمل سيرة من بعض، فيجعل الفاضل مذموما مستحقا للقدح، ويجعل المفضول ~~معصوما مستحقا للمدح، كما فعلت النصارى: يجيئون إلى الأنبياء - صلوات الله ~~عليهم، وقد فضل الله بعضهم PageV06P186 # على بعض، فيجعلون المفضول إلها والفاضل منقوصا دون الحواريين الذين صحبوا ~~المسيح، فيكون ذلك قلبا للحقائق. وأعجب من ذلك أنهم يجعلون الحواريين الذين ~~ليسوا أنبياء معصومين عن الخطأ، ويقدحون في بعض الأنبياء كسليمان وغيره. # ومعلوم أن إبراهيم ومحمدا أفضل من نفس المسيح - صلوات الله وسلامه عليهم ~~- بالدلائل الكثيرة، بل وكذلك موسى. فكيف يجعل الذين صحبوا المسيح أفضل من ~~إبراهيم ومحمد؟ # وهذا من الجهل والغلو الذي نهاهم الله عنه. قال تعالى: {ياأهل الكتاب لا ~~تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم ~~رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} [سورة النساء: 171] . # وكذلك الرافضة موصوفون بالغلو عند الأمة، فإن فيهم من ادعى الإلهية في ~~علي. وهؤلاء شر من النصارى، وفيهم (1) من ادعى النبوة فيه. ومن أثبت نبيا ~~بعد محمد فهو شبيه بأتباع مسيلمة الكذاب وأمثاله من المتنبئين، إلا أن عليا ~~- رضي الله عنه - بريء من هذه الدعوة، بخلاف من ادعى النبوة لنفسه كمسيلمة ~~وأمثاله. ### | الرد على دعوى الرافضة بالنص وعصمة الأئمة # وهؤلاء الإمامية يدعون ثبوت إمامته بالنص، وأنه كان معصوما هو وكثير من ~~ذريته، وأن القوم ظلموه وغصبوه. # ودعوى العصمة تضاهي المشاركة في النبوة. فإن المعصوم يجب PageV06P187 # اتباعه في [كل] ما يقول (1) ، لا يجوز أن يخالف في شيء. وهذه خاصة ~~الأنبياء، ولهذا أمرنا أن نؤمن بما أنزل إليهم فقال تعالى ms1428: {قولوا آمنا ~~بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ~~والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد ~~منهم ونحن له مسلمون} [سورة البقرة: 136] ، فأمرنا أن نقول: آمنا بما أوتي ~~النبيون. # وقال تعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله ~~وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ~~ربنا وإليك المصير} [سورة البقرة: 285] . # وقال تعالى: {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب ~~والنبيين} [سورة البقرة: 177] . # فالإيمان بما جاء به النبيون مما أمرنا أن نقوله ونؤمن به. وهذا مما اتفق ~~عليه المسلمون: أنه يجب الإيمان بكل نبي، ومن كفر بنبي واحد فهو كافر، ومن ~~سبه وجب قتله باتفاق العلماء. # وليس كذلك من سوى الأنبياء، سواء سموا أولياء أو أئمة [أو حكماء] (2) أو ~~علماء أو غير ذلك. فمن جعل بعد الرسول معصوما يجب الإيمان بكل ما يقوله فقد ~~أعطاه معنى النبوة، وإن لم يعطه لفظها. # ويقال لهذا: ما الفرق بين هذا وبين أنبياء بني إسرائيل الذين كانوا ~~PageV06P188 # مأمورين باتباع شريعة التوراة؟ # وكثير من الغلاة في المشايخ يعتقد أحدهم في شيخه نحو ذلك. ويقولون (1) : ~~الشيخ محفوظ، ويأمرون باتباع الشيخ في كل ما يفعل، لا يخالف في شيء أصلا. ~~وهذا من جنس غلو الرافضة والنصارى والإسماعيلية: تدعي في أئمتها أنهم كانوا ~~معصومين. # وأصحاب ابن تومرت (2) الذي ادعى أنه المهدي يقولون: إنه معصوم، ويقولون ~~في خطبة الجمعة: الإمام المعصوم والمهدي المعلوم، ويقال: إنهم قتلوا بعض من ~~أنكر أن يكون معصوما. # ومعلوم أن كل هذه الأقوال مخالفة لدين الإسلام: للكتاب (3) والسنة وإجماع ~~سلف الأمة وأئمتها. فإن الله تعالى يقول: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ~~وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} الآية [سورة ~~النساء: 59] PageV06P189 # ، فلم يأمرنا بالرد عند التنازع إلا إلى الله والرسول (1) ، فمن أثبت ~~شخصا معصوما غير الرسول أوجب رد ما تنازعوا فيه (2) إليه؛ لأنه لا يقول ~~عنده إلا الحق كالرسول. وهذا ms1429 خلاف القرآن. # وأيضا فإن المعصوم تجب طاعته مطلقا بلا قيد، ومخالفه يستحق الوعيد. ~~والقرآن إنما أثبت هذا في حق الرسول خاصة. قال تعالى: {ومن يطع الله ~~والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء ~~والصالحين وحسن أولئك رفيقا} [سورة النساء: 69] . وقال: {ومن يعص الله ~~ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا} [سورة الجن: 23] . فدل القرآن في ~~غير موضع على أن من أطاع الرسول كان من أهل السعادة، ولم يشترط في ذلك طاعة ~~معصوم آخر. # ومن عصى الرسول كان من أهل الوعيد، وإن قدر أنه أطاع من ظن أنه معصوم، ~~فالرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الذي فرق الله به بين أهل الجنة وأهل ~~النار، وبين الأبرار والفجار، وبين الحق والباطل، وبين الغي والرشاد، ~~والهدى والضلال، وجعله القسيم الذي قسم الله به عباده إلى شقي وسعيد، فمن ~~اتبعه فهو السعيد، ومن خالفه فهو الشقي. وليست هذه المرتبة لغيره. # ولهذا اتفق أهل العلم - أهل الكتاب والسنة - على أن كل شخص PageV06P190 # سوى الرسول فإنه (1) يؤخذ من قوله ويترك، إلا رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - فإنه يجب تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أمر، فإنه المعصوم ~~الذي (2) لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وهو الذي يسأل الناس عنه ~~يوم القيامة كما قال تعالى: {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين} ~~[سورة الأعراف: 6] . # وهو الذي يمتحن به الناس (3) في قبورهم، فيقال لأحدهم: من ربك؟ وما دينك؟ ~~ومن نبيك؟ ويقال: ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيثبت الله الذين ~~آمنوا بالقول الثابت، فيقول: هو عبد الله ورسوله، جاءنا بالبينات والهدى ~~فآمنا به واتبعناه. ولو ذكر بدل الرسول من ذكره من الصحابة والأئمة (4) ~~والتابعين والعلماء لم ينفعه ذلك، ولا يمتحن في قبره بشخص غير الرسول. # والمقصود هنا أن ما يعتذر به عن علي فيما أنكر عليه يعتذر بأقوى (5) منه ~~عن عثمان، فإن عليا قاتل على الولاية، وقتل بسبب ذلك خلق كثير [عظيم] (6) ، ~~ولم يحصل في ms1430 ولايته لا قتال للكفار، ولا فتح لبلادهم، ولا كان المسلمون في ~~زيادة خير، وقد ولى من أقاربه من ولاه، فولاية الأقارب مشتركة، ونواب عثمان ~~كانوا أطوع من نواب علي وأبعد عن PageV06P191 # الشر. # وأما الأموال التي تأول فيها [عثمان] (1) ، فكما تأول علي في الدماء. ~~وأمر الدماء أخطر وأعظم. # ويقال: ثانيا: هذا النص الذي تدعونه أنتم فيه مختلفون اختلافا يوجب العلم ~~الضروري بأنه ليس عندكم ما يعتمد عليه فيه، بل كل قوم منكم يفترون ما ~~شاءوا. # وأيضا فجماهير المسلمين يقولون: إنا نعلم علما يقينا (2) ، بل ضروريا كذب ~~هذا النص، بطرق كثيرة مبسوطة في مواضعها. # ويقال (3) : ثالثا: إذا كان كذلك ظهرت حجة عثمان؛ فإن عثمان يقول: إن بني ~~أمية كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستعملهم في حياته، واستعملهم ~~بعده من لا يتهم بقرابة: فيهم أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - وعمر - رضي ~~الله عنه -. ولا نعرف قبيلة من قبائل قريش فيها عمال لرسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - أكثر من بني عبد شمس؛ لأنهم كانوا كثيرين، وكان فيهم شرف ~~وسؤدد، فاستعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - في عزة الإسلام على أفضل ~~الأرض مكة عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية، واستعمل على نجران أبا سفيان ~~بن حرب بن أمية، واستعمل [أيضا] (4) خالد بن سعيد بن العاص على صدقات بني ~~مذحج PageV06P192 # وعلى صنعاء اليمن، فلم يزل عليها (1) حتى مات رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم، واستعمل عثمان بن سعيد بن العاص على تيماء وخيبر وقرى عرينة، واستعمل ~~أبان بن سعيد بن العاص على بعض السرايا، ثم استعمله على البحرين فلم يزل ~~عليها بعد العلاء بن الحضرمي حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم، واستعمل ~~(2) الوليد بن عقبة بن أبي معيط حتى أنزل [الله] فيه: (3) {إن جاءكم فاسق ~~بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة} الآية [سورة الحجرات: 6] . # فيقول عثمان: أنا لم أستعمل إلا من استعمله (4) النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - منهم (5) ومن جنسهم ومن قبيلتهم، وكذلك أبو بكر وعمر بعده، [فقد ولى ms1431 ~~أبو بكر يزيد بن أبي سفيان بن حرب في فتوح الشام، وأقره عمر، ثم ولى عمر ~~بعده أخاه معاوية] (6) . # وهذا النقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في استعمال هؤلاء ثابت مشهور ~~[عنه] (7) ، بل متواتر عند (8) أهل العلم، ومنه متواتر عند علماء الحديث ~~(9) ، ومنه ما يعرفه العلماء منهم، ولا ينكره أحد منهم. # فكان الاحتجاج على جواز الاستعمال من بني أمية بالنص الثابت عن ~~PageV06P193 # النبي - صلى الله عليه وسلم - أظهر عند كل عاقل من دعوى كون الخلافة في ~~واحد معين من بني هاشم بالنص؛ لأن هذا كذب باتفاق أهل العلم بالنقل، [وذاك ~~صدق باتفاق أهل العلم بالنقل (1) . # وأما بنو هاشم فلم يستعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم إلا علي بن ~~أبي طالب - رضي الله عنه - على اليمن. وولى أيضا على اليمن معاذ بن جبل ~~وأبا موسى الأشعري، وولى جعفر بن أبي طالب على قتال مؤتة، وولى قبل جعفر ~~زيد بن حارثة (2) [مولاه] (3) ، وقيل: عبد الله بن رواحة. فهذا رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - يقدم في الولاية زيد بن حارثة مولاه، وهو من كلب، على ~~جعفر بن أبي طالب. وقد روي أن العباس سأله ولاية فلم يوله إياها. # وليس في بني هاشم بعد علي أفضل من حمزة وجعفر [وعبيدة بن الحارث بن ~~المطلب الذي قتل يوم بدر] (4) ، فحمزة (5) لم يتول شيئا، فإنه قتل يوم أحد ~~شهيدا - رضي الله عنه -. # وما ينقله بعض الترك، بل وشيوخهم، من سيرة حمزة ويتداولونها بينهم، ~~ويذكرون له حروبا وحصارات وغير ذلك، فكله (6) كذب، من جنس ما يذكره ~~الذاكرون (7) من الغزوات المكذوبة على علي بن أبي PageV06P194 # طالب، بل وعلى النبي صلى الله عليه وسلم، [من جنس ما يذكره أبو الحسن ~~البكري صاحب " تنقلات الأنوار " فيما وضعه من السيرة (1) ، فإنه من جنس ما ~~يفتريه الكذابون من سيرة داهمة والبطالين (2) والعيارين ونحو ذلك] (3) . # فإن مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معروفة مضبوطة عند أهل ~~العلم، وكانت بضعا وعشرين غزوة، لكن لم يكن القتال منها إلا في تسع ms1432 مغاز: ~~بدر، وأحد، والخندق، وبني المصطلق، والغابة، وفتح خيبر، وفتح مكة، وحنين، ~~والطائف، وهي آخر غزوات القتال. لكن لما حاصر الطائف (4) ، وكان بعدها غزوة ~~تبوك، وهي آخر المغازي وأكثرها عددا وأشقها على الناس، وفيها أنزل الله ~~سورة براءة، لكن لم يكن فيها قتال. # وما يذكره جهال الحجاج من حصار تبوك كذب لا أصل له، فلم يكن بتبوك حصن ~~ولا مقاتلة. وقد أقام بها رسول الله (5) - صلى الله عليه وسلم - ~~PageV06P195 # عشرين ليلة، ثم رجع إلى المدينة النبوية. # وإذا كان جعفر أفضل بني هاشم بعد علي في حياته، ثم مع هذا أمر النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة - وهو من كلب - عليه (1) ، علم أن ~~التقديم بفضيلة الإيمان والتقوى، وبحسب أمور أخر، بحسب المصلحة لا بالنسب. ~~ولهذا قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر وعمر على أقاربه؛ لأن رسول ~~الله يأمر بأمر الله، ليس من الملوك الذين يقدمون بأهوائهم لأقاربهم ~~ومواليهم وأصدقائهم. وكذلك كان أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - حتى قال ~~عمر: " من أمر رجلا لقرابة أو صداقة بينهما، وهو يجد في المسلمين خيرا منه، ~~فقد خان الله ورسوله وخان المؤمنين ". ### | فصل قاعدة كلية أن لا نعتقد بعصمة أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم # (فصل) (2) # والقاعدة الكلية في هذا أن لا نعتقد أن أحدا معصوم (3) بعد النبي صلى ~~الله عليه وسلم، بل الخلفاء وغير الخلفاء (4) يجوز عليهم الخطأ، والذنوب ~~التي تقع منهم، قد يتوبون منها، وقد تكفر (5) عنهم بحسناتهم الكثيرة، وقد ~~يبتلون [أيضا] (6) بمصائب يكفر الله عنهم بها، PageV06P196 # وقد يكفر عنهم بغير ذلك. # فكل (1) ما ينقل عن عثمان غايته أن يكون ذنبا أو خطأ. وعثمان - رضي الله ~~عنه - قد حصلت له أسباب المغفرة من وجوه كثيرة، منها سابقته وإيمانه وجهاده ~~وغير ذلك من طاعاته. # وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شهد له، بل بشره بالجنة على ~~بلوى تصيبه (2) . # ومنها أنه تاب من عامة ما أنكروه عليه، وأنه ابتلي ببلاء عظيم، فكفر الله ~~به خطاياه، وصبر حتى ms1433 قتل شهيدا مظلوما. وهذا من أعظم ما يكفر الله به ~~الخطايا. # [وكذلك علي - رضي الله عنه -: ما تنكره الخوارج وغيرهم عليه غايته أن ~~يكون ذنبا أو خطأ، وكان قد حصلت له أسباب المغفرة من وجوه كثيرة. منها ~~سابقته وإيمانه وجهاده، وغير ذلك من طاعته، وشهادة (3) النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - له بالجنة. ومنها أنه تاب من أمور كثيرة أنكرت عليه وندم ~~PageV06P197 # عليها، ومنها أنه قتل مظلوما شهيدا] (1) . # فهذه القاعدة تغنينا أن نجعل كل ما فعل [واحد منهم] (2) هو الواجب أو ~~المستحب من غير حاجة بنا إلى ذلك. والناس المنحرفون في هذا الباب صنفان: ~~القادحون الذين يقدحون في الشخص بما يغفره الله له. والمادحون الذين يجعلون ~~الأمور المغفورة من باب السعي المشكور. فهذا يغلو في الشخص الواحد حتى يجعل ~~سيئاته حسنات. وذلك يجفو فيه حتى يجعل السيئة الواحدة منه محبطة للحسنات. # وقد أجمع المسلمون [كلهم] (3) - حتى الخوارج - على أن الذنوب تمحى ~~بالتوبة، وأن منها ما يمحى بالحسنات. وما يمكن أحد (4) أن يقول: إن عثمان ~~[أو عليا أو غيرهما] لم يتوبوا (5) من ذنوبهم. فهذه حجة على الخوارج الذين ~~يكفرون عثمان وعليا، وعلى الشيعة الذين يقدحون في عثمان وغيره، وعلى ~~الناصبة الذين يخصون عليا بالقدح. # ولا ريب أن عثمان - رضي الله عنه - تقابلت (6) فيه طائفتان: شيعته (7) من ~~بني أمية وغيرهم، ومبغضوه (8) من الخوارج والزيدية والإمامية وغيرهم. ~~PageV06P198 # لكن شيعته أقل غلوا فيه من شيعة علي، فما بلغنا أن أحدا منهم اعتقد فيه ~~بخصوصه إلاهية ولا نبوة، ولا بلغنا أن أحدا اعتقد ذلك في أبي بكر وعمر. # لكن قد يكون بعض من يغلو في جنس المشايخ، ويعتقد فيهم الحلول أو الاتحاد ~~أو العصمة (1) ، يقول ذلك في هؤلاء، لكن لا يخصهم بذلك. # ولكن شيعة عثمان، الذين كان فيهم انحراف عن علي، كان كثير منهم يعتقد أن ~~الله إذا استخلف خليفة يقبل (2) منه الحسنات ويتجاوز له عن السيئات، وأنه ~~يجب طاعته في كل ما يأمر به. وهو مذهب كثير من شيوخ الشيعة العثمانية ~~وعلمائها. # ولهذا لما حج ms1434 سليمان بن عبد الملك، وتكلم مع أبي حازم في ذلك، قال له أبو ~~حازم: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى يقول: {ياداود إنا جعلناك خليفة في ~~الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين ~~يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب} [سورة ص: 26] . ~~وموعظة أبي حازم لسليمان معروفة (3) . PageV06P199 # ولما تولى عمر بن عبد العزيز أظهر من السنة والعدل ما كان قد خفي، ثم ~~مات، فطلب يزيد بن عبد الملك أن يسير سيرته، فجاء إليه عشرون شيخا من شيوخ ~~[الشيعة] (1) العثمانية، فحلفوا له بالله الذي لا إله إلا هو أن الله إذا ~~استخلف خليفة تقبل منه الحسنات وتجاوز له عن السيئات، حتى أمسك عن مثل ~~طريقة عمر [بن عبد العزيز] (2) . # ولهذا كانت فيهم طاعة مطلقة لمتولي أمرهم، فإنهم كانوا يرون أن الله أوجب ~~عليهم طاعة ولي أمرهم مطلقا، وأن الله لا يؤاخذه على سيئاته، ولم يبلغنا أن ~~أحدا منهم كان يعتقد فيهم أنهم معصومون، بل يقولون: إنهم لا يؤاخذون على ~~ذنب، كأنهم يرون أن سيئات الولاة مكفرة بحسناتهم، كما تكفر الصغائر باجتناب ~~الكبائر. # فهؤلاء إذا كانوا لا يرون خلفاء بني أمية، معاوية فمن بعده، مؤاخذين ~~بذنب، فكيف يقولون في عثمان - مع سابقته [وفضله] (3) وحسن سيرته وعدله، ~~وأنه من الخلفاء الراشدين؟ # وأما الخوارج، فأولئك يكفرون عثمان وعليا جميعا. ولم يكن لهم اختصاص بذم ~~عثمان. وأما شيعة علي فكثير منهم - أو أكثرهم - يذم عثمان، حتى الزيدية ~~الذين يترحمون على أبي بكر وعمر، فيهم من يسب عثمان ويذمه، وخيارهم الذي ~~يسكت عنه فلا يترحم عليه ولا يلعنه. PageV06P200 # وقد كان من شيعة عثمان من يسب عليا، ويجهر بذلك على المنابر وغيرها؛ لأجل ~~القتال الذي كان بينهم وبينه. وكان أهل السنة من جميع الطوائف تنكر ذلك ~~عليهم، وكان فيهم من يؤخر الصلاة عن وقتها، فكان المتمسك بالسنة يظهر محبة ~~علي وموالاته، ويحافظ على الصلاة (1) في مواقيتها. حتى رئي عمرو بن مرة ~~الجملي، وهو من خيار أهل ms1435 الكوفة: شيخ الثوري وغيره، بعد موته، فقيل له: ما ~~فعل الله بك؟ فقال: غفر لي بحب علي بن أبي طالب، ومحافظتي على الصلاة في ~~مواقيتها. # وغلت شيعة علي في الجانب الآخر، حتى صاروا يصلون العصر مع الظهر دائما ~~قبل وقتها الخاص، ويصلون العشاء مع المغرب دائما قبل وقتها الخاص، فيجمعون ~~بين الصلاتين دائما في وقت الأولى. وهذا خلاف المتواتر من سنة رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم، فإن الجمع إنما كان [يفعله] (2) لسبب، لا سيما الجمع ~~في وقت الأولى، فإن الذي تواتر عند الأئمة أنه فعله بعرفة. وأما ما فعله ~~بغيرها ففيه نزاع. ولا خلاف أنه لم يكن يفعله دائما لا في الحضر ولا في ~~السفر، بل في حجة الوداع لم يجمع إلا بعرفة ومزدلفة. ولكن روي عنه الجمع في ~~غزوة (3) تبوك. وروي أيضا أنه جمع بالمدينة، لكن نادرا لسبب. والغالب عليه ~~ترك الجمع. فكيف يجمع بين الصلاتين دائما؟ # وأولئك إذا كانوا يؤخرون الظهر إلى وقت العصر، فهو خير من تقديم (4) ~~العصر إلى وقت الظهر. فإن جمع التأخير خير من جمع التقديم. فإن PageV06P201 # الصلاة يفعلها النائم والناسي قضاء بعد الوقت. وأما الظهر قبل الزوال فلا ~~تصلى بحال. # وهكذا تجد في غالب الأمور بدع هؤلاء أشنع من بدع أولئك. ولم يكن أحد منهم ~~يتعرض لأبي بكر وعمر إلا بالمحبة والثناء والتعظيم، ولا بلغنا أن أحدا منهم ~~كفر عليا، كما كفرته الخوارج الذين خرجوا عليه من أصحابه. وإنما غاية من ~~يعتدي (1) منهم على علي - رضي الله عنه - أن يقول: كان ظالما، ويقولون: لم ~~يكن من الخلفاء، ويروون عنه أشياء من المعاونة على قتل عثمان، والإشارة ~~بقتله في الباطن، والرضا بقتله. # وكل ذلك كذب على علي - رضي الله عنه -. وقد حلف - رضي الله عنه - وهو ~~الصادق بلا يمين - أنه لم يقتل عثمان، ولا مالأ على قتله، بل ولا رضي ~~بقتله، وكان يلعن قتلة عثمان. # وأهل السنة يعلمون ذلك منه بدون قوله. فهو أتقى لله من أن يعين على قتل ~~عثمان، أو يرضى بذلك ms1436. # فما قالته شيعة علي في عثمان أعظم مما قالته شيعة عثمان في علي؛ فإن ~~كثيرا منهم يكفر عثمان. وشيعة عثمان لم تكفر عليا. ومن لم يكفره يسبه ~~ويبغضه أعظم مما كانت شيعة عثمان تبغض عليا. # وأهل السنة يتولون عثمان وعليا جميعا، ويتبرءون من التشيع والتفرق في ~~الدين، الذي يوجب موالاة أحدهما ومعاداة الآخر. وقد استقر أمر أهل السنة ~~على أن هؤلاء مشهود لهم بالجنة، ولطلحة والزبير، وغيرهما PageV06P202 # ممن شهد له الرسول بالجنة، [كما قد بسط في موضعه] (1) . وكان طائفة من ~~السلف يقولون: لا نشهد (2) بالجنة إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم - خاصة. ~~وهذا قول محمد ابن الحنفية والأوزاعي وطائفة أخرى من أهل الحديث، كعلي بن ~~المديني وغيره (3) ، يقولون: هم في الجنة، ولا يقولون (4) : نشهد لهم ~~بالجنة. # والصواب أنا نشهد لهم بالجنة كما استقر على ذلك مذهب أهل السنة. وقد ناظر ~~أحمد [بن حنبل] (5) لعلي بن المديني في هذه المسألة. # وهذا معلوم عندنا بخبر الصادق. وهذه المسألة لبسطها موضع آخر. والكلام ~~هنا فيما يذكر عنهم من أمور يراد بها الطعن عليهم. # فطائفة تغلو فيهم فتريد أن تجعلهم معصومين [أو كالمعصومين] (6) . وطائفة ~~تريد أن تسبهم وتذمهم بأمور، إن كانت صدقا فهم مغفور لهم، أو هم غير ~~مؤاخذين بها، فإنه ما ثم إلا ذنب أو خطأ في الاجتهاد. والخطأ قد رفع الله ~~المؤاخذة به عن هذه الأمة. والذنب لمغفرته عدة أسباب كانت موجودة فيهم. ~~وهما (7) أصلان: عام وخاص. أما العام فإن الشخص الواحد يجتمع فيه أسباب ~~الثواب والعقاب عند عامة PageV06P203 # المسلمين، من الصحابة والتابعين [لهم بإحسان] (1) وأئمة المسلمين. # والنزاع في ذلك مع الخوارج والمعتزلة الذين يقولون: ما ثم إلا مثاب في ~~الآخرة أو معاقب، ومن دخل النار لم يخرج منها: لا بشفاعة ولا غيرها، ~~ويقولون: إن الكبيرة تحبط جميع الحسنات، ولا يبقى مع صاحبها من الإيمان ~~شيء. # وقد ثبت بالنصوص المستفيضة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إخراج قوم ~~(2) من النار بعد ما امتحشوا. وثبت أيضا شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- لأهل ms1437 الكبائر من أمته. والآثار بذلك متواترة عند أهل العلم بالحديث، أعظم ~~من تواتر الآثار بنصاب (3) السرقة، ورجم الزاني المحصن، ونصب الزكاة، ووجوب ~~الشفعة، وميراث الجدة، وأمثال ذلك. # لكن (4) هذا الأصل لا يحتاج إليه في مثل (5) عثمان وأمثاله ممن شهد له ~~بالجنة، وأن الله رضي عنه، وأنه لا يعاقبه في الآخرة، بل نشهد أن العشرة في ~~الجنة، وأن أهل بيعة الرضوان في الجنة، وأن أهل بدر في الجنة، كما ثبت ~~الخبر بذلك (6) عن الصادق المصدوق، [الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي ~~يوحى] (7) . وقد دخل في الفتنة خلق من PageV06P204 # هؤلاء المشهود لهم بالجنة، والذي قتل عمار بن ياسر هو أبو الغادية (1) ، ~~وقد قيل: إنه من أهل بيعة الرضوان، ذكر ذلك ابن حزم. # فنحن نشهد لعمار بالجنة، ولقاتله إن كان من [أهل] بيعة الرضوان (2) ~~بالجنة. وأما عثمان وعلي وطلحة والزبير فهم أجل قدرا من غيرهم، ولو كان ~~منهم ما كان، فنحن لا نشهد أن الواحد من هؤلاء لا يذنب، بل الذي نشهد به أن ~~الواحد من هؤلاء إذا أذنب، فإن الله لا يعذبه في الآخرة، ولا يدخله النار، ~~بل يدخله الجنة بلا ريب، وعقوبة الآخرة تزول عنه: إما بتوبة منه، وإما ~~بحسناته الكثيرة (3) ، وإما بمصائبه المكفرة، وإما بغير ذلك، كما قد بسطناه ~~في موضعه. ### | العقوبة عن الذنوب في الآخرة تندفع بنحو عشرة أسباب ### | السبب الأول التوبة # فإن الذنوب مطلقا من جميع المؤمنين هي سبب العذاب، لكن العقوبة بها في ~~الآخرة في جهنم تندفع بنحو عشرة أسباب. PageV06P205 # السبب الأول: التوبة؛ فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. والتوبة مقبولة ~~من جميع الذنوب: الكفر، والفسوق، والعصيان. قال الله تعالى: {قل للذين ~~كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [سورة الأنفال: 38] وقال تعالى: {فإن ~~تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين} [سورة التوبة: 11] . # وقال تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله ~~واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم ms1438 - أفلا ~~يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم} [سورة المائدة: 73 - 74] . # وقال: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ~~ولهم عذاب الحريق} [سورة البروج: 10] . قال الحسن البصري: انظروا إلى هذا ~~الكرم والجود، فتنوا أولياءه وعذبوهم بالنار، ثم هو يدعوهم إلى التوبة. # والتوبة عامة لكل [عبد] (1) مؤمن، كما قال تعالى: {وحملها الإنسان إنه ~~كان ظلوما جهولا - ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ~~ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما} [سورة الأحزاب: ~~72 - 73] . # وقد أخبر الله في كتابه عن توبة أنبيائه ودعائهم بالتوبة، كقوله: {فتلقى ~~آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم} [سورة البقرة: 37] ~~PageV06P206 # وقول إبراهيم وإسماعيل: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم - ربنا ~~واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك ~~أنت التواب الرحيم} [سورة البقرة: 127، 128] . # وقال موسى: {أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين - واكتب لنا ~~في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك} [سورة الأعراف: 155، 156] . # وقوله: {رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم} [سورة ~~القصص: 16] . # وقوله: {تبت إليك وأنا أول المؤمنين} [سورة الأعراف: 143] . # وكذلك ما ذكره في قصة داود وسليمان وغيرهما. # وأما المأثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك فكثير مشهور. ~~وأصحابه كانوا أفضل قرون الأمة، فهم أعرف القرون بالله، وأشدهم له خشية، ~~وكانوا أقوم الناس بالتوبة في حياته وبعد مماته. # فمن ذكر ما عيب عليهم، ولم يذكر توبتهم، التي بها رفع الله درجتهم، كان ~~ظالما لهم، كما جرى من بعضهم يوم الحديبية، وقد تابوا منه، مع أنه كان ~~قصدهم الخير. وكذلك قصة حاطب [بن أبي بلتعة] تاب منها (1) ، بل زانيهم كان ~~يتوب توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له، كما تاب ماعز بن مالك وأتى [إلى] (2) ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى PageV06P207 # طهره بإقامة الحد عليه (1) . وكذلك الغامدية [بعده] (2) . وكذلك كانوا ~~زمن عمر [وغيره] (3) إذا شرب أحدهم الخمر أتى إلى أميره، فقال: طهرني وأقم ~~علي الحد ms1439. فهذا فعل من يأتي الكبيرة منهم حين (4) يعلمها حراما، فكيف إذا ~~أتى أحدهم الصغيرة (5) أو ذنبا تأول فيه ثم تبين له خطؤه؟ # وعثمان بن عفان - رضي الله عنه - تاب توبة ظاهرة من الأمور التي صاروا ~~(6) ينكرونها، ويظهر له (7) أنها منكر. وهذا مأثور مشهور عنه [- رضي الله ~~عنه وأرضاه -] (8) . # وكذلك عائشة - رضي الله عنها - ندمت على مسيرها إلى البصرة، وكانت إذا ~~ذكرته تبكي حتى تبل خمارها. # وكذلك طلحة ندم على [ما ظن من] (9) تفريطه في نصر عثمان وعلى غير ذلك. ~~والزبير ندم على مسيره يوم الجمل. PageV06P208 # وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ندم على أمور فعلها من القتال وغيره، ~~وكان يقول: # لقد عجزت عجزة لا أعتذر ... سوف أكيس بعدها وأستمر # وأجمع الرأي الشتيت المنتشر # وكان يقول ليالي صفين: " لله در مقام قامه عبد الله بن عمر وسعد بن مالك؛ ~~إن كان برا إن أجره لعظيم، وإن كان إثما إن خطره ليسير " وكان يقول: " يا ~~حسن يا حسن ما ظن أبوك أن الأمر يبلغ إلى هذا، ود أبوك لو مات قبل هذا ~~بعشرين سنة ". # ولما رجع من صفين تغير كلامه، وكان يقول: " لا تكرهوا إمارة (1) معاوية، ~~فلو قد فقدتموه لرأيتم الرءوس تتطاير عن كواهلها ". وقد روي هذا عن علي - ~~رضي الله عنه - من وجهين أو ثلاثة. وتواترت الآثار بكراهته (2) الأحوال في ~~آخر الأمر، ورؤيته اختلاف الناس وتفرقهم، وكثرة الشر الذي أوجب أنه لو ~~استقبل من أمره ما استدبر ما فعل ما فعل. # وبالجملة ليس علينا أن نعرف كل واحد تاب، ولكن نحن نعلم أن التوبة مشروعة ~~لكل عبد: للأنبياء ولمن دونهم، وأن الله - سبحانه - يرفع عبده بالتوبة، ~~وإذا ابتلاه بما يتوب منه، فالمقصود كمال النهاية لا نقص البداية، فإنه ~~تعالى يحب التوابين ويحب المتطهرين، وهو يبدل بالتوبة السيئات حسنات. ~~PageV06P209 # والذنب مع التوبة يوجب لصاحبه من العبودية والخشوع والتواضع والدعاء وغير ~~ذلك، ما لم يكن يحصل قبل ذلك؛ ولهذا قال طائفة من السلف: إن العبد ليفعل ~~الذنب فيدخل به الجنة، ويفعل الحسنة ms1440 (* فيدخل بها النار. يفعل الذنب فلا ~~يزال نصب عينيه (1) ، إذا ذكره تاب إلى الله ودعاه وخشع له فيدخل به الجنة، ~~ويفعل الحسنة *) (2) فيعجب بها فيدخل النار. # وفي الأثر: «لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أعظم من الذنب، وهو العجب» . ~~وفي أثر آخر: «لو لم تكن التوبة أحب الأشياء إليه لما ابتلى بالذنب أكرم ~~الخلق عليه» . # وفي أثر آخر: " «يقول الله تعالى: أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل شكري أهل ~~زيادتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أقنطهم (3) من رحمتي، إن ~~تابوا فأنا حبيبهم، فإن الله يحب التوابين [ويحب المتطهرين] (4) ، وإن لم ~~يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب» " (5) . والتائب ~~حبيب الله سواء كان شابا أو شيخا. ### | السبب الثاني الاستغفار # ؛ فإن الاستغفار [هو] (6) طلب المغفرة، وهو من جنس الدعاء والسؤال، وهو ~~مقرون بالتوبة في الغالب [ومأمور PageV06P210 # به] (1) ، لكن قد يتوب الإنسان [ولا يدعو] (2) ، وقد يدعو ولا يتوب. وفي ~~الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~فيما يرويه عن ربه - عز وجل - أنه قال: " «أذنب (3) عبد ذنبا فقال: اللهم ~~اغفر لي ذنبي. فقال الله - تبارك وتعالى -: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا ~~يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: [أي] (4) رب اغفر لي ذنبي. ~~فقال - تبارك وتعالى -: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ ~~بالذنب. ثم عاد فأذنب، فقال: [أي] (5) رب اغفر لي ذنبي. فقال تعالى: أذنب ~~عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. قد غفرت لعبدي» " وفي ~~رواية لمسلم: " «فليفعل ما شاء» " (6) . # والتوبة تمحو جميع السيئات، وليس شيء يغفر جميع الذنوب إلا التوبة، فإن ~~الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. وأما التوبة فإنه قال ~~تعالى: {قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن ~~الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} [سورة الزمر: 53] وهذه لمن ~~تاب. [ولهذا قال: {لا تقنطوا من رحمة الله} بل توبوا ms1441 إليه] ، وقال بعدها: ~~{وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون} [سورة ~~الزمر: 54] PageV06P211 # (1) . وأما الاستغفار بدون التوبة، فهذا لا يستلزم المغفرة، ولكن هو سبب ~~من الأسباب. ### | السبب الثالث الأعمال الصالحة # ؛ فإن الله تعالى يقول: {إن الحسنات يذهبن السيئات} [سورة هود: 114] وقال ~~النبي - صلى الله عليه وسلم -[لمعاذ بن جبل يوصيه: " «يا معاذ اتق الله ~~حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» " (2) . # وفي الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال] (3) : " «الصلوات الخمس، ~~والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن إذا اجتنبت ~~الكبائر» " أخرجاه في الصحيحين (4) . # وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «من صام رمضان ~~PageV06P212 # إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» " (1) . وقال: " «من حج هذا ~~البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» " (2) . # وقال: " «أرأيتم لو أن بباب أحدكم نهرا غمرا يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، ~~هل كان يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا. قال: كذلك الصلوات الخمس يمحو الله ~~بهن الخطايا كما يمحو الماء الدرن» ". وهذا كله في الصحيح (3) . ~~PageV06P213 # وقال: " «الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار» " رواه الترمذي ~~وصححه (1) . # وقال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ~~- تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير ~~لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ~~ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم} [سورة الصف: 10 - 12] . # وفي الصحيح: " «يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين» " (2) وما روي: أن ~~PageV06P214 # " «شهيد البحر يغفر له الدين» "، فإسناده ضعيف (1) . والدين حق لآدمي (2) ~~فلا بد من استيفائه. # وفي الصحيح: " «صوم يوم عرفة كفارة سنتين، وصوم [يوم] (3) عاشوراء كفارة ~~سنة» " (4) . ومثل هذه النصوص كثير، وشرح هذه الأحاديث يحتاج إلى بسط ~~[كثير] (5) . PageV06P215 # فإن الإنسان قد يقول: إذا كفر عني بالصلوات (1) [الخمس] (2) ، فأي شيء ~~تكفر [عني] الجمعة (3) أو رمضان، وكذلك صوم [يوم] (4) عرفة وعاشوراء؟ [وبعض ~~الناس يجيب عن هذا بأنه ms1442 يكتب لهم درجات إذا لم تجد ما تكفره من السيئات] ~~(5) . # فيقال (6) : أولا: العمل الذي يمحو الله به الخطايا ويكفر به (7) السيئات ~~هو العمل المقبول. # والله تعالى إنما يتقبل من المتقين. # والناس لهم في هذه الآية (8 وهي قوله تعالى: {إنما يتقبل الله من ~~المتقين} [سورة المائدة: 27] 8) (8) [ثلاثة أقوال] (9) : طرفان ووسط. ~~فالخوارج والمعتزلة يقولون: لا يتقبل الله إلا ممن اتقى الكبائر. وعندهم ~~صاحب الكبيرة لا يقبل منه حسنة (10) بحال. والمرجئة يقولون: من اتقى الشرك. ~~والسلف والأئمة يقولون: لا يتقبل إلا ممن اتقاه (11) في ذلك العمل ففعله ~~PageV06P216 # كما أمر به خالصا لوجه الله تعالى. # قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: {ليبلوكم أيكم أحسن عملا} [سورة هود: ~~7] . قال: أخلصه وأصوبه. قيل: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل ~~إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم ~~يقبل، حتى يكون خالصا صوابا. والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على ~~السنة. # فصاحب الكبائر (1) إذا اتقى الله في عمل من الأعمال تقبل الله منه، ومن ~~هو أفضل منه إذا لم يتق الله في عمل لم يتقبله منه، وإن تقبل منه عملا آخر. # وإذا كان الله إنما يتقبل ممن يعمل العمل على الوجه المأمور [به] (2) ، ~~ففي السنن عن عمار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «إن العبد ~~لينصرف عن (3) صلاته ولم يكتب له منها (4) إلا نصفها، إلا ثلثها، إلا ~~ربعها، حتى قال: إلا عشرها» " (5) . # وقال ابن عباس: ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها. # وفي الحديث: " «رب صائم حظه من صيامه العطش، ورب قائم حظه من قيامه ~~السهر» " (6) . وكذلك الحج والجهاد وغيرهما. PageV06P217 # وفي حديث معاذ موقوفا ومرفوعا، وهو في السنن: " «الغزو غزوان: فغزو يبتغى ~~به وجه الله، ويطاع فيه الأمير، وتنفق فيه كرائم الأموال، ويياسر فيه ~~الشريك، ويجتنب فيه الفساد، ويتقى فيه الغلول، فذلك الذي لا يعدله شيء. ~~وغزو لا يبتغى به وجه الله، ولا يطاع فيه الأمير، ولا تنفق فيه كرائم ~~الأموال، ولا ms1443 يياسر (1) فيه الشريك، ولا يجتنب فيه الفساد، ولا يتقى فيه ~~الغلول، فذاك حسب صاحبه أن يرجع كفافا» " (2) . # وقيل لبعض السلف: الحاج كثير. فقال: الداج كثير، والحاج قليل. ومثل هذا ~~كثير. # فالمحو والتكفير يقع بما يتقبل من الأعمال. وأكثر الناس يقصرون في ~~الحسنات، حتى في نفس صلاتهم. فالسعيد منهم من يكتب له نصفها، وهم يفعلون ~~السيئات كثيرا؛ فلهذا يكفر بما يقبل من الصلوات الخمس شيء، وبما يقبل من ~~الجمعة شيء، وبما يقبل من صيام رمضان شيء آخر. وكذلك سائر الأعمال، وليس كل ~~حسنة تمحو كل سيئة، بل المحو يكون للصغائر تارة، ويكون للكبائر [تارة] (3) ~~، باعتبار الموازنة. # والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمل فيه PageV06P218 # إخلاصه وعبوديته لله، فيغفر [الله] له به (1) كبائر. كما في الترمذي وابن ~~ماجه وغيرهما [عن عبد الله بن عمرو بن العاص] (2) عن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - أنه قال: " «يصاح برجل من أمتي يوم القيامة على رءوس الخلائق، فينشر ~~عليه تسعة وتسعون سجلا، كل سجل منها مد البصر. فيقال: هل تنكر من هذا شيئا؟ ~~فيقول: لا يا رب. فيقول: لا ظلم عليك. فتخرج له بطاقة قدر الكف، فيها شهادة ~~أن لا إله إلا الله، فيقول: أين تقع هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فتوضع ~~[هذه] (3) البطاقة في كفة، والسجلات في كفة، فثقلت البطاقة وطاشت السجلات» ~~" (4) . # فهذه (5) حال من قالها بإخلاص وصدق، كما قالها هذا الشخص. وإلا فأهل ~~الكبائر الذين دخلوا النار كلهم كانوا يقولون: لا إله إلا الله، ~~PageV06P219 # ولم يترجح قولهم على سيئاتهم، كما ترجح قول صاحب البطاقة. # وكذلك في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «بينما ~~رجل يمشي بطريق اشتد عليه فيها العطش، فوجد بئرا، فنزل فيها فشرب. ثم خرج، ~~فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش. فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من ~~العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه حتى رقى، ~~فسقى الكلب، فشكر الله له (1) ، فغفر له» " (2) . # وفي لفظ في الصحيحين: " «إن ms1444 امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر قد ~~أدلع لسانه من العطش، فنزعت [له] موقها، [فسقته به] ، فغفر لها» " (3) . ~~وفي لفظ [في الصحيحين] (4) «أنها كانت بغيا من بغايا بني إسرائيل» (5) . # وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~PageV06P220 # قال: " «بينما رجل يمشي [في طريق] (1) وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر ~~الله له، فغفر له» " (2) . # وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ~~«دخلت امرأة النار في هرة، ربطتها: لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من ~~خشاش الأرض حتى ماتت» " (3) . # فهذه سقت الكلب بإيمان خالص كان في قلبها (4) فغفر لها، وإلا فليس كل بغي ~~سقت كلبا يغفر لها. وكذلك هذا الذي نحى غصن الشوك عن الطريق، فعله إذ ذاك ~~بإيمان خالص، [وإخلاص] قائم بقلبه (5) ، فغفر له بذلك. فإن الأعمال تتفاضل ~~بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص، وإن الرجلين ليكون مقامهما في ~~الصف واحدا، وبين PageV06P221 # صلاتيهما كما بين السماء والأرض. وليس كل من نحى غصن شوك عن الطريق يغفر ~~له. # قال الله تعالى: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى ~~منكم} [سورة الحج: 37] . فالناس (1) يشتركون في الهدايا والضحايا، والله لا ~~يناله الدم المهراق ولا اللحم المأكول، والتصدق (2) به، لكن يناله تقوى ~~القلوب. # وفي الأثر: «إن الرجلين ليكون مقامهما في الصف واحدا، وبين صلاتيهما كما ~~بين المشرق والمغرب» . # فإذا عرف أن الأعمال الظاهرة يعظم قدرها [ويصغر قدرها] (3) بما في ~~القلوب، وما في القلوب يتفاضل، لا يعرف مقادير ما في القلوب من الإيمان إلا ~~الله - عرف الإنسان أن ما قاله الرسول كله حق، ولم يضرب بعضه ببعض. # وقد قال تعالى: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم ~~راجعون} [سورة المؤمنون: 60] . # وفي الترمذي وغيره «عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: يا رسول الله، أهو ~~(4) الرجل يزني ويسرق (5) ويشرب الخمر ويخاف أن يعاقب؟ قال: لا PageV06P222 # يا ابنة الصديق، بل هو الرجل يصوم ويصلي ويتصدق، ويخاف أن لا يتقبل ms1445 منه» ~~" (1) . # [وقد ثبت] في الصحيحين (2) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ~~«لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد ~~أحدهم ولا نصيفه» " (3) . # وذلك أن الإيمان الذي كان في قلوبهم حين الإنفاق في أول الإسلام وقلة ~~أهله، وكثرة الصوارف عنه، وضعف الدواعي (4) إليه لا يمكن أحدا أن يحصل له ~~مثله ممن بعدهم. وهذا مما يعرف بعضه من ذاق الأمور، وعرف المحن والابتلاء ~~الذي يحصل للناس، وما يحصل للقلوب من الأحوال المختلفة. # وهذا مما يعرف به أن أبا بكر - رضي الله عنه - لن يكون أحد مثله، فإن ~~اليقين والإيمان الذي كان في قلبه لا يساويه فيه أحد. قال أبو بكر بن عياش ~~(5) : ما سبقهم أبو بكر بكثرة صلاة ولا صيام، ولكن بشيء وقر في قلبه. # وهكذا سائر الصحابة حصل لهم بصحبتهم للرسول، مؤمنين به مجاهدين معه، ~~إيمان ويقين لم يشركهم فيه من بعدهم. PageV06P223 # و [قد ثبت] في صحيح مسلم (1) عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- «أنه رفع رأسه إلى السماء، وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء، فقال: " ~~النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة ~~لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهبت ~~(2) أصحابي أتى أمتي ما يوعدون» " (3) . PageV06P224 # وفي الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «ليأتين على الناس ~~زمان يغزو [فيه] (1) فئام من الناس، فيقال: هل فيكم من صحب رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم -؟ فيقال: نعم، فيفتح لهم» " وفي لفظ (2) : " «هل فيكم من ~~رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم. ثم يأتي ~~على الناس زمان يغزو [فيه] (3) فئام من الناس، فيقال: هل فيكم من صحب من ~~صحب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ (4) فيقولون: نعم، فيفتح لهم» ~~". هذا لفظ بعض الطرق، والثلاث الطبقات متفق عليها في جميع الطرق، وأما ~~الطبقة الرابعة فهي مذكورة في بعضها (5) . # وقد ثبت ثناء النبي - صلى الله عليه وسلم ms1446 - على القرون الثلاثة في عدة ~~أحاديث صحيحة، من حديث ابن مسعود وعمران بن حصين يقول فيها: PageV06P225 # " «خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» " ويشك بعض الرواة ~~هل ذكر بعد [قرنه] (1) قرنين أو ثلاثة (2) . # والمقصود أن فضل الأعمال وثوابها ليس لمجرد صورها الظاهرة، بل لحقائقها ~~التي في القلوب. والناس يتفاضلون ذلك تفاضلا عظيما. وهذا مما يحتج به من ~~رجح كل واحد من الصحابة على كل [واحد] ممن بعدهم (3) ، فإن العلماء متفقون ~~على أن جملة الصحابة أفضل من جملة التابعين، لكن هل يفضل كل واحد من ~~الصحابة على كل واحد ممن بعدهم، ويفضل معاوية على عمر بن عبد العزيز؟ # ذكر القاضي عياض [وغيره] (4) في ذلك قولين، وأن الأكثرين يفضلون كل واحد ~~من الصحابة، وهذا مأثور عن ابن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما. # ومن حجة هؤلاء أن أعمال التابعين وإن كانت أكثر، وعدل عمر بن عبد العزيز ~~أظهر من عدل معاوية، وهو أزهد من معاوية، لكن الفضائل عند الله بحقائق ~~الإيمان الذي في القلوب. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «لو أنفق ~~أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» " (5) . # قالوا: فنحن قد نعلم أن أعمال [بعض] (6) من بعدهم أكثر من أعمال بعضهم، ~~لكن من أين نعلم (7) أن ما في قلبه من الإيمان أعظم مما في قلب ذلك، والنبي ~~- صلى الله عليه وسلم - يخبر أن جبل ذهب من الذين PageV06P226 # أسلموا (1) بعد الحديبية لا يساوي نصف مد من السابقين. ومعلوم فضل النفع ~~المتعدي بعمر بن عبد العزيز: أعطى الناس حقوقهم وعدل فيهم، فلو قدر أن الذي ~~أعطاهم ملكه، وقد تصدق به عليهم، لم يعدل ذلك مما أنفقه (2) السابقون إلا ~~شيئا يسيرا. وأين مثل جبل أحد ذهبا حتى ينفقه الإنسان، وهو لا يصير مثل نصف ~~مد؟ # ولهذا يقول من يقول من السلف: غبار دخل [في] (3) أنف معاوية مع رسول الله ~~- صلى الله عليه وسلم - أفضل من [عمل] (4) عمر بن عبد العزيز. # وهذه المسألة تحتاج إلى بسط وتحقيق ليس هذا موضعه ms1447، إذ المقصود هنا أن ~~الله - سبحانه - مما يمحو به السيئات الحسنات، وأن الحسنات تتفاضل بحسب ما ~~في قلب صاحبها من الإيمان والتقوى. وحينئذ فيعرف أن من هو دون الصحابة قد ~~تكون له حسنات تمحو مثل ما يذم من أحدهم، [فكيف الصحابة؟] (5) . ### | السبب الرابع الدعاء للمؤمنين # (6) ، فإن صلاة المسلمين على الميت ودعاءهم له من أسباب المغفرة. وكذلك ~~دعاؤهم واستغفارهم في غير صلاة الجنازة. والصحابة ما زال المسلمون يدعون ~~لهم. ### | السبب الخامس دعاء النبي صلى الله عليه وسلم واستغفاره في حياته وبعد مماته # ، كشفاعته يوم القيامة، فإنهم أخص الناس بدعائه وشفاعته في محياه (7) ~~ومماته. PageV06P227 ### | [السبب السادس ما يفعل بعد الموت من عمل صالح يهدى له] # ، مثل من يتصدق عنه، ويحج عنه، ويصوم عنه. فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة ~~أن ذلك يصل إلى الميت وينفعه، وهذا غير دعاء ولده، فإن ذلك من عمله. # قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ~~ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» " رواه مسلم (1) ~~. فولده من كسبه، ودعاؤه محسوب من عمله، بخلاف دعاء غير الولد: فإنه ليس ~~محسوبا من عمله، والله ينفعه به. ### | السبب السابع المصائب الدنيوية التي يكفر الله بها الخطايا # ] (2) . (* كما في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ~~«ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب، ولا غم ولا هم (3) ، ولا حزن ولا أذى، حتى ~~الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه» (4) ، (5) ". # وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «مثل ~~PageV06P228 # المؤمن مثل الخامة من الزرع تفيئها (1) الرياح، تقومها تارة وتميلها ~~أخرى. ومثل المنافق كمثل شجرة الأرزة، لا تزال ثابتة على أصلها، حتى يكون ~~انجعافها مرة واحدة» " (2) . # وهذا المعنى متواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[في أحاديث كثيرة] ~~(3) . والصحابة - رضوان الله عليهم - كانوا يبتلون بالمصائب الخاصة، ~~وابتلوا بمصائب مشتركة، كالمصائب التي حصلت في الفتن، ولو لم يكن إلا أن ~~كثيرا منهم قتلوا، والأحياء أصيبوا بأهليهم وأقاربهم، وهذا أصيب ms1448 في ماله، ~~وهذا أصيب بجراحته، وهذا أصيب بذهاب ولايته وعزه، PageV06P229 # إلى غير ذلك، فهذه كلها مما يكفر الله بها ذنوب المؤمنين من غير الصحابة، ~~فكيف الصحابة؟ وهذا مما لا بد منه. # وقد ثبت في الصحيح (1) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «سألت ~~ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة. سألته أن لا يهلك أمتي بسنة عامة، ~~فأعطانيها، وسألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم [فيجتاحهم] (2) ، ~~فأعطانيها. وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها» " (3) . PageV06P230 # وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه لما نزل قوله تعالى: ~~{قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم} [سورة الأنعام: 65] . قال ~~النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أعوذ بوجهك " (1 {أو من تحت أرجلكم} قال ~~النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أعوذ بوجهك " 1) (1) {أو يلبسكم شيعا ~~ويذيق بعضكم بأس بعض} قال: " هذا أهون وأيسر» " (2) . # فهذا أمر لا بد منه للأمة عموما. والصحابة - رضي الله عنهم - كانوا أقل ~~فتنا من سائر من بعدهم، فإنه كلما تأخر العصر عن النبوة كثر التفرق والخلاف ~~(3) . # ولهذا لم تحدث في خلافة عثمان بدعة ظاهرة، فلما قتل وتفرق الناس حدثت ~~بدعتان متقابلتان: بدعة الخوارج المكفرين لعلي، وبدعة الرافضة المدعين ~~لإمامته وعصمته، أو نبوته أو إلاهيته. # ثم لما كان في آخر عصر الصحابة، في إمارة ابن الزبير وعبد الملك، حدثت ~~بدعة المرجئة والقدرية. ثم لما كان في أول عصر التابعين في أواخر الخلافة ~~الأموية حدثت بدعة الجهمية المعطلة والمشبهة الممثلة. ولم يكن على عهد ~~الصحابة شيء من ذلك (4) . # وكذلك فتن السيف، فإن الناس كانوا في ولاية معاوية - رضي الله عنه - ~~متفقين يغزون العدو، فلما مات معاوية قتل الحسين، وحوصر ابن الزبير بمكة، ~~ثم جرت فتنة الحرة بالمدينة. PageV06P231 # ثم لما مات يزيد جرت فتنة بالشام بين مروان والضحاك بمرج راهط. # ثم وثب المختار على ابن زياد فقتله وجرت فتنة. # ثم جاء مصعب بن الزبير فقتل المختار وجرت فتنة. # ثم ذهب عبد الملك إلى مصعب فقتله وجرت فتنة. (1) # وأرسل الحجاج إلى ابن ms1449 الزبير فحاصره مدة ثم قتله وجرت فتنة. # ثم لما تولى الحجاج العراق خرج عليه ابن الأشعث (2) مع خلق عظيم من ~~العراق (3) وكانت فتنة كبيرة، فهذا كله بعد موت معاوية. # ثم جرت فتنة ابن المهلب بخراسان، وقتل زيد بن علي بالكوفة، وقتل خلق كثير ~~آخرون. # ثم قام أبو مسلم وغيره بخراسان وجرت حروب وفتن يطول وصفها، ثم هلم جرا. # فلم يكن من ملوك المسلمين ملك خير من معاوية، ولا كان الناس في زمان (4) ~~ملك من الملوك خيرا منهم في زمن معاوية، إذا نسبت أيامه إلى أيام من بعده. ~~وأما إذا نسبت إلى أيام أبي بكر وعمر ظهر التفاضل. # وقد روى أبو بكر الأثرم، ورواه ابن بطة من طريقه، حدثنا محمد بن ~~PageV06P232 # عمرو بن جبلة (1) ، حدثنا محمد بن مروان، عن يونس، عن قتادة قال: لو ~~أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم: هذا المهدي. # وكذلك رواه ابن بطة بإسناده الثابت من وجهين عن الأعمش عن مجاهد قال: لو ~~أدركتم معاوية لقلتم: هذا المهدي. # ورواه الأثرم: حدثنا محمد بن حواش (2) ، حدثنا أبو هريرة المكتب قال: كنا ~~عند الأعمش، فذكروا عمر بن عبد العزيز وعدله، فقال الأعمش: فكيف لو أدركتم ~~معاوية؟ قالوا: في حلمه؟ (3) قال: لا والله، بل في عدله. # وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني أبي، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن ~~أبي إسحاق قال: لما قدم معاوية فرض للناس (4) على أعطية (5) آبائهم حتى ~~انتهى إلي، فأعطاني ثلاثمائة درهم. # وقال عبد الله: أخبرنا (6) أبو سعيد الأشج، حدثنا (7) أبو أسامة، ثنا ~~[الثقفي] (8) ، عن أبي إسحاق، يعني السبيعي (9) ، أنه [ذكر معاوية] (10) ~~PageV06P233 # فقال: لو [أدركتموه أو] أدركتم (1) أيامه لقلتم: كان المهدي (2) . # وروى الأثرم، حدثنا محمد بن العلاء، عن أبي [بكر] (3) بن عياش، عن أبي ~~إسحاق قال: ما رأيت (4) بعده مثله، يعني معاوية. # وقال البغوي: حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا ضمام بن إسماعيل، عن أبي قيس (5) ~~قال: كان معاوية قد جعل في كل قبيل (6) رجلا، وكان رجل منا يكنى أبا يحيى، ~~يصبح كل يوم فيدور ms1450 على المجالس: هل ولد فيكم الليلة ولد؟ هل حدث الليلة حدث ~~(7) ؟ هل نزل اليوم بكم (8) نازل؟ قال: فيقولون: نعم، نزل رجل من أهل اليمن ~~بعياله، يسمونه وعياله، فإذا فرغ من القبيل كله أتى الديوان، فأوقع أسماءهم ~~في الديوان. # وروى محمد بن عوف الطائي، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا ابن أبي مريم، عن ~~عطية بن قيس قال: سمعت معاوية [بن أبي سفيان] (9) يخطبنا يقول: إن في بيت ~~مالكم فضلا بعد أعطياتكم (10) ، وإني قاسمه بينكم، فإن كان يأتينا فضل عاما ~~قابلا قسمناه عليكم، وإلا فلا عتبة علي، فإنه ليس بمالي، وإنما هو مال الله ~~الذي أفاء عليكم. PageV06P234 # وفضائل معاوية في حسن السيرة والعدل والإحسان كثيرة. وفي الصحيح أن رجلا ~~قال لابن عباس: هل لك في أمير المؤمنين معاوية؟ إنه أوتر بركعة (1) ؟ قال: ~~أصاب إنه فقيه (2) . # وروى البغوي في معجمه بإسناده، ورواه ابن بطة من وجه آخر، كلاهما عن سعيد ~~بن عبد العزيز، عن إسماعيل بن عبد الله (3) بن أبي المهاجر، عن قيس بن ~~الحارث، عن الصنابحي، عن أبي الدرداء قال: ما رأيت أحدا أشبه صلاة بصلاة ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إمامكم هذا. يعني معاوية (4) . # فهذه (5) شهادة الصحابة بفقهه ودينه، والشاهد بالفقه ابن عباس، وبحسن ~~الصلاة أبو الدرداء، وهما هما. والآثار الموافقة لهذا كثيرة (6) . ~~PageV06P235 # هذا ومعاوية ليس من السابقين الأولين، بل قد قيل: إنه من مسلمة الفتح. ~~وقيل: أسلم قبل ذلك. وكان يعترف بأنه (1) ليس من فضلاء الصحابة. وهذه سيرته ~~مع عموم ولايته، فإنه كان في ولايته من خراسان إلى بلاد إفريقية بالمغرب، ~~ومن قبرص إلى اليمن. # ومعلوم بإجماع المسلمين أنه ليس قريبا من عثمان وعلي، فضلا عن أبي بكر ~~وعمر. فكيف يشبه غير الصحابة بهم؟ وهل توجد سيرة أحد من الملوك مثل سيرة ~~(2) معاوية - رضي الله عنه - (3) # والمقصود أن الفتن التي بين الأمة، والذنوب التي لها بعد الصحابة، أكثر ~~وأعظم. ومع هذا فمكفرات الذنوب موجودة لهم. وأما الصحابة فجمهورهم وجمهور ~~أفاضلهم ما دخلوا في فتنة. # قال عبد الله بن [الإمام ms1451] أحمد (4) : حدثنا أبي، حدثنا إسماعيل، يعني ابن ~~علية، حدثنا أيوب [يعني] السختياني (5) ، عن محمد بن سيرين قال: هاجت ~~الفتنة وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف، فما حضرها (6) ~~منهم مائة، بل لم يبلغوا (7) ثلاثين. وهذا الإسناد PageV06P236 # من أصح إسناد (1) على وجه الأرض. ومحمد بن سيرين [من] (2) أورع الناس في ~~منطقه، ومراسيله من أصح المراسيل. # وقال عبد الله: حدثنا أبي، (* حدثنا إسماعيل، حدثنا منصور بن عبد الرحمن ~~قال: قال الشعبي: لم يشهد الجمل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~غير علي وعمار وطلحة والزبير، فإن جاءوا بخامس فأنا كذاب. # وقال عبد الله بن أحمد: حدثنا أبي (3) *) ، حدثنا أمية بن خالد قال: قيل ~~لشعبة: إن أبا شيبة روى عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: شهد صفين ~~من أهل بدر سبعون رجلا. فقال: كذب والله، لقد ذاكرت الحكم بذلك، وذاكرناه ~~في بيته، فما وجدناه شهد صفين من أهل بدر غير خزيمة بن ثابت. # قلت: هذا النفي يدل على قلة من حضرها، وقد قيل: إنه حضرها سهل بن حنيف ~~وأبو أيوب. وكلام ابن سيرين مقارب (4) فما يكاد يذكر مائة واحد. # وقد روى ابن بطة عن بكير بن الأشج قال: أما إن رجالا من أهل بدر لزموا ~~بيوتهم بعد قتل عثمان، فلم يخرجوا إلا إلى قبورهم. PageV06P237 ### | [السبب الثامن والتاسع والعاشر من بلاء القبر وأهوال يوم القيامة واقتصاصهم من بعض] # السبب الثامن: ما يبتلى به المؤمن في قبره من الضغطة وفتنة الملكين. # السبب التاسع: ما يحصل له في الآخرة من كرب أهوال يوم القيامة. # السبب العاشر: ما ثبت في الصحيحين «أن المؤمنين إذا عبروا الصراط، وقفوا ~~على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض (1) ، فإذا هذبوا ونقوا ~~أذن لهم في دخول الجنة» (2) . # فهذه الأسباب لا تفوت كلها من المؤمنين إلا القليل، فكيف بالصحابة (3) - ~~رضوان الله عليهم - الذين هم خير قرون (4) الأمة؟ وهذا في الذنوب المحققة، ~~فكيف [بما] (5) يكذب عليهم؟ فكيف بما يجعل من سيئاتهم (6) وهو من حسناتهم؟ # وهذا ms1452 كما ثبت في الصحيح أن رجلا أراد أن يطعن في عثمان عند ابن عمر، ~~فقال: إنه قد فر يوم أحد، ولم يشهد بدرا، ولم يشهد بيعة الرضوان (7) . فقال ~~ابن عمر: أما يوم أحد فقد عفا الله عنه. [وفي لفظ: فر يوم أحد فعفا الله ~~عنه، وأذنب عندكم ذنبا، فلم تعفوا عنه] (8) . وأما يوم PageV06P238 # بدر فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - استخلفه على ابنته، وضرب له بسهمه. ~~وأما بيعة الرضوان فإنما كانت بسبب عثمان، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- بعثه إلى مكة وبايع عنه بيده، ويد النبي - صلى الله عليه وسلم - خير من ~~يد عثمان (1) . # فقد أجاب ابن عمر بأن ما يجعلونه (2) عيبا [ما كان منه عيبا] (3) ، فقد ~~عفا الله عنه، والباقي ليس بعيب، بل هو من الحسنات. وهكذا عامة (4) ما يعاب ~~به على سائر (5) الصحابة هو إما حسنة وإما معفو عنه. ### | الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه ولى من لا يصلح للولاية # وحينئذ فقول (6) الرافضي: إن عثمان ولى من لا يصلح للولاية. إما أن يكون ~~هذا باطلا، ولم يول إلا من يصلح. وإما أن يكون ولى من لا يصلح في نفس ~~الأمر، لكنه كان مجتهدا في ذلك، فظن أنه كان (7) يصلح وأخطأ (8) ظنه، وهذا ~~لا يقدح فيه. # وهذا الوليد بن عقبة الذي أنكر عليه ولايته قد اشتهر في التفسير ~~PageV06P239 # والحديث [والسير] (1) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولاه على صدقات ~~ناس من العرب، فلما قرب منهم خرجوا إليه، فظن أنهم يحاربونه، فأرسل إلى ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر محاربتهم [له] (2) ، فأراد النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - أن يرسل إليهم جيشا، فأنزل الله تعالى: {ياأيها الذين ~~آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما ~~فعلتم نادمين} [سورة الحجرات: 6] (3) . # فإذا كان حال هذا خفي على النبي - صلى الله عليه وسلم - فكيف لا يخفى على ~~عثمان؟ ! # وإذا قيل: إن عثمان ولاه بعد ذلك. # فيقال: باب التوبة مفتوح. وقد كان عبد الله بن سعد ms1453 [بن أبي سرح] (4) ارتد ~~عن الإسلام، ثم جاء تائبا، وقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - إسلامه ~~وتوبته بعد أن كان أهدر دمه. # وعلي - رضي الله عنه - تبين له من عماله ما لم يكن يظنه فيهم. فهذا لا ~~يقدح في عثمان ولا غيره. وغاية ما يقال: إن عثمان ولى من يعلم أن غيره أصلح ~~منه، وهذا من موارد الاجتهاد. # أو يقال: إن محبته لأقاربه ميلته إليهم، حتى صار يظنهم أحق من ~~PageV06P240 # غيرهم، أو أن ما فعله (1) كان ذنبا، وقد تقدم (2) أن ذنبه لا يعاقب عليه ~~في الآخرة. # وقوله: حتى ظهر من بعضهم الفسق، ومن بعضهم الخيانة. # فيقال: ظهور ذلك بعد الولاية لا يدل على كونه كان ثابتا حين الولاية، ولا ~~على أن المولي علم ذلك. وعثمان - رضي الله عنه - لما علم أن الوليد بن عقبة ~~شرب الخمر طلبه وأقام عليه الحد. وكان يعزل من يراه مستحقا للعزل، ويقيم ~~الحد على من يراه مستحقا لإقامة الحد عليه. # وأما قوله: وقسم المال بين أقاربه. # فهذا غايته أن يكون ذنبا لا يعاقب عليه في الآخرة، فكيف إذا كان من موارد ~~الاجتهاد؟ فإن الناس تنازعوا فيما كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - في ~~حياته: هل يستحقه ولي الأمر بعده، على قولين. وكذلك تنازعوا في ولي (3) ~~اليتيم: هل له أن يأخذ من مال اليتيم إذا كان غنيا أجرته مع غناه، والترك ~~أفضل، أو الترك واجب؟ على قولين. ومن جوز الأخذ من مال (4) اليتيم مع ~~الغنى، جوزه للعامل على بيت مال المسلمين، وجوزه للقاضي وغيره من الولاة. ~~ومن قال: لا يجوز ذلك من مال اليتيم، فمنهم من يجوزه من مال (5) بيت المال، ~~كما يجوز للعامل على الزكاة الأخذ مع الغنى، فإن العامل على الزكاة يجوز له ~~أخذ جعالته مع غناه. PageV06P241 # وولي (1) اليتيم قد قال تعالى فيه: {ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا ~~فليأكل بالمعروف} [سورة النساء: 6] . # وأيضا فقد ذهب بعض الفقهاء (2) إلى أن سهم ذوي القربى هو لقرابة الإمام، ~~كما قاله الحسن وأبو ثور، وأن النبي ms1454 - صلى الله عليه وسلم - كان يعطي ~~أقاربه بحكم الولاية، وسقط حق ذوي قرباه بموته. كما يقول ذلك كثير من ~~العلماء كأبي حنيفة وغيره، ثم لما سقط حقه بموته، فحقه الساقط قيل: إنه ~~يصرف في الكراع والسلاح والمصالح، كما كان يفعل أبو بكر وعمر. وقيل: هو لمن ~~ولي الأمر بعده. وقيل: إن هذا مما تأوله عثمان. ونقل (3) عن عثمان - رضي ~~الله عنه - نفسه أنه ذكر هذا، وأنه يأخذ بعمله، وأن ذلك جائز. وإن كان ما ~~فعله أبو بكر وعمر أفضل، فكان له الأخذ بهذا وهذا، وكان يعطي أقرباءه مما ~~يختص به، فكان يعطيهم (4) لكونهم ذوي قربى الإمام، على قول من يقول ذلك. # وبالجملة فعامة من تولى الأمر بعد عمر كان يخص بعض أقاربه: إما بولاية، ~~وإما بمال. وعلي ولى أقاربه أيضا (5) . ### | الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه استعمل الوليد بن عقبة حتى ظهر منه شرب الخمر وصلى بالناس وهو سكران # وأما قوله: استعمل الوليد بن عقبة حتى ظهر منه شرب الخمر، وصلى بالناس ~~وهو سكران. PageV06P242 # فيقال: لا جرم طلبه وأقام عليه الحد بمشهد من علي بن أبي طالب، وقال ~~لعلي: قم فاضربه. فأمر علي الحسن بضربه، فامتنع. وقال لعبد الله بن جعفر: ~~قم فاضربه، فضربه أربعين. ثم قال: أمسك، ضرب رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلي. رواه ~~مسلم [وغيره] (1) . # فإذا أقام الحد برأي علي وأمره، فقد فعل الواجب. ### | الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه استعمل سعيد بن العاص فظهر منه ما أدى إلى إخراج أهل الكوفة له # وكذلك قوله: إنه استعمل سعيد بن العاص على الكوفة، وظهر منه ما أدى إلى ~~أن أخرجه أهل الكوفة منها. # فيقال: مجرد إخراج أهل الكوفة لا يدل على ذنب يوجب ذاك، فإن القوم كانوا ~~يقومون على كل وال. قد قاموا على سعد بن أبي وقاص، وهو الذي فتح البلاد، ~~وكسر جنود كسرى، وهو أحد أهل الشورى، ولم يتول ms1455 عليهم نائب (2) مثله. وقد ~~شكوا غيره مثل عمار بن ياسر، وسعد بن أبي وقاص، والمغيرة بن شعبة، وغيرهم. ~~ودعا عليهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: اللهم إنهم قد لبسوا علي ~~فلبس عليهم. # وإذا قدر أنه أذنب ذنبا، فمجرد ذلك لا يوجب أن يكون عثمان راضيا بذنبه، ~~ونواب علي قد أذنبوا ذنوبا كثيرة. (3 بل كان غير واحد من نواب النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - يذنبون ذنوبا كثيرة 3) (3) . وإنما يكون الإمام مذنبا ~~PageV06P243 # إذا ترك ما يجب عليه من إقامة حد (1) ، أو استيفاء حق، أو اعتداء ونحو ~~ذلك (2) . # وإذا قدر أن هناك ذنبا، فقد علم الكلام فيه. ### | الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه ولى ابن أبي سرح مصر حتى تظلم منه أهلها # وأما قوله: وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر حتى تظلم منه أهلها، ~~وكاتبه أن يستمر على ولايته سرا، خلاف ما كتب إليه جهرا. # والجواب: أن هذا كذب على عثمان. وقد حلف عثمان أنه لم يكتب شيئا من ذلك، ~~وهو الصادق البار بلا يمين، وغاية ما قيل: إن مروان كتب بغير علمه، وأنهم ~~طلبوا أن يسلم إليهم مروان ليقتلوه، فامتنع. فإن كان قتل مروان لا يجوز، ~~فقد فعل الواجب، وإن كان يجوز ولا يجب، فقد فعل الجائز، وإن كان قتله ~~واجبا، فذاك (3) من موارد الاجتهاد؛ فإنه لم يثبت لمروان ذنب يوجب قتله ~~شرعا، فإن مجرد التزوير لا يوجب القتل. وبتقدير أن يكون ترك الواجب فقد ~~قدمنا الجواب العام (4) . ### | الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه أمر بقتل محمد بن أبي بكر # وأما قوله: أمر بقتل محمد بن أبي بكر. # فهذا من الكذب المعلوم على عثمان. وكل ذي علم بحال عثمان وإنصاف له، يعلم ~~أنه لم يكن ممن يأمر بقتل محمد بن أبي بكر ولا أمثاله، ولا عرف منه قط أنه ~~قتل أحدا من هذا الضرب، وقد سعوا في PageV06P244 # قتله، ودخل عليه محمد فيمن دخل، وهو لا يأمر بقتالهم دفعا عن نفسه، فكيف ms1456 ~~يبتدئ بقتل معصوم الدم؟ (1) # وإن ثبت أن عثمان أمر بقتل محمد بن أبي بكر، لم يطعن على عثمان. بل عثمان ~~إن كان أمر بقتل محمد بن أبي بكر أولى بالطاعة ممن طلب قتل مروان؛ لأن ~~عثمان إمام هدى، وخليفة راشد، يجب عليه سياسة رعيته، وقتل من لا يدفع شره ~~إلا بالقتل (2) . وأما الذين طلبوا قتل مروان فقوم خوارج مفسدون في الأرض ~~ليس لهم قتل أحد، ولا إقامة حد. وغايتهم أن يكونوا ظلموا في بعض الأمور، ~~وليس لكل مظلوم أن يقتل بيده كل من ظلمه، بل ولا يقيم الحد. # وليس مروان أولى بالفتنة والشر من محمد بن أبي بكر، ولا هو أشهر بالعلم ~~والدين منه. بل أخرج أهل الصحاح عدة أحاديث عن مروان، وله قول مع أهل ~~الفتيا (3) ، واختلف في صحبته (4) . PageV06P245 # ومحمد بن أبي بكر ليس بهذه المنزلة عند الناس، ولم يدرك من حياة النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - إلا أشهرا قليلة: من ذي القعدة إلى أول شهر ربيع ~~الأول، فإنه ولد بالشجرة لخمس بقين من ذي القعدة عام حجة الوداع. ومروان من ~~أقران ابن الزبير، فهو قد أدرك حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ويمكن أنه ~~رآه عام فتح مكة، أو عام حجة الوداع. [والذين] (1) قالوا: لم ير النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - قالوا: إن أباه كان بالطائف، فمات النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - وأبوه بالطائف، وهو مع أبيه. ومن الناس من يقول: إن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - نفى أباه إلى الطائف، وكثير من أهل العلم ينكر ذلك، ~~ويقول: إنه ذهب باختياره، وإن نفيه ليس له إسناد. # وهذا إنما يكون بعد فتح مكة، فقد كان أبوه بمكة مع سائر الطلقاء، وكان هو ~~قد قارب سن التمييز. # وأيضا فقد يكون أبوه حج مع الناس، فرآه في حجة الوداع، ولعله قدم إلى ~~المدينة. فلا يمكن الجزم بنفي رؤيته للنبي - صلى الله عليه وسلم -. # وأما أقرانه، كالمسور بن مخرمة، وعبد الله بن الزبير، فهؤلاء كانوا ~~بالمدينة. وقد ثبت أنهم سمعوا من النبي ms1457 - صلى الله عليه وسلم -. ### | الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه ولى معاوية الشام فأحدث من الفتن ما أحدث # وأما قوله: " ولى (2) معاوية الشام، فأحدث من الفتن ما أحدثه ". # فالجواب: أن معاوية إنما ولاه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. لما مات ~~أخوه يزيد بن أبي سفيان ولاه عمر مكان أخيه. واستمر في ولاية PageV06P246 # عثمان، وزاده عثمان في الولاية. وكانت سيرة معاوية مع رعيته من خيار سير ~~(1) الولاة، وكانت رعيته يحبونه (2) . # و [قد ثبت] في الصحيح (3) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ~~«خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار ~~أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم» " (4) . # وإنما ظهر الإحداث من معاوية في الفتنة لما قتل عثمان، ولما قتل عثمان ~~كانت الفتنة شاملة لأكثر الناس، لم يختص بها معاوية، بل كان معاوية أطلب ~~للسلامة من كثير منهم، وأبعد عن (5) الشر من كثير منهم. # ومعاوية كان خيرا من الأشتر النخعي، ومن محمد بن أبي بكر، ومن عبيد الله ~~(6) بن عمر بن الخطاب، ومن أبي الأعور السلمي، [ومن هاشم بن هاشم بن هاشم ~~المرقال] (7) ، ومن الأشعث بن قيس الكندي، ومن بسر (8) بن أبي أرطاة، وغير ~~هؤلاء من الذين كانوا معه ومع علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما -. ~~PageV06P247 ### | [الرد على قول الرافضي وولى عبد الله بن عامر البصرة ففعل من المناكير ما فعل] # وأما قوله: " وولى عبد الله بن عامر البصرة، ففعل من المناكير ما فعل ". # فالجواب: أن عبد الله بن عامر له من الحسنات والمحبة في قلوب الناس ما لا ~~ينكر، وإذا فعل منكرا فذنبه عليه (1) . فمن قال: إن عثمان رضي بالمنكر الذي ~~فعله؟ ### | [الرد على قول الرافضي وولى مروان أمره وألقى إليه مقاليد أموره] # وأما قوله: " وولى مروان أمره، وألقى إليه مقاليد أموره، ودفع إليه ~~خاتمه، وحدث من ذلك قتل عثمان، وحدث من الفتنة بين الأمة ما حدث ". # فالجواب: أن قتل عثمان والفتنة لم يكن سببها مروان (2) وحده، بل اجتمعت ~~أمور متعددة، من جملتها أمور ms1458 تنكر من مروان. وعثمان - رضي الله عنه - كان ~~قد كبر، وكانوا يفعلون أشياء لا يعلمونه بها، فلم يكن آمرا لهم بالأمور ~~التي أنكرتموها عليه (3) ، بل كان يأمر بإبعادهم وعزلهم، [فتارة يفعل ذلك] ~~(4) ، وتارة لا يفعل ذلك. وقد تقدم (5) الجواب العام. # ولما قدم المفسدون الذين أرادوا قتل عثمان، وشكوا أمورا، أزالها كلها ~~[عثمان] (6) ، حتى أنه أجابهم إلى عزل من يريدون عزله، وإلى أن مفاتيح بيت ~~المال تعطى لمن يرتضونه، وأنه لا يعطي أحدا من المال إلا بمشورة الصحابة ~~ورضاهم، ولم يبق لهم طلب. ولهذا قالت عائشة PageV06P248 # - رضي الله عنها -: " مصصتموه كما يمص (1) الثوب، ثم عمدتم إليه فقتلتموه ~~". # وقد قيل: إنه زور (2) عليه كتاب بقتلهم (3) ، وأنهم أخذوه في الطريق، ~~فأنكر عثمان الكتاب، وهو الصادق. وأنهم اتهموا به مروان، وطلبوا تسليمه ~~إليهم، فلم يسلمه. # وهذا بتقدير أن يكون صحيحا، لا يبيح [شيئا] مما فعلوه [بعثمان] (4) . ~~وغايته أن يكون مروان قد أذنب في إرادته قتلهم، و [لكن] لم يتم (5) غرضه. ~~ومن سعى في قتل إنسان ولم يقتله، لم يجب قتله. فما كان يجب قتل مروان بمثل ~~هذا. نعم ينبغي الاحتراز ممن يفعل مثل هذا، وتأخيره وتأديبه. ونحو ذلك. أما ~~الدم فأمر عظيم. ### | الرد على قول الرافضي أن عثمان رضي الله عنه كان يؤثر أهله بالأموال الكثيرة # وأما قوله: " وكان يؤثر أهله بالأموال الكثيرة من بيت المال، حتى أنه دفع ~~إلى أربعة نفر من قريش، زوجهم بناته، أربعمائة ألف دينار (6) ، ودفع إلى ~~مروان ألف ألف دينار ". # فالجواب: [أولا] (7) أن يقال: أين النقل الثابت بهذا؟ نعم كان يعطي ~~أقاربه عطاء كثيرا، ويعطي غير أقاربه أيضا، وكان محسنا إلى جميع المسلمين. ~~وأما هذا القدر الكثير فيحتاج إلى نقل ثابت (8) . PageV06P249 # ثم يقال ثانيا: هذا من الكذب البين، فإنه لا عثمان ولا غيره من الخلفاء ~~الراشدين أعطوا أحدا ما يقارب هذا المبلغ. ومن المعلوم أن معاوية كان يعطي ~~(1) من يتألفه أكثر من عثمان. ومع هذا فغاية ما أعطى الحسن بن علي مائة ألف ~~أو ثلاثمائة ألف [درهم] (2) . وذكروا أنه ms1459 لم يعط أحدا قدر هذا قط. # نعم كان عثمان يعطي بعض أقاربه ما يعطيهم من العطاء الذي أنكر عليه، وقد ~~تقدم تأويله في ذلك، والجواب العام يأتي على ذلك، فإنه كان له تأويلان في ~~إعطائهم، كلاهما مذهب طائفة من الفقهاء: أحدهما: أنه ما أطعم الله لنبي ~~طعمة إلا كانت طعمة لمن يتولى الأمر بعده، وهذا مذهب طائفة من الفقهاء، ~~ورووا في ذلك حديثا معروفا مرفوعا (3) ، وليس هذا موضع بسط الكلام في ~~جزئيات المسائل. # وقالوا: [إن] (4) ذوي القربي في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ذوو ~~قرباه، وبعد موته هم ذوو قربى من يتولى الأمر بعده. وقالوا: إن أبا بكر ~~وعمر لم يكن لهما (5) أقارب كما كان لعثمان، فإن بني عبد شمس من أكبر قبائل ~~قريش، ولم يكن من يوازيهم إلا بنو مخزوم. والإنسان مأمور بصلة رحمه من ~~ماله، فإذا اعتقدوا أن ولي الأمر يصله من مال بيت المال مما جعله الله لذوي ~~القربى، استحقوا بمثل هذا أن يوصلوا من PageV06P250 # بيت المال ما يستحقونه، لكونهم أولي قربى الإمام. وذلك أن نصر ولي الأمر ~~والذب عنه متعين، وأقاربه ينصرونه ويذبون عنه ما لا يفعله غيرهم. # وبالجملة، فلا بد لكل ذوي أمر (1) من أقوام يأتمنهم على نفسه، ويدفعون ~~عنه من يريد ضرره. فإن لم يكن الناس مع إمامهم كما كانوا مع أبي بكر وعمر، ~~احتاج الأمر إلى بطانة يطمئن إليهم، وهم لا بد لهم من كفاية. فهذا أحد ~~التأويلين. # والتأويل الثاني: أنه كان يعمل في المال. وقد قال الله تعالى: {والعاملين ~~عليها} [سورة التوبة: 60] . والعامل على الصدقة الغني له (2) أن يأخذ ~~بعمالته باتفاق المسلمين. # والعامل في مال اليتيم قد قال الله تعالى فيه: {ومن كان غنيا فليستعفف ~~ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف} [سورة النساء: 6] . وهل الأمر للغني ~~بالاستعفاف أمر إيجاب أو أمر استحباب؟ على قولين. # (3 وولي بيت المال وناظر الوقف هل هو كعامل الصدقة 3) (3) (* أو كولي ~~اليتيم؟ على قولين. وإذا جعل ولي الأمر كعامل الصدقة استحق مع الغنى *) (4) ~~. وإذا جعل كولي اليتيم (5) ففيه ms1460 القولان. فهذه ثلاثة أقوال، وعثمان على ~~قولين: كان له الأخذ مع الغنى. وهذا مذهب الفقهاء، ليست كأغراض الملوك التي ~~لم يوافق عليها أحد من أهل العلم. PageV06P251 # ومعلوم أن هذه التأويلات إن كانت مطابقة فلا كلام، وإن كانت مرجوحة (1) ~~فالتأويلات في الدماء التي جرت من علي ليست بأوجه منها. والاحتجاج لهذه ~~الأقوال أقوى (2) من الاحتجاج لقول من رأى القتال. ### | الرد على قول الرافضي أن ابن مسعود كان يطعن على عثمان ويكفره رضي الله عنهما # وأما قوله: " وكان ابن مسعود يطعن عليه ويكفره ". # فالجواب: أن هذا من الكذب البين على ابن مسعود، فإن علماء أهل النقل ~~يعلمون أن ابن مسعود ما كان يكفر عثمان، بل لما ولي عثمان وذهب ابن مسعود ~~إلى الكوفة قال: " ولينا أعلانا ذا فوق ولم نأل ". # وكان عثمان في السنين الأول (3) من ولايته لا ينقمون منه شيئا، ولما كانت ~~السنين الآخرة (4) نقموا منه أشياء، بعضها هم معذورون فيه، وكثير منها كان ~~عثمان هو المعذور فيه. # من جملة ذلك أمر ابن مسعود؛ فإن ابن مسعود بقي في نفسه من أمر المصحف، ~~لما فوض كتابته إلى زيد دونه، وأمر الصحابة (5) أن يغسلوا (6) مصاحفهم. ~~وجمهور الصحابة كانوا على ابن مسعود مع عثمان، وكان زيد بن ثابت قد انتدبه ~~قبل ذلك أبو بكر وعمر لجمع المصحف في PageV06P252 # الصحف (1) ، فندب عثمان من ندبه أبو بكر وعمر، وكان زيد بن ثابت قد حفظ ~~العرضة الأخيرة، فكان اختيار تلك أحب إلى الصحابة، فإن جبريل عارض النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - بالقرآن في العام الذي قبض فيه مرتين. # وأيضا فكان ابن مسعود أنكر على الوليد بن عقبة لما شرب الخمر، وقد قدم ~~ابن مسعود إلى المدينة، وعرض عليه عثمان النكاح. # وهؤلاء المبتدعة غرضهم التكفير أو التفسيق (2) للخلفاء الثلاثة بأشياء لا ~~يفسق بها واحد من الولاة، فكيف يفسق بها أولئك؟ ومعلوم أن مجرد قول الخصم ~~[في خصمه] (3) لا يوجب القدح في واحد منها، وكذلك كلام أحد (4) المتشاجرين ~~في الآخر. # ثم يقال: بتقدير أن يكون ابن مسعود طعن ms1461 على عثمان - رضي الله عنهما - ~~فليس جعل ذلك قدحا في عثمان بأولى من جعله قدحا في ابن مسعود. وإذا كان كل ~~واحد منهما مجتهدا فيما قاله أثابه الله على حسناته وغفر له خطأه، وإن كان ~~صدر من أحدهما ذنب، فقد علمنا أن كلا منهما ولي لله، وأنه من أهل الجنة، ~~وأنه لا يدخل النار، فذنب كل واحد (5) منهما لا يعذبه الله عليه في الآخرة. ~~PageV06P253 # وعثمان أفضل من كل من تكلم فيه. هو أفضل من ابن مسعود وعمار وأبي ذر ~~[ومن] غيرهم (1) من وجوه كثيرة، كما ثبت ذلك بالدلائل الكثيرة. # فليس جعل كلام المفضول قادحا في الفاضل بأولى من العكس، بل إن أمكن ~~الكلام بينهما بعلم وعدل، وإلا تكلم بما يعلم من فضلهما ودينهما، وكان ما ~~شجر بينهما وتنازعا فيه أمره إلى الله. # ولهذا أوصوا (2) بالإمساك عما شجر بينهم؛ لأنا لا نسأل عن ذلك (3) . # كما قال عمر بن عبد العزيز: " تلك دماء طهر الله منها يدي، فلا أحب أن ~~أخضب بها لساني ". وقال آخر: {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ~~ولا تسألون عما كانوا يعملون} [سورة البقرة: 134] . # لكن إذا ظهر مبتدع يقدح فيهم بالباطل، فلا بد من الذب عنهم، وذكر ما يبطل ~~حجته (4) بعلم وعدل. # وكذلك ما نقل من تكلم عمار في عثمان، وقول الحسن فيه، ونقل عنه أنه قال: ~~" لقد كفر عثمان كفرة صلعاء "، وأن الحسن بن علي أنكر [ذلك] (5) عليه، ~~وكذلك علي، وقال له: " يا عمار أتكفر برب آمن به عثمان؟ ". # وقد تبين أن الرجل المؤمن الذي هو ولي لله قد يعتقد كفر الرجل المؤمن ~~الذي هو ولي لله، ويكون مخطئا في هذا الاعتقاد. ولا يقدح PageV06P254 # هذا في إيمان واحد منهما وولايته. كما ثبت في الصحيح أن أسيد بن حضير قال ~~لسعد بن عبادة بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إنك منافق تجادل عن ~~المنافقين " (1) ، وكما «قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لحاطب بن أبي ~~بلتعة: " دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق ms1462 "، فقال النبي - صلى الله ~~عليه وسلم -: " إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر ~~فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» " (2) . # فعمر أفضل من عمار، وعثمان أفضل من حاطب بن أبي بلتعة بدرجات كثيرة. وحجة ~~عمر فيما قال لحاطب أظهر من حجة عمار، [ومع هذا] فكلاهما (3) من أهل الجنة، ~~فكيف لا يكون عثمان وعمار من أهل الجنة، وإن قال أحدهما للآخر ما قال؟ ! مع ~~أن طائفة من العلماء أنكروا أن يكون عمار قال ذلك. ### | الرد على قول الرافضي أن عثمان حكم بضرب ابن مسعود رضي الله عنهما حتى مات # وأما قوله (4) : " إنه لما حكم ضرب ابن مسعود حتى مات ". # فهذا كذب باتفاق أهل العلم، فإنه لما ولي أقر ابن مسعود على ما كان عليه ~~من الكوفة، إلى أن جرى من ابن مسعود [ما جرى. وما مات ابن مسعود] (5) من ~~ضرب عثمان أصلا. # وفي الجملة، فإذا قيل: إن عثمان ضرب ابن مسعود أو عمارا، فهذا لا ~~PageV06P255 # يقدح في أحد منهم؛ فإنا نشهد أن الثلاثة في الجنة، وأنهم من أكابر أولياء ~~الله المتقين. وقد قدمنا أن ولي الله قد يصدر منه (1) ما يستحق عليه ~~العقوبة الشرعية، فكيف بالتعزير؟ (2) # وقد ضرب عمر بن الخطاب أبي بن كعب بالدرة لما رأى الناس يمشون خلفه. ~~فقال: ما هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: هذا ذلة للتابع وفتنة للمتبوع. # فإن كان عثمان أدب هؤلاء، فإما أن يكون عثمان مصيبا في تعزيرهم ~~لاستحقاقهم ذلك، أو يكون (3) ذلك الذي عزروا عليه تابوا منه، أو كفر عنهم ~~بالتعزير وغيره من المصائب، أو بحسناتهم (4) العظيمة، أو بغير ذلك. # وإما أن يقال: كانوا مظلومين مطلقا، فالقول في عثمان كالقول فيهم وزيادة، ~~فإنه أفضل منهم، وأحق بالمغفرة والرحمة. # وقد يكون الإمام مجتهدا في العقوبة مثابا عليها، وأولئك مجتهدون فيما ~~فعلوه لا يأثمون به، بل يثابون عليه لاجتهادهم. مثل شهادة أبي بكرة على ~~المغيرة، فإن أبا بكرة رجل صالح من خيار المسلمين، وقد كان محتسبا في ~~شهادته معتقدا أنه يثاب ms1463 على ذلك، وعمر أيضا محتسب في إقامة الحد مثاب على ~~ذلك. PageV06P256 # فلا يمتنع أن يكون ما جرى من عثمان في تأديب ابن مسعود [وعمار] (1) من ~~هذا الباب. # وإذا كان المقتتلون قد يكون كل منهم مجتهدا مغفورا له خطؤه فالمختصمون ~~أولى بذلك (2) . # وإما أن يقال: كان مجتهدا، وكانوا مجتهدين. فمثل هذا (3) يقع كثيرا: يفعل ~~الرجل شيئا باجتهاده، ويرى ولي الأمر أن مصلحة المسلمين لا تتم إلا ~~بعقوبته، كما أنها لا تتم إلا بعقوبة المتعدي وإن تاب بعد رفعه (4) إلى ~~الإمام. # فالزاني والسارق والشارب إذا تابوا بعد الرفع إلى الإمام وثبوت الحد ~~عليهم، لم يسقط الحد عنهم (5) بالتوبة، بل يعاقبون مع كونهم بالتوبة ~~مستحقين للجنة (6) ، ويكون الحد مما يثابون عليه، ويؤجرون عليه، ويكفر الله ~~به ما يحتاج إلى التكفير. # ولو أن رجلا قتل من اعتقده مستحقا لقتله قصاصا، أو أخذ مالا يعتقد أنه له ~~في الباطن، ثم ادعى أهل المقتول، وأهل المال بحقهم عند ولي الأمر، حكم لهم ~~به، وعاقب من امتنع من تسليم المحكوم به إليهم، وإن كان متأولا فيما فعله، ~~بل بريئا في الباطن. PageV06P257 # وأكثر الفقهاء يحدون من شرب النبيذ المتنازع (1) فيه، وإن كان متأولا. ~~وكذلك يأمرون بقتال الباغي المتأول لدفع بغيه، وإن كانوا مع ذلك لا يفسقونه ~~لتأويله. # وقد ثبت في الصحيح أن عمار بن ياسر لما أرسله علي إلى الكوفة هو والحسن؛ ~~ليعينوا على عائشة (2) ، قال عمار بن ياسر: إنا لنعلم أنها زوجة نبيكم في ~~الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم بها لينظر: إياه تطيعون أم إياها؟ (3) # فقد شهد لها عمار بأنها من أهل الجنة، وزوجة رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - في الآخرة، ومع هذا دعا الناس إلى دفعها بما يمكن من قتال وغيره. # فإذا كان عمار يشهد لها بالجنة ويقاتلها، فكيف لا يشهد له عثمان بالجنة ~~ويضربه؟ # وغاية ما [يقال: إن ما] وقع كان هذا وهذا [وهذا] مذنبين فيه (4) . وقد ~~قدمنا القاعدة الكلية أن القوم مشهود لهم بالجنة وإن كان لهم ذنوب. ### | الرد على حديث مكذوب يذكره ms1464 الرافضي عن عمار رضي الله عنه # وأما قوله: " وقال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «عمار جلدة بين ~~عيني، تقتله الفئة الباغية، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة» ". ~~PageV06P258 # فيقال: الذي في الصحيح: " «تقتل عمارا الفئة الباغية» " (1) . وطائفة من ~~العلماء ضعفوا هذا الحديث، منهم الحسين الكرابيسي وغيره، ونقل ذلك عن أحمد ~~أيضا. # وأما قوله: " «لا أنالهم الله شفاعتي» " فكذب مزيد في الحديث، لم يروه ~~أحد من أهل العلم بإسناد معروف (2) . # وكذلك قوله: " «عمار جلدة بين عيني» " لا يعرف له إسناد (3) . # ولو قيل مثل ذلك، فقد ثبت عنه في الصحيح (* أنه قال: " «إنما فاطمة بضعة ~~مني، يريبني ما يريبها» " (4) . وفي الصحيح عنه *) (5) أنه قال: " «لو أن ~~فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» " (6) . و [ثبت] عنه في الصحيح (7) أنه ~~كان يحب أسامة، ثم يقول (8) : " «اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه» " (9) ~~. ومع هذا لما قتل ذلك الرجل أنكر عليه إنكارا شديدا، وقال: PageV06P259 # " «يا أسامة أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ [أقتلته بعد أن قال لا ~~إله إلا الله] (1) ؟ " قال: " فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن ~~أسلمت إلا يومئذ» " (2) . # [وثبت] عنه في الصحيح (3) أنه قال: " «يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من ~~الله شيئا، يا عباس عم رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا» " الحديث (4) . # وثبت عنه في عبد الله حمار، أنه كان يضربه (5) على شرب الخمر مرة بعد ~~مرة، وأخبر عنه (6) أنه يحب الله ورسوله (7) . PageV06P260 # وقال في خالد: " سيف (1) من سيوف الله " (2) ولما فعل في بني جذيمة ما ~~فعل، قال: " «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد» " (3) . # وثبت عنه أنه قال لعلي: " «أنت مني وأنا منك» " (4) . ولما خطب بنت أبي ~~جهل قال: " «إن بني المغيرة استأذنوني في أن يزوجوا ابنتهم (5) عليا، وإني ~~لا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي ~~ويتزوج ابنتهم. والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد» ~~" (6) . # وفي حديث آخر ms1465 أنه رأى أبا بكر يضرب عبده وهو محرم، فقال: " «انظروا ما ~~يفعل المحرم» " (7) ومثل هذا كثير. PageV06P261 # فكون الرجل محبوبا لله ورسوله، لا يمنع أن يؤدب بأمر الله ورسوله، فإن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب، ولا ~~هم ولا حزن، ولا غم ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها [من] (1) ~~خطاياه» ". أخرجاه في الصحيحين (2) . # ولما نزل قوله - تعالى -: {من يعمل سوءا يجز به} [سورة النساء: 123] . ~~«قال أبو بكر: يا رسول الله قد جاءت قاصمة الظهر. فقال: " ألست تحزن؟ ألست ~~تنصب؟ ألست تصيبك اللأواء؟ فهو مما تجزون به» ؟ رواه أحمد وغيره (3) . # وفي الحديث: " «الحدود كفارات لأهلها» ". (4) . PageV06P262 # وفي الصحيحين عن عبادة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ~~«بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تزنوا ولا تسرقوا، ولا تأتوا ~~ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني (1) في معروف، فمن وفى منكم ~~فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له، ~~ومن أصاب [من ذلك] (2) شيئا فستره الله عليه، فأمره إلى الله، إن شاء عذبه، ~~وإن شاء غفر له» " (3) . # فإذا كانت المصائب السماوية (4) التي تجري بغير فعل بشر (5) مما يكفر ~~الله بها الخطايا، فما يجري من أذى الخلق والمظالم (6) بطريق الأولى، كما ~~يصيب المجاهدين من أذى الكفار، وكما يصيب الأنبياء من أذى من يكذبهم، وكما ~~يصيب المظلوم من أذى الظالم. PageV06P263 # وإذا كان هذا مما يقع معصية لله ورسوله، فما يفعله ولي الأمر من إقامة حد ~~وتعزير يكون تكفير الخطايا به أولى. # وكانوا في زمن عمر إذا شرب أحدهم الخمر جاء بنفسه إلى الأمير وقال: " ~~طهرني ". # وقد جاء ماعز بن مالك والغامدية إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وطلبا ~~منه التطهير. # وإذا كان كذلك، فكون الرجل وليا لله لا يمنع أن يحتاج إلى ما يكفر الله ~~به سيئاته، من تأديب ولي الأمر الذي أمره الله عليه، وغير ذلك. # وإذا قيل: هم مجتهدون معذورون فيما أدبهم عليه عثمان ms1466، فعثمان أولى أن ~~يقال فيه: كان مجتهدا معذورا فيما أدبهم عليه، فإنه إمام مأمور بتقويم ~~رعيته. وكان عثمان أبعد عن الهوى، وأولى بالعلم والعدل فيما أدبهم عليه - ~~رضي الله عنهم أجمعين -. # ولو قدح رجل في علي بن أبي طالب بأنه قاتل معاوية وأصحابه [وقاتل] طلحة ~~(1) والزبير. # لقيل له: علي بن أبي طالب أفضل وأولى بالعلم والعدل من الذين قاتلوه، فلا ~~يجوز أن يجعل الذين قاتلوه هم العادلين (2) وهو ظالم لهم. # كذلك عثمان فيمن أقام عليه حدا أو تعزيرا هو أولى بالعلم والعدل منهم. ~~وإذا وجب الذب عن علي لمن يريد أن يتكلم فيه بمثل ذلك، فالذب عن عثمان لمن ~~يريد أن يتكلم فيه بمثل ذلك أولى. PageV06P264 ### | الرد على زعم الرافضي أن الرسول عليه السلام طرد الحكم وابنه عن المدينة وردهما عثمان وأكرمهما # وقوله: " وطرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحكم بن أبي العاص عم ~~عثمان عن المدينة، ومعه ابنه مروان، فلم يزل هو وابنه طريدين في زمن النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر، فلما ولي عثمان آواه ورده إلى ~~المدينة، وجعل مروان كاتبه وصاحب تدبيره. مع أن الله قال: {لا تجد قوما ~~يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} [الآية] (1) [سورة ~~المجادلة: 22] . # والجواب: أن الحكم بن أبي العاص كان من مسلمة الفتح، وكانوا ألفي رجل، ~~ومروان ابنه كان صغيرا إذ ذاك، فإنه من أقران ابن الزبير والمسور بن مخرمة، ~~عمره حين الفتح سن التمييز: إما سبع سنين، أو أكثر بقليل، أو أقل بقليل، ~~فلم يكن لمروان ذنب يطرد عليه على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم ~~تكن الطلقاء تسكن بالمدينة في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -. فإن كان ~~قد طرده، فإنما طرده من مكة لا من المدينة، ولو طرده من المدينة لكان يرسله ~~إلى مكة. وقد طعن كثير من أهل العلم في نفيه، وقالوا: هو ذهب باختياره. # وقصة نفي الحكم ليست في الصحاح، ولا لها إسناد يعرف به أمرها. # ومن الناس من يروي ms1467 أنه حاكى (2) النبي - صلى الله عليه وسلم - في مشيته، ~~ومنهم من يقول غير ذلك، ويقولون: إنه نفاه إلى الطائف. PageV06P265 # والطلقاء ليس فيهم من هاجر، بل قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «لا ~~هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية» " (1) . # ولما (2) قدم صفوان بن أمية مهاجرا أمره النبي - صلى الله عليه وسلم ~~-[بالرجوع] (3) إلى مكة. ولما أتاه العباس برجل (4) ليبايعه على الهجرة ~~وأقسم عليه، أخذ بيده وقال: " « [إني] (5) أبررت قسم عمي ولا هجرة بعد ~~الفتح» ". # وكان العباس قد خرج من مكة إلى المدينة قبل وصول النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -[إليها] (6) عام الفتح، فلقيه في الطريق. فلم تكن الطلقاء تسكن ~~بالمدينة. فإن كان قد طرده فإنما طرده من مكة لا من المدينة، ولو طرده من ~~المدينة لكان يرسله إلى مكة. # وقد طعن كثير من أهل العلم في نفيه كما تقدم، وقالوا: هو ذهب باختياره. # والطرد هو النفي، والنفي قد جاءت به السنة في الزاني وفي المخنثين، ~~وكانوا يعزرون بالنفي. وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد عزر رجلا ~~بالنفي، لم يلزم أن يبقى منفيا طول الزمان، فإن هذا لا يعرف في شيء من ~~الذنوب، ولم تأت الشريعة بذنب يبقى صاحبه PageV06P266 # منفيا [دائما] (1) ، بل غاية النفي المقدر سنة، وهو نفي الزاني والمخنث ~~حتى يتوب من التخنيث، فإن كان تعزير الحاكم لذنب حتى يتوب منه، فإذا تاب ~~سقطت العقوبة عنه، وإن كانت على ذنب ماض فهو أمر اجتهادي لم يقدر فيه قدر، ~~ولم يوقت فيه وقت. # وإذا كان كذلك، فالنفي كان في آخر الهجرة، فلم تطل مدته في زمن أبي بكر ~~وعمر. فلما كان عثمان طالت مدته، وقد كان عثمان شفع في عبد الله بن أبي سرح ~~إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان كاتبا للوحي، وارتد عن الإسلام، ~~وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أهدر دمه فيمن أهدر، ثم جاء [به] (2) ~~عثمان فقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - شفاعته فيه وبايعه، فكيف لا يقبل ~~شفاعته في الحكم؟ ! # وقد رووا أن عثمان ms1468 سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرده فأذن له في ~~ذلك. ونحن نعلم أن ذنبه دون ذنب عبد الله بن سعيد بن أبي سرح. وقصة [عبد ~~الله] ثابتة (3) معروفة بالإسناد الثابت. وأما قصة الحكم فعامة من ذكرها ~~إنما ذكرها مرسلة، وقد ذكرها المؤرخون الذين يكثر الكذب فيما يروونه، وقل ~~أن يسلم لهم نقلهم من الزيادة والنقصان، فلم يكن هنا (4) نقل ثابت يوجب ~~القدح فيمن هو دون عثمان. PageV06P267 # والمعلوم من فضائل عثمان، ومحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - له، وثنائه ~~عليه، وتخصيصه بابنتيه، وشهادته له بالجنة، وإرساله إلى مكة، ومبايعته له ~~عنه لما أرسله إلى مكة، وتقديم الصحابة له باختيارهم في الخلافة، وشهادة ~~عمر وغيره له بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مات وهو عنه راض، ~~وأمثال ذلك مما يوجب العلم القطعي بأنه من كبار أولياء الله المتقين، الذين ~~رضي الله عنهم ورضوا عنه، فلا يدفع هذا بنقل لا يثبت إسناده، ولا يعرف كيف ~~وقع، ويجعل لعثمان ذنب بأمر لا يعرف حقيقته، بل مثل هذا مثل الذين يعارضون ~~المحكم بالمتشابه، وهذا من فعل الذين في قلوبهم زيغ، الذين يبتغون الفتنة. # (* ولا ريب أن الرافضة من شرار الزائغين الذين يبتغون الفتنة *) (1) ~~الذين ذمهم الله ورسوله. # وبالجملة، فنحن نعلم قطعا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يأمر ~~بنفي أحد دائما ثم يرده عثمان معصية لله ورسوله، ولا ينكر ذلك عليه ~~المسلمون. وكان عثمان - رضي الله عنه - أتقى لله من أن يقدم على مثل هذا ~~(2) ، بل هذا مما يدخله الاجتهاد، فلعل أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - لم ~~يرداه لأنه لم يطلب ذلك منهما، وطلبه من عثمان، فأجابه إلى ذلك، أو لعله لم ~~يتبين لهما توبته، وتبين ذلك لعثمان. وغاية ما يقدر أن يكون هذا خطأ من ~~الاجتهاد أو ذنبا، وقد تقدم الكلام على ذلك. PageV06P268 # وأما استكتابه مروان، فمروان لم يكن له في ذلك ذنب، لأنه كان صغيرا لم ~~يجر عليه القلم، ومات النبي - صلى الله عليه وسلم - ومروان لم ms1469 يبلغ [الحلم] ~~(1) باتفاق أهل العلم، بل غايته أن يكون له عشر سنين أو قريب منها، وكان ~~مسلما باطنا وظاهرا، يقرأ القرآن ويتفقه في الدين، ولم يكن قبل الفتنة ~~معروفا بشيء يعاب به (2) ، فلا ذنب لعثمان في استكتابه. # وأما الفتنة فأصابت من هو أفضل من مروان، ولم يكن مروان ممن يحاد الله ~~ورسوله. # وأما أبوه الحكم فهو من الطلقاء، والطلقاء حسن إسلام أكثرهم، وبعضهم فيه ~~نظر. ومجرد ذنب يعزر عليه لا يوجب أن يكون منافقا في الباطن. # والمنافقون تجري عليهم في الظاهر أحكام الإسلام، ولم يكن أحد من الطلقاء ~~بعد الفتح يظهر المحادة لله ورسوله، بل يرث ويورث، ويصلى عليه، ويدفن في ~~مقابر المسلمين، وتجري عليه أحكام الإسلام التي تجري على غيره. # وقد عرف نفاق جماعة من الأوس والخزرج كعبد الله بن أبي [ابن سلول] (3) ~~وأمثاله، ومع هذا كان المؤمنون يتعصبون لهم أحيانا، كما تعصب سعد بن عبادة ~~لابن أبي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه PageV06P269 # وسلم -، وقال لسعد بن معاذ: " والله لا تقتله ولا تقدر على قتله " (1) . ~~وهذا وإن كان ذنبا من سعد لم يخرجه ذلك عن الإيمان، بل سعد من أهل الجنة، ~~ومن السابقين الأولين من الأنصار. فكيف بعثمان إذا آوى رجلا لا يعرف أنه ~~منافق؟ ! # ولو كان منافقا لم يكن الإحسان إليه موجبا للطعن [في عثمان] فإن الله (2) ~~- تعالى - يقول: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم ~~يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} [سورة ~~الممتحنة: 8] (3) . # وقد ثبت في الصحيح أن أسماء بنت أبي بكر قالت: يا رسول الله إن أمي قدمت ~~وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: " «نعم صلي أمك» " (4) . # وقد أوصت صفية بنت حيي بن أخطب لقرابة لها من اليهود. # فإذا كان الرجل المؤمن قد يصل أقاربه الكفار، ولا يخرجه ذلك عن الإيمان، ~~فكيف إذا وصل أقاربه المسلمين، وغاية ما فيهم أن يتهموا بالنفاق؟ ! ~~PageV06P270 # و [أم المؤمنين] صفية (1) بنت حيي بن أخطب كان أبوها من رءوس اليهود (2) ~~المحادين لله ورسوله ms1470، وكانت هي امرأة صالحة من أمهات المؤمنين المشهود لها ~~بالجنة، ولما ماتت أوصت لبعض أقاربها من اليهود (3) ، وكان ذلك مما تحمد ~~عليه لا مما تذم عليه. # وهذا مما احتج به الفقهاء على جواز صلة المسلم لأهل الذمة بالصدقة عليهم، ~~والوصية لهم. فكيف بأمير المؤمنين إذا أحسن إلى عمه المظهر للإسلام؟ ! # وهذا حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين بأخبار النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - عام الفتح، وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه من أهل الجنة ~~لشهوده بدرا والحديبية، وقال لمن قال: إنه منافق: " «ما يدريك لعل الله (4) ~~اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» " (5) . # وأين حاطب من عثمان؟ فلو قدر - والعياذ بالله - أن عثمان فعل مع أقاربه ~~ما هو من هذا الجنس، لكان إحساننا القول فيه، والشهادة له بالجنة أولى بذلك ~~من حاطب بن أبي بلتعة. ### | الرد على زعم الرافضي أن عثمان نفى أبا ذر وضربه # وأما قوله: " إنه نفى أبا ذر إلى الربذة وضربه ضربا وجيعا، مع أن ~~PageV06P271 # النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في حقه: «ما أقلت الغبراء ولا أظلت ~~الخضراء على ذي (1) لهجة أصدق من أبي ذر» . وقال: «إن الله أوحى إلي أنه ~~يحب أربعة من أصحابي وأمرني بحبهم. فقيل له: من هم يا رسول الله؟ قال: علي ~~سيدهم، وسلمان، والمقداد، وأبو ذر» ". # فالجواب: أن أبا ذر سكن الربذة ومات بها لسبب ما كان يقع بينه وبين ~~الناس، فإن أبا ذر - رضي الله عنه - كان (2) رجلا صالحا زاهدا، وكان من ~~مذهبه أن الزهد واجب، وأن ما أمسكه الإنسان (3) فاضلا عن حاجته فهو كنز ~~يكوى به في النار، واحتج على ذلك بما لا حجة فيه من الكتاب والسنة. احتج ~~(4) بقوله - تعالى -: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل ~~الله} [سورة التوبة: 34] ، وجعل الكنز ما يفضل عن الحاجة، واحتج بما سمعه ~~من النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أنه قال: " «يا أبا ذر ما أحب أن لي ~~مثل أحد ذهبا يمضي عليه ms1471 ثالثة (5) وعندي منه دينار، إلا دينارا أرصده لدين» ~~". وأنه قال: " «الأكثرون هم الأقلون يوم القيامة، إلا من قال بالمال هكذا ~~وهكذا» (6) ". PageV06P272 # ولما توفي عبد الرحمن بن عوف وخلف مالا، جعل أبو ذر ذلك (1) من الكنز ~~الذي يعاقب عليه، وعثمان يناظره في ذلك، حتى دخل كعب ووافق عثمان، فضربه ~~أبو ذر، وكان قد وقع بينه وبين معاوية بالشام بهذا السبب. # وقد وافق أبا ذر على هذا طائفة من النساك، كما يذكر عن عبد الواحد بن زيد ~~ونحوه. ومن الناس من يجعل الشبلي من أرباب هذا القول. وأما الخلفاء ~~الراشدون وجماهير الصحابة والتابعين فعلى خلاف هذا القول. # [فإنه قد ثبت] في الصحيح (2) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ~~«ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود صدقة، وليس فيما دون ~~خمس (3) أواق صدقة» " (4) . فنفى الوجوب فيما دون المائتين، ولم يشترط كون ~~صاحبها محتاجا إليها أم لا. # وقال جمهور الصحابة: الكنز هو المال الذي لم تؤد حقوقه، وقد قسم ~~PageV06P273 # الله - تعالى - المواريث في القرآن، ولا يكون الميراث إلا لمن خلف مالا. ~~وقد كان غير واحد من الصحابة له مال على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ~~من الأنصار، بل ومن المهاجرين. وكان غير واحد من الأنبياء له مال. # وكان أبو ذر يريد أن يوجب على الناس ما لم يوجب الله عليهم، ويذمهم على ~~ما لم يذمهم الله عليه، مع أنه مجتهد في ذلك، مثاب على طاعته - رضي الله ~~عنه - كسائر المجتهدين من أمثاله. # وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس فيه إيجاب، إنما قال: " «ما أحب ~~أن يمضي علي ثالثة وعندي منه شيء» " فهذا يدل على استحباب إخراج ذلك قبل ~~الثالثة لا على وجوبه. وكذا قوله " «المكثرون هم المقلون» " دليل على أن من ~~كثر ماله قلت حسناته يوم القيامة إذا لم يكثر الإخراج (1) منه، وذلك لا ~~يوجب أن يكون [الرجل] القليل الحسنات (2) من أهل النار، إذا لم يأت كبيرة ~~ولم يترك فريضة [من فرائض الله] . # وكان (3) عمر بن ms1472 الخطاب - رضي الله عنه - يقوم رعيته [تقويما تاما] (4) ، ~~فلا يعتدي (5) لا الأغنياء ولا الفقراء. فلما كان في خلافة عثمان توسع ~~الأغنياء في الدنيا، حتى زاد كثير منهم على قدر المباح في المقدار (6) ~~PageV06P274 # والنوع، وتوسع أبو ذر في الإنكار حتى نهاهم عن المباحات. وهذا من أسباب ~~الفتن بين الطائفتين. # فكان اعتزال أبي ذر لهذا السبب، ولم يكن لعثمان مع أبي ذر غرض من الأغراض ~~(1) . # وأما كون أبي ذر من أصدق الناس، فذاك لا يوجب أنه أفضل من غيره، بل كان ~~أبو ذر مؤمنا ضعيفا. كما [ثبت] (2) في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - أنه قال له: " «يا أبا ذر إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب ~~لنفسي. لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم» " (3) . # و [قد ثبت عنه] في الصحيح (4) أنه قال: " «المؤمن القوي خير وأحب إلى ~~الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير» " (5) . # وأهل (6) الشورى مؤمنون أقوياء، وأبو ذر وأمثاله مؤمنون ضعفاء. ~~PageV06P275 # فالمؤمنون الصالحون لخلافة النبوة، كعثمان، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، ~~أفضل من أبي ذر وأمثاله (1) # والحديث المذكور بهذا اللفظ الذي ذكره الرافضي (2) ضعيف، بل موضوع (3) ، ~~وليس له إسناد يقوم به. ### | الرد على زعم الرافضي أن عثمان ضيع حدود الله # وأما قوله: " إنه ضيع حدود الله، فلم يقتل عبيد الله (4) بن عمر حين قتل ~~الهرمزان مولى أمير المؤمنين بعد إسلامه، وكان أمير المؤمنين يطلب عبيد ~~الله لإقامة القصاص عليه، فلحق بمعاوية (5) . وأراد أن يعطل حد الشرب في ~~الوليد بن عقبة، حتى حده أمير المؤمنين. وقال: لا تبطل حدود (6) الله وأنا ~~حاضر ". # فالجواب: أما قوله: " إن الهرمزان كان مولى علي " فمن الكذب الواضح، فإن ~~الهرمزان كان من الفرس الذين استنابهم كسرى على قتال المسلمين، فأسره ~~المسلمون، وقدموا به على عمر، PageV06P276 # [فأظهر الإسلام] (1) ، فمن (2) عليه عمر وأعتقه، فإن كان عليه ولاء فهو ~~للمسلمين، وإن كان الولاء لمن باشر العتق فهو لعمر، وإن لم يكن عليه ولاء، ~~بل هو كالأسير إذا [من عليه فلا ولاء عليه، فإن العلماء تنازعوا ms1473 في الأسير ~~إذا] (3) أسلم: هل يصير رقيقا بإسلامه؟ أم يبقى حرا يجوز المن عليه ~~والمفاداة كما كان قبل الإسلام؟ مع اتفاقهم على أنه عصم بالإسلام دمه. # وفي المسألة قولان مشهوران، هما قولان في مذهب أحمد وغيره. # وليس لعلي سعي [لا] (4) في استرقاقه ولا في إعتاقه. ولما قتل عمر [بن ~~الخطاب - رضي الله عنه -] كان (5) الذي قتله أبو لؤلؤة الكافر المجوسي مولى ~~المغيرة [بن شعبة] (6) ، وكان بينه وبين الهرمزان مجانسة، وذكر لعبيد الله ~~بن عمر أنه رؤي عند الهرمزان [حين قتل عمر] (7) فكان (8) ممن اتهم ~~بالمعاونة على قتل عمر. # وقد قال [عبد الله] (9) بن عباس لما قتل عمر، وقال له عمر: قد (10) كنت ~~PageV06P277 # أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة (1) . فقال إن شئت أن نقتلهم. ~~فقال: " كذبت، أما [بعد] إذ تكلموا (2) بلسانكم، وصلوا إلى قبلتكم (3) ". # فهذا ابن عباس وهو أفقه من عبيد الله [بن عمر، وأدين وأفضل] (4) بكثير ~~يستأذن عمر في قتل علوج الفرس مطلقا الذين كانوا بالمدينة، لما اتهموهم ~~بالفساد اعتقد جواز مثل هذا، فكيف لا يعتقد عبد الله [جواز] (5) قتل ~~الهرمزان؟ فلما استشار عثمان الناس (6) في قتله، فأشار عليه طائفة من ~~الصحابة أن لا تقتله، فإن أباه قتل بالأمس ويقتل هو اليوم، فيكون في هذا ~~فساد في الإسلام، وكأنهم وقعت لهم شبهة في عصمة الهرمزان، وهل كان (7) من ~~الصائلين الذين كانوا يستحقون الدفع؟ أو من المشاركين في قتل عمر الذين ~~يستحقون القتل؟ # و [قد] تنازع الفقهاء في (8) المشتركين في القتل إذا باشر بعضهم دون ~~PageV06P278 # بعض. فقيل: لا يجب القود إلا على المباشر خاصة. وهو قول أبي حنيفة. وقيل: ~~إذا كان السبب قويا وجب على المباشر والمتسبب كالمكره والمكره، وكالشهود ~~بالزنا والقصاص إذا رجعوا وقالوا: تعمدنا. وهذا مذهب الجمهور كمالك ~~والشافعي وأحمد. ثم إذا أمسك واحد وقتله الآخر، فمالك يوجب القود على ~~الممسك والقاتل (1) ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد. والرواية الأخرى: يقتل ~~القاتل ويحبس (2) الممسك حتى يموت، كما روي عن ابن عباس. وقيل: لا قود إلا ~~على القاتل، كقول أبي ms1474 حنيفة والشافعي. # وقد تنازعوا أيضا في الآمر الذي لم يكره، إذا أمر من يعتقد أن القتل ~~محرم، هل يجب القود على الآمر؟ على قولين. # وأما الردء فيما يحتاج فيه إلى المعاونة كقطع الطريق، فجمهورهم على أن ~~الحد يجب على الردء والمباشر جميعا. وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد. وكان ~~عمر [بن الخطاب] (3) يأمر بقتل الربيئة (4) وهو الناطور (5) لقطاع الطريق. ~~PageV06P279 # وإذا كان الهرمزان ممن أعان على قتل عمر جاز قتله في أحد القولين قصاصا. ~~وعمر هو القائل في المقتول بصنعاء: " لو تمالأ عليه أهل صنعاء لأقدتهم به ~~". # وأيضا فقد تنازع الناس في قتل الأئمة: هل يقتل قاتلهم حدا أو قصاصا؟ على ~~قولين في مذهب أحمد وغيره. أحدهما: أنهم يقتلون حدا، كما يقتل القاتل في ~~المحاربة حدا، لأن قتل الأئمة فيه فساد عام أعظم من فساد قطاع الطريق، فكان ~~قاتلهم محاربا لله ورسوله، ساعيا في الأرض فسادا. وعلى هذا خرجوا فعل الحسن ~~بن علي - رضي الله عنهما - لما قتل ابن ملجم قاتل علي، وكذلك قتل قتلة ~~عثمان. # وإذا كان الهرمزان ممن أعان على قتل عمر كان من المفسدين في الأرض ~~المحاربين، فيجب قتله لذلك. ولو قدر أن المقتول معصوم [الدم] يحرم قتله (1) ~~، [لكن] (2) كان القاتل متأولا يعتقد (3) حل قتله لشبهة ظاهرة، صار ذلك ~~شبهة تدرأ القتل عن القاتل. كما أن أسامة بن زيد لما قتل [ذلك] (4) الرجل ~~بعدما قال: لا إله إلا الله، واعتقد أن هذا القول لا يعصمه، عزره النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - بالكلام، ولم يقتله لأنه كان متأولا، لكن الذي قتله ~~أسامة كان مباحا قبل القتل، فشك في العاصم. PageV06P280 # وإذا كان عبيد الله بن عمر متأولا يعتقد أن الهرمزان أعان على قتل أبيه، ~~وأنه يجوز له قتله، صارت هذه شبهة يجوز أن يجعلها المجتهد مانعة من وجوب ~~القصاص، فإن مسائل القصاص فيها مسائل كثيرة اجتهادية. # وأيضا فالهرمزان لم يكن له أولياء يطلبون دمه (1) وإنما وليه ولي الأمر. ~~ومثل هذا إذا قتله قاتل كان للإمام قتل قاتله، لأنه وليه، وكان ms1475 له العفو ~~عنه [إلى الدية لئلا تضيع حقوق المسلمين] (2) . فإذا (3) قدر أن عثمان عفا ~~عنه، ورأى قدر الدية أن يعطيها لآل عمر، لما كان على عمر من الدين، فإنه ~~كان عليه ثمانون ألفا، وأمر أهله أن يقضوا دينه من أموال عصبته (4) عاقلته ~~بني عدي وقريش، فإن عاقلة الرجل هم الذين يحملون كله، والدية لو طالب بها ~~عبيد الله، أو عصبة عبيد الله إذا كان قتله خطأ [أو عفا عنه إلى الدية] (5) ~~فهم الذين يؤدون دين عمر، فإذا (6) أعان بها في دين عمر كان هذا من محاسن ~~عثمان التي يمدح بها لا يذم. # وقد كانت أموال بيت المال في زمن عثمان كثيرة، وكان يعطي الناس عطاء ~~كثيرا أضعاف هذا، فكيف لا يعطي هذا لآل عمر؟ PageV06P281 # وبكل حال فكانت مسألة اجتهادية (1) ، وإذا كانت مسألة اجتهادية، وقد رأى ~~طائفة كثيرة (2) من الصحابة أن لا يقتل، ورأى آخرون أن يقتل، لم ينكر على ~~عثمان ما فعله باجتهاده، ولا على علي ما قاله (3) باجتهاده (4) . # وقد ذكرنا تنازع العلماء في [قتل (5) ] الأئمة: هل هو من باب الفساد الذي ~~يجب قتل صاحبه حتما، كالقاتلين لأخذ المال؟ أم قتلهم كقتل الآحاد الذين ~~يقتل أحدهم الآخر لغرض خاص فيه، فيكون على قاتل أحدهم القود؟ وذكرنا في ذلك ~~قولين، وهما قولان في مذهب أحمد وغيره، وذكرهما (6) القاضي أبو يعلى وغيره. # فمن قال: إن قتلهم حد. قال: إن جنايتهم توجب [من] (7) الفتنة والفساد ~~أكثر مما يوجبه جناية [بعض] (8) قطاع الطريق لأخذ المال، فيكون قاتل الأئمة ~~من المحاربين لله ورسوله، الساعين في الأرض فسادا. # ويدل على ذلك ما رواه مسلم [في صحيحه] (9) عن النبي - صلى الله ~~PageV06P282 # عليه وسلم - أنه قال: " «من جاءكم وأمركم على رجل واحد يريد أن يفرق ~~جماعتكم فاضربوا عنقه بالسيف كائنا من كان» " (1) . # فأمر بقتل الواحد المريد لتفريق (2) الجماعة، ومن قتل إمام المسلمين فقد ~~فرق جماعتهم. # ومن قال هذا قال: إن قاتل عمر يجب قتله حتما، وكذلك قتلة عثمان يجب قتلهم ~~حتما، [وكذلك قاتل علي يجب قتله حتما] (3) . # وبهذا ms1476 يجاب عن ابنه الحسن بن علي (4) وغيره من يعترض عليهم، فنقول (5) : ~~كيف قتلوا قاتل علي، وكان في ورثته صغار وكبار، والصغار لم يبلغوا؟ # فيجاب عن الحسن بجوابين: أحدهما: أن قتله كان واجبا حتما، لأن قتل علي ~~وأمثاله من أعظم المحاربة لله ورسوله والفساد في الأرض. # ومنهم من يجيب بجواز انفراد الكبار بالقود، كما يقول ذلك من يقوله من ~~أصحاب أبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين. # وإذا كان قتل عمر وعثمان وعلي ونحوهم من باب المحاربة، فالمحاربة يشترك ~~فيها الردء والمباشر عند الجمهور. فعلى هذا من أعان PageV06P283 # على قتل عمر، [ولو بكلام، وجب قتله. وكان الهرمزان ممن ذكر عنه أنه أعان ~~على قتل عمر بن الخطاب] (1) . # وإذا كان الأمر كذلك كان قتله واجبا، ولكن كان قتله إلى الأئمة، فافتات ~~عبيد الله بقتله، وللإمام أن يعفو عمن افتات عليه. # وأما قوله: إن عليا كان يريد قتل (2) عبيد الله بن عمر. فهذا لو صح كان ~~قدحا في علي. # والرافضة لا عقول لهم (3) ، يمدحون بما هو إلى الذم أقرب ; فإنها مسألة ~~اجتهاد، وقد حكم حاكم بعصمة الدم، فكيف يحل لعلي نقضه؟ وعلي ليس ولي ~~المقتول، ولا طلب ولي المقتول القود. وإذا كان حقه لبيت المال، فللإمام أن ~~يعفو عنه. وهذا مما يذكر في عفو عثمان، وهو أن الهرمزان لم يكن له عصبة إلا ~~السلطان، وإذا قتل من لا ولي له، كان للإمام أن يقتل قاتله، وله أن لا يقتل ~~قاتله، ولكن يأخذ الدية، [والدية حق للمسلمين] (4) ، فيصرفها في مصارف ~~الأموال. وإذا ترك لآل عمر دية مسلم، كان هذا بعض ما يستحقونه على ~~المسلمين. # وبكل حال فلم يكن بعد عفو عثمان وحكمه بحقن دمه يباح قتله (5) ~~PageV06P284 # أصلا. وما أعلم في هذا نزاعا بين المسلمين، فكيف يجوز أن ينسب إلى علي ~~مثل ذلك؟ # ثم يقال: يا ليت شعري متى عزم [علي] على (1) قتل عبيد الله؟ ومتى تمكن ~~علي من قتل عبيد الله؟ أو متى تفرغ له حتى ينظر في أمره؟ # وعبيد الله كان معه ألوف ms1477 مؤلفة من المسلمين مع معاوية، وفيهم خير من عبيد ~~الله بكثير. وعلي لم يمكنه عزل معاوية، وهو عزل مجرد. أفكان يمكنه قتل عبيد ~~الله؟ ! # ومن حين مات عثمان تفرق الناس، وعبد الله (2) بن عمر الرجل الصالح لحق ~~بمكة، ولم يبايع أحدا، ولم يزل معتزل الفتنة حتى اجتمع الناس على معاوية، ~~مع محبته لعلي، ورؤيته له أنه هو المستحق للخلافة، وتعظيمه له، وموالاته ~~له، وذمه لمن يطعن عليه. ولكن كان لا يرى الدخول في القتال بين المسلمين، ~~ولم يمتنع عن موافقة علي إلا في القتال. # وعبيد الله بن عمر لحق معاوية (3) بعد مقتل عثمان، كما لحقه غيره ممن ~~كانوا يميلون إلى عثمان وينفرون عن علي. ومع هذا فلم يعرف لعبيد الله من ~~القيام في الفتنة ما عرف لمحمد بن أبي بكر، والأشتر النخعي وأمثالهما، فإنه ~~بعد القتال وقع الجميع في الفتنة. وأما قبل مقتل عثمان فكان أولئك ممن أثار ~~الفتنة بين المسلمين. PageV06P285 # ومن العجب أن دم الهرمزان المتهم بالنفاق، والمحاربة لله ورسوله، والسعي ~~في الأرض بالفساد، تقام فيه القيامة، ودم عثمان يجعل لا حرمة له، وهو إمام ~~المسلمين، المشهود له بالجنة، الذي هو - وإخوانه - أفضل الخلق بعد النبيين! # ومن المعلوم بالتواتر أن عثمان كان من أكف الناس عن الدماء، وأصبر الناس ~~على من نال (1) من عرضه، وعلى من سعى في دمه فحاصروه وسعوا (2) في قتله، ~~وقد عرف إرادتهم لقتله، وقد جاءه المسلمون من كل ناحية ينصرونه ويشيرون ~~عليه بقتالهم، وهو يأمر الناس بالكف عن القتال، ويأمر من يطيعه أن لا ~~يقاتلهم. وروي أنه قال لمماليكه: من كف يده فهو حر. وقيل له: تذهب إلى مكة؟ ~~فقال: لا أكون ممن ألحد في الحرم. فقيل له: تذهب إلى الشام؟ فقال: لا أفارق ~~دار هجرتي. فقيل له: فقاتلهم. فقال: لا أكون أول من خلف محمدا في أمته ~~بالسيف. # فكان صبر عثمان حتى قتل من أعظم فضائله عند المسلمين. ومعلوم أن الدماء ~~الكثيرة التي سفكت باجتهاد علي [ومن قاتله] (3) لم يسفك قبلها مثلها من ~~دماء ms1478 المسلمين. فإذا كان ما فعله علي مما لا يوجب القدح في علي، بل [كان] ~~(4) دفع الظالمين لعلي من الخوارج وغيرهم من النواصب PageV06P286 # القادحين في علي واجبا، فلأن يجب (1) دفع الظالمين [القادحين] (2) في ~~عثمان بطريق الأولى والأحرى، إذ كان (3) بعد عثمان عن استحلال دماء ~~المسلمين أعظم من بعد علي عن ذلك بكثير كثير (4) ، وكان من قدح في عثمان ~~بأنه كان يستحل إراقة دماء المسلمين بتعطيل الحدود، كان قد طرق من القدح في ~~علي ما هو أعظم من هذا، وسوغ لمن أبغض عليا [وعاداه وقاتله] (5) أن يقول: ~~إن عليا عطل الحدود الواجبة على قتلة عثمان. وتعطيل تلك الحدود إن كانت ~~واجبة أعظم فسادا من تعطيل حد وجب بقتل الهرمزان. # وإذا كان من الواجب (6) الدفع عن علي بأنه كان معذورا (7) باجتهاد أو ~~عجز، فلأن يدفع عن عثمان بأنه كان معذورا بطريق الأولى. # وأما قوله: " أراد عثمان تعطيل حد الشرب في الوليد بن عقبة، حتى حده أمير ~~المؤمنين ". # فهذا كذب عليهما، بل عثمان هو الذي أمر عليا بإقامة الحد عليه، ~~PageV06P287 # كما ثبت [ذلك] (1) في الصحيح (2) ، وعلي خفف عنه وجلده (3) أربعين، ولو ~~جلده ثمانين لم ينكر عليه عثمان. # وقول الرافضي: " إن عليا قال: لا يبطل حد الله (4) وأنا حاضر " فهو كذب. ~~وإن كان صدقا فهو من أعظم المدح لعثمان ; فإن عثمان قبل قول علي ولم يمنعه ~~من إقامة الحد، مع قدرة عثمان على منعه لو أراد، فإن عثمان كان إذا أراد ~~شيئا فعله، ولم يقدر علي على منعه. وإلا PageV06P288 # فلو كان [علي] (1) قادرا على منعه مما فعله من الأمور التي أنكرت عليه ~~ولم يمنعه مما هو عنده منكر مع قدرته، كان هذا قدحا في علي. فإذا كان عثمان ~~أطاع عليا فيما أمره به من إقامة الحد، دل ذلك (2) على دين عثمان وعدله. # وعثمان ولى الوليد بن عقبة هذا على الكوفة، وعندهم أن هذا لم يكن يجوز. ~~فإن كان حراما وعلي قادر على منعه، وجب على علي منعه، فإذا لم يمنعه دل على ~~جوازه عند علي ms1479، أو على عجز علي. وإذا عجز عن منعه عن (3) الإمارة، فكيف لا ~~يعجز عن ضربه الحد؟ فعلم أن عليا كان عاجزا عن حد الوليد، لولا أن عثمان ~~أراد ذلك، فإذا أراده عثمان دل على دينه. # وقائل هذا يدعي أن الحدود ما زالت تبطل وعلي حاضر، حتى في ولايته يدعون ~~(4) أنه كان يدع الحدود خوفا وتقية. فإن (5) كان قال هذا ولم يقله إلا ~~لعلمه بأن عثمان وحاشيته يوافقونه على إقامة الحدود، وإلا فلو كان يتقي ~~منهم لما قال هذا. ولا يقال: إنه كان أقدر منهم على ذلك، فإن قائل هذا يدعي ~~أنه كان عاجزا لا يمكنه إظهار الحق بينهم (6) . PageV06P289 # ودليل هذا أنه لم يمكنه عندهم إقامة الحد على عبيد الله بن عمر وعلى نواب ~~عثمان وغيرهم. # والرافضة تتكلم بالكلام المتناقض الذي ينقض بعضه بعضا. ### | الرد على قول الرافضي أن عثمان زاد الأذان الثاني يوم الجمعة # وأما قوله: " إنه زاد الأذان الثاني يوم الجمعة، وهو بدعة، فصار (1) سنة ~~إلى الآن ". # فالجواب: أن عليا - رضي الله عنه - كان ممن يوافق على ذلك في حياة عثمان ~~وبعد مقتله. ولهذا لما صار خليفة لم يأمر بإزالة هذا الأذان، كما أمر بما ~~أنكره من ولاية طائفة من عمال عثمان، بل أمر بعزل معاوية وغيره. ومعلوم أن ~~إبطال هذه البدعة كان أهون عليه من عزل أولئك [ومقاتلتهم التي عجز عنها، ~~فكان على إزالة هذه البدعة من الكوفة ونحوها من أعماله أقدر منه على إزالة ~~أولئك، ولو أزال ذلك لعلمه الناس ونقلوه] (2) . # فإن قيل: كان الناس لا يوافقونه على إزالتها. # قيل: فهذا دليل على أن الناس وافقوا عثمان على استحبابها واستحسانها، حتى ~~الذين قاتلوا مع علي، كعمار وسهل بن حنيف وغيرهما من السابقين الأولين. ~~وإلا فهؤلاء الذين هم أكابر الصحابة لو أنكروا ذلك لم يخالفهم غيرهم، وإن ~~قدر أن في الصحابة من كان ينكر PageV06P290 # هذا (1) ومنهم من لا ينكره، كان ذلك من مسائل الاجتهاد، ولم يكن (2) هذا ~~مما يعاب به عثمان. # وقول القائل: هي بدعة. إن أراد بذلك ms1480 أنه لم يكن يفعل قبل ذلك، فكذلك قتال ~~أهل القبلة بدعة، فإنه لم يعرف أن إماما قاتل أهل القبلة قبل علي. وأين ~~قتال أهل القبلة من الأذان؟ ! # فإن قيل: بل البدعة ما فعل بغير دليل شرعي. # قيل لهم: فمن أين (3) لكم أن عثمان فعل هذا بغير دليل شرعي؟ وأن (4) عليا ~~قاتل أهل القبلة بدليل شرعي؟ # [وأيضا] فإن علي [بن أبي طالب]- رضي الله عنه - (5) أحدث في خلافته العيد ~~الثاني بالجامع، فإن السنة المعروفة على عهد رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان أنه لا يصلى في المصر إلا جمعة واحدة، ولا ~~يصلى يوم النحر والفطر إلا عيد واحد. والجمعة كانوا يصلونها في المسجد، ~~والعيد يصلونه بالصحراء. وكان (6) النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم ~~الجمعة وعرفة قبل الصلاة، وفي العيد بعد الصلاة. واختلف عنه في الاستسقاء. # فلما كان على عهد علي قيل له: إن بالبلد (7) ضعفاء لا يستطيعون ~~PageV06P291 # الخروج إلى المصلى، فاستخلف عليهم رجلا صلى (1) بالناس بالمسجد. قيل: إنه ~~صلى ركعتين بتكبير، وقيل: بل صلى أربعا بلا تكبير. # وأيضا فإن ابن عباس عرف في خلافة علي بالبصرة، ولم يرو عن علي (2) أنه ~~أنكر ذلك. # وما فعله عثمان من النداء الأول اتفق عليه الناس بعده: أهل المذاهب ~~الأربعة وغيرهم، كما اتفقوا على ما سنه أيضا عمر من جمع الناس في رمضان على ~~إمام واحد. # وأما ما سنه علي من إقامة عيدين (3) فتنازع العلماء فيه وفي الجمعة على ~~ثلاثة أقوال. قيل: إنه لا يشرع في المصر إلا جمعة واحدة وعيد واحد، كقول ~~مالك وبعض أصحاب أبي حنيفة، لأنه السنة. وقيل: بل يشرع تعدد صلاة العيد في ~~المصر دون الجمعة، كقول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين. لكن قائل هذا ~~بناه على أن صلاة العيد لا يشترط لها الإقامة والعدد كما يشترط للجمعة. ~~وقالوا: إنها تصلى في الحضر والسفر (4) . وهذا خلاف المتواتر من سنة رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - وسنة خلفائه الراشدين. وقيل: بل يجوز عند ~~الحاجة أن تصلى جمعتان ms1481 في المصر، كما صلى علي عيدين للحاجة. وهذا مذهب أحمد ~~بن حنبل في المشهور عنه، وأكثر أصحاب أبي حنيفة، وأكثر المتأخرين من ~~PageV06P292 # أصحاب الشافعي. وهؤلاء يحتجون بفعل علي [بن أبي طالب] (1) لأنه من ~~الخلفاء الراشدين. # وكذلك أحمد بن حنبل جوز التعريف بالأمصار، واحتج بأن ابن عباس فعله ~~بالبصرة. وكان ذلك في خلافة علي، وكان ابن عباس نائبه بالبصرة. فأحمد بن ~~حنبل وكثير من العلماء يتبعون عليا فيما سنه، كما يتبعون عمر وعثمان فيما ~~سناه. وآخرون من العلماء، كمالك وغيره، لا يتبعون عليا فيما سنه، وكلهم ~~متفقون على اتباع عمر وعثمان فيما سناه. فإن جاز القدح في عمر وعثمان فيما ~~سناه - وهذا حاله - فلأن يقدح في علي فيما سنه - وهذا حاله - بطريق الأولى. # وإن قيل بأن ما فعله علي سائغ لا يقدح فيه، لأنه باجتهاده، أو لأنه سنة ~~يتبع فيه، فلأن يكون ما فعله عمر وعثمان كذلك بطريق الأولى. # ومن هذا الباب ما يذكر مما فعله (2) عمر، مثل تضعيف الصدقة، التي هي جزية ~~في المعنى، على نصارى بني تغلب، وأمثال ذلك. # ثم من العجب أن الرافضة تنكر شيئا فعله عثمان بمشهد من الأنصار ~~والمهاجرين، ولم ينكروه عليه، واتبعه (3) المسلمون كلهم عليه في أذان ~~الجمعة، وهم قد زادوا في الأذان شعارا لم يكن يعرف على عهد النبي - صلى ~~الله عليه وسلم -[ولا نقل (4) أحد أن النبي - صلى الله عليه PageV06P293 # وسلم]- (1) أمر بذلك في الأذان، وهو قولهم: " حي على خير العمل ". # وغاية ما ينقل إن صح النقل، أن بعض الصحابة، كابن عمر - رضي الله عنهما ~~-، كان يقول ذلك أحيانا على سبيل التوكيد، كما كان بعضهم يقول بين ~~النداءين: حي على الصلاة، حي على الفلاح، وهذا يسمى نداء الأمراء، [وبعضهم ~~يسميه التثويب] (2) ورخص (3) فيه بعضهم، وكرهه أكثر العلماء، ورووا عن عمر ~~وابنه وغيرهما كراهة (4) ذلك. # ونحن نعلم بالاضطرار أن الأذان، الذي كان يؤذنه بلال (5) وابن أم مكتوم ~~في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، وأبو محذورة (6) بمكة، ~~وسعد القرظ في قباء، لم ms1482 يكن فيه هذا الشعار الرافضي. ولو كان فيه لنقله ~~المسلمون ولم يهملوه، كما نقلوا ما هو أيسر منه. فلما لم يكن في الذين ~~نقلوا الأذان من ذكر هذه الزيادة، علم (7) أنها بدعة باطلة. # وهؤلاء الأربعة كانوا يؤذنون بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم، ومنه ~~تعلموا الأذان، وكانوا يؤذنون في أفضل المساجد: مسجد مكة، ومسجد المدينة، ~~ومسجد قباء. وأذانهم متواتر عند العامة والخاصة. PageV06P294 # ومعلوم أن نقل المسلمين للأذان أعظم من نقلهم إعراب آية، كقوله: ~~(وأرجلكم) ونحو ذلك. ولا شيء أشهر في (1) شعائر الإسلام من الأذان، فنقله ~~أعظم من نقل [سائر] (2) شعائر الإسلام. # وإن قيل: فقد اختلف في صفته (3) . # قيل: بل كل ما ثبت به النقل فهو صحيح سنة، ولا ريب أن تعليم [النبي - صلى ~~الله عليه وسلم -] أبا محذورة (4) الأذان (5) ، وفيه الترجيع، والإقامة ~~مثناة كالأذان. ولا ريب أن بلالا أمر أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، ولم ~~يكن في أذانه ترجيع. فنقل إفراد الإقامة صحيح بلا ريب، ونقل تثنيتها صحيح ~~بلا ريب، وأهل العلم بالحديث يصححون هذا وهذا. # وهذا مثل أنواع التشهدات (6) المنقولات. ولكن اشتهر بالحجاز آخرا إفراد ~~الإقامة التي علمها النبي - صلى الله عليه وسلم - بلالا (7) . وأما الترجيع ~~فهو يقال سرا. وبعض الناس يقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمه لأبي ~~محذورة ليثبت الإيمان في قلبه، لا أنه من الأذان. فقد اتفقوا على ~~PageV06P295 # أنه لقنه أبا محذورة، فلم يبق بين الناس خلاف في نقل الأذان المعروف. ### | الرد على زعم الرافضي أن المسلمين كلهم خالفوا عثمان رضي الله عنه حتى قتل # وأما قوله: " وخالفه المسلمون كلهم حتى قتل (1) . وعابوا أفعاله، وقالوا ~~له: غبت عن بدر، وهربت يوم أحد، ولم تشهد بيعة الرضوان. والأخبار في ذلك ~~أكثر من أن تحصى ". # فالجواب (2) : أما قوله " وخالفه المسلمون [كلهم] حتى قتل " (3) . # فإن أراد أنهم خالفوه خلافا يبيح قتله، أو أنهم [كلهم] أمروا بقتله، ~~ورضوا بقتله، وأعانوا على قتله (4) . فهذا مما يعلم كل أحد أنه من أظهر ~~الكذب، فإنه لم يقتله إلا طائفة قليلة باغية ظالمة ms1483. # قال ابن الزبير: " لعنت قتلة عثمان، خرجوا عليه كاللصوص من وراء القرية، ~~فقتلهم الله كل قتلة، ونجا من نجا منهم تحت بطون الكواكب " يعني هربوا ~~ليلا، وأكثر المسلمين كانوا غائبين، وأكثر أهل المدينة الحاضرين لم يكونوا ~~يعلمون أنهم يريدون قتله حتى قتلوه. # وإن أراد أن كل المسلمين خالفوه في كل ما فعله، أو في كل ما أنكر عليه، ~~فهذا [أيضا] (5) كذب. فما من شيء أنكر عليه إلا وقد وافقه عليه PageV06P296 # كثير من المسلمين، بل من علمائهم الذين لا يتهمون بمداهنة، والذين وافقوا ~~عثمان (1) على ما أنكر عليه أكثر وأفضل عند المسلمين من الذين وافقوا عليا ~~على ما أنكر عليه: إما في كل الأمور، وإما في غالبها. وبعض المسلمين أنكر ~~عليه بعض الأمور، وكثير من ذلك يكون الصواب فيه مع عثمان، وبعضه يكون فيه ~~مجتهدا، ومنه ما يكون المخالف له مجتهدا: إما مصيبا وإما مخطئا. # وأما الساعون في قتله فكلهم مخطئون، بل ظالمون باغون معتدون. وإن قدر أن ~~فيهم من قد يغفر الله له، فهذا لا يمنع كون عثمان قتل مظلوما. # والذي قال (2) له: غبت عن بدر وبيعة الرضوان، وهربت يوم أحد، قليل جدا من ~~المسلمين. ولم يعين منهم (3) إلا اثنان أو ثلاثة أو نحو ذلك. وقد أجابهم ~~عثمان وابن عمر وغيرهما عن هذا السؤال، وقالوا: يوم بدر غاب بأمر النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - ليخلفه عن ابنة النبي (4) - صلى الله عليه وسلم - ~~فضرب له النبي - صلى الله عليه وسلم - بسهمه وأجره. # ويوم الحديبية بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عثمان بيده. ويد ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير له من يده لنفسه (5) ، وكانت البيعة ~~PageV06P297 # بسببه، فإنه لما أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم -[رسولا] إلى [أهل] ~~مكة (1) بلغه أنهم قتلوه، فبايع أصحابه على أن لا يفروا وعلى الموت، فكان ~~عثمان شريكا في البيعة، مختصا بإرسال النبي - صلى الله عليه وسلم - له، ~~وطلبت منه قريش أن يطوف بالبيت دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~وأصحابه، فامتنع من ذلك ms1484، وقال: حتى يطوف به رسول الله - صلى الله عليه وسلم ~~-. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يرسل (2) عمر، فأخبره ~~أنه ليس [له] (3) بمكة شوكة يحمونه، وأن عثمان له بمكة بنو أمية، وهم من ~~أشراف مكة، فهم يحمونه. # وأما التولي يوم أحد، فقد قال الله - تعالى -: {إن الذين تولوا منكم يوم ~~التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن ~~الله غفور حليم} [سورة آل عمران: 155] فقد عفا الله عن جميع المتولين (4) ~~يوم أحد، فدخل في العفو من هو دون عثمان، فكيف لا يدخل هو فيه مع فضله ~~وكثرة حسناته (5) PageV06P298 ### | فصل نقل الرافضي عن الشهرستاني ما ذكره من التنازع الذي وقع بين الصحابة في مرض النبي عليه السلام # فصل # قال الرافضي (1) : " وقد ذكر الشهرستاني وهو من (2) أشد المتعصبين على ~~الإمامية، أن مثار الفساد بعد شبهة إبليس الاختلاف الواقع في مرض النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - (3) . فأول تنازع وقع في مرضه ما رواه (4) البخاري ~~بإسناده إلى ابن عباس قال: " «لما اشتد بالنبي - صلى الله عليه وسلم - مرضه ~~الذي توفي فيه فقال: ائتوني بدواة وقرطاس، أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ~~(5) . # فقال عمر: إن الرجل (6) ليهجر، حسبنا كتاب الله. وكثر اللغط. فقال النبي ~~- صلى الله عليه وسلم -: " قوموا عني، لا ينبغي عندي التنازع» ". # الجواب: أن يقال: ما ينقله الشهرستاني وأمثاله من المصنفين في الملل ~~والنحل، عامته مما ينقله بعضهم عن بعض، وكثير من ذلك لم يحرر فيه ~~PageV06P300 # أقوال المنقول عنهم، ولم يذكر الإسناد في عامة ما ينقله، بل هو ينقل من ~~كتب من صنف المقالات قبله، مثل أبي عيسى الوراق وهو من المصنفين للرافضة، ~~المتهمين في كثير مما ينقلونه (1) ، ومثل أبي يحيى وغيرهما من الشيعة. ~~وينقل أيضا من كتب بعض الزيدية والمعتزلة الطاعنين في كثير من الصحابة. # ولهذا تجد (2) نقل الأشعري أصح من نقل هؤلاء ; لأنه أعلم بالمقالات، وأشد ~~احترازا من كذب الكذابين فيها، مع أنه يوجد في نقله، ونقل عامة من ينقل ~~المقالات بغير ألفاظ ms1485 أصحابها ولا إسناد عنهم، من الغلط ما يظهر به الفرق ~~بين قولهم وبين ما نقل عنهم. حتى في نقل الفقهاء بعضهم مذاهب بعض، فإنه ~~يوجد فيها غلط كثير، وإن لم يكن الناقل ممن يقصد الكذب، بل يقع الغلط على ~~من ليس له غرض في الكذب عنه (3) ، بل هو معظم له أو متبع له (4) . # ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل المؤمنين متفقون على موالاته ~~وتعظيمه ووجوب اتباعه، ومع هذا فغير علماء الحديث يكثر في نقلهم الغلط ~~عليه، ويزيدون في كلامه وينقصون نقصا يفسد المعنى الذي قصده، بل يغلطون في ~~معرفة أموره المشهورة المتواترة عند العامة وغيرهم. PageV06P301 # ونحن وإن كنا قد بينا كذب كثير مما ينقله هذا الرافضي، فمعلوم أن كثيرا ~~ممن (1) ينقل ذلك لم يتعمد الكذب، لا هذا ولا نحوه، لكن وقع إما تعمدا ~~للكذب (2) من بعضهم، وإما غلطا (3) وسوء حفظ، ثم قبله الباقون لعدم علمهم ~~ولهواهم، فإن الهوى يعمي ويصم وصاحب الهوى يقبل ما وافق هواه بلا حجة توجب ~~صدقه ويرد ما خالف هواه بلا حجة توجب رده. # وليس في الطوائف أكثر تكذيبا بالصدق وتصديقا بالكذب من الرافضة، فإن رءوس ~~مذهبهم وأئمته الذين ابتدعوه وأسسوه كانوا منافقين زنادقة، كما ذكر ذلك عن ~~غير واحد من أهل العلم. # وهذا ظاهر لمن تأمله، بخلاف قول الخوارج، فإنه كان عن جهل بتأول القرآن، ~~وغلو في تعظيم الذنوب. وكذلك قول الوعيدية والقدرية، كان عن تعظيم الذنوب. ~~وكذلك قول المرجئة، كان أصل مقصودهم نفي التكفير عمن صدق الرسل. ولهذا رؤوس ~~المذاهب التي ابتدعوها لم يقل أحد أنهم زنادقة منافقون، بخلاف الرافضة، فإن ~~رءوسهم كانوا كذلك، مع أن كثيرا منهم ليسوا منافقين ولا كفارا، بل بعضهم له ~~إيمان وعمل صالح، ومنهم من هو مخطئ يغفر له خطاياه، ومنهم من هو صاحب ذنب ~~يرجى له مغفرة الله، لكن الجهل بمعنى القرآن والحديث PageV06P302 # شامل لهم كلهم، فليس فيهم إمام من أئمة المسلمين في العلم والدين. # وأصل المذهب إنما ابتدعه زنادقة منافقون، مرادهم إفساد (1) دين الإسلام. ~~وقد رأيت ms1486 كثيرا من كتب أهل المقالات التي ينقلون فيها مذاهب الناس، ورأيت ~~أقوال أولئك (2) ، فرأيت فيها اختلافا كثيرا. # وكثير من الناقلين ليس قصده الكذب، لكن المعرفة بحقيقة أقوال الناس من ~~غير نقل ألفاظهم وسائر ما به يعرف مرادهم قد يتعسر على بعض الناس، ويتعذر ~~على بعضهم. # ثم إن غالب كتب أهل الكلام والناقلين للمقالات، ينقلون في أصول الملل ~~والنحل من المقالات ما يطول وصفه. ونفس ما بعث الله به رسوله، وما يقوله ~~أصحابه والتابعون لهم في ذلك الأصل الذي حكوا فيه أقوال الناس، لا ينقلونه، ~~[لا] (3) تعمدا منهم لتركه، بل لأنهم لم يعرفوه، بل ولا سمعوه، لقلة خبرتهم ~~بنصوص الرسول وأصحابه والتابعين. # وكتاب " المقالات " للأشعري أجمع هذه الكتب وأبسطها، وفيه من الأقوال ~~وتحريرها ما لا يوجد في غيرها. وقد نقل مذهب أهل السنة والحديث بحسب ما ~~فهمه وظنه قولهم، وذكر أنه يقول بكل ما نقله عنهم. وجاء بعده من أتباعه - ~~كابن فورك (4) - من لم يعجبه ما نقله عنهم، فنقص PageV06P303 # من ذلك وزاد، مع هذا فلكون خبرته بالكلام أكثر من خبرته بالحديث ومقالات ~~السلف وأئمة السنة، قد ذكر في غير موضع عنهم أقوالا في النفي والإثبات لا ~~تنقل عن أحد منهم أصلا مثل ذلك (1) الإطلاق، لا لفظا ولا معنى، بل المنقول ~~الثابت عنهم يكون فيه تفصيل (2) في نفي ذلك اللفظ والمعنى المراد وإثباته، ~~وهم منكرون الإطلاق الذي أطلقه من نقل عنهم، ومنكرون لبعض المعنى الذي ~~أراده بالنفي والإثبات. # والشهرستاني قد نقل في غير موضع أقوالا ضعيفة، يعرفها من يعرف مقالات ~~الناس، مع أن كتابه أجمع من أكثر الكتب المصنفة في المقالات وأجود نقلا، ~~لكن هذا الباب وقع فيه ما وقع. ولهذا لما كان خبيرا بقول الأشعرية وقول ابن ~~سينا ونحوه من الفلاسفة، كان أجود ما نقله قول هاتين الطائفتين وأما ~~الصحابة والتابعون وأئمة السنة والحديث، فلا هو ولا أمثاله يعرفون أقوالهم، ~~بل ولا سمعوها على وجهها بنقل أهل العلم لها (3) بالأسانيد المعروفة، وإنما ~~سمعوا جملا تشتمل على حق وباطل. # ولهذا إذا اعتبرت ms1487 مقالاتهم الموجودة في مصنفاتهم الثابتة بالنقل ~~PageV06P304 # عنهم، وجد من ذلك ما يخالف تلك النقول عنهم. وهذا من جنس نقل التواريخ ~~والسير ونحو ذلك من المرسلات (1) والمقاطيع وغيرهما، مما فيه صحيح وضعيف. # وإذا كان كذلك [فنقول:] (2) ما علم بالكتاب والسنة والنقل المتواتر، من ~~محاسن الصحابة وفضائلهم، لا يجوز أن يدفع بنقول بعضها منقطع، وبعضها محرف ~~(3) ، وبعضها لا يقدح فيما علم، فإن اليقين لا يزول بالشك، ونحن قد تيقنا ~~ما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف قبلنا، وما يصدق ذلك من المنقولات ~~المتواترة من (4) أدلة العقل، من أن الصحابة - رضي الله عنهم - أفضل الخلق ~~بعد الأنبياء، فلا يقدح في هذا أمور مشكوك فيها فكيف إذا علم بطلانها؟ ! . ### | الرد على زعم الرافضي أن الشهرستاني من أشد المتعصبين على الإمامية # وأما قوله: " إن الشهرستاني من أشد المتعصبين على الإمامية ". # فليس كذلك، بل يميل كثيرا إلى أشياء من أمورهم، بل يذكر أحيانا أشياء (5) ~~من كلام الإسماعيلية الباطنية منهم ويوجهه (6) . ولهذا اتهمه بعض الناس ~~[بأنه] (7) من الإسماعيلية، وإن لم يكن الأمر كذلك، وقد ذكر من اتهمه شواهد ~~من كلامه وسيرته. وقد يقال: هو مع الشيعة بوجه، ومع أصحاب الأشعري بوجه. ~~PageV06P305 # وقد وقع في هذا كثير من أهل الكلام والوعاظ، وكانوا يدعون بالأدعية ~~المأثورة في صحيفة علي بن الحسين، وإن كان أكثرها كذبا على علي بن الحسين. # وبالجملة فالشهرستاني يظهر الميل إلى الشيعة، إما بباطنه وإما مداهنة ~~لهم، فإن هذا الكتاب - كتاب " الملل والنحل " صنفه لرئيس من رؤسائهم، وكانت ~~له ولاية ديوانيه. وكان للشهرستاني مقصود في استعطافه له. وكذلك (1) صنف له ~~كتاب " المصارعة " بينه وبين ابن سينا (2) ، لميله إلى التشيع والفلسفة. ~~وأحسن أحواله أن يكون من الشيعة، إن لم يكن من الإسماعيلية، أعني المصنف ~~له. ولهذا تحامل فيه للشيعة (3) تحاملا بينا. PageV06P306 # وإذا كان في غير ذلك من كتبه يبطل مذهب الإمامية، فهذا يدل على المداهنة ~~لهم في هذا الكتاب لأجل من صنفه له. # وأيضا فهذه الشبهة التي حكاها الشهرستاني في أول كتاب " الملل والنحل " ~~عن إبليس في ms1488 مناظرته للملائكة لا تعلم إلا بالنقل، وهو لم يذكر لها إسنادا، ~~بل لا إسناد لها أصلا. فإن هذه لم تنقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~ولا عن أحد من الصحابة ولا عن أئمة المسلمين المشهورين، ولا هي أيضا مما هو ~~معلوم عند أهل الكتاب (1) . # وهذه لا تعلم إلا بالنقل عن الأنبياء، وإنما توجد في شيء من كتب المقالات ~~وبعض كتب النصارى. # والشهرستاني أكثر ما ينقله من المقالات من كتب المعتزلة، وهم يكذبون ~~بالقدر. فيشبه - والله أعلم - أن يكون بعض المكذبين بالقدر وضع هذه الحكاية ~~ليجعلها حجة على المثبتين للقدر، كما يضعون شعرا على لسان يهودي وغير ذلك، ~~فإنا رأينا كثيرا من القدرية يضعون على لسان الكفار ما فيه حجة على الله، ~~ومقصودهم بذلك التكذيب بالقدر، PageV06P307 # وأن من صدق به فقد جعل للخلق حجة على الخالق، كما وجدنا كثيرا من الشيعة ~~يضع حججا لهم على لسان بعض اليهود، ليقال لأهل السنة: أجيبوا هذا اليهودي، ~~ويخاطب بذلك من لا يحسن أن يبين فساد تلك الحجة من جهال العامة. ### | الرد على زعم الرافضي عن الاختلاف الواقع في مرض النبي صلى الله عليه وسلم # وأما قول القائل: " إن مثار الفساد بعد شبهة إبليس الاختلاف الواقع في ~~مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ". # فهذا من أظهر [الكذب] (1) الباطل، فإنه إن كان قصده أن هذا أول ذنب أذنب، ~~فهذا باطل ظاهر البطلان. # وإن كان قصده أن هذا أول اختلاف وقع بعد تلك الشبهة، فهو باطل من وجوه: ~~أحدها: أن شبهة إبليس لم توقع خلافا بين الملائكة، ولا سمعها الآدميون منه ~~حتى يوقع بينهم خلافا. # والثاني: أن الخلاف ما زال بين بني آدم من زمن نوح، واختلاف الناس قبل ~~المسلمين أعظم بكثير من اختلاف المسلمين. # وقد قال تعالى {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ~~وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه ~~إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين ~~آمنوا لما اختلفوا ms1489 فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} ~~[سورة البقرة: 213] قال ابن عباس: " كان بين آدم PageV06P308 # ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام، ثم اختلفوا بعد ذلك " (1) . # وقال تعالى: {وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا} [سورة يونس: 19] . # وقال تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا ~~من رحم ربك ولذلك خلقهم} [سورة هود: 118، 119] . # وقالت الملائكة لما قال تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل ~~فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} [سورة البقرة: ~~30] . # وقد أخبر الله تعالى أن ابني آدم قتل أحدهما أخاه، وفي الصحيح عن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم ~~الأول كفل من دمها، فإنه أول من سن القتل» " (2) . # وقال تعالى: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم ~~درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما ~~اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ~~ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد} [سورة ~~البقرة: 253] . PageV06P309 # وقد قال تعالى: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم ~~البينات} [سورة آل عمران: 105] . # فهذه نصوص القرآن تخبر بالاختلاف والتفرق الذي كان في الأمم قبلنا. وقال ~~- صلى الله عليه وسلم -: " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت ~~النصارى على اثنتين وسبعين فرقة " (1) . # وقد أخبر الله من تكذيب قوم عاد وثمود وفرعون لأنبيائهم ما فيه عبرة. # وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «ذروني ما ~~تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، وإذا ~~نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» " (2) . # وقال تعالى عن أهل الكتاب قبلنا: {وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى ~~يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله} [سورة المائدة: 64] . # وقال تعالى: {ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ms1490 ميثاقهم فنسوا حظا مما ~~ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة} [سورة المائدة: ~~14] . # وأمثال ذلك مما يعلم بالاضطرار في الأمم قبلنا من الاختلاف PageV06P310 # والنزاع. والخلاف الواقع في غير أهل الملل أكثر منه في أهل الملل، فكل من ~~كان إلى متابعة الأنبياء أقرب، كان الخلاف بينهم أقل. # فالخلاف المنقول عن فلاسفة اليونان والهند وأمثالهم أمر لا يحصيه إلا ~~الله، وبعده الخلاف عن أعظم الملل ابتداعا كالرافضة فينا. وبعد ذلك الخلاف ~~الذي بين المعتزلة ونحوهم. وبعد ذلك خلاف الفرق المنتسبة إلى الجماعة، ~~كالكلابية والكرامية والأشعرية ونحوهم. ثم بعد ذلك (1) اختلاف أهل الحديث، ~~وهم أقل الطوائف اختلافا في أصولهم، لأن ميراثهم من النبوة أعظم من ميراث ~~غيرهم فعصمهم حبل الله الذي اعتصموا به فقال (2) {واعتصموا بحبل الله ~~جميعا} [سورة آل عمران: 103] . # فكيف يقال مع الاختلاف الذي في الأمم قبلنا: إن مثار الفساد بعد شبهة ~~إبليس الاختلاف الواقع في مرض النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ وكم قد (3) ~~وقع من الفساد والاختلاف قبل هذا؟ . # والتحديد بشبهة إبليس والاختلاف الواقع في المرض باطل. فأما شبهة إبليس ~~فلا يعرف لها أثر إسناد كما تقدم. والكذب ظاهر عليها. # وأما ما وقع في مرض النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد كان يقع قبل ذلك ~~ما هو أعظم منه، وقد وقع قتال بين أهل قباء حتى خرج النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - ليصلح بينهم. PageV06P311 # وقد تنازع المسلمون يوم بدر في الأنفال، فقال الآخذون: هي لنا، وقال ~~الذاهبون خلف العدو: هي لنا. وقال الحافظون لرسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - هي لنا حتى أنزل الله تعالى: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله ~~والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} [سورة الأنفال: 1] . # وقد كان بين الأنصار خلاف في قصة الإفك، حتى هم الحيان بالاقتتال، فسكنهم ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - في شخص هل يجوز قتله أم لا يجوز؟ . # وقد وقع نزاع بين الأنصار مرة بسبب يهودي كان يذكرهم حروبهم في الجاهلية ~~التي كانت بين الأوس والخزرج، حتى اختصموا وهموا بالقتال حتى ms1491 أنزل الله ~~تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم ~~بعد إيمانكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ~~ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم} [آل عمران: 100، 101] . # وقد ثبت في الصحيح أنهم كانوا في سفر فاقتتل رجل من المهاجرين ورجل من ~~الأنصار، فقال المهاجري: يا للمهاجرين! وقال الأنصاري: يا للأنصار، فقال ~~النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «أبدعوى الجاهلية وأنا بين ظهرانيكم، ~~دعوها فإنها منتنة» " (1) . PageV06P312 # وقد كان الصحابة يتنازعون في مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته ~~كما ثبت في الصحيحين «عن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا ~~يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة " فأدركتهم الصلاة في الطريق. فقال ~~بعضهم: نصلي ولا نترك الصلاة. وقال بعضهم: لا نصلي إلا في بني قريظة، فصلوا ~~بعد غروب الشمس. فما عنف النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدا منهم» (1) . # وفي البخاري عن ابن الزبير أنه لما قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~وفد تميم، قال أبو بكر: أمر القعقاع بن معبد (2) . وقال عمر: أمر الأقرع بن ~~حابس. فقال: ما أردت إلا خلافي. فقال: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما، ~~فأنزل الله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} ~~الآية [سورة الحجرات: 2] فكان عمر بعد ذلك لا يحدثه إلا كأخي السرار (3) . ~~PageV06P313 # وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر بشيء أو يأذن فيه، فيراجع ~~فيه، فينسخ الله ذلك الأمر الأول. «كما أنه لما أمرهم بكسر الأواني التي ~~فيها لحوم الحمر قالوا: ألا نريقها؟ قال: أريقوها (1) . # ولما كانوا في سفر استأذنوه (2) في نحر ظهورهم، فأذن لهم. حتى جاء عمر ~~فقال: يا رسول الله، إن أذنت في ذلك نفد ظهرهم، ولكن اجمع ما معهم، وادع ~~الله تبارك وتعالى فيه، ففعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك» (3) . # ومن ذلك «حديث أبي هريرة لما أعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بغلته، ~~وقال: " اذهب فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله ms1492 إلا الله، وأن محمدا ~~رسول الله فبشره بالجنة. فلقيه عمر فقال، فضربه في صدره، وقال: ارجع، فرجع ~~إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. # وقال له عمر: فلا تفعل ; فإني أخاف أن يتكل الناس عليها فخلهم ~~PageV06P314 # يعملون، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " فخلهم» " (1) . وأمثال ~~ذلك كثير. # الوجه الثالث: أن الذي وقع في مرضه كان من أهون الأشياء وأبينها، وقد ثبت ~~في الصحيح أنه قال لعائشة في مرضه: " «ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي ~~بكر كتابا لا يختلف عليه الناس من بعدي ". ثم قال: " يأبى الله والمؤمنون ~~إلا أبا بكر» " (2) فلما كان يوم الخميس هم أن يكتب كتابا، فقال عمر: " ~~ماله أهجر؟ (3) " فشك عمر هل هذا القول من هجر الحمى أو هو مما يقول على ~~عادته فخاف عمر أن يكون من هجر الحمى، أو هذا مما خفي على عمر كما خفي عليه ~~موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بل أنكره، ثم قال بعضهم هاتوا كتابا، ~~وقال بعضهم: لا تأتوا بكتاب. فرأى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الكتاب ~~في هذا الوقت لم يبق فيه فائدة، لأنهم يشكون: هل أملاه مع تغيره بالمرض؟ أم ~~مع سلامته من ذلك؟ فلا يرفع النزاع فتركه. # ولم تكن كتابة الكتاب مما أوجبه الله عليه أن يكتبه أو يبلغه في ذلك ~~PageV06P315 # الوقت، إذ لو كان كذلك لما ترك - صلى الله عليه وسلم - ما أمره الله به، ~~لكن ذلك مما رآه مصلحة لدفع النزاع في خلافة أبي بكر، ورأى أن الخلاف لا بد ~~أن يقع. وقد سأل ربه لأمته ثلاثا، فأعطاه اثنتين ومنعه واحدة. سأله أن لا ~~يهلكهم بسنة عامة فأعطاه إياها، وسأله أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم ~~فأعطاه إياها، و (1) سأله أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعه إياها (2) . # وهذا ثبت في الصحيح. وقال ابن عباس: " الرزية كل الرزية ما حال بين رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - وبين أن يكتب الكتاب " (3) . # فإنها رزية، أي مصيبة في حق الذين شكوا في خلافة أبي ms1493 بكر - رضي الله عنه ~~- وطعنوا فيها. # وابن عباس قال ذلك لما ظهر أهل الأهواء من الخوارج والروافض ونحوهم. وإلا ~~فابن عباس كان يفتي بما في كتاب الله، فإن لم يجد في كتاب الله فبما في سنة ~~رسول الله، فإن لم يجد في سنة رسول الله - صلى PageV06P316 # الله عليه وسلم - فبما أفتى أبو بكر وعمر. وهذا ثابت من حديث ابن عيينة ~~عن عبد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس. # ومن عرف حال ابن عباس علم أنه كان يفضل أبا بكر وعمر على علي - رضي الله ~~عنه -. # ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك كتابة الكتاب باختياره، فلم يكن ~~في ذلك نزاع، ولو استمر على إرادة الكتاب ما قدر أحد أن يمنعه. # ومثل هذا النزاع قد كان يقع في صحته ما هو أعظم منه. والذي وقع بين أهل ~~قباء وغيرهم كان أعظم من هذا بكثير، حتى أنزل فيه: {وإن طائفتان من ~~المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} [سورة الحجرات: 9] ، لكن روي أنه كان ~~بينهم قتال بالجريد والنعال (1) . # ومن جهل الرافضة أنهم يزعمون أن ذلك الكتاب كان كتابه بخلافة علي، وهذا ~~ليس في القصة ما يدل عليه بوجه من الوجوه. ولا [في] PageV06P317 # شيء (1) من الحديث المعروف عند أهل النقل أنه جعل عليا خليفة. كما في ~~الأحاديث الصحيحة ما يدل على خلافة أبي بكر. ثم يدعون مع هذا أنه كان (2) ~~قد نص على خلافة علي نصا جليا قاطعا للعذر، فإن كان قد فعل ذلك فقد أغنى عن ~~الكتاب، وإن كان الذين سمعوا ذلك لا يطيعونه فهم أيضا لا يطيعون الكتاب، ~~فأي فائدة لهم في الكتاب لو كان كما زعموا؟ . ### | الرد على زعم الرافضي عن الخلاف في تجهيز جيش أسامة # وأما قوله (3) : " الخلاف الثاني: الواقع في مرضه (4) : أنه قال جهزوا ~~جيش أسامة، لعن الله من تخلف عنه. فقال قوم: يجب علينا امتثال أمره وأسامة ~~قد برز (5) ، وقال قوم: قد اشتد مرضه، ولا يسع (6) قلوبنا المفارقة ". # فالجواب (7) : " أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالنقل ; فإن ms1494 النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - لم يقل: " «لعن الله من تخلف عنه» " ولا نقل هذا ~~بإسناد ثبت، بل ليس له إسناد في كتب أهل الحديث أصلا، ولا امتنع أحد من ~~أصحاب أسامة من الخروج معه لو خرج، بل كان أسامة PageV06P318 # هو الذي توقف في الخروج، لما خاف أن يموت النبي - صلى الله عليه وسلم -، ~~فقال: كيف أذهب وأنت هكذا، أسأل عنك الركبان؟ فأذن له النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - في المقام. ولو عزم على أسامة في الذهاب لأطاعه، ولو ذهب أسامة ~~لم يتخلف عنه أحد ممن كان معه، وقد ذهبوا جميعهم معه بعد موت النبي - صلى ~~الله عليه وسلم -، ولم يتخلف عنه أحد بغير إذنه. # وأبو بكر - رضي الله عنه - لم يكن في جيش أسامة باتفاق أهل العلم، لكن ~~روي أن عمر كان فيهم، وكان عمر خارجا مع أسامة لكن طلب منه أبو بكر أن يأذن ~~له في المقام عنده لحاجته إليه، فأذن له، مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- لما مات كان أحرص الناس على تجهيز أسامة هو وأبو بكر وجمهور الصحابة ~~أشاروا عليه بأن لا يجهزه خوفا عليهم من العدو، فقال أبو بكر - رضي الله ~~عنه -: والله لا أحل راية عقدها النبي - صلى الله عليه وسلم -. وكان إنفاذه ~~من أعظم المصالح التي فعلها أبو بكر - رضي الله عنه - في أول خلافته ولم ~~يكن في شيء من ذلك نزاع مستقر أصلا (1) . # والشهرستاني لا خبرة له بالحديث وآثار الصحابة والتابعين. ولهذا نقل في ~~كتابه هذا ما ينقله من اختلاف غير المسلمين واختلاف المسلمين، ولم ينقل مع ~~هذا مذهب الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين في الأصول PageV06P319 # الكبار، لأنه لم يكن يعرف هذا هو وأمثاله من أهل الكلام، وإنما ينقلون ما ~~يحدثونه في كتب المقالات، وتلك فيها أكاذيب كثيرة (1) من جنس ما في ~~التواريخ. # ولكن أهل الفرية يزعمون أن الجيش كان فيه أبو بكر وعمر، وأن مقصود الرسول ~~كان إخراجهما لئلا ينازعا عليا. وهذا إنما يكذبه ويفتريه من هو من أجهل ~~الناس ms1495 بأحوال الرسول والصحابة، وأعظم الناس تعمدا للكذب، وإلا فالرسول - ~~صلى الله عليه وسلم - طول مرضه يأمر أبا بكر أن يصلي بالناس، والناس كلهم ~~حاضرون، ولو ولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الناس من ولاه ~~لأطاعوه، وكان المهاجرون والأنصار يحاربون من نازع أمر الله ورسوله، وهم ~~الذين نصروا دينه أولا وآخرا. # ولو أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستخلف عليا في الصلاة: هل كان ~~يمكن أحدا أن يرده؟ ولو أراد تأميره على الحج على أبي بكر ومن معه هل كان ~~ينازعه أحد؟ ولو قال لأصحابه: هذا هو الأمير عليكم والإمام بعدي، هل كان ~~يقدر أحد أن يمنعه ذلك؟ . # ومعه جماهير المسلمين من المهاجرين والأنصار كلهم مطيعون لرسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم -، ليس فيهم من يبغض عليا، ولا من قتل علي أحدا من ~~أقاربه. # وقد دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة عام الفتح في عشرة آلاف: سليم ~~ألف، ومزينة ألف، وجهينة ألف، وغفار ألف، ونحو ذلك. والنبي - PageV06P320 # صلى الله عليه وسلم - يقول: " «أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها» " ~~(1) ، ويقول: " «قريش والأنصار وأسلم وغفار وجهينة موالي دون الناس، ليس ~~لهم مولى دون الله ورسوله» " (2) . # وهؤلاء لم يقتل علي أحدا منهم، ولا أحدا من الأنصار. وقد كان عمر - رضي ~~الله عنه - أشد عداوة منذ أسلم للمشركين من علي، فكانوا يبغضونه أعظم من ~~بغضهم لسائر الصحابة. وكان الناس ينفرون عن عمر لغلظته وشدته، أعظم من ~~نفورهم عن علي، حتى كره بعضهم تولية أبي بكر له، وراجعوه لبغض النفوس للحق، ~~لأنه كان لا تأخذه في الله لومة لائم، فلم PageV06P321 # يكن قط سبب يدعو المسلمين إلى تأخير من قدمه النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- ونص عليه، وتقديم من يريد تأخيره وحرمانه. # ولو أراد إخراجهما في جيش أسامة خوفا منهما، لقال للناس: لا تبايعوهما. ~~فيا ليت شعري ممن كان يخاف الرسول؟ فقد نصره الله وأعزه، وحوله المهاجرون ~~والأنصار الذين لو أمرهم بقتل آبائهم وأبنائهم لفعلوا. # وقد أنزل الله سورة براءة، وكشف فيها ms1496 حال المنافقين، وعرفهم المسلمين، ~~وكانوا مدحوضين مذمومين عند الرسول وأمته. # وأبو بكر وعمر كانا (1) أقرب الناس عنده، وأكرم الناس عليه، وأحبهم إليه، ~~وأخصهم به، وأكثر الناس له صحبة ليلا ونهارا، وأعظمهم موافقة له ومحبة له، ~~وأحرص الناس على امتثال أمره وإعلاء دينه. فكيف يجوز عاقل أن يكون هؤلاء ~~عند الرسول من جنس المنافقين؟ ، الذين كان أصحابه قد عرفوا إعراضه عنهم ~~وإهانته لهم ولم يكن يقرب أحدا منهم بعد سورة براءة. # بل قال الله تعالى: {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض ~~والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا - ملعونين ~~أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا} [سورة الأحزاب: 60، 61] فانتهوا عن إظهار ~~النفاق وانقمعوا. # هذا وأبو بكر عنده أعز الناس وأكرمهم وأحبهم إليه. PageV06P322 ### | الرد على كلام الرافضي على ما كان من عمر عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم # وأما قوله (1) : " الخلاف الثالث في موته " (2) . # فالجواب: لا ريب أن عمر خفي عليه موته أولا، ثم أقر به من الغد، واعترف ~~بأنه كان مخطئا في إنكار موته، فارتفع الخلاف. وليس لفظ الحديث كما ذكره ~~الشهرستاني. ولكن في الصحيحين عن ابن عباس أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس، ~~فقال: اجلس يا عمر، فأبى أن يجلس، فأقبل الناس إليه وتركوا عمر، فقال أبو ~~بكر: " أما بعد، فمن كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد ~~الله فإن الله حي لا يموت ". قال الله تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من ~~قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه} ~~الآية [سورة آل عمران: 144] قال: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله قد ~~أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها (3) الناس كلهم، فما أسمع بشرا ~~من الناس إلا يتلوها. فأخبرني ابن المسيب أن عمر قال: " والله ما هو إلا أن ~~سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت PageV06P323 # إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن رسول الله - صلى الله ms1497 عليه وسلم - قد ~~مات " (1) . ### | قال الرافضي الخلاف الرابع في الإمامة # وأما قوله (2) : " الخلاف الرابع: في الإمامة. وأعظم خلاف بين الأمة خلاف ~~(3) الإمامة، إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على ~~الإمامة في كل زمان " (4) . # فالجواب (5) : أن هذا من أعظم الغلط، فإنه - ولله الحمد - لم يسل سيف على ~~خلافة أبي بكر، ولا عمر ولا عثمان، ولا كان بين المسلمين في زمنهم نزاع في ~~الإمامة، فضلا عن السيف، ولا كان بينهم سيف مسلول على شيء من الدين. ~~والأنصار تكلم بعضهم بكلام أنكره عليهم. PageV06P324 # أفاضلهم، كأسيد بن حضير وعباد بن بشر وغيرهما ممن هو (1) أفضل من سعد بن ~~عبادة نفسا وبيتا. # فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ثبت عنه في الصحيحين من غير وجه أنه ~~قال: " «خير دور الأنصار دار بني النجار، ثم دار بني عبد الأشهل، ثم دار ~~بني الحارث بن الخزرج، ثم دار بني ساعدة، وفي كل دور الأنصار خير» " (2) . # فأهل الدور الثلاثة المفضلة: دار بني النجار، وبني عبد الأشهل، وبني ~~الحارث بن الخزرج لم يعرف منهم من نازع في الإمامة، بل رجال بني النجار ~~كأبي أيوب الأنصاري، وأبي طلحة، وأبي بن كعب وغيرهم، كلهم لم يختاروا إلا ~~أبا بكر. # وأسيد بن حضير هو الذي كان مقدم الأنصار يوم فتح مكة، عن يسار النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر عن يمينه، وهو كان من بني عبد الأشهل، وهو ~~كان يأمر ببيعة أبي بكر - رضي الله عنه -، وكذلك غيره من رجال الأنصار. # وإنما نازع سعد بن عبادة والحباب بن المنذر وطائفة قليلة، ثم رجع هؤلاء ~~وبايعوا الصديق، ولم يعرف أنه تخلف منهم إلا سعد بن عبادة. PageV06P325 # وسعد، وإن كان رجلا صالحا، فليس هو معصوما، بل له ذنوب يغفرها الله، وقد ~~(1) عرف المسلمون بعضها، وهو من أهل الجنة السابقين الأولين من الأنصار، ~~رضي الله عنهم وأرضاهم. # فما ذكره الشهرستاني من أن الأنصار اتفقوا على تقديمهم سعد بن عبادة هو ~~باطل باتفاق أهل المعرفة بالنقل، والأحاديث الثابتة ms1498 بخلاف ذلك. وهو وأمثاله ~~وإن لم يتعمدوا الكذب لكن ينقلون من كتب من ينقل عمن يتعمد الكذب. # وكذلك قول القائل: إن عليا كان مشغولا بما أمره النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - من دفنه وتجهيزه وملازمة قبره، فكذب ظاهر، وهو مناقض لما يدعونه، ~~فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يدفن إلا بالليل، لم يدفن بالنهار. ~~وقيل: إنه إنما دفن من الليلة المقبلة، ولم يأمر أحدا بملازمة قبره، ولا ~~لازم علي قبره، بل قبر في بيت عائشة، وعلي أجنبي منها. # ثم كيف يأمر بملازمة قبره، وقد أمر - بزعمهم - أن يكون إماما بعده؟ ولم ~~يشتغل بتجهيزه علي وحده، بل علي، والعباس، وبنو العباس، ومولاه شقران، وبعض ~~الأنصار، وأبو بكر وعمر، وغيرهما على باب البيت حاضرين غسله وتجهيزه، لم ~~يكونوا حينئذ في بني ساعدة. لكن السنة أن يتولى الميت أهله، فتولى أهله ~~غسله وأخروا دفنه ليصلي المسلمون عليه (2) ، فإنهم صلوا عليه أفرادا واحدا ~~بعد واحد، PageV06P326 # رجالهم ونساؤهم: خلق كثير، فلم يتسع يوم الاثنين لذلك مع تغسيله وتكفينه، ~~بل صلوا عليه يوم الثلاثاء، ودفن يوم الأربعاء. # وأيضا فالقتال الذي كان في زمن علي لم يكن على الإمامة، فإن أهل الجمل ~~وصفين والنهروان لم يقاتلوا على نصب إمام غير علي، ولا كان معاوية يقول: ~~أنا (1) الإمام دون علي، ولا قال ذلك طلحة والزبير. # فلم يكن أحد ممن قاتل عليا قبل الحكمين (2) نصب إماما يقاتل على طاعته، ~~فلم يكن شيء من هذا القتال على قاعدة من قواعد الإمامة المنازع فيها، لم ~~يكن أحد من المقاتلين يقاتل طعنا في خلافة (3) الثلاثة، ولا ادعاء للنص على ~~غيرهم، ولا طعنا في جواز خلافة علي. # فالأمر الذي تنازع فيه الناس من أمر الإمامة، كنزاع الرافضة والخوارج ~~المعتزلة وغيرهم، ولم يقاتل عليه أحد من الصحابة أصلا، ولا قال أحد منهم: ~~إن الإمام المنصوص عليه هو علي، ولا قال: إن الثلاثة كانت إمامتهم باطلة، ~~ولا قال أحد منهم إن عثمان وعليا وكل من والاهما كافر. # فدعوى المدعي أن أول سيف سل بين ms1499 أهل القبلة كان مسلولا على قواعد الإمامة ~~التي تنازع فيها الناس، دعوى كاذبة ظاهرة الكذب، يعرف كذبها بأدنى تأمل، مع ~~العلم بما وقع. PageV06P327 # وإنما كان القتال قتال (1) فتنة عند كثير من العلماء، وعند كثير منهم هو ~~(2) من باب قتال أهل العذل (3) والبغي، وهو القتال بتأويل سائغ لطاعة غير ~~(4) الإمام لا على قاعدة دينية. # ولو أن عثمان نازعه منازعون في الإمامة وقاتلهم، لكان قتالهم من جنس قتال ~~علي، وإن كان ليس بينه وبين أولئك نزاع في القواعد الدينية. # ولكن أول سيف سل على الخلاف في القواعد الدينية سيف الخوارج، وقتالهم من ~~أعظم القتال، وهم الذين ابتدعوا أقوالا خالفوا فيها الصحابة وقاتلوا عليها، ~~وهم الذين تواترت النصوص بذكرهم، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: " «تمرق ~~مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق» " (5) . # وعلي - رضي الله عنه - لم يقاتل أحدا على إمامة من قاتله، ولا قاتله أحد ~~على إمامته نفسه، ولا ادعى أحد قط في زمن خلافته أنه أحق بالإمامة منه: لا ~~عائشة، ولا طلحة، ولا الزبير، ولا معاوية وأصحابه، ولا الخوارج، بل كل ~~الأمة كانوا معترفين بفضل علي وسابقته بعد قتل PageV06P328 # عثمان، وأنه لم يبق في الصحابة من يماثله في زمن خلافته، كما كان عثمان ~~كذلك لم ينازع قط أحد من المسلمين في إمامته وخلافته ولا تخاصم اثنان في أن ~~غيره أحق بالإمامة منه، فضلا عن القتال على ذلك. وكذلك أبو بكر وعمر - رضي ~~الله عنهما -. # وبالجملة فكل من له خبرة بأحوال القوم يعلم علما ضروريا أنه لم يكن بين ~~المسلمين مخاصمة بين طائفتين (1) في إمامة الثلاثة، فضلا عن قتال. # وكذلك علي: لم يتخاصم طائفتان في أن غيره أحق بالإمامة منه. وإن كان بعض ~~الناس كارها لولاية أحد من الأربعة، فهذا لا بد منه. فإن من الناس من كان ~~كارها لنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - فكيف لا يكون فيهم من يكره إمامة ~~بعض الخلفاء. # لكن لم يكن بين الطوائف نزاع ظاهر في ذلك بالقول، فضلا عن السيف. كما بين ms1500 ~~أهل العلم نزاع في مقالات معروفة بينهم، في المسائل العملية والعقائد (2) ~~العلمية، وقد تجتمع طائفتان فيتنازعون ويتناظرون في بعض المسائل. # والخلفاء الأربعة لم يكن على عهدهم طائفتان يظهر بينهم (3) النزاع، ~~PageV06P329 # لا في تقديم أبي بكر على من بعده وصحة إمامته، ولا في تقديم عمر وصحة ~~إمامته، ولا في تقديم عثمان وصحة إمامته، ولا في (1) أن عليا مقدم بعد ~~هؤلاء. # وليس في الصحابة بعدهم (2) من هو أفضل منه، ولا تنازع طائفة من المسلمين ~~بعد خلافة عثمان في أنه ليس في جيش علي أفضل منه، لم تفضل طائفة معروفة ~~عليه طلحة والزبير، فضلا أن يفضل عليه معاوية. # فإن قاتلوه مع ذلك لشبهة عرضت لهم، فلم يكن القتال له لا على أن غيره ~~أفضل منه، ولا أنه الإمام دونه، ولم يتسم قط طلحة والزبير باسم الإمارة، ~~ولا بايعهما أحد على ذلك. # وعلي بايعه كثير من المسلمين، وأكثرهم بالمدينة على أنه أمير المؤمنين. ~~ولم يبايع طلحة والزبير أحد على ذلك، ولا طلب أحد منهما ذلك، ولا دعا إلى ~~نفسه، فإنهما - رضي الله عنهما - كانا أفضل وأجل قدرا من أن يفعلا مثل ذلك. # وكذلك معاوية لم يبايعه أحد لما مات عثمان على الإمامة، ولا حين كان ~~يقاتل عليا بايعه أحد على الإمامة، ولا تسمى بأمير المؤمنين، ولا سماه أحد ~~بذلك، ولا ادعى معاوية ولاية قبل حكم الحكمين (3) . # وعلي يسمي نفسه أمير المؤمنين في مدة خلافته، والمسلمون معه PageV06P330 # يسمونه أمير المؤمنين. لكن الذين قاتلوه مع معاوية ما كانوا يقرون له ~~بذلك، ولا دخلوا في طاعته، مع اعترافهم بأنه ليس في القوم أفضل منه ولكن ~~ادعوا موانع تمنعهم عن طاعته. # ومع ذلك فلم يحاربوه، ولا دعوه وأصحابه إلى أن يبايع معاوية، ولا قالوا: ~~أنت، وإن كنت أفضل من معاوية لكن معاوية أحق بالإمامة منك فعليك أن تتبعه، ~~وإلا قاتلناك. # كما يقول كثير من خيار الشيعة الزيدية: إن عليا كان أفضل من أبي بكر وعمر ~~وعثمان، ولكن كانت المصلحة الدينية تقتضي خلافة هؤلاء لأنه كان في نفوس ~~كثير ms1501 من المسلمين نفور عن علي بسبب من قتله من أقاربهم، فما كانت الكلمة ~~تتفق على طاعته فجاز تولية المفضول لأجل ذلك. # فهذا القول يقوله كثير من خيار الشيعة، وهم الذين ظنوا أن عليا كان أفضل، ~~وعلموا أن خلافة أبي بكر وعمر حق لا يمكن الطعن فيها، فجمعوا بين هذا وهذا ~~بهذا الوجه. # وهؤلاء عذرهم آثار سمعوها، وأمور ظنوها، تقتضي فضل علي عليهم، كما يقع ~~مثل ذلك في عامة المسائل المتنازع فيها بين الأمة، يكون الصواب مع أحد ~~القولين، ولكن الآخرون معهم منقولات ظنوها صدقا، ولم يكن لهم خبرة بأنها ~~كذب، ومعهم من الآيات والأحاديث الصحيحة تأويلات ظنوها مرادة ومن النص، ولم ~~تكن كذلك، ومعهم نوع من القياس والرأي ظنوه حقا، وهو باطل. # PageV06P331 # فهذا مجموع ما يورث الشبه في ذلك إذا خلت النفوس عن الهوى وقل أن يخلو ~~أكثر الناس عن الهوى: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ~~ربهم الهدى} [سورة النجم: 23] . # والمقصود أن جواز تولية المفضول لأسباب مانعة من تولية الفاضل هو قول ذهب ~~إليه طوائف من السنة والشيعة. ومع هذا فلم يكن الذين مع معاوية يقولون: إنه ~~الإمام والخليفة، وإن على علي وأصحابه مبايعته وطاعته، وإن كان علي أفضل، ~~لأن توليته أصلح. # فهذا لم يكونوا يقولونه، ولا يقاتلون عليه، وهذا مما هو معلوم لعموم أهل ~~العلم، ولا بدأوا عليا وأصحابه بقتال أصلا. # ولأن الخوارج بدأوه بذلك، فإنهم قتلوا عبد الله بن خباب لما اجتاز بهم، ~~فسألوه أن يحدثهم عن أبيه خباب بن الأرت، فحدثهم حديثا في ترك الفتن، وكان ~~قصده - رحمه الله - رجوعهم عن الفتنة، فقتلوه، وبقي دمه مثل الشراك في ~~الدماء. فأرسل إليهم علي يقول: سلموا إلينا قاتل عبد الله بن خباب. فقالوا: ~~كلنا قتله. ثم أغاروا على سرح الناس، وهي الماشية التي أرسلوها تسرح مع ~~الرعاء. فلما رأى علي أنهم استحلوا دماء المسلمين وأموالهم، ذكر النصوص ~~التي سمعها من النبي - صلى الله عليه وسلم - في صفتهم وفي الأمر بقتالهم، ~~ورأى تلك الصفة منطبقة ms1502 عليهم، فقاتلهم، ونصره الله عليهم، وفرح بذلك، وسجد ~~لله شكرا لما جاءه خبر المخدج أنه معهم، فإنه هو كان العلامة التي أخبر بها ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - واتفق الصحابة على قتالهم فقتاله للخوارج كان ~~بنص من الرسول وبإجماع الصحابة. # PageV06P332 # وأما قتال الجمل وصفين فقد ذكر علي - رضي الله عنه - أنه لم يكن معه نص ~~من النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما كان رأيا. وأكثر الصحابة لم يوافقوه ~~على هذا القتال، بل أكثر أكابر (1) الصحابة لم يقاتلوا: لا مع هؤلاء ولا مع ~~هؤلاء، كسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وأسامة بن زيد، ومحمد بن مسلمة، ~~وأمثالهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم ~~بإحسان، مع أنهم معظمون لعلي، يحبونه ويوالونه ويقدمونه على من سواه، ولا ~~يرون أن أحدا أحق بالإمامة منه في زمنه لكن لم يوافقوه في رأيه في القتال. # وكان معهم نصوص سمعوها من النبي - صلى الله عليه وسلم - تدلهم على أن ترك ~~القتال والدخول في الفتنة خير من القتال، وفيها ما يقتضي النهي عن ذلك، ~~والآثار بذلك كثيرة معروفة. # وأما معاوية، فلم يقاتل معه من السابقين الأولين المشهورين أحد، بل كان ~~مع علي بعض السابقين ولم يكن مع معاوية أحد، وأكثرهم اعتزلوا الفتنة. # وقيل: كان مع معاوية بعض السابقين الأولين، وإن قاتل عمار بن ياسر هو أبو ~~الغادية (2) ، وكان ممن بايع تحت الشجرة، وهم السابقون الأولون ذكر ذلك ابن ~~حزم وغيره. PageV06P333 # والمقصود أن عليا لم يقاتله أحد على إمامة غيره، ولا دعاه إلى أن يكون ~~تحت ولاية غيره، ثم إنه لما رفعت المصاحف ودعوا إلى التحكيم واتفقوا على ~~ذلك وأجمعوا في العام القابل، واتفق الحكمان على عزل علي ومعاوية، وأن يكون ~~الأمر شورى بين المسلمين، وقال أحد الحكمين: " هذا عزل صاحبه، وأنا لم أعزل ~~صاحبي " ومال أبو موسى إلى تولية عبد الله بن عمر، فغضب عبد الله لذلك، ولم ~~يكن اتفاقهما على عزل معاوية عن كونه أمير المؤمنين، فإنه لم يكن قبل هذا ~~أمير المؤمنين بل عزله ms1503 عن ولايته على الشام ; فإنه كان يقول: أنا ولاني ~~الخليفتان عمر وعثمان، فأنا باق على ولايتي حتى يجتمع الناس على الإمام. # فاتفق الحكمان على أن يعزل علي عن إمرة المؤمنين، ومعاوية عن إمرة الشام. ~~وكان مقصود أحدهما إبقاء صاحبه، ولم يظهر ما في نفسه. فلما أظهر ما في نفسه ~~تفرق الناس عن غير اتفاق ولم يقع بعد هذا قتال. # فلو قدر أن معاوية في هذا الحال صار يدعي أصحابه أنه أمير المؤمنين دون ~~علي، فلم يمكنهم أن يقولوا: إن عليا بعد ذلك قوتل على إمامة معاوية. # فتبين أن عليا لم يقاتله أحد على أن يكون غيره إماما وهو مطيع له، فإن ~~الذين كانوا يستحقون الإمامة أبو بكر وعمر وعثمان، وكان هو أتقى لله من أن ~~يخرج عليهم بقول أو فعل، بل عثمان كان علي هو أول من بايعه قبل جمهور ~~الناس. # PageV06P334 # وأما معاوية فكان المسلمون أعلم وأعدل من أن يقولوا لعلي: بايع معاوية، ~~بل يقولوا له (1) : بايع طلحة والزبير، وهما (2) من أهل الشورى. # فعبد الرحمن بن عوف مات في خلافة عثمان، وبقي بعد موت عثمان أربعة. # فأما سعد فاعتزل الفتنة، ولم يدخل في قتال أحد من المسلمين، وعاش بعدهم ~~كلهم، وهو آخر العشرة موتا، واعتزل بالعقيق، ولما مات حمل على الأعناق فدفن ~~بالبقيع. # وفي صحيح مسلم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص: كان سعد بن أبي وقاص في إبله ~~فجاء ابنه عمر، فلما رآه سعد قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب. فنزل فقال ~~له: أنزلت في إبلك وغنمك وتركت الناس يتنازعون في الملك بينهم؟ فضرب سعد في ~~صدره، وقال: اسكت، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إن الله ~~يحب العبد التقي الغني الخفي " (3) . # وابنه عمر هذا كان يحب الرياسة، ولو حصلت على الوجه المذموم، ولهذا لما ~~ولي ولاية، وقيل له: لا نوليك حتى تتولى قتال الحسين وأصحابه، كان هو أمير ~~تلك السرية. # وأما سعد - رضي الله عنه - فكان مجاب الدعوة، وكان مسددا في زمنه، ~~PageV06P335 # وهو الذي ms1504 فتح العراق، وكسر جنود كسرى، وكان يعلم أنه لا بد من وقوع فتن ~~بين المسلمين. # وفي صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «سألت ربي أن ~~لا يهلك أمتي بسنة عامة فأعطانيها، وسألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم ~~فيستبيح بيضتهم فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها» " (1) ~~. # والمقصود أن الصحابة - رضوان الله عليهم - لم يقتتلوا قط لاختلافهم في ~~قاعدة من قواعد الإسلام أصلا، ولم يختلفوا في شيء من قواعد الإسلام: لا في ~~الصفات ولا [في] القدر (2) ، ولا مسائل الأسماء والأحكام (3) ، ولا مسائل ~~الإمامة. لم يختلفوا في ذلك بالاختصام بالأقوال، فضلا عن الاقتتال بالسيف، ~~بل كانوا مثبتين لصفات الله التي أخبر بها عن نفسه، نافين عنها تمثيلها ~~بصفات المخلوقين، مثبتين للقدر كما أخبر الله به ورسوله، مثبتين للأمر ~~والنهي والوعد والوعيد، مثبتين لحكمة الله في خلقه وأمره مثبتين لقدرة ~~العبد واستطاعته ولفعله مع إثباتهم للقدر. # [ثم] (4) لم يكن في زمنهم من يحتج للمعاصي بالقدر، ويجعل القدر (5) حجة ~~لمن عصى أو كفر، ولا من يكذب بعلم الله ومشيئته الشاملة PageV06P336 # وقدرته العامة وخلقه لكل شيء، وينكر فضل الله وإحسانه ومنه على أهل ~~الإيمان والطاعة، وأنه هو الذي أنعم عليهم بالإيمان والطاعة، وخصهم بهذه ~~النعمة، دون أهل الكفر والمعصية، ولا من ينكر افتقار العبد إلى الله في كل ~~طرفة عين، وأنه لا حول ولا قوة إلا به في كل دق وجل، ولا من يقول: إن الله ~~يجوز أن يأمر بالكفر والشرك، وينهى عن عبادته وحده، ويجوز أن يدخل إبليس ~~وفرعون الجنة ويدخل الأنبياء النار، وأمثال ذلك. # فلم يكن فيهم من يقول بقول القدرية النافية، ولا القدرية الجبرية ~~الجهمية. ولا كان فيهم من يقول بتخليد أحد من أهل القبلة في النار، ولا من ~~يكذب بشفاعة (1) النبي - صلى الله عليه وسلم - في أهل الكبائر، ولا من ~~يقول: إيمان (* الفساق كإيمان الأنبياء. # بل قد (2) ثبت عنهم بالنقول الصحيحة القول بخروج من في قلبه مثقال ذرة من ~~إيمان *) (3) من النار بشفاعة النبي ms1505 - صلى الله عليه وسلم -، وأن إيمان ~~الناس يتفاضل، وأن الإيمان يزيد وينقص. # ومن نقل عن ابن عباس أنه كان يقول بتخليد قاتل النفس فقد كذب عليه، كما ~~ذكر ذلك ابن حزم وغيره (4) . وأما المنقول عن ابن PageV06P337 # عباس، ففي توبة القاتل، لا القول بتخليده وتوبته فيها، روايتان عن أحمد ~~كما قد بسط في موضعه. فأين هذا من هذا؟ . # ولا كان في الصحابة من يقول: إن أبا بكر وعمر وعثمان لم يكونوا أئمة ولا ~~كانت خلافتهم صحيحة، ولا من يقول: إن خلافتهم ثابتة بالنص، ولا من يقول: إن ~~بعد مقتل عثمان كان غير علي أفضل منه، ولا أحق منه بالإمامة. # فهذه القواعد الدينية التي اختلف فيها من بعد الصحابة، لم يختلفوا فيها ~~بالقول ولا بالخصومات، فضلا عن السيف، ولا قاتل أحد منهم على قاعدة في ~~الإمامة. فقبل خلافة علي لم يكن بينهم قتال في الإمامة ولا في ولايته (1) ~~لم يقاتله أحد على أنه يكون تابعا لذاك. # والذين قاتلوا عليا لم يقاتلوا لاختصاص علي دون الأئمة قبله بوصف، بل ~~الذين قاتلوا معه كانوا يقرون بإمامة من قبله، وشائعا بينهم أن أبا بكر ~~أفضل منه، وقد تواتر (2) عنه نفسه أنه كان يقول ذلك على المنبر. ولم يظهر ~~عن الشيعة (3) الأول تقديم علي على أبي بكر وعمر، فضلا عن الطعن في ~~إمامتهما. PageV06P338 # وبكل حال، فمن المعلوم للخاصة والعامة، أهل السنة وأهل البدعة، أن القتال ~~في زمن علي لم يكن لمعاوية ومن معه، إلا لكونهم لم يبايعوا عليا، لم يكن ~~لكونهم بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان. # وأما الحرب التي كانت بين طلحة والزبير وبين علي فكان كل منهما يقاتل عن ~~نفسه ظانا أنه يدفع صول غيره عليه، لم يكن لعلي غرض في قتالهم، ولا لهم غرض ~~في قتاله، بل كانوا قبل قدوم علي يطلبون قتلة عثمان، وكان للقتلة من ~~قبائلهم من يدفع عنهم، فلم يتمكنوا منهم، فلما قدم علي وعرفوه مقصودهم (1) ~~، عرفهم أن هذا أيضا رأيه، لكن لا يتمكن حتى ينتظم الأمر، فلما علم بعض ~~القتلة ms1506 ذلك، حمل [على] أحد العسكرين (2) ، فظن الآخرون أنهم بدأوا بالقتال، ~~فوقع القتال بقصد أهل الفتنة لا بقصد السابقين الأولين، ثم وقع قتال على ~~الملك. # فلم يكن ما وقع قدحا في خلافة الثلاثة، مثل الفتنة التي وقعت بين ابن ~~الزبير وبين يزيد، ثم بين مروان وابنه. وهؤلاء كلهم كانوا متفقين على ~~موالاة عثمان، وقتال من قاتله فضلا عن أبي بكر وعمر. # وكذلك الفتنة التي وقعت بين يزيد وأهل المدينة - فتنة الحرة - فإنما كانت ~~من بعض أهل المدينة، أصحاب السلطان من بني أمية وأصحاب يزيد، لم تكن لأجل ~~أبي بكر وعمر أصلا، بل كان كل من بالمدينة والشام من الطائفتين متفقين على ~~ولاية أبي بكر وعمر. PageV06P339 # والحسين - رضي الله عنه - لما خرج إلى الكوفة إنما كان يطلب الولاية مكان ~~يزيد، لم يكن يقاتل على خلافة أبي بكر وعمر. وكذلك الذين قتلوه. ولم يكن هو ~~حين قتل طالبا للولاية، ولا كان معه جيش يقاتل به، وإنما كان قد رجع منصرفا ~~وطلب أن يرد إلى يزيد ابن عمه، أو أن يرد إلى منزله بالمدينة، أو يسير إلى ~~الثغر، فمنعه أولئك الظلمة من الثلاثة حتى يستأسر لهم، فلم يقتل - رضي الله ~~عنه - وهو يقاتل على ولاية، بل قتل وهو يطلب الدفع عن نفسه لئلا يؤسر ~~ويظلم. # والحسن أخوه قد كانت معه الجيوش العظيمة ومع هذا فقد نزل عن الأمر وسلم ~~إلى معاوية وقد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أثنى ~~عليه بذلك وقال: " «إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به (1) بين فئتين ~~عظيمتين من المسلمين» " (2) . # ثم لما قتل الحسين قام من يطلب بدمه مع المختار بن أبي عبيد الثقفي ~~وقتلوا عبيد الله بن زياد. ثم لما قدم مصعب بن الزبير قتل المختار فإنه كذب ~~وادعى (3) أنه يوحى إليه. # وفي صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «سيكون من ~~ثقيف كذاب ومبير» (4) "، وكان الكذاب هو الذي سمي (5) المختار، PageV06P340 # ولم يكن بالمختار. والمبير هو الحجاج بن يوسف الثقفي ms1507، والفتنة التي وقعت ~~في زمنه فتنة ابن الأشعث، خرج عليه، ومعه القراء، كانت بظلمه وعسفه. # فلم يكن شيء من هذه لأجل خلافة أبي بكر وعمر، بل كل هؤلاء كانوا متفقين ~~على خلافة أبي بكر وعمر، وإنما كانت على ولاية سلطان الوقت، فإذا جاء قوم ~~ينازعونه، قام معه ناس، وقام عليه أناس. # وهكذا كانت الفتن التي وقعت بعد هذا في زمن بني أمية ; فإن زيد بن علي بن ~~الحسين لما خرج في خلافة هشام وطلب الأمر لنفسه، كان ممن يتولى أبا بكر ~~وعمر، فلم يكن قتاله على قاعدة من قواعد الإمامة التي يقولها الرافضة. # ولما خرج أبو مسلم وشيعة بني هشام على بني أمية إنما قاتلوا من كان ~~متوليا في ذلك الوقت، وهو مروان بن محمد وأنصاره. # وما زال بنو العباس مثبتين لخلافة الأربعة (1) ، مقدمين لأبي بكر وعمر ~~وعثمان على المنابر. فلم يقاتل (2) أحد من شيعتهم ولا من شيعة بني أمية ~~قدحا في خلافة الثلاثة. # والذين خرجوا عليهم مثل محمد بن عبد الله بن الحسن بالمدينة، وأخيه ~~إبراهيم بالبصرة، إنما (3) خرجا - ومن معهما - على المنصور، لا PageV06P341 # على من يتولى أبا بكر وعمر، بل الذين كانوا معهما بالمدينة والبصرة كلهم ~~كانوا يتولون أبا بكر وعمر. # فهذه - وأمثالها - الفتن الكبار التي كانت في السلف وكذلك لما صار عبد ~~الرحمن الداخل إلى الأندلس ودامت ولايته مدة طويلة لم يكن النزاع بينه وبين ~~العباسيين على خلافة أبي بكر وعمر وعثمان (1) . # فهذه الولايات الكبار التي كانت في الإسلام، القائمون فيها والخارجون على ~~الولاة لم يكن قتالهم فيها على قاعدة الإمامة، التي يختلف فيها أهل السنة ~~والرافضة. وإنما ظهر من دعا إلى الرفض (2) ، وتسمى بأمير المؤمنين (3) ، ~~وأظهر القتال على ذلك، وحصل لهم ملك وأعوان مدة بني (4) عبيد الله (5) ~~القداح، الذين أقاموا بالمغرب مدة، وبمصر نحو مائتي سنة. # وهؤلاء - باتفاق أهل العلم والدين - كانوا (6) ملاحدة، ونسبهم باطل، فلم ~~يكن لهم بالرسول اتصال نسب في الباطن ولا دين، وإنما أظهروا النسب الكاذب ~~وأظهروا التشيع، ليتوسلوا بذلك إلى متابعة الشيعة ms1508، إذ كانت أقل الطوائف ~~عقلا ودينا، وأكثرها جهلا، وإلا فأمر PageV06P342 # هؤلاء العبيدية المنتسبين إلى إسماعيل بن جعفر أظهر من أن يخفى على مسلم. ~~ولهذا جميع المسلمين - الذين هم مؤمنون - في طوائف الشيعة يتبرأون (1) ~~منهم، فالزيدية والإمامية تكفرهم وتتبرأ منهم، وإنما ينتسب إليهم ~~الإسماعيلية الملاحدة، الذين فيهم من الكفر ما ليس لليهود والنصارى، كابن ~~الصباح (2) الذي أخرج (3) لهم السكين. # وشر منهم قرامطة البحرين، أصحاب أبي سعيد الجنابي (4) ، فإن أولئك لم ~~يكونوا يتظاهرون بدين الإسلام بالكلية، بل قتلوا الحجاج، وأخذوا الحجر ~~الأسود. # فهذه - وأمثالها - الملاحم والفتن (5) التي كانت في الإسلام، ليس فيها ما ~~وقع القتال فيه حقيقة على قاعدة الإمامة التي تدعيها الرافضة، وإن ذكر بعض ~~الخارجين ببعض البلاد من يدعو إلى نفسه، ومعه من يقاتل، فهؤلاء من جنس سكان ~~الجبال وأهل البوادي والأمصار الصغار من الرافضة، وهم طائفة قليلة مقموعون ~~(6) مع جمهور المسلمين، ليس لهم سيف مسلول على الجمهور، حتى يقول القائل: ~~أعظم خلاف وقع بين الأمة خلاف الإمامة، أو ما سل في الإسلام سيف مثل ما سل ~~على الإمامة في كل زمان. PageV06P343 # وإن كان صاحب هذا القول يعني به أنه إنما يقتتل (1) الناس على الإمامة، ~~التي هي ولاية شخص في ذلك الزمان. فقوم يقاتلون معه، وقوم يخرجون عليه. # فهذا ليس من مذهب السنة والشيعة في شيء ; فإن من المعلوم أن الناس الذين ~~دينهم واحد ونبيهم واحد، إذا اقتتلوا، فلا بد أن يكون لهؤلاء من يقدمونه ~~فيجعلونه متوليا، ولهؤلاء من يقدمونه فيجعلونه متوليا، فيقاتل كل قوم على ~~إمارة من جعلوه هم إمامهم. # لكن هؤلاء لا يقاتلون على القاعدة الدينية، من كون الإمامة ثبتت (2) ~~بالنص لعلي (3) ، ولا أن خلافة الثلاثة باطلة. بل عامة هؤلاء معترفون ~~بإمامة الثلاثة. # ثم قد تبين أن الصحابة لم يقتتلوا على خلافة أبي بكر (4) وعمر وعثمان ~~والنزاع بينهم. فتبين أن خلافتهم كانت بلا سيف مسلول أصلا، وإنما كان السيف ~~مسلولا في خلافة علي. فإن كان هذا قدحا، فالقدح يختص بمن كان السيف في ~~زمانه بين الأمة. # وهذه حجة ms1509 للخوارج، وحجتهم أقوى من حجة الشيعة، كما أن سيوفهم أقوى من ~~سيوف الشيعة، ودينهم أصح، وهم صادقون لا يكذبون، ومع هذا فقد ثبت بالسنة ~~المستفيضة عن النبي - صلى الله عليه PageV06P344 # وسلم - واتفاق أصحابه أنهم مبتدعون مخطئون ضلال، فكيف بالرافضة، الذين هم ~~أبعد منهم عن العقل والعلم والدين والصدق والشجاعة والورع وعامة خصال ~~الخير؟ ! . # ولم يعرف في الطوائف أعظم من سيف الخوارج، ومع هذا فلم يقاتل القوم على ~~خلافة أبي بكر وعمر، بل هم متفقون على إمامتهما وموالاتهما. ### | قال الرافضي الخلاف الخامس في فدك والتوارث # وقوله (1) : " الخلاف (2) الخامس: في فدك والتوارث. رووا عن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم -: " «نحن معاشر (3) الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة» (4) ~~". # فيقال: هذا أيضا اختلاف في مسألة شرعية، وقد زال الخلاف فيها والخلاف في ~~هذه دون الخلاف في ميراث الإخوة مع الجد (5) ، وميراث الجدة مع ابنها، وحجب ~~الأم الأخوين (6) ، وجعل الجد مع الأم كالأب، وأمثال ذلك من مسائل الفرائض ~~التي تنازعوا فيها. # فالخلاف في هذا أعظم لوجوه: أحدها: أنهم تنازعوا في ذلك، ثم PageV06P345 # لم يجتمعوا على قول واحد، كما اجتمعوا على أن النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- لا يورث. # الثاني: أنهم لم يرو لهم من النصوص الصريحة في هذه المسائل ما روي لهم في ~~ميراث النبي - صلى الله عليه وسلم -. # الثالث: الخلاف هنا في قصة واحدة لا يتعدد، والنزاع في هذه المسائل من ~~جنس متعدد، وعامة النزاع في تلك هي [نزاع] في (1) قليل من المال: هل يختص ~~به ناس معينون؟ . # وأولئك القوم قد أعطاهم أبو بكر وعمر من مال الله، بقدر ما خلفه النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - أضعافا مضاعفة. ولو قدر أنها كانت ميراثا، مع أن هذا ~~باطل فإنما أخذ منهم قرية ليست كبيرة، لم يأخذ منهم مدينة ولا قرية عظيمة. # وقد تنازع العلماء في مسائل الفرائض وغيرها، ويكون النزاع في مواريث ~~الهاشميين وغيرهم من أضعاف أموال فدك، ولا ينسب المتنازعون فيها إلى ظلم، ~~إذا كانوا قائلين باجتهادهم. # فلو قدر أن الخلفاء اجتهدوا، فأعطوا الميراث ms1510 من لا يستحقه، كان أضعاف هذا ~~يقع من العلماء المجتهدين، الذين هم دون الأئمة، ولا يقدح ذلك في دينهم، ~~وإن قدر أنهم مخطئون في الباطن لأنهم تكلموا باجتهادهم، فكيف بالخلفاء ~~الراشدين المهديين - رضي الله عنهم - أجمعين. PageV06P346 # وإنما يعظم القول في مثل هذه الأمور أهل الجهل والهوى، الذين لهم غرض في ~~فتح باب الشر على الصحابة بالكذب والبهتان. # وقد تولى علي بعد ذلك، وصار فدك وغيرها تحت حكمه، ولم يعطها لأولاد ~~فاطمة، ولا [أخذ] (1) من زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا ولد ~~العباس شيئا من ميراثه. # فلو كان ذلك ظلما وقدر على إزالته، لكان هذا أهون عليه من قتال معاوية ~~وجيوشه. أفتراه يقاتل معاوية، مع ما جرى في ذلك من الشر العظيم، ولا يعطي ~~هؤلاء قليلا من المال وأمره أهون بكثير؟ . ### | قال الرافضي الخلاف السادس في قتال مانعي الزكاة # [وأما قوله] (2) : " الخلاف (3) السادس: في قتال مانعي الزكاة، قاتلهم ~~(4) أبو بكر واجتهد عمر في أيام خلافته، فرد السبايا والأموال إليهم، وأطلق ~~المحبوسين ". # فهذا من الكذب الذي لا يخفى على من عرف أحوال المسلمين ; فإن مانعي ~~الزكاة اتفق أبو بكر وعمر على قتالهم، بعد أن راجعه عمر في ذلك. # كما في الصحيحين عن أبي هريرة أن عمر قال لأبي بكر يا خليفة رسول الله ~~كيف تقاتل الناس وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: PageV06P347 # «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله ~~فإذا قالوها عصموا مني دماءهم إلا بحقها، وحسابهم على الله» (1) ". فقال ~~أبو بكر: ألم يقل إلا بحقها وحسابهم على الله (2) ؟ فإن الزكاة من حقها. ~~والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~لقاتلتهم على منعها. قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر ~~أبي بكر للقتال فعرفت (3) أنه الحق (4) . # وفي الصحيحين تصديق فهم أبي بكر عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - أنه قال: " «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله ms1511 إلا الله ~~وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني ~~دماءهم وأموالهم إلا بحقها» " (5) . # فعمر وافق أبا بكر على قتال أهل الردة مانعي الزكاة، وكذلك سائر الصحابة. ~~وأقر أولئك بالزكاة بعد امتناعهم منها (6) ، ولم تسب لهم PageV06P348 # ذرية، ولا حبس منهم أحد، ولا كان بالمدينة حبس لا على عهد رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - ولا على عهد أبي بكر. فكيف يموت وهم في حبسه؟ (1) . # وأول حبس اتخذ في الإسلام بمكة، اشترى عمر من صفوان بن أمية داره، وجعلها ~~حبسا بمكة. ولكن من الناس من يقول: سبى أبو بكر نساءهم وذراريهم، وعمر أعاد ~~ذلك عليهم. وهذا إذا وقع ليس فيه بيان اختلافهما فإنه قد يكون عمر كان ~~موافقا على جواز سبيهم لكن رد إليهم سبيهم كما رد النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - على هوازن سبيهم بعد أن قسمه بين المسلمين فمن طابت نفسه بالرد وإلا ~~عوضه (2) من عنده لما أتى أهلهم مسلمين، فطلبوا رد ذلك إليهم. # وأهل الردة كان (3) قد اتفق أبو بكر وعمر وسائر الصحابة على أنهم لا ~~يمكنون من ركوب الخيل ولا حمل السلاح بل يتركون يتبعون أذناب البقر حتى يري ~~الله خليفة رسوله والمؤمنين حسن إسلامهم فلما تبين لعمر حسن إسلامهم رد ذلك ~~إليهم، لأنه جائز. ### | قال الرافضي الخلاف السابع في نص أبي بكر على عمر في الخلافة # وقوله (4) : " الخلاف (5) السابع: في تنصيص أبي بكر على عمر في الخلافة ~~(6) فمن الناس من قال: " وليت علينا فظا غليظا ". PageV06P349 # والجواب: أن يقال: إن جعل (1) مثل هذا خلافا فقد كان مثل هذا على عهد ~~النبي - صلى الله عليه وسلم -: قد طعن بعض الصحابة في إمارة زيد بن حارثة، ~~وبعضهم في إمارة أسامة ابنه، وقد كان غير واحد يطعن فيمن يوليه أبو بكر ~~وعمر. ثم إن القائل لها كان طلحة وقد رجع عن ذلك وهو من أشد الناس تعظيما ~~[لعمر] (2) ، كما أن الذين طعنوا في إمارة زيد وأسامة رجعوا عن طعنهم طاعة ~~لله ورسوله. ### | قال الرافضي الخلاف الثامن ms1512 في إمرة الشورى # وقوله (3) : " الخلاف (4) الثامن: في إمرة (5) الشورى، واتفقوا بعد ~~الاختلاف على إمارة عثمان ". # والجواب: أن هذا من الكذب الذي اتفق أهل النقل على أنه كذب ; فإنه لم ~~يختلف أحد في خلافة عثمان، ولكن بقي عبد الرحمن يشاور الناس ثلاثة أيام، ~~وأخبر أن الناس لا يعدلون بعثمان، وأنه شاور حتى العذارى في خدورهن. وإن ~~كان في نفس أحد كراهة، لم ينقل - أو قال - أحد شيئا ولم ينقل إلينا. # فمثل هذا قد يجري في مثل (6) هذه الأمور. والأمر الذي يتشاور فيه الناس ~~لا بد فيه من كلام، لكن لا يمكن الجزم بذلك بمجرد الحزر. PageV06P350 # فلما علمنا نقلا صحيحا أنه ما كان اختلاف في ولاية عثمان، ولا أن طائفة ~~من الصحابة قالت: ولوا عليا أو غيره، كما قال بعض الأنصار: منا أمير ومنكم ~~أمير، ولو وجد شيء من ذلك لكان مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، كما نقل ~~نزاع بعض الأنصار في خلافة أبي بكر - فالمدعي لذلك مفتر. # ولهذا قال الإمام أحمد: " لم يتفق الناس على بيعة كما اتفقوا على بيعة ~~عثمان ". # وعثمان (1) ولاه المسلمون بعد تشاورهم ثلاثة أيام وهم مؤتلفون متفقون ~~متحابون متوادون معتصمون بحبل الله جميعا، وقد أظهرهم الله وأظهر بهم (2) ~~ما بعث به نبيه من الهدى ودين الحق، ونصرهم على الكفار وفتح بهم بلاد الشام ~~والعراق وبعض خراسان. # فلم يعدلوا بعثمان غيره، كما أخبر بذلك عبد الرحمن بن عوف، ولهذا بايعه ~~عبد الرحمن، كما ثبت هذا في الأحاديث الصحيحة. # وأما ما ذكره بعض الناس من أنه اشترط على عثمان (3) سيرة الشيخين فلم يجب ~~إما لعجزه عن مثل سيرتهما وإما لأن التقليد غير واجب أو غير جائز، وأنه ~~اشترط على علي (4) سيرة الشيخين فأجابه لإمكان متابعتهما أو جواز تقليدهما ~~فهذا النقل [باطل] (5) ليس له إسناد ثابت، PageV06P351 # فإنه مخالف للنقل الثابت في الصحيح، الذي فيه أن عبد الرحمن بقي ثلاثة ~~أيام لم يغتمض في لياليها بكثير نوم، في كل ذلك يشاور المسلمين، ولم يرهم ~~يعدلون بعثمان غيره، بل رأوه أحق ms1513 وأشبه بالأمر من غيره، وأن عبد الرحمن لم ~~يشترط على علي إلا العدل فقال لكل منهما: " الله عليك إن وليتك لتعدلن، وإن ~~وليت عليك لتسمعن ولتطيعن " فيقول: " نعم " (1) . # فشرط على المتولي العدل وعلى المتولى عليه السمع والطاعة وهذا حكم الله ~~ورسوله كما دل عليه الكتاب والسنة. ### | الرد على مزاعم الرافضي عن اختلافات كثيرة وقعت من عثمان رضي الله عنه # وأما قوله (2) : ووقعت اختلافات (3) كثيرة منها رده الحكم بن أمية إلى ~~المدينة بعد أن طرده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان يسمى طريد رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم -، بعد أن كان يشفع إلى (4) أبي بكر وعمر أيام ~~خلافتهما، فما أجاباه (5) إلى ذلك، ونفاه عمر من مقامه باليمن أربعين فرسخا ~~". # فيقال: مثل هذا إن جعله اختلافا جعل كلما حكم خليفة بحكم ونازعه فيه قوم ~~اختلافا، وقد كان ذكرك (6) لما اختلفوا فيه من المواريث PageV06P352 # والطلاق وغير ذلك أصح وأنفع، فإن الخلاف في ذلك ثابت منقول عند [أهل] (1) ~~العلم، ينتفع الناس بذكره والمناظرة فيه. وهو خلاف في أمر كلي يصلح أن تقع ~~فيه المناظرة. # وأما هذه الأمور فغايتها جزئية، ولا تجعل مسائل خلاف يتناظر فيها الناس. # هذا مع أن فيما ذكره كذبا كثيرا (2) ، منه ما ذكره من أمر الحكم، وأنه ~~طرده رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان يسمى طريد رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم -، وأنه استشفع إلى أبي بكر وعمر أيام خلافتهما فما أجاباه ~~إلى ذلك، وأن عمر نفاه من مقامه باليمن أربعين فرسخا. فمن الذي نقل ذلك؟ ~~وأين إسناده؟ ومتى ذهب هذا إلى اليمن؟ وما الموجب لنفيه إلى اليمن، وقد ~~أقره النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما يدعونه بالطائف، وهي أقرب إلى ~~مكة والمدينة من اليمن؟ فإذا كان الرسول أقره قريبا منه، فما الموجب لنفيه ~~بعد ثبوته (3) إلى اليمن؟ . # وقد ذكر غير واحد من أهل العلم أن نفي الحكم باطل، فإن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - لم ينفه إلى الطائف، بل هو ذهب بنفسه. وذكر بعض الناس أنه ms1514 ~~نفاه، ولم يذكروا إسنادا صحيحا بكيفية القصة وسببها. # وعلى هذا التقدير فليس فيمن يجب نفيه في الشريعة من يستحق PageV06P353 # النفي الدائم، بل ما من ذنب يستحق صاحبه النفي إلا ويمكن أن يستحق بعد ~~ذلك الإعادة إلى وطنه، فإن النفي إما مؤقت، كنفي الزاني البكر عند جمهور ~~العلماء سنة، فهذا يعاد بعد السنة، وإما نفي مطلق، كنفي المخنث، فهذا ينفى ~~(1) إلى أن يتوب. وكذلك نفى عمر في تعزير الخمر. # وحينئذ فلا يمكن أن يقال: إن ذنب الحكم الذي نفي من أجله لم يتب منه في ~~مدة بضع عشرة سنة، وإذا تاب من ذنبه - مع طول هذه المدة - جاز أن يعاد. # وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بهجر الثلاثة الذين خلفوا خمسين ~~ليلة، ثم تاب الله عليهم، وكلمهم المسلمون. # وعمر - رضي الله عنه - نفى صبيغ بن عسل التميمي لما أظهر اتباع المتشابه ~~ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وضربه، وأمر المسلمين بهجره سنة بعد أن أظهر ~~التوبة، فلما تاب أمر المسلمين بكلامه (2) . PageV06P354 # وبهذا أخذ أحمد وغيره في أن الداعي إلى البدعة إذا تاب يؤجل سنة، كما أجل ~~عمر صبيغا، وكذلك الفاسق إذا تاب، واعتبر مع التوبة صلاح العمل كما يقول ~~الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين. # ثم لو قدر أنه كان يستحق النفي الدائم، فغاية ذلك أن يكون اجتهادا اجتهده ~~عثمان في رده، لصاحبه أجر مغفور له، أو ذنبا له أسباب كثيرة توجب غفرانه. ### | الرد على زعم الرافضي أن عثمان رضي الله عنه زوج مروان بن الحكم وسلمه خمس غنائم إفريقية # وقوله (1) : " ومنها نفيه أبا ذر إلى الربذة (2) ، وتزويجه مروان بن ~~الحكم ابنته، وتسليمه خمس غنائم إفريقية، وقد بلغت مائتي ألف دينار ". # فيقال: أما قصة أبي ذر فقد تقدم ذكرها. وأما تزويجه مروان ابنته فأي شيء ~~في هذا مما يجعل اختلافا؟ . # وأما إعطاؤه خمس غنائم إفريقية، وقد بلغت مائتي ألف دينار، فمن الذي نقل ~~ذلك؟ وقد تقدم (3) قوله: " إنه أعطاه ألف ألف دينار " والمعروف أن خمس ~~إفريقية لم يبلغ ذلك. PageV06P355 # ونحن لا ننكر أن ms1515 عثمان - رضي الله عنه - كان يحب بني أمية، وكان يواليهم ~~ويعطيهم أموالا كثيرة. وما فعله من مسائل الاجتهاد التي تكلم فيها العلماء، ~~الذين ليس لهم غرض كما أننا (1) لا ننكر أن عليا ولى أقاربه، وقاتل وقتل ~~خلقا كثيرا (2) من المسلمين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ويصومون ~~ويصلون (3) . لكن من هؤلاء من قاتله بالنص والإجماع، ومنهم من كان قتاله من ~~مسائل الاجتهاد التي تكلم فيها العلماء الذين لا غرض لهم. # وأمر الدماء أخطر من أمر الأموال، والشر الذي حصل في الدماء بين الأمة ~~أضعاف الشر الذي حصل بإعطاء الأموال. # فإذا كنا نتولى عليا ونحبه ونذكر ما دل عليه الكتاب والسنة من فضائله (4) ~~، مع أن الذي جرى في خلافته أقرب إلى الملام مما جرى في خلافة عثمان، وجرى ~~في خلافة عثمان من الخير ما لم يجر مثله في خلافته فلأن (5) نتولى عثمان ~~ونحبه، ونذكر ما دل عليه الكتاب والسنة (6) بطريق الأولى. # وقد ذكرنا أن ما فعله عثمان في المال فله ثلاثة مآخذ: أحدها: أنه عامل ~~عليه والعامل يستحق مع الغنى. PageV06P356 # الثاني: أن ذوي القربى (1) هم ذوو قربى الإمام. # الثالث: أنهم كانوا قبيلة كثيرة، ليسوا مثل قبيلة أبي بكر وعمر - رضي ~~الله عنهما - فكان يحتاج إلى إعطائهم وولايتهم، أكثر من حاجة أبي بكر وعمر ~~إلى تولية أقاربهما وإعطائهما. وهذا مما نقل عن عثمان الاحتجاج به. # وقد قدمنا أنا لا ندعي عصمة في أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~من الذنب، فضلا عن الخطأ في الاجتهاد. وقد قال سبحانه وتعالى: {والذي جاء ~~بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون - لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء ~~المحسنين - ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي ~~كانوا يعملون} [سورة الزمر: 33، 35] . # وقال تعالى: {أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم ~~في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون} [سورة الأحقاف: 16] . ### | الرد على زعم الرافضي أن عثمان آوى ابن أبي سرح وولاه مصر بعد أن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم ms1516 دمه # وقوله (2) : " ومنها إيواؤه (3) عبد الله بن سعد بن أبي سرح بعد أن أهدر ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - دمه، وتوليته مصر، " (4) . # فالجواب (5) : إن كان المراد أنه لم يزل مهدر الدم حتى ولاه عثمان، كما ~~PageV06P357 # يفهم من الكلام. فهذا لا يقوله إلا مفرط في الجهل بأحوال الرسول - صلى ~~الله عليه وسلم - وسيرته، فإن الناس كلهم متفقون على أنه في عام [فتح] مكة ~~(1) ، بعد أن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أهدر دم جماعة منهم عبد ~~الله بن سعد، أتى عثمان به النبي - صلى الله عليه وسلم - وبايعه النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - بعد مراجعة عثمان له في ذلك، وحقن دمه، وصار من ~~المسلمين المعصومين، له ما لهم، وعليه ما عليهم. وقد كان هو من أعظم ~~[الناس] معاداة للنبي (2) عليه الصلاة والسلام، وأسلم وحسن إسلامه. وإنما ~~كان - صلى الله عليه وسلم - أهدر دمه كما أهدر دماء قوم بغلظ كفرهم إما ~~بردة مغلظة، كمقيس بن صبابة. # «وعبد الله هذا كان كاتبا للوحي فارتد، وافترى على النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -، فأهدر دمه، ثم لما قدم به عثمان عفا عنه - صلى الله عليه وسلم - ~~فقال: يا رسول الله بايع عبد الله. فأعرض عنه مرتين أو ثلاثا، ثم بايعه. ~~فقال: " أما فيكم رجل رشيد ينظر إلي وقد أعرضت عن هذا فيضرب عنقه؟ " فقال ~~رجل من الأنصار: يا رسول الله هلا أومضت إلي؟ فقال: " ما ينبغي لنبي أن ~~تكون له خائنة الأعين» " (3) . PageV06P358 # ثم لما بايعه حسن إسلامه، ولم يعلم منه بعد ذلك إلا الخير، وكان محمودا ~~عند رعيته في مغازيه، وقد كانت عداوة غيره من الطلقاء أشد من عداوته، مثل ~~صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، وأبي سفيان بن حرب ~~وغيرهم، وذهب ذلك كله. # كما قال تعالى: {عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ~~والله قدير والله غفور رحيم} [سورة الممتحنة: 7] فجعل بين أولئك وبين النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - مودة تجب (1) تلك العداوة والله قدير على تقليب ms1517 ~~القلوب وهو غفور رحيم، غفر الله ما كان من السيئات بما بدلوه (2) من ~~الحسنات، وهو الذي يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات، ويعلم ما ~~تفعلون. ### | الرد على كلام الرافضي على عمال عثمان رضي الله عنه # وأما قوله (3) : " كان عامل جنوده (4) معاوية بن أبي سفيان عامل الشام، ~~وعامل الكوفة سعيد بن العاص (5) ، وبعده عبد الله بن عامر، والوليد بن عقبة ~~عامل البصرة ". # فيقال: أما معاوية فولاه عمر بن الخطاب لما مات أخوه يزيد بن أبي سفيان ~~مكانه، ثم ولاه عثمان - رضي الله عنه - الشام كله، وكانت سيرته PageV06P359 # في (1) أهل الشام من أحسن السير (2) ، وكانت رعيته من أعظم الناس محبة ~~له. # وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «خيار أئمتكم ~~الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم» " (3) . # وكان معاوية تحبه رعيته وتدعو له وهو يحبها ويدعو لها. # وأما توليته لسعيد بن العاص فأهل الكوفة كانوا دائما يشكون (4) من ~~ولاتهم. ولي عليهم سعد بن أبي وقاص، وأبو موسى الأشعري، وعمار بن ياسر ~~والمغيرة بن شعبة وهم يشكون منهم، وسيرهم في هذا مشهورة، ولا شك أنهم كانوا ~~يشكون في زمن عثمان أكثر وقد علم أن عثمان وعليا - رضي الله عنه - كل منهما ~~ولى أقاربه وحصل له بسبب ذلك من كلام الناس وغير ذلك ما حصل. ### | كلام الرافضي على الخلاف التاسع الذي ذكره الشهرستاني # وأما قوله (5) : " الخلاف (6) التاسع: في زمن أمير المؤمنين عليه السلام ~~(7) بعد الاتفاق عليه وعقد (8) البيعة له، فأولا خروج طلحة والزبير إلى ~~مكة، ثم حمل عائشة إلى البصرة، ثم نصب PageV06P360 # القتال معه (1) ، ويعرف ذلك بحرب الجمل، والخلاف بينه وبين (2) معاوية، ~~وحرب صفين، ومغادرة عمرو بن العاص أبا موسى الأشعري، وكذا الخلاف بينه وبين ~~الشراة (3) المارقين بالنهروان. وبالجملة كان علي مع الحق (4) والحق معه، ~~وظهر في زمانه الخوارج عليه (5) ، مثل الأشعث بن قيس، ومسعر بن فدكي ~~التميمي (6) ، وزيد بن حصين الطائي (7) وغيرهم، وظهر في زمنه (8) الغلاة ~~كعبد الله بن سبأ. ومن الفرقتين ابتدأت الضلالة والبدع (9) ، وصدق فيه قول ~~النبي ms1518 - صلى الله عليه وسلم - «يهلك فيك اثنان: محب غال ومبغض قال» . ~~PageV06P361 # فانظر بعين الإنصاف إلى كلام هذا الرجل، هل خرج موجب الفتنة (1) عن ~~المشايخ أو تعداهم؟ ". # والجواب: أن يقال هذا الكلام مما يبين تحامل الشهرستاني في هذا الكتاب مع ~~الشيعة كما تقدم، وإلا فقد ذكر أبا بكر وعمر وعثمان، ولم يذكر من أحوالهم ~~أن الحق معهم دون من خالفهم. ولما ذكر عليا قال (2) : " وبالجملة كان الحق ~~مع علي وعلي مع الحق " (3) والناقل الذي لا غرض له: إما أن يحكي الأمور ~~بالأمانة، وإما أن يعطي كل ذي حق حقه. فأما دعوى المدعي أن الحق كان مع علي ~~وعلي مع الحق، وتخصيصه بهذا دون أبي بكر وعمر وعثمان، فهذا لا يقوله أحد من ~~المسلمين غير الشيعة. # ومما يبين فساد هذا الكلام قوله: " إن الاختلاف وقع في زمن علي بعد ~~الاتفاق عليه وعقد البيعة له ". ومن المعلوم أن كثيرا من المسلمين لم ~~يكونوا بايعوه، حتى كثير من أهل المدينة ومكة الذين رأوه لم يكونوا بايعوه، ~~دع الذين كانوا بعيدين، كأهل الشام ومصر والمغرب والعراق وخراسان. # وكيف يقال مثل هذا في بيعة علي ولا يقال في بيعة عثمان التي (4) اجتمع ~~عليها المسلمون كلهم ولم يتنازع فيها اثنان؟ . PageV06P362 # وكذلك ما ذكره من التعريض بالطعن على طلحة والزبير وعائشة من غير أن يذكر ~~لهم عذرا ولا رجوعا. وأهل العلم يعلمون أن طلحة والزبير لم يكونا قاصدين ~~قتال علي ابتداء. وكذلك أهل الشام لم يكن قصدهم قتاله وكذلك علي لم يكن ~~قصده قتال هؤلاء ولا هؤلاء. # ولكن حرب الجمل جرى (1) بغير اختياره ولا اختيارهم، فإنهم كانوا قد ~~اتفقوا على المصالحة (2) وإقامة الحدود على قتلة عثمان، فتواطأت القتلة على ~~إقامة الفتنة آخرا كما أقاموها أولا، فحملوا على طلحة والزبير وأصحابهما ~~فحملوا دفعا عنهم وأشعروا عليا أنهما حملا عليه (3) ، فحمل علي دفعا عن ~~نفسه، وكان كل منهما قصده دفع الصيال لا ابتداء القتال. # هكذا ذكر غير واحد من أهل العلم بالسير. فإن كان الأمر قد جرى على وجه لا ms1519 ~~ملام فيه فلا كلام (4) ، وإن كان قد وقع خطأ أو ذنب من أحدهما أو كليهما ~~فقد عرف أن هذا لا يمنع ما دل عليه الكتاب والسنة من أنهم من خيار أولياء ~~الله المتقين وحزبه المفلحين، وعباده الصالحين، وأنهم من أهل الجنة (5) . ~~PageV06P363 # وقول هذا الرافضي: " انظر بعين الإنصاف إلى كلام هذا الرجل (1) ، هل خرج ~~موجب الفتنة عن المشايخ أو تعداهم؟ ". # فالجواب أن يقال: أما الفتنة فإنما ظهرت في الإسلام من الشيعة، فإنهم ~~أساس كل فتنة وشر، وهم قطب رحى الفتن فإن أول فتنة كانت في الإسلام قتل ~~عثمان. # وقد روى الإمام أحمد في مسنده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ~~" «ثلاث من نجا منهن فقد نجا: موتي، وقتل خليفة مضطهد بغير حق، والدجال» " ~~(2) . # ومن (3) استقرأ أخبار العالم في جميع الفرق تبين له أنه لم يكن قط طائفة ~~أعظم اتفاقا على الهدى والرشد، وأبعد عن الفتنة والتفرق والاختلاف من أصحاب ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الذين هم خير الخلق بشهادة الله لهم ~~بذلك، إذ يقول تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن ~~المنكر وتؤمنون بالله} [سورة آل عمران: 110] . # كما لم يكن في الأمم أعظم اجتماعا على الهدى، وأبعد عن التفرق والاختلاف، ~~من هذه الأمة، لأنهم أكمل اعتصاما بحبل الله، الذي هو كتابه المنزل، وما ~~جاء به من نبيه المرسل. وكل من كان أقرب إلى الاعتصام PageV06P364 # بحبل الله، وهو اتباع الكتاب والسنة، كان أولى بالهدى والاجتماع والرشد ~~والصلاح وأبعد عن الضلال والافتراق والفتنة. # واعتبر ذلك بالأمم، فأهل الكتاب أكثر اتفاقا وعلما وخيرا من الخارجين عن ~~الكتب، والمسلمون أكثر اتفاقا وهدى ورحمة وخيرا من اليهود والنصارى، فإن ~~أهل الكتابين قبلنا تفرقوا وبدلوا ما جاءت به الرسل، وأظهروا الباطل، ~~وعادوا الحق وأهله. # وإنه وإن كان يوجد في أمتنا نظير ما يوجد في الأمم قبلنا، كما ثبت في ~~الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «لتتبعن سنن من كان ~~قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب ms1520 لدخلتموه " قالوا: يا رسول ~~الله، اليهود والنصارى؟ قال: " فمن الناس؟» " (1) . # وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «لتأخذن أمتي ~~مأخذ الأمم قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع ". قالوا: فارس والروم؟ قال: " ~~فمن الناس إلا أولئك؟» " (2) . # لكن أمتنا لا تزال فيها طائفة ظاهرة على الحق، لا يضرهم من خالفهم ولا من ~~خذلهم حتى تقوم الساعة. ولهذا لا يسلط الله عليهم عدوا من PageV06P365 # غيرهم فيجتاحهم، كما ثبت هذا وهذا في الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - أخبر أنه: " «لا تزال طائفة من أمته ظاهرة على الحق لا ~~يضرهم من خالفهم إلى يوم القيامة» " (1) . وأخبر أنه: " «سأل ربه أن لا ~~يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطاه (2) ذلك، وسأله أن لا يهلكهم بسنة عامة ~~فأعطاه (3) ، ذلك وسأله أن لا يجعل بأسهم بينهم شديدا فمنعه ذلك» " (4) . # ومن قبلنا كان الحق (5) يغلب فيهم حتى لا تقوم به طائفة ظاهرة منصورة. ~~ولهذا كان العدو يسلط عليهم فيجتاحهم، كما سلط على بني إسرائيل، وخرب بيت ~~المقدس مرتين، فلم (6) يبق لهم ملك. # ونحن - ولله الحمد - لم يزل لأمتنا سيف منصور يقاتلون على الحق، فيكونون ~~على الهدى ودين الحق، الذي بعث الله به الرسول. فلهذا لم نزل ولا نزال. ~~وأبعد الناس عن هذه الطائفة المهدية المنصورة هم الرافضة، لأنهم أجهل وأظلم ~~طوائف أهل الأهواء المنتسبين إلى القبلة. # وخيار هذه الأمة هم الصحابة، فلم يكن في الأمة أعظم اجتماعا على الهدى ~~ودين الحق، ولا أبعد عن التفرق والاختلاف منهم. وكل ما يذكر عنهم مما فيه ~~نقص فهذا إذا قيس إلى ما يوجد في غيرهم من الأمة كان قليلا من كثير. وإذا ~~قيس ما يوجد في الأمة إلى ما يوجد في سائر الأمم PageV06P366 # كان قليلا من كثير. وإنما يغلط من يغلط أنه ينظر إلى السواد القليل في ~~الثوب الأبيض، ولا ينظر إلى الثوب الأسود الذي فيه بياض. وهذا من الجهل ~~والظلم، بل يوزن هؤلاء بنظرائهم، فيظهر الفضل والرجحان. # وأما ما يقترحه (1) كل أحد في نفسه مما لم يخلق ms1521، فهذا لا اعتبار به. فهذا ~~يقترح معصوما في الأئمة، وهذا يقترح ما هو كالمعصوم وإن لم يسمه معصوما، ~~فيقترح في العالم والشيخ والأمير والملك ونحو ذلك، مع كثرة علمه ودينه ~~ومحاسنه، وكثرة ما فعل الله على يديه من الخير، يقترح مع ذلك أن لا يكون قد ~~خفي عليه شيء، ولا يخطئ في مسألة (2) ، وأن يخرج عن حد البشرية فلا يغضب، ~~بل كثير من هؤلاء يقترح فيهم (3) ما لا يقترح في الأنبياء. # وقد أمر الله تعالى نوحا ومحمدا أن يقولا: {لا أقول لكم عندي خزائن الله ~~ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك} [سورة هود: 31] فيريد الجهال من ~~المتبوع أن يكون عالما بكل ما يسئل عنه، قادرا على كل ما يطلب منه، غنيا عن ~~الحاجات البشرية كالملائكة. # وهذا الاقتراح من ولاة الأمر كاقتراح الخوارج في عموم الأمة، أن لا يكون ~~لأحدهم ذنب، ومن كان له ذنب كان عندهم كافرا مخلدا في النار. PageV06P367 # وكل هذا باطل خلاف ما خلقه الله، وخلاف ما شرعه الله. # فاقتراح هؤلاء فيمن يوليه، كاقتراح أولئك عليه فيمن يرسله، وكاقتراح ~~هؤلاء فيمن يرحمه ويغفر له. # والبدع مشتقة من الكفر، فما من قول مبتدع إلا وفيه شعبة من شعب الكفر. # وكما أنه لم يكن في القرون أكمل من قرن الصحابة، فليس في الطوائف بعدهم ~~أكمل من أتباعهم. فكل من كان للحديث والسنة وآثار الصحابة أتبع كان أكمل، ~~وكانت تلك الطائفة أولى بالاجتماع والهدى والاعتصام بحبل الله، وأبعد عن ~~التفرق والاختلاف والفتنة. وكل من بعد عن ذلك كان أبعد عن الرحمة وأدخل في ~~الفتنة. # فليس الضلال والغي (1) في طائفة من طوائف الأمة أكثر منه [في] الرافضة ~~(2) ، كما أن الهدى والرشاد والرحمة ليس في طائفة من طوائف الأمة أكثر منه ~~في أهل الحديث والسنة المحضة، الذين لا ينتصرون إلا لرسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم -، فإنهم خاصته، وهو إمامهم المطلق الذي لا يغضبون لقول غيرهم ~~إلا إذا اتبع قوله، ومقصودهم نصر الله ورسوله. # وإذا (3) كان الصحابة، ثم أهل الحديث والسنة ms1522 المحضة، أولى PageV06P368 # بالهدى ودين الحق وأبعد (1) الطوائف عن الضلال والغي (2) ، فالرافضة ~~بالعكس. # وقد تبين أن هذا الكلام الذي ذكره هذا الرجل (3) فيه من الباطل ما لا ~~يخفى على عاقل، ولا يحتج به إلا من هو جاهل، وأن هذا الرجل كان له بالشيعة ~~إلمام واتصال، وأنه دخل في هواهم (4) بما ذكره في هذا الكتاب، مع أنه ليس ~~من علماء النقل والآثار، وإنما هو من جنس نقلة التواريخ التي لا يعتمد ~~عليها أولو الأبصار. # ومن كان علمه بالصحابة وأحوالهم من مثل هذا الكتاب (5) ، فقد خرج عن جملة ~~أولي الألباب. ومن الذي يدع كتب النقل التي اتفق أهل العلم بالمنقولات على ~~صحتها، ويدع ما تواتر به النقل في كتب الحديث على بعضها (6) ، كالصحاح ~~والسنن والمساند، والمعجمات والأسماء والفضائل، وكتب أخبار الصحابة وغير ~~ذلك، وكتب السير والمغازي، وإن كانت دون ذلك، وكتب التفسير والفقه، وغير ~~ذلك من الكتب التي من نظر فيها علم بالتواتر اليقيني (7) ضد (8) ما في ~~النقل الباطل، وعلم أن PageV06P369 # الصحابة رضي الله عنهم كانوا أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، وأن أصل كل (1) ~~فتنة وبلية هم الشيعة و [من] انضوى (2) إليهم، وكثير من السيوف التي سلت في ~~الإسلام إنما كانت من جهتهم، وعلم أن أصلهم ومادتهم منافقون، اختلقوا ~~أكاذيب، وابتدعوا آراء فاسدة، ليفسدوا بها دين الإسلام، ويستزلوا بها من ~~ليس من أولي (3) الأحلام، فسعوا في قتل عثمان، وهو أول الفتن ثم انزووا إلى ~~علي، لا حبا فيه ولا في أهل البيت، لكن ليقيموا سوق الفتنة بين المسلمين. # ثم هؤلاء الذين سعوا معه منهم من كفره بعد ذلك وقاتله، كما فعلت الخوارج، ~~وسيفهم أول سيف سل على الجماعة، ومنهم من أظهر الطعن على (4) الخلفاء ~~الثلاثة، كما فعلت الرافضة، وبهم تسترت الزنادقة، كالغالية من النصيرية ~~وغيرهم، ومن القرامطة الباطنية والإسماعيلية وغيرهم، فهم منشأ كل فتنة، ~~والصحابة - رضي الله عنهم - منشأ كل علم وصلاح، وهدى ورحمة في الإسلام. # ولهذا تجد الشيعة ينتصرون لأعداء الإسلام المرتدين، كبني حنيفة أتباع ~~مسيلمة الكذاب، ويقولون: إنهم كانوا مظلومين، كما ذكر ms1523 صاحب هذا الكتاب، ~~وينتصرون لأبي لؤلؤة الكافر المجوسي، ومنهم من يقول: اللهم ارض عن أبي ~~لؤلؤة واحشرني معه. ومنهم من يقول في بعض PageV06P370 # ما يفعله من (1) محاربتهم: واثارات أبي لؤلؤة! كما يفعلونه في الصورة ~~التي يقدرون فيها صورة عمر من الجبس أو غيره. # وأبو لؤلؤة كافر باتفاق أهل الإسلام، كان مجوسيا من عباد النيران، وكان ~~مملوكا للمغيرة بن شعبة، وكان يصنع الأرحاء (2) ، وعليه خراج للمغيرة كل ~~يوم أربعة دراهم، وكان قد رأى ما عمله المسلمون بأهل الذمة، وإذا رأى سبيهم ~~يقدم إلى (3) المدينة، يبقى (4) في نفسه من ذلك. # وقد روي أنه طلب من عمر أن يكلم مولاه في خراجه، فتوقف عمر، وكان من نيته ~~أن يكلمه، فقتل عمر بغضا في الإسلام وأهله، وحبا للمجوس، وانتقاما للكفار، ~~لما فعل بهم عمر حين فتح بلادهم، وقتل رؤساءهم، وقسم أموالهم. # كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك في الحديث الصحيح حيث ~~يقول: " «إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده. والذي ~~نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله» " (5) وعمر هو الذي أنفق كنوزهما، ~~وهذا الحديث الصحيح مما يدل على صحة PageV06P371 # خلافته، وأنه كان ينفق هذين الكنزين في سبيل الله، الذي هو طاعته وطاعة ~~رسوله، وما يقرب إلى الله، لم ينفق الأموال في أهواء النفوس المباحة، فضلا ~~عن المحرمة، فهل ينتصر لأبي لؤلؤة مع هذا إلا من هو أعظم الناس كفرا بالله ~~ورسوله، وبغضا في الإسلام، ومفرط (1) في الجهل لا يعرف حال أبي لؤلؤة؟ . # ودع ما يسمع وينقل عمن خلا، فلينظر كل عاقل فيما يحدث في زمانه، وما يقرب ~~من زمانه من الفتن والشرور والفساد في الإسلام، فإنه يجد معظم ذلك من قبل ~~الرافضة، وتجدهم من أعظم الناس فتنا وشرا، وأنهم لا يقعدون عما يمكنهم من ~~الفتن والشر وإيقاع الفساد بين الأمة. # ونحن نعرف بالعيان والتواتر العام وما كان (2) في زماننا، من حين خرج (3) ~~جنكزخان (4) ملك الترك الكفار، وما جرى في الإسلام من الشر. # فلا يشك عاقل أن ms1524 استيلاء الكفار المشركين، الذين لا يقرون بالشهادتين ولا ~~بغيرها من المباني الخمس، ولا يصومون شهر (5) رمضان، ولا يحجون البيت ~~العتيق، ولا يؤمنون بالله، ولا بملائكته، ولا بكتبه ورسله واليوم الآخر. ~~PageV06P372 # وأعلم من فيهم وأدين مشرك يعبد الكواكب والأوثان وغايته أن يكون ساحرا أو ~~كاهنا، له رئي (1) من الجن، وفيهم من الشرك والفواحش ما هم به شر من الكهان ~~الذين يكونون في العرب. # فلا يشك عاقل أن استيلاء مثل هؤلاء على بلاد الإسلام، وعلى أقارب رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - من بني هاشم، كذرية العباس وغيرهم، بالقتل ~~وسفك الدماء وسبي النساء واستحلال فروجهن، وسبي الصبيان واستعبادهم، ~~وإخراجهم عن دين الله إلى الكفر، وقتل أهل العلم والدين من أهل القرآن ~~والصلاة، وتعظيم بيوت الأصنام - التي يسمونها البذخانات (2) والبيع ~~والكنائس - على المساجد، ورفع المشركين وأهل الكتاب من النصارى وغيرهم على ~~المسلمين، بحيث يكون المشركون (3) وأهل الكتاب أعظم عزا، وأنفذ كلمة، وأكثر ~~حرمة من المسلمين، إلى أمثال ذلك مما لا يشك عاقل أن هذا أضر على المسلمين ~~من قتال بعضهم بعضا، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى ما جرى ~~(4) على أمته من هذا، كان كراهته (5) له، وغضبه منه، أعظم من كراهته (6) ~~لاثنين مسلمين تقاتلا على الملك، ولم يسب PageV06P373 # أحدهما حريم الآخر، ولا نفع (1) كافرا، ولا أبطل شيئا من شرائع الإسلام ~~المتواترة، وشعائره الظاهرة. # ثم مع هذا الرافضة يعاونون أولئك الكفار، وينصرونهم على المسلمين، كما قد ~~شاهده الناس (2) ، لما دخل هولاكو ملك الكفار الترك الشام سنة ثمان وخمسين ~~وستمائة، فإن الرافضة الذين كانوا بالشام بالمدائن والعواصم من أهل حلب وما ~~حولها، ومن أهل دمشق وما حولها، وغيرهم كانوا من أعظم الناس أنصارا وأعوانا ~~على إقامة ملكه، وتنفيذ أمره في زوال ملك المسلمين. # وهكذا يعرف الناس - عامة وخاصة - ما كان بالعراق لما قدم هولاكو إلى ~~العراق، وقتل الخليفة، وسفك فيها من الدماء ما لا يحصيه إلا الله، فكان ~~وزير الخليفة ابن العلقمي، والرافضة هم بطانته، الذين أعانوه (3) على ذلك ~~بأنواع كثيرة، باطنة ms1525 وظاهرة، يطول وصفها. # وهكذا ذكر أنهم كانوا مع جنكزخان (4) ، وقد رآهم المسلمون بسواحل الشام ~~وغيرها، إذا اقتتل المسلمون والنصارى هواهم مع النصارى، ينصرونهم بحسب ~~الإمكان، ويكرهون فتح مدائنهم، كما كرهوا فتح عكا وغيرها، ويختارون إدالتهم ~~على المسلمين، حتى أنهم لما انكسر PageV06P374 # عسكر المسلمين سنة غازان، سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وخلت الشام من جيش ~~[المسلمين] (1) ، عاثوا في البلاد، وسعوا في أنواع من الفساد، من القتل ~~وأخذ الأموال، وحمل راية الصليب، وتفضيل النصارى على المسلمين، وحمل السبي ~~والأموال والسلاح من المسلمين إلى النصارى، أهل الحرب بقبرس وغيرها. # فهذا - وأمثاله - قد عاينه الناس، وتواتر عند من لم يعاينه. ولو ذكرت أنا ~~ما سمعته ورأيته من آثار ذلك لطال الكتاب، وعند غيري من أخبار ذلك وتفاصيله ~~ما لا أعلمه. # فهذا أمر مشهود من معاونتهم للكفار على المسلمين، ومن اختيارهم لظهور ~~الكفر وأهله على الإسلام وأهله، ولو قدر أن المسلمين ظلمة فسقة، ومظهرون ~~لأنواع من البدع التي هي أعظم من سب علي وعثمان، لكان العاقل ينظر في خير ~~الخيرين وشر الشرين. # ألا ترى أن أهل السنة وإن كانوا يقولون في الخوارج والروافض وغيرهما من ~~أهل البدع ما يقولون، لكن لا يعاونون الكفار على دينهم، ولا يختارون ظهور ~~الكفر وأهله على ظهور بدعة دون ذلك؟ . # والرافضة إذا تمكنوا لا يتقون. وانظر ما حصل لهم في دولة السلطان خدابندا ~~(2) ، الذي صنف له هذا الكتاب، كيف ظهر فيهم من الشر، الذي لو دام وقوي ~~أبطلوا به عامة شرائع الإسلام! لكن يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، ~~ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. PageV06P375 # وأما الخلفاء والصحابة فكل خير فيه المسلمون إلى - يوم القيامة من ~~الإيمان [والإسلام] (1) ، والقرآن والعلم، والمعارف والعبادات، ودخول ~~الجنة، والنجاة من النار، وانتصارهم على الكفار، وعلو كلمة الله - فإنما هو ~~ببركة ما فعله الصحابة، الذين بلغوا الدين، وجاهدوا في سبيل الله. # وكل مؤمن آمن بالله فللصحابة - رضي الله عنهم - عليه فضل إلى يوم ~~القيامة، وكل خير فيه الشيعة وغيرهم فهو ببركة (2) الصحابة. وخير ms1526 الصحابة ~~تبع لخير الخلفاء الراشدين، فهم كانوا أقوم بكل خير في الدين والدنيا من ~~سائر الصحابة، فكيف يكون هؤلاء منبع الشر، ويكون أولئك الرافضة منبع الخير؟ ~~! . # ومعلوم أن الرافضي يوالي أولئك الرافضة ويعادي الصحابة، فهل هذا إلا من ~~شر من أعمى الله بصيرته؟ فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في ~~الصدور. # وإذا قال القائل: الجمهور الذين يتولون الثلاثة فيهم من الشر والفتن ما ~~لم ينقل مثله عن علي، فلا يقابل بين الرافضة والصحابة والجمهور. # فنقول: الجواب من وجهين الأول (3) : أنا لم نذكر هذا للمقابلة، بل ردا ~~على من زعم أن الفتنة لم تخرج إلا عن الخلفاء الراشدين. ونحن قد علمنا ~~بالمعاينة والتواتر أن الفتن والشرور العظيمة التي لا تشابهها فتن، ~~PageV06P376 # إنما تخرج عن طائفته التي يتولاها، ويزعم أنهم هم المؤمنون أهل الجنة، ~~وعلمنا أن الخير العظيم الذي لا يوازيه خير، إنما ظهر عن الصحابة والخلفاء ~~الراشدين، لنبين عظيم افتراء هذا المفتري، وإن مثله في ذلك مثل من قال من ~~أتباع إخوانه الكذابين (1) الذين يعظمون غير الأنبياء على الأنبياء، كأئمة ~~العبيديين (2) وغيرهم (3) من الملاحدة، وأتباع مسيلمة الكذاب وأبي لؤلؤة ~~قاتل عمر، ونحوهما ممن يعظمه هذا المفتري، إذا قال: " انظر هل ظهرت الفتن ~~(4) إلا من موسى وعيسى ومحمد؟ ". # فيقال له: بل الفتن (5) إنما ظهرت عن أصحابك وإخوانك، الذين يفترون على ~~الله الكذب ويعظمون الكذابين المفترين، كتعظيم العبيديين الملاحدة وتعظيم ~~مسيلمة الكذاب، وتعظيم الطوسي الملحد وأمثاله. # وقد رأيناك وأمثالك تعظمون هؤلاء الملاحدة - علماءهم (6) وولاتهم (7) على ~~أتباع الأنبياء، فلكم أوفر نصيب من قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا ~~نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من ~~الذين آمنوا سبيلا - أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له ~~نصيرا} [سورة النساء: 51، 52] . PageV06P377 # فإن مسيلمة الكذاب من أكابر الأئمة الذين كفروا. وكذلك أمثاله من ~~الملاحدة العبيديين، وأمثالهم الذين كانوا يدعون الإلهية والنبوة، أو يدعي ~~أن الفيلسوف أعظم من الأنبياء، ونحو ذلك من مقالات الذين كفروا، فإن ~~المبتدعة من ms1527 الجهمية والرافضة وغيرهم الذين أوتوا نصيبا من الكتاب، يقولون ~~للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا، فيحق عليهم ما وعد الله به ~~حيث قال: {أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا} [سورة ~~النساء: 52] . # ومن هؤلاء من يعظم الشرك والسحر والأحوال الشيطانية، مما هو من الإيمان ~~بالجبت والطاغوت ; فإن الجبت: هو السحر والطاغوت: الشيطان والأوثان. # الوجه الثاني: أنا لو فرضنا المقابلة بين الجمهور والرافضة، فما بين خير ~~الطائفتين وشرهما نسبة، فإنا لا ننكر أن في الجمهور شرا كثيرا، لكن إذا ~~جاءت المقابلة، فلا بد من المعادلة كما أنا إذا قابلنا بين المسلمين ~~والنصارى واليهود، لم نستكثر ما في المسلمين من الشر، لكن يجب العدل، فإن ~~الله أمر بالقسط والعدل، [وهو] (1) مما اتفقت العقول والشرائع على وجوبه ~~وحسنه. # فتقول: ما من شر يوجد في الجمهور إلا وفي الرافضة من جنسه ما هو ~~PageV06P378 # أعظم منه، كما أنه ما من شر يكون في المسلمين إلا وفي اليهود والنصارى ~~(1) من جنسه ما هو أعظم منه، وما من خير يكون في الشيعة إلا وفي الجمهور من ~~جنسه ما هو أعظم منه، كما أنه ما من خير يكون في بعض أهل الكتاب إلا وفي ~~المسلمين من جنسه ما هو خير منه. # وأمهات الفضائل: العلم، والدين، والشجاعة، والكرم. فاعتبر هذا في هؤلاء ~~وهؤلاء. فالجمهور فيهم من العلم بالقرآن ومعانيه وعلومه ما لا يوجد منه شيء ~~عند الشيعة، بعضهم تعلمه من أهل السنة، وهم مع هذا مقصرون، فمن صنف منهم ~~تفسير القرآن فمن تفاسير أهل السنة يأخذ كما فعل الطوسي والموسوي فما في ~~تفسيره من علم يستفاد هو مأخوذ من تفاسير أهل السنة، وأهل السنة في هذا ~~الموضع من يقر بخلافة الثلاثة، فالمعتزلة داخلون في أهل السنة وهم إنما ~~يستعينون (2) في التفسير والمنقولات (3) بكلام المعتزلة، وكذلك بحوثهم ~~العقلية، فما كان فيها صوابا فإنما أخذوه عن أهل السنة، والذين يمتازون به ~~هو كلامهم في ثلب الصحابة والجمهور، ودعوى النص ونحو ذلك مما هم به أخلق ms1528، ~~وهو بهم أشبه. # وأما الحديث فهم من أبعد الناس عن (4) معرفته: لا إسناده ولا متنه، ولا ~~يعرفون الرسول وأحواله، ولهذا إذا نقلوا شيئا (5) من الحديث كانوا من ~~PageV06P379 # أجهل الناس به، وأي كتاب وجدوا فيه ما يوافق هواهم نقلوه، من غير معرفة ~~بالحديث، كما نجد هذا المصنف وأمثاله ينقلون ما يجدونه موافقا لأهوائهم. # ولو أنهم ينقلون ما لهم وعليهم من الكتب التي ينقلون منها، مثل تفسير ~~الثعلبي، وفضائل الصحابة لأحمد بن حنبل، وفضائل الصحابة لأبي نعيم، وما في ~~كتاب أحمد من زيادات القطيعي، وزيادات ابن أحمد - لانتصف الناس منهم، لكنهم ~~لا يصدقون إلا بما يوافق قلوبهم. # وأما الفقه فهم من أبعد الناس عن الفقه. وأصل دينهم في الشريعة هي مسائل ~~ينقلونها عن بعض علماء أهل البيت، كعلي بن الحسين، وابنه أبي جعفر محمد (1) ~~وابنه جعفر (2) بن محمد. # وهؤلاء - رضي الله عنهم - من أئمة الدين وسادات المسلمين، لكن لا ينظرون ~~في الإسناد إليهم، هل ثبت النقل إليهم أم لا؟ فإنه لا معرفة لهم بصناعة ~~الحديث والإسناد. ثم إن الواحد من هؤلاء إذا قال قولا لا يطلب دليله من ~~الكتاب والسنة، ولا ما يعارضه، ولا يردون ما تنازع فيه المسلمون إلى الله ~~والرسول، كما أمر الله به ورسوله. # بل قد أصلوا لهم ثلاثة أصول: أحدها: أن هؤلاء معصومون. # والثاني: أن كل ما يقولونه منقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. # والثالث: أن إجماع العترة حجة، وهؤلاء هم العترة. PageV06P380 # فصاروا لذلك لا ينظرون في دليل ولا تعليل، بل خرجوا عن الفقه في الدين، ~~كخروج الشعرة من العجين. # وإذا صنف واحد منهم كتابا في الخلاف وأصول الفقه، كالموسوي وغيره، فإن ~~كانت المسألة فيها نزاع بين العلماء، أخذوا حجة من يوافقهم، واحتجوا بما ~~احتج به أولئك، وأجابوا عما يعارضهم بما يجيب به أولئك، فيظن الجاهل منهم ~~(1) أن هذا قد صنف كتابا عظيما في الخلاف أو الفقه أو الأصول (2) ، ولا ~~يدري الجاهل أن عامته استعارة من كلام علماء أهل السنة، الذين يكفرهم ~~ويعاديهم، وما انفردوا به فلا ms1529 يساوي مداده، فإن المداد ينفع ولا يضر، وهذا ~~يضر ولا ينفع. وإن كانت المسألة مما انفردوا [به] (3) اعتمدوا على تلك ~~الأصول الثلاثة، التي فيها من الجهل والضلال ما لا يخفى. # وكذلك كلامهم في الأصول والزهد والرقائق والعبادات والدعوات، وغير ذلك. # وكذلك إذا نظرت ما فيهم من العبادة والأخلاق المحمودة تجده جزءا مما عليه ~~الجمهور. PageV06P381 ### | الفصل الثالث في الأدلة الدالة على إمامة علي رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ### | المنهج الأول في الأدلة العقلية ### | الأول يجب أن يكون الإمام معصوما # (فصل) # قال الرافضي (1) : " الفصل الثالث: في الأدلة الدالة على إمامة أمير ~~المؤمنين علي بن أبي طالب بعد رسول - صلى الله عليه وسلم - (2) . الأدلة في ~~(3) ذلك كثيرة لا تحصى، لكن نذكر المهم منها، وننظم (4) أربعة مناهج: ~~المنهج (5) الأول: في الأدلة العقلية، وهي خمسة: الأول: أن الإمام يجب (6) ~~أن يكون معصوما، ومتى كان ذلك (7) كان الإمام هو عليا عليه السلام. # أما المقدمة الأولى: فلأن الإنسان مدني بالطبع، لا يمكن أن يعيش منفردا؛ ~~لافتقاره في بقائه إلى ما يأكل ويشرب ويلبس ويسكن (8) ، ولا يمكن (9) أن ~~يفعلها بنفسه، بل يفتقر إلى مساعدة PageV06P382 # غيره، بحيث يفرغ (1) كل واحد منهم إلى ما يحتاج إليه صاحبه (2) ، حتى يتم ~~قيام (3) النوع. ولما كان الاجتماع في مظنة التغالب والتغابن (4) ، بأن كل ~~واحد من الأشخاص قد يحتاج إلى ما في يد غيره، فتدعوه قوته الشهوانية (5) ~~إلى أخذه وقهره عليه وظلمه فيه، فيؤدي ذلك إلى وقوع الهرج والمرج وإثارة ~~الفتن، فلا بد من نصب إمام معصوم يصدهم عن الظلم والتعدي، ويمنعهم عن ~~التغالب (6) والقهر، وينصف المظلوم (7) من الظالم، ويوصل الحق إلى مستحقه، ~~لا يجوز عليه الخطأ ولا السهو ولا المعصية، وإلا لافتقر (8) إلى إمام آخر، ~~لأن العلة المحوجة إلى نصب الإمام هي (9) جواز الخطأ على الأمة، فلو جاز ~~الخطأ عليه لاحتاج إلى إمام آخر، فإن كان معصوما كان هو الإمام، وإلا لزم ~~التسلسل. # وأما المقدمة الثانية: فظاهرة (10) ، لأن أبا بكر وعمر وعثمان لم ~~PageV06P383 # يكونوا معصومين اتفاقا، وعلي معصوم ms1530 فيكون هو الإمام ". ### | الرد على المقدمة الأولى وهي قوله لا بد من إمام معصوم # والجواب عن ذلك: أن نقول (1) كلتا المقدمتين باطلة. أما الأولى: فقوله: " ~~لا بد من نصب إمام معصوم يصدهم (2) عن الظلم والتعدي، ويمنعهم عن التغالب ~~والقهر، وينصف المظلوم من الظالم، ويوصل الحق إلى مستحقه، لا يجوز عليه ~~الخطأ ولا السهو ولا المعصية ". # فيقال له: نحن نقول بموجب هذا الدليل إن كان صحيحا، فإن الرسول هو ~~المعصوم، وطاعته واجبة في كل زمان على كل أحد. وعلم الأمة بأمره ونهيه أتم ~~من علم آحاد الرعية بأمر الإمام الغائب، كالمنتظر ونحوه، بأمره ونهيه. فهذا ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إمام معصوم، والأمة تعرف (3) أمره ونهيه، ~~ومعصومهم ينتهي إلى الغائب المنتظر، الذي لو كان معصوما لم يعرف أحد لا ~~أمره و [لا] نهيه (4) ، بل ولا كانت رعية علي تعرف أمره ونهيه، كما تعرف ~~(5) الأمة أمر نبيها ونهيه، بل عند أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من علم ~~أمره ونهيه [ما أغناهم عن كل إمام سواه، بحيث أنهم لا يحتاجون قط إلى ~~المتولي عليهم في شيء من معرفة دينهم، ولا يحتاجون في العمل إلى ما يحتاجون ~~فيه إلى التعاون. وهم يعلمون أمره ونهيه] (6) أعظم من معرفة آحاد رعية ~~المعصوم، ولو قدر PageV06P384 # وجوده بأمره، فإنه لم يتول على الناس ظاهرا من ادعيت له العصمة إلا علي. # ونحن نعلم قطعا أنه كان في رعيته باليمن وخراسان وغيرهما من لا يدري ~~بماذا أمر ولا عماذا نهى، بل نوابه كانوا يتصرفون بما لا يعرفه هو. # وأما الورثة الذين ورثوا علم محمد - صلى الله عليه وسلم - فهم يعرفون ~~أمره ونهيه، ويصدقون في الإخبار عنه، أعظم من علم نواب علي بأمره ونهيه، ~~ومن صدقهم في الإخبار عنه، وهم إنما يريدون أنه لا بد من إمام معصوم حي. # فنقول هذا الكلام باطل من وجوه: أحدها: أن هذا الإمام الموصوف لم يوجد ~~بهذه الصفة. أما في زماننا فلا يعرف إمام معروف يدعى فيه (1) هذا، ولا يدعي ~~لنفسه، بل مفقود ms1531 غائب عند متبعيه، ومعدوم لا حقيقة له عند العقلاء. ومثل ~~هذا لا يحصل به شيء من مقاصد الإمامة أصلا، بل من ولي على الناس، ولو كان ~~فيه بعض الجهل وبعض الظلم، كان أنفع لهم ممن لا ينفعهم بوجه من الوجوه. # وهؤلاء المنتسبون إلى الإمام المعصوم لا يوجدون مستعينين في أمورهم إلا ~~بغيره، بل هم ينتسبون إلى المعصوم، وإنما يستعينون بكفور أو ظلوم. فإذا كان ~~المصدقون لهذا المعصوم المنتظر لم ينتفع به أحد PageV06P385 # منهم لا في دينه ولا في دنياه، لم يحصل لأحد (1) به شيء من مقاصد الإمامة ~~(2) . # وإذا كان المقصود لا يحصل منه شيء، لم يكن بنا حاجة إلى إثبات الوسيلة ; ~~لأن الوسائل لا تراد إلا لمقاصدها (3) . فإذا جزمنا بانتفاء المقاصد كان ~~الكلام في الوسيلة من السعي الفاسد، وكان هذا بمنزلة من يقول: الناس ~~يحتاجون إلى من يطعمهم ويسقيهم، وينبغي أن يكون الطعام صفته كذا والشراب ~~صفته كذا، وهذا عند الطائفة الفلانية، وتلك الطائفة قد علم أنها من أفقر ~~الناس، وأنهم معروفون بالإفلاس. # وأي فائدة في طلب ما يعلم عدمه، واتباع ما لا ينتفع به أصلا؟ والإمام ~~يحتاج إليه في شيئين (4) . إما في العلم؛ لتبليغه وتعليمه، وإما في العمل ~~به؛ ليعين الناس على ذلك بقوته وسلطانه. # وهذا المنتظر لا ينفع لا بهذا ولا بهذا. بل ما عندهم من العلم فهو من ~~كلام من قبله، ومن العمل، إن كان مما يوافقهم عليه المسلمون استعانوا بهم، ~~وإلا استعانوا بالكفار والملاحدة ونحوهم، فهم أعجز الناس في العمل، وأجهل ~~الناس في العلم، مع دعواهم ائتمامهم بالمعصوم، الذي مقصوده العلم والقدرة، ~~ولم يحصل لهم لا علم ولا قدرة، فعلم انتفاء هذا مما يدعونه. PageV06P386 # وأيضا فالأئمة الاثنا عشر لم يحصل لأحد من الأمة بأحد منهم جميع مقاصد ~~الإمامة. # أما من دون علي فإنما كان يحصل للناس (1) من علمه ودينه مثل ما يحصل من ~~نظرائه. وكان علي بن الحسين، وابنه أبو جعفر، وابنه جعفر بن محمد يعلمون ~~الناس ما علمهم الله، كما علمه علماء زمانهم، وكان في ms1532 زمنهم من هو أعلم ~~منهم وأنفع للأمة. # وهذا معروف عند أهل العلم. ولو قدر أنهم كانوا أعلم وأدين، فلم يحصل من ~~أهل العلم والدين ما يحصل (2) من ذوي الولاية من القوة والسلطان وإلزام ~~الناس بالحق، ومنعهم باليد عن الباطل. # وأما من بعد الثلاثة كالعسكريين، فهؤلاء لم يظهر عليهم علم تستفيده ~~الأمة، ولا كان لهم يد تستعين به الأمة، بل كانوا كأمثالهم (3) من ~~الهاشميين لهم حرمة ومكانة، وفيهم من معرفة ما يحتاجون إليه في الإسلام ~~والدين ما في أمثالهم، وهو ما يعرفه كثير من عوام المسلمين. # وأما ما يختص به أهل العلم، فهذا لم يعرف عنهم. ولهذا لم يأخذ عنهم أهل ~~العلم، كما أخذوا عن أولئك الثلاثة. ولو وجدوا ما يستفاد لأخذوا، ولكن طالب ~~العلم يعرف مقصوده. # وإذا (4) كان للإنسان نسب شريف، كان (5) ذلك مما يعينه على قبول ~~PageV06P387 # الناس منه. ألا ترى أن ابن عباس لما كان كثير العلم عرفت (1) الأمة له ~~ذلك، واستفادت منه، وشاع ذكره بذلك في الخاصة والعامة. # وكذلك الشافعي لما كان عنده من العلم والفقه ما يستفاد منه (2) ، عرف ~~المسلمون له ذلك، واستفادوا ذلك منه، وظهر ذكره بالعلم والفقه. # ولكن إذا لم يجد الإنسان مقصوده في محل لم يطلبه منه. ألا ترى أنه لو قيل ~~عن أحد: إنه طبيب أو نحوي، وعظم حتى جاء إليه الأطباء أو النحاة، فوجدوه لا ~~يعرف من الطب والنحو ما يطلبون، أعرضوا عنه، ولم ينفعه مجرد دعوى الجهال ~~وتعظيمهم. # وهؤلاء الإمامية أخذوا عن المعتزلة أن الله يجب عليه الإقدار والتمكين ~~واللطف، بما يكون المكلف (3) عنده أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، مع ~~تمكنه في الحالين. # ثم قالوا: والإمامة واجبة، وهي أوجب عندهم من النبوة، لأن بها لطفا في ~~التكاليف. قالوا: إنا نعلم يقينا بالعادات (4) واستمرار الأوقات أن الجماعة ~~متى كان لهم رئيس مهيب مطاع متصرف منبسط اليد كانوا بوجوده أقرب إلى ~~الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإذا لم يكن لهم رئيس (5) وقع الهرج والمرج ~~بينهم، وكانوا عن الصلاح أبعد، ومن الفساد أقرب. # وهذه ms1533 الحال مشعرة بقضية العقل معلومة لا ينكرها إلا من جهل PageV06P388 # العادات ولم يعلم استمرار القاعدة المستمرة في العقل. قالوا: وإذا كان ~~هذا لطفا في التكليف لزم وجوبه. ثم ذكروا صفاته من العصمة وغيرها. # ثم أورد طائفة منهم على أنفسهم سؤالا، فقالوا: إذا قلتم: إن الإمام لطف، ~~وهو غائب عنكم فأين اللطف الحاصل مع غيبته؟ وإذا لم يكن لطفه حاصلا مع ~~الغيبة وجاز التكليف بطل أن يكون الإمام لطفا في الدين وحينئذ يفسد القول ~~بإمامة المعصوم. # وقالوا في الجواب عن هذا السؤال: إنا نقول: إن لطف الإمام حاصل في حالة ~~الغيبة للعارفين به في حال الظهور وإنما فات اللطف لمن لم يقل بإمامته. كما ~~أن لطف المعرفة لم يحصل لمن لم يعرف الله تعالى، وحصل لمن كان عارفا به. ~~قالوا: وهذا يسقط هذا السؤال، ويوجب القول بإمامة المعصومين. # فقيل لهم: لو كان اللطف حاصلا في حال الغيبة كحال الظهور، لوجب أن ~~يستغنوا عن ظهوره، ويتبعوه (1) إلى أن يموتوا. وهذا خلاف ما يذهبون إليه. # فأجابوا بأنا نقول: إن اللطف في غيبته عند العارف به من باب التنفير ~~والتبعيد عن القبائح مثل حال الظهور، لكن نوجب ظهوره لشيء غير ذلك، وهو رفع ~~أيدي المتغلبين عن المؤمنين، وأخذ الأموال ووضعها في مواضعها من أيدي ~~الجبابرة، ورفع ممالك الظلم (2) التي لا يمكننا رفعها إلا بطريقه (3) وجهاد ~~الكفار الذي لا يمكن إلا مع ظهوره. PageV06P389 # فيقال لهم: هذا كلام ظاهر البطلان. وذلك أن الإمام الذي جعلتموه لطفا، هو ~~ما شهدت به العقول والعادات، وهو ما ذكرتموه. قلتم: إن الجماعة متى كان لهم ~~رئيس مهيب مطاع متصرف منبسط اليد، كانوا بوجوده أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن ~~الفساد، واشترطتم فيه العصمة. قلتم لأن مقصود الانزجار (1) لا يحصل إلا ~~بها. ومن المعلوم أن الموجودين الذين كانوا قبل المنتظر، لم يكن أحد منهم ~~بهذه الصفة: لم يكن أحد منهم منبسط اليد ولا متصرفا. # وعلي - رضي الله عنه - تولى الخلافة، ولم يكن تصرفه وانبساطه تصرف من ~~قبله وانبساطهم وأما الباقون فلم تكن ms1534 أيديهم منبسطة ولا متصرفون بل كان ~~يحصل بأحدهم ما يحصل بنظرائه (2) . # وأما الغائب فلم يحصل به شيء، فإن المعترف بوجوده إذا عرف أنه غاب من ~~أكثر من أربعمائة سنة وستين سنة، وأنه خائف لا يمكنه الظهور، فضلا عن إقامة ~~الحدود، ولا يمكنه أن يأمر أحدا ولا ينهاه - لم يزل (3) الهرج والفساد ~~بهذا. # ولهذا يوجد (4) طوائف الرافضة أكثر الطوائف هرجا وفسادا، واختلافا ~~بالألسن والأيدي، ويوجد من الاقتتال والاختلاف وظلم بعضهم لبعض ما لا يوجد ~~فيمن لهم متول كافر، فضلا عن متول مسلم، فأي لطف حصل لمتبعيه به؟ . ~~PageV06P390 # واعتبر (1) المدائن والقرى التي يقر أهلها بإمامة المنتظر، مع القرى التي ~~لا يقرون به. تجد حال (2) هؤلاء أعظم انتظاما وصلاحا في المعاش والمعاد، ~~حتى أن الخبير بأحوال العالم يجد بلاد الكفار، لوجود رؤسائهم يقيمون مصلحة ~~دنياهم أكثر انتظاما من كثير من الأرض (3) التي ينسبون فيها إلى متابعة ~~المنتظر، لا يقيم لهم سببا من مصلحة دينهم ودنياهم. # ولو قدر أن اعترافهم بوجوده يخافون معه أن يظهر فيعاقبهم على الذنوب، كان ~~من المعلوم أن خوف الناس من ولاة أمورهم المشهورين أن يعاقبوهم، أعظم من ~~خوف هؤلاء من عقوبة المنتظر لهم. # ثم الذنوب قسمان: منها ذنوب ظاهرة، كظلم الناس والفواحش الظاهرة، فهذه ~~تخاف الناس (4) فيها من عقوبة ولاة أمورهم، أعظم مما يخافه الإمامية من ~~عقوبة المنتظر. فعلم أن اللطف الذي أوجبوه لا يحصل بالمنتظر أصلا للعارف به ~~ولا لغيره. # وأما قولهم إن اللطف به يحصل للعارفين به، كما يحصل في حال الظهور، فهذه ~~مكابرة ظاهرة ; فإنه إذا ظهر حصل به من إقامة الحدود والوعظ وغير ذلك، ما ~~يوجب أن يكون في ذلك لطف لا يحصل مع عدم الظهور. PageV06P391 # وتشبيههم معرفته بمعرفة الله في باب اللطف وأن اللطف به يحصل للعارف دون ~~غيره، قياس فاسد. فإن المعرفة بأن الله موجود حي قادر، يأمر بالطاعة ويثيب ~~عليها، وينهى عن المعصية ويعاقب عليها، من أعظم الأسباب في الرغبة والرهبة ~~منه، فتكون هذه المعرفة داعية إلى الرغبة في ثوابه، بفعل المأمور ms1535 وترك ~~المحظور، والرهبة من عقابه إذا عصى، لعلم العبد بأنه عالم قادر، وأنه قد ~~جرت سنته بإثابة المطيعين وعقوبة العاصين. # وأما شخص يعرف الناس أنه (1) مفقود من أكثر من أربعمائة سنة، وأنه لم ~~يعاقب أحدا، وأنه لم يثب أحدا بل هو خائف على نفسه إذا ظهر، فضلا عن أن ~~يأمر وينهى، فكيف تكون المعرفة به (2) داعية إلى فعل ما أمر وترك ما حظر ~~(3) ، بل المعرفة بعجزه وخوفه توجب الإقدام على فعل القبائح، لا سيما مع ~~طول الزمان وتوالي الأوقات وقتا بعد وقت، وهو لم يعاقب أحدا ولم يثب أحدا. # بل لو قدر أنه يظهر في [كل] (4) مائة سنة مرة فيعاقب، لم يكن ما يحصل به ~~من اللطف مثل ما يحصل بآحاد ولاة الأمر، بل ولو قيل: إنه يظهر في كل عشر ~~سنين، بل ولو ظهر في السنة مرة، فإنه [لا] تكون (5) منفعته كمنفعة ولاة ~~الأمور الظاهرين للناس في كل وقت، بل هؤلاء - مع PageV06P392 # ذنوبهم وظلمهم في بعض الأمور - شرع الله بهم، وما يفعلونه من العقوبات، ~~وما يبذلونه من الرغبات في الطاعات، أضعاف ما يقام بمن يظهر بعد كل مدة، ~~فضلا عمن هو مفقود، يعلم جمهور العقلاء أنه لا وجود له، والمقرون به يعلمون ~~أنه عاجز خائف لم يفعل قط ما يفعله (1) آحاد الناس، فضلا عن ولاة أمرهم. # وأي هيبة لهذا؟ وأي طاعة، وأي تصرف، وأي يد منبسطة؟ حتى إذا كان للناس ~~رئيس مهيب مطاع متصرف منبسط اليد، كانوا أقرب إلى الصلاح بوجوده. # ومن تدبر هذا علم أن هؤلاء القوم في غاية الجهل والمكابرة والسفسطة، حيث ~~جعلوا اللطف به في حال عجزه وغيبته، مثل اللطف به في حال ظهوره، وأن ~~المعرفة به مع عجزه وخوفه وفقده لطف، كما لو كان ظاهرا قادرا آمنا، وأن ~~مجرد هذه المعرفة لطف، كما أن معرفة الله لطف. # الوجه الثاني: أن يقال: قولكم: لا بد من نصب إمام معصوم يفعل هذه الأمور. # أتريدون أنه (2) لا بد أن يخلق الله ويقيم من يكون متصفا بهذه الصفات؟ أم ms1536 ~~يجب على الناس أن يبايعوا من يكون كذلك؟ . # فإن أردتم الأول، فالله لم يخلق أحدا متصفا بهذه الصفات، فإن غاية ما ~~عندكم أن تقولوا: إن عليا كان معصوما لكن الله لم يمكنه ولم يؤيده، ~~PageV06P393 # لا بنفسه، ولا بجند خلقهم له حتى يفعل ما ذكرتموه. # بل أنتم تقولون: إنه كان عاجزا مقهورا مظلوما في زمن الثلاثة، ولما صار ~~له جند قام له جند، آخرون قاتلوه، حتى لم يتمكن أن يفعل ما فعل الذين كانوا ~~قبله، الذين هم عندكم ظلمة. # فيكون الله قد أيد أولئك الذين كانوا قبله، حتى تمكنوا من فعل ما فعلوه ~~من المصالح، ولم يؤيده حتى يفعل ذلك. # وحينئذ فما خلق الله هذا المعصوم المؤيد الذي اقترحتموه على الله. وإن ~~قلتم: إن الناس يجب عليهم أن يبايعوه ويعاونوه. # قلنا: أيضا فالناس لم يفعلوا ذلك، سواء كانوا مطيعين أو عصاة. # وعلى كل تقدير فما حصل لأحد من المعصومين عندكم تأييد، لا من الله ولا من ~~الناس. وهذه المصالح التي ذكرتموها لا تحصل إلا بتأييد (1) ، فإذا لم يحصل ~~ذلك لم يحصل ما به تحصل المصالح، بل حصل أسباب ذلك، وذلك لا يفيد المقصود. # الوجه الثالث: أن يقال: إذا كان لم يحصل مجموع ما به تحصل هذه المطالب، ~~بل فات كثير من شروطها، فلم لا يجوز أن يكون الفائت هو العصمة؟ وإذا كان ~~المقصود فائتا: إما بعدم العصمة، وإما بعجز المعصوم، فلا فرق بين عدمها ~~بهذا أو بهذا، فمن أين يعلم بدليل العقل أنه يجب على الله أن يخلق إماما ~~معصوما؟ . # وهو إنما يخلقه ليحصل به مصالح عباده، وقد خلقه عاجزا لا يقدر على تلك ~~المصالح، بل حصل به من الفساد ما لم يحصل إلا بوجوده. PageV06P394 # وهذا يتبين: بالوجه الرابع: وهو أنه لو لم يخلق هذا المعصوم، لم يكن يجري ~~في الدنيا من الشر أكثر مما جرى، إذ كان (1) وجوده لم يدفع شيئا من الشر، ~~حتى يقال: وجوده دفع كذا. بل وجوده أوجب أن كذب به الجمهور، وعادوا شيعته، ~~وظلموه وظلموا أصحابه ms1537، وحصل من الشرور التي لا يعلمها إلا الله، بتقدير أن ~~يكون معصوما. # فإنه بتقدير أن لا يكون علي - رضي الله عنه - معصوما، ولا بقية الاثني ~~عشر ونحوهم، لا يكون ما وقع من تولية الثلاثة، وبني أمية، وبني العباس، فيه ~~من الظلم والشر ما فيه بتقدير كونهم أئمة (2) معصومين (* وبتقدير كونهم (3) ~~معصومين فما أزالوا من الشر إلا ما يزيله من ليس بمعصوم، فصار كونهم ~~معصومين *) (4) إنما حصل به الشر لا الخير. # فكيف يجوز على الحكيم أن يخلق شيئا ليحصل به الخير، وهو لم يحصل به إلا ~~الشر لا الخير؟ # وإذا قيل: هذا الشر حصل من ظلم الناس له. # قيل: فالحكيم الذي خلقه إذا كان خلقه لدفع ظلمهم، وهو يعلم أنه إذا خلقه ~~زاد ظلمهم، لم يكن خلقه حكمة بل سفها، وصار هذا كتسليم إنسان ولده إلى من ~~يأمره بإصلاحه، وهو يعلم أنه لا يطيعه بل يفسده، فهل يفعل هذا حكيم؟ # ومثل أن يبني إنسان خانا في الطريق لتأوي إليه القوافل، ويعتصموا ~~PageV06P395 # به من الكفار وقطاع الطريق، وهو يعلم أنه إذا بناه اتخذه الكفار حصنا، ~~والقطاع مأوى لهم. # ومثل من يعطي رجلا مالا ينفقه في الغزاة والمجاهدين، وهو يعلم أنه (1) ~~إنما ينفقه في الكفار والمحاربين أعداء الرسول. # ولا ريب أن هؤلاء الرافضة القدرية أخذوا هذه الحجج من أصول المعتزلة ~~القدرية. فلما كان أولئك يوجبون على الله (* الصلاح والأصلح (2) أخذ هؤلاء ~~ذلك منهم. وأصل أولئك في أنه يجب على الله *) (3) أن يفعل بكل مكلف ما هو ~~الأصلح له في دينه ودنياه، [وهو] (4) أصل فاسد، وإن كان الرب تعالى بحكمته ~~ورحمته يفعل بحكمة لخلقه ما يصلحهم (5) في دينهم ودنياهم. # والناس في هذا الأصل على ثلاثة أقوال: فالقدرية يقولون: يجب على الله ~~رعاية الأصلح - أو الصلاح - في كل شخص معين، ويجعلون ذلك الواجب من جنس ما ~~يجب على الإنسان. فغلطوا حيث شبهوا الله بالواحد من الناس، فيما يجب عليه ~~ويحرم عليه، وكانوا هم مشبهة الأفعال، فغلطوا (6) من حيث لم يفرقوا بين ~~المصلحة العامة الكلية، وبين ms1538 مصلحة آحاد الناس، التي قد (7) تكون مستلزمة ~~لفساد عام، ومضادة لصلاح عام. PageV06P396 # والقدرية المجبرة الجهمية لا يثبتون له حكمة ولا رحمة، بل عندهم يفعل ~~بمشيئة محضة، لا لها حكمة ولا رحمة. والجهم بن صفوان رأس هؤلاء، كان يخرج ~~إلى المبتلين من الجذمى وغيرهم: فيقول: أرحم الراحمين يفعل هذا؟ ! يريد أنه ~~ليس له رحمة. # فهؤلاء وأولئك في طرفين متقابلين. # والثالث: قول الجمهور: إن الله عليم حكيم رحيم، قائم بالقسط. وإنه سبحانه ~~كتب على نفسه الرحمة، وهو أرحم بعباده (1) من الوالدة بولدها، كما نطقت ~~بذلك نصوص الكتاب والسنة، وكما يشهد به الاعتبار (2) حسا وعقلا، وذلك واقع ~~منه بحكمته ورحمته، وبحكم أنه كتب على نفسه الرحمة، وحرم على نفسه الظلم، ~~لا بأن الخلق يوجبون عليه ويحرمون، ولا بأنه يشبه المخلوق فيما يجب ويحرم، ~~بل كل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل، وليس لمخلوق عليه حق، إلا ما أحقه ~~هو على نفسه المقدسة، كقوله: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} [سورة الأنعام: ~~54] ، وقوله: {وكان حقا علينا نصر المؤمنين} [سورة الروم: 47] وذلك بحكم ~~وعده وصدقه في خبره، وهذا متفق عليه بين المسلمين، وبحكم كتابه على نفسه ~~وحكمته ورحمته، وهذا (3) فيه تفصيل ونزاع مذكور في غير هذا الموضع. # ثم القدرية القائلون برعاية الأصلح، يقولون: إنما خلقهم لتعريضهم للثواب. ~~PageV06P397 # فإذا قيل لهم: فهو كان يعلم أن هذا الذي عرضه لا ينتفع مما خلقه له (1) ، ~~بل يفعل ما يضره، فكان كمن يعطي شخصا مالا لينفقه (2) في سبيل الله، وسيفا ~~ليقاتل به الكفار وهو يعلم أنه ينفقه في حرب المسلمين وقتالهم. # قالوا: المكلف إنما أتي من جهة نفسه، فهو الذي فرط بترك الطاعة. # أجابهم أهل السنة بجوابين: أحدهما: مبني على إثبات العلم. والثاني: مبني ~~على إثبات المشيئة والقدرة التامة، وأنه خالق كل شيء. # فقالوا: على الأول إذا كان هو يعلم أن مقصوده بالفعل لم (3) يحصل، لم يكن ~~فعله حكمة، وإن كان بتفريط غيره. # والثاني: أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو خالق كل شيء، وهو يعلم ms1539 ~~أنه لا يشاء ويخلق ما به يكون ما ذكروه من المطلوب، فيمتنع مع هذا أن يكون ~~ما ذكروه هو المطلوب بالخلق. وكل جواب للقدرية فهو جواب للرافضة. # ويجابون بأجوبة أخرى تجيبهم بها القدرية، وإن وافقوهم على قاعدة التعليل ~~والتجوير (4) ، فيقولون: إنما يجب خلق إمام معصوم إذا لم يكن قد خلق لهم ما ~~يغنيهم عنه. وبالجملة فحقيقة هذه الحجة أنها استدلال بالواجب على الواقع، ~~PageV06P398 # فيقولون يجب عليه كذا، فلابد أن يكون قد فعل الواجب، وليس هذا إلا هكذا. # والعلم بالواقع له طرق كثيرة قطعية يقينية تبين انتفاء هذا الذي ذكروا ~~أنه واقع. فإذا علمنا انتقاء الفائدة المطلوبة قطعا، لم يمكن إثبات لازمها، ~~وهو الوسيلة، فإنا نستدل على إثبات اللازم بإثبات الملزوم، فإذا كان ~~الملزوم قد علمنا انتفاءه قطعا، لم يمكن إثبات لازمه. # ثم بعد ذلك آن أن نقدح في الإيجاب جملة وتفصيلا، أو نقول (1) : الواجب من ~~الجملة (2) لا يتوقف على ما ادعوه من المعصوم ما لم يكن مثله في نواب (3) ~~معاوية. # وقول الرافضة (4) من جنس قول النصارى: إن الإله تجسد ونزل، وإنه أنزل ~~ابنه ليصلب، ويكون الصلب مغفرة لذنب آدم، ليدفع الشيطان بذلك لهم. # فقيل لهم: إذا كان قتله وصلبه وتكذيبه من أعظم الشر والمعصية، فيكون قد ~~أراد أن يزيل ذنبا صغيرا بذنب هو أكبر منه، وهو مع ذلك لم يغير الشر، بل ~~زاد على ما كان، فكيف يفعل شيئا لمقصود، والحاصل إنما هو ضد المقصود؟ ! . # الوجه الخامس: إذا كان الإنسان مدنيا بالطبع، وإنما وجب نصب PageV06P399 # المعصوم ليزيل الظلم والشر عن أهل المدينة، فهل تقولون (1) ، إنه لم يزل ~~في كل مدينة خلقها الله تعالى معصوم يدفع ظلم الناس أم لا؟ . # فإن قلتم بالأول، كان هذا مكابرة ظاهرة. فهل في بلاد الكفار من المشركين ~~وأهل الكتاب معصوم؟ وهل كان في الشام عند معاوية معصوم؟ . # وإن قلتم: بل نقول: هو في كل مدينة واحد وله نواب في سائر المدائن. # قيل: فكل معصوم له نواب في جميع مدائن الأرض أم في بعضها؟ # فإن قلتم ms1540: في الجميع كان هذا مكابرة، وإن قلتم: في البعض دون البعض. قيل: ~~فما الفرق إذا كان ما ذكرتموه واجبا على الله، وجميع المدائن حاجتهم إلى ~~المعصوم واحدة؟ . # الوجه السادس: أن يقال: هذا المعصوم يكون وحده معصوما؟ أو كل من نوابه ~~معصوما (2) ؟ وهم لا يقولون بالثاني، والقول به مكابرة. فإن نواب النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - لم يكونوا معصومين، ولا نواب علي، بل كان في بعضهم من ~~الشر والمعصية ما لم يكن مثله في نواب معاوية لأميرهم، فأين العصمة؟ # وإن قلت: يشترط فيه وحده. # قيل: فالبلاد الغائبة عن الإمام، لا سيما إذا لم يكن المعصوم قادرا على ~~قهر نوابه بل هو عاجز، ماذا ينتفعون بعصمة الإمام، وهم يصلون PageV06P400 # خلف غير معصوم، ويحكم بينهم غير معصوم، ويطيعون غير معصوم (1) ، ويأخذ ~~أموالهم غير معصوم؟ . # فإن قيل: الأمور ترجع إلى المعصومين. # قيل: لو كان المعصوم قادرا ذا سلطان، كما كان عمر وعثمان ومعاوية وغيرهم، ~~لم يتمكن أن يوصل إلى كل من رعيته (2) العدل الواجب الذي يعلمه هو. وغاية ~~ما يقدر عليه أن يولي أفضل من يقدر عليه، لكن إذا لم يجد (3) إلا عاجزا أو ~~ظالما، كيف يمكنه تولية قادر عادل؟ (4) . # فإن قالوا: إذا لم يخلق الله إلا هذا سقط عنه التكليف. # قيل: فإذا لم يجب على الله أن يخلق قادرا عادلا مطلقا، بل أوجب على ~~الإمام أن يفعل ما يقدر عليه، فكذلك الناس عليهم أن يولوا أصلح من خلقه ~~الله تعالى، وإن كان فيه نقص: إما من قدرته، وإما من عدله. # وقد كان عمر - رضي الله عنه - يقول: " اللهم إليك أشكو جلد الفاجر (5) ~~وعجز الثقة "، وما ساس العالم أحد مثل عمر، فكيف الظن بغيره؟ . # هذا إذا كان المتولي نفسه قادرا عادلا، فكيف إذا كان المعصوم عاجزا؟ بل ~~كيف إذا كان مفقودا؟ من الذي يوصل الرعية إليه حتى يخبروه بأحوالهم؟ ومن ~~الذي يلزمها بطاعته حتى تطيعه؟ وإذا أظهر بعض نوابه PageV06P401 # طاعته حتى يوليه، ثم أخذ ما شاء من الأموال، وسكن في مدائن الملوك، فأي ~~حيلة ms1541 للمعصوم فيه؟ # فعلم أن المعصوم الواحد لا يحصل به المقصود، إذا كان ذا سلطان، فكيف إذا ~~كان عاجزا مقهورا؟ فكيف إذا كان مفقودا غائبا لا يمكنه مخاطبة أحد؟ فكيف ~~إذا كان معدوما لا حقيقة له؟ # الوجه السابع: أن يقال: صد غيره عن الظلم، وإنصاف المظلوم منه، وإيصال حق ~~غيره إليه فرع على منع ظلمه، واستيفاء حقه. فإذا كان عاجزا مقهورا لا يمكنه ~~دفع الظلم عن نفسه، ولا استيفاء حقه من ولاية ومال، لا حق امرأته من ~~ميراثها، فأي ظلم يدفع؟ وأي حق يوصل؟ فكيف إذا كان معدوما أو خائفا لا ~~يمكنه أن يظهر في قرية أو مدينة خوفا من الظالمين أن يقتلوه، وهو دائما على ~~هذه الحال أكثر من أربعمائة وستين سنة (1) ، والأرض مملوءة من الظلم ~~والفساد، وهو لا يقدر أن يعرف بنفسه، فكيف يدفع الظلم عن الخلق، أو يوصل ~~الحق إلى المستحق؟ وما أخلق هؤلاء بقوله تعالى: {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون ~~أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا} [سورة الفرقان: 44] . # الوجه الثامن (2) : أن يقال: الناس في باب ما يقبح (3) من الله على ~~قولين. # منهم من يقول: الظلم ممتنع منه، وفعل القبيح مستحيل، ومهما PageV06P402 # فعله كان حسنا. فهؤلاء يمتنع عندهم أن يقال: يحسن منه كذا، فضلا عن القول ~~بالوجوب. # والقول الثاني: قول من يقول: إنه يجب عليه العدل والرحمة بإيجابه على ~~نفسه، كما قال تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} [سورة الأنعام: 54] . # ويحرم الظلم بتحريمه على نفسه، كما قال في الصحيح: «يا عبادي إني حرمت ~~الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا» (1) ، ويقول: إن ذلك ~~واجب بالعقل. وعلى كل قول فهو سبحانه لم يقع منه ظلم، ولم يخل بواجب، فقد ~~فعل ما يجب عليه، وهو مع هذا لم يخلق ما تحصل به هذه المصالح المقصودة من ~~المعصوم. # فإن كانت هذه المصالح تحصل بمجرد خلقه، وهي لم تحصل، لزم أن لا يكون خلقه ~~واجبا، وهو المطلوب. وإن كانت لا تحصل إلا بخلقه وخلق أمور أخرى، حتى ms1542 يحصل ~~بالمجموع المطلوب، فهو لم يخلق ذلك المجموع، سواء كان لم يخلق شيئا منه، أو ~~لم يخلق بعضه. # والإخلال بالواجب ممتنع عليه في القليل والكثير، فلزم على التقديرين أنه ~~لا يجب عليه خلق الموجب لهذه المطالب؛ وإذا لم يجب عليه ذلك، فلا فرق بين ~~أن يخلق معصوما لا يحصل به ذلك، وبين أن لا يخلقه، فلا يكون ذلك واجبا ~~عليه. وحينئذ فلا يلزم أن يكون موجودا. فالقول بوجوب وجوده باطل على كل ~~تقدير. # وإن قيل: إن المطلوب يحصل بخلقه وبطاعة المكلفين له. PageV06P403 # قيل: إن كانت طاعة المكلفين مقدورة لله، ولم يخلقها، فلم يخلق المصلحة ~~المطلوبة بالمعصوم، فلا تكون واجبة عليه؟ وإن لم تكن مقدورة امتنع الوجوب ~~بدونها في حق المكلف، فكيف في حق الله؟ # وما لا يتم الوجوب إلا به [وهو غير موجود] فليس [الأمر حينئذ] بواجب (1) ~~. # ألا ترى أن الإنسان لا يجب عليه تحصيل مصلحة لا تحصل بدون فعل غيره، إلا ~~إذا أعانه ذلك الغير؟ كالجمعة التي لا تجب إلا خلف إمام أو مع عدد، فلا يجب ~~على الإنسان أن يصليها إلا إذا حصل الإمام وسائر العدد. والحج الذي لا يجب ~~عليه السفر إليه إلا مع رفقة يأمن معهم، أو مع من يكريه دابته فلا يجب عليه ~~إذا لم يحصل من يفعل (2) معه ذلك. # ودفع الظلم عن المظلوم، إذا لم يمكن إلا بأعوان لم يجب على من لا أعوان ~~له. # فإذا قالوا: إن الرب يجب عليه تحصيل هذه المصالح لعباده، الحاصلة بخلق ~~المعصوم، وهي لا تحصل إلا بوجود من يطيعه. والله تعالى على هذا التقدير لا ~~يمكنه أن يجعل الناس يطيعونه، لم يكن خلق المعصوم واجبا عليه؛ لعدم وجوب ما ~~لا يحصل الواجب إلا به، وعدم حصول المطلوب بالمعصوم وحده (3) . # وإن قيل: يخلقه لعل بعض الناس يطيعه. # قيل: أولا: هذا ممتنع ممن يعلم عواقب الأمور. PageV06P404 # وقيل: ثانيا: إذا كان شرط المطلوب قد يحصل وقد لا يحصل، وهو في كثير من ~~الأوقات أو غالبها أو جميعها لا يحصل، أمكن أن ms1543 يخلق غير المعصوم، يكون ~~عادلا في كثير من (* الأوقات أو بعضها، فإن حصول المقصود ممن (1) يعدل في ~~كثير من (2) (3) الأمور، ويظلم في بعضها إذا كانت مصلحة وجوده أكثر من ~~مفسدته، خير ممن لا يقدر على أن يعدل بحال، ولا يدفع شيئا من الظلم، فإن ~~هذا لا مصلحة فيه بحال. # وإن قالوا: الرب فعل ما يجب عليه من خلق المعصوم، ولكن الناس فوتوا ~~المصلحة بمعصيتهم له. # قيل: أولا: إذا كان يعلم أن الناس لا يعاونونه حتى تحصل المصلحة، بل ~~يعصونه فيعذبون، لم يكن خلقه واجبا، بل ولا حكمة على قولهم. # ويقال: ثانيا: ليس كل الناس عصاه، بل بعض الناس عصوه ومنعوه، وكثير من ~~الناس تؤثر طاعته ومعرفة ما يقوله. فكيف لا يمكن هؤلاء من طاعته؟ # فإذا قيل: أولئك الظلمة منعوا هؤلاء. # قيل: فإن كان الرب قادرا على منع الظلمة، فهلا منعهم على قولهم؟ . # وإن لم يكن ذلك مقدورا، فهو يعلم أن حصول المصلحة غير مقدورة فلا يفعله، ~~فلم قلتم على هذا التقدير: إنه يمكن خلق معصوم غير نبي؟ PageV06P405 # وهذا لازم لهم ; فإنهم إن قالوا: إن الله خالق أفعال العباد، أمكنه صرف ~~دواعي الظلمة حتى يتمكن الناس من طاعته. # وإن قالوا: ليس خالق أفعال العباد. # قيل: فالعصمة إنما تكون بأن يريد الفاعل الحسنات ولا يريد السيئات، وهو ~~عندكم لا يقدر أن يغير إرادة أحد، فلا يقدر على جعله معصوما. # وهذا أيضا دليل مستقل على إبطال خلق أحد معصوما، على قول القدرية ; فإن ~~العصمة إنما تكون بأن يكون العبد مريدا للحسنات، غير مريد للسيئات. فإذا ~~كان هو المحدث للإرادة (1) ، والله تعالى عند القدرية لا يقدر على إحداث ~~إرادة أحد، امتنع منه أن يجعل أحدا معصوما. # وإذا قالوا: يخلق ما تميل به إرادته إلى الخير. # قيل: إن كان ذلك ملجئا، زال التكليف. وإن لم يكن ملجئا لم ينفع. وإن كان ~~ذلك مقدورا عندكم، فهلا فعله بجميع العباد؟ فإنه أصلح لهم، إذا أوجبتم على ~~الله أن يفعل الأصلح بكل عبد، وذلك لا يمنع الثواب عندكم ms1544، كما لا يمنعه في ~~حق المعصوم. # الوجه التاسع (2) : أن يقال: حاجة الإنسان إلى تدبير بدنه بنفسه، أعظم من ~~حاجة المدينة إلى رئيسها. وإذا كان الله تعالى لم يخلق نفس الإنسان معصومة، ~~فكيف يجب عليه أن يخلق رئيسا معصوما؟ # مع أن الإنسان يمكنه أن يكفر بباطنه، ويعصي بباطنه، وينفرد بأمور ~~PageV06P406 # كثيرة من الظلم والفساد، والمعصوم لا يعلمها، وإن علمها لا يقدر على ~~إزالتها، فإذا لم يجب هذا (1) فكيف يجب (2) ذاك؟ . # الوجه العاشر (3) أن يقال: المطلوب من الأئمة أن يكون الصلاح بهم أكثر من ~~الفساد، وأن يكون الإنسان معهم أقرب إلى المصلحة وأبعد عن المفسدة، مما لو ~~عدموا ولم يقم مقامهم؟ أم المقصود بهم وجود صلاح لا فساد معه؟ أم مقدار ~~معين من الصلاح؟ . # فإن كان الأول، فهذا المقصود حاصل لغالب ولاة الأمور. وقد حصل هذا ~~المقصود على عهد أبي بكر وعمر وعثمان، أعظم مما حصل على عهد علي. وهو حاصل ~~بخلفاء بني أمية وبني العباس، أعظم مما هو حاصل بالاثني عشر، وهذا حاصل ~~بملوك الترك والهند، أكثر مما هو حاصل بالمنتظر الملقب صاحب الزمان، فإنه ~~ما من أمير يتولى ثم يقدر عدمه بلا نظير، إلا كان الفساد في عدمه أعظم من ~~الفساد في وجوده، لكن قد يكون الصلاح في غيره أكثر منه، كما قد قيل: " ستون ~~سنة مع (4) إمام جائر خير من ليلة واحدة بلا إمام. # وإن قيل: بل المطلوب وجود صلاح لا فساد معه. # قيل: فهذا لم يقع، ولم يخلق الله ذلك، ولا خلق أسبابا توجب ذلك لا محالة. ~~فمن أوجب ذلك، وأوجب ملزوماته على الله، كان إما مكابرا لعقله، وإما ذاما ~~لربه. وخلق ما يمكن معه وجود ذلك، لا يحصل به ذلك، إن لم يخلق ما يكون به ~~ذلك. PageV06P407 # ومثل هذا يقال في أفعال العباد، لكن القول في المعصوم أشد؛ لأن مصلحته ~~تتوقف على أسباب خارجة عن قدرته، بل عن قدرة الله عند هؤلاء الذين هم ~~معتزلة رافضة، فإيجاب ذلك على الله أفسد من إيجاب خلق مصلحة كل عبد ms1545 له. # الوجه الحادي عشر (1) : أن يقال: قوله: " لو لم يكن الإمام معصوما لافتقر ~~إلى إمام آخر ; لأن العلة المحوجة إلى الإمام هي جواز الخطأ على الأمة، فلو ~~جاز الخطأ عليه لاحتاج إلى إمام آخر ". # فيقال له: لم لا يجوز أن يكون إذا أخطأ الإمام كان في الأمة من ينبهه على ~~الخطأ، بحيث لا يحصل اتفاق المجموع على الخطأ، لكن إذا أخطأ بعض الأمة، ~~نبهه الإمام أو نائبه أو غيره، وإن أخطأ الإمام أو نائبه نبهه آخر كذلك، ~~وتكون العصمة ثابتة للمجموع، لا لكل واحد من الأفراد، كما يقوله أهل ~~الجماعة؟ # وهذا كما أن كل واحد من أهل خبر التواتر يجوز عليه الخطأ، وربما جاز عليه ~~تعمد الكذب (2) ، لكن المجموع لا يجوز عليهم ذلك في العادة. (* وكذلك ~~الناظرون إلى الهلال أو غيره من الأشياء الدقيقة، قد يجوز الغلط على الواحد ~~منهم، ولا يجوز على العدد الكثير *) (3) . وكذلك الناظرون في الحساب ~~والهندسة، ويجوز على الواحد منهم الغلط في مسألة أو مسألتين، فأما إذا كثر ~~أهل المعرفة بذلك امتنع في العادة غلطهم. PageV06P408 # ومن المعلوم أن ثبوت العصمة لقوم اتفقت كلمتهم، أقرب إلى العقل والوجود ~~من ثبوتها لواحد. فإن كانت العصمة لا تمكن للعدد الكثير، في حال اجتماعهم ~~على الشيء المعين، فأن لا تمكن للواحد أولى وإن أمكنت للواحد مفردا ; فلأن ~~تمكن له ولأمثاله مجتمعين بطريق الأولى والأحرى. # فعلم أن إثبات العصمة للمجموع أولى من إثباتها للواحد، وبهذه العصمة (1) ~~يحصل (2) المقصود المطلوب من عصمة الإمام، فلا تتعين عصمة الإمام. # ومن جهل الرافضة إنهم يوجبون عصمة واحد من المسلمين، ويجوزون على مجموع ~~المسلمين الخطأ إذا لم يكن فيهم واحد معصوم. والمعقول الصريح يشهد أن ~~العلماء الكثيرين، مع اختلاف اجتهاداتهم، إذا اتفقوا على قول كان أولى ~~بالصواب من واحد، وأنه إذا أمكن حصول العلم بخبر واحد، فحصوله بالأخبار ~~المتواترة أولى. # ومما يبين ذلك أن الإمام شريك الناس في المصالح العامة، إذ كان (3) هو ~~وحده لا يقدر أن يفعلها، إلا أن يشترك هو وهم فيها، فلا يمكنه ms1546 أن يقيم ~~الحدود، ويستوفي الحقوق، ولا يوفيها (4) ، ولا يجاهد عدوا إلا أن يعينوه، ~~بل لا يمكنه أن يصلي بهم جمعة ولا جماعة إن لم يصلوا معه، ولا يمكن أن ~~يفعلوا ما يأمرهم به إلا بقواهم وإرادتهم. فإذا كانوا مشاركين PageV06P409 # له في الفعل والقدرة، لا ينفرد عنهم بذلك، فكذلك (1) العلم والرأي لا يجب ~~أن [ينفرد به بل] يشاركهم فيه (2) ، فيعاونهم ويعاونونه، وكما أن قدرته ~~تعجز إلا بمعاونتهم (3) ، فكذلك علمه يعجز إلا بمعاونتهم. # الوجه الثاني عشر (4) : أن يقال: العلم الديني الذي يحتاج إليه الأئمة ~~والأمة نوعان: علم كلي، كإيجاب الصلوات الخمس، وصيام شهر رمضان، والزكاة، ~~والحج، وتحريم الزنا والسرقة والخمر ونحو ذلك. وعلم جزئي، كوجوب الزكاة على ~~هذا، ووجوب إقامة الحد على هذا، ونحو ذلك. # فأما الأول، فالشريعة مستقلة به، لا تحتاج فيه إلى الإمام. فإن (5) النبي ~~(6) إما أن يكون قد نص على كليات الشريعة التي لا بد منها، أو ترك منها (7) ~~ما يحتاج إلى القياس. فإن كان الأول ثبت المقصود. وإن كان الثاني فذلك ~~القدر يحصل بالقياس. # وإن قيل: بل ترك فيها ما لا يعلم بنصه ولا بالقياس، (8) بل بمجرد قول ~~المعصوم، كان هذا المعصوم شريكا في النبوة لم يكن نائبا (9) ; فإنه إذا ~~PageV06P410 # كان يوجب ويحرم من غير إسناد إلى نصوص النبي، كان مستقلا، لم يكن متبعا ~~له، وهذا لا يكون إلا نبيا، فأما من لا يكون إلا خليفة لنبي، فلا يستقل ~~دونه. # وأيضا فالقياس إن كان حجة جاز إحالة الناس عليه، وإن لم يكن حجة وجب أن ~~ينص النبي على الكليات. # وأيضا فقد قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت ~~لكم الإسلام دينا} [سورة المائدة: 3] . # وهذا نص في أن الدين كامل لا يحتاج معه إلى غيره. # والناس في هذا الأصل على ثلاثة أقوال: منهم من يقول: النصوص قد انتظمت ~~جميع (1) كليات الشريعة فلا حاجة إلى القياس، بل لا يجوز القياس. # ومنهم من يقول: بل كثير من الحوادث لا يتناولها النصوص، فالحاجة داعية ~~إلى القياس. ومن هؤلاء من ms1547 قد يدعي أن أكثر الحوادث كذلك، وهذا سرف منهم. # ومنهم من يقول: بل النصوص تناولت الحوادث بطرق جلية أو خفية، فمن الناس ~~من لا يفهم تلك الأدلة (2) ، أو لا يبلغه النص فيحتاج إلى القياس، وإن كانت ~~الحوادث قد تناولها النص. أو يقول: إن كل واحد من عموم النص القطعي والقياس ~~المعنوي حجة وطريق يسلك السالك PageV06P411 # [إليه] ما أمكنه (1) ، وهما متفقان لا يتناقضان إلا لفساد أحدهما. وهذا ~~القول أقرب من غيره. # وأما الجزئيات فهذه لا يمكن النص على أعيانها، بل لا بد فيها من الاجتهاد ~~المسمى بتحقيق المناط، كما أن الشارع لا يمكن أن ينص لكل مصل على جهة ~~القبلة في حقه، ولكل حاكم على عدالة كل شاهد، وأمثال ذلك. # وإذا كان كذلك، فإن ادعوا عصمة الإمام في الجزئيات، فهذه مكابرة، ولا ~~يدعيها أحد، فإن عليا - رضي الله عنه - كان يولي من تبين له خيانته وعجزه ~~وغير ذلك، وقد قطع رجلا بشهادة شاهدين، ثم قالا: أخطأنا. فقال: لو أعلم ~~أنكما تعمدتما لقطعت أيديكما. # وكذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم -، ففي الصحيحين عنه أنه قال: ~~«إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بنحو ~~ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من ~~النار» (2) . # وقد ادعى قوم من أهل الخير على ناس من أهل الشر، يقال لهم: PageV06P412 # بنو أبيرق، أنهم سرقوا لهم طعاما ودروعا، فجاء قوم فبرأوا أولئك ~~المتهمين، فظن النبي - صلى الله عليه وسلم - صدق أولئك المبرئين لهم، حتى ~~أنزل الله تعالى عليه (1) : {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس ~~بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما} * {واستغفر الله إن الله كان غفورا ~~رحيما} * {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا ~~أثيما} الآيات [سورة النساء: 105 - 107] (2) . # وبالجملة الأمور نوعان: كلية عامة، وجزئية خاصة. فأما الجزئيات الخاصة، ~~كالجزئي الذي يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه، مثل ميراث هذا الميت، وعدل ~~هذا الشاهد، ونفقة ms1548 هذه الزوجة، ووقوع الطلاق بهذا الزوج، وإقامة الحد على ~~هذا المفسد، وأمثال ذلك. # فهذا مما لا يمكن لا نبيا ولا إماما ولا أحدا من الخلق أن ينص على كل فرد ~~فرد منه؛ لأن أفعال بني آدم وأعيانهم يعجز عن معرفة أعيانها الجزئية علم ~~واحد من البشر وعبارته، لا يمكن بشر (3) أن يعلم ذلك كله بخطاب الله له، ~~وإنما الغاية الممكنة ذكر الأمور الكلية العامة. # كما قال - صلى الله عليه وسلم -: " «بعثت بجوامع الكلم» " (4) . فالإمام ~~لا PageV06P413 # يمكنه الأمر والنهي لجميع رعيته إلا بالقضايا الكلية العامة (1) . وكذلك ~~إذا ولى نائبا لا يمكنه أن يعهد إليه إلا بقواعد كلية عامة، ثم النظر في ~~دخول الأعيان تحت تلك الكليات، أو دخول نوع خاص تحت أعم منه، لا بد فيه من ~~نظر المتولي واجتهاده، وقد يصيب تارة ويخطئ أخرى. # فإن اشترط عصمة (* كل واحد اشترط (2) عصمة *) (3) النواب في تلك الأعيان، ~~وهذا (4) منتف (5) بالضرورة واتفاق العقلاء. وإن اكتفى (6) بالكليات، ~~فالنبي يمكنه أن ينص على الكليات، كما جاء به نبينا - صلى الله عليه وسلم ~~-، إذ ذكر ما يحرم من النساء وما يحل، فجميع أقارب الرجل من النساء حرام ~~عليه، إلا بنات عمه، وبنات عماته، وبنات خاله، وبنات خالاته، كما ذكر هؤلاء ~~الأربع في " سورة الأحزاب ". # وكذلك في الأشربة حرم كل مسكر (7) دون ما لا يسكر، وأمثال ذلك. # بل قد حصر المحرمات في قوله: {قل إنما حرم ربي الفواحش PageV06P414 # ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ~~ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} [سورة الأعراف: 33] . ~~فكل ما حرم تحريما مطلقا عاما لا يباح في حال فيباح في أخرى، كالدم والميتة ~~ولحم الخنزير. # وجميع الواجبات في قوله: {قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد ~~وادعوه مخلصين له الدين} [سورة الأعراف: 29] الآية، فالواجب كله محصور في ~~حق الله وحق عباده. # وحق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحقوق عباده العدل. ~~كما في الصحيحين عن معاذ ms1549 - رضي الله عنه - قال: «كنت رديف رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - فقال: " يا معاذ، أتدري ما حق الله على عباده؟ " قلت: ~~الله ورسوله أعلم. قال: " حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. ~~يا معاذ، أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ " قلت: الله ورسوله ~~أعلم. قال: " حقهم على الله أن لا يعذبهم» (1) . # ثم إنه سبحانه فصل أنواع الفواحش والبغي، وأنواع حقوق العباد، في مواضع ~~أخر (2) . ففصل المواريث، وبين من يستحق الإرث ممن لا يستحقه، وما يستحق ~~الوارث بالفرض والتعصيب. وبين ما يحل من المناكح وما يحرم، وغير ذلك. # فإن كان يقدر على نصوص كلية تتناول الأنواع، فالرسول أحق بهذا من الإمام. ~~وإن قيل: لا يمكن، فالإمام أعجز عن هذا من الرسول. PageV06P415 # والمحرمات (1) المعينة لا سبيل إلى النص عليها، لا لرسول الله ولا إمام، ~~بل لا بد فيها من الاجتهاد والمجتهد فيها يصيب تارة ويخطئ أخرى. # كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ~~وإن أخطأ فله أجر " (2) . # وكما قال لسعد (3) بن معاذ - وكان حكما في قضية معينة يؤمر فيها الحاكم ~~أن يختار الأصلح - فلما حكم بقتل المقاتلة وسبي الذرية من بني قريظة، قال ~~النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة ~~أرقعة» (4) . # وكما كان يقول لمن يرسله أميرا على سرية أو جيش: «إذا حاصرت أهل الحصن ~~فسألوك أن تنزلهم على حكم الله، فإنك لا تدري ما حكم الله فيهم، ولكن ~~أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك» (5) . والأحاديث الثلاثة ثابتة في الصحيح. # فتبين بذلك أنه لا مصلحة في عصمة الإمام إلا وهي حاصلة بعصمة الرسول، ~~ولله الحمد والمنة. والواقع يوافق هذا. وإنا رأينا كل من كان إلى اتباع ~~السنة والحديث واتباع الصحابة أقرب، كانت مصلحتهم في الدنيا والدين أكمل، ~~وكل من كان أبعد من ذلك كان بالعكس. # ولما كانت الشيعة أبعد الناس عن اتباع المعصوم، الذي لا ريب في ~~PageV06P416 # عصمته، وهو رسول الله - صلى الله عليه ms1550 وسلم -، الذي أرسله بالهدى ودين ~~الحق بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، الذي أخرج به ~~الناس من الظلمات إلى النور، وهداهم به إلى صراط العزيز الحميد، الذي فرق ~~بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والغي والرشاد، والنور والظلمة، وأهل ~~السعادة وأهل الشقاوة، وجعله القاسم الذي قسم به عباده إلى شقي وسعيد، فأهل ~~السعادة من آمن به، وأهل الشقاوة من كذب به وتولى عن طاعته. # فالشيعة القائلون بالإمام المعصوم ونحوهم، من أبعد الطوائف عن اتباع هذا ~~المعصوم، فلا جرم تجدهم من أبعد الناس عن مصلحة دينهم ودنياهم، حتى يوجد ~~ممن (1) هو تحت سياسة أظلم الملوك وأضلهم من هو أحسن حالا منهم، ولا يكونون ~~(2) في خير إلا تحت سياسة من ليس منهم. # ولهذا كانوا يشبهون اليهود في أحوال كثيرة منها هذا: أنه ضربت عليهم ~~الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس، وضربت عليهم المسكنة، ~~فلا يعيشون في الأرض إلا بأن يتمسكوا بحبل بعض ولاة الأمور، الذي ليس ~~بمعصوم. # ولا بد لهم من نسبة إلى الإسلام يظهرون بها خلاف ما في قلوبهم، فما جاء ~~به الكتاب والسنة يشهد له ما يرينا الله من الآيات في الآفاق وفي أنفسنا. ~~قال تعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} ~~[سورة فصلت: 53] . PageV06P417 # ومما أرانا أن رأينا (1) آثار (2) سبيل المتبعين لرسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - المعصوم، أصلح في دينهم ودنياهم من سبيل الإمام المعصوم ~~بزعمهم. وإن زعموا أنهم متبعون للرسول، فهم من أجهل الناس بأقواله وأفعاله ~~وأحواله. # وهذا الذي ذكرته كل من استقرأه في العالم وجده، وقد حدثني الثقات الذين ~~لهم خبرة بالبلاد الذين خبروا حال أهلها بما يبين ذلك. # ومثال ذلك أنه يوجد في الحجاز وسواحل الشام من الرافضة من ينتحلون ~~المعصوم. وقد رأينا حال من كان بسواحل الشام، مثل جبل كسروان وغيره، وبلغنا ~~أخبار غيرهم، فما رأينا في العالم طائفة أسوأ من حالهم في الدين والدنيا، ~~ورأينا الذين هم تحت سياسة الملوك على الإطلاق خيرا من ms1551 حالهم. # فمن كان تحت سياسة ملوك الكفار حالهم في الدين والدنيا أحسن من أحوال ~~ملاحدتهم، كالنصيرية والإسماعيلية ونحوهم من الغلاة الذين يدعون الإلهية ~~والنبوة في غير الرسول، أو يتخلون (3) عن هذا كله ويعتقدون دين الإسلام، ~~كالإمامية والزيدية. # فكل طائفة تحت سياسة ملوك السنة، ولو أن الملك كان أظلم الملوك في الدين ~~والدنيا، حاله خير من حالهم، فإن الأمر الذي يشترك PageV06P418 # فيه أهل السنة، ويمتازون به عن (* الرافضة، تقوم (1) به مصالح المدن ~~وأهلها على بعض الوجوه. وأما الأمر الذي يشترك فيه الرافضة ويمتازون به عن ~~*) (2) أهل السنة فلا تقوم به مصلحة مدينة واحدة ولا قرية، ولا تجد (3) أهل ~~مدينة ولا قرية يغلب عليهم الرفض، إلا ولا بد لهم من الاستعانة بغيرهم: إما ~~من أهل السنة، وإما من الكفار. # وإلا فالرافضة وحدهم لا يقوم أمرهم [قط] (4) ، كما أن اليهود (5) وحدهم ~~لا يقوم أمرهم قط، بخلاف أهل السنة، فإن مدائن كثيرة من أهل السنة يقومون ~~بدينهم ودنياهم، لا يحوجهم الله سبحانه وتعالى إلى كافر ولا رافضي. # والخلفاء الثلاثة فتحوا الأمصار، وأظهروا الدين في مشارق الأرض ومغاربها، ~~ولم يكن معهم رافضي. # بل بنو أمية بعدهم، مع انحراف كثير منهم عن علي وسب بعضهم له، غلبوا على ~~مدائن الإسلام كلها، من مشرق الأرض إلى مغربها، وكان الإسلام في زمنهم أعز ~~منه فيما بعد ذلك بكثير، ولم ينتظم بعد انقراض دولتهم العامة لما جاءتهم ~~الدولة العباسية، صار إلى الغرب عبد الرحمن بن هشام الداخل إلى المغرب، ~~الذي يسمى صقر قريش، واستولى هو - ومن بعده - على بلاد الغرب، وأظهروا ~~الإسلام فيها PageV06P419 # وأقاموه وقمعوا من يليهم من الكفار، وكانت لهم من السياسة في الدين ~~والدنيا ما هو معروف عند الناس. # وكانوا من أبعد الناس عن مذاهب أهل العراق، فضلا عن أقوال الشيعة (1) ، ~~وإنما كانوا على مذهب أهل المدينة، وكان أهل العراق على مذهب الأوزاعي وأهل ~~الشام، وكانوا يعظمون مذهب أهل الحديث، وينصره بعضهم في كثير من الأمور، ~~وهم من أبعد الناس عن مذهب الشيعة، وكان فيهم من الهاشميين ms1552 الحسينيين (2) ~~كثير، ومنهم من صار من ولاة الأمور على مذهب أهل السنة والجماعة. # ويقال: إن فيهم من كان يسكت عن علي، فلا يربع به (3) في الخلافة؛ لأن ~~الأمة لم تجتمع عليه، ولا يسبونه كما كان بعض الشيعة يسبه. # وقد صنف بعض علماء الغرب كتابا كبيرا في الفتوح فذكر فتوح النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - وفتوح الخلفاء بعده: أبي بكر وعمر وعثمان، ولم يذكر عليا ~~مع حبه له وموالاته له، لأنه لم يكن في زمنه فتوح. # وعلماء السنة كلهم: مالك وأصحابه، والأوزاعي وأصحابه، والشافعي وأصحابه، ~~وأحمد بن حنبل وأصحابه، وأبو حنيفة وأصحابه، وغير هؤلاء كلهم يحب الخلفاء ~~ويتولاهم ويعتقد إمامتهم، وينكر على من يذكر أحدا منهم بسوء، فلا يستجيزون ~~ذكر علي ولا عثمان ولا غيرهما بما يقوله الرافضة والخوارج. PageV06P420 # وكان صار إلى المغرب طوائف من الخوارج والروافض، كما كان هؤلاء في ~~المشرق، وفي بلاد كثيرة من بلاد الإسلام. ولكن قواعد هذه المدائن لا تستمر ~~على شيء من هذه المذاهب، بل إذا ظهر فيها شيء من هذه المذاهب مدة أقام الله ~~ما بعث به محمدا - صلى الله عليه وسلم - من الهدى ودين الحق الذي يظهر ~~[على] باطلهم (1) . # وبنو عبيد يتظاهرون بالتشيع، واستولوا من المغرب على ما استولوا عليه، ~~وبنوا المهدية. ثم جاءوا إلى مصر، واستولوا عليها مائتي سنة، واستولوا على ~~الحجاز والشام نحو مائة سنة، وملكوا بغداد في فتنة البساسيري (2) ، وانضم ~~إليهم الملاحدة في شرق الأرض وغربها، وأهل البدع والأهواء تحب ذلك منهم، ~~ومع هذا فكانوا محتاجين إلى أهل السنة، ومحتاجين إلى مصانعتهم والتقية لهم. # ولهذا رأس مال الرافضة التقية، وهي أن يظهر خلاف ما يبطن كما يفعل ~~المنافق. وقد كان المسلمون في أول الإسلام في غاية الضعف والقلة، وهم ~~يظهرون دينهم لا يكتمونه. # والرافضة يزعمون أنهم يعملون بهذه الآية: قوله تعالى: {لا يتخذ المؤمنون ~~الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن ~~تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه} [سورة آل عمران: 28] ويزعمون أنهم هم ms1553 ~~المؤمنون، وسائر أهل القبلة كفار، مع أن لهم في تكفير الجمهور قولين. لكن ~~قد رأيت غير واحد من أئمتهم يصرح في كتبه PageV06P421 # وفتاويه بكفر الجمهور، وأنهم مرتدون، ودارهم دار ردة، يحكم بنجاسة ~~مائعها، وأن من انتقل إلى قول الجمهور منهم ثم تاب لم تقبل توبته، لأن ~~المرتد الذي يولد على الفطرة لا يقبل [منه] (1) الرجوع إلى الإسلام. # وهذا في المرتد عن الإسلام قول لبعض السلف، وهو رواية عن الإمام أحمد. ~~قالوا: لأن المرتد من كان كافرا فأسلم، ثم رجع إلى الكفر، بخلاف من يولد ~~مسلما. # فجعل هؤلاء هذا في سائر الأمة، فهم عندهم كفار، فمن صار منهم إلى مذهبهم ~~كان مرتدا. # وهذه الآية حجة عليهم، فإن هذه الآية خوطب بها أولا من كان مع النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - من المؤمنين، فقيل لهم: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين ~~أولياء من دون المؤمنين} [سورة آل عمران: 28] . وهذه الآية مدنية باتفاق ~~العلماء فإن سورة آل عمران كلها مدنية، وكذلك البقرة والنساء والمائدة. # ومعلوم أن المؤمنين بالمدينة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ~~يكن أحد منهم يكتم إيمانه ولا يظهر للكفار أنه منهم، كما يفعله الرافضة مع ~~الجمهور. # وقد اتفق المفسرون على أنها نزلت بسبب أن بعض المسلمين أراد إظهار مودة ~~الكفار فنهوا عن ذلك. وهم لا يظهرون المودة للجمهور. وفي رواية الضحاك عن ~~ابن عباس أن عبادة بن الصامت كان له حلفاء من PageV06P422 # اليهود، فقال: يا رسول الله إن معي خمسمائة من اليهود، وقد رأيت أن ~~أستظهر بهم على العدو، فنزلت هذه الآية. # وفي رواية أبي صالح أن عبد الله بن أبي وأصحابه من المنافقين كانوا ~~يتولون اليهود ويأتونهم بالأخبار، يرجون لهم الظفر على النبي - صلى الله ~~عليه وسلم -، فنهى الله المؤمنين عن مثل فعلهم. # وروي عن ابن عباس أن قوما من اليهود كانوا يباطنون قوما من الأنصار، ~~ليفتنوهم عن دينهم، فنهاهم قوم من المسلمين عن ذلك، وقالوا: اجتنبوا هؤلاء. ~~فأبوا، فنزلت هذه الآية. # وعن مقاتل بن حيان ومقاتل بن سليمان ms1554 أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة ~~وغيره، كانوا يظهرون المودة لكفار مكة، فنهاهم الله عن ذلك. # والرافضة من أعظم الناس إظهارا لمودة أهل السنة، ولا يظهر أحدهم دينه، ~~حتى إنهم يحفظون من فضائل الصحابة، والقصائد التي في مدحهم، وهجاء الرافضة ~~ما يتوددون به إلى أهل السنة، ولا يظهر أحدهم دينه، كما كان المؤمنون ~~يظهرون دينهم للمشركين وأهل الكتاب. فعلم أنهم من أبعد الناس عن العمل بهذه ~~الآية. # وأما قوله تعالى: {إلا أن تتقوا منهم تقاة} [سورة آل عمران: 28] قال ~~مجاهد: إلا مصانعة (1) . # والتقاة ليست بأن أكذب (2) وأقول بلساني ما ليس في قلبي، فإن هذا نفاق، ~~ولكن أفعل ما أقدر عليه. PageV06P423 # كما في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من رأى منكم ~~منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف ~~الإيمان» (1) . # فالمؤمن إذا كان بين الكفار والفجار لم يكن عليه أن يجاهدهم بيده مع ~~عجزه، ولكن إن أمكنه بلسانه وإلا فبقلبه، مع أنه لا يكذب ويقول بلسانه ما ~~ليس في قلبه، إما أن يظهر دينه وإما أن يكتمه، وهو مع هذا لا يوافقهم على ~~دينهم كله، بل غايته (2) أن يكون كمؤمن [آل] (3) فرعون - وامرأة فرعون - ~~وهو لم يكن موافقا لهم على جميع دينهم، ولا كان يكذب، ولا يقول (4) بلسانه ~~ما ليس في قلبه، بل كان يكتم إيمانه. # وكتمان الدين شيء، وإظهار الدين الباطل شيء آخر. فهذا لم يبحه الله قط ~~إلا لمن أكره، بحيث أبيح له النطق بكلمة الكفر. والله تعالى قد فرق بين ~~المنافق والمكره. # والرافضة حالهم من جنس حال المنافقين، لا من جنس حال المكره الذي أكره ~~على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان، فإن هذا الإكراه لا يكون PageV06P424 # عاما من جمهور بني آدم، بل المسلم يكون أسيرا أو منفردا (1) في بلاد ~~الكفر، ولا أحد يكرهه على كلمة الكفر، ولا يقولها، ولا يقول بلسانه ما ليس ~~في قلبه، وقد يحتاج إلى أن يلين لناس من الكفار ليظنوه منهم، وهو مع هذا لا ms1555 ~~يقول بلسانه ما ليس في قلبه، بل يكتم ما في قلبه. # وفرق بين الكذب وبين الكتمان. فكتمان ما في النفس يستعمله المؤمن حيث ~~يعذره الله في الإظهار، كمؤمن آل فرعون. وأما الذي يتكلم بالكفر، فلا يعذره ~~إلا إذا أكره. والمنافق الكذاب لا يعذر بحال، ولكن في المعاريض مندوحة عن ~~الكذب. ثم ذلك المؤمن الذي يكتم إيمانه يكون بين الكفار الذين لا يعلمون ~~دينه، وهو مع هذا مؤمن عندهم يحبونه ويكرمونه ; لأن الإيمان الذي في قلبه ~~يوجب أن يعاملهم بالصدق والأمانة والنصح، وإرادة الخير بهم، وإن لم يكن ~~موافقا لهم على دينهم، كما كان يوسف الصديق يسير في أهل مصر وكانوا كفارا، ~~وكما كان مؤمن آل فرعون يكتم إيمانه، ومع هذا كان يعظم موسى ويقول: ~~{أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله} [سورة غافر: 2] . # وأما الرافضي فلا يعاشر أحدا إلا استعمل معه النفاق، فإن دينه الذي في ~~قلبه دين فاسد، يحمله على الكذب والخيانة، وغش الناس، وإرادة السوء بهم، ~~فهو لا يألوهم خبالا، ولا يترك شرا يقدر عليه إلا فعله بهم، وهو ممقوت عند ~~من لا يعرفه، وإن لم يعرف أنه رافضي تظهر على وجهه سيما النفاق وفي لحن ~~القول، ولهذا تجده ينافق ضعفاء الناس ومن لا حاجة به إليه، لما في قلبه من ~~النفاق الذي يضعف قلبه. PageV06P425 # والمؤمن معه عزة الإيمان (1) ، فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين. ثم هم ~~يدعون الإيمان دون الناس، والذلة فيهم أكثر منها في سائر الطوائف من ~~المسلمين. # وقد قال تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم ~~يقوم الأشهاد} [سورة غافر: 51] . وهم أبعد طوائف أهل الإسلام عن النصرة، ~~وأولاهم بالخذلان. فعلم أنهم أقرب (2) طوائف [أهل] (3) الإسلام إلى النفاق، ~~وأبعدهم عن الإيمان. # وآية ذلك أن المنافقين حقيقة، الذين ليس فيهم إيمان من الملاحدة، يميلون ~~إلى الرافضة، والرافضة تميل إليهم أكثر من سائر الطوائف. # وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ~~ائتلف، وما تناكر منها اختلف» (4) . وقال ابن مسعود - رضي الله عنه ms1556 -: ~~اعتبروا الناس بأخدانهم. # فعلم أن بين أرواح الرافضة وأرواح المنافقين اتفاقا (5) محضا: قدرا ~~مشتركا وتشابها، وهذا لما في الرافضة من النفاق، فإن النفاق شعب. # كما في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أربع ~~PageV06P426 # من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه شعبة من ~~النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم ~~فجر» (1) . وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «آية ~~المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» وفي رواية ~~لمسلم: «وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم» (2) . # والقرآن يشهد لهذا فإن الله وصف المنافقين في غير موضع بالكذب والغدر ~~والخيانة. وهذه الخصال لا توجد في طائفة أكثر منها في الرافضة، ولا أبعد ~~منها عن أهل السنة المحضة المتبعين للصحابة، فهؤلاء أولى الناس بشعب ~~الإيمان وأبعدهم عن شعب النفاق، والرافضة أولى الناس بشعب (3) النفاق ~~وأبعدهم عن شعب الإيمان، وسائر الطوائف قربهم إلى الإيمان وبعدهم عن (4) ~~النفاق بحسب سنتهم وبدعتهم. # وهذا كله مما يبين أن القوم أبعد الطوائف عن (5) اتباع المعصوم الذي لا ~~شك في عصمته، وهو خاتم المرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله. وما ~~يذكرونه من خلاف السنة في دعوى الإمام المعصوم وغير ذلك، فإنما هو في الأصل ~~من ابتداع منافق زنديق، كما قد ذكر ذلك أهل العلم. PageV06P427 # ذكر غير واحد منهم أن أول من ابتدع الرفض والقول بالنص على علي وعصمته ~~كان منافقا زنديقا، أراد فساد دين الإسلام، وأراد أن يصنع بالمسلمين ما صنع ~~بولص بالنصارى، لكن لم يتأت له ما تأتى لبولص، لضعف دين النصارى وعقلهم، ~~فإن المسيح - صلى الله عليه وسلم - رفع ولم يتبعه خلق كثير يعلمون دينه، ~~ويقومون به علما وعملا، فلما ابتدع بولص ما ابتدعه من لغو في المسيح، اتبعه ~~على ذلك طوائف وأحبوا الغلو في المسيح، ودخلت معهم ملوك، فقام أهل الحق ~~خالفوهم وأنكروا عليهم، فقتلت الملوك بعضهم، وداهن الملوك بعضهم، وبعضهم ~~اعتزلوا (1) في ms1557 الصوامع والديارات. # وهذه الأمة - ولله الحمد - لا يزال فيها طائفة ظاهرة على الحق، فلا يتمكن ~~ملحد ولا مبتدع من إفساده بغلو أو انتصار على أهل الحق (2) ، ولكن يضل من ~~يتبعه على ضلاله. # وأيضا فنواب المعصوم الذي يدعونه غير معصومين (3) في الجزئيات. وإذا كان ~~كذلك فيقال: إذا كانت العصمة في الجزئيات غير واقعة، وإنما الممكن العصمة ~~في الكليات، فالله تعالى قادر أن ينص على الكليات، بحيث لا يحتاج في ~~معرفتها إلى الإمام ولا غيره، وقادر أيضا أن يجعل نص النبي أكمل من نص ~~الإمام، وحينئذ فلا يحتاج إلى عصمة الإمام، لا في الكليات ولا في الجزئيات. ~~PageV06P428 # الوجه الثالث عشر (1) : أن يقال: العصمة الثابتة للإمام: أهي فعله ~~للطاعات باختياره وتركه للمعاصي باختياره، مع (2) أن الله تعالى عندكم لا ~~يخلق اختياره؟ أم هي خلق الإرادة له؟ أم (3) سلبه القدرة على المعصية. # فإن قلتم بالأول، وعندكم أن الله لا يخلق اختيار الفاعلين، لزمكم أن الله ~~لا يقدر على خلق معصوم. # وإن قلتم بالثاني، بطل أصلكم الذي ذهبتم إليه في القدرة. # وإن قلتم: سلب القدرة على المعصية، كان [المعصوم] عندكم (4) هو العاجز عن ~~الذنب. كما يعجز الأعمى عن نقط المصاحف، والمقعد عن المشي. # والعاجز عن الشيء لا ينهى عنه ولا يؤمر به، وإذا لم يؤمر وينه لم يستحق ~~ثوابا على الطاعة، فيكون المعصوم عندكم لا ثواب له على ترك معصية، بل (5) ~~ولا على فعل طاعة. وهذا غاية النقص. # وحينئذ فأي مسلم كان خيرا من هذا المعصوم، إذا أذنب ثم تاب؛ لأنه بالتوبة ~~محيت سيئاته، بل بدل بكل سيئة حسنة مع حسناته المتقدمة، فكان ثواب المكلفين ~~خيرا من المعصوم عند هؤلاء، وهذا يناقض قولهم غاية المناقضة. PageV06P429 ### | الرد على المقدمة الثانية من كلام الرافضي وهي قولهم إذا كان لا بد من معصوم فليس بمعصوم غير علي # وأما المقدمة الثانية (1) : فلو قدر أنه لا بد من معصوم، فقولهم ليس ~~بمعصوم غير علي اتفاقا ممنوع، بل كثير من الناس من عبادهم وصوفيتهم وجندهم ~~(2) وعامتهم يعتقدون في كثير من شيوخهم ms1558 من العصمة، من جنس ما تعتقده ~~الرافضة في الاثني عشر، وربما عبروا هو ذلك بقولهم: " الشيخ محفوظ ". # وإذا كانوا يعتقدون هذا في شيوخهم، مع اعتقادهم أن الصحابة أفضل منهم، ~~فاعتقادهم ذلك في الخلفاء من الصحابة أولى. # وكثير (3) من الناس فيهم من الغلو في شيوخهم من جنس ما في الشيعة من ~~الغلو في الأئمة. # وأيضا فالإسماعيلية يعتقدون عصمة أئمتهم، وهم غير الاثني عشر. # وأيضا فكثير من أتباع بني أمية - أو أكثرهم - كانوا يعتقدون أن الإمام لا ~~حساب عليه ولا عذاب، وأن الله لا يؤاخذهم على ما يطيعون فيه الإمام، بل تجب ~~عليهم طاعة الإمام في كل شيء، والله أمرهم بذلك. وكلامهم في ذلك معروف ~~كثير. # وقد أراد يزيد بن عبد الملك أن يسير بسيرة عمر بن عبد العزيز، فجاء إليه ~~جماعة من شيوخهم، فحلفوا له بالله الذي لا إله إلا هو، أنه إذا ولى الله ~~على الناس إماما تقبل الله منه (4) الحسنات وتجاوز عنه السيئات (5) . ~~PageV06P430 # ولهذا تجد في كلام كثير من كبارهم الأمر بطاعة ولي الأمر مطلقا، وأن من ~~أطاعه فقد أطاع الله. ولهذا كان يضرب بهم المثل، يقال: " طاعة شامية ". # وحينئذ فهؤلاء يقولون: إن إمامهم لا يأمرهم إلا بما أمرهم الله به، وليس ~~فيهم شيعة، بل كثير منهم يبغض عليا ويسبه. # ومن كان اعتقاده أن كل ما يأمر (1) الإمام به فإنه مما أمر الله به، وأنه ~~تجب طاعته، وأن الله يثيبه على ذلك، ويعاقبه على تركه - لم يحتج مع ذلك إلى ~~معصوم غير إمامه. # وحينئذ فالجواب من وجهين أحدهما: أن يقال: كل من هذه الطوائف إذا قيل ~~[لها] (2) : إنه لا بد لها (3) من إمام معصوم. تقول: يكفيني عصمة الإمام ~~الذي ائتممت به، لا أحتاج إلى عصمة الاثني عشر: لا عليا ولا غيره. ويقول ~~هذا: شيخي وقدوتي. وهذا يقول: إمامي الأموي والإسماعيلي. بل كثير من الناس ~~يعتقدون أن من يطيع الملوك لا ذنب له في ذلك، كائنا من كان، ويتأولون قوله: ~~{أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [سورة النساء: 5] . # فإن ms1559 قيل: هؤلاء لا يعتد بخلافهم (4) . # قيل: هؤلاء خير من الرافضة الإسماعيلية. PageV06P431 # وأيضا فإن أئمة هؤلاء وشيوخهم خير من معدوم (1) لا ينتفع به بحال. فهم ~~بكل حال خير من الرافضة. # وأيضا (2) فبطلت حجة الرافضة بقولهم: لم تدع العصمة إلا في علي وأهل ~~بيته. # فإن قيل: لم يكن في الصحابة من يدعي العصمة (* لأبي بكر وعمر وعثمان. # قيل: إن لم يكن فيهم من يدعي العصمة لعلي بطل قولكم. وإن كان فيهم من ~~يدعي العصمة *) (3) لعلي، لم يمتنع أن يكون فيهم من يدعي العصمة للثلاثة، ~~بل دعوى العصمة لهؤلاء أولى، فإنا نعلم يقينا أن جمهور الصحابة كانوا ~~يفضلون أبا بكر وعمر، بل على نفسه كان يفضلهما عليه. كما تواتر عنه وحينئذ ~~فدعواهم عصمة هذين أولى من دعوى عصمة علي. # فإن قيل: فهذا لم ينقل عنهم. # قيل لهم: ولا نقل عن واحد منهم القول بعصمة علي. ونحن لا نثبت [عصمة] (4) ~~لا هذا ولا هذا، لكن نقول: ما يمكن أحدا أن ينفي نقل أحد منهم بعصمة أحد ~~الثلاثة، مع دعواهم أنهم كانوا يقولون بعصمة علي. فهذا الفرق لا يمكن أحدا ~~أن يدعيه، ولا ينقله عن واحد منهم. وحينئذ فلا يعلم زمان ادعى فيه العصمة ~~لعلي أو لأحد (5) من الاثني عشر، PageV06P432 # ولم يكن من ذلك الزمان من يدعي عصمة غيرهم، فبطل أن يحتج بانتفاء عصمة ~~الثلاثة ووقوع النزاع في عصمة علي. # الوجه الرابع عشر (1) : أن يقال: إما أن يجب وجود المعصوم في كل زمان، أن ~~لا يجب فإن لم يجب؛ بطل قولهم. وإن وجب لم نسلم على هذا التقدير أن عليا ~~كان هو المعصوم دون الثلاثة. بل إذا كان هذا القول حقا، لزم أن يكون أبو ~~بكر وعمر وعثمان معصومين، فإن أهل السنة متفقون على تفضيل أبي بكر وعمر، ~~وأنهما أحق بالعصمة من علي، فإن كانت العصمة ممكنة، فهي إليهما أقرب. وإن ~~كانت ممتنعة، فهي عنه أبعد. # وليس أحد من أهل السنة يقول بجواز عصمة علي دون أبي بكر وعمر، وهم لا ~~يسلمون انتفاء العصمة عن ms1560 الثلاثة، إلا مع انتفائها عن علي. فأما انتفاؤها ~~عن الثلاثة دون علي، فهذا ليس قول أحد من أهل السنة. # وهذه كنبوة موسى وعيسى، فإن المسلمين لا يسلمون نبوة أحد من هذين إلا مع ~~نبوة محمد، وليس في المسلمين من يقر بنبوتهما منفردة عن نبوة محمد، بل ~~المسلمون متفقون على كفر من أقر بنبوة بعضهم دون بعض، وأن من كفر بنبوة ~~محمد وأقر بأحد هذين، فهو أعظم كفرا ممن أقر بمحمد وكفر بأحد هذين. # وإذا قيل: إن الإيمان (2) بمحمد مستلزم للإيمان بهما، وكذلك PageV06P433 # الإيمان بهما مستلزم للإيمان بمحمد. وهكذا نفي العصمة، وثبوت الإيمان ~~والتقوى، وولاية الله. فأهل السنة لا يقولون بإيمان علي وتقواه وولايته ~~لله، إلا مقرونا بإيمان الثلاثة وتقواهم وولايتهم لله. ولا ينفون العصمة ~~عنهم إلا مقرونا بنفيها عن علي. ومعنى ذلك أن الفرق باطل عندهم. # وإذا قال الرافضي لهم: الإيمان ثابت لعلي بالإجماع، والعصمة (1) منتفية ~~عن الثلاثة بالإجماع، كان كقول اليهودي: نبوة موسى ثابتة بالإجماع، أو قول ~~النصراني الإلهية منتفية عن محمد بالإجماع. والمسلم يقول: نفي الإلهية عن ~~محمد وموسى كنفيها (2) عن المسيح، فلا يمكن أن أنفيها عن موسى ومحمد وأسلم ~~ثبوتها للمسيح، وإذا قال النصراني: اتفقنا على أن هؤلاء ليسوا آلهة، ~~وتنازعنا في النصراني أن الله لا بد أن يظهر له في صورة البشر، ولم يدع ~~[ذلك] (3) إلا في المسيح، كان كتقرير الرافضي أنه لا بد من إمام معصوم، ولم ~~يدع ذلك إلا لعلي. # ونحن نعلم بالاضطرار (* أنه ليس لعيسى (4) مزية يستحق أن يكون بها إلها ~~دون موسى ومحمد، كما يعلم بالاضطرار *) (5) أن عليا لم [يكن له] مزية (6) ~~يستحق أن يكون بها معصوما دون أبي بكر وعمر، ومن أراد التفريق منعناه (7) ~~ذلك، وقلنا لا نسلم إلا التسوية في الثبوت أو الانتفاء. PageV06P434 # وإذا قال: أنتم تعتقدون انتفاء العصمة عن الثلاثة. # قلنا: نعتقد انتفاء العصمة عن علي، ونعتقد أن (1) انتفاءها عنه أولى من ~~انتفائها عن غيره (2) ، وأنهم أحق بها منه إن كانت ممكنة، فلا يمكن مع هذا ~~أن يحتج علينا ms1561 بقولنا. # وأيضا فنحن إنما نسلم انتفاء العصمة عن الثلاثة؛ لاعتقادنا أن الله لم ~~يخلق إماما معصوما. فإن قدر أن الله خلق إماما معصوما فلا يشك أنهم أحق ~~بالعصمة من كل من جاء بعدهم، ونفينا لعصمتهم لاعتقادنا هذا التقدير. # وهنا جواب ثالث عن أصل الحجة، وهو أن يقال: من أين علمتم أن عليا معصوم، ~~ومن سواه ليس بمعصوم. فإن قالوا بالإجماع على ثبوت عصمة علي وانتفاء عصمة ~~غيره (3) كما ذكروه من حجتهم. # قيل لهم: إن لم يكن الإجماع حجة بطلت هذه الحجة، وإن كان حجة في إثبات ~~عصمة علي التي هي الأصل أمكن أن يكون حجة في المقصود بعصمة من حفظ الشرع ~~ونقله ولكن هؤلاء يحتجون (4) بالإجماع، ويردون كون الإجماع حجة، فمن أين ~~علموا أن عليا هو المعصوم دون من سواه؟ # فإن ادعوا التواتر عندهم عن النبي في عصمته، كان القول في ذلك ~~PageV06P435 # كالقول في تواتر النص على إمامته، وحينئذ فلا يكون لهم مستند آخر. الجواب ~~الرابع (1) : أن يقال: الإجماع عندهم ليس بحجة، إلا أن يكون قول المعصوم ~~فيه، فإن لم يعرفوا ثبوت المعصوم إلا به لزم الدور، فإنه لا يعرف أنه معصوم ~~إلا بقوله، ولا يعرف أن قوله حجة إلا إذا عرف أنه معصوم، فلا يثبت واحد ~~منهما. # فعلم بطلان حجتهم على إثبات المعصوم. [وهذا يبين أن القوم ليس لهم مستند ~~علمي أصلا فيما يقولون، فإن الإجماع عندهم ليس بحجة، بل لا يجوز عندهم أن ~~تجتمع الأمة إلا إذا كان المعصوم فيهم، فإن قول المعصوم] (2) وحده هو ~~الحجة، فيحتاجون حينئذ إلى العلم بالشخص المستقل (3) ، حتى يعلم أن قوله ~~حجة. فإذا احتجوا بالإجماع لم تكن الحجة عندهم في الإجماع إلا قول المعصوم، ~~فيصير هذا مصادرة على المطلوب، ويكون حقيقة قولهم: فلان معصوم ; لأنه قال ~~إني معصوم. فإذا قيل لهم: بم عرفتم أنه معصوم، وأن من سواه ليسوا معصومين؟ # قالوا: بأنه قال أنا (4) معصوم، ومن سواي (5) ليس بمعصوم. وهذا مما يمكن ~~كل أحد أن يقوله، فلا يكون حجة. # وصار هذا كقول القائل ms1562: أنا صادق في كل ما أقوله، فإن لم يعلم صدقه بغير ~~قوله، لم يعلم صدقه فيما يقوله. PageV06P436 # وحجتهم هذه من جنس حجة إخوانهم الملاحدة والإسماعيلية، فإنهم يدعون إلى ~~(1) الإمام المعلم المعصوم، ويقولون: إن (2) طرق العلم من الأدلة السمعية ~~والعقلية لا يعرف صحتها إلا بتعليم المعلم المعصوم. # وكأنهم أخذوا هذا الأصل الفاسد عن إخوانهم الرافضة، فلما ادعت الرافضة ~~أنه لا بد من إمام معصوم في حفظ الشريعة وأقرت (3) بالنبوة، ادعت ~~الإسماعيلية ما هو أبلغ: فقالوا: لا بد في جميع العلوم السمعية والعقلية ~~(4) من المعصوم. # وإذا كان هؤلاء ملاحدة في الباطن، يقرون بالنبوات (5) في الظاهر ~~والشرائع، ويدعون (6) أن لها تأويلات باطنة تخالف ما يعرفه (7) الناس منها، ~~ويقولون بسقوط العبادات (8) وحل المحرمات للخواص الواصلين، فإن لهم طبقات ~~في الدعوة، ليس هذا موضعها. # وإنما المقصود أن كلتا (9) الطائفتين تدعي الحاجة إلى معصوم غير الرسول، ~~لكن الاثني عشرية يجعلون المعصوم أحد الاثني عشر، وتجعل الحاجة إليه في حفظ ~~الشريعة وتبليغها، وهؤلاء ملاحدة كفار. PageV06P437 # والإمامية في الجملة يعتقدون صحة الإسلام في الباطن، إلا من كان منهم ~~ملحدا، فإن كثيرا من شيوخ الشيعة هو في الباطن على غير اعتقادهم: إما ~~متفلسف ملحد، وإما غير ذلك. # ومن الناس من يقول: إن صاحب هذا الكتاب ليس هو (1) في الباطن على قولهم، ~~وإنما احتاج أن يتظاهر بهذا المذهب، لما له في ذلك من المصلحة الدنيوية. ~~وهذا يقوله (2) غير واحد ممن يحب صاحب هذا الكتاب ويعظمه. # والأشبه أنه وأمثاله (3) حائرون بين أقوال الفلاسفة وأقوال سلفهم ~~المتكلمين، ومباحثهم تدل في كتبهم على الحيرة والاضطراب. ولهذا صاحب هذا ~~الكتاب يعظم الملاحدة كالطوسي وابن سينا وأمثالهما، ويعظم شيوخ الإمامية. ~~ولهذا كثير من الإمامية تذمه وتسبه، وتقول: إنه ليس على طريق الإمامية. # وهكذا أهل كل دين: تجد فضلاءهم في الغالب، إما أن يدخلوا في دين الإسلام ~~الحق، وإما أن يصيروا ملاحدة، مثل كثير من علماء النصارى، هم في الباطن ~~زنادقة ملاحدة، وفيهم من هو في الباطن يميل إلى دين الإسلام، وذلك لما ظهر ~~لهم من ms1563 فساد دين النصارى. # فإذا قدر أن الحاجة إلى المعصوم ثابتة، فالكلام في تعينه. فإذا طولب ~~الإسماعيلي بتعيين معصومه، وما الدليل على أن هذا هو (4) PageV06P438 # المعصوم دون غيره، لم يأت بحجة أصلا، وتناقضت أقواله. # وكذلك الرافضي أخذ من القدرية كلامهم في وجوب رعاية الأصلح، وبنى عليه ~~(1) أنه لا بد من معصوم. وهي أقوال فاسدة، ولكن إذا طولب بتعيينه لم يكن له ~~حجة أصلا إلا مجرد (2) قول من لم تثبت (3) بعد عصمته: إني معصوم (4) . # فإن قيل: إذا ثبت بالعقل أنه لا بد من معصوم، فإذا قال علي: إني معصوم ~~لزم أن يكون هو المعصوم (5) ; لأنه لم يدع هذا غيره. قيل لهم: لو قدر ثبوت ~~معصوم في الوجود، لم يكن مجرد قول شخص: أنا معصوم، مقبولا، لإمكان كون (6) ~~غيره هو المعصوم، وإن لم نعلم نحن دعواه (7) ، وإن لم يظهر دعواه، بل يجوز ~~أن يسكت عن (8) دعوى العصمة وإظهارها على أصلهم، كما جاز للمنتظر أن يخفي ~~نفسه خوفا من الظلمة. # وعلى هذا التقدير فلا يمتنع أن يكون في الأرض معصوم غير الاثني عشر، وإن ~~لم يظهر ذلك ولم نعلمه، كما ادعوا مثل ذلك في المنتظر، فلم لم يبق معهم ~~دليل على التعيين: لا إجماع ولا دعوى. PageV06P439 # ومع هذا كله (1) بتقدير دعوى علي العصمة، فإنما يقبل هذا لو كان علي قال ~~ذلك، وحاشاه من ذلك. # وهذا جواب خامس (2) وهو أنه إذا لم تكن (3) الحجة على العصمة إلا قول ~~المعصوم: إني معصوم، فنحن راضون بقول علي في هذه المسألة، فلا يمكن أحد (4) ~~أن ينقل عنه بإسناد ثابت أنه قال ذلك، بل النقول المتواترة عنه تنفي ~~اعتقاده في نفسه العصمة. # وهذا جواب سادس، فإن إقراره لقضاته (5) على أن يحكموا بخلاف رأيه، دليل ~~على أنه لم يعد نفسه معصوما. # وقد ثبت بالإسناد الصحيح أن عليا قال: " اجتمع رأيي ورأي عمر في أمهات ~~الأولاد أن لا يبعن. وقد رأيت الآن أن يبعن ". فقال له عبيدة السلماني ~~قاضيه: " رأيك مع عمر [في الجماعة] (6) أحب إلينا من رأيك وحدك في الفرقة ms1564 ~~". # وكان شريح يحكم باجتهاده ولا يراجعه ولا يشاوره، وعلي يقره على ذلك. وكان ~~يقول: " اقضوا كما كنتم تقضون ". وكان يفتي ويحكم باجتهاده، ثم يرجع عن ذلك ~~باجتهاده، كأمثاله من الصحابة. وهذه أقواله المنقولة عنه بالأسانيد الصحاح ~~موجودة. PageV06P440 # ثم قد وجد من أقواله التي تخالف النصوص أكثر مما وجد من أقوال عمر ~~وعثمان. وقد جمع الشافعي من ذلك كتابا فيه خلاف علي وابن مسعود، لما كان ~~أهل العراق يناظرونه في المسألة، فيقولون: قال علي وابن مسعود ويحتجون ~~بقولهما. فجمع الشافعي كتابا ذكر فيه ما تركوه من قول علي وابن مسعود (1) ، ~~وجمع بعده (2) محمد بن نصر المروزي (3) كتابا أكبر من ذلك بكثير (4) ذكره ~~(5) في مسألة رفع اليدين في الصلاة، لما احتج عليه فيها بقول ابن مسعود (6) ~~. # وهذا كلام مع علماء يحتجون بالأدلة الشرعية من أهل الكوفة، كأصحاب أبي ~~حنيفة: محمد بن الحسن وأمثاله، فإن (7) أكثر مناظرة الشافعي كانت مع محمد ~~بن الحسن وأصحابه، لم يدرك أبا يوسف، ولا ناظره، ولا سمع منه، بل توفي أبو ~~يوسف قبل أن يدخل الشافعي العراق، توفي سنة ثلاث وثمانين (8) وقدم الشافعي ~~العراق سنة خمس وثمانين، ولهذا إنما يذكر في كتبه أقوال أبي يوسف عن محمد ~~بن الحسن عنه. PageV06P441 # وهؤلاء الرافضة في (1) احتجاجهم على أن عليا معصوم بكون غيرهم ينفي ~~العصمة عن غيره احتجاجا لقولهم (2) بقولهم، وإثبات الجهل بالجهل. # ومن توابع ذلك ما رأيته في كتب شيوخهم: أنهم إذا اختلفوا في مسألة على ~~قولين، وكان أحد القولين يعرف قائله، والآخر لا يعرف قائله، فالصواب عندهم ~~القول الذي لا يعرف قائله. قالوا (3) : لأن قائله إذا لم يعرف كان من أقوال ~~المعصوم فهل هذا إلا من أعظم الجهل ومن أين يعرف أن القول الآخر وإن لم ~~يعرف قائله إنما قاله المعصوم! # ولو قدر وجوده أيضا لم يعرف (4) أنه قاله، كما لم يعرف (5) أنه قاله ~~الآخر. ولم لا يجوز أن يكون المعصوم قد قال القول الذي يعرف وأن غيره قاله، ~~كما أنه يقول أقوالا كثيرة يوافق فيها غيره، وأن القول ms1565 الآخر قد قاله من لا ~~يدري ما يقول، بل قاله شيطان من شياطين الجن والإنس؟ فهم يجعلون عدم العلم ~~بالقول وصحته دليلا على صحته، كما قالوا هنا: عدم القول بعصمة غيره دليل ~~على عصمته، وكما (6) جعلوا عدم العلم بالقائل دليلا على أنه قول المعصوم. ~~وهذا (7) حال من أعرض عن نور السنة التي بعث الله بها رسوله ; فإنه يقع في ~~ظلمات البدع، ظلمات بعضها فوق بعض. PageV06P442 ### | فصل كلام الرافضي على الوجه الثاني من وجوه إمامة علي وهو وجوب النص على الإمام والرد عليه # فصل # قال الرافضي (1) : " الوجه (2) الثاني: أن الإمام يجب أن يكون منصوصا ~~عليه، لما بينا من بطلان الاختيار، وأنه ليس بعض المختارين (3) لبعض الأمة ~~أولى من البعض المختار الآخر (4) ، ولأدائه إلى التنازع (5) والتشاجر، ~~فيؤدي نصب الإمام إلى أعظم أنواع الفساد التي (6) لأجل إعدام الأقل منها ~~أوجبنا نصبه. وغير علي (7) من أئمتهم لم يكن منصوصا عليه بالإجماع، فتعين ~~أن يكون هو الإمام ". # والجواب عن هذا بمنع (8) المقدمتين أيضا، لكن النزاع هنا في الثانية أظهر ~~وأبين، فإنه قد ذهب طوائف كثيرة من السلف والخلف، من أهل الحديث والفقه ~~والكلام، إلى النص على أبي بكر. وذهبت طائفة من الرافضة إلى النص على ~~العباس. PageV06P443 # وحينئذ فقوله: " غير علي من أئمتهم لم يكن منصوصا عليه بالإجماع " كذب ~~متيقن، فإنه لا إجماع على نفي النص عن غير علي. وهذا الرافضي المصنف (1) ، ~~وإن كان من أفضل بني جنسه، ومن المبرزين على طائفته، فلا ريب أن الطائفة ~~كلها جهال. وإلا فمن له معرفة بمقالات الناس كيف يدعي مثل هذا الإجماع؟ ! # ونجيب هنا بجواب ثالث مركب (2) ، وهو أن نقول: لا يخلوا إما أن يعتبر ~~النص في الإمامة وإما أن لا يعتبر. فإن اعتبر منعنا المقدمة الثانية، إن ~~قلنا: إن النص ثابت لأبي بكر. وإن لم يعتبر بطلت [المقدمة] (3) الأولى. # وهنا جواب رابع: وهو أن نقول: الإجماع عندكم ليس بحجة، وإنما الحجة قول ~~المعصوم، فيعود الأمر إلى إثبات النص بقول الذي يدعى له العصمة. ولم يثبت ~~بعد لا نص ms1566 ولا عصمة، بل يكون قول القائل: " لم يعرف صحة قوله: أنا (4) ~~المعصوم، وأنا المنصوص على إمامتي " حجة، وهذا من أبلغ الجهل. وهذه الحجة ~~من جنس التي قبلها. # وجواب خامس: وهو أن يقال: ما تعني بقولك: " يجب أن يكون منصوصا عليه "؟ ~~(5) . لأنه لا بد من أن يقول: هذا هو الخليفة من بعدي، PageV06P444 # فاسمعوا له وأطيعوا، فيكون (1) الخليفة بمجرد هذا النص؟ أم لا يصير هذا ~~(2) إماما حتى تعقد (3) له الإمامة مع ذلك؟ . # فإن قلت بالأول. قيل: لا نسلم وجوب النص بهذا الاعتبار. والزيدية مع ~~الجماعة تنكر هذا النص، وهم من الشيعة الذين لا يتهمون على علي (4) . # وأما قوله: " إنه إذا لم يكن كذلك أدى (5) إلى التنازع والتشاجر ". # فيقال: النصوص التي تدل على استحقاقه الإمامة وتعلم دلالتها بالنظر ~~والاستدلال، يحصل بها المقصود في الأحكام، فليست كل الأحكام منصوصة نصا ~~جليا يستوي في فهمه العام والخاص (6) . فإذا كانت الأمور الكلية التي تجب ~~معرفتها في كل زمان يكتفى فيها بهذا النص، فلأن يكتفى بذلك في القضية ~~الجزئية، وهو تولية إمام معين، بطريق الأولى والأحرى. فإنا قد بينا أن ~~الكليات يمكن نص الأنبياء عليها، بخلاف الجزئيات. # وأيضا فيه إذا كانت الأدلة ظاهرة في أن بعض الجماعة أحق بها من غيره ~~استغنى بذلك عن (7) استخلافه. # والدلائل الدالة على أن أبا بكر كان أحقهم بالإمامة ظاهرة بينة، لم ~~PageV06P445 # ينازع فيها أحد من الصحابة، ومن نازع من الأنصار لم ينازع في أن (1) أبا ~~بكر أفضل المهاجرين، وإنما طلب أن يولى واحد من الأنصار مع واحد من ~~المهاجرين. # فإن قيل: إن كان لهم (2) هوى منعوا ذلك بدلالة النصوص. # قيل: وإذا كان لهم هوى عصوا تلك النصوص وأعرضوا عنها، كما ادعيتم أنتم ~~عليهم، فمع قصدهم القصد الحق يحصل المقصود بهذا وبهذا، ومع العناد لا ينفع ~~هذا ولا هذا. # وجواب سادس: أن يقال: النص على الأحكام على وجهين: نص كلي (3) عام يتناول ~~أعيانها، ونص على الجزئيات. # فإذا قلتم: لا بد من النص على الإمام. إن أردتم النص على (4) العام ~~الكلي: [على] (5) ما ms1567 يشترط للإمام، وما يجب عليه، وما يجب له، كالنص على ~~الحكام والمفتين والشهود وأئمة الصلاة والمؤذنين وأمراء الجهاد، وغير هؤلاء ~~ممن يتقلد شيئا من أمور المسلمين - فهذه النصوص (6) ثابتة - ولله الحمد - ~~كثيرة (7) ، كما هي ثابتة على سائر الأحكام. # وإن قلتم: لا بد من نص على أعيان من يتولى. PageV06P446 # قيل: قد تقدم أن النص على جزئيات الأحكام لا يجب، بل ولا يمكن. والإمامة ~~حكم من الأحكام، فإن النص على كل من يتولى على المسلمين ولاية ما إلى (1) ~~قيام الساعة غير ممكن ولا واقع. والنص على معين دون معين لا يحصل به النص ~~على كل معين، بل يكون نصا (2) على بعض المعينين. # وحينئذ فإذا قيل: يمكن النص على إمام، ويفوض إليه (3) النص على من ~~يستخلفه. # [قيل: ويمكن أن ينص على من يستخلفه] (4) الإمام، وعلى من يتخذه وزيرا، ~~والنص على ذلك أبلغ في المقصود. # وأيضا فالإمام المنصوص على عينه: أهو (5) معصوم فيمن يوليه أو ليس ~~بمعصوم؟ فإن كان معصوما لزم أن يكون نوابه كلهم معصومين. وهذا كله (6) باطل ~~بالضرورة. وإن لم يكن كذلك أمكن أن يستخلف (7) غير معصوم، فلا يحصل المقصود ~~في سائر الأزمنة بوجود المعصوم. # فإن قيل: هو معصوم فيمن يستخلفه بعده، دون من يستخلفه في حياته. ~~PageV06P447 # قيل: الحاجة داعية (1) إلى العصمة في كليهما (2) ، وعلمه بالحاضر أعظم من ~~علمه بالمستقبل، فكيف يكون معصوما فيما يأتي، وليس معصوما في الحاضر؟ # فإن قيل: فالنص ممكن، فلو نص النبي - صلى الله عليه وسلم - على خليفة. ~~قيل: فنصه على خليفة بعده كتولية واحد في حياته، ونحن لا نشترط العصمة لا ~~(3) في هذا ولا في هذا. # وجواب سابع: وهو أن يقال: أنتم أوجبتم النص، لئلا يفضي إلى التشاجر، ~~المفضي إلى أعظم أنواع الفساد التي (4) لأجل إعدام الأقل منها أوجبتم نصبه. # فيقال: الأمر بالعكس، فإن أبا بكر - رضي الله عنه - تولى بدون هذا ~~الفساد. وعمر وعثمان توليا بدون هذا الفساد. (* فإنما عظم هذا الفساد في ~~الإمام الذي ادعيتم أنه منصوص عليه دون غيره، فوقع في ولايته من أنواع ms1568 ~~التشاجر والفساد *) (5) [التي] لأجل (6) إعدام الأقل منها أوجبتم نصبه، ~~فكان ما جعلتموه وسيلة إنما حصل معه نقيض المقصود، [وحصل المقصود] (7) بدون ~~وسيلتكم، فبطل كون ما ذكرتموه وسيلة إلى المقصود. PageV06P448 # وهذا لأنهم أوجبوا على الله ما لا يجب عليه، وأخبروا بما لم يكن، فلزم من ~~كذبهم وجهلهم هذا التناقض. # وجواب ثامن: وهو أن يقال: النص (1) الذي يزيل هذا (2) الفساد يكون على ~~وجوه: أحدها: أن يخبر النبي [- صلى الله عليه وسلم -] (3) بولاية الشخص ~~ويثني عليه في ولايته، فحينئذ تعلم الأمة أن هذا إن (4) تولى كان محمودا ~~مرضيا، فيرتفع النزاع، وإن لم يقل: ولوه. # وهذا النص وقع لأبي بكر وعمر. # الثاني: أن يخبر بأمور تستلزم صلاح الولاة، وهذه النصوص وقعت في خلافة ~~أبي بكر وعمر. # الثالث: أن (5) يأمر من يأتيه أن يأتي بعد موته شخصا يقوم مقامه، فيدل ~~على أنه خليفة من بعده. وهذا وقع لأبي بكر (6) . # الرابع: أن يريد كتابة كتاب، ثم يقول: إن الله والمؤمنين لا يولون إلا ~~فلانا، وهذا وقع لأبي بكر. # الخامس: أن يأمر بالاقتداء بعده بشخص، فيكون هو الخليفة بعده. # السادس: أن يأمر باتباع سنة خلفائه الراشدين المهديين، ويجعل PageV06P449 # خلافتهم إلى مدة معينة، فيدل على أن المتولين في تلك المدة هم الخلفاء ~~الراشدون. # السابع: أن يخص بعض الأشخاص بأمر يقتضي أنه هو المقدم عنده في الاستخلاف، ~~وهذا موجود لأبي بكر. # وهنا جواب تاسع (1) : وهو أن يقال: ترك النص على معين أولى بالرسول، فإنه ~~إن كان (2) النص ليكون معصوما، فلا معصوم (3) بعد الرسول. وإن كان بدون ~~العصمة (4) فقد يحتج بالنص على وجوب اتباعه في كل ما يقول، ولا يمكن أحد ~~(5) بعد موت الرسول أن يراجع الرسول في أمره ليرده أو يعزله (6) ، فكان أن ~~لا ينص (7) على معين أولى من النص. وهذا بخلاف من يوليه في حياته، فإنه إذا ~~(8) أخطأ أو أذنب أمكن الرسول بيان خطئه ورد ذنبه، وبعد موته لا يمكنه ذلك ~~ولا يمكن الأمة عزله لتولية (9) الرسول إياه، فكان (10) عدم النص على معين ~~- مع علم المسلمين بدينهم - أصلح ms1569 للأمة، وكذلك وقع. # وأيضا لو نص على معين ليؤخذ الدين منه (11) ، كما تقوله الرافضة، ~~PageV06P450 # بطلت حجة الله، فإن ذلك لا يقوم به شخص واحد غير الرسول، إذ لا معصوم إلا ~~هو. # ومن تدبر هذه الأمور وغيرها علم أن ما اختاره الله لمحمد [- صلى الله ~~عليه وسلم -] (1) وأمته أكمل الأمور. # وجواب عاشر: وهو أن النص على الجزئيات لا يمكن، والكليات قد نص [عليها] ~~(2) . فلو نص على معين وأمر بطاعته في تعيين الكليات كان هذا باطلا، وإن ~~أمر بطاعته في الجزئيات، سواء وافقت الكليات أو خالفتها، كان هذا باطلا، ~~وإن أمر بطاعته في الجزئيات إذا طابقت الكليات، فهذا حكم كل متول. # وأيضا فلو نص على معين لكان من يتولى بعده، إذا لم يكن منصوصا عليه، يظن ~~الظان أنه لا تجوز طاعته، إذ طاعة الأول إنما وجبت بالنص، ولا نص معه. # وإن قيل: كل واحد ينص على الآخر، فهذا إنما يكون إذا كان الثاني معصوما. # والعصمة منتفية عن غير الرسول، وهذا مما يبين أن القول بالنص فرع على ~~القول بالعصمة، وذلك من أفسد الأقوال. # فكذلك هذا، أعني النص الذي تدعيه الرافضة (3) ، وهو الأمر بطاعة المتولي ~~في كل ما يقوله، من غير رد ما يقوله إلى الكتاب والسنة إذا نوزع. ~~PageV06P451 # وأما إذا كان يرد ما تنوزع فيه إلى الكتاب والسنة (1) لم يحتج حينئذ إلى ~~نص عليه لحفظ الدين، فإن الدين (2) محفوظ بدونه. # وبالجملة فالنص على معين: إن أريد به أنه يطاع كما يطاع الرسول في كل ما ~~يأمر به (3) وينهى عنه ويبيحه، وليس (4) لأحد أن (* ينازعه في شيء، كما ليس ~~[له] (5) أن *) (6) ينازع الرسول، وأنه يستبد بالأحكام، والأمة معه كما ~~كانت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا (7) لا يكون لأحد بعد الرسول، ~~ولا يمكن هذا لغيره، فإن أحدا بعده لا يأتيه الوحي كما كان يأتيه، ولم يعرف ~~أحد كل ما عرفه الرسول، فلم يبق سبيل إلى مماثلته: لا من جهته، ولا من جهة ~~الرب تعالى. # وإن أريد بالنص أنه يبين للأمة أن هذا ms1570 أحق بأن يتولى عليكم من غيره، ~~وولاية هذا أحب إلى الله ورسوله، وأصلح لكم في دينكم ودنياكم، ونحو هذا مما ~~يبين أنه أحق بالتقدم في خلافة النبوة - فلا ريب أن النصوص الكثيرة بهذه ~~المعاني دلت على خلافة أبي بكر. # وإن أريد أنه أمرهم أن يتابعوه، كما أمرهم أبو بكر أن يتابعوا عمر، ويعهد ~~إليهم في ذلك - فهذا إذا علم أن الأمة (8) تفعله، كان تركه خيرا ~~PageV06P452 # من فعله. وإن خاف أن لا تفعله إلا بأمره، كان الأمر أولى به. # ولهذا لما خشي عليهم أبو بكر - رضي الله عنه - أن يختلفوا بعده، عهد إلى ~~عمر، ولما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم يبايعون أبا بكر لم ~~يأمرهم بذلك (1) . # كما في الصحيحين أنه قال لعائشة: «ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر ~~كتابا لا يختلف عليه الناس من بعدي " ثم [قال] (2) : " يأبى الله والمؤمنون ~~إلا أبا بكر» (3) . # فعلم أن الله لا يولي إلا أبا بكر والمؤمنون لا يبايعون إلا أبا بكر (4) ~~. وكذلك سائر الأحاديث الصحيحة تدل على أنه علم ذلك، وإنما كان ترك الأمر ~~مع علمه أفضل، كما فعل [النبي] (5) - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الأمة إذا ~~ولته طوعا منها بغير التزام - وكان هو الذي يرضاه الله ورسوله - كان أفضل ~~للأمة، ودل على علمها ودينها. # فإنها لو ألزمت بذلك، لربما قيل: إنها أكرهت على الحق، وهي لا تختاره، ~~كما كان يجري [مثل] (6) ذلك لبني إسرائيل، ويظن الظان أنه كان في الأمة ~~بقايا جاهلية من التقدم بالأنساب، فإنهم كانوا يريدون أن لا يتولى إلا من ~~هو من بني عبد مناف، كما كان أبو سفيان وغيره PageV06P453 # يختارون ذلك. فلو ألزم المهاجرين (1) والأنصار بهذا، لظن الظان أنهم ~~كانوا من جنس أبي سفيان وأمثاله، وكانوا يعرفون اختصاص الصديق بالنبي - صلى ~~الله عليه وسلم - أولا وآخرا، وموافقته له باطنا وظاهرا. # فقد يقول القائل: إنهم كانوا في الباطن كارهين (2) لمن يأمرهم بمثل ما ~~أمرهم به الرسول، لكن لما ألزمهم بذلك احتاجوا إلى التزامه، لو لم يقدح ~~فيهم ms1571 بذلك لم يمدحوا إلا بمجرد الطاعة للأمر، فإذا كانوا برضاهم واختيارهم ~~اختاروا ما يرضاه (3) الله ورسوله من غير إلزام، كان ذلك أعظم لقدرهم، ~~وأعلى لدرجتهم، وأعظم في مثوبتهم (4) ، وكان ما اختاره الله ورسوله ~~للمؤمنين به هو أفضل الأمور له ولهم. # ألا ترى أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر زيد بن حارثة، وبعده أسامة [بن ~~زيد] (5) ، وطعن بعض الناس في إمارتهما (6) ، واحتاجوا مع ذلك إلى لزوم ~~طاعتهما. فلو ألزمهم بواحد لكان [يظن] بهم (7) أن مثل هذا كان [في] (8) ~~نفوسهم، وأنه ليس الصديق (9) عندهم بالمنزلة التي لا يتكلم فيها أحد. # فلما اتفقوا على بيعته، ولم يقل قط أحد (10) : إني أحق بهذا الأمر منه، ~~PageV06P454 # لا قرشي ولا أنصاري، فإن من نازع أولا من الأنصار لم تكن منازعته للصديق، ~~بل طلبوا أن يكون منهم أمير ومن قريش أمير. # وهذه منازعة عامة لقريش، فلما تبين لهم أن هذا الأمر في قريش قطعوا ~~المنازعة، وقال لهم الصديق: " رضيت لكم أحد هذين الرجلين: عمر بن الخطاب أو ~~أبا عبيدة بن الجراح (1) " قال عمر: فكنت والله أن أقدم فتضرب عنقي، لا ~~يقربني ذلك (2) إلى إثم، أحب إلي من أن أتأمر (3) على قوم فيهم أبو بكر " ~~وقال له بمحضر الباقين: " أنت خيرنا وأفضلنا وأحبنا إلى رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - " وقد ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة (4) . # ثم بايعوا أبا بكر من غير طلب منه ولا رغبة بذلت لهم (5) ولا رهبة، ~~فبايعه الذين بايعوا الرسول تحت الشجرة، والذين بايعوه ليلة العقبة، والذين ~~بايعوه لما كانوا يهاجرون إليه، والذين بايعوه لما كانوا يسلمون من غير ~~هجرة، كالطلقاء وغيرهم. # ولم يقل أحد قط: إني أحق بهذا من أبي بكر، ولا قاله أحد في أحد بعينه: إن ~~فلانا أحق بهذا الأمر من أبي بكر. # وإنما قال من فيه أثر جاهلية عربية أو فارسية: إن بيت الرسول أحق ~~PageV06P455 # بالولاية. لكون (1) العرب [كانت] في جاهليتها (2) تقدم أهل بيت الرؤساء، ~~وكذلك الفرس يقدمون أهل بيت الملك. # فنقل عمن نقل عنه كلام يشير به إلى هذا ms1572، كما نقل عن أبي سفيان (3) . ~~وصاحب هذا الرأي لم يكن (4) له غرض في علي ; بل كان العباس عنده بحكم رأيه ~~أولى من علي، وإن قدر أنه رجح عليا، فلعلمه (5) بأن الإسلام يقدم الإيمان ~~والتقوى على النسب، فأراد أن يجمع بين حكم الجاهلية والإسلام. # فأما الذين كانوا لا يحكمون إلا بحكم الإسلام المحض، وهو التقديم ~~بالإيمان والتقوى، فلم يختلف منهم اثنان في أبي بكر، ولا خالف أحد من هؤلاء ~~(6) ولا من هؤلاء في أنه ليس في القوم أعظم إيمانا وتقوى (7) من أبي بكر، ~~فقدموه مختارين له مطيعين، فدل ذلك (8) على كمال إيمانهم وتقواهم، واتباعهم ~~لما بعث الله به نبيهم من تقديم الأتقى فالأتقى، وكان ما اختاره الله ~~لنبيهم (9) - صلى الله عليه وسلم - ولهم أفضل لهم، والحمد لله على أن هدى ~~هذه الأمة، وعلى أن جعلنا من أتباعهم. PageV06P456 ### | فصل كلام الرافضي على الوجه الثالث من وجوه إمامة علي رضي الله عنه يجب أن يكون حافظا للشرع # فصل # قال الرافضي (1) : " الثالث: أن الإمام يجب أن يكون حافظا للشرع؛ لانقطاع ~~الوحي بموت النبي - صلى الله عليه وسلم - وقصور الكتاب والسنة عن تفاصيل ~~الأحكام الجزئية (2) الواقعة إلى يوم القيامة، فلا بد من إمام منصوب (3) من ~~الله تعالى، معصوم من الزلل والخطأ (4) ، لئلا يترك بعض الأحكام، أو يزيد ~~فيها عمدا أو سهوا. وغير علي (5) لم يكن كذلك بالإجماع ". # والجواب من وجوه: أحدها: أنا لا نسلم أنه يجب أن يكون حافظا للشرع، بل ~~يجب أن تكون الأمة حافظة للشرع. وحفظ الشرع يحصل بمجموع الأمة كما يحصل ~~بالواحد، بل الشرع إذا نقله أهل التواتر كان خيرا من أن ينقله واحد منهم. ~~وإذا كان كل طائفة تقوم بهم (6) الحجة تنقل بعصمة (7) ، حصل المقصود. وعصمة ~~أهل التواتر حصل في نقلهم أعظم عند بني آدم كلهم من عصمة من (8) ليس بنبي، ~~فإن أبا بكر وعمر وعثمان PageV06P457 # وعليا - ولو قيل إنهم معصومون - فما نقله المهاجرون والأنصار أبلغ مما ~~نقله هؤلاء. # وأيضا فإن كان (1) أكثر الناس يطعنون في عصمة الناقل لم يحصل المقصود ms1573، ~~فكيف إذا كان كثير من الأمة يكفره؟ . # والتواتر يحصل بأخبار المخبرين الكثيرين وإن لم تعلم عدالتهم. # الوجه الثاني: أن يقال: أتريد به من يكون (2) حافظا للشرع وإن لم يكن ~~معصوما؟ أو من يكون معصوما؟ فإن اشترطت (3) العصمة فهذا هو الوجه الأول، ~~وقد كررته، وتقدم الجواب عليه (4) . وإن اشترطت (5) مجرد الحفظ، فلا نسلم ~~أن عليا كان أحفظ للكتاب والسنة، وأعلم بهما من أبي بكر وعمر، بل هما كانا ~~أعلم بالكتاب والسنة منه، فبطل ما ادعاه من الإجماع. # الوجه الثالث: أن يقال: أتعني (6) بكونه حافظا للشرع معصوما أنه (7) لا ~~يعلم صحة شيء من الشرع إلا بنقله؟ أم يمكن أن يعلم صحة شيء من الشرع بدون ~~نقله؟ . # إن (8) قلت بالثاني (9) لم يحتج لا إلى حفظه ولا إلى عصمته (10) ، فإنه ~~PageV06P458 # إذا (1) أمكن حفظ شيء من الشرع بدونه، أمكن حفظ الآخر، حتى يحفظ الشرع ~~كله من غير حاجة إليه. # وإن (2) قلت: بل معناه أنه لا يمكن معرفة شيء من الشرع إلا بحفظه. # فيقال: حينئذ لا تقوم حجة (3) على أهل الأرض إلا بنقله، ولا يعلم صحة ~~نقله حتى يعلم أنه معصوم، ولا يعلم أنه معصوم إلا بالإجماع على نفي عصمة من ~~سواه، فإن كان الإجماع معصوما أمكن حفظ الشرع به، وإن لم يكن معصوما لم ~~تعلم عصمته. # الوجه الرابع: أن يقال: فبماذا تثبت نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ~~عند من يقر بنبوته؟ # فإن قيل: بما نقله الإمام من معجزاته. # قيل: من لم يقر بنبوة محمد لم يقر بإمامة علي - رضي الله عنه - بطريق ~~الأولى، بل يقدح في هذا وهذا. # وإن قيل: بما تنقله الأمة نقلا متواترا من معجزاته، كالقرآن وغيره. # قيل: فإذا كان نقل الأمة المتواتر حجة يثبت بها أصل نبوته، فكيف لا يكون ~~حجة يثبت بها (4) فروع شريعته؟ # الوجه الخامس: أن الإمام: هل يمكنه تبليغ الشرع إلى من ينقله عنه ~~بالتواتر؟ [أم] (5) لا يزال منقولا نقل الآحاد من إمام إلى إمام؟ ~~PageV06P459 # فإن كان الإمام يمكنه ذلك، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يمكنه ذلك ~~بطريق ms1574 الأولى، وحينئذ فلا حاجة إلى نقل الإمام. # وإن قيل: لا يمكنه ذلك. # لزم أن يكون دين الإسلام لا ينقله إلا واحد بعد واحد، والنقلة لا يكونون ~~إلا من أقارب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الذين يمكن القادح في ~~نبوته أن يقول إنهم [يقولون] عليه ما يشاؤون (1) ، ويصير (2) دين المسلمين ~~شرا من دين النصارى واليهود، الذين يدعون أن أئمتهم يختصون بعلمه ونقله. # الوجه السادس (3) : أن ما ذكروه ينقص من قدر النبوة، فإنه إذا كان الذي ~~يدعى العصمة فيه وحفظ من عصبته (4) ، كان ذلك من أعظم التهم التي توجب ~~القدح في نبوته. ويقال: إن كان طالب ملك أقامه لأقاربه (5) ، وعهد إليهم ما ~~يحفظون به الملك، وأن لا يعرف ذلك غيرهم، فإن هذا بأمر الملك أشبه منه بأمر ~~الأنبياء. # الوجه السابع: أن يقال: الحاجة ثابتة إلى معصوم في حفظ الشرع ونقله، ~~[وحينئذ] (6) فلماذا لا يجوز أن يكون الصحابة الذين حفظوا القرآن والحديث ~~وبلغوه هم المعصومين (7) الذين حصل بهم مقصود حفظ PageV06P460 # الشرع وتبليغه. ومعلوم أن العصمة إذا حصلت في الحفظ والتبليغ من النقلة ~~حصل المقصود، وإن لم يكونوا هم الأئمة. # الوجه الثامن: أن يقال: لماذا لا يجوز أن تكون العصمة في الحفظ والبلاغ ~~ثابتة لكل طائفة بحسب ما حملته من الشرع. فالقراء معصومون في حفظ القرآن ~~وتبليغه، والمحدثون معصومون في حفظ الحديث وتبليغه، والفقهاء معصومون في ~~فهم الكلام والاستدلال على (1) الأحكام. # وهذا هو الواقع المعلوم الذي أغنى الله به (2) عن واحد معدوم. # الوجه التاسع: أنه إذا كان لا يحفظ الشرع ويبلغه (3) إلا واحد بعد واحد ~~معصوم عن معصوم، وهذا المنتظر له أكثر من أربعمائة وستين سنة لم يأخذ عنه ~~أحد شيئا من الشرع، فمن أين علمتم القرآن من أكثر من أربعمائة سنة؟ ولم لا ~~[يجوز أن] يكون (4) هذا القرآن الذي تقرؤونه ليس فيه شيء من كلام [الله] ~~(5) ؟ . # وكذلك من أين لكم العلم بشيء من أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~وأحكامه، وأنتم لم تسمعوا شيئا من ذلك من معصوم؛ لأن المعصوم إما مفقود ms1575 ~~وإما (6) معدوم. PageV06P461 # فإن قالوا: تواتر ذلك عند أصحابنا بنقلهم (1) عن الأئمة المعصومين. # قيل: فإذا كان تواتر (2) أصحابكم عن الأئمة يوجب حفظ الشرع ونقله، فلماذا ~~لا يجوز أن يكون تواتر الأمة كلها عن نبيها أولى بحفظ الشرع ونقله، من غير ~~احتياج إلى نقل واحد عن واحد (3) ؟ . # وهم يقولون: إن ما بأيديهم [من العلم الموروث] (4) عمن قبل المنتظر ~~يغنيهم عن أخذ شيء من المنتظر، فلماذا لا يكون ما بأيدي الأمة عن نبيها ~~يغنيها عن أخذ شيء عمن بعده؟ وإذا كانوا يدعون أن ما ينقلونه عن واحد من ~~الاثني عشر ثابت (5) ، فلماذا لا يكون ما تنقله الأمة عن نبيها ثابتا؟ . # ومن المعلوم أن مجموع الأمة أضعاف أضعاف الرافضة بكثير، وأنهم أحرص على ~~[حفظ] (6) دين نبيهم وتبليغه (7) ، أقدر (8) على ذلك من الرافضة: على حفظ ~~ما يقوله هؤلاء ونقله. وهذا مما لا يخفى على من له أدنى معرفة بالأمور. # الوجه العاشر: أن يقال: قولك: " لانقطاع الوحي وقصور النصوص عن تفاصيل ~~الأحكام " أتريد به قصورها عن بيان جزئي بعينه؟ أو قصورها عن البيان الكلي ~~المتناول للجزئيات؟ PageV06P462 # فإن ادعيت الأول، قيل لك: وكلام الإمام وكل أحد (1) بهذه المنزلة، فإن ~~الأمير إذا خاطب الناس (2) فلا بد أن يخاطبهم بكلام عام يعم الأعيان ~~والأفعال وغير ذلك، فإنه من الممتنع أن يعين بخطابه كل فعل من [كل] (3) ~~فاعل في كل وقت، فإن هذا غير ممكن، فإذا لا يمكنه إلا الخطاب العام الكلي، ~~والخطاب العام الكلي ممكن من الرسول. # وإن ادعيت أن نفس نصوص الرسول ليست عامة كلية. # قيل لك: هذا ممنوع وبتقدير أن يمنع هذا في نصوص الرسول الذي هو أكمل من ~~الإمام، فمنع ذلك من نصوص الإمام أولى وأحرى، فأنت مضطر في خطاب الإمام إلى ~~أحد أمرين: إما ثبوت عموم الألفاظ، وإما ثبوت عموم المعاني بالاعتبار. ~~وأيهما كان أمكن إثباته في خطاب الرسول، فلا يحتاج في بيانه (4) الأحكام ~~إلى الإمام. # الوجه الحادي عشر: أن يقال: وقد (5) قال تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا ~~بلسان قومه ليبين لهم} [سورة إبراهيم ms1576: 4] وقال تعالى: {لئلا يكون للناس على ~~الله حجة بعد الرسل} [سورة النساء: 165] وقال تعالى: {وما على الرسول إلا ~~البلاغ المبين} [سورة النور: 54] وأمثال ذلك. # [فيقال:] (6) وهل (7) قامت الحجة على الخلق (8) ببيان الرسوم أم لا؟ ~~PageV06P463 # فإن لم تقم (1) بطلت هذه الآيات وما كان في معناها، وإن قامت الحجة ببيان ~~الرسول علم أنه لا يحتاج إلى معين آخر (2) يفتقر الناس إلى بيانه، فضلا عن ~~[حفظ] (3) تبليغه، وأن ما جعل الله في الإنسان من القوة الناقلة لكلام ~~الرسول وبيانه كافية من ذلك، لا سيما وقد ضمن الله حفظ ما أنزله من الذكر، ~~فصار ذلك مأمونا أن يبدل أو يغير. # وبالجملة دعوى هؤلاء المخذولين أن دين الإسلام لا يحفظ ولا يفهم إلا ~~بواحد معين، من أعظم الإفساد لأصول الدين (4) . وهذا لا يقوله - وهو يعلم ~~لوازمه - إلا زنديق ملحد، قاصد (5) لإبطال الدين، ولا يروج هذا إلا على ~~مفرط في الجهل والضلال. # الوجه الثاني عشر: أن يقال: قد علم بالاضطرار أن أكثر المسلمين بلغهم ~~القرآن والسنة بدون نقل علي، فإن عمر - رضي الله عنه - لما فتح الأمصار بعث ~~إلى الشام والعراق من علماء الصحابة من علمهم وفقههم، واتصل العلم من أولئك ~~إلى سائر المسلمين، ولم يكن ما بلغه علي للمسلمين أعظم مما بلغه ابن مسعود ~~ومعاذ بن جبل وأمثالهما. # وهذا أمر معلوم. ولو لم يحفظ الدين إلا بالنقل عن علي لبطل عامة الدين ; ~~فإنه لا يمكن أن ينقل عن علي إلا أمر قليل لا يحصل به المقصود PageV06P464 # والنقل عنه ليس متواترا (1) ، وليس في زماننا معصوم يمكن الرجوع إليه، ~~فلا حول ولا قوة إلا بالله ما أسخف عقول الرافضة. ### | فصل كلام الرافضي على الوجه الرابع من وجوه إمامة علي رضي الله عنه أن الله تعالى قادر على نصب إمام معصوم # فصل # قال الرافضي (2) : " الرابع: (3) أن الله تعالى قادر على نصب [إمام] (4) ~~معصوم، وحاجة العالم داعية إليه، ولا مفسدة فيه، فيجب نصبه. وغير علي لم ~~يكن كذلك إجماعا (5) ، فتعين أن يكون الإمام هو علي (6) . أما القدرة ~~فظاهرة، وأما ms1577 الحاجة فظاهرة أيضا لما بينا من وقوع التنازع بين العالم. ~~وأما [انتفاء] (7) المفسدة فظاهر (8) أيضا؛ لأن المفسدة لازمة لعدمه. وأما ~~وجوب نصبه، فلأن (9) عند ثبوت القدرة والداعي وانتفاء الصارف يجب الفعل ". # والجواب: أن هذا هو الوجه الأول بعينه ولكن قرره. وقد تقدمت (10) ~~PageV06P465 # الأجوبة عنه بمنع المقدمة الأولى وبيان فساد هذا الاستدلال، فإن مبناه ~~على الاحتجاج بالإجماع، فإن كان الإجماع معصوما أغنى عن عصمة [علي] (1) ، ~~وإن لم يكن معصوما بطلت دلالته على عصمة علي، [فبطل الدليل] (2) على ~~التقديرين. # ومن العجب أن الرافضة تثبت (3) أصولها على ما تدعيه من النص والإجماع، ~~وهم أبعد الأمة عن معرفة النصوص والإجماعات (4) ، والاستدلال بها (5) ، ~~بخلاف السنة (6) والجماعة ; فإن السنة (7) تتضمن النص، والجماعة تتضمن ~~الإجماع. فأهل السنة والجماعة هم المتبعون للنص والإجماع. # ونحن نتكلم على هذا التقرير (8) ببيان فساده، وذلك من وجوه: أحدها: أن ~~يقال: لا نسلم أن الحاجة داعية إلى نصب إمام معصوم، وذلك لأن عصمة الأمة ~~مغنية عن عصمته، وهذا مما (9) ذكره العلماء في حكمة عصمة الأمة. # قالوا: لأن من كان من الأمم قبلنا كانوا إذا بدلوا دينهم بعث الله نبيا ~~PageV06P466 # يبين (1) الحق، وهذه الأمة لا نبي بعد نبيها، فكانت عصمتها تقوم مقام ~~النبوة، فلا يمكن أحدا منهم أن يبدل شيئا من الدين إلا أقام الله من يبين ~~خطأه فيما بدله، فلا تجتمع الأمة (2) على ضلال. # كما قال - صلى الله عليه وسلم -: " «لا تزال طائفة من أمتي على الحق، لا ~~يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة» " (3) . وقال: " «إن الله ~~أجاركم على لسان نبيكم أن تجتمعوا على ضلالة» " (4) . إلى غير ذلك من ~~الدلائل الدالة على صحة الإجماع. # الثاني: إن أريد بالحاجة أن حالهم مع وجوده أكمل، فلا ريب أن حالهم مع ~~عصمة نواب الإمام أكمل، وحالهم مع عصمة أنفسهم أكمل. وليس كل ما تقدره ~~الناس أكمل لكل منهم يفعله الله، ولا يجب عليه فعله. # وإن أريد أنهم مع عدمه يدخلون النار، أو لا يعيشون (5) في الدنيا، أو ~~يحصل لهم [نوع] (6) من الأذى. PageV06P467 # فيقال ms1578: هب أن الأمر كذلك. فلم قلت: إن إزالة هذا واجب. ومعلوم أن الأمراض ~~(1) والهموم والغموم موجودة، والمصائب (2) : في الأهل والمال، والغلاء ~~موجود، والجوائح التي تصيب الثمار موجودة، وليس (3) ما يصيب المظلوم من ~~الضرر بأعظم مما يصيبه من هذه الأسباب، والله تعالى لم يزل ذلك. # الثالث: أن قوله: " عند ثبوت القدرة والداعي وانتفاء الصارف يجب الفعل ". # يقال له: لم (4) قلت: إن الداعي ثابت والصارف منتف؟ # وقوله (5) : " حاجة (6) العالم (7) داعية إليه ". # يقال له: الداعي هو الذي يكون داعيا للفاعل، فلم قلت: إن مجرد الحاجة ~~داعية للرب تعالى فيها؟ # وكذلك قوله: " وانتفاء الصارف " وأنت لم تدع إلا عدم المفسدة التي ~~ادعيتها، فلم قلت: لا مفسدة (8) في ذلك؟ كما يقال: إن الواحد منا (9) يحتاج ~~إلى المال (10) والصحة والقوة وغير ذلك. PageV06P468 # الرابع: أن قوله: إن الله قادر على نصب إمام معصوم " أتريد (1) به معصوما ~~يفعل الطاعات باختياره والمعاصي باختياره (2) ، والله تعالى لم يخلق ~~اختياره كما هو قولهم (3) ؟ أم تريد (4) به أنه معصوم يفعل الطاعات بغير ~~اختيار يخلقه (5) الله فيه؟ # فإن قالوا بالأول، كان باطلا على أصلهم، فإن الله عندهم لا يقدر على خلق ~~مؤمن (6) معصوم بهذا التفسير، كما لا يقدر على خلق مؤمن وكافر عندهم بهذا ~~التفسير. فإن الله عندهم لا يقدر على فعل الحي المختار، ولا يخلق إرادته ~~المختصة بالطاعة دون المعصية. # وإن قالوا بهذا الثاني، لم يكن لهذا المعصوم ثواب على فعل الطاعة ولا على ~~ترك المعصية. وحينئذ فسائر الناس يثابون على طاعتهم وترك معاصيهم أفضل منه، ~~فكيف يكون الإمام المعصوم الذي لا ثواب له أفضل من أهل الثواب؟ # فتبين انتقاض مذهبهم حيث جمعوا بين متناقضين (7) ، بين إيجاب خلق معصوم ~~على الله، وبين قولهم: إن الله لا يقدر على جعل أحد معصوما باختياره، بحيث ~~يثاب على فعله للطاعات وتركه للمعاصي. # الوجه الخامس: أن يقال: قولك (8) : " يقدر على نصب إمام معصوم " ~~PageV06P469 # لفظ مجمل، فإنه يقال: إن الله يقدر على جعل هذا الجسم أسود وأبيض، ~~ومتحركا وساكنا، وميتا وحيا، وهذا صحيح، بمعنى أن الله إن ms1579 شاء سوده (وإن ~~شاء بيضه) وإن شاء (1) أحياه وإن شاء أماته، لكن ليس المراد أنه يصير أبيض ~~وأسود في حال واحدة، فإن اجتماع الضدين (2) ممتنع لذاته، فليس بشيء، ولا ~~يسمى شيئا باتفاق الناس، ولا يدخل في عموم قوله: {والله على كل شيء قدير} ~~[سورة البقرة: 284] . # وإذا كان كذلك فقولك: " قادر على نصب إمام (3) معصوم " إن أردت أنه قادر ~~على أن ينصب إماما، ويلهمه فعل الطاعات وترك المعاصي. فلا ريب أن الله قادر ~~على ذلك وغيره، كما هو قادر على أن يجعل جميع البشر معصومين كالإمام، بجعل ~~كل واحد من البشر نبيا، وأمثال ذلك من مقدورات الله تعالى. # وإن أردت أنه مع ذلك تحصل حكمته المنافية لوجود ذلك، التي يمتنع وجودها ~~إلا مع عدم ذلك، فهذا يستلزم الجمع بين الضدين، فمن أين تعلم انتفاء جميع ~~أنواع الحكمة التي تنافي [وجود] (4) ذلك؟ . # ولو لم يكن إلا عظم أجر المطيعين إذا لم يكن لهم إمام معصوم، فإن معرفة ~~الطاعة والعمل بها حينئذ أشق، فثوابه أكبر (5) . وهذا الثواب يفوت بوجود ~~المعصوم. PageV06P470 # وأيضا فحفظ (1) الناس للشرع، وتفقههم في الدين، واجتهادهم في معرفة الدين ~~والعمل [به] (2) تقل (3) بوجود المعصوم، [فتفوت] (4) هذه الحكم والمصالح. # وأيضا فجعل غير النبي مماثلا للنبي في ذلك، قد يكون من أعظم الشبه والقدح ~~في خاصة النبي، فإنه إذا وجب أن (5) يؤمن بجميع ما يقوله هذا (6) ، كما يجب ~~الإيمان بجميع ما يقوله (7) النبي، لم تظهر خاصة النبوة، فإن الله أمرنا أن ~~نؤمن بجميع ما أتى به النبيون، فلو كان لنا من يساويهم في العصمة، لوجب (8) ~~الإيمان بجميع ما يقوله، فيبطل (9) الفرق. # الوجه السادس: أن يقال: المعصوم الذي تدعو الحاجة إليه: أهو القادر (10) ~~على تحصيل المصالح وإزالة المفاسد؟ أم هو عاجز عن ذلك (11) ؟ الثاني ممنوع ~~; فإن العاجز لا يحصل به وجود المصلحة ولا دفع المفسدة، بل القدرة شرط في ~~ذلك، فإن العصمة تفيد (12) وجود داعية إلى PageV06P471 # الصلاح، لكن حصول الداعي (1) بدون القدرة لا يوجب حصول المطلوب. # وإن قيل: بل المعصوم القادر. # قيل: فهذا لم ms1580 يوجد (2) . وإن كان هؤلاء (3) الاثني عشر قادرين (4) على ~~ذلك ولم يفعلوه، لزم أن يكونوا عصاة (5) لا معصومين، وإن لم يقدروا لزم أن ~~يكونوا عاجزين. فأحد الأمرين لازم قطعا أو كلاهما: العجز وانتفاء (6) ~~العصمة. وإذا كان كذلك، فنحن نعلم بالضرورة انتفاء ما استدل به على وجوده. ~~والضروريات لا تعارض بالاستدلال. # الوجه السابع: أن يقال: هذا موجود في [هذا] (7) الزمان وسائر الأزمنة، ~~وليس في هذا الزمان أحد يمكنه العلم بما يقوله، فضلا عن كونه يجلب مصلحة أو ~~يدفع مفسدة، فكان ما ذكروه باطلا. # الوجه الثامن: أنه سبحانه وإن كان قادرا على نصب معصوم، فلا نسلم أنه لا ~~مفسدة في نصبه. وهذا النفي [العام] (8) لا بد له من دليل، ولا يكفي في ذلك ~~عدم العلم بالمفسدة، فإن عدم العلم ليس علما PageV06P472 # بالعدم. ثم من المفاسد في ذلك أن يكون طاعة من ليس بنبي وتصديقه مثل طاعة ~~النبي مطلقا. وإذا ساوى (1) النبي في وجوب طاعته في كل شيء ووجوب تصديقه في ~~كل شيء، ونفي كل غلط منه (2) . # فيقال: فأي (3) شيء خاصة النبي التي انفرد بها عنه، حتى صار هذا نبيا، ~~وهذا ليس بنبي؟ . # فإن قيل: بنزول الوحي عليه. # قيل: إذا كان المقصود بنزول الوحي عليه قد حصل له، فقد استراح من التعب ~~الذي كان يحصل للنبي، وقد شاركه في المقصود. # وأيضا فعصمته إنما تكون بإلهام الحق له، وهذا وحي. # وأيضا فإما أن يخبر بما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - (4) ، ~~ويأمر بما أمر به، أو يخبر بأخبار وأوامر زائدة (5) . فإن كان الأول لم يكن ~~إليه حاجة، ولا فيه فائدة، فإن هذا قد عرف بأخبار الرسول (6) . وأوامره. ~~وإن كان غير (7) ذلك، وهو معصوم فيه، فهذا نبي، فإنه ليس (8) بمبلغ عن ~~الأول. # وإذا قيل: بل يحفظ (9) ما جاء به الرسول. PageV06P473 # قيل: يحفظه لنفسه أو للمؤمنين؟ فإن كان لنفسه فلا حاجة بالناس إليه. وإن ~~كان للناس فبأي شيء يصل إلى الناس ما يحفظه: أفبالتواتر (1) أم بخبر ~~الواحد؟ فبأي طريق وصل ذلك منه إلى الناس الغائبين، وصل ms1581 من الرسول إليهم، ~~مع قلة الوسائط. # ففي الجملة لا مصلحة في وجود معصوم بعد الرسول إلا وهي حاصلة بدونه، وفيه ~~من الفساد ما لا يزول إلا بعدمه. فقولهم: " الحاجة داعية إليه " ممنوع. ~~وقولهم: " المفسدة فيه معدومة " ممنوع. # بل الأمر بالعكس ; فالمفسدة [معه] (2) موجودة، والمصلحة معه منتفية. وإذا ~~كان اعتقاد وجوده قد أوجب من الفساد ما أوجب، فما الظن بتحقق وجوده. ### | فصل كلام الرافضي على الوجه الخامس من وجوه إمامة علي رضي الله عنه أن الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته # فصل # قال الرافضي (3) : " الخامس (4) : أن الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته. ~~وعلي أفضل أهل (5) زمانه على ما يأتي، فيكون هو الإمام لقبح تقديم (6) ~~المفضول على الفاضل عقلا ونقلا. قال تعالى: {أفمن يهدي إلى الحق أحق أن ~~يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون} [سورة يونس: 35] . ~~PageV06P474 # والجواب من وجوه: أحدها: منع المقدمة الثانية الكبرى، فإنا لا نسلم أن ~~عليا أفضل أهل زمانه. بل خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، كما ثبت ~~ذلك عن علي وغيره، وسيأتي الجواب عما ذكروه، وتقرير ما ذكرناه. # الثاني: أن الجمهور من أصحابنا وغيرهم، وإن كانوا يقولون: يجب تولية ~~الأفضل مع الإمكان، لكن هذا الرافضي لم يذكر حجة على هذه المقدمة. وقد ~~نازعه فيها كثير من العلماء. وأما الآية المذكورة فلا حجة فيها له؛ لأن ~~المذكور في [الآية] : من يهدي (1) إلى الحق، ومن لا يهدي إلا أن يهدى. ~~والمفضول لا يجب أن يهدى إلا أن يهديه الفاضل (2) ، بل قد يحصل له هدى كثير ~~بدون تعلم من الفاضل، وقد يكون الرجل يعلم ممن هو أفضل منه، وإن كان ذلك ~~الأفضل قد مات، وهذا الحي [الذي] (3) هو أفضل منه لم يتعلم منه شيئا. # وأيضا فالذي (4) يهدي إلى الحق مطلقا هو الله، والذي لا يهدي إلا أن يهدى ~~صفة كل مخلوق لا يهدى إلا أن يهديه الله تعالى. وهذا هو المقصود بالآية وهي ~~أن عبادة الله أولى من عبادة خلقه. # كما ms1582 قال في سياقها: {قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل PageV06P475 # الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى} ~~[سورة يونس: 35] . # فافتتح الآيات بقوله: {قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع ~~والأبصار ومن يخرج الحي من الميت} [سورة يونس: 31] إلى قوله: {قل هل من ~~شركائكم من يهدي إلى الحق} [سورة يونس: 35] . # وأيضا فكثير من الناس يقول: ولاية الأفضل واجبة، إذا لم تكن [في] ولاية ~~(1) المفضول مصلحة راجحة، ولم يكن في ولاية الأفضل مفسدة. # وهذه البحوث يبحثها من يرى عليا أفضل من أبي بكر [وعمر] (2) ، كالزيدية ~~وبعض المعتزلة، أو من يتوقف في ذلك، كطائفة من المعتزلة. # وأما أهل السنة فلا يحتاجون إلى منع هذه المقدمة، بل الصديق عندهم أفضل ~~الأمة. لكن المقصود أن نبين أن الرافضة، وإن قالوا حقا، فلا يقدرون أن ~~يدلوا عليه بدليل صحيح، لأنهم سدوا على أنفسهم كثيرا من طرق العلم، فصاروا ~~عاجزين عن بيان الحق، حتى أنه [لا] (3) يمكنهم تقرير إيمان علي على ~~الخوارج، ولا تقرير إمامته على المروانية. # ومن قاتله فإن ما يستدل به على ذلك قد أطلق (4) جنسه على أنفسهم؛ لأنهم ~~لا يدرون ما يلزم أقوالهم الباطلة (5) من التناقض والفساد، لقوة جهلهم، ~~واتباعهم الهوى (6) بغير علم (7) . PageV06P476 ### | المنهج الثاني عند الرافضي في الأدلة من القرآن على إمامة علي رضي الله عنه ### | [البرهان الأول " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " والجواب عليه] # قال الرافضي (1) : " المنهج الثاني: في الأدلة المأخوذة من القرآن، ~~والبراهين الدالة على إمامة علي من الكتاب العزيز كثيرة (2) . # الأول: قوله تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون ~~الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} [سورة المائدة: 55] وقد أجمعوا أنها نزلت ~~في علي (3) . قال الثعلبي في إسناده (4) إلى أبي ذر: [قال] (5) : سمعت رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - بهاتين وإلا صمتا (6) ، ورأيته بهاتين وإلا ~~عميتا (7) يقول: «علي قائد البررة، وقاتل الكفرة، فمنصور (8) من نصره، ~~ومخذول (9) من خذله " أما إني صليت مع رسول الله - صلى الله ms1583 عليه وسلم - ~~يوما) (10) صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد شيئا، فرفع ~~السائل يده إلى السماء، وقال: " اللهم إنك تشهد أني) (11) سألت في مسجد ~~PageV07P005 # رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يعطني أحد شيئا، وكان علي راكعا، ~~فأومأ بخنصره (1) اليمنى، وكان متختما فيها (2) ، فأقبل السائل حتى أخذ ~~الخاتم (3) ، وذلك بعين النبي - صلى الله عليه وسلم - (4) . فلما فرغ من ~~صلاته رفع رأسه إلى السماء، وقال: " اللهم إن موسى سألك وقال (5) : {رب ~~اشرح لي صدري - ويسر لي أمري - واحلل عقدة من لساني - يفقهوا قولي - واجعل ~~لي وزيرا من أهلي - هارون أخي - اشدد به أزري - وأشركه في أمري} [سورة طه: ~~25 - 32] (6) فأنزلت عليه قرآنا ناطقا: {سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا ~~فلا يصلون إليكما بآياتنا} [سورة القصص: 35] . اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك، ~~اللهم فاشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واجعل لي وزيرا من أهلي، عليا (7) اشدد ~~به ظهري " قال أبو ذر: " فما استتم كلام (8) [رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم -] حتى نزل عليه جبريل من عند الله (9) فقال: يا محمد اقرأ. ~~PageV07P006 # قال (1) : وما (2) أقرأ؟ قال: اقرأ: {إنما وليكم الله ورسوله والذين ~~آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} [سورة المائدة: 55] » ~~. # ونقل الفقيه ابن المغازلي (3) الواسطي الشافعي أن هذه نزلت في علي (4) ، ~~والولي هو المتصرف، وقد أثبت له الولاية (5) في الآية (6) ، كما أثبتها ~~الله تعالى لنفسه ولرسوله (7) ". # والجواب من وجوه: أحدها: أن يقال: " ليس فيما ذكره ما يصلح أن يقبل ظنا، ~~بل كل ما ذكره كذب وباطل، من جنس السفسطة. وهو لو أفاده ظنونا (8) كان ~~تسميته (9) براهين تسمية منكرة ; فإن البرهان في القرآن وغيره يطلق على ما ~~يفيد العلم واليقين، كقوله تعالى: {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا ~~أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} [سورة البقرة: 111] ~~. # وقال تعالى: {أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء PageV07P007 # والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} [سورة النمل: 64] ~~. # فالصادق لا بد له من برهان على ms1584 صدقه، والصدق المجزوم بأنه صدق هو ~~المعلوم. # وهذا الرجل جميع ما ذكره من الحجج فيها كذب، فلا (1) يمكن أن يذكر حجة ~~واحدة جميع مقدماتها صادقة، فإن المقدمات الصادقة يمتنع أن تقوم على باطل. ~~وسنبين - إن شاء الله تعالى - عند (2) كل واحدة منها ما يبين كذبها، فتسمية ~~هذه براهين من أقبح الكذب. # ثم إنه يعتمد في تفسير القرآن على قول يحكى عن بعض الناس، مع أنه قد يكون ~~كذبا عليه، وإن كان صدقا فقد خالفه أكثر الناس. فإن كان قول الواحد [الذي] ~~(3) لم يعلم صدقه، وقد خالفه الأكثرون برهانا، فإنه يقيم (4) براهين كثيرة ~~من هذا (5) الجنس على نقيض ما يقوله، فتتعارض البراهين فتتناقض، والبراهين ~~لا تتناقض. # بل سنبين (6) - إن شاء الله تعالى - قيام (7) البراهين الصادقة التي لا ~~تتناقض على كذب ما يدعيه من البراهين، وأن الكذب في عامتها كذب ظاهر، ~~PageV07P008 # لا يخفى إلا على من أعمى الله قلبه، وأن البراهين الدالة على نبوة الرسول ~~حق، وأن القرآن حق، وأن دين الإسلام حق - تناقض ما ذكره من البراهين، فإن ~~غاية ما يدعيه من البراهين إذا تأمله اللبيب، وتأمل لوازمه وجده يقدح في ~~الإيمان والقرآن والرسول. # وهذا لأن أصل الرفض (1) كان من وضع قوم زنادقة منافقين، مقصودهم الطعن في ~~القرآن والرسول ودين الإسلام، فوضعوا من الأحاديث ما يكون التصديق به طعنا ~~في دين الإسلام، وروجوها (2) على أقوام، فمنهم من كان صاحب هوى وجهل، ~~فقبلها لهواه، ولم ينظر في حقيقتها. ومنهم من كان له نظر فتدبرها، فوجدها ~~تقدح في [حق] (3) الإسلام، فقال بموجبها، وقدح بها في دين الإسلام (4) ، ~~إما لفساد اعتقاده في الدين، وإما لاعتقاده أن هذه صحيحة وقدحت فيما كان ~~يعتقده من دين (5) الإسلام. # ولهذا دخلت عامة الزنادقة من هذا الباب، فإن ما تنقله الرافضة من ~~الأكاذيب تسلطوا به على الطعن في الإسلام، وصارت شبها عند من لم [يعلم] أنه ~~كذب (6) ، وكان عنده (7) خبرة بحقيقة الإسلام. # وضلت طوائف كثيرة من الإسماعيلية والنصيرية، وغيرهم من الزنادقة ~~PageV07P009 # الملاحدة المنافقين. وكان مبدأ ضلالهم تصديق الرافضة في ms1585 أكاذيبهم التي ~~يذكرونها في تفسير القرآن والحديث، كأئمة (1) العبيديين (2) إنما يقيمون ~~مبدأ دعوتهم (3) بالأكاذيب التي اختلقتها (4) الرافضة ; ليستجيب (5) لهم ~~بذلك الشيعة الضلال، ثم ينقلون الرجل من القدح في الصحابة، إلى القدح في ~~علي، ثم في النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم في الإلهية، كما رتبه لهم صاحب ~~البلاغ الأكبر، والناموس الأعظم. ولهذا كان الرفض أعظم باب ودهليز إلى ~~الكفر والإلحاد (6) . # ثم (7) نقول: ثانيا: الجواب عن هذه الآية حق من وجوه: الأول: أنا نطالبه ~~بصحة هذا النقل، أو لا يذكر (8) هذا الحديث على وجه تقوم به الحجة ; فإن ~~مجرد عزوه إلى تفسير الثعلبي، أو (9) نقل الإجماع على ذلك من غير العالمين ~~بالمنقولات، الصادقين في نقلها، ليس بحجة باتفاق أهل العلم، إن (10) لم ~~نعرف ثبوت إسناده، وكذلك إذا روى فضيلة لأبي بكر وعمر، لم يجز اعتقاد ثبوت ~~ذلك بمجرد ثبوت روايته باتفاق أهل العلم. PageV07P010 # فالجمهور - أهل السنة - لا يثبتون بمثل هذا شيئا يريدون إثباته: لا حكما، ~~ولا فضيلة، ولا غير ذلك. وكذلك الشيعة. # وإذا كان هذا بمجرده ليس بحجة باتفاق [الطوائف] كلها (1) ، بطل الاحتجاج ~~به. وهكذا القول في كل ما نقله وعزاه إلى أبي نعيم أو الثعلبي أو النقاش أو ~~ابن المغازلي (2) ونحوهم. # الثاني: قوله: " قد أجمعوا أنها نزلت في علي " من أعظم الدعاوى الكاذبة، ~~بل أجمع أهل العلم بالنقل على أنها لم تنزل في علي بخصوصه، وأن عليا لم ~~يتصدق بخاتمه في الصلاة، وأجمع أهل العلم بالحديث على أن القصة (3) المروية ~~في ذلك من الكذب الموضوع. (4) PageV07P011 # وأما ما نقله (1) من تفسير الثعلبي، فقد أجمع أهل العلم بالحديث أن ~~الثعلبي يروي (2) طائفة من الأحاديث الموضوعات، كالحديث الذي يرويه في أول ~~كل سورة عن أبي أمامة في فضل تلك السورة، وكأمثال ذلك. ولهذا يقولون: " هو ~~كحاطب ليل ". # وهكذا الواحدي تلميذه، وأمثالهما من المفسرين: ينقلون الصحيح والضعيف. # ولهذا لما كان البغوي عالما بالحديث، أعلم به من الثعلبي والواحدي، وكان ~~تفسيره مختصر تفسير الثعلبي، لم يذكر في تفسيره شيئا من الأحاديث الموضوعة ~~التي يرويها الثعلبي ms1586، ولا ذكر تفاسير أهل البدع التي ذكرها (3) الثعلبي، مع ~~أن الثعلبي فيه خير ودين، لكنه لا خبرة له بالصحيح من الأحاديث، (4) ولا ~~يميز بين السنة والبدعة في كثير من الأقوال (5) . PageV07P012 # وأما أهل العلم الكبار: أهل التفسير، مثل تفسير محمد بن جرير الطبري، ~~وبقي بن مخلد، وابن أبي حاتم، وابن المنذر، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، ~~وأمثالهم - فلم يذكروا فيها (1) مثل هذه الموضوعات. # دع من هو أعلم منهم، مثل تفسير أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه. بل (2) ~~ولا يذكر مثل هذا (3) عند ابن حميد ولا عبد الرزاق (4) ، مع أن عبد الرزاق ~~كان يميل إلى التشيع، ويروي كثيرا من فضائل علي، وإن كانت ضعيفة ; لكنه أجل ~~قدرا من أن يروي مثل هذا الكذب الظاهر. # وقد أجمع أهل العلم بالحديث إلى أنه لا يجوز الاستدلال بمجرد خبر يرويه ~~الواحد، من جنس الثعلبي والنقاش والواحدي، وأمثال هؤلاء المفسرين ; لكثرة ~~ما يروونه (5) من الحديث ويكون ضعيفا، بل موضوعا. فنحن لو لم نعلم كذب ~~هؤلاء من وجوه أخرى، لم يجز أن نعتمد عليه ; لكون الثعلبي وأمثاله رووه، ~~فكيف إذا كنا عالمين بأنه كذب؟ ! . # وسنذكر - إن شاء الله تعالى - ما يبين كذبه عقلا ونقلا، وإنما المقصود ~~هنا PageV07P013 # بيان افتراء هذا المصنف أو كثرة (1) جهله، حيث قال: " * قد أجمعوا أنها ~~نزلت في علي " فيا ليت شعري من نقل هذا الإجماع من أهل العلم والعالمين ~~بالإجماع في مثل هذه الأمور؟ * (2) . فإن نقل الإجماع في مثل هذا لا يقبل ~~من غير أهل العلم بالمنقولات، وما فيها من إجماع واختلاف. # فالمتكلم والمفسر والمؤرخ ونحوهم، لو ادعى أحدهم نقلا مجردا بلا إسناد ~~ثابت لم يعتمد عليه، فكيف إذا ادعى إجماعا؟ ! . # الوجه الثالث: أن يقال: هؤلاء المفسرون الذين نقل (3) من كتبهم، هم - ومن ~~هم أعلم منهم - قد نقلوا ما يناقض هذا الإجماع المدعى، والثعلبي [قد نقل] ~~في تفسيره (4) أن ابن عباس يقول: نزلت في أبي بكر. ونقل عن عبد الملك: قال: ~~سألت أبا جعفر، قال: هم المؤمنون. قلت: فإن ناسا يقولون: هو علي ms1587. قال: فعلي ~~من الذين آمنوا. وعن الضحاك مثله. # وروى ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبيه قال: حدثنا أبو صالح كاتب الليث، ~~حدثنا معاوية [بن صالح] (5) ، حدثنا علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في هذه، ~~قال: " كل من آمن (6) فقد تولى الله ورسوله والذين آمنوا ". قال: وحدثنا ~~أبو سعيد الأشج، عن المحاربي، عن عبد الملك بن PageV07P014 # أبي سليمان، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عن هذه الآية، فقال: " هم ~~الذين آمنوا ". قلت: نزلت [في علي؟ قال: علي من الذين آمنوا] (1) . وعن ~~السدي مثله. # الوجه الرابع: أنا نعفيه من الإجماع، ونطالبه أن ينقل ذلك بإسناد واحد ~~صحيح. وهذا الإسناد الذي ذكره الثعلبي إسناده (2) ضعيف، فيه رجال متهمون. ~~وأما نقل ابن المغازلي (3) الواسطي (4) فأضعف وأضعف، فإن هذا قد جمع في ~~كتابه من الأحاديث الموضوعات (5) ما لا يخفى أنه كذب على من له أدنى معرفة ~~بالحديث، والمطالبة بإسناد يتناول هذا وهذا. # الوجه الخامس: أن يقال: لو كان المراد بالآية أن يؤتي الزكاة حال ركوعه، ~~كما يزعمون أن عليا تصدق بخاتمه في الصلاة ; لوجب أن يكون PageV07P015 # ذلك شرطا في الموالاة، وأن لا يتولى المسلمون إلا عليا وحده، فلا يتولى ~~الحسن ولا الحسين ولا سائر بني هاشم. وهذا خلاف إجماع المسلمين. # الوجه السادس: أن قوله: " الذين " صيغة جمع ; فلا يصدق على علي وحده. # الوجه السابع: أن الله تعالى لا يثني على الإنسان [إلا] (1) بما هو محمود ~~عنده: إما واجب، وإما مستحب. والصدقة والعتق والهدية والهبة والإجارة ~~والنكاح والطلاق، وغير ذلك من العقود في الصلاة، ليست واجبة ولا مستحبة ~~باتفاق المسلمين، بل كثير منهم يقول: إن ذلك يبطل الصلاة وإن لم يتكلم، بل ~~تبطل بالإشارة المفهمة. وآخرون يقولون: لا يحصل الملك بها لعدم الإيجاب ~~الشرعي. ولو كان هذا مستحبا ; لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله ~~ويحض عليه أصحابه، ولكان علي يفعله في غير هذه الواقعة (2) . # فلما لم يكن شيء من ذلك، علم أن التصدق في الصلاة ليس من الأعمال ~~الصالحة، وإعطاء السائل لا ms1588 يفوت، فيمكن المتصدق إذا سلم أن يعطيه، وإن في ~~الصلاة لشغلا. # الوجه الثامن: أنه لو قدر أن هذا مشروع في الصلاة، لم يختص بالركوع، بل ~~يكون في القيام والقعود أولى منه في الركوع، فكيف يقال: لا ولي [لكم] (3) ~~إلا الذين يتصدقون في كل الركوع. فلو تصدق المتصدق PageV07P016 # في حال القيام والقعود: أما كان يستحق هذه الموالاة؟ . # فإن قيل: هذه أراد بها (1) التعريف بعلي على خصوصه (2) . # قيل له: أوصاف علي التي يعرف بها (3) كثيرة ظاهرة، فكيف يترك تعريفه ~~بالأمور المعروفة، ويعرفه (4) بأمر (5) لا يعرفه إلا من سمع هذا وصدقه؟ . # وجمهور الأمة لم (6) تسمع هذا الخبر، ولا [هو] (7) في شيء من كتب ~~المسلمين المعتمدة: لا الصحاح، ولا السنن، ولا الجوامع، ولا المعجمات، ولا ~~شيء من الأمهات. فأحد الأمرين لازم: إن قصد (8) به المدح بالوصف فهو باطل، ~~وإن قصد (9) به التعريف فهو باطل. # الوجه التاسع: أن يقال: قوله: {ويؤتون الزكاة وهم راكعون} على قولهم ~~يقتضي أن يكون قد أتى الزكاة في حال ركوعه. وعلي - رضي الله عنه - لم يكن ~~ممن تجب (10) عليه على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه كان فقيرا، ~~وزكاة الفضة إنما تجب على من ملك النصاب حولا، وعلي لم يكن من هؤلاء. # الوجه العاشر: أن إعطاء الخاتم في الزكاة لا يجزئ عند كثير من ~~PageV07P017 # الفقهاء، إلا إذا قيل بوجوب الزكاة في الحلي. وقيل: إنه يخرج من جنس ~~الحلي، ومن جوز ذلك بالقيمة، فالتقويم في الصلاة متعذر، والقيم تختلف ~~باختلاف الأحوال. # الوجه الحادي عشر: أن هذه الآية بمنزلة قوله: {وأقيموا الصلاة وآتوا ~~الزكاة واركعوا مع الراكعين} [سورة البقرة: 43] هذا أمر بالركوع. # وكذلك قوله: {يامريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين} [سورة آل ~~عمران: 43] وهذا أمر بالركوع. # قد قيل: ذكر ذلك ليبين أنهم يصلون الجماعة ; لأن المصلي في الجماعة إنما ~~يكون مدركا للركعة بإدراك ركوعها، بخلاف الذي لم يدرك إلا السجود، فإنه قد ~~فاتته الركعة. وأما القيام فلا يشترط فيه الإدراك. # وبالجملة " الواو " إما واو الحال، وإما واو العطف. والعطف هو ms1589 الأكثر، ~~وهي المعروفة في مثل هذا الخطاب. وقوله إنما يصح (1) إذا كانت واو الحال، ~~فإن (2) لم يكن ثم (3) دليل على تعيين ذلك بطلت الحجة، [فكيف إذا كانت ~~الأدلة تدل على خلافه؟ !] (4) . # الوجه الثاني عشر: أنه من المعلوم المستفيض عند أهل التفسير، خلفا عن ~~سلف، أن هذه الآية نزلت في النهي عن موالاة الكفار، والأمر بموالاة ~~المؤمنين ; لما كان بعض المنافقين، كعبد الله بن أبي، يوالي اليهود، ويقول: ~~إني أخاف الدوائر. فقال بعض المؤمنين، وهو (5) عبادة بن الصامت: إني ~~PageV07P018 # يا رسول الله، (1) أتولى الله ورسوله، وأبرأ إلى الله ورسوله من حلف (2) ~~هؤلاء الكفار وولايتهم. # ولهذا لما جاءتهم بنو قينقاع وسبب تآمرهم عبد الله بن أبي بن سلول، فأنزل ~~الله هذه الآية، يبين فيها وجوب موالاة المؤمنين عموما، وينهى عن موالاة ~~الكفار عموما. وقد تقدم كلام الصحابة والتابعين أنها عامة لا تختص بعلي (3) ~~. # الوجه الثالث عشر: أن سياق الكلام يدل على ذلك لمن تدبر القرآن، فإنه (4) ~~قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم ~~أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} ~~[سورة المائدة: 51] . فهذا نهي عن موالاة اليهود والنصارى. # ثم قال: {فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا ~~دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده} إلى قوله: {فأصبحوا ~~خاسرين} [سورة المائدة: 52 - 53] . فهذا وصف الذين في قلوبهم مرض، الذين ~~يوالون الكفار كالمنافقين. # ثم قال: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم ~~يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ~~ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ~~PageV07P019 # } [سورة المائدة: 54] (1) فذكر فعل (2) المرتدين وأنهم لن يضروا الله ~~شيئا، وذكر من يأتي به بدلهم (3) . # ثم قال: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ~~ويؤتون الزكاة وهم راكعون} . {ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب ~~الله هم الغالبون} [سورة المائدة: 55 - 56] . # فتضمن هذا ms1590 الكلام ذكر أحوال من دخل في الإسلام من المنافقين، وممن يرتد ~~عنه، وحال المؤمنين الثابتين عليه ظاهرا وباطنا. # فهذا السياق، مع إتيانه أتى بصيغة الجمع، مما يوجب لمن تدبر ذلك (4) علما ~~يقينا لا يمكنه دفعه عن نفسه: أن الآية عامة في كل المؤمنين المتصفين بهذه ~~الصفات، لا تختص بواحد بعينه: لا أبي بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي، ~~ولا غيرهم. لكن هؤلاء أحق الأمة بالدخول فيها. # الوجه الرابع عشر: أن الألفاظ المذكورة في الحديث مما يعلم أنها كذب على ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن عليا ليس قائدا لكل البررة، بل لهذه ~~الأمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (5) ، ولا هو أيضا قاتلا لكل ~~الكفرة، بل قتل بعضهم، كما قتل غيره بعضهم. وما أحد من المجاهدين القاتلين ~~لبعض الكفار، إلا وهو قاتل لبعض الكفرة. # وكذلك قوله: " «منصور من نصره، مخذول (6) من خذله» " هو خلاف PageV07P020 # الواقع. والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقول إلا حقا، لا سيما على قول ~~الشيعة ; فإنهم يدعون أن (1) الأمة كلها خذلته إلى قتل عثمان. # ومن المعلوم أن الأمة كانت منصورة في أعصار الخلفاء الثلاثة، نصرا لم ~~يحصل لها بعده مثله. ثم لما قتل عثمان، وصار الناس ثلاثة أحزاب: حزب نصره ~~وقاتل معه، وحزب قاتلوه، وحزب خذلوه لم يقاتلوا لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء - ~~لم يكن الذين قاتلوا معه منصورين على الحزبين الآخرين ولا على الكفار، بل ~~أولئك (2) الذين نصروا عليهم، وصار الأمر لهم ; لما تولى معاوية، فانتصروا ~~(3) على الكفار، وفتحوا البلاد، إنما (4) كان علي منصورا كنصر أمثاله في ~~قتال الخوارج والكفار (5) . # والصحابة الذين قاتلوا الكفار والمرتدين كانوا منصورين نصرا عظيما، ~~فالنصر (6) وقع كما وعد الله به حيث قال: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في ~~الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} [سورة غافر: 51] . # فالقتال الذي كان بأمر الله وأمر رسوله من المؤمنين للكفار والمرتدين ~~والخوارج، كانوا فيه منصورين [نصرا عظيما] (7) إذا اتقوا وصبروا، فإن ~~التقوى والصبر من تحقيق (8) الإيمان الذي علق به النصر. PageV07P021 # وأيضا فالدعاء الذي ms1591 ذكره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عقب التصدق ~~بالخاتم من أظهر الكذب. فمن المعلوم أن الصحابة أنفقوا في سبيل الله وقت ~~الحاجة إليه، ما هو أعظم قدرا ونفعا من إعطاء سائل خاتما. # وفي الصحيحين (1) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «ما نفعني ~~مال كمال أبي بكر» "، (2) " «إن أمن الناس علي في صحبته وذات يده أبو بكر، ~~ولو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا» (3) . # وقد «تصدق عثمان بألف بعير في سبيل الله في غزوة العسرة، حتى قال النبي - ~~صلى الله عليه وسلم -: " ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم» " (4) . ~~PageV07P022 # والإنفاق في سبيل الله وفي إقامة الدين في أول الإسلام أعظم من صدقة على ~~سائل محتاج. ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «لا تسبوا أصحابي ; ~~فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد (1) أحدهم ولا ~~نصيفه» " (2) أخرجاه في الصحيحين (3) . # قال تعالى: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة ~~من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى} [سورة الحديد: 10] . # فكذلك الإنفاق الذي صدر في أول الإسلام في إقامة الدين ما بقي له نظير ~~يساويه. # وأما إعطاء السؤال لحاجتهم فهذا البر يوجد مثله إلى يوم القيامة. فإذا ~~كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لأجل تلك النفقات (4) العظيمة النافعة ~~الضرورية لا يدعو بمثل هذا الدعاء، فكيف يدعو به (5) لأجل إعطاء خاتم لسائل ~~قد يكون كاذبا في سؤاله؟ . PageV07P023 # ولا ريب أن هذا ومثله من كذب جاهل أراد أن يعارض ما ثبت (1) لأبي بكر ~~بقوله: {وسيجنبها الأتقى - الذي يؤتي ماله يتزكى - وما لأحد عنده من نعمة ~~تجزى - إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى - ولسوف يرضى} [سورة الليل: 17 - 21] . ~~بأن يذكر لعلي شيئا من هذا الجنس، فما أمكنه أن يكذب أنه فعل ذلك في أول ~~الإسلام، فكذب هذه الأكذوبة التي لا تروج إلا على مفرط في الجهل. # وأيضا فكيف يجوز أن يقول النبي - صلى الله عليه وسلم في المدينة بعد ~~الهجرة ms1592 والنصرة -: واجعل لي وزيرا من أهلي، عليا اشدد به ظهري، مع أن الله ~~قد أعزه بنصره وبالمؤمنين، (2) كما قال تعالي: {هو الذي أيدك بنصره ~~وبالمؤمنين} [سورة الأنفال: 62] ، وقال: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ ~~أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن ~~الله معنا} [سورة التوبة: 40] . # فالذي كان معه حين نصره الله ; {إذ أخرجه الذين كفروا} ، هو أبو بكر ~~وكانا اثنين الله ثالثهما، وكذلك لما كان يوم بدر ; لما صنع له عريش كان ~~الذي دخل معه في العريش دون سائر الصحابة أبو بكر (3) ، وكل من الصحابة له ~~في نصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعي مشكور وعمل مبرور. # وروي أنه «لما جاء علي بسيفه يوم أحد، قال لفاطمة: اغسليه يوم أحد ~~PageV07P024 # غير ذميم. فقال: النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن تك أحسنت فقد أحسن ~~فلان وفلان وفلان» " فعدد جماعة من الصحابة (1) . # ولم يكن لعلي اختصاص بنصر النبي - صلى الله عليه وسلم - دون أمثاله، ولا ~~عرف موطن احتاج النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه إلى معونة علي وحده، لا ~~باليد ولا باللسان، ولا كان إيمان الناس برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~وطاعتهم له لأجل علي، بسبب دعوة علي لهم، وغير ذلك من الأسباب الخاصة، كما ~~كان هارون وموسى، فإن بني إسرائيل كانوا يحبون هارون جدا ويهابون موسى، ~~وكان هارون يتألفهم. # والرافضة تدعي أن الناس كانوا يبغضون عليا، وأنهم لبغضهم له لم يبايعوه. ~~فكيف يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتاج إليه، كما احتاج موسى ~~إلى هارون؟ . # وهذا أبو بكرالصديق أسلم على يديه ستة أو خمسة من العشرة: عثمان، وطلحة، ~~والزبير، وسعد (2) ، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة. ولم يعلم أنه أسلم ~~على يد علي وعثمان وغيرهما أحد من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار. # ومصعب بن عمير هو الذي بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ~~لما بايعه الأنصار ليلة العقبة، وأسلم على يده رءوس الأنصار كسعد بن معاذ ~~الذي اهتز ms1593 عرش الرحمن لموته (3) ، وأسيد بن حضير وغير هؤلاء. PageV07P025 # وكان أبو بكر يخرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو معه الكفار إلى ~~الإسلام في الموسم، ويعاونه معاونة عظيمة في الدعوة، بخلاف غيره. ولهذا قال ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح: " «لو كنت متخذا من أهل الأرض ~~خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا» " (1) . # وقال: " «أيها (2) الناس إني جئت إليكم، فقلت: إني رسول الله، فقلتم: ~~كذبت. وقال أبو بكر: صدقت. فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟» (3) ". # ثم إن موسى دعا بهذا الدعاء قبل أن يبلغ الرسالة إلى الكفار ليعاون ~~عليها. ونبينا - صلى الله عليه وسلم - قد بلغ الرسالة لما بعثه الله: بلغها ~~وحده، وأول من آمن به باتفاق أهل الأرض أربعة، أول من آمن به من الرجال أبو ~~بكر، ومن النساء خديجة، ومن الصبيان علي، ومن الموالي زيد. # وكان أنفع الجماعة في الدعوه باتفاق الناس أبو بكر، ثم خديجة ; لأن أبا ~~بكر هو أول رجل حر بالغ آمن به باتفاق الناس، وكان له قدر عند قريش لما كان ~~فيه من المحاسن، فكان أمن الناس عليه في صحبته وذات يده. ومع هذا فما دعا ~~الله أن يشد أزره بأحد: لا بأبي بكر ولا بغيره، PageV07P026 # بل قام مطيعا لربه، متوكلا عليه، صابرا له، كما أمره بقوله: {قم فأنذر} . ~~{وربك فكبر} . {وثيابك فطهر} . {والرجز فاهجر} . {ولا تمنن تستكثر} . ~~{ولربك فاصبر} [سورة المدثر: 2 - 7] وقال: {فاعبده وتوكل عليه} [سورة هود: ~~123] . # فمن زعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل الله - عز وجل - أن يشد ~~أزره بشخص من الناس، كما سأل موسى أن يشد أزره بهارون، فقد افترى على رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - وبخسه حقه. ولا ريب أن الرفض مشتق من الشرك ~~والإلحاد والنفاق، لكن تارة يظهر [لهم] (1) ذلك فيه (2) وتارة يخفى. # الوجه الخامس عشر: أن يقال: غاية ما في الآية أن المؤمنين عليهم موالاة ~~الله ورسوله والمؤمنين، فيوالون عليا. ولا ريب أن موالاة علي واجبة على كل ~~مؤمن، كما يجب على كل مؤمن مولاة أمثاله من ms1594 المؤمنين. # قال تعالى: {وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين} ~~[سورة التحريم: 4] . فبين الله أن كل صالح من المؤمنين فهو (3) مولى رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم -، (4) والله مولاه، وجبريل مولاه، وليس في كون ~~الصالح من المؤمنين مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (5) ، كما أن ~~الله مولاه، وجبريل مولاه، أن يكون (6) صالح المؤمنين متوليا على رسول الله ~~- صلى الله عليه وسلم -، ولا متصرفا فيه. # وأيضا فقد قال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} ~~PageV07P027 # [سورة التوبة: 71] ، فجعل كل مؤمن وليا لكل مؤمن. وذلك لا يوجب أن يكون ~~أميرا عليه معصوما، لا يتولى عليه إلا هو. # وقال تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} . {الذين ~~آمنوا وكانوا يتقون} [سورة يونس: 62 - 63] ، فكل مؤمن تقي (1) فهو ولي لله، ~~والله وليه. كما قال تعالى: {الله ولي الذين آمنوا} [سورة البقرة: 257] ~~وقال: {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم} [سورة ~~محمد: 11] وقال: {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل ~~الله والذين آووا ونصروا} (2) إلى قوله: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في ~~كتاب الله} [سورة الأنفال: 72 - 75] . # فهذه النصوص كلها ثبتت فيها موالاة المؤمنين بعضهم لبعض، وأن هذا ولي ~~هذا، وهذا ولي هذا، وأنهم أولياء الله، وأن الله وملائكته والمؤمنين موالي ~~رسوله، كما أن الله ورسوله والذين آمنوا هم أولياء المؤمنين. وليس في شيء ~~من هذه النصوص أن من كان وليا للآخر كان أميرا عليه دون غيره، وأنه يتصرف ~~فيه دون سائر الناس. # الوجه السادس عشر: أن الفرق بين " الولاية " بالفتح و " الولاية " بالكسر ~~معروف ; فالولاية ضد العداوة، وهي المذكوره في هذه النصوص، ليست هي الولاية ~~بالكسر التي هي الإمارة. وهؤلاء الجهال يجعلون الولي هو الأمير، ولم يفرقوا ~~بين الولاية والولاية. والأمير يسمى الوالي لا يسمى PageV07P028 # الولي (1) ، ولكن قد يقال: هو ولي الأمر، كما يقال: وليت أمركم، ويقال: ~~أولو الأمر. # وأما إطلاق القول بالمولى وإراده الولي، فهذا لا يعرف، بل يقال في الولي: ~~المولى ms1595، ولا يقال الوالي. ولهذا قال الفقهاء: إذا اجتمع في الجنازة الوالي ~~والولي، فقيل: يقدم الوالي، وهو قول أكثرهم. وقيل: يقدم الولي. # فبين أن الولاية (2) دلت على الموالاة، المخالفة للمعاداة، الثابتة لجميع ~~المؤمنين بعضهم على بعض. وهذا مما يشترك فيه الخلفاء الأربعة، وسائر أهل ~~بدر، وأهل بيعة الرضوان (3) . فكلهم بعضهم أولياء بعض، ولم تدل الآية على ~~أحد منهم يكون أميرا على غيره، بل هذا باطل من وجوه كثيرة، إذ لفظ " الولي ~~" و " الولاية " غير لفظ " الوالي ". والآية عامة في المؤمنين، والإمارة لا ~~تكون عامة. # الوجه السابع عشر: أنه لو أراد الولاية التي هي الإمارة لقال: إنما يتولى ~~عليكم الله ورسوله والذين آمنوا (4) ، ولم يقل: ومن يتولى الله ورسوله ; ~~فإنه لا يقال لمن ولي عليهم وال (5) : إنهم يقولون (6) : تولوه، بل يقال: ~~تولى عليهم. PageV07P029 # الوجه الثامن عشر: أن الله - سبحانه وتعالى - لا يوصف بأنه متول على ~~عباده وأنه أمير عليهم، جل جلاله، وتقدست أسماؤه، فإنه خالقهم ورازقهم، ~~وربهم ومليكهم، له الخلق والأمر، ولا (1) يقال: إن الله أمير المؤمنين، كما ~~يسمى المتولي، مثل علي وغيره: أمير المؤمنين بل الرسول - صلى الله عليه ~~وسلم - أيضا لا يقال إنه متول على الناس، وإنه أمير عليهم، فإن قدره أجل من ~~هذا. بل أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - لم يكونوا يسمونه إلا خليفة رسول ~~الله وأول من سمي من الخلفاء " أمير المؤمنين " هو عمر - رضي الله عنه -. # وقد روي أن عبد الله بن جحش كان أميرا في سرية، فسمي أمير المؤمنين، لكن ~~إمارة خاصة في تلك السرية، لم يسم أحد بإمارة المؤمنين عموما قبل عمر، وكان ~~خليقا بهذا الاسم. # وأما الولاية المخالفة للعداوة فإنه يتولى عباده المؤمنين ; فيحبهم ~~ويحبونه، ويرضى عنهم ويرضون عنه، ومن عادى له وليا فقد بارزه بالمحاربة. ~~وهذه الولاية من رحمته وإحسانه، ليست كولاية المخلوق للمخلوق لحاجته إليه. # قال تعالى: {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ~~ولم يكن له ولي من الذل} [سورة الإسراء: 111] . فالله تعالى ليس ms1596 له ولي (2) ~~من الذل، بل هو القائل: {من كان يريد العزة فلله العزة جميعا} [سورة فاطر: ~~10] بخلاف الملوك وغيرهم ممن يتولاه لذاته، إذا لم يكن له ولي ينصره. ~~PageV07P030 # الوجه التاسع عشر (1) : أنه ليس كل من تولى (2) عليه إمام عادل يكون من ~~حزب الله، ويكون غالبا ; فإن أئمة العدل يتولون على المنافقين والكفار (3) ~~، كما كان في مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت حكمه ذميون ومنافقون. ~~وكذلك كان تحت ولاية علي كفار ومنافقون. والله تعالى يقول: {ومن يتول الله ~~ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} [سورة المائدة: 56] ; فلو ~~أراد الإمارة لكان المعنى: إن كل من تأمر عليهم الذين آمنوا يكونون من حزبه ~~الغالبين، وليس كذلك. وكذلك الكفار والمنافقون تحت أمر الله الذي هو قضاؤه ~~وقدره، مع كونه لا يتولاهم بل يبغضهم. ### | [فصل البرهان الثاني " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (4) : " البرهان الثاني: قوله تعالى: {ياأيها الرسول بلغ ما ~~أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} [سورة المائدة: 67] (5) ، ~~اتفقوا في نزولها في علي. وروى (6) أبو نعيم الحافظ - من الجمهور - بإسناده ~~عن عطية قال: نزلت هذه الآية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في علي ~~بن أبي طالب (7) . ومن تفسير PageV07P031 # الثعلبي قال: معناه: بلغ ما أنزل إليك من ربك في فضل علي، فلما نزلت هذه ~~الآيه «أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيد علي، فقال: من كنت مولاه ~~فعلي مولاه» . والنبي - صلى الله عليه وسلم - مولى أبي بكر وعمر وباقي ~~الصحابة بالإجماع، فيكون علي مولاهم، فيكون هو الإمام. # ومن تفسير الثعلبي (1) : «لما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي وقال: " من كنت مولاه فعلي ~~مولاه " فشاع ذلك وطار في البلاد (2) ، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، ~~فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ناقته، حتى أتى الأبطح، فنزل عن ~~ناقته وأناخها فعقلها، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم ms1597 (3) - وهو في ~~ملأ من الصحابة، فقال: يا محمد، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله ~~وأنك رسول الله ; فقبلنا (4) منك. وأمرتنا أن نصلي خمسا فقبلناه منك. ~~وأمرتنا أن نزكي أموالنا (5) فقبلناه منك. وأمرتنا أن نصوم شهرا (6) ~~فقبلناه منك. وأمرتنا أن نحج البيت فقبلناه منك. ثم لم ترض PageV07P032 # بهذا حتى رفعت بضبعي (1) ابن عمك وفضلته علينا، وقلت: من كنت مولاه فعلي ~~مولاه (2) . وهذا منك (3) أم من الله؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~والله (4) الذي لا إله إلا هو هو من أمر الله (5) ، فولى الحارث (6) يريد ~~راحلته، وهو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق (7) من عندك فأمطر علينا حجارة ~~من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على ~~هامته وخرج (8) من دبره فقتله، وأنزل (9) الله تعالى: {سأل سائل بعذاب ~~واقع} . {للكافرين ليس له دافع من الله} » [سورة المعارج: 1 - 3] . وقد روى ~~هذه الرواية النقاش من علماء الجمهور في تفسيره ". # والجواب من وجوه: أحدها: أن هذا أعظم كذبا وفرية من الأول، كما سنبينه - ~~إن شاء الله تعالى -. وقوله: " اتفقوا على نزولها في علي " أعظم كذبا مما ~~قاله في تلك الآيه. فلم يقل لا هذا ولا ذاك أحد من العلماء، الذين يدرون ما ~~يقولون. PageV07P033 # وأما ما (1) يرويه أبو نعيم في " الحلية " أو في " فضائل الخلفاء " ~~والنقاش والثعلبي والواحدي ونحوهم في التفسير، فقد (2) اتفق أهل المعرفة ~~بالحديث على أن فيما (3) يروونه كثيرا من الكذب الموضوع، واتفقوا على أن ~~هذا الحديث المذكور الذي رواه الثعلبي في تفسيره (4) هو من الموضوع، وسنبين ~~أدلة يعرف بها أنه (5) موضوع، وليس [الثعلبي] (6) من أهل العلم * بالحديث. # ولكن المقصود هنا أنا نذكر قاعدة فنقول: المنقولات فيها كثير من الصدق ~~وكثير من الكذب * (7) ، والمرجع في التمييز بين هذا وهذا إلى أهل علم ~~الحديث (8) ، كما نرجع إلى النحاة في الفرق بين نحو العرب ونحو غير العرب ~~(9) ، ونرجع إلى علماء اللغة فيما هو من اللغة وما ليس من اللغة، وكذلك ~~علماء الشعر والطب وغير ms1598 ذلك، فلكل علم رجال يعرفون به، PageV07P034 # والعلماء بالحديث أجل هؤلاء قدرا (1) ، وأعظمهم صدقا، وأعلاهم منزلة، ~~وأكثر دينا. # وهم من أعظم الناس صدقا وأمانة، وعلما وخبرة، فيما يذكرونه عن الجرح ~~والتعديل، مثل مالك، وشعبة، وسفيان، ويحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، ~~وابن المبارك، ووكيع، والشافعي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وأبي عبيد، وابن ~~معين، وابن المديني، والبخاري، ومسلم، وأبي داود، وأبي زرعة، وأبي حاتم، ~~والنسائي، والعجلي، وأبي أحمد بن عدي، وأبي حاتم (2) البستي، والدارقطني، ~~وأمثال هؤلاء: خلق كثير لا يحصى عددهم، من أهل العلم بالرجال والجرح ~~والتعديل، وإن كان بعضهم أعلم بذلك من بعض، وبعضهم أعدل من بعض في وزن ~~كلامه، كما أن الناس في سائر العلوم كذلك. # وقد صنف للناس كتبا في نقلة الأخبار: كبارا وصغارا، مثل الطبقات لابن ~~سعد، وتاريخي البخاري، والكتب المنقولة عن أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، ~~وغيرهما. وقبلها عن يحيى بن سعيد القطان وغيره، وكتاب يعقوب بن سفيان، وابن ~~أبي خيثمة، وابن أبي حاتم، وكتاب ابن عدي، وكتب (3) أبي حازم وأمثال ذلك. # وصنفت كتب الحديث تارة على المساند، فتذكر ما أسنده الصاحب (4) عن رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم -، كمسند أحمد، وإسحاق، وأبي داود PageV07P035 # الطيالسي، وأبي بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن أبي عمر، والعدني، وأحمد بن ~~منيع، وأبي يعلى الموصلي، وأبي بكر البزار البصري، وغيرهم. # وتارة على الأبواب، فمنهم من قصد مقصده الصحيح (1) كالبخاري ومسلم وابن ~~خزيمة وأبي حاتم وغيرهم. وكذلك من خرج على الصحيحين، كالإسماعيلي والبرقاني ~~وأبي نعيم وغيرهم. ومنهم من خرج أحاديث السنن، كأبي داود والنسائي وابن ~~ماجه وغيرهم. ومنهم من خرج الجامع الذي يذكر فيه الفضائل وغيرها، كالترمذي ~~وغيره. # وهذا علم عظيم من أعظم علوم الإسلام. ولا ريب أن الرافضة أقل معرفة بهذا ~~الباب، وليس في أهل الأهواء والبدع أجهل منهم به، فإن سائر أهل الأهواء - ~~كالمعتزلة والخوارج - * مقصرون (2) في معرفة هذا، ولكن المعتزلة، أعلم ~~بكثير من الخوارج، والخوارج أعلم بكثير من الرافضة، والخوارج * (3) أصدق من ~~الرافضة وأدين وأورع، بل الخوارج ms1599 لا نعرف عنهم أنهم يتعمدون الكذب، بل هم ~~[من] (4) أصدق الناس. # والمعتزلة - مثل سائر الطوائف - فيهم من يكذب وفيهم من يصدق، لكن ليس لهم ~~من العناية بالحديث ومعرفته (5) ما لأهل الحديث والسنة، فإن هؤلاء يتدينون ~~(6) به (7) فيحتاجون إلى أن يعرفوا ما هو الصدق. PageV07P036 # وأهل البدع سلكوا طريقا آخر ابتدعوها اعتمدوا عليها (1) ، ولا يذكرون ~~الحديث، بل ولا القرآن، في أصولهم [إلا] (2) للاعتضاد لا للاعتماد. # والرافضة أقل معرفة وعناية بهذا، إذ (3) كانوا لا ينظرون في الإسناد ولا ~~في سائر الأدلة الشرعية والعقلية: هل (4) توافق ذلك أو تخالفه؟ ولهذا لا ~~يوجد لهم أسانيد متصلة صحيحة قط، بل كل إسناد متصل لهم، فلا بد من أن يكون ~~فيه من (5) هو معروف بالكذب أو كثرة الغلط. # وهم في ذلك شبيه باليهود والنصارى، فإنه ليس لهم إسناد. والإسناد من ~~خصائص هذه الأمة، وهو من خصائص الإسلام، ثم هو في الإسلام من خصائص أهل ~~السنة. والرافضة من أقل الناس عناية ; إذ (6) كانوا لا يصدقون إلا بما ~~يوافق أهواءهم، وعلامة كذبه أنه (7) يخالف هواهم ; ولهذا قال عبد الرحمن بن ~~مهدي: أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما ~~لهم. # ثم إن أولهم كانوا كثيري (8) الكذب، فانتقلت أحاديثهم إلى قوم لا يعرفون ~~الصحيح من السقيم، فلم يمكنهم التمييز إلا بتصديق الجميع أو تكذيب الجميع، ~~والاستدلال على ذلك بدليل منفصل غير الإسناد. PageV07P037 # فيقال: ما يرويه مثل أبي نعيم والثعلبي والنقاش وغيرهم (1) : أتقبلونه ~~مطلقا؟ أم تردونه مطلقا؟ أم تقبلونه إذا كان لكم [لا عليكم] (2) ، وتردونه ~~إذا كان عليكم؟ فإن تقبلوه (3) مطلقا، ففي ذلك أحاديث كثيره في فضائل (4) ~~أبي بكر وعمر وعثمان تناقض قولكم. وقد روى أبو نعيم في أول " الحلية " في ~~فضائل الصحابة، وفي كتاب مناقب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أحاديث بعضها ~~صحيحة وبعضها ضعيفة، بل منكرة (5) . وكان رجلا عالما بالحديث فيما ينقله، ~~لكن هو وأمثاله يروون ما في الباب، لا يعرف أنه روى كالمفسر الذي ينقل ~~أقوال الناس في التفسير، والفقيه الذي يذكر الأقوال ms1600 في الفقه، والمصنف الذي ~~يذكر حجج الناس، ليذكر ما ذكروه (6) ، وإن كان كثير من ذلك لا يعتقد صحته، ~~بل يعتقد ضعفه ; لأنه يقول: أنا نقلت ما ذكر غيري، فالعهدة (7) على القائل ~~لا على الناقل. # وهكذا كثير ممن صنف في فضائل العبادات، وفضائل الأوقات، وغير PageV07P038 # ذلك: يذكرون أحاديث كثيرة وهي ضعيفة، بل موضوعة، باتفاق أهل العلم، كما ~~يذكرون [أحاديث] (1) في فضل صوم رجب كلها ضعيفة، بل موضوعة، عند أهل العلم. ~~ويذكرون صلاة الرغائب في أول ليلة (2) جمعة منه، وألفية نصف شعبان، وكما ~~يذكرون في فضائل عاشوراء ما ورد من التوسعة على العيال، وفضائل المصافحة ~~والحناء والخضاب والاغتسال ونحو ذلك، ويذكرون فيها صلاة. # وكل هذا كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لم يصح في عاشوراء ~~إلا فضل صيامه. قال حرب الكرماني: قلت لأحمد بن حنبل: الحديث الذي يروى: ~~«من وسع على عياله (3) يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته» ؟ فقال: لا ~~أصل له (4) . # وقد صنف في فضائل الصحابة - علي وغيره - غير واحد، مثل خيثمة بن سليمان ~~الأطرابلسي وغيره. وهذا قبل أبي نعيم. يروي عنه إجازة. وهذا وأمثاله جروا ~~على العادة المعروفة لأمثالهم ممن يصنف في الأبواب: أنه يروي ما سمعه في ~~هذا (5) الباب. PageV07P039 # وهكذا المصنفون في التواريخ، مثل " تاريخ دمشق " لابن عساكر وغيره، إذا ~~ذكر ترجمة واحد من الخلفاء الأربعة، أو غيره (1) يذكر كل ما رواه في ذلك ~~الباب، فيذكر لعلي ومعاوية من الأحاديث المروية في فضلهما ما يعرف أهل ~~العلم بالحديث أنه كذب، ولكن لعلي من الفضائل الثابتة في الصحيحين وغيرهما، ~~ومعاوية ليس له بخصوصه فضيلة في الصحيح، لكن قد شهد مع رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - حنينا والطائف وتبوك، وحج معه حجة الوداع، وكان يكتب ~~الوحي، فهو ممن ائتمنه النبي - صلى الله عليه وسلم - على كتابة الوحي، كما ~~ائتمن غيره من الصحابة. # فإذا كان المخالف يقبل كل ما رواه هؤلاء وأمثالهم في كتبهم، فقد رووا ~~أشياء كثيرة تناقض مذهبهم. وإن كان يرد الجميع، بطل احتجاجه بمجرد عزوه ms1601 ~~الحديث [بدون المذهب] إليهم (2) . وإن قال: أقبل ما يوافق مذهبي وأرد ما ~~يخالفه، أمكن منازعه أن يقول له مثل هذا، [وكلاهما] (3) باطل، لا يجوز أن ~~يحتج على * صحة مذهب بمثل هذا، فإنه يقال: إن كنت إنما عرفت صحة هذا الحديث ~~بدون المذهب، فاذكر ما يدل على * (4) صحته، وإن كنت إنما عرفت صحته لأنه ~~يوافق المذهب، امتنع تصحيح الحديث بالمذهب ; لأنه يكون حينئذ صحة المذهب ~~موقوفة على صحة الحديث، وصحة الحديث موقوفة على صحة المذهب، فيلزم الدور ~~الممتنع. PageV07P040 # وأيضا فالمذهب: إن كنت عرفت صحته بدون هذا الطريق، لم يلزم صحة هذا ~~الطريق. فإن الإنسان قد يكذب على غيره قولا، وإن كان ذلك القول حقا، فكثير ~~من الناس يروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) قولا هو حق في نفسه، ~~لكن لم يقله رسول الله - صلى الله عليه وسلم (2) - فلا يلزم من كون الشيء ~~صدقا في نفسه (3) أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله، وإن كنت إنما ~~عرفت صحته بهذا الطريق، امتنع أن تعرف صحة الطريق بصحته ; لإفضائه إلى ~~الدور. # فثبت أنه على التقديرين لا يعلم صحة هذا الحديث لموافقته للمذهب، سواء ~~كان المذهب معلوم الصحة، أو غير معلوم الصحة. # وأيضا (4) فكل من له أدنى علم وإنصاف يعلم أن المنقولات فيها صدق وكذب ~~(5) ، وأن الناس كذبوا في المثالب والمناقب، كما كذبوا في غير ذلك، وكذبوا ~~فيما يوافقه ويخالفه. # ونحن نعلم أنهم كذبوا في كثير مما رووه (6) في فضائل أبى بكر وعمر ~~وعثمان، كما كذبوا في كثير مما رووه (7) في فضائل علي، وليس في أهل الأهواء ~~أكثر كذبا من الرافضة، بخلاف غيرهم، فإن الخوارج (8) لا يكادون يكذبون، بل ~~هم من أصدق الناس مع بدعتهم وضلالهم. PageV07P041 # وأما أهل العلم والدين فلا يصدقون بالنقل ويكذبون [به] (1) بمجرد موافقة ~~ما يعتقدون، بل قد ينقل الرجل أحاديث كثيرة فيها فضائل النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - وأمته وأصحابه، فيردونها لعلمهم بأنها كذب، ويقبلون أحاديث ~~كثيرة لصحتها، وإن كان ظاهرها بخلاف ما يعتقدونه: إما لاعتقادهم أنها ~~منسوخة، أو ms1602 لها تفسير لا يخالفونه، ونحو ذلك. # فالأصل في النقل أن يرجع فيه إلى أئمة النقل وعلمائه، ومن يشركهم في ~~علمهم علم ما يعلمون، وأن يستدل على الصحة والضعف بدليل منفصل عن الرواية، ~~فلا بد من هذا وهذا. وإلا فمجرد قول القائل: " رواه فلان " لا يحتج به: لا ~~أهل السنة ولا الشيعة، وليس في المسلمين من يحتج بكل حديث رواه كل مصنف، ~~فكل حديث يحتج به نطالبه من أول مقام بصحته. # ومجرد عزوه إلى رواية الثعلبي ونحوه ليس دليلا على صحته باتفاق أهل العلم ~~بالنقل. ولهذا لم يروه أحد من علماء الحديث في شيء من كتبهم التي ترجع ~~الناس إليها في الحديث، لا [في] (2) الصحاح ولا في السنن ولا المسانيد (3) ~~وغير ذلك ; لأن كذب مثل هذا لا يخفى على من له أدنى معرفة بالحديث. # وإنما هذا عند أهل العلم بمنزلة ظن من يظن من العامة - وبعض من يدخل في ~~غمار الفقهاء - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان على أحد المذاهب ~~الأربعة، وأن أبا حنيفة ونحوه كانوا من قبل النبي - صلى الله عليه ~~PageV07P042 # وسلم -، أو كما يظن طائفة من التركمان أن حمزة له مغاز عظيمة وينقلونها ~~بينهم، والعلماء متفقون على أنه لم يشهد إلا بدرا وأحدا وقتل يوم أحد، ومثل ~~ما يظن كثير من الناس أن في مقابر دمشق من أزواج النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - أم سلمة وغيرها، ومن أصحابه أبي بن كعب، وأويس القرني وغيرهما. # وأهل العلم يعلمون أن أحدا من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ~~يقدم دمشق، ولكن كان في الشام أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصاري، وكان أهل ~~الشام يسمونها أم سلمة، فظن الجهال أنها أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -. وأبي بن كعب مات بالمدينة. وأويس تابعي لم يقدم الشام. \ 507 ومثل ~~من يظن من الجهال أن قبر علي بباطن النجف. وأهل العلم - بالكوفة وغيرها - ~~يعلمون بطلان هذا، ويعلمون أن عليا ومعاوية وعمرو بن العاص كل منهم دفن في ~~قصر الإمارة ببلده، خوفا ms1603 عليه (1) من الخوارج أن ينبشوه، فإنهم كانوا ~~تحالفوا على قتل الثلاثة، فقتلوا عليا وجرحوا معاوية. # وكان عمرو بن العاص قد استخلف رجلا يقال له (2) خارجة، فضربه القاتل يظنه ~~عمرا فقتله، فتبين أنه خارجة، فقال: أردت عمرا وأراد الله خارجة، فصار ~~مثلا. # ومثل هذا كثير مما يظنه كثير من الجهال. وأهل العلم بالمنقولات يعلمون ~~خلاف ذلك. PageV07P043 # الوجه الثاني: أن نقول (1) : في نفس هذا الحديث ما يدل على أنه كذب من ~~وجوه كثيرة ; فإن فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كان بغدير ~~يدعى خما نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيدي علي وقال: من كنت مولاه فعلي ~~مولاه، وأن هذا قد شاع وطار بالبلاد، وبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، ~~وأنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - على ناقته وهو في الأبطح وأتى وهو ~~في ملأ من الصحابة، فذكر أنهم امتثلوا أمره بالشهادتين والصلاة والزكاة ~~والصيام والحج، ثم قال: " ألم ترضى بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضله ~~علينا " وقلت: «من كنت مولاه فعلي مولاه» ؟ وهذا منك أم (2) من الله؟ فقال ~~النبي - صلى الله عليه وسلم -: هو من أمر الله (3) ، فولى الحارث بن ~~النعمان يريد راحلته، وهو يقول: {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر ~~علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} ، فما وصل إليها حتى رماه الله ~~بحجر، فسقط على هامته، وخرج من دبره فقتله، وأنزل الله: {سأل سائل بعذاب ~~واقع - للكافرين} [سورة المعارج: 1، 2] الآية. فيقال لهؤلاء الكذابين: أجمع ~~الناس كلهم على أن ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - بغدير خم (4) كان ~~مرجعه من حجة الوداع. والشيعة تسلم هذا، وتجعل ذلك اليوم عيدا وهو اليوم ~~الثامن عشر من ذي الحجة. والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرجع إلى مكة ~~بعد ذلك، بل رجع من حجة الوداع إلى المدينة، وعاش تمام ذي الحجة والمحرم ~~وصفر، وتوفي في أول ربيع الأول. PageV07P044 # وفي هذا الحديث يذكر أنه بعد أن قال هذا بغدير خم وشاع في البلاد، جاءه ~~الحارث وهو ms1604 بالأبطح، والأبطح (1) بمكة، فهذا كذب جاهل لم يعلم متى كانت قصة ~~غدير خم. # وأيضا (2) فإن هذه السورة - سورة سأل سائل - مكية باتفاق أهل العلم، نزلت ~~بمكة قبل الهجرة، فهذه نزلت قبل غدير خم بعشر سنين أو أكثر من ذلك، فكيف ~~[تكون] (3) نزلت بعده؟ . # وأيضا قوله: {وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك} [سورة ~~الأنفال: 32] في سورة الأنفال، وقد نزلت عقيب بدر (4) بالاتفاق قبل غدير خم ~~بسنين كثيرة، وأهل التفسير متفقون على أنها نزلت بسبب ما قاله المشركون ~~للنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الهجرة، كأبي جهل وأمثاله، وأن الله ذكر ~~نبيه بما كانوا يقولونه (5) بقوله: {وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من ~~عندك فأمطر علينا حجارة من السماء} أي اذكر قولهم، كقوله: {وإذ قال ربك ~~للملائكة} [سورة البقرة: 30] ، {وإذ غدوت من أهلك} [سورة آل عمران: 121] ، ~~ونحو ذلك: يأمره بأن يذكر كل ما تقدم. فدل على أن هذا القول كان قبل نزول ~~هذه السورة. # وأيضا فإنهم لما استفتحوا بين الله أنه لا ينزل عليهم العذاب ومحمد - صلى ~~الله عليه وسلم - فيهم ; فقال: PageV07P045 # {وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من ~~السماء أو ائتنا بعذاب أليم} [سورة الأنفال: 32] ثم قال الله تعالى: {وما ~~كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [سورة ~~الأنفال: 33] واتفق الناس على أن أهل مكة لم تنزل عليهم حجارة من السماء ~~لما قالوا ذلك، فلو كان هذا آية لكان من جنس آية أصحاب الفيل، ومثل هذا مما ~~تتوفر الهمم والدواعي على نقله. # ولو أن الناقل طائفة من أهل العلم، فلما كان هذا لا يرويه أحد من ~~المصنفين في العلم: لا المسند، ولا الصحيح، ولا الفضائل، ولا التفسير، ولا ~~السير ونحوها، إلا ما يروى بمثل هذا الإسناد المنكر - علم (1) أنه كذب ~~وباطل. # وأيضا فقد ذكر (2) في هذا الحديث أن هذا القائل أمر بمباني الإسلام ~~الخمس، وعلى هذا فقد كان مسلما فإنه قال: " فقبلناه (3) منك. ومن ms1605 المعلوم ~~بالضرورة أن أحدا من المسلمين على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ~~يصبه هذا. # وأيضا فهذا الرجل لا يعرف في الصحابة، بل هو من جنس الأسماء التي يذكرها ~~الطرقية، من جنس الأحاديث التي في سيرة عنتر ودلهمة. وقد صنف الناس كتبا ~~كثيرة في أسماء الصحابة الذين ذكروا في شيء من الحديث، حتى في الأحاديث ~~الضعيفة، مثل كتاب " الاستيعاب " لابن PageV07P046 # عبد البر، وكتاب ابن منده، وأبي نعيم الأصبهاني، والحافظ أبي موسى، ونحو ~~ذلك. ولم يذكر أحد منهم هذا الرجل، فعلم أنه ليس له ذكر في شيء من ~~الروايات، فإن هؤلاء لا يذكرون إلا ما رواه أهل العلم، لا يذكرون أحاديث ~~الطرقية، مثل " تنقلات الأنوار " للبكري الكذاب (1) وغيره. # الوجه الثالث: أن يقال: أنتم ادعيتم أنكم أثبتم إمامته بالقرآن، والقرآن ~~ليس في ظاهره ما يدل على ذلك أصلا ; فإنه قال: {بلغ ما أنزل إليك من ربك} ~~[سورة المائدة: 67] . وهذا اللفظ عام في جميع ما أنزل إليه من ربه، لا يدل ~~على شيء معين. # فدعوى المدعى أن إمامة علي هي (2) مما بلغها، أو مما (3) أمر بتبليغها، ~~لا تثبت بمجرد القرآن، فإن القرآن ليس فيه دلالة على شيء معين، فإن ثبت ذلك ~~بالنقل كان ذلك إثباتا بالخبر لا بالقرآن. فمن ادعى أن القرآن يدل على [أن] ~~(4) إمامة علي مما أمر بتبليغه، فقد افترى على القرآن، فالقرآن لا يدل على ~~ذلك عموما ولا خصوصا. # الوجه الرابع (5) : أن يقال: هذه الآية، مع ما علم من أحوال النبي - صلى ~~الله عليه وسلم -، تدل على نقيض ما ذكروه، وهو أن الله لم ينزلها عليه، ولم ~~يأمره بها (6) ، فإنها لو كانت مما أمره الله بتبليغه، لبلغه ; فإنه لا ~~يعصي الله في ذلك. PageV07P047 # ولهذا قالت عائشة - رضي الله عنها -: " من زعم أن محمدا كتم شيئا من ~~الوحي فقد كذب، والله تعالى يقول: {ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ~~وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} [سورة المائدة: 67] . # لكن أهل العلم يعلمون بالاضطرار أن النبي - صلى الله عليه وسلم ms1606 - لم يبلغ ~~شيئا من إمامة علي، ولهم على هذا طرق كثيرة يثبتون بها هذا العلم. # منها: أن هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فلو كان له أصل لنقل، ~~كما نقل أمثاله من حديثه، لا سيما مع كثرة ما ينقل من فضائل علي، من الكذب ~~الذي لا أصل له، فكيف لا ينقل الحق [الصدق] (1) الذي قد بلغ للناس؟ ! . # ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أمته بتبليغ ما سمعوا منه، فلا ~~يجوز عليهم كتمان ما أمرهم الله بتبليغه. # ومنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مات، وطلب بعض الأنصار أن ~~يكون منهم أمير ومن المهاجرين أمير، فأنكر (2) ذلك عليه، وقالوا: الإمارة ~~لا تكون إلا في قريش، وروى الصحابة في [مواطن] (3) متفرقة الأحاديث عن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - في (4) : " أن «الإمامة في قريش» " (5) ~~PageV07P048 # ولم يرو واحد (1) منهم: لا في ذلك المجلس ولا غيره، ما يدل على إمامة ~~علي. # وبايع المسلمون أبا بكر، وكان أكثر بني عبد مناف - من بني أمية وبني هاشم ~~وغيرهم - لهم ميل قوي إلى علي بن أبي طالب يختارون ولايته، ولم يذكر أحد ~~منهم هذا النص. وهكذا أجري الأمر (2) في عهد عمر وعثمان، وفي عهده أيضا لما ~~صارت له ولاية، ولم يذكر (3) هو ولا أحد من أهل بيته ولا من الصحابة ~~المعروفين هذا النص، وإنما ظهر هذا النص بعد ذلك. # وأهل العلم بالحديث والسنة الذين يتولون عليا ويحبونه، ويقولون (4) : إنه ~~كان الخليفة بعد عثمان، كأحمد بن حنبل وغيره من الأئمة، قد نازعهم (5) في ~~ذلك طوائف من أهل العلم وغيرهم، وقالوا: كان زمانه زمان فتنة واختلاف (6) ~~بين الأمة، لم تتفق الأمة فيه لا عليه ولا على غيره. PageV07P049 # وقال طوائف من الناس كالكرامية: بل هو كان إماما ومعاوية إماما، وجوزوا ~~أن يكون للناس إمامان للحاجة. وهكذا قالوا في زمن ابن الزبير ويزيد، حيث لم ~~يجدوا الناس اتفقوا على إمام. # وأحمد بن حنبل، مع أنه أعلم أهل زمانه بالحديث، احتج على إمامة علي ~~بالحديث الذي في السنن: " «تكون خلافة ms1607 النبوة ثلاثين سنة، ثم تصير ملكا» " ~~(1) . وبعض الناس ضعف هذا الحديث، لكن أحمد وغيره يثبتونه، فهذا عمدتهم من ~~النصوص على خلافة علي، فلو ظفروا بحديث مسند أو مرسل موافق لهذا لفرحوا به. # فعلم أن ما تدعيه الرافضة من النص، هو مما لم يسمعه أحد من أهل العلم ~~بأقوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا قديما ولا حديثا. # ولهذا كان أهل العلم بالحديث يعلمون بالضرورة كذب هذا النقل، كما يعلمون ~~كذب غيره من المنقولات المكذوبة. # وقد جرى تحكيم الحكمين، ومعه أكثر الناس، فلم يكن في المسلمين من أصحابه ~~ولا غيرهم من ذكر هذا النص، مع كثرة شيعته، ولا فيهم من احتج به، في مثل ~~هذا المقام الذي تتوفر فيه الهمم والدواعي على إظهار مثل هذا النص. # ومعلوم أنه لو كان النص معروفا عند شيعة علي - فضلا عن غيرهم - ; لكانت ~~العادة المعروفة تقتضي أن يقول أحدهم: هذا نص رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - على خلافته، فيجب تقديمه على معاوية. # وأبو موسى نفسه كان من خيار المسلمين، لو (2) علم أن النبي - صلى الله ~~PageV07P050 # عليه وسلم - نص عليه لم يستحل عزله، ولو عزله لكان من أنكر عزله (1) عليه ~~يقول: كيف تعزل من نص النبي - صلى الله عليه وسلم - على خلافته؟ . # وقد احتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: " «تقتل عمارا الفئة الباغية» ~~" وهذا الحديث خبر واحد أو اثنين أو ثلاثة ونحوهم، وليس هذا متواترا (2) . ~~والنص عند القائلين به متواتر، فيا لله العجب كيف ساغ (3) عند الناس احتجاج ~~شيعة علي بذلك الحديث، ولم يحتج أحد منهم بالنص؟ . ### | [فصل البرهان الثالث " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (4) : " البرهان الثالث: قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم ~~وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} [سورة المائدة: 3] روى أبو ~~نعيم بإسناده إلى أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه (5) - «أن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - دعا الناس إلى غدير خم (6) ، وأمر بإزالة ما تحت الشجر من ~~الشوك (7) ، فقام (8) فدعا PageV07P051 # عليا، فأخذ (1) بضبعيه فرفعهما ms1608، حتى نظر الناس إلى [بياض] (2) إبطي رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية: {اليوم ~~أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} [سورة ~~المائدة: 3] . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الله أكبر على إكمال ~~الدين، وإتمام النعمة، ورضا الرب برسالتي، وبالولاية لعلي من بعدي. ثم قال: ~~من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من ~~نصره، واخذل من خذله» ". # والجواب من وجوه: أحدها: أن المستدل عليه بيان صحة الحديث. # ومجرد عزوه إلى رواية أبي نعيم لا تفيد الصحة باتفاق الناس: علماء السنة ~~والشيعة ; فإن أبا نعيم روى كثيرا من الأحاديث التي هي ضعيفة، بل موضوعة ~~باتفاق علماء أهل الحديث: السنة والشيعة. وهو وإن كان حافظا (3) كثير ~~الحديث واسع الرواية، لكن روى، كما عادة المحدثين أمثاله يروون جميع ما في ~~الباب ; لأجل المعرفة بذلك، وإن كان لا يحتج من ذلك إلا ببعضه. والناس في ~~مصنفاتهم: منهم من لا يروي عمن يعلم أنه يكذب، مثل مالك، وشعبة، ويحيى بن ~~سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل ; فإن هؤلاء لا يروون عن شخص ليس ~~بثقة عندهم، PageV07P052 # ولا يروون حديثا يعلمون أنه عن كذاب، فلا يروون أحاديث الكذابين الذين ~~يعرفون بتعمد الكذب، لكن قد يتفق فيما يروونه ما يكون صاحبه أخطأ فيه. # وقد يروي الإمام أحمد وإسحاق وغيرهما أحاديث تكون ضعيفة عندهم ; لاتهام ~~رواتها بسوء الحفظ ونحو ذلك، ليعتبر بها ويستشهد بها، فإنه قد يكون لذلك ~~الحديث ما يشهد له أنه محفوظ، وقد يكون له ما يشهد بأنه خطأ وقد يكون ~~صاحبها كذبها (1) في الباطن، ليس مشهورا بالكذب، بل يروي كثيرا من الصدق، ~~فيروى حديثه. # وليس كل ما رواه الفاسق يكون كذبا، بل يجب التبين (2) من خبره كما قال ~~تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا} [سورة الحجرات: 6] ~~فيروى لتنظر سائر الشواهد: هل تدل على الصدق أو الكذب؟ . # وكثير من المصنفين يعز عليه تمييز ذلك على وجهه ms1609، بل يعجز عن ذلك، فيروي ~~ما سمعه كما سمعه، والدرك على غيره لا عليه، وأهل العلم ينظرون في ذلك وفي ~~رجاله وإسناده. # الوجه الثاني: أن هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة ~~بالموضوعات. وهذا يعرفه أهل العلم (3) بالحديث، والمرجع إليهم في ذلك. ~~ولذلك (4) لا يوجد هذا في شيء من كتب الحديث التي يرجع إليها أهل العلم ~~بالحديث. PageV07P053 # الوجه الثالث: أنه قد ثبت في الصحاح والمساند (1) والتفسير أن هذه الآية ~~نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة، «وقال رجل من اليهود ~~لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرءونها ; لو علينا معشر ~~اليهود نزلت لاتخذنا ذلك [اليوم] (2) عيدا. فقال له عمر: وأي آية هي؟ قال: ~~قوله: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} ~~[سورة المائدة: 3] فقال عمر: إني لأعلم أي يوم نزلت، وفي أي مكان نزلت. ~~نزلت (3) يوم عرفة بعرفة (4) ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقف ~~بعرفة» . وهذا مستفيض من زيادة وجوه أخر (5) . وهو منقول في كتب المسلمين: ~~الصحاح والمساند والجوامع والسير والتفسير (6) وغير ذلك (7) . # وهذا اليوم كان قبل غدير خم بتسعة أيام، فإنه كان يوم الجمعة تاسع ذي ~~الحجة، فكيف يقال: إنها نزلت يوم الغدير؟ ! . # الوجه الرابع: أن هذه الآية ليس فيها دلالة على علي ولا إمامته بوجه ~~PageV07P054 # من الوجوه، بل فيها إخبار الله بإكمال الدين وإتمام النعمة على المؤمنين، ~~ورضا الإسلام دينا. فدعوى المدعي أن القرآن يدل على إمامته من هذا الوجه ~~كذب ظاهر. # وإن قال: الحديث يدل على ذلك. # فيقال: الحديث إن كان صحيحا، فتكون الحجة من الحديث لا من الآية. وإن لم ~~يكن صحيحا فلا حجة في هذا ولا في هذا. # فعلى التقديرين لا دلالة في الآية على ذلك. وهذا مما يبين به (1) كذب ~~الحديث، فإن نزول الآية لهذا السبب، وليس فيها ما يدل عليه أصلا، تناقض. # الوجه الخامس: أن هذا اللفظ، وهو قوله: " «اللهم وال من والاه، وعاد من ~~عاداه، وانصر من نصره، واخذل من ms1610 خذله» " كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث. # وأما قوله: " «من كنت مولاه فعلي مولاه» " فلهم فيه قولان، وسنذكره - إن ~~شاء الله - في موضعه. # الوجه السادس: أن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - مجاب، وهذا الدعاء ~~ليس بمجاب، فعلم أنه ليس من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه من ~~المعلوم أنه لما تولى كان الصحابة وسائر المسلمين ثلاثة أصناف: صنف قاتلوا ~~معه، وصنف قاتلوه، وصنف قعدوا عن هذا وهذا. وأكثر السابقين الأولين كانوا ~~من القعود. وقد قيل: إن بعض السابقين الأولين قاتلوه. وذكر ابن حزم أن عمار ~~بن ياسر قتله أبو الغادية (2) ، وأن أبا الغادية PageV07P055 # هذا من السابقين، ممن بايع تحت الشجرة. وأولئك جميعهم قد ثبت في الصحيحين ~~أنه لا يدخل النار منهم أحد. # ففي صحيح مسلم وغيره عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ~~" «لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة» " (1) . # وفي الصحيح «أن غلام حاطب بن أبي بلتعة قال: يا رسول الله، ليدخلن حاطب ~~النار. فقال: " كذبت ; إنه شهد بدرا والحديبية» " (2) . # وحاطب هذا هو الذي كاتب المشركين بخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ~~وبسبب ذلك نزل (3) : {ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ~~تلقون إليهم بالمودة} [سورة الممتحنة: 1] الآية، وكان مسيئا إلى مماليكه، ~~ولهذا قال مملوكه هذا القول، وكذبه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: " ~~إنه شهد بدرا والحديبية " وفي الصحيح: " «لا يدخل النار أحد بايع تحت ~~الشجرة» ". # وهؤلاء فيهم ممن قاتل عليا، كطلحة (4) والزبير، وإن كان قاتل عمار فيهم ~~فهو أبلغ من غيره. # وكان الذين بايعوه تحت الشجرة نحو ألف وأربعمائة، وهم الذين فتح الله ~~عليهم (5) خيبر (6) ، كما وعدهم الله بذلك في سورة الفتح، وقسمها بينهم ~~PageV07P056 # النبي - صلى الله عليه وسلم - على ثمانية عشر سهما ; لأنه كان فيهم مائتا ~~فارس، فقسم للفارس ثلاثة أسهم: سهما له، وسهمين لفرسه، فصار لأهل الخيل ~~ستمائة سهم، ولغيرهم ألف ومائتا سهم. هذا هو الذي ثبت في الأحاديث الصحيحة ~~(1) ، وعليه أكثر أهل العلم، كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم. وقد ذهب ms1611 طائفة ~~إلى أنه أسهم للفارس سهمين، وأن الخيل كانت ثلاثمائة، كما يقول ذلك من ~~يقوله من أصحاب أبي حنيفة. # وأما علي فلا ريب أنه قاتل معه طائفة من السابقين الأولين، كسهل بن حنيف، ~~وعمار بن ياسر. لكن الذين لم يقاتلوا معه كانوا أفضل، فإن سعد بن أبي وقاص ~~لم يقاتل معه، ولم يكن قد بقي من الصحابة بعد علي أفضل منه. وكذلك محمد بن ~~مسلمة من الأنصار (2) ، وقد جاء في (3) الحديث: " «أن الفتنة لا تضره» " ~~(4) فاعتزل. وهذا مما استدل به على أن القتال كان قتال فتنة بتأويل، لم يكن ~~من الجهاد الواجب ولا المستحب. # وعلي - ومن معه - أولى بالحق من معاوية وأصحابه، كما ثبت عن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - أنه قال: " «تمرق مارقة على خير فرقة من المسلمين، تقتلهم ~~أولى الطائفتين بالحق» " (5) فدل هذا الحديث على أن عليا أولى بالحق ممن ~~قاتله ; فإنه هو الذي قتل الخوارج لما افترق المسلمون، فكان قوم معه وقوم ~~عليه. ثم إن هؤلاء الذين قاتلوه لم يخذلوا، بل ما زالوا (6) PageV07P057 # منصورين يفتحون البلاد ويقتلون الكفار. # وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «لا تزال طائفة ~~من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم ~~الساعة» " (1) قال: " معاذ بن جبل: " وهم بالشام ". # وفي مسلم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «لا ~~يزال أهل الغرب ظاهرين حتى تقوم الساعة» " (2) . قال أحمد بن حنبل وغيره: " ~~أهل الغرب هم أهل الشام ". # وهذا كما ذكروه ; فإن كل بلد له غرب وشرق، والاعتبار في لفظ النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - بغرب مدينته، ومن الفرات هو غرب المدينة، فالبيرة (3) ~~ونحوها على سمت المدينة، كما أن حران (4) والرقة (5) وسميساط (6) ونحوها ~~على سمت مكة. ولهذا يقال: إن قبلة هؤلاء أعدل القبل، بمعنى أنك تجعل القطب ~~الشمالي خلف ظهرك، فتكون مستقبل الكعبة، فما كان غربي الفرات فهو غربي ~~المدينة إلى آخر الأرض، وأهل الشام أول هؤلاء. PageV07P058 # والعسكر الذين قاتلوا مع معاوية ms1612 ما خذلوا قط، بل ولا في قتال علي. فكيف ~~يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «اللهم اخذل من خذله وانصر من ~~نصره» " [والذين قاتلوا معه لم ينصروا على هؤلاء، بل الشيعة الذين تزعمون ~~أنهم مختصون بعلي ما زالوا مخذولين مقهورين لا ينصرون إلا مع غيرهم: إما ~~مسلمين وإما كفار، وهم يدعون أنهم أنصاره] (1) ، فأين نصر الله لمن نصره؟ ! ~~وهذا وغيره مما يبين كذب هذا الحديث. ### | [فصل البرهان الرابع " والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى " والجواب عليه] # فصل. # قال الرافضي (2) : " البرهان الرابع: قوله تعالى: (والنجم {إذا هوى - ما ~~ضل صاحبكم وما غوى} [سورة النجم: 1 - 2] روى الفقيه علي بن المغازلي (3) ~~الشافعي بإسناده «عن ابن عباس، قال: كنت جالسا مع فتية من بني هاشم عند ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ انقض كوكب، فقال رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم -: " من انقض هذا النجم في منزله، فهو الوصي من بعدي " فقام فتية ~~من بني هاشم، فنظروا، فإذا الكوكب قد انقض في منزل علي (4) ، قالوا: يا ~~رسول الله قد (5) غويت في حب علي، فأنزل الله تعالى: ( PageV07P059 # {والنجم إذا هوى - ما ضل صاحبكم وما غوى} » [سورة النجم: 1 - 2] . # والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحته، كما تقدم. وذلك أن القول بلا ~~علم حرام بالنص والإجماع. # قال تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} [سورة الإسراء: 36] . # وقال: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير ~~الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا ~~تعلمون} [سورة الأعراف: 33] . # وقال: {ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به ~~علم} [سورة آل عمران: 66] . # وقال: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم} [سورة الحج: 3] . # وقال: {الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله ~~وعند الذين آمنوا} [سورة غافر: 35] (1) . # والسلطان الذي أتاهم هو الحجة الآتية من عند الله، كما قال: {أم أنزلنا ~~عليهم سلطانا فهو يتكلم بما ms1613 كانوا به يشركون} [سورة الروم: 35] وقال: {أم ~~لكم سلطان مبين فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين} [سورة الصافات: 156 - 157] . # وقال: {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من ~~سلطان} [سورة النجم: 23] PageV07P060 # فما جاءت به الرسل عن الله فهو سلطان، فالقرآن (1) سلطان، والسنة سلطان، ~~لكن لا يعرف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء به إلا بالنقل الصادق عن ~~الله، فكل من احتج بشيء منقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعليه أن ~~يعلم صحته، قبل أن يعتقد موجبه ويستدل به. وإذا احتج به على غيره، فعليه ~~بيان صحته، وإلا كان قائلا بلا علم، مستدلا بلا علم. # وإذا علم أن في الكتب المصنفة في الفضائل ما هو كذب، صار الاعتماد على ~~مجرد ما فيها، مثل الاستدلال بشهادة الفاسق، الذي يصدق تارة ويكذب أخرى. بل ~~لو لم يعلم أن فيها كذبا، لم يفدنا علما حتى نعلم (2) ثقة من رواها. # وبيننا وبين الرسول مئون من السنين (3) ، ونحن نعلم بالضرورة أن فيما ~~ينقل الناس عنه وعن غيره صدقا وكذبا (4) ، وقد روى عنه أنه قال: سيكذب علي، ~~فإن كان هذا الحديث صدقا، فلا بد أن يكذب عليه، وإن كان كذبا فقد كذب عليه. ~~وإن (5) كان كذلك لم يجز لأحد أن يحتج في مسألة فرعية بحديث حتى يبين ما به ~~يثبت، فكيف يحتج في مسائل الأصول، التي يقدح فيها في خيار القرون وجماهير ~~المسلمين وسادات أولياء الله المقربين، بحيث لا يعلم المحتج به صدقه؟ . ~~PageV07P061 # وهو لو قيل له: أتعلم أن هذا واقع؟ فإن قال: أعلم ذلك، فقد كذب. فمن أين ~~(1) يعلم وقوعه؟ ويقال له: من أين علمت صدق ذلك، وذلك [مما] (2) لا يعرف ~~إلا بالإسناد (3) ومعرفة أحوال الرواة؟ وأنت لا تعرفه، ولو أنك عرفته لعرفت ~~أن هذا كذب. # وإن قال: لا أعلم ذلك. فكيف يسوغ لك (4) الاحتجاج بما لا تعلم (5) صحته؟ ~~. # الثاني: أن هذا كذب باتفاق أهل العلم بالحديث. وهذا المغازلي (6) ليس من ~~أهل الحديث، كأبي نعيم وأمثاله، ولا هو أيضا (7) من جامعي العلم ms1614 الذين ~~يذكرون ما غالبه حق وبعضه باطل ; كالثعلبي وأمثاله، بل هذا لم يكن الحديث ~~من صنعته، فعمد إلى ما وجده من كتب الناس من فضائل علي فجمعها، كما فعل ~~أخطب خوارزم، وكلاهما لا يعرف الحديث، وكل منهما يروي فيما جمعه من ~~الأكاذيب الموضوعة، ما لا يخفى أنه كذب على أقل علماء النقل والحديث (8) . # ولسنا نعلم (9) أن أحدهما يتعمد) (10) الكذب فيما ينقله (11) ، لكن الذي ~~PageV07P062 # تيقناه أن الأحاديث التي يروونها (1) فيها ما هو كذب كثير (2) باتفاق أهل ~~العلم، وما قد كذبه الناس قبلهم، وهما - وأمثالهما - قد يروون ذلك ولا ~~يعلمون أنه كذب، وقد يعلمون أنه كذب. فلا أدري هل كانا من أهل العلم بأن ~~هذا كذب؟ أو كانا مما لا يعلمان ذلك؟ . # وهذا الحديث ذكره الشيخ (3) أبو الفرج في " الموضوعات " (4) لكن بسياق ~~آخر (5) ، من حديث محمد بن مروان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس ~~قال: «لما عرج بالنبي (6) - صلى الله عليه وسلم - إلى السماء السابعة، ~~وأراه الله من العجائب في كل سماء، فلما أصبح (7) جعل يحدث الناس عن عجائب ~~ربه (8) ، فكذبه من أهل مكة من كذبه، وصدقه من صدقه، فعند ذلك انقض نجم من ~~السماء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: في دار من (9) وقع [هذا النجم] ~~(10) فهو خليفتي من بعدي، فطلبوا (11) ذلك النجم (12) فوجدوه في دار علي بن ~~أبي طالب [- رضي الله عنه -] (13) فقال أهل مكة: PageV07P063 # ضل محمد وغوى، وهوى أهل بيته (1) ، ومال إلى ابن عمه علي بن أبي طالب - ~~رضي الله عنه - فعند ذلك نزلت هذه السورة: {والنجم إذا هوى - ما ضل صاحبكم ~~وما غوى} (2) [سورة النجم: 1 - 2] . قال:» أبو الفرج (3) : " هذا حديث ~~موضوع لا شك فيه، وما أبرد الذي وضعه، وما أبعد ما ذكر، وفي إسناده ظلمات ~~منها أبو صالح وكذلك (4) الكلبي ومحمد بن مروان السدي، والمتهم به الكلبي. ~~قال أبو حاتم بن حبان (5) : كان الكلبي من الذين يقولون: إن عليا لم يمت، ~~وإنه يرجع إلى الدنيا، وإن رأوا سحابة قالوا: أمير المؤمنين فيها. لا يحل ~~الاحتجاج به ms1615. قال: والعجب (6) من تغفيل (7) من وضع هذا الحديث، كيف رتب ما ~~لا يصح (8) في المعقول (9) من أن النجم يقع في دار ويثبت إلى أن يرى (10) ، ~~ومن بلهه أنه وضع هذا الحديث على ابن عباس، وكان ابن عباس زمن (11) المعراج ~~ابن سنتين، فكيف يشهد تلك الحالة (12) ويرويها؟ ". PageV07P064 # قلت: إذا لم يكن هذا الحديث في تفسير الكلبي المعروف عنه، فهو مما وضع ~~بعده. وهذا هو الأقرب. قال أبو الفرج (1) : وقد سرق هذا الحديث بعينه قوم ~~وغيروا إسناده، ورووه (2) بإسناد غريب (3) من طريق أبي بكر العطار، عن ~~سليمان بن أحمد المصري، ومن طريق أبي قضاعة ربيعة بن محمد، حدثنا ثوبان بن ~~إبراهيم، حدثنا مالك بن غسان النهشلي، عن أنس (4) قال: " «انقض كوكب على ~~عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ~~انظروا إلى هذا الكوكب فمن انقض في داره فهو خليفة (5) من بعدي. قال: ~~فنظرنا، فإذا هو قد (6) انقض في منزل علي (7) ، فقال جماعة (8) : قد غوى ~~محمد في حب علي (9) . فأنزل الله تعالى: {والنجم إذا هوى - ما ضل صاحبكم ~~وما غوى} » الآيات (10) [سورة PageV07P065 # النجم: 1 - 2] قال أبو الفرج (1) : وهذا [الحديث] هو المتقدم (2) سرقه ~~(3) بعض هؤلاء الرواة فغير (4) إسناده، ومن تغفيله وضعه إياه على أنس فإن ~~أنسا لم يكن بمكة زمن المعراج (5) ، ولا حين نزول هذه السورة (6) ; لأن ~~المعراج كان قبل الهجرة بسنة، وأنس إنما عرف رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - بالمدينة، وفي هذا الإسناد ظلمات. أما مالك النهشلي فقال ابن حبان: ~~يأتي عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات، وأما ثوبان فهو أخو ذي النون ~~المصري ضعيف في الحديث، وأبو قضاعة منكر الحديث متروكه، وأبو بكر (7) ~~العطار وسليمان بن أحمد مجهولان ". # الوجه الثالث: أنه مما يبين أنه كذب أن فيه ابن عباس شهد نزول سورة النجم ~~حين انقض الكوكب في منزل علي، وسورة النجم باتفاق الناس من أول ما نزل ~~بمكة، وابن عباس حين مات النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مراهقا للبلوغ ~~لم يحتلم بعد، هكذا ثبت عنه ms1616 في الصحيحين. فعند نزول هذه الآية: إما أن ابن ~~عباس لم يكن ولد بعد، وإما أنه كان طفلا لا يميز، فإن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - لما هاجر كان لابن عباس نحو خمس (8) سنين، والأقرب أنه لم يكن ~~ولد عند نزول سورة النجم، فإنها من أوائل ما نزل من القرآن. PageV07P066 # الوجه الرابع: أنه لم ينقض قط كوكب إلى الأرض بمكة ولا بالمدينة ولا ~~غيرهما. ولما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - كثر الرمي بالشهب، ومع هذا ~~فلم (1) ينزل كوكب إلى الأرض. وهذا ليس من الخوارق التي تعرف في العالم، بل ~~هو من الخوارق التي لا يعرف مثلها في العالم، ولا يروي مثل هذا إلا من [هو ~~من] أوقح (2) الناس، وأجرئهم على الكذب، وأقلهم حياء ودينا، ولا يروج إلا ~~على من هو من أجهل الناس وأحمقهم، وأقلهم معرفة وعلما. # الوجه الخامس: أن نزول سورة النجم كان في أول الإسلام، وعلي إذ ذاك كان ~~صغيرا، والأظهر أنه لم يكن احتلم (3) ولا تزوج بفاطمة، ولا شرع بعد فرائض ~~الصلاة أربعا وثلاثا واثنين، ولا فرائض الزكاة، ولا حج البيت (4) ، ولا صوم ~~رمضان (5) ، ولا عامة قواعد الإسلام. # وأمر الوصية بالإمامة لو كان حقا إنما يكون في آخر الأمر كما ادعوه يوم ~~غدير خم، فكيف يكون قد نزل في ذلك الوقت؟ . # الوجه السادس: أن أهل العلم بالتفسير متفقون على خلاف هذا، وأن النجم ~~المقسم به: إما نجوم السماء، وإما نجوم القرآن، ونحو ذلك. ولم يقل أحد: إنه ~~كوكب نزل في دار أحد بمكة. # الوجه السابع: أن من قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " غويت " ~~PageV07P067 # ، فهو كافر، والكفار لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرهم بالفروع ~~قبل الشهادتين والدخول في الإسلام. # الوجه الثامن: أن هذا النجم إن كان صاعقة، فليس نزول الصاعقة في بيت شخص ~~كرامة له، وإن كان من نجوم السماء فهذه لا تفارق الفلك، وإن كان من الشهب ~~فهذه (1) يرمى بها رجوما للشياطين، وهي لا تنزل إلى الأرض. ولو قدر أن ~~الشيطان الذي ms1617 رمي بها وصل إلى بيت علي حتى احترق بها، فليس هذا كرامة له، ~~مع أن هذا لم (2) يقع قط. ### | [فصل البرهان الخامس " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " والجواب عليه] # فصل قال الرافضي (3) : " البرهان الخامس: قوله تعالى: {إنما يريد الله ~~ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} [سورة الأحزاب: 33] . فروى (4) ~~. (5) في مسنده عن واثلة بن الأسقع قال: «طلبت عليا في (6) منزله، فقالت ~~فاطمة [- رضي الله عنها -] (7) : ذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم ~~-. قال: فجاءا جميعا فدخلا ودخلت معهما، فأجلس عليا عن يساره، وفاطمة عن ~~يمينه، والحسن والحسين بين يديه، ثم التفع عليهم (8) بثوبه، PageV07P068 # وقال: " {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} ~~اللهم إن هؤلاء أهلي حقا (1) .» «وعن أم سلمة قالت: إن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - كان في بيتها، فأتته فاطمة - رضي الله عنها - (2) ببرمة فيها ~~حريرة، فدخلت بها عليه، فقال (3) : " ادعي (4) زوجك وابنيك. قالت: فجاء علي ~~والحسن والحسين (5) فدخلوا وجلسوا يأكلون (6) من تلك الحريرة، وهو وهم على ~~منام له علي (7) ، وكان تحته كساء خيبري (8) . قالت: وأنا في الحجرة أصلي ~~(9) ، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل ~~البيت ويطهركم تطهيرا} قالت: فأخذ فضل الكساء وكساهم به، ثم أخرج يده فألوى ~~بها) (10) . إلى السماء، وقال: " هؤلاء أهل بيتي، فأذهب (11) عنهم الرجس ~~PageV07P069 # وطهرهم تطهيرا، وكرر (1) ذلك. قالت: فأدخلت رأسي وقلت: وأنا معهم (2) يا ~~رسول الله قال: إنك إلى (3) خير.» وفي هذه الآية دلالة على العصمة، مع ~~التأكيد بلفظه: " إنما " وإدخال (4) اللام في الخبر، والاختصاص في الخطاب ~~بقوله: [" أهل البيت " والتكرير بقوله: " ويطهركم " والتأكيد بقوله:] (5) " ~~تطهيرا ". وغيرهم ليس بمعصوم، فتكون الإمامة (6) في علي ; ولأنه (7) ادعاها ~~في عدة من أقواله، كقوله: والله لقد تقمصها (8) ابن أبي قحافة، وهو يعلم ~~(9) أن محلي منها محل القطب من الرحى. وقد ثبت نفي الرجس عنه، فيكون صادقا، ~~فيكون هو الإمام ". والجواب: أن هذا الحديث (10) صحيح في الجملة ; فإنه قد ~~ثبت عن النبي - صلى الله ms1618 عليه وسلم - أنه قال لعلي وفاطمة (11) وحسن وحسين ~~(12) : «اللهم إن هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» " (13) . ~~PageV07P070 # وروى ذلك مسلم عن عائشة قالت: «خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~غداة وعليه مرط مرحل (1) من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء ~~الحسين فأدخله [معه] (2) ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها [معه] (3) ، ثم جاء علي ~~فأدخله، ثم قال: " {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم ~~تطهيرا} » . وهو مشهور من رواية أم سلمة من رواية أحمد والترمذي (4) ، لكن ~~ليس في هذا دلالة على عصمتهم ولا إمامتهم. وتحقيق ذلك في مقامين أحدهما: أن ~~قوله: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} ، ~~كقوله: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} [سورة المائدة: 6] ، وكقوله: ~~{يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [سورة البقرة: 185] ، وكقوله: ~~{يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم ~~حكيم والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا ~~عظيما} [سورة النساء: 26 - 27] . فإن إرادة الله في هذه الآيات متضمنة ~~لمحبة الله لذلك (5) ، المراد ورضاه به، وأنه شرعه للمؤمنين وأمرهم به، ليس ~~في ذلك أنه خلق هذا المراد، ولا أنه قضاه وقدره، ولا أنه يكون لا محالة. ~~والدليل على ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد نزول هذه الآية ~~PageV07P071 # قال: " «اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» ". فطلب ~~من الله لهم إذهاب الرجس والتطهير. فلو كانت الآية تتضمن إخبار الله بأنه ~~قد أذهب عنهم الرجس وطهرهم، لم يحتج إلى الطلب والدعاء. وهذا على قول ~~القدرية أظهر، فإن إرادة الله عندهم لا تتضمن وجود المراد، بل قد يريد ما ~~لا يكون ويكون ما لا يريد، فليس في كونه تعالى مريدا لذلك ما يدل على ~~وقوعه. وهذا الرافضي وأمثاله قدرية، فكيف يحتجون بقوله: {إنما يريد الله ~~ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} على وقوع المراد؟ وعندهم أن الله قد أراد ~~إيمان من على وجه الأرض فلم يقع ms1619 مراده؟ . وأما على قول أهل الإثبات، ~~فالتحقيق في ذلك أن الإرادة في كتاب الله نوعان: إرادة شرعية دينية تتضمن ~~محبته ورضاه، وإرادة كونية قدرية تتضمن خلقه وتقديره. الأولى مثل هؤلاء ~~الآيات. والثانية مثل قوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره ~~للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} [سورة ~~الأنعام: 125] وقول نوح: {ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله ~~يريد أن يغويكم} [سورة هود: 34] # PageV07P072 # وكثير من المثبتة (1) والقدرية يجعل الإرادة نوعا واحدا، كما يجعلون ~~الإرادة والمحبة شيئا واحدا. ثم القدرية ينفون إرادته لما بين (2) أنه مراد ~~في آيات التقدير (3) ، وأولئك ينفون إرادته لما بين أنه مراد في آيات ~~التشريع (4) ، فإنه عندهم كل ما قيل: " إنه مراد " فلا بد (5) أن يكون ~~كائنا. والله قد أخبر أنه يريد أن يتوب على المؤمنين وأن يطهرهم، وفيهم من ~~تاب، وفيهم من لم يتب، وفيهم من تطهر، وفيهم من لم يتطهر. وإذا كانت الآية ~~دالة على وقوع ما أراده من التطهير وإذهاب الرجس، لم يلزم بمجرد الآية ثبوت ~~ما ادعاه. ومما يبين ذلك أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - مذكورات في ~~الآية، والكلام في الأمر بالتطهير بإيجابه، ووعد الثواب على فعله، والعقاب ~~على تركه. قال تعالى: {يانساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها ~~العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا} . {ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل ~~صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما} . {يانساء النبي لستن ~~كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض} [سورة ~~الأحزاب: 30 - 32] إلى قوله: { PageV07P073 # وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم ~~تطهيرا} [سورة الأحزاب: 33] . فالخطاب كله لأزواج النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -، ومعهن الأمر والنهي والوعد والوعيد. لكن لما تبين ما في هذا من ~~المنفعة التي تعمهن وتعم غيرهن من أهل البيت، جاء التطهير بهذا الخطاب ~~وغيره، وليس (1) مختصا بأزواجه، بل هو متناول لأهل البيت كلهم ms1620، وعلي وفاطمة ~~والحسن والحسين أخص من غيرهم بذلك ; ولذلك خصهم النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- بالدعاء لهم. وهذا كما أن قوله: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم} [سورة ~~التوبة: 108] نزلت بسبب مسجد قباء، لكن الحكم يتناوله ويتناول ما هو أحق ~~منه بذلك، وهو مسجد المدينة. وهذا يوجه ما ثبت في الصحيح «عن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - أنه سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى، فقال: " هو مسجدي ~~هذا» " (2) . وثبت عنه في الصحيح أنه كان يأتي قباء كل سبت ماشيا وراكبا، ~~فكان يقوم في مسجده يوم الجمعة، ويأتي قباء يوم PageV07P074 # السبت (1) . وكلاهما مؤسس على التقوى. وهكذا أزواجه وعلي وفاطمة والحسن ~~والحسين (2) كلهم من أهل البيت، لكن عليا وفاطمة، والحسن والحسين (3) أخص ~~بذلك من أزواجه، ولهذا خصهم بالدعاء. وقد تنازع الناس في آل محمد: من هم؟ ~~فقيل: هم (4) أمته. وهذا قول طائفة من أصحاب مالك وأحمد وغيرهم (5) . وقيل: ~~المتقون من أمته. ورووا حديثا: " «آل محمد كل مؤمن تقي» " رواه الخلال ~~وتمام في " الفوائد " له. وقد احتج به طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم، وهو ~~حديث موضوع (6) . وبنى على (7) ذلك طائفة من الصوفية أن آل محمد هم خواص ~~الأولياء، كما ذكر الحكيم الترمذي. والصحيح أن آل محمد هم أهل بيته، وهذا ~~هو المنقول عن الشافعي وأحمد، وهو اختيار الشريف أبي جعفر وغيرهم. لكن هل ~~أزواجه من أهل PageV07P075 # بيته (1) ؟ على قولين، هما روايتان عن أحمد: أحدهما: أنهن لسن من أهل ~~البيت. ويروى هذا عن زيد بن أرقم. \ 5 (2) . والثاني: - هو الصحيح - أن ~~أزواجه من آله. فإنه قد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~أنه علمهم الصلاة عليه: " «اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته» " (3) . ولأن ~~امرأة إبراهيم من آله وأهل بيته، وامرأة لوط من آله وأهل بيته، بدلالة ~~القرآن. فكيف لا يكون أزواج محمد من آله وأهل بيته؟ . ولأن هذه الآية تدل ~~على أنهن من أهل بيته، وإلا لم يكن لذكر ذلك في الكلام معنى. وأما الأتقياء ~~من أمته فهم أولياؤه. كما ms1621 ثبت في الصحيح أنه قال: «إن آل بني فلان (4) ~~ليسوا لي بأولياء، وإنما وليي الله وصالح المؤمنين» (5) . فبين أن أولياءه ~~صالح المؤمنين. وكذلك في حديث آخر: " «إن أوليائي المتقون حيث كانوا وأين ~~كانوا» " (6) . PageV07P076 # وقد قال تعالى: {وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح ~~المؤمنين} [سورة التحريم: 4] . وفي الصحاح عنه أنه قال: «وددت أنى رأيت ~~إخواني "، قالوا: أولسنا إخوانك؟ قال: " بل أنتم أصحابي، وإخواني (1) قوم ~~يأتون (2) من بعدي يؤمنون بي ولم يروني» (3) . PageV07P077 # وإذا كان كذلك فأولياؤه المتقون بينه وبينهم قرابة الدين والإيمان ~~والتقوى. وهذه القرابة الدينية أعظم من القرابة الطينية (1) ، والقرب بين ~~القلوب والأرواح أعظم من القرب بين الأبدان. ولهذا كان أفضل الخلق أولياؤه ~~المتقون. وأما أقاربه ففيهم المؤمن والكافر، والبر والفاجر. فإن كان فاضلا ~~(2) منهم كعلي - رضي الله عنه - وجعفر والحسن والحسين، فتفضيلهم (3) بما ~~فيهم من الإيمان والتقوى، وهم أولياؤه بهذا الاعتبار، لا بمجرد النسب، ~~فأولياؤه أعظم درجة من آله، وإن صلى على آله تبعا له (4) لم يقتض (5) ذلك ~~أن يكونوا أفضل من أوليائه الذين لم يصل عليهم، فإن الأنبياء والمرسلين هم ~~من أوليائه، وهم أفضل من أهل بيته، وإن لم يدخلوا في الصلاة معه تبعا، ~~فالمفضول قد يختص بأمر، ولا يلزم أن يكون أفضل من الفاضل. ودليل ذلك أن ~~أزواجه هم ممن يصلى عليه، كما ثبت ذلك في الصحيحين، فقد (6) ثبت باتفاق ~~الناس كلهم أن الأنبياء أفضل (7) منهن كلهن. PageV07P078 # فإن قيل: فهب أن القرآن لا يدل على وقوع ما أريد من التطهير وإذهاب ~~الرجس، لكن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم (1) بذلك يدل على وقوعه، ~~فإن دعاءه مستجاب (2) . قيل: المقصود أن القرآن لا يدل ما ادعاه من ثبوت ~~(3) الطهارة وإذهاب الرجس، فضلا عن أن يدل على العصمة والإمامة. وأما ~~الاستدلال بالحديث فذاك مقام آخر. ثم نقول في المقام الثاني: هب أن القرآن ~~دل على طهارتهم وإذهاب الرجس عنهم (4) ، كما أن الدعاء المستجاب (5) لا بد ~~أن يتحقق (6) معه طهارة المدعو لهم وإذهاب الرجس عنهم، لكن ليس في ms1622 ذلك ما ~~يدل على العصمة من الخطأ. والدليل عليه أن الله لم يرد بما أمر به أزواج ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يصدر من واحدة منهن خطأ، فإن الخطأ ~~مغفور لهن ولغيرهن، وسياق الآية يقتضي أنه يريد ليذهب عنهم الرجس - الذي هو ~~الخبث كالفواحش - ويطهرهم تطهيرا من الفواحش وغيرها من الذنوب. والتطهير من ~~الذنب على وجهين: كما في قوله: {وثيابك فطهر} [سورة المدثر: 4] ، وقوله: ~~{إنهم أناس يتطهرون} [سورة الأعراف: 82] ، فإنه قال PageV07P079 # فيها: {من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين} [سورة الأحزاب: ~~30] والتطهير عن الذنب إما بأن لا يفعله العبد، وإما بأن يتوب منه كما في ~~قوله: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [سورة التوبة: 103] # [لكن] (1) ما أمر الله به من الطهارة ابتداء وإرادة فإنه يتضمن نهيه عن ~~الفاحشة، لا يتضمن الإذن فيها بحال، لكن هو سبحانه ينهى عنها، ويأمر من ~~فعلها بأن يتوب منها. وفي الصحيح عن النبي أنه كان يقول: «اللهم باعد بيني ~~وبين خطاياي (2) كما باعدت بين المشرق والمغرب، واغسلني بالثلج والبرد ~~والماء البارد، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس» (3) ~~. وفي الصحيحين أنه قال لعائشة - رضي الله عنها - في قصة الإفك قبل أن يعلم ~~النبي براءتها، وكان قد ارتاب في أمرها، فقال: «يا عائشة، إن كنت بريئة ~~فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت [بذنب] (4) PageV07P080 # فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله ~~عليه» (1) . وبالجملة لفظ " الرجس " أصله القذر، ويراد به الشرك، كقوله: ~~{فاجتنبوا الرجس من الأوثان} [سورة الحج: 30] . ويراد به الخبائث المحرمة ~~كالمطعومات والمشروبات، كقوله: {لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم ~~يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا} ~~[سورة الأنعام: 145] ، وقوله: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس ~~من عمل الشيطان} [سورة المائدة: 90] وإذهاب ذلك إذهاب لكله. ونحن نعلم أن ~~الله أذهب عن أولئك السادة الشرك والخبائث. ولفظ " الرجس " عام يقتضي أن ~~الله [يريد] أن ms1623 (2) يذهب جميع الرجس، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا ~~بذلك. وأما قوله: " وطهرهم تطهيرا " فهو سؤال مطلق بما يسمى طهارة. وبعض ~~الناس يزعم أن هذا مطلق، فيكتفي فيه (3) بفرد من أفراد الطهارة، ويقول مثل ~~ذلك في قوله: {فاعتبروا ياأولي الأبصار} [سورة الحشر: 2] ونحو ذلك. ~~والتحقيق أنه أمر بمسمى (4) الاعتبار الذي يقال عند الإطلاق، كما إذا قيل: ~~أكرم هذا ; أي: افعل معه ما يسمى عند الإطلاق إكراما. وكذلك PageV07P081 # ما يسمى عند الإطلاق اعتبارا. والإنسان لا يسمى معتبرا إذا اعتبر في قصة ~~وترك ذلك في نظيرها، وكذلك لا يقال: هو طاهر، أو متطهر، أو مطهر، إذا كان ~~متطهرا من شيء متنجسا بنظيره. ولفظ " الطاهر " كلفظ الطيب. قال تعالى: ~~{والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات} [سورة النور: 26] ، كما قال: ~~{الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات} [سورة النور: 26] وقد روى أنه قال ~~لعمار: «ائذنوا له مرحبا بالطيب المطيب» (1) . وهذا أيضا كلفظ " المتقي " ~~ولفظ " المزكي ". قال تعالى: {قد أفلح من زكاها - وقد خاب من دساها} [سورة ~~الشمس: 9 - 10] . وقال: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [سورة ~~التوبة: 103] . وقال: {قد أفلح من تزكى} [سورة الأعلى: 104] . وقال: {ولولا ~~فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء} ~~[سورة النور: 21] . وليس من شرط المتقين ونحوهم أن لا يقع منهم ذنب، ولا أن ~~يكونوا معصومين من الخطأ والذنوب. فإن هذا لو كان كذلك لم يكن في الأمة ~~متق، بل من تاب من ذنوبه دخل في المتقين (2) ، ومن فعل ما يكفر سيئاته دخل ~~في المتقين، (3) كما قال: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم ~~سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما} [سورة النساء: 31] . PageV07P082 # فدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يطهرهم تطهيرا، كدعائه بأن ~~يزكيهم ويطيبهم ويجعلهم متقين ونحو ذلك. ومعلوم أن من استقر أمره على ذلك، ~~فهو داخل في هذا، لا تكون الطهارة التي دعا بها بأعظم مما دعا به لنفسه. ~~وقد قال: «اللهم طهرني من خطاياي (1) بالثلج والبرد والماء البارد» . فمن ~~وقع ذنبه مغفورا أو مكفرا فقد ms1624 طهره الله منه تطهيرا، ولكن من مات (2) ~~متوسخا بذنوبه، فإنه لم يطهر منها في حياته. وقد يكون من تمام تطهيرهم ~~صيانتهم عن الصدقة التي هي أوساخ الناس. والنبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ~~دعا بدعاء أجابه الله بحسب استعداد المحل، فإذا استغفر للمؤمنين والمؤمنات ~~(3) ، لم يلزم أن لا يوجد مؤمن مذنب، فإن هذا لو كان واقعا لما عذب مؤمن، ~~لا في الدنيا ولا في الآخرة، بل يغفر الله لهذا بالتوبة، ولهذا بالحسنات ~~الماحية، ويغفر الله لهذا ذنوبا (4) كثيرة، وإن واحدة بأخرى. وبالجملة ~~فالتطهير الذي أراده الله، والذي دعا به النبي - صلى الله عليه وسلم -، ليس ~~هو العصمة بالاتفاق، فإن أهل السنة عندهم لا معصوم إلا النبي - صلى الله ~~عليه وسلم -. والشيعة يقولون: لا معصوم غير النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~والإمام. فقد وقع الاتفاق (5) على انتفاء العصمة المختصة بالنبي - صلى الله ~~عليه وسلم - والإمام عن أزواجه وبناته وغيرهن من النساء PageV07P083 # وإذا كان كذلك امتنع أن يكون التطهير المدعو به (1) للأربعة متضمنا ~~للعصمة التي يختص بها النبي - صلى الله عليه وسلم - والإمام عندهم (2) ، ~~فلا يكون من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - له (3) بهذه (4) العصمة: لا ~~لعلي (5) ولا لغيره، فإنه دعا بالطهارة لأربعة مشتركين لم يختص (6) بعضهم ~~بدعوة. وأيضا فالدعاء بالعصمة من الذنوب ممتنع على أصل القدرية، بل ~~وبالتطهير أيضا ; فإن الأفعال الاختيارية - التي هي فعل الواجبات (7) وترك ~~المحرمات - عندهم غير مقدورة للرب، ولا يمكنه (8) أن يجعل العبد مطيعا ولا ~~عاصيا، ولا متطهرا من الذنوب ولا غير متطهر، فامتنع على أصلهم أن يدعو لأحد ~~بأن يجعله فاعلا للواجبات تاركا للمحرمات، وإنما المقدور عندهم قدرة تصلح ~~للخير والشر، كالسيف الذي يصلح لقتل المسلم والكافر، والمال الذي يمكن ~~إنفاقه في الطاعة والمعصية، ثم العبد يفعل باختياره: إما الخير وإما الشر ~~بتلك القدرة. وهذا الأصل يبطل حجتهم. والحديث حجة عليهم في إبطال هذا ~~الأصل، حيث دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم (9) بالتطهير. فإن قالوا: ~~المراد بذلك أنه يغفر لهم ولا يؤاخذهم. PageV07P084 # كان ذلك ms1625 أدل على البطلان من دلالته على العصمة (1) . فتبين أن الحديث لا ~~حجة لهم فيه بحال [على] (2) ثبوت العصمة. والعصمة مطلقا - التي هي فعل ~~المأمور وترك المحظور - ليست مقدورة عندهم لله، ولا (3) يمكنه أن يجعل أحدا ~~فاعلا لطاعة ولا تاركا لمعصية، لا لنبي ولا لغيره، فيمتنع عندهم أن من يعلم ~~أنه إذا عاش يطيعه باختيار نفسه لا بإعانة الله وهدايته (4) . وهذا مما ~~يبين تناقض قولهم في مسائل العصمة كما تقدم. ولو قدر ثبوت العصمة فقد قدمنا ~~أنه لا يشترط في الإمام العصمة ولا إجماع (5) على انتفاء العصمة في غيرهم، ~~وحينئذ فتبطل حجتهم بكل طريق. وأما قوله: " إن عليا ادعاها (6) ، وقد (7) ~~ثبت نفي الرجس عنه فيكون صادقا ". فجوابه من وجوه: أحدها: أنا لا نسلم أن ~~عليا ادعاها، بل نحن نعلم بالضرورة [علما متيقنا] (8) أن عليا ما ادعاها قط ~~حتى قتل عثمان، وإن (9) PageV07P085 # كان قد (1) يميل بقلبه إلى أن يولى، لكن ما قال: إني أنا الإمام، ولا: ~~إنى معصوم، ولا: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (2) جعلني الإمام ~~بعده، ولا أنه أوجب على الناس متابعتي، ولا نحو هذه الألفاظ. بل نحن نعلم ~~بالاضطرار أن من نقل هذا ونحوه عنه فهو كاذب عليه. ونحن نعلم أن عليا كان ~~أتقى لله من أن يدعي الكذب الظاهر، الذي تعلم الصحابة كلهم أنه كذب. وأما ~~نقل الناقل عنه أنه قال: " لقد تقمصها ابن أبي قحافة، وهو يعلم أن محلي ~~منها محل القطب من الرحى ". فنقول: أولا: أين إسناد هذا النقل (3) ، بحيث ~~ينقله ثقة عن ثقة متصلا إليه؟ وهذا لا يوجد قط، وإنما يوجد مثل هذا في كتاب ~~" نهج البلاغة " وأمثاله، وأهل العلم يعلمون أن أكثر خطب هذا الكتاب مفتراة ~~على علي، ولهذا لا يوجد غالبها في كتاب متقدم، ولا لها إسناد معروف. فهذا ~~الذي نقلها من أين نقلها؟ . ولكن هذه الخطب بمنزلة من يدعي أنه علوي أو ~~عباسي، ولا نعلم أحدا من سلفه ادعى ذلك قط، ولا ادعى ذلك له، فيعلم كذبه. ~~فإن النسب يكون معروفا ms1626 من أصله حتى يتصل بفرعه، وكذلك المنقولات لا بد أن ~~تكون ثابتة معروفة عمن نقل عنه حتى تتصل بنا. فإذا صنف واحد كتابا ذكر فيه ~~خطبا كثيرة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر PageV07P086 # وعمر وعثمان وعلي، ولم يرو أحد منهم تلك الخطب قبله بإسناد معروف، علمنا ~~قطعا أن ذلك كذب. وفي هذه الخطب أمور كثيرة قد علمنا (1) يقينا من علي ما ~~يناقضها. ونحن في هذا المقام ليس علينا أن نبين أن هذا كذب، بل يكفينا ~~المطالبة بصحة النقل، فإن الله لم يوجب على الخلق أن يصدقوا بما لم يقم ~~دليل (2) على صدقه، بل هذا ممتنع بالاتفاق، لا سيما على القول بامتناع ~~تكليف ما لا يطاق، فإن هذا من أعظم تكليف ما لا يطاق، فكيف يمكن الإنسان أن ~~يثبت ادعاء علي للخلافة بمثل حكاية (3) ذكرت عنه في أثناء المائة الرابعة ; ~~لما كثر الكذابون (4) عليه، وصار لهم دولة تقبل منهم (5) ما يقولون، سواء ~~كان صدقا أو كذبا، وليس عندهم من يطالبهم بصحة النقل. وهذا الجواب عمدتنا ~~في نفس الأمر، وفيما بيننا وبين الله تعالى. ثم نقول (6) : هب أن عليا قال ~~ذلك، فلم قلت (7) : إنه أراد إني إمام [معصوم] (8) منصوص عليه، ولم لا يجوز ~~أنه أراد أني كنت أحق بها من غيري. لاعتقاده في نفسه أنه أفضل وأحق من ~~غيره، وحينئذ فلا (9) يكون مخبرا عن أمر تعمد فيه الكذب، ولكن يكون متكلما ~~باجتهاده، والاجتهاد يصيب ويخطئ. PageV07P087 # ونفي (1) الرجس لا [يوجب أن] يكون (2) معصوما من الخطأ بالاتفاق، بدليل ~~أن الله لم يرد من أهل البيت أن يذهب عنهم الخطأ، فإن ذلك غير مقدور عليه ~~عندهم، والخطأ مغفور، فلا يضر وجوده. وأيضا [فالخطأ لا يدخل] (3) فيه عموم ~~الرجس. وأيضا فإنه لا معصوم من أن يقر على خطأ إلا رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم -، وهم يخصون ذلك بالأئمة بعده، وإذهاب الرجس قد اشترك فيه علي ~~وفاطمة وغيرهما من أهل البيت. وأيضا فنحن نعلم أن عليا كان أتقى لله من أن ~~يتعمد الكذب، كما أن ms1627 أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم كانوا أتقى لله من أن ~~يتعمدوا للكذب. لكن لو قيل لهذا المحتج بالآية: أنت لم تذكر دليلا على أن ~~الكذب من الرجس، وإذا لم تذكر على ذلك دليلا لم يلزم من إذهاب الرجس إذهاب ~~الكذبة الواحدة، إذا (4) قدر أن الرجس ذاهب، فهو فيمن (5) يحتج بالقرآن، ~~وليس في القرآن ما يدل على إذهاب (6) الرجس، ولا ما يدل على أن الكذب ~~والخطأ من الرجس، ولا أن عليا قال ذلك. ولكن هذا كله لو صح شيء منه لم يصح ~~إلا بمقدمات ليست في القرآن، فأين البراهين التي في القرآن على الإمامة؟ ~~وهل يدعي هذا إلا من هو من أهل الخزي والندامة؟ . PageV07P088 ### | [فصل البرهان السادس " في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه " والجواب عليه] # فصل قال الرافضي (1) : " البرهان السادس: في (2) قوله تعالى: {في بيوت ~~أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال} إلى ~~قوله: {يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار} [سورة النور: 36 - 37] (3) ~~قال الثعلبي بإسناده عن أنس (4) وبريدة قالا: «قرأ رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - هذه الآية، فقام رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول الله فقال: " ~~بيوت الأنبياء ". فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله، هذا البيت منها؟ ~~يعني بيت علي وفاطمة (5) . قال: نعم من أفضلها» (6) ، وصف فيها الرجال بما ~~يدل على أفضليتهم، فيكون علي (7) هو الإمام، وإلا لزم تقديم المفضول على ~~الفاضل (8) ". والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة هذا النقل. ومجرد عزو ~~ذلك PageV07P089 # إلى الثعلبي ليس بحجة باتفاق أهل السنة والشيعة، وليس كل خبر رواه واحد ~~من الجمهور يكون حجة عند الجمهور، بل علماء (1) الجمهور متفقون على أن ما ~~يرويه الثعلبي وأمثاله لا يحتجون به، لا في فضيلة أبي بكر وعمر، ولا في ~~إثبات حكم من الأحكام، إلا أن يعلم ثبوته بطريق (2) ، فليس له أن يقول: إنا ~~نحتج عليكم بالأحاديث التي يرويها [واحد من] الجمهور (3) ، فإن هذا بمنزلة ~~من يقول: أنا أحكم عليكم بمن يشهد (4) عليكم من الجمهور ms1628، فهل يقول أحد من ~~علماء الجمهور: إن كل من شهد (5) منهم فهو عدل، أو قال (6) أحد من علمائهم: ~~إن كل من روى منهم (7) حديثا كان صحيحا. ثم (8) علماء الجمهور متفقون على ~~أن الثعلبي وأمثاله يروون الصحيح والضعيف، ومتفقون على أن مجرد روايته لا ~~توجب اتباع ذلك. ولهذا يقولون في الثعلبي (9) وأمثاله: إنه حاطب ليل يروي ~~ما وجد، سواء كان صحيحا أو سقيما. فتفسيره وإن كان غالب الأحاديث التي فيه ~~صحيحة، ففيه ما هو كذب موضوع باتفاق أهل العلم. PageV07P090 # ولهذا لما اختصره أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي - وكان أعلم بالحديث ~~والفقه منه، والثعلبي أعلم بأقوال المفسرين -[ذكر البغوي عنه أقوال ~~المفسرين] (1) والنحاة وقصص الأنبياء، فهذه الأمور نقلها البغوي من ~~الثعلبي، وأما الأحاديث فلم يذكر في تفسيره شيئا من الموضوعات التي رواها ~~الثعلبي، بل يذكر الصحيح منها ويعزوه إلى البخاري وغيره، فإنه مصنف كتاب " ~~شرح السنة " وكتاب " المصابيح " وذكر ما في الصحيحين والسنن، ولم يذكر ~~الأحاديث التي تظهر لعلماء الحديث أنها موضوعة، كما يفعله غيره من ~~المفسرين، كالواحدي صاحب الثعلبي، وهو أعلم بالعربية منه، وكالزمخشري ~~وغيرهم من المفسرين الذين يذكرون من الأحاديث ما يعلم أهل الحديث أنه موضوع ~~(2) . الثاني: أن هذا الحديث موضوع عند أهل المعرفة بالحديث، ولهذا لم ~~يذكره علماء الحديث في كتبهم التي يعتمد في الحديث عليها، كالصحاح والسنن ~~والمساند (3) ، مع أن في بعض هذه (4) ما هو ضعيف، بل ما يعلم أنه كذب، لكن ~~هذا قليل جدا. وأما هذا الحديث (5) وأمثاله فهو أظهر كذبا من أن يذكروه في ~~مثل ذلك. الثالث: أن يقال: الآية باتفاق الناس هي في المساجد (6) ، كما ~~قال: PageV07P091 # : {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو ~~والآصال} الآية [سورة النور: 36] وبيت علي وغيره (1) ليس موصوفا (2) بهذه ~~الصفة. الرابع: أن يقال: بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل من بيت علي ~~باتفاق المسلمين، ومع هذا لم يدخل في هذه الآية ; لأنه ليس في بيته رجال، ~~وإنما فيه هو والواحدة من نسائه، ولما ms1629 أراد بيت النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- قال: {لا تدخلوا بيوت النبي} [سورة الأحزاب: 53] وقال: {واذكرن ما يتلى ~~في بيوتكن} [سورة الأحزاب: 34] . الوجه الخامس: أن قوله: " هي بيوت ~~الأنبياء " كذب ; فإنه لو كان كذلك لم يكن لسائر المؤمنين فيها نصيب. ~~وقوله: {يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر ~~الله} [سورة النور: 36 - 37] متناول لكل من كان بهذه الصفة. الوجه السادس: ~~أن قوله: {في بيوت أذن الله أن ترفع} نكرة موصوفة ليس فيها تعيين (3) . ~~وقوله: {أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه} : إن أراد بذلك ما لا يختص به ~~المساجد من الذكر في البيوت (4) والصلاة فيها، دخل في ذلك بيوت أكثر ~~المؤمنين المتصفين بهذه الصفة، فلا تختص بيوت الأنبياء. PageV07P092 # وإن أراد بذلك ما يختص به المساجد من وجود الذكر في الصلوات الخمس ونحو ~~ذلك، كانت مختصة بالمساجد. وأما بيوت الأنبياء فليس فيها خصوصية المساجد، ~~وإن كان لها فضل بسكنى الأنبياء فيها. الوجه السابع: أن يقال: إن أريد ~~ببيوت الأنبياء ما سكنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فليس في المدينة من ~~بيوت الأنبياء إلا بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا يدخل فيها ~~بيت علي. وإن أريد ما دخله الأنبياء، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قد (1) ~~دخل بيوت كثير من الصحابة. وأي تقدير قدر في الحديث لا يمكن تخصيص بيت علي ~~بأنه (2) من بيوت الأنبياء، دون بيت أبي بكر وعمر وعثمان ونحوهم. وإذا لم ~~يكن له اختصاص، فالرجال مشتركون بينه وبين غيره. الوجه الثامن: أن يقال: ~~قوله: الرجال المذكورون موصوفون بأنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر ~~الله، ليس (3) في الآية ما يدل على أنهم أفضل من غيرهم، وليس فيها ذكر ما ~~وعدهم الله به من الخير، وفيها الثناء عليهم (4) ، ولكن ليس (5) كل من أثني ~~عليه أو وعد (6) بالجنة يكون أفضل من غيره، ولهذا لم يلزم (7) أن يكون هو ~~أفضل من الأنبياء. PageV07P093 # الوجه التاسع: أن يقال: هب أن هذا يدل على أنهم أفضل ممن ليس ms1630 كذلك من هذا ~~الوجه، لكن لم قلت: إن هذه الصفة مختصة بعلي؟ بل كل (1) من كانت لا تلهيه ~~التجارة والبيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ويخاف يوم القيامة، ~~فهو متصف بهذه الصفة. فلم قلت (2) : إنه ليس متصف بذلك إلا عليا؟ ولفظ ~~الآية يدل على أنهم رجال ليسوا رجلا واحدا، فهذا دليل على أن هذا لا يختص ~~بعلي، بل هو وغيره مشتركون فيها. وحينئذ فلا يلزم أن يكون أفضل من ~~المشاركين له فيها. الوجه العاشر: أنه لو سلم أن عليا أفضل من غيره في هذه ~~الصفة، فلم قلت: إن ذلك يوجب الإمامة؟ . وأما امتناع تقديم المفضول على ~~الفاضل إذا سلم، فإنما هو في (3) مجموع الصفات التي تناسب الإمامة، وإلا ~~فليس كل من فضل في خصلة من الخير استحق أن يكون هو الإمام. ولو جاز هذا ~~لقيل: ففي الصحابة من قتل من الكفار أكثر مما قتل علي، وفيهم من أنفق من ~~ماله أكثر مما أنفق علي، وفيهم من كان أكثر صلاة وصياما من علي، (4) وفيهم ~~من أوذي في الله أكثر من علي، وفيهم من كان أسن من علي (5) ، وفيهم من كان ~~عنده من العلم ما ليس عند علي. وبالجملة لا يمكن أن يكون واحد من الأنبياء ~~(6) له مثل ما لكل واحد من الأنبياء (7) من كل وجه، ولا أحد من الصحابة ~~يكون له مثل ما لكل أحد PageV07P094 # من الصحابة من كل وجه، بل يكون في المفضول نوع من الأمور التي يمتاز بها ~~عن الفاضل، ولكن الاعتبار في التفضيل بالمجموع. ### | [فصل البرهان السابع " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " والجواب عليه] # فصل قال الرافضي (1) : " البرهان السابع: قوله تعالى: {قل لا أسألكم عليه ~~أجرا إلا المودة في القربى} [سورة الشورى: 23] روى أحمد بن حنبل في مسنده ~~عن ابن عباس قال: «لما نزلت: {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في ~~القربى} قالوا: يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: " ~~علي وفاطمة [وابناهما] » (2) . وكذا (3) في تفسير الثعلبي، ونحوه ms1631 في ~~الصحيحين. وغير علي (4) من الصحابة والثلاثة لا تجب مودته (5) ، فيكون علي ~~أفضل، فيكون هو الإمام، ولأن مخالفته تنافي المودة، وبامتثال أوامره تكون ~~مودته (6) ، فيكون واجب الطاعة، وهو معنى الإمامة " (7) . والجواب من وجوه: ~~أحدها: المطالبة بصحة هذا (8) الحديث. وقوله: PageV07P095 # " إن أحمد روى هذا في مسنده " كذب بين، فإن [هذا] (1) مسند أحمد موجود، ~~به (2) من النسخ ما شاء الله، وليس فيه هذا الحديث. وأظهر من ذلك كذبا ~~قوله: إن نحو (3) هذا في الصحيحين، وليس هو في الصحيحين، بل فيهما وفي ~~المسند ما يناقض ذلك. ولا ريب أن هذا الرجل وأمثاله جهال بكتب أهل العلم، ~~لا يطالعونها ولا يعلمون ما فيها. ورأيت بعضهم جمع لهم كتابا (4) في أحاديث ~~من كتب متفرقة، معزوة تارة إلى الصحيحين، وتارة إلى مسند أحمد، وتارة إلى ~~المغازلي (5) والموفق خطيب خوارزم والثعلبي وأمثاله، وسماه " الطرائف في ~~الرد على الطوائف ". وآخر صنف كتابا لهم سماه " العمدة " واسم مصنفه ابن ~~البطريق. وهؤلاء مع كثرة الكذب فيما يروونه، فهم أمثل حالا من أبي جعفر ~~محمد بن علي الذي صنف لهم وأمثاله، فإن هؤلاء يروون من الأكاذيب ما لا يخفى ~~إلا على من هو من أجهل الناس. ورأيت كثيرا من ذلك المعزو الذي عزاه أولئك ~~إلى المسند والصحيحين وغيرهما باطلا لا حقيقة له، يعزون إلى مسند أحمد ما ~~ليس فيه أصلا. لكن أحمد صنف كتابا في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ~~[وغيرهم] (6) ، وقد يروي في هذا الكتاب ما ليس في المسند. وليس كل ~~PageV07P096 # ما رواه أحمد في المسند وغيره يكون حجة عنده، بل يروي ما رواه أهل العلم، ~~وشرطه في المسند أن لا يروي عن المعروفين بالكذب عنده، وإن كان في ذلك ما ~~هو ضعيف، وشرطه في المسند مثل شرط أبي داود في سننه. وأما كتب الفضائل ~~فيروي (1) ما سمعه من شيوخه، سواء كان صحيحا أو ضعيفا، فإنه لم يقصد أن لا ~~يروي في ذلك إلا ما ثبت عنده. ثم زاد ابن أحمد زيادات، وزاد أبو بكر ~~القطيعي زيادات. وفي زيادات ms1632 القطيعي زيادات كثيرة [كذب] (2) موضوعة، فظن ~~الجاهل أن تلك من رواية أحمد، وأنه رواها في المسند. وهذا خطأ قبيح ; فإن ~~الشيوخ المذكورين شيوخ القطيعي، وكلهم (3) متأخر عن أحمد، وهم ممن يروي عن ~~أحمد، لا ممن يروي أحمد عنه. وهذا مسند أحمد وكتاب " الزهد " له، وكتاب " ~~الناسخ والمنسوخ " وكتاب " التفسير " وغير ذلك من كتبه، يقول: حدثنا وكيع، ~~حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان، حدثنا عبد الرزاق. فهذا أحمد. ~~وتارة يقول: حدثنا أبو معمر القطيعي، حدثنا علي بن الجعد، حدثنا أبو نصر ~~التمار، فهذا عبد الله. وكتابه في " فضائل الصحابة " له (4) فيه هذا وهذا، ~~وفيه من زيادات القطيعي. يقول: حدثنا أحمد بن عبد الجبار الصوفي وأمثاله، ~~ممن هو مثل عبد الله بن أحمد في الطبقة، وهو ممن غايته أن يروي عن أحمد، ~~فإن أحمد ترك الرواية في آخر عمره ; لما طلب الخليفة أن يحدثه ويحدث ابنه ~~PageV07P097 # ويقيم عنده، فخاف على نفسه من فتنة الدنيا، فامتنع من الحديث مطلقا ليسلم ~~من ذلك ; ولأنه (1) كان قد حدث بما كان عنده قبل ذلك، فكان يذكر الحديث ~~بإسناده بعد شيوخه، ولا يقول: حدثنا فلان، فكان من يسمعون منه ذلك يفرحون ~~بروايته عنه. فهذا القطيعي يروي عن شيوخه زيادات، وكثير منها (2) كذب ~~موضوع. وهؤلاء قد وقع لهم هذا الكتاب ولم ينظروا ما فيه من فضائل سائر (3) ~~الصحابة، بل اقتصروا على ما فيه من فضائل علي، (4) ، وكلما زاد حديثا ظنوا ~~أن القائل ذلك هو أحمد بن حنبل، فإنهم لا يعرفون الرجال وطبقاتهم، وأن شيوخ ~~القطيعي يمتنع أن يروي أحمد (5) عنهم شيئا، ثم إنهم (6) لفرط جهلهم ما ~~سمعوا كتابا إلا المسند، فلما ظنوا أن أحمد رواه، وأنه إنما يروي في (7) ~~المسند، صاروا يقولون لما رواه القطيعي: رواه أحمد في المسند. هذا إن لم ~~يزيدوا على القطيعي ما لم يروه، فإن الكذب عندهم (8) غير مأمون، ولهذا يعزو ~~صاحب " الطرائف " وصاحب " العمدة " أحاديث يعزوها (9) إلى أحمد، لم يروها ~~أحمد لا في هذا ولا في هذا، ولا سمعها أحد (10) PageV07P098 # قط. وأحسن ms1633 حال هؤلاء أن تكون تلك مما رواه القطيعي، وما رواه القطيعي فيه ~~من الموضوعات القبيحة الوضع ما لا يخفى على عالم. ونقل هذا الرافضي من جنس ~~صاحب كتاب " العمدة " و " الطرائف " فما أدري نقل منه (1) أو عمن (2) ينقل ~~عنه، وإلا فمن له بالنقل أدنى معرفة يستحيي أن يعزو مثل هذا الحديث إلى ~~مسند أحمد والصحيحين، والصحيحان والمسند نسخهما ملؤ الأرض، وليس هذا في شيء ~~منها. وهذا الحديث لم يرو في شيء من كتب العلم المعتمدة أصلا، وإنما يروي ~~مثل هذا من يحطب بالليل، كالثعلبي وأمثاله، الذين يروون الغث والسمين بلا ~~تمييز. الوجه الثاني: أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث، ~~وهم المرجوع إليهم في هذا. وهذا (3) لا يوجد في شيء من كتب الحديث التي ~~يرجع إليها (4) . الوجه الثالث: أن هذه الآية في سورة الشورى وهي مكية ~~باتفاق أهل السنة، بل جميع آل حم مكيات، وكذلك آل طس. ومن المعلوم أن عليا ~~إنما تزوج فاطمة بالمدينة بعد غزوة بدر، والحسن ولد في السنة الثالثة من ~~الهجرة، والحسين في السنة الرابعة، فتكون هذه الآية قد نزلت قبل وجود الحسن ~~والحسين بسنين متعددة، فكيف يفسر النبي - صلى الله عليه وسلم - الآية بوجوب ~~مودة قرابة لا تعرف ولم تخلق [بعد] (5) ؟ ! . PageV07P099 # الوجه الرابع: أن تفسير الآية الذي في الصحيحين عن ابن عباس يناقض ذلك. ~~ففي الصحيحين عن سعيد بن جبير قال: سئل ابن عباس عن قوله تعالى: {قل لا ~~أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} [سورة الشورى: 23] ، فقلت: أن لا ~~تؤذوا (1) محمدا في قرابته. فقال ابن عباس: عجلت، إنه لم يكن بطن من قريش ~~إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم قرابة، فقال: لا أسألكم عليه ~~أجرا، لكن [أسألكم] أن تصلوا (2) القرابة التي بيني وبينكم (3) . فهذا ابن ~~عباس ترجمان القرآن، وأعلم أهل البيت بعد علي، يقول: ليس معناها مودة ذوي ~~القربى، لكن معناها: لا أسألكم يا معشر العرب ويا معشر قريش عليه أجرا، لكن ~~أسألكم أن تصلوا القرابة التي بيني وبينكم ms1634، فهو سأل الناس الذين أرسل إليهم ~~أولا أن يصلوا رحمه، فلا يعتدوا عليه حتى يبلغ رسالة ربه (4) . PageV07P100 # الوجه الخامس: أنه قال: {لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} ، لم ~~يقل: إلا المودة للقربى، ولا المودة لذوي القربى. فلو أراد المودة لذوي ~~القربى لقال: المودة لذوي القربى، كما قال: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن ~~لله خمسه وللرسول ولذي القربى} [سورة الأنفال: 41] وقال: {ما أفاء الله على ~~رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى} [سورة الحشر: 7] . وكذلك ~~قوله: {فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل} [سورة الروم: 38] ، وقوله: ~~{وآتى المال على حبه ذوي القربى} [سورة البقرة: 177] وهكذا في غير موضع. ~~فجميع ما في القرآن من التوصية بحقوق ذوي قربى النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- وذوي قربى الإنسان إنما قيل فيها: ذوي القربى، لم يقل: [في] القربى (1) . ~~فلما ذكر هنا المصدر دون الاسم دل على أنه لم يرد ذوي القربى. الوجه ~~السادس: أنه لو أريد المودة لهم ; لقال: المودة لذوي القربى، ولم يقل: في ~~القربى. فإنه لا يقول من طلب المودة لغيره: أسألك المودة في فلان، ولا في ~~قربى فلان، ولكن أسألك المودة لفلان والمحبة لفلان. فلما قال: المودة في ~~القربى، علم أنه ليس المراد (2) لذوي القربى. # الوجه السابع: أن يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يسأل على ~~PageV07P101 # تبليغ رسالة ربه أجرا ألبتة، بل أجره على الله، كما قال: {قل ما أسألكم ~~عليه من أجر وما أنا من المتكلفين} [سورة ص: 86] ، وقوله: {أم تسألهم أجرا ~~فهم من مغرم مثقلون} [سورة الطور: 40] ، وقوله {قل ما سألتكم من أجر فهو ~~لكم إن أجري إلا على الله} [سورة سبأ: 47] . ولكن الاستثناء هنا (1) منقطع، ~~كما قال: {قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا} ~~[سورة الفرقان: 57] . ولا ريب أن محبة أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- واجبة، لكن لم يثبت وجوبها بهذه الآية، ولا محبتهم أجر للنبي (2) - صلى ~~الله عليه وسلم -، بل هو مما أمرنا ms1635 (3) الله به، كما أمرنا بسائر العبادات. ~~وفي الصحيح عنه أنه خطب أصحابه بغدير يدعى خما بين مكة والمدينة، فقال: ~~«أذكركم الله في أهل بيتي، (4) أذكركم الله في أهل بيتي» (5) ". وفي السنن ~~عنه أنه قال: «والذي نفسي بيده لا يدخلون الجنة حتى يحبوكم (6) لله ~~ولقرابتي» (7) " فمن جعل PageV07P102 # [محبة] (1) أهل بيته أجرا له يوفيه إياه فقد أخطأ خطأ عظيما، ولو كان ~~أجرا له لم نثب عليه نحن، لأنا أعطيناه أجره الذي يستحقه بالرسالة، فهل ~~يقول مسلم مثل هذا؟ ! . الوجه الثامن: أن القربى معرفة باللام، فلا بد أن ~~يكون معروفا عند المخاطبين الذين أمر أن يقول لهم: {قل لا أسألكم عليه ~~أجرا} وقد ذكرنا (2) أنها لما نزلت لم يكن قد خلق الحسن ولا الحسين (3) ، ~~ولا تزوج علي بفاطمة. فالقربى التي كان المخاطبون يعرفونها يمتنع أن تكون ~~هذه، بخلاف القربى التي بينه وبينهم، فإنها معروفة عندهم. كما تقول: لا ~~أسألك إلا المودة في الرحم التي بيننا، وكما تقول: لا أسألك إلا العدل ~~بيننا وبينكم (4) ، ولا أسألك إلا أن تتقي الله في هذا الأمر. الوجه ~~التاسع: أنا نسلم (5) أن عليا تجب مودته وموالاته بدون PageV07P103 # الاستدلال بهذه الآية، لكن ليس في وجوب موالاته ومودته ما يوجب اختصاصه ~~بالإمامة ولا الفضيلة. وأما قوله: " والثلاثة لا تجب موالاتهم " فممنوع (1) ~~، بل يجب أيضا مودتهم وموالاتهم، فإنه قد ثبت أن الله يحبهم، ومن كان الله ~~يحبه وجب علينا أن نحبه، فإن الحب في الله والبغض في الله واجب، وهو أوثق ~~عرى الإيمان. وكذلك هم من أكابر أولياء الله المتقين، وقد أوجب الله ~~موالاتهم، بل قد ثبت أن الله رضي عنهم ورضوا عنه بنص القرآن، وكل من رضي ~~الله عنه فإنه يحبه، والله يحب المتقين والمحسنين والمقسطين والصابرين، ~~وهؤلاء أفضل من دخل في هذه (2) النصوص من هذه الأمة بعد نبيها. وفي ~~الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مثل المؤمنين في ~~توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إن اشتكى منه عضو تداعى له ~~سائر الجسد بالحمى والسهر» (3) فهو أخبرنا ms1636 أن المؤمنين يتوادون ويتعاطفون ~~ويتراحمون، وأنهم في ذلك كالجسد الواحد. وهؤلاء قد ثبت إيمانهم بالنصوص ~~والإجماع، كما قد ثبت إيمان علي، ولا يمكن من قدح (4) في إيمانهم أن يثبت ~~إيمان علي، بل كل (5) طريق دل PageV07P104 # على إيمان علي فإنها على إيمانهم أدل، والطريق التي (1) يقدح بها فيهم ~~يجاب عنها (2) كما يجاب عن القدح في علي وأولى، فإن الرافضي الذي يقدح فيهم ~~ويتعصب لعلي فهو منقطع الحجة، كاليهود والنصارى الذين يريدون (3) إثبات ~~نبوة موسى وعيسى والقدح في نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -. ولهذا لا ~~يمكن الرافضي أن يقيم الحجة على النواصب الذين يبغضون عليا، أو يقدحون في ~~إيمانه، من الخوارج وغيرهم. فإنهم إذا قالوا له: بأي شيء علمت أن عليا مؤمن ~~أو ولي لله تعالى (4) ؟ . فإن قال: بالنقل المتواتر بإسلامه وحسناته. قيل ~~له: هذا النقل موجود في أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من أصحاب النبي - صلى ~~الله عليه وسلم -. بل النقل المتواتر بحسنات هؤلاء، السليمة عن المعارض، ~~أعظم من النقل المتواتر في مثل ذلك لعلي. وإن قال: " بالقرآن الدال على ~~إيمان علي ". قيل له: القرآن إنما دل بأسماء عامة، كقوله: {لقد رضي الله عن ~~المؤمنين} [سورة الفتح: 18] ونحو ذلك. وأنت تخرج [من ذلك] (5) أكابر ~~الصحابة، فإخراج واحد أسهل. وإن قال: بالأحاديث الدالة على فضائله، أو نزول ~~(6) القرآن فيه. قيل: أحاديث أولئك أكثر وأصح، وقد قدحت فيهم (7) . ~~PageV07P105 # وقيل له: تلك الأحاديث التي في فضائل علي إنما رواها (1) الصحابة الذين ~~قدحت فيهم، فإن كان القدح صحيحا بطل النقل، وإن كان النقل صحيحا بطل القدح. ~~وإن قال: بنقل الشيعة أو تواترهم. قيل له: الصحابة لم يكن فيهم من الرافضة ~~أحد. والرافضة تطعن في جميع الصحابة إلا نفرا قليلا: بضعة عشر. ومثل هذا قد ~~يقال: إنهم قد (2) تواطئوا على ما نقلوه، فمن قدح في نقل الجمهور كيف يمكنه ~~إثبات نقل نفر قليل وهذا مبسوط في موضعه. والمقصود أن قوله: " وغير علي من ~~الثلاثة لا تجب مودته " كلام باطل عند الجمهور، بل مودة هؤلاء أوجب ms1637 عند أهل ~~السنة من مودة علي، لأن وجوب المودة على مقدار الفضل، فكل من كان أفضل كانت ~~مودته أكمل. وقد قال تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم ~~الرحمن ودا} [سورة مريم: 96] . قالوا: يحبهم ويحببهم إلى عباده. وهؤلاء ~~أفضل من آمن وعمل صالحا من هذه الأمة بعد نبيها، كما قال تعالى: {محمد رسول ~~الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا ~~من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود} [سورة الفتح: 29] إلى آخر ~~السورة. وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل: «أي الناس ~~أحب إليك؟ قال: " عائشة ". قيل (3) : فمن الرجال؟ قال: " أبوها» (4) . ~~PageV07P106 # وفي الصحيح أن عمر قال لأبي بكر - رضي الله عنهما - يوم السقيفة: «بل أنت ~~سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم» - (1) . وتصديق ~~ذلك ما استفاض في الصحاح من غير وجه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ~~" «لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن مودة ~~الإسلام» " (2) . فهذا يبين أنه ليس في أهل الأرض أحق بمحبته ومودته من أبي ~~بكر، وما كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو أحب إلى الله، ~~وما كان أحب إلى الله ورسوله فهو أحق أن يكون أحب إلى المؤمنين، الذين ~~يحبون ما أحبه الله ورسوله [كما أحب الله ورسوله] (3) . والدلائل الدالة ~~على أنه أحق بالمودة كثيرة، فضلا عن أن يقال: إن المفضول تجب مودته، وإن ~~الفاضل لا تجب مودته. # وأما قوله: " إن مخالفته تنافي المودة، وامتثال (4) أوامره هو مودته (5) ~~، فيكون واجب الطاعة، وهو معنى (6) الإمامة ". فجوابه من وجوه: أحدها: إن ~~كان المودة توجب الطاعة فقد وجبت مودة ذوي القربى فتجب طاعتهم، فيجب أن ~~تكون فاطمة أيضا إماما، وإن كان هذا باطلا فهذا (7) مثله. الثاني: أن ~~المودة ليست مستلزمة للإمامة في حال وجوب المودة، فليس PageV07P107 # من وجبت مودته كان إماما حينئذ، بدليل أن الحسن والحسين تجب مودتهما قبل ~~مصيرهما إمامين، وعلي تجب مودته (1) في ms1638 زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~ولم يكن إماما، بل تجب وإن تأخرت إمامته إلى مقتل عثمان. الثالث: أن وجوب ~~المودة إن كان ملزوم الإمامة، [وانتفاء الملزوم] (2) يقتضي انتفاء اللازم، ~~فلا تجب المودة إلا من يكون إماما معصوما. فحينئذ لا يود أحدا (3) من ~~المؤمنين ولا يحبهم، فلا تجب مودة أحد من المؤمنين ولا محبته إذا لم يكونوا ~~أئمة: لا شيعة علي ولا غيرهم. وهذا خلاف الإجماع، وخلاف ما علم بالاضطرار ~~من دين الإسلام. الرابع: أن قوله: " والمخالفة تنافي المودة ". يقال: متى؟ ~~إذا كان ذلك واجب الطاعة أو مطلقا؟ الثاني ممنوع، وإلا لكان (4) من أوجب ~~على غيره شيئا لم يوجبه الله عليه إن خالفه فلا يكون محبا له، فلا يكون ~~مؤمن (5) محبا لمؤمن حتى يعتقد وجوب طاعته، وهذا معلوم الفساد. أما الأول ~~فيقال (6) : إذا لم تكن المخالفة قادحة في المودة إلا إذا كان واجب الطاعة، ~~فحينئذ يجب أن يعلم أولا وجوب الطاعة، حتى تكون مخالفته قادحة في مودته. ~~فإذا ثبت (7) وجوب الطاعة بمجرد وجوب المودة PageV07P108 # باطلا، وكان ذلك دورا ممتنعا، فإنه لا يعلم أن المخالفة تقدح في المودة ~~حتى يعلم وجوب الطاعة، ولا يعلم وجوب الطاعة إلا إذا علم أنه إمام، ولا ~~يعلم أنه إمام حتى يعلم أن مخالفته تقدح في مودته (1) . الخامس: أن يقال: ~~المخالفة تقدح في المودة إذا أمر بطاعته أم لم يؤمر (2) ؟ والثاني منتف ~~ضرورة. وأما الأول فإنا نعلم أن عليا لم يأمر الناس بطاعته في خلافة أبي ~~بكر وعمر وعثمان. السادس: يقال: هذا بعينه يقال: " في حق أبي بكر وعمر ~~وعثمان، فإن مودتهم ومحبتهم وموالاتهم واجبة كما تقدم، ومخالفتهم تقدح في ~~ذلك. السابع: الترجيح من هذا الحديث، لأن القوم دعوا الناس إلى ولايتهم ~~وطاعتهم وادعوا الإمامة، والله أوجب طاعتهم، فمخالفتهم (3) (4) تقدح في ~~مودتهم، بل تقدح في محبة الله ورسوله. ولا ريب أن الذي ابتدع الرفض لم يكن ~~محبا لله ولرسوله، بل كان (5) عدوا (6) لله. وهؤلاء القوم مع أهل السنة ~~بمنزلة النصارى مع المسلمين، فالنصارى يجعلون المسيح إلها ms1639، ويجعلون إبراهيم ~~وموسى ومحمدا أقل من الحواريين الذين كانوا مع عيسى. وهؤلاء يجعلون عليا هو ~~الإمام المعصوم، أو هو (7) النبي أو إله (8) ، والخلفاء الأربعة (9) ~~PageV07P109 # أقل من (1) مثل الأشتر النخعي (2) وأمثاله الذين قاتلوا معه. ولهذا كان ~~جهلهم وظلمهم أعظم من أن يوصف: ويتمسكون بالمنقولات المكذوبة، والألفاظ ~~المتشابهة، والأقيسة الفاسدة، ويدعون المنقولات الصادقة بل (3) المتواترة، ~~والنصوص البينة، والمعقولات الصريحة. ### | [فصل البرهان الثامن " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله " والجواب عليه] # فصل قال الرافضي: (4) " البرهان الثامن: قوله تعالى: {ومن الناس من يشري ~~نفسه ابتغاء مرضات الله} [سورة البقرة: 7 - 2] . قال الثعلبي: إن رسول الله ~~- صلى الله عليه وسلم - لما أراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب (5) لقضاء ~~ديونه ورد الودائع التي كانت عنده، وأمره (6) ليلة خرج إلى الغار، وقد أحاط ~~المشركون بالدار، أن ينام على فراشه، فقال له: «يا علي، اتشح ببردي الحضرمي ~~الأخضر (7) ، ونم على فراشي، فإنه لا يخلص (8) إليك منهم مكروه - إن شاء ~~الله PageV07P110 # [تعالى] (1) ، ففعل ذلك، فأوحى الله تعالى (2) إلى جبريل (3) وميكائيل ~~أني قد آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما (4) أطول من عمر الآخر، فأيكما يؤثر ~~صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة، فأوحى الله. (5) إليها: ألا كنتما ~~مثل علي بن أبي طالب، آخيت بينه وبين محمد - عليه الصلاة والسلام - فبات ~~على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة؟ اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه. ~~فنزلا، فكان جبريل (6) عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، فقال جبريل: بخ بخ ~~(7) من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي (8) الله بك الملائكة؟ فأنزل الله - عز ~~وجل - على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي ~~(9) : {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله} » [سورة البقرة: 207] . ~~وقال ابن عباس: إنما نزلت في علي (10) لما هرب النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- من المشركين إلى الغار، وهذه PageV07P111 # فضيلة (1) لم تحصل لغيره تدل على أفضلية علي على (2) جميع الصحابة (3) ، ~~فيكون هو الإمام ". الجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة هذا النقل. ومجرد ~~نقل الثعلبي وأمثاله لذلك، بل روايتهم، ليس بحجة ms1640 باتفاق طوائف [أهل] (4) ~~السنة والشيعة. لأن هذا مرسل (5) متأخر، ولم يذكر إسناده، وفي نقله من (6) ~~هذا الجنس للإسرائيليات والإسلاميات أمور يعلم أنها باطلة، وإن كان هو لم ~~يتعمد (7) الكذب. ثانيها: أن هذا الذي نقله من هذا الوجه (8) كذب باتفاق ~~أهل العلم بالحديث والسيرة (9) ، والمرجع إليهم في هذا الباب. الثالث: أن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - لما هاجر هو وأبو بكر إلى المدينة لم يكن ~~للقوم غرض في طلب علي، وإنما كان مطلوبهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~وأبا بكر، وجعلوا في كل واحد منهما ديته لمن جاء به، كما ثبت ذلك في الصحيح ~~الذي لا يستريب أهل العلم في صحته (10) ، وترك عليا في (11) PageV07P112 # فراشه ليظنوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في البيت فلا يطلبوه، فلما ~~أصبحوا وجدوا عليا فظهرت خيبتهم، ولم يؤذوا عليا، بل سألوه عن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم -، فأخبرهم أنه لا علم له به، ولم يكن هناك خوف على علي من ~~أحد (1) ، وإنما كان الخوف على النبي - صلى الله عليه وسلم - وصديقه، ولو ~~كان لهم في علي غرض لتعرضوا له لما وجدوه، فلما لم يتعرضوا له دل على أنهم ~~(2) لا غرض لهم فيه، فأي فداء هنا بالنفس؟ . والذي كان يفديه بنفسه بلا ~~ريب، ويقصد أن يدفع بنفسه عنه، ويكون الضرر به دونه ; هو أبو بكر. كان يذكر ~~الطلبة فيكون خلفه، ويذكر الرصد فيكون أمامه، وكان يذهب فيكشف له الخبر. ~~وإذا [كان] (3) هناك ما يخاف أحب أن يكون به لا بالنبي - صلى الله عليه ~~وسلم -. وغير واحد من الصحابة قد فداه بنفسه في مواطن الحروب، فمنهم من قتل ~~بين يديه، ومنهم من شلت يده، كطلحة بن عبد الله. وهذا واجب على المؤمنين ~~كلهم. فلو قدر أنه كان هناك فداء بالنفس لكان هذا من الفضائل المشتركة بينه ~~وبين غيره من الصحابة، فكيف إذا لم يكن هناك خوف على علي؟ . قال: ابن إسحاق ~~في " السيرة " - مع أنه من المتولين (4) لعلي المائلين إليه - وذكر خروج ~~النبي - صلى الله عليه وسلم ms1641 - من منزله، واستخلاف علي على فراشه ليلة مكر ~~الكفار به، قال (5) : " «فأتى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~PageV07P113 # فقال له (1) : لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه. قال: ~~فلما كانت عتمة الليل (2) اجتمعوا على بابه يرصدونه متى (3) ، ينام، فيثبون ~~عليه، فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقامهم قال لعلي (4) : نم ~~على فراشي واتشح (5) ببردي هذا الحضرمي الأخضر، فنم فيه (6) ، فإنه لن يخلص ~~(7) إليك شيء تكرهه منهم» . وعن محمد بن كعب القرظي (8) قال: «لما اجتمعوا ~~له، وفيهم: أبو جهل (9) ، فقال وهم على بابه: إن محمدا يزعم أنكم إن ~~تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بعثتم [من] (10) بعد موتكم، ~~فجعلت لكم جنات كجنات (11) الأردن، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح، ثم ~~بعثتم من بعد موتكم، فجعلت (12) لكم نار تحرقون فيها. قال: وخرج رسول الله ~~- صلى الله عليه وسلم - عليهم (13) ، فأخذ حفنة (14) PageV07P114 # من تراب في يده، ثم قال: نعم (1) أنا أقول ذلك، أنت (2) أحدهم. وأخذ الله ~~على أبصارهم عنه، فلا يرونه (3) . . . ولم يبق منهم رجلا إلا وضع على (4) ~~رأسه ترابا، ثم انصرف (5) إلى حيث أراد أن يذهب، فأتاهم آت ممن لم يكن معهم ~~فقال: ما تنتظرون هاهنا؟ قالوا (6) : محمدا. قال: خيبكم الله! قد والله خرج ~~عليكم محمد، ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا، وانطلق ~~لحاجته (7) ، أفما ترون ما بكم (8) ؟ قال: فوضع كل رجل منهم يده على رأسه، ~~فإذا عليه تراب، ثم جعلوا يطلعون (9) فيرون عليا على الفراش مسجى (10) ببرد ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائما، ~~عليه بردة. فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا. فقام علي عن الفراش، فقالوا: والله ~~لقد كان صدقنا الذي كان حدثنا (11) وكان مما أنزل الله [من القرآن] ذلك ~~اليوم (12) : { PageV07P115 # وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله ~~والله خير الماكرين} [سورة الأنفال: 30] وقوله: {أم يقولون شاعر نتربص به ~~ريب المنون} الآية [سورة الطور: 30] وأذن الله لنبيه ms1642 (1) في الهجرة عند ذلك ~~(2) » . فهذا يبين أن القوم لم يكن لهم غرض في علي أصلا. وأيضا فإن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - (3) قد قال: " اتشح ببردي هذا الأخضر، فنم فيه فإنه ~~لن يخلص إليك منهم رجل بشيء تكرهه ". فوعده - وهو الصادق - أنه لا يخلص ~~إليه مكروه، وكان طمأنينته بوعد الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] (4) . ~~الرابع: أن هذا الحديث فيه من الدلائل على كذبه ما لا يخفى، فإن الملائكة ~~لا يقال فيهم مثل هذا الباطل الذي لا يليق بهم، وليس أحدهما جائعا فيؤثره ~~الآخر بالطعام، ولا هناك خوف فيؤثر أحدهما صاحبه بالأمن (5) ، فكيف يقول ~~الله لهما: أيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ ولا للمؤاخاة بين الملائكة أصل، بل ~~جبريل له عمل يختص به دون ميكائيل، وميكائيل له عمل يختص به دون جبريل، كما ~~جاء في الآثار أن الوحي والنصر لجبريل، وأن الرزق والمطر لميكائيل. ~~PageV07P116 # ثم إن كان الله قضى بأن عمر أحدهما أطول من الآخر فهو ما قضاه، وإن قضاه ~~لواحد وأراد منهما أن يتفقا على تعيين الأطول، أو يؤثر به أحدهما الآخر، ~~وهما راضيان بذلك، فلا كلام. وأما إن كانا يكرهان ذلك، فكيف يليق بحكمة ~~الله ورحمته أن يحرش بينهما، ويلقي بينهما العداوة؟ ولو كان ذلك حقا - ~~تعالى الله عن ذلك - ثم هذا القدر لو وقع مع أنه باطل، فكيف تأخر من حين ~~خلقهما الله قبل آدم إلى حين الهجرة؟ وإنما كان يكون ذلك لو كان عقب ~~خلقهما. الخامس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يؤاخ عليا ولا غيره، ~~بل كل ما روي في هذا فهو كذب. وحديث المؤاخاة الذي يروى في ذلك - مع ضعفه ~~وبطلانه - إنما فيه مؤاخاته له في المدينة، هكذا رواه الترمذي (1) ، فأما ~~بمكة فمؤاخاته له باطلة على التقديرين. وأيضا فقد عرف أنه لم يكن فداء ~~بالنفس ولا إيثار بالحياة باتفاق علماء النقل. السادس: أن هبوط جبريل ~~وميكائيل لحفظ واحد من الناس من PageV07P117 # أعظم المنكرات ; فإن الله يحفظ من شاء (1) من خلقه بدون هذا. وإنما روي ~~هبوطهما يوم ms1643 بدر للقتال، وفي مثل تلك الأمور (2) العظام، ولو نزلا لحفظ ~~واحد (3) من الناس لنزلا لحفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - وصديقه، اللذين ~~كان الأعداء يطلبونهما من كل وجه، وقد بذلوا في كل واحد منهما ديته، وهم ~~عليهما غلاظ شداد سود الأكباد. السابع: أن هذه الآية في سورة البقرة، وهي ~~مدنية بلا خلاف، وإنما نزلت بعد هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ~~المدينة، لم تنزل وقت هجرته (4) . وقد قيل: إنها نزلت لما هاجر صهيب وطلبه ~~المشركون، فأعطاهم ماله، وأتى المدينة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ~~" ربح البيع أبا يحيى ". وهذه القصة مشهورة في التفسير، نقلها غير واحد (5) ~~. وهذا ممكن ; فإن صهيبا هاجر من مكة إلى المدينة. قال ابن جرير (6) : " ~~اختلف (7) أهل التأويل فيمن نزلت هذه الآية [فيه] (8) ، ومن عني بها ~~PageV07P118 # فقال بعضهم: نزلت في المهاجرين والأنصار، وعني بها المجاهدون في سبيل ~~الله ". وذكر بإسناده هذا القول (1) " وعن قتادة قال: وقال بعضهم: نزلت في ~~قوم بأعيانهم (2) " وروى عن " القاسم قال: حدثنا الحسين (3) ، حدثنا حجاج ~~(4) ، حدثنا ابن جريج (5) ، عن عكرمة (6) قال: «نزلت في صهيب وأبي ذر جندب ~~(7) ، أخذ أهل أبي ذر [أبا ذر] (8) فانفلت (9) منهم، فقدم على النبي - صلى ~~الله عليه وسلم -، فلما رجع مهاجرا عرضوا له، وكانوا (10) بمر الظهران، ~~فانفلت (11) أيضا حتى قدم عليه (12) ، وأما صهيب فأخذ أهله، فافتدى منهم ~~بماله، ثم خرج مهاجرا فأدركه قنفذ بن عمير بن جدعان (13) ، PageV07P119 # فخرج له مما (1) بقي من ماله فخلى (2) سبيله (3) » . وقال آخرون: عني (4) ~~[بذلك] (5) كل شار نفسه في طاعة الله (6) وجهاد (7) في سبيل الله، وأمر (8) ~~بمعروف ". ونسب هذا القول إلى عمر بل وابن عباس، وأن صهيبا كان سبب النزول ~~(9) . الثامن: أن لفظ الآية مطلق، ليس فيه تخصيص. فكل من باع نفسه ابتغاء ~~مرضات الله فقد دخل فيها. وأحق من دخل فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~وصديقه فإنهما شريا نفسهما (10) ابتغاء مرضات الله، وهاجرا في سبيل الله، ~~والعدو يطلبهما من كل وجه. التاسع: أن قوله: " هذه فضيلة لم تحصل لغيره ~~[فدل على ms1644 أفضليته] (11) فيكون هو الإمام " (12) . PageV07P120 # فيقال (1) : لا ريب أن الفضيلة التي حصلت لأبي بكر في الهجرة لم تحصل ~~لغيره من الصحابة بالكتاب والسنة والإجماع، فتكون هذه الأفضلية ثابتة له ~~دون عمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة، فيكون هو الإمام. فهذا هو الدليل ~~الصدق الذي لا كذب فيه. يقول الله: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه ~~الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله ~~معنا} [سورة التوبة: 40] . ومثل هذه الفضيلة لم تحصل لغير أبي بكر قطعا، ~~بخلاف الوقاية بالنفس، فإنها لو كانت صحيحة فغير واحد من الصحابة وقى النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - بنفسه. وهذا واجب على كل مؤمن، ليس من الفضائل ~~المختصة بالأكابر من الصحابة. والأفضلية إنما تثبت بالخصائص لا بالمشتركات. ~~يبين ذلك أنه لم ينقل أحد أن عليا أوذي في مبيته (2) على فراش النبي، وقد ~~أوذي غيره في وقايتهم (3) النبي - صلى الله عليه وسلم -: تارة بالضرب، ~~وتارة بالجرح، وتارة بالقتل. فمن فداه وأوذي أعظم ممن فداه ولم يؤذ. وقد ~~قال العلماء: ما صح لعلي من الفضائل فهي مشتركة، شاركه فيها غيره، بخلاف ~~الصديق، فإن كثيرا من فضائله - وأكثرها - خصائص له، لا يشركه فيها غيره. ~~وهذا مبسوط في موضعه (4) . PageV07P121 ### | [فصل البرهان التاسع " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم " والجواب عليه] # فصل قال الرافضي (1) : " البرهان التاسع: قوله تعالى: {فمن حاجك فيه من ~~بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ~~وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين} [سورة آل عمران: ~~61] . نقل الجمهور كافة أن " أبناءنا " إشارة إلى الحسن والحسين، و " ~~نساءنا " إشارة إلى فاطمة. و " أنفسنا " إشارة إلى علي (2) . وهذه الآية ~~دليل (3) على ثبوت الإمامة لعلي لأنه تعالى \ قد جعل نفس رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم -، والاتحاد محال، فيبقى المراد بالمساواة له الولاية (4) . ~~وأيضا لو كان غير هؤلاء مساويا لهم وأفضل (5) منهم في استجابة الدعاء لأمره ~~تعالى بأخذهم معه لأنه في موضع الحاجة، وإذا ms1645 كانوا هم الأفضل تعينت الإمامة ~~فيهم (6) . وهل تخفى دلالة هذه الآية على المطلوب إلا [على] (7) من استحوذ ~~الشيطان عليه، وأخذ بمجامع PageV07P122 # قلبه، وحببت إليه الدنيا (1) التي لا ينالها إلا بمنع أهل الحق من (2) ~~حقهم؟ ". والجواب أن يقال: " أما أخذه عليا [وفاطمة] (3) والحسن والحسين في ~~المباهلة فحديث صحيح، رواه مسلم عن سعد بن أبي وقاص. قال في حديث طويل (4) ~~: «لما نزلت هذه الآية: {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ~~وأنفسنا وأنفسكم} [سورة آل عمران: 61] (5) دعا رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: " اللهم هؤلاء أهلي» . ولكن لا ~~دلالة في ذلك على الإمامة ولا على الأفضلية. وقوله: " قد جعله الله نفس ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والاتحاد محال، فبقى المساواة له (6) ، ~~وله الولاية العامة، فكذا المساوية " (7) . قلنا: لا نسلم أنه لم يبق إلا ~~المساواة، ولا دليل على ذلك، بل حمله على ذلك ممتنع، لأن أحدا لا يساوي ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا عليا (8) ولا غيره PageV07P123 # وهذا اللفظ في لغة العرب لا يقتضي المساواة. قال تعالى في قصة الإفك: ~~{لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا} [سورة النور: 12] ، ~~ولم يوجب ذلك أن يكون المؤمنون والمؤمنات متساوين. وقد قال الله تعالى في ~~قصة بني إسرائيل: {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند ~~بارئكم} [سورة البقرة: 54] ، أي: يقتل بعضكم بعضا، ولم يوجب ذلك أن يكونوا ~~متساوين، ولا أن يكون من عبد العجل مساويا لمن لم يعبده. وكذلك قد قيل في ~~قوله: {ولا تقتلوا أنفسكم} [سورة النساء: 29] أي: لا يقتل بعضكم بعضا، وإن ~~كانوا غير متساوين. وقال تعالى: {ولا تلمزوا أنفسكم} [سورة الحجرات: 11] : ~~أي لا يلمز بعضكم بعضا ; فيطعن عليه ويعيبه. وهذا نهي لجميع المؤمنين، أن ~~لا يفعل بعضهم ببعض هذا الطعن والعيب، مع أنهم غير متساوين لا في الأحكام، ~~ولا في الفضيلة ولا الظالم كالمظلوم، ولا الإمام كالمأموم. ومن هذا الباب ~~قوله تعالى: {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} [سورة البقرة: 85] : أي يقتل ~~بعضكم بعضا ms1646. وإذا كان اللفظ في قوله: {وأنفسنا وأنفسكم} كاللفظ في قوله: ~~{ولا تلمزوا أنفسكم} [سورة الحجرات: 11] ، {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون ~~والمؤمنات بأنفسهم خيرا} [سورة النور: 12] ونحو ذلك، مع أن التساوي هنا ليس ~~بواجب بل ممتنع، فكذلك هناك وأشد. بل هذا اللفظ يدل على المجانسة ~~والمشابهة. والتجانس والمشابهة يكون بالاشتراك # PageV07P124 # في [بعض الأمور، كالاشتراك في] الإيمان (1) ، فالمؤمنون إخوة في الإيمان، ~~وهو المراد بقوله: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا} ~~[سورة النور: 12] ، وقوله: {ولا تلمزوا أنفسكم} [سورة الحجرات: 11] . وقد ~~يكون بالاشتراك في الدين، وإن كان فيهم المنافق، كاشتراك المسلمين في ~~الإسلام الظاهر، وإن كان مع ذلك الاشتراك في النسب فهو أوكد. وقوم موسى ~~كانوا أنفسنا (2) بهذا الاعتبار. قوله تعالى: {تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ~~ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم} [سورة آل عمران: 61] أي رجالنا ورجالكم، ~~أي الرجال الذين هم من جنسنا في الدين والنسب، والرجال الذين هم من جنسكم. ~~أو المراد (3) التجانس في القرابة فقط ; لأنه قال: {أبناءنا وأبناءكم ~~ونساءنا ونساءكم} فذكر الأولاد وذكر [النساء] (4) والرجال، فعلم أنه أراد ~~الأقربين إلينا من الذكور والإناث، من الأولاد والعصبة. ولهذا دعا الحسن ~~والحسين من الأبناء، ودعا فاطمة من النساء، ودعا عليا من رجاله (5) ، ولم ~~يكن عنده أحد أقرب إليه نسبا من هؤلاء، وهم الذين أدار عليهم الكساء. ~~والمباهلة إنما تحصل بالأقربين إليه، وإلا فلو باهلهم بالأبعدين في ~~PageV07P125 # النسب، وإن كانوا أفضل عند الله، لم يحصل المقصود ; فإن المراد أنهم ~~يدعون الأقربين، كما يدعو هو (1) الأقرب إليه. والنفوس تحنو على أقاربها ما ~~لا تحنو على غيرهم، وكانوا يعلمون أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ~~ويعلمون أنهم إن باهلوه نزلت البهلة عليهم وعلى أقاربهم، واجتمع خوفهم (2) ~~على أنفسهم وعلى أقاربهم، فكان ذلك أبلغ في امتناعهم، وإلا فالإنسان قد ~~يختار أن يهلك ويحيا ابنه، والشيخ الكبير قد يختار الموت إذا بقي أقاربه في ~~نعمة ومال. وهذا موجود كثير. فطلب منهم المباهلة بالأبناء والنساء والرجال ~~والأقربين من الجانبين، فلهذا دعا هؤلاء. وآية المباهلة نزلت سنة عشر ; لما ms1647 ~~قدم وفد نجران، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بقي من أعمامه إلا ~~العباس، والعباس لم يكن من السابقين الأولين، ولا كان له به اختصاص كعلي. ~~وأما بنو عمه فلم يكن فيهم مثل علي، وكان جعفر قد قتل قبل ذلك. فإن ~~المباهلة كانت لما قدم وفد نجران سنة تسع أو عشر، وجعفر قتل بمؤتة سنة ~~ثمان، فتعين علي - رضي الله عنه -. وكونه تعين للمباهلة ; إذ ليس في ~~الأقارب من يقوم مقامه، لا يوجب أن يكون مساويا للنبي - صلى الله عليه وسلم ~~- في شيء من الأشياء، بل ولا أن يكون (3) أفضل من سائر الصحابة مطلقا، بل ~~له بالمباهلة نوع فضيلة، PageV07P126 # وهي مشتركة بينه وبين فاطمة وحسن وحسين، ليست من خصائص الإمامة، فإن ~~خصائص الإمامة لا تثبت للنساء، ولا يقتضي أن يكون من باهل به أفضل من جميع ~~الصحابة، كما لم يوجب أن تكون فاطمة وحسن وحسين أفضل من جميع الصحابة. # وأما قول الرافضي: " لو كان غير هؤلاء مساويا لهم، أو أفضل منهم في ~~استجابة الدعاء لأمره تعالى بأخذهم معه ; [لأنه] (1) في موضع الحاجة ". ~~فيقال في الجواب: لم يكن المقصود إجابة الدعاء، فإن دعاء النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - وحده كاف، ولو كان المراد بمن يدعوه معه أن يستجاب دعاؤه ; ~~لدعا المؤمنين (2) كلهم ودعا بهم، كما كان يستسقي بهم وكما كان يستفتح ~~بصعاليك المهاجرين، وكان يقول: " وهل (3) تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟ ~~بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم " (4) . ومن المعلوم أن هؤلاء، وإن كانوا مجابين، ~~فكثرة الدعاء (5) أبلغ في الإجابة. لكن لم يكن المقصود دعوة من دعاه لإجابة ~~دعائه (6) ، بل لأجل المقابلة بين الأهل والأهل. ونحن نعلم بالاضطرار أن ~~النبي - صلى الله عليه PageV07P127 # وسلم - لو دعا أبا بكر وعمر وعثمان، وطلحة والزبير، وابن مسعود وأبي بن ~~كعب ومعاذ بن جبل وغيرهم للمباهلة، لكانوا من أعظم الناس استجابة لأمره، ~~وكان دعاء هؤلاء وغيرهم أبلغ في إجابة الدعاء، لكن لم يأمره الله سبحانه ~~بأخذهم [معه] (1) ; لأن ذلك لا يحصل به المقصود. فإن المقصود أن أولئك ~~يأتون ms1648 بمن يشفقون عليه طبعا (2) ، كأبنائهم ونسائهم ورجالهم الذين هم أقرب ~~الناس إليهم. فلو دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - قوما أجانب لأتى أولئك ~~بأجانب، ولم يكن يشتد عليه نزول البهلة بأولئك الأجانب، كما يشتد عليهم ~~نزولها بالأقربين إليهم، فإن طبع البشر يخاف على أقربيه (3) ، ما لا يخاف ~~على الأجانب، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو قرابته، وأن يدعوا ~~أولئك قرابتهم. والناس عند المقابلة تقول كل طائفة للأخرى: أرهنوا عندنا ~~أبناءكم ونساءكم، فلو رهنت إحدى الطائفتين أجنبيا لم يرض أولئك، كما أنه لو ~~دعا النبي الأجانب لم يرض أولئك المقابلون له، ولا يلزم أن يكون أهل الرجل ~~أفضل عند الله إذا قابل بهم لمن يقابله بأهله. فقد تبين أن الآية لا دلالة ~~فيها أصلا على مطلوب الرافضي، لكنه وأمثاله ممن في قلبه زيغ، كالنصارى ~~الذين يتعلقون بالألفاظ المجملة ويدعون النصوص الصريحة، ثم قدحه (4) في ~~خيار الأمة بزعمه الكاذب، PageV07P128 # حيث زعم أن المراد بالأنفس: المساوون، وهو خلاف المستعمل في لغة العرب. ~~ومما يبين ذلك أن قوله: " نساءنا " لا يختص بفاطمة، بل من دعاه من بناته ~~كانت بمنزلتها في ذلك، لكن لم يكن عنده إذ ذاك إلا فاطمة، فإن رقية وأم ~~كلثوم وزينب كن قد توفين قبل ذلك. فكذلك " أنفسنا " ليس مختصا بعلي، بل هذه ~~(1) صيغة جمع، كما أن " نساءنا " صيغة جمع وكذلك " أبناءنا " صيغة جمع، ~~وإنما دعا حسنا وحسينا لأنه لم يكن ممن ينسب إليه (2) بالبنوة سواهما، فإن ~~إبراهيم إن كان موجودا إذ ذاك فهو طفل لا يدعى، فإن إبراهيم هو ابن مارية ~~القبطية التي أهداها له [المقوقس] (3) صاحب مصر، وأهدى له البغلة ومارية ~~وسيرين، فأعطى سيرين لحسان بن ثابت، وتسرى مارية فولدت له إبراهيم، وعاش ~~بضعة عشر شهرا ومات، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «إن له مرضعا في ~~الجنة تتم إرضاعه» (4) PageV07P129 # وكان إهداء المقوقس بعد (1) الحديبية، بل بعد حنين. ### | [فصل البرهان العاشر " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه " والجواب عليه] # فصل. قال الرافضي (2) : " البرهان العاشر: قوله تعالى ms1649: {فتلقى آدم من ربه ~~كلمات فتاب عليه} [سورة البقرة: 37] . روى [الفقيه] (3) ابن المغازلي (4) ~~الشافعي بإسناده عن ابن عباس، قال: «سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ~~الكلمات التي تلقاها آدم (5) من ربه فتاب عليه. قال: سأله بحق محمد وعلي ~~وفاطمة والحسن والحسين أن يتوب عليه (6) ، فتاب عليه» . وهذه فضيلة لم ~~يلحقه أحد من الصحابة فيها، فيكون هو الإمام لمساواته النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - في التوسل به إلى الله تعالى ". والجواب من وجوه: أحدها: ~~المطالبة بصحة هذا النقل، فقد عرف أن مجرد رواية (7) ابن المغازلي (8) لا ~~يسوغ الاحتجاج بها باتفاق أهل العلم. PageV07P130 # الثاني: أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم، وذكره أبو الفرج بن ~~الجوزي في " الموضوعات " عن طريق الدارقطني (1) ، فإن له كتبا (2) في ~~الأفراد والغرائب (3) . قال الدارقطني: " تفرد به عمرو بن ثابت عن أبيه عن ~~أبي المقدام، لم يروه عنه غير حسن (4) الأشقر. قال يحيى بن معين: عمرو بن ~~ثابت ليس ثقة ولا مأمونا. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات ". ~~الثالث: أن الكلمات التي تلقاها آدم قد جاءت مفسرة في قوله تعالى: {ربنا ~~ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} [سورة الأعراف: ~~23] . وقد روي عن السلف هذا وما يشبهه (5) ، وليس في شيء من النقل الثابت ~~عنهم ما ذكره من القسم. الرابع: أنه معلوم بالاضطرار أن من هو دون آدم من ~~الكفار والفساق إذا تاب أحدهم إلى الله تاب الله عليه، وإن لم يقسم عليه ~~بأحد. فكيف يحتاج آدم في توبته إلى ما لا يحتاج إليه أحد من المذنبين لا ~~مؤمن ولا كافر. وطائفة قد رووا أنه توسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - حتى ~~قبل توبته، وهذا كذب. وروي عن مالك في ذلك حكاية في خطابه للمنصور، وهو كذب ~~على مالك، وإن كان ذكرها القاضي عياض في " الشفاء ". PageV07P131 # الخامس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر أحدا بالتوبة بمثل هذا ~~الدعاء، بل ولا أمر أحدا بمثل هذا الدعاء في توبة ولا غيرها، بل ولا ms1650 شرع ~~لأمته أن يقسموا على الله بمخلوق ولو كان هذا الدعاء مشروعا لشرعه لأمته. ~~السادس: أن الإقسام على الله بالملائكة والأنبياء أمر لم يرد به كتاب ولا ~~سنة، بل قد نص غير واحد من أهل العلم - كأبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما - على ~~أنه لا يجوز أن يقسم على الله بمخلوق. وقد بسطنا الكلام على ذلك. السابع: ~~أن هذا لو كان مشروعا فآدم نبي كريم، كيف يقسم على الله بمن هو أكرم عليه ~~منه؟ ولا ريب أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أفضل من آدم، لكن آدم أفضل ~~من علي وفاطمة وحسن وحسين. الثامن: أن يقال: هذه ليست من خصائص الأئمة، ~~فإنها قد ثبتت لفاطمة. وخصائص الأئمة لا تثبت للنساء. وما لم يكن من ~~خصائصهم لم يستلزم الإمامة، فإن دليل الإمامة لا بد أن يكون ملزوما لها، ~~يلزم من وجوده استحقاقها، فلو كان هذا دليلا على الإمامة لكان من يتصف به ~~يستحقها، والمرأة لا تكون إماما بالنص والإجماع. ### | [فصل البرهان الحادي عشر " إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي " والجواب عليه] # فصل قال الرافضي (1) : " البرهان الحادي عشر: قوله تعالى: {إني جاعلك ~~للناس إماما قال ومن ذريتي} PageV07P132 # [سورة البقرة: 124] . روى الفقيه ابن المغازلي (1) الشافعي عن ابن مسعود ~~(2) ، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «انتهت الدعوة إلي وإلى علي، ~~لم يسجد أحدنا لصنم قط، فاتخذني نبيا واتخذ عليا وصيا» . وهذا نص في الباب ~~". والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة هذا كما تقدم. الثاني: أن هذا ~~الحديث كذب موضوع بإجماع أهل العلم (3) . وانظر: زاد المسير 1 139 - 141، ~~الدر المنثور للسيوطي 1 118. الثالث: أن قوله: " انتهت الدعوة إلينا " كلام ~~لا يجوز أن ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه إن أريد: أنها لم ~~تصب من قبلنا كان ممتنعا ; لأن الأنبياء من ذرية إبراهيم دخلوا في الدعوة. ~~قال تعالى: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة ~~يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة} [سورة ~~الأنبياء: 72 - 73] وقال تعالى: {وآتينا موسى الكتاب وجعلناه ms1651 هدى لبني ~~إسرائيل} [سورة الإسراء: 2] . وقال عن بني إسرائيل: {وجعلنا منهم أئمة ~~يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} [سورة السجدة: 24] ~~PageV07P133 # وقال: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم ~~الوارثين ونمكن لهم في الأرض} [سورة القصص: 5، 6] . فهذه عدة نصوص من ~~القرآن في جعل الله [أئمة] (1) من ذرية إبراهيم قبل أمتنا. وإن أريد: انتهت ~~الدعوة إلينا: أنه لا إمام بعدنا، لزم أن لا يكون الحسن والحسين ولا غيرهما ~~أئمة، وهو باطل بالإجماع (2) . ثم التعليل بكونه لم يسجد لصنم [هو] (3) هو ~~علة موجودة في سائر المسلمين بعدهم. الوجه الرابع: أن كون الشخص لم يسجد ~~لصنم فضيلة يشاركه فيها جميع من ولد على الإسلام، مع أن السابقين الأولين ~~أفضل منه، فكيف يجعل المفضول مستحقا لهذه المرتبة دون الفاضل؟ الخامس: أنه ~~لو قيل أنه لم يسجد لصنم لأنه أسلم قبل البلوغ، فلم يسجد بعد إسلامه، فهكذا ~~كل مسلم، والصبي غير مكلف. وإن قيل: إنه لم يسجد قبل إسلامه فهذا النفي غير ~~معلوم، ولا قائله ممن يوثق به. ويقال: ليس كل من لم يكفر أو من لم يأت ~~بكبيرة أفضل ممن تاب عنها مطلقا بل قد يكون التائب من الكفر والفسوق أفضل ~~ممن لم يكفر ولم يفسق، كما دل على ذلك الكتاب [العزيز] (4) فإن الله فضل ~~الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا على الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، ~~وأولئك كلهم أسلموا بعد [الكفر] (5) . وهؤلاء فيهم من ولد على الإسلام. ~~وفضل PageV07P134 # السابقين الأولين على التابعين لهم بإحسان، وأولئك آمنوا بعد الكفر، و ~~[أكثر] التابعين (1) ولدوا على الإسلام. وقد ذكر الله في القرآن أن لوطا ~~آمن لإبراهيم، وبعثه الله نبيا. وقال شعيب: {قد افترينا على الله كذبا إن ~~عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن ~~يشاء الله ربنا} [سورة الأعراف: 89] . وقال تعالى: {وقال الذين كفروا ~~لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا} [سورة إبراهيم: 13] . وقد ~~أخبر الله عن إخوة يوسف بما أخبر، ثم ms1652 نبأهم بعد توبتهم، وهم الأسباط الذين ~~أمرنا أن نؤمن بما أوتوا في سورة البقرة وآل عمران والنساء. وإذا كان في ~~هؤلاء من صار نبيا، فمعلوم أن الأنبياء أفضل من غيرهم. وهذا مما تنازع فيه ~~الرافضة وغيرهم، ويقولون: من صدر منه ذنب لا يصير نبيا. والنزاع فيمن أسلم ~~أعظم، لكن الاعتبار بما دل عليه الكتاب والسنة. والذين منعوا من هذا عمدتهم ~~أن التائب من الذنب يكون ناقصا مذموما لا يستحق النبوة، ولو صار من أعظم ~~الناس طاعة. وهذا هو الأصل الذي نوزعوا فيه، والكتاب والسنة و [الإجماع] ~~يدل (2) على بطلان قولهم فيه. ### | [فصل البرهان الثاني عشر " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا " والجواب عليه] # فصل قال الرافضي (3) : " البرهان الثاني عشر: قوله تعالى: {إن الذين ~~آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} PageV07P135 # [سورة مريم: 96] روى الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (1) بإسناده إلى ابن عباس ~~قال نزلت في علي. والود محبة في القلوب المؤمنة. وفي تفسير (2) الثعلبي عن ~~البراء بن عازب قال: «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي (3) : يا ~~علي قل: اللهم اجعل لي عندك عهدا، واجعل لي في صدور المؤمنين (4) مودة. ~~فأنزل الله: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} » ~~[سورة مريم: 96] ، ولم يثبت لغيره ذلك، فيكون هو الإمام (5) ". والجواب من ~~وجوه: أحدها: أنه لا بد من إقامة الدليل على صحة المنقول، وإلا فالاستدلال ~~(6) بما لا تثبت مقدماته باطل بالاتفاق، وهو من القول بلا علم ومن قفو ~~الإنسان بما ليس له به علم، ومن المحاجة بغير علم. والعزو المذكور لا يفيد ~~(7) الثبوت باتفاق أهل السنة والشيعة. الوجه الثاني: أن هذين الحديثين من ~~الكذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث (8) . PageV07P136 # الثالث: أن (1) قوله: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات} [سورة مريم: 96] ~~عام في جميع المؤمنين، فلا يجوز تخصيصها بعلي، بل هي متناولة لعلي وغيره ~~(2) ، والدليل عليه أن (3) الحسن والحسين وغيرهما من المؤمنين الذين تعظمهم ~~الشيعة داخلون في الآية، فعلم بذلك الإجماع على عدم اختصاصها بعلي. وأما ~~قوله: " ولم يثبت مثل ms1653 ذلك لغيره من الصحابة " فممنوع كما تقدم، فإنهم خير ~~القرون، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات فيهم أفضل منهم في سائر القرون، وهم ~~بالنسبة إليهم أكثر منهم في كل قرن بالنسبة إليه. الرابع: أن الله قد أخبر ~~أنه سيجعل للذين آمنوا وعملوا الصالحات ودا. وهذا وعد منه صادق. ومعلوم أن ~~الله قد جعل للصحابة مودة في قلب كل مسلم، لا سيما الخلفاء - رضي الله عنهم ~~-، لا سيما أبو بكر وعمر ; فإن عامة الصحابة والتابعين كانوا يودونهما (4) ~~، وكانوا (5) خير القرون. ولم يكن كذلك علي، فإن كثيرا من الصحابة ~~والتابعين كانوا يبغضونه PageV07P137 # ويسبونه ويقاتلونه، وأبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - قد أبغضهما وسبهما ~~الرافضة والنصيرية والغالية والإسماعيلية. لكن معلوم أن الذين أحبوا ذينك ~~(1) أفضل وأكثر، وأن الذين أبغضوهما أبعد عن الإسلام وأقل، بخلاف علي، فإن ~~الذين أبغضوه وقاتلوه هم خير من الذين أبغضوا أبا بكر وعمر، بل شيعة عثمان ~~الذين يحبونه ويبغضون عليا، وإن كانوا مبتدعين ظالمين، فشيعة علي الذين ~~يحبونه ويبغضون عثمان أنقص منهم علما ودينا، وأكثر جهلا وظلما. فعلم أن ~~المودة التي جعلت للثلاثة أعظم. وإذا قيل: علي قد ادعيت (2) فيه الإلهية ~~والنبوة. قيل: قد كفرته الخوارج كلها، وأبغضته المروانية. وهؤلاء خير من ~~الرافضة الذين يسبون أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - فضلا عن الغالية (3) ~~. ### | [فصل البرهان الثالث عشر " إنما أنت منذر ولكل قوم هاد " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (4) : " البرهان الثالث عشر: قوله تعالى: {إنما أنت منذر ~~ولكل قوم هاد} [سورة الرعد: 7] من كتاب " الفردوس " عن ابن عباس (5) قال: ~~قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا PageV07P138 # المنذر (1) وعلي الهادي، بك (2) يا علي يهتدي المهتدون» . ونحوه رواه أبو ~~نعيم، وهو صريح في ثبوت الولاية والإمامة (3) ". # والجواب من وجوه: أحدها: أن هذا لم يقم دليل على صحته، فلا يجوز الاحتجاج ~~[به] (4) . وكتاب " الفردوس " للديلمي (5) فيه موضوعات كثيرة أجمع أهل ~~العلم على أن مجرد كونه رواه لا يدل على صحة الحديث، وكذلك رواية أبي نعيم ~~لا تدل على الصحة. # الثاني: أن هذا كذب ms1654 موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث (6) ، فيجب تكذيبه ~~ورده. PageV07P139 # الثالث: أن هذا الكلام لا يجوز نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ~~فإن قوله: «أنا المنذر وبك يا علي يهتدي المهتدون» ، ظاهره أنهم بك يهتدون ~~دوني، وهذا لا يقوله مسلم ; فإن ظاهره أن النذارة والهداية مقسومة بينهما، ~~فهذا نذير لا يهتدى به، وهذا هاد [وهذا] (1) لا يقوله مسلم. # الرابع: أن الله تعالى قد جعل محمدا هاديا فقال: {وإنك لتهدي إلى صراط ~~مستقيم - صراط الله} [سورة الشورى: 52 - 53] فكيف يجعل الهادي من لم يوصف ~~بذلك دون من وصف به؟ ! # الخامس: أن قوله: " بك يهتدي المهتدون " ظاهره أن كل من اهتدى من أمة ~~محمد فبه اهتدى، وهذا كذب بين ; فإنه قد آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ~~خلق كثير، واهتدوا به، ودخلوا الجنة، ولم يسمعوا من علي كلمة واحدة، وأكثر ~~الذين آمنوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - واهتدوا به لم يهتدوا بعلي في ~~شيء. وكذلك لما فتحت الأمصار وآمن واهتدى الناس بمن سكنها من الصحابة ~~وغيرهم، كان جماهير المؤمنين لم يسمعوا من علي شيئا، فكيف يجوز أن يقال: بك ~~يهتدي المهتدون؟ ! PageV07P140 # السادس: أنه قد قيل معناه: إنما أنت نذير ولكل قوم هاد، وهو الله تعالى، ~~وهو قول ضعيف. وكذلك قول من قال: أنت نذير وهاد لكل قوم، قول ضعيف. والصحيح ~~أن معناها: إنما أنت نذير كما أرسل من قبلك نذير (1) ، ولكل أمة نذير ~~يهديهم أي يدعوهم (2) ، كما في قوله: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} [سورة ~~فاطر: 24] وهذا قول جماعة من المفسرين مثل قتادة وعكرمة وأبي الضحى وعبد ~~الرحمن بن زيد. قال ابن جرير الطبري (3) : " حدثنا بشر، حدثنا (4) يزيد، ~~حدثنا سعيد، عن قتادة، وحدثنا أبو كريب (5) حدثنا [وكيع، حدثنا] (6) سفيان، ~~عن السدي، عن عكرمة. ومنصور عن أبي الضحى: " {إنما أنت منذر} (7) {ولكل قوم ~~هاد} " قالا: محمد هو المنذر وهو الهادي ". # " حدثنا يونس (8) ، حدثنا ابن وهب (9) ، قال: قال ابن زيد: لكل قوم نبي ~~(10) . " الهادي " النبي (11) والمنذر النبي أيضا (12) . وقرأ: {وإن من أمة ~~إلا خلا ms1655 فيها نذير} PageV07P141 # [سورة فاطر: 24] . وقرأ (1) : {نذير من النذر الأولى} [سورة النجم: 56] ~~قال: نبي من الأنبياء. " حدثنا بشار (2) ، حدثنا أبو عاصم، حدثنا سفيان (3) ~~، عن ليث، عن مجاهد قال: " المنذر " (4) محمد (5) ، " {ولكل قوم هاد} " ~~قال: نبي. # وقوله: {يوم ندعوا كل أناس بإمامهم} [سورة الإسراء: 71] ; إذ الإمام [هو] ~~(6) الذي يؤتم به، أي يقتدى به. وقد قيل: إن المراد به هو الله الذي ~~يهديهم، والأول أصح. # وأما تفسيره بعلي فإنه باطل ; لأنه قال: {ولكل قوم هاد} ، وهذا يقتضي أن ~~يكون هادي هؤلاء غير هادي هؤلاء، فيتعدد الهداة، فكيف يجعل علي هاديا (7) ~~لكل قوم من الأولين والآخرين؟ ! # السابع: أن الاهتداء بالشخص قد يكون بغير تأميره عليهم، كما يهتدى ~~بالعالم. وكما جاء في الحديث الذي فيه: «أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم ~~اهتديتم» (8) " فليس هذا صريحا في أن الإمامة (9) كما زعمه هذا المفتري. ~~PageV07P142 # الثامن: أن قوله: {ولكل قوم هاد} نكرة في سياق الإثبات، وهذا لا يدل على ~~معين، فدعوى دلالة القرآن على علي باطل، والاحتجاج بالحديث ليس احتجاجا ~~بالقرآن، مع أنه باطل. # التاسع: أن قوله: كل قوم صيغة عموم. ولو أريد أن هاديا واحدا للجميع ~~لقيل: لجميع الناس هاد (1) . لا يقال: (لكل قوم) ، فإن هؤلاء القوم [غير ~~هؤلاء القوم] (2) ، وهو لم يقل: لجميع القوم، ولا يقال ذلك، بل أضاف " كلا ~~" إلى نكرة، لم يضفه إلى معرفة. # كما في قولك: " كل الناس يعلم أن هنا (3) قوما وقوما متعددين، وأن كل قوم ~~لهم هاد ليس هو هادي الآخرين ". وهذا يبطل قول من يقول: [إن] (4) الهادي هو ~~الله تعالى، ودلالته على بطلان قول من يقول: " هو علي أظهر. ### | [فصل البرهان الرابع عشر " وقفوهم إنهم مسئولون " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (5) : " البرهان الرابع عشر: قوله تعالى: {وقفوهم إنهم ~~مسئولون} [سورة الصافات: 24] من طريق أبي نعيم (6) عن الشعبي عن ابن عباس ~~قال في قوله تعالى: {وقفوهم إنهم مسئولون} عن ولاية علي. وكذا في كتاب " ~~الفردوس " عن أبي PageV07P143 # سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) . ~~وإذا سئلوا عن الولاية وجب ms1656 أن تكون ثابتة له، ولم يثبت لغيره من الصحابة ~~ذلك، فيكون هو الإمام ". # والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة النقل (2) ، والعزو إلى " الفردوس ~~" وإلى أبي نعيم لا تقوم به حجة باتفاق أهل العلم. # الثاني: أن هذا كذب موضوع بالاتفاق (3) . # الثالث: أن الله تعالى قال: {بل عجبت ويسخرون - وإذا ذكروا لا يذكرون - ~~وإذا رأوا آية يستسخرون - وقالوا إن هذا إلا سحر مبين - أئذا متنا وكنا ~~ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون - أوآباؤنا الأولون - قل نعم وأنتم داخرون - ~~فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون - وقالوا ياويلنا هذا يوم الدين - هذا ~~يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون - احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا ~~يعبدون - من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم - وقفوهم إنهم مسئولون - ما ~~لكم لا تناصرون - بل هم اليوم مستسلمون - وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون - ~~قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين - قالوا بل لم تكونوا مؤمنين - وما كان ~~لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين - فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون - ~~فأغويناكم إنا كنا غاوين - فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون - إنا كذلك نفعل ~~بالمجرمين - إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون - ويقولون ~~أئنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون - بل جاء بالحق وصدق المرسلين} PageV07P144 # [سورة الصافات: 12 - 37] . # فهذا خطاب عن المشركين المكذبين بيوم الدين، وهؤلاء يسألون عن توحيد الله ~~والإيمان برسله واليوم الآخر. وأي مدخل لحب علي في سؤال هؤلاء تراهم لو ~~أحبوه مع هذا الكفر والشرك أكان ذلك ينفعهم أو تراهم لو أبغضوه أين كان ~~بغضهم له في بغضهم لأنبياء الله ولكتابه ودينه؟ # وما يفسر القرآن بهذا، ويقول: النبي - صلى الله عليه وسلم - فسره بمثل ~~هذا - إلا زنديق ملحد متلاعب بالدين قادح في دين الإسلام أو مفرط في الجهل، ~~لا يدري ما يقول وأي فرق بين حب علي وطلحة والزبير وسعد وأبي بكر وعمر ~~وعثمان؟ ! # ولو قال قائل: إنهم مسئولون عن حب أبي بكر، لم يكن قوله أبعد من قول من ~~قال: عن حب علي، ولا في الآية (1) ما يدل ms1657 على أن ذلك القول أرجح، بل ~~دلالتها (2) على ثبوتهما وانتفائهما (3) سواء، والأدلة الدالة (4) على وجوب ~~حب أبي بكر أقوى. # الرابع: أن قوله " مسئولون " لفظ مطلق لم يوصل [به] ضمير (5) يخصه بشيء، ~~وليس في السياق ما يقتضي ذكر حب علي، فدعوى المدعي دلالة اللفظ على سؤالهم ~~عن حب علي من أعظم الكذب والبهتان. PageV07P145 # الخامس: أنه لو ادعى مدع أنهم مسئولون عن حب أبي بكر وعمر، لم يكن (1) ~~إبطال ذلك بوجه إلا وإبطال السؤال عن حب علي أقوى وأظهر. ### | [فصل البرهان الخامس عشر " ولتعرفنهم في لحن القول " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (2) : " البرهان الخامس عشر: قوله تعالى: {ولتعرفنهم في لحن ~~القول} [سورة محمد: 30] . روى أبو نعيم (3) بإسناده عن (4) أبي سعيد ~~الخدري، في قوله تعالى: {ولتعرفنهم في لحن القول} قال: ببغضهم عليا. ولم ~~يثبت لغيره من الصحابة ذلك، فيكون أفضل منهم، فيكون هو الإمام ". # والجواب: المطالبة بصحة النقل أولا. # والثاني: أن هذا من الكذب على أبي سعيد عند أهل المعرفة بالحديث (5) . # الثالث: أن يقال: لو ثبت أنه قاله، فمجرد قول أبي سعيد قول واحد من ~~الصحابة، وقول الصاحب إذا خالفه صاحب آخر ليس بحجة باتفاق PageV07P146 # أهل العلم. وقد علم قدح كثير من الصحابة في علي، وإنما احتج عليهم ~~بالكتاب والسنة، لا بقول آخر من الصحابة. # الرابع: أنا نعلم بالاضطرار أن عامة المنافقين لم يكن ما يعرفون به من ~~(1) لحن القول هو بغض علي، فتفسير القرآن بهذا فرية ظاهرة. # الخامس: أن عليا لم يكن أعظم معاداة للكفار والمنافقين من عمر، بل * ولا ~~نعرف أنهم كانوا يتأذون منه كما يتأذون من عمر، بل ولا نعرف أنهم كانوا ~~يتأذون منه إلا وكان بغضهم لعمر أشد * (2) . # السادس: أنه في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «آية ~~الإيمان حب الأنصار (3) ، وآية النفاق بغض الأنصار» . وقال: «لا يبغض ~~الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر» (4) . فكان معرفة المنافقين في لحنهم ~~ببغض الأنصار أولى. # فإن هذه الأحاديث أصح مما يروى «عن علي، أنه قال: [إنه] (5) لعهد النبي ~~الأمي ms1658 إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق» . فإن هذا من أفراد ~~مسلم، وهو من رواية عدي بن ثابت، عن زر بن حبيش عن علي (6) ، والبخاري أعرض ~~عن هذا الحديث، بخلاف أحاديث الأنصار، PageV07P147 # فإنها مما اتفق عليه أهل الصحيح كلهم: البخاري وغيره، وأهل العلم يعلمون ~~يقينا (1) أن النبي قاله، وحديث علي قد شك فيه بعضهم. # السابع: أن علامات النفاق كثيرة، كما ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - أنه قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، ~~وإذا ائتمن خان» (2) . فهذه علامات ظاهرة. فعلم أن علامات النفاق لا تختص ~~بحب شخص أو طائفة ولا بغضهم، إن كان ذلك من العلامات. ولا ريب أن من أحب ~~عليا لله بما يستحقه من المحبة لله، فذلك من الدليل على إيمانه، وكذلك من ~~أحب الأنصار ; لأنهم نصروا الله ورسوله، فذلك من علامات إيمانه، ومن أبغض ~~عليا والأنصار لما فيهم من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله ; فهو ~~منافق. # وأما من أحب الأنصار أو عليا أو غيرهم لأمر طبيعي مثل قرابة بينهما، فهو ~~كمحبة أبي طالب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك لا ينفعه عند الله ومن ~~غلا في الأنصار، أو في علي أو في المسيح أو في نبي فأحبه واعتقد فيه فوق ~~مرتبته فإنه لم يحبه في الحقيقة، إنما أحب ما لا وجود له، كحب النصارى ~~للمسيح، فإن المسيح أفضل من علي. # وهذه المحبة لا تنفعهم، فإنه إنما ينفع الحب لله، لا الحب مع الله. # قال تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله ~~والذين آمنوا أشد حبا لله} PageV07P148 # ومن قدر أنه سمع عن بعض الأنصار أمرا يوجب (1) بغضه فأبغضه لذلك، كان ~~ضالا مخطئا، ولم يكن منافقا بذلك. وكذلك من اعتقد في بعض الصحابة اعتقادا ~~غير مطابق، وظن فيه أنه كان كافرا أو فاسقا فأبغضه لذلك كان جاهلا ظالما ~~ولم يكن منافقا. # وهذا مما يبين به كذب ما يروى عن بعض الصحابة كجابر، أنه ms1659 قال: " ما كنا ~~نعرف المنافقين على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ببغضهم علي بن ~~أبي طالب " فإن هذا النفي من أظهر الأمور كذبا، لا يخفى بطلان هذا النفي ~~على [آحاد الناس، فضلا عن أن يخفى مثل ذلك على] (2) جابر أو نحوه. # فإن الله قد ذكر في سورة التوبة وغيرها من علامات المنافقين وصفاتهم ~~أمورا متعددة، ليس في شيء منها بغض علي. # كقوله (3) {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا} [سورة ~~التوبة: 49] . # وقوله: {ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا ~~منها إذا هم يسخطون} [سورة التوبة: 58] . # وقوله: {ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن ~~بالله} [سورة التوبة: 61] . # وقوله: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من ~~الصالحين} PageV07P149 # [سورة التوبة: 75] إلى قوله {وبما كانوا يكذبون} [سورة التوبة: 77] . إلى ~~أمثال ذلك من الصفات التي يصف بها المنافقين (1) ، وذكر علاماتهم وذكر ~~الأسباب الموجبة للنفاق. # وكل ما كان موجبا للنفاق فهو دليل عليه وعلامة له. فكيف يجوز لعاقل أن ~~يقول: لم يكن للمنافقين علامة [يعرفون بها] (2) غير (3) بغض علي؟ وقد كان ~~من علامتهم التخلف عن الجماعة، كما في الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: أيها ~~الناس حافظوا على [هؤلاء] (4) الصلوات الخمس حيث ينادى بهن (5) ، فإنهن من ~~سنن الهدى، وإن الله (6) شرع لنبيه سنن الهدى، وإنكم لو صليتم في بيوتكم ~~كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، (7) ولو تركتم سنة نبيكم ~~(8) لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها (9) إلا منافق معلوم النفاق، ولقد ~~كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف (10) " PageV07P150 # وعامة علامات النفاق وأسبابه ليست في أحد من أصناف الأمة أظهر منها في ~~الرافضة، حتى يوجد فيهم من النفاق الغليظ الظاهر ما لا يوجد في غيرهم. ~~وشعار دينهم " التقية " التي هي أن يقول بلسانه ما ليس في قلبه، وهذا علامة ~~النفاق. # كما قال الله تعالى: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله ms1660 وليعلم ~~المؤمنين - وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ~~ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان ~~يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون} [سورة آل عمران: ~~166 - 167] . # وقال تعالى: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد ~~إسلامهم وهموا بما لم ينالوا} [سورة التوبة: 74] (1) . # وقال تعالى: {في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا ~~يكذبون} [سورة البقرة: 10] وفيها قراءتان (2) : يكذبون، ويكذبون (3) . # وفي الجملة [فعلامات] (4) النفاق مثل الكذب والخيانة وإخلاف (5) الوعد ~~والغدر لا يوجد في طائفة أكثر منها في الرافضة. وهذا من صفاتهم القديمة، ~~حتى إنهم كانوا يغدرون بعلي وبالحسن والحسين PageV07P151 # وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ~~قال: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه ~~خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف (1) ، وإذا عاهد ~~غدر، وإذا خاصم فجر» (2) . وهذا لبسطه موضوع آخر. # والمقصود هنا أنه يمتنع أن يقال: لا علامة للنفاق إلا بغض علي، ولا يقول ~~هذا أحد من الصحابة، لكن الذي قد يقال: إن بغضه من علامات النفاق، كما في ~~الحديث المرفوع: «لا يبغضني إلا منافق» (3) ، فهذا يمكن توجيهه، فإنه من ~~علم ما قام به علي - رضي الله عنه - من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في ~~سبيله، ثم أبغضه على ذلك، فهو منافق. # ونفاق من يبغض الأنصار أظهر ; فإن الأنصار قبيلة عظيمة لهم مدينة، وهم ~~الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبل المهاجرين، وبالهجرة إلى دارهم عز ~~الإيمان، واستظهر أهله، وكان لهم من نصر الله ورسوله ما لم يكن لأهل مدينة ~~غيرهم، ولا لقبيلة سواهم، فلا يبغضهم إلا منافق. ومع هذا فليسوا بأفضل من ~~المهاجرين، بل المهاجرون أفضل منهم. # فعلم أنه لا يلزم من كون بغض الشخص من علامات النفاق أن يكون أفضل من ~~غيره. ولا يشك من عرف أحوال الصحابة أن عمر كان أشد عداوة للكفار ms1661 ~~والمنافقين من علي، وأن تأثيره في نصر الإسلام وإعزازه PageV07P152 # وإذلال الكفار والمنافقين أعظم من تأثير علي، وأن الكفار والمنافقين ~~أعداء الرسول يبغضونه أعظم مما يبغضون عليا. # ولهذا كان الذي قتل عمر كافرا يبغض دين الإسلام، ويبغض الرسول وأمته ~~فقتله بغضا للرسول ودينه وأمته. والذي قتل عليا كان يصلي ويصوم ويقرأ ~~القرآن، وقتله معتقدا أن الله ورسوله يحب قتل علي، وفعل ذلك محبة لله ~~ورسوله - في زعمه - وإن كان في ذلك ضالا مبتدعا. # والمقصود أن النفاق في بغض عمر أظهر منه في بغض علي. ولهذا لما كان ~~الرافضة من أعظم الطوائف نفاقا كانوا يسمون عمر فرعون الأمة. وكانوا يوالون ~~أبا لؤلؤة - قاتله الله - الذي هو من أكفر الخلق وأعظمهم عداوة لله ولرسوله ~~(1) . ### | [فصل البرهان السادس عشر " والسابقون السابقون أولئك المقربون " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (2) : البرهان السادس عشر: قوله تعالى: {والسابقون السابقون ~~- أولئك المقربون} [سورة الواقعة: 10 - 11] (3) . روى أبو نعيم (4) عن ابن ~~عباس (5) في هذه الآية: سابق هذه الأمة PageV07P153 # علي بن أبي طالب. روى (1) الفقيه ابن المغازلي (2) الشافعي، عن مجاهد، عن ~~ابن عباس في قوله: {والسابقون السابقون} قال: سبق يوشع بن نون إلى موسى، ~~وسبق موسى إلى هارون، وسبق صاحب يس إلى عيسى، وسبق علي إلى محمد - صلى الله ~~عليه وسلم - (3) . وهذه الفضيلة لم تثبت لغيره من الصحابة، فيكون هو الإمام ~~(4) ". # والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة النقل، فإن الكذب كثير فيما يرويه ~~هذا وهذا. # الثاني: أن هذا باطل عن ابن عباس، ولو صح عنه (5) لم يكن حجة إذا خالفه ~~من هو أقوى منه (6) . # الثالث: أن الله يقول: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين ~~اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار} ~~[سورة التوبة: 100] PageV07P154 # وقال تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ~~ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله} الآية [سورة فاطر: 32] . # والسابقون الأولون هم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، الذين هم أفضل ~~ممن أنفق من بعد الفتح وقاتل ودخل فيهم أهل ms1662 بيعة الرضوان، وكانوا أكثر من ~~ألف وأربعمائة، فكيف يقال: إن سابق هذه الأمة واحد؟ ! # الرابع: قوله: " وهذه الفضيلة لم تثبت لغيره من الصحابة " ممنوع ; فإن ~~الناس متنازعون في أول من أسلم، فقيل: أبو بكر أول من أسلم، فهو أسبق ~~إسلاما من علي. وقيل: إن عليا أسلم قبله. لكن علي كان صغيرا، وإسلام الصبي ~~فيه نزاع بين العلماء. ولا نزاع في أن إسلام أبي بكر أكمل وأنفع، فيكون هو ~~أكمل سبقا بالاتفاق، وأسبق على الإطلاق على القول الآخر. فكيف يقال: علي ~~أسبق منه بلا حجة تدل على ذلك. # الخامس: أن هذه الآية فضلت السابقين (1) الأولين، ولم تدل على أن كل من ~~كان أسبق إلى الإسلام كان أفضل من غيره. وإنما يدل على أن السابقين أفضل - ~~قوله تعالى: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من ~~الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى} [سورة الحديد: 10] ، ~~فالذين سبقوا إلى الإنفاق والقتال قبل الحديبية أفضل ممن بعدهم، فإن الفتح ~~فسره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية. # وإذا كان أولئك السابقون قد سبق بعضهم بعضا إلى الإسلام، فليس ~~PageV07P155 # في الآيتين ما يقتضي أن يكون أفضل مطلقا، بل قد يسبق (1) إلى الإسلام من ~~سبقه غيره إلى الإنفاق والقتال. # ولهذا كان عمر - رضي الله عنه - ممن أسلم بعد تسعة وثلاثين، وهو أفضل من ~~أكثرهم بالنصوص الصحيحة، وبإجماع الصحابة والتابعين، وما علمت أحدا قط قال: ~~إن الزبير ونحوه أفضل من عمر، والزبير أسلم قبل عمر. ولا قال من يعرف من ~~أهل [العلم] (2) : إن عثمان أفضل من عمر، وعثمان أسلم قبل عمر. # وإن كان الفضل بالسبق إلى الإنفاق والقتال فمعلوم أن أبا بكر أخص بهذا، ~~فإنه لم يجاهد قبله أحد: لا بيده ولا بلسانه، بل هو من حين آمن بالرسول ~~ينفق ماله ويجاهد بحسب الإمكان، فاشترى من المعذبين في الله غير واحد، وكان ~~يجاهد مع الرسول قبل الأمر بالقتال (3) وبعد الأمر بالقتال (4) . كما قال ~~تعالى: {وجاهدهم به جهادا كبيرا} [سورة الفرقان: 52] فكان ms1663 أبو بكر أسبق ~~الناس وأكملهم في أنواع الجهاد بالنفس والمال. # ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: «إن أمن الناس ~~علي (5) في صحبته وذات يده - أبو بكر» (6) . والصحبة بالنفس، وذات اليد هو ~~المال، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمن الناس عليه في النفس ~~والمال. PageV07P156 ### | [فصل البرهان السابع عشر " الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (1) : " البرهان السابع عشر: قوله تعالى: {الذين آمنوا ~~وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله} الآيات ~~[سورة التوبة: 20] . روى رزين بن معاوية (2) في " الجمع بين الصحاح الستة " ~~أنها نزلت في علي لما افتخر طلحة بن شيبة والعباس. وهذه لم تثبت (3) لغيره ~~من الصحابة، فيكون أفضل (4) ، فيكون هو الإمام ". # والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة النقل. ورزين (5) قد ذكر في كتابه ~~أشياء ليست في الصحاح. # الثاني: أن الذي في الصحيح ليس كما ذكره عن رزين، بل الذي في الصحيح ما ~~رواه (6) «النعمان بن بشير، قال: كنت عند منبر رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - فقال رجل: لا أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. ~~وقال آخر لا أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن PageV07P157 # أعمر المسجد الحرام. وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم. ~~فزجرهم عمر، وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم -، وهو يوم الجمعة، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم ~~فيه. فأنزل الله تعالى: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن ~~بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله} الآية إلى آخرها» (1) [سورة ~~التوبة: 19] أخرجه مسلم (2) . # وهذا الحديث يقتضي أن قول علي الذي فضل به الجهاد على السدانة والسقاية - ~~أصح من قول من فضل السدانة والسقاية، وأن عليا كان أعلم بالحق في هذه ~~المسألة ممن نازعه فيها. وهذا صحيح. # وعمر قد وافق ربه في عدة أمور، يقول شيئا وينزل القرآن بموافقته. «قال ~~للنبي - صلى ms1664 الله عليه وسلم -: لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: ~~{واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} [سورة البقرة: 125] ، وقال: إن نساءك يدخل ~~عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن بالحجاب، فنزلت آية الحجاب. وقال: {عسى ربه ~~إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات} ، فنزلت ~~كذلك» (3) . وأمثال ذلك. وهذا كله ثابت في الصحيح. وهذا أعظم من تصويب علي ~~في مسألة واحدة. # وأما التفضيل بالإيمان والهجرة والجهاد، فهذا ثابت لجميع الصحابة الذين ~~آمنوا وهاجروا وجاهدوا، فليس هاهنا فضيلة اختص بها علي، حتى يقال: إن هذا ~~لم يثبت لغيره. PageV07P158 # الثالث: أنه لو قدر أنه اختص بمزية فهذه ليست من خصائص الإمامة، ولا ~~موجبة لأن يكون أفضل مطلقا. فإن الخضر لما علم ثلاث مسائل لم يعلمها موسى ~~لم يكن أفضل من موسى مطلقا، والهدهد لما قال لسليمان: {أحطت بما لم تحط به} ~~[سورة النمل: 22] لم يكن أعلم من سليمان مطلقا. # الرابع: أن عليا كان يعلم هذه المسألة، فمن أين يعلم أن غيره من الصحابة ~~لم يعلمها؟ فدعوى اختصاصه بعلمها باطل، فبطل الاختصاص على التقديرين. بل من ~~المعلوم بالتواتر أن جهاد أبي بكر بماله أعظم من جهاد علي، فإن أبا بكر كان ~~موسرا، قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما نفعني مال كمال أبي بكر» ~~(1) وعلي كان فقيرا، وأبو بكر أعظم جهادا بنفسه، كما سنذكره - إن شاء الله ~~تعالى (2) -. ### | [فصل البرهان الثامن عشر " يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (3) : " البرهان الثامن عشر: قوله تعالى: {ياأيها الذين ~~آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} PageV07P159 # [سورة المجادلة: 12] (1) من طريق الحافظ أبي نعيم إلى ابن عباس، قال: إن ~~الله حرم كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بتقديم الصدقة، وبخلوا ~~أن يتصدقوا قبل كلامه، وتصدق علي، ولم يفعل ذلك أحد من المسلمين غيره. ومن ~~تفسير الثعلبي قال ابن عمر: كان لعلي ثلاثة لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب ~~إلي من حمر ms1665 النعم: تزويجه فاطمة، وإعطاؤه (2) الراية يوم خيبر، وآية ~~النجوى. # وروى رزين بن معاوية في " الجمع بين الصحاح الستة " عن علي: ما عمل بهذه ~~الآية غيري، وبي خفف الله (3) عن هذه الأمة. وهذا يدل على فضيلته عليهم، ~~فيكون هو أحق بالإمامة " (4) . # والجواب أن يقال: أما الذي ثبت فهو أن عليا - رضي الله عنه - تصدق وناجى، ~~ثم نسخت الآية قبل أن يعمل بها غيره (5) ، لكن الآية لم توجب الصدقة عليهم، ~~لكن أمرهم إذا ناجوا أن يتصدقوا، فمن لم يناج لم يكن عليه أن يتصدق. وإذا ~~لم تكن المناجاة واجبة، لم يكن أحد ملوما إذا ترك ما ليس بواجب، ومن كان ~~فيهم (6) عاجزا عن الصدقة ولكن لو قدر لناجى PageV07P160 # فتصدق، فله نيته وأجره، ومن لم يعرض له سبب يناجي لأجله لم يجعل ناقصا، ~~ولكن من عرض له سبب اقتضى المناجاة فتركه بخلا، فهذا قد ترك المستحب. ولا ~~يمكن أن يشهد على الخلفاء أنهم كانوا من هذا الضرب، ولا يعلم أنهم كانوا ~~ثلاثتهم (1) حاضرين عند نزول هذه الآية، بل يمكن غيبة بعضهم، ويمكن حاجة ~~بعضهم، ويمكن عدم الداعي إلى المناجاة. # ولم يطل زمان عدم نسخ الآية، حتى يعلم أن الزمان الطويل لا بد أن تعرض ~~فيه حاجة إلى المناجاة. # وبتقدير أن يكون أحدهم ترك المستحب، فقد بينا غير مرة أن من فعل مستحبا ~~لم يجب أن يكون أفضل من غيره مطلقا. # وقد ثبت في الصحيحين «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه: من ~~أصبح منكم اليوم صائما؟ " فقال أبو بكر: أنا. قال: " فمن تبع منكم جنازة؟ " ~~قال أبو بكر: أنا. قال: " هل فيكم من عاد مريضا؟ " قال أبو بكر: أنا. قال: ~~" هل فيكم من تصدق بصدقة؟ " فقال أبو بكر: أنا. قال: " ما اجتمع لعبد هذه ~~الخصال إلا وهو من أهل الجنة» (2) . وهذه الأربعة لم ينقل مثلها لعلي ولا ~~غيره في يوم. # وفي الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أنفق زوجين في ~~سبيل الله دعي من أبواب الجنة: يا عبد الله ms1666 هذا خير، فإن كان من ~~PageV07P161 # أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، وإن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ~~وإن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ". فقال أبو بكر: يا رسول الله، ~~فما على من يدعى من تلك الأبواب كلها من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك ~~الأبواب كلها؟ قال: " نعم، وأرجو أن تكون منهم» (1) . ولم يذكر هذا لغير ~~أبي بكر - رضي الله عنه -. # وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «بينما رجل يسوق ~~بقرة قد حمل عليها، فالتفتت إليه (2) فقالت: إني لم أخلق لهذا، ولكني إنما ~~خلقت للحرث ". فقال الناس: سبحان الله بقرة تتكلم! ! فقال رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم -: * فإني أؤمن به أنا وأبو بكر وعمر " و [ما] هما ثم» (3) ~~. قال أبو هريرة: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - * (4) : «بينما ~~راع في غنمه عدا عليها الذئب، فأخذ منها شاة، فطلبه الراعي حتى استنقذها ~~منه، فالتفت إليه الذئب، فقال: من لها يوم السبع، يوم ليس [لها] (5) راع ~~غيري؟ ". فقال الناس: سبحان الله! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ~~" فإني أؤمن بذلك: أنا وأبو بكر وعمر " وهما ثم» (6) . PageV07P162 # وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما نفعني مال كمال أبي بكر» ~~(1) . وهذا صريح في اختصاصه بهذه الفضيلة، لم يشركه فيها علي ولا غيره. # وكذلك قوله في الصحيحين: «إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو ~~كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا، لكن أخوة الإسلام ومودته. ~~لا يبقين باب في المسجد إلا سد، إلا باب أبي بكر» (2) . # وفي سنن أبي داود «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر: " أما ~~إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي» (3) PageV07P163 # وفي الترمذي وسنن أبي داود «عن عمر - رضي الله عنه -، قال: أمرنا (1) ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتصدق، فوافق (2) مني مالا، فقلت: ~~اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته. قال: فجئت بنصف مالي، فقال ms1667 النبي - صلى الله ~~عليه وسلم -: " ما أبقيت لأهلك؟ " قلت: مثله. وأتى أبو بكر بكل ما عنده. ~~فقال: " يا أبا بكر، ما أبقيت لأهلك؟ " قال: الله ورسوله. قلت: لا أسابقه ~~إلى شيء أبدا» (3) . # وفي البخاري عن أبي الدرداء، قال: «كنت جالسا عند النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته (4) ، فقال النبي ~~صلى الله عليه وسلم: " أما صاحبكم فقد غامر فسلم ". وقال: إنه (5) كان بيني ~~وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه، ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي، فأبى علي، ~~فأقبلت إليك، فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثا. ثم إن عمر ندم، فأتى ~~منزل أبي بكر، فسأل (6) : أثم أبو بكر؟ قالوا: لا. فأتى النبي - صلى الله ~~عليه وسلم -[فسلم عليه] (7) فجعل وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - يتمعر، ~~حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه، وقال: PageV07P164 # يا رسول الله، [والله] (1) أنا كنت أظلم، مرتين. فقال النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - " إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت (2) . وقال أبو بكر: صدق ~~(3) ، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركون لي صاحبي؟ فهل أنتم تاركون لي ~~صاحبي؟ فما أوذي بعدها " وفي لفظ آخر: " [إني] (4) قلت [: أيها الناس] (5) ~~إني رسول الله إليكم جميعا، فقلتم: كذبت. وقال أبو بكر: صدقت» (6) . # وفي الترمذي مرفوعا: «لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره» (7) . # وتجهيز عثمان بألف بعير أعظم من صدقة علي بكثير كثير، فإن الإنفاق في ~~الجهاد كان فرضا، بخلاف الصدقة أمام النجوى فإنه مشروط بمن يريد النجوى (8) ~~، فمن لم يردها لم يكن عليه أن يتصدق. # وقد أنزل الله في بعض الأنصار: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} ~~[سورة الحشر: 9] PageV07P165 # وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «جاء رجل إلى النبي صلى ~~الله عليه وسلم فقال: إني مجهود. فأرسل إلى بعض نسائه، فقالت: والذي بعثك ~~بالحق نبيا (1) ما عندي إلا ماء. ثم إلى أخرى فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن ~~مثل ذلك: لا (2) والذي بعثك بالحق ms1668 ما عندي إلا ماء. فقال: " من يضيفه هذه ~~الليلة رحمه الله؟ " فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله. وانطلق ~~(3) به إلى رحله (4) ، فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ فقالت: لا إلا قوت ~~صبياننا. فقال: فعلليهم بشيء، فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج، وأريه أنا ~~نأكل، فإذا أهوى (5) ليأكل (6) فقومي إلى السراج حتى تطفئيه (7) . قال: ~~فقعدوا [فأكل الضيف] (8) فلما أصبح غدا على (9) رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم -، فقال: " قد عجب الله من صنعكما بضيفكما الليلة ". وفي رواية فنزلت ~~هذه الآية: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} » [سورة الحشر: 9] ) ~~(10) . PageV07P166 # وبالجملة فباب الإنفاق في سبيل الله وغيره، لكثير من المهاجرين والأنصار، ~~فيه من الفضيلة ما ليس لعلي، فإنه لم يكن له مال على عهد رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم -. ### | [فصل البرهان التاسع عشر " واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (1) : البرهان التاسع عشر: {واسأل من أرسلنا من قبلك من ~~رسلنا} [سورة الزخرف: 45] قال ابن عبد البر، وأخرجه أبو نعيم أيضا (2) : ~~«أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به جمع الله بينه وبين ~~الأنبياء (3) ثم قال: سلهم يا محمد علام بعثتم؟ قالوا: بعثنا (4) على شهادة ~~أن لا إله إلا الله وعلى الإقرار بنبوتك والولاية لعلي بن أبي طالب» . وهذا ~~صريح بثبوت الإمامة لعلي (5) ". # والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة في هذا وأمثاله بالصحة. وقولنا في هذا ~~الكذب القبيح وأمثاله: المطالبة بالصحة، ليس بشك منا في أن هذا وأمثاله من ~~أسمج الكذب وأقبحه، لكن على طريق التنزل في المناظرة، وأن هذا لو [لم] يعلم ~~(6) أنه كذب لم يجز أن يحتج به حتى يثبت صدقه ; فإن PageV07P167 # الاستدلال بما لا تعلم صحته لا يجوز بالاتفاق، فإنه قول بلا علم، وهو ~~حرام بالكتاب والسنة والإجماع. # الوجه الثاني: أن مثل هذا مما اتفق أهل العلم على (1) أنه كذب موضوع (2) ~~. # الوجه الثالث: أن هذا مما يعلم من له علم ودين أنه (3) من الكذب الباطل ~~الذي لا يصدق به من له عقل ودين ms1669، وإنما يختلق مثل هذا أهل الوقاحة والجراءة ~~في الكذب، فإن الرسل - صلوات الله عليهم - كيف يسألون عما لا يدخل في أصل ~~الإيمان؟ # وقد أجمع المسلمون على أن الرجل لو آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ~~وأطاعه، ومات في حياته قبل أن يعلم أن الله خلق أبا بكر وعمر وعثمان وعليا ~~لم يضره ذلك شيئا، ولم يمنعه ذلك من دخول الجنة. فإذا كان هذا في أمة محمد ~~- صلى الله عليه وسلم -، فكيف يقال: إن الأنبياء يجب عليهم الإيمان بواحد ~~من الصحابة؟ ! # والله تعالى قد أخذ الميثاق عليهم لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ~~ولينصرنه. هكذا قال ابن عباس وغيره، كما (4) قال تعالى: {وإذ أخذ الله ~~ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول} [سورة آل عمران: ~~81] إلى قوله تعالى: {أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال ~~فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين} [سورة آل عمران: 81] (5) . PageV07P168 # فأما الإيمان بتفصيل ما بعث به [محمد] (1) فلم يؤخذ عليهم، فكيف يؤخذ ~~عليهم موالاة واحد من الصحابة دون غيره من المؤمنين؟ # الرابع: أن لفظ الآية: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون ~~الرحمن آلهة يعبدون} [سورة الزخرف: 45] . ليس في هذا سؤال لهم بماذا بعثوا؟ ~~(2) . # الخامس: أن قول القائل: إنهم بعثوا بهذه الثلاثة. إن أراد أنهم لم يبعثوا ~~إلا بها، فهذا كذب على الرسل. وإن أراد أنها أصول ما بعثوا به، فهذا أيضا ~~كذب فإن أصول الدين التي بعثوا بها: من الإيمان بالله واليوم الآخر، وأصول ~~(3) الشرائع، [أهم] (4) عندهم من ذكر الإيمان بواحد من أصحاب نبي غيرهم، بل ~~ومن الإقرار بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإن الإقرار بمحمد يجب ~~عليهم مجملا، كما يجب علينا نحن الإقرار بنبواتهم مجملا، لكن من أدركه منهم ~~وجب عليه الإيمان بشرعه على التفصيل كما يجب علينا. وأما الإيمان بشرائع ~~الأنبياء على التفصيل، فهو PageV07P169 # واجب على أممهم، [فكيف يتركون ذكر ما هو واجب على أممهم] (1) ويذكرون ما ~~ليس هو الأوجب؟ # الوجه السادس: أن ليلة الإسراء كانت ms1670 بمكة قبل الهجرة بمدة. قيل: إنها سنة ~~ونصف. وقيل: إنها خمس سنين. وقيل غير ذلك. وكان علي صغيرا ليلة المعراج، لم ~~يحصل له هجرة ولا جهاد ولا أمر يوجب أن يذكره به الأنبياء. والأنبياء لم ~~[يكن] (2) يذكر علي في كتبهم أصلا، وهذه كتب الأنبياء [الموجودة] (3) التي ~~أخرج الناس ما فيها من ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ليس في شيء منها ~~ذكر علي، بل ذكروا أن في التابوت الذي كان فيه عند المقوقس صور الأنبياء - ~~صورة أبي بكر وعمر مع صورة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه بها يقيم ~~الله أمره. وهؤلاء الذين أسلموا من أهل الكتاب لم يذكر أحد منهم أنه ذكر ~~علي عندهم، فكيف يجوز أن يقال: إن كلا من الأنبياء بعثوا بالإقرار بولاية ~~[علي] (4) ولم يذكروا ذلك لأممهم ولا نقله أحد منهم؟ ### | [فصل البرهان العشرون " وتعيها أذن واعية " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (5) : " البرهان العشرون: قوله تعالى: {وتعيها أذن واعية} ~~[سورة الحاقة: 12] في تفسير الثعلبي، قال: «قال رسول الله PageV07P170 # - صلى الله عليه وسلم -: سألت الله - عز وجل - أن يجعلها أذنك يا علي» ~~(1) . ومن طريق أبي نعيم، قال: «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [يا ~~علي] (2) إن الله أمرني أن أدنيك (3) وأعلمك، (4) يا علي إن الله أمرني أن ~~أدنيك وأعلمك (5) لتعي، وأنزلت علي (6) هذه الآية: {وتعيها أذن واعية} فأنت ~~أذن واعية» (7) . وهذه الفضيلة لم تحصل لغيره، فيكون هو الإمام ". # والجواب من وجوه: أحدها: بيان صحة الإسناد. والثعلبي وأبو نعيم يرويان ما ~~لا يحتج به بالإجماع. # الثاني: أن هذا موضوع باتفاق أهل العلم (8) 348. # الثالث: أن قوله: {لما طغى الماء حملناكم في الجارية - لنجعلها لكم تذكرة ~~وتعيها أذن واعية} [سورة الحاقة: 11 - 12] لم يرد به أذن واحد من الناس ~~فقط، فإن هذا خطاب لبني آدم. # وحملهم في السفينة من أعظم الآيات. قال تعالى: {وآية لهم أنا حملنا ~~ذريتهم في الفلك المشحون - وخلقنا لهم من مثله ما يركبون} [سورة يونس: (9) ~~PageV07P171 ### | 41 - # ، 42] وقال: {ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم ms1671 من آياته ~~إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} [سورة لقمان: 31] ، فكيف يكون ذلك كله ليعي ~~ذلك واحد من الناس؟ # نعم أذن علي من الأذن الواعية، كأذن أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم. وحينئذ ~~فلا اختصاص لعلي بذلك. وهذا مما يعلم بالاضطرار: أن الآذان الواعية ليست ~~أذن علي وحدها. أترى أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليست واعية؟ ولا ~~أذن الحسن والحسين وعمار وأبي ذر والمقداد وسلمان الفارسي وسهل بن حنيف ~~وغيرهم ممن يوافقون على فضيلتهم وإيمانهم؟ # وإذا كانت الأذن الواعية له ولغيره، لم يجز أن يقال: هذه الأفضلية لم ~~تحصل لغيره. # ولا ريب أن هذا الرافضي الجاهل الظالم يبني أمره على مقدمات باطلة ; فإنه ~~لا يعلم في طوائف أهل البدع أوهى من حجج الرافضة، بخلاف المعتزلة ونحوهم، ~~فإن لهم حججا وأدلة قد تشبه على كثير من أهل العلم والعقل. أما الرافضة ~~فليس لهم حجة قط تنفق إلا على جاهل أو ظالم صاحب هوى، يقبل ما يوافق هواه، ~~سواء كان حقا أو باطلا. # ولهذا يقال فيهم ليس لهم عقل ولا نقل، ولا دين صحيح، ولا دنيا منصورة. # PageV07P172 # وقالت طائفة من العلماء: لو علق حكما بأجهل الناس لتناول الرافضة، مثل أن ~~يحلف: إني أبغض أجهل الناس، ونحو ذلك. وأما لو وصى لأجهل الناس فلا تصح ~~الوصية ; لأنها لا تكون إلا قربة فإذا وصى لقوم يدخل فيهم الكافر جاز، ~~بخلاف ما لو جعل الكفر والجهل جهة وشرطا في الاستحقاق. # ثم الرافضي يدعي في شيء أنه من فضائل علي، وقد لا يكون كذلك. ثم يدعي أن ~~تلك الفضيلة ليست لغيره، وقد تكون من الفضائل المشتركة ; فإن فضائل علي ~~الثابتة (1) عامتها مشتركة بينه وبين غيره، بخلاف فضائل أبي بكر وعمر، فإن ~~عامتها خصائص لم يشاركا فيها. ثم يدعي أن تلك الفضيلة توجب الإمامة، ومعلوم ~~أن الفضيلة الجزئية في أمر من الأمور ليست مستلزمة للفضيلة المطلقة ولا ~~للإمامة، ولا مختصة بالإمام (2) ، بل تثبت للإمام ولغيره، وللفاضل المطلق ~~ولغيره. # فبنى (3) هذا الرافضي أمره على هذه المقدمات ms1672 الثلاث، والثلاث باطلة (4) . ~~ثم يردفها بالمقدمة الرابعة، وتلك فيها نزاع، لكن نحن لا ننازعه فيها، بل ~~نسلم أنه من كان أفضل كان أحق بالإمامة، لكن الرافضي لا حجة معه على ذلك ~~(5) . PageV07P173 ### | فصل البرهان الحادي والعشرون " سورة هل أتى " والجواب عليه # فصل # قال الرافضي (1) : " البرهان الحادي والعشرون: سورة هل أتى في تفسير ~~الثعلبي من طرق مختلفة قال: «مرض الحسن والحسين (2) ، فعادهما جدهما رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - وعامة العرب، فقالوا (3) : يا أبا الحسن، لو ~~نذرت على ولديك. فنذر صوم ثلاثة أيام، وكذا نذرت (4) أمهما فاطمة وجاريتهم ~~فضة، فبرئا، وليس عند آل محمد قليل ولا كثير (5) ، فاستقرض علي ثلاثة آصع ~~(6) من شعير، فقامت فاطمة إلى صاع فطحنته، وخبزت (7) منه خمسة أقراص، لكل ~~واحد منهم قرصا (8) ، وصلى علي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - المغرب، ثم ~~أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه ; إذ أتاهم (9) مسكين، فقال (10) : السلام ~~عليكم أهل بيت محمد - صلى PageV07P174 # الله عليه وسلم -، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من ~~موائد الجنة. فسمعه علي، فأمر بإعطائه، فأعطوه الطعام ومكثوا يومهم وليلتهم ~~لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح. # فلما كان اليوم الثاني قامت فاطمة فخبزت (1) صاعا، وصلى علي مع النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - ثم أتى المنزل (2) فوضع (3) الطعام بين يديه، فأتاهم ~~يتيم، فوقف بالباب، وقال: السلام عليكم أهل بيت محمد - صلى الله عليه وسلم ~~-، يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي يوم العقبة، أطعموني أطعمكم الله ~~من موائد الجنة، فسمعه علي، فأمر بإعطائه، فأعطوه الطعام، ومكثوا يومين ~~وليلتين (4) لم يذوقوا إلا (5) الماء القراح. # فلما كان اليوم الثالث قامت فاطمة إلى الصاع الثالث، فطحنته وخبزته (6) ، ~~وصلى علي مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين ~~يديه، إذ أتى أسير فقال: أتأسروننا (7) وتشردوننا ولا تطعموننا، أطعموني ~~فإني أسير محمد أطعمكم الله من موائد الجنة. فسمعه علي، فأمر بإعطائه، ~~فأعطوه الطعام، PageV07P175 # ومكثوا ثلاثة أيام بلياليها (1) لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح. # فلما كان اليوم الرابع ; وقد وفوا نذورهم (2) ، أخذ ms1673 علي الحسن بيده ~~اليمنى (3) ، والحسين بيده (4) اليسرى، وأقبل على رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم -، وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، فلما بصرهما (5) النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - قال: يا أبا الحسن، ما أشد ما يسوءني (6) ما أرى بكم، ~~انطلق بنا إلى منزل (7) ابنتي فاطمة، فانطلقوا إليها، وهي في حجرتها (8) ، ~~قد (9) لصق بطنها بظهرها (10) من شدة الجوع، وغارت عيناها، فلما رآها النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - قال: واغوثاه، بالله (11) أهل بيت محمد يموتون ~~جوعا! فهبط جبريل (12) على محمد - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا محمد، خذ ~~PageV07P176 # ما هنأك الله في أهل بيتك. فقال: " ما آخذ يا جبريل؟ فأقرأه: {هل أتى على ~~الإنسان حين} » (1) [سورة الإنسان: 1] . # وهي تدل على فضائل جمة لم يسبقه إليها أحد، ولا يلحقه أحد، فيكون أفضل من ~~غيره، فيكون هو الإمام ". # والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة النقل، كما تقدم. ومجرد رواية ~~الثعلبي والواحدي وأمثالهما لا تدل على أنه صحيح باتفاق أهل السنة والشيعة. ~~ولو تنازع اثنان في مسألة من مسائل الأحكام والفضائل، واحتج أحدهما بحديث ~~(2) لم يذكر ما يدل على صحته، إلا رواية الواحد من هؤلاء له في تفسيره، لم ~~يكن ذلك دليلا على صحته ولا حجة على منازعه باتفاق العلماء. # وهؤلاء من عادتهم يروون ما رواه غيرهم، وكثير (3) من ذلك لا يعرفون هل هو ~~صحيح أم ضعيف، ويروون من الأحاديث الإسرائيليات ما يعلم غيرهم أنه باطل في ~~نفس الأمر ; لأن وصفهم (4) النقل لما نقل أو حكاية أقوال الناس، وإن كان ~~كثير من هذا وهذا - باطلا، وربما تكلموا على صحة بعض المنقولات وضعفها، ~~ولكن لا يطردون هذا ولا يلتزمونه. # الثاني: أن هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث، ~~الذي هم أئمة هذا الشأن وحكامه. وقول هؤلاء هو المنقول في PageV07P177 # هذا الباب، ولهذا لم يرو هذا الحديث في شيء من الكتب التي يرجع إليها في ~~النقل (1) ، لا في الصحاح، ولا في المساند (2) ، ولا في الجوامع، ولا السنن ~~(3) ، ولا رواه المصنفون في الفضائل، وإن كانوا قد ms1674 يتسامحون في رواية ~~أحاديث ضعيفة، كالنسائي فإنه صنف (4) خصائص علي، وذكر فيها (5) عدة أحاديث ~~ضعيفة، ولم يرو (6) هذا وأمثاله (7) . # وكذلك أبو نعيم في " الخصائص " (8) ، وخيثمة بن سليمان (9) ، والترمذي في ~~" جامعه " روى أحاديث كثيرة في فضائل علي، كثير منها ضعيف، ولم يرو مثل هذا ~~لظهور كذبه. # وأصحاب السير، كابن إسحاق وغيره، يذكرون من فضائله أشياء ضعيفة، ولم ~~يذكروا مثل هذا، ولا رووا ما قلنا فيه: إنه موضوع باتفاق أهل النقل، من ~~أئمة أهل التفسير، الذين ينقلونها بالأسانيد المعروفة، كتفسير ابن جريج، ~~وسعيد بن أبي عروبة، وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، PageV07P178 # وأحمد، وإسحاق وتفسير بقي بن مخلد وابن جرير الطبري، ومحمد بن أسلم ~~الطوسي، وابن أبي حاتم، وأبي بكر بن المنذر، وغيرهم من العلماء الأكابر، ~~الذين لهم في الإسلام (1) لسان صدق، وتفاسيرهم متضمنة للمنقولات التي يعتمد ~~عليها في التفسير. # الوجه الثالث: أن الدلائل على كذب هذا كثيرة. منها: أن عليا إنما تزوج ~~فاطمة بالمدينة، ولم يدخل بها إلا بعد غزوة بدر، كما ثبت ذلك في الصحيح. ~~والحسن والحسين ولدا بعد ذلك، سنة ثلاث أو أربع، والناس متفقون على أن عليا ~~لم يتزوج فاطمة إلا بالمدينة ولم يولد له ولد إلا بالمدينة. وهذا من العلم ~~العام المتواتر، الذي يعرفه [كل] (2) من عنده طرف من العلم (3) بمثل هذه ~~الأمور. # وسورة " هل أتى " مكية باتفاق أهل التفسير والنقل، لم يقل أحد منهم: إنها ~~مدنية. وهي على طريقة السور المكية في تقرير أصول الدين المشتركة بين ~~الأنبياء، كالإيمان بالله واليوم الآخر وذكر الخلق والبعث. ولهذا [قيل:] ~~(4) إنه كان النبي (5) - صلى الله عليه وسلم - يقرؤها مع: (ألم تنزيل) (6) ~~PageV07P179 # في فجر يوم الجمعة ; لأن فيه خلق آدم، وفيه دخل الجنة، وفيه تقوم الساعة. # وهاتان السورتان متضمنتان لابتداء خلق السماوات والأرض وخلق الإنسان إلى ~~أن يدخل فريق الجنة وفريق النار. وإذا كانت السورة نزلت بمكة قبل أن يتزوج ~~علي بفاطمة، تبين أن نقل (1) أنها نزلت بعد مرض الحسن والحسين من الكذب ~~والمين. # الوجه الرابع: أن سياق هذا الحديث وألفاظه ms1675 من وضع جهال الكذابين. فمنه ~~قوله: " فعادهما جدهما وعامة العرب " فإن عامة (2) العرب لم يكونوا ~~بالمدينة، والعرب الكفار ما كانوا يأتونهما يعودونهما. # ومنه قوله: " فقالوا (3) : يا أبا الحسن، لو نذرت على ولديك ". وعلي لا ~~يأخذ الدين من أولئك العرب، بل يأخذه من النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن ~~كان هذا أمرا بطاعة فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق أن يأمره به من ~~أولئك العرب، وإن لم يكن طاعة لم يكن علي يفعل ما يأمرون به. ثم كيف يقبل ~~منهم ذلك من غير مراجعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك؟ ! # الوجه الخامس: أن في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه «نهى ~~عن النذر، وقال: إنه (4) لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل» (5) ". ~~PageV07P180 # وفي طريق آخر: «إن النذر يرد ابن آدم إلى القدر * فيعطى على النذر ما لا ~~يعطى غيره» (1) . وإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن النذر ~~ويقول: إنه لا يأتي بخير وإنما يرد ابن آدم إلى القدر * (2) . # فإن كان علي وفاطمة وسائر أهلهما (3) لم يعلموا مثل هذا، وعلمه عموم ~~الأمة، فهذا قدح في علمهم، فأين المدعي للعصمة؟ # وإن كانوا (4) علموا ذلك، وفعلوا ما لا طاعة فيه لله ولرسوله، ولا فائدة ~~لهما فيه، بل قد نهيا عنه: إما نهي تحريم، وإما نهي تنزيل - كان هذا قدحا ~~إما (5) في دينهم (6) وإما في عقلهم وعلمهم. # فهذا الذي يروي مثل هذا في فضائلهم جاهل، يقدح فيهم من حيث يمدحهم، ~~ويخفضهم من حيث يرفعهم، ويذمهم من حيث يحمدهم. # ولهذا قال بعض أهل البيت للرافضة ما معناه: إن محبتكم لنا صارت معرة ~~علينا. وفي المثل السائر (7) " عدو عاقل خير من صديق جاهل " PageV07P181 # والله تعالى إنما مدح على الوفاء بالنذر، لا على نفس عقد النذر، والرجل ~~ينهى عن الظهار، وإن ظاهر وجبت عليه كفارة للظهار، وإذا عاود مدح (1) على ~~فعل * الواجب، وهو التكفير، لا على نفس الظهار المحرم. وكذلك إذا طلق ~~امرأته ففارقها بالمعروف، مدح على فعل ما ms1676 أوجبه الطلاق، لا نفس الطلاق ~~المكروه. وكذلك من باع أو اشترى فأعطى ما عليه، مدح على فعل * (2) ما أوجبه ~~العقد، لا على نفس العقد الموجب. ونظائر هذا كثيرة. # الوجه السادس: أن عليا وفاطمة لم يكن لهما جارية اسمها فضة، بل ولا لأحد ~~من أقارب النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولا نعرف أنه كان بالمدينة جارية ~~اسمها فضة، ولا ذكر ذلك [أحد من] (3) أهل العلم، الذين ذكروا أحوالهم: دقها ~~وجلها. ولكن فضة هذه بمنزلة ابن عقب الذي يقال: إنه كان معلم الحسن ~~والحسين، وأنه أعطي تفاحة كان فيها علم الحوادث المستقبلة، ونحو ذلك من ~~الأكاذيب التي تروج (4) على الجهال. وقد أجمع أهل العلم على أنهما (5) لم ~~يكن لهما معلم، ولم يكن (6) في الصحابة أحد يقال له: ابن عقب. # وهذه الملاحم المنظومة (7) المنسوبة إلى ابن عقب، هي من نظم بعض ~~PageV07P182 # متأخري الجهال [الرافضة] (1) ، الذين كانوا زمن نور الدين وصلاح الدين، ~~لما كان كثير من الشام بأيدي النصارى، ومصر بأيدي القرامطة الملاحدة بقايا ~~بني عبيد، فذكر من الملاحم ما يناسب تلك الأمور بنظم جاهل عامي. # وهكذا هذه الجارية فضة. وقد ثبت في الصحيحين عن علي «أن فاطمة سألت النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - خادما، فعلمها أن تسبح عند المنام ثلاثا وثلاثين، ~~وتكبر ثلاثا وثلاثين وتحمد أربعا وثلاثين. وقال: " هذا خير لك من خادم " ~~قال علي: فما تركتهن منذ سمعتهن من النبي - صلى الله عليه وسلم -. قيل له: ~~ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين» ". وهذا خبر صحيح باتفاق أهل العلم (2) ~~، وهو يقتضي أنه لم يعطها خادما. فإن كان بعد (3) ذلك حصل خادم (4) فهو ~~ممكن، لكن [لم يكن] (5) اسم خادمها فضة بلا ريب. # الوجه السابع: أنه قد ثبت في الصحيح عن بعض الأنصار أنه آثر PageV07P183 # ضيفه بعشائهم، ونوم الصبية، وبات هو وامرأته طاويين. فأنزل الله سبحانه ~~وتعالى: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [سورة الحشر: 9] (1) . # وهذا المدح أعظم من المدح بقوله: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا} [سورة ~~الإنسان: 8] ، فإن هذا كقوله: {وآتى المال ms1677 على حبه ذوي القربى واليتامى ~~والمساكين} [سورة البقرة: 177] . # وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه سئل: أي الصدقة أفضل؟ ~~قال: " أن تصدق (2) وأنت صحيح شحيح، تأمل البقاء، وتخاف الفقر، ولا تمهل، ~~حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان» (3) .. # وقال تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [سورة آل عمران: 92] ~~. فالتصدق بما يحبه الإنسان جنس تحته أنواع كثيرة. وأما الإيثار (4) مع ~~الخصاصة فهو أكمل من مجرد التصدق مع المحبة، فإنه ليس كل متصدق محبا مؤثرا، ~~ولا كل متصدق يكون به خصاصة، بل قد يتصدق بما يحب، مع اكتفائه ببعضه، مع ~~محبة لا تبلغ به الخصاصة. PageV07P184 # فإذا كان الله مدح الأنصار بإيثار الضيف ليلة بهذا المدح، والإيثار ~~المذكور في قصة أهل البيت هو أعظم من ذلك، فكان ينبغي أن يكون المدح عليه ~~أكثر، إن كان هذا مما يمدح عليه. وإن كان مما لا يمدح عليه، فلا يدخل في ~~المناقب. # الثامن: أن في هذه القصة ما لا ينبغي نسبته إلى علي وفاطمة - رضي الله ~~عنهما - ; فإنه خلاف المأمور به المشروع، وهو إبقاء الأطفال ثلاثة أيام ~~جياعا، ووصالهم ثلاثة أيام. ومثل هذا الجوع قد يفسد العقل والبدن والدين. # وليس هذا مثل قصة الأنصاري ; فإن ذلك (1) بيتهم ليلة واحدة بلا عشاء، ~~وهذا قد يحتمله الصبيان، بخلاف ثلاثة أيام بلياليها. # التاسع: أن في هذه القصة أن اليتيم قال: " استشهد والدي يوم العقبة " ~~وهذا من الكذب الظاهر، فإن ليلة العقبة لم يكن فيها قتال، ولكن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - بايع الأنصار ليلة العقبة قبل الهجرة، وقبل أن يؤمر ~~بالقتال. # وهذا يدل على أن الحديث، مع أنه كذب، فهو من كذب أجهل الناس بأحوال النبي ~~- صلى الله عليه وسلم -. ولو قال: " استشهد والدي يوم أحد " لكان أقرب. # العاشر: أن يقال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكفي أولاد من قتل ~~معه. ولهذا قال لفاطمة لما سألته خادما: " لا أدع يتامى بدر وأعطيك ". ~~PageV07P185 # فقول القائل: إنه كان من يتامى ms1678 المجاهدين الشهداء من لا يكفيه النبي - ~~صلى الله عليه وسلم -، كذب عليه وقدح فيه. # الحادي عشر: أنه لم يكن في المدينة قط أسير يسأل الناس، بل كان المسلمون ~~يقومون بالأسير الذي يستأسرونه. فدعوى المدعي أن أسراهم كانوا محتاجين إلى ~~مسألة الناس كذب عليهم وقدح فيهم. والأسراء الكثيرون [إنما] (1) كانوا يوم ~~بدر، قبل أن يتزوج علي بفاطمة - رضي الله عنها - وبعد ذلك فالأسرى في غاية ~~القلة. # الثاني عشر: أنه لو كانت هذه القصة صحيحة، وهي من الفضائل، لم تستلزم أن ~~يكون صاحبها أفضل الناس، ولا أن يكون هو الإمام دون غيره. فقد كان جعفر ~~أكثر إطعاما للمساكين من غيره، حتى قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ~~«أشبهت خلقي وخلقي» . (2) ، 5 - 29 وكان أبو هريرة يقول: ما احتذى النعال ~~بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد أفضل من جعفر، يعني في الإحسان إلى ~~المساكين، إلى غير ذلك من الفضائل. فلم يكن بذلك (3) أفضل من علي ولا غيره، ~~فضلا عن أن يكون مستحقا للإمامة. # الثالث عشر: أنه من المعلوم أن إنفاق الصديق أمواله أعظم وأحب إلى الله ~~ورسوله، فإن إطعام الجائع (4) من جنس الصدقة المطلقة، التي يمكن كل واحد ~~فعلها إلى يوم القيامة، بل وكل أمة يطعمون جياعهم من المسلمين وغيرهم، وإن ~~كانوا لا يتقربون إلى الله بذلك، بخلاف المؤمنين، PageV07P186 # فإنهم يفعلون ذلك لوجه الله، بهذا تميزوا. كما قال تعالى عنهم: {إنما ~~نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا} [سورة الإنسان: 9] . # وأما إنفاق الصديق ونحوه، فإنه كان في أول الإسلام، لتخليص من آمن، ~~والكفار يؤذونه أو يريدون قتله مثل اشترائه بماله سبعة كانوا يعذبون في ~~الله، منهم بلال، حتى قال عمر: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا، يعني بلالا (1) ~~. # وإنفاقه على المحتاجين من أهل الإيمان وفي (2) نصر الإسلام، حيث كان أهل ~~الأرض قاطبة أعداء الإسلام. وتلك النفقة ما بقي يمكن مثلها. ولهذا قال ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق على صحته: «لا تسبوا ~~أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل ms1679 أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا ~~نصيفه» (3) وهذا في النفقة التي اختصوا بها، وأما جنس إطعام الجائع مطلقا، ~~فهذا مشترك يمكن فعله إلى يوم القيامة. ### | [فصل البرهان الثاني والعشرون " والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (4) : " البرهان الثاني والعشرون: قوله تعالى: {والذي جاء ~~بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون} [سورة الزمر: 33] . من طريق أبي نعيم عن ~~مجاهد في قوله: {والذي جاء بالصدق} PageV07P187 # [: محمد - صلى الله عليه وسلم وآله] (1) {وصدق به} : قال: علي بن أبي ~~طالب. ومن طريق الفقيه الشافعي عن مجاهد (2) : {والذي جاء بالصدق وصدق به} ~~قال: جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - وصدق به علي. وهذه فضيلة اختص ~~بها، فيكون هو الإمام ". # والجواب من وجوه: أحدها: أن هذا ليس منقولا عن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -، وقول مجاهد وحده ليس بحجة يجب اتباعها على كل مسلم، لو كان (3) هذا ~~النقل صحيحا عنه، فكيف إذا لم يكن ثابتا عنه؟ ! فإنه قد عرف بكثرة (4) ~~الكذب. # والثابت عن مجاهد (5) خلاف هذا، وهو أن الصدق هو القرآن، والذي صدق به هو ~~المؤمن الذي عمل به، فجعلها عامة. رواه الطبري [وغيره] (6) عن مجاهد قال ~~(7) : هم أهل القرآن يجيئون [به] (8) يوم القيامة، PageV07P188 # فيقولون (1) : هذا الذي أعطيتمونا قد اتبعنا (2) ما فيه. ورواه (3) أبو ~~سعيد الأشج، قال: حدثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد فذكره، وحدثنا ~~المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: وصدق به. قال: المؤمنون جميعا. قال ابن أبي ~~حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو صالح، حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي ~~طلحة، عن ابن عباس: {وصدق به} . قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم (4) ~~-. # الوجه الثاني: أن هذا معارض بما هو أشهر منه عند أهل التفسير، وهو أن ~~الذي جاء بالصدق: محمد، والذي صدق به: أبو بكر، فإن هذا يقوله طائفة، وذكره ~~الطبري بإسناده إلى علي. قال (5) : جاء به محمد وصدق به أبو بكر. وفي هذا ~~حكاية ذكرها بعضهم عن أبي بكر عبد العزيز بن جعفر غلام ms1680 أبي بكر الخلال: أن ~~سائلا سأله عن هذه الآية، فقال له هو - أو بعض الحاضرين (6) -: نزلت في أبي ~~بكر. فقال السائل: بل في علي؟ فقال أبو بكر بن جعفر: اقرأ ما بعدها: {أولئك ~~هم المتقون} [سورة الزمر: 33] إلى قوله (7) {ليكفر الله عنهم أسوأ الذي ~~عملوا} [سورة الزمر: 35] الآية، فبهت السائل. # الثالث: أن يقال: لفظ الآية عام مطلق لا يختص بأبي بكر ولا بعلي، ~~PageV07P189 # بل كل من دخل في عمومها دخل في حكمها. ولا ريب أن أبا بكر وعمر وعثمان ~~وعليا أحق هذه الأمة بالدخول فيها، لكنها لا تختص بهم. وقد قال تعالى: {فمن ~~أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين - ~~والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون} [سورة الزمر: 32 - 33] الآية، ~~فقد ذم الله - سبحانه وتعالى - الكاذب على الله والمكذب بالصدق، وهذا ذم ~~عام. # والرافضة أعظم أهل البدع دخولا في هذا الوصف المذموم ; فإنهم أعظم ~~الطوائف افتراء للكذب على الله، وأعظمهم تكذيبا بالصدق لما (1) جاءهم، ~~وأبعد الطوائف عن المجيء بالصدق والتصديق به. # وأهل السنة المحضة أولى الطوائف بهذا ; فإنهم يصدقون ويصدقون بالحق في كل ~~ما جاء به، وليس لهم هوى إلا مع الحق. # والله تعالى مدح الصادق فيما يجيء به والمصدق بهذا الحق. فهذا مدح للنبي ~~- صلى الله عليه وسلم -، ولكل من آمن به وبما جاء به. وهو سبحانه لم يقل: ~~والذي جاء بالصدق والذي صدق به، فلم يجعلهما صنفين، بل جعلهما (2) صنفا ~~واحدا ; لأن المراد مدح النوع الذي يجيء بالصدق ويصدق بالصدق، فهو ممدوح ~~على اجتماع الوصفين، على أن لا يكون من شأنه إلا أن يجيء بالصدق، ومن شأنه ~~أن يصدق بالصدق. # وقوله: {جاء بالصدق} اسم جنس لكل صدق، وإن كان القرآن أحق بالدخول في ذلك ~~من غيره، ولذلك صدق به أي بجنس الصدق (3) . وقد PageV07P190 # يكون الصدق الذي صدق به ليس (1) هو عين الصدق الذي جاء به، كما تقول: ~~فلان يسمع الحق، ويقول الحق ويقبله، ويأمر بالعدل ويعمل به. أي هو موصوف ms1681 ~~بقول الحق لغيره، وقبول الحق من غيره، وأنه يجمع بين الأمر بالعدل والعمل ~~به. وإن كان كثير من العدل الذي يأمر به ليس هو عين العدل الذي يعمل به. # فلما ذم الله سبحانه من اتصف بأحد الوصفين: الكذب على الله، والتكذيب ~~بالحق، إذ كل منهما يستحق به (2) الذم، مدح ضدهما الخالي عنهما، بأن يكون ~~يجيء بالصدق لا بالكذب، وأن يكون مع ذلك مصدقا بالحق، لا يكون ممن يقوله ~~هو، وإذا قاله غيره لم (3) يصدقه، فإن من الناس من يصدق ولا يكذب، لكن ~~يكره: أن غيره يقوم مقامه في ذلك حسدا ومنافسة، فيكذب غيره في صدقه أو لا ~~يصدقه، بل يعرض عنه. وفيهم من يصدق طائفة فيما قالت، قبل أن يعلم ما قالوه: ~~أصدق هو أم كذب؟ والطائفة الأخرى لا يصدقها (4) فيما تقول وإن كان صادقا، ~~بل إما أن يصدقها وإما أن يعرض عنها (5) . # وهذا موجود في عامة أهل الأهواء: تجد كثيرا منهم صادقا فيما ينقله، لكن ~~ما ينقله عن طائفته يعرض عنه، فلا يدخل هذا في المدح، بل في الذم ; لأنه لم ~~يصدق بالحق الذي جاءه. PageV07P191 # والله قد ذم الكاذب والمكذب بالحق ; لقوله في غير آية: {ومن أظلم ممن ~~افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه} [سورة العنكبوت: 68] وقال: ~~{ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته} [سورة الأنعام: 21] . # ولهذا لما كان مما وصف الله به الأنبياء، الذين هم أحق الناس بهذه الصفة، ~~أن كلا منهم يجيء بالصدق فلا يكذب، فكل منهم صادق في نفسه مصدق لغيره. # ولما كان قوله: (والذي) صنفا من الأصناف لا يقصد (1) به واحد بعينه، أعاد ~~الضمير بصيغة الجمع فقال: {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون} ~~[سورة الزمر: 33] . # وأنت تجد كثيرا من المنتسبين إلى علم ودين لا يكذبون فيما يقولونه (2) ، ~~بل لا يقولون إلا الصدق، لكن لا يقبلون ما يخبر به غيرهم من الصدق، بل ~~يحملهم الهوى والجهل على تكذيب غيرهم وإن كان صادقا إما تكذيب نظيره وإما ~~تكذيب (3) من ms1682 ليس من طائفته. # ونفس تكذيب الصادق هو من الكذب، ولهذا قرنه بالكاذب (4) على الله، فقال: ~~{فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه} [سورة الزمر: 32] فكلاهما ~~كاذب: [هذا كاذب] (5) فيما يخبر به عن الله، وهذا كاذب فيما يخبر به عن ~~المخبر عن الله. PageV07P192 # والنصارى يكثر فيهم المفترون للكذب على الله، واليهود يكثر فيهم المكذبون ~~بالحق. وهو سبحانه ذكر المكذب بالصدق نوعا ثانيا ; لأنه أولا لم يذكر جميع ~~أنواع الكذب، بل ذكر من كذب على الله. وأنت إذا تدبرت هذا، وعلمت أن كل ~~واحد من الكذب على الله والتكذيب بالصدق مذموم، وأن (1) المدح لا يستحقه ~~إلا من كان آتيا بالصدق مصدقا للصدق، علمت أن هذا مما هدى الله به عباده ~~إلى صراطه المستقيم. # إذا تأملت هذا تبين لك أن كثيرا من الشر - أو أكثره - يقع من أحد هذين ~~(2) ، فتجد إحدى الطائفتين، أو الرجلين (3) من الناس، لا يكذب فيما يخبر به ~~من العلم، لكن لا يقبل ما تأتي به الطائفة الأخرى، فربما (4) جمع بين الكذب ~~على الله والتكذيب بالصدق. # وهذا وإن كان يوجد في عامة الطوائف شيء منه فليس في الطوائف أدخل في ذلك ~~من الرافضة ; فإنما أعظم الطوائف كذبا على الله، وعلى رسوله، وعلى الصحابة ~~(5) وعلى ذوي القربى. وكذلك هم من أعظم الطوائف تكذيبا بالصدق، فيكذبون ~~بالصدق الثابت المعلوم من المنقول الصحيح والمعقول الصريح. # فهذه الآية - ولله الحمد - ما فيها من مدح فهو يشتمل على الصحابة الذين ~~افترت عليهم الرافضة وظلمتهم، فإنهم جاءوا بالصدق وصدقوا به، PageV07P193 # وهم من أعظم أهل الأرض دخولا في ذلك، وعلي منهم، وما فيها من ذم فالرافضة ~~أدخل الناس فيه، فهي حجة عليهم من الطرفين (1) ، وليس فيها حجة على اختصاص ~~علي دون الخلفاء الثلاثة بشيء، فهي (2) حجة [عليهم] (3) من كل وجه، ولا حجة ~~لهم فيها بحال. ### | [فصل البرهان الثالث والعشرون " هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (4) : البرهان الثالث والعشرون: قوله تعالى: {هو الذي أيدك ~~بنصره وبالمؤمنين} [سورة الأنفال: 62] من طريق أبي ms1683 نعيم عن أبي هريرة قال: ~~مكتوب على العرش لا إله إلا الله وحده لا شريك له (5) ، محمد عبدي ورسولي ~~أيدته بعلي بن أبي طالب (6) ، وذلك قوله في كتابه: ( {هو الذي أيدك بنصره ~~وبالمؤمنين} ، يعني بعلي (7) ، وهذه من أعظم الفضائل التي لم تحصل لغيره من ~~الصحابة (8) ، فيكون هو الإمام ". PageV07P194 # والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة النقل. وأما مجرد العزو إلى رواية ~~أبي نعيم فليس (1) حجة بالاتفاق. وأبو نعيم له كتاب مشهور في " فضائل ~~الصحابة " (2) ، وقد ذكر قطعة من الفضائل في أول " الحلية "، فإن كانوا ~~يحتجون بما رواه، فقد روى في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان ما ينقض بنيانهم ~~ويهدم أركانهم، وإن كانوا [لا] (3) يحتجون بما رواه فلا يعتمدون على نقله، ~~ونحن نرجع فيما رواه - هو وغيره - إلى أهل العلم بهذا الفن والطرق التي بها ~~يعلم صدق الحديث وكذبه، من النظر في إسناده ورجاله، وهل هم ثقات سمع بعضهم ~~من بعض أم لا؟ وننظر إلى شواهد الحديث وما يدل [عليه] (4) على أحد الأمرين، ~~لا فرق عندنا بين ما يروى في فضائل علي أو فضائل غيره، فما ثبت أنه صدق ~~صدقناه، وما كان كذبا كذبناه. # فنحن نجيء بالصدق ونصدق به، لا نكذب، ولا نكذب صادقا. وهذا معروف عند ~~أئمة السنة. وأما من افترى على الله كذبا أو كذب (5) بالحق، فعلينا أن ~~نكذبه في كذبه وتكذيبه للحق، كأتباع مسيلمة PageV07P195 # الكذاب والمكذبين بالحق الذي جاء به الرسول واتبعه عليه المؤمنون به: ~~صديقه الأكبر وسائر المؤمنين. # ولهذا نقول في الوجه الثاني: إن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم ~~بالحديث (1) . وهذا الحديث - وأمثاله - مما جزمنا أنه كذب موضوع نشهد أنه ~~(2) كذب موضوع، فنحن والله الذي لا إله إلا هو - نعلم علما ضروريا في ~~قلوبنا، لا سبيل لنا إلى دفعه، أن هذا الحديث [كذب] (3) ما حدث به أبو ~~هريرة، وهكذا نظائره (4) مما نقول فيه مثل ذلك. # وكل من كان عارفا بعلم الحديث وبدين الإسلام يعرف، وكل من لم يكن له بذلك ~~علم لا يدخل معنا، كما أن ms1684 أهل الخبرة بالصرف يحلفون على ما يعلمون أنه ~~مغشوش، وإن كان من لا خبرة له لا يميز بين المغشوش والصحيح. # الثالث: أن الله تعالى قال: {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين ~~قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف ~~بينهم} [سورة الأنفال: 62 - 63] . وهذا نص في أن المؤمنين عدد مؤلف بين ~~قلوبهم، وعلي واحد [منهم] (5) ليس له قلوب يؤلف بينها. # والمؤمنون (6) صيغة (7) جمع، فهذا نص صريح لا يحتمل أنه أراد به واحدا ~~PageV07P196 # معينا، وكيف يجوز أن يقال: المراد بهذا علي وحده؟ # الوجه الرابع: أن يقال: من المعلوم بالضرورة والتواتر أن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - ما كان قيام دينه بمجرد موافقة علي، فإن عليا كان (1) من ~~أول من أسلم، فكان الإسلام ضعيفا، فلولا أن الله هدى من هداه إلى الإيمان ~~والهجرة والنصرة، لم يحصل بعلي وحده شيء من التأييد، ولم يكن (2) إيمان ~~الناس وهجرتهم ولا نصرتهم على يد علي، ولم يكن علي منتصبا: لا بمكة ولا ~~بالمدينة للدعوة إلى الإيمان، كما كان أبو بكر منتصبا لذلك، ولم ينقل أنه ~~أسلم على يد علي أحد من السابقين الأولين، لا من المهاجرين ولا من الأنصار، ~~بل لا نعرف أنه أسلم على يد علي أحد من الصحابة، لكن لما بعثه النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - إلى اليمن قد يكون قد أسلم على يديه (3) من أسلم، إن كان ~~وقع ذلك وليس أولئك من الصحابة، وإنما أسلم أكابر الصحابة على يد أبي بكر، ~~ولا كان يدعو المشركين ويناظرهم، كما كان أبو بكر يدعوهم ويناظرهم، ولا كان ~~المشركون يخافونه، كما يخافون أبا بكر وعمر. # بل قد ثبت في الصحاح والمساند والمغازي، واتفق عليه الناس، أنه «لما كان ~~يوم أحد وانهزم المسلمون، صعد أبو سفيان على (4) الجبل وقال: أفي القوم ~~محمد؟ [أفي القوم محمد؟] (5) فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ~~PageV07P197 # " لا تجيبوه ". فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ~~فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا تجيبوه ms1685 " فقال: أفي القوم ابن ~~الخطاب؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا تجيبوه ". فقال لأصحابه: ~~أما هؤلاء فقد كفيتموهم. فلم يملك عمر (1) - رضي الله عنه - نفسه أن قال: ~~كذبت يا عدو الله، إن الذين عددت (2) لأحياء، وقد بقي لك ما يسوءك. فقال: ~~يوم بيوم بدر. فقال عمر: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار. ثم ~~أخذ أبو سفيان يرتجز ويقول: # اعل هبل. . اعل هبل. # فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ألا تجيبوه (3) ؟ " فقالوا: وما ~~نقول؟ قال: " قولوا: الله أعلى وأجل " فقال: إن لنا العزى ولا عزى لكم. ~~فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ألا تجيبوه (4) " فقالوا: وما نقول؟ ~~قال: " قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم " فقال: ستجدون في القوم مثلة لم ~~آمر بها ولم تسؤني» (5) . # فهذا جيش المشركين إذ ذاك لا يسأل إلا على النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~وأبي بكر وعمر، فلو كان القوم خائفين من علي أو عثمان أو طلحة أو الزبير أو ~~نحوهم، أو كان للرسول تأييد بهؤلاء، كتأييده بأبي بكر وعمر، لكان يسأل عنهم ~~كما يسأل عن هؤلاء، فإن المقتضي للسؤال (6) قائم، والمانع PageV07P198 # منتف، ومع وجود القدرة والداعي وانتفاء الصارف (1) يجب معه (2) وجود ~~الفعل. # الوجه الخامس: أنه لم يكن لعلي في الإسلام أثر حسن، إلا ولغيره من ~~الصحابة مثله، ولبعضهم آثار أعظم من آثاره. وهذا معلوم لمن عرف السيرة ~~الصحيحة الثابتة بالنقل. وأما من يأخذ بنقل الكذابين وأحاديث الطرقية، فباب ~~الكذب مفتوح، وهذا الكذب (3) يتعلق بالكذب على الله، {ومن أظلم ممن افترى ~~على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه} [سورة العنكبوت: 68] . # ومجموع المغازي التي كان فيها القتال مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~تسع مغاز، والمغازي كلها بضع وعشرون غزاة (4) ، وأما السرايا فقد قيل: إنها ~~تبلغ سبعين (5) . # ومجموع من قتل من الكفار في غزوات الرسول - صلى الله عليه وسلم - يبلغون ~~ألفا أو أكثر أو أقل، ولم يقتل [علي] (6) منهم عشرهم ولا نصف عشرهم، وأكثر ~~السرايا لم يكن يخرج فيها. وأما بعد النبي - صلى الله ms1686 عليه وسلم - فلم يشهد ~~شيئا من الفتوحات: لا هو ولا عثمان ولا طلحة، PageV07P199 # ولا الزبير، إلا أن يخرجوا مع عمر حين خرج (1) إلى الشام. وأما الزبير ~~فقد شهد فتح مصر، وسعد شهد فتح القادسية، وأبو عبيدة فتح الشام. # فكيف يكون تأييد الرسول بواحد من أصحابه (2) دون سائرهم والحال هذه؟ وأين ~~تأييده بالمؤمنين كلهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين ~~بايعوه تحت الشجرة والتابعين لهم بإحسان؟ # وقد كان المسلمون يوم بدر ثلاثمائة وثلاث عشر، ويوم أحد نحو (3) سبعمائة، ~~ويوم الخندق أكثر من ألف أو قريبا من ذلك، ويوم بيعة الرضوان ألفا ~~وأربعمائة، وهم الذين شهدوا فتح خيبر، ويوم فتح مكة كانوا عشرة آلاف، ويوم ~~حنين كانوا اثني عشر ألفا: تلك العشرة (4) ، والطلقاء ألفان. # وأما تبوك فلا يحصى من شهدها، بل كانوا أكثر من ثلاثين [ألفا] (5) . وأما ~~حجة الوداع فلا يحصى من شهدها معه، وكان قد أسلم على عهده (6) أضعاف (7) من ~~رآه وكان من أصحابه، وأيده الله بهم في حياته باليمن وغيرها. وكل هؤلاء من ~~المؤمنين الذين أيده الله بهم، بل كل من آمن وجاهد إلى يوم القيامة دخل في ~~هذا المعنى (8) . PageV07P200 ### | [فصل البرهان الرابع والعشرون " يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (1) : " البرهان الرابع والعشرون: قوله تعالى: {ياأيها النبي ~~حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} [سورة الأنفال: 64] . من طريق أبي نعيم ~~قال: نزلت في علي (2) . وهذه فضيلة لم تحصل لأحد من الصحابة غيره، فيكون هو ~~الإمام ". # والجواب من وجوه: أحدها: منع الصحة. # الثاني: أن هذا القول ليس بحجة. # الثالث: أن يقال: هذا الكلام (3) من أعظم الفرية على الله ورسوله. وذلك ~~أن قوله: {حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} [سورة الأنفال: 64] معناه: أن ~~(4) الله حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين، فهو وحده كافيك وكافي من معك (5) ~~من المؤمنين. وهذا كما تقول العرب: حسبك وزيدا درهم. # ومنه قول الشاعر: # فحسبك والضحاك سيف مهند PageV07P201 # وذلك أن " حسب " مصدر، فلما أضيف لم يحسن العطف عليه إلا بإعادة ms1687 الجار، ~~فإن العطف بدون ذلك، وإن كان جائزا في أصح القولين فهو قليل، وإعادة الجار ~~أحسن وأفصح، فعطف على المعنى، والمضاف إليه في معنى المنصوب، فإن قوله: " ~~فحسبك والضحاك " [معناه: يكفيك والضحاك] (1) . # والمصدر يعمل عمل الفعل، لكن إذا أضيف عمل في غير المضاف إليه، ولهذا إن ~~أضيف إلى الفاعل نصب المفعول، وإن أضيف إلى المفعول رفع الفاعل، فتقول: ~~أعجبني دق القصار الثوب، وهذا وجه الكلام. وتقول: أعجبني دق الثوب القصار. # ومن النحاة من يقول: إعماله منكرا أحسن من إعماله مضافا ; لأنه بالإضافة ~~قوي شبهه بالأسماء. والصواب أن إضافته إلى أحدهما وإعماله في الآخر أحسن من ~~تنكيره وإعماله فيهما. فقول القائل: أعجبني دق القصار الثوب. أحسن من قوله: ~~دق الثوب القصار، فإن التنكير أيضا من خصائص الأسماء، والإضافة أخف ; لأنه ~~اسم، والأصل فيه أن يضاف ولا يعمل، لكن لما تعذرت إضافته إلى الفاعل ~~والمفعول جميعا، أضيف إلى أحدهما، وأعمل في الآخر (2) . # وهكذا في المعطوفات: إن أمكن إضافتها إليها كلها (3) ، كالمضاف إلى ~~الظاهر، فهو أحسن. كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «إن الله حرم بيع ~~PageV07P202 # الخمر والميتة [والدم] (1) والخنزير والأصنام» " (2) . # وكقولهم: «نهى عن بيع الملاقيح والمضامين وحبل (3) الحبلة» . # وإن تعذر لم يحسن ذلك، كقولك: حسبك وزيدا درهم، عطفا على المعنى. # ومما يشبه هذا قوله: {وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا} [سورة ~~الأنعام: 96] (4) ، نصب هذا (5) على محل الليل المجرور، فإن اسم الفاعل ~~كالمصدر، ويضاف تارة ويعمل تارة أخرى (6) . PageV07P203 # وقد ظن بعض الغالطين (1) أن معنى الآية: أن الله والمؤمنين حسبك، ويكون: ~~{من اتبعك} (2) رفعا عطفا على الله، وهذا خطأ قبيح مستلزم للكفر (3) ; فإن ~~الله وحده حسب جميع الخلق. # كما قال تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ~~فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} [سورة آل عمران: 173] * أي: ~~الله وحده كافينا كلنا. # وفي البخاري عن ابن عباس في هذه الكلمة: قالها إبراهيم حين ألقي في ~~النار، وقالها محمد حين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ~~فزادهم إيمانا ms1688 وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * (4) (5) . # فكل من النبيين قال: حسبي الله، فلم يشرك بالله غيره في كونه حسبه، فدل ~~على أن الله وحده حسبه ليس معه غيره. # ومنه قوله تعالى: {أليس الله بكاف عبده} [سورة الزمر: 36] ، وقوله تعالى: ~~{ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من ~~فضله ورسوله} [سورة التوبة: 59] الآية، فدعاهم إلى أن يرضوا ما آتاهم الله ~~ورسوله، وإلى أن يقولوا: حسبنا الله، ولا يقولوا: حسبنا الله ورسوله ; لأن ~~الإيتاء (6) يكون بإذن الرسول، كما قال: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم ~~عنه فانتهوا} [سورة الحشر: 7] PageV07P204 # وأما الرغبة فإلى الله، كما قال تعالى: {فإذا فرغت فانصب - وإلى ربك ~~فارغب} [سورة الشرح: 7] . # وكذلك التحسب الذي هو التوكل على الله وحده. فلهذا أمروا أن يقولوا: ~~حسبنا الله، ولا يقولوا ورسوله. فإذا لم يجز أن يكون الله ورسوله * حسب ~~المؤمن، كيف يكون المؤمنون مع الله حسبا لرسوله؟ ! # وأيضا فالمؤمنون محتاجون إلى الله، كحاجة الرسول إلى الله * (1) ، فلا بد ~~لهم من حسبهم، ولا يجوز أن يكون معونتهم وقوتهم من الرسول وقوة الرسول منهم ~~; فإن هذا يستلزم الدور، بل قوتهم من الله، وقوة الرسول من الله، [فالله] ~~وحده (2) يخلق قوتهم، والله وحده يخلق قوة الرسول. # فهذا كقوله: {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين - وألف بين قلوبهم} [سورة ~~الأنفال: 62 - 63] ، فإنه وحده هو المؤيد للرسول بشيئين: أحدهما: نصره الذي ~~ينصر به (3) ، والثاني: بالمؤمنين الذين أتى بهم. # وهناك قال: حسبك الله، ولم يقل: نصر الله. فنصر الله منه، كما أن ~~المؤمنين من (4) مخلوقاته أيضا، فعطف ما منه على ما منه، إذ كلاهما منه. ~~وأما هو سبحانه فلا يكون معه غيره في إحداث شيء من الأشياء، بل هو وحده ~~الخالق لكل ما سواه، ولا يحتاج في شيء من ذلك إلى غيره. # وإذا (5) تبين هذا، فهؤلاء الرافضة رتبوا جهلا على جهل، فصاروا في ~~PageV07P205 # ظلمات بعضها فوق بعض، فظنوا أن قوله: {حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} ~~معناه: أن الله ومن اتبعك من المؤمنين حسبك، ثم جعلوا ms1689 المؤمنين الذين ~~اتبعوه هم (1) علي بن أبي طالب. # وجهلهم [في] (2) هذا أظهر من جهلهم في الأول، فإن الأول قد يشتبه على بعض ~~الناس، وأما هذا فلا (3) يخفى على عاقل، فإن عليا لم يكن وحده [من الخلق] ~~(4) كافيا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو لم يكن معه إلا علي لما ~~أقام دينه. وهذا علي لم يغن عن نفسه ومعه أكثر جيوش الأرض، بل لما حاربه ~~معاوية مع أهل الشام، كان معاوية مقاوما له أو مستظهرا، سواء كان ذلك بقوة ~~قتال أو قوة مكر واحتيال (5) ، فالحرب خدعة: # الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أول وهي المحل الثاني # فإذا هما اجتمعا لنفس مرة بلغت (6) من العلياء كل مكان (7) . # فإذا لم يغن عن نفسه بعد ظهور الإسلام واتباع أكثر أهل الأرض له، فكيف ~~يغني عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأهل الأرض كلهم أعداؤه؟ ! # وإذا قيل: إن عليا إنما لم يغلب معاوية ومن معه لأن جيشه لا يطيعونه، بل ~~كانوا مختلفين عليه. PageV07P206 # قيل: فإذا كان من معه من المسلمين لم يطيعوه، فكيف يطيعه الكفار الذين ~~يكفرون بنبيه وبه؟ ! # وهؤلاء الرافضة يجمعون بين النقيضين ; لفرط جهلهم وظلمهم: يجعلون عليا ~~أكمل الناس قدرة وشجاعة، حتى يجعلوه هو الذي أقام دين الرسول، وأن الرسول ~~كان محتاجا إليه. ويقولون مثل هذا الكفر، إذ يجعلونه (1) شريكا لله في ~~إقامة دين محمد، ثم يصفونه بغاية العجز والضعف والجزع والتقية بعد ظهور ~~الإسلام وقوته ودخول الناس فيه أفواجا (2) . # ومن المعلوم قطعا أن الناس بعد دخولهم في دين الإسلام أتبع للحق منهم قبل ~~دخولهم فيه، فمن كان مشاركا لله في إقامة دين محمد، حتى قهر الكفار وأسلم ~~الناس، كيف لا يفعل هذا في قهر طائفة بغوا عليه، هم أقل من الكفار (3) ~~الموجودين عند بعثة الرسول، وأقل منهم شوكة، وأقرب إلى الحق منهم؟ ! # فإن الكفار حين بعث الله محمدا كانوا أكثر ممن نازع عليا وأبعد عن الحق، ~~فإن أهل الحجاز والشام واليمن ومصر والعراق وخراسان والمغرب كلهم كانوا ~~كفارا، ما بين مشرك وكتابي ms1690 ومجوسي وصابئ، ولما مات النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - كانت جزيرة العرب قد ظهر فيها الإسلام، ولما قتل عثمان كان الإسلام ~~قد ظهر في الشام ومصر والعراق وخراسان والمغرب. # فكان أعداء الحق عند موت النبي - صلى الله عليه وسلم - أقل منهم ~~PageV07P207 # وأضعف، وأقل (1) عداوة منهم له (2) عند مبعثه، وكذلك كانوا عند مقتل ~~عثمان أقل منهم وأضعف، وأقل عداوة منهم له (3) حين بعث محمد - صلى الله ~~عليه وسلم - ; فإن جميع الحق الذي كان يقاتل عليه علي، هو جزء من الحق الذي ~~قاتل عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمن كذب بالحق الذي بعث به محمد - ~~صلى الله عليه وسلم - وقاتله عليه، كذب بما قاتل عليه علي من ذلك. # فإذا كان علي في هذه الحال قد ضعف وعجز عن نصر الحق ودفع الباطل، فكيف ~~يكون حاله حين المبعث (4) ، وهو أضعف وأعجز، وأعداء الحق أعظم وأكثر وأشد ~~عداوة؟ ! # ومثل الرافضة في ذلك مثل النصارى: ادعوا في المسيح الإلهية، وأنه رب كل ~~شيء ومليكه، وهو على كل شيء قدير. ثم يجعلون أعداءه صفعوه ووضعوا الشوك على ~~رأسه وصلبوه، وأنه جعل يستغيث فلا يغيثوه، فلا [أفلحوا] بدعوى (5) تلك ~~القدرة القاهرة، ولا بإثبات هذه الذلة التامة. # وإن قالوا: كان هذا برضاه (6) . # قيل: فالرب إنما يرضى بأن يطاع لا بأن يعصى. فإن كان قتله وصلبه برضاه ~~(7) ، كان ذلك عبادة وطاعة لله، فيكون اليهود الذين صلبوه عابدين ~~PageV07P208 # لله مطيعين في ذلك، فيمدحون على ذلك لا يذمون. وهذا من أعظم الجهل ~~والكفر. # وهكذا يوجد من فيه شبه من النصارى والرافضة من الغلاة في أنفسهم وشيوخهم، ~~تجدهم في غاية الدعوى وفي غاية العجز. كما قال - صلى الله عليه وسلم - في ~~الحديث الصحيح: " «ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة (1) ~~ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وفقير مختال ". وفي لفظ: " ~~عائل (2) مزهو " وفي لفظ: " وعائل مستكبر» " (3) وهذا معنى قول بعض العامة: ~~الفقر والزنطرة (4) . # فهكذا شيوخ الدعاوى والشطح: يدعي أحدهم الإلهية وما هو أعظم من النبوة، ~~ويعزل ms1691 الرب عن ربوبيته والنبي عن رسالته، ثم (5) آخرته شحاذ يطلب ما يقيته ~~(6) ، أو خائف يستعين بظالم على دفع مظلمته، فيفتقر (7) إلى لقمة، ويخاف من ~~كلمة، فأين هذا الفقر والذل من دعوى الربوبية المتضمنة للغنى والعز؟ ! # وهذه حال (8) المشركين الذين قال الله فيهم: {ومن يشرك بالله فكأنما خر ~~من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} [سورة الحج: 31] . ~~PageV07P209 # وقال: {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا ~~وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون} [سورة العنكبوت: 41] وقال: ~~{سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا} ~~[سورة آل عمران: 151] . # والنصارى فيهم شرك بين، كما قال تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا ~~من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا ~~هو سبحانه عما يشركون} [سورة التوبة: 31] . وهكذا من أشبههم من الغالية من ~~الشيعة والنساك: فيه شرك وغلو، [كما في النصارى شرك وغلو] (1) واليهود فيهم ~~كبر، والمستكبر معاقب بالذل. # قال تعالى: {ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من ~~الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون ~~بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} [سورة آل ~~عمران: 112] . # وقال تعالى: {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا ~~كذبتم وفريقا تقتلون} [سورة البقرة: 87] فتكذيبهم وقتلهم للأنبياء (2) كان ~~استكبارا. # فالرافضة فيهم شبه من اليهود من وجه، وشبه من النصارى من وجه. ففيهم شرك ~~وغلو وتصديق بالباطل كالنصارى، وفيهم جبن وكبر وحسد وتكذيب بالحق كاليهود ~~PageV07P210 # وهكذا غير الرافضة من أهل الأهواء والبدع، تجدهم في نوع من الضلال ونوع ~~من الغي، فيهم شرك وكبر. # لكن الرافضة أبلغ من غيرهم في ذلك، ولهذا تجدهم من أعظم الطوائف تعطيلا ~~لبيوت الله ومساجده من الجمع والجماعات، التي هي أحب الاجتماعات إلى الله. ~~وهم أيضا لا يجاهدون الكفار أعداء الدين، بل كثيرا ما يوالونهم ويستعينون ~~بهم (1) على عداوة المسلمين، فهم ms1692 يعادون أولياء الله المؤمنين، ويوالون ~~أعداءه المشركين وأهل الكتاب، كما يعادون أفضل الخلق [من] المهاجرين (2) ~~والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان، ويوالون أكفر الخلق من الإسماعيلية ~~والنصيرية ونحوهم من الملاحدة، وإن كانوا يقولون: هم كفار، فقلوبهم ~~وأبدانهم إليهم أميل منها إلى المهاجرين والأنصار والتابعين وجماهير ~~المسلمين. # وما من أحد من أهل الأهواء والبدع، حتى المنتسبين إلى العلم والكلام (3) ~~والفقه والحديث والتصوف إلا وفيه شعبة من ذلك، كما يوجد أيضا شعبة من ذلك ~~في أهل الأهواء من أتباع الملوك والوزراء والكتاب والتجار، لكن الرافضة ~~أبلغ في الضلال والغي من جميع الطوائف أهل البدع. ### | [فصل البرهان الخامس والعشرون " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (4) : " البرهان الخامس والعشرون: قوله تعالى: PageV07P211 # {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} [سورة المائدة: 54] قال الثعلبي: ~~إنما (1) نزلت في علي، وهذا يدل (2) على أنه أفضل، فيكون هو الإمام ". # والجواب من وجوه: أحدها: أن هذا كذب على الثعلبي، فإنه قال في تفسيره ~~[في] هذه الآية (3) : " قال علي وقتادة والحسن: إنهم أبو بكر وأصحابه. وقال ~~مجاهد: هم (4) أهل اليمن ". وذكر حديث عياض بن غنم: أنهم أهل اليمن، وذكر ~~الحديث: " «أتاكم أهل اليمن» ". فقد نقل الثعلبي أن عليا فسر هذه الآية ~~بأنهم أبو بكر وأصحابه. # وأما أئمة التفسير، فروى الطبري (5) عن المثنى، حدثنا عبد الله بن هاشم ~~(6) ، حدثنا سيف بن عمر، عن أبي روق، [عن الضحاك] (7) ، عن أبي أيوب، عن ~~علي [في قوله: {ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه} [سورة المائدة: ~~54] (8) قال: علم الله المؤمنين، ووقع (9) معنى (10) السوء PageV07P212 # على الحشو الذي (1) فيهم [من] المنافقين (2) ومن في علمه أن يرتدوا (3) ، ~~فقال: {من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله} (4) : المرتدة في دورهم (5) ، ~~{بقوم يحبهم ويحبونه} : بأبي بكر وأصحابه - رضي الله عنهم -. # وذكر بإسناده هذا القول عن قتادة والحسن والضحاك وابن جريج (6) ، وذكر ~~قوم أنهم الأنصار (7) ، وعن آخرين أنهم أهل اليمن (8) ، ورجح هذا الآخر ~~وأنهم رهط أبي موسى (9) ، قال (10) : " ولولا صحة الخبر بذلك عن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم ms1693 - ما كان القول عندي [في ذلك] إلا قول (11) من قال: هم ~~أبو بكر وأصحابه " (12) قال: " لما ارتد المرتدون جاء الله بهؤلاء على عهد ~~عمر - رضي الله عنه - (13) . PageV07P213 # الثاني: أن هذا قول بلا حجة، فلا يجب قبوله. # الثالث: أن هذا معارض بما (1) هو أشهر منه وأظهر، وهو أنها نزلت في أبي ~~بكر وأصحابه، الذين قاتلوا معه أهل الردة. وهذا هو المعروف [عند الناس] (2) ~~كما تقدم. لكن هؤلاء الكذابون أرادوا أن يجعلوا الفضائل التي جاءت في أبي ~~بكر يجعلونها (3) لعلي، وهذا من المكر السيئ الذي لا يحيق إلا بأهله. # وحدثني الثقة من أصحابنا أنه اجتمع بشيخ أعرفه، وكان فيه دين وزهد وأحوال ~~معروفة لكن كان فيه تشيع. قال: وكان عنده كتاب يعظمه، ويدعي أنه من ~~الأسرار، وأنه أخذه من خزائن الخلفاء، وبالغ في وصفه. فلما أحضره، فإذا به ~~كتاب (4) قد كتب بخط حسن، وقد عمدوا إلى الأحاديث التي في البخاري ومسلم ~~جميعها في فضائل أبي بكر وعمر ونحوهما جعلوها لعلي. ولعل هذا الكتاب كان من ~~خزائن بني عبيد المصريين، فإن خواصهم كانوا ملاحدة زنادقة غرضهم قلب ~~الإسلام، وكانوا قد وضعوا من الأحاديث المفتراة التي يناقضون بها الدين ما ~~لا يعلمه إلا الله. # ومثل هؤلاء الجهال يظنون أن الأحاديث التي في البخاري ومسلم إنما أخذت عن ~~البخاري ومسلم، كما يظن مثل ابن الخطيب ونحوه ممن لا يعرف حقيقة الحال، وأن ~~البخاري ومسلما كان الغلط يروج عليهما، أو PageV07P214 # كانا يتعمدان (1) الكذب، ولا يعلمون أن قولنا: رواه البخاري ومسلم علامة ~~لنا على [ثبوت] (2) صحته، لا أنه (3) كان صحيحا بمجرد رواية البخاري ومسلم، ~~بل أحاديث البخاري ومسلم رواها غيرهما (4) من العلماء والمحدثين من لا يحصي ~~عدده إلا الله، ولم ينفرد واحد منهما بحديث، بل ما من حديث إلا وقد رواه ~~قبل زمانه وفي زمانه وبعد زمانه طوائف، ولو لم يخلق البخاري ومسلم لم ينقص ~~من الدين شيء، وكانت تلك الأحاديث موجودة بأسانيد يحصل بها المقصود وفوق ~~المقصود. # وإنما قولنا: رواه (5) البخاري ومسلم كقولنا: قرأه (6) القراء السبعة ms1694. ~~والقرآن منقول بالتواتر، لم يختص هؤلاء السبعة بنقل شيء منه، وكذلك التصحيح ~~لم يقلد أئمة الحديث فيه البخاري ومسلما، بل جمهور ما صححاه كان قبلهما عند ~~أئمة الحديث صحيحا متلقى بالقبول، وكذلك في عصرهما وكذلك بعدهما قد نظر (7) ~~أئمة هذا الفن في كتابيهما، ووافقوهما (8) على تصحيح (9) ما صححاه، إلا ~~مواضع يسيرة، نحو عشرين حديثا، غالبها في مسلم، انتقدها عليهما طائفة من ~~الحفاظ، وهذه PageV07P215 # المواضع المنتقدة غالبها في مسلم، وقد انتصر طائفة لهما فيها، وطائفة ~~قررت قول المنتقدة (1) . # والصحيح التفصيل ; فإن فيها مواضع منتقدة بلا ريب، مثل حديث أم حبيبة، ~~وحديث خلق الله البرية يوم السبت، وحديث صلاة الكسوف بثلاث ركوعات وأكثر. # وفيها مواضع لا انتقاد فيها في البخاري، فإنه أبعد الكتابين عن الانتقاد، ~~ولا يكاد يروي لفظا فيه انتقاد، إلا ويروي اللفظ الآخر الذي يبين أنه ~~منتقد، فما في كتابه لفظ منتقد، إلا وفي كتابه ما يبين أنه منتقد. # وفي الجملة من نقد سبعة آلاف درهم، فلم يرج عليه (2) فيها إلا دراهم ~~يسيرة، ومع هذا فهي مغيرة ليست مغشوشة محضة، فهذا إمام في صنعته. والكتابان ~~سبعة آلاف حديث وكسر (3) . # والمقصود أن أحاديثهما انتقدها (4) الأئمة الجهابذة قبلهم وبعدهم، ورواها ~~خلائق لا يحصي عددهم إلا الله، فلم ينفردا لا برواية ولا بتصحيح، والله - ~~سبحانه وتعالى - هو الكفيل بحفظ (5) هذا الدين، كما قال تعالى: {إنا نحن ~~نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [سورة الحجر: 9] . # وهذا مثل غالب المسائل التي توجد في الكتب المصنفة في مذاهب (6) الأئمة ~~مثل القدوري والتنبيه والخرقي (7) والجلاب، غالب ما فيها إذا PageV07P216 # قيل: ذكره فلان، علم أنه مذهب ذلك الإمام، وقد نقل ذلك سائر أصحابه، وهم ~~خلق كثير ينقلون مذهبه بالتواتر. # وهذه الكتب فيها مسائل انفرد بها بعض أهل المذهب، وفيها نزاع بينهم، لكن ~~غالبا هو قول أهل المذهب. وأما البخاري ومسلم فجمهور ما فيهما اتفق عليه ~~أهل العلم بالحديث، الذين هم أشد عناية بألفاظ الرسول وضبطا لها ومعرفة بها ~~من أتباع الأئمة لألفاظ أئمتهم، وعلماء الحديث أعلم بمقاصد الرسول [في ms1695 ~~ألفاظه] (1) من أتباع الأئمة بمقاصد أئمتهم، والنزاع بينهم (2) في ذلك أقل ~~من تنازع أتباع الأئمة في مذاهب أئمتهم. # والرافضة - لجهلهم - يظنون أنهم إذا قبلوا ما في نسخة من ذلك، وجعلوا ~~فضائل الصديق لعلي، أن ذلك يخفى على أهل العلم، الذين حفظ الله بهم الذكر. # الرابع: أن يقال: إن الذي تواتر عند الناس أن الذي قاتل أهل الردة هو أبو ~~بكر الصديق - رضي الله عنه - الذي قاتل مسيلمة الكذاب المدعي للنبوة ~~وأتباعه بني حنيفة وأهل اليمامة. قد قيل: كانوا نحو مائة ألف أو أكثر (3) ، ~~وقاتل طليحة الأسدي، وكان قد ادعى النبوة بنجد، واتبعه من أسد وتميم وغطفان ~~ما شاء الله، ادعت النبوة سجاح، امرأة تزوجها مسيلمة الكذاب، فتزوج الكذاب ~~بالكذابة. PageV07P217 # وأيضا فكان من العرب من ارتد عن الإسلام، ولم يتبع متنبئا كذابا. # ومنهم قوم أقروا بالشهادتين، لكن امتنعوا من أحكامهما كمانعي الزكاة. ~~وقصص هؤلاء مشهورة متواترة يعرفها كل من له بهذا الباب أدنى معرفة. # والمقاتلون للمرتدين [هم من الذين يحبهم الله ويحبونه] (1) ، وهم أحق ~~الناس بالدخول في هذه الآية، وكذلك الذين قاتلوا سائر الكفار من الروم ~~والفرس. وهؤلاء أبو بكر وعمر ومن اتبعهما من أهل اليمن وغيرهم. ولهذا روي ~~أن هذه الآية لما نزلت سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هؤلاء، فأشار ~~إلى أبي موسى الأشعري، وقال: " هم قوم هذا " (2) . # فهذا أمر يعرف بالتواتر والضرورة: أن الذين أقاموا الإسلام وثبتوا عليه ~~حين الردة، وقاتلوا المرتدين والكفار، هم داخلون في قوله: {فسوف يأتي الله ~~بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل ~~الله ولا يخافون لومة لائم} [سورة المائدة: 54] . # وأما علي - رضي الله عنه - فلا ريب أنه ممن يحب الله ويحبه الله، لكن ليس ~~بأحق بهذه الصفة من أبي بكر وعمر وعثمان، ولا * كان جهاده للكفار والمرتدين ~~أعظم من جهاد هؤلاء، ولا حصل به من المصلحة للدين أعظم * (3) مما حصل ~~بهؤلاء، بل كل منهم له سعي مشكور وعمل مبرور وآثار صالحة في الإسلام، والله ~~يجزيهم عن الإسلام ms1696 وأهله خير جزاء، فهم PageV07P218 # الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون، الذين قضوا بالحق، وبه كانوا يعدلون. # وأما أن يأتي إلى أئمة الجماعة الذين كان نفعهم في الدين والدنيا أعظم، ~~فيجعلهم كفارا أو فساقا (1) ظلمة، ويأتي إلى من لم يجر على يديه من الخير ~~مثل ما جرى على يد واحد منهم، * فيجعله الله أو شريكا لله، أو شريك رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم -، أو الإمام المعصوم الذي لا يؤمن إلا من * (2) ~~جعله معصوما منصوصا عليه، ومن خرج عن هذا فهو كافر، ويجعل الكفار المرتدين ~~الذي قاتلهم أولئك كانوا مسلمين، ويجعل المسلمين الذين يصلون الصلوات ~~الخمس، ويصومون شهر رمضان، ويحجون البيت، ويؤمنون بالقرآن يجعلهم (3) كفارا ~~لأجل قتال هؤلاء. # فهذا عمل أهل الجهل والكذب والظلم والإلحاد في دين الإسلام، عمل من لا ~~عقل له ولا دين ولا إيمان. # والعلماء دائما يذكرون أن الذي ابتدع الرفض كان زنديقا ملحدا، مقصوده ~~إفساد [دين] (4) الإسلام. ولهذا [صار] (5) الرفض مأوى الزنادقة الملحدين من ~~الغالية والمعطلة (6) ، كالنصيرية والإسماعيلية ونحوهم. # وأول الفكرة (7) آخر العمل، فالذي ابتدع الرفض كان مقصوده إفساد (8) ~~PageV07P219 # دين الإسلام، ونقض عراه، وقلعه بعروشه آخرا، لكن صار يظهر منه ما يكنه ~~(1) من ذلك، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. # وهذا معروف عن (2) ابن سبأ وأتباعه (3) ، وهو الذي ابتدع النص في علي، ~~وابتدع أنه معصوم. فالرافضة (4) الإمامية هم أتباع المرتدين، وغلمان ~~الملحدين، وورثة المنافقين، لم يكونوا أعيان المرتدين الملحدين. # الوجه الخامس: أن يقال: هب أن الآية نزلت في علي، أيقول القائل: أنها ~~مختصة به، ولفظها يصرح بأنهم جماعة؟ قال تعالى: {من يرتد منكم عن دينه فسوف ~~يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} [سورة المائدة: 54] إلى قوله: {لومة لائم} . ~~أفليس هذا صريحا في أن هؤلاء ليسوا رجلا، فإن الرجل (5) لا يسمى قوما في ~~لغة العرب: لا حقيقة ولا مجازا. # ولو قال: المراد هو وشيعته. # لقيل: إذا كانت الآية أدخلت مع علي غيره، فلا ريب أن الذين قاتلوا الكفار ~~والمرتدين أحق بالدخول فيها ممن لم يقاتل إلا أهل القبلة ms1697، فلا ريب أن أهل ~~اليمن، الذين قاتلوا مع أبي بكر وعمر وعثمان أحق بالدخول فيها من الرافضة، ~~الذين يوالون اليهود والنصارى والمشركين، ويعادون السابقين الأولين. # فإن قيل: الذين قاتلوا مع علي كان كثير منهم من أهل اليمن. # قيل: والذين قاتلوه أيضا كان كثير منهم من أهل اليمن. فكلا PageV07P220 # العسكرين كانت اليمانية والقيسية فيهم كثيرة (1) جدا، وأكثر أذواء اليمن ~~كانوا مع معاوية، كذي كلاع (2) وذي عمرو، وذي رعين، ونحوهم. وهم الذين يقال ~~لهم: الذوين. # كما قال الشاعر: # وما أعني بذلك أصغريهم ... ولكني أريد به الذوينا. # الوجه السادس: قوله: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} لفظ مطلق، ليس ~~فيه تعيين. وهو متناول لمن قام بهذه الصفات كائنا ما كان، لا يختص ذلك بأبي ~~بكر ولا بعلي. وإذا لم يكن مختصا بإحداهما، لم يكن هذا من خصائصه، فبطل أن ~~يكون بذلك أفضل ممن يشاركه فيه، فضلا عن أن يستوجب بذلك الإمامة. # بل هذه الآية تدل على أنه لا يرتد أحد [عن الدين] (3) إلى يوم القيامة ~~إلا أقام الله قوما يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، ~~يجاهدون هؤلاء المرتدين. # والردة قد تكون عن أصل الإسلام، كالغالية من النصيرية والإسماعيلية، ~~فهؤلاء مرتدون باتفاق أهل السنة والشيعة، وكالعباسية (4) . PageV07P221 # وقد تكون الردة عن بعض الدين، كحال أهل البدع الرافضة وغيرهم. والله ~~تعالى يقيم قوما يحبهم ويحبونه، ويجاهدون من ارتد عن الدين، أو عن بعضه، ~~كما يقيم من يجاهد الرافضة المرتدين عن الدين، أو عن بعضه، في كل زمان. # والله سبحانه المسئول أن يجعلنا من الذين يحبهم ويحبونه، الذين يجاهدون ~~المرتدين [وأتباع المرتدين] (1) ، ولا يخافون لومة لائم. ### | [فصل البرهان السادس والعشرون " والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (2) : " البرهان السادس والعشرون: قوله تعالى: {والذين آمنوا ~~بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم} [سورة الحديد: 19] روى ~~أحمد بن حنبل بإسناده عن (3) أبي ليلى، عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم -: PageV07P222 # " «الصديقون ثلاثة: حبيب بن موسى ms1698 النجار مؤمن آل ياسين، الذي قال: يا قوم ~~اتبعوا المرسلين. وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي ~~الله. وعلي بن أبي طالب الثالث (1) ، وهو أفضلهم» . ونحوه روى ابن المغازلي ~~(2) الفقيه الشافعي (3) وصاحب كتاب " الفردوس ". وهذه فضيلة تدل على إمامته ~~". # والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة الحديث، وهذا ليس في مسند أحمد. ~~ومجرد روايته له في الفضائل، لو كان رواه؛ لا يدل على صحته عنده باتفاق أهل ~~العلم، فإنه يروي ما رواه الناس، وإن لم تثبت صحته. وكل من عرف العلم يعلم ~~أنه (4) ليس كل حديث رواه أحمد في الفضائل ونحوه يقول: إنه صحيح، بل ولا كل ~~حديث رواه في مسنده يقول: إنه صحيح، بل أحاديث مسنده هي التي رواها الناس ~~عمن هو معروف عند الناس بالنقل ولم يظهر كذبه، وقد يكون في بعضها علة تدل ~~على أنه ضعيف، بل باطل. لكن غالبها وجمهورها أحاديث جيدة يحتج بها، وهي ~~أجود من أحاديث سنن أبي داود. وأما ما رواه في الفضائل فليس من هذا الباب ~~عنده. # والحديث قد يعرف أن محدثه غلط فيه، أو كذبه من غير علم (5) بحال المحدث، ~~بل بدلائل أخر. PageV07P223 # والكوفيون كان قد اختلط كذبهم بصدقهم، فقد يخفى كذب أحدهم أو غلطه على ~~المتأخرين، ولكن يعرف ذلك بدليل آخر. فكيف وهذا الحديث لم يروه أحمد: لا في ~~المسند ولا في كتاب " الفضائل "، وإنما هو من زيادات القطيعي (1) رواه (2) ~~عن محمد بن يونس القرشي، حدثنا الحسن بن محمد الأنصاري (3) حدثنا عمرو (4) ~~بن جميع حدثنا ابن أبي ليلى (5) (6 عن أخيه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى (6) ~~6) [عن أبيه] (7) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره (8) . ~~PageV07P224 # ورواه القطيعي أيضا من طريق آخر قال (1) : كتب إلينا عبد الله بن غنام ~~الكوفي (2) يذكر أن الحسن بن عبد الرحمن بن أبي ليلى المكفوف حدثهم قال: ~~حدثنا (3) عمرو بن جميع حدثنا محمد بن أبي ليلى عن عيسى (4) ثم ذكر الحديث ~~(5) . وعمرو بن جميع ممن لا يحتج بنقله، بل قال ابن ms1699 عدي: يتهم (6) بالوضع. ~~قال يحيى: كذاب خبيث. وقال النسائي والدارقطني: متروك. وقال ابن حبان: يروي ~~الموضوعات عن الأثبات، والمناكير عن المشاهير، لا يحل (7) كتب حديثه إلا ~~على سبيل الاعتبار (8) . # الثاني: أن هذا (9) الحديث موضوع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. # الثالث: أن في الصحيح من غير وجه تسمية غير علي صديقا، كتسمية أبي بكر ~~الصديق، فكيف يقال: الصديقون الثلاثة؟ # وفي الصحيحين عن أنس «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صعد أحدا، ~~PageV07P225 # وتبعه (1) أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فقال النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -: " اثبت أحد ; فما عليك إلا نبي أو صديق وشهيدان» " (2) . ورواه ~~الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد عن قتادة عن أنس (3) . وفي رواية " «ارتج بهم ~~أحد» (4) ". # وفي الصحيح (5) عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ~~«عليكم بالصدق ; فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، ولا يزال ~~الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب ; فإن ~~الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ~~ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا» " (6) . # الوجه الرابع: أن الله تعالى قد سمى مريم صديقة، فكيف يقال: الصديقون ~~ثلاثة؟ ! PageV07P226 # الوجه الخامس: أن قول القائل: الصديقون ثلاثة، إن أراد به أنه لا صديق ~~إلا هؤلاء، فإنه (1) كذب مخالف للكتاب والسنة وإجماع المسلمين. وإن أراد ~~(2) أن الكامل في الصديقية هم الثلاثة، فهو أيضا خطأ ; لأن أمتنا خير أمة ~~أخرجت للناس ; فكيف يكون المصدق بموسى ورسل عيسى أفضل من المصدقين بمحمد؟ ! # والله تعالى لم يسم مؤمن آل فرعون صديقا، ولا يسمى (3) صاحب آل ياسين ~~صديقا، ولكنهم صدقوا بالرسل (4) . والمصدقون بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ~~أفضل منهم. # وقد سمى الله الأنبياء صديقين في مثل قوله: {واذكر في الكتاب إبراهيم إنه ~~كان صديقا نبيا} [سورة مريم: 41] ، {واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا ~~نبيا} [سورة مريم: 56] وقوله عن يوسف: {أيها الصديق} [سورة يوسف: 46] . # الوجه السادس (5) : أن الله تعالى قال: {والذين آمنوا بالله ورسله أولئك ms1700 ~~هم الصديقون والشهداء عند ربهم} [سورة الحديد: 19] . وهذا يقتضي أن كل مؤمن ~~آمن (6) بالله ورسله (7) فهو صديق (8) . PageV07P227 # السابع: أن يقال: إن كان الصديق هو الذي يستحق الإمامة، فأحق الناس بكونه ~~صديقا أبو بكر ; فإنه الذي ثبت له هذا الاسم بالدلائل الكثيرة، وبالتواتر ~~الضروري عند الخاص والعام، حتى إن أعداء الإسلام يعرفون ذلك، فيكون هو ~~المستحق للإمامة. وإن لم يكن كونه صديقا يستلزم الإمامة بطلت الحجة. ### | [فصل البرهان السابع والعشرون " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (1) : " البرهان السابع والعشرون: قوله تعالى: {الذين ينفقون ~~أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية} [سورة البقرة: 274] . من طريق أبي ~~نعيم (2) بإسناده إلى ابن عباس (3) نزلت في علي (4) ، كان معه أربعة دراهم، ~~فأنفق درهما بالليل، ودرهما بالنهار، ودرهما سرا، ودرهما علانية، وروى ~~الثعلبي ذلك. ولم يحصل ذلك لغيره (5) ، فيكون أفضل، فيكون هو الإمام ". # والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة النقل. ورواية أبي نعيم والثعلبي ~~لا تدل على الصحة. PageV07P228 # الثاني: أن هذا كذب ليس بثابت (1) . # الثالث: أن الآية عامة في كل من ينفق بالليل والنهار سرا وعلانية، فمن ~~عمل بها دخل فيها (2) ، سواء كان عليا أو غيره، ويمتنع أن لا يراد بها إلا ~~واحد معين (3) . # الرابع: أن ما ذكر (4) من الحديث يناقض مدلول الآية ; فإن الآية تدل على ~~الإنفاق في الزمانين اللذين لا يخلو الوقت عنهما، وفي الحالين اللذين لا ~~يخلو الفعل منهما. فالفعل لا بد له من زمان، والزمان إما ليل وإما نهار. ~~والفعل إما سرا وإما علانية ; فالرجل إذا أنفق بالليل سرا، كان قد أنفق ~~ليلا سرا. وإذا أنفق علانية نهارا، كان قد أنفق علانية نهارا. وليس الإنفاق ~~سرا وعلانية خارجا عن الإنفاق بالليل والنهار. فمن قال: إن المراد من أنفق ~~درهما بالسر، ودرهما في العلانية، ودرهما بالليل، ودرهما بالنهار - كان ~~جاهلا، فإن الذي أنفقه سرا وعلانية قد أنفقه ليلا ونهارا، والذي قد أنفقه ~~ليلا ونهارا قد أنفقه سرا وعلانية. فعلم أن الدرهم الواحد يتصف بصفتين، لا ~~يجب أن يكون المراد ms1701 أربعة. # لكن هذه التفاسير الباطلة يقول مثلها كثير من الجهال، كما يقولون: ~~PageV07P229 # محمد رسول الله والذين معه (أبو بكر) أشداء على الكفار (عمر) رحماء بينهم ~~(عثمان) تراهم ركعا سجدا (علي) يجعلون هذه الصفات لموصوفات متعددة ويعينون ~~الموصوف (1) في هؤلاء الأربعة. # والآية صريحة في إبطال هذا وهذا، فإنها صريحة في أن هذه الصفات كلها لقوم ~~يتصفون بها كلها، وإنهم كثيرون ليسوا واحدا. ولا ريب أن الأربعة أفضل ~~هؤلاء، وكل من الأربعة موصوف بهذا كله، وإن كان بعض الصفات في بعض أقوى ~~منها في آخر. # وأغرب من ذلك قول بعض جهال (2) المفسرين: {والتين والزيتون - وطور سينين ~~- وهذا البلد الأمين} [سورة التين: 1 - 3] إنهم الأربعة ; فإن هذا مخالف ~~للعقل والنقل. لكن الله أقسم بالأماكن الثلاثة التي أنزل فيها كتبه الثلاثة ~~التوراة والإنجيل والقرآن، وظهر منها موسى وعيسى ومحمد، كما قال في ~~التوراة: جاء الله من طور سينا، وأشرق من ساعين، واستعلن من جبال فاران (3) ~~. # فالتين والزيتون: الأرض التي بعث فيها المسيح، وكثيرا ما تسمى الأرض بما ~~ينبت فيها، فيقال: فلان خرج إلى الكرم وإلى الزيتون وإلى الرمان، ونحو ذلك، ~~ويراد الأرض التي فيها ذلك، فإن الأرض تتناول ذلك، فعبر عنها ببعضها. # وطور سينين حيث كلم الله موسى، وهذا البلد الأمين مكة أم القرى التي بعث ~~بها محمد - صلى الله عليه وسلم -. PageV07P230 # والجاهل بمعنى الآية، لتوهمه أن الذي أنفقه سرا وعلانية غير الذي أنفقه ~~في الليل والنهار - يقول: نزلت فيمن أنفق أربعة دراهم، إما علي وإما غيره، ~~ولهذا قال: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية} * لم يعطف ~~بالواو، فيقول: وسرا وعلانية. بل هذان داخلان في الليل والنهار، سواء * (1) ~~قيل: هما منصوبان على المصدر ; لأنهما نوعان من الإنفاق، أو قيل: على ~~الحال. فسواء قدرا سرا وعلانية (2) ، أو مسرا ومعلنا، فتبين أن الذي كذب ~~هذا كان جاهلا بدلالة القرآن. والجهل في الرافضة ليس بمنكر. # الخامس: أنا لو قدرنا أن عليا فعل ذلك، ونزلت فيه الآية، فهل هنا إلا ~~إنفاق (3) أربعة دراهم في أربعة أحوال؟ ! وهذا عمل ms1702 مفتوح بابه (4) ميسر إلى ~~يوم القيامة. والعاملون بهذا وأضعافه أكثر من أن يحصوا، وما من أحد فيه خير ~~إلا ولا بد أن ينفق إن شاء الله تارة بالليل وتارة بالنهار، وتارة في السر ~~وتارة في العلانية. فليس هذا من الخصائص، فلا يدل على فضيلة الإمامة (5) . ### | [فصل البرهان الثامن والعشرون " ليس من آية في القرآن إلا علي رأسها وأميرها. . . " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (6) : " البرهان الثامن والعشرون: ما رواه أحمد بن ~~PageV07P231 # حنبل عن ابن عباس قال: ليس من آية في القرآن: {ياأيها الذين آمنوا} إلا ~~علي رأسها وأميرها، وشريفها وسيدها، ولقد عاتب الله تعالى أصحاب محمد (1) ~~في القرآن، وما ذكر عليا إلا بخير. وهذا (2) يدل على أنه أفضل، فيكون هو ~~الإمام ". # والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة النقل. وليس هذا في مسند أحمد، ~~ولا مجرد روايته له - لو رواه - في " الفضائل " يدل على أنه صدق، فكيف ولم ~~يروه أحمد: لا في المسند، ولا في " الفضائل " وإنما هو من زيادات القطيعي، ~~رواه (3) عن إبراهيم عن شريك الكوفي حدثنا زكريا بن يحيى الكسائي حدثنا ~~عيسى (4) عن علي بن بذيمة (5) ، عن عكرمة، عن ابن عباس. ومثل هذا الإسناد ~~لا يحتج به باتفاق أهل العلم ; فإن زكريا بن يحيى الكسائي: قال فيه يحيى: " ~~رجل سوء يحدث بأحاديث يستأهل أن يحفر له بئر فيلقى فيها " وقال الدارقطني: ~~" متروك ". وقال ابن عدي: " كان يحدث بأحاديث في مثالب الصحابة " (6) . # الثاني: أن هذا كذب على ابن عباس، والمتواتر عنه أنه كان يفضل عليه أبا ~~بكر وعمر، وله معايبات يعيب بها عليا، ويأخذ عليه في أشياء من PageV07P232 # أموره، حتى إنه لما حرق الزنادقة الذين ادعوا فيه الإلهية قال: لو كنت ~~أنا لم أحرقهم، لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعذب بعذاب الله، ~~ولضربت أعناقهم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «من بدل دينه ~~فاقتلوه» " رواه البخاري وغيره (1) . ولما بلغ عليا ذلك قال: ويح أم ابن ~~عباس. # ومن الثابت عن ابن عباس أنه كان يفتي - إذا لم يكن معه نص ms1703 - بقول أبي بكر ~~وعمر. فهذا اتباعه لأبي بكر وعمر، وهذه معارضته لعلي. # وقد ذكر غير واحد، منهم الزبير بن بكار مجاوبته لعلي لما أخذ ما أخذ من ~~مال البصرة، فأرسل إليه رسالة فيها تغليط عليه، فأجاب عليا (2) بجواب يتضمن ~~أن ما فعلته دون ما فعلته من سفك دماء المسلمين على الإمارة ونحو ذلك. # الثالث: أن هذا الكلام ليس فيه مدح لعلي ; فإن الله كثيرا ما يخاطب الناس ~~بمثل هذا في مقام عتاب، كقوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا ~~تفعلون - كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} [سورة الصف: 2 - 3] ، ~~فإن كان علي رأس هذه الآية ; فقد وقع منه هذا الفعل الذي أنكره الله وذمه. # وقال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون ~~إليهم بالمودة} [سورة الممتحنة: 1] . وثبت في الصحاح أنها نزلت في حاطب بن ~~أبي بلتعة لما كاتب المشركين بمكة، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~عليا والزبير ليأتيا بالمرأة (3) التي كان معها الكتاب (4) ، وعلي كان ~~بريئا PageV07P233 # من ذنب حاطب، فكيف يجعل رأس المخاطبين الملامين على هذا الذنب؟ ! # وقال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا ~~تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا} [سورة ~~النساء: 94] . وهذه الآية نزلت في الذين وجدوا رجلا في غنيمة له، فقال: إني ~~مسلم، فلم يصدقوه وأخذوا غنمه، فأمرهم الله - سبحانه وتعالى - بالتثبت ~~والتبين، ونهاهم عن تكذيب مدعي الإسلام طمعا في دنياه. وعلي - رضي الله عنه ~~- بريء من ذنب هؤلاء، فكيف يقال هو رأسهم؟ ! وأمثال هذا كثير في القرآن. # الرابع: هو ممن شمله لفظ الخطاب، وإن لم يكن هو سبب الخطاب، فلا ريب أن ~~اللفظ شمله كما يشمل (1) غيره. وليس في لفظ الآية تفريق بين مؤمن ومؤمن. # الخامس: أن قول القائل عن بعض الصحابة: أنه رأس الآيات وأميرها وشريفها ~~وسيدها، كلام لا حقيقة له. فإن أريد أنه أول من خوطب بها، فليس كذلك ; فإن ~~الخطاب يتناول المخاطبين تناولا واحدا، لا يتقدم ms1704 بعضهم بما تناوله عن بعض. # وإن قيل: إنه أول من عمل بها، فليس كذلك ; فإن في الآيات آيات قد عمل بها ~~من قبل علي، وفيها آيات لم يحتج علي أن يعمل بها. # وإن قيل: إن تناولها لغيره أو عمل غيره بها مشروط به، كالإمام في الجمعة، ~~فليس الأمر كذلك، فإن شمول الخطاب لبعضهم ليس مشروطا PageV07P234 # بشموله لآخرين، ولا وجوب العمل على بعضهم مشروط على آخرين بوجوبه. # وإن قيل: إنه أفضل من عني بها، فهذا يبنى على كونه أفضل الناس. فإن ثبت ~~ذلك فلا حاجة إلى الاستدلال بهذه الآية، وإن لم يثبت لم يجز الاستدلال بها، ~~فكان الاستدلال بها باطلا على التقديرين. # وغاية ما عندكم أن تذكروا أن ابن عباس كان يفضل عليا، وهذا مع أنه (1) ~~هذا كذب على ابن عباس، وخلاف المعلوم عنه، فلو قدر أنه قال ذلك - مع مخالفة ~~جمهور الصحابة - لم يكن حجة. # السادس: أن قول القائل: لقد عاتب الله أصحاب محمد في القرآن وما ذكر عليا ~~إلا بخير، كذب معلوم ; فإنه لا يعرف أن الله عاتب أبا بكر في القرآن، بل ~~ولا أنه ساء رسول (2) الله - صلى الله عليه وسلم -، بل روي عنه - عليه ~~الصلاة والسلام - أنه قال في خطبته: " «أيها الناس، اعرفوا لأبي بكر حقه ; ~~فإنه لم يسؤني يوما قط» " (3) . # والثابت من الأحاديث الصحيحة يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~كان ينتصر لأبي بكر، وينهى الناس عن معارضته، ولم ينقل أنه ساءه، كما نقل ~~ذلك عن غيره، فإن عليا لما خطب بنت أبي جهل خطب النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- الخطبة المعروفة (4) ، وما حصل مثل هذا في حق أبي بكر قط. PageV07P235 # وأيضا فعلي لم يكن يدخل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأمور ~~العامة كما كان يدخل معه أبو بكر، مثل المشاورة في ولايته وحروبه وإعطائه ~~وغير ذلك، فإن أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - كانا مع النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - مثل الوزيرين له، شاورهما (1) في أسرى بدر ما يصنع بهم، ~~وشاورهما ms1705 (2) في وفد بني تميم لمن يولي عليهم، وشاورهما (3) في غير ذلك من ~~الأمور العامة يخصهما بالشورى. # وفي الصحيحين عن علي أن عمر لما مات قال له: " والله إني لأرجو أن يحشرك ~~الله مع صاحبيك ; فإني كنت كثيرا ما أسمع من رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - يقول: " «دخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، وذهبت ~~أنا وأبو بكر وعمر» " (4) . # وكان يشاور أبا بكر (5) بأمور حروبه يخصه، كما شاوره في قصة الإفك، كما ~~(6) استشار أسامة بن زيد، وكما سأل بريرة. وهذا أمر يخصه ; فإنه لما اشتبه ~~عليه أمر عائشة - رضي الله عنها -، وتردد هل يطلق لما بلغه عنها أم يمسكها، ~~صار يسأل عنها بريرة لتخبره بباطن أمرها، ويشاور فيها عليا: أيمسكها أم ~~يطلقها؟ فقال له أسامة: «أهلك ولا نعلم إلا خيرا» ، وقال علي: «لم يضيق ~~الله عليك، والنساء سواها كثير، واسأل الجارية تصدقك» . ومع PageV07P236 # هذا فنزل القرآن ببراءتها وإمساكها، موافقة لما أشار به أسامة بن زيد حب ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) ، وكان عمر يدخل في مثل هذه الشورى، ~~ويتكلم مع نسائه فيما يخص النبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى قالت له أم ~~سلمة: يا عمر لقد دخلت في كل شيء حتى دخلت بين رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - وبين نسائه. # وأما الأمور العامة الكلية التي تعم المسلمين، إذا لم يكن فيها وحي خاص، ~~فكان يشاور فيها أبا بكر وعمر، وإن دخل غيرهما في الشورى، لكن هما الأصل في ~~الشورى، وكان عمر تارة ينزل القرآن بموافقته فيما يراه، وتارة يتبين له ~~الحق في خلاف ما رآه فيرجع عنه. # وأما أبو بكر فلم يعرف أنه أنكر عليه شيئا (2) ، ولا كان أيضا يتقدم في ~~شيء، اللهم إلا لما تنازع هو وعمر فيمن يولى من بني تميم، حتى ارتفعت ~~أصواتهما، فأنزل الله هذه الآية: {ياأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم ~~فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول} الآية [سورة الحجرات: 2] ، وليس تأذي ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك بأكثر ms1706 من تأذيه في قصة فاطمة. # وقد قال تعالى: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله} [سورة الأحزاب: 23] . ~~وقد أنزل الله تعالى في علي: {ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم ~~سكارى حتى تعلموا ما تقولون} [سورة النساء: 43] لما صلى فقرأ وخلط (3) . ~~PageV07P237 # «وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} لما ~~قال له ولفاطمة: " ألا تصليان؟ " فقال: إنما أنفسنا بيد الله - سبحانه ~~وتعالى» - " (1) . ### | [فصل البرهان التاسع والعشرون " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (2) : " البرهان التاسع والعشرون: قوله تعالى PageV07P238 # : {إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه ~~وسلموا تسليما} [سورة الأحزاب: 56] من صحيح البخاري عن كعب بن عجرة قال: ~~«سألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا (1) : يا رسول الله، كيف ~~الصلاة عليكم أهل البيت، فإن الله علمنا كيف نسلم؟ قال: " قولوا: اللهم صل ~~على محمد وعلى آل محمد ". وفي صحيح (2) مسلم: قلنا: يا رسول الله، أما ~~السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ فقال: " قولوا اللهم صل على ~~محمد وعلى آل محمد (3) ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم» . ولا شك ~~أن عليا أفضل آل محمد، فيكون أولى بالإمامة ". # والجواب: أنه لا ريب أن هذا الحديث صحيح متفق عليه، وأن عليا من آل محمد ~~الداخلين في قوله: " «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد» " (4) ، ولكن ليس ~~هذا من خصائصه ; فإن جميع بني هاشم داخلون في هذا، كالعباس وولده والحارث ~~بن عبد المطلب وولده (5) ، وكبنات النبي - صلى الله عليه وسلم - زوجتي ~~عثمان: رقية وأم كلثوم، وبنته فاطمة. وكذلك PageV07P239 # أزواجه، كما في الصحيحين عنه قوله: " «اللهم صل على محمد وعلى أزواجه ~~وذريته» " (1) بل يدخل فيه سائر أهل بيته إلى يوم القيامة، ويدخل فيه إخوة ~~علي كجعفر وعقيل. # ومعلوم أن دخول هؤلاء في الصلاة والتسليم لا يدل على أنه أفضل من كل من ~~لم يدخل في ذلك، ولا أنه يصلح بذلك للإمامة، فضلا عن أن ms1707 يكون مختصا بها، ~~ألا ترى أن عمارا والمقداد وأبا ذر وغيرهم ممن اتفق [أهل] السنة (2) ~~والشيعة على فضلهم لا يدخلون في الصلاة على الآل، ويدخل فيها (3) عقيل ~~والعباس وبنوه، وأولئك أفضل من هؤلاء باتفاق [أهل] (4) السنة والشيعة، ~~وكذلك يدخل فيها عائشة وغيرها من أزواجه، ولا تصلح امرأة للإمامة، وليست ~~أفضل الناس باتفاق أهل السنة والشيعة، فهذه فضيلة مشتركة بينه وبين غيره، ~~وليس كل من اتصف بها أفضل ممن لم يتصف بها. # وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «خير القرون ~~القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم» " (5) . التابعون أفضل من القرن ~~الثالث. # وتفضيل الجملة على الجملة لا يستلزم تفصيل الأفراد على كل فرد ; فإن ~~القرن الثالث والرابع فيهم من هو أفضل من كثير ممن أدرك الصحابة، ~~PageV07P240 # كالأشتر النخعي وأمثاله من رجال الفتن، وكالمختار بن أبي عبيد (1) ~~وأمثاله من الكذابين والمفترين ; والحجاج بن يوسف وأمثاله من أهل الظلم ~~والشر. # وليس علي أفضل أهل البيت، بل أفضل أهل البيت رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم -، فإنه داخل في أهل البيت. # كما قال للحسن: " «أما علمت أنا أهل بيت لا نأكل الصدقة» " (2) وهذا ~~الكلام يتناول المتكلم ومن معه. # وكما قالت الملائكة: {رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت} [سورة هود: 73] ~~وإبراهيم فيهم. # وكما قال: " «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ; كما صليت على إبراهيم وآل ~~إبراهيم» "، [وإبراهيم] (3) داخل فيهم. # وكما في قوله تعالى: {إلا آل لوط نجيناهم} [سورة القمر: 34] ، فإن لوطا ~~دخل فيهم. # وكذلك قوله: {إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على ~~العالمين} [سورة آل عمران: 33] ، فقد دخل إبراهيم في الاصطفاء (4) . ~~PageV07P241 # وكذلك قوله: {سلام على إل ياسين} [سورة الصافات: 130] # [فقد] دخل ياسين في السلام (1) . # وكذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «اللهم صل على آل أبي أوفى» " ~~دخل في ذلك أبو أوفى. (2) # وكذلك قوله: " «لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود» " (3) . # وليس إذا كان علي أفضل أهل البيت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~يجب ms1708 أن يكون أفضل الناس بعده ; لأن بني هاشم أفضل من غيرهم، فإن رسول الله ~~- صلى الله عليه وسلم - منهم، وأما إذا خرج منهم فلا يجب أن يكون أفضلهم ~~بعده أفضل ممن سواهم. # كما أن التابعين إذا كانوا أفضل من تابعي التابعين، وكان فيهم واحد أفضل، ~~لم يجب أن يكون الثاني أفضل من أفضل تابعي التابعين. # بل الجملة إذا فضلت على الجملة، فكان أفضلهما (4) أفضل من الجملة الأخرى، ~~حصل مقصود التفضيل، وما (5) بعد ذلك فموقوف على الدليل. # بل قد يقال: لا يلزم أن يكون أفضلها أفضل من فاضل الأخرى إلا بدليل. ~~PageV07P242 # وفي صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «إن الله ~~اصطفى كنانة من بني (1) إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش ~~بني هاشم (2) ، واصطفاني من بني هاشم» " (3) . فإذا كان جملة قريش أفضل من ~~غيرها (4) لم يلزم أن يكون كل منهم أفضل من غيرهم، بل في سائر العرب وغيرهم ~~من المؤمنين من هو أفضل من أكثر قريش، والسابقون الأولون من قريش نفر ~~معدودون (5) ، وغالبهم إنما أسلموا عام الفتح (6) ، وهم الطلقاء. # وليس كل المهاجرين من قريش، بل المهاجرون من قريش وغيرهم (7) - كابن ~~مسعود الهذلي (8) ، وعمران بن حصين الخزاعي، والمقداد بن الأسود الكندي - ~~وهؤلاء وغيرهم من البدريين أفضل من أكثر بني هاشم، فالسابقون من بني هاشم: ~~حمزة وعلي وجعفر وعبيدة بن الحارث أربعة أنفس. وأهل بدر ثلاثمائة وثلاثة ~~عشر، فمنهم من بني هاشم ثلاثة، وسائرهم أفضل من سائر بني هاشم. # وهذا كله بناء على أن الصلاة والسلام على آل محمد (9) وأهل بيته تقتضي ~~PageV07P243 # أن يكونوا أفضل من سائر أهل البيوت. وهذا مذهب أهل السنة والجماعة الذين ~~يقولون: بنو هاشم أفضل قريش، وقريش أفضل العرب، والعرب أفضل بني آدم. # وهذا هو المنقول عن أئمة السنة، كما ذكره حرب الكرماني عمن لقيهم مثل ~~أحمد وإسحاق وسعيد بن منصور وعبد الله بن الزبير الحميدي وغيرهم. # وذهبت طائفة إلى منع التفضيل بذلك، كما ذكره القاضي أبو بكر، والقاضي أبو ~~يعلى في " المعتمد " وغيرهما ms1709. # والأول أصح ; فإنه قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح (1) ~~أنه قال: " «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، ~~واصطفى هاشما من قريش، واصطفاني من بني هاشم» " (2) . وروي: " إن الله ~~اصطفى بني إسماعيل " وهذا مبسوط في غير هذا الموضع. ### | [فصل البرهان الثلاثون " مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (3) : " البرهان الثلاثون: قوله تعالى: {مرج البحرين يلتقيان ~~- بينهما برزخ لا يبغيان} [سورة الرحمن: 19 - 20] (4) . PageV07P244 # (1) من تفسير الثعلبي وطريق أبي نعيم عن ابن عباس في قوله: {مرج البحرين ~~يلتقيان} (2) قال: علي وفاطمة (3) {بينهما برزخ لا يبغيان} : النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - وآله (4) : {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} [سورة الرحمن: ~~22] : الحسن والحسين (5) ، ولم يحصل لغيره من الصحابة هذه الفضيلة، فيكون ~~أولى بالإمامة " (6) . # والجواب أن هذا وأمثاله إنما يقوله من لا يعقل ما يقول، وهذا بالهذيان ~~أشبه منه بتفسير القرآن، وهو من جنس تفسير الملاحدة والقرامطة الباطنية ~~للقرآن، بل هو شر من كثير منه. والتفسير بمثل هذا طريق للملاحدة على القرآن ~~والطعن فيه (7) ، بل تفسير القرآن بمثل هذا من أعظم القدح فيه والطعن فيه. # ولجهال المنتسبين (8) إلى السنة تفاسير في الأربعة، وهي إن كانت باطلة ~~فهي أمثل من هذا، كقولهم: الصابرين: محمد، والصادقين: أبو بكر، والقانتين: ~~عمر، والمنفقين: عثمان، والمستغفرين بالأسحار: علي. # وكقوله: محمد رسول الله، والذين معه: أبو بكر، أشداء على الكفار: عمر، ~~رحماء بينهم: عثمان، تراهم ركعا سجدا: علي. PageV07P245 # وكقولهم: والتين: أبو بكر، والزيتون: عمر، وطور سينين: عثمان، وهذا البلد ~~الأمين: علي. # وكقولهم: {والعصر - إن الإنسان لفي خسر - إلا الذين آمنوا} : أبو بكر ~~{وعملوا الصالحات} : عمر، {وتواصوا بالحق} : عثمان {وتواصوا بالصبر} علي. # فهذه التفاسير من جنس [تلك] (1) التفاسير، وهي أمثل من إلحادات الرافضة ~~كقولهم: {وكل شيء أحصيناه في إمام مبين} [سورة يس:] علي، وكقولهم: {وإنه في ~~أم الكتاب لدينا لعلي حكيم} [سورة الزخرف: 4] : إنه علي بن أبي طالب، ~~{والشجرة الملعونة في القرآن} [سورة الإسراء: 60] : بنو أمية، وأمثال هذا ~~الكلام الذي لا يقوله ms1710 (2) من يرجو لله وقارا، ولا يقوله من (3) يؤمن بالله ~~وكتابه. # وكذلك قول القائل: {مرج البحرين يلتقيان} [سورة الرحمن: 19] : علي ~~وفاطمة، {بينهما برزخ لا يبغيان} [سورة الرحمن: 20] النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -، {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} [سورة الرحمن: 22] : الحسن والحسين. ~~وكل من له أدنى علم وعقل يعلم بالاضطرار بطلان هذا التفسير، وأن ابن عباس ~~لم يقل هذا. # وهذا من (4) التفسير الذي في تفسير الثعلبي، وذكره بإسناد رواته مجهولون ~~لا يعرفون، عن سفيان الثوري. وهو كذب على سفيان. قال PageV07P246 # : " الثعلبي أخبرني الحسن بن محمد الدينوري، حدثنا موسى بن محمد بن علي ~~بن عبد الله، قال: قرأ أبي على أبي محمد (1) بن الحسن بن علوية القطان من ~~كتابه وأنا أسمع، حدثنا بعض أصحابنا، حدثنا رجل من أهل مصر يقال له طسم، ~~حدثنا أبو حذيفة، عن أبيه، عن سفيان الثوري في قوله: {مرج البحرين يلتقيان ~~- بينهما برزخ لا يبغيان} قال: فاطمة وعلي، {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} : ~~الحسن والحسين. # وهذا الإسناد ظلمات بعضها فوق بعض، لا يثبت بمثله شيء. # ومما يبين كذب ذلك وجوه: أحدهما: أن هذا في سورة الرحمن، وهي مكية بإجماع ~~المسلمين، والحسن والحسين إنما ولدا بالمدينة. # الثاني: أن تسمية هذين بحرين، وهذا لؤلؤا، وهذا مرجانا، وجعل النكاح مرجا ~~- أمر لا تحتمله لغة العرب بوجه، لا حقيقة ولا مجازا، بل كما أنه كذب على ~~الله وعلى القرآن، فهو كذب على اللغة (2) . # الثالث: أنه ليس في هذا شيء زائد على ما يوجد في سائر بني آدم، فإن كل من ~~تزوج امرأة وولد لهما ولدان * فهما من هذا الجنس، فليس في ذكر PageV07P247 # هذا ما يستعظم من قدرة الله وآياته، إلا ما في نظائره من خلق الآدميين * ~~(1) فلا موجب (2) للتخصيص، وإن كان ذلك لفضيلة الزوجين والولدين، فإبراهيم ~~وإسحاق ويعقوب أفضل من علي. # وفي الصحيح «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل: أي الناس أكرم؟ فقال: ~~" أتقاهم ". فقالوا: ليس عن هذا نسألك. فقال: " يوسف نبي الله، ابن يعقوب ~~نبي الله ابن إسحاق نبي الله ابن إبراهيم خليل ms1711 الله» " (3) . # وآل إبراهيم الذين أمرنا أن نسأل لمحمد وأهل بيته من الصلاة مثل ما صلى ~~الله عليهم، ونحن - وكل مسلم - نعلم أن آل إبراهيم أفضل من آل علي، لكن ~~محمد أفضل من إبراهيم. * ولهذا ورد هنا سؤال مشهور، وهو أنه إذا كان محمد ~~أفضل، فلم (4) قيل: كما صليت على إبراهيم * (5) (6) ، والمشبه دون المشبه ~~به. # وقد أجيب عن ذلك بأجوبة: منها: أن يقال: إن آل إبراهيم فيهم الأنبياء، ~~ومحمد (7) فيهم. قال ابن عباس: محمد من آل إبراهيم. فمجموع آل إبراهيم ~~بمحمد أفضل من آل محمد، ومحمد قد دخل في الصلاة على PageV07P248 # آل إبراهيم، ثم طلبنا له من الله ولأهل بيته مثل ما صلى على آل إبراهيم، ~~فيأخذ أهل بيته ما يليق بهم، ويبقى سائر ذلك لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، ~~فيكون قد طلب له من الصلاة ما جعل (1) للأنبياء من آل إبراهيم. والذي يأخذه ~~الفاضل من أهل بيته لا يكون مثلما يحصل لنبي، فتعظم الصلاة عليه بهذا ~~الاعتبار، - صلى الله عليه وسلم -. وقيل: إن التشبيه (2) في الأصل لا في ~~القدر. # الرابع: أن الله ذكر أنه مرج البحرين في آية أخرى، فقال في الفرقان: {وهو ~~الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج} [سورة الفرقان: 53] فلو أريد ~~بذلك علي (3) وفاطمة لكان ذلك ذما لأحدهما، وهذا باطل (4) بإجماع أهل السنة ~~والشيعة. # الخامس: أنه قال: {بينهما برزخ لا يبغيان} فلو أريد بذلك علي وفاطمة ; ~~لكان البرزخ الذي هو النبي - صلى الله عليه وسلم - بزعمهم - أو غيره هو ~~المانع لأحدهما أن يبغي على الآخر. وهذا بالذم أشبه منه بالمدح. # السادس: أن أئمة التفسير متفقون على خلاف هذا، كما ذكره ابن جرير وغيره. ~~فقال ابن عباس: بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان كل عام. وقال الحسن: مرج ~~البحرين، يعني بحر فارس والروم، بينهما برزخ: هو الجزائر (5) . PageV07P249 # وقوله: {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} [سورة الرحمن: 22] قال الزجاج: إنما ~~يخرج (1) من البحر الملح، وإنما جمعهما لأنه إذا خرج من أحدهما فقد خرج (2) ~~منهما، مثل: {وجعل القمر فيهن نورا} . وقال ms1712 الفارسي: أراد من أحدهما فحذف ~~المضاف. وقال ابن جرير: إنما قال منهما ; لأنه يخرج من أصداف البحر عن قطر ~~السماء. # وأما اللؤلؤ والمرجان ففيهما قولان: أحدهما: أن المرجان ما صغر من ~~اللؤلؤ، واللؤلؤ العظام. قاله الأكثرون، منهم ابن عباس وقتادة والفراء ~~والضحاك. وقال الزجاج: اللؤلؤ اسم جامع للحب الذي يخرج من البحر، والمرجان ~~صغاره. الثاني: أن اللؤلؤ الصغار، والمرجان الكبار. قاله مجاهد والسدي ~~ومقاتل. قال ابن عباس: إذا أمطرت السماء فتحت الأصداف أفواهها، فما وقع ~~فيها من المطر فهو لؤلؤ. وقال ابن جرير (3) : حيث وقعت قطرة كانت لؤلؤة. ~~وقال ابن مسعود: المرجان الخرز الأحمر. وقال الزجاج: المرجان أبيض شديد ~~البياض. وحكي عن أبي يعلى أن المرجان ضرب من اللؤلؤ كالقضبان (4) . ### | [فصل البرهان الحادي والثلاثون " ومن عنده علم الكتاب " والجواب عليه] # فصل. # قال الرافضي (5) : " البرهان الحادي والثلاثون: قوله تعالى: PageV07P250 # {ومن عنده علم الكتاب} [سورة الرعد: 43] . من طريق أبي نعيم (1) عن ابن ~~الحنفية قال: هو علي بن أبي طالب. وفي تفسير الثعلبي عن عبد الله بن سلام ~~قال (2) : قلت: من هذا الذي عنده علم الكتاب؟ قال: ذلك علي بن أبي طالب (3) ~~. وهذا يدل على أنه أفضل، فيكون هو الإمام ". # والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة النقل عن ابن سلام وابن الحنفية. # الثاني: أنه بتقدير ثبوته ليس بحجة مع مخالفة الجمهور لها. # الثالث: أن هذا كذب عليهما. # الرابع: أن هذا باطل قطعا. وذلك أن الله تعالى قال: {قل كفى بالله شهيدا ~~بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب} [سورة الرعد: 43] ، ولو أريد به علي لكان ~~المراد أن محمدا يستشهد (4) على ما قاله بابن عمه علي. ومعلوم أن عليا لو ~~شهد له بالنبوة وبكل ما قال، لم ينتفع محمد بشهادته له، ولا يكون ذلك حجة ~~له على الناس، ولا يحصل بذلك دليل المستدل (5) ، ولا ينقاد بذلك أحد ; ~~لأنهم يقولون: من أين لعلي ذلك؟ وإنما هو استفاد ذلك من محمد، فيكون محمد ~~هو الشاهد لنفسه. # ومنها أن يقال: [إن] (6) هذا ابن عمه ومن أول من آمن ms1713 به، فيظن به ~~PageV07P251 # المحاباة والمداهنة. والشاهد إن لم يكن عالما بما يشهد به، بريئا من ~~التهمة، لم يحكم بشهادته، ولم يكن حجة على المشهود عليه، فكيف إذا لم يكن ~~له علم بها إلا من المشهود له؟ # ومعلوم أنه لو شهد له بتصديقه (1) فيما قاله أبو بكر وعمر وغيرهما، كان ~~أنفع له ; لأن هؤلاء أبعد عن التهمة، ولأن هؤلاء قد يقال: إنهم كانوا رجالا ~~وقد سمعوا من أهل الكتاب ومن الكهان أشياء علموها من غير جهة محمد، بخلاف ~~علي فإنه كان صغيرا، فكان الخصوم يقولون: لا يعلم ما شهد به إلا من جهة ~~المشهود له. # وأما أهل الكتاب فإذا شهدوا بما تواتر عندهم عن الأنبياء وبما علم صدقه ~~(2) كانت تلك (3) شهادة نافعة، كما لو كان الأنبياء موجودين وشهدوا له ; ~~لأن ما ثبت نقله عنهم بالتواتر وغيره كان بمنزلة شهادتهم أنفسهم. # ولهذا نحن نشهد على الأمم بما علمناه من جهة نبينا، كما قال تعالى: ~~{وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم ~~شهيدا} [سورة البقرة: 143] . # فهذا الجاهل الذي جعل هذا فضيلة لعلي قدح بها فيه وفي النبي (4) الذي صار ~~به علي من المؤمنين، وفي الأدلة (5) الدالة على الإسلام. ولا يقول هذا إلا ~~زنديق أو جاهل مفرط في الجهل. PageV07P252 # فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم. # الخامس: أن الله - سبحانه وتعالى - قد ذكر الاستشهاد بأهل الكتاب في غير ~~آية، كقوله تعالى: {قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به} [سورة فصلت: ~~52] ، {وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله} [سورة الأحقاف: 10] أفترى عليا ~~هو من بني إسرائيل؟ # وقال تعالى: {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب ~~من قبلك} [سورة يونس: 94] ، فهل كان علي من الذين يقرءون الكتاب من قبله؟ # وقال: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم} [سورة يوسف: 109] ، ~~{فاسألوا أهل الذكر} [سورة النحل: 43] فهل أهل الذكر (1) الذين (2) ~~يسألونهم هل أرسل الله إليهم (3) رجالا هم علي بن أبي طالب؟ ! # السادس ms1714: أنه لو قدر أن عليا هو الشاهد، لم يلزم أن يكون أفضل من غيره، ~~كما أن أهل الكتاب الذين يشهدون بذلك، مثل عبد الله بن سلام * وسلمان وكعب ~~الأحبار وغيرهم، ليسوا أفضل من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار * ~~(4) ، كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وجعفر وغيرهم (5) . PageV07P253 ### | [فصل البرهان الثاني والثلاثون " يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (1) : " البرهان الثاني والثلاثون: قوله تعالى: {يوم لا يخزي ~~الله النبي والذين آمنوا معه} [سورة التحريم: 8] . روى (2) أبو نعيم مرفوعا ~~إلى ابن عباس قال: أول من يكسى (3) من حلل الجنة: إبراهيم - عليه السلام - ~~بخلته من الله (4) ، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - ; لأنه صفوة الله، ثم ~~علي يزف بينهما إلى الجنان، ثم قرأ ابن عباس: {يوم لا يخزي الله النبي ~~والذين آمنوا معه} قال: علي وأصحابه. وهذا يدل على أنه أفضل من غيره، فيكون ~~هو الإمام ". # والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة النقل (5) ، لا سيما في مثل هذا ~~الذي لا أصل له. PageV07P254 # الثاني: أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث (1) . # الثالث: أن هذا باطل قطعا ; لأن هذا يقتضي (2) أن يكون علي أفضل من ~~إبراهيم ومحمد ; لأنه وسط وهما طرفان. وأفضل الخلق إبراهيم ومحمد، فمن فضل ~~عليهما عليا كان أكفر من اليهود والنصارى. # الرابع: أنه قد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ~~قال: " «أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم» " (3) . وليس فيه ذكر محمد ولا ~~علي. وتقديم إبراهيم بالكسوة لا يقتضي أنه أفضل من محمد مطلقا (4) ، كما أن ~~قوله: " «إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فأجد (5) موسى ~~باطشا (6) بالعرش، فلا أدري هل استفاق قبلي أم كان من الذين استثنى الله» " ~~(7) ، PageV07P255 # فتجويز (1) أن يكون سبقه في الإفاقة أو لم يصعق (2) بحال - لا يمنعنا (3) ~~أن نعلم أن محمدا أفضل من موسى. # ولكن إذا كان التفضيل على وجه الغض من المفضول في النقص له نهي عن ذلك، ~~كما نهى في هذا الحديث عن تفضيله على موسى، وكما ms1715 قال لمن قال: يا خير ~~البرية. قال: " «ذاك إبراهيم» " (4) وصح قوله: " «أنا سيد ولد آدم ولا فخر، ~~آدم فمن دونه تحت لوائي يوم القيامة ولا فخر» " (5) . PageV07P256 # وكذلك الكلام في تفضيل الصحابة يتقى فيه نقص أحد عن رتبته أو الغض من (1) ~~درجته، أو دخول الهوى والفرية في ذلك، كما فعلت الرافضة والنواصب الذين ~~يبخسون بعض الصحابة حقوقهم. # الخامس: أن قوله تعالى: {يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم ~~يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على ~~كل شيء قدير} [سورة التحريم: 8] وقوله: {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى ~~نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار ~~خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم} [سورة الحديد: 12] نص عام في المؤمنين ~~الذين مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وسياق الكلام يدل على عمومه، ~~والآثار المروية في ذلك تدل على عمومه. # قال ابن عباس: ليس أحد من المسلمين إلا يعطى نورا يوم القيامة ; فأما ~~المنافق فيطفأ [نوره] يوم القيامة (2) ، والمؤمن يشفق مما يرى (3) من إطفاء ~~نور المنافق (4) ، فهو يقول: ربنا أتمم لنا نورنا (5) ، فإن العموم (6) في ~~ذلك PageV07P257 # يعلم قطعا ويقينا، وأنه لم يرد به شخص واحد، فكيف يجوز أن يقال: إنه على ~~وحده، ولو أن قائلا قال في كل ما جعلوه عليا أنه أبو بكر أو عمر أو عثمان ~~(1) أي فرق كان بين هؤلاء وهؤلاء إلا محض الدعوى والافتراء (2) ؟ بل يمكن ~~ذكر شبه لمن يدعي اختصاص ذلك بأبي بكر وعمر أعظم من شبه الرافضة التي تدعي ~~اختصاص ذلك بعلي. وحينئذ فدخول علي في هذه الآية كدخول الثلاثة، بل هم أحق ~~بالدخول فيها، فلم يثبت بها أفضليته ولا إمامته (3) . ### | [فصل البرهان الثالث والثلاثون " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (4) : " البرهان الثالث والثلاثون: قوله تعالى: {إن الذين ~~آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية} [سورة البينة: 7] . روى الحافظ ~~أبو نعيم بإسناده إلى ابن عباس لما (5) نزلت هذه الآية قال رسول ms1716 الله - صلى ~~الله عليه وسلم - لعلي (6) : « [تأتي] أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ~~(7) ، ويأتي خصماؤك PageV07P258 # غضابا مفحمين (1) ، وإذا كان خير البرية، وجب أن يكون هو الإمام» ". # والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة النقل، وإن كنا غير مرتابين في ~~كذب ذلك، لكن مطالبة المدعي بصحة النقل لا يأباه إلا معاند. ومجرد رواية ~~أبي نعيم ليست بحجة باتفاق طوائف المسلمين. # الثاني: أن هذا مما هو كذب موضوع باتفاق [العلماء و] أهل المعرفة (2) ~~بالمنقولات. # الثالث: أن يقال: هذا معارض بمن يقول: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم ~~النواصب، كالخوارج وغيرهم (3) . ويقولون: إن من تولاه فهو كافر مرتد، فلا ~~يدخل في الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ويحتجون على ذلك بقوله: {ومن لم يحكم ~~بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [سورة المائدة: 44] قالوا: ومن حكم ~~الرجال في دين الله فقد حكم بغير ما أنزل الله فيكون كافرا، ومن تولى ~~الكافر (4) فهو كافر ; لقوله: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} (5) وقالوا: إنه ~~هو وعثمان ومن تولاهما مرتدون بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ~~«ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، فأقول: أي رب أصحابي أصحابي. ~~فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ ~~فارقتهم» " (6) . PageV07P259 # * قالوا: وهؤلاء هم الذين (1) حكموا في دماء المسلمين وأموالهم بغير ما ~~أنزل الله. # واحتجوا بقوله: " «لا ترجعوا بعدي كفارا * (2) يضرب بعضكم رقاب بعض» " ~~(3) . قالوا: والذين (4) ضرب بعضهم رقاب بعض رجعوا بعده كفارا. # فهذا وأمثاله من حجج الخوارج، وهو وإن كان باطلا بلا ريب فحجج الرافضة ~~أبطل منه، والخوارج أعقل وأصدق وأتبع للحق من الرافضة ; فإنهم صادقون لا ~~يكذبون، أهل دين ظاهرا وباطنا، لكنهم ضالون جاهلون مارقون، مرقوا من ~~الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، وأما الرافضة فالجهل والهوى والكذب غالب ~~عليهم، وكثير من أئمتهم وعامتهم زنادقة ملاحدة، ليس لهم غرض في العلم ولا ~~في الدين، بل: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم ~~الهدى} [سورة النجم: 33] . PageV07P260 # والمروانية الذين قاتلوا (1) عليا، وإن كانوا لا ms1717 يكفرونه، فحججهم أقوى من ~~حجج الرافضة. وقد صنف الجاحظ كتابا للمروانية ذكر فيه من الحجج التي لهم ما ~~لا يمكن الرافضة نقضه، بل لا يمكن الزيدية نقضه، دع الرافضة! # أهل السنة (2) والجماعة لما كانوا معتدلين (3) متوسطين صارت الشيعة تنتصر ~~بهم فيما يقولونه في حق علي من الحق، ولكن أهل السنة قالوا ذلك بأدلة يثبت ~~(4) بها فضل الأربعة وغيرهم من الصحابة، ليس مع أهل السنة ولا غيرهم حجة ~~تخص عليا بالمدح وغيره بالقدح، فإن (5) هذا ممتنع لا ينال إلا بالكذب ~~المحال، لا بالحق المقبول في ميدان النظر والجدال. # الوجه الرابع: أن يقال: قوله: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات} [سورة ~~البينة: 7] عام في كل من اتصف بذلك (6) ، فما الذي أوجب تخصيصه بالشيعة؟ . # فإن قيل (7) ; لأن من سواهم كافر. # قيل: إن ثبت (8) كفر من سواهم بدليل، كان ذلك مغنيا لكم عن هذا التطويل، ~~وإن لم يثبت لم ينفعكم هذا الدليل، فإنه من جهة النقل لا يثبت، فإن أمكن ~~إثباته بدليل منفصل، فذاك هو الذي يعتمد عليه لا هذه الآية. PageV07P261 # الوجه الخامس: أن يقال: من المعلوم المتواتر أن ابن عباس كان يوالي غير ~~شيعة علي أكثر مما يوالي كثيرا من الشيعة، حتى الخوارج كان يجالسهم ويفتيهم ~~ويناظرهم. فلو اعتقد أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم الشيعة فقط، وأن من ~~سواهم كفار، لم يعمل مثل هذا. وكذلك بنو أمية كانت معاملة ابن عباس وغيره ~~لهم من أظهر الأشياء دليلا على أنهم مؤمنون عنده لا كفار (1) . # فإن قيل: نحن لا نكفر من سوى الشيعة، لكن نقول: هم خير البرية. # قيل: الآية تدل على أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم خير البرية، فإن ~~قلتم: إن من سواهم لا يدخل في ذلك، فإما أن تقولوا: هو كافر أو تقولوا: ~~فاسق (2) ، بحيث لا يكون من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، * وإن دخل اسمهم ~~في الإيمان، وإلا فمن كان مؤمنا فليس بفاسق فهو داخل في الذين آمنوا وعملوا ~~الصالحات * (3) . # فإن قلتم: هو فاسق. # قيل لكم: إن ثبت فسقهم كفاكم ذلك في ms1718 الحجة. وإن لم يثبت لم ينفعكم ذلك في ~~الاستدلال، وما تذكرون به فسق (4) طائفة من الطوائف إلا وتلك الطائفة تبين ~~لكم أنكم أولى بالفسق منهم من وجوه كثيرة، وليس لكم حجة صحيحة تدفعون بها ~~هذا. PageV07P262 # والفسق غالب عليكم لكثرة الكذب (1) فيكم والفواحش والظلم، فإن ذلك أكثر ~~فيكم منه في الخوارج وغيرهم من خصومكم. وأتباع بني أمية كانوا أقل ظلما ~~وكذبا وفواحش ممن دخل في الشيعة بكثير، وإن كان في بعض الشيعة صدق ودين ~~وزهد، فهذا في سائر الطوائف أكثر منهم، ولو لم يكن إلا الخوارج الذين قيل ~~فيهم: " «يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع ~~قراءتهم» " (2) . # الوجه السادس: أنه قال قبل ذلك: {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ~~في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية} [سورة البينة: 6] ثم قال: {إن ~~الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية} [سورة البينة: 7] . وهذا ~~يبين أن هؤلاء من سوى المشركين وأهل الكتاب. وفي القرآن مواضع كثيرة ذكر ~~فيها الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وكلها عامة. فما الموجب لتخصيص هذه ~~الآية دون نظائرها؟ . # وإنما دعوى الرافضة - أو غيرهم - من أهل الأهواء الكفر في كثير ممن ~~سواهم، كالخوارج وكثير من المعتزلة والجهمية، [و] أنهم (3) هم الذين آمنوا ~~وعملوا الصالحات دون من سواهم، كقول اليهود والنصارى: {لن يدخل الجنة إلا ~~من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين - بلى ~~من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} ~~[سورة البقرة: 111 - 112] . وهذا عام في كل من عمل PageV07P263 # لله بما أمره الله، فالعمل الصالح هو المأمور به، وإسلام وجهه لله إخلاص ~~قصده لله (1) . ### | [فصل البرهان الرابع والثلاثون " وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (2) : " البرهان الرابع والثلاثون: قوله تعالى: {وهو الذي ~~خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا} [سورة الفرقان: 54] وفي تفسير الثعلبي ~~عن ابن سيرين قال: نزلت في النبي - صلى الله عليه وسلم ms1719 - وعلي بن أبي طالب ~~(3) : زوج فاطمة عليا (4) ، وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا ~~(5) ، ولم يثبت لغيره ذلك، فكان أفضل، فيكون هو الإمام " (6) . # والجواب من وجوه: أولا: المطالبة بصحة النقل. # وثانيا: أن هذا كذب على ابن سيرين بلا شك. # وثالثا: أن مجرد قول ابن سيرين الذي خالفه فيه الناس ليس بحجة. # الرابع: أن يقال: هذه الآية في سورة الفرقان، وهي مكية. وهذا من الآيات ~~المكية باتفاق الناس قبل أن يتزوج علي بفاطمة، فكيف يكون ذلك قد أريد به ~~علي وفاطمة؟ . PageV07P264 # الخامس: أن الآية مطلقة في كل نسب وصهر (1) ، لا اختصاص لها بشخص دون ~~شخص، ولا ريب (2) أنها تتناول مصاهرته لعلي، كما تتناول مصاهرته لعثمان ~~مرتين، كما تتناول مصاهرة أبي بكر وعمر للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر - من ~~أبويهما، وزوج عثمان برقية، وأم كلثوم بنتيه، وزوج عليا بفاطمة، فالمصاهرة ~~(3) ثابتة بينه وبين الأربعة. وروي عنه أنه قال: " «لو كانت عندنا ثالثة ~~لزوجناها عثمان» " (4) وحينئذ فتكون المصاهرة مشتركة بين علي وغيره، فليست ~~من خصائصه، فضلا عن أن توجب أفضليته وإمامته عليهم. # السادس: أنه لو فرض أنه أريد بذلك مصاهرة * علي، فمجرد المصاهرة لا تدل ~~على أنه أفضل من غيره باتفاق [أهل] (5) السنة والشيعة، فإن المصاهرة * (6) ~~ثابتة لكل من الأربعة، مع أن بعضهم أفضل من بعض، فلو كانت المصاهرة توجب ~~الأفضلية للزم التناقض. PageV07P265 ### | [فصل البرهان الخامس والثلاثون " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (1) : " البرهان الخامس والثلاثون: قوله تعالى: {ياأيها ~~الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [سورة التوبة: 119] أوجب الله ~~علينا الكون مع المعلوم منهم الصدق، وليس إلا المعصوم لتجويز الكذب في ~~غيره، فيكون هو عليا ; إذ لا معصوم من الأربعة سواه. وفي حديث أبي نعيم عن ~~ابن عباس أنها نزلت في علي ". # والجواب من وجوه: أحدها: أن الصديق مبالغة في الصادق، فكل صديق صادق وليس ~~كل صادق صديقا ms1720. وأبو بكر - رضي الله عنه - قد ثبت أنه صديق بالأدلة ~~الكثيرة، فيجب أن تتناوله الآية قطعا وأن تكون معه، بل تناولها له أولى من ~~تناولها لغيره من الصحابة. وإذا كنا معه مقرين بخلافته، امتنع أن نقر بأن ~~عليا كان هو الإمام دونه، فالآية تدل على نقيض مطلوبهم. # الثاني: أن يقال: علي إما أن يكون صديقا وإما أن لا يكون، فإن لم يكن ~~صديقا فأبو بكر الصديق، فالكون مع الصادق الصديق أولى من الكون مع الصادق ~~الذي ليس بصديق. وإن كان صديقا فعمر وعثمان أيضا صديقون، وحينئذ فإذا كان ~~الأربعة صديقين، لم يكن علي مختصا PageV07P266 # بذلك، ولا بكونه صادقا، فلا يتعين الكون مع واحد دون الثلاثة. بل لو ~~قدرنا التعارض لكان الثلاثة أولى من الواحد، فإنهم أكثر عددا، لا سيما وهم ~~أكمل في الصدق. # الثالث: أن يقال: هذه الآية نزلت في قصة كعب بن مالك لما تخلف عن غزوة ~~تبوك، وصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - في أنه لم يكن له عذر، وتاب الله ~~عليه ببركة الصدق، وكان جماعة أشاروا عليه بأن يعتذر ويكذب، كما اعتذر غيره ~~من المنافقين وكذبوا. وهذا ثابت في الصحاح والمساند (1) وكتب التفسير ~~والسير، والناس متفقون عليه (2) . # ومعلوم أنه لم يكن لعلي اختصاص في هذه القصة، بل قال كعب بن مالك: " فقام ~~إلي طلحة يهرول فعانقني، والله ما قام إلي من المهاجرين غيره " (3) فكان ~~كعب لا ينساها لطلحة. وإذا كان كذلك بطل حملها على علي وحده. # الوجه الرابع: أن هذه الآية نزلت في هذه القصة، ولم يكن أحد يقال: إنه ~~معصوم، لا علي ولا غيره. فعلم أن الله أراد {مع الصادقين} ولم يشترط كونه ~~معصوما. # الخامس: أنه قال: {مع الصادقين} وهذه صيغة جمع، وعلي واحد، فلا يكون هو ~~المراد وحده. # السادس: أن قوله تعالى: {مع الصادقين} إما أن يراد: كونوا معهم في ~~PageV07P267 # الصدق وتوابعه، فاصدقوا كما يصدق الصادقون، ولا تكونوا مع الكاذبين. كما ~~في قوله: {واركعوا مع الراكعين} [سورة البقرة: 43] ، وقوله: {ومن يطع الله ~~والرسول فأولئك مع ms1721 الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء ~~والصالحين} [سورة النساء: 69] ، وكما في قوله: {فأولئك مع المؤمنين وسوف ~~يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما} [سورة النساء: 146] . # وإما أن يراد به: كونوا مع الصادقين في كل شيء، وإن لم يتعلق (1) بالصدق. # والثاني باطل فإن الإنسان لا يجب عليه أن يكون مع الصادقين في المباحات، ~~كالأكل والشرب واللباس ونحو ذلك. فإذا كان الأول هو الصحيح، فليس في هذا ~~أمر (2) بالكون مع شخص معين، بل المقصود: اصدقوا ولا تكذبوا. # كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: " «عليكم بالصدق ~~; فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر (3) يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل ~~يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا. وإياك والكذب، فإن الكذب يهدي ~~إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب ~~حتى يكتب عند الله كذابا» " (4) . PageV07P268 # وهذا كما يقال: كن مع المؤمنين، كن مع الأبرار. أي ادخل معهم (1) في هذا ~~الوصف وجامعهم عليه، ليس المراد: أنك مأمور بطاعتهم في كل شيء. # الوجه السابع: أن يقال: إذا أريد: كونوا مع الصادقين مطلقا، فذلك لأن ~~الصدق مستلزم لسائر البر، كقول (2) النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم ~~بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر» " الحديث. وحينئذ فهذا وصف ثابت لكل من ~~اتصف به. # الثامن: أن يقال: إن الله أمرنا أن نكون مع الصادقين، ولم يقل: مع ~~المعلوم فيهم الصدق، كما أنه قال: {وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة ~~لله} [سورة الطلاق: 2] لم يقل: من علمتم أنهم ذوو عدل منكم. وكما قال: {إن ~~الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} [سورة النساء: 58] لم يقل: إلى ~~من علمتم أنهم أهلها. وكما قال: {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} ~~[سورة النساء: 58] لم يقل: بما علمتم أنه عدل، لكن علق الحكم بالوصف. # ونحن علينا الاجتهاد بحسب الإمكان في معرفة الصدق والعدالة وأهل الأمانة ~~والعدل، ولسنا مكلفين في ذلك بعلم الغيب. كما أن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - المأمور أن يحكم بالعدل قال ms1722: " «إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن ~~يكون ألحن بحجته من بعض، (3) وإنما أقضي بنحو مما (4) أسمع، فمن قضيت له من ~~حق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له من النار» (5) . PageV07P269 # الوجه التاسع: هب أن المراد: من المعلوم فيهم الصدق، لكن العلم كالعلم في ~~قوله: {فإن علمتموهن مؤمنات} [سورة الممتحنة: 10] والإيمان أخفى من الصدق. ~~فإذا كان العلم المشروط هناك يمتنع أن يقال فيه: ليس إلا العلم بالمعصوم، ~~كذلك هنا يمتنع أن يقال: لا يعلم إلا صدق المعصوم (1) . # الوجه العاشر: هب (2) أن المراد: علمنا صدقه، لكن يقال: إن أبا بكر، ~~وعمر، وعثمان ونحوهم ممن علم صدقهم، وأنهم لا يتعمدون الكذب، وإن جاز عليهم ~~الخطأ أو بعض الذنوب، فإن الكذب أعظم. ولهذا ترد شهادة الشاهد بالكذبة ~~الواحدة في أحد قولي العلماء، وهو إحدى الروايتين عن أحمد. وقد روي في ذلك ~~حديث مرسل (3) . ونحن قد نعلم يقينا أن هؤلاء لم يكونوا يتعمدون الكذب على ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل ولا يتعمدون الكذب بحال. ولا نسلم أنا ~~لا نعلم انتفاء الكذب إلا عمن يعلم أنه معصوم مطلقا، بل كثير من الناس إذا ~~اختبرته تيقنت أنه لا يكذب، وإن كان يخطئ ويذنب ذنوبا أخرى. ولا نسلم أن كل ~~من ليس بمعصوم يجوز أن يتعمد الكذب. # وهذا خلاف الواقع، فإن الكذب لا يتعمده إلا من هو من شر الناس. وهؤلاء ~~الصحابة لم يكن فيهم من يتعمد الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأهل ~~العلم يعلمون بالاضطرار أن مثل مالك، وشعبة، ويحيى بن PageV07P270 # سعيد، والثوري، والشافعي، وأحمد ونحوهم، لم يكونوا يتعمدون الكذب على ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - بل ولا على غيره، فكيف بابن عمر، وابن عباس، ~~وأبى سعيد وغيرهم؟ . # الوجه الحادي عشر: أنه لو قدر أن المراد به: المعصوم لا نسلم الإجماع على ~~انتفاء العصمة من غير (1) علي، كما تقدم بيان ذلك ; فإن كثيرا من الناس ~~الذين هم خير من الرافضة يدعون في شيوخهم هذا المعنى، وإن غيروا عبارته. ~~وأيضا فنحن لا نسلم انتفاء ms1723 عصمتهم مع ثبوت عصمته، بل إما انتفاء الجميع ~~وإما ثبوت الجميع. ### | [فصل البرهان السادس والثلاثون " واركعوا مع الراكعين " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (2) : " البرهان السادس والثلاثون: قوله تعالى: {واركعوا مع ~~الراكعين} [سورة البقرة: 43] من طريق أبي نعيم «عن ابن عباس - رضي الله ~~عنهما (3) -: أنها نزلت في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلي خاصة» ~~(4) ، وهما أول من صلى وركع. وهذا (5) يدل على فضيلته (6) فيدل على إمامته ~~". PageV07P271 # الجواب من وجوه: أحدها: أنا لا نسلم صحة هذا، ولم يذكر دليلا على صحته. # الثاني: أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل العلم والحديث. # الثالث: أن هذه الآية في سورة البقرة، وهي مدنية باتفاق المسلمين، وهي في ~~سياق مخاطبة لبني إسرائيل، وسواء كان الخطاب لهم (1) ، أو لهم وللمؤمنين ~~(2) ، فهو خطاب أنزل بعد الهجرة، وبعد أن كثر المصلون والراكعون، ولم تنزل ~~في أول الإسلام حتى يقال: إنها مختصة بأول من صلى وركع. # الرابع: أن قوله: {مع الراكعين} صيغة جمع، ولو أريد النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - وعلي ; لقيل مع الراكعين، بالتثنية. وصيغة الجمع لا يراد بها ~~اثنان فقط باتفاق الناس، بل إما الثلاثة فصاعدا، وإما الاثنان فصاعدا، وأما ~~إرادة اثنين فقط فخلاف الإجماع. # الخامس: أنه قال لمريم: {اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين} [سورة آل ~~عمران: 43] ومريم كانت قبل الإسلام، (3) فعلم أنه كان راكعون قبل الإسلام ~~(4) ، فليس فيهم علي، فكيف لا يكون راكعون في أول الإسلام ليس فيهم علي ~~وصيغة الاثنين واحدة؟ . PageV07P272 # السادس: أن الآية مطلقة لا تخص شخصا بعينه، بل أمر الرجل المؤمن أن يصلي ~~مع المصلين. وقيل: المراد به الصلاة في الجماعة (1) ; لأن الركعة لا تدرك ~~إلا بإدراك الركوع. # السابع: أنه لو كان المراد الركوع (2) معهما لا نقطع حكمها بموتهما (3) ، ~~فلا يكون أحد مأمورا أن يركع مع الراكعين. # الثامن: أن قول القائل: [علي] (4) أول من صلى مع النبي (5) - صلى الله ~~عليه وسلم - ممنوع. بل أكثر الناس على خلاف ذلك، وإن أبا بكر صلى قبله (6) ~~. # التاسع: أنه لو كان أمرا بالركوع معه، لم يدل ذلك ms1724 على أن من ركع معه يكون ~~هو الإمام، فإن عليا لم يكن إماما مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان ~~يركع معه. ### | [فصل البرهان السابع والثلاثون " واجعل لي وزيرا من أهلي " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (7) : " البرهان السابع والثلاثون: قوله تعالى: {واجعل لي ~~وزيرا من أهلي} [سورة طه: 29] من طريق أبي نعيم عن PageV07P273 # ابن عباس قال: «أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بيد علي وبيدي ونحن ~~بمكة، وصلى أربع ركعات، ورفع (1) يده إلى السماء، فقال: اللهم، موسى بن ~~عمران سألك، وأنا محمد نبيك أسألك أن تشرح لي صدري، وتحلل (2) عقدة من ~~لساني يفقهوا قولي، واجعل لي وزيرا من أهلي، علي بن أبي طالب أخي، اشدد به ~~أزري وأشركه في أمري. قال ابن عباس: سمعت (3) مناديا ينادي: يا أحمد قد ~~أوتيت (4) ما سألت» . وهذا نص في الباب ". # والجواب: المطالبة بالصحة كما تقدم أولا. # الثاني: أن هذا (5) كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث (6) ، بل هم ~~يعلمون أن هذا من أسمج الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. # الثالث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما كان بمكة في أكثر الأوقات ~~لم يكن ابن عباس قد ولد، وابن عباس (7) ولد وبنو هاشم في الشعب PageV07P274 # محصورون، ولما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ابن عباس ~~بلغ سن التمييز، ولا كان ممن يتوضأ ويصلي (1) [مع النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -] (2) ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات (3) وهو لم يحتلم بعد، ~~وكان (4) له عند الهجرة نحو خمس سنين أو أقل منها، وهذا لا يؤمر بوضوء ولا ~~صلاة ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «مروهم بالصلاة لسبع، ~~واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» " (5) ومن يكون بهذا السن ~~لا يعقل الصلاة، ولا يحفظ مثل هذا الدعاء إلا بتلقين، لا يحفظ بمجرد ~~السماع. # الرابع: أنهم قد قدموا في قوله: {إنما وليكم الله ورسوله} [سورة المائدة: ~~55] . وحديث التصدق بالخاتم في الصلاة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا ~~بهذا الدعاء. وهنا قد ذكروا ms1725 أنه قد دعا بهذا الدعاء بمكة قبل تلك (6) ~~الواقعة بسنين متعددة، فإن تلك (7) كانت في سورة المائدة، والمائدة من آخر ~~القرآن نزولا، وهذا في مكة. فإذا (8) كان قد دعا بهذا في مكة وقد استجيب ~~له، فأي حاجة إلى الدعاء به بعد ذلك بالمدينة (9) بسنين متعددة؟ . ~~PageV07P275 # الخامس: أنا قد بينا فيما تقدم (1) وجوها متعددة في بطلان مثل هذا، فإن ~~هذا الكلام كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وجوه كثيرة، ولكن ~~هنا قد زادوا فيه زيادات (2) كثيرة لم يذكروها هناك، وهي قوله: {وأشركه في ~~أمري} [سورة طه: 32] فصرحوا (3) هنا بأن عليا كان شريكه في أمره، كما كان ~~هارون شريك موسى، وهذا قول من يقول بنبوته، وهذا كفر صريح، وليس هو قول ~~الإمامية، وإنما هو من قول الغالية. # وليس الشريك في الأمر هو الخليفة من بعده، فإنهم يدعون إمامته بعده، ~~ومشاركته له في أمره في حياته. وهؤلاء الإمامية وإن كانوا يكفرون من يقول ~~بمشاركته له في النبوة، لكنهم يكثرون سوادهم في المقال والرجال بمن يعتقدون ~~فيه (4) الكفر والضلال، وبما يعتقدون أنه من الكفر والضلال ; لفرط منابذتهم ~~للدين، ومخالفتهم لجماعة المسلمين، وبغضهم لخيار أولياء الله المتقين، ~~واعتقادهم فيهم أنهم من المرتدين. فهم كما قيل في المثل: " رمتني بدائها ~~وانسلت ". # وهذا الرافضي الكذاب يقول: " وهذا نص في الباب ". # فيقال له: يا دبير هذا نص في أن عليا شريكه في أمره في حياته، كما كان ~~هارون شريكا لموسى. فهل تقول بموجب هذا النص؟ أم ترجع عن الاحتجاج بأكاذيب ~~المفترين، وترهات إخوانك المبطلين؟ . PageV07P276 ### | [فصل البرهان الثامن والثلاثون " إخوانا على سرر متقابلين " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (1) : " البرهان الثامن والثلاثون: قوله تعالى: {إخوانا على ~~سرر متقابلين} [سورة الحجر: 47] من مسند أحمد (2) بإسناده إلى زيد بن أبي ~~أوفى قال: «دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسجده، فذكر قصة ~~مؤاخاة (3) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (4) ، فقال علي: لقد ذهبت (5) ~~روحي، وانقطع ظهري، حين فعلت بأصحابك (6) ، فإن كان هذا من سخط الله علي ~~(7) ، فلك العقبى ms1726 (8) والكرامة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ~~والذي بعثني بالحق نبيا، ما اخترتك (9) لا لنفسي، فأنت مني بمنزلة هارون من ~~موسى، إلا أنه لا نبي بعدي (10) ، وأنت أخي PageV07P277 # ووارثي (1) ، وأنت معي في قصري في الجنة، ومع ابنتي فاطمة، فأنت (2) أخي ~~ورفيقي. ثم تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {إخوانا على سرر ~~متقابلين} » ، المتحابين في الله ينظر بعضهم إلى بعض. والمؤاخاة تستدعي ~~المناسبة والمشاكلة، فلما اختص علي بمؤاخاة النبي - صلى الله عليه وسلم (3) ~~- كان هو الإمام ". # والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة هذا الإسناد. وليس هذا الحديث في ~~مسند أحمد، ولا رواه أحمد [قط] (4) لا في المسند ولا في " الفضائل (5) " ~~ولا ابنه (6) . فقول هذا الرافضي: " من مسند أحمد " (7) كذب وافتراء على ~~المسند، وإنما هو من زيادات القطيعي * التي فيها من الكذب الموضوع ما اتفق ~~أهل العلم على أنه كذب موضوع، رواه القطيعي * (8) عن (9) عبد الله بن محمد ~~بن عبد العزيز البغوي، حدثنا حسين بن محمد الذارع، حدثنا عبد المؤمن بن ~~عباد، حدثنا يزيد بن معن، عن عبد الله بن شرحبيل، عن زيد بن أبي أوفى (10) ~~. PageV07P278 # وهذا الرافضي لم يذكره بتمامه فإن فيه عند قوله: «وأنت أخي ووارثي. قال: ~~وما أرث منك يا رسول الله؟ قال: ما ورث الأنبياء من قبلي. قال: وما ورث ~~الأنبياء من قبلك؟ قال: كتاب الله وسنة نبيهم» (1) . # وهذا الإسناد مظلم انفرد (2) به عبد المؤمن بن عباد أحد المجروحين، ضعفه ~~أبو حاتم (3) عن يزيد بن معن، ولا يدري من هو، فلعله الذي اختلقه عن عبد ~~الله بن شرحبيل، وهو مجهول، عن رجل من قريش، عن زيد (4) بن أبي أوفى. # الوجه الثاني: [أن هذا] (5) مكذوب مفترى باتفاق أهل المعرفة. # الثالث: أن أحاديث المؤاخاة بين المهاجرين بعضهم مع بعض، والأنصار بعضهم ~~مع بعض، كلها كذب. والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يؤاخ عليا، ولا آخى ~~بين أبي بكر وعمر، ولا بين مهاجري ومهاجري، لكن آخى بين المهاجرين ~~والأنصار، كما آخى بين عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن الربيع ms1727، وبين سلمان ~~الفارسي، وأبي الدرداء، وبين علي، وسهل بن حنيف. PageV07P279 # وكانت المؤاخاة في دور بني النجار، كما أخبر بذلك أنس في الحديث الصحيح، ~~لم تكن في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ذكر في الحديث الموضوع، ~~وإنما كانت في دار كان لبعض بني النجار (1) ، وبناه في محلتهم. فالمؤاخاة ~~التي أخبر بها أنس ما في الصحيحين عن عاصم بن سليمان الأحول، قال: قلت ~~لأنس: «أبلغت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا حلف في ~~الإسلام ". فقال أنس: قد حالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين قريش ~~والأنصار في داري» (2) . # الرابع: أن قوله في هذا الحديث: «أنت أخي ووارثي» ، باطل على قول أهل ~~السنة والشيعة، فإنه إن أراد ميراث المال بطل قولهم: إن فاطمة ورثته. وكيف ~~يرث ابن العم مع وجود العم وهو العباس؟ وما الذي خصه بالإرث دون سائر بني ~~العم الذين هم في درجة واحدة؟ وإن أراد (3) : وارث (4) العلم والولاية، بطل ~~احتجاجهم بقوله: {وورث سليمان داود} [سورة النمل: 16] وقوله: {فهب لي من ~~لدنك وليا - يرثني} [سورة مريم: 5، 6] ; PageV07P280 # إذ لفظ " الإرث " إذا كان محتملا لهذا ولهذا (1) أمكن أن [أولئك] (2) ~~الأنبياء ورثوا كما ورث علي النبي - صلى الله عليه وسلم -. # وأما أهل السنة فيعلمون أن ما ورثه النبي - صلى الله عليه وسلم - من ~~العلم لم يختص به علي، بل كل (3) من أصحابه حصل له نصيب بحسبه، وليس العلم ~~كالمال، بل الذي يرثه هذا يرثه هذا ولا يتزاحمان (4) ; إذ لا يمتنع أن يعلم ~~هذا ما علمه هذا، كما يمتنع أن يأخذ هذا المال الذي أخذه هذا. # الوجه الخامس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أثبت الأخوة لغير علي، ~~كما في الصحيحين أنه «قال لزيد: " أنت أخونا ومولانا» (5) . «وقال له أبو ~~بكر لما خطب ابنته: ألست أخي؟ قال: " أنا أخوك، وبنتك حلال لي» (6) . وفي ~~الصحيح أنه قال في حق أبي بكر: " «ولكن أخوة الإسلام» " (7) . PageV07P281 # وقال في الصحيح أيضا (1) : " «وددت أن قد رأيت إخواني ". قالوا: أولسنا ~~إخوانك يا رسول الله ms1728؟ قال: " لا، أنتم أصحابي، ولكن إخواني قوم يأتون من ~~بعدي يؤمنون بي ولم يروني " (2) يقول: أنتم لكم من الأخوة ما هو أخص منها، ~~وهو الصحبة، وأولئك لهم أخوة بلا صحبة» . # وقد قال تعالى: {إنما المؤمنون إخوة} [سورة الحجرات: 10] وقال - صلى الله ~~عليه وسلم -: " «لا تقاطعوا ولا تدابروا، ولا تباغضوا ولا تحاسدوا، وكونوا ~~عباد الله إخوانا» ) أخرجاه في الصحيحين (3) . # وقال: " «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه» " (4) .. # وقال: " «والذي نفسي بيده ; لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب ~~لنفسه» " (5) . PageV07P282 # وهذه الأحاديث وأمثالها في الصحاح. وإذا كان كذلك علم أن مطلق المؤاخاة ~~لا يقتضي (1) التماثل من كل وجه، ولا يقتضي المناسبة والمشاكلة من كل وجه، ~~بل من بعض (2) الوجوه. # وإذا كان كذلك فلم قيل: إن مؤاخاة علي لو كانت صحيحة اقتضت الإمامة ~~والأفضلية، مع أن المؤاخاة مشتركة؟ وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~في الصحاح من غير وجه أنه قال: " «لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت ~~أبا بكر خليلا، ولكن صاحبكم خليل الله. لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت، ~~إلا خوخة أبي بكر. إن أمن الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر» " (3) . # وفي هذا إثبات خصائص لأبي بكر لا يشركه (4) فيها أحد [غيره] (5) ، وهو ~~صريح في أنه ليس من أهل الأرض من هو أحب إليه، ولا أعلى منزلة عنده، ولا ~~أرفع درجة، ولا أكثر اختصاصا به من أبي بكر. # * كما في الصحيحين: قيل له: [ «أي الناس أحب إليك؟ قال: " عائشة ". قيل: ~~ومن الرجال؟ قال: " أبوها» " (6) . وفي الصحيحين «عن عمر PageV07P283 # أنه قال: أنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم» - ~~(1) . فهذه الأحاديث التي] * (2) (3) أجمع أهل العلم على صحتها وتلقيها ~~بالقبول، (3 ولم يقدح فيها أحد من العلم (4) تبين أن أبا بكر كان أحب إليه ~~وأعلى عنده من جميع الناس 3) (5) . # وحينئذ فإن كانت المؤاخاة دون هذه المرتبة لم تعارضها، وإن كانت أعلى ~~كانت هذه الأحاديث الصحيحة تدل على كذب أحاديث المؤاخاة، وإن كنا نعلم ms1729 أنها ~~كذب بدون هذه المعارضة. # لكن المقصود أن هذه الأحاديث الصحيحة تبين أن أبا بكر كان أحب إلى رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - من علي، وأعلى قدرا عنده منه ومن كل (6) من ~~سواه، وشواهد هذا كثيرة (7) . # وقد روى بضعة وثمانون نفسا عن علي أنه قال: " خير هذه الأمة بعد نبيها ~~أبو بكر ثم عمر ". رواها البخاري في الصحيح عن علي - رضي الله عنه - (8) . ~~وهذا هو الذي يليق بعلي - رضي الله عنه - فإنه من أعلم الصحابة بحق أبي بكر ~~وعمر، وأعرفهم بمكانهما (9) من الإسلام، وحسن تأثيرهما في الدين، حتى إنه ~~تمنى أن يلقى الله بمثل عمل عمر - رضي الله عنهم أجمعين -. PageV07P284 # وروى الترمذي - وغيره - مرفوعا عن علي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - أنه قال: " «هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين ~~والآخرين، لا تخبرهما يا علي» " (1) .. # وهذا (2) الحديث وأمثاله لو عورض بها أحاديث المؤاخاة وأحاديث الطير ~~ونحوه ; لكانت باتفاق المسلمين أصح منها، فكيف إذا انضم إليها سائر ~~الأحاديث التي لا شك في صحتها؟ مع الدلائل الكثيرة المتعددة، التي توجب ~~علما ضروريا لمن علمها، أن أبا بكر كان أحب الصحابة إلى النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - وأفضل عنده من عمر، وعثمان، وعلي وغيرهم، وكل من كان بسنة رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - وأحواله أعلم كان بهذا أعرف، وإنما يستريب فيه ~~من لا يعرف الأحاديث الصحيحة من الضعيفة ; فأما (3) أن يصدق الكل أو يتوقف ~~في الكل. PageV07P285 # وأما أهل العلم بالحديث الفقهاء فيه فيعلمون هذا علما ضروريا. دع هذا ; ~~فلا ريب أن كل من له في الأمة لسان صدق من علمائها وعبادها متفقون (1) على ~~تقديم أبي بكر وعمر، كما قال الشافعي - رضي الله عنه - فيما نقله عنه ~~البيهقي بإسناده، قال: " لم يختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل أبي ~~بكر، وعمر - رضي الله عنهما - وتقديمهما على جميع الصحابة " (2) . # وكذلك أيضا لم يختلف علماء الإسلام في ذلك، كما هو قول مالك وأصحابه، ~~وأبي حنيفة وأصحابه، وأحمد وأصحابه، وداود وأصحابه ms1730، والثورى وأصحابه، ~~والليث وأصحابه، والأوزاعي وأصحابه، وإسحاق وأصحابه، وابن جرير وأصحابه، ~~وأبي ثور وأصحابه، وكما هو قول سائر العلماء المشهورين، إلا من لا يؤبه له ~~(3) ولا يلتفت إليه. # وما علمت من نقل عنه في ذلك نزاع من أهل الفتيا، إلا ما نقل عن الحسن بن ~~صالح بن حي أنه كان يفضل عليا. وقيل: إن هذا كذب عليه. ولو صح هذا عنه لم ~~يقدح فيما نقله الشافعي (4) من الإجماع ; فإن الحسن بن صالح لم يكن من ~~التابعين ولا من الصحابة. والشافعي ذكر إجماع الصحابة والتابعين على تقديم ~~أبي بكر، ولو قاله الحسن، فإذا أخطأ واحد من مائة ألف إمام أو أكثر، لم يكن ~~ذلك بمنكر. # وليس في شيوخ الرافضة إمام في شيء من علوم الإسلام لا علم PageV07P286 # الحديث ولا الفقه ولا التفسير ولا القرآن، بل شيوخ الرافضة إما جاهل وإما ~~زنديق، كشيوخ أهل الكتاب. # بل السابقون (1) الأولون وأئمة السنة والحديث متفقون على تقديم عثمان، ~~ومع هذا إنهم لم يجتمعوا على ذلك رغبة ولا رهبة، بل مع تباين آرائهم ~~وأهوائهم وعلومهم، واختلافهم وكثرة اختلافاتهم فيما سوى ذلك من مسائل ~~العلم، فأئمة الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم - متفقون على هذا، ثم من ~~بعدهم، كمالك بن أنس، وابن أبي ذئب، وعبد العزيز بن الماجشون، وغيرهم من ~~علماء المدينة. # ومالك يحكي الإجماع عمن لقيه أنهم لم يختلفوا في تقديم أبي بكر وعمر. ~~وابن جريج وابن عيينة وسعد (2) بن سالم ومسلم بن خالد (3) ، وغيرهم من ~~علماء مكة، وأبي حنيفة، والثوري، وشريك بن عبد الله وابن أبي ليلى، وغيرهم ~~من فقهاء الكوفة، وهي دار الشيعة، حتى كان الثوري (4) يقول: من قدم عليا ~~على أبي بكر ما أرى أن يصعد له إلى الله عمل. رواه أبو داود في سننه (5) . # وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وسعيد بن أبي عروبة، وأمثالهم من علماء ~~البصرة، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، وغيرهم من علماء الشام، ~~PageV07P287 # والليث، وعمرو بن الحارث (1) . وابن وهب، وغيرهم من علماء مصر، ثم مثل ~~عبد الله بن المبارك ms1731، ووكيع بن الجراح، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبي يوسف، ~~ومحمد بن الحسن، ومثل الشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم، وأبي ~~عبيد، ومثل البخاري، وأبي داود، وإبراهيم الحربي، ومثل الفضيل بن عياض وأبي ~~سليمان الداراني ومعروف الكرخي، والسري السقطي والجنيد وسهل بن عبد الله ~~التستري، ومن لا يحصي عدده إلا الله، ممن له في الإسلام لسان صدق، كلهم ~~يجزمون بتقديم أبي بكر وعمر، كما يجزمون بإمامتهما، مع فرط اجتهادهم في ~~متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وموالاته. فهل يوجب هذا إلا ما علموه ~~من تقديمه هو لأبي بكر وعمر، وتفضيله لهما بالمحبة والثناء والمشاورة وغير ~~ذلك من أسباب التفضيل. ### | [فصل البرهان التاسع والثلاثون " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (2) .: " البرهان التاسع والثلاثون: قوله تعالى: {وإذ أخذ ~~ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ~~شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين} [سورة الأعراف: 172] ~~(3) في (4) . كتاب " الفردوس " PageV07P288 # لابن شيرويه يرفعه عن حذيفة بن اليمان، قال رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم -: «لو يعلم الناس متى سمي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله، سمي ~~أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد. قال تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم ~~من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم} [سورة الأعراف: 172] (1) ~~. قالت الملائكة: بلى، فقال - تبارك وتعالى - أنا ربكم، ومحمد نبيكم، وعلي ~~أميركم» . وهو صريح في الباب ". # والجواب من وجوه: أحدها: منع الصحة، والمطالبة بتقريرها. وقد أجمع أهل ~~العلم بالحديث على أن مجرد رواية صاحب " الفردوس " لا تدل على أن الحديث ~~صحيح، فابن شيرويه الديلمي الهمذاني ذكر في هذا الكتاب أحاديث كثيرة صحيحة ~~وأحاديث حسنة * وأحاديث موضوعة، وإن كان من أهل العلم والدين، ولم يكن ممن ~~يكذب هو، لكنه نقل ما في كتب الناس، والكتب * (2) . فيها الصدق والكذب، ~~ففعل (3) . كما فعل كثير من الناس في جمع الأحاديث: إما بالأسانيد، وإما ~~محذوفة الأسانيد. # الثاني: أن هذا ms1732 الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث (4) . . ~~PageV07P289 # الثالث: أن الذي في القرآن أنه قال: {ألست بربكم قالوا بلى} ليس فيه ذكر ~~النبي ولا الأمير، وفيه قوله: {أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ~~ذرية من بعدهم} [سورة الأعراف: 173] . فدل على أنه ميثاق التوحيد خاصة ; ~~ليس فيه ميثاق النبوة ; فكيف ما دونها؟ . # الرابع: أن الأحاديث المعروفة في هذا، التي في المسند والسنن والموطأ (1) ~~. وكتب التفسير وغيرها، ليس فيها شيء من هذا. ولو كان ذلك مذكورا في الأصل ~~لم يهمله جميع الناس، وينفرد به من لا يعرف صدقه، بل يعرف أنه كذب. # الخامس: أن الميثاق أخذ على جميع الذرية، فيلزم أن يكون علي أميرا على ~~الأنبياء كلهم، من نوح إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -. وهذا كلام ~~المجانين ; فإن أولئك ماتوا قبل أن يخلق الله عليا، فكيف يكون أميرا عليهم؟ ~~. # وغاية ما يمكن أن يكون أميرا على أهل زمانه. أما الإمارة على من خلق ~~قبله، وعلى من يخلق بعده، فهذا من كذب من لا يعقل ما يقول، ولا يستحي فيما ~~يقول. (2) . # ومن العجب أن هذا الحمار الرافضي الذي (3) . هو أحمر من عقلاء اليهود، ~~الذين قال الله فيهم: {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار ~~يحمل أسفارا} [سورة الجمعة: 5] . والعامة معذورون في PageV07P290 # قولهم: الرافضي حمار اليهودي، وذلك أن عقلاء اليهود يعلمون أن هذا ممتنع ~~عقلا وشرعا، وأن هذا كما يقال: خر عليهم السقف من تحتهم فيقال (1) .: لا ~~عقل ولا قرآن. # وكذلك كون علي أميرا على ذرية آدم كلهم (2) .، وإنما ولد بعد موت آدم ~~بألوف السنين، وأن يكون أميرا على الأنبياء الذين هم متقدمون عليه في ~~الزمان والمرتبة، وهذا من جنس قول ابن عربي الطائي وأمثاله من ملاحدة ~~المتصوفة (3) . الذين يقولون إن الأنبياء كانوا يستفيدون العلم بالله من ~~مشكاة خاتم الأولياء، الذي وجد بعد محمد بنحو ستمائة سنة (4) 206. فدعوى ~~هؤلاء في الإمامة من جنس دعوى هؤلاء في الولاية، وكلاهما يبني أمره على ~~الكذب والغلو والشرك والدعاوي الباطلة، ومناقضة الكتاب والسنة وإجماع ms1733 سلف ~~الأمة. # ثم إن هذا الحمار الرافضي يقول: " وهو صريح في الباب " فهل يكون هذا حجة ~~عند أحد من أولي الألباب؟ أو يحتج بهذا من يستحق (5) . PageV07P291 # أو يؤهل للخطاب؟ فضلا عن أن يحتج به في تفسيق خيار هذه الأمة وتضليلهم ~~وتكفيرهم وتجهيلهم؟ . # ولولا أن هذا المعتدي الظالم قد اعتدى على خيار أولياء الله، وسادات أهل ~~الأرض، خير خلق الله بعد النبيين اعتداء يقدح في الدين، ويسلط الكفار ~~والمنافقين، ويورث الشبه والضعف عند كثير من المؤمنين - لم يكن بنا حاجة ~~إلى كشف أسراره، وهتك أستاره، والله حسيبه وحسيب أمثاله. ### | [فصل البرهان الأربعون " فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين " والجواب عليه] # فصل # قال الرافضي (1) .: " البرهان الأربعون: قوله تعالى: {فإن الله هو مولاه ~~وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير} [سورة التحريم: 4] أجمع ~~المفسرون أن صالح المؤمنين هو علي (2) . . روى أبو نعيم بإسناده إلى أسماء ~~بنت عميس، قالت: «سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ هذه الآية: ~~{وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين} [قال: صالح ~~المؤمنين] (3) . علي بن أبي طالب» ، واختصاصه PageV07P292 # بذلك يدل على أفضليته (1) .، فيكون هو الإمام. والآيات في هذا (2) . ~~المعنى كثيرة، اقتصرنا على ما ذكرنا (3) . للاختصار ". # والجواب من وجوه: أحدها: قوله: " أجمع المفسرون على أن صالح المؤمنين هو ~~علي " كذب مبين، فإنهم لم يجمعوا على هذا، ولا نقل الإجماع على هذا أحد من ~~علماء التفسير، ولا علماء الحديث ونحوهم. ونحن نطالبهم بهذا النقل، ومن نقل ~~هذا الإجماع؟ . # الثاني: أن يقال: كتب التفسير مملوءة بنقيض هذا. قال ابن مسعود: وعكرمة ~~ومجاهد والضحاك وغيرهم: هو أبو بكر وعمر. وذكر هذا جماعة من المفسرين، كابن ~~جرير الطبري وغيره. # وقيل: هو أبو بكر، رواه مكحول عن أبي أمامة. # وقيل: عمر، قاله سعيد بن جبير ومجاهد. # وقيل: خيار المؤمنين، قاله الربيع بن أنس. # وقيل: هم الأنبياء، قاله قتادة والعلاء بن زياد وسفيان. # وقيل: هو علي، حكاه الماوردي، ولم يسم قائله، فلعله بعض الشيعة (4) . . ~~PageV07P293 # الثالث: أن يقال: لم يثبت [هذا] (1) . القول ms1734 بتخصيص علي به عمن قوله حجة. ~~والحديث المذكور كذب موضوع، وهو لم يذكر دلالة على صحته (2) . . ومجرد ~~رواية أبي نعيم له لا تدل على الصحة. # الرابع: أن يقال: قوله: {وصالح المؤمنين} اسم يعم كل صالح من المؤمنين، ~~كما في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن آل أبي فلان ~~ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين» " (3) . # الخامس: أن يقال: إن الله جعل في هذه الآية صالح المؤمنين مولى (4) . ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما أخبر أن الله مولاه، والمولى يمنع أن ~~يراد به الموالى عليه (5) .، فلم يبق المراد به إلا الموالي. # ومن المعلوم أن كل من كان صالحا من المؤمنين كان مواليا للنبي - صلى الله ~~عليه وسلم - قطعا، فإنه [لو] لم يواله (6) . لم يكن من صالح المؤمنين، بل ~~قد يواليه المؤمن وإن لم يكن صالحا، لكن لا تكون موالاة كاملة. وأما الصالح ~~فيواليه موالاة كاملة، فإنه إذا كان صالحا أحب ما أحبه الله ورسوله، وأبغض ~~ما أبغضه الله ورسوله، وأمر بما أمر به الله ورسوله، ونهى عما نهى الله عنه ~~ورسوله. وهذا يتضمن الموالاة. PageV07P294 # وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابن عمر: " «إن عبد الله رجل ~~صالح لو كان يصلي من الليل» " فما نام بعدها (1) . . # وقال عن أسامة بن زيد: " «إنه من صالحيكم، فاستوصوا به خيرا» " (2) . # وأما قوله: " والآيات في هذا المعنى كثيرة " (3) . فغايته أن يكون ~~المتروك من جنس المذكور، والذي ذكره خلاصة ما عندهم، وباب الكذب لا ينسد. ~~ولهذا كان من الناس من يقابل كذبهم بما يقدر عليه من الكذب (4) .، ولكن ~~الله يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، وللكذابين الويل مما ~~يصفون PageV07P295 # وما ذكر وقال: " أريد به علي " إذا ذكر أنه أريد به أبو بكر أو عمر أو ~~عثمان، لم يكن هذا القول بأبعد من قولهم، بل يرجح على قوله، لا سيما في ~~مواضع كثيرة. # وإذا (1) . قال: فهذا لم يقله أحد، بخلاف قولنا. # كان الجواب من وجهين: أحدهما: أن هذا ms1735 ممنوع، بل من الناس من يخص أبا بكر ~~وعمر ببعض ما ذكره من الآيات وغيرهما. # الثاني: أن قول القائل: خص هذا بواحد من الصحابة، إذا أمكن غيره أن يخصه ~~بآخر، تكون حجته من جنس حجته، فإنه يدل على فساد قوله. وإن كان لم يقله، ~~فإن الإنسان إذا كذب كذبة [لم] (2) يمكن مقابلتها بمثلها (3) .، ولم يمكنه ~~دفع هذا إلا بما يدفع به قوله، ووجب: إما تصديق الاثنين، وإما كذب الاثنين. # كالحكاية المشهورة عن قاسم بن زكريا المطرز، قال: دخلت على بعض الشيعة - ~~وقد قيل: إنه عباد بن يعقوب - فقال لي: من حفر البحر؟ فقلت: الله تعالى. ~~فقال: تقول من حفره؟ قلت: من حفره؟ قال: علي بن أبي طالب. قال: من جعل فيه ~~الماء؟ قلت: الله. قال: تقول من هو الذي جعل فيه الماء؟ قلت: من هو؟ قال: ~~الحسن. قال: فلما أردت أن أقوم، قال: " من حفر البحر؟ قلت: معاوية، قال: ~~ومن [الذي] (4) . جعل فيه الماء؟ قلت: يزيد. فغضب من ذلك وقام. PageV07P296 # وكان غرض القاسم أن يقول: هذا القول مثل قولك، وأنت تكره ذلك وتدفعه، ~~وبما به يدفع ذلك يدفع به قولك (1) . . # وكذلك ما تذكره الناس من المعارضات لتأويلات القرامطة والرافضة ونحوهم. ~~كقولهم في قوله: {فقاتلوا أئمة الكفر} [سورة التوبة: 12] طلحة والزبير وأبو ~~بكر وعمر ومعاوية. فيقابل هذا بقول الخوارج: إنهم علي والحسن والحسين. وكل ~~هذا باطل، لكن الغرض أنهم يقابلون بمثل حجتهم، والدليل على فسادها يعم ~~النوعين، فعلم بطلان الجميع. ### | المنهج الثالث عند الرافضي في الأدلة المستندة إلى السنة على إمامة علي رضي الله عنه ### | [الأول لما نزل قوله تعالى وأنذر عشيرتك الأقربين جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب] # فصل # قال الرافضي: (2) " المنهج الثالث في الأدلة المستندة (3) . إلى السنة ~~المنقولة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي اثنا عشر. # الأول: «ما نقله الناس كافة أنه لما نزل قوله تعالى: {وأنذر عشيرتك ~~الأقربين} [سورة الشعراء: 214] جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني ~~عبد المطلب في دار أبي ms1736 طالب (4) ، وهم أربعون رجلا وأمر أن يصنع لهم فخذ ~~شاة (5) . مع مد من البر (6) . ويعد لهم PageV07P297 # صاع (1) . من اللبن، وكان الرجل منهم يأكل الجذعة في مقعد واحد، ويشرب ~~الفرق (2) . من الشراب في ذلك المقام، فأكلت الجماعة كلهم (3) . من ذلك ~~[الطعام] (4) . اليسير حتى شبعوا، ولم يتبين ما أكلوه (5) .، فبهرهم [النبي ~~- صلى الله عليه وسلم -] بذلك (6) .، وتبين لهم آية نبوته (7) .، فقال (8) ~~.: يا بني عبد المطلب، إن الله بعثني [بالحق] (9) . إلى الخلق كافة، وبعثني ~~إليكم خاصة، فقال: {وأنذر عشيرتك الأقربين} وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين ~~على اللسان، ثقيلتن في الميزان، تملكون بهما) (10) . العرب والعجم، وتنقاد ~~(11) . لكم بهما (12) . الأمم، وتدخلون بهما الجنة، وتنجون بهما من النار: ~~شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فمن يجبني إلى هذا الأمر، ~~ويؤازرني على القيام به يكن PageV07P298 # أخي ووزيري، ووصيي (1) . ووارثي، وخليفتي من بعدي. فلم يجبه أحد منهم. ~~فقال أمير المؤمنين: أنا يا رسول الله أؤازرك (2) . على هذا الأمر. فقال: ~~اجلس. ثم أعاد القول على القوم ثانية (3) . فصمتوا. فقال علي: فقمت (4) . ~~فقلت مثل مقالتي الأولى، فقال: اجلس، ثم أعاد القول ثالثة (5) .، فلم ينطق ~~أحد منهم بحرف، فقمت فقلت: أنا أؤازرك يا رسول الله على هذا الأمر. فقال: ~~اجلس فأنت أخي ووزيري. ووصيي (6) . ووارثي، وخليفتي من بعدي. فنهض القوم ~~وهم يقولون لأبي طالب: ليهنئك (7) . اليوم أن دخلت في دين ابن أخيك، فقد ~~جعل ابنك أميرا (8) . عليك» . # والجواب من وجوه: الأول: المطالبة بصحة النقل. وما ادعاه من نقل الناس ~~كافة من أظهر الكذب عند أهل العلم بالحديث (9) .، فإن هذا الحديث ليس في ~~شيء من كتب المسلمين التي يستفيدون منها علم النقل: لا في الصحاح ولا في ~~المساند) (10) . والسنن والمغازي والتفسير التي PageV07P299 # يذكر فيها الإسناد الذي يحتج به (1) .، وإذا كان في بعض كتب التفسير التي ~~ينقل منها (2) . الصحيح والضعيف، مثل تفسير الثعلبي والواحدي والبغوي، بل ~~وابن جرير وابن أبي حاتم، لم يكن مجرد رواية واحد من هؤلاء دليلا على صحته ~~باتفاق أهل العلم ; فإنه إذا عرف أن تلك المنقولات ms1737 فيها صحيح وضعيف، فلا بد ~~من بيان أن هذا المنقول من قسم الصحيح دون الضعيف. # وهذا الحديث غايته أن يوجد في بعض (3) . كتب التفسير التي فيها الغث ~~والسمين، وفيها أحاديث كثيرة موضوعة مكذوبة، مع أن كتب التفسير التي يوجد ~~(4) فيها هذا (5) . مثل (6) . تفسير ابن جرير، وابن أبي حاتم، والثعلبي، ~~والبغوي، ينقل فيها بالأسانيد الصحيحة ما يناقض هذا، مثل بعض المفسرين ~~الذين ذكروا هذا في سبب نزول الآية، فإنهم ذكروا * مع ذلك بالأسانيد ~~الصحيحة الثابتة التي اتفق أهل العلم على صحتها ما يناقض ذلك، ولكن هؤلاء ~~المفسرون ذكروا * (7) . ذلك على عادتهم في أنهم ينقلون ما ذكر في سبب نزول ~~الآية من المنقولات الصحيحة والضعيفة، ولهذا يذكر أحدهم في سبب نزول الآية ~~عدة أقوال ; ليذكر PageV07P300 # أقوال الناس وما نقلوه فيها، وإن كان بعض ذلك هو الصحيح، وبعضه كذب، وإذا ~~احتج بمثل هذا الضعيف (1) . وأمثاله واحد بذكر (2) . بعض ما نقل في تفسير ~~الآية من المنقولات، وترك سائر ما ينقل مما يناقض ذلك - كان هذا من أفسد ~~الحجج كمن احتج بشاهد يشهد له، ولم تثبت عدالته، بل ثبت جرحه، وقد ناقضه ~~عدول كثيرون (3) . يشهدون بما يناقض شهادته، أو يحتج (4) . برواية واحد لم ~~تثبت عدالته، بل ثبت جرحه ويدع روايات (5) . كثيرين عدول وقد رووا (6) . ما ~~يناقض ذلك. # بل لو قدر أن هذا الحديث من رواية أهل الثقة والعدالة وقد روى آخرون من ~~أهل الثقة والعدالة ما يناقض ذلك لوجب النظر في الروايتين: أيهما أثبت ~~وأرجح؟ فكيف إذا كان أهل العلم بالنقل متفقين على أن الروايات المناقضة (7) ~~. لهذا الحديث هي الثابتة الصحيحة، بل هذا الحديث مناقض لما (8) . علم ~~بالتواتر، وكثير (9) . من أئمة التفسير لم يذكروا (10) . هذا بحال لعلمهم ~~أنه باطل. PageV07P301 # الثاني: أنا نرضى منه من هذا النقل العام بأحد شيئين: إما بإسناد يذكره ~~مما يحتج به أهل العلم في مسائل النزاع، ولو أنه مسألة فرعية، وإما قول رجل ~~من أهل الحديث الذين يعتمد الناس على تصحيحهم. # فإنه لو تناظر فقيهان في فرع من الفروع، لم تقم ms1738 الحجة على المناظرة (1) . ~~إلا بحديث يعلم أنه مسند إسنادا تقوم به الحجة، أو يصححه من يرجع إليه في ~~ذلك فأما إذا لم يعلم إسناده، ولم يثبته (2) . أئمة النقل، فمن أين يعلم؟ ~~لا سيما في مسائل الأصول التي يبنى عليها الطعن في سلف الأمة وجمهورها، ~~ويتوسل بذلك إلى هدم قواعد المسألة، فكيف يقبل (3) . في مثل ذلك حديث لا ~~يعرف إسناده ولا يثبته أئمة النقل (4) . ولا يعرف أن عالما صححه. # الثالث: أن هذا الحديث كذب (5) . عند أهل المعرفة بالحديث فما من عالم ~~يعرف الحديث إلا وهو يعلم أنه كذب موضوع (6) .، ولهذا لم يروه أحد منهم في ~~الكتب التي يرجع إليها في المنقولات لأن أدنى من له معرفة بالحديث يعلم أن ~~هذا كذب. # وقد رواه ابن جرير والبغوي بإسناد فيه عبد الغفار بن القاسم بن فهد، أبو ~~مريم الكوفي (7) .، وهو مجمع على تركه، كذبه سماك بن حرب، وأبو PageV07P302 # داود، وقال أحمد: ليس بثقة، عامة أحاديث بواطيل (1) . قال يحيى: ليس ~~بشيء، قال ابن المديني: كان يضع الحديث، وقال النسائي وأبو حاتم: متروك ~~الحديث، وقال ابن حبان البستي: كان عبد الغفار بن قاسم يشرب الخمر حتى ~~يسكر، وهو مع ذلك يقلب الأخبار، لا يجوز الاحتجاج به، وتركه أحمد، ويحيى ~~(2) . # ورواه ابن أبي حاتم، وفي إسناده عبد الله بن عبد القدوس، وهو ليس بثقة، ~~وقال فيه يحيى بن معين: ليس بشيء رافضي خبيث، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ~~الدارقطني: ضعيف (3) . # وإسناد الثعلبي أضعف ; لأن فيه من لا يعرف، وفيه من الضعفاء والمتهمين ~~(4) . من لا يجوز الاحتجاج بمثله في أقل مسألة. PageV07P303 # الرابع: أن بني عبد المطلب لم يبلغوا أربعين رجلا حين نزلت هذه الآية ; ~~فإنها نزلت بمكة في أول الأمر، ثم ولا بلغوا أربعين رجلا في مدة حياة النبي ~~صلى الله عليه وسلم ; فإن بني عبد المطلب لم يعقب منهم باتفاق الناس إلا ~~أربعة: العباس، وأبو طالب، والحارث، وأبو لهب. وجميع ولد عبد المطلب من ~~هؤلاء الأربعة، وهم بنو هاشم، ولم يدرك (1) . النبوة من عمومته إلا أربعة ms1739: ~~العباس، وحمزة، وأبو طالب وأبو لهب. فآمن اثنان، وهما: حمزة، والعباس (2) ، ~~وكفر اثنان أحدهما نصره وأعانه، وهو أبو طالب، والآخر عاداه وأعان أعداءه، ~~وهو أبو لهب. # وأما العمومة وبنو العمومة، فأبو طالب كان له أربعة بنين: طالب، وعقيل، ~~وجعفر، وعلي. وطالب لم يدرك الإسلام، وأدركه الثلاثة فآمن علي، وجعفر في ~~أول الإسلام، وهاجر جعفر إلى أرض الحبشة، ثم إلى المدينة عام خيبر. # وكان [عقيل] (3) . قد استولى على رباع (4) . بني هاشم لما هاجروا وتصرف ~~فيها، ولهذا لما «قيل للنبي صلى الله عليه وسلم في حجته: " ننزل غدا في ~~دارك بمكة " قال: " وهل ترك لنا عقيل من دار؟» " (5) . PageV07P304 # وأما العباس فبنوه كلهم صغار ; إذ لم يكن (1) . فيهم بمكة رجل، وهب أنهم ~~كانوا رجالا فهم: عبد الله، وعبيد الله، والفضل، وأما قثم فولد بعدهم، ~~وأكبرهم الفضل، وبه كان يكنى، وعبد الله ولد في الشعب بعد نزول قوله: ~~{وأنذر عشيرتك الأقربين} (سورة الشعراء: 214) ، وكان له في الهجرة له: (2) ~~. نحو ثلاث سنين، أو أربع سنين، ولم يولد للعباس في حياة النبي صلى الله ~~عليه وسلم إلا الفضل، وعبد الله، وعبيد الله، وأما سائرهم فولدوا بعده. # وأما الحارث بن عبد المطلب، وأبو لهب فبنوهما أقل، والحارث كان له ابنان ~~أبو سفيان، وربيعة، وكلاهما تأخر إسلامه، وكان من مسلمة الفتح. # وكذلك بنو أبي لهب تأخر إسلامهم إلى زمن الفتح، وكان له ثلاثة ذكور، ~~فأسلم منهم اثنان: عتبة ومغيث، وشهد الطائف وحنينا، وعتيبة دعا عليه رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم أن يأكله الكلب فقتله السبع بالزرقاء (3) من الشام ~~كافرا (4) . PageV07P305 # فهؤلاء بنو عبد المطلب لا يبلغون عشرين رجلا، فأين الأربعون؟ . # الخامس: قوله: " «إن الرجل منهم كان يأكل الجذعة، ويشرب الفرق من اللبن» ~~" فكذب (1) . على القوم، ليس بنو هاشم معروفين بمثل هذه الكثرة في الأكل، ~~ولا عرف فيهم من كان يأكل جذعة، ولا يشرب فرقا. # السادس: أن قوله للجماعة: " «من يجبني إلى هذا الأمر ويؤازرني على القيام ~~به يكن أخي ووزيري ووصيي وخليفتي من بعدي» " كلام مفترى على النبي ms1740 صلى الله ~~عليه وسلم لا يجوز نسبته إليه، فإن مجرد الإجابة إلى الشهادتين والمعاونة ~~على ذلك لا يوجب هذا كله، فإن جميع المؤمنين أجابوا إلى هاتين الكلمتين، ~~وأعانوه على هذا الأمر، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في إقامته وطاعته (2) ، ~~وفارقوا أوطانهم وعادوا إخوانهم، وصبروا على الشتات بعد الألفة، وعلى الذل ~~بعد العز، وعلى الفقر بعد الغنى، وعلى الشدة بعد الرخاء، وسيرتهم معروفة ~~مشهورة، ومع هذا فلم يكن أحد منهم بذلك (3) . خليفة له. PageV07P306 # وأيضا فإن كان عرض هذا الأمر على أربعين رجلا أمكن أن يجيبوه - أو أكثرهم ~~أو عدد منهم - فلو أجابه منهم عدد من كان الذي يكون الخليفة بعده أيعين ~~واحدا (1) . بلا موجب؟ أم يجعل (2) . الجميع خلفاء في وقت واحد؟ وذلك أنه ~~لم يعلق الوصية والخلافة، والأخوة والمؤازرة، إلا بأمر سهل، وهو الإجابة ~~على الشهادتين، والمعاونة على هذا الأمر، وما من مؤمن يؤمن بالله ورسوله ~~واليوم الآخر إلى يوم القيامة، إلا وله من هذا نصيب وافر، ومن لم يكن له من ~~ذلك حظ فهو منافق فكيف يجوز نسبة مثل هذا الكلام إلى النبي صلى الله عليه ~~وسلم؟ ! # السابع: أن حمزة، وجعفرا، وعبيدة بن الحارث أجابوا إلى ما أجابه علي من ~~الشهادتين والمعاونة على هذا الأمر، فإن هؤلاء من السابقين الأولين الذين ~~آمنوا بالله ورسوله في أول الأمر، بل حمزة أسلم قبل أن يصير المؤمنون ~~أربعين رجلا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم، ~~وكان اجتماع النبي صلى الله عليه وسلم به في دار الأرقم، ولم يكن يجتمع هو ~~وبنو عبد المطلب كلهم في دار واحدة، فإن أبا لهب كان مظهرا لمعاداة رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم، ولما حصر بنو هاشم في الشعب لم يدخل معهم أبو ~~لهب. # (الثامن) (3) .: أن الذي في الصحاح من نزول هذه الآية غير هذا، ففي ~~الصحيحين عن ابن عمر وأبي هريرة - واللفظ له - عن النبي صلى الله ~~PageV07P307 # عليه وسلم «لما نزلت: {وأنذر عشيرتك الأقربين} (سورة الشعراء: 214) دعا ~~رسول الله صلى الله عليه ms1741 وسلم قريشا فاجتمعوا فخص وعم فقال: " يا بني كعب ~~بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار ~~(1 يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم ~~من النار 1) (1) .، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب ~~أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة (بنت محمد) (2) . أنقذي نفسك من النار ~~فإني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها» " (3) . # وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا «لما نزلت هذه الآية قال: " ~~يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد ~~المطلب لا أغني عنكم من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من ~~الله شيئا، يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا سلاني ما شئتما من ~~مالي» " (4) . # وخرجه مسلم من حديث ابن PageV07P308 # المخارق، وزهير بن عمرو (1) ، ومن (2) . حديث عائشة، وقال فيه: " «قام ~~علي الصفا» " (3) . # وقال في حديث قبيصة: " «انطلق إلى رضمة من جبل، فعلا أعلاها حجرا (4) .، ~~ثم نادى: " يا بني عبد مناف إني لكم نذير، إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى ~~العدو فانطلق يربأ أهله فخشي أن يسبقوه فجعل يهتف: يا صباحاه» " (5) . # وفي الصحيحين من حديث ابن عباس قال: " «لما نزلت هذه الآية خرج رسول الله ~~وسلم حتى صعد الصفا فهتف: " يا صباحاه " (6) . فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ ~~قالوا: محمد، فاجتمعوا إليه فجعل ينادي: " يا بني فلان، يا بني عبد مناف، ~~يا بني عبد المطلب "، وفي رواية: " يا بني فهر، يا بني عدي، يا بني فلان " ~~لبطون قريش، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا ينظر ما هو ~~فاجتمعوا، فقال: " أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل، أكنتم ~~PageV07P309 # مصدقي؟ " قالوا: ما جربنا عليك كذبا، قال: " فإني نذير لكم بين يدي عذاب ~~شديد " قال: فقال أبو لهب: تبا لك أما (1) . جمعتنا إلا لهذا؟ ! فقام فنزلت ms1742 ~~هذه (2) . السورة: {تبت يدا أبي لهب وتب} » (سورة المسد: 1) (3) . # وفي رواية: «أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم ويمسيكم أكنتم تصدقوني؟ " ~~قالوا: بلى» (4) . # فإن قيل: فهذا الحديث قد ذكره طائفة من المفسرين والمصنفين في الفضائل ~~كالثعلبي والبغوي وأمثالهما والمغازلي (5) . # قيل له: مجرد رواية هؤلاء لا توجب ثبوت الحديث باتفاق أهل العلم بالحديث، ~~فإن في كتب هؤلاء من الأحاديث الموضوعة ما اتفق أهل العلم على أنه كذب ~~موضوع، وفيها شيء كثير يعلم بالأدلة اليقينية السمعية والعقلية أنها كذب، ~~بل فيها ما يعلم بالاضطرار أنه كذب. # والثعلبي وأمثاله لا يتعمدون الكذب (6) .، بل فيهم من الصلاح والدين ما ~~يمنعهم من ذلك، لكن ينقلون ما وجدوه في الكتب، ويروون ما سمعوه، وليس ~~لأحدهم من الخبرة بالأسانيد ما لأئمة الحديث، كشعبة، ويحيى بن سعيد القطان، ~~وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، وعلي بن PageV07P310 # المديني، ويحيى بن معين، وإسحاق، ومحمد بن يحيى الذهلي، والبخاري، ومسلم، ~~وأبي داود، والنسائي، وأبي حاتم وأبي زرعة الرازيين، وأبي عبد الله بن ~~منده، والدارقطني، وأمثال هؤلاء من أئمة الحديث ونقاده وحكامه وحفاظه الذين ~~لهم خبرة ومعرفة تامة بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم، وأحوال من نقل ~~العلم والحديث عن النبي من الصحابة والتابعين (وتابعيهم) (1) ، ومن بعدهم ~~من نقلة العلم. # وقد صنفوا الكتب الكثيرة في معرفة الرجال الذين نقلوا الآثار، وأسماءهم، ~~وذكروا أخبارهم، وأخبار من أخذوا عنه، ومن أخذ عنهم مثل " كتاب العلل ~~وأسماء الرجال " عن يحيى القطان، وابن المديني، وأحمد، وابن معين (2) .، ~~والبخاري، ومسلم، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والنسائي، والترمذي، وأحمد بن عدي، ~~وابن حبان، وأبي الفتح الأزدي، والدارقطني، وغيرهم. # وتفسير الثعلبي فيه أحاديث موضوعة وأحاديث صحيحة، ومن الموضوع فيه ~~الأحاديث التي في فضائل السور: سورة سورة. # وقد ذكر هذا الحديث الزمخشري والواحدي (3) ، وهو كذب موضوع باتفاق أهل ~~الحديث، وكذلك غير هذا. PageV07P311 # وكذلك الواحدي تلميذ الثعلبي، والبغوي اختصر تفسيره من تفسير الثعلبي ~~والواحدي، لكنهما أخبر (1) . بأقوال المفسرين منه، والواحدي أعلم بالعربية ~~من هذا وهذا، والبغوي أتبع للسنة منهما. # وليس لكون الرجل ms1743 من الجمهور الذين يعتقدون خلافة الثلاثة يوجب له أن كل ~~ما رواه صدق، كما أن كونه من الشيعة لا يوجب أن يكون كل ما رواه كذبا، بل ~~الاعتبار بميزان العدل. # وقد وضع الناس أحاديث كثيرة مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ~~الأصول، والأحكام، والزهد، والفضائل، ووضعوا كثيرا من فضائل الخلفاء ~~الأربعة، وفضائل معاوية. # ومن الناس من يكون قصده رواية كل ما روي في الباب من غير تمييز بين صحيح ~~وضعيف كما فعله أبو نعيم في فضائل الخلفاء، وكذلك غيره ممن صنف في الفضائل، ~~ومثل ما جمعه أبو الفتح بن أبي الفوارس، وأبو علي الأهوازي، وغيرهما في ~~فضائل معاوية، ومثل ما جمعه النسائي في فضائل علي، وكذلك ما جمعه أبو ~~القاسم بن عساكر في فضائل علي وغيره، فإن هؤلاء وأمثالهم قصدوا أن يرووا ما ~~سمعوا من غير تمييز بين صحيح ذلك وضعيفه، فلا يجوز أن يجزم بصدق الخبر ~~بمجرد رواية الواحد من هؤلاء باتفاق أهل العلم. # وأما من يذكر الحديث بلا إسناد من المصنفين في الأصول والفقه والزهد ~~والرقائق، فهؤلاء يذكرون أحاديث كثيرة صحيحة، ويذكر بعضهم PageV07P312 # أحاديث كثيرة ضعيفة وموضوعة، كما يوجد ذلك في كتب الرقائق والرأي وغير ~~ذلك. ### | الثاني حديث الغدير # فصل # قال الرافضي: (1) : الثاني الخبر المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم: ~~أنه لما نزل قوله تعالى: {ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} (سورة ~~المائدة: 67) «خطب الناس في غدير خم، وقال للجمع كله: يا (2) أيها الناس ~~ألست أولى منكم بأنفسكم؟ قالوا: بلى، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه (3) ، ~~اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله» ، فقال ~~عمر: بخ بخ (4) ، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، والمراد بالمولى هنا ~~الأولى بالتصرف لتقدم التقرير (5) منه صلى الله عليه وسلم بقوله (6) : ألست ~~أولى منكم بأنفسكم (7) ؟ # والجواب عن هذه الآية والحديث المذكور قد تقدم (8) ، وبينا أن هذا ~~PageV07P313 # كذب، وأن قوله: {بلغ ما أنزل إليك من ربك} (سورة المائدة: 67) نزل قبل ~~حجة (الوداع ms1744) (1) بمدة طويلة. # ويوم الغدير إنما كان ثامن عشر ذي الحجة بعد رجوعه من الحج، وعاش بعد ذلك ~~شهرين وبعض الثالث، ومما يبين ذلك أن (2) آخر المائدة نزولا قوله تعالى: ~~{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي} (سورة المائدة: 3) ، وهذه ~~الآية نزلت بعرفة تاسع ذي الحجة في حجة الوداع، والنبي صلى الله عليه وسلم ~~واقف بعرفة كما ثبت ذلك في الصحاح والسنن، وكما قاله العلماء قاطبة من أهل ~~التفسير والحديث وغيرهم. # وغدير خم كان بعد رجوعه إلى المدينة ثامن عشر ذي الحجة بعد نزول هذه ~~الآية بتسعة أيام، فكيف يكون قوله: {بلغ ما أنزل إليك من ربك} (سورة ~~المائدة: 67) نزل ذلك الوقت، ولا خلاف بين أهل العلم أن هذه الآية نزلت قبل ~~ذلك، وهي من أوائل ما نزل بالمدينة، وإن كان ذلك في سورة المائدة كما أن ~~فيها تحريم الخمر، والخمر حرمت في أوائل الأمر عقب غزوة أحد، وكذلك فيها ~~الحكم بين أهل الكتاب بقوله: {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} (سورة ~~المائدة: 42) ، وهذه الآية نزلت إما في الحد (3) لما رجم اليهوديين (4) ، ~~وإما في الحكم بين قريظة والنضير لما تحاكموا إليه في الدماء، ورجم ~~اليهوديين كان أول ما PageV07P314 # فعله بالمدينة، وكذلك الحكم بين قريظة والنضير، فإن بني النضير أجلاهم ~~قبل الخندق، وقريظة قتلهم عقب غزوة الخندق. # والخندق باتفاق الناس كان قبل الحديبية، وقبل فتح خيبر، وذلك كله قبل فتح ~~مكة وغزوة حنين، وذلك كله قبل حجة الوداع، وحجة الوداع قبل خطبة الغدير. # فمن قال: إن المائدة نزل فيها شيء بغدير خم (1) فهو كاذب مفتر باتفاق أهل ~~العلم. # وأيضا، فإن الله تعالى قال في كتابه: {ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ~~ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس} (سورة المائدة: 67) ~~(2) فضمن له سبحانه أنه يعصمه من الناس إذا بلغ الرسالة ليؤمنه بذلك من ~~الأعداء ; ولهذا روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل نزول هذه الآية ~~يحرس (3) ، فلما نزلت هذه الآية ترك ذلك (4) . PageV07P315 # وهذا إنما ms1745 يكون قبل تمام التبليغ، وفي حجة الوداع تم التبليغ. # «وقال في حجة الوداع: " ألا هل بلغت ألا هل بلغت؟ " قالوا: نعم، قال: " ~~اللهم اشهد "، وقال لهم: " أيها الناس إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن ~~تضلوا: كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد ~~بلغت وأديت ونصحت، فجعل يرفع إصبعه إلى السماء، وينكبها (1) إلى الأرض (2) ~~، ويقول: " اللهم اشهد، اللهم اشهد» "، وهذا لفظ حديث جابر في صحيح مسلم ~~وغيره من الأحاديث الصحيحة (3) . # وقال: " «ليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع» " (4) . # فتكون العصمة المضمونة موجودة وقت (5) التبليغ المتقدم، فلا تكون هذه ~~الآية نزلت بعد حجة الوداع ; لأنه قد بلغ قبل ذلك، ولأنه حينئذ لم يكن ~~خائفا من أحد يحتاج أن يعصم منه (6) ، بل بعد (7) حجة الوداع كان أهل مكة ~~(8) والمدينة، وما حولهما كلهم مسلمين منقادين له (9) ليس فيهم PageV07P316 # كافر، والمنافقون مقموعون مسرون للنفاق (1) ، ليس فيهم من يحاربه، ولا من ~~يخاف الرسول منه فلا يقال له في هذه الحال: {بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن ~~لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس} (سورة المائدة: 67) . # وهذا مما يبين أن الذي جرى يوم الغدير لم يكن مما أمر بتبليغه، كالذي ~~بلغه في حجة الوداع، فإن كثيرا من الذين حجوا معه - أو أكثرهم - لم يرجعوا ~~معه إلى المدينة، بل رجع أهل مكة إلى مكة، وأهل الطائف إلى الطائف، وأهل ~~اليمن إلى اليمن، وأهل البوادي القريبة من ذاك إلى بواديهم، وإنما رجع ~~(معه) (2) . أهل المدينة ومن كان قريبا منها. # فلو كان ما ذكره يوم الغدير مما أمر بتبليغه كالذي بلغه في الحج، لبلغه ~~(3) في حجة الوداع كما بلغ غيره، فلما لم يذكر (4) في حجة الوداع إمامة ولا ~~ما يتعلق بالإمامة أصلا، ولم ينقل أحد بإسناد صحيح ولا ضعيف أنه في حجة ~~الوداع ذكر إمامة علي، بل ولا ذكر عليا في شيء من خطبته (5) ، وهو المجمع ~~العام الذي أمر فيه بالتبليغ العام - علم أن إمامة علي لم تكن من ms1746 الدين ~~الذي أمر بتبليغه (6) ، بل ولا حديث الموالاة (7) ، وحديث الثقلين، ونحو ~~ذلك مما يذكر في إمامته (8) . PageV07P317 # والذي رواه مسلم أنه (1) . بغدير خم قال: " «إني تارك فيكم الثقلين: كتاب ~~الله» " فذكر كتاب الله وحض عليه، ثم قال: «وعترتي أهل بيتي، أذكركم الله ~~(في أهل بيتي» ) (2) ثلاثا، وهذا مما انفرد به مسلم ولم يروه البخاري، وقد ~~رواه الترمذي وزاد فيه: " «وإنهما لن (3) يفترقا حتى يردا علي الحوض» " (4) ~~. # وقد طعن غير واحد من الحفاظ في هذه الزيادة، وقال: إنها ليست من الحديث. ~~والذين اعتقدوا صحتها قالوا: إنما يدل على أن مجموع العترة الذين هم بنو ~~هاشم لا يتفقون على ضلالة، وهذا قاله طائفة من أهل السنة، وهو من أجوبة ~~القاضي أبي يعلى وغيره. # والحديث الذي في مسلم إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد قاله، فليس ~~فيه إلا الوصية باتباع كتاب الله، وهذا أمر قد تقدمت الوصية به في حجة ~~الوداع قبل ذلك، وهو لم يأمر (5) باتباع العترة، ولكن قال: " «أذكركم الله ~~في أهل بيتي» "، وتذكير الأمة بهم (6) يقتضي أن يذكروا ما تقدم الأمر به ~~قبل ذلك من إعطائهم حقوقهم، والامتناع من ظلمهم، وهذا أمر قد تقدم بيانه ~~قبل غدير خم. PageV07P318 # فعلم أنه لم يكن في غدير خم أمر يشرع نزل إذ ذاك، لا في حق علي ولا غيره ~~(1) لا إمامته، ولا غيرها. # لكن حديث الموالاة (2) قد رواه الترمذي، وأحمد في مسنده عن النبي صلى ~~الله عليه وسلم أنه قال: " «من كنت مولاه فعلي مولاه» " (3) ، وأما الزيادة ~~وهي (4) قوله: " «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه» . . . " إلخ فلا ريب ~~أنه كذب. # ونقل الأثرم في " سننه " عن أحمد أن العباس سأله عن حسين الأشقر، وأنه ~~حدث (5) بحديثين: أحدهما (6) : قوله (7) «لعلي: إنك ستعرض على البراءة مني ~~فلا تبرأ، والآخر: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» . فأنكره أبو عبيد ~~الله جدا لم يشك أن هذين كذب. # وكذلك قوله: «أنت أولى بكل مؤمن ومؤمنة» ، كذب أيضا. # وأما قوله: " «من كنت مولاه فعلي مولاه» " فليس هو ms1747 في الصحاح (8) لكن هو ~~مما رواه العلماء، وتنازع الناس في صحته فنقل عن البخاري، وإبراهيم الحربي، ~~وطائفة من أهل العلم بالحديث أنهم طعنوا فيه PageV07P319 # وضعفوه، ونقل عن أحمد بن حنبل أنه حسنه كما حسنه الترمذي، وقد صنف أبو ~~العباس بن عقدة مصنفا في جميع طرقه (1) . # وقال ابن حزم (2) : الذي صح من فضائل علي فهو قول النبي صلى الله عليه ~~وسلم: " «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» " (3) ، وقوله ~~(4) : " «لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله» " ~~(5) وهذه صفة واجبة لكل مسلم ومؤمن وفاضل (6) ، وعهده صلى الله عليه وسلم ~~(7) أن عليا " «لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق» " (8) ، وقد صح مثل ~~هذا في الأنصار أنهم (9) " «لا يبغضهم من يؤمن بالله، واليوم الآخر» " (10) ~~. # قال (11) : " وأما " «من كنت مولاه فعلي مولاه» فلا يصح من طريق (12) ~~PageV07P320 # الثقات أصلا، وأما سائر الأحاديث التي يتعلق بها الروافض (1) فموضوعة ~~يعرف ذلك من له أدنى علم (2) بالأخبار ونقلها (3) ". # فإن قيل: لم يذكر ابن حزم ما في الصحيحين من قوله: «أنت مني، وأنا منك» " ~~(4) ، وحديث المباهلة (5) ، والكساء (6) . # قيل: مقصود ابن حزم: الذي في الصحيح من الحديث الذي لا يذكر فيه إلا علي، ~~وأما تلك ففيها ذكر غيره فإنه قال (7) لجعفر: «أشبهت خلقي وخلقي» " (8) ، ~~«وقال لزيد: " أنت أخونا ومولانا» " (9) ، وحديث المباهلة، والكساء فيهما ~~(10) ذكر علي، وفاطمة، وحسن، وحسين - رضي الله عنهم - فلا يرد هذا على ابن ~~حزم. # ونحن نجيب بالجواب المركب فنقول: إن لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ~~قاله فلا كلام، وإن كان قاله (11) فلم يرد به قطعا الخلافة بعده ; إذ ليس ~~في اللفظ ما يدل عليه، ومثل هذا الأمر العظيم يجب أن يبلغ بلاغا مبينا. ~~PageV07P321 # وليس في الكلام ما يدل دلالة بينة على أن المراد به الخلافة، وذلك أن ~~المولى كالولي، والله تعالى قال: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} ~~(سورة المائدة: 55) ، وقال: {وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل ~~وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير} (سورة التحريم: 4) * فبين ms1748 أن ~~الرسول ولي المؤمنين وأنهم مواليه أيضا، كما بين أن الله ولي المؤمنين ~~وأنهم أولياؤهم، وأن * (1) المؤمنين بعضهم أولياء بعض. # فالموالاة ضد المعاداة، وهي تثبت من الطرفين (2) ، وإن كان أحد ~~المتواليين أعظم قدرا وولايته إحسان وتفضل، وولاية الآخر طاعة وعبادة، كما ~~أن الله يحب المؤمنين، والمؤمنون يحبونه، فإن الموالاة ضد المعاداة ~~والمحاربة والمخادعة، والكفار لا يحبون الله ورسوله، ويحادون (3) الله ~~ورسوله ويعادونه. # وقد قال تعالى: {لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} (سورة الممتحنة: 1) ، وهو ~~يجازيهم على ذلك كما قال تعالى: {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ~~ورسوله} (سورة البقرة: 279) . # وهو ولي المؤمنين وهو مولاهم (4) يخرجهم من الظلمات إلى النور، وإذا كان ~~كذلك فمعنى كون الله ولي المؤمنين ومولاهم، وكون الرسول وليهم ومولاهم، ~~وكون علي مولاهم هي (5) الموالاة التي هي ضد المعاداة. PageV07P322 # والمؤمنون يتولون الله ورسوله الموالاة (1) المضادة للمعاداة، وهذا حكم ~~ثابت لكل مؤمن فعلي رضي الله عنه من المؤمنين الذين يتولون المؤمنين ~~ويتولونه. # وفي هذا الحديث إثبات إيمان علي في الباطن، والشهادة له بأنه يستحق ~~الموالاة باطنا وظاهرا، وذلك يرد (2) ما يقوله (3) فيه أعداؤه من الخوارج ~~والنواصب، لكن ليس فيه أنه ليس للمؤمنين مولى غيره فكيف ورسول الله صلى ~~الله عليه وسلم له موالي (4) ، وهم صالحو المؤمنين فعلي أيضا له مولى بطريق ~~الأولى والأحرى، وهم المؤمنون الذين يتولونه. # وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: * " «إن أسلم، وغفارا، ومزينة، ~~وجهينة، وقريشا، والأنصار ليس لهم مولى دون الله ورسوله» " (5) ، وجعلهم ~~موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم * (6) كما جعل صالح المؤمنين مواليه، ~~والله ورسوله مولاهم. PageV07P323 # وفي الجملة فرق بين الولي، والمولى ونحو ذلك، وبين الوالي فباب الولاية ~~التي هي ضد (1) العداوة - شيء، وباب الولاية - التي هي الإمارة - شيء. # والحديث إنما هو في الأولى دون الثانية، والنبي صلى الله عليه وسلم لم ~~يقل: من كنت واليه فعلي واليه، وإنما اللفظ: " «من كنت مولاه فعلي مولاه» " ~~(2) . # وأما كون المولى (3) بمعنى الوالي فهذا باطل، فإن الولاية تثبت من ~~الطرفين، فإن المؤمنين (4) أولياء الله، وهو ms1749 مولاهم. # وأما كونه أولى بهم من أنفسهم فلا يثبت إلا من طرفه صلى الله عليه وسلم، ~~وكونه أولى بكل مؤمن من نفسه من خصائص نبوته، ولو قدر أنه نص على خليفة من ~~بعده، لم يكن ذلك موجبا أن يكون أولى بكل مؤمن من نفسه كما أنه لا يكون ~~أزواجه أمهاتهم، ولو أريد هذا المعنى لقال: من كنت أولى به من نفسه فعلي ~~أولى به من نفسه، وهذا لم يقله ولم ينقله أحد، ومعناه باطل قطعا ; لأن كون ~~النبي صلى الله عليه وسلم أولى بكل مؤمن من نفسه أمر ثابت في حياته ومماته، ~~وخلافة علي - لو قدر وجودها - لم تكن إلا بعد موته، لم تكن في حياته، فلا ~~يجوز أن يكون علي خليفة في زمنه فلا يكون حينئذ أولى بكل مؤمن من نفسه (5) ~~، بل ولا يكون مولى أحد من المؤمنين إذا أريد (به) (6) الخلافة. ~~PageV07P324 # وهذا مما يدل على أنه لم يرد الخلافة ; فإن كونه ولي كل مؤمن وصف ثابت له ~~في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لم يتأخر حكمه إلى الموت، وأما الخلافة ~~فلا يصير خليفة إلا بعد الموت. فعلم أن هذا ليس هذا. # وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم في حياته ~~وبعد مماته إلى يوم القيامة، وإذا استخلف أحدا على بعض الأمور في حياته، أو ~~قدر أنه استخلف أحدا على بعض الأمور في حياته، أو قدر أنه استخلف أحدا بعد ~~موته، وصار له خليفة بنص، أو إجماع فهو أولى بتلك الخلافة وبكل المؤمنين من ~~أنفسهم فلا يكون قط غيره أولى بكل مؤمن من نفسه، لا سيما في حياته. # وأما كون علي، وغيره مولى كل مؤمن فهو وصف ثابت لعلي في حياة النبي صلى ~~الله عليه وسلم وبعد مماته، وبعد ممات علي، فعلي اليوم مولى كل مؤمن، وليس ~~اليوم متوليا على الناس، وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء بعض أحياء ~~وأمواتا (1) . ### | الثالث قوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى # فصل. # قال الرافضي:: (2) : الثالث (3) : قوله (4) : «أنت ms1750 مني بمنزلة هارون من ~~موسى إلا أنه لا نبي بعدي» . [أثبت له " عليه السلام " جميع PageV07P325 # منازل هارون من موسى عليه السلام للاستثناء] (1) ، ومن جملة (2) منازل ~~هارون أنه كان خليفة لموسى، ولو عاش بعده لكان خليفة أيضا، وإلا (لزم) تطرق ~~النقض إليه (3) ، ولأنه خليفته (4) مع وجوده، وغيبته مدة يسيرة فبعد موته ~~وطول مدة الغيبة (5) أولى بأن يكون خليفته " (6) . # والجواب: أن هذا الحديث ثبت (7) في الصحيحين بلا ريب وغيرهما، وكان النبي ~~صلى الله عليه وسلم قال له (8) ذلك في غزوة تبوك (9) ، وكان صلى الله عليه ~~وسلم كلما سافر في غزوة، أو عمرة، أو حج يستخلف على المدينة بعض الصحابة ~~كما استخلف على المدينة في غزوة ذي. . . أمر (10) عثمان (11) ، وفي غزوة ~~بني قينقاع PageV07P326 # بشير بن (عبد) المنذر (1) ، ولما غزا قريشا، ووصل (2) إلى الفرع استعمل ~~ابن أم مكتوم (3) ، وذكر ذلك محمد بن سعد (4) وغيره. # وبالجملة فمن المعلوم أنه كان لا يخرج من المدينة حتى يستخلف، وقد ذكر ~~المسلمون من كان يستخلفه، فقد سافر من المدينة في عمرتين: عمرة الحديبية، ~~وعمرة القضاء، وفي حجة الوداع، وفي مغازيه - أكثر من عشرين غزاة - وفيها ~~كلها استخلف (5) ، وكان يكون بالمدينة رجال كثيرون يستخلف عليهم من ~~يستخلفه، فلما كان في غزوة تبوك لم يأذن لأحد في التخلف عنها، وهي آخر ~~مغازيه صلى الله عليه وسلم، ولم يجتمع PageV07P327 # معه أحد كما اجتمع معه فيها فلم يتخلف عنه إلا النساء والصبيان، أو من هو ~~معذور لعجزه عن الخروج، أو من هو منافق، وتخلف الثلاثة الذين تيب عليهم، ~~ولم (1) يكن في المدينة رجال من المؤمنين يستخلف عليهم كما كان يستخلف ~~عليهم في كل مرة، بل كان هذا الاستخلاف أضعف من (2) الاستخلافات المعتادة ~~منه ; لأنه لم يبق في المدينة رجال من المؤمنين أقوياء يستخلف عليهم أحدا ~~كما كان يبقى في جميع مغازيه فإنه كان يكون بالمدينة رجال كثيرون من ~~المؤمنين أقوياء يستخلف عليهم من يستخلف، فكل استخلاف استخلفه (3) في ~~مغازيه مثل استخلافه في غزوة بدر الكبرى، والصغرى، وغزوة بني المصطلق، ~~والغابة، وخيبر، وفتح ms1751 مكة، وسائر مغازيه التي لم يكن فيها قتال، ومغازيه ~~بضع عشرة غزوة، وقد استخلف فيها كلها إلا القليل، وقد استخلف في حجة ~~الوداع، وعمرتين قبل غزوة تبوك. # وفي كل مرة يكون بالمدينة أفضل ممن بقي في غزوة تبوك فكان كل استخلاف قبل ~~هذه يكون علي أفضل ممن استخلف عليه عليا، فلهذا خرج إليه علي رضي الله عنه ~~يبكي، وقال: أتخلفني مع النساء والصبيان؟ # وقيل: إن بعض المنافقين طعن فيه، وقال: إنما خلفه ; لأنه يبغضه، فبين له ~~النبي صلى الله عليه وسلم: «إني إنما استخلفتك لأمانتك عندي PageV07P328 # وإن الاستخلاف ليس بنقص ولا غض، فإن موسى استخلف هارون على قومه فكيف ~~يكون نقصا (1) ، وموسى ليفعله (2) بهارون» ؟ فطيب بذلك قلب علي، وبين أن ~~جنس الاستخلاف يقتضي كرامة المستخلف وأمانته، لا يقتضي إهانته ولا تخوينه، ~~وذلك لأن المستخلف يغيب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد خرج معه جميع ~~الصحابة. # والملوك - وغيرهم - إذا خرجوا في مغازيهم أخذوا معهم من يعظم انتفاعهم ~~به، ومعاونته لهم (3) ، ويحتاجون إلى مشاورته، والانتفاع برأيه، ولسانه، ~~ويده، وسيفه. # والمتخلف (4) إذا لم يكن له في المدينة سياسة كثيرة لا يحتاج إلى هذا ~~كله، فظن من ظن أن هذا غضاضة من علي، ونقص منه، وخفض من منزلته حيث لم ~~يأخذه معه في المواضع المهمة التي تحتاج إلى سعي، واجتهاد، بل تركه في ~~المواضع التي لا تحتاج إلى كثير (5) سعي واجتهاد فكان قول النبي صلى الله ~~عليه وسلم مبينا أن جنس الاستخلاف ليس نقصا ولا غضا ; إذ لو كان نقصا أو ~~غضا لما فعله موسى بهارون، ولم يكن هذا الاستخلاف كاستخلاف هارون ; لأن ~~العسكر كان مع هارون، وإنما ذهب موسى وحده. # وأما استخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فجميع العسكر كان معه PageV07P329 # ولم يخلف (1) بالمدينة - غير النساء والصبيان - إلا معذور أو عاص. # وقول (2) القائل: " هذا بمنزلة هذا، وهذا مثل هذا " هو كتشبيه الشيء ~~بالشيء، وتشبيه الشيء بالشيء يكون بحسب ما دل عليه السياق لا يقتضي ~~المساواة في كل شيء ألا ترى إلى ما ms1752 ثبت في الصحيحين من قول النبي صلى الله ~~عليه وسلم في حديث الأسارى لما استشار أبا بكر، وأشار بالفداء، واستشار عمر ~~فأشار بالقتل. قال: " سأخبركم عن صاحبيكم (3) . «مثلك يا أبا بكر كمثل ~~إبراهيم إذ قال: {فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم} (سورة ~~إبراهيم: 36) ، ومثل عيسى إذ قال: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم ~~فإنك أنت العزيز الحكيم} (سورة المائدة: 118) ، ومثلك يا عمر مثل نوح إذ ~~قال: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} (سورة نوح: 26) ، ومثل (4) ~~موسى إذ قال: {ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا ~~العذاب الأليم} » (سورة يونس: 88) (5) . # فقوله لهذا: مثلك كمثل (6) إبراهيم، وعيسى، ولهذا: مثل نوح، وموسى - أعظم ~~من قوله: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» ; فإن نوحا، وإبراهيم، وموسى، ~~وعيسى أعظم من هارون، وقد جعل هذين مثلهم، ولم PageV07P330 # يرد أنهما مثلهم في كل شيء لكن فيما دل عليه السياق من الشدة في الله، ~~واللين في الله. # وكذلك هنا إنما هو بمنزلة هارون فيما دل عليه السياق، وهو استخلافه في ~~مغيبه كما استخلف موسى هارون، وهذا الاستخلاف ليس من خصائص علي، بل ولا هو ~~مثل استخلافاته، فضلا عن أن يكون أفضل منها، وقد استخلف من علي أفضل منه في ~~كثير من الغزوات، ولم تكن تلك الاستخلافات توجب تقديم المستخلف على علي إذا ~~قعد معه فكيف يكون موجبا لتفضيله على علي؟ # بل قد استخلف على المدينة غير واحد، وأولئك المستخلفون منه بمنزلة هارون ~~من موسى من جنس استخلاف علي، بل كان ذلك الاستخلاف يكون على أكثر وأفضل ممن ~~استخلف عليه عام تبوك، وكانت الحاجة إلى الاستخلاف أكثر فإنه كان يخاف من ~~الأعداء على المدينة. # فأما عام (1) تبوك فإنه كان قد أسلمت العرب بالحجاز، وفتحت مكة، وظهر ~~الإسلام وعز، ولهذا أمر الله نبيه أن يغزو أهل الكتاب بالشام، ولم تكن ~~المدينة تحتاج إلى من يقاتل بها العدو، ولهذا لم يدع النبي صلى الله عليه ~~وسلم عند علي أحدا من المقاتلة ms1753 كما كان يدع بها في سائر الغزوات، بل أخذ ~~المقاتلة كلهم معه. # وتخصيصه لعلي بالذكر هنا هو مفهوم اللقب، وهو نوعان: لقب هو جنس، ولقب ~~يجري مجرى العلم، مثل زيد، وأنت، وهذا المفهوم PageV07P331 # أضعف المفاهيم، ولهذا كان جماهير أهل الأصول والفقه على أنه لا يحتج به ~~فإذا قال: محمد رسول الله لم يكن هذا نفيا للرسالة عن غيره، لكن إذا كان في ~~سياق الكلام ما يقتضي التخصيص فإنه يحتج به على الصحيح. # كقوله: {ففهمناها سليمان} (سورة الأنبياء: 79) ، وقوله: {كلا إنهم عن ~~ربهم يومئذ لمحجوبون} (سورة المطففين: 15) . # وأما إذا كان التخصيص لسبب يقتضيه، فلا يحتج به باتفاق الناس فهذا (1) من ~~ذلك ; فإنه إنما خص عليا بالذكر ; لأنه خرج إليه يبكي، ويشتكي (2) تخليفه ~~مع النساء، والصبيان. # ومن استخلفه سوى علي، لما لم يتوهموا أن في الاستخلاف نقصا لم يحتج أن ~~يخبرهم بمثل هذا الكلام، والتخصيص بالذكر إذا كان لسبب يقتضي ذاك لم يقتض ~~الاختصاص بالحكم، فليس في الحديث دلالة على أن غيره لم يكن منه بمنزلة ~~هارون من موسى، كما أنه لما قال للمضروب الذي نهى عن لعنه: " «دعه فإنه يحب ~~الله ورسوله» " (3) ، لم يكن هذا دليلا على أن غيره لا يحب الله ورسوله، بل ~~ذكر ذلك لأجل الحاجة إليه لينهى بذلك عن لعنه. # ولما «استأذنه عمر رضي الله عنه في قتل حاطب بن أبي بلتعة قال: " دعه ~~فإنه قد شهد بدرا» " (4) ، ولم يدل هذا على أن غيره لم يشهد بدرا، بل ذكر ~~المقتضي لمغفرة ذنبه. PageV07P332 # وكذلك لما شهد للعشرة بالجنة لم يقتض أن غيرهم لا يدخل الجنة لكن ذكر ذلك ~~لسبب اقتضاه. # وكذلك لما قال للحسن وأسامة: " «اللهم إني أحبهما فأحبهما، وأحب من ~~يحبهما» " (1) ، لا يقتضي أنه لا يحب غيرهما، بل كان يحب غيرهما أعظم من ~~محبتهما. # وكذلك لما قال: " «لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة» " (2) لم يقتض أن ~~من سواهم يدخلها. # وكذلك لما شبه أبا بكر بإبراهيم وعيسى *، لم يمنع ذلك أن (3) يكون في ~~أمته وأصحابه (4) من يشبه إبراهيم ms1754 وعيسى * (5) ، وكذلك لما شبه عمر بنوح ~~وموسى لم يمتنع (6) أن يكون في أمته من يشبه نوحا، وموسى. # فإن قيل: إن هذين أفضل من يشبههم من أمته. # قيل: الاختصاص بالكمال لا يمنع المشاركة (7) في أصل التشبيه. # وكذلك لما قال عن عروة بن مسعود: " «إنه مثل صاحب ياسين» " (8) . ~~PageV07P333 # ، وكذلك لما قال للأشعريين: " «هم مني، وأنا منهم» " (1) لم يختص ذلك ~~بهم، بل قال لعلي: " «أنت مني، وأنا منك» "، وقال لزيد: " «أنت أخونا، ~~ومولانا» " (2) وذلك لا يختص بزيد، بل أسامة أخوهم ومولاهم. # وبالجملة الأمثال والتشبيهات كثيرة جدا، وهي لا توجب (3) التماثل من كل ~~وجه، بل فيما سيق الكلام له، ولا يقتضي اختصاص المشبه بالتشبيه، بل يمكن أن ~~يشاركه غيره له (4) في ذلك. # قال تعالى: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع ~~سنابل في كل سنبلة مائة حبة} (سورة البقرة: 261) . # وقال تعالى: {واضرب لهم مثلا أصحاب القرية} (سورة يس: 13) . # وقال: {مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر} (سورة آل ~~عمران: 117) . # وقد قيل: إن في القرآن اثنين وأربعين مثلا. # وقول القائل: إنه جعله بمنزلة هارون في كل الأشياء إلا في النبوة باطل ; ~~فإن قوله: " «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى» ؟ " PageV07P334 # دليل على أنه يسترضيه بذلك، ويطيب قلبه لما توهم من وهن الاستخلاف، ونقص ~~درجته فقال هذا على سبيل الجبر له. # وقوله: " «بمنزلة هارون من موسى» ، أي مثل منزلة هارون، فإن (1) نفس ~~منزلته من موسى بعينها لا تكون لغيره، وإنما يكون له ما يشابهها (2) فصار ~~هذا كقوله هذا مثل هذا، وقوله عن أبي بكر: مثله مثل إبراهيم وعيسى، وعمر: ~~مثله مثل نوح وموسى. # ومما يبين ذلك أن هذا (3) كان عام تبوك، ثم بعد رجوع النبي صلى الله عليه ~~وسلم «بعث أبا بكر أميرا على الموسم، وأردفه بعلي فقال [لعلي] (4) : أمير ~~أم مأمور؟ [فقال:، بل مأمور] (5) فكان أبو بكر أميرا عليه، وعلي معه ~~كالمأمور مع أميره: يصلي خلفه، ويطيع أمره (6) ، وينادي خلفه (7) مع الناس ~~بالموسم: ألا لا ms1755 يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان» (8) . ~~PageV07P335 # وإنما أردفه به لينبذ العهد إلى العرب، فإنه كان من عادتهم أن لا يعقد ~~العقود وينبذها إلا السيد المطاع أو رجل من أهل بيته، فلم يكونوا يقبلون ~~نقض العهود إلا من رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. # ومما يبين ذلك أنه لو أراد أن يكون خليفة على أمته بعده لم يكن هذا خطابا ~~بينهما يناجيه به، ولا كان أخره حتى يخرج إليه علي ويشتكي، بل كان هذا من ~~الحكم الذي يجب بيانه، وتبليغه للناس كلهم بلفظ يبين المقصود. # ، ثم من جهل الرافضة أنهم يتناقضون، فإن هذا الحديث يدل على أن النبي صلى ~~الله عليه وسلم لم يخاطب عليا بهذا الخطاب إلا ذلك اليوم في غزوة تبوك، فلو ~~كان علي قد عرف أنه المستخلف من بعده - كما رووا ذلك فيما تقدم - لكان علي ~~مطمئن القلب أنه مثل هارون بعده وفي حياته، ولم يخرج إليه يبكي (1) ، ولم ~~يقل له: أتخلفني مع النساء والصبيان؟ # ولو كان علي بمنزلة هارون مطلقا لم يستخلف عليه أحدا، وقد كان ~~PageV07P336 # يستخلف على المدينة غيره وهو فيها، كما استخلف على المدينة عام خيبر غير ~~علي، وكان علي بها أرمد حتى لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه النبي ~~صلى الله عليه وسلم الراية حين قدم، وكان قد أعطى الراية رجلا فقال (1) : " ~~«لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله» " (2) . # وأما قوله: " لأنه خليفته (3) مع وجوده وغيبته مدة يسيرة، فبعد (4) موته ~~وطول مدة الغيبة (5) أولى بأن يكون خليفته (6) . # فالجواب أنه مع وجوده وغيبته قد استخلف غير علي استخلافا أعظم من استخلاف ~~علي، واستخلف (7) أولئك على أفضل من الذين استخلف عليهم عليا، وقد استخلف ~~بعد تبوك على المدينة غير علي في حجة الوداع، فليس جعل علي هو الخليفة بعده ~~لكونه استخلفه على المدينة بأولى من هؤلاء الذين استخلفهم على المدينة كما ~~استخلفه، وأعظم مما استخلفه، وآخر الاستخلاف كان على المدينة كان (8) عام ~~حجة الوداع، وكان (9) علي باليمن ms1756، وشهد معه الموسم لكن استخلف عليها في حجة ~~الوداع غير علي. PageV07P337 # فإن كان الأصل بقاء الاستخلاف، فبقاء من استخلفه (1) في حجة الوداع أولى ~~من بقاء استخلاف من استخلفه قبل ذلك. # وبالجملة فالاستخلافات على المدينة ليست من خصائصه، ولا تدل على ~~الأفضلية، ولا على الإمامة، بل قد استخلف عددا غيره لكن هؤلاء جهال يجعلون ~~الفضائل العامة المشتركة بين علي وغيره خاصة بعلي، وإن كان غيره أكمل منه ~~فيها كما فعلوا في النصوص والوقائع. # وهكذا فعلت النصارى جعلوا ما أتى به المسيح من الآيات دالا على شيء يختص ~~به (2) من الحلول والاتحاد، وقد شاركه غيره من الأنبياء فيما أتى به، وكان ~~ما أتى به موسى من الآيات أعظم مما جاء به المسيح فليس هناك سبب يوجب ~~اختصاص المسيح دون إبراهيم وعيسى لا بحلول ولا اتحاد (3) ، بل إن كان ذلك ~~كله ممتنعا، فلا ريب أنه كله ممتنع في الجميع، وإن فسر ذلك بأمر ممكن، ~~كحصول معرفة الله والإيمان به، والأنوار الحاصلة بالإيمان به ونحو ذلك فهذا ~~قدر مشترك وأمر (4) ممكن. # وهكذا الأمر مع الشيعة: يجعلون الأمور المشتركة بين علي وغيره، التي تعمه ~~وغيره، مختصة به حتى رتبوا (5) عليه ما يختص به من العصمة، والإمامة، ~~والأفضلية، وهذا كله منتف PageV07P338 # فمن عرف سيرة الرسول، وأحوال الصحابة، ومعاني القرآن، والحديث علم أنه ~~ليس هناك اختصاص بما يوجب أفضليته، ولا إمامته، بل فضائله مشتركة، وفيها من ~~الفائدة إثبات إيمان علي، وولايته، والرد على النواصب الذين يسبونه، أو ~~يفسقونه، أو يكفرونه (1) ، ويقولون فيه من جنس ما تقوله الرافضة في ~~الثلاثة. # ففي فضائل علي الثابتة رد على النواصب، كما أن في فضائل الثلاثة ردا على ~~الروافض. # وعثمان رضي الله عنه تقدح فيه الروافض، والخوارج، ولكن شيعته يعتقدون ~~إمامته، ويقدحون (2) في إمامة علي، وهم في بدعتهم خير من شيعة علي الذين ~~يقدحون في غيره، والزيدية الذين يتولون أبا بكر وعمر مضطربون فيه. # وأيضا فالاستخلاف في الحياة نوع نيابة، لا بد منه لكل ولي أمر، وليس كل ~~(من) (3) يصلح للاستخلاف في ms1757 الحياة على بعض الأمة يصلح أن يستخلف بعد ~~الموت، فإن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف في حياته غير واحد، ومنهم من ~~لا يصلح للخلافة بعد موته، وذلك كبشير بن (عبد) المنذر (4) ، وغيره. # وأيضا فإنه مطالب في حياته بما يجب عليه من القيام بحقوق الناس ~~PageV07P339 # كما يطالب بذلك ولاة الأمور، وأما بعد موته فلا يطالب بشيء ; لأنه قد بلغ ~~الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه، ففي ~~حياته يجب عليه جهاد الأعداء، وقسم الفيء، وإقامة الحدود، واستعمال العمال، ~~وغير ذلك مما يوجب على ولاة الأمور بعده، وبعد موته لا يجب عليه شيء من ~~ذلك. # فليس الاستخلاف في الحياة كالاستخلاف بعد الموت، والإنسان إذا استخلف ~~أحدا في حياته على أولاده، وما يأمر به من البر كان * المستخلف وكيلا محضا ~~(1) يفعل ما أمر به الموكل، وإن استخلف أحدا على أولاده بعد موته، كان * ~~(2) وليا مستقلا يعمل بحسب المصلحة، كما أمر الله ورسوله (3) ، ولم يكن * ~~وكيلا للميت. # وهكذا أولو الأمر إذا استخلف أحدهم شخصا في حياته فإنه يفعل ما يأمره به ~~في القضايا المعينة، وأما إذا استخلفه بعد موته فإنه يتصرف بولايته، كما ~~أمر الله ورسوله، فإن * (4) هذا التصرف مضاف إليه لا إلى الميت بخلاف ما ~~فعله في الحياة بأمر مستخلفه فإنه يضاف إلى من استخلفه لا إليه فأين (5) ~~هذا من هذا! ؟ # ولم يقل أحد من العقلاء: إن من استخلف شخصا على بعض الأمور، وانقضى ذلك ~~الاستخلاف: إنه يكون خليفة بعد موته على PageV07P340 # شيء، ولكن الرافضة من أجهل الناس بالمعقول، والمنقول (1) . ### | [الرابع أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف عليا على المدينة مع قصر مدة الغيبة] # فصل. # قال الرافضي: (2) : " الرابع: أنه صلى الله عليه وسلم استخلفه على ~~المدينة مع قصر مدة الغيبة (3) فيجب أن (4) يكون خليفة له بعد (5) موته، ~~وليس غير علي إجماعا، ولأنه (6) لم يعزله عن المدينة فيكون خليفة (له) (7) ~~بعد موته فيها، وإذا كان خليفة فيها (8) كان خليفة في غيرها إجماعا ". # والجواب: أن هذه الحجة وأمثالها ms1758 من الحجج الداحضة التي هي من جنس بيت (9) ~~العنكبوت، والجواب عنها من وجوه: # أحدها: أن نقول على أحد القولين: إنه استخلف أبا بكر بعد موته، كما تقدم، ~~وإذا قالت الرافضة: بل استخلف عليا، قيل: الراوندية من جنسكم قالوا: استخلف ~~العباس، وكل من كان له علم بالمنقولات الثابتة يعلم أن الأحاديث الدالة على ~~استخلاف أحد بعد موته، إنما تدل PageV07P341 # على استخلاف أبي بكر ليس فيها شيء يدل على استخلاف علي، ولا العباس، بل ~~كلها تدل على أنه لم يستخلف واحدا منهما، فيقال حينئذ: إن كان النبي صلى ~~الله عليه وسلم استخلف أحدا فلم يستخلف إلا أبا بكر، وإن لم يستخلف أحدا ~~فلا هذا، ولا هذا. # فعلى تقدير كون الاستخلاف واجبا على الرسول لم يستخلف إلا أبا بكر، فإن ~~جميع أهل العلم بالحديث والسيرة متفقون على أن الأحاديث الثابتة لا تدل على ~~استخلاف غير أبي بكر، وإنما يدل ما يدل منها على استخلاف أبي بكر، وهذا ~~معلوم بالاضطرار عند العالم بالأحاديث الثابتة. # الوجه الثاني: أن نقول: أنتم لا تقولون بالقياس، وهذا احتجاج بالقياس حيث ~~قستم الاستخلاف في الممات على الاستخلاف في المغيب، وأما نحن إذا فرضنا على ~~أحد القولين فنقول: الفرق بينهما ما نبهنا عليه في استخلاف عمر في حياته، ~~وتوقفه في الاستخلاف بعد موته ; لأن الرسول في حياته شاهد على الأمة (1) ~~مأمور بسياستها بنفسه أو نائبه، وبعد موته انقطع عنه التكليف. # كما قال المسيح: {وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم} (سورة المائدة: 117) ~~الآية، لم يقل: كان خليفتي الشهيد عليهم، وهذا دليل على أن المسيح لم ~~يستخلف فدل على أن الأنبياء لا يجب عليهم الاستخلاف بعد الموت. # وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " فأقول كما قال ~~PageV07P342 # العبد الصالح: {وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم} (سورة المائدة: 117) (1) . # وقد قال تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل ~~انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله ~~الشاكرين} (سورة آل ms1759 عمران: 144) . # فالرسول بموته انقطع عنه التكليف، وهو لو استخلف خليفة في حياته لم يجب ~~أن يكون معصوما، بل كان يولي الرجل ولاية، ثم يتبين كذبه فيعزله، كما ولى ~~الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وهو لو استخلف رجلا لم يجب أن يكون معصوما، ~~وليس هو بعد موته شهيدا عليه، ولا مكلفا برده عما يفعله، بخلاف الاستخلاف ~~في الحياة. # الوجه الثالث: أن يقال الاستخلاف في الحياة واجب على كل ولي أمر، فإن كل ~~ولي أمر - رسولا كان أو إماما - عليه أن يستخلف فيما غاب عنه من الأمور، ~~فلا بد له من إقامة الأمر: إما بنفسه، وإما بنائبه. فما شهده من الأمر ~~أمكنه أن يقيمه بنفسه، وأما ما غاب عنه فلا يمكنه إقامته إلا بخليفة ~~يستخلفه عليه فيولي على من غاب عنه من رعيته من يأمرهم بالمعروف، وينهاهم ~~عن المنكر، ويأخذ منهم الحقوق، ويقيم فيهم (2) PageV07P343 # الحدود، ويعدل بينهم في الأحكام، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم ~~يستخلف في حياته على كل ما غاب عنه، فيولي (1) الأمراء على السرايا يصلون ~~بهم (2) ، ويجاهدون بهم، ويسوسونهم، ويؤمر أمراء على (3) الأمصار، كما أمر ~~عتاب بن أسيد على مكة، وأمر خالد بن سعيد بن العاص، وأبان بن سعيد بن ~~العاص، وأبا سفيان بن حرب، ومعاذا، وأبا موسى على قرى عرينة، وعلى نجران، ~~وعلى اليمن، وكما كان يستعمل عمالا على الصدقة فيقبضونها ممن تجب عليه، ~~ويعطونها لمن تحل له، كما استعمل غير واحد. # وكان يستخلف في إقامة الحدود، كما قال لأنيس: " «يا أنيس اغد على امرأة ~~هذا، فإن اعترفت فارجمها» " (4) فغدا عليها فاعترفت فرجمها. # وكان يستخلف على الحج، كما استخلف أبا بكر على إقامة الحج عام تسع بعد ~~غزوة تبوك، وكان علي من جملة رعية أبي بكر يصلي خلفه، ويأتمر بأمره، وذلك ~~(5) بعد غزوة تبوك. # وكما استخلف على المدينة مرات كثيرة فإنه كان كلما خرج في غزاة ~~PageV07P344 # استخلف، ولما حج واعتمر استخلف فاستخلف في غزوة بدر، وبني المصطلق، وغزوة ~~خيبر، وغزوة الفتح، واستخلف في غزوة الحديبية، وفي ms1760 غزوة القضاء، وحجة ~~الوداع، وغير ذلك. # وإذا كان الاستخلاف في الحياة واجبا على متولي الأمر، وإن لم يكن نبيا مع ~~أنه لا يجب عليه الاستخلاف بعد * موته لكون الاستخلاف في الحياة أمرا ~~ضروريا لا يؤدى الواجب إلا به بخلاف الاستخلاف بعد * (1) الموت فإنه قد بلغ ~~الأمة، وهو الذي يجب عليهم طاعته بعد موته فيمكنهم أن يعينوا من يؤمرونه ~~عليهم، كما يمكن ذلك في كل فروض الكفاية التي تحتاج إلى واحد معين - علم ~~أنه لا يلزم من وجوب الاستخلاف في الحياة وجوبه بعد الموت. # الرابع: أن الاستخلاف في الحياة واجب في أصناف الولايات، كما كان النبي ~~صلى الله عليه وسلم يستخلف على من غاب عنهم (2) من يقيم فيهم الواجب، ~~ويستخلف في الحج، وفي قبض الصدقات، وحفظ مال الفيء، وفي إقامة الحدود، وفي ~~الغزو، وغير ذلك. # ومعلوم أن هذا الاستخلاف لا يجب بعد الموت باتفاق العقلاء، بل ولا يمكن، ~~فإنه لا يمكن أن يعين للأمة بعد موته من يتولى كل أمر جزئي، فإنهم يحتاجون ~~إلى واحد بعد واحد، وتعيين ذلك متعذر، ولأنه لو عين واحدا فقد يختلف حاله ~~ويجب عزله، فقد كان يولي في حياته من يشكي (3) إليه فيعزله، كما عزل الوليد ~~بن عقبة، وعزل سعد (4) بن عبادة PageV07P345 # عام الفتح، وولى ابنه قيسا، وعزل إماما كان يصلي بقوم لما بصق في القبلة، ~~وولى مرة (1) رجلا فلم يقم بالواجب، فقال: " «أعجزتم إذا وليت من لا يقوم ~~بأمري أن تولوا رجلا يقوم بأمري» " (2) فقد فوض إليهم عزل من لا يقوم ~~بالواجب من ولاته، فكيف لا يفوض (3) إليهم ابتداء تولية من يقوم بالواجب. # وإذا (4) كان في حياته من يوليه، ولا يقوم بالواجب فيعزله، أو يأمر ~~بعزله، كان لو ولى واحدا بعد موته يمكن فيه أن لا يقوم بالواجب، وحينئذ ~~فيحتاج إلى عزله فإذا ولته الأمة وعزلته كان خيرا لهم من أن يعزلوا من ولاه ~~النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مما يتبين به حكمة ترك الاستخلاف، وعلى هذا ~~فنقول في: # الوجه الخامس: إن ترك الاستخلاف ms1761 بعد مماته كان أولى من الاستخلاف (5) ، ~~كما اختاره الله لنبيه، فإنه لا يختار له إلا أفضل الأمور، وذلك لأنه: إما ~~أن يقال: يجب أن لا يستخلف في حياته من ليس PageV07P346 # بمعصوم، وكان يصدر من بعض نوابه أمور منكرة فينكرها عليهم، ويعزل من يعزل ~~منهم، كما استعمل خالد بن الوليد على قتال بني جذيمة فقتلهم، فوداهم النبي ~~صلى الله عليه وسلم بنصف دياتهم، وأرسل علي بن أبي طالب فضمن لهم حتى ميلغة ~~الكلب (1) ، ورفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه (2) إلى السماء، وقال: " ~~«اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد» ". (3) # واختصم خالد، وعبد الرحمن بن عوف حتى قال صلى الله عليه وسلم: " «لا ~~تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ (4) مد ~~أحدهم، ولا نصيفه» " (5) ، ولكن مع هذا لم يعزل النبي صلى الله عليه وسلم ~~خالدا. # واستعمل الوليد بن عقبة على صدقات قوم فرجع فأخبره أن القوم امتنعوا، ~~وحاربوا فأراد غزوهم، فأنزل الله تعالى: {إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن ~~تصيبوا قوما بجهالة} (سورة الحجرات: 6) . # وولى سعد بن عبادة يوم الفتح فلما بلغه أن سعدا قال: # اليوم يوم الملحمة اليوم تستباح الحرمة عزله، وولى ابنه قيسا، وأرسل ~~بعمامته علامة على عزله ليعلم سعد أن ذلك أمر من النبي صلى الله عليه وسلم. # وكان يشتكى إليه بعض نوابه فيأمره بما أمر (6) الله به، كما اشتكى أهل ~~PageV07P347 # قباء معاذا لتطويله الصلاة بهم، لما قرأ البقرة في صلاة العشاء، فقال: " ~~«أفتان أنت يا معاذ؟ اقرأ بسبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يغشى، ونحوها» " ~~(1) . # وفي الصحيح «أن رجلا قال له: إني أتخلف عن صلاة الفجر مما يطول بنا فلان، ~~فقال: " يا أيها الناس إذا أم أحدكم فليخفف، فإن من ورائه الضعيف، والكبير، ~~وذا الحاجة، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء " (2) . # ورأى إماما قد بصق في قبلة المسجد فعزله عن الإمامة، وقال إنك آذيت الله ~~ورسوله» " (3) . PageV07P348 # وكان الواحد من خلفائه إذا أشكل عليه الشيء أرسل إليه يسأله (1) عنه. # فكان الرسول صلى ms1762 الله عليه وسلم في حياته يعلم خلفاءه ما جهلوا، ويقومهم ~~إذا زاغوا، ويعزلهم إذا لم يستقيموا، ولم يكونوا مع ذلك معصومين فعلم أنه ~~لم يكن يجب عليه أن يولي المعصوم. # وأيضا، فإن هذا تكليف ما لا يمكن، فإن الله لم يخلق أحدا معصوما غير ~~الرسول صلى الله عليه وسلم، فلو كلف أن يستخلف معصوما لكلف ما لا يقدر ~~عليه، وفات مقصود الولايات، وفسدت أحوال الناس في الدين والدنيا. # وإذا علم أنه كان يجوز - بل يجب - أن يستخلف في حياته من ليس بمعصوم فلو ~~استخلف بعد موته، كما استخلف في حياته لاستخلف (2) أيضا غير معصوم، وكان لا ~~يمكن أن يعلمه، ويقومه، كما كان يفعل في حياته فكان أن لا يستخلف خيرا من ~~أن يستخلف (3) . # والأمة قد بلغها أمر الله ونهيه، وعلموا ما أمر الله به ونهى عنه، فهم ~~يستخلفون من يقوم بأمر الله ورسوله، ويعاونونه على إتمامهم القيام ~~PageV07P349 # بذلك إذا كان الواحد لا يمكنه القيام بذلك، فما فاته من العلم بينه له من ~~يعلمه، وما احتاج إليه من القدرة عاونه عليه من يمكنه الإعانة، وما خرج فيه ~~عن الصواب أعادوه إليه بحسب الإمكان بقولهم وعملهم (1) ، وليس على الرسول ~~ما حملوه، كما أنهم ليس عليهم ما حمل. # فعلم أن ترك الاستخلاف من النبي صلى الله عليه وسلم بعد الموت أكمل في حق ~~الرسول من الاستخلاف، وأن من قاس وجوب الاستخلاف بعد الممات على وجوبه في ~~الحياة كان من أجهل الناس. # وإذا علم الرسول أن الواحد من الأمة هو أحق بالخلافة، كما كان يعلم أن ~~أبا بكر هو أحق بالخلافة من غيره، كان في دلالته للأمة على أنه أحق مع علمه ~~بأنهم يولونه ما يغنيه عن استخلافه لتكون الأمة هي القائمة بالواجب، ويكون ~~ثوابها على ذلك أعظم من حصول مقصود الرسول. # وأما أبو بكر فلما علم أنه ليس في الأمة مثل عمر، وخاف أن لا يولوه إذا ~~لم يستخلفه (2) لشدته، فولاه هو - كان ذلك هو المصلحة للأمة. # فالنبي صلى الله عليه وسلم علم ms1763 أن الأمة يولون أبا بكر، فاستغنى بذلك عن ~~توليته، مع دلالته لهم على أنه أحق الأمة بالتولية، وأبو بكر لم يكن يعلم ~~أن الأمة يولون عمر إذا لم يستخلفه أبو بكر، فكان ما فعله النبي صلى الله ~~عليه وسلم هو اللائق به لفضل علمه، وما فعله صديق الأمة هو اللائق به إذ لم ~~(3) يعلم ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم PageV07P350 # الوجه السادس: أن يقال " هب أن الاستخلاف واجب (1) ، فقد استخلف النبي ~~صلى الله عليه وسلم أبا بكر على قول من يقول: إنه استخلفه، ودل على ~~استخلافه على القول الآخر. # وقوله: " لأنه لم يعزله عن المدينة ". # قلنا هذا باطل، فإنه لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم انعزل علي بنفس ~~رجوعه، كما كان غيره ينعزل إذا رجع، وقد أرسله بعد هذا إلى اليمن حتى وافاه ~~بالموسم في حجة الوداع، واستخلف على المدينة في حجة الوداع غيره. # أفترى النبي صلى الله عليه وسلم فيها مقيما وعلي باليمن، وهو خليفة ~~بالمدينة؟ ! # ولا ريب أن كلام هؤلاء كلام جاهل بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم، كأنهم ~~ظنوا أن عليا ما زال خليفة على المدينة حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم، ~~ولم يعلموا أن عليا بعد ذلك (2) أرسله النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسع مع ~~أبي بكر لنبذ العهود، وأمر عليه أبا بكر، ثم بعد رجوعه مع أبي بكر أرسله ~~إلى اليمن، كما أرسل معاذا، وأبا موسى. # ، ثم لما حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع استخلف على المدينة غير ~~علي، ووافاه علي بمكة، ونحر النبي صلى الله عليه وسلم مائة بدنة نحر بيده ~~ثلثيها، ونحر علي ثلثها. # وهذا كله معلوم عند أهل العلم متفق عليه بينهم، وتواترت به PageV07P351 # الأخبار كأنك تراه بعينك، ومن لم يكن له عناية بأحوال الرسول لم يكن له ~~أن يتكلم في هذه المسائل الأصولية. # والخليفة لا يكون خليفة إلا مع مغيب المستخلف، أو موته (1) ، فالنبي صلى ~~الله عليه وسلم إذا كان بالمدينة امتنع أن يكون له ms1764 خليفة فيها، كما أن سائر ~~من استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع انقضت خلافته، وكذلك سائر ~~ولاة الأمور إذا استخلف أحدهم على مصره في مغيبه بطل استخلافه ذلك إذا حضر ~~المستخلف. # ولهذا لا يصلح أن يقال: إن الله يستخلف أحدا عنه، فإنه حي قيوم شهيد (2) ~~مدبر لعباده منزه عن الموت، والنوم، والغيبة. # ولهذا لما قالوا لأبي بكر: يا خليفة الله. قال: لست خليفة الله، بل خليفة ~~رسول الله، وحسبي ذلك (3) . # والله تعالى يوصف بأنه يخلف العبد، كما قال صلى الله عليه وسلم: " «اللهم ~~أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل» " (4) ، وقال في حديث الدجال: " ~~«والله خليفتي على كل مسلم» " (5) . PageV07P352 # وكل من وصفه الله بالخلافة في القرآن فهو خليفة عن مخلوق كان قبله. # كقوله: {ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم} (سورة يونس: 14) {واذكروا ~~إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح} (سورة الأعراف: 69) {وعد الله الذين آمنوا ~~منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم} ~~(سورة النور: 55) . # وكذلك قوله: {إني جاعل في الأرض خليفة} (سورة البقرة: 30) أي: عن خلق كان ~~في الأرض قبل ذلك، كما ذكر (1) المفسرون، وغيرهم (2) . # وأما ما يظنه طائفة من الاتحادية، وغيرهم أن الإنسان خليفة الله فهذا جهل ~~وضلال. ### | الخامس حديث أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي # فصل. # قال الرافضي:: (3) " الخامس: ما رواه الجمهور (4) عن النبي صلى الله عليه ~~وسلم أنه قال لأمير المؤمنين (5) : «أنت أخي (6) PageV07P353 # ووصيي، وخليفتي من بعدي، وقاضي ديني» ، وهو نص في الباب ". # والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة هذا الحديث، فإن هذا الحديث ليس ~~في شيء من الكتب التي تقوم الحجة بمجرد إسناده إليها (1) ، ولا صححه (2) ~~إمام من أئمة الحديث. # وقوله: " رواه الجمهور ": إن أراد بذلك أن علماء الحديث رووه (3) في ~~الكتب التي يحتج بما فيها مثل كتاب (4) البخاري، ومسلم، ونحوهما، وقالوا: ~~إنه صحيح - فهذا كذب عليهم. وإن أراد بذلك أن هذا يرويه مثل أبي نعيم في " ~~الفضائل "، والمغازلي، وخطيب خوارزم، ونحوهم، أو يروى في كتب الفضائل، ~~فمجرد هذا ms1765 ليس بحجة باتفاق أهل العلم في مسألة فروع، فكيف في مسألة ~~الإمامة، التي قد أقمتم عليها القيامة؟ # الثاني: أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث (5) ، وقد ~~تقدم كلام ابن حزم أن سائر هذه الأحاديث موضوعة يعلم ذلك من له أدنى علم ~~بالأخبار ونقلتها (6) ، وقد صدق في ذلك، فإن من له أدنى معرفة بصحيح الحديث ~~وضعيفه ليعلم أن هذا الحديث ومثله ضعيف، بل وكذب موضوع، ولهذا لم يخرجه أحد ~~من أهل الحديث في الكتب التي يحتج بما فيها، وإنما يرويه من يرويه في ~~PageV07P354 # الكتب التي يجمع فيها بين الغث والسمين، التي يعلم كل عالم أن فيها ما هو ~~كذب مثل كثير من كتب التفسير: تفسير (1) الثعلبي، والواحدي، ونحوهما، ~~والكتب التي صنفها في الفضائل من يجمع الغث والسمين لا سيما خطيب خوارزم، ~~فإنه من أروى الناس للمكذوبات، وليس هو من أهل العلم بالحديث، ولا المغازلي ~~(2) . # قال أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب " الموضوعات " لما روى هذا الحديث (3) ~~من طريق أبي حاتم البستي، حدثنا محمد بن سهل بن أيوب، حدثنا عمار بن رجاء، ~~حدثنا عبيد الله (4) بن موسى، حدثنا مطر بن ميمون الإسكاف، عن أنس (5) أن ~~النبي صلى الله عليه وسلم قال: " «إن أخي، ووزيري، وخليفتي (6) من (7) ~~أهلي، وخير من أترك بعدي يقضي ديني، وينجز موعدي علي بن أبي طالب» (8) " ~~قال: هذا حديث موضوع، قال ابن حبان: مطر بن ميمون يروي الموضوعات عن ~~الأثبات لا تحل الرواية عنه ".. # رواه أيضا من طريق أحمد (9) بن عدي بنحو هذا اللفظ، ومداره على ~~PageV07P355 # عبيد الله بن موسى عن مطر بن ميمون، وكان عبيد الله بن موسى في نفسه ~~صدوقا روى عنه البخاري لكنه معروف بالتشيع فكان لتشيعه يروي عن غير الثقات ~~ما يوافق هواه، كما روى عن مطر بن ميمون هذا، وهو كذب، وقد يكون علم أنه ~~كذب ذلك، وقد يكون لهواه لم يبحث عن كذبه، ولو بحث عنه لتبين له أنه كذب ~~هذا مع أنه ليس في اللفظ الذي رواه هؤلاء المحدثون (1) : " «وخليفتي ms1766 من ~~بعدي» ، وإنما في تلك الطريق: " «وخليفتي في أهلي» " وهذا استخلاف خاص. # وأما اللفظ الآخر (2) الذي رواه ابن عدي، فإنه قال (3) : " حدثنا ابن أبي ~~سفيان (4) ، حدثنا عدي (5) بن سهل، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا مطر (6) ~~عن أنس قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " علي أخي، وصاحبي، وابن ~~عمي، وخير من أترك من بعدي (7) ، يقضي ديني، وينجز موعدي» " (8) . # ولا ريب أن مطرا هذا كذاب، لم (9) يرو عنه أحد من علماء الكوفة ~~PageV07P356 # مع روايته عن أنس فلم يرو عنه يحيى بن سعيد القطان، ولا وكيع، ولا أبو ~~معاوية، ولا أبو نعيم، ولا يحيى بن آدم، ولا أمثالهم مع كثرة من بالكوفة من ~~الشيعة، ومع أن كثيرا من عوامها يفضل عليا على عثمان، ويروي حديثه أهل ~~الكتب الستة حتى الترمذي، وابن ماجه قد يرويان عن ضعفاء، ولم يرووا عنه، ~~وإنما روى عنه عبيد الله بن موسى ; لأنه كان صاحب هوى متشيعا فكان لأجل ~~هواه يروي عن هذا، ونحوه، وإن كانوا كذابين. # ولهذا لم يكتب أحمد عن عبيد الله بن موسى (1) ، بخلاف عبد الرزاق، وذكر ~~أحمد أن عبيد الله (2) كان يظهر ما عنده بخلاف عبد الرزاق. # ومما افتراه مطر هذا ما رواه أبو بكر الخطيب في " تاريخه " من حديث عبيد ~~الله بن موسى، عند مطر (3) ، عن أنس، قال: «كنت عند النبي صلى الله عليه ~~وسلم فرأى عليا مقبلا فقال: " أنا وهذا حجة الله على أمتي يوم القيامة» "، ~~قال ابن الجوزي (4) : " هذا حديث موضوع، والمتهم بوضعه مطر قال أبو حاتم: ~~يروي الموضوعات عن الأثبات لا تحل الرواية عنه ". # الوجه الثالث: أن دين النبي صلى الله عليه وسلم (5) لم يقضه علي، ~~PageV07P357 # بل في الصحيح «أن النبي صلى الله عليه وسلم مات، ودرعه مرهونة عند يهودي ~~على ثلاثين وسقا من شعير ابتاعها لأهله» (1) ، فهذا الدين الذي كان عليه ~~يقضى من الرهن الذي رهنه، ولم يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم دين آخر. # وفي الصحيح عنه أنه قال: " «لا يقتسم (2) ورثتي دينارا، ولا درهما ms1767، ما ~~تركت بعد نفقة نسائي، ومؤنة عاملي فهو صدقة» " (3) . # فلو كان عليه دين قضي مما تركه، وكان ذلك مقدما على الصدقة، كما ثبت ذلك ~~في الحديث الصحيح (4) . ### | [السادس حديث المؤاخاة] # فصل. # قال الرافضي: (5) " السادس: حديث (6) المؤاخاة. روى أنس PageV07P358 # «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يوم المباهلة (1) ، وآخى بين ~~المهاجرين والأنصار، وعلي (2) واقف يراه ويعرفه (3) ، ولم يؤاخ بينه وبين ~~أحد، فانصرف باكيا (4) ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما فعل (5) أبو ~~الحسن، قالوا: انصرف باكي العين (6) ، [قال: يا بلال، اذهب فائتني به، فمضى ~~إليه، ودخل منزله باكي العين] (7) فقالت له فاطمة: ما يبكيك (8) ؟ قال: آخى ~~النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، ولم يؤاخ (9) بيني وبين ~~أحد قالت: لا يخزيك (10) الله، لعله إنما ادخرك (11) لنفسه، فقال بلال: يا ~~علي أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى فقال: ما يبكيك (12) يا أبا ~~الحسن؟ فأخبره، فقال: إنما أدخرك (13) لنفسي، ألا يسرك PageV07P359 # أن تكون أخا نبيك؟ قال: بلى، فأخذ بيده فأتى المنبر، فقال: اللهم هذا (1) ~~مني، وأنا منه، ألا إنه مني بمنزلة هارون من موسى، ألا من كنت مولاه فعلي ~~مولاه (2) ، فانصرف فاتبعه (3) عمر، فقال: بخ بخ يا أبا الحسن (4) ، أصبحت ~~مولاي، ومولى كل مسلم» (5) فالمؤاخاة (6) تدل على الأفضلية فيكون هو الإمام ~~". # والجواب أولا: المطالبة بتصحيح النقل، فإنه لم يعز هذا الحديث إلى كتاب ~~أصلا، كما عادته يعزو، وإن كان عادته يعزو إلى كتب لا تقوم بها الحجة، وهنا ~~أرسله إرسالا على عادة أسلافه شيوخ الرافضة يكذبون ويروون الكذب بلا إسناد، ~~وقد قال ابن المبارك: الإسناد من الدين، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، ~~فإذا سئل: وقف وتحير (7) . # الثاني: أن هذا الحديث موضوع عند أهل الحديث، لا يرتاب أحد من أهل ~~المعرفة بالحديث أنه موضوع (8) ، وواضعه جاهل كذب كذبا PageV07P360 # ظاهرا مكشوفا يعرف أنه كذب من له أدنى معرفة بالحديث، كما سيأتي بيانه. # الثالث: أن أحاديث (1) المؤاخاة لعلي كلها موضوعة (2) ، والنبي صلى الله ~~عليه وسلم لم يؤاخ أحدا، ولا آخى ms1768 بين مهاجري ومهاجري، ولا بين أبي بكر ~~وعمر، ولا بين أنصاري وأنصاري، ولكن آخى بين المهاجرين والأنصار في أول ~~قدومه المدينة (3) . # وأما المباهلة فكانت لما قدم وفد نجران سنة تسع، أو عشر من الهجرة (4) . # الرابع: أن دلائل الكذب على هذا الحديث بينة منها: أنه قال: " لما كان ~~يوم المباهلة وآخى بين المهاجرين والأنصار "، والمباهلة كانت لما قدم وفد ~~نجران النصارى، وأنزل الله سورة آل عمران، وكان ذلك في PageV07P361 # آخر الأمر سنة عشر أو سنة تسع لم يتقدم على ذلك باتفاق الناس، والنبي صلى ~~الله عليه وسلم لم يباهل النصارى لكن دعاهم إلى المباهلة فاستنظروه حتى ~~يشتوروا فلما اشتوروا، قالوا: هو نبي، وما باهل قوم نبيا إلا استؤصلوا ~~فأقروا له بالجزية، ولم يباهلوا، وهم أول من أقر بالجزية من أهل الكتاب، ~~وقد اتفق الناس على أنه لم يكن في ذلك اليوم مؤاخاة. # الخامس: أن المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار كانت في السنة الأولى من ~~الهجرة في دار بني النجار، وبين المباهلة وذلك عدة سنين. # السادس: أنه كان (1) قد آخى بين المهاجرين والأنصار، والنبي صلى الله ~~عليه وسلم وعلي كلاهما من المهاجرين فلم يكن بينهم مؤاخاة، بل آخى بين علي ~~وسهل بن حنيف، فعلم أنه لم يؤاخ عليا، وهذا مما (2) يوافق ما في الصحيحين ~~من أن المؤاخاة إنما كانت بين المهاجرين والأنصار لم تكن بين مهاجري ~~ومهاجري (3) . # السابع: أن قوله: " «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى» "، إنما ~~قاله في غزوة تبوك مرة واحدة لم يقل ذلك في غير ذلك المجلس أصلا باتفاق أهل ~~العلم بالحديث. # وأما حديث الموالاة فالذين رووه (4) ذكروا أنه قاله بغدير خم مرة واحدة ~~لم يتكرر في غير ذلك المجلس أصلا (5) . PageV07P362 # الثامن: أنه قد تقدم الكلام على المؤاخاة، وأن فيها عموما وإطلاقا لا ~~يقتضي الأفضلية والإمامة، وأن ما ثبت للصديق من الفضيلة لا يشركه فيه غيره ~~كقوله: «لو كنت متخذا خليلا من أهل الأرض لاتخذت أبا بكر خليلا» (1) ، ~~وإخباره: أن أحب الرجال إليه أبو بكر، وشهادة الصحابة ms1769 له (2) أنه أحبهم إلى ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك مما يبين أن الاستدلال بما روى من ~~المؤاخاة باطل نقلا ودلالة. # التاسع: أن من الناس من يظن أن المؤاخاة، وقعت بين المهاجرين بعضهم مع ~~بعض ; لأنه روي فيها أحاديث، لكن الصواب المقطوع به أن هذا لم يكن، وكل ما ~~روي في ذلك فإنه باطل، إما أن يكون من رواية من يتعمد الكذب، وإما أن يكون ~~أخطأ فيه، ولهذا لم يخرج أهل الصحيح * شيئا من ذلك. # والذي في الصحيح إنما هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ومعلوم أنه لو ~~آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض، وبين الأنصار بعضهم مع بعض لكان هذا مما ~~تتوفر الهمم، والدواعي على نقله، ولكان يذكر في أحاديث (3) المؤاخاة، ويذكر ~~كثيرا فكيف، وليس في هذا حديث صحيح، ولا خرج أهل الصحيح * (4) من ذلك شيئا. # وهذه الأمور يعرفها من كان له خبرة بالأحاديث الصحيحة، والسيرة (5) ~~PageV07P363 # المتواترة، وأحوال النبي صلى الله عليه وسلم، وسبب المؤاخاة، وفائدتها، ~~ومقصودها، وأنهم كانوا يتوارثون بذلك فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بين ~~المهاجرين والأنصار، كما آخى بين سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف، وبين ~~سلمان الفارسي وأبي الدرداء ليعقد الصلة بين المهاجرين والأنصار حتى أنزل ~~الله تعالى: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} (سورة الأنفال: ~~75) ، وهي المحالفة التي أنزل الله فيها: {والذين عقدت أيمانكم فآتوهم ~~نصيبهم} (سورة النساء: 33) (1) . # وقد تنازع الفقهاء هل هي محكمة يورث بها عند عدم النسب، أو لا يورث بها؟ ~~على قولين هما روايتان عن أحمد، الأول: مذهب أبي حنيفة، والثاني: مذهب ~~مالك، والشافعي. ### | السابع حديث الراية # فصل. # قال الرافضي: (2) " السابع: ما رواه الجمهور كافة «أن النبي صلى الله ~~عليه وسلم لما حاصر خيبر تسعا وعشرين ليلة (3) ، وكانت الراية لأمير ~~المؤمنين علي (4) ، فلحقه رمد أعجزه عن PageV07P364 # الحرب، وخرج مرحب يتعرض للحرب فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ~~بكر، فقال له خذ الراية فأخذها في جمع من المهاجرين (1) (فاجتهد) (2) ، ولم ~~يغن شيئا، ورجع منهزما فلما ms1770 كان من الغد تعرض لها عمر فسار غير بعيد، ثم ~~رجع يخبر أصحابه (3) ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: جيئوني بعلي، فقيل: ~~إنه أرمد، فقال: أرونيه أروني (4) رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله ~~ليس بفرار، فجاءوا بعلي فتفل في يده، ومسحها على عينيه (5) ورأسه فبرئ (6) ~~فأعطاه (7) الراية ففتح الله على يديه (8) ، وقتل مرحبا» (9) ، ووصفه عليه ~~السلام بهذا الوصف يدل على انتفائه عن غيره، وهو يدل على أفضليته فيكون هو ~~الإمام. # والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بتصحيح النقل، وأما قوله: " رواه ~~الجمهور "، فإن الثقات الذين رووه لم يرووه هكذا، بل الذي PageV07P365 # في الصحيح أن عليا كان غائبا عن خيبر لم يكن حاضرا فيها تخلف عن الغزاة ; ~~لأنه كان أرمد، ثم إنه شق عليه التخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلحقه ~~فقال النبي صلى الله عليه وسلم قبل قدومه: " «لأعطين الراية رجلا يحب الله ~~ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه» " (1) . # ولم تكن الراية قبل ذلك لأبي بكر، ولا لعمر، ولا قربها واحد منهما، بل ~~هذا من الأكاذيب، ولهذا قال عمر: " فما أحببت الإمارة إلا يومئذ، وبات ~~الناس كلهم يرجون أن يعطاها فلما أصبح دعا عليا فقيل له (2) : إنه أرمد ~~فجاءه فتفل في عينيه (3) حتى برأ فأعطاه الراية ". # وكان هذا التخصيص جزاء مجيء علي مع الرمد، وكان إخبار النبي صلى الله ~~عليه وسلم بذلك، وعلي ليس بحاضر لا يرجونه من كراماته صلى الله عليه وسلم ~~فليس في الحديث تنقيص بأبي بكر، وعمر أصلا. # الثاني: أن إخباره أن عليا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله حق، وفيه ~~رد على النواصب لكن الرافضة الذين يقولون إن الصحابة ارتدوا بعد موته لا ~~يمكنهم الاستدلال بهذا ; لأنه الخوارج تقول لهم هو ممن ارتد أيضا، كما ~~قالوا لما حكم الحكمين إنك قد ارتددت عن الإسلام فعد إليه. # قال الأشعري في كتاب " المقالات " (4) : " أجمعت الخوارج على كفر علي " ~~(5) . PageV07P366 # وأما أهل السنة فيمكنهم الاستدلال على بطلان قول الخوارج بأدلة كثيرة ~~لكنها مشتركة تدل على إيمان الثلاثة ms1771، والرافضة تقدح فيها فلا يمكنهم إقامة ~~دليل على الخوارج على أن عليا مات مؤمنا، بل أي دليل ذكروه قدح فيه ما ~~يبطله على أصلهم ; لأنه أصلهم فاسد. # وليس هذا الوصف من خصائص علي، بل غيره يحب الله ورسوله، ويحبه الله ~~ورسوله لكن فيه الشهادة لعينه (1) بذلك، كما شهد لأعيان العشرة بالجنة، ~~وكما شهد لثابت بن قيس بالجنة، وشهد لعبد الله حمار بأنه يحب الله ورسوله ~~(2) ، وقد كان ضربه في الحد مرات. # وقول القائل: " إن هذا يدل على انتفاء هذا الوصف عن غيره ". # فيه جوابان: أحدهما: أنه إن سلم ذلك، فإنه قال: " «لأعطين الراية رجلا ~~يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه» ". # فهذا المجموع اختص به، وهو أن ذلك الفتح كان على يديه، ولا يلزم إذا كان ~~ذلك الفتح المعين على يديه أن يكون أفضل من غيره فضلا عن أن يكون مختصا ~~بالإمامة. # الثاني: أن يقال: لا نسلم أن هذا يوجب التخصيص، كما لو قيل: لأعطين هذا ~~المال رجلا فقيرا، أو رجلا صالحا، ولأدعون اليوم رجلا مريضا صالحا، أو ~~لأعطين (3) هذه الراية رجلا شجاعا، ونحو ذلك - لم PageV07P367 # يكن في هذه الألفاظ ما يوجب أن تلك الصفة لا توجد إلا في واحد، بل هذا ~~يدل على أن ذلك الواحد موصوف بذلك. # ولهذا لو نذر أن يتصدق بألف درهم على رجل صالح، أو فقير فأعطى هذا ~~المنذور لواحد لم يلزم أن يكون غيره ليس كذلك، ولو قالوا: أعطوا هذا المال ~~لرجل قد حج عني فأعطوه رجلا لم يلزم أن غيره لم يحج عنه. # الثالث: أنه لو قدر ثبوت أفضليته في ذلك الوقت فلا يدل ذلك على أن غيره ~~لم يكن أفضل منه بعد ذلك. # الرابع: أنه لو قدرنا أفضليته (1) لم يدل ذلك على أنه إمام معصوم منصوص ~~(2) عليه، بل كثير من الشيعة الزيدية، ومتأخري المعتزلة، وغيرهم يعتقدون ~~أفضليته (3) ، وأن الإمام هو أبو بكر، وتجوز عندهم ولاية المفضول، وهذا مما ~~يجوزه كثير من غيرهم ممن يتوقف في تفضيله (4) بعض الأربعة على ms1772 بعض، أو ممن ~~يرى أن هذه المسألة ظنية لا يقوم فيها دليل قاطع على فضيلة واحد معين، فإن ~~من لم يكن له خبرة بالسنة الصحيحة قد يشك في ذلك. # وأما أئمة المسلمين، المشهورون فكلهم متفقون على أن أبا بكر وعمر أفضل من ~~عثمان وعلي، ونقل هذا الإجماع غير واحد، كما روى البيهقي في كتاب " مناقب ~~الشافعي " (مسنده عن الشافعي) (5) قال: " ما PageV07P368 # اختلف أحد من الصحابة، والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر، وتقديمهما على ~~جميع الصحابة ". (1) # وروى مالك، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كنا نفاضل على عهد رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم، فنقول: خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو ~~بكر ثم عمر (2) . # وقد تقدم نقل البخاري عن علي هذا الكلام (3) . # والشيعة الذين صحبوا عليا كانوا يقولون ذلك، وتواتر ذلك عن علي من نحو ~~ثمانين وجها، وهذا مما يقطع به أهل العلم ليس هذا مما يخفى على من كان ~~عارفا بأحوال الرسول والخلفاء. ### | الثامن حديث الطائر # فصل. # قال الرافضي: (4) " الثامن: خبر الطائر (5) ، روى الجمهور كافة أن النبي ~~صلى الله عليه وسلم أتي بطائر، فقال: «اللهم ائتني PageV07P369 # بأحب خلقك إليك، وإلي يأكل معي من هذا الطائر، فجاء علي، فدق الباب فقال ~~أنس (1) : إن النبي صلى الله عليه وسلم على حاجة (2) فرجع، ثم قال النبي ~~صلى الله عليه وسلم كما قال أولا، فدق الباب (3) فقال أنس: ألم أقل لك إنه ~~علي (4) حاجة (5) ؟ فانصرف (6) ، فعاد النبي صلى الله عليه وسلم، فعاد علي ~~فدق الباب (7) أشد من الأولين (8) ، فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فأذن ~~(9) له بالدخول، وقال: ما أبطأك (10) عني؟ قال: جئت فردني أنس، ثم جئت ~~فردني (أنس) (11) ، ثم جئت فردني الثالثة (12) ، فقال يا أنس: ما حملك على ~~هذا؟ فقال: رجوت أن يكون الدعاء لرجل من الأنصار (13) ، فقال: يا أنس، أو ~~في الأنصار PageV07P370 # خير من علي، أو في الأنصار أفضل من علي فإذا كان أحب الخلق إلى الله (1) ~~، وجب أن يكون هو الإمام» (2) . # والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بتصحيح ms1773 النقل، وقوله روى الجمهور كافة: ~~كذب عليهم، فإن حديث الطير لم يروه أحد من أصحاب الصحيح، ولا صححه أئمة ~~الحديث، ولكن هو مما رواه بعض الناس، كما رووا أمثاله في فضل غير علي، بل ~~قد روي (3) في فضائل معاوية أحاديث كثيرة، وصنف في ذلك مصنفات، وأهل العلم ~~بالحديث لا يصححون لا هذا، ولا هذا. # الثاني: أن حديث الطائر (4) من المكذوبات الموضوعات عند أهل العلم، ~~والمعرفة بحقائق النقل (5) ، قال: أبو موسى المديني: " قد جمع غير ~~PageV07P371 # واحد من الحفاظ طرق أحاديث الطير للاعتبار والمعرفة، كالحاكم النيسابوري، ~~وأبي نعيم، وابن مردويه، وسئل الحاكم عن حديث الطير فقال: لا يصح " (1) . ~~PageV07P372 # هذا مع أن الحاكم منسوب إلى التشيع، وقد طلب منه أن يروي حديثا في فضل ~~معاوية، فقال: ما يجيء من قلبي ما يجيء من قلبي، وقد ضربوه على ذلك فلم ~~يفعل، وهو يروي في الأربعين أحاديث ضعيفة، بل موضوعة عند أئمة الحديث، ~~كقوله بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين لكن تشيعه، وتشيع أمثاله من ~~أهل العلم بالحديث كالنسائي، وابن عبد البر، وأمثالهما لا يبلغ إلى تفضيله ~~على أبي بكر وعمر فلا يعرف في علماء الحديث من يفضله عليهما (1) ، بل غاية ~~المتشيع منهم أن يفضله على عثمان، أو يحصل منه كلام، أو إعراض عن ذكر محاسن ~~من قائله، ونحو ذلك ; لأن علماء الحديث قد عصمهم، وقيدهم ما يعرفون من ~~الأحاديث الصحيحة الدالة على أفضلية (2) الشيخين، ومن ترفض ممن له نوع ~~اشتغال بالحديث كابن عقدة، وأمثاله فهذا غايته أن يجمع ما يروى في فضائله ~~من المكذوبات، والموضوعات لا يقدر أن يدفع ما تواتر من فضائل الشيخين ~~PageV07P373 # فإنها باتفاق أهل العلم بالحديث أكثر مما صح في فضائل علي وأصح وأصرح في ~~الدلالة. # وأحمد بن حنبل لم يقل: إنه صح لعلي من الفضائل ما لم يصح لغيره، بل أحمد ~~أجل من أن يقول مثل هذا الكذب، بل نقل عنه أنه قال: روي له ما لم يرو ~~لغيره، مع أن في نقل هذا عن أحمد كلاما ليس هذا موضعه. # الثالث: أن ms1774 أكل الطير ليس فيه أمر عظيم يناسب أن يجيء أحب الخلق إلى الله ~~ليأكل منه، فإن إطعام الطعام مشروع للبر والفاجر، وليس في ذلك زيادة وقربة ~~عند الله لهذا الآكل، ولا معونة على مصلحة دين، ولا دنيا فأي أمر عظيم هنا ~~يناسب جعل أحب الخلق إلى الله يفعله؟ ! # الرابع: أن هذا الحديث يناقض مذهب (1) الرافضة، فإنهم يقولون: إن النبي ~~صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن عليا أحب الخلق إلى الله، وأنه جعله خليفة ~~من بعده، وهذا الحديث يدل على أنه ما كان يعرف أحب الخلق إلى الله. # الخامس: أن يقال: إما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف أن عليا ~~أحب الخلق إلى الله، أو ما كان يعرف، فإن كان يعرف ذلك كان يمكنه أن يرسل ~~يطلبه، كما كان يطلب الواحد من الصحابة، أو يقول اللهم ائتني بعلي، فإنه ~~أحب الخلق إليك، فأي حاجة إلى الدعاء والإبهام في ذلك؟ ! ولو سمى عليا ~~لاستراح أنس من الرجاء الباطل، ولم يغلق الباب في وجه علي. PageV07P374 # وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف ذلك بطل ما يدعونه من كونه كان ~~يعرف ذلك، ثم إن في لفظه: " «أحب الخلق إليك وإلي» " فكيف لا يعرف أحب ~~الخلق إليه؟ ! # السادس: أن الأحاديث الثابتة في الصحاح التي أجمع أهل الحديث على صحتها، ~~وتلقيها بالقبول تناقض هذا فكيف تعارض بهذا الحديث المكذوب الموضوع الذي لم ~~يصححوه؟ ! # يبين (1) هذا لكل متأمل ما في صحيح البخاري (2) ، ومسلم، وغيرهما من ~~فضائل القوم، كما في الصحيحين أنه قال: " «لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا ~~لاتخذت أبا بكر خليلا» "، وهذا الحديث مستفيض، بل متواتر عند أهل العلم ~~بالحديث، فإنه قد أخرج في الصحاح من وجوه متعددة من حديث ابن مسعود، وأبي ~~سعيد، وابن عباس، وابن الزبير (3) ، وهو صريح في أنه لم يكن عنده من أهل ~~الأرض أحد أحب إليه من أبي بكر، فإنه الخلة هي كمال الحب، وهذا لا يصلح إلا ~~لله (4) ، فإذا كانت ممكنة، ولم يصلح ms1775 لها إلا أبو بكر علم أنه أحب الناس ~~إليه. # وقوله في الحديث الصحيح لما سئل: " «أي الناس أحب إليك؟ قال: " عائشة " ~~قيل: من الرجال قال: " أبوها» " (5) . # وقول الصحابة: " أنت خيرنا وسيدنا وأحب إلى رسول الله صلى الله ~~PageV07P375 # عليه وسلم " (1) يقوله عمر بين المهاجرين والأنصار، ولا ينكر ذلك منكر. # وأيضا فالنبي صلى الله عليه وسلم محبته تابعة لمحبة الله، وأبو بكر أحبهم ~~إلى الله تعالى فهو أحبهم إلى رسوله. # وإنما كان كذلك ; لأنه أتقاهم (وأكرمهم) (2) وأكرم الخلق على (3) الله ~~تعالى أتقاهم بالكتاب والسنة، وإنما كان أتقاهم ; لأن الله تعالى قال: ~~{وسيجنبها الأتقى - الذي يؤتي ماله يتزكى - وما لأحد عنده من نعمة تجزى - ~~إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى - ولسوف يرضى} (سورة الليل: 18 - 21) . # وأئمة التفسير (4) يقولون: إنه أبو بكر (5) . # ونحن نبين صحة قولهم بالدليل فنقول الأتقى قد يكون نوعا، وقد يكون شخصا، ~~وإذا كان نوعا فهو يجمع أشخاصا، فإن قيل: إنهم ليس فيهم شخص هو أتقى كان ~~هذا باطلا ; لأنه لا شك أن بعض الناس أتقى من بعض، مع أن هذا خلاف قول أهل ~~السنة والشيعة، فإن هؤلاء يقولون: إن أتقى الخلق بعد رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم من هذه الأمة هو أبو بكر، وهؤلاء يقولون: هو علي، وقد قال بعض ~~الناس: هو عمر، ويحكى عن بعض الناس غير ذلك، ومن توقف أو شك لم يقل: ~~PageV07P376 # إنهم مستوون في التقوى، فإذا قال: إنهم متساوون في الفضل، فقد خالف إجماع ~~الطوائف فتعين أن يكون هذا (1) أتقى. # وإن كان الأتقى شخصا فإما أن يكون أبا بكر أو عليا، فإنه إذا كان اسم جنس ~~يتناول من دخل فيه، وهو (2) النوع، وهو القسم الأول، أو معينا (3) غيرهما، ~~وهذا القسم منتف باتفاق أهل السنة والشيعة، وكونه عليا باطل أيضا ; لأنه ~~قال: {الذي يؤتي ماله يتزكى - وما لأحد عنده من نعمة تجزى - إلا ابتغاء وجه ~~ربه الأعلى - ولسوف يرضى} (سورة الليل: 18 - 21) . # وهذا الوصف منتف في علي لوجوه: # أحدها: أن هذه السورة مكية بالاتفاق، وكان علي فقيرا بمكة في ms1776 عيال النبي ~~صلى الله عليه وسلم، ولم يكن له مال ينفق منه (4) ، بل كان النبي صلى الله ~~عليه وسلم قد ضمه إلى عياله لما أصابت أهل مكة سنة. # الثاني: أنه قال: {وما لأحد عنده من نعمة تجزى} (سورة الليل: 19) ، وعلي ~~كان للنبي صلى الله عليه وسلم عنده نعمة تجزى، وهو إحسانه إليه لما ضمه إلى ~~عياله بخلاف أبي بكر، فإنه لم يكن له (5) عنده نعمة دنيوية لكن كان (6) له ~~عنده نعمة الدين، وتلك لا تجزى، فإن أجر النبي PageV07P377 # صلى الله عليه وسلم فيها على الله لا يقدر أحد يجزيه، فنعمة النبي صلى ~~الله عليه وسلم عند أبي بكر دينية لا تجزى، ونعمته عند علي دنيوية تجزى، ~~ودينية. # وهذا الأتقى ليس لأحد عنده نعمة تجزى، وهذا الوصف لأبي بكر ثابت دون علي. # فإن قيل: المراد به (1) أنه أنفق ماله لوجه الله لا جزاء لمن أنعم عليه، ~~وإذا قدر أن شخصا أعطى من أحسن إليه أجرا (2) ، وأعطى شيئا آخر لوجه الله، ~~كان هذا مما ليس لأحد عنده من نعمة تجزى. # قيل: هب أن الأمر كذلك، لكن عليا لو أنفق لم ينفق إلا فيما يأمره (3) به ~~النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي له عنده نعمة تجزى فلا يخلص إنفاقه عن ~~المجازاة، كما يخلص إنفاق أبي بكر. # وعلي أتقى من غيره، لكن (4) أبا بكر أكمل في وصف التقوى، مع أن لفظ الآية ~~أنه ليس عنده قط لمخلوق نعمة تجزى، وهذا وصف من يجازي الناس على إحسانهم ~~إليه فلا يبقى لمخلوق عليه منة، وهذا الوصف منطبق على أبي بكر انطباقا لا ~~يساويه فيه أحد من المهاجرين، فإنه لم يكن في المهاجرين - عمر وعثمان وعليا ~~وغيرهم - رجل (5) أكثر إحسانا إلى الناس قبل الإسلام، وبعده بنفسه، وماله ~~من أبي بكر كان PageV07P378 # مؤلفا محببا يعاون الناس على مصالحهم، كما قال فيه ابن الدغنة سيد القارة ~~لما أراد أن يخرج من مكة: " مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج، فإنك تحمل ~~الكل، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على ms1777 نوائب الحق ". (1) # وفي صلح الحديبية لما قال «لعروة بن مسعود: " امصص بظر اللات، أنحن نفر ~~عنه وندعه؟ قال لأبي بكر: لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك» " (2) . # وما عرف قط أن أحدا كانت له يد على أبي بكر في الدنيا لا قبل PageV07P379 # الإسلام، ولا بعده فهو أحق الصحابة: {وما لأحد عنده من نعمة تجزى} فكان ~~أحق الناس بالدخول في الآية. # وأما علي رضي الله عنه فكان للنبي صلى الله عليه وسلم عليه نعمة دنيوية، ~~وفي المسند لأحمد أن أبا بكر رضي الله عنه كان يسقط السوط من يده فلا يقول ~~لأحد: ناولني إياه، ويقول: إن خليلي أمرني أن لا أسال الناس شيئا (1) . # وفي المسند، والترمذي، وأبي داود حديث عمر، قال عمر: " أمرنا رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، فوافق (2) ذلك مالا عندي، فقلت اليوم أسبق ~~أبا بكر، إن سبقته يوما، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: " ما أبقيت لأهلك "، فقلت: مثله، قال: وأتى أبو بكر بكل ما عنده ~~فقال: " ما أبقيت لأهلك؟ "، قال: أبقيت لهم الله ورسوله، فقلت: لا أسابقك ~~إلى شيء أبدا " (3) . # فأبو بكر رضي الله عنه جاء بماله كله، ومع هذا فلم يكن يأكل من أحد لا ~~صدقة، ولا صلة، ولا نذرا، بل كان يتجر، ويأكل من كسبه (4) ، ولما ~~PageV07P380 # ولي الناس، واشتغل عن التجارة بعمل المسلمين أكل من مال الله ورسوله الذي ~~جعله الله له لم يأكل من مال مخلوق. # وأبو بكر لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعطيه شيئا من الدنيا يخصه به، ~~بل كان في المغازي كواحد من الناس، بل يأخذ من ماله ما ينفقه على المسلمين، ~~وقد استعمله النبي صلى الله عليه وسلم، وما عرف أنه (1) أعطاه عمالة، وقد ~~أعطى (2) عمر عمالة، وأعطى (3) عليا من الفيء، وكان يعطي المؤلفة قلوبهم من ~~الطلقاء، وأهل نجد، والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار لا يعطيهم، ~~كما فعل في غنائم حنين وغيرها، ويقول: " «إني لأعطي رجالا، وأدع رجالا، ~~والذي أدع أحب إلي ms1778 من الذي (4) أعطي. أعطي رجالا لما في قلوبهم من الجزع ~~والهلع، وأكل رجالا إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير» ". (5) # ولما بلغه عن الأنصار كلام سألهم عنه، فقالوا: «يا رسول الله أما ذوو ~~الرأي منا فلم يقولوا شيئا، وأما أناس منا حديثة أسنانهم، فقالوا: يغفر ~~الله لرسول الله يعطي قريشا، ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: " فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم، أفلا ~~ترضون أن يذهب الناس بالأموال، وترجعوا إلى رحالكم برسول الله، فوالله لما ~~تنقلبون به خير مما ينقلبون به " قالوا: بلى يا رسول PageV07P381 # الله قد رضينا، قال: " فإنكم ستجدون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا ~~الله ورسوله على الحوض " قالوا: سنصبر» " (1) . # وقوله تعالى: {وسيجنبها الأتقى - الذي يؤتي ماله يتزكى - وما لأحد عنده ~~من نعمة تجزى - إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى - ولسوف يرضى} (سورة الليل: 17 - ~~21) استثناء منقطع، والمعنى: لا يقتصر في العطاء على من له عنده يد يكافئه ~~بذلك، فإن هذا من العدل الواجب للناس بعضهم على بعض بمنزلة المعاوضة في ~~المبايعة، والمؤاجرة. # وهذا واجب لكل أحد على كل أحد، فإذا لم يكن لأحد عنده (2) نعمة تجزى لم ~~يحتج إلى هذه المعادلة، فيكون عطاؤه خالصا لوجه ربه الأعلى، بخلاف من كان ~~عنده لغيره نعمة (3) (4) يحتاج أن يجزيه لها (5) ، فإنه يحتاج أن يعطيه ~~مجازاة (6) له على ذلك، وهذا الذي ما لأحد عنده من نعمة تجزى إذا أعطى ماله ~~يتزكى، (7) فإنه في معاملته للناس يكافئهم دائما، ويعاونهم، ويجازيهم، فحين ~~أعطاه الله ماله يتزكى (8) لم يكن لأحد عنده من نعمة تجزى. PageV07P382 # وفيه أيضا ما يبين أن التفضيل بالصدقة لا يكون إلا بعد أداء الواجبات من ~~المعاوضات، كما قال تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} (سورة البقرة: ~~219) ، ومن تكون عليه ديون وفروض وغير ذلك أداها، ولا يقدم الصدقة على قضاء ~~هذه الواجبات، ولو فعل ذلك فهل (1) ترد صدقته؟ على قولين معروفين للفقهاء. # وهذه الآية يحتج بها من ترد (2) صدقته ; لأن الله إنما أثنى على ms1779 من آتى ~~ماله يتزكى، وما لأحد عنده من نعمة تجزى، فإذا كان عنده نعمة تجزى فعليه أن ~~يجزيها قبل أن يؤتي ماله يتزكى، فإما إذا آتى ماله يتزكى قبل أن يجزيها لم ~~يكن ممدوحا فيكون عمله مردودا لقوله عليه الصلاة والسلام: " «من عمل عملا ~~ليس عليه أمرنا فهو رد» " (3) . # الثالث: أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " «ما نفعني مال ~~كمال أبي بكر» " (4) . # وقال: " «إن أمن الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر» (5) ". # بخلاف علي رضي الله عنه، فإنه لم يذكر عنه النبي PageV07P383 # صلى الله عليه وسلم شيئا من إنفاق المال، وقد عرف أن أبا بكر اشترى سبعة ~~من المعذبين في الله في أول الإسلام، وفعل ذلك ابتغاء لوجه ربه الأعلى لم ~~(1) يفعل ذلك، كما فعله أبو طالب الذي أعان النبي صلى الله عليه وسلم لأجل ~~نسبه وقرابته لا لأجل الله تعالى، ولا تقربا إليه. # وإن كان " الأتقى " اسم جنس فلا ريب أنه يجب أن يدخل فيه (2) أتقى الأمة، ~~والصحابة خير القرون، فأتقاها أتقى الأمة، وأتقى الأمة (إما) (3) أبو بكر، ~~وإما علي، وإما غيرهما، والثالث منتف بالإجماع، وعلي إن قيل: إنه يدخل في ~~هذا النوع لكونه بعد أن صار له مال آتى ماله يتزكى، فيقال: أبو بكر فعل ذلك ~~في أول الإسلام وقت الحاجة إليه، فيكون أكمل في الوصف الذي يكون صاحبه هو ~~الأتقى. # وأيضا فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يقدم الصديق في المواضع التي ~~لا تحتمل المشاركة كاستخلافه في الصلاة، والحج، ومصاحبته وحده في سفر ~~الهجرة (4) ، ومخاطبته، وتمكينه (5) من الخطاب، والحكم، والإفتاء بحضرته ~~ورضاه بذلك (6) ، إلى غير ذلك من الخصائص التي يطول وصفها. PageV07P384 # ومن كان أكمل في هذا الوصف كان أكرم عند الله فيكون (1) أحب إليه فقد ثبت ~~بالدلائل الكثيرة أن أبا بكر هو أكرم الصحابة في الصديقية، وأفضل الخلق بعد ~~الأنبياء الصديقون، ومن كان أكمل في ذلك كان أفضل. # وأيضا فقد ثبت في النقل الصحيح عن علي أنه قال: " خير هذه ms1780 الأمة بعد ~~نبيها أبو بكر وعمر " واستفاض ذلك، وتواتر عنه (2) ، وتوعد بجلد المفتري من ~~يفضله عليه (3) ، وروي عنه أنه سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم (4) ، ~~ولا ريب أن عليا لا يقطع بذلك إلا عن علم. # وأيضا، فإن الصحابة أجمعوا على تقديم عثمان الذي عمر أفضل منه (5) ، وأبو ~~بكر أفضل منهما، وهذه المسألة مبسوطة في غير هذا الموضع، وتقدم بعض ذلك، ~~ولكن ذكر هذا (6) لنبين (7) أن حديث الطير من الموضوعات. ### | [التاسع ما رواه الجمهور أنه أمر الصحابة بأن يسلموا على علي بإمرة المؤمنين] # فصل. # قال الرافضي (8) : " التاسع: ما رواه الجمهور «أنه أمر الصحابة (9) ~~PageV07P385 # بأن يسلموا على علي بإمرة المؤمنين، وقال: إنه (1) سيد المسلمين (2) ، ~~وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وقال: هذا ولي كل مؤمن بعدي (3) ، ~~وقال في حقه: إن عليا مني وأنا منه أولى بكل مؤمن (4) ومؤمنة» فيكون علي ~~وحده هو الإمام لذلك، وهذه نصوص في الباب (5) ". # والجواب من وجوه: # أحدها: المطالبة بإسناده وبيان صحته، وهو لم يعزه إلى كتاب على عادته، ~~فأما قوله: " رواه الجمهور " فكذب، فليس هذا في كتب الأحاديث (6) المعروفة ~~لا الصحاح، ولا المساند، ولا السنن، وغير ذلك، فإن كان رواه بعض حاطبي ~~الليل، كما يروي أمثاله، فعلم مثل هذا ليس بحجة يجب اتباعها باتفاق ~~المسلمين. # والله تعالى قد حرم علينا الكذب، وأن نقول عليه ما لا نعلم، وقد تواتر عن ~~النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من ~~النار» " (7) . # الوجه الثاني: أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث، PageV07P386 # وكل من له أدنى معرفة بالحديث (1) يعلم أن هذا كذب موضوع لم يروه أحد من ~~أهل العلم بالحديث في كتاب يعتمد عليه لا الصحاح، ولا السنن، ولا المساند ~~(2) المقبولة. # الثالث: أن هذا مما لا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإن ~~قائل (3) هذا كاذب، والنبي صلى الله عليه وسلم (4) منزه عن الكذب، وذلك أن ~~سيد المسلمين (5) ، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين هو رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم باتفاق ms1781 المسلمين. # فإن قيل: علي هو سيدهم بعده. # قيل: ليس في لفظ الحديث ما يدل على هذا (التأويل) (6) ، بل هو مناقض لهذا ~~; لأنه أفضل المسلمين المتقين المحجلين هم القرن الأول، ولم يكن لهم على ~~عهد النبي صلى الله عليه وسلم سيد ولا إمام PageV07P387 # ولا قائد غيره، فكيف يخبر عن شيء بعد إن لم يحضر (1) ، ويترك الخبر عما ~~هو أحوج إليه، وهو حكمهم في الحال؟ # ثم القائد يوم القيامة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن (2) يقود ~~علي؟ # وأيضا فعند الشيعة جمهور المسلمين المحجلين كفار أو فساق، فلمن يقود؟ # وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " «وددت أني قد رأيت ~~إخواني "، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: " أنتم أصحابي، ~~وإخواننا الذين لم (3) يأتوا بعد ". # قالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله قال: " أرأيتم لو أن ~~رجلا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ " قالوا: بلى يا ~~رسول الله قال: " فإنهم يأتون يوم القيامة غرا محجلين من الوضوء، وأنا ~~فرطهم على الحوض» " الحديث (4) . # فهذا يبين أن كل من توضأ وغسل وجهه ويديه ورجليه، فإنه من الغر المحجلين، ~~وهؤلاء جماهيرهم إنما يقدمون أبا بكر وعمر، والرافضة لا تغسل بطون أقدامها، ~~ولا أعقابها فلا يكونون من المحجلين * في الأرجل، وحينئذ فلا يبقى أحد من ~~الغر المحجلين يقودهم، ولا يقادون PageV07P388 # مع الغر المحجلين * (1) ؛ فإن الحجلة لا تكون إلا (2) في ظهر القدم، ~~وإنما الحجلة في الرجل كالحجلة في اليد (3) . # وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " «ويل ~~للأعقاب، وبطون الأقدام من النار» " (4) . # ومعلوم أن الفرس لو لم يكن البياض إلا لمعة في يده أو رجله لم يكن محجلا، ~~وإنما الحجلة بياض اليد أو الرجل، فمن لم يغسل الرجلين إلى الكعبين لم يكن ~~من المحجلين، فيكون قائد الغر المحجلين بريئا منه كائنا من كان. # ثم كون علي سيدهم وإمامهم وقائدهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ms1782 ~~يعلم بالاضطرار أنه كذب، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل شيئا من ~~ذلك، بل كان يفضل عليه أبا بكر وعمر تفضيلا بينا ظاهرا، عرفه الخاصة ~~والعامة (5) ، حتى أن المشركين كانوا يعرفون (منه) (6) ذلك. # ولما كان يوم أحد «قال أبو سفيان، وكان حينئذ أمير المشركين: أفي القوم ~~محمد؟ أفي القوم محمد؟ ثلاثا، فقال النبي صلى الله عليه PageV07P389 # وسلم: " لا تجيبوه "، فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ أفي القوم ابن أبي ~~قحافة؟ ثلاثا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تجيبوه "، فقال: أفي ~~القوم ابن الخطاب؟ أفي القوم ابن الخطاب؟ ثلاثا، فقال النبي صلى الله عليه ~~وسلم: " لا تجيبوه "، فقال أبو سفيان لأصحابه: أما هؤلاء فقد كفيتموهم فلم ~~يملك عمر نفسه أن قال: كذبت يا عدو الله إن الذين عددت لأحياء، وقد بقي لك ~~ما يسوءك،» وقد ذكر باقي الحديث رواه البخاري وغيره (1) . # فهذا مقدم الكفار إذ ذاك لم يسأل إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي ~~بكر، وعمر لعلمه وعلم الخاص والعام أن هؤلاء الثلاثة هم رءوس هذا الأمر، ~~وأن قيامه بهم، ودل ذلك على أنه كان ظاهرا عند الكفار (2) أن هذين وزيراه، ~~وبهما تمام أمره، وأنهما أخص الناس به، وأن لهما من السعي في إظهار الإسلام ~~ما ليس لغيرهما. # وهذا أمر كان (3) معلوما للكفار فضلا عن المسلمين، والأحاديث الكثيرة ~~متواترة بمثل هذا، وكما في الصحيحين عن ابن عباس قال: وضع عمر على سريره ~~فتكنفه الناس يدعون له ويثنون (عليه) (4) ويصلون عليه قبل أن يرفع، وأنا ~~فيهم فلم يرعني إلا برجل قد أخذ بمنكبي من ورائي فالتفت، فإذا هو علي فترحم ~~على عمر، وقال ما خلفت (5) أحدا PageV07P390 # أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك ~~الله مع صاحبيك، وذلك أني كثيرا ما كنت أسمع النبي صلى الله عليه وسلم ~~يقول: " جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو ~~بكر وعمر، فإن كنت لأرجو أن يجعلك ms1783 الله معهما " (1) . # فلم يكن تفضيلهما عليه، وعلى أمثاله مما (2) يخفى على أحد، ولهذا كانت ~~الشيعة القدماء الذين أدركوا عليا يقدمون أبا بكر وعمر عليه إلا من ألحد ~~منهم، وإنما كان نزاع من نازع منهم في عثمان. # وكذلك قوله: " «هو ولي كل مؤمن بعدي» " كذب على رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم، بل هو في حياته وبعد مماته ولي كل مؤمن، وكل مؤمن وليه في المحيا ~~والممات، فالولاية التي هي ضد العداوة لا تختص بزمان، وأما الولاية التي هي ~~الإمارة فيقال فيها: والي (3) كل مؤمن بعدي، كما يقال في صلاة الجنازة: إذا ~~اجتمع الولي والوالي قدم الوالي في قول الأكثر، وقيل يقدم الولي. # فقول (4) القائل: " «علي ولي كل مؤمن بعدي» " كلام يمتنع نسبته إلى ~~PageV07P391 # النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه إن أراد الموالاة لم يحتج أن يقول بعدي، ~~وإن أراد الإمارة كان ينبغي أن يقول: وال على كل مؤمن. # وأما قوله لعلي: " «أنت مني وأنا منك» " فصحيح (1) في غير هذا الحديث ثبت ~~«أنه قال له ذلك عام القضية لما تنازع هو وجعفر وزيد ابن حارثة في حضانة ~~بنت حمزة فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بها لخالتها، وكانت تحت جعفر، ~~وقال: " الخالة أم " وقال لجعفر: " أشبهت خلقي وخلقي " وقال لعلي: " أنت ~~مني وأنا منك " وقال لزيد: " أنت أخونا ومولانا» (2) . # وفي الصحيحين عنه أنه قال: " «إن الأشعريين إذا أرملوا في السفر، أو نقصت ~~(3) نفقة عيالاتهم (4) بالمدينة جمعوا ما كان معهم في ثوب واحد فقسموه ~~بينهم بالسوية هم مني وأنا منهم» " (5) . # فقال للأشعريين: " «هم مني، وأنا منهم» "، كما قال لعلي: " «أنت مني ~~(وأنا منك) » (6) ". وقال لجليبيب (7) : " «هذا مني وأنا منه» " (8) ، فعلم ~~أن هذه اللفظة لا تدل على الإمامة، ولا على أن من قيلت له كان هو أفضل ~~الصحابة. PageV07P392 ### | العاشر حديث غدير خم وحديث أهل بيتي مثل سفينة نوح # فصل. # قال الرافضي (1) : " العاشر: ما رواه الجمهور من قول النبي صلى الله عليه ~~وسلم: " «إني تارك فيكم ما إن (2) تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله ms1784 وعترتي ~~أهل بيتي، ولن يفترقا (3) حتى يرد علي الحوض» ، وقال: «أهل بيتي (4) فيكم ~~مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق» ، وهذا يدل على وجوب ~~التمسك بقول أهل بيته (5) ، «وعلي سيدهم» ، (6) ، فيكون واجب الطاعة على ~~الكل، فيكون هو الإمام " (7) . # والجواب من وجوه: # أحدها: أن لفظ الحديث الذي في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم: " «قام فينا ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة، فقال: ~~" أما بعد أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول PageV07P393 # ربي فأجيب ربي، وإني تارك فيكم ثقلين: أولهما: كتاب الله، فيه الهدى ~~والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به» فحث على كتاب الله، ورغب فيه، ثم ~~قال: " «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي» " (1) .. # وهذا اللفظ يدل على أن الذي أمرنا بالتمسك به وجعل المتمسك به (2) لا يضل ~~هو كتاب الله. # وهكذا جاء في غير هذا الحديث، كما في صحيح مسلم عن جابر في حجة الوداع ~~لما خطب يوم عرفة، وقال: " «قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن (3) اعتصمتم ~~به: كتاب الله، وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟ " قالوا: نشهد أنك قد ~~بلغت وأديت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكبها (4) إلى ~~الناس: " اللهم اشهد " ثلاث مرات» (5) . # وأما قوله: " «وعترتي (أهل بيتي) (6) وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي ~~الحوض» " فهذا رواه الترمذي (7) ، وقد سئل عنه أحمد بن حنبل فضعفه ~~PageV07P394 # وضعفه غير واحد من أهل العلم، وقالوا: لا يصح، وقد أجاب عنه طائفة بما ~~يدل على أن أهل بيته كلهم لا يجتمعون على ضلالة، قالوا: ونحن نقول بذلك، ~~كما ذكر القاضي أبو يعلى وغيره. # ولكن أهل البيت لم يتفقوا - ولله الحمد - على شيء من خصائص مذهب الرافضة، ~~بل هم المبرءون المنزهون عن التدنس بشيء منه. # وأما قوله: " «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح» " فهذا لا يعرف له إسناد لا ~~(1) صحيح، ولا هو في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها، فإن كان قد رواه ~~مثل من يروي ms1785 أمثاله من حطاب الليل الذين يروون الموضوعات فهذا ما يزيده ~~وهنا. # الوجه الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن عترته: إنها والكتاب ~~لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض، وهو الصادق المصدوق فيدل على أن إجماع ~~العترة حجة، وهذا قول طائفة من أصحابنا، وذكره القاضي في المعتمد لكن ~~العترة هم بنو هاشم كلهم: ولد العباس، وولد علي، وولد الحارث بن عبد ~~المطلب، وسائر بني أبي طالب، وغيرهم، وعلي وحده ليس هو العترة، وسيد العترة ~~هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. # يبين ذلك أن علماء العترة كابن عباس وغيره لم يكونوا يوجبون اتباع علي في ~~كل ما يقوله، ولا كان علي يوجب على الناس طاعته في PageV07P395 # كل ما يفتي به، ولا عرف أن أحدا من أئمة السلف - لا من بني هاشم ولا ~~غيرهم - قال: إنه يجب اتباع علي في كل ما يقوله. # الوجه الثالث: أن العترة لم تجتمع على إمامته ولا أفضليته، بل أئمة ~~العترة كابن عباس وغيره يقدمون أبا بكر وعمر * في الإمامة والأفضلية، وكذلك ~~سائر بني هاشم من العباسيين، والجعفريين، وأكثر العلويين، وهم مقرون (1) ~~بإمامة أبي بكر وعمر * (2) ، وفيهم من أصحاب مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، ~~وأحمد، وغيرهم أضعاف من فيهم من الإمامية. # والنقل الثابت عن جميع علماء أهل البيت من بني هاشم من التابعين، ~~وتابعيهم من ولد الحسين بن علي، وولد الحسن، وغيرهما أنهم كانوا يتولون أبا ~~بكر وعمر، وكانوا يفضلونهما على علي، والنقول عنهم ثابتة متواترة. # وقد صنف الحافظ أبو الحسن الدارقطني كتاب " ثناء الصحابة على القرابة ~~وثناء القرابة على الصحابة (3) "، وذكر فيه من ذلك قطعة، وكذلك كل من صنف ~~من أهل الحديث في السنة مثل كتاب " السنة " لعبد الله بن أحمد، و " السنة " ~~للخلال (4) ، و " السنة " لابن بطة، و " السنة " للآجري، واللالكائي، ~~والبيهقي، وابن ذر الهروي، والطلمنكي، وابن حفص بن شاهين، وأضعاف هؤلاء ~~الكتب التي يحتج هذا بالعزو إليها مثل كتاب " فضائل الصحابة " للإمام أحمد، ~~ولأبي نعيم (5) ، وتفسير الثعلبي، وفيها من PageV07P396 # ذكر فضائل الثلاثة ما ms1786 هو من أعظم الحجج عليه، فإن كان هذا القدر حجة فهو ~~حجة له وعليه، وإلا فلا يحتج به. # الوجه الرابع: أن هذا معارض بما هو أقوى منه، وهو أن إجماع الأمة حجة ~~بالكتاب والسنة والإجماع، والعترة بعض الأمة فيلزم من ثبوت إجماع الأمة ~~إجماع العترة، وأفضل الأمة أبو بكر، كما تقدم ذكره ويأتي. # وإن كانت الطائفة التي إجماعها حجة يجب اتباع قول أفضلها مطلقا، وإن لم ~~يكن هو الإمام ثبت أن أبا بكر هو الإمام، وإن لم يجب أن يكون الأمر كذلك ~~بطل ما ذكروه في إمامة علي، فنسبة أبي بكر إلى جميع الأمة بعد نبيها كنسبة ~~علي إلى العترة بعد نبيها على قول هذا. ### | الحادي عشر الأحاديث التي رواها الجمهور عن وحوب محبته وموالاته # فصل # قال الرافضي (1) : " الحادي عشر: ما رواه الجمهور من وجوب (2) محبته ~~وموالاته: روى أحمد بن حنبل في مسنده «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم * ~~أخذ بيد حسن وحسين، فقال من أحبني وأحب (3) هذين وأباهما وأمهما فهو معي ~~(4) في درجتي يوم القيامة» (5) ". PageV07P397 # وروى ابن خالويه عن حذيفة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم * (1) ~~: من أحب أن يتمسك بقصبة الياقوت التي خلقها الله بيده (2) ، ثم قال لها: ~~كوني فكانت، فليتول علي بن أبي طالب من بعدي» . وعن أبي سعيد قال: «قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: حبك إيمان، وبغضك نفاق، وأول من يدخل ~~الجنة محبك، وأول من يدخل النار مبغضك، وقد جعلك الله أهلا لذلك، فأنت مني، ~~وأنا منك، ولا نبي بعدي» . وعن شقيق بن سلمة عن عبد الله قال: «رأيت رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد علي، وهو يقول: هذا وليي وأنا وليه، ~~عاديت من عادى، وسالمت من سالم» . وروى أخطب خوارزم عن جابر قال: «قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: جاءني جبريل من PageV07P398 # عند الله (1) بورقة خضراء مكتوب فيها ببياض: إني قد (2) افترضت محبة علي ~~(3) على خلقي فبلغهم ذلك عني» . والأحاديث (4) في ذلك لا تحصى كثرة ms1787 من طرق ~~المخالفين، وهي تدل على أفضليته (5) ، واستحقاقه للإمامة ". # والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بتصحيح النقل، وهيهات له بذلك (6) ، ~~وأما قوله: " رواه أحمد " فيقال: أولا: أحمد له المسند المشهور، وله كتاب ~~مشهور في " فضائل الصحابة " روى فيه أحاديث لا يرويها في المسند لما فيها ~~من الضعف ; لكونها لا تصلح أن تروى في المسند ; لكونها مراسيل أو ضعافا (7) ~~، بغير الإرسال، ثم إن هذا الكتاب زاد فيه ابنه عبد الله زيادات، ثم إن ~~القطيعي (8) - الذي رواه عن ابنه عبد الله - زاد عن شيوخه زيادات، وفيها ~~أحاديث موضوعة باتفاق أهل المعرفة. # وهذا الرافضي وأمثاله من شيوخ الرافضة جهال، فهم ينقلون من هذا المصنف ~~فيظنون أن كل ما رواه القطيعي، أو عبد الله قد رواه أحمد نفسه (9) ، ولا ~~يميزون بين شيوخ أحمد، وشيوخ القطيعي، ثم يظنون أن أحمد PageV07P399 # إذا رواه فقد رواه في المسند فقد رأيتهم في كتبهم يعزون إلى مسند أحمد ~~أحاديث ما سمعها أحمد (1) قط، كما فعل ابن البطريق، وصاحب " الطرائف " ~~منهم، وغيرهما بسبب هذا الجهل منهم، وهذا غير ما يفترونه من الكذب، فإن ~~الكذب كثير منهم. # وبتقدير أن يكون أحمد روى الحديث فمجرد (رواية) (2) أحمد لا توجب أن يكون ~~صحيحا يجب العمل به، بل الإمام أحمد روى (3) أحاديث كثيرة ليعرف ويبين ~~للناس ضعفها، وهذا في كلامه وأجوبته أظهر وأكبر من أن يحتاج إلى بسط، لا ~~سيما في مثل هذا الأصل العظيم. # مع أن هذا الحديث الأول من زيادات القطيعي (4) "، رواه عن نصر بن علي ~~الجهضمي (5) ، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (6) ، والحديث الثاني ~~ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات "، وبين أنه موضوع (7) ، وأما رواية ابن ~~خالويه فلا تدل على أن هذا الحديث صحيح PageV07P400 # باتفاق أهل العلم، وكذلك رواية خطيب (1) خوارزم، فإن في روايته من ~~الأكاذيب المختلفة ما هو من أقبح الموضوعات باتفاق أهل العلم. # الوجه الثاني: أن هذه الأحاديث التي رواها ابن خالويه كذب موضوعة (2) عند ~~أهل الحديث وأهل المعرفة، يعلمون علما ضروريا يجزمون به أن هذا كذب على ms1788 ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه ليست في شيء من كتب الحديث التي يعتمد ~~عليها علماء الحديث لا الصحاح، ولا المساند (3) ، ولا السنن، ولا المعجمات، ~~ولا نحو ذلك من الكتب. # الثالث: أن من تدبر ألفاظها تبين له أنها مفتراة على رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم، مثل قوله: «من أحب أن يتمسك بقصبة الياقوت التي خلقها الله ~~بيده، ثم قال لها كوني فكانت» . فهذه من خرافات الحديث، وكأنهم لما سمعوا ~~أن الله خلق آدم بيده من تراب، ثم قال له: كن، فكان (4) ، قاسوا هذه ~~الياقوتة على خلق آدم، وآدم خلق من تراب، ثم قال له: كن فكان فصار حيا بنفخ ~~الروح فيه فأما هذا القصب (5) فبنفس خلقه كمل، ثم لم يكن له بعد هذا حال ~~يقال له فيها: كن، ولم يقل أحد من أهل العلم إن الله خلق بيده ياقوتة، بل ~~قد روي في عدة آثار: أن الله لم يخلق بيده إلا ثلاثة أشياء: آدم، والقلم، ~~وجنة عدن، PageV07P401 # ثم قال لسائر خلقه كن فكان فلم يذكر فيها هذه الياقوتة. # ثم أي عظيم في إمساك هذه الياقوتة حتى يجعل على هذا وعدا عظيما. # وكذلك قوله: «أول من يدخل النار مبغضك» ، فهل يقول مسلم: إن الخوارج ~~يدخلون النار قبل أبي جهل بن هشام، وفرعون، وأبي لهب، وأمثالهم من ~~المشركين؟ ! # وكذلك قوله: «أول من يدخل الجنة محبك» ، فهل يقول عاقل: إن الأنبياء، ~~والمرسلين سبب دخولهم (الجنة) (1) أولا هو حب علي دون حب الله ورسوله، ~~وسائر الأنبياء ورسله، وحب الله ورسله ليس هو السبب في ذلك، وهل تعلق ~~السعادة والشقاوة بمجرد حب علي دون حب الله ورسوله إلا كتعلقها بحب أبي بكر ~~وعمر، وعثمان، ومعاوية رضي الله عنهم؟ فلو قال قائل: من أحب عثمان ومعاوية ~~دخل الجنة، ومن أبغضهما دخل النار - كان هذا من جنس قول الشيعة. ### | الثاني عشر أحاديث أخرى يستدل بها على إمامة علي رضي الله عنه # فصل # قال الرافضي (2) : الثاني عشر: (3) روى أخطب (4) خوارزم بإسناده عن (5) ~~أبي ذر الغفاري قال ms1789: «قال رسول الله صلى الله عليه PageV07P402 # وسلم: من ناصب عليا الخلافة فهو (1) . كافر، وقد حارب الله ورسوله، ومن ~~شك في علي فهو كافر» . وعن أنس قال: «كنت عند النبي (2) صلى الله عليه ~~وسلم، فرأى عليا مقبلا فقال: أنا وهذا حجة الله على أمتي يوم القيامة» . ~~وعن معاوية بن حيدة القشيري قال: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ~~لعلي: من مات وهو يبغضك (3) . . مات يهوديا أو نصرانيا» ". # والجواب من وجوه: # أحدها: المطالبة بتصحيح النقل، وهذا على سبيل التنزل (4) ، فإن مجرد ~~رواية الموفق خطيب خوارزم لا تدل على أن الحديث ثابت قاله رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم، وهذا لو لم يعلم ما في الذي جمعه من الأحاديث من الكذب ~~والفرية، فأما من تأمل ما (5) في جمع هذا الخطيب، فإنه يقول: سبحانك هذا ~~بهتان عظيم. # الثاني: أن كل من له معرفة بالحديث يشهد أن هذه الأحاديث كذب مفتراة على ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم (6) PageV07P403 # الثالث: أن هذه الأحاديث إن كانت مما رواها الصحابة والتابعون فأين ذكرها ~~بينهم؟ ومن الذي نقلها عنهم؟ وفي أي كتاب وجد أنهم رووها؟ ومن كان خبيرا ~~بما جرى بينهم علم بالاضطرار أن هذه الأحاديث مما ولدها الكذابون بعدهم، ~~وأنها مما عملت أيديهم. # الوجه الرابع: أن يقال: علمنا بأن المهاجرين والأنصار كانوا مسلمين يحبون ~~الله ورسوله، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبهم ويتولاهم، أعظم من ~~علمنا بصحة شيء من هذه الأحاديث، وأن أبا بكر الإمام بعد رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم، فكيف يجوز أن يرد ما علمناه بالتواتر المتيقن بأخبار هي ~~أقل وأحقر من أن يقال لها: أخبار آحاد لا يعلم لها ناقل صادق، بل أهل العلم ~~بالحديث متفقون على أنها من أعظم المكذوبات، ولهذا لا يوجد (منها) شيء في ~~كتب (1) الأحاديث المعتمدة، بل أئمة الحديث كلهم يجزمون بكذبها. # (الوجه) (2) الخامس: أن القرآن يشهد في غير موضع برضا الله عنهم، وثنائه ~~عليهم، كقوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين ~~اتبعوهم بإحسان رضي الله ms1790 عنهم ورضوا عنه} (سورة التوبة: 100) . PageV07P404 # وقوله: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من ~~الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى} (سورة الحديد: 10) . # وقوله: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ~~ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا} الآية (سورة الفتح: 29) . # وقوله: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} (سورة الفتح: ~~18) . # وقوله: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا ~~من الله ورضوانا} (سورة الحشر: 8) ، وأمثال ذلك فكيف يجوز أن (1) يرد ما ~~علمنا دلالة القرآن عليه يقينا بمثل هذه الأخبار المفتراة التي رواها من لا ~~يخاف مقام ربه، ولا يرجو لله وقارا. # الوجه السادس: أن هذه الأحاديث تقدح في علي وتوجب أنه كان مكذبا بالله ~~ورسوله، فيلزم من صحتها كفر الصحابة كلهم هو وغيره. # أما الذين ناصبوه الخلافة (2) ، فإنهم في هذا الحديث المفترى كفار، وأما ~~علي فإنه لم يعمل بموجب هذه النصوص، بل كان يجعلهم مؤمنين مسلمين، وشر من ~~قاتلهم علي هم الخوارج، ومع هذا فلم يحكم فيهم بحكم الكفار، بل حرم أموالهم ~~وسبيهم، وكان يقول لهم قبل قتالهم: إن لكم علينا أن لا نمنعكم مساجدنا، ولا ~~حقكم من فيئنا، ولما قتله ابن PageV07P405 # ملجم (1) قال: إن عشت فأنا ولي دمي، ولم يجعله مرتدا بقتله (2) . # وأما أهل الجمل فقد تواتر عنه أنه نهى (عن) (3) أن يتبع مدبرهم، وأن يجهز ~~على جريحهم، وأن يقتل أسيرهم، وأن تغنم أموالهم، وأن تسبى ذراريهم، فإن كان ~~هؤلاء كفارا بهذه النصوص فعلي أول (4) من كذب بها فيلزمهم أن يكون علي ~~كافرا. # وكذلك أهل صفين كان يصلي على قتلاهم، ويقول: إخواننا بغوا علينا طهرهم ~~السيف، ولو كانوا عنده كفارا لما صلى عليهم، ولا جعلهم إخوانه، ولا جعل ~~السيف طهرا لهم (5) # وبالجملة نحن نعلم بالاضطرار من سيرة علي رضي الله عنه أنه لم يكن يكفر ~~الذين قاتلوه، بل ولا جمهور المسلمين، ولا الخلفاء الثلاثة، ولا الحسن، ولا ~~الحسين كفروا (6) أحدا من هؤلاء، ولا علي ms1791 بن الحسين، ولا أبو جعفر، فإن كان ~~هؤلاء كفارا، فأول من خالف النصوص علي وأهل بيته، وكان يمكنهم أن يفعلوا ما ~~فعلت الخوارج فيعتزلوا بدار غير دار الإسلام ن، م: المسلمين، وإن عجزوا عن ~~القتال، ويحكموا (7) على أهل دار الإسلام بالكفر والردة، كما يفعل ذلك كثير ~~من شيوخ الرافضة، وكان الواجب PageV07P406 # على علي إذا رأى أن الكفار لا يؤمنون، أن يتخذ له ولشيعته دارا غير دار ~~أهل الردة والكفر، ويباينهم كما باين المسلمون لمسيلمة الكذاب وأصحابه. # وهذا نبي الله صلى الله عليه وسلم كان بمكة هو وأصحابه في غاية الضعف، ~~ومع هذا فكانوا يباينون الكفار، ويظهرون مباينتهم بحيث يعرف المؤمن من ~~الكافر، وكذلك هاجر من هاجر منهم إلى أرض الحبشة مع ضعفهم، وكانوا يباينون ~~النصارى، ويتكلمون بدينهم قدام النصارى. # وهذه بلاد الإسلام مملوءة من اليهود والنصارى، وهم مظهرون لدينهم متحيزون ~~عن المسلمين. # فإن كان كل من يشك (1) في خلافة علي كافرا عنده وعند أهل بيته، وليس ~~بمؤمن عندهم إلا من اعتقد أنه الإمام المعصوم بعد رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم، ومن لم يعتقد ذلك فهو مرتد عند علي وأهل بيته، فعلي أول من بدل ~~الدين، ولم يميز المؤمنين من الكافرين، ولا المرتدين من المسلمين. # وهب أنه كان عاجزا عن قتالهم وإدخالهم في طاعته فلم يكن عاجزا عن ~~مباينتهم، ولم يكن أعجز من الخوارج الذين هم شرذمة (قليلة) (2) من عسكره، ~~والخوارج اتخذوا لهم دارا غير دار الجماعة وباينوهم كما (3) كفروهم، وجعلوا ~~أصحابهم (4) هم المؤمنين. PageV07P407 # وكيف كان يحل للحسن (1) أن يسلم أمر المسلمين إلى من هو عنده من المرتدين ~~شر من اليهود والنصارى، كما يدعون في معاوية؟ وهل يفعل هذا من يؤمن بالله ~~واليوم الآخر؟ وقد كان الحسن يمكنه أن يقيم بالكوفة، ومعاوية لم يكن بدأه ~~بالقتال، وكان قد طلب منه ما أراد فلو قام مقام أبيه لم يقاتله معاوية، ~~وأين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت عنه في فضل الحسن: «إن ابني ~~هذا سيد، وسيصلح الله به بين ms1792 فئتين عظيمتين من المسلمين» (2) ، فإن كان علي ~~وأهل بيته - والحسن منهم - يقولون: لم يصلح الله به إلا بين المؤمنين ~~والمرتدين فهذا قدح في الحسن، وفي جده الذي أثنى على الحسن، (3) : لما كان ~~الأمر كما يقوله الرافضة. # فتبين أن الرافضة من أعظم الناس قدحا وطعنا في أهل البيت، وأنهم هم الذين ~~عادوا أهل البيت في نفس الأمر، ونسبوهم إلى أعظم المنكرات التي من فعلها ~~كان من الكفار، وليس هذا ببدع من جهل الرافضة وحماقاتهم. # ثم إن الرافضة تدعي أن الإمام المعصوم لطف من الله بعباده ليكون ذلك أدعى ~~إلى أن يطيعوه فيرحموا، وعلى ما قالوه فلم يكن على أهل الأرض نقمة أعظم من ~~علي، فإن الذين خالفوه وصاروا مرتدين كفارا، والذين وافقوه أذلاء مقهورون ~~تحت النقمة لا يد ولا لسان، وهم مع PageV07P408 # ذلك يقولون إن خلقه مصلحة ولطف، وإن الله يجب عليه أن يخلقه، وإنه لا تتم ~~مصلحة العالم في دينهم ودنياهم إلا به، وأي صلاح في ذلك على قول الرافضة؟ # ثم إنهم يقولون: إن الله يجب عليه أن يفعل أصلح ما يقدر عليه للعباد في ~~دينهم ودنياهم، وهو يمكن الخوارج الذين يكفرون به بدار لهم (1) فيها شوكة، ~~ومن قتال أعدائهم، ويجعلهم هم (2) والأئمة المعصومين في ذل (3) أعظم من ذل ~~(4) اليهود والنصارى (5) ، وغيرهم من أهل الذمة، فإن أهل الذمة يمكنهم ~~إظهار دينهم، وهؤلاء الذين يدعى أنهم حجج الله على عباده ولطفه في بلاده، ~~وأنه لا هدى إلا بهم، ولا نجاة إلا بطاعتهم، ولا سعادة إلا بمتابعتهم قد ~~غاب خاتمتهم من أكثر من (6) أربعمائة وخمسين سنة (7) ، فلم ينتفع به أحد في ~~دينه ولا دنياه، وهم لا يمكنهم إظهار دينهم، كما تظهر اليهود والنصارى ~~دينهم. # ولهذا ما زال أهل العلم يقولون: إن الرفض من أحداث الزنادقة الملاحدة ~~الذين قصدوا إفساد الدين: دين الإسلام، {ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو ~~كره الكافرون} ، فإن منتهى أمرهم تكفير علي وأهل بيته، بعد أن كفروا ~~الصحابة (والجمهور) (8) PageV07P409 # ولهذا كان صاحب دعوى الباطنية الملاحدة رتب دعوته مراتب ms1793: أول ما يدعو ~~المستجيب إلى التشيع، ثم إذا طمع فيه قال له: علي مثل الناس، ودعاه إلى ~~القدح في علي أيضا، ثم إذا طمع فيه دعاه إلى القدح في الرسول، ثم إذا طمع ~~فيه (1) دعاه إلى إنكار الصانع، هكذا (2) ترتيب كتابهم الذي يسمونه " ~~البلاغ الأكبر "، و " الناموس الأعظم "، وواضعه الذي أرسل به إلى القرمطي ~~الخارج بالبحرين لما استولى على مكة، وقتلوا الحجاج، وأخذوا الحجر الأسود، ~~واستحلوا المحارم، وأسقطوا الفرائض، وسيرتهم مشهورة عند أهل العلم. # وكيف يقول النبي صلى الله عليه وسلم: من مات وهو يبغض عليا مات يهوديا، ~~أو نصرانيا، والخوارج كلهم تكفره وتبغضه؟ ! وهو نفسه لم يكن يجعلهم مثل ~~اليهود والنصارى، بل يجعلهم من المسلمين أهل القبلة، ويحكم فيهم بغير ما ~~يحكم به (3) بين اليهود والنصارى. # وكذلك من كان يسبه ويبغضه من بني أمية وأتباعهم، فكيف يكون من يصلي ~~الصلوات ويصوم شهر رمضان ويحج البيت ويؤدي الزكاة مثل اليهود والنصارى؟ ! ~~وغايته أن يكون قد (4) خفي عليه كون هذا إماما، أو عصاه بعد معرفته. # وكل أحد يعلم أن أهل الدين والجمهور ليس لهم غرض مع علي، ولا لأحد منهم ~~غرض في تكذيب الرسول، وأنهم لو علموا أن الرسول جعله إماما كانوا أسبق ~~الناس إلى التصديق بذلك. PageV07P410 # وغاية ما يقدر أنهم خفي عليهم هذا الحكم فكيف يكون من خفي عليه جزء من ~~الدين مثل اليهود والنصارى؟ ! # وليس المقصود هنا الكلام في التكفير، بل التنبيه على أن هذه الأحاديث مما ~~يعلم بالاضطرار أنها كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، وأنها مناقضة لدين ~~الإسلام، وأنها تستلزم تكفير علي، وتكفير من خالفه، وأنه لم يقلها من يؤمن ~~بالله واليوم الآخر، فضلا عن أن تكون من كلام رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم، بل إضافتها - والعياذ بالله - إلى رسول الله من أعظم القدح والطعن ~~فيه، ولا شك أن هذا فعل زنديق ملحد لقصد (1) إفساد دين الإسلام فلعن الله ~~من افتراها، وحسبه ما وعده به الرسول حيث قال: " «من كذب علي متعمدا ~~فليتبوأ مقعده من ms1794 النار» " (2) . ### | قول الرافضي إنه يجب الأخذ بالأحاديث ويحرم العدول عنها # فصل # قال الرافضي (3) : " قالت الإمامية إذا رأينا المخالف لنا يورد مثل (4) ~~هذه الأحاديث، ونقلنا نحن أضعافها عن رجالنا الثقات، وجب علينا المصير ~~إليها، وحرم العدول عنها ". # والجواب أن يقال: لا ريب أن رجالكم الذين وثقتموهم غايتهم أن يكونوا من ~~جنس من يروي هذه الأحاديث من الجمهور، فإذا كان أهل العلم PageV07P411 # يعلمون بالاضطرار أن هؤلاء كذابون، وأنتم أكذب منهم وأجهل، حرم عليكم ~~العمل بها، والقضاء بموجبها، والاعتراض على هذا الكلام من وجوه: # أحدها: أن يقال لهؤلاء الشيعة: من أين لكم أن الذين نقلوا هذه الأحاديث ~~في الزمان القديم ثقات، وأنتم لم تدركوهم ولم تعلموا أحوالهم، ولا لكم كتب ~~مصنفة تعتمدون عليها في أخبارهم التي يميز بها بين الثقة وغيره، ولا لكم ~~أسانيد تعرفون رجالها، بل علمكم بكثير مما في أيديكم شر من علم كثير من ~~اليهود والنصارى بما في أيديهم، بل أولئك معهم كتب وضعها لهم هلال وشماس ~~(1) . . .، وليس عند جمهورهم ما يعارضها. # وأما أنتم فجمهور المسلمين دائما يقدحون في روايتكم، ويبينون (2) كذبكم، ~~وأنتم ليس لكم علم بحالهم، ثم قد علم بالتواتر الذي لا يمكن حجبه (3) كثرة ~~الكذب، وظهوره في الشيعة من زمن علي وإلى اليوم، وأنتم تعلمون أن أهل ~~الحديث يبغضون الخوارج ويروون فيهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث ~~كثيرة صحيحة، وقد روى البخاري PageV07P412 # بعضها، وروى مسلم عشرة منها، وأهل الحديث متدينون بما صح عندهم عن النبي ~~صلى الله عليه وسلم، ومع هذا فلم يحملهم (1) بغضهم للخوارج (2) على الكذب ~~عليهم، بل جربوهم فوجدوهم صادقين، وأنتم يشهد عليكم أهل الحديث، والفقهاء، ~~والمسلمون، والتجار، والعامة، والجند، وكل من عاشركم وجربكم قديما وحديثا ~~أن طائفتكم أكذب الطوائف، وإذا وجد فيها صادق فالصادق في غيرها أكثر، وإذا ~~وجد في غيرها كاذب فالكاذب فيها أكثر. # ولا يخفى هذا على عاقل منصف، وأما من اتبع هواه فقد أعمى الله قلبه، ومن ~~يضلل الله فلن تجد له وليا مرشدا. # وهذا الذي ذكرناه معروف عند أهل ms1795 العلم قديما وحديثا، كما قد ذكرنا بعض ~~أقوالهم حتى قال الإمام عبد الله بن المبارك: الدين لأهل الحديث، والكذب ~~للرافضة، والكلام للمعتزلة، والحيل لأهل الرأي أصحاب فلان، وسوء التدبير ~~لآل أبي فلان، وهو كما قال، فإن الدين هو ما بعث الله به محمدا صلى الله ~~عليه وسلم، وأعلم الناس (به) (3) أعلمهم بحديثه وسنته، وأما الكلام فأشهر ~~الطوائف به هم المعتزلة، ولهذا كانوا أشهر الطوائف بالبدع عند الخاصة. # وأما الرافضة فهم المعروفون بالبدعة (4) عند (5) الخاصة والعامة حتى أن ~~أكثر العامة لا تعرف في مقابلة الشيء إلا الرافضي (6) . (7) " لظهور ~~PageV07P413 # مناقضتهم لما جاء به الرسول عليه السلام عند الخاصة والعامة (1) . (1) ~~(2) فهم عين على ما جاء به حتى الطوائف الذين ليس لهم من الخبرة بدين ~~الرسول ما لغيرهم إذا قالت لهم الرافضة: " نحن مسلمون " يقولون: أنتم جنس ~~آخر. # ولهذا الرافضة يوالون أعداء الدين الذين يعرف كل أحد معاداتهم من اليهود، ~~والنصارى والمشركين: مشركي الترك، ويعادون أولياء الله الذين هم خيار أهل ~~الدين، وسادات المتقين، وهم الذين أقاموه وبلغوه ونصروه. # ولهذا كان الرافضة من أعظم الأسباب في دخول الترك الكفار إلى بلاد ~~الإسلام. # وأما قصة الوزير ابن العلقمي وغيره، كالنصير الطوسي مع الكفار، وممالأتهم ~~على المسلمين - فقد عرفها الخاصة والعامة. # وكذلك من كان منهم بالشام: ظاهروا المشركين على المسلمين، وعاونوهم ~~معاونة عرفها الناس. # وكذلك لما انكسر عسكر المسلمين، لما قدم غازان، ظاهروا الكفار النصارى، ~~وغيرهم من أعداء المسلمين، وباعوهم أولاد المسلمين - بيع العبيد - ~~وأموالهم، وحاربوا المسلمين محاربة ظاهرة، وحمل بعضهم راية الصليب. # وهم كانوا من أعظم الأسباب في استيلاء النصارى قديما على بيت المقدس حتى ~~استنقذه المسلمون منهم. PageV07P414 # وقد دخل فيهم أعظم الناس نفاقا من النصيرية، والإسماعيلية ونحوهم، ممن هو ~~أعظم كفرا في الباطن، ومعاداة لله ورسوله، من اليهود والنصارى. # فهذه الأمور وأمثالها مما هي ظاهرة مشهورة يعرفها الخاصة والعامة توجب ~~ظهور مباينتهم للمسلمين ومفارقتهم للدين، ودخولهم في زمرة الكفار ~~والمنافقين حتى يعدهم من رأى أحوالهم جنسا آخر غير جنس المسلمين، فإن ~~المسلمين الذين يقيمون ms1796 دين الإسلام في الشرق والغرب قديما وحديثا هم ~~الجمهور، والرافضة ليس لهم سعي إلا في هدم الإسلام، ونقض عراه، وإفساد ~~قواعده، والقدر الذي عندهم من الإسلام إنما قام بسبب قيام الجمهور به. # ولهذا قراءة القرآن فيهم قليلة، ومن يحفظه حفظا جيدا، فإنما تعلمه من أهل ~~السنة، وكذلك الحديث إنما يعرفه (1) ويصدق فيه، ويؤخذ عن أهل السنة، وكذلك ~~الفقه، والعبادة، والزهد، والجهاد، والقتال إنما هو لعساكر أهل السنة، وهم ~~الذين حفظ الله بهم الدين علما وعملا، بعلمائهم، وعبادهم، ومقاتليهم (2) ~~والرافضة من أجهل الناس بدين الإسلام، وليس للإنسان منهم شيء يختص به (3) ~~إلا ما يسر عدو الإسلام، ويسوء وليه فأيامهم في الإسلام PageV07P415 # كلها سود، وأعرف الناس بعيوبهم وممادحهم (1) أهل السنة لا تزال تطلع منهم ~~على أمور غيرها عرفتها (2) ، كما قال تعالى في اليهود: {ولا تزال تطلع على ~~خائنة منهم إلا قليلا منهم} (سورة المائدة: 13) . # ولو ذكرت بعض ما عرفته منهم بالمباشرة ونقل الثقات، وما رأيته في كتبهم - ~~لاحتاج ذلك إلى كتاب كبير. # وهم الغاية في الجهل وقلة العقل، يبغضون من الأمور ما لا فائدة لهم في ~~بغضه، ويفعلون من الأمور ما لا منفعة لهم فيه إذا قدر أنهم على حق، مثل نتف ~~النعجة، حتى كأن لهم عليها ثأرا كأنهم ينتفون عائشة، وشق جوف الكبش (3) " ~~كأنهم يشقون جوف عمر، فهل فعل هذا أحد من طوائف المسلمين بعدوه غيرهم؟ ! # ولو كان مثل هذا مشروعا لكان بأبي جهل وأمثاله أولى. (4) ومثل كراهتهم ~~للفظ العشرة لبغضهم للرجال العشرة. # وقد ذكر الله لفظ العشرة في غير موضع من القرآن، كقوله: {والفجر - وليال ~~عشر} (سورة الفجر: 1، 2) ، وقوله: {وأتممناها بعشر} (سورة الأعراف: 142) ، ~~{تلك عشرة كاملة} (سورة البقرة: 196) . PageV07P416 # وأما التسعة فذكرها في معرض الذم، كقوله: {وكان في المدينة تسعة رهط ~~يفسدون في الأرض ولا يصلحون} (سورة النمل: 48) ، فهل كره المسلمون التكلم ~~بلفظ التسعة: (1) لأجل أولئك التسعة، وهم يختارون التكلم بلفظ التسعة: (2) ~~على لفظ العشرة؟ ! # وكذلك كراهيتهم لأسام سمي بها من يبغضونه، وقد كان من الصحابة من تسمى ~~بأسماء تسمى بها ms1797 عدو الإسلام مثل الوليد الذي هو الوحيد، وكان ابنه من خيار ~~المسلمين، واسمه الوليد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت له في الصلاة، ~~ويقول: " «اللهم نج الوليد بن الوليد» " كما رواه أهل الصحيحين (3) ومثل ~~أبي بن خلف الذي قتله النبي صلى الله عليه وسلم، وفي المسلمين أبي بن كعب ~~(4) وغيره، ومثل عمرو بن ود (العامري) (5) ، وفي الصحابة عمرو بن أمية، ~~وعمرو بن العاص، ومثل هذا كثير. # ولم يغير النبي صلى الله عليه وسلم اسم رجل من الصحابة لكون كافر سمي به. # فلو قدر كفر من يبغضونه لكان كراهتهم لمثل أسمائهم في غاية الجهل مع أن ~~النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعوهم بها. # ويقال لهم: كل من جرب من أهل العلم والدين الجمهور علم أنهم PageV07P417 # لا يرضون بالكذب ولو وافق أغراضهم، فكم (1) يروون لهم في فضائل الخلفاء ~~الثلاثة وغيرها أحاديث بأسانيد خير من أسانيد الشيعة، ويرويها مثل أبي ~~نعيم، والثعلبي، وأبي بكر النقاش، والأهوازي، وابن عساكر، وأمثال هؤلاء، ~~ولا يقبل علماء الحديث منها شيئا! بل إذا كان الراوي عندهم مجهولا توقفوا ~~في روايته، وأما أنتم معاشر الرافضة فقد رأيناكم تقبلون كل ما يوافق (2) ~~رأيكم وأهواءكم، لا تردون غثا ولا سمينا. # ويقال لكم: إذا كان عند الجمهور من الأحاديث الصحيحة المعروفة عند من ~~يعلم المسلمون كلهم صدقه وعلمه، وأنتم ممن يعلم ذلك، أحاديث متلقاة ~~بالقبول، بل متواترة توجب العلم الضروري الذي لا يمكن دفعه عن القلب، تناقض ~~هذه الأدلة التي رواها طائفة مجهولة، أو معروفة بالكذب منكم ومن الجمهور، ~~فهل يمكن أن يدفع (3) الناس ما علموه بالضرورة، وما علموه مستفيضا (4) بنقل ~~الثقات الأثبات الذين يعرف صدقهم وضبطهم، هل يمكن دفع هذا بمثل هذه ~~الروايات المسيبة التي لا زمام لها ولا خطام؟ ! # ولو روى رجل أن الصلوات (5) كانت أكثر من خمس، وأن الصوم الواجب شهران، ~~وأن على المسلمين حج بيت آخر، هل كان الطريق إلى تكذيب هذا إلا من جنس ~~الطريق إلى تكذيبهم؟ ! # وقد نبهنا في هذا الرد على طرق مما ms1798 به يعلم كذب ما يعتمدون عليه ~~PageV07P418 # غير طرق أهل الحديث، وبينا كذبهم: تارة بالعقل، وتارة بما علم بالقرآن، ~~وتارة بما علم بالتواتر، وتارة بما أجمع الناس كلهم عليه. # ومن المعلوم أن الأخبار المخالفة للقرآن والتواتر والإجماع، والمخالفة ~~للعقل يعلم بطلانها، وهذا من (1) جملة الطرق التي يعلم بها طرق ما يناقضون ~~به مذهب أهل السنة من الأخبار، وهم لا يعتمدون في أدلتهم إلا على أحد ثلاثة ~~أشياء: إما نقل كاذب، وإما دلالة مجملة مشبهة (2) ، وإما قياس فاسد، وهذا ~~حال كل من احتج بحجة فاسدة نسبها إلى الشريعة، فإن عمدته إما نص، وإما ~~قياس، والنص يحتاج إلى صحة الإسناد، ودلالة المتن، فلا بد أن يكون النص ~~ثابتا عن الرسول، ولا بد أن يكون دالا (3) على المطلوب. # والحجج الباطلة السمعية إما نقل كاذب، وإما نقل صحيح لا يدل، وإما قياس ~~فاسد، وليس للرافضة وغيرهم من أهل الباطل حجة سمعية إلا من هذا الجنس، ~~وقولنا: " نقل " يدخل فيه كلام الله ورسوله، وكلام أهل الإجماع عند من يحتج ~~به، فإن الرافضة لا تحتج بالإجماع. والأفعال والإقرار والإمساك يجري مجرى ~~ذلك. ### | [فصل ليس كل أحد من أهل النظر والاستدلال خبيرا بالمنقولات والتمييز بين صدقها وكذبها وصوابها وخطئها] # فصل # واعلم أنه ليس كل أحد من أهل النظر والاستدلال خبيرا بالمنقولات ~~PageV07P419 # والتمييز بين صدقها وكذبها، وصوابها وخطئها، فضلا عن العامة، وقد علم من ~~حيث الجملة أن المنقول منه صدق ومنه كذب، وليس لهم خبرة أهل المعرفة علماء ~~الحديث، فهؤلاء يحتاجون في الاستدلال على الصدق والكذب إلى طرق أخرى. # والله سبحانه الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، الذي خلق فسوى، ~~والذي قدر فهدى، أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، الذي أخرج الناس من بطون أمهاتهم ~~لا يعلمون شيئا، وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة، يهدي من يشاء من عباده ~~بما تيسر له (1) من الأدلة التي تبين له الحق من الباطل، والصدق من الكذب. # كما في الحديث الصحيح الإلهي: " «يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، ~~فاستهدوني أهدكم» " (2) ولهذا ms1799 تنوعت الطرق التي بها يعلم الصدق من الكذب ~~حتى في أخبار المخبر عن نفسه بأنه (3) رسول الله، وهو دعوى النبوة. فالطرق ~~(4) التي يعلم بها صدق الصادق، وكذب المتنبئ الكذاب كثيرة متنوعة، كما قد ~~نبهنا عليه (5) في غير هذا الموضع، وكذلك ما يعلم به صدق المنقول عن الرسول ~~وكذبه يتعدد ويتنوع، وكذلك ما به يعلم صدق الذين حملوا العلم، فإن أهل ~~العلم يعلمون صدق مثل مالك، والثوري، وشعبة، ويحيى PageV07P420 # بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ومسلم، وأبي ~~داود، وأمثال هؤلاء علما يقينا، يجزمون بأنهم لا يتعمدون الكذب في الحديث، ~~ويعلمون كذب محمد بن سعيد المصلوب، وأبي البختري القاضي (1) ، وأحمد بن عبد ~~الله الجويباري، وعتاب بن إبراهيم بن عتاب، وأبي داود النخعي، ونحوهم ممن ~~يعلمون أنهم يتعمدون (2) الكذب. # وأما الخطأ فلا يعصم من الإقرار عليه إلا نبي، لكن أهل الحديث يعلمون أن ~~مثل الزهري، والثوري، ومالك، ونحوهم من أقل الناس غلطا في أشياء خفيفة لا ~~تقدح في مقصود الحديث، ويعرفون رجالا دون هؤلاء يغلطون أحيانا، والغالب ~~عليهم الحفظ والضبط، ولهم دلائل يستدلون بها على غلط الغالط. # ودون هؤلاء قوم كثير غلطهم، فهؤلاء لا يحتجون بهم إذا انفردوا، لكن ~~يعتبرون بحديثهم ويستشهدون به، بمعنى أنهم ينظرون فيما رووه: هل رواه ~~غيرهم؟ فإذا تعددت الطرق واللفظ واحد مع العلم بأنهم لم يتواطئوا، ولا يمكن ~~في العادة اتفاق الخطأ في مثل ذلك كان هذا مما يدلهم على صدق الحديث. # ولهذا قال أحمد: أكتب حديث الرجل لأعتبر به، مثل ابن لهيعة ونحوه، فإنه ~~كان عالما دينا قاضيا لكن احترقت كتبه فصار يحدث بعد PageV07P421 # ذلك بأشياء دخل (1) فيها غلط لكن أكثر ذلك صحيح يوافقه عليها الثقات ~~كالليث وأمثاله. # وأهل الحديث يعلمون صدق متون الصحيحين، ويعلمون كذب الأحاديث الموضوعة ~~التي يجزمون بأنها كذب بأسباب عرفوا بها ذلك، من شركهم فيها علم ما علموه، ~~ومن لم يشركهم لم يعلم ذلك، كما أن الشهود الذين يتحملون الشهادة، ويؤدونها ~~يعرف من جربهم وخبرهم (صدق) صادقهم و (كذب ms1800) كاذبهم (2) وكذلك أهل المعاملات ~~في البيع والإجارة يعلم من جربهم وخبرهم صادقهم وكاذبهم، وأمينهم وخائنهم، ~~وكذلك الأخبار قد يعلم الناس صدق بعضها، وكذب بعضها، ويشكون في بعضها. # وباب المعرفة بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم، وأقواله وأفعاله، وما ~~ذكره من توحيد، وأمر ونهي، ووعد ووعيد، وفضائل لأعمال أو لأقوام (3) ، أو ~~أمكنة أو أزمنة (4) ، ومثالب لمثل ذلك، أعلم الناس به أهل العلم بحديثه ~~الذين اجتهدوا في معرفة ذلك وطلبه من وجوهه، وعلموا أحوال نقلة ذلك، وأحوال ~~الرسول صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة، وجمعوا بين رواية هذا وهذا ~~وهذا، فعلموا صدق الصادق، وغلط الغالط، وكذب الكاذب. # وهذا علم أقام الله له من حفظ به (5) على الأمة ما حفظ من دينها، وغير ~~PageV07P422 # هؤلاء لهم تبع (1) فيه: إما مستدل بهم، وإما مقلد لهم. كما أن الاجتهاد ~~في الأحكام أقام الله له رجالا اجتهدوا فيه حتى حفظ الله بهم على الأمة ما ~~حفظ من الدين، وغيرهم لهم (2) تبع فيه: إما مستدل بهم، وإما مقلد لهم. # مثال ذلك: أن خواص أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أعلم به ممن هو دونهم ~~في الاختصاص مثل أبي بكر وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن ~~بن عوف، وسعد، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وابن مسعود، وبلال، وعمار بن ~~ياسر، وأبي ذر الغفاري، وسلمان، وأبي الدرداء، وأبي أيوب الأنصاري، وعبادة ~~بن الصامت، وحذيفة، وأبي طلحة، وأمثال هؤلاء من السابقين الأولين من ~~المهاجرين والأنصار: هم أكثر اختصاصا به ممن ليس مثلهم، لكن قد يكون بعض ~~الصحابة أحفظ وأفقه من غيره، وإن كان غيره أطول صحبة، وقد يكون أيضا أخذ عن ~~بعضهم من العلم أكثر مما أخذ عن غيره لطول عمره، وإن كان غيره أعلم منه، ~~كما أخذ عن أبي هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وعائشة، وجابر، وأبي سعيد من ~~الحديث أكثر مما أخذ عمن هو أفضل منهم (3) ، كطلحة، والزبير (ونحوهم) (4) ~~وأما الخلفاء الأربعة فلهم في تبليغ كليات الدين، ونشر أصوله، وأخذ الناس ~~ذلك عنهم، ما ليس لغيرهم ms1801، وإن كان يروى عن صغار الصحابة PageV07P423 # من الأحاديث المفردة أكثر مما يروى (1) عن بعض الخلفاء، فالخلفاء لهم ~~عموم التبليغ وقوته التي لم يشركهم فيها غيرهم، ثم لما قاموا بتبليغ ذلك ~~شاركهم فيه غيرهم، فصار متواترا كجمع أبي بكر وعمر القرآن في الصحف (2) ، ~~ثم جمع عثمان له في المصاحف التي أرسلها إلى الأمصار، فكان الاهتمام بجمع ~~القرآن، وتبليغه أهم مما سواه. # وكذلك تبليغ شرائع الإسلام إلى أهل الأمصار، ومقاتلتهم (3) على ذلك، ~~واستنابتهم (4) في ذلك الأمراء والعلماء، وتصديقهم لهم فيما بلغوه عن ~~الرسول، فبلغ من أقاموه من أهل العلم حتى صار الدين منقولا نقلا عاما ~~متواترا ظاهرا معلوما قامت به الحجة، ووضحت به المحجة، وتبين به أن هؤلاء ~~كانوا خلفاءه المهديين الراشدين، الذين خلفوه في أمته علما وعملا. # وهو صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى في حقه: {والنجم إذا هوى - ما ضل ~~صاحبكم وما غوى - وما ينطق عن الهوى - إن هو إلا وحي يوحى} (سورة النجم: 1 ~~- 4) فهو ما ضل وما غوى، وكذلك خلفاؤه الراشدون، الذين قال فيهم: " «عليكم ~~بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها ~~بالنواجذ» " (5) فإنهم خلفوه في ذلك، فانتفى عنهم بالهدى الضلال، وبالرشد ~~الغي. PageV07P424 # وهذا هو الكمال في العلم والعمل، فإن الضلال عدم العلم، والغي اتباع ~~الهوى، ولهذا أمرنا الله تعالى أن نقول في صلاتنا: {اهدنا الصراط المستقيم ~~- صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} (سورة الفاتحة: ~~6، 7) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " «اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ~~ضالون» " (1) فالمهتدي الراشد الذي هداه الله الصراط المستقيم فلم يكن من ~~أهل الضلال الجهال، ولا من أهل الغي المغضوب عليهم. # والمقصود هنا أن بعض الصحابة أعلم بالرسول من بعض، وبعضهم أكثر تبليغا ~~لما علمه من بعض، ثم قد يكون عند المفضول علم قضية معينة لم يعلمها الأفضل ~~فيستفيدها منه، ولا يوجب ذلك أن يكون هذا أعلم منه مطلقا، ولا أن هذا ~~الأعلم يتعلم من ذلك المفضول ما امتاز به. # ولهذا كان الخلفاء يستفيدون من بعض الصحابة ms1802 علما لم يكن عندهم، كما ~~استفاد أبو بكر رضي الله عنه علم ميراث الجدة (2) من محمد بن مسلمة (3) ، ~~والمغيرة بن شعبة (4) واستفاد عمر رضي الله عنه علم دية PageV07P425 # الجنين والاستئذان وتوريث المرأة من دية زوجها، وغير ذلك من غيره، ~~واستفاد عثمان رضي الله عنه حديث مقام المتوفى عنها في بيتها حتى يبلغ ~~الكتاب أجله من غيره، واستفاد علي رضي الله عنه حديث صلاة التوبة من غيره. # وقد يخفى ذلك العلم عن الفاضل حتى يموت ولم يعلمه، ويبلغه من هو دونه، ~~وهذا كثير ليس هذا موضعه لكن المقصود أن نبين طرق العلم، فالصحابة الذين ~~أخذ الناس عنهم العلم بعد الخلفاء الأربعة: مثل أبي بن كعب، وابن مسعود، ~~ومعاذ (بن جبل) (1) ، وأبي الدرداء، وزيد بن ثابت، وحذيفة، وعمران بن حصين، ~~وأبي موسى وسلمان، وعبد الله بن سلام، وأمثالهم. # وبعد هؤلاء: مثل عائشة، وابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو (2) ، ~~وأبي سعيد، وجابر، وغيرهم. # ومن التابعين: مثل الفقهاء وغيرهم، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، ~~وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وأبي ~~بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعلي بن الحسين، وخارجة بن زيد بن ~~ثابت، وسليمان بن يسار، ومثل علقمة، والأسود، وشريح القاضي، وعبيدة ~~السلماني، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وأمثالهم. # ثم من بعد هؤلاء مثل الزهري، وقتادة، ويحيى بن أبي كثير PageV07P426 # ومكحول الشامي، وأيوب السختياني، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ويزيد بن أبي ~~حبيب المصري، وأمثالهم. # ثم (من) (1) بعد هؤلاء: مثل مالك، والثوري، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، ~~والليث، والأوزاعي، وشعبة، وزائدة، وسفيان بن عيينة، وأمثالهم. # ثم من بعد هؤلاء: مثل يحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وابن المبارك، ~~وعبد الله بن وهب، ووكيع بن الجراح، وإسماعيل بن علية، وهشيم بن بشير (2) ~~وبعد هؤلاء: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وعثمان بن ~~سعيد الدارمي، (وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي) (3) ، ومحمد بن مسلم بن ~~وارة، وأبو بكر الأثرم ms1803، وإبراهيم الحربي، وبقي (4) بن مخلد الأندلسي، ومحمد ~~بن وضاح. PageV07P427 # ومثل: أبي عبد الرحمن النسائي، والترمذي، وابن خزيمة، ومحمد بن نصر ~~المروزي، ومحمد بن جرير الطبري، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وعبد الرحمن بن ~~أبي حاتم. # ثم (من) (1) بعد هؤلاء مثل: أبي حاتم البستي، وأبي بكر النجاد (2) ، وأبي ~~بكر النيسابوري، وأبي قاسم الطبراني، وأبي الشيخ الأصبهاني، وأبي أحمد ~~العسال الأصبهاني، وأمثالهم. # ثم من بعد هؤلاء: مثل أبي الحسن الدارقطني، وابن منده، والحاكم (3) أبي ~~عبد الله، وعبد الغني بن سعيد، وأمثال هؤلاء ممن لا يمكن إحصاؤهم. # فهؤلاء وأمثالهم أعلم بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيرهم، وإن ~~(4) كان في هؤلاء من هو أكثر رواية، وفيهم من هو أكثر منهم معرفة بصحيحه من ~~سقيمه، ومنهم من هو أفقه فيه من غيره. # قال أحمد بن حنبل: معرفة الحديث والفقه فيه أحب إلي من حفظه، وقال علي بن ~~المديني: أشرف العلم الفقه في متون (5) الأحاديث، ومعرفة أحوال الرواة، فإن ~~يحيى بن معين، وعلي بن المديني، ونحوهما أعرف بصحيحه وسقيمه (6) من مثل أبي ~~عبيد وأبي ثور، وأبو عبيد وأبو ثور PageV07P428 # ونحوهما أفقه من أولئك، وأحمد كان يشارك هؤلاء وهؤلاء. # وكان أئمة هؤلاء وهؤلاء ممن يحبهم ويحبونه، كما كان مع الشافعي، وأبي ~~عبيد، ونحوهما من أهل الفقه في الحديث، ومع يحيى بن معين، وعلي بن المديني، ~~ونحوهما من أهل المعرفة في الحديث. # ومسلم بن الحجاج له عناية بصحيحه أكثر من أبي داود، وأبو داود له عناية ~~بالفقه أكثر، والبخاري له عناية بهذا وهذا. # وليس المقصود هنا توسعة الكلام في هذا، بل المقصود أن علماء أهل العلم ~~بالحديث لهم من المعرفة بأحوال الرسول ما ليس لغيرهم فهم أئمة هذا الشأن، ~~وقد يكون الرجل صادقا كثير الحديث كثير الرواية فيه لكن ليس من أهل العناية ~~بصحيحه وسقيمه، فهذا يستفاد منه نقله، فإنه صادق ضابط، وأما المعرفة بصحيحه ~~وسقيمه فهذا علم آخر، وقد يكون مع ذلك فقيها مجتهدا، وقد يكون صالحا من ~~خيار المسلمين، وليس له كثير ms1804 معرفة. # لكن هؤلاء، وإن تفاضلوا في العلم، فلا يروج عليهم من الكذب ما يروج على ~~من لم يكن له علمهم (1) ، فكل من كان بالرسول أعرف كان تمييزه بين الصدق ~~والكذب أتم، فقد يروج على أهل التفسير، والفقه، والزهد، والنظر أحاديث ~~كثيرة: إما يصدقون بها، وإما يجوزون بصدقها، وتكون معلومة الكذب عند علماء ~~الحديث. # وقد يصدق بعض هؤلاء بما يكون كذبا عند أهل المعرفة (2) " مثل ما ~~PageV07P429 # يروي طائفة من الفقهاء حديث: " «لا تفعلي يا حميراء فإنه يورث البرص» "، ~~وحديث: " «زكاة الأرض نبتها» "، وحديث: " «نهي عن بيع وشرط، ونهي عن بيع ~~المكاتب والمدبر وأم الولد» "، وحديث: " «نهي عن قفيز الطحان» "، وحديث: " ~~«لا يجتمع العشر والخراج على مسلم» "، وحديث: «ثلاث هن علي فريضة، وهن لكم ~~تطوع: الوتر، والنحر، وركعتا الفجر» "، وحديث: " «كان رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم في السفر يتم ويقصر» "، وحديث: " «لا تقطع اليد إلا في عشر ~~دراهم» "، وحديث: " «لا مهر دون عشرة دراهم» "، وحديث: " «الفرق بين الطلاق ~~والعتاق في الاستثناء» "، وحديث: " «أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة» "، ~~وحديث: " «نهى عن البتراء» "، وحديث: «يغسل الثوب من المني والدم» "، ~~وحديث: " «الوضوء مما خرج لا مما دخل» "، وحديث: " «كان يرفع يديه في ~~ابتداء الصلاة ثم لا يعود» ". # إلى أمثال (1) ذلك من الأحاديث (2) التي يصدق بعضها طائفة من الفقهاء، ~~ويبنون عليها الحلال والحرام، وأهل العلم بالحديث متفقون على أنها كذب على ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم موضوعة (عليه) (3) ، وكذلك أهل العلم من ~~الفقهاء يعلمون ذلك. # وكذلك أحاديث يرويها كثير من النساك، ويظنها صدقا، مثل قولهم (4) ~~PageV07P430 # " إن عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا "، ومثل قولهم: " إن قوله تعالى: ~~{ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} (سورة الأنعام: ~~52) ، {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} (سورة ~~الكهف: 28) (1) : نزل (2) في أهل الصفة، ومثل حديث: " «غلام المغيرة بن ~~شعبة أحد الأبدال الأربعين» "، وكذلك حديث فيه ذكر الأبدال، والأقطاب، ~~والأغواث، وعدد الأولياء، وأمثال ذلك مما يعلم أهل العلم بالحديث أنه كذب. # وكذلك أمثال ms1805 (3) . . هذه الأحاديث قد تعلم من غير طريق أهل الحديث، مثل ~~أن نعلم أن قوله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} (سورة ~~الأنعام: 52) ، {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} (سورة ~~الكهف: 28) في سورة الأنعام، وفي سورة الكهف (4) وهما سورتان مكيتان باتفاق ~~الناس، والصفة إنما كانت بالمدينة (5) ومثل ما يروون في أحاديث المعراج (6) ~~: أنه رأى ربه في صورة كذا. PageV07P431 # وأحاديث المعراج التي في الصحاح ليس فيها شيء من أحاديث ذكر الرؤية، ~~وإنما الرؤية في أحاديث مدنية كانت في المنام كحديث معاذ بن جبل: " «أتاني ~~البارحة ربي في أحسن صورة» " إلى آخره، فهذا منام رآه (1) في المدينة، * ~~وكذلك ما شابهه كلها كانت في المدينة في المنام * (2) ، والمعراج كان بمكة ~~بنص القرآن واتفاق المسلمين. # وقد يروج على طائفة من الناس من الحديث ما هو أظهر كذبا من هذا، مثل ~~تواجد النبي صلى الله عليه وسلم حتى سقطت البردة عنه، فهذا من الكذب ~~الموضوع باتفاق أهل المعرفة، وطائفة يظنون هذا صدقا لما رواه محمد بن طاهر ~~المقدسي، فإنه رواه في مسألة السماع، ورواه أبو حفص السهروردي لكن قال: " ~~يخالج سري أن هذا الحديث ليس دون اجتماع النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ~~"، وهذا الذي ظنه وخالج سره هو يقين عند غيره قد خالط قلبه، فإن أهل العلم ~~بالحديث متفقون على أن هذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. # وأعظم من هذا ظن طائفة أن أهل الصفة قاتلوا النبي صلى الله عليه وسلم، ~~وأنه يجوز للأولياء قتال الأنبياء، إذا كان الغدر عليهم، وهذا مع أنه من ~~أعظم الكفر والكذب فقد راج على كثير ممن ينتسب إلى الأحوال والمعارف ~~والحقائق، وهم في الحقيقة لهم أحوال شيطانية، والشياطين التي تقترن بهم (3) ~~بهم قد تخبرهم ببعض الغائبات، وتفعل بعض PageV07P432 # أغراضهم، وتقضي (بعض) (1) حوائجهم، ويظن كثير من الناس أنهم بذلك أولياء ~~الله، وإنما هم من أولياء الشياطين. # وكذلك قد يروج على كثير ممن ينتسب (2) إلى السنة أحاديث يظنونها من السنة ~~وهي كذب، كالأحاديث المروية ms1806 في فضائل عاشوراء - غير الصوم - وفضل الكحل ~~فيه، والاغتسال، والحديث (3) ، والخضاب، والمصافحة، وتوسعة النفقة على ~~العيال فيه، ونحو ذلك، وليس في عاشوراء (4) حديث صحيح غير الصوم. # وكذلك ما يروى في فضل صلوات (5) معينة فيه فهذا كله كذب موضوع باتفاق أهل ~~المعرفة، ولم ينقل هذه الأحاديث أحد من أئمة أهل العلم في كتبهم. # ولهذا لما (6) سئل الإمام أحمد عن الحديث الذي يروى: " «من وسع على أهله ~~يوم عاشوراء» " فقال: لا أصل له. # وكذلك الأحاديث المروية في فضل رجب بخصوصه، أو فضل صيامه، أو صيام شيء ~~منه، أو فضل صلاة مخصوصة فيه كالرغائب، كلها كذب مختلق. # وكذلك ما يروى في صلاة الأسبوع كصلاة يوم الأحد والاثنين PageV07P433 # وغيرهما كذب، وكذلك ما يروى من الصلاة المقدرة ليلة النصف، وأول ليلة (1) ~~جمعة من رجب، أو ليلة سبع وعشرين منه، ونحو ذلك كلها كذب. # وكذلك كل صلاة فيها الأمر بتقدير عدد الآيات أو السور أو التسبيح، فهي ~~كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث، إلا صلاة التسبيح، فإن فيها قولين لهم، ~~وأظهر القولين أنها كذب، وإن كان قد اعتقد صدقها طائفة من أهل العلم، ولهذا ~~لم يأخذها أحد من أئمة المسلمين، بل أحمد بن حنبل وأئمة الصحابة كرهوها ~~وطعنوا في حديثها، وأما مالك وأبو حنيفة والشافعي وغيرهم فلم يسمعوها ~~بالكلية، ومن يستحبها من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما فإنما هو اختيار ~~منهم، لا نقل عن الأئمة. # وأما ابن المبارك فلم يستحب الصفة المذكورة المأثورة التي فيها التسبيح ~~قبل القيام، بل استحب صفة أخرى توافق المشروع؛ لئلا تثبت سنة بحديث لا أصل ~~له. # وكذلك أيضا في كتب التفسير أشياء منقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم ~~يعلم أهل العلم بالحديث أنها كذب مثل حديث فضائل سور القرآن الذي يذكره ~~الثعلبي، والواحدي في أول (2) كل سورة، ويذكره (3) وكذلك الزمخشري في آخر ~~كل سورة. # ويعلمون أن أصح ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل السور ~~أحاديث: {قل هو الله أحد} ، ولهذا رواها أهل الصحيح، فأفرد (4) PageV07P434 # الحفاظ لها مصنفات كالحافظ ms1807 أبي محمد الخلال وغيره، ويعلمون أن الأحاديث ~~المأثورة (1) في فضل فاتحة الكتاب، وآية الكرسي، وخواتيم البقرة، ~~والمعوذتين أحاديث صحيحة فلهم فرقان يفرقون به بين الصدق والكذب. # وأما (أحاديث) (2) سبب النزول فغالبها مرسل ليس بمسند، ولهذا قال الإمام ~~أحمد بن حنبل: ثلاث علوم لا إسناد لها - وفي لفظ: ليس لها أصل -: التفسير، ~~والمغازي، والملاحم، يعني أن أحاديثها مرسلة. # والمراسيل قد تنازع الناس في قبولها وردها، وأصح الأقوال أن منها ~~المقبول، ومنها المردود، ومنها الموقوف، فمن علم من حاله أنه لا يرسل إلا ~~عن ثقة قبل مرسله، ومن عرف أنه يرسل عن الثقة وغير الثقة كان إرساله رواية ~~عمن لا يعرف حاله فهذا موقوف، وما كان من المراسيل مخالفا لما رواه الثقات ~~كان مردودا. # وإذا جاء المرسل من وجهين (3) : كل من الراويين (4) أخذ العلم عن شيوخ ~~الآخر (5) ، فهذا مما (6) يدل على صدقه، فإن مثل ذلك لا يتصور في العادة ~~تماثل الخطأ فيه وتعمد الكذب، كان هذا مما يعلم أنه صدق، فإن المخبر إنما ~~يؤتى (7) من جهة (تعمد الكذب ومن جهة) (8) PageV07P435 # الخطأ، فإذا كانت القصة مما يعلم أنه لم يتواطأ فيه المخبران، والعادة ~~(1) تمنع تماثلهما في الكذب عمدا وخطأ، مثل (2) أن تكون القصة طويلة فيها ~~أقوال كثيرة رواها هذا مثل ما رواها هذا، فهذا يعلم أنه صدق. # وهذا مما يعلم به صدق محمد صلى الله عليه وسلم، وموسى عليه السلام، فإن ~~كلا منهما أخبر عن الله وملائكته وخلقه للعالم (3) وقصة آدم ويوسف وغيرهما ~~من قصص الأنبياء عليهم السلام بمثل ما أخبر به الآخر، مع العلم بأن واحدا ~~منهما لم يستفد ذلك من الآخر، وأنه يمتنع في العادة تماثل الخبرين الباطلين ~~في مثل ذلك، فإن من أخبر بأخبار كثيرة مفصلة دقيقة عن مخبر معين، لو كان ~~مبطلا في خبره لاختلف خبره، لامتناع أن مبطلا يختلق ذلك من غير تفاوت، لا ~~سيما في أمور لا تهتدي العقول إليها، بل ذلك يبين أن كلا منهما أخبر بعلم ~~وصدق. # وهذا مما يعلمه الناس من أحوالهم فلو جاء ms1808 رجل من بلد إلى آخر (4) وأخبر ~~عن حوادث مفصلة حدثت فيه، تنتطم أقوالا وأفعالا مختلفة، وجاء من علمنا أنه ~~لم يواطئه على الكذب فحكى مثل ذلك، علم قطعا أن الأمر كان كذلك، فإن الكذب ~~قد يقع في مثل ذلك، لكن على سبيل المواطأة وتلقي بعضهم عن بعض، (كما يتوارث ~~أهل الباطل المقالات الباطلة مثل مقالة النصارى والجهمية والرافضة ونحوهم، ~~فإنها وإن كان يعلم بضرورة العقل أنها باطلة، لكنها تلقاها بعضهم عن بعض،) ~~(5) PageV07P436 # فلما تواطئوا عليها جاز اتفاقهم فيها على الباطل. # والجماعة الكثيرون يجوز اتفاقهم على جحد الضروريات على سبيل التواطؤ: إما ~~عمدا للكذب (1) وإما خطأ في الاعتقاد، وأما اتفاقهم على جحد الضروريات من ~~دون (2) هذا وهذا فممتنع (3) ### | [فصل الطرق التي يعلم بها كذب المنقول] # فصل # في الطرق التي يعلم بها كذب المنقول. # منها: أن يروى خلاف ما علم بالتواتر والاستفاضة، مثل أن نعلم أن مسيلمة ~~الكذاب ادعى النبوة، واتبعه طوائف كثيرة من بني حنيفة فكانوا مرتدين ~~لإيمانهم بهذا المتنبئ الكذاب، وأن أبا لؤلؤة قاتل عمر كان مجوسيا كافرا، ~~وأن أبا الهرمزان كان مجوسيا أسلم، وأن أبا بكر * كان يصلي بالناس مدة مرض ~~الرسول صلى الله عليه وسلم ويخلفه بالإمامة بالناس لمرضه، وأن أبا بكر * ~~(4) وعمر دفنا في حجرة عائشة مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل ما يعلم من ~~غزوات النبي صلى الله عليه وسلم التي كان فيها القتال كبدر ثم أحد ثم ~~الخندق ثم خيبر ثم فتح مكة ثم غزوة الطائف، والتي لم يكن فيها قتال كغزوة ~~تبوك وغيرها، وما نزل من القرآن PageV07P437 # في الغزوات كنزول الأنفال بسبب (1) بدر، ونزول آخر آل عمران بسبب أحد، ~~ونزول أولها بسبب نصارى نجران، ونزول سورة الحشر بسبب بني النضير، ونزول ~~الأحزاب بسبب الخندق، ونزول سورة الفتح بسبب صلح الحديبية، ونزول براءة ~~بسبب غزوة تبوك، وغيرها وأمثال ذلك. # فإذا روي في الغزوات - وما يتعلق بها - ما يعلم أنه خلاف الواقع علم أنه ~~كذب، مثل ما يروي هذا الرافضي، وأمثاله من الرافضة وغيرهم من ms1809 الأكاذيب (2) ~~الباطلة الظاهرة في الغزوات، كما تقدم التنبيه عليه، ومثل أن يعلم نزول ~~القرآن في أي وقت كان، كما يعلم أن سورة البقرة، وآل عمران، والنساء (3) ، ~~والمائدة، والأنفال، وبراءة نزلت بعد الهجرة في المدينة، وأن الأنعام، ~~والأعراف، ويونس، وهودا، ويوسف، والكهف، وطه، ومريم، واقتربت الساعة، وهل ~~أتى على الإنسان، وغير ذلك نزلت قبل الهجرة بمكة، وأن المعراج كان بمكة، ~~وأن الصفة كانت بالمدينة، وأن أهل الصفة كانوا من جملة الصحابة الذين لم ~~يقاتلوا النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكونوا ناسا معينين، بل كانت الصفة ~~منزلا ينزل بها من لا أهل له من الغرباء القادمين، وممن دخل فيهم سعد بن ~~أبي وقاص، وأبو هريرة، وغيرهما من صالحي المؤمنين، وكالعرنيين (4) الذين ~~ارتدوا عن PageV07P438 # الإسلام فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في آثارهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، ~~وسمل أعينهم، وألقاهم في الحرة يستسقون (1) ، فلا يسقون (2) ، وأمثال ذلك ~~من الأمور المعلومة. # فإذا روى الجاهل نقيض ذلك علم أنه كذب، ومن الطرق التي يعلم بها الكذب أن ~~ينفرد الواحد والاثنان بما يعلم أنه لو كان واقعا لتوفرت الهمم والدواعي ~~على نقله، فإنه من المعلوم أنه لو أخبر الواحد ببلد عظيم بقدر بغداد، ~~والشام، والعراق لعلمنا كذبه في ذلك ; لأنه (3) لو كان موجودا لأخبر به ~~الناس. PageV07P439 # وكذلك لو أخبرنا بأنه تولى (1) رجل بين عمر وعثمان، أو تولى بين عثمان ~~وعلي، أو أخبرنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤذن له في العيد، أو في ~~صلاة الكسوف أو الاستسقاء، أو أنه كان يقام بمدينته يوم الجمعة أكثر من ~~جمعة واحدة، أو يصلى يوم العيد أكثر من عيد واحد، أو أنه كان يصلي العيد ~~بمنى يوم العيد، أو أن أهل مكة كانوا يتمون الصلاة بعرفة ومزدلفة ومنى ~~خلفه، أو أنه (2) كان يجمع بين الصلاتين بمنى، كما كان يقصر، أو أنه فرض ~~صوم شهر آخر غير رمضان، أو أنه فرض صلاة سادسة وقت الضحى أو نصف الليل، أو ~~أنه فرض حج بيت آخر غير الكعبة، أو أن القرآن ms1810 عارضه طائفة من العرب أو ~~غيرهم بكلام يشابهه، ونحو هذه الأمور - لكنا نعلم كذب هذا الكاذب، فإنا ~~نعلم انتفاء هذه الأمور بانتفاء لازمها، فإن هذه لو كانت مما يتوفر الهمم ~~والدواعي على نقلها عامة لبني آدم، وخاصة لأمتنا شرعا، فإذا لم ينقلها أحد ~~من أهل العلم، فضلا عن أن تتواتر، علم أنها كذب. # ومن هذا الباب نقل النص على خلافة علي، فإنا نعلم أنه كذب من طرق كثيرة، ~~فإن هذا النص لم ينقله أحد (من أهل العلم) بإسناد (3) صحيح، فضلا عن أن ~~يكون متواترا، ولا نقل أن أحدا ذكره على عهد (4) PageV07P440 # الخلفاء (1) مع تنازع الناس في الخلافة، وتشاورهم (2) فيها يوم السقيفة، ~~وحين موت عمر، وحين جعل الأمر شورى بينهم في ستة، ثم لما قتل عثمان واختلف ~~الناس على علي، فمن المعلوم * أن مثل هذا النص لو كان كما تقوله الرافضة من ~~أنه نص على علي نصا جليا قاطعا للعذر علمه المسلمون، لكان من المعلوم * (3) ~~بالضرورة أنه لا بد أن ينقله الناس نقل مثله، وأنه لا بد أن يذكره لكثير ~~(4) من الناس، بل أكثرهم، في مثل هذه المواطن التي تتوفر الهمم على ذكره ~~فيها غاية التوفر، فانتفاء ما يعلم أنه لازم يقتضي انتفاء ما يعلم أنه ~~ملزوم، ونظائر ذلك كثيرة. # ففي الجملة الكذب هو نقيض الصدق وأحد النقيضين يعلم انتفاؤه تارة بثبوت ~~نقيضه، وتارة بما يدل على انتفائه بخصوصه. # والكلام مع الشيعة أكثره مبني على النقل، فمن كان خبيرا بما وقع، ~~وبالأخبار الصادقة التي توجب العلم اليقيني علم انتفاء ما يناقض ذلك يقينا ~~(5) ، ولهذا ليس في أهل العلم بالأحاديث النبوية (إلا) (6) ما يوجب العلم ~~بفضل (7) الشيخين وصحة إمامتهما، وكذب ما تدعيه الرافضة. PageV07P441 # ثم كل من كان أعلم بالرسول وأحواله، كان أعلم ببطلان مذهب الزيدية ~~وغيرهم، ممن يدعي نصا خفيا، وأن (1) عليا كان أفضل من الثلاثة، أو يتوقف في ~~التفضيل، فإن هؤلاء إنما وقعوا في الجهل المركب أو البسيط لضعف علمهم بما ~~علمه أهل العلم بالأحاديث والآثار. ### | توجد أحاديث أخرى لم يذكرها ms1811 الرافضي وهي أدل على مقصوده من التي ذكرها # فصل # واعلم أنه ثم أحاديث أخر لم يذكرها هذا الرافضي، لو كانت صحيحة لدلت على ~~مقصوده، وفيها ما هو أدل من بعض ما ذكره لكنها كلها كذب، والناس قد رووا ~~أحاديث مكذوبة في فضل أبي بكر وعمر، وعثمان، وعلي، ومعاوية رضي الله عنهم ~~وغيرهم، لكن المكذوب في فضل علي أكثر ; لأن الشيعة أجرأ على الكذب من ~~النواصب. # قال أبو الفرج بن الجوزي (2) : " فضائل علي الصحيحة (3) كثيرة غير أن ~~الرافضة لم تقنع فوضعت له ما يضع لا ما يرفع (4) ، وحوشيت (5) حاشيته (6) ~~من الاحتياج (7) إلى الباطل ". # قال (8) : " فاعلم (9) أن الرافضة ثلاثة أصناف: صنف منهم (10) سمعوا ~~PageV07P442 # أشياء (1) من الحديث فوضعوا أحاديث وزادوا ونقصوا، وصنف لم يسمعوا فتراهم ~~يكذبون على جعفر الصادق، ويقولون: قال جعفر، وقال (2) فلان، وصنف (3) ثالث ~~عوام جهلة يقولون ما يريدون مما يسوغ في العقل، ومما لا يسوغ ". # فمن أماثل الموضوعات ما رواه ابن الجوزي (4) من طريق النسائي في كتابه ~~الذي وضعه (5) في خصائص علي من حديث عبيد الله بن موسى: حدثنا العلاء بن ~~صالح، عن المنهال بن عمرو (6) ، عن عباد (7) بن عبد الله الأسدي، قال: قال ~~علي رضي الله عنه: أنا عبد الله، وأخو رسول الله (8) ، وأنا الصديق الأكبر، ~~لا يقولها بعدي (9) إلا كاذب، صليت قبل الناس سبع سنين "، ورواه أحمد في " ~~الفضائل " (10) ، وفي رواية له (11) : " ولقد أسلمت قبل الناس بسبع سنين ". # ورواه من حديث العلاء بن صالح أيضا عن المنهال بن عباد. PageV07P443 # قال أبو الفرج (1) : " هذا حديث موضوع (2) ، والمتهم به عباد بن عبد ~~الله. قال علي بن المديني: كان ضعيف الحديث، وقال أبو الفرج: (3) " (حماد) ~~(4) الأزدي: روى (5) أحاديث لا يتابع عليها، وأما المنهال فتركه شعبة، قال ~~(6) أبو بكر الأثرم: سألت أبا عبد الله عن حديث علي: " أنا عبد الله وأخو ~~رسول الله (7) " فقال: اضرب عليه؛ فإنه حديث منكر (8) ". # قلت: وعباد يروى من طريقه عن علي ما يعلم أنه كذب عليه قطعا، مثل هذا ~~الحديث، فإنا نعلم أن عليا (9) كان أبر، وأصدق ms1812، وأتقى لله من أن يكذب، ~~ويقول مثل هذا الكلام الذي هو كذب ظاهر معلوم بالضرورة أنه كذب، وما علمنا ~~أنه كذب ظاهر لا يشتبه، فقد علمنا أن عليا لم يقله لعلمنا بأنه أتقى لله من ~~أن يتعمد هذا الكذب القبيح، وأنه ليس مما (10) PageV07P444 # يشتبه حتى يخطئ فيه، فالناقل عنه إما متعمد الكذب، وإما مخطئ غالط، وليس ~~قدح المبغض لعلي من الخوارج والمتعصبين لبني مروان وغيرهم مما يشككنا في ~~صدقه وبره وتقواه، كما أنه ليس قدح الرافضة في أبي بكر وعمر، بل وقدح ~~الشيعة في عثمان لا يشككنا في العلم بصدقهم وبرهم وتقواهم، بل نحن نجزم بأن ~~واحدا منهم لم يكن ممن يتعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ~~هو فيما دون ذلك. # ، فإذا كان المنقول عنه مما لا يغلط (1) في مثله، وقد علمنا أنه كذب، ~~جزمنا بكذب الناقل متعمدا أو مخطئا. # مثل ما رواه عبد الله في " المناقب " (2) : حدثنا يحيى بن عبد الحميد (3) ~~، حدثنا شريك، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو (4) ، عن عباد بن عبد الله، ~~عن علي. وحدثنا أبو خيثمة، حدثنا الأسود (5) بن عامر، حدثنا شريك، عن ~~الأعمش، عن المنهال بن عمرو (6) ، عن عباد بن عبد الله الأسدي، «عن علي، ~~قال: لما نزلت: {وأنذر عشيرتك الأقربين} (سورة الشعراء: 214) دعا رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم رجالا من أهل بيته: إن كان الرجل منهم لآكلا جذعة، وإن ~~كان شاربا فرقا» . . إلى آخر الحديث. PageV07P445 # وهذا كذب على علي رضي الله عنه لم يروه قط، وكذبه ظاهر من وجوه (1) . # وهذا الحديث رواه أحمد في " الفضائل (2) ": حدثنا عثمان (3) ، حدثنا أبو ~~عوانة، عن عثمان بن المغيرة، عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجز، عن علي، ~~وهؤلاء يعلم (4) أنهم يروون الباطل. # وروى أبو الفرج (5) من طريق أجلح، عن سلمة (6) بن كهيل، عن حبة بن جوين ~~(7) ، قال: سمعت عليا يقول: أنا (8) عبدت الله عز وجل مع رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم قبل أن يعبده رجل من هذه الأمة خمس سنين أو سبع ms1813 سنين " قال ~~أبو الفرج: حبة لا يساوي حبة (9) فإنه كذاب، قال يحيى: ليس بشيء (10) ، ~~وقال السعدي: غير ثقة، وقال ابن حبان: كان غاليا في التشيع واهيا (11) في ~~الحديث، وأما الأجلح فقال أحمد: قد روى غير حديث منكر. قال أبو حاتم ~~الرازي: لا يحتج به (12) ، وقال ابن حبان: كان لا يدري ما يقول ". ~~PageV07P446 # قال أبو الفرج (1) : ومما يبطل هذه الأحاديث أنه لا خلاف في تقدم إسلام ~~خديجة، وأبي بكر، وزيد (2) ، وأن عمر أسلم في سنة ست من النبوة بعد أربعين ~~رجلا (3) ، فكيف يصح هذا. # وذكر حديثا (4) عن النبي صلى الله عليه وسلم: " (أنا) (5) الصديق الأكبر ~~(6) "، " وهو مما عملته يد أحمد بن نصر الذراع (7) ، فإنه كان كذابا يضع ~~الحديث ". # وحديثا فيه (8) " أنا أولهم إيمانا، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر ~~الله، وأقسمهم بالسوية (9) ، وأعدلهم في الرعية، وأبصرهم بالقضية (10) " ~~قال: " وهو موضوع (11) ، والمتهم به بشر بن إبراهيم، قال ابن عدي، وابن ~~حبان: كان يضع الحديث على الثقات "، ورواه الأبزاري الحسين بن عبيد الله، ~~عن إبراهيم بن سعيد (12) الجوهري، عن مأمون، عن الرشيد، قال: وهذا الأبرازي ~~كان كذابا (13) . PageV07P447 # وذكر حديثا (1) : " «أنت أول من آمن بي، وأنت أول من يصافحني يوم ~~القيامة، وأنت الصديق الأكبر، وأنت الفاروق تفرق بين الحق والباطل، وأنت ~~يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الكافرين، أو يعسوب (2) الظلمة» (3) ". # قال: " وهذا حديث موضوع، وفي طريقه الأول (4) ، عباد بن يعقوب. # قال ابن حبان: يروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك، وفيه علي بن ~~هاشم، قال ابن حبان: كان يروي المناكير عن المشاهير، وكان غاليا في التشيع، ~~وفيه محمد بن عبد الله، قال يحيى: ليس بشيء (5) ، وأما الطريق الثاني ففيه ~~أبو الصلت الهروي، كان كذابا رافضيا (6) خبيثا، فقد اجتمع عباد وأبو الصلت ~~في روايته (7) ، والله أعلم بهما أيهما سرقه من صاحبه ". # قلت: لعل الآفة فيه من محمد بن عبد الله. # وروي عن طريق ابن عباس، وفيه عبد الله بن زاهر (8) ، قال ابن معين: ليس ~~بشيء، لا يكتب عنه إنسان في خير، قال أبو الفرج بن الجوزي: " كان غاليا ms1814 في ~~الرفض ". PageV07P448 ### | [طرق يمكن سلوكها لمن لم تكن له معرفة بالأخبار] # فصل # وهنا طرق (1) يمكن سلوكها لمن لم تكن له معرفة بالأخبار من الخاصة، فإن ~~كثيرا من الخاصة - فضلا عن العامة - يتعذر عليه معرفة التمييز بين الصدق ~~والكذب من جهة الإسناد في أكثر ما يروى من الأخبار في هذا الباب وغيره، ~~وإنما يعرف ذلك علماء الحديث (2) ، ولهذا عدل كثير من أهل الكلام والنظر عن ~~معرفة الأخبار بالإسناد وأحوال الرجال لعجزهم عنها، وسلكوا طريقا آخر. # ولكن تلك الطريق هي طريقة أهل العلم بالحديث، العالمين بما بعث الله به ~~رسوله، ولكن نحن نذكر طريقا آخر، فنقول: نقدر أن الأخبار المتنازع فيها لم ~~توجد، أو لم يعلم أيها الصحيح، ونترك الاستدلال بها في الطرفين، ونرجع إلى ~~ما هو معلوم بغير ذلك من التواتر، وما يعلم من العقول (3) والعادات، وما ~~دلت عليه النصوص المتفق عليها. # فنقول: من المعلوم المتواتر عند الخاصة والعامة الذي لم يختلف فيه أهل ~~العلم بالمنقولات، والسير: أن أبا بكر رضي الله عنه لم يطلب الخلافة لا ~~برغبة ولا برهبة، لا بذل فيها ما يرغب (4) الناس به، ولا شهر PageV07P449 # عليهم سيفا يرهبهم به، ولا كانت له قبيلة ولا موال (1) تنصره، وتقيمه في ~~ذلك، كما جرت عادة (2) الملوك أن أقاربهم ومواليهم يعاونونهم، ولا طلبها ~~أيضا بلسانه، ولا قال: بايعوني، بل أمر بمبايعة عمر وأبي عبيدة، ومن تخلف ~~عن بيعته كسعد بن عبادة لم يؤذه، ولا أكرهه على المبايعة، ولا منعه حقا له، ~~ولا حرك عليهم ساكنا، وهذا (3) غاية في عدم إكراه الناس على المبايعة. # ثم إن المسلمين بايعوه ودخلوا في طاعته، والذين بايعوه هم الذين بايعوا ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، وهم السابقون الأولون من ~~المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه، وهم ~~أهل الإيمان والهجرة والجهاد، ولم يتخلف عن بيعته إلا سعد بن عبادة. # وأما علي وسائر بني هاشم فلا خلاف بين الناس أنهم بايعوه (4) ، لكن تخلف ~~فإنه (5) كان يريد الإمرة (6) لنفسه رضي الله عنهم ms1815 أجمعين، ثم إنه في مدة ~~ولايته قاتل بهم المرتدين والمشركين، لم (7) يقاتل PageV07P450 # مسلمين، بل أعاد الأمر إلى ما كان عليه قبل الردة، وأخذ يزيد الإسلام ~~فتوحا، وشرع في قتال فارس والروم، ومات والمسلمون محاصرو دمشق، وخرج منها ~~أزهد (1) مما دخل فيها: لم يستأثر عنهم (2) بشيء، ولا أمر له قرابة. # ثم ولي عليهم عمر بن الخطاب ففتح الأمصار، وقهر الكفار، وأعز أهل ~~الإيمان، وأذل أهل النفاق والعدوان، ونشر الإسلام والدين، وبسط العدل في ~~العالمين، ووضع ديوان الخراج والعطاء لأهل الدين، ومصر الأمصار للمسلمين، ~~وخرج منها أزهد (3) مما دخل فيها، لم يتلوث لهم بمال، ولا ولى أحدا من ~~أقاربه ولاية، فهذا أمر يعرفه كل أحد. # وأما عثمان فإنه بنى على أمر قد استقر قبله بسكينة وحلم (4) ، وهدى ورحمة ~~وكرم، ولم يكن فيه قوة عمر ولا سياسته، ولا فيه كمال عدله وزهده، فطمع فيه ~~بعض الطمع، وتوسعوا في الدنيا، (وأدخل من أقاربه في الولاية والمال) (5) ، ~~ودخلت (6) بسبب أقاربه في الولايات والأموال (7) أمور أنكرت عليه، فتولد من ~~رغبة (8) (بعض) (9) الناس في الدنيا، وضعف PageV07P451 # خوفهم من الله ومنه، ومن ضعفه هو، وما حصل من أقاربه في الولاية والمال - ~~ما أوجب الفتنة حتى قتل مظلوما شهيدا. # وتولى (1) علي على إثر ذلك، والفتنة قائمة، وهو عند كثير منهم متلطخ (2) ~~بدم عثمان، والله يعلم براءته مما نسبه إليه (3) الكاذبون عليه المبغضون ~~له، كما نعلم براءته مما نسبه إليه (4) الغالون فيه المبغضون لغيره من ~~الصحابة، فإن عليا لم يعن على (5) قتل عثمان ولا رضي به، كما ثبت عنه - وهو ~~الصادق - أنه قال ذلك، فلم تصف له قلوب كثير منهم، ولا أمكنه هو قهرهم حتى ~~يطيعوه، ولا اقتضى رأيه أن يكف عن القتال حتى ينظر ما يئول إليه الأمر، بل ~~اقتضى رأيه القتال، وظن أنه به تحصل الطاعة والجماعة، فما زاد الأمر إلا ~~شدة، وجانبه إلا ضعفا، وجانب من حاربه إلا قوة، والأمة إلا افتراقا، حتى ~~كان في آخر أمره يطلب هو (6) أن يكف عنه من قاتله، كما كان في ms1816 أول الأمر ~~يطلب منه الكف. # وضعفت خلافة (النبوة) (7) ضعفا أوجب أن تصير ملكا، فأقامها معاوية ملكا ~~برحمة وحلم، كما في الحديث المأثور (8) : " «تكون نبوة ورحمة، ثم ~~PageV07P452 # تكون خلافة نبوة ورحمة، ثم يكون ملك ورحمة (1) ، ثم يكون ملك» " (2) . # ولم يتول أحد من الملوك خيرا من معاوية فهو خير ملوك الإسلام، وسيرته خير ~~من سيرة سائر الملوك بعده، وعلي آخر الخلفاء الراشدين الذين هم (3) ولايتهم ~~خلافة نبوة ورحمة، وكل من الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم يشهد له بأنه من ~~(4) أفضل أولياء الله المتقين، (5) بل هؤلاء الأربعة أفضل خلق الله بعد ~~النبيين (6) ، لكن إذا جاء القادح فقال في أبي بكر وعمر: إنهما كانا ظالمين ~~متعديين (7) طالبين للرئاسة مانعين للحقوق، (وإنهما كانا من أحرص الناس على ~~الرئاسة) (8) ، وإنهما - ومن أعانهما - ظلموا الخليفة المستحق المنصوص عليه ~~من جهة الرسول، وإنهم منعوا أهل البيت ميراثهم، وإنهما كانا من أحرص الناس ~~على الرئاسة والولاية PageV07P453 # الباطلة مع ما قد عرف من سيرتهما (1) - كان من المعلوم أن هذا الظن لو ~~كان حقا فهو أولى بمن قاتل عليها (2) حتى غلب، وسفكت الدماء بسبب المنازعة ~~التي بينه وبين منازعه، ولم يحصل بالقتال لا مصلحة الدين ولا مصلحة الدنيا، ~~ولا قوتل في خلافته كافر، ولا فرح مسلم، فإن عليا لا يفرح بالفتنة بين ~~المسلمين، وشيعته لم تفرح بها ; لأنها لم تغلب، والذين قاتلوه لم يزالوا ~~أيضا في كرب وشدة. # وإذا كنا ندفع من يقدح في علي من الخوارج، مع ظهور هذه الشبهة، فلأن ندفع ~~من يقدح في أبي بكر وعمر بطريق الأولى والأحرى. # وإن جاز أن يظن بأبي بكر أنه كان قاصدا للرئاسة (3) بالباطل مع أنه لم ~~يعرف منه إلا ضد ذلك، فالظن بمن قاتل على الولاية - ولم يحصل له مقصوده - ~~أولى وأحرى. # فإذا ضرب مثل هذا وهذا بإمامي مسجد، وشيخي مكان (4) ، أو مدرسي مدرسة - ~~كانت العقول كلها تقول: إن هذا أبعد عن طلب الرئاسة، وأقرب إلى قصد الدين ~~والخير. # فإذا كنا نظن بعلي أنه كان قاصدا للحق والدين، وغير مريد علوا ms1817 في الأرض ~~ولا فسادا، فظن ذلك بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما أولى وأحرى. PageV07P454 # وإن ظن ظان بأبي بكر أنه كان يريد العلو في الأرض والفساد، فهذا الظن ~~بعلي أجدر وأولى. # أما أن يقال: إن أبا بكر كان يريد العلو في الأرض والفساد، وعلي لم يكن ~~يريد علوا في الأرض ولا فسادا، مع ظهور السيرتين - فهذا مكابرة، وليس فيما ~~تواتر من السيرتين ما يدل على ذلك، بل المتواتر من السيرتين يدل على أن ~~سيرة أبي بكر أفضل. # ولهذا كان الذين ادعوا هذا لعلي أحالوا على ما لم يعرف، وقالوا: ثم نص ~~على خلافته كتم، وثم (1) عداوة باطنة لم تظهر، بسببها منع حقه. # ونحن الآن مقصودنا أن نذكر ما علم وتيقن وتواتر عند العامة والخاصة، وأما ~~ما يذكر (2) من منقول يدفعه جمهور الناس، ومن ظنون سوء لا يقوم عليها دليل ~~بل نعلم فسادها، فالمحتج بذلك ممن يتبع الظن وما تهوى الأنفس، وهو من جنس ~~الكفار وأهل الباطل، وهي مقابلة بالأحاديث من الطرق الأخر. # ونحن لم نحتج بالأخبار التي رويت من الطرفين، فكيف بالظن الذي لا يغني من ~~الحق شيئا؟ ! # فالمعلوم المتيقن المتواتر عند العام والخاص أن أبا بكر كان أبعد عن ~~إرادة العلو والفساد من عمر وعثمان وعلي، فضلا عن علي وحده، (3) وأنه كان ~~أولى (4) بإرادة وجه الله تعالى وصلاح (5) المسلمين من الثلاثة PageV07P455 # بعده، فضلا عن علي، وأنه كان أكمل عقلا ودينا وسياسة من الثلاثة، وأن (1) ~~ولايته الأمة (2) خير من ولاية علي، وأن منفعته للمسلمين في دينهم ودنياهم ~~أعظم من منفعة علي، رضي الله عنهم (أجمعين) (3) . # وإذا كنا نعتقد أنه كان مجتهدا مريدا وجه الله بما فعل (4) ، وأن ما تركه ~~من المصلحة كان عاجزا عنه، وما حصل من المفسدة كان عاجزا عن دفعه، وأنه لم ~~يكن مريدا للعلو في الأرض ولا الفساد - كان هذا الاعتقاد بأبي بكر وعمر ~~أولى وأخلق وأحرى (5) . # فهذا وجه لا يقدر أحد أن يعارضه إلا بما يظن أنه نقل خاص، كالنقل لفضائل ~~علي، ولما يقتضي أنه أولى ms1818 بالإمامة، أو أن إمامته منصوص عليها، وحينئذ ~~فيعارض هذا بنقل الخاصة - الذين هم أصدق وأكثر - لفضائل الصديق التي تقتضي ~~أنه أولى بالإمامة، وأن النصوص إنما دلت عليه. # فما من حجة يسلكها الشيعي إلا وبإزائها للسني حجة من جنسها أولى منها، ~~فإن السنة في الإسلام كالإسلام في الملل، فما من حجة يسلكها كتابي إلا ~~وللمسلم فيها ما هو أحق بالاتباع منها. # قال تعالى: {ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا} (سورة ~~الفرقان: 33) PageV07P456 # لكن صاحب الهوى الذي له غرض في جهة، إذا وجه له المخالف لهواه ثقل عليه ~~سمعه واتباعه. # قال تعالى: {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن} ~~(سورة " المؤمنون ": 71) . # وهنا طريق آخر، وهو أن يقال: دواعي المسلمين بعد موت النبي صلى الله عليه ~~وسلم كانت متوجهة إلى اتباع الحق، وليس لهم ما يصرفهم عنه، وهم قادرون على ~~ذلك، فإذا (1) حصل الداعي إلى الحق، وانتفى الصارف مع القدرة، وجب الفعل. # فعلم أن المسلمين اتبعوا فيما فعلوه الحق، وذلك أنهم (2) خير الأمم، وقد ~~أكمل الله لهم الدين، وأتم عليهم النعمة، ولم يكن عند الصديق غرض دنيوي ~~يقدمونه لأجله، ولا عند علي غرض دنيوي يؤخرونه لأجله، بل لو فعلوا بموجب ~~الطبع لقدموا عليا، وكانت الأنصار لو اتبعت الهوى أن تتبع رجلا من بني هاشم ~~أحب إليها من أن تتبع رجلا من بني تيم، وكذلك عامة قبائل قريش لا سيما بنو ~~عبد مناف، وبنو مخزوم، فإن طاعتهم لمنافي كانت أحب إليهم من طاعة تيمي لو ~~اتبعوا الهوى، وكان أبو سفيان بن حرب وأمثاله يختارون تقديم علي. # وقد روي أن أبا سفيان طلب من علي أن يتولى لأجل القرابة التي بينهما، وقد ~~قال أبو قحافة، لما قيل له: إن ابنك تولى، قال: " أورضيت بذلك بنو عبد ~~مناف، وبنو مخزوم؟ " قالوا: نعم، فعجب من ذلك، لعلمه PageV07P457 # بأن بني تيم كانوا من أضعف القبائل، وأن أشراف قريش كانت من تينك ~~القبيلتين. # وهذا، وأمثاله مما (إذا) (1) تدبره العاقل علم أنهم لم يقدموا أبا بكر ~~إلا ms1819 لتقديم الله ورسوله ; لأنه كان خيرهم وسيدهم وأحبهم إلى الله ورسوله، ~~فإن الإسلام إنما يقدم بالتقوى لا بالنسب، وأبو بكر كان أتقاهم. # وهنا طريق آخر، وهو أنه تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن خير هذه ~~الأمة القرن الأول، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، (2) ثم الذين يلونهم ~~(3) ، وهذه الأمة هي خير الأمم، كما دل عليها الكتاب والسنة. # وأيضا فإنه (4) من تأمل أحوال المسلمين في خلافة بني أمية، فضلا عن زمن ~~الخلفاء الراشدين، علم أن أهل ذلك الزمان كانوا خيرا وأفضل من أهل هذا ~~الزمان، وأن (5) الإسلام كان في زمنهم أقوى وأظهر، فإن كان القرن الأول قد ~~جحدوا حق الإمام المنصوص عليه المولى عليهم، ومنعوا أهل بيت نبيهم ميراثهم، ~~وولوا فاسقا وظالما، ومنعوا عادلا عالما، مع علمهم بالحق، فهؤلاء من شر ~~الخلق، وهذه الأمة شر الأمم ; لأن هذا فعل خيارها، فكيف بفعل شرارها؟ ! . # وهنا طريق آخر، وهو أنه قد عرف بالتواتر الذي لا يخفى على العامة ~~والخاصة، أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كان لهم بالنبي صلى ~~PageV07P458 # الله عليه وسلم اختصاص عظيم، وكانوا من أعظم الناس اختصاصا به، وصحبة له، ~~وقربا إليه، واتصالا به، وقد صاهرهم كلهم، وما عرف عنه أنه كان يذمهم، ولا ~~يلعنهم، بل المعروف عنه أنه كان يحبهم ويثني عليهم. # وحينئذ فإما أن يكونوا على الاستقامة ظاهرا وباطنا، في حياته وبعد موته، ~~وإما أن يكونوا بخلاف ذلك في حياته أو بعد موته، فإن كانوا على غير ~~الاستقامة مع هذا التقرب، فأحد الأمرين لازم: إما عدم علمه بأحوالهم، أو ~~مداهنته لهم، وأيهما كان فهو أعظم القدح في الرسول صلى الله عليه وسلم كما ~~قيل: # فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم # وإن كانوا انحرفوا بعد الاستقامة فهذا خذلان من الله للرسول في خواص ~~أمته، وأكابر أصحابه، ومن قد أخبر بما سيكون بعد ذلك، أين كان عن علم ذلك؟ ~~وأين الاحتياط للأمة حتى لا يولى مثل هذا أمرها، ومن وعد أن يظهر ms1820 دينه على ~~الدين كله، فكيف يكون أكابر خواصه مرتدين؟ # فهذا ونحوه من أعظم ما يقدح به الرافضة في الرسول، كما قال مالك وغيره: ~~إنما أراد هؤلاء الرافضة الطعن في الرسول ليقول القائل: رجل سوء كان له ~~أصحاب سوء، ولو كان رجلا صالحا لكان أصحابه صالحين. # ولهذا قال أهل العلم: إن الرافضة دسيسة الزندقة، وإنه وضع عليها. وطريق ~~آخر أن يقال: الأسباب الموجبة لعلي - إن كان هو المستحق - # PageV07P459 # قوية (1) ، والصوارف منتفية، والقدرة حاصلة. ومع وجود الداعي، والقدرة ~~وانتفاء الصارف يجب الفعل، وذلك أن عليا هو (2) ابن عم نبيهم، ومن أفضلهم ~~نسبا، ولم يكن بينه وبين أحد عداوة: لا عداوة نسب، ولا إسلام، بأن يقول ~~القائل: قتل أقاربهم في الجاهلية. # وهذا المعنى (3) منتف في الأنصار، فإنهم لم يقتل أحدا من أقاربهم، ولهم ~~الشوكة، ولم يقتل من بني تيم، ولا عدي، ولا كثير من القبائل (4) أحدا، ~~والقبائل (5) التي قتل منها كبني عبد مناف، كانت تواليه، وتختار ولايته (6) ~~; لأنه إليها أقرب، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نص على ولايته (7) ، ~~أو كان (8) هو الأفضل المستحق لها لم يكن هذا مما يخفى عليهم، وعلمهم بذلك ~~يوجب انبعاث إرادتهم إلى ولايته إذا لم يكن هناك صارف يمنع، والأسباب كانت ~~مساعدة لهذا الداعي، ولا معارض لها، ولا صارف أصلا. # ولو قدر أن الصارف كان في نفر قليل فجمهور المسلمين لم يكن لهم فيها صارف ~~يصرفهم عنه، بل هم قادرون على ولايته، ولو قالت الأنصار: علي أحق بها من ~~سعد ومن أبي بكر - (ما) (9) أمكن أولئك PageV07P460 # النفر من المهاجرين أن يدافعوهم، وقام أكثر الناس مع علي، لا سيما وكان ~~جمهور الذين في قلوبهم مرض يبغضون عمر لشدته عليهم، وبغض الكفار والمنافقين ~~لعمر أعظم من بغضهم لعلي بما لا نسبة بينهما، بل لم (1) يعرف أن عليا كان ~~يبغضه الكفار والمنافقون إلا (2) كما يبغضون أمثاله، بخلاف عمر فإنه كان ~~شديدا عليهم، وكان من القياس أن ينفروا عن جهة فيها عمر. # ولهذا لما استخلفه أبو بكر كره خلافته طائفة، حتى ms1821 قال طلحة: ماذا تقول ~~لربك إذا وليت علينا فظا غليظا؟ فقال: أبالله تخوفني؟ أقول: وليت عليهم خير ~~أهلك. # فإذا كان أهل الحق مع علي، وأهل الباطل مع علي، فمن الذي يغلبه إذا كان ~~الحق معه؟ وهب أنهم إذا قاموا لم يغلبوا، أما كانت الدواعي المعروفة في مثل ~~ذلك توجب أن يجري في ذلك قيل وقال ونوع من الجدال؟ أوليس ذلك أولى بالكلام ~~فيه من الكلام في ولاية سعد؟ فإذا كانت الأنصار بشبهة (3) لا أصل لها طمعوا ~~أن يتأمر سعد، فمن يكون فيهم المحق (4) ؟ # ونص الرسول الجلي كيف لا يكون أعوانه أطمع في الحق، فإذا كان لم ينبز (5) ~~متكلم منهم (6) بكلمة واحدة في ذلك، ولم يدع داع إلى علي: PageV07P461 # لا هو ولا غيره، واستمر الأمر على ذلك إلى أن بويع له بعد مقتل عثمان، ~~فحينئذ قام هو وأعوانه فطلبوا وقاتلوا ولم يسكتوا، حتى كادوا يغلبوا (1) - ~~علم بالاضطرار أن سكوتهم أولا كان لعدم المقتضى لا لوجود المانع، وأن القوم ~~لم يكن عندهم علم بأن عليا هو (2) الأحق فضلا عن نص جلي، وأنه (3) لما بدا ~~لهم استحقاقه قاموا معه، مع وجود المانع. # وقد كان أبو بكر رضي الله عنه أبعدهم عن الممانعة من معاوية بكثير كثير، ~~لو كان لعلي حق، فإن أبا بكر لم يدع إلى نفسه، ولا أرغب ولا أرهب، ولا (4) ~~كان طالبا للرئاسة بوجه من الوجوه، ولا كان في أول الأمر يمكن أحدا القدح ~~في علي، كما أمكن ذلك بعد مقتل عثمان، فإنه حينئذ نسبه كثير من شيعة عثمان ~~إلى أنه أعان على قتله، وبعضهم يقول: خذله، وكان قتلة عثمان في عسكره، وكان ~~هذا من الأمور التي منعت كثيرا من مبايعته. # وهذه الصوارف كانت منتفية في أول الأمر، فكان جنده أعظم، وحقه إذ ذاك - ~~لو كان مستحقا - أظهر، ومنازعوه أضعف داعيا وأضعف قوة، وليس هناك داع قوي ~~يدعو إلى منعه (5) ، كما كان بعد مقتل عثمان، ولا جند (6) يجمع على مقاتلته ~~(7) ، كما كان بعد مقتل عثمان. PageV07P462 # وهذه الأمور وأمثالها من تأملها تبين ms1822 له انتفاء استحقاقه إذ ذاك بيانا لا ~~يمكنه دفعه عن نفسه، فلو تبين أن الحق لعلي، وطلبه (1) علي لكان أبو بكر: ~~إما أن يسلم إليه، وإما أن يجامله، وإما أن يعتذر إليه، ولو قام (2) أبو ~~بكر وهو ظالم يدافع عليا وهو محق، لكانت الشريعة والعادة والعقل توجب أن ~~يكون الناس مع علي المحق المعصوم على أبي بكر المعتدي الظلوم، لو كان الأمر ~~كذلك، لا سيما والنفوس تنفر عن مبايعة من ليس من بيت الولاية أعظم من ~~نفرتها عن مبايعة أهل بيت المطاع (3) ، فالدواعي لعلي من كل وجه كانت أعظم ~~وأكثر، لو كان أحق، وهي عن أبي بكر من كل وجه كانت أبعد لو كان ظالما. # لكن لما كان المقتضى مع أبي بكر - وهو دين الله - قويا، والإسلام في جدته ~~(4) وطراوته (5) وإقباله، كان أتقى لله ألا (6) يصرفوا الحق عمن يعلمون أنه ~~الأحق إلى غيره، ولو (كان) (7) لبعضهم هوى مع الغير. # وأما أبو بكر فلم يكن لأحد معه هوى إلا هوى الدين، الذي يحبه الله ~~ويرضاه. # فهذه الأمور وأمثالها من تدبرها علم بالاضطرار أن القوم علموا أن أبا بكر ~~هو الأحق بخلافة النبوة، وأن ولايته أرضى لله (8) ورسوله فبايعوه، ~~PageV07P463 # وإن لم يكن ذلك لزم أن يعرفوا ويحرفوا، وكلاهما ممتنع عادة ودينا، ~~والأسباب متعددة، فهذا المعلوم اليقيني لا يندفع بأخبار لا يعلم صحتها، ~~فكيف إذا علم كذبها؟ وألفاظ لا تعلم دلالتها، فكيف إذا علم انتفاء دلالتها؟ ~~ومقاييس لا نظام لها، يعارضها من المعقول والمنقول الثابت الإسناد المعلوم ~~المدلول ما هو أقوى وأولى بالحق، وأحرى. # وهؤلاء الرافضة الذين يدفعون (1) الحق المعلوم (2) يقينا بطرق كثيرة علما ~~لا يقبل النقيض بشبه في غاية الضعف، هم من أعظم الطوائف الذين في قلوبهم ~~الزيغ (3) ، الذين يتبعون المتشابه ويدعون المحكم، كالنصارى، والجهمية، ~~وأمثالهم من أهل البدع والأهواء الذين يدعون النصوص الصحيحة التي توجب ~~العلم، ويعارضونها بشبه لا تفيد إلا الشك، لو تعرض (4) لم تثبت، وهذا في ~~المنقولات سفسطة كالسفسطة في العقليات، وهو القدح فيما علم بالحس والعقل ~~بشبه تعارض ms1823 ذلك، فمن أراد أن يدفع العلم اليقيني (5) المستقر في القلوب ~~بالشبه فقد سلك مسلك السفسطة، فإن السفسطة أنواع: أحدها: النفي والجحد ~~والتكذيب: إما بالوجود، وإما بالعلم به. # والثاني: الشك والريب، وهذه طريقة اللاأدرية الذين يقولون: لا ندري، فلا ~~يثبتون ولا ينفون، لكنهم في الحقيقة قد نفوا العلم، وهو نوع PageV07P464 # من النفي فعادت السفسطة إلى جحد الحق (1) المعلوم، أو جحد العلم به. # الثالث: قول من يجعل الحقائق تبعا للعقائد، فيقول: من اعتقد العالم قديما ~~فهو قديم، ومن اعتقده محدثا فهو محدث، وإذا أريد بذلك (2) أنه قديم عنده ~~ومحدث عنده (3) فهذا صحيح، فإن هذا هو اعتقاده. # لكن السفسطة أن يراد أنه كذلك (4) في الخارج. # وإذا كان كذلك فالقدح فيما علم من أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم مع ~~الخلفاء الثلاثة، وما علم من سيرتهم بعده بأخبار يرويها الرافضة يكذبهم ~~فيها جماهير الأمة (5) من أعظم السفسطة، ومن روى لمعاوية وأصحابه من ~~الفضائل ما يوجب تقديمه على علي وأصحابه كان كاذبا مبطلا مسفسطا. # ومع هذا فكذب الرافضة الذين (6) يروون (7) ما يقدح في إيمان الخلفاء ~~الثلاثة، ويوجب عصمة علي، أعظم من كذب من يروي ما يفضل به معاوية على علي، ~~وسفسطتهم أكثر، فإن ظهور إيمان الثلاثة أعظم من ظهور فضل علي على معاوية من ~~وجوه كثيرة، وإثبات عصمة علي أبعد عن الحق من إثبات فضل معاوية. ~~PageV07P465 # ثم خلافة أبي بكر وعمر هي من كمال نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، ~~ومما يظهر أنه رسول حق، ليس ملكا من الملوك، فإن عادة الملوك إيثار أقاربهم ~~* بالولايات لوجوه: أحدها: محبتهم لأقاربهم أكثر من الأجانب، لما في الطباع ~~من ميل الإنسان إلى قرابته، والثاني: لأن أقاربهم يريدون إقامة ملكهم ما لا ~~يريده الأجنبي ; لأن في عز قريب الإنسان عزا لنفسه، ومن لم يكن له أقارب من ~~الملوك استعان بممالكه ومواليه فقربهم واستعان بهم، وهذا موجود في ملوك ~~المسلمين والكفار. # ولهذا لما كان (ملوك) (1) بنو أمية، وبنو العباس ملوكا، كانوا يريدون ~~أقاربهم * (2) ، ومواليهم (3) بالولايات أكثر من غيرهم، وكان ms1824 ذلك مما ~~يقيمون به ملكهم. # وكذلك ملوك الطوائف كبني بويه، وبني سلجق، وسائر الملوك بالشرق والغرب، ~~والشام واليمن، وغير ذلك. # وهكذا ملوك الكفار من أهل الكتاب والمشركين، كما يوجد في ملوك الفرنج ~~وغيرهم، وكما يوجد في آل جنكشخان بأن الملوك تبقى في أقارب الملك، ويقولون: ~~هذا من العظم، وهذا ليس من العظم، أي: من أقارب الملك. # وإذا كان كذلك فتولية أبي بكر وعمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم دون عمه ~~العباس، وبني عمه: علي، وعقيل، وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، ~~PageV07P466 # وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وغيرهم، ودون سائر بني عبد مناف ~~كعثمان بن عفان، وخالد بن سعيد بن العاص، وأبان بن سعيد بن العاص، وغيرهم ~~من بني عبد مناف الذين كانوا أجل قريش قدرا، وأقرب نسبا إلى النبي صلى الله ~~عليه وسلم من أعظم الأدلة على أن محمدا عبد الله ورسوله، وأنه ليس ملكا حيث ~~لم يقدم في خلافته أحدا لا بقرب نسب منه ولا بشرف بيته، بل إنما قدم ~~بالإيمان والتقوى. # ودل ذلك على أن محمدا صلى الله عليه وسلم، وأمته من بعده إنما يعبدون ~~الله، ويطيعون أمره، لا يريدون ما يريده غيرهم من العلو في الأرض، ولا ~~يريدون أيضا ما أبيح لبعض الأنبياء من الملك، فإن (1) الله خير محمدا بين ~~أن يكون عبدا رسولا، وبين أن يكون ملكا نبيا (2) فاختار أن يكون عبدا ~~رسولا. # وتولية أبي بكر وعمر بعده من تمام ذلك، فإنه لو قدم (3) أحدا من أهل بيته ~~لكانت شبهة لمن يظن * أنه كان ملكا، كما أنه لو ورث مالا لورثته لكانت شبهة ~~لمن يظن * (4) أنه جمع المال لورثته، فلما (5) لم يستخلف أحدا من أهل بيته ~~ولا خلف لهم مالا، كان هذا مما يبين أنه كان من أبعد الناس عن طلب الرياسة ~~والمال، وإن كان ذلك مباحا، وأنه لم يكن من الملوك الأنبياء، بل كان عبد ~~الله ورسوله، PageV07P467 # كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " «إني والله لا أعطي أحدا ~~ولا ms1825 أمنع أحدا، وإنما أنا قاسم (1) أضع حيث أمرت» " (2) . # وقال: " «إن ربي خيرني بين أن أكون عبدا رسولا أو نبيا ملكا، فقلت: بل ~~عبدا رسولا» " (3) . # وإذا كان هذا مما دل على تنزيهه عن كونه من ملوك الأنبياء، فدلالة ذلك ~~على نبوته ونزاهته عن الكذب والظلم أعظم وأعظم، ولو تولى بعده علي أو واحد ~~من أهل بيته لم تحصل هذه المصالح، والإلطافات (4) العظيمة. # وأيضا فإنه من المعلوم أن الإسلام في زمن علي كان أظهر وأكثر (5) مما كان ~~في خلافة أبي بكر وعمر، وكان الذين قاتلهم علي أبعد عن الكفر من ~~PageV07P468 # الذين قاتلهم أبو بكر وعمر، فإن أبا بكر قاتل المرتدين وأهل الكتاب، مع ~~ما حصل للمسلمين بموت النبي صلى الله عليه وسلم من الضعف العظيم، وما حصل ~~من الارتداد لأكثر البوادي، وضعف قلوب أهل الأمصار، وشك كثيرهم (1) في جهاد ~~مانعي الزكاة وغيرهم. # ثم عمر تولى قتال أمتين عظيمتين، لم يكن في العادة المعروفة أن أهل ~~الحجاز واليمن يقهرونهم، وهما فارس والروم، فقهرهم، وفتح بلادهم، وتمم ~~عثمان ما تمم من فتح المشرق والمغرب، ثم فتح بعد ذلك في خلافة بني أمية ما ~~فتح بالمشرق (2) والمغرب، كما وراء النهر والأندلس وغيرهما، مما فتح في ~~خلافة عبد الملك. # فمعلوم أنه لو تولى غير أبي بكر وعمر بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، ~~مثل علي أو عثمان، لم يمكنه أن يفعل ما فعلا، فإن عثمان لم يفعل ما فعلا مع ~~قوة الإسلام في زمانه، وعلي كان أعجز من عثمان، وكان أعوانه أكثر من ~~أعوانهما، وعدوه أقل وأقرب إلى الإسلام من عدوهما، ومع هذا فلم يقهر عدوه، ~~فكيف كان يمكنه قهر المرتدين، وقهر فارس والروم مع قلة الأعوان، وقوة ~~العدو. # وهذا مما يبين فضل أبي بكر وعمر، وتمام نعمة الله بهما على محمد صلى الله ~~عليه وسلم، وعلى الناس بعده (3) ، وأن (4) من أعظم نعم (5) الله تولية ~~PageV07P469 # أبي بكر وعمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لو تولى غيرهما كان لم ~~يفعل ما فعلا، إما لعدم ms1826 القدرة، وإما لعدم الإرادة. # فإنه إذا قيل: لم لم يغلب علي معاوية وأصحابه؟ فلا بد أن يكون سبب ذلك: ~~إما عدم كمال القدرة، وإما عدم كمال الإرادة، وإلا فمع كمال القدرة وكمال ~~الإرادة يجب وجود الفعل، ومن تمام القدرة طاعة الأتباع له، ومن تمام ~~الإرادة إرادة (1) ما هو الأصلح الأنفع الأرضى لله ولرسوله. # وأبو بكر وعمر كانت قدرتهما أكمل وإرادتهما أفضل، فبهذا نصر الله بهما ~~الإسلام، وأذل بهما الكفر والنفاق، وعلي رضي الله عنه لم يؤت من كمال ~~القدرة والإرادة ما أوتيا. # والله تعالى كما فضل بعض النبيين على بعض، فضل بعض الخلفاء على بعض، فلما ~~لم يؤت ما أوتيا لم يمكنه أن يفعل في خلافته ما فعلا، وحينئذ فكان (2) عن ~~ذلك بموت النبي صلى الله عليه وسلم أعجز وأعجز، فإنه على أي وجه قدر ذلك، ~~فإن غاية ما يقول المتشيع: إن أتباعه لم يكونوا يطيعونه. # فيقال: إذا (3) كان الذين بايعوه (4) لم يطيعوه، فكيف يطيعه من لم يبايعه ~~(5) ؟ وإذا قيل: لو بايعوه (6) بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لفعل بهم ~~أعظم مما فعل أبو بكر وعمر. PageV07P470 # فيقال: قد بايعه أكثر ممن بايع (1) أبا بكر وعمر ونحوهما (2) ، وعدوه ~~أضعف وأقرب إلى الإسلام من عدو أبي بكر وعمر، ولم يفعل ما يشبه فعلهما، ~~فضلا عن أن يفعل أفضل منه. # وإذا قال القائل: إن أتباع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أعظم إيمانا ~~وتقوى، فنصرهم الله لذلك. # قيل: هذا يدل على فساد قول الرافضة، فإنهم يقولون: إن أتباع أبي بكر وعمر ~~كانوا مرتدين أو فاسقين، وإذا كان نصرهم وتأييدهم لإيمانهم وتقواهم، دل ذلك ~~على أن الذين بايعوهما (3) أفضل من الشيعة الذين بايعوا (4) عليا. # وإذا (5) كان المقرون بإمامتهما أفضل من المقرين بإمامة علي، دل ذلك على ~~أنهما أفضل منه. # وإن قالوا: إن عليا إنما لم ينتصر ; لأن أتباعه كانوا يبغضونه ويختلفون ~~عليه. # قيل: هذا أيضا يدل على فساد قول الشيعة: (إن) (6) الذين بايعوا عليا ~~وأقروا بإمامته أفضل ممن بايع أبا بكر وعمر وأقر ms1827 بإمامتهما، فإذا كان أولئك ~~الشيعة الذين بايعوا (عليا) (7) عصاة للإمام المعصوم كانوا من أشر (8) ~~PageV07P471 # الناس، فلا يكون في الشيعة طائفة محمودة أصلا، ولا طائفة ينتصر بها على ~~العدو، فيمتنع أن يكون علي مع الشيعة قادرا على قهر الكفار. # وبالجملة فلا بد من (1) كمال حال أبي بكر وعمر وأتباعهما، فالنقص (2) ~~الذي حصل في خلافة علي (3) من إضافة ذلك إما إلى الإمام، وإما إلى أتباعه، ~~وإما إلى المجموع. # وعلى كل تقدير فيلزم أن يكون أبو بكر وعمر وأتباعهما أفضل من علي ~~وأتباعه، فإنه إن كان سبب الكمال والنقص من الإمام ظهر فضلهما عليه، وإن ~~كان من أتباعه كان المقرون بإمامتهما (4) أفضل من المقرين بإمامته، فتكون ~~أهل السنة أفضل من الشيعة، وذلك يستلزم كونهما أفضل منه ; لأنه ما امتاز به ~~الأفضل أفضل مما امتاز به المفضول. # وهذا بين لمن تدبره، فإن الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله ~~عنهم، وقاتلوا معهم هم أفضل من الذين بايعوا عليا وقاتلوا معه، فإن أولئك ~~فيهم من عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم من السابقين الأولين من ~~المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان * رضي الله عنهم ورضوا عنه * ~~(5) . PageV07P472 # وعامة السابقين الأولين عاشوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم، إنما توفي ~~منهم أو قتل في حياته قليل منهم. # والذين بايعوا عليا كان فيهم من السابقين والتابعين بإحسان بعض من بايع ~~أبا بكر وعمر * وعثمان، وأما سائرهم فمنهم من لم يبايعه، ولم يقاتل معه ~~كسعد بن أبي وقاص، وأسامة بن زيد، وابن عمر * (1) ، ومحمد بن مسلمة، وزيد ~~بن ثابت، وأبي هريرة، وأمثال هؤلاء من السابقين، والذين اتبعوهم بإحسان. # ومنهم من قاتله، كالذين كانوا مع طلحة، والزبير، وعائشة، ومعاوية من ~~السابقين والتابعين. # وإذا كان الذين بايعوا الثلاثة وقاتلوا معهم أفضل من الذين بايعوا عليا ~~وقاتلوا معه، لزم أن يكون كل من الثلاثة أفضل ; لأن عليا كان موجودا على ~~عهد الثلاثة، فلو كان هو المستحق للإمامة دون غيره - كما تقوله الرافضة - ~~أو كان أفضل وأحق بها - كما يقوله من يقوله ms1828 من الشيعة - لكان أفضل الخلق قد ~~عدلوا عما أمرهم (2) الله به، ورسوله به (3) إلى ما لم يؤمروا به، بل ما ~~(4) نهوا عنه، وكان الذين بايعوا عليا، وقاتلوا معه فعلوا ما أمروا به. # ومعلوم أن من فعل ما أمر الله به ورسوله كان أفضل ممن تركه، وفعل ما نهى ~~الله عنه ورسوله، فلزم لو كان قول الشيعة حقا أن يكون أتباع علي ~~PageV07P473 # أفضل، وإذا (1) كانوا هم أفضل وإمامهم أفضل من الثلاثة، لزم أن يكون ما ~~فعلوه من الخير (2) أفضل مما فعله الثلاثة. # وهذا خلاف المعلوم بالاضطرار الذي تواترت به (3) الأخبار، وعلمته البوادي ~~والحضار، فإنه في عهد الثلاثة جرى من ظهور الإسلام وعلوه، وانتشاره، ونموه ~~(4) ، وانتصاره، وعزه، وقمع المرتدين، وقهر الكفار من أهل الكتاب والمجوس ~~وغيرهم ما لم يجر (5) بعدهم مثله. # وعلي رضي الله عنه فضله الله وشرفه بسوابقه الحميدة، وفضائله العديدة، لا ~~بما جرى في * زمن خلافته من الحوادث، بخلاف أبي بكر وعمر وعثمان، فإنهم ~~فضلوا مع السوابق الحميدة والفضائل العديدة بما جرى في * (6) خلافتهم من ~~الجهاد في سبيل الله، وإنفاق كنوز كسرى وقيصر، وغير ذلك من الحوادث ~~المشكورة، والأعمال المبرورة. # وكان أبو بكر وعمر أفضل سيرة وأشرف سريرة من (عثمان) وعلي (7) رضي الله ~~عنهم أجمعين فلهذا كانا أبعد عن الملام، وأولى بالثناء العام حتى لم يقع ~~(8) في زمنهما شيء من الفتن، فلم يكن للخوارج في زمنهما لا قول مأثور، ولا ~~سيف مشهور، بل كان كل سيوف المسلمين مسلولة على الكفار، وأهل الإيمان في ~~إقبال، وأهل الكفر في إدبار. PageV07P474 # ثم إن الرافضة - أو أكثرهم - لفرط جهلهم، وضلالهم يقولون: إنهم ومن ~~اتبعهم كانوا كفارا مرتدين، وإن اليهود والنصارى كانوا خيرا منهم ; لأن ~~الكافر الأصلي خير من المرتد، وقد رأيت هذا في عدة من كتبهم، وهذا القول من ~~أعظم الأقوال افتراء على أولياء الله المتقين، وحزب الله المفلحين، وجند ~~الله الغالبين. # ومن الدلائل الدالة على فساده أن يقال: من المعلوم بالاضطرار، والمتواتر ~~من الأخبار، أن المهاجرين هاجروا من مكة وغيرها إلى المدينة، وهاجر ms1829 طائفة ~~منهم كعمر وعثمان وجعفر بن أبي طالب هجرتين: هجرة إلى الحبشة، وهجرة إلى ~~المدينة، وكان الإسلام إذ ذاك قليلا، والكفار مستولون على عامة الأرض، ~~وكانوا يؤذون بمكة، ويلقون من أقاربهم وغيرهم من المشركين من الأذى ما لا ~~يعلمه إلا الله، وهم صابرون على الأذى، متجرعون لمرارة البلوى، وفارقوا ~~الأوطان، وهجروا الخلان لمحبة الله ورسوله، والجهاد في سبيله، كما وصفهم ~~الله تعالى بقوله: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ~~يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون} (سورة ~~الحشر: 8) . # وهذا كله فعلوه طوعا واختيارا من تلقاء أنفسهم لم يكرههم عليه مكره، * ~~ولا ألجأهم إليه أحد، فإنه لم يكن للإسلام إذ ذاك من القوة ما يكره * (1) ~~به أحد على الإسلام (2) ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذاك - هو ومن ~~اتبعه - منهيين عن القتال، مأمورين بالصفح والصبر فلم يسلم PageV07P475 # أحد إلا باختياره، ولا هاجر أحد إلا باختياره. # ولهذا قال أحمد بن حنبل وغيره من العلماء: إنه لم يكن من المهاجرين من ~~نافق، وإنما كان النفاق في قبائل الأنصار لما ظهر الإسلام بالمدينة، ودخل ~~فيه من قبائل الأوس والخزرج، و (لما) صار (1) للمسلمين دار يمتنعون بها ~~ويقاتلون دخل في الإسلام من أهل المدينة، وممن حولهم من الأعراب من دخل ~~خوفا وتقية، وكانوا منافقين. # كما قال تعالى: {وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا ~~على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين} (سورة التوبة: 101) . # ولهذا إنما ذكر النفاق في السور المدنية، وأما السور المكية فلا ذكر فيها ~~للمنافقين، فإن من أسلم قبل الهجرة بمكة لم يكن فيهم منافق، والذين هاجروا ~~لم يكن فيهم منافق، بل كانوا مؤمنين بالله ورسوله محبين لله ولرسوله، وكان ~~الله ورسوله أحب إليهم من أولادهم، وأهلهم، وأموالهم. # وإذا كان كذلك علم أن رميهم - أو رمي أكثرهم أو بعضهم - بالنفاق، كما ~~يقوله من يقوله من الرافضة من أعظم البهتان الذي هو نعت الرافضة وإخوانهم ~~من اليهود، فإن النفاق كثير ظاهر في الرافضة إخوان اليهود ms1830، ولا يوجد في ~~الطوائف أكثر وأظهر نفاقا منهم حتى يوجد فيهم النصيرية، والإسماعيلية، ~~وأمثالهم ممن هو من أعظم الطوائف نفاقا، وزندقة، وعداوة لله ولرسوله (2) . ~~PageV07P476 # وكذلك دعواهم عليهم الردة من أعظم (1) الأقوال بهتانا، فإن المرتد إنما ~~يرتد لشبهة أو شهوة، ومعلوم أن الشبهات والشهوات في أوائل الإسلام كانت ~~أقوى، فمن كان إيمانهم مثل الجبال في حال ضعف الإسلام كيف يكون إيمانهم بعد ~~ظهور آياته وانتشار أعلامه؟ ! # وأما الشهوة: فسواء كانت شهوة رياسة، أو مال، أو نكاح، أو غير ذلك، كانت ~~في أول الإسلام أولى بالاتباع فمن (2) خرجوا من ديارهم وأموالهم، وتركوا ما ~~كانوا عليه من الشرف والعز حبا لله ورسوله طوعا غير إكراه كيف يعادون الله ~~ورسوله طلبا للشرف والمال؟ ! # ثم هم في حال قدرتهم على المعاداة، وقيام المقتضي للمعاداة لم يكونوا ~~معادين لله ورسوله، بل موالين لله ورسوله معادين لمن عادى الله ورسوله، ~~فحين قوي المقتضي للموالاة، وضعفت القدرة على المعاداة، يفعلون نقيض هذا؟ ! ~~هل يظن هذا إلا من هو من أعظم الناس ضلالا؟ # وذلك أن الفعل إذا حصل معه كمال القدرة عليه، وكمال الإرادة له، وجب ~~وجوده، وهم في أول الإسلام كان المقتضي لإرادة معاداة الرسول أقوى؛ لكثرة ~~أعدائه، وقلة أوليائه، وعدم ظهور دينه (3) وكانت قدرة من يعاديه (4) باليد ~~واللسان حينئذ (5) أقوى حتى كان يعاديه آحاد الناس، PageV07P477 # ويباشرون أذاه بالأيدي والألسن، ولما ظهر الإسلام وانتشر، كان المقتضي ~~للمعاداة أضعف، والقدرة عليها أضعف، ومن المعلوم أن من ترك المعاداة أولا، ~~ثم عاداه ثانيا لم يكن إلا لتغير (1) إرادته أو قدرته. # ومعلوم أن القدرة على المعاداة كانت أولا أقوى، والموجب لإرادة المعاداة ~~كان أولا أولى، ولم يتجدد عندهم ما يوجب تغير إرادتهم، ولا قدرتهم، فعلم ~~يقينا أن القوم لم يتجدد (عندهم) (2) ما يوجب الردة عن دينهم البتة، والذين ~~ارتدوا بعد موته إنما كانوا ممن أسلم بالسيف كأصحاب مسيلمة وأهل نجد، فأما ~~المهاجرون الذين أسلموا طوعا فلم يرتد منهم - ولله الحمد - أحد، وأهل مكة ~~لما أسلموا بعد فتحها هم طائفة منهم بالردة ms1831، ثم ثبتهم الله بسهيل بن عمرو. # وأهل الطائف لما حاصرهم (3) النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة، ثم ~~رأوا ظهور الإسلام فأسلموا مغلوبين فهموا بالردة فثبتهم (4) الله بعثمان بن ~~أبي العاص. # فأما أهل مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنما أسلموا طوعا، والمهاجرون ~~منهم، والأنصار، وهم قاتلوا الناس على الإسلام، ولهذا لم يرتد من أهل ~~المدينة أحد، بل ضعف غالبهم بموت النبي صلى الله عليه وسلم، وذلت أنفسهم عن ~~الجهاد على دينه حتى ثبتهم الله، وقواهم بأبي بكر الصديق رضي الله عنه، ~~فعادوا إلى ما كانوا عليه من قوة اليقين، PageV07P478 # وجهاد الكافرين، فالحمد لله الذي من على الإسلام وأهله بصديق الأمة، الذي ~~أيد الله به دينه في حياة رسوله، وحفظه به بعد وفاته، فالله يجزيه عن ~~الإسلام وأهله خير الجزاء. ### | المنهج الرابع في الأدلة الدالة على إمامة علي المستنبطة من أحواله ### | [الأول أنه كان أزهد الناس والرد عليه] # فصل # قال الرافضي (1) : " المنهج الرابع في الأدلة الدالة على إمامته ~~(المستنبطة) (2) من أحواله (3) وهي اثنا عشر ". # ثم ذكر: كان أزهد الناس، وأعبدهم، وأعلمهم، وأشجعهم، وذكر أنواعا من ~~خوارق العادات له، واجتماع الفضائل على أوجه (4) تقدم بها عليهم، فقال (5) ~~: " الأول: أنه كان أزهد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم " (6) . # والجواب: المنع، فإن أهل العلم بحالهما يقولون: أزهد الناس بعد رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم الزهد الشرعي: أبو بكر وعمر، وذلك أن أبا بكر كان له ~~مال يكتسبه (7) فأنفقه كله في سبيل الله، وتولى الخلافة، PageV07P479 # فذهب إلى السوق يبيع ويتكسب (1) ، فلقيه عمر وعلى يده أبراد، فقال له: ~~أين تذهب؟ فقال: أظننت أني تارك (2) طلب المعيشة لعيالي، فأخبر بذلك أبا ~~عبيدة والمهاجرين، ففرضوا له شيئا فاستحلف عمر وأبا عبيدة، فحلفا له أنه ~~يباح (3) له أخذ درهمين كل يوم، ثم ترك ماله في بيت المال، ثم لما حضرته ~~الوفاة أمر عائشة أن ترد إلى بيت المال ما كان قد دخل في ماله من مال ~~المسلمين، فوجدت جرد قطيفة لا يساوي خمسة دراهم ms1832، وحبشية ترضع ابنه، أو عبدا ~~حبشيا، وبعيرا ناضحا، فأرسلت بذلك إلى عمر، فقال عبد الرحمن بن عوف له: ~~أتسلب هذا عيال أبي بكر؟ فقال: كلا ورب الكعبة، لا يتأثم (4) منه أبو بكر ~~في حياته، وأتحمله أنا بعد موته. # وقال بعض العلماء: علي كان زاهدا، ولكن الصديق أزهد منه ; لأن أبا بكر ~~كان له المال الكثير في أول الإسلام والتجارة الواسعة، فأنفقه في سبيل ~~الله، وكان حاله في الخلافة ما ذكر، ثم رد ما تركه لبيت المال. # قال ابن زنجويه (5) : " وأما علي فإنه كان في أول الإسلام فقيرا يعال ولا ~~يعول، ثم استفاد المال: الرباع، والمزارع، والنخيل، والأوقاف، واستشهد ~~وعنده تسع عشرة سرية، وأربع نسوة، وهذا كله مباح - ولله PageV07P480 # الحمد - ولم يأمر (1) برد ما تركه (2) لبيت المال، وخطب الحسن الناس بعد ~~وفاته، فقال: ما ترك (3) صفراء ولا بيضاء، إلا سبعمائة درهم بقيت من عطائه ~~". # وروى الأسود بن عامر: حدثنا شريك النخعي، عن عاصم بن كليب، عن محمد بن ~~كعب القرظي، قال: (قال) (4) علي: لقد رأيتني على عهد رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم أربط الحجر على بطني من شدة الجوع، وإن صدقة مالي لتبلغ اليوم ~~أربعين ألفا (5) . رواه أحمد عن حجاج عن شريك (6) ، ورواه إبراهيم بن سعيد ~~الجوهري، وفيه: لتبلغ أربعة آلاف دينار. # فأين هذا من زهد أبي بكر؟ ! وإن كانا رضي الله عنهما زاهدين. # وقال ابن حزم (7) : " وقال قائلون: علي كان أزهدهم " قال: " وكذب هذا ~~PageV07P481 # الجاهل، وبرهان ذلك أن الزهد إنما هو عزوف (1) النفس عن حب الصوت، وعن ~~المال، وعن اللذات، وعن الميل إلى الولد والحاشية، ليس للزهد (2) معنى يقع ~~عليه اسم الزهد إلا هذا المعنى، فأما عزوف النفس عن المال فقد علم كل من له ~~أدنى بصر بشيء من الأخبار الخالية أن أبا بكر أسلم وله مال عظيم، قيل: ~~أربعين ألفا (3) أنفقها في سبيل الله كلها، وأعتق المستضعفين من العبيد ~~المؤمنين المعذبين في ذات الله، ولم يعتق عبيدا أجلادا (4) يمنعونه، لكن كل ~~معذب ومعذبة في الله عز وجل، حتى ms1833 هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ~~ولم يبق لأبي بكر من جميع ماله إلا ستة آلاف درهم حملها كلها مع رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم، ولم يبق لبنيه منها درهما، ثم أنفقها كلها في سبيل ~~الله، حتى لم يبق له منها شيء، وبقي في عباءة له قد خللها بعود، إذا نزل ~~فرشها، وإذا ركب لبسها، إذ تمول غيره من الصحابة، واقتنى الرباع الواسعة، ~~والضياع العظيمة من حلها وحقها، إلا أن من آثر بذلك (الله) (5) في سبيل ~~الله (6) أزهد ممن أنفق وأمسك، ثم ولي الخلافة فما اتخذ جارية، ولا توسع في ~~مال. # وعد عند موته (7) ما أنفق على نفسه، وولده من مال الله الذي لم يستوف منه ~~PageV07P482 # إلا بعض حقه، وأمر (1) بصرفه إلى بيت المال من صلب ماله الذي حصل له من ~~سهامه في المغازي والمقاسم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. # فهذا هو الزهد في اللذات والمال الذي لا يدانيه (2) فيه أحد من الصحابة: ~~لا علي ولا غيره إلا أن يكون أبا ذر (3) وأبا عبيدة، من المهاجرين الأولين، ~~فإنهما جريا على هذه الطريقة التي فارقا عليها رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم. # ولقد تلا (4) أبا بكر عمر (5) في هذا الزهد، وكان فوق علي في ذلك، يعني ~~في إعراضه عن المال واللذات. # وأما علي رضي الله عنه فتوسع في هذا المال من حله، ومات عن أربع زوجات، ~~وتسع عشرة أم ولد، سوى الخدم والعبيد، وتوفي عن أربعة وعشرين ولدا من ذكر ~~وأنثى، وترك لهم من العقار والضياع ما كانوا به من أغنياء قومهم ومياسيرهم. # هذا أمر مشهور لا يقدر على إنكاره من له أقل علم بالأخبار والآثار، ومن ~~جملة عقاره ينبع (6) التي تصدق بها كانت تغل ألف وسق تمر سوى زرعها، فأين ~~هذا من هذا؟ ! # وأما حب الولد (7) والميل إليهم وإلى الحاشية فالأمر في هذا أبين من أن ~~PageV07P483 # يخفى على أحد له أقل علم بالأخبار، فقد كان لأبي بكر رضي الله عنه من ~~القرابة والولد مثل طلحة ms1834 بن عبيد الله (1) ، من المهاجرين الأولين، ~~والسابقين من ذوي الفضائل العظيمة في كل باب من أبواب الفضائل في الإسلام، ~~ومثل ابنه عبد الرحمن بن أبي بكر، وله مع النبي صلى الله عليه وسلم صحبة ~~قديمة، وهجرة سابقة، وفضل ظاهر، فما استعمل أبو بكر أحدا منهم على شيء من ~~الجهات، وهي بلاد اليمن كلها على سعتها وكثرة أعمالها، وعمان، وحضرموت، ~~والبحرين، واليمامة، والطائف، ومكة، وخيبر، وسائر أعمال الحجاز، ولو ~~استعملهم لكانوا لذلك أهلا، ولكن خشي المحاباة، وتوقع أن يميله إليهم شيء ~~من الهوى. # ثم جرى عمر رضي الله عنه على مجراه في ذلك، لم يستعمل من بني عدي بن كعب ~~أحدا على سعة البلاد وكبرها (2) ، وقد فتح الشام (3) ، ومصر، وجميع مملكة ~~الفرس (4) إلى خراسان، إلا النعمان بن عدي وحده على ميسان، ثم أسرع عزله. # وفيهم من الهجرة ما ليس في شيء من أفخاذ قريش ; لأن بني عدي لم يبق منهم ~~أحد بمكة إلا هاجر، وكان فيهم مثل سعيد بن زيد أحد المهاجرين الأولين ذي ~~السوابق، وأبي الجهم بن حذيفة، وخارجة بن حذافة، ومعمر بن عبد الله، ~~(وابنه) عبد الله بن عمر (5) . PageV07P484 # ثم لم يستخلف أبو بكر ابنه عبد الرحمن، وهو أحد الصحابة، ولا استعمل عمر ~~ابنه (1) في حياته ولا بعد موته (2) ، وهو من فضلاء الصحابة وخيارهم، وقد ~~رضي بخلافته بعض الناس (3) ، وكان أهلا لذلك، ولو استخلفه لما اختلف عليه ~~أحد، فما (4) فعل. # ووجدنا عليا إذ ولي قد استعمل أقاربه: ابن عباس (5) على البصرة، وعبيد ~~الله بن عباس على اليمن، وقثما ومعبدا ابني العباس (6) على مكة والمدينة، ~~وجعدة بن هبيرة (7) ، وهو ابن أخته أم هانئ بنت أبي طالب على خراسان، ومحمد ~~بن أبي بكر، وهو ابن امرأته وأخو ولده، على مصر. # ورضي ببيعة الناس الحسن ابنه بالخلافة بعده، ولسنا ننكر استحقاق الحسن ~~للخلافة، ولا استحقاق عبد الله بن عباس للخلافة، فكيف بإمارة البصرة، لكنا ~~نقول: إن من زهد في الخلافة لولد مثل عبد الله بن عمر أو عبد الرحمن بن أبي ~~بكر ms1835 والناس متفقون (8) عليه، وفي تأمير مثل طلحة بن PageV07P485 # عبيد الله وسعيد بن زيد، فلا شك أنه أتم زهدا وأعزف (1) عن جميع معاني ~~الدنيا نفسا (2) ممن يأخذ ما أبيح له أخذه (3) . # فصح بالبرهان الضروري أن أبا بكر رضي الله عنه أزهد من جميع الصحابة، ثم ~~عمر رضي الله عنه (4) ". # فصل # قال الرافضي (5) : علي قد (6) طلق الدنيا ثلاثا، وكان قوته جريش الشعير، ~~وكان يختمه لئلا يضع الإمامان فيه أدما (7) ، وكان يلبس خشن الثياب ~~وقصيرها، ورقع مدرعته حتى استحى (8) من رقعها (9) ، وكان حمائل سيفه ليفا ~~(10) ، وكذا نعله. # وروى أخطب خوارزم، «عن عمار، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يقول: يا علي إن الله زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب (11) إلى الله ~~منها: زهدك في الدنيا، وبغضها إليك، PageV07P486 # وحبب إليك الفقراء، فرضيت بهم أتباعا، ورضوا بك إماما. يا علي، طوبى لمن ~~أحبك وصدق عليك، والويل لمن أبغضك، وكذب عليك. * أما من أحبك وصدق عليك ~~فإخوانك في دينك، وشركاؤك في جنتك، وأما من أبغضك وكذب عليك * (1) فحقيق ~~على الله أن يقيمهم (2) مقام الكذابين» . # قال (3) سويد بن غفلة: دخلت على علي العصر، فوجدته جالسا بين يديه صفحة ~~فيها لبن حار، وأجد ريحه من شدة حموضته، وفي يده رغيف أرى قشار الشعير في ~~وجهه، وهو (4) يكسر بيده أحيانا، فإذا غلبه كسره بركبته (5) ، فطرحه فيه ~~(6) ، فقال: ادن فأصب من طعامنا هذا، فقلت: إني صائم، فقال: سمعت رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم يقول: «من منعه الصيام عن (7) طعام يشتهيه كان حقا على ~~الله أن يطعمه من طعام الجنة، ويسقيه من شرابها» . قال: قلت لجاريته وهي ~~قائمة (8) : ويحك يا فضة! ألا تتقين الله في هذا الشيخ؟ ألا تنخلين طعامه ~~مما أرى فيه من النخال (9) ؟ فقالت: PageV07P487 # لقد عهد (1) إلينا أن لا ننخل له طعاما، قال: ما قلت لها؟ فأخبرته، قال ~~(2) : بأبي وأمي من لم ينخل له طعام، ولم يشبع من خبز البر ثلاثة أيام حتى ~~قبضه الله عز وجل، واشترى يوما ثوبين غليظين، فخير قنبرا فيهما فأخذ ms1836 واحدا ~~ولبس هو الآخر، ورأى في كمه طولا عن أصابعه فقطعه. # قال ضرار بن ضمرة: دخلت على معاوية بعد قتل أمير المؤمنين علي (3) ، ~~فقال: صف لي عليا، فقلت: أعفني، فقال: لا بد من ذلك (4) ، فقلت (5) : أما ~~إذ لا بد، فإنه كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، ~~يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزينتها، ~~ويستأنس (6) بالليل ووحشته، وكان والله (7) غزير العبرة، طويل الفكرة، ~~يعجبه (8) من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما قشب، وكان فينا كأحدنا: يجيبنا ~~إذا سألناه، ويأتينا (9) إذا دعوناه، ونحن - PageV07P488 # والله - مع تقريبه لنا، وقربه منا لا نكلمه (1) هيبة له، يعظم أهل الدين، ~~ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييئس الضعيف من عدله، فأشهد ~~بالله لقد رأيته وهو يقول: يا دنيا (2) غري غيري. ألي تعرضت؟ أم إلي تشوفت ~~(3) ؟ هيهات! قد بنتك (4) ثلاثا، لا رجعة فيك (5) ، عمرك قصير (6) ، وخطرك ~~(7) كثير، وعيشك حقير. آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق! فبكى ~~معاوية، وقال: رحم الله أبا الحسن كان (8) والله كذلك، فما حزنك (9) عليه ~~يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها في حجرها، فلا ترقأ عبرتها ولا يسكن حزنها ~~". # والجواب: أما زهد علي رضي الله عنه في المال فلا ريب فيه، لكن الشأن أنه ~~كان أزهد من أبي بكر (وعمر) (10) ، وليس فيما ذكره ما يدل على PageV07P489 # ذلك، بل ما كان فيه حقا فلا دليل فيه على ذلك، والباقي: إما كذب، وإما ما ~~لا مدح فيه. # (أما كونه طلق الدنيا ثلاثا) (1) فمن المشهور عنه (2) أنه قال: " يا ~~صفراء، يا بيضاء، قد طلقتك ثلاثا غري غيري، لا رجعة لي فيك "، لكن هذا لا ~~يدل على أنه أزهد ممن لم يقل هذا، فإن نبينا وعيسى ابن مريم، وغيرهما كانوا ~~أزهد منه ولم يقولوا هذا، ولأن الإنسان إذا زهد لم يجب أن يقول بلسانه (3) ~~: قد زهدت، (4) وليس كل من قال: زهدت (5) ، يكون قد زهد، فلا عدم هذا ~~الكلام يدل على عدم الزهد، ولا وجوده ms1837 يدل على وجوده، فلا دلالة فيه. # وأما قوله: إنه كان دائما يقتات جريش الشعير بلا أدم (6) . # فلا دلالة في هذا لوجهين: أحدهما: أنه كذب، والثاني: أنه لا مدح فيه، ~~فرسول الله صلى الله عليه وسلم إمام الزهد كان (7) لا يرد موجودا ولا يتكلف ~~مفقودا (8) ، بل إن حضر لحم دجاج أكله، أو لحم غنم أكله، أو حلواء أو عسل ~~أو فاكهة أكله، وإن لم يجد شيئا لم يتكلفه، وكان إذا حضر طعاما (9) ، فإن ~~اشتهاه أكله وإلا تركه، ولا يتكلف ما لا يحضر، PageV07P490 # وربما ربط على بطنه الحجر (1) من الجوع، وقد كان (2) يقيم الشهر والشهرين ~~لا يوقد في بيته نار. # وقد ثبت في الصحيحين «أن رجالا قال أحدهم: أما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال ~~الآخر: أما أنا فأقوم ولا أنام، وقال الآخر: أما أنا فلا أتزوج النساء، ~~وقال الآخر: أما أنا فلا آكل اللحم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكني ~~أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس ~~مني» . (3) # فكيف يظن بعلي أنه رغب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويجعل ذلك من ~~مناقبه؟ ! وأي مدح لمن رغب عنها، ثم كيف يقال: إن عليا كان بالعراق، ولا ~~يقتات إلا شعيرا مجروشا لا أدم له، ولا يأكل خبز بر ولا لحما، والنقل ~~المتواتر بخلاف ذلك، وهل من الصحابة من فعل ذلك؟ أو هل قال أحد منهم: إن ~~ذلك مستحب؟ # وأما قوله: " كان حمائل سيفه ليفا، ونعله ليفا ". # فهذا أيضا كذب ولا مدح فيه ; فقد روي أن نعل (رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم كان من الجلود، وحمائل) (4) سيف النبي صلى الله عليه وسلم كانت (5) ~~ذهبا وفضة، والله قد يسر الرزق عليهم، فأي مدح في أن يعدلوا عن الجلود مع ~~تيسرها؟ وإنما يمدح هذا عند العدم. PageV07P491 # كما قال أبو أمامة الباهلي: " لقد فتح البلاد أقوام كانت خطم خيلهم ليفا، ~~وركبهم العلابي " (1) رواه البخاري (2) . # وحديث عمار من الموضوعات، وكذلك حديث سويد بن غفلة ليس مرفوعا إلى النبي ~~صلى ms1838 الله عليه وسلم. # وأما حديث الثوب الذي اشتراه فهو معروف، وحديث ضرار بن ضمرة قد روي، وليس ~~في واحد منهما ما يدل على أنه أزهد من أبي بكر وعمر، بل من عرف المنقول من ~~سيرة عمر وعدله وزهده، وصرفه الولايات عن أقاربه، ونقصه لابنه في العطاء عن ~~نظيره، ولابنته في العطاء عن نظيرتها، وأكله الخشن مع كونه هو الذي قسم ~~كنوز كسرى وقيصر، وإنما كان الذي يقسمه علي (3) جزءا من فتوح عمر، وأنه مات ~~وعليه ثمانون ألف درهم دينا - تبين له من وجوه كثيرة أن عمر كان أزهد من ~~علي، ولا ريب أن أبا بكر أزهد من عمر (4) . # فصل # قال الرافضي (5) : " وبالجملة زهده لم يلحقه أحد فيه، ولا سبقه ~~PageV07P492 # (أحد) (1) إليه، وإذا كان أزهد (2) كان هو الإمام لامتناع تقدم المفضول ~~عليه (3) . # والجواب: أن كلتا القضيتين باطلة: لم يكن أزهد من أبي بكر وعمر، ولا كل ~~من كان أزهد كان أحق بالإمامة، وذلك أن عليا كان له من المال والسراري ~~ولأهله ما لم يكن لأبي بكر وعمر. # وقد روى عبد الله بن أحمد: حدثنا علي بن حكيم، حدثنا شريك، عن عاصم بن ~~كليب، عن محمد بن كعب القرظي، قال: سمعت عليا قال: كنت مع النبي صلى الله ~~عليه وسلم، وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع، وإن صدقتي اليوم لتبلغ ~~أربعين ألفا (4) . # وهذا - وإن كان ضعيفا - فهو يقابل لمن قال: إنه كان لا يأكل في العراق ~~إلا خبز الشعير، مع أن ذلك النقل لا إسناد له. # ولا ريب أن عليا كان له مال أعظم من مال أبي بكر وعمر، ولو لم يكن إلا ما ~~كان عمر يعطيه وأولاده وأهل بيته، فإنه كان يعطيهم من المال أعظم مما يعطي ~~سائر قبائل قريش، ولم يكن عمر يعطي أحدا من بني عدي، ولا تيم، ولا غيرهم من ~~القبائل، مثل ما كان يعطي أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا (5) ~~وحده يوجب سعة أموالهم. PageV07P493 # وعلي له وقف معروف، فهل يوقف الوقوف من لم يكن ms1839 له مال؟ وعمر إنما وقف ~~نصيبه من خيبر، لم يكن له عقار غير ذلك، وعلي كان له عقار بالينبع (1) ~~وغيرها. ### | قال الرافضي الثاني أن عليا رضي الله عنه كان أعبد الناس والرد عليه # فصل # قال الرافضي (2) : " الثاني: أنه كان أعبد الناس: يصوم النهار، ويقوم ~~الليل، ومنه تعلم الناس صلاة الليل، ونوافل النهار، وأكثر العبادات ~~والأدعية المأثورة عنه تستوعب الوقت، وكان يصلي في ليله ونهاره (3) ألف ~~ركعة، ولم يخل في صلاة (4) الليل - حتى في ليلة الهرير - وقال ابن عباس: ~~رأيته في حربه وهو يرقب الشمس، فقلت: يا أمير المؤمنين، ماذا تصنع؟ قال: ~~أنظر إلى الزوال لأصلي، فقلت: في هذا الوقت؟ فقال: إنما نقاتلهم على الصلاة ~~(5) . فلم يغفل عن فعل العبادات (6) في أول وقتها في أصعب الأوقات. # وكان إذا أريد إخراج الحديد (7) من جسده يترك إلى أن يدخل PageV07P494 # في الصلاة فيبقى متوجها إلى الله غافلا عما سواه غير مدرك للآلام التي ~~تفعل به. # وجمع بين الصلاة والزكاة، وتصدق (1) وهو راكع، فأنزل الله تعالى فيه (2) ~~قرآنا يتلى، وتصدق بقوته وقوت عياله ثلاثة أيام حتى أنزل الله فيهم (3) : ~~{هل أتى على الإنسان} (سورة الإنسان: 1) ، وتصدق ليلا ونهارا، وسرا وعلانية ~~(4) ، وناجى الرسول فقدم بين يدي نجواه صدقة (5) ، فأنزل الله فيه قرآنا، ~~وأعتق ألف عبد من كسب يده، وكان يؤجر نفسه وينفق على رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم في الشعب، وإذا كان أعبد الناس كان أفضل، فيكون هو الإمام ". # والجواب أن يقال: هذا الكلام فيه من الأكاذيب المختلفة ما لا يخفى إلا ~~على أجهل الناس بأحوال القوم، ومع أنه كذب ولا (6) مدح فيه ولا في عامة ~~الأكاذيب، فقوله: " إنه كان يصوم النهار ويقوم الليل كذب عليه، وقد تقدم ~~قول النبي صلى الله عليه وسلم: " «لكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج ~~النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» ". PageV07P495 # وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو، «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ~~" ألم أخبر أنك تقول: لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت؟ " قال: بلى. ~~قال ms1840: " فلا تفعل» . وفي رواية (1) : " «ألم أخبر أنك تصوم الدهر، وتقرأ ~~القرآن كل ليلة؟ " فقلت: يا نبي الله، لم أرد بذلك إلا الخير. قال: " فإن ~~حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام "، فقلت: يا نبي الله، إني أطيق أكثر من ~~ذلك، قال: " فإن لزوجك عليك حقا، ولزورك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا ". # قال: " فصم صوم داود نبي الله، فإنه كان أعبد الناس، كان يصوم يوما ويفطر ~~يوما، واقرأ القرآن في كل شهر " قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: " اقرأه ~~في عشرين " إلى أن قال: " في سبع، ولا تزد على ذلك» " وقال في الصوم: إني ~~أطيق أفضل من ذلك " (2) . # وفي الصحيحين «عن علي، قال: طرقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاطمة، ~~فقال: " ألا تقومان فتصليان؟ " فقلت: يا رسول الله، إنما أنفسنا بيد الله: ~~إذا شاء أن يبعثنا بعثنا، قال: " فولى وهو يضرب فخذه ويقول: {وكان الإنسان ~~أكثر شيء جدلا} » (سورة الكهف: 54) (3) فهذا PageV07P496 # الحديث دليل على نومه في الليل (1) مع إيقاظ النبي صلى الله عليه وسلم، ~~ومجادلته حتى ولى وهو يقول: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} (سورة الكهف: 54) ~~. # وقول القائل: " ومنه تعلم الناس صلاة الليل ونوافل النهار ". # إن أراد بذلك: أن بعض المسلمين تعلم ذلك منه، فهكذا كل من الصحابة علم ~~بعض الناس. # وإن أراد بذلك أن بعض المسلمين تعلموا ذلك منه، فهذا من الكذب البارد (2) ~~، فأكثر المسلمين ما رأوه، وقد كانوا يقومون الليل ويتطوعون بالنهار، فأكثر ~~بلاد المسلمين التي فتحت في خلافة عمر وعثمان رضي الله عنهما، كالشام ومصر ~~والمغرب وخراسان، ما رأوه، فكيف يتعلمون منه؟ والصحابة كانوا كذلك في حياة ~~النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه تعلموا ذلك، ولا يمكن أن يدعى ذلك إلا في ~~أهل (3) الكوفة. # ومعلوم أنهم كانوا تعلموا (4) ذلك من ابن مسعود رضي الله عنه وغيره قبل ~~أن يقدم إليهم *، وكانوا من أكمل الناس علما (5) ودينا قبل قدوم علي رضي ~~الله عنه إليهم، والصحابة كانوا كذلك، وأصحاب ابن مسعود كانوا كذلك قبل أن ~~يقدم إليهم ms1841 * (6) العراق. PageV07P497 # وأما قوله: " الأدعية المأثورة عنه تستوعب الوقت ". # فعامتها كذب عليه، وهو كان أجل قدرا من أن يدعو بهذه الأدعية التي لا ~~تليق بحاله وحال الصحابة، وليس لشيء من هذه إسناد، والأدعية الثابتة عن ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم هي أفضل ما دعا به أحد، وبها يدعو خيار هذه ~~الأمة من الأولين والآخرين. # وكذلك قوله: " إنه كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ". # من الكذب الذي لا مدح فيه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان مجموع صلاته ~~في اليوم والليلة أربعين ركعة: فرضا ونفلا، والزمان لا يتسع لألف ركعة لمن ~~ولي أمر المسلمين مع سياسة الناس وأهله، إلا أن تكون صلاته نقرا كنقر ~~الغراب، وهي صلاة المنافقين التي نزه الله عنها عليا. # وأما ليالي صفين، فالذي ثبت في الصحيح أنه قال الذكر الذي علمه رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم لفاطمة: قال: ما تركته منذ سمعته عن النبي صلى الله ~~عليه وسلم، قيل: ولا ليلة (1) صفين؟ قال: ولا ليلة صفين، ذكرته من السحر ~~فقلته (2) . # وما ذكر من إخراج الحديد من جسده فكذب، فإن عليا لم يعرف أنه PageV07P498 # دخل فيه حديد، وما ذكره من جمعه بين الصلاة والزكاة، فهذا كذب كما تقدم ~~ولا مدح فيه، فإن هذا لو كان مستحبا لشرع للمسلمين، ولو كان يستحب للمسلمين ~~أن يتصدقوا وهم في الصلاة لتصدقوا، فلما لم يستحب هذا أحد من المسلمين ~~علمنا أنه ليس عبادة بل مكروها. # وكذلك ما ذكره من أمر النذر والدراهم الأربعة قد تقدم أن هذا كله كذب، ~~وليس فيه كبير (1) مدح. # وقوله: " أعتق ألف عبد من كسب يده ". # من الكذب الذي لا يروج إلا على أجهل الناس، فإن عليا لم يعتق ألف عبد، بل ~~(2) ولا مائة، ولم يكن له كسب بيده يقوم بعشر هذا، فإنه لم تكن له صناعة ~~يعملها، وكان مشغولا: إما بجهاد وإما بغيره. # وكذلك قوله: " كان يؤجر نفسه وينفق على النبي صلى الله عليه وسلم في ~~الشعب ". # كذب بين من وجوه: # أحدها: أنهم لم ms1842 يكونوا يخرجون من الشعب، ولم يكن في الشعب من يستأجره. # والثاني: أن أباه أبا طالب كان معهم في الشعب، وكان ينفق عليه. # والثالث: أن خديجة كانت موسرة تنفق من مالها. # والرابع: أن عليا لم يؤجر نفسه بمكة قط، وكان صغيرا حين كان في الشعب: ~~إما مراهقا، وإما (3) محتلما، فكان علي في الشعب ممن ينفق PageV07P499 # عليه: إما النبي صلى الله عليه وسلم وإما أبوه، لم يكن ممن يمكنه أن ينفق ~~على نفسه، فكيف ينفق على غيره؟ # فإن دخوله في الشعب كان في حياة أبي طالب بالنقل المتواتر، وأبو طالب مات ~~قبل ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف باتفاق الناس، وكان موته ~~وموت خديجة متقاربين، فدخوله في الشعب كان في أول الإسلام. # فإنه قد ثبت أن ابن عباس ولد وهم في الشعب، ومات النبي صلى الله عليه ~~وسلم وابن عباس مراهق، وعلي عاش بعد الهجرة أربعين سنة باتفاق الناس، ~~والمبعث قبل ذلك بثلاث عشرة، وأقصى ما قيل في موته: إنه كان ابن ثلاث ~~وستين، فغايته أن يكون حين الإسلام كان له عشر سنين. ### | قال الرافضي الثالث أنه كان أعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم # فصل # قال الرافضي (1) : " الثالث أنه كان أعلم الناس بعد رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم " (2) . # والجواب: أن أهل السنة يمنعون ذلك، ويقولون ما اتفق عليه علماؤهم: إن ~~أعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر، وقد ذكر غير ~~واحد الإجماع على أن أبا بكر أعلم الصحابة كلهم، ودلائل PageV07P500 # ذلك مبسوطة في موضعها، فإنه لم يكن أحد يقضي ويخطب ويفتي بحضرة النبي صلى ~~الله عليه وسلم إلا أبو بكر رضي الله عنه، ولم يشتبه على الناس شيء من أمر ~~دينهم إلا فصله أبو بكر، فإنهم شكوا في موت النبي صلى الله عليه وسلم فبينه ~~أبو بكر، ثم شكوا في مدفنه فبينه، ثم شكوا في قتال مانعي الزكاة، فبينه أبو ~~بكر، وبين لهم النص في قوله تعالى: {لتدخلن المسجد الحرام ms1843 إن شاء الله ~~آمنين} (سورة الفتح: 27) ، وبين لهم «أن عبدا خيره الله بين الدنيا ~~والآخرة» ، ونحو ذلك، وفسر الكلالة فلم يختلفوا عليه. # وكان علي وغيره يروون عن أبي بكر، كما في السنن «عن علي قال: كنت إذا ~~سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه، ~~فإذا حدثني غيره استحلفته (1) ، فإذا حلف لي صدقته، وحدثني أبو بكر - وصدق ~~أبو بكر - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم يذنب ذنبا ~~ثم يتوضأ ويصلي ركعتين يستغفر الله تعالى إلا غفر له» (2) . PageV07P501 # ولم يحفظ لأبي بكر فتيا تخالف نصا، وقد وجد لعمر وعلي وغيرهما فتاوى ~~كثيرة تخالف النصوص، حتى جمع الشافعي مجلدا في خلاف علي وابن مسعود، وجمع ~~محمد بن نصر المروزي كتابا كبيرا في ذلك، وقد خالفوا الصديق في الجد، ~~والصواب في الجد قول الصديق، كما قد بينا ذلك في مصنف مفرد، وذكرنا فيه ~~عشرة وجوه تدل على صحة قوله (1) ، وجمهور الصحابة معه في الجد: نحو بضعة ~~عشر منهم، والذين (2) نقل عنهم خلافه: كزيد وابن مسعود اضطربت أقوالهم ~~اضطرابا يبين أن قوله هو الصواب دون قولهم. # وقد نقل غير واحد الإجماع على أن أبا بكر أعلم من علي، منهم الإمام منصور ~~بن عبد الجبار السمعاني المروزي أحد أئمة الشافعية، وذكر في كتابه " تقويم ~~الأدلة " الإجماع من علماء السنة: أن أبا بكر أعلم من علي، كيف وأبو بكر ~~كان بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم يفتي ويأمر وينهى ويخطب، كما كان يفعل ~~ذلك إذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم - هو وإياه - يدعو الناس إلى ~~الإسلام، ولما هاجرا، ويوم حنين، وغير ذلك من المشاهد، وهو ساكت يقره، ولم ~~تكن هذه المرتبة لغيره. # وكان النبي صلى الله عليه وسلم في مشاورته لأهل الفقه والرأي يقدم في ~~الشورى أبا بكر وعمر، فهما اللذان يتكلمان في العلم، ويتقدمان PageV07P502 # بحضرته على سائر الصحابة، مثل مشاورته في أسارى بدر وغير ذلك، وقد روي في ~~الحديث أنه قال (1) : " إذا ms1844 اتفقتما على أمر لم أخالفكما (2) ". # وفي السنن عنه أنه قال: " «اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر» " (3) ~~. # ولم يحصل هذا لغيرهما، بل قال: " «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء» " (4) . # فأمر باتباع سنة (5) الخلفاء الأربعة، وخص أبا بكر وعمر بالاقتداء، ~~ومرتبة المقتدى به في أفعاله وفيما سنه (6) للمسلمين فوق مرتبة المتبع فيما ~~سنه فقط. # وفي صحيح مسلم «أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا معه في سفره» ، ~~فذكر الحديث، وفيه: " «إن يطع القوم أبا بكر وعمر يرشدوا» ". (7) # وثبت عن ابن عباس أنه كان يفتي بكتاب الله، فإن لم يجد فبما في سنة رسول ~~الله، فإن لم يجد أفتى بقول أبي بكر وعمر، ولم يكن يفعل ذلك بعثمان ولا ~~بعلي، وابن عباس هو حبر (8) الأمة، وأعلم الصحابة في زمانه، وهو يفتي بقول ~~أبي بكر وعمر مقدما لهما على قول غيرهما، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه ~~وسلم أنه قال: " «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» " (9) . PageV07P503 # وأبو بكر وعمر أكثر اختصاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم من سائر الصحابة، ~~وأبو بكر أكثر اختصاصا به، فإنه كان يسمر عنده عامة الليل يحدثه في العلم ~~والدين ومصالح المسلمين، كما روى أبو بكر بن أبي شيبة (1) : حدثنا أبو ~~معاوية، حدثنا الأعمش، حدثنا إبراهيم، حدثنا علقمة (2) ، «عن عمر، قال: كان ~~النبي صلى الله عليه وسلم يسمر عند أبي بكر في الأمر (3) من أمر المسلمين ~~وأنا معه» (4) . # وفي الصحيحين عن عبد الرحمن بن أبي بكر أن أصحاب الصفة كانوا ناسا فقراء، ~~وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة: " «من كان عنده طعام اثنين فليذهب ~~بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس وسادس، وإن أبا بكر جاء ~~بثلاثة، وانطلق نبي الله صلى الله عليه وسلم بعشرة، وإن أبا بكر تعشى عند ~~النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لبث حتى صليت العشاء، ثم رجع فلبث حتى نعس ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءنا (5) بعد ما مضى من الليل ما شاء. ~~قالت امرأته: ما PageV07P504 # حبسك عن أضيافك؟ قال ms1845: أوما عشيتهم (1) ؟ قالت: أبوا حتى تجيء: عرضوا ~~عليهم العشاء فغلبوهم» ، وذكر الحديث (2) . # وفي رواية قال: " «كان أبي يتحدث إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الليل، ~~وفي سفر الهجرة لم يصحب غير أبي (3) ، ويوم بدر لم يبق معه في العريش غيره» ~~" (4) . # وقال: " «إن أمن الناس علينا (5) في صحبته وذات يده أبو بكر، ولو كنت ~~متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا» ". # وهذا من أصح الأحاديث الصحيحة المستفيضة في الصحاح من وجوه كثيرة (6) . # وفي الصحيحين عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: " «كنت جالسا ~~PageV07P505 # عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى ~~من ركبتيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أما صاحبكم فقد غامر فسلم» ". # وقال: " «إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه، ثم ندمت، ~~فسألته أن يغفر لي، فأبى علي، وإني أتيتك، فقال: " يغفر الله لك يا أبا بكر ~~" ثلاثا، ثم إن عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر فلم يجده، فأتى النبي صلى الله ~~عليه وسلم، فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر، وغضب حتى أشفق أبو ~~بكر، وقال: أنا كنت أظلم يا رسول الله، مرتين، فقال النبي صلى الله عليه ~~وسلم: " إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت (1) ، ~~وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ " ~~فما أوذي بعدها» . قال البخاري: سبق بالخير (2) . # وقد تقدم ما في الصحيحين أن أبا سفيان يوم أحد لم يسأل إلا عن النبي صلى ~~الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر (3) ; لعلمه وعلم سائر الناس أن هؤلاء هم ~~رءوس الإسلام، وأن قيامه بهم. # ولهذا لما سأل الرشيد مالك بن أنس عن منزلتهما من النبي صلى الله عليه ~~وسلم، فقال: " منزلتهما منه في حياته كمنزلتهما منه في مماته ". # فقال: " شفيتني يا مالك شفيتني يا مالك ". PageV07P506 # وكثرة الاختصاص والصحبة، مع كمال المودة والائتلاف (1) والمحبة، ~~والمشاركة في العلم والدين تقتضي أنهما أحق بذلك من غيرهما، وهذا ظاهر بين ms1846 ~~لمن له خبرة بأحوال القوم. # أما الصديق فإنه مع قيامه بأمور من العلم والفقه عجز عنهما غيره حتى ~~بينها لهم (2) ، لم يحفظ له قول يخالف فيه نصا، وهذا يدل على غاية البراعة ~~والعلم، وأما غيره فحفظت له أقوال كثيرة خالفت النصوص لكون النصوص لم ~~تبلغه. # والذي وجد لعمر من موافقته (3) النصوص أكثر من موافقة علي، يعرف هذا من ~~عرف مسائل العلم، وأقوال العلماء فيها، والأدلة الشرعية، ومراتبها، وذلك ~~مثل عدة المتوفى عنها زوجها، فإن قول عمر فيها هو الذي وافق النص دون القول ~~الآخر، وكذلك مسألة الحرام: قول عمر وغيره فيها هو الأشبه بالنصوص من القول ~~الآخر الذي هو قول علي، وكذلك المخيرة التي خيرها زوجها، والمفوضة للمهر، ~~ومسألة الخلية (4) ، والبرية، والبائن، والبتة (5) ، وكثير من مسائل الفقه. # وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " «قد كان في الأمم قبلكم ~~محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فعمر» " (6) .. # وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " «رأيت كأني أتيت ~~PageV07P507 # بقدح لبن فشربت حتى أني لأرى الري يخرج من أظافري، ثم ناولت فضلي عمر "، ~~قالوا: ما أولته يا رسول الله؟ قال: " العلم» " (1) . # وفي الترمذي وغيره عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: " «لو لم أبعث فيكم ~~لبعث فيكم عمر» " ولفظ الترمذي: " «لو كان بعدي نبي لكان عمر» " قال ~~الترمذي: " حديث حسن " (2) . # وأيضا فإن الصديق استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة، التي هي ~~عمود الإسلام، وعلى إقامة المناسك قبل أن يحج النبي صلى الله عليه وسلم، ~~فنادى: " «أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان» ". # «وأردفه بعلي، فقال: أمير أم مأمور؟ فقال: بل مأمور» (3) ، فأمر أبا بكر ~~على علي، فكان ممن (4) أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يسمع ويطيع لأبي ~~بكر. # وهذا بعد غزوة تبوك التي استخلف فيها عليا على المدينة. # وكتاب أبي بكر في الصدقات أصح الكتب وآخرها (5) ، ولهذا عمل به عامة ~~الفقهاء، وغيره في كتابه ما هو متقدم منسوخ، فدل على أنه أعلم بالسنة ~~الناسخة ms1847. # وفي الصحيحين عن أبي سعيد، قال: كان أبو بكر أعلمنا بالنبي صلى الله عليه ~~وسلم (6) . PageV07P508 # وأيضا فالصحابة لم يتنازعوا في زمن أبي بكر في مسألة إلا فصلها، وارتفع ~~النزاع، فلا يعلم بينهم في زمانه مسألة تنازعوا فيها إلا ارتفع النزاع ~~بينهم بسببه، كتنازعهم في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ودفنه، وميراثه، ~~وتجهيزه جيش أسامة، وقتال مانعي الزكاة، وغير ذلك من المسائل الكبار. # بل كان رضي الله عنه هو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم حقا، ~~يعلمهم، ويقومهم، ويشجعهم، ويبين لهم من الأدلة ما تزول معه الشبهة، فلم ~~يكونوا معه يختلفون. # وبعده فلم يبلغ علم أحد وكماله علم أبي بكر وكماله، فصاروا يتنازعون في ~~بعض المسائل، كما تنازعوا في الجد والإخوة، وفي الحرام، والطلاق الثلاث، ~~وفي متعة الحج، ونفقة المبتوتة وسكناها، وغير ذلك من المسائل المعروفة مما ~~لم يكونوا يتنازعون فيه على عهد أبي بكر. # وكانوا يخالفون عمر وعثمان وعليا في كثير من أقوالهم، ولم يعرف أنهم ~~خالفوا الصديق في شيء مما كان يفتي به ويقضي، وهذا يدل على غاية العلم، # PageV07P509 # وقام رضي الله عنه مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام الإسلام فلم ~~يخل بشيء، بل أدخل الناس من الباب الذي خرجوا منه، مع كثرة المخالفين من ~~المرتدين وغيرهم، وكثرة الخاذلين فكمل به من علمهم ودينهم ما لا يقاومه فيه ~~أحد. # وكانوا يسمونه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انقطع هذا الاتصال ~~اللفظي بموته، قال أبو القاسم السهيلي: ظهر سر قوله تعالى: {إذ يقول لصاحبه ~~لا تحزن إن الله معنا} (سورة التوبة: 40) في اللفظ والمعنى، فإنهم قالوا: ~~خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انقطع هذا بموته. # وأيضا فعلي تعلم من أبي بكر بعض السنة، وأبو بكر لم يتعلم من علي شيئا، ~~ومما يبين هذا أن علماء الكوفة الذين صحبوا عمر وعليا، كعلقمة والأسود ~~وشريح وغيرهم، كانوا يرجحون قول عمر على قول علي، وأما تابعو المدينة ومكة ~~والبصرة فهذا عندهم أظهر وأشهر من ms1848 أن يذكر، وإنما ظهر (1) علم علي وفقهه في ~~الكوفة بحسب مقامه فيها عندهم مدة خلافته، وكل شيعة علي الذين صحبوه لا ~~يعرف عن أحد منهم أنه قدمه على أبي بكر وعمر لا في فقه ولا علم ولا دين، بل ~~كل شيعته الذين قاتلوا معه كانوا مع سائر المسلمين متفقين على تقديم أبي ~~بكر وعمر، إلا من كان ينكر عليه ويذمه، مع قلتهم وحقارتهم وخمولهم. # وهم ثلاث طوائف: طائفة غلت فيه، وادعت فيه الإلهية، وهؤلاء حرقهم بالنار. ~~PageV07P510 # وطائفة سبت أبا بكر رأسهم عبد الله بن سبأ، فطلب علي قتله حتى هرب منه ~~إلى المدائن. # وطائفة كانت تفضله حتى قال: لا يبلغني عن أحد أنه فضلني (1) على أبي بكر ~~وعمر إلا جلدته جلد المفتري (2) . # وقد روي عن علي من نحو ثمانين وجها أنه قال على منبر الكوفة: " خير هذه ~~الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر " (3) . # وفي صحيح البخاري وغيره من رواية رجال همدان خاصته التي (4) يقول فيهم: # ولو كنت بوابا على باب جنة لقلت لهمدان ادخلي بسلام أنه قال وقد سأله ~~ابنه محمد ابن الحنفية: يا أبت من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم؟ قال: أبو بكر، قال: ثم من؟ قال: ثم (5) عمر، قال: ثم أنت؟ قال: إنما ~~أبوك رجل من المسلمين (6) . # قال البخاري (7) : حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان الثوري (8) ، ~~PageV07P511 # حدثنا جامع بن شداد (1) ، حدثنا أبو يعلى منذر الثوري (2) ، عن محمد ابن ~~الحنفية، قال: قلت لأبي: يا أبت من خير الناس (3) بعد رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم (4) ؟ فقال: يا بني، أوما تعرف؟ فقلت: لا (5) ، فقال (6) أبو ~~بكر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر " (7) . # وهذا يقوله لابنه الذي لا يتقيه، ولخاصته، ويتقدم بعقوبة من يفضله ~~عليهما، ويراه مفتريا. والمتواضع لا يجوز أن يتقدم بعقوبة من يفضله عليهما ~~(8) ، يقول الحق، ولا يسميه مفتريا. # وكل من كان أفضل من غيره من الأنبياء والصحابة وغيرهم فإنه أعلم، ورأس ~~الفضائل العلم، قال تعالى: {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} (سورة ~~الزمر ms1849: 9) ، والدلائل على ذلك كثيرة، وكلام العلماء كثير في ذلك. # وأما قوله (9) : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " «أقضاكم علي» ، ~~والقضاء يستلزم العلم والدين ". PageV07P512 # فهذا الحديث لم يثبت، وليس له إسناد تقوم به الحجة (1) . # وقوله: " «أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل» " (2) . # أقوى إسنادا منه. والعلم بالحلال والحرام ينتظم القضاء (3) أعظم مما ~~ينتظم للحلال والحرام، وهذا الثاني قد رواه الترمذي وأحمد، والأول لم يروه ~~أحد في (4) السنن المشهورة، ولا المساند المعروفة، لا بإسناد صحيح ولا ~~ضعيف، وإنما يروى من طريق من (5) هو معروف بالكذب. # وقول (6) عمر: " علي أقضانا " إنما هو (في) (7) فصل الخصومات في الظاهر، ~~مع جواز أن يكون في الباطن بخلافه. # كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " «إنكم تختصمون ~~إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، PageV07P513 # فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه، فإنما ~~أقطع له قطعة من النار» " (1) . # فقد أخبر سيد القضاة أن قضاءه لا يحل الحرام. وعلم الحلال والحرام يتناول ~~الظاهر والباطن، فكان الأعلم به أعلم بالدين. # وأيضا فالقضاء نوعان: أحدهما: الحكم عند تجاحد الخصمين، مثل أن يدعي ~~أحدهما أمرا ينكره الآخر فيحكم فيه بالبينة ونحوها. # والثاني: ما لا يتجاحدان فيه، بل يتصادقان لكن لا يعلمان ما يستحق كل ~~منهما، كتنازعهما في قسمة فريضة، أو فيما يجب لكل من الزوجين على الآخر، أو ~~فيما يستحقه كل من المتشاركين، ونحو ذلك. # فهذا الباب هو من باب الحلال والحرام، فإذا أفتاهما من يرضيان بقوله ~~كفاهما، ولم يحتاجا إلى من يحكم بينهما، وإنما يحتاجان إلى الحاكم عند ~~التجاحد، وذلك غالبا إنما يكون مع الفجور، وقد يكون مع النسيان. # فما لا يختص بالقضاء لا يحتاج إليه إلا قليل من الأبرار فأما الحلال ~~والحرام، فيحتاج إليه البر والفاجر، ولهذا لما أمر أبو بكر عمر أن يقضي بين ~~الناس مكث (2) سنة لم يتحاكم إليه اثنان. # ولو عد مجموع ما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم من هذا النوع لم ms1850 يبلغ ~~عشر حكومات، فأين هذا من كلامه في الحلال والحرام الذي هو قوام دين ~~الإسلام؟ PageV07P514 # وإذا كان قوله (1) : " «أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل» " أصح ~~إسنادا وأظهر (2) دلالة، علم أن المحتج بذلك على أن عليا أعلم (3) من معاذ ~~جاهل، فكيف من أبي بكر وعمر اللذين هما أعلم (4) من معاذ؟ ! مع أن الحديث ~~الذي فيه ذكر معاذ وزيد بعضهم يضعفه، وبعضهم يحسنه، والذي فيه ذكر علي ~~فضعيف أو باطل. # وحديث: " «أنا مدينة العلم وعلي بابها» أضعف وأوهى "، ولهذا إنما يعد في ~~(5) الموضوعات، وإن رواه الترمذي، وذكره ابن الجوزي، وبين أن سائر طرقه ~~موضوعة، والكذب يعرف من نفس متنه (6) ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إذا ~~كان مدينة العلم، ولم يكن لها إلا باب واحد، ولم يبلغ عنه العلم إلا واحد، ~~فسد أمر الإسلام، ولهذا اتفق المسلمون على أنه لا يجوز أن يكون المبلغ عنه ~~العلم واحدا (7) ، بل يجب أن يكون المبلغون أهل التواتر الذين يحصل العلم ~~بخبرهم للغائب. PageV07P515 # وخبر الواحد لا يفيد العلم (1) إلا بقرائن، وتلك قد تكون منتفية أو خفية ~~عن أكثر الناس، فلا يحصل لهم العلم (2) بالقرآن والسنن المتواترة، وإذا ~~قالوا ذلك الواحد المعصوم يحصل العلم بخبره. # قيل لهم: فلا بد من العلم بعصمته أولا، وعصمته لا تثبت بمجرد خبره قبل أن ~~يعلم (3) عصمته، فإنه (4) دور، ولا تثبت (5) بالإجماع، فإنه لا إجماع فيها، ~~وعند الإمامية إنما يكون الإجماع حجة ; لأن فيهم الإمام المعصوم، فيعود ~~الأمر إلى إثبات عصمته بمجرد دعواه، فعلم أن عصمته لو كانت حقا لا بد أن ~~تعلم بطريق آخر غير خبره. # فلو لم يكن لمدينة العلم باب إلا هو، لم يثبت لا عصمته ولا غير ذلك من ~~أمور الدين، فعلم أن هذا الحديث إنما افتراه زنديق جاهل ظنه مدحا، وهو مطرق ~~(6) الزنادقة إلى القدح في دين الإسلام إذ لم يبلغه إلا واحد. # ثم إن هذا خلاف المعلوم بالتواتر ; فإن جميع مدائن الإسلام بلغهم العلم ~~عن الرسول من غير علي، أما أهل المدينة ومكة فالأمر فيهما ms1851 ظاهر، وكذلك ~~الشام والبصرة، فإن هؤلاء لم يكونوا يروون عن علي إلا شيئا قليلا، وإنما ~~كان غالب علمه في الكوفة، ومع هذا فأهل الكوفة كانوا يعلمون القرآن والسنة ~~قبل أن يتولى عثمان فضلا عن علي. PageV07P516 # وفقهاء أهل المدينة تعلموا الدين في خلافة عمر، وتعليم معاذ لأهل اليمن ~~ومقامه فيهم أكثر من علي، ولهذا روى أهل اليمن عن معاذ بن جبل أكثر مما ~~رووا عن علي، وشريح وغيره من أكابر التابعين إنما تفقهوا على معاذ بن جبل، ~~ولما قدم علي الكوفة كان شريح فيها قاضيا، وهو وعبيدة السلماني تفقها على ~~غيره، فانتشر علم الإسلام في المدائن قبل أن يقدم علي الكوفة. # وقال ابن حزم (1) : " واحتج من احتج من الرافضة بأن عليا كان أكثرهم علما ~~" قال: " وهذا كذب، وإنما يعرف علم الصحابي بأحد وجهين لا ثالث لهما: ~~أحدهما: كثرة روايته وفتاويه، والثاني: كثرة استعمال النبي صلى الله عليه ~~وسلم له، فمن المحال الباطل أن يستعمل النبي صلى الله عليه وسلم من لا علم ~~له، وهذا أكبر شهادة على العلم وسعته، فنظرنا في ذلك فوجدنا النبي صلى الله ~~عليه وسلم قد ولى أبا بكر الصلاة بحضرته طول علته، وجميع أكابر الصحابة ~~حضور كعمر، وعلي (2) ، وابن مسعود، وأبي، وغيرهم (3) ، وهذا بخلاف استخلافه ~~عليا إذا غزا ; لأن ذلك على النساء (4) وذوي الأعذار فقط، فوجب ضرورة أن ~~يكون أبو بكر أعلم الناس بالصلاة وشرائعها، وأعلم المذكورين بها، وهي عمود ~~الإسلام (5) ، ووجدناه أيضا قد استعمله على الصدقات، فوجب ضرورة ~~PageV07P517 # أن يكون عنده من علم الصدقات كالذي عند غيره من علماء الصحابة، لا أقل ~~وربما (كان) (1) أكثر، إذ قد استعمل غيره، وهو لا يستعمل إلا عالما بما ~~استعمله فيه، والزكاة ركن من أركان الدين بعد الصلاة. # وبرهان ما قلناه من تمام علم أبي بكر بالصدقات أن الأخبار الواردة في ~~الزكاة أصحها، والذي يلزم العمل به ولا (2) يجوز خلافه فهو حديث أبي بكر، ~~ثم (3) الذي من طريق عمر، وأما من (4) طريق علي فمضطرب، وفيه ما قد تركه ~~الفقهاء جملة ms1852، وهو أن في خمس وعشرين من الإبل خمسا من الشياه (5) . # وأيضا فوجدناه صلى الله عليه وسلم استعمل أبا بكر على الحج، فصح ضرورة ~~أنه أعلم من جميع الصحابة بالحج، وهذه دعائم الإسلام. # ثم وجدناه قد استعمله على البعوث فصح أن عنده من أحكام الجهاد مثل ما عند ~~سائر من استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على البعوث، إذ لا يستعمل إلا ~~عالما بالعمل، فعند أبي بكر من علم الجهاد كالذي عند علي وسائر أمراء ~~البعوث لا أقل (6) . # وإذا صح التقدم لأبي بكر على علي، وغيره في العلم بالصلاة (7) ~~PageV07P518 # والزكاة والحج، وساواه في الجهاد (1) فهذه عمدة للعلم. # ثم وجدناه صلى الله عليه وسلم قد ألزم نفسه في جلوسه ومسامرته وظعنه ~~وإقامته أبا بكر، فشاهد (2) أحكامه وفتاويه أكثر من مشاهدة علي لها، فصح ~~ضرورة أنه أعلم بها، فهل بقيت من العلم بقية (3) إلا وأبو بكر المقدم فيها ~~الذي لا يلحق؟ أو المشارك الذي لا يسبق؟ فبطلت دعواهم في العلم، والحمد لله ~~رب العالمين. # وأما الرواية والفتيا، فإن أبا بكر رضي الله عنه لم يعش بعد رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم إلا سنتين وستة أشهر، ولم يفارق المدينة إلا حاجا أو ~~معتمرا، ولم يحتج الناس إلى ما عنده من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم ; لأن كل من حواليه أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك كله ~~فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث واثنين وأربعين حديثا ~~مسندة، ولم يرو (4) عن علي إلا خمسمائة وستة وثمانون حديثا مسندة يصح منها ~~نحو خمسين حديثا، وقد عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أزيد من ثلاثين ~~سنة، فكثر لقاء الناس إياه، وحاجتهم إلى ما عنده لذهاب جمهور الصحابة، وكثر ~~(5) سماع أهل الآفاق منه مرة بصفين، وأعواما بالكوفة، ومرة بالبصرة، ومرة ~~PageV07P519 # بالمدينة، فإذا نسبنا مدة أبي بكر من حياته، وأضفنا تفري (1) علي البلاد ~~بلدا بلدا، وكثرة سماع الناس منه إلى لزوم أبي بكر موطنه، وأنه لم تكثر ms1853 ~~حاجة من حواليه إلى الرواية عنه، ثم نسبنا عدد حديثه من عدد حديثه، وفتاويه ~~من فتاويه، علم كل ذي حظ من علم أن الذي عند أبي بكر من العلم أضعاف ما كان ~~عند علي منه. # وبرهان ذلك أن من عمر من الصحابة عمرا قليلا قل النقل عنه، ومن طال عمره ~~منهم كثر النقل عنه (إلا اليسير) (2) ممن اكتفى بنيابة (3) غيره عنه في ~~تعليم الناس، وقد عاش علي بعد عمر سبعة عشر عاما غير أشهر (4) ، ومسند عمر ~~خمسمائة حديث وسبعة وثلاثون حديثا، يصح منها نحو خمسين، كالذي عن علي سواء ~~(5) ، فكل ما زاد حديث علي على حديث عمر تسعة وأربعون (6) حديثا في هذه ~~المدة (7) ، ولم يزد عليه في الصحيح إلا حديث أو حديثان. # وفتاوى عمر موازية لفتاوى علي في أبواب الفقه، فإذا نسبنا مدة من مدة، ~~وضربا في البلاد من ضرب فيها، وأضفنا حديثا إلى حديث، PageV07P520 # وفتاوى إلى فتاوى علم (كل) ذي حس (1) علما ضروريا أن الذي كان عند عمر من ~~العلم أضعاف ما كان عند علي، ووجدنا مسند عائشة (2) ألفي مسند ومائتي مسند ~~وعشرة مسانيد (3) ، وحديث أبي هريرة خمسة آلاف مسند وثلاثمائة مسند وأربعة ~~وسبعين مسندا، ووجدنا مسند ابن عمر وأنس قريبا من مسند عائشة لكل واحد ~~منهما، ووجدنا مسند جابر وابن عباس لكل واحد (4) منهما أزيد (5) من ألف ~~وخمسمائة، ووجدنا لابن مسعود ثمانمائة مسند ونيفا، ولكل من ذكرنا حاشا أبي ~~هريرة وأنس من الفتاوى أكثر من فتاوى علي أو نحوها (6) ، فبطل قول هذا ~~الجاهل (7) ". # إلى أن قال (8) : " فإن قالوا: قد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم [عليا ~~على الأخماس وعلى القضاء باليمن؟ قلنا: نعم، لكن مشاهدة أبي بكر لأقضية ~~النبي صلى الله عليه وسلم] (9) أقوى في العلم وأثبت مما عند علي وهو ~~باليمن، وقد استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم PageV07P521 # أبا بكر على بعوث فيها الأخماس، فقد ساوى علمه علم علي في حكمها بلا شك، ~~إذ لا يستعمل النبي صلى الله عليه وسلم إلا عالما بما يستعمله عليه ms1854، وقد صح ~~أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يفتيان على عهد رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم، وهو يعلم ذلك، ومحال أن يبيح لهما ذلك إلا وهما أعلم من غيرهما ~~(1) ، وقد استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا على القضاء باليمن مع ~~علي معاذا وأبا موسى الأشعري، فلعلي في هذا شركاء كثير منهم أبو بكر وعمر، ~~ثم انفرد أبو بكر بالجمهور والأغلب من العلم ". # فصل # قال الرافضي (2) : " وفيه نزل قوله تعالى: {وتعيها أذن واعية} (سورة ~~الحاقة: 12) . # والجواب: أنه حديث موضوع باتفاق أهل العلم (3) ، ومعلوم بالاضطرار أن ~~الله تعالى لم يرد بذلك أن لا تعيها إلا أذن واعية واحدة من الآذان، ولا ~~أذن شخص معين، لكن المقصود النوع فيدخل في ذلك كل أذن واعية (4) . ~~PageV07P522 # فصل # قال الرافضي (1) : " وكان في غاية الذكاء (2) ، شديد الحرص على التعلم، ~~ولازم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أكمل الناس ملازمة ليلا (3) ~~ونهارا من صغره إلى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. # والجواب: أن يقال: من أين علم أنه أذكى من عمر ومن أبي بكر؟ أو أنه كان ~~أرغب في العلم منهما؟ أو أن استفادته من النبي صلى الله عليه وسلم أكثر ~~منهما؟ # وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " «إنه كان في الأمم ~~قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فعمر» " (4) ، والمحدث: الملهم يلهمه ~~الله، وهذا قدر زائد على تعليم البشر. # وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " «رأيت كأني أتيت ~~بلبن فشربت منه حتى رأيت الري يخرج من أظفاري ثم ناولت فضلي عمر " قالوا: ~~فما أولته؟ قال: " العلم» (5) ، ولم يرو مثل هذا لعلي. PageV07P523 # وفي الصحيحين عن أبي سعيد، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " «رأيت ~~الناس يعرضون علي وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها (ما) دون ذلك (1) ~~، وعرض علي عمر وعليه - قميص يجره، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: " ~~الدين» (2) . # فهذان حديثان صحيحان يشهدان له بالعلم والدين، ولم يرو مثل هذا ms1855 لعلي. # وقال ابن مسعود لما مات عمر: " إني لأحسب هذا قد ذهب بتسعة أعشار العلم، ~~وشارك الناس في العشر الباقي " (3) . # ولا ريب أن أبا بكر كان ملازما للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من علي ومن ~~كل أحد، وكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما أكثر اجتماعا بالنبي صلى الله ~~عليه وسلم من علي بكثير. # كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: " وضع عمر رضي الله ~~عنه على سريره، فتكنفه الناس يدعون ويثنون ويصلون عليه قبل أن يرفع، فلم ~~يرعني إلا رجل قد أخذ بمنكبي من ورائي، فالتفت إليه، فإذا هو علي، وترحم ~~(علي) (4) على عمر، وقال: ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله عز وجل بمثل ~~عمله منك، وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذلك أني كثيرا ~~ما كنت أسمع النبي (5) صلى PageV07P524 # الله عليه وسلم يقول: ": «جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر ~~وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر» "، فإن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك ~~(1) . # وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يسمران في أمر المسلمين بالليل. # والمسائل التي تنازع فيها عمر وعلي في الغالب يكون فيها قول عمر أرجح، ~~كمسألة الحامل المتوفى عنها زوجها، ومسألة الحرام، كما تقدم. # ولا ريب أن مذهب أهل المدينة أرجح من مذهب أهل العراق، وهؤلاء يتبعون عمر ~~وزيدا في الغالب، وأولئك يتبعون عليا وابن مسعود. # وكان ما يقوله عمر يشاور فيه عثمان وعليا وغيرهما، وعلي مع هؤلاء أقوى من ~~علي وحده. # ، كما قال له قاضيه عبيدة السلماني: " رأيك مع عمر في الجماعة أحب إلينا ~~من رأيك وحدك في الفرقة ". # وقال ابن مسعود: " كان عمر إذا فتح لنا بابا دخلناه فوجدناه سهلا، أتي في ~~زوج وأبوين وامرأة وأبوين، فقال: للأم ثلث الباقي، ثم إن عثمان وعليا وابن ~~مسعود وزيدا اتبعوه ". # وسعيد بن المسيب كان من أعلم التابعين باتفاق المسلمين، وكان عمدة فقهه ~~قضايا عمر، وكان ابن عمر يسأله عنها، وفي الترمذي ms1856 عن PageV07P525 # النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " «لو كان بعدي نبي لكان عمر» ". قال ~~الترمذي: " حديث حسن " (1) . # واعلم أن أهل الكوفة وأصحاب ابن مسعود، كعلقمة، والأسود، وشريح، والحارث ~~بن قيس، وعبيدة السلماني، ومسروق، وزر بن حبيش، وأبي وائل، وغيرهم هؤلاء ~~(2) كانوا يفضلون علم عمر وعلم ابن مسعود على علم علي، ويقصدون في الغالب ~~قول عمر وابن مسعود دون قول علي (3) . # فصل. # قال الرافضي (4) : " وقال صلى الله عليه وسلم: «العلم في الصغر كالنقش في ~~الحجر» ، فتكون علومه أكثر من علوم غيره، لحصول القابل الكامل (5) ، ~~والفاعل التام (6) ". # والجواب: أن هذا من (عدم) (7) علم الرافضي بالحديث ; فإن هذا مثل سائر ~~ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه أيدهم الله تعالى، فتعلموا ~~الإيمان والقرآن والسنن، ويسر الله ذلك عليهم، وكذلك PageV07P526 # علي، فإن القرآن لم يكمل حتى صار لعلي نحو من ثلاثين سنة، فإنما حفظ أكثر ~~ذلك في كبره لا في صغره، وقد اختلف في حفظه لجميع القرآن على قولين. # والأنبياء أعلم الخلق، ولم يبعث الله نبيا إلا بعد الأربعين (1) ، إلا ~~عيسى صلى الله عليه وسلم، وتعليم النبي صلى الله عليه وسلم كان مطلقا لم ~~يكن يخص به أحدا، ولكن بحسب استعداد الطالب، ولهذا حفظ عنه أبو هريرة في ~~ثلاث سنين وبعض أخرى ما لم يحفظه غيره، وكان اجتماع أبي بكر به أكثر من ~~سائر الصحابة. # وأما قوله (2) : " إن الناس منه استفادوا العلوم (3) ". # فهذا باطل، فإن أهل الكوفة - التي كانت داره - كانوا قد تعلموا الإيمان، ~~والقرآن وتفسيره، والفقه، والسنة من ابن مسعود وغيره، قبل أن يقدم علي ~~الكوفة. # وإذا قيل: إن أبا عبد الرحمن (4) قرأ عليه، فمعناه: عرض عليه، وإلا فأبو ~~عبد الرحمن كان (5) قد حفظ القرآن قبل أن يقدم علي الكوفة، وهو PageV07P527 # وغيره من علماء الكوفة: مثل علقمة، والأسود، والحارث التيمي (1) ، وزر بن ~~حبيش، الذي قرأ عليه عاصم بن أبي النجود: أخذوا القرآن عن ابن مسعود، ~~وكانوا يذهبون إلى المدينة فيأخذون عن عمر وعائشة، ولم يأخذوا عن علي كما ~~أخذوا عن ms1857 عمر وعائشة. # وشريح قاضيه إنما تفقه على معاذ بن جبل باليمن، وكان يناظره في الفقه، ~~ولا يقلده، وكذلك عبيدة السلماني كان لا يقلده، بل يقول له: رأيك مع عمر في ~~الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك في الفرقة. # وأما أهل المدينة ومكة فعلمهم أيضا ليس مأخوذا عنه، وكذلك أهل الشام ~~والبصرة فهذه الأمصار الخمسة: الحجازان، والعراقان، والشام، هي التي خرج ~~منها علوم النبوة من العلوم الإيمانية والقرآنية والشريعة. # وما أخذ هؤلاء عنه (2) ، فإن عمر رضي الله عنه كان قد أرسل إلى كل مصر من ~~يعلمهم القرآن والسنة، وأرسل إلى أهل الشام معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت ~~وغيرهما، وأرسل إلى العراق ابن مسعود وحذيفة بن اليمان وغيرهما. # فصل # قال الرافضي (3) : " وأما النحو فهو واضعه، قال لأبي PageV07P528 # الأسود (1) : الكلام كله ثلاثة أشياء: اسم، وفعل، وحرف، وعلمه (2) وجوه ~~الإعراب. # والجواب: أن يقال: أولا: هذا ليس من علوم النبوة، وإنما هو علم مستنبط، ~~وهو وسيلة في حفظ قوانين اللسان الذي نزل به القرآن، ولم يكن في زمن ~~الخلفاء الثلاثة لحن (3) ، فلم يحتج إليه، فلما سكن علي الكوفة، وبها ~~الأنباط روي أنه قال لأبي الأسود الدؤلي: " الكلام: اسم، وفعل، وحرف "، ~~وقال: " انح هذا النحو "، ففعل هذا للحاجة، كما أن من بعد علي أيضا استخرج ~~للخط النقط والشكل، وعلامة المد والشد (4) ، ونحوه للحاجة، ثم بعد ذلك بسط ~~النحو نحاة الكوفة والبصرة، والخليل استخرج علم العروض. # فصل # قال الرافضي (5) : " وفي الفقه الفقهاء يرجعون إليه (6) ". # والجواب: أن هذا كذب بين، فليس في الأئمة الأربعة - ولا غيرهم من أئمة ~~الفقهاء (7) - من يرجع إليه في فقهه، أما مالك، فإن علمه عن PageV07P529 # أهل المدينة، وأهل المدينة لا يكادون يأخذون بقول علي، بل أخذوا فقههم عن ~~الفقهاء السبعة عن زيد، وعمر، وابن عمر، ونحوهم. # أما الشافعي فإنه تفقه أولا على المكيين أصحاب ابن جريج، كسعيد بن سالم ~~القداح، ومسلم بن خالد الزنجي. وابن جريج أخذ ذلك عن أصحاب ابن عباس،، ~~كعطاء وغيره، وابن عباس كان مجتهدا مستقلا، وكان إذا أفتى بقول ms1858 الصحابة ~~أفتى بقول أبي بكر وعمر لا بقول علي، وكان ينكر على علي أشياء. # ثم إن الشافعي أخذ عن مالك، ثم كتب كتب أهل العراق، وأخذ مذاهب (1) أهل ~~الحديث، واختار لنفسه. # وأما أبو حنيفة فشيخه الذي اختص به حماد بن أبي سليمان، وحماد عن ~~إبراهيم، وإبراهيم عن علقمة، وعلقمة عن ابن مسعود، وقد أخذ أبو حنيفة عن ~~عطاء، وغيره. # وأما الإمام أحمد فكان على مذهب أهل الحديث، أخذ عن ابن عيينة، وابن ~~عيينة عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، وابن عمر، وأخذ عن هشام بن بشير، ~~وهشام عن أصحاب الحسن وإبراهيم النخعي، وأخذ عن عبد الرحمن بن مهدي، ووكيع ~~بن الجراح وأمثالهما، وجالس الشافعي، وأخذ عن أبي يوسف، واختار لنفسه قولا، ~~وكذلك إسحاق بن راهويه، وأبو عبيد (2) ونحوهم. PageV07P530 # والأوزاعي والليث أكثر فقههما عن أهل المدينة، وأمثالهم، لا عن الكوفيين. # فصل # قال الرافضي (1) : " أما المالكية فأخذوا علمهم عنه وعن أولاده " (2) . # والجواب: أن هذا كذب ظاهر، فهذا موطأ مالك ليس فيه عنه ولا عن (أحد) (3) ~~أولاده إلا قليل جدا، وجمهور ما فيه عن غيرهم، فيه عن جعفر تسعة أحاديث، ~~ولم يرو مالك عن أحد من ذريته إلا عن جعفر، وكذلك الأحاديث التي في الصحاح، ~~والسنن، والمساند منها قليل عن ولده، وجمهور ما فيها عن غيرهم. # فصل # قال الرافضي (4) : " وأما أبو حنيفة فقرأ على الصادق (5) ". PageV07P531 # والجواب: أن هذا من الكذب الذي يعرفه (1) من له أدنى علم، فإن أبا حنيفة ~~من أقران جعفر الصادق، توفي الصادق سنة ثمان وأربعين، وتوفي أبو حنيفة سنة ~~خمسين ومائة، وكان أبو حنيفة يفتي في حياة أبي جعفر والد الصادق، وما يعرف ~~أن أبا حنيفة أخذ عن جعفر الصادق، ولا عن أبيه مسألة واحدة، بل أخذ عمن كان ~~أسن منهما كعطاء بن أبي رباح، وشيخه الأصلي حماد بن أبي سليمان (2) ، وجعفر ~~بن محمد كان بالمدينة (3) . # فصل. # قال الرافضي (4) : " وأما الشافعي فقرأ على محمد بن الحسن ". # والجواب: أن هذا ليس كذلك، بل جالسه وعرف طريقته (5) وناظره، وأول من ~~أظهر ms1859 الخلاف لمحمد بن الحسن، والرد عليه (هو) الشافعي (6) ، PageV07P532 # فإن محمد بن الحسن أظهر الرد على مالك وأهل المدينة، وهو أول من عرف منه ~~(1) رد على مخالفيه (2) ، فنظر (3) الشافعي في كلامه، وانتصر لما تبين له ~~أنه الحق من قول أهل المدينة، وكان انتصاره في الغالب لمذهب أهل الحجاز ~~وأهل الحديث. # ثم إن عيسى بن أبان صنف كتابا تعرض فيه بالرد على الشافعي، فصنف ابن سريج ~~كتابا في الرد على عيسى بن أبان. # وكذلك أحمد بن حنبل لم يقرأ على الشافعي لكن جالسه، كما جالس الشافعي ~~محمد بن الحسن، واستفاد كل منهما من صاحبه. # وكان الشافعي وأحمد يتفقان في أصولهما، أكثر من اتفاق الشافعي ومحمد بن ~~الحسن، وكان الشافعي أسن من أحمد ببضع عشرة سنة. # وكان الشافعي قدم بغداد أولا سنة بضع وثمانين في حياة محمد بن الحسن بعد ~~موت أبي يوسف، ثم قدمها ثانية سنة بضع وتسعين، وفي هذه القدمة اجتمع به ~~أحمد. # وبالجملة فهؤلاء الأئمة الأربعة ليس فيهم من أخذ عن جعفر شيئا من قواعد ~~الفقه، لكن رووا عنه أحاديث، كما رووا عن غيره، وأحاديث غيره أضعاف ~~أحاديثه، وليس بين حديث الزهري وحديثه نسبة، لا في القوة ولا في الكثرة. # وقد استراب البخاري في بعض حديثه لما بلغه عن يحيى بن سعيد PageV07P533 # القطان فيه كلام، فلم يخرج له. ولم يكذب على أحد ما كذب على جعفر الصادق ~~- مع براءته - كما كذب عليه، فنسب إليه علم البطاقة، والهفت، والجدول، ~~واختلاج الأعضاء، ومنافع القرآن، والكلام على الحوادث، وأنواع من الإشارات ~~(1) في تفسير القرآن، وتفسير قراءة السورة في المنام، وكل ذلك كذب عليه. # وأيضا فجعفر الصادق أخذ عن أبيه وعن غيره، كما قدمنا. # وكذلك أبوه أخذ عن علي بن الحسين وغيره، وكذلك علي بن الحسين (* أخذ ~~العلم عن غير الحسين أكثر مما أخذ عن الحسين، فإن الحسين *) (2) قتل سنة ~~إحدى وستين، وعلي صغير فلما رجع إلى المدينة أخذ عن علماء أهل المدينة، فإن ~~علي بن الحسين أخذ عن أمهات المؤمنين عائشة، وأم سلمة ms1860، وصفية، وأخذ عن ابن ~~عباس، والمسور بن مخرمة، وأبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، ومروان ~~بن الحكم، وسعيد بن المسيب، وغيرهم. # وكذلك الحسن كان يأخذ عن أبيه، وغيره حتى أخذ عن التابعين، وهذا من علمه ~~ودينه رضي الله عنه. # وأما ثناء العلماء على علي بن الحسين ومناقبه فكثيرة، وقال الزهري: لم ~~أدرك بالمدينة أفضل من علي بن الحسين، وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: هو أفضل ~~هاشمي رأيته بالمدينة، وقال حماد بن زيد: سمعت عن علي بن الحسين - وكان ~~أفضل هاشمي أدركته - يقول: " أيها PageV07P534 # الناس أحبونا حب الإسلام، فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عارا ". ذكره ~~محمد بن سعد في " الطبقات " (1) . # أنبأنا عارم بن الفضل، أنبأنا حماد (2) . # ثم قال ابن سعد (3) : " قالوا: وكان علي بن الحسين ثقة مأمونا كثير ~~الحديث عاليا رفيعا (4) ، وروى (5) " عن شيبة بن نعامة، قال: كان علي بن ~~الحسين يبخل، فلما مات وجدوه يقوت (6) أهل مائة بيت (7) بالمدينة في السر ~~". # فصل # قال الرافضي (8) : " ومالك قرأ على ربيعة، وربيعة على عكرمة، وعكرمة على ~~ابن عباس، وابن عباس تلميذ علي " (9) . # والجواب: أن هذا من الكذب، فإن ربيعة لم يأخذ عن عكرمة شيئا، PageV07P535 # بل ولا ذكر مالك عن عكرمة (1) في كتبه إلا أثرا أو أثرين، ولا ذكر اسم ~~عكرمة في كتبه أصلا ; لأنه بلغه عن ابن عمر وابن المسيب أنهما تكلما فيه ~~فتركه لذلك. # وكذلك لم يخرج له مسلم، ولكن ربيعة أخذ عن سعيد بن المسيب، وأمثاله من ~~فقهاء أهل المدينة، وسعيد كان يرجع علمه إلى عمر، وكان قد أخذ عن زيد بن ~~ثابت وأبي هريرة، وتتبع قضايا عمر من أصحابه، وكان ابن عمر يسأله عنها. # ولهذا يقال: إن موطأ مالك أخذت أصوله (2) عن ربيعة، عن سعيد بن المسيب، ~~عن عمر، وقال الرشيد لمالك: قد أكثرت في موطئك عن ابن عمر، وأقللت عن ابن ~~عباس، فقال: " كان أورع الرجلين يا أمير المؤمنين " فهذا موطأ مالك يبين أن ~~ما ذكره عن مالك من أظهر الكذب. # وقوله: " ابن عباس تلميذ ms1861 علي " كلام باطل، فإن رواية ابن عباس عن علي ~~قليلة، وغالب أخذه عن عمر، وزيد بن ثابت، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة، ~~وكان يفتي بقول أبي بكر وعمر، ونازع عليا في مسائل، مثل ما أخرج البخاري في ~~صحيحه، قال: " «أتي علي بقوم زنادقة فحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: أما ~~لو كنت لم أحرقهم، لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعذب بعذاب الله، ~~ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من بدل دينه فاقتلوه (3) " ~~فبلغ ذلك عليا، فقال: ويح ابن عباس، ما أسقطه على الهنات!» PageV07P536 # (فصل) # قال الرافضي (1) .: " وأما علم الكلام فهو أصله، ومن خطبه تعلم (2) ~~الناس، وكل (3) الناس تلاميذه ". # والجواب: أن هذا الكلام كذب لا مدح فيه ; فإن الكلام المخالف للكتاب ~~والسنة باطل، وقد نزه الله عليا عنه، ولم يكن في الصحابة والتابعين أحد ~~يستدل على حدوث العالم بحدوث الأجسام، ويثبت حدوث الأجسام بدليل الأعراض ~~والحركة والسكون، والأجسام مستلزمة لذلك لا تنفك عنه، وما لا يسبق الحوادث ~~فهو حادث، ويبنى ذلك على حوادث لا أول لها. # بل أول ما ظهر هذا الكلام في الإسلام بعد المائة الأولى، من جهة الجعد بن ~~درهم، والجهم بن صفوان، ثم صار إلى أصحاب عمرو بن عبيد، كأبي الهذيل العلاف ~~وأمثاله. # وعمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء إنما كانا يظهران الكلام في إنفاذ الوعيد، ~~وأن النار لا يخرج منها من دخلها، وفي التكذيب بالقدر، وهذا كله مما نزه ~~الله عنه (4) عليا. PageV08P005 # وليس في الخطب الثابتة عن علي شيء من أصول المعتزلة الخمسة، بل كل ذلك ~~إذا نقل عنه فهو كذب عليه. وقدماء المعتزلة لم يكونوا يعظمون عليا، بل كان ~~فيهم من يشك في عدالته، ويقول: قد فسق عند إحدى (1) الطائفتين لا بعينها: ~~إما علي، وإما طلحة والزبير، فإذا شهد أحدهما لم أقبل شهادته، وفي قبول ~~شهادة علي منفردة قولان لهم. وهذا معروف عن عمرو بن عبيد وأمثاله من ~~المعتزلة (2) . # والشيعة القدماء كلهم كالهشامين (3) وغيرهما، يثبتون الصفات، ويقرون ~~بالقدر، على خلاف قول ms1862 متأخري الشيعة، بل يصرحون بالتجسيم، ويحكى عنهم فيه ~~شناعات، وهم يدعون أنهم أخذوا ذلك عن أهل البيت (4) . PageV08P006 # وقد ثبت عن جعفر الصادق أنه سئل عن القرآن: أخالق هو أم مخلوق؟ فقال: ليس ~~بخالق ولا مخلوق، لكنه كلام الله. # وأما قول الرافضي: " إن واصل بن عطاء أخذ عن أبي هاشم بن محمد بن الحنفية ~~". # فيقال: إن [الحسن بن] محمد بن الحنفية (1) قد وضع كتابا في الإرجاء، نقيض ~~قول المعتزلة. ذكر هذا غير واحد من أهل العلم (2) ، وهذا يناقض مذهب ~~المعتزلة الذي يقول به واصل بن عطاء، ويقال إنه أخذه عن أبي هاشم (3) . ~~PageV08P007 # وقيل: إن أبا هاشم هذا صنف كتابا أنكر عليه، لم يوافقه عليه أخوه ولا أهل ~~بيته، ولا أخذه عن أبيه. # وبكل حال الكتاب الذي نسب إلى الحسن يناقض ما ينسب (1) إلى أبي هاشم، ~~وكلاهما قد قيل: إنه رجع عن ذلك (2) ، ويمتنع أن يكونا أخذا هذين ~~المتناقضين عن أبيهما محمد بن الحنفية، وليس نسبة أحدهما إلى محمد بأولى من ~~الآخر ; فبطل القطع بكون محمد بن الحنفية كان يقول بهذا وبهذا. # بل المقطوع به (3) أن محمدا، مع براءته من قول المرجئة، فهو من قول ~~المعتزلة أعظم براءة، وأبوه علي أعظم براءة من المعتزلة والمرجئة منه. # وأما الأشعري فلا ريب عنه أنه كان تلميذا لأبي علي الجبائي، لكنه ~~PageV08P008 # فارقه ورجع عن جمل (1) مذهبه، وإن كان قد بقي عليه شيء من أصول مذهبه، ~~لكنه خالفه في نفي الصفات، وسلك فيها طريقة ابن كلاب، وخالفهم في القدر ~~ومسائل الإيمان والأسماء والأحكام، وناقضهم في ذلك، أكثر من مناقضة حسين ~~النجار وضرار بن عمرو، ونحوهما ممن هو متوسط في هذا الباب، كجمهور الفقهاء ~~وجمهور أهل الحديث، حتى مال في ذلك إلى قول جهم، وخالفهم في الوعيد، وقال ~~بمذهب الجماعة، وانتسب إلى مذهب أهل الحديث والسنة، كأحمد بن حنبل وأمثاله، ~~وبهذا اشتهر عند الناس. # فالقدر الذي يحمد من مذهبه، (* هو ما وافق فيه أهل السنة والحديث، كالجمل ~~الجامعة. وأما القدر الذي يذم من مذهبه، فهو ما وافق ms1863 فيه المخالفين للسنة ~~والحديث، من المعتزلة والمرجئة، والجهمية والقدرية، ونحو ذلك. # وأخذ مذهب أهل الحديث عن *) (2) زكريا بن يحيى الساجي بالبصرة (3) ، وعن ~~طائفة ببغداد من أصحاب أحمد وغيرهم، وذكر في المقالات ما اعتقد أنه مذهب ~~أهل السنة والحديث، وقال (4) : " بكل ما ذكرنا من قولهم نقول، وإليه نذهب ~~". PageV08P009 # وهذا المذهب هو من أبعد المذاهب عن مذهب الجهمية والقدرية. وأما الرافضة ~~(1) - كهذا المصنف وأمثاله من متأخري الإمامية - فإنهم جمعوا أخس المذاهب: ~~مذهب الجهمية في الصفات، ومذهب القدرية في أفعال العباد، ومذهب الرافضة في ~~الإمامة والتفضيل. # فتبين أن ما نقل عن علي من الكلام فهو كذب عليه، ولا مدح فيه. وأعظم من ~~ذلك أن القرامطة الباطنية ينسبون قولهم إليه، وأنه أعطي علما باطنا مخالفا ~~للظاهر. # وقد ثبت في الصحيح عنه أنه قال: " «والذي فلق (2) الحبة، وبرأ النسمة، ما ~~عهد إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا لم يعهده (3) إلى الناس، إلا ما ~~في هذه الصحيفة، وكان فيها: العقل، وفكاك الأسرى، وأن لا يقتل مسلم بكافر، ~~إلا فهما يؤتيه الله عبدا في الكتاب» " (4) . # ومن الناس من ينسب إليه الكلام في الحوادث، كالجفر وغيره، وآخرون ينسبون ~~إليه البطاقة وأمورا أخرى، يعلم أن عليا بريء منها. PageV08P010 # وكذلك جعفر الصادق قد كذب عليه من الأكاذيب ما لا يعلمه إلا الله، حتى ~~نسب إليه القول في أحكام النجوم والرعود، والبروق والقرعة، التي هي من ~~الاستقسام بالأزلام، ونسب إليه كتاب " منافع سور القرآن "، وغير ذلك مما ~~يعلم العلماء أن جعفرا - رضي الله عنه - بريء من ذلك، وحتى نسب إليه أنواع ~~من تفسير القرآن على طريقة الباطنية، كما ذكر ذلك عنه أبو عبد الرحمن ~~السلمي في كتاب " حقائق التفسير "، فذكر قطعة من التفاسير التي هي من ~~تفاسيره، وهي من باب تحريف الكلم عن مواضعه، وتبديل مراد الله تعالى من ~~الآيات بغير مراده (1) . # وكل ذي علم بحاله يعلم أنه كان بريئا من هذه الأقوال، والكذب على الله في ~~تفسير كتابه العزيز. # وكذلك قد نسب إليه بعضهم الكتاب الذي يسمى " رسائل إخوان ms1864 الكدر " (2) ، ~~وهذا الكتاب صنف بعد جعفر الصادق بأكثر من مائتي سنة ; فإن جعفرا توفي سنة ~~ثمان وأربعين ومائة، وهذا الكتاب صنف في أثناء الدولة العبيدية الباطنية ~~الإسماعيلية، لما استولوا على مصر، وبنوا (3) القاهرة، صنفه طائفة من الذين ~~أرادوا أن يجمعوا بين الفلسفة والشريعة والتشيع، كما كان يسلكه هؤلاء ~~العبيديون، الذين كانوا يدعون أنهم من ولد علي. PageV08P011 # وأهل العلم بالنسب يعلمون أن نسبهم باطل، وأن جدهم (1) يهودي في الباطن ~~وفي الظاهر، وجدهم ديصاني من المجوس، تزوج امرأة هذا اليهودي، وكان ابنه ~~ربيبا لمجوسي ; فانتسب إلى زوج أمه المجوسي، وكانوا ينتسبون إلى باهلة، على ~~أنهم من مواليهم، وادعى هو أنه من ذرية محمد بن إسماعيل بن جعفر، وإليه ~~انتسب الإسماعيلية، وادعوا أن الحق معهم دون الاثني عشرية ; فإن الاثني ~~عشرية يدعون إمامة موسى بن جعفر، وهؤلاء يدعون إمامة إسماعيل بن جعفر. # وأئمة هؤلاء في الباطن ملاحدة زنادقة، شر من الغالية، ليسوا من جنس ~~الاثني عشرية، لكن إنما طرقهم على (2) هذه المذاهب الفاسدة ونسبتها إلى علي ~~ما فعلته الاثنا عشرية وأمثالهم، كذب أولئك عليه نوعا من الكذب (3) ، ففرعه ~~هؤلاء، وزادوا عليه، حتى نسبوا الإلحاد إليه، كما نسب هؤلاء إليه مذهب ~~الجهمية والقدرية وغير ذلك. # ولما كان هؤلاء الملاحدة، من الإسماعيلية والنصيرية ونحوهم، ينتسبون (4) ~~إلى علي، وهم طرقية وعشرية وغرباء، وأمثال هؤلاء صاروا يضيفون إلى علي ما ~~برأه الله منه، حتى صار اللصوص من العشرية يزعمون أن معهم كتابا من علي، ~~بالإذن لهم في سرقة أموال الناس، كما ادعت اليهود الخيابرة أن معهم كتابا ~~من علي بإسقاط الجزية عنهم، PageV08P012 # وإباحة عشر أموال أنفسهم (1) ، وغير ذلك من الأمور المخالفة لدين ~~الإسلام. # وقد أجمع العلماء على أن هذا كله كذب على علي، وهو من أبرأ الناس من (2) ~~هذا كله. # ثم صار هؤلاء يعدون ما افتروه عليه من هذه الأمور مدحا له، يفضلونه بها ~~على الخلفاء قبله، ويجعلون تنزه أولئك من مثل الأباطيل (3) عيبا فيهم ~~وبغضا، حتى صار (4) رؤوس الباطنية تجعل منتهى الإسلام وغايته هو الإقرار ~~(5) بربوبية ms1865 الأفلاك، وأنه ليس وراء الأفلاك صانع لها ولا خالق، ويجعلون ~~هذا هو باطن دين الإسلام الذي بعث به الرسول، وأن هذا هو تأويله، وأن هذا ~~التأويل ألقاه علي إلى الخواص، حتى اتصل بمحمد بن إسماعيل بن جعفر، وهو ~~عندهم القائم، ودولته هي القائمة عندهم، وأنه ينسخ ملة محمد بن عبد الله، ~~ويظهر التأويلات الباطنة التي يكتمها التي أسرها إلى علي. # وصار هؤلاء يسقطون عن خواص أصحابهم الصلاة والزكاة والصيام والحج، ~~ويبيحون لهم المحرمات من الفواحش والظلم والمنكر (6) وغير ذلك. PageV08P013 # وصنف المسلمون في كشف أسرارهم وهتك أستارهم كتبا معروفة ; لما علموه من ~~إفسادهم الدين والدنيا، وصنف فيهم القاضي عبد الجبار، والقاضي أبو بكر بن ~~الطيب، وأبو يعلى، والغزالي، وابن عقيل، وأبو عبد الله الشهرستاني، وطوائف ~~غير هؤلاء. # وهم الملاحدة الذين ظهروا بالمشرق والمغرب، واليمن والشام، ومواضع ~~متعددة، كأصحاب الألموت (1) وأمثالهم. # وكان من أعظم ما به دخل هؤلاء على المسلمين (2) وأفسدوا الدين هو طريق ~~الشيعة ; لفرط جهلهم وأهوائهم، وبعدهم من دين الإسلام. # وبهذا وصوا دعاتهم أن يدخلوا على المسلمين من باب التشيع، وصاروا ~~يستعينون (3) بما عند الشيعة من الأكاذيب والأهواء، ويزيدون هم على ذلك ما ~~ناسبهم من الافتراء، حتى فعلوا في أهل الإيمان ما لم يفعله عبدة الأوثان ~~والصلبان، وكان حقيقة أمرهم دين فرعون، الذي هو شر (4) من دين اليهود ~~والنصارى وعباد (5) الأصنام. # وأول دعوتهم التشيع، وآخرها الانسلاخ من الإسلام، بل من الملل كلها. # ومن عرف أحوال الإسلام، وتقلب الناس فيه ; فلا بد أنه قد عرف شيئا من ~~هذا. PageV08P014 # وهذا تصديق لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه: " ~~«لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ~~". قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: " فمن» " (1) . # وفي الحديث الآخر المتفق عليه: " «لتأخذن أمتي مأخذ الأمم قبلها شبرا ~~بشبر وذراعا بذراع ". قالوا: يا رسول الله، فارس والروم؟ قال: " ومن الناس ~~إلا هؤلاء» ؟ " (2) . # وهذا بعينه صار في هؤلاء المنتسبين إلى التشيع ; فإن هؤلاء الإسماعيلية ~~أخذوا من مذاهب ms1866 الفرس، وقولهم بالأصلين: النور والظلمة، وغير ذلك أمورا، ~~وأخذوا من مذاهب الروم من النصرانية، وما كانوا عليه قبل النصرانية من مذهب ~~اليونان، وقولهم بالنفس والعقل، وغير ذلك أمورا، ومزجوا هذا بهذا، وسموا ~~ذلك باصطلاحهم: السابق والتالي، وجعلوه هو القلم واللوح، وأن القلم هو ~~العقل، الذي يقول هؤلاء: إنه أول المخلوقات، واحتجوا بحديث يروى عن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أول ما خلق الله العقل، قال له: أقبل، ~~فأقبل. فقال له: أدبر فأدبر. فقال: وعزتي ما خلقت خلقا أكرم علي منك، فبك ~~آخذ، وبك أعطي، وبك الثواب، وبك العقاب» . # وهذا الحديث رواه بعض من صنف في فضائل العقل، كداود بن PageV08P015 # المحبر (1) ونحوه، وهو حديث موضوع كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~عند أهل المعرفة بالحديث، كما ذكر ذلك أبو حاتم بن حبان البستي، ~~والدارقطني، وابن الجوزي وغيرهم (2) ، لكن (3) لما وافق رأي هؤلاء استدلوا ~~به على عادتهم، مع أن لفظ الحديث يناقض مذهبهم. # فإن لفظه " أول " بالنصب. وروي أنه " «لما خلق الله العقل» " أي أنه قال ~~له هذا الكلام في أول أوقات خلقه، فالمراد به أنه خاطبه حين خلقه، لا أنه ~~أول المخلوقات ; ولهذا قال في أثنائه: " «ما خلقت خلقا أكرم علي منك» " فدل ~~على أنه خلق قبله غيره، ووصفه بأنه " يقبل ويدبر " PageV08P016 # والعقل الأول (1) عندهم يمتنع عليه هذا. وقال: " «بك، آخذ، وبك أعطي، وبك ~~الثواب» " وهذا العقل عندهم (* هو رب العالم كله، هو المبدع له كله، وهو ~~معلول الأول، لا يختص به أربعة أعراض، بل هو عندهم *) (2) مبدع الجواهر ~~كلها: العلوية، والسفلية، والحسية (3) ، والعقلية. # والعقل في لغة المسلمين عرض قائم بغيره وإما قوة في النفس (4) . # وأما مصدر [العقل] (5) : عقل يعقل عقلا، وأما العاقل فلا يسمى في لغتهم ~~العقل. # وهؤلاء في اصطلاحهم العقل جوهر قائم بنفسه. وقد بسطنا الكلام على هذا، ~~وبينا حقيقة أمرهم بالمعقول والمنقول، وأن ما يثبتونه من المفارقات عند ~~التحقيق لا يرجع إلا إلى أمر وجودها في الأذهان لا في الأعيان، إلا النفس ~~الناطقة، وقد أخطئوا ms1867 في بعض صفاتها (6) . # وهؤلاء قولهم: إن العالم معلول علة قديمة أزلية واجبة الوجود، وإن العالم ~~لازم لها، لكن حقيقة قولهم: إنه علة غائية، وإن الأفلاك تتحرك حركة إرادية ~~شوقية للتشبه به، وهو محرك لها، كما يحرك PageV08P017 # المحبوب المتشبه به لمحبه الذي يتشبه به، ومثل هذا لا يوجب أن يكون هو ~~المحدث لتصوراته وإرادته وحركاته. # فقولهم في حركة الفلك من جنس قول القدرية في أفعال (1) الحيوان، لكن ~~هؤلاء يقولون: حركة الفلك هي سبب الحوادث. فحقيقة قولهم: إن الحوادث كلها ~~تحدث بلا محدث أصلا، وإن الله لا يفعل شيئا. ولكل مقام مقال. # وهم جعلوا العلم الأعلى والفلسفة الأولى هو العلم الباطن في الوجود ~~ولواحقه، وقسموا الوجود إلى جوهر وعرض، ثم قسموا الأعراض إلى تسعة أجناس، ~~ومنهم من ردها إلى خمسة، ومنهم من ردها إلى ثلاثة ; فإنه لم يقم لها دليل ~~على الحصر. وقسموا الجواهر (2) إلى خمسة أنواع: العقل، والنفس، والمادة، ~~والصورة، والجسم. # وواجب الوجود تارة يسمونه جوهرا، وهو قول قدمائهم كأرسطو وغيره، وتارة لا ~~يسمونه بذلك، كما قاله ابن سينا. وكان قدماء القوم يتصورون في أنفسهم أمورا ~~عقلية، فيظنونها ثابتة في الخارج، كما يحكى عن شيعة فيثاغورس وأفلاطون (3) ~~، وأن أولئك أثبتوا أعدادا مجردة في الخارج، وهؤلاء أثبتوا المثل ~~الأفلاطونية، وهي الكليات المجردة عن الأعيان، وأثبتوا المادة المجردة، وهي ~~الهيولى الأولية، وأثبتوا المدة PageV08P018 # المجردة، وهي الدهر العقلي المجرد عن الجسم وأعراضه، وأثبتوا الفضاء (1) ~~المجرد عن الجسم وأعراضه. # وأرسطو وأتباعه خالفوا سلفهم في ذلك، ولم يثبتوا من هذه شيئا مجردا، ولكن ~~أثبتوا المادة المقارنة للصورة، وأثبتوا الكليات المقارنة للأعيان، وأثبتوا ~~العقول العشرة. وأما النفس الفلكية فأكثرهم يجعلها قوة جسمانية، ومنهم من ~~يقول: هي جوهر قائم بنفسه كنفس الإنسان. # ولفظ " الصورة " يريدون به تارة ما هو عرض، كالصورة الصناعية، مثل شكل ~~السرير والخاتم والسيف، وهذه عرض قائم بمحله (2) ، والمادة هنا جوهر قائم ~~بنفسه. ويريدون بالصورة تارة الصورة الطبيعية، وبالمادة المادة (3) ~~الطبيعية. # ولا ريب أن الحيوان والمعادن والنبات (4) لها صورة هي خلقت من مواد، لكن ~~[يعنون ms1868] (5) بالصورة جوهرا قائما بنفسه، وبالمادة جوهرا آخر مقارنا لهذه. # وآخرون في مقابلتهم من أهل الكلام، القائلين بالجوهر الفرد ويزعمون أنه ~~ما ثم من حادث يعلم حدوثه بالمشاهدة إلا الأعراض، وأنهم لا يشهدون حدوث ~~جوهر من الجواهر. PageV08P019 # وكلا القولين، خطأ وقد بسطنا الكلام عليهما في غير هذا الموضع. # وقد يراد بالمادة المادة الكلية المشتركة بين الأجسام، وبالصورة (1) ~~الصورة الكلية المشتركة بين الأجسام، ويدعون أن كليهما جوهر عقلي، وهو غلط ~~; فإن المشترك بين الأجسام أمر كلي، والكليات لا توجد كليات (2) إلا في ~~الأذهان لا في الأعيان، وكل ما وجد في الخارج فهو مميز بنفسه عن غيره، لا ~~يشركه فيه غيره، إلا في الذهن إذا أخذ كليا. # والأجسام يعرض لها الاتصال والانفصال، وهو الاجتماع والافتراق، وهما من ~~الأعراض، ليس الانفصال شيئا قائما بنفسه، كما أن الحركة ليست شيئا قائما ~~بنفسه، غير الجسم المحسوس يرد عليه الاتصال والانفصال، ويسمونه الهيولى ~~والمادة، وهذا وغيره مبسوط في غير هذا الموضع (3) . # وكثير من الناس قد لا يفهمون حقيقة ما يقولون وما يقول غيرهم، وما جاءت ~~به الرسل، حتى يعرفوا ما فيه من حق وباطل ; فيعلمون هل هم موافقون لصريح ~~المعقول، أو هم مخالفون له. ومن أراد التظاهر بالإسلام منهم عبر عن ذلك ~~بالعبارات الإسلامية، فيعبر عن الجسم بعالم الملك، وعن النفس بعالم ~~الملكوت، وعن العقل بعالم الجبروت، أو بالعكس. ويقولون إن العقول والنفوس ~~هي الملائكة، PageV08P020 # وقد يجعلون قوى النفس التي تقتضي فعل الخير هي الملائكة، وقواها التي ~~تقتضي الشر هي الشياطين، وأن الملائكة التي تنزل على الرسل، والكلام الذي ~~سمعه موسى بن عمران إنما هو في نفوس الأنبياء، ليس في الخارج، بمنزلة ما ~~يراه النائم، وما يحصل لكثير من الممرورين (1) وأصحاب الرياضة ; حيث يتخيل ~~في نفسه أشكالا نورانية، ويسمع في نفسه أصواتا، فتلك هي عندهم ملائكة الله، ~~وذلك هو كلام الله، ليس له كلام منفصل. # ولهذا يدعي أحدهم أن الله كلمه كما كلم موسى بن عمران، أو أعظم مما كلم ~~موسى ; لأن موسى كلم عندهم بحروف وأصوات ms1869 في نفسه، وهم يكلمون بالمعاني ~~المجردة العقلية. # وصاحب " مشكاة الأنوار " و " الكتب المضنون بها على غير أهلها " (2) وقع ~~في كلامه قطعة من هذا النمط، وقد كفرهم بذلك في مواضع أخر، ورجع عن ذلك، ~~واستقر أمره على مطالعة البخاري ومسلم وغيرهما. # ومن هنا سلك صاحب " خلع النعلين " ابن قسي (3) وأمثاله، وكذلك ~~PageV08P021 # ابن عربي صاحب " فصوص الحكم " و " الفتوحات المكية " ; ولهذا ادعى أنه ~~يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك، الذي يوحى به إلى الأنبياء، والنبي ~~عنده يأخذ من الملك الذي يوحى به إلى الرسل ; لأن النبي عنده يأخذ من ~~الخيالات التي تمثلت في نفسه لما صورت له المعاني (1) العقلية في الصور (2) ~~الخيالية، وتلك الصور (3) عنده هي الملائكة، وهي بزعمه تأخذ عن عقله المجرد ~~قبل أن تصير خيالا ; ولهذا يفضل الولاية على النبوة، ويقول: # مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي # والولي على أصله الفاسد يأخذ عن الله بلا واسطة ; لأنه يأخذ عن عقله، ~~وهذا عندهم هو الأخذ عن الله بلا واسطة (4) ; إذ ليس عندهم ملائكة منفصلة ~~تنزل بالوحي (5) ، والرب عندهم ليس هو موجودا مباينا PageV08P022 # للمخلوقات، بل هو وجود مطلق، أو مشروط بنفي (1) الأمور الثبوتية عن الله، ~~أو نفي الأمور الثبوتية والسلبية، وقد يقولون: هو وجود المخلوقات، أو حال ~~فيها، أو لا هذا ولا هذا. # فهذا عندهم غاية كل رسول ونبي (2) : النبوة عندهم الأخذ عن القوة ~~المتخيلة التي صورت المعاني العقلية في المثل الخيالية، ويسمونها القوة ~~القدسية ; فلهذا جعلوا الولاية فوق النبوة. # وهؤلاء من جنس القرامطة الباطنية الملاحدة، لكن هؤلاء ظهروا في قالب ~~التصوف والتنسك ودعوى التحقيق والتأله (3) ، وأولئك ظهروا في قالب التشيع ~~والموالاة، فأولئك يعظمون شيوخهم حتى يجعلوهم أفضل من الأنبياء، وقد يعظمون ~~الولاية حتى يجعلوها أفضل من النبوة، وهؤلاء يعظمون أمر الإمامة، حتى قد ~~يجعلون الأئمة أعظم من الأنبياء، والإمام أعظم من النبي، كما يقوله ~~الإسماعيلية. # وكلاهما أساطين الفلاسفة (4) الذين يجعلون النبي فيلسوفا، ويقولون: إنه ~~يختص بقوة قدسية، ثم منهم من يفضل النبي على الفيلسوف، ومنهم من يفضل ~~الفيلسوف ms1870 على النبي. ويزعمون أن النبوة PageV08P023 # مكتسبة، وهؤلاء يقولون (1) : إن النبوة عبارة عن ثلاث صفات، من حصلت له ~~فهو نبي: أن يكون له قوة قدسية حدسية ينال بها العلم بلا تعلم، وأن تكون ~~نفسه قوية لها تأثير في هيولى العالم، وأن يكون له قوة يتخيل بها ما يعقله، ~~ومرئيا في نفسه، ومسموعا في نفسه. # هذا كلام ابن سينا وأمثاله في النبوة، وعنه أخذ ذلك الغزالي في كتبه " ~~المضنون بها على غير أهلها ". # وهذا القدر الذي ذكروه يحصل لخلق كثير من آحاد الناس ومن المؤمنين، وليس ~~هو من أفضل عموم المؤمنين، فضلا عن كونه نبيا، كما بسط في موضعه. # وهؤلاء قالوا هذا لما احتاجوا إلى الكلام (2) في النبوة على أصول سلفهم ~~الدهرية، القائلين بأن الأفلاك قديمة أزلية، لا مفعولة لفاعل بقدرته ~~واختياره، وأنكروا علمه بالجزئيات، ونحو ذلك من أصولهم الفاسدة ; فتكلم ~~هؤلاء في النبوة على أصول أولئك. # وأما القدماء - أرسطو وأمثاله - فليس لهم في النبوة كلام محصل. والواحد ~~(3) من هؤلاء يطلب أن يصير نبيا، كما كان السهروردي المقتول يطلب أن يصير ~~نبيا، وكان قد جمع بين النظر والتأله، وسلك نحوا من مسلك الباطنية، وجمع ~~بين فلسفة الفرس واليونان، وعظم أمر الأنوار، وقرب دين المجوس الأول، وهي ~~نسخة الباطنية الإسماعيلية، وكان له PageV08P024 # يد في السحر والسيمياء، فقتله المسلمون على الزندقة بحلب في زمن صلاح ~~الدين. # وكذلك ابن سبعين، الذي جاء من المغرب إلى مكة، وكان يطلب أن يصير نبيا، ~~وجدد غار حراء الذي نزل فيه الوحي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~ابتداء، وحكي عنه أنه كان يقول: لقد ذرب ابن آمنة (1) حيث قال: " «لا نبي ~~بعدي» ". ب وكان بارعا في الفلسفة، وفي تصوف المتفلسفة، وما يتعلق بذلك. # وهو، وابن عربي، وأمثالهما كالصدر القونوي، وابن الفارض، والتلمساني: ~~منتهى أمرهم القول بوحدة الوجود، وأن الوجود (2) الواجب القديم الخالق هو ~~الوجود الممكن المحدث المخلوق، ما ثم لا غير (3) ولا سوى، لكن لما رأوا ~~تعدد المخلوقات صاروا تارة يقولون: مظاهر ومجالي. # فإذا قيل لهم: فإن كانت ms1871 المظاهر أمرا وجوديا تعدد (4) الوجود، وإلا لم ~~يكن لها حينئذ حقيقة. وما هو نحو هذا الكلام، الذي يبين أن الوجود نوعان ~~خالق ومخلوق. # قالوا: نحن نثبت عندنا في الكشف ما يناقض صريح العقل، ومن PageV08P025 # أراد أن يكون محققا مثلنا فلا بد أن يلتزم (1) الجمع بين النقيضين، وأن ~~الجسم الواحد يكون في وقت واحد في موضعين. # وهؤلاء الأصناف قد بسط الكلام عليهم في غير هذا الموضع، فإن هؤلاء يكثرون ~~في الدول الجاهلية (2) ، وعامتهم تميل إلى التشيع، كما عليه ابن عربي، وابن ~~سبعين وأمثالهما ; فاحتاج الناس إلى كشف حقائق هؤلاء، وبيان أمورهم على ~~الوجه الذي يعرف به الحق من الباطل ; فإن هؤلاء يدعون في أنفسهم أنهم أفضل ~~أهل الأرض، وأن الناس لا يفهمون حقيقة إشاراتهم، فلما يسر الله أني بينت ~~لهم حقائقهم، وكتبت في ذلك من المصنفات ما علموا به أن هذا هو تحقيق قولهم، ~~وتبين لهم بطلانه بالعقل الصريح والنقل الصحيح والكشف المطابق، رجع عن ذلك ~~من علمائهم (3) وفضلائهم من رجع، وأخذ هؤلاء يثبتون للناس تناقضهم، ~~ويردونهم إلى الحق (4) . # وكان من أصول ضلالهم (5) ظنهم أن الوجود المطلق يوجد في الخارج، إما: ~~مطلق لا بشرط (6) ، (* وإما مطلق بشرط، فالمطلق لا PageV08P026 # بشرط *) (1) الذي يسمونه الكلي الطبيعي، إذا قيل: إنه موجود في الخارج: ~~فإن الذي يوجد في الخارج مقيدا معينا هو مطلق في الذهن، مقيد في الخارج. ~~وأما من زعم أن في الذهن (2) شيئا مطلقا وهو مطلق حال تحققه في الخارج، فهو ~~غالط غلطا ضل فيه كثير من أهل المنطق والفلسفة. # وأما المطلق بشرط الإطلاق فهو الوجود المقيد بسلب جميع الأمور الثبوتية ~~والسلبية، كما يوجد الإنسان مجردا عن كل قيد. فإذا قلت: موجود أو معدوم، أو ~~واحد أو كثير، أو في الذهن أو في الخارج - كان ذلك قيدا زائدا على الحقيقة ~~المطلقة بشرط الإطلاق. # وهكذا الوجود تأخذه مجردا عن كل قيد ثبوتي وسلبي، فلا تصفه، لا بالصفات ~~السلبية ولا الثبوتية. # وهذا (3) هو واجب الوجود عند أئمة الباطنية، كأبي يعقوب السجستاني صاحب " ~~الأقاليد الملكوتية " وأمثاله ms1872. لكن من هؤلاء من لا يعرف: يرفع (4) ~~النقيضين، فيقول: لا موجود ولا معدوم، ومنهم من يقول: بل أمسك عن إثبات أحد ~~النقيضين، فلا أقول: موجود ولا معدوم (5) ، كأبي يعقوب، وهو منتهى تجريد ~~هؤلاء القائلين بوحدة الوجود. PageV08P027 # وابن سينا وأتباعه يقولون: الوجود الواجب هو الوجود المقيد بسلب الأمور ~~الثبوتية دون السلبية، وهذا أبعد عن الوجود في الخارج من المقيد بسلب ~~الوجود والعدم، وإن كان ذلك ممتنعا في الموجود والمعدوم. # فقلت لأولئك المدعين للتحقيق: أنتم بنيتم أمركم على القوانين المنطقية، ~~وهذا الوجود المطلق بشرط الإطلاق، المقيد بسلب النقيضين عنه، لا يوجد في ~~الخارج (* باتفاق العقلاء، وإنما يقدر في الذهن تقديرا، وإلا فإذا قدرنا ~~إنسانا مطلقا، واشترطنا فيه أن لا يكون موجودا ولا معدوما، ولا واحدا ولا ~~كثيرا، لم يوجد في الخارج، بل نفرض في الذهن، كما نفرض الجمع بين *) (1) ~~النقيضين، ففرض رفع (2) النقيضين كفرض الجمع بين النقيضين. # ولهذا كان هؤلاء تارة يصفونه بجمع النقيضين أو الإمساك عنهما، كما يفعل ~~ابن عربي وغيره كثيرا (3) ، وتارة يجمعون بين هذا وهذا، كما يوجد أيضا في ~~كلام أصحاب " البطاقة " وغيرهم. # فإذا قالوا مع ذلك: إنه مبدع العالم، وشرطوا فيه أنه لا يوصف بثبوت ولا ~~انتفاء (4) - كان تناقضا ; فإن كونه مبدعا لا يخرج عن هذا وهذا. # وكذلك إذا قالوا موجود واجب، وشرطوا فيه التجريد عن النقيضين - كان ~~تناقضا. PageV08P028 # وحقيقة قولهم: موجود لا موجود، وواجب لا واجب، وهذا منتهى أمرهم، وهو ~~الجمع بين النقيضين، أو رفع النقيضين. # ولهذا يصيرون إلى الحيرة ويعظمونها، وهي عندهم منتهى معرفة الأنبياء ~~والأولياء، والأئمة والفلاسفة. # ومن أصول ضلالهم ظنهم أن هذا تنزيه عن التشبيه، وأنهم متى وصفوا بصفة ~~إثبات أو نفي كان فيه تشبيه بذلك. ولم يعلموا أن التشبيه المنفي عن الله هو ~~ما كان وصفه بشيء من خصائص المخلوقين، أو أن يجعل شيء من صفاته مثل صفات ~~المخلوقين ; بحيث يجوز عليه ما يجوز عليهم، أو يجب له ما يجب لهم، أو يمتنع ~~عليه ما يمتنع عليهم مطلقا. # فإن هذا هو التمثيل الممتنع ms1873 المنفي بالعقل مع الشرع، فيمتنع وصفه بشيء من ~~النقائص (1) ، ويمتنع مماثلة غيره له في شيء من صفات الكمال، فهذان جماع ~~لما ينزه الرب تعالى عنه، كما بسطنا ذلك في مواضع كثيرة. # وعلى هذا وهذا دل قوله تعالى: {قل هو الله أحد - الله الصمد - لم يلد ولم ~~يولد - ولم يكن له كفوا أحد} [سورة الإخلاص] ، كما قد بسطنا ذلك في مصنف ~~مفرد في تفسير هذه الشواهد (2) . # فأما الموافقة في الاسم، كحي وحي، وموجود وموجود، وعليم وعليم - فهذا لا ~~بد منه، ويلزم من نفى هذا التعطيل المحض ; فإن كل PageV08P029 # موجودين قائمين بأنفسهما، فحينئذ (1) لا بد أن يجمعهما اسم عام يدل على ~~معنى عام (2) ، لكن المعنى العام (3) لا يوجد عاما إلا في الذهن، لا (4) في ~~الخارج. # فإذا قيل: هذا الموجود وهذا الموجود مشتركان في مسمى الوجود، كان ما ~~اشتركا فيه لا يوجد مشتركا إلا في الذهن لا في الخارج (5) ، وكل موجود فهو ~~يختص بنفسه وصفات نفسه، لا يشركه غيره في شيء من ذلك في الخارج، وإنما ~~الاشتراك هو نوع من التشابه والاتفاق، والمشترك فيه الكلي لا يوجد كذلك إلا ~~في الذهن، فإذا وجد في الخارج لم يوجد إلا متميزا عن نظيره، لا يكون هو ~~إياه، ولا هما في الخارج، مشتركان في شيء في الخارج. # فاسم الخالق إذا وافق اسم المخلوق، كالموجود والحي - وقيل: إن هذا الاسم ~~عام كلي، وهو من الأسماء المتواطئة أو المشككة (6) - لم يلزم من ذلك أن ~~يكون ما يتصف به الرب من مسمى هذا الاسم قد شاركه فيه المخلوق، بل ولا يكون ~~ما يتصف به أحد المخلوقين من مسمى هذا الاسم قد شاركه فيه مخلوق آخر، بل ~~وجود هذا يخصه PageV08P030 # ووجود هذا يخصه، لكن ما يتصف به المخلوق قد يماثل ما يتصف به المخلوق، ~~ويجوز على أحد المثلين ما يجوز على الآخر. # وأما الرب سبحانه وتعالى فلا يماثله شيء من الأشياء في شيء من صفاته، بل ~~التباين الذي بينه وبين كل واحد من خلقه في صفاته، أعظم من التباين الذي ms1874 ~~بين أعظم المخلوقات وأحقرها. وأما المعنى الكلي العام المشترك فيه، فذاك - ~~كما ذكرنا - لا يوجد كليا إلا في الذهن. # وإذا كان المتصفان به بينهما نوع موافقة ومشاركة ومشابهة من هذا الوجه، ~~فذاك لا محذور فيه ; فإنه (1) ما يلزم ذلك القدر المشترك من وجوب وجواز ~~وامتناع فإن الله متصف به، فالموجود من حيث هو موجود، أو العليم أو الحي، ~~مهما قيل: إنه يلزمه من وجوب وامتناع وجواز، فالله موصوف به، بخلاف وجود ~~المخلوق وحياته وعلمه، فإن الله لا يوصف بما يختص به المخلوق من وجوب وجواز ~~واستحالة، كما أن المخلوق لا يوصف بما يختص به الرب من وجوب وجواز ~~واستحالة. # فمن فهم هذا انحلت عنه إشكالات كثيرة، يعثر فيها كثير من الأذكياء، ~~الناظرين في العلوم الكلية والمعارف الإلهية، فهذا أحد أقوالهم في الوجود ~~الواجب، وهو المطلق بشرط الإطلاق عن النفي والإثبات، وهو أكملها في التعطيل ~~والإلحاد. # والثاني قول ابن سينا وأتباعه: إنه هو الوجود المقيد (* بالقيود السلبية ~~PageV08P031 # لا الثبوتية، وقد يعبر عنه بأنه الوجود المقيد *) (1) تارة (2) لا يعرض ~~له شيء من الماهيات، كما يعبر الرازي وغيره. # وهذه العبارات - بناءا على قولهم: إن الوجود يعرض للماهية الممكنة. فإن ~~للناس ثلاثة أقوال: قيل: إن الوجود زائد على الماهية في الواجب والممكن، ~~كما يقول ذلك أبو هاشم وغيره، وهو أحد قولي الرازي، وقد يقوله بعض النظار ~~من أصحاب أحمد وغيرهم. # وقيل: بل الوجود في الخارج هو الحقيقة الثابتة في الخارج، ليس هناك ~~شيئان، وهذا قول الجمهور من أهل الإثبات، وهذا قول عامة النظار من مثبتة ~~الصفات من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم، لكن ظن الشهرستاني والرازي والآمدي ~~ونحوهم أن قائل هذا القول يقول: إن لفظ الوجود مقول بالاشتراك اللفظي، ~~ونقلوا ذلك عن الأشعري وغيره، وهو غلط عليهم ; فإن أصحاب هذا القول هم ~~جماهير الخلق من الأولين والآخرين، وليس فيهم من يقول بأن لفظ " الوجود " ~~مقول بالاشتراك اللفظي، إلا طائفة قليلة، وليس هذا قول الأشعري وأصحابه، بل ~~هم متفقون على أن الوجود ينقسم إلى قديم ومحدث ms1875، واسم الوجود يعمهما. # لكن الأشعري ينفي الأحوال، ويقول: العموم والخصوص يعود إلى الأقوال، ~~ومقصوده أنه ليس في الخارج معنى كلي عام، ليس مقصوده أن الذهن لا يقوم به ~~معنى عام كلي. PageV08P032 # وهؤلاء الذين قالوا: إن من قال: وجود كل شيء هو نفس حقيقته الموجودة، ~~إنما هذا هو قول بالاشتراك اللفظي ; لأنهم قالوا إذا جعلنا الوجود عاما من ~~الألفاظ المتواطئة المتساوية، أو المتفاضلة (1) التي تسمى المشككة، وقلنا: ~~إن الوجود ينقسم إلى واجب وممكن، وقديم ومحدث، كان النوعان قد اشتركا في ~~مسمى الوجود، وهو كلي مطلق، فلا بد أن يتميز أحدهما عن الآخر بما يخصه، وهو ~~حقيقة ; فيلزم أن يكون لكل منهما حقيقة غير الوجود. # فمن قال إن الشيء الموجود في الخارج ليس شيئا غير الحقيقة الموجودة في ~~الخارج، لم يمكنه أن يقول: لفظ الوجود يعمهما، بل يقول: هو مقول عليهما ~~بالاشتراك اللفظي. # وهذا غلط ضلت فيه طوائف، كالرازي وأمثاله. # بيان ذلك من ثلاثة وجوه: أحدها: أن يقال: لفظ الوجود كلفظ الحقيقة، وكلفظ ~~الماهية، وكلفظ الذات والنفس، فإذا قلتم: الوجود ينقسم إلى واجب وممكن، أو ~~قديم ومحدث - كان بمنزلة قولكم: الحقيقة تنقسم إلى واجبة وممكنة، أو إلى ~~قديمة ومحدثة، وبمنزلة قولهم: الذات تنقسم إلى هذا وهذا وهذا، والماهية ~~تنقسم إلى هذا وهذا، ونحو ذلك من الأسماء العامة، وبمنزلة قولهم: الشيء ~~ينقسم إلى واجب وممكن، وقديم وحادث. # وحينئذ فإذا قلتم: يشتركان في الوجود أو الوجوب (2) ، ويمتاز أحدهما ~~PageV08P033 # عن الآخر بالحقيقة أو الماهية (1) - كان بمنزلة أن يقال: يشتركان في ~~الماهية أو الحقيقة (2) ، ويمتاز أحدهما عن الآخر بالوجود أو الوجوب (3) . # فإن قلتم: إنما اشتركا في الوجود العام الكلي، وامتاز كل منهما بالحقيقة ~~التي تخصه. # قيل: وكذلك يقال: إنما اشتركا في الحقيقة العامة الكلية، وامتاز كل منهما ~~بالوجود الذي يخصه ; فلا فرق حينئذ بين ما جعلتموه كليا مشتركا (4) ، ~~كالجنس والعرض العام، وبين ما جعلتموه مختصا مميزا جزئيا، كالفصل والخاصة. ~~لكن عمدتم إلى شيئين متساويين في العموم والخصوص، فقدرتم أحدهما في حال ~~عمومه، والآخر في حال خصوصه ms1876، فهذا كان من تقديركم، وإلا فكل منهما يمكن فيه ~~التقدير كما أمكن في الآخر، وكل منهما في نفس الأمر مساو للآخر في عمومه ~~وخصوصه، وكونه مشتركا ومميزا، فلا فرق في نفس الأمر بين ما جعلتموه جنسا أو ~~عرضا عاما، وما جعلتموه فصلا أو خاصة، إلا أنكم قدرتم أحد المتساويين عاما ~~والآخر خاصا. # الوجه الثاني: أن يقال: إذا قلتم: الموجودان يشتركان في مسمى الوجود، فلا ~~بد أن يتميز أحدهما عن الآخر بأمر آخر. # قيل لكم: المميز أن يكون وجودا (5) خاصا، فلم قلتم: إنه PageV08P034 # يكون شيء خارج (1) عن مسمى الوجود حتى تثبتون حقيقة أخرى، وهذا كما إذا ~~قلنا: الإنسانان يشتركان في مسمى الإنسانية، وأحدهما يمتاز عن الآخر ~~بخصوصية أخرى - كان المميز إنسانيته التي تخصه، لم يحتج أن يجعل المميز ~~شيئا غير الإنسانية يعرض له الإنسانية. # ولكن هؤلاء يظنون أن الأنواع المشتركة في كلي لا يفصل بينها إلا مواد ~~أخرى. وفي هذا الموضع كلام مبسوط على غلط أهل المنطق فيما غلطوا فيه في ~~الكليات، وتقسيم الكليات، وتركيب الحدود من الذاتيات وغير ذلك، ومواد ~~الأقيسة، والفرق بين اليقيني وغير اليقيني منها، وغير ذلك مما هو مكتوب في ~~غير هذا الموضع. # الوجه الثالث: أن يقال: إذا قلنا: الموجودان يشتركان في مسمى الوجود، ~~وأحدهما لا بد أن يمتاز عن الآخر. فليس المراد أنهما اشتركا في أمر بعينه ~~موجود في الخارج ; فإن هذا ممتنع، بل المراد أنهما اتفقا في ذلك وتشابها ~~فيه من هذه الجهة، ونفس ما اشتركا فيه لا يكون بعينه مشتركا فيه إلا في ~~الذهن، لا في الخارج، وإلا فنفس وجود هذا لم يشركه فيه هذا. # وحينئذ فإذا قلنا: لفظ " الوجود " (2) من الألفاظ العامة الكلية ~~المتواطئة أو المشككة، وهي المتواطئة التي تتفاضل معانيها، لا تتماثل مع ~~الاتفاق في أصل المسمى، كالبياض المقول على بياض الثلج القوي وبياض ~~PageV08P035 # العاج الضعيف، والسواد المقول على سواد القار وعلى سواد الحبشة، والعلو ~~المقول على علو السماء وعلى علو السقف، والواسع المقول على البحر وعلى ~~الدار الواسعة، والوجود المقول على ms1877 الواجب بنفسه وعلى الممكن الموجود ~~بغيره، وعلى القائم بنفسه والقائم بغيره، والقديم المقول على العرجون وعلى ~~ما لا أول له، والمحدث المقول على ما أحدث في اليوم وعلى كل ما خلقه الله ~~بعد أن لم يكن، والحي الذي يقال على الإنسان والحيوان والنبات وعلى الحي ~~القيوم الذي لا يموت أبدا. # بل أسماء الله [الحسنى] (1) تعالى التي تسمى بها خلقه، كالملك، والسميع ~~والبصير، والعليم والخبير (2) ، ونحو ذلك، كلها من هذا الباب. # فإذا قيل: في جميع الألفاظ العامة ومعانيها العامة - سواء كانت متماثلة ~~أو متفاضلة - إن أفرادها اشتركت فيها أو اتفقت ونحو ذلك، لم يرد به أن في ~~الخارج معنى عاما يوجد (3) عاما في الخارج، وهو نفسه مشترك، بل المراد أن ~~الموجودات المعينة اشتركت في هذا العام، الذي لا يكون عاما إلا في علم ~~العالم، كما أن اللفظ العام لا يكون عاما إلا في لفظ اللافظ، والخط العام ~~لا يكون عاما إلا في خط الكاتب. # والمراد بكونه عاما شموله للأفراد الخارجة، لا أنه (4) نفسه شيء ~~PageV08P036 # موجود يكون هو (1) نفسه مع هذا المعين، وهو نفسه مع هذا المعين ; فإن هذا ~~(2) مخالف للحس والعقل. # والمقصود هنا أن ابن سينا مذهبه أن الوجود الواجب لنفسه هو الوجود المقيد ~~بسلب جميع الأمور الثبوتية، لا بجعله مقيدا (3) بسلب النقيضين، أو بالإمساك ~~عن النقيضين، كما فعل السجستاني وأمثاله من القرامطة [وغيرهم] (4) ، وعبر ~~ابن سينا عن قولهم بأنه الوجود المقيد بأنه لا يعرض لشيء من الحقائق، أو ~~لشيء من الماهيات ; (* لاعتقادهم أن الوجود يعرض للممكنات، وهو يقول: وجود ~~الواجب نفس ماهيته. # والجمهور من أهل السنة يقولون ذلك، لكن الفرق بينهما أن عنده: هو وجود ~~مطلق بشرط سلب الماهيات *) (5) عنه، فليس له ماهية سوى الوجود المقيد ~~بالسلب. # وأما الأنبياء وأتباعهم وجماهير العقلاء فيعلمون أن الله له حقيقة يختص ~~بها، لا تماثل (6) شيئا من الحقائق، وهي موجودة. # وطائفة من المعتزلة ومن وافقهم يقولون: هي موجودة بوجود زائد على ~~حقيقتها. PageV08P037 # وأما الجمهور فيقولون: الحقائق المخلوقة ليست في الخارج، إلا الموجود ~~الذي هو ms1878 الحقيقة التي في الخارج، وإنما يحصل الفرق بينهما بأن يجعل أحدهما ~~ذهنيا، والآخر خارجيا، فإذا جعلت الماهية أو الحقيقة اسما لما في الذهن، ~~كان ذلك غير ما في الخارج. وأما إذا قيل: الوجود الذهني فهو الماهية ~~الذهنية، وإذا قيل: الماهية الخارجية فهي الوجود الخارجي، فإذا كان هذا في ~~المخلوق فالخالق أولى. # ومذهب ابن سينا معلوم الفساد بضرورة العقل بعد التصور التام ; فإنه إذا ~~اشترك الموجودان في مسمى الوجود، لم يميز أحدهما عن الآخر بمجرد السلب، فإن ~~التمييز في نفس الأمر بين المشتركين لا يكون بمجرد العدم المحض ; إذ العدم ~~المحض ليس بشيء، وما ليس بشيء لا يحصل منه الامتياز في نفس الأمر، ولا يكون ~~الفاصل بين الشيئين الموجودين الذي يختص بأحدهما إلا أمرا ثبوتيا، أو ~~متضمنا لأمر ثبوتي. # وهذا مستقر عندهم في المنطق، فكيف يكون وجود الرب مماثلا لوجود الممكنات ~~في مسمى الوجود (1) ولا يمتاز عن المخلوقات إلا بعدم محض لا ثبوت فيه؟ # بل على هذا التقدير يكون أي موجود قدر أكمل من هذا الموجود ; فإن ذلك ~~الموجود مختص - مع وجوده - بأمر ثبوتي عنده، والوجود الواجب لا يختص عنده ~~إلا بأمر عدمي، مع تماثلهما في مسمى الوجود. # فهذا القول يستلزم مماثلة الوجود الواجب لوجود كل ممكن في PageV08P038 # الوجود، وأن لا يمتاز عنه إلا بسلب الأمور الثبوتية. # والكمال هو في الوجود لا في العدم ; إذ العدم المحض لا كمال فيه، فحينئذ ~~يمتاز عن الممكنات بسلب جميع الكمالات، وتمتاز عنه بإثبات جميع الكمالات. # وهذا غاية ما يكون من تعظيم الممكنات في الكمال والوجود، ووصف الوجود ~~الواجب بالنقص والعدم. # وأيضا فهذا الوجود الذي لا يمتاز عن غيره إلا بالأمور العدمية (1) يمتنع ~~وجوده في الخارج، بل لا يمكن إلا في الذهن ; لأنه إذا شارك سائر الموجودات ~~في مسمى الوجود كان هذا كليا، والوجود لا يكون كليا إلا في الذهن، لا في ~~الخارج، والأمور العدمية المحضة لا توجب ثبوته (2) في الخارج، فإن ما في ~~الذهن هو بسلب الحقائق الخارجية عنه أحق بسلبها (3) عما في الخارج ms1879، لو كان ~~ذلك ممكنا في الخارج، فكيف إذا كان ممتنعا؟ # فإذا كان الكلي لا يكون إلا ذهنيا، والقيد العدمي لا يخرجه عن أن يكون ~~كليا، ثبت أنه لا يكون في الخارج. # وأيضا فإن ما في الخارج لا يكون إلا معينا، له وجود يخصه، فما لا يكون ~~كذلك لا يكون إلا في الذهن. PageV08P039 # فثبت بهذه الوجوه الثلاثة - وغيرها - أن ما ذكره في واجب الوجود لا يتحقق ~~إلا في الذهن، لا في الخارج. # فهذا قول من قيده بالأمور العدمية. # ولهم قول ثالث، وهو الوجود المطلق لا (1) بشرط الإطلاق، الذي يسمونه ~~الكلي الطبيعي، وهذا لا يكون في الخارج إلا معينا، فيكون من جنس القولين ~~قبله، ومنهم من يظن أنه ثابت في الخارج، وأنه جزء من المعينات (2) ، فيكون ~~الوجود الواجب المبدع لكل ما سواه: إما عرضا قائما بالمخلوقات، وإما جزءا ~~منها، فيكون الواجب مفتقرا إلى الممكن عرضا فيه، أو جزءا منه، بمنزلة ~~الحيوانية في الحيوانات، لا تكون هي الخالقة للحيوان، ولا الإنسانية هي ~~المبدعة للإنسان ; فإن جزء الشيء وعرضه لا يكون هو الخالق له، بل الخالق ~~مباين له منفصل عنه ; إذ جزؤه وعرضه داخل فيه، والداخل في الشيء لا يكون هو ~~المبدع له كله (3) . # فما وصفوا به رب العالمين يمتنع معه (4) أن يكون خالقا (5) لشيء من ~~الموجودات، فضلا عن أن يكون خالقا لكل شيء، وهذه الأمور مبسوطة في موضع آخر ~~(6) . PageV08P040 # والمقصود هنا أن هؤلاء الملاحدة حقيقة قولهم (1) تعطيل الخالق، وجحد ~~حقيقة النبوات والمعاد والشرائع، وينتسبون إلى موالاة علي، ويدعون أنه كان ~~على هذه الأقوال، كما تدعي القدرية والجهمية والرافضة أنه كان على قولهم ~~أيضا، ويدعون أن هذه الأقوال مأخوذة عنه، وهذا كله باطل كذب على علي - رضي ~~الله عنه -. # (فصل) # قال الرافضي (2) : " وعلم التفسير إليه يعزى ; لأن ابن عباس كان تلميذه ~~فيه. قال ابن عباس: حدثني أمير المؤمنين في تفسير " الباء " من بسم الله ~~الرحمن الرحيم من أول الليل إلى آخره ". # والجواب: أن يقال: أولا: أين الإسناد الثابت بهذا النقل عن ابن عباس؟ فإن ms1880 ~~أقل ما يجب على المحتج بالمنقولات أن يذكر الإسناد الذي يعلم به صحة النقل، ~~وإلا فمجرد ما يذكر في الكتب من المنقولات لا يجوز الاستدلال به، مع العلم ~~بأن فيه شيئا كثيرا من الكذب (3) . # ويقال: ثانيا: أهل العلم بالحديث يعلمون أن هذا من الكذب ; فإن هذا الأثر ~~المأثور عن ابن عباس كذب عليه، وليس له إسناد يعرف، وإنما PageV08P041 # يذكر مثل هذه الحكايات بلا إسناد. وهذه يرويها أهل المجهولات، الذين ~~يتكلمون بكلام لا حقيقة له، ويجعلون كلام علي وابن عباس من جنس كلامهم، كما ~~يقولون عن عمر أنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر ~~يتحدثان، وكنت كالزنجي بينهما. فإن هذا كذب على عمر باتفاق أهل العلم، وكما ~~ينقلون عن عمر أنه تزوج امرأة أبي بكر (* ليسألها عن علمه في السر، فقالت: ~~كنت أشم من فيه رائحة الكبد المحترقة، وهذا أيضا كذب، وعمر لم يتزوج امرأة ~~أبي بكر *) (1) ، وإنما تزوجها علي: تزوج أسماء بنت عميس، ومعها ربيبه محمد ~~بن أبي بكر، فتربى عنده. # وهذا ابن عباس نقل عنه من التفسير ما شاء الله بالأسانيد الثابتة، ليس في ~~شيء منها ذكر علي. وابن عباس يروي عن غير واحد من الصحابة: يروي عن عمر، ~~وأبي هريرة، وعبد الرحمن بن عوف، وعن زيد بن ثابت، وأبي بن كعب، وأسامة بن ~~زيد، وغير واحد من المهاجرين والأنصار. وروايته عن علي قليلة جدا، ولم يخرج ~~أصحاب الصحيح (2) شيئا من حديثه عن علي، وخرجوا حديثه عن عمر، وعبد الرحمن ~~بن عوف، وأبي هريرة وغيرهم. # وأيضا فالتفسير أخذ عن غير ابن عباس (3) : أخذ عن ابن مسعود وغيره ~~PageV08P042 # من الصحابة، الذين لم يأخذوا عن علي شيئا، وما يعرف بأيدي المسلمين تفسير ~~ثابت [عنه] (1) . وهذه كتب الحديث والتفسير مملوءة بالآثار عن الصحابة ~~والتابعين، والذي فيها عن علي قليل جدا. # وما ينقل في " حقائق " السلمي من التفسير عن جعفر الصادق عامته كذب على ~~جعفر، كما قد كذب عليه غير ذلك، كما تقدم. ### | فصل كلام الرافضي أن علم الطريقة منسوب ms1881 إلى علي رضي الله عنه والرد عليه # (فصل) # قال الرافضي (2) : " وأما علم الطريقة فإليه منسوب ; فإن الصوفية كلهم ~~يسندون الخرقة إليه ". # والجواب: أن يقال: أولا: أما أهل المعرفة وحقائق الإيمان، المشهورين في ~~الأمة بلسان الصدق، فكلهم متفقون على تقديم أبي بكر، وأنه أعظم الأمة في ~~الحقائق الإيمانية والأحوال العرفانية، وأين من يقدمونه في الحقائق التي هي ~~أفضل الأمور عندهم - إلى من ينسب إليه الناس لباس الخرقة؟ # وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «إن الله لا ~~ينظر إلى صوركم وأموالكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» " (3) ، فأين ~~حقائق القلوب من لباس الأبدان؟ PageV08P043 # ويقال: ثانيا: الخرق متعددة، أشهرها خرقتان: خرقة إلى عمر، وخرقة إلى ~~علي، فخرقة عمر لها إسنادان: إسناد إلى أويس القرني، وإسناد إلى أبي مسلم ~~الخولاني، وأما الخرقة المنسوبة إلى علي فإسنادها إلى الحسن البصري، ~~والمتأخرون يصلونها بمعروف الكرخي ; فإن الجنيد صحب السري [السقطي] (1) ، ~~والسري صحب معروفا الكرخي بلا ريب. # وأما الإسناد من جهة معروف فينقطع، فتارة يقولون: إن معروفا صحب علي بن ~~موسى الرضا، وهذا باطل قطعا، لم يذكره المصنفون لأخبار معروف بالإسناد ~~الثابت المتصل، كأبي نعيم، وأبي الفرج بن الجوزي في كتابه الذي صنفه في ~~فضائل معروف. ومعروف كان منقطعا في الكرخ، وعلي بن موسى كان المأمون قد ~~جعله ولي العهدة (2) بعده، وجعل شعاره لباس الخضرة، ثم رجع عن ذلك وأعاد ~~شعار السواد. # ومعروف لم يكن ممن يجتمع (3) بعلي بن موسى، ولا نقل عنه ثقة أنه اجتمع ~~به، أو أخذ عنه شيئا، بل ولا يعرف أنه رآه، ولا كان معروف بوابه، ولا أسلم ~~على يديه، وهذا كله كذب. # وأما الإسناد الآخر فيقولون: إن معروفا صحب داود الطائي، وهذا أيضا لا ~~أصل له، وليس في أخباره المعروفة ما يذكر فيها. وفي إسناد الخرقة أيضا أن ~~داود الطائي صحب حبيبا العجمي، وهذا أيضا لم يعرف له حقيقة. PageV08P044 # وفيها أن حبيبا العجمي صحب الحسن البصري (1) ، وهذا صحيح ; فإن الحسن كان ~~له أصحاب، كثيرون مثل أيوب السختياني، ويونس بن ms1882 عبيد، وعبد الله بن عوف، ~~ومثل محمد بن واسع، ومالك بن دينار، وحبيب العجمي، وفرقد السبخي، وغيرهم من ~~عباد البصرة. # وفيها أن الحسن صحب عليا، وهذا باطل باتفاق أهل المعرفة ; فإنهم متفقون ~~على أن الحسن لم يجتمع بعلي، وإنما أخذ عن أصحاب علي، أخذ عن الأحنف بن ~~قيس، وقيس بن عباد، وغيرهما عن علي. وهكذا رواه أهل الصحيح. # والحسن ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر، وقتل عثمان وهو بالمدينة. كانت ~~أمه أمة لأم سلمة، فلما قتل عثمان حمل إلى البصرة، وكان علي بالكوفة، ~~والحسن في وقته صبي من الصبيان لا يعرف، ولا له ذكر. # والأثر الذي يروى عن علي أنه دخل إلى جامع البصرة وأخرج القصاص إلا ~~الحسن، كذب باتفاق أهل المعرفة، ولكن المعروف أن عليا دخل المسجد، فوجد ~~قاصا يقص، فقال: ما اسمك؟ قال: أبو يحيى. قال: هل (2) تعرف الناسخ من ~~المنسوخ؟ قال: لا. قال: PageV08P045 # هلكت وأهلكت، إنما أنت أبو: اعرفوني (1) ، ثم أخذ بأذنه، فأخرجه (2) من ~~المسجد. # فروى أبو حاتم في كتاب " الناسخ والمنسوخ " (3) : حدثنا الفضل بن دكين ~~(4) ، حدثنا سفيان، عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: انتهى علي ~~إلى قاص وهو يقص، فقال: أعلمت الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا. قال: هلكت وأهلكت. # قال: وحدثنا زهير بن عباد الرواسي، حدثنا أسد بن حمران (5) ، عن جويبر، ~~عن الضحاك: أن علي بن أبي طالب دخل مسجد الكوفة، فإذا قاص يقص، فقام على ~~رأسه فقال: يا هذا تعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا. قال: أفتعرف مدني ~~القرآن من مكيه؟ قال: لا. قال: هلكت وأهلكت. قال: أتدرون من هذا؟ هذا يقول: ~~اعرفوني اعرفوني اعرفوني. # وقد صنف ابن الجوزي مجلدا في مناقب الحسن البصري (6) ، PageV08P046 # وصنف أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي جزءا فيمن لقيه من الصحابة ~~(1) . وأخبار الحسن مشهورة في مثل " تاريخ البخاري ". وقد كتبت أسانيد ~~الخرقة ; لأنه كان لنا فيها أسانيد، فبينتها ليعرف الحق من الباطل. # ولهم إسناد آخر (2) بالخرقة المنسوبة إلى جابر، وهو منقطع جدا. # وقد عقل بالنقل المتواتر ms1883 أن الصحابة لم يكونوا يلبسون مريديهم خرقة، ولا ~~يقصون شعورهم، ولا التابعون، ولكن هذا فعله بعض مشايخ المشرق من المتأخرين. # وأخبار الحسن مذكورة بالأسانيد الثابتة من كتب كثيرة، يعلم منها ما ~~ذكرنا. وقد أفرد (3) أبو الفرج بن الجوزي له كتابا في مناقبه وأخباره. # وأضعف من هذا نسبة الفتوة إلى علي، وفي إسنادها من الرجال المجهولين ~~الذين لا يعرف لهم ذكر ما يبين كذبها. # وقد علم كل من له علم بأحوال الصحابة والتابعين أنه لم يكن فيهم أحد يلبس ~~سراويل، ولا يسقى ملحا، ولا يختص أحد بطريقة تسمى الفتوة، لكن كانوا قد ~~اجتمع بهم التابعون، وتعلموا منهم، وتأدبوا بهم، واستفادوا منهم، وتخرجوا ~~على أيديهم، وصحبوا من صحبوه منهم، وكانوا يستفيدون من جميع الصحابة. ~~PageV08P047 # وأصحاب ابن مسعود كانوا يأخذون عن عمر وعلي وأبي الدرداء وغيرهم. وكذلك ~~أصحاب معاذ بن جبل - رضي الله عنه - كانوا يأخذون عن ابن مسعود وغيره. ~~وكذلك أصحاب ابن عباس يأخذون عن ابن عمر وأبي هريرة وغيرهما. وكذلك أصحاب ~~زيد بن ثابت يأخذون عن أبي هريرة وغيره. # وقد انتفع بكل منهم من نفعه الله، وكلهم متفقون على دين واحد، وطريق ~~واحدة، وسبيل واحدة، يعبدون الله ويطيعون الله ورسوله (1) - صلى الله عليه ~~وسلم - ومن بلغهم من الصادقين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا قبلوه، ~~ومن فهم من القرآن والسنة (2) ما دل عليه القرآن والسنة استفادوه، ومن ~~دعاهم إلى الخير الذي يحبه الله ورسوله أجابوه. # ولم يكن أحد منهم يجعل شيخه ربا يستغيث به، كالإله الذي يسأله ويرغب ~~إليه، ويعبده ويتوكل عليه، ويستغيث به حيا وميتا. ولا كالنبي الذي تجب ~~طاعته في كل ما أمر، فالحلال ما حلله والحرام ما حرمه. # فإن هذا ونحوه دين النصارى الذين قال الله فيهم: {اتخذوا أحبارهم ~~ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها ~~واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} [سورة التوبة: 31] . # وكانوا متعاونين على البر والتقوى، لا على الإثم والعدوان، متواصين ~~بالحق، متواصين بالصبر. PageV08P048 # والإمام والشيخ ms1884 ونحوهما عندهم بمنزلة الإمام في الصلاة، وبمنزلة دليل ~~الحاج ; فالإمام يقتدي به المأمومون فيصلون بصلاته، لا يصلي عنهم (1) ، وهو ~~يصلي بهم الصلاة التي أمر الله ورسوله بها، فإن عدل عن ذلك سهوا أو عمدا لم ~~يتبعوه. # ودليل الحاج يدل الوفد على طريق البيت ليسلكوه ويحجوه بأنفسهم، فالدليل ~~لا يحج عنهم، وإن أخطأ الدلالة لم يتبعوه، وإذا اختلف دليلان وإمامان نظر ~~أيهما كان الحق معه اتبع. فالفاصل بينهم الكتاب والسنة. # قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر ~~منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله ~~واليوم الآخر} الآية [سورة النساء: 59] . # وكل من الصحابة الذين سكنوا الأمصار أخذ عنه الناس الإيمان والدين. # وأكثر المسلمين بالمشرق والمغرب لم يأخذوا عن علي شيئا ; فإنه - رضي الله ~~عنه - كان ساكنا بالمدينة، وأهل المدينة لم يكونوا يحتاجون إليه إلا كما ~~يحتاجون إلى نظرائه، كعثمان، في مثل قصة شاورهم (2) فيها عمر ونحو ذلك. # ولما ذهب إلى الكوفة، كان أهل الكوفة قبل أن يأتيهم قد أخذوا الدين ~~PageV08P049 # عن سعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وحذيفة، وعمار، وأبي موسى، وغيرهم ممن ~~أرسله عمر إلى الكوفة. # وأهل البصرة أخذوا الدين عن عمران بن حصين، وأبي بكرة، وعبد الرحمن بن ~~سمرة، وأنس، وغيرهم من الصحابة. # وأهل الشام أخذوا الدين عن معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأبي الدرداء، ~~وبلال، وغيرهم من الصحابة. # والعباد والزهاد من أهل هذه البلاد أخذوا الدين عمن شاهدوه من الصحابة. ~~فكيف يجوز أن يقال: إن طريق أهل الزهد والتصوف متصل به دون غيره؟ # وهذه كتب الزهد، مثل " الزهد " للإمام أحمد، و " الزهد " لابن المبارك، ~~ولوكيع بن الجراح، ولهناد بن السري، ومثل كتب أخبار الزهاد " كحلية ~~الأولياء " و " صفوة الصفوة " وغير ذلك، فيها من أخبار الصحابة والتابعين ~~أمور كثيرة، وليس الذي فيها لعلي أكثر مما فيها لأبي بكر وعمر، ومعاذ وابن ~~مسعود، وأبي بن كعب وأبي ذر، وأبي الدرداء وأبي أمامة، وأمثالهم من الصحابة ~~- رضي الله عنهم - أجمعين. ### | فصل ms1885 كلام الرافضي أن علم الفصاحة علي منبعه والرد عليه # (فصل) # قال الرافضي (1) : " وأما علم الفصاحة فهو منبعه، حتى PageV08P050 # قيل: كلامه فوق (1) كلام المخلوق ودون كلام الخالق، ومنه تعلم الخطباء ". # والجواب: أن يقال: لا ريب أن عليا كان من أخطب الصحابة (2) ، وكان أبو ~~بكر خطيبا، وعمر خطيبا، وكان ثابت بن قيس بن شماس خطيبا معروفا بأنه خطيب ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما كان حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، ~~وعبد الله بن رواحة شعراءه. # ولكن كان أبو بكر يخطب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حضوره وغيبته، ~~فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج في الموسم يدعو الناس إلى ~~الإسلام، وأبو بكر معه يخطب معه، ويبين بخطابه ما يدعو الناس إلى متابعة ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - ونبي الله ساكت يقره على ما يقول، وكان كلامه ~~تمهيدا وتوطئة لما يبلغه الرسول، معونة له، لا تقدما بين يدي الله ورسوله. # كما كان ثابت بن قيس بن شماس يخطب أحيانا عن النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- وكان يسمى خطيب رسول الله. # وكان عمر من أخطب الناس، وأبو بكر أخطب منه، يعترف له عمر بذلك (3) ، وهو ~~الذي خطب المسلمين وكشف لهم عن موت النبي - صلى الله عليه وسلم - وثبت ~~الإيمان في قلوب المسلمين، حتى لا يضطرب الناس ; لعظيم المصيبة التي نزلت ~~بهم. PageV08P051 # ولما قدم هو وأبو بكر مهاجرين إلى المدينة، قعد رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - وقام أبو بكر يخاطب (1) الناس عنه، حتى ظن من لم يعرفهما أنه ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن عرف بعد أن رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - هو القاعد. # وكان يخرج معه إلى الوفود، فيخاطب الوفود، وكان يخاطبهم في مغيبه. ولما ~~توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان هو الذي خطب الناس. وخطب يوم ~~السقيفة خطبة بليغة، انتفع بها الحاضرون كلهم، حتى قال عمر: " كنت قد زورت ~~في نفسي مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري ms1886 منه بعض ~~الحد، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك، فكرهت أن أغضبه، فتكلم ~~أبو بكر، وكان أحلم (2) مني وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري ~~إلا قال في بديهته مثلها، أو أفضل منها " (3) . # وقال أنس: خطبنا أبو بكر - رضي الله عنه - ونحن كالثعالب، فما زال يثبتنا ~~حتى صرنا كالأسود. # وكان زياد بن أبيه من أخطب الناس وأبلغهم، حتى قال الشعبي: ما تكلم أحد ~~فأحسن، إلا تمنيت أن يسكت ; خشية أن يزيد فيسيء، إلا زيادا، كان كلما أطال ~~أجاد - أو كما قال. وقد كتب الناس خطب زياد. PageV08P052 # وكان معاوية خطيبا، وكانت عائشة من أخطب الناس، حتى قال الأحنف بن قيس: ~~سمعت خطبة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فما سمعت الكلام من مخلوق أفحم ولا ~~أحسن من عائشة. # وكان الخطباء الفصحاء كثيرين في العرب قبل الإسلام وبعده، وجماهير هؤلاء ~~لم يأخذوا عن علي شيئا. # فقول القائل: " إنه منبع علم الفصاحة " كذب بين، ولو لم يكن إلا أن النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - كان أخطب منه وأفصح، ولم يأخذ منه شيئا. # وليست الفصاحة التشدق في الكلام، والتقعير في الكلام (1) ، ولا سجع ~~الكلام، ولا كان في خطبة علي ولا سائر خطباء العرب من الصحابة وغيرهم تكلف ~~الأسجاع، ولا تكلف التحسين الذي يعود إلى مجرد اللفظ، الذي يسمى علم ~~البديع، كما يفعله المتأخرون من أصحاب الخطب والرسائل والشعر. # وما يوجد في القرآن من مثل قوله: {وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} [سورة ~~الكهف: 104] و {إن ربهم بهم} [سورة العاديات: 11] ونحو ذلك، فلم يتكلف لأجل ~~التجانس، بل هذا تابع غير مقصود بالقصد الأول، كما يوجد في القرآن من أوزان ~~الشعر، ولم يقصد به الشعر. # كقوله تعالى: {وجفان كالجواب وقدور راسيات} [سورة سبأ: 13] ، PageV08P053 # وقوله: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم} [سورة الحجر 49] ، {ووضعنا عنك ~~وزرك الذي أنقض ظهرك} [سورة الشرح: 2، 3] ونحو ذلك. # وإنما البلاغة المأمور بها في مثل قوله تعالى: {وقل لهم في أنفسهم قولا ~~بليغا} ) [سورة النساء: 63] ، هي علم المعاني والبيان، فيذكر ms1887 (1) من ~~المعاني ما هو أكمل مناسبة للمطلوب، ويذكر (2) من الألفاظ ما هو أكمل في ~~بيان تلك المعاني. # فالبلاغة بلوغ غاية المطلوب، أو غاية الممكن، من المعاني بأتم ما يكون من ~~البيان، فيجمع صاحبها بين تكميل المعاني المقصودة، وبين تبيينها بأحسن وجه. ~~ومن الناس من تكون همته إلى المعاني، ولا يوفيها حقها من الألفاظ المبينة. ~~ومن الناس من يكون مبينا لما في نفسه (3) من المعاني، لكن لا تكون تلك ~~المعاني محصلة للمقصود المطلوب في ذلك المقام، فالمخبر مقصوده تحقيق المخبر ~~به، فإذا بينه (4) وبين ما يحقق ثبوته، لم يكن بمنزلة الذي لا يحقق ما يخبر ~~به، أو لا يبين ما يعلم به ثبوته. # والآمر مقصوده تحصيل الحكمة المطلوبة، فمن أمر ولم يحكم ما أمر به، أو لم ~~يبين الحكمة في ذلك، لم يكن بمنزلة الذي أمر بما هو حكمة، وبين وجه الحكمة ~~فيه. # وأما تكلف الأسجاع والأوزان، والجناس والتطبيق، ونحو ذلك مما PageV08P054 # تكلفه متأخرو الشعراء والخطباء، والمترسلين والوعاظ، فهذا لم يكن من دأب ~~خطباء الصحابة والتابعين، والفصحاء منهم، ولا كان ذلك مما يهتم به (1) ~~العرب. # وغالب من يعتمد ذلك يزخرف اللفظ بغير فائدة مطلوبة من المعاني، كالمجاهد ~~الذي يزخرف السلاح وهو جبان. # ولهذا يوجد الشاعر، كلما أمعن في المدح والهجو، خرج في ذلك إلى الإفراط ~~في الكذب، يستعين بالتخيلات والتمثيلات (2) . # وأيضا فأكثر الخطب التي ينقلها صاحب " نهج البلاغة " كذب على علي، وعلي - ~~رضي الله عنه - أجل وأعلى قدرا من أن يتكلم بذلك الكلام، ولكن هؤلاء وضعوا ~~أكاذيب وظنوا أنها مدح، فلا هي صدق ولا هي مدح. ومن قال: إن كلام علي وغيره ~~من البشر فوق كلام المخلوق، فقد أخطأ. وكلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~فوق كلامه، وكلاهما مخلوق. # ولكن هذا من جنس كلام ابن سبعين الذي يقول: هذا كلام بشير (3) يشبه بوجه ~~ما كلام البشر، وهذا ينزع إلى أن يجعل كلام الله ما في نفوس البشر. وليس ~~هذا من كلام المسلمين. # وأيضا فالمعاني الصحيحة التي توجد في كلام علي موجودة ms1888 في كلام غيره، لكن ~~صاحب " نهج البلاغة " وأمثاله أخذوا كثيرا من كلام الناس PageV08P055 # فجعلوه من كلام علي، ومنه ما يحكى عن علي أنه تكلم به، ومنه ما هو كلام ~~حق يليق به أن يتكلم به، ولكن هو في نفس الأمر من كلام غيره. # ولهذا يوجد في كلام " البيان والتبيين " للجاحظ وغيره من الكتب كلام ~~منقول عن غير علي، وصاحب " نهج البلاغة " يجعله عن علي. # وهذه الخطب المنقولة في كتاب " نهج البلاغة " لو كانت كلها عن علي من ~~كلامه ; لكانت موجودة قبل هذا المصنف، منقولة عن علي بالأسانيد وبغيرها. ~~فإذا عرف من له خبرة بالمنقولات أن كثيرا منها - بل أكثرها - لا يعرف قبل ~~هذا، علم أن هذا كذب، وإلا فليبين الناقل لها في أي كتاب ذكر ذلك؟ ومن الذي ~~نقله عن علي؟ وما إسناده؟ وإلا فالدعوى المجردة لا يعجز عنها أحد. # ومن كان له خبرة بمعرفة طريقة أهل الحديث، ومعرفة الآثار والمنقول ~~بالأسانيد، وتبين صدقها من كذبها، علم أن هؤلاء الذين ينقلون مثل هذا عن ~~علي من أبعد الناس عن المنقولات، والتمييز بين صدقها وكذبها. ### | فصل نقل الرافضي قول علي سلوني قبل أن تفقدوني والرد عليه # (فصل) # قال الرافضي (1) : " وقال (2) : سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن طرق ~~السماء ; فإني أعلم بها من طرق الأرض ". PageV08P056 # والجواب أن يقال: لا ريب أن عليا لم يكن يقول هذا بالمدينة، بين ~~المهاجرين والأنصار، الذين تعلموا كما تعلم، وعرفوا كما عرف. وإنما قال هذا ~~لما صار إلى العراق، وقد دخل في دين الإسلام خلق كثير، لا يعرفون كثيرا من ~~الدين، وهو الإمام الذي يجب عليه أن يفتيهم ويعلمهم، فكان يقول لهم ذلك ~~ليعلمهم ويفتيهم، كما أن الذين تأخرت حياتهم من الصحابة، واحتاج الناس إلى ~~علمهم، نقلوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة لم ينقلها ~~الخلفاء الأربعة، ولا أكابر الصحابة ; لأن أولئك كانوا مستغنين عن نقلها ; ~~لأن الذين عندهم قد علموها كما علموها. # ولهذا يروى لابن عمر وابن عباس، وعائشة وأنس، وجابر وأبي سعيد، ونحوهم ms1889 من ~~الصحابة، من الحديث مالا يروى لعلي ولا لعمر، وعمر وعلي أعلم من هؤلاء ~~كلهم، لكن هؤلاء احتاج الناس إليهم ; لكونهم تأخرت وفاتهم، وأدركهم من لم ~~يدرك أولئك السابقين ; فاحتاجوا أن يسألوهم، واحتاج أولئك أن يعلموهم ~~ويحدثوهم. # فقول علي لمن عنده بالكوفة: " سلوني " هو من هذا الباب، لم يقل هذا لابن ~~مسعود ومعاذ، وأبي بن كعب وأبي الدرداء، وسلمان وأمثالهم، فضلا عن أن يقول ~~ذلك لعمر وعثمان. # ولهذا لم يكن هؤلاء ممن يسأله، فلم يسأله قط لا معاذ ولا أبي ولا ابن ~~مسعود، ولا من هو دونهم من الصحابة، وإنما كان يستفتيه المستفتي، كما ~~يستفتي أمثاله من الصحابة، وكان عمر وعثمان # PageV08P057 # يشاورانه كما يشاوران أمثاله، فكان عمر يشاور في الأمور لعثمان وعلي، ~~وطلحة والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود وزيد بن ثابت، وأبي موسى ~~ولغيرهم، حتى كان يدخل ابن عباس معهم، مع صغر سنه. # وهذا مما أمر الله به المؤمنين ومدحهم عليه بقوله: {وأمرهم شورى بينهم} ~~[سورة الشورى: 38] . # ولهذا كان رأي عمر وحكمه وسياسته من أسد الأمور، فما رئي بعده مثله [قط] ~~(1) ، ولا ظهر الإسلام وانتشر وعز كظهوره وانتشاره وعزه في زمنه. وهو الذي ~~كسر كسرى، وقصر قيصر والروم والفرس، وكان أميره الكبير على الجيش الشامي ~~أبا عبيدة، وعلى الجيش العراقي سعد بن أبي وقاص، ولم يكن لأحد - بعد أبي ~~بكر - مثل خلفائه ونوابه، وعماله وجنده، وأهل شوراه. # وقوله: " أنا أعلم بطرق السماء من طرق الأرض ". # كلام باطل لا يقوله عاقل، ولم يصعد أحد ببدنه إلى السماء من الصحابة ~~والتابعين، وقد تكلم الناس في معراج النبي - صلى الله عليه وسلم - هل هو ~~ببدنه أو بروحه؟ وإن كان الأكثرون على أنه ببدنه، فلم ينازع السلف في غير ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يعرج ببدنه. # ومن اعتقد هذا من الغلاة في أحد من المشايخ وأهل البيت فهو من الضلال، من ~~جنس من اعتقد من الغلاة في أحد من هؤلاء النبوة، أو ما هو أفضل من النبوة، ~~أو الإلهية. PageV08P058 # وهذه ms1890 المقالات كلها كفر بين، لا يستريب في ذلك أحد من علماء الإسلام. ~~وهذا كاعتقاد الإسماعيلية، أولاد ميمون القداح، الذين كان جدهم يهوديا ~~ربيبا لمجوسي، وزعموا أنهم أولاد محمد بن إسماعيل بن جعفر، واعتقد كثير من ~~أتباعهم فيهم الإلهية أو النبوة، وأن محمد بن إسماعيل بن جعفر نسخ شريعة ~~محمد - صلى الله عليه وسلم -. # وكذلك طائفة من الغلاة يعتقدون الإلهية أو النبوة في علي، وفي بعض أهل ~~بيته: إما الاثنا عشر، وإما غيرهم. # وكذلك طائفة من العامة والنساك يعتقدون في بعض الشيوخ نوعا من الإلهية أو ~~النبوة، أو أنهم أفضل من الأنبياء، [ويجعلون خاتم الأولياء أفضل من خاتم ~~الأنبياء] (1) ، وكذلك طائفة من هؤلاء يجعلون الأولياء أفضل من الأنبياء. # ويعتقد ابن عربي ونحوه أن خاتم الأنبياء يستفيد من خاتم الأولياء، وأنه ~~هو خاتم الأولياء. # ويعتقد طائفة أخرى أن الفيلسوف الكامل أعلم من النبي بالحقائق العلمية ~~والمعارف الإلهية. # فهذه الأقوال ونحوها هي من الكفر المخالف لدين الإسلام باتفاق أهل ~~الإسلام، ومن قال منها شيئا فإنه يستتاب منه، كما يستتاب نظراؤه ~~PageV08P059 # ممن يتكلم بالكفر، كاستتابة المرتد إن كان مظهرا لذلك، وإلا كان داخلا في ~~مقالات أهل الزندقة والنفاق. # وإن قدر أن بعض الناس خفي عليه مخالفة ذلك لدين الإسلام: إما لكونه حديث ~~عهد بالإسلام، أو لنشأته بين قوم جهال يعتقدون مثل ذلك - فهذا بمنزلة من ~~يجهل وجوب الصلاة أو بعضها، أو يرى الواجبات تجب على العامة دون الخاصة، ~~وأن المحرمات - كالزنا والخمر - مباح للخاصة دون العامة. # وهذه الأقوال قد وقع في كثير منها كثير من المنتسبين إلى التشيع، ~~والمنتسبين إلى كلام أو تصوف أو تفلسف، وهي مقالات باطلة معلومة البطلان ~~عند أهل العلم والإيمان، لا يخفى بطلانها على من هو من أهل الإسلام والعلم. ### | فصل كلام الرافضي أن عليا كان مرجع الصحابة في مشكلاتهم والرد عليه # (فصل) # قال الرافضي (1) : " وإليه يرجع (2) الصحابة في مشكلاتهم، ورد عمر في ~~قضايا كثيرة، قال (3) فيها: لولا علي لهلك عمر ". # والجواب: أن يقال: ما كان الصحابة يرجعون إليه ولا ms1891 إلى غيره وحده في شيء ~~من دينه لا واضحه ولا مشكله، بل كان إذا نزلت النازلة PageV08P060 # يشاورهم عمر - رضي الله عنه - فيشاور عثمان وعليا، وعبد الرحمن وابن ~~مسعود، وزيد بن ثابت وأبا موسى، حتى يشاور ابن عباس، وكان من أصغرهم سنا. ~~وكان السائل يسأل عليا تارة، وأبي بن كعب تارة وعمر تارة. # وقد سئل ابن عباس أكثر مما سئل علي، وأجاب عن المشكلات أكثر من علي، وما ~~ذاك لأنه أعلم منه، بل علي أعلم منه، لكن احتاج إليه من لم يدرك عليا. # فأما أبو بكر - رضي الله عنه - فما ينقل عنه أحد أنه استفاد من علي شيئا ~~من العلم، والمنقول أن عليا هو الذي استفاد منه، كحديث صلاة التوبة (1) ~~وغيره. # وأما عمر فكان يشاورهم كلهم، وإن كان (2) عمر أعلم منهم. وكان كثير من ~~القضايا يقول فيها أولا ثم يتبعونه، كالعمريتين والعول وغيرهما ; فإن عمر ~~هو أول من أجاب في زوج وأبوين، أو امرأة (3) وأبوين بأن للأم ثلث الباقي، ~~واتبعه أكابر الصحابة وأكابر الفقهاء، كعثمان وابن مسعود PageV08P061 # وعلي وزيد والأئمة الأربعة. وخفي وجه قوله على ابن عباس ; فأعطى الأم ~~الثلث، ووافقه طائفة. وقول عمر أصوب ; لأن الله إنما أعطى الأم الثلث إذا ~~ورثه أبواه. # كما قال: {فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث} [سورة النساء: 11] ~~، فأعطاها الثلث إذا ورثه أبواه، والباقي بعد فرض الزوجين هو ميراث بين ~~الأبوين (1) يقتسمانه كما اقتسما الأصل، كما لو كان على الميت دين أو وصية ~~فإنهما يقتسمان ما يبقى أثلاثا. # وأما قوله: " إنه رد عمر إلى قضايا كثيرة قال فيها: لولا علي لهلك عمر ". # فيقال: هذا لا يعرف أن عمر قاله إلا في قضية واحدة، إن صح ذلك، وكان عمر ~~يقول مثل هذا لمن هو دون علي. # قال للمرأة التي عارضته في الصداق: رجل أخطأ وامرأة أصابت. وكان قد رأى ~~أن الصداق ينبغي أن يكون مقدرا بالشرع، فلا يزاد على صداق أزواج النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - وبناته، كما رأى كثير من الفقهاء أن ms1892 أقله مقدر بنصاب ~~السرقة. وإذا كان مقدرا بالشرع. والفاضل قد بذله الزوج واستوفى عوضه (2) ، ~~والمرأة لا تستحقه، فيجعل في بيت المال، كما يجعل في بيت المال ثمن (3) ~~عصير الخمر إذا باعه المسلم، PageV08P062 # وأجرة من أجر نفسه لحمل الخمر، ونحو ذلك، على أظهر أقوال العلماء. # فإن من استوفى منفعة محرمة بعوضها، كالذي يزني بالمرأة بالجعل، أو يستمع ~~الملاهي بالجعل، أو يشرب الخمر بالجعل، إن أعيد إليه جعله بعد قضاء غرضه، ~~فهذا زيادة في إعانته على المعصية، فإن كان يطلبها بالعوض، فإذا حصلت له هي ~~والعوض كان ذلك أبلغ في إعانته على الإثم والعدوان، وإن أعطي ذلك للبائع ~~والمؤجر كان قد أبيح له العوض الخبيث، فصار مصروف (1) هذا المال في مصالح ~~المسلمين. # وعمر إمام عدل، فكان قد رأى أن الزائد على المهر الشرعي يكون هكذا، ~~فعارضته امرأة وقالت: لم تمنعنا شيئا أعطانا الله إياه في كتابه؟ فقال: ~~وأين في كتاب الله؟ فقالت: في قوله تعالى: {وآتيتم إحداهن قنطارا فلا ~~تأخذوا منه شيئا} [سورة النساء: 20] ، وروي أنها قالت له: أمنك نسمع أم من ~~كتاب الله تعالى؟ قال: بل من كتاب الله. فقرأت عليه الآية ; فقال: رجل أخطأ ~~وامرأة أصابت (2) . PageV08P063 # ومع هذا فقد أخبر النبي (1) - صلى الله عليه وسلم -[في حق عمر] (2) من ~~العلم والدين والإلهام، بما لم يخبر بمثله، لا في حق عثمان، ولا علي، ولا ~~طلحة، ولا الزبير (3) . # وفي الترمذي عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «إن الله ~~جعل الحق على لسان عمر وقلبه» " (4) . # قال (5) : وقال ابن عمر: ما نزل بالناس أمر قط، فقالوا فيه، وقال عمر ~~فيه، إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر. # وفي سنن أبي داود عن أبي ذر قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~يقول: " «إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به» " (6) . # وفي الترمذي عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " ~~«لو كان بعدي نبي لكان عمر» " (7) . # وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال ms1893 رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " ~~«لقد كان فيمن كان قبلكم من الأمم ناس (8) محدثون من غير أن PageV08P064 # يكونوا أنبياء، فإن يكن في أمتي أحد فعمر» " (1) . قال ابن وهب: تفسير ~~محدثون: ملهمون. وقال ابن عيينة: محدثون: أي مفهمون. # وفي الصحيحين عن أبي سعيد قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ~~" «بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ الثدي، ~~ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض علي عمر وعليه قميص يجره ". قالوا: فما أولته ~~يا رسول الله؟ قال: " الدين» (2) . # وفي الصحيحين عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~يقول: " «بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه، حتى إني لأرى (3) الري ~~يخرج من تحت أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب ". (* قال من حوله: فما ~~أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: " العلم» " (4) . # وفي الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: " «يا ابن الخطاب ~~*) (5) ، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك» ~~" (6) . # وفي الصحيحين عن أنس أن عمر قال: وافقت ربي في ثلاث: PageV08P065 # قلت: لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ; فنزلت: {واتخذوا من مقام إبراهيم ~~مصلى} [سورة البقرة: 125] . وقلت: يا رسول الله: يدخل على نسائك البر ~~والفاجر، فلو أمرتهن يحتجبن ; فنزلت آية الحجاب. واجتمع نساء النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - في الغيرة، فقلت: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا ~~منكن} [سورة التحريم: 5] ; فنزلت كذلك " (1) . # وهذا الباب في فضائل عمر كثير جدا. # وأما قصة الحكومة في الأرغفة (2) ، فهي مما يحكم فيها - وما هو أدق منها ~~- من هو (3) دون علي. وللفقهاء في تفاريع مسائل القضاء والقسمة وغير ذلك من ~~الدقائق ما هو أبلغ من هذه، وليسوا مثل علي. # وأما مسألة القرعة (4) فقد رواها أحمد وأبو داود عن زيد بن أرقم (5) ، ~~PageV08P066 # لكن جمهور الفقهاء لا يقولون بهذه، وأما أحمد فنقل عنه تضعيف (1) الخبر ; ~~فلم يأخذ به، وقيل أخذ به. وأحمد أوسع الأئمة أخذا بالقرعة، وقد أخذ بقضاء ~~علي ms1894 في الزبية (2) ، وحديثها أثبت من هذا، رواه سماك بن حرب، وأخذ به أحمد ~~(3) . وأما الثلاثة فما بلغهم لا هذا ولا هذا، أو بلغهم ولم يثبت عندهم، ~~وكان عند أحمد من العلم بالآثار، ومعرفة صحتها من سقمها، ما ليس لغيره. ~~PageV08P068 # وهذا يدل على فضل علي، ولا نزاع في هذا، لكن لا يدل على أنه أقضى ~~الصحابة. # وأما قوله: " معرفة القضايا بالإلهام " (1) فهذا خطأ ; لأن الحكم ~~بالإلهام بمعنى أنه من ألهم أنه صادق حكم بذلك بمجرد الإلهام، فهذا (2) لا ~~يجوز في دين المسلمين. # وفي الصحيح عن أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «إنكم ~~تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بنحو مما ~~أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من ~~النار» " (3) . فأخبر أنه يقضي بالسمع لا بالإلهام، فلو كان الإلهام طريقا ~~لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحق بذلك، وكان الله يوحي إليه معرفة ~~صاحب الحق ; فلا يحتاج إلى بينة ولا إقرار، ولم يكن ينهى أحدا أن يأخذ مما ~~يقضى له، ولما حكم في اللعان بالفرقة قال: " إن جاءت به كذا فهو للزوج، وإن ~~جاءت به كذا فهو للذي رميت به " فجاءت به على النعت المكروه، فقال: " «لولا ~~ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن» " (4) PageV08P069 # فأنفذ الحكم باليمين، ولم يحكم بالبينة (1) . # وأما إن قيل: إنه يلهم الحكم الشرعي ; فهذا لا بد فيه من دليل شرعي، لا ~~يجوز الحكم بمجرد الإلهام ; فإن الذي ثبت بالنص أنه كان ملهما هو عمر بن ~~الخطاب، كما في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «قد كان ~~في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي فعمر» . ومع هذا فلم يكن يجوز لعمر ~~أن يفتي ولا يقضي ولا يعمل بمجرد ما يلقى في قلبه، حتى يعرض ذلك على الكتاب ~~والسنة، فإن وافقه قبله، وإن خالفه رده (2) . # وأما ما ذكره من الحكومة في البقرة التي قتلت حمارا (3) ، فهذا ~~PageV08P070 # الحديث ms1895 لا يعرف، وليس هو في شيء من كتب الحديث والفقه، مع احتياج الفقهاء ~~في هذه المسألة إلى نص، ولم يذكر له إسنادا، فكيف يصدق بشيء لا دليل على ~~صحته؟ بل الأدلة المعلومة تدل على انتفائه. # ومع هذا فهذا الحكم الذي نقله عن علي، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~أقره، إذا حمل على ظاهره كان مخالفا لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~وإجماع المسلمين ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت عنه أنه قال: ~~«العجماء جبار» " وهذا في الصحيحين وغيرهما، واتفق العلماء على صحته وتلقيه ~~بالقبول (1) ، والتصديق والعمل به. # والعجماء تأنيث أعجم، وكل بهيمة فهي عجماء، كالبقرة والشاة وغيرهما. وهذه ~~إذا كانت ترعى في المراعي المعتادة، فأفلتت نهارا من غير تفريط من صاحبها، ~~حتى دخلت على حمار فأفسدته، أو PageV08P071 # أفسدت زرعا، لم يكن على صاحبها ضمان باتفاق المسلمين ; فإنها عجماء لم ~~يفرط صاحبها. # وأما إن كانت خرجت بالليل، فعلى صاحبها الضمان عند أكثر العلماء، كمالك ~~والشافعي وأحمد ; لقصة سليمان بن داود في النفش (1) ; ولحديث ناقة البراء ~~بن عازب، فإنها دخلت حائطا فأفسدته، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~أن على أهل المواشي ما أفسدت مواشيهم بالليل، وقضى على أهل الحوائط (2) ~~بحفظ حوائطهم (3) . PageV08P072 # وذهب أبو حنيفة وابن حزم وغيرهما إلى أنه لا ضمان في ذلك، وجعلوها داخلة ~~في العجماء. وضعف بعضهم حديث ناقة البراء (1) . # وأما إن كان صاحبها اعتدى، وأرسلها في زرع قوم، أو بقرب زرعهم (2) ، أو ~~أدخلها إلى إصطبل الحمار بغير إذن صاحبها فأتلفته، فهنا يضمن لعدوانه (3) . # فهذه قضية البقرة والحمار، إن كان صاحب البقرة لم يفرط، فالتفريط ~~PageV08P073 # من صاحب الحمار، كما لو دخلت الماشية نهارا فأفسدت الزرع ; فإن صاحب ~~الحمار لم يغلق عليه الباب (1) ، كما لو دخلت البقرة على الحمار (2) (* إن ~~كان الحمار نائما، وإن كان هو المفرط بإدخالها إلى الحمار كان ضامنا. وأما ~~أن يجعل مجرد اعتداء الحمار على البقرة أو البقرة على الحمار *) (3) بدون ~~تفريط (4) صاحبها كاعتداء صاحبها (5) ، فهذا يوجب كون البهيمة كالعبد، ما ~~أتلفه ms1896 يكون في رقبتها، ولا يكون جبارا، وهذا ليس من حكم المسلمين، ومن نقل ~~هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كذب عليه. # وقد قلنا غير مرة: إن هؤلاء الجهال يكذبون ما يظنونه مدحا ويمدحون به ; ~~فيجمعون بين الكذب وبين المدح، فلا صدق ولا علم ولا عدل، فيضلون (6) في ~~الخير والعدل. وقد تقدم الكلام على قوله: {يهدي إلى الحق} [سورة يونس: 35] ~~. PageV08P074 ### | فصل قول الرافضي أن عليا كان أشجع الناس والرد عليه # (فصل) # قال الرافضي (1) : " الرابع: أنه كان أشجع الناس، وبسيفه ثبتت (2) قواعد ~~الإسلام، وتشيدت أركان الإيمان، ما انهزم في مواطن (3) قط، ولا ضرب بسيف ~~(4) إلا قط، طالما (5) كشف الكرب عن وجه رسول الله (6) - صلى الله عليه ~~وسلم - ولم يفر كما فر غيره، ووقاه بنفسه لما بات على (7) فراشه، مستترا ~~بإزاره، فظنه المشركون إياه، وقد اتفق المشركون على قتل رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم (8) - فأحدقوا به وعليهم السلاح، يرصدون طلوع الفجر ليقتلوه ~~ظاهرا ; فيذهب دمه لمشاهدة بني هاشم قاتليه من جميع القبائل، ولا يتم لهم ~~الأخذ بثأره ; لاشتراك الجماعة في دمه، ويعود كل قبيل عن قتال رهطه، وكان ~~ذلك PageV08P075 # سبب حفظ دم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتمت السلامة، وانتظم به ~~الغرض في الدعاء إلى الملة، فلما أصبح القوم، ورأوا (1) الفتك به، ثار ~~إليهم، فتفرقوا عنه حين عرفوه (2) ، وانصرفوا وقد ضلت حيلهم (3) ، وانتقض ~~تدبيرهم ". # والجواب: أنه لا ريب أن عليا - رضي الله عنه - كان من شجعان الصحابة، ~~وممن نصر الله الإسلام بجهاده، ومن كبار السابقين الأولين من المهاجرين ~~والأنصار (4) ، ومن سادات من آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله، ~~وممن قتل بسيفه عددا من الكفار، لكن لم يكن هذا من خصائصه، بل غير واحد من ~~الصحابة شاركه في ذلك، فلا يثبت بهذا فضله في الجهاد على كثير من الصحابة، ~~فضلا عن أفضليته على الخلفاء، فضلا عن تعيين (5) للإمامة. # وأما قوله: " إنه كان أشجع الناس ". # فهذا كذب، بل كان أشجع (6) الناس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. كما ~~في ms1897 الصحيحين عن أنس قال: «كان النبي - صلى الله عليه PageV08P076 # وسلم - أحسن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس، ولقد فزع أهل ~~المدينة ذات ليلة، فانطلق ناس قبل الصوت، فتلقاهم النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - راجعا وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة عري، في (1) عنقه ~~السيف، وهو يقول: " لن تراعوا ". قال البخاري: استقبلهم وقد استبرأ الخبر» ~~(2) . # وفي المسند عن علي - رضي الله عنه - قال: " كان إذا اشتد البأس اتقينا ~~برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو كان أقرب إلى العدو منا " (3) . # والشجاعة تفسر بشيئين: أحدهما: قوة القلب وثباته عند المخاوف. والثاني: ~~شدة (4) القتال بالبدن، بأن يقتل كثيرا، ويقتل قتلا عظيما. # والأول: هو الشجاعة، وأما الثاني فيدل على قوة البدن وعمله. # وليس كل من كان قوي البدن كان قوي القلب، ولا بالعكس ; ولهذا PageV08P077 # تجد الرجل الذي يقتل كثيرا ويقاتل إذا كان معه من يؤمنه، إذا خاف أصابه ~~الجبن، وانخلع قلبه. وتجد الرجل الثابت القلب، الذي لم يقتل بيديه كثيرا، ~~ثابتا في المخاوف، مقداما على المكاره (1) . وهذه الخصلة يحتاج إليها في ~~أمراء الحروب وقواده ومقدميه أكثر من الأولى ; فإن المقدم إذا كان شجاع ~~القلب ثابتا، أقدم وثبت ولم ينهزم، فقاتل معه أعوانه، وإذا كان جبانا ضعيف ~~القلب ذل ولم يقدم ولم يثبت، ولو كان قوي البدن. # والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان أكمل الناس في هذه الشجاعة، التي هي ~~المقصودة في أئمة الحرب، ولم يقتل بيده إلا أبي بن خلف، قتله يوم أحد، ولم ~~يقتل بيده أحدا لا قبلها ولا بعدها. وكان أشجع من جميع الصحابة، حتى إن ~~جمهور أصحابه انهزموا يوم حنين، وهو راكب على بغلة، والبغلة لا تكر ولا ~~تفر، وهو يقدم عليها إلى ناحية العدو، وهو يقول: # أنا النبي لا (2) كذب ... أنا ابن عبد المطلب # فيسمي نفسه، وأصحابه قد انكفوا عنه، وعدوه مقدم عليه، وهو مقدم على عدوه ~~على بغلته، والعباس آخذ بعنانها (3) . # وكان علي - وغيره - يتقون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه ~~PageV08P078 # أشجع منهم، وإن ms1898 كان أحدهم قد قتل بيده (1) ، أكثر مما قتل النبي - صلى ~~الله عليه وسلم -. # وإذا كانت الشجاعة المطلوبة من الأئمة شجاعة القلب، فلا ريب أن أبا بكر ~~كان أشجع من عمر، وعمر أشجع من عثمان وعلي وطلحة والزبير، وهذا يعرفه من ~~يعرف سيرهم وأخبارهم ; فإن أبا بكر - رضي الله عنه - باشر الأهوال التي كان ~~يباشرها النبي - صلى الله عليه وسلم - من أول الإسلام إلى آخره، ولم يجبن ~~ولم يحرج ولم يفشل، وكان يقدم على المخاوف: يقي النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- بنفسه، يجاهد المشركين تارة بيده وتارة بلسانه وتارة بماله، وهو في ذلك ~~كله مقدم. # وكان يوم بدر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في العريش، مع علمه بأن ~~العدو يقصدون مكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ثابت القلب، ربيط ~~الجأش، يظاهر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعاونه، ولما قام النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - يدعو ربه ويستغيث ويقول: " «اللهم أنجز لي ما وعدتني، ~~اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد، اللهم، اللهم. . . " جعل (2) أبو بكر ~~يقول له: " يا رسول الله هكذا مناشدتك ربك إنه سينجز لك ما وعدك» (3) . # وهذا يدل على كمال يقين الصديق، وثقته بوعد الله، وثباته، وشجاعته: شجاعة ~~إيمانية (4) زائدة على الشجاعة الطبيعية. PageV08P079 # وكان حال رسول الله أكمل من حاله، ومقامه أعلى من مقامه. ولم يكن الأمر - ~~كما ظنه بعض الجهال - أن حال أبي بكر أكمل (1) - نعوذ بالله من ذلك - ولا ~~نقص في استغاثة النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه في هذا المقام، كما توهمه ~~بعض الناس، وتكلم ابن عقيل وغيره في هذا الموضع بخطل من القول مردود على من ~~قاله، بل كان رسول الله - صلى الله عليه - جامعا كاملا، له من كل مقام ذروة ~~سنامه ووسيلته، فيعلم أن الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو ~~الأسباب أن تكون أسباب قدح في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في ~~الشرع، ويعلم أن عليه أن يجاهد المشركين ويقيم الدين بكل ما يقدر عليه من ~~جهاده بنفسه وماله ms1899 وتحريضه للمؤمنين، ويعلم أن الاستنصار بالله والاستغاثة ~~به والدعاء له فيه أعظم الجهاد وأعظم الأسباب في تحصيل المأمور ودفع ~~المحذور. # ولهذا كان يستفتح بصعاليك المهاجرين (2) ، وكان رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - لما أقبلت قريش - ومعه أصحابه - أخبر (3) أصحابه بمصارعهم، ~~وقال: " هذا مصرع عتبة بن ربيعة، وهذا مصرع شيبة بن ربيعة، وهذا مصرع أمية ~~بن خلف، وهذا مصرع أبي جهل بن هشام، PageV08P080 # وهذا مصرع فلان " (1) ، ثم مع علمه أن ذلك سيكون، يعلم أن الله إذا قضى ~~شيئا يكون، فلا يمنع ذلك أن يقضيه بأسباب تكون، وأن من الأسباب ما يكون ~~العباد مأمورين به، ومن أعظم ما يؤمر به الاستغاثة (2) بالله، فقام بما ~~يؤمر به، مع علمه بأنه سيكون ما وعد به، كما أنه يعبد الله ويطيعه، مع علمه ~~بأن له السعادة في الآخرة. # والقلب إذا غشيته الهيبة والمخافة والتضرع قد يغيب عنه شهود ما يعلمه، ~~ولا يمنعه ذلك أن يكون عالما به، مصدقا له، ولا أن يكون في اجتهاد وجهاد ~~بمباشرة الأسباب. ومن علم أنه إذا مات يدخل الجنة (3) ، PageV08P081 # لم يمنع (1) أن يجد بعض ألم الموت، والمريض الذي إذا أخبر أن في دوائه ~~العافية، لا يمنعه ذلك أن يجد مرارة الدواء - فقام مجتهدا في الدعاء ~~المأمور به، وكان هو رأس الأمر، وقطب رحى الدين، فعليه أن يقوم بأفضل مما ~~(2) يقوم به غيره. # وذلك الدعاء والاستغاثة كان أعظم الأسباب التي نزل بها النصر. ومقام أبي ~~بكر دون هذا، وهو معاونة الرسول والذب عنه، وإخباره بأنا واثقون بنصر الله ~~تعالى، والنظر إلى جهة العدو، وهل قاتلوا المسلمين أم لا؟ والنظر إلى صفوف ~~المسلمين لئلا تختل، وتبليغ المسلمين ما يأمر به النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - في هذه الحال. # ولهذا قال تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني ~~اثنين إذ هما في الغار} [سورة التوبة: 40] . وأخبر تعالى أن الناس إذا لم ~~ينصروه فقد نصره الله، إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار. # وهذه الحال كان الخوف ms1900 فيها على النبي - صلى الله عليه وسلم - دون غيره. ~~وسيأتي الكلام على هذه القصة في آخر الكتاب. والوزير مع الأمير له حال، ~~وللأمير (3) حال. # والمقصود هنا أن أبا بكر كان أشجع الناس، ولم يكن بعد الرسول PageV08P082 # - صلى الله عليه وسلم - أشجع منه ; ولهذا لما مات النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - ونزلت بالمسلمين أعظم نازلة نزلت بهم، حتى أوهنت العقول، وطيشت (1) ~~الألباب، واضطربوا اضطراب الأرشية في الطوي (2) البعيدة القعر، فهذا ينكر ~~موته، وهذا قد أقعد، وهذا قد دهش فلا يعرف من يمر عليه ومن يسلم عليه، ~~وهؤلاء يضجون بالبكاء، وقد وقعوا في نسخة القيامة، وكأنها قيامة صغرى ~~مأخوذة من القيامة الكبرى، وأكثر البوادي قد ارتدوا عن الدين، وذلت كماته، ~~فقام الصديق - رضي الله عنه - بقلب ثابت، وفؤاد شجاع، فلم يجزع، ولم ينكل، ~~قد جمع له بين الصبر واليقين، فأخبرهم بموت النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~وأن الله اختار له ما عنده، وقال لهم: " من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد ~~مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، {وما محمد إلا رسول قد خلت من ~~قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن ~~يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين} [سورة آل عمران: 144] ، فكأن الناس لم ~~يسمعوا هذه الآية حتى تلاها الصديق (3) ، فلا تجد أحدا إلا وهو يتلوها، ثم ~~خطبهم فثبتهم وشجعهم. # قال أنس: " خطبنا أبو بكر - رضي الله عنه - وكنا كالثعالب، فما زال ~~يشجعنا حتى صرنا كالأسود ". PageV08P083 # وأخذ في تجهيز أسامة، مع إشارتهم عليه، وأخذ في قتال المرتدين، مع ~~إشارتهم عليه بالتمهل والتربص، وأخذ يقاتل حتى مانعي الزكاة، فهو مع ~~الصحابة يعلمهم إذا جهلوا، ويقويهم إذا ضعفوا، ويحثهم إذا فتروا، فقوى الله ~~به علمهم ودينهم وقوتهم، حتى كان عمر - مع كمال قوته وشجاعته - يقول له: يا ~~خليفة رسول الله تألف الناس، فيقول: علام أتألفهم؟ أعلى دين مفترى؟ أم على ~~شعر مفتعل؟ وهذا باب واسع يطول وصفه. # فالشجاعة المطلوبة من الإمام لم تكن في ms1901 أحد بعد رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - أكمل منها في أبي بكر، ثم عمر. وأما القتل فلا ريب أن غير علي ~~من الصحابة قتل من الكفار أكثر مما قتل علي، فإن كان من قتل أكثر يكون ~~أشجع، فكثير من الصحابة أشجع من علي، فالبراء بن مالك (1) - أخو أنس - قتل ~~مائة رجل مبارزة، غير من شورك في دمه. # وأما خالد بن الوليد فلا يحصي عدد من قتله إلا الله، وقد انكسر في يده في ~~غزوة مؤتة تسعة أسياف، ولا ريب أنه قتل أضعاف ما قتله علي. # وكان لأبي بكر مع الشجاعة الطبيعية شجاعة دينية، وهي قوة (2) يقينية ~~بالله عز وجل، وثقة بأن الله ينصره والمؤمنين. وهذه الشجاعة لا تحصل بكل من ~~كان (3) قوي القلب، لكن هذه تزيد بزيادة الإيمان واليقين، PageV08P084 # وتنقص بنقص ذلك، فمتى تيقن أنه يغلب عدوه كان إقدامه عليه، بخلاف إقدام ~~من لم يكن كذلك، وهذا كان من أعظم أسباب شجاعة المسلمين وإقدامهم على ~~عدوهم، فإنهم كانوا أيقنوا بخبر الله ورسوله: أنهم منصورون وأن الله (1) ~~يفتح لهم البلاد. # ومن شجاعة الصديق ما في الصحيحين عن عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله ~~بن عمرو (2) عن أشد ما صنع المشركون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~قال: رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ~~يصلي، فوضع رداءه في (3) عنقه فخنقه خنقا شديدا، فجاء أبو بكر فدفعه عنه، ~~وقال: {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم} [سورة ~~غافر: 28] (4) . PageV08P085 ### | فصل الشجاعة إنما فضيلتها في الدين لأجل الجهاد في سبيل الله # (فصل) # ومما ينبغي أن يعلم أن الشجاعة إنما فضيلتها في الدين لأجل الجهاد في ~~سبيل الله، وإلا فالشجاعة إذا لم يستعن بها صاحبها على الجهاد في سبيل ~~الله، كانت: إما وبالا عليه إن استعان بها صاحبها على طاعة الشيطان، وإما ~~غير نافعة له إن استعملها فيما لا يقربه إلى الله تعالى. # فشجاعة علي والزبير، وخالد وأبي دجانة، والبراء بن مالك وأبي ms1902 طلحة، ~~وغيرهم من شجعان الصحابة - إنما صارت من فضائلهم لاستعانتهم بها على الجهاد ~~في سبيل الله ; فإنهم بذلك استحقوا ما حمد الله به المجاهدين. # وإذا كان كذلك، فمعلوم أن الجهاد منه ما يكون بالقتال باليد (1) ، ومنه ~~ما يكون بالحجة والبيان والدعوة. # قال الله تعالى: {ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا فلا تطع الكافرين ~~وجاهدهم به جهادا كبيرا} [سورة الفرقان: 51، 52] ، فأمره الله سبحانه ~~وتعالى أن يجاهد الكفار بالقرآن جهادا كبيرا (2) ، وهذه السورة مكية نزلت ~~بمكة، قبل أن يهاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - وقبل أن يؤمر بالقتال، (* ~~ولم يؤذن له، وإنما كان هذا الجهاد (3) بالعلم والقلب والبيان والدعوة لا ~~بالقتال *) (4) . وأما القتال فيحتاج إلى التدبير والرأي، PageV08P086 # ويحتاج إلى شجاعة القلب، وإلى القتال باليد. وهو إلى الرأي والشجاعة في ~~القلب في الرأس المطاع أحوج منه إلى قوة البدن، وأبو بكر وعمر - رضي الله ~~عنهما - مقدمان في أنواع الجهاد غير قتال البدن. # قال أبو محمد بن حزم (1) : " وجدناهم يحتجون بأن عليا كان أكثر الصحابة ~~جهادا وطعنا في الكفار وضربا، والجهاد أفضل الأعمال. قال (2) : وهذا خطأ ; ~~لأن الجهاد ينقسم أقساما ثلاثة: أحدها: الدعاء إلى الله تعالى باللسان. ~~والثاني: الجهاد عند الحرب بالرأي والتدبير. والثالث: الجهاد باليد في ~~الطعن والضرب. فوجدنا الجهاد باللسان لا يلحق فيه أحد بعد النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - أبا بكر ولا عمر. أما أبو بكر: فإن أكابر الصحاب أسلموا على ~~يديه، فهذا أفضل عمل، وليس لعلي من هذا كثير حظ، وأما عمر: فإنه من يوم ~~أسلم عز الإسلام، وعبد الله علانية (3) ، وهذا أعظم الجهاد. وقد انفرد هذان ~~الرجلان بهذين الجهادين اللذين لا نظير لهما، ولا حظ لعلي في هذا. # وبقي القسم الثاني، وهو الرأي والمشورة (4) ، فوجدناه خالصا لأبي بكر ثم ~~لعمر. PageV08P087 # بقي القسم الثالث، وهو الطعن والضرب والمبارزة، فوجدناه أقل مراتب الجهاد ~~ببرهان ضروري، وهو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا شك عند كل مسلم ~~في أنه المخصوص بكل فضيلة، فوجدنا جهاده - صلى الله عليه وسلم - إنما ms1903 كان ~~في أكثر أعماله وأحواله بالقسمين الأولين من الدعاء إلى الله عز وجل ~~والتدبير والإرادة (1) ، وكان أقل عمله الطعن والضرب والمبارزة، لا عن جبن، ~~بل كان أشجع أهل الأرض قاطبة نفسا ويدا، وأتمهم نجدة، ولكنه كان يؤثر ~~الأفضل فالأفضل من الأعمال، فيقدمه (2) ويشتغل به، ووجدناه (3) يوم بدر - ~~وغيره - كان أبو بكر معه لا يفارقه، إيثارا من النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- له بذلك، واستظهارا برأيه في الحرب، وأنسا بمكانه، ثم كان عمر ربما شورك ~~(* في ذلك، وقد انفرد بهذا المحل دون علي، ودون سائر الصحابة، إلا في ~~الندرة. # ثم نظرنا مع ذلك في *) (4) هذا القسم من (5) الجهاد، الذي هو الطعن ~~والضرب (6) والمبارزة، فوجدنا عليا لم ينفرد بالسيوف (7) فيه، بل قد شاركه ~~فيه غيره شركة العيان (8) ، كطلحة والزبير وسعد، ومن (9) قتل في صدر ~~الإسلام، كحمزة وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ومصعب بن PageV08P088 # عمير، ومن الأنصار سعد بن معاذ وسماك بن خرشة (1) - يعني أبا دجانة - ~~وغيرهما، ووجدنا أبا بكر وعمر قد شاركاه في ذلك بحظ حسن، وإن لم يلحقا ~~بحظوظ هؤلاء، وإنما ذلك لشغلهما بالأفضل من ملازمة رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - ومؤازرته في حين الحرب، وقد بعثهما على البعوث أكثر مما بعث ~~عليا، وقد بعث أبا بكر إلى بني فزارة وغيرهم، وبعث [عمر] (2) إلى بني فلان، ~~وما نعلم لعلي بعثا إلا إلى بعض حصون خيبر ففتحه (3) . فحصل أرفع أنواع ~~الجهاد (4) لأبي بكر وعمر، وقد شاركا عليا في أقل أنواع الجهاد، مع جماعة ~~غيرهم ". ### | فصل التعليق على قول الرافضي بسيفه ثبت قواعد الإسلام # (فصل) # قلت: وأما قوله: " بسيفه ثبت قواعد الإسلام (5) وتشيدت أركان الدين " (6) ~~. # فهذا كذب ظاهر لكل من عرف الإسلام، بل سيفه جزء من أجزاء PageV08P089 # كثيرة، جزء من أجزاء أسباب تثبيت قواعد الإسلام، وكثير من الوقائع التي ~~ثبت بها الإسلام لم يكن لسيفه فيها تأثير، كيوم بدر: كان سيفا من سيوف ~~كثيرة. # وقد قدمنا غير مرة أن غزوات القتال كلها كانت تسع غزوات، وعلي بعد موت ~~النبي - صلى الله ms1904 عليه وسلم - لم يشهد قتال الروم وفارس، ولم يعرف لعلي ~~غزاة أثر فيها تأثيرا منفردا كثيرا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بل كان ~~نصره في المغازي تبعا لنصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم. # والحروب الكبار التي كان فيها هو الأمير ثلاثة: يوم الجمل، والصفين، ~~والنهروان. وفي الجمل والنهروان كان منصورا ; فإن جيشه كان أضعاف المقاتلين ~~له، ومع هذا لم يستظهر على المقاتلين له (1) ، بل ما زالوا مستظهرين عليه ~~إلى أن استشهد إلى كرامة الله ورضوانه، وأمره يضعف، وأمر المقاتلين له ~~يقوى. # وهذا مما يدل على أن الانتصار الذي كان يحصل له في حياة النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - كان نصرا من الله لرسوله، ولمن قاتل معه على دينه ; فإن الله ~~يقول: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} ~~[سورة غافر: 51] . # وكذلك انتصار غير علي، كانتصار أبي بكر وعمر وعثمان على من قاتلوه، إنما ~~كان نصرا من الله لرسوله، كما وعده بذلك في كتابه. PageV08P090 ### | فصل التعليق على قول الرافضي ما انهزم علي قط # (فصل) # وأما قوله: " ما انهزم قط ". # فهو في ذلك كأبي بكر وعمر، وطلحة والزبير، وغيرهم من الصحابة - رضي الله ~~عنهم - فالقول في أنه ما انهزم، كالقول في أن هؤلاء ما انهزموا قط. ولم ~~يعرف لأحد (1) من هؤلاء هزيمة، وإن كان قد وقع شيء في الباطن ولم ينقل، ~~فيمكن أن عليا وقع منه ما لم ينقل. # والمسلمون كانت لهم هزيمتان: يوم أحد، ويوم حنين. ولم ينقل أن أحدا من ~~هؤلاء انهزم، بل المذكور في السير والمغازي أن أبا بكر وعمر ثبتا مع النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - يوم أحد ويوم حنين، ولم ينهزما مع من انهزم. ومن ~~نقل أنهما انهزما يوم حنين فكذبه معلوم. وإنما الذي انهزم يوم أحد عثمان، ~~وقد عفا الله عنه. وما نقل من انهزام أبي بكر وعمر بالراية يوم حنين فمن ~~الأكاذيب المختلقة التي افتراها المفترون. # وقوله: " ما ضرب بسيفه إلا قط ". # فهذا لا يعلم ثبوته ولا انتفاؤه، وليس ms1905 معنا في ذلك نقل يعتمد عليه. ولو ~~قال قائل في خالد والزبير، والبراء بن مالك وأبي دجانة، وأبي طلحة ونحوهم: ~~إنه ما ضرب بسيفه إلا قط، كان القول في ذلك كالقول في علي، بل صدق هذا في ~~مثل خالد والبراء بن مالك أولى. # فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «خالد سيف من سيوف الله سله ~~الله على المشركين» (2) . فإذا قيل فيمن جعله الله من سيوفه: إنه ما ~~PageV08P091 # ضرب إلا قط (1) ، كان أقرب إلى الصدق، مع كثرة ما علم من قتل خالد في ~~الحروب، وأنه لم يزل منصورا. # وأما قوله: " وطالما كشف الكروب عن وجه النبي - صلى الله عليه وسلم ". # فهذا كذب بين، من جنس أكاذيب الطرقية ; فإنه لا يعرف أن عليا كشف كربة عن ~~وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - قط، بل ولا يعرف ذلك عن أبي بكر وعمر، ~~وهما كانا أكثر جهادا منه، بل هو - صلى الله عليه وسلم - الذي طالما كشف عن ~~وجوههم الكرب. # لكن أبو بكر دفع عنه لما أراد المشركون أن يضربوه ويقتلوه بمكة، جعل ~~يقول: " أتقتلون رجلا أن يقول: ربي الله "، حتى ضربوا أبا بكر، ولم يعرف أن ~~عليا فعل مثل هذا. # وأما كون المشركين أحاطوا به حتى خلصه أبو بكر أو علي بسيفه، فهذا لم ~~ينقله أحد من أهل العلم، ولا حقيقة له، لكن هذا الرافضي - وأمثاله - كأنهم ~~قد طالعوا (2) السير والمغازي التي وضعها الكذابون والطرقية، مثل كتاب " ~~تنقلات الأنوار " للبكري الكذاب وأمثاله، مما هو من جنس ما يذكر في سيرة ~~البطال ودلهمة والعيار وأحمد الدنف والزيبق المصري، والحكايات التي يحكونها ~~عن هارون ووزيره مع العامة، والسيرة الطويلة التي وضعت لعنترة بن شداد. # وقد وضع الكذابون في مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما هو ~~PageV08P092 # من هذا الجنس، وهذا يصدقه الجهال ومن لم يكن عارفا بما ذكره العلماء من ~~الأخبار الصحيحة في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأما أهل العلم ~~فيعلمون أن هذا كذب. # وما ذكره من مبيته على فراشه، فقد ms1906 قدمنا أنه لم يكن هناك خوف على علي ~~أصلا، وأشهر ما نقل من ذلك ذب المؤمنين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~يوم أحد، لما ولى أكثر المسلمين مدبرين، فطمع العدو في النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - وحرصوا على قتله، وطلب أمية بن خلف قتله (1) ، فقتله النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - بيده، وشج المشركون جبينه، وهشموا البيضة على رأسه، ~~وكسروا رباعيته. وذب عنه الصحابة الذين حوله، كسعد بن أبي وقاص جعل يرمي ~~والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول له (2) : " «ارم فداك أبي وأمي» " (3) ~~. # ووقاه طلحة بيده، فشلت يد طلحة (4) ، وقتل حوله جماعة من خيار المسلمين. ~~PageV08P093 # وفي الحديث «أن عليا لما أمر فاطمة بغسل سيفه يوم أحد، قال: اغسليه غير ~~ذميم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: " إن تكن أحسنت فقد أحسن فلان ~~وفلان» وعد جماعة من الصحابة (1) . ### | فصل كلام الرافضي: وفي غزاة بدر والرد عليه # (فصل) # قال الرافضي (2) : " وفي غزاة بدر، وهي أول الغزوات، كانت على رأس ثمانية ~~عشر شهرا من مقدمه إلى المدينة (3) ، وعمره سبع وعشرون سنة، قتل منهم ستة ~~وثلاثين رجلا بانفراده، وهم (4) أعظم من نصف المقتولين، وشرك في الباقين ". # والجواب: أن هذا من الكذب البين المفترى، باتفاق أهل العلم العالمين ~~بالسير والمغازي. ولم يذكر هذا أحد يعتمد عليه في النقل، وإنما هو من وضع ~~جهال الكذابين، بل في الصحيح قتل غير واحد لم يشرك علي في واحد منهم، مثل ~~أبي جهل، وعقبة بن أبي معيط، ومثل أحد ابني ربيعة: إما عتبة بن ربيعة، وإما ~~شيبة بن ربيعة، وأبي بن خلف وغيرهم. # وذلك أنه لما برز من المشركين ثلاثة: عتبة، وشيبة، والوليد، فانتدب ~~PageV08P094 # لهم ثلاثة من الأنصار، فقالوا: من أنتم؟ فسموا أنفسهم (1) . فقالوا: ~~أكفاء كرام، ولكن نريد بني عمنا. فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~أقاربه بالبروز إليهم، فقال: " «قم يا حمزة، قم يا عبيدة، قم يا علي» "، ~~وكان أصغر المشركين هو الوليد، وأصغر المسلمين علي، فبرز هذا إلى هذا، فقتل ~~علي قرنه، وقتل حمزة قرنه. قيل ms1907: إنه كان عتبة، وقيل: كان شيبة. وأما عبيدة ~~فجرح قرنه، وساعده حمزة على قتل قرنه، وحمل عبيدة بن الحارث (2) . # وقيل: إن عليا لم يقتل ذلك اليوم إلا نفرا دون العشرة، أو أقل، أو أكثر. # وغاية ما ذكره ابن هشام، وقبله موسى بن عقبة، وكذلك الأموي (3) ، ~~PageV08P095 # جميع ما ذكروه أحد عشر نفسا، واختلف في ستة أنفس، هل قتلهم هو أو غيره، ~~وشارك في ثلاثة. هذا جميع ما نقله هؤلاء الصادقون (1) . ### | فصل كلام الرافضي: وفي غزاة أحد لما انهزم الناس والرد عليه # (فصل) # قال الرافضي (2) : " وفي غزاة أحد لما انهزم الناس كلهم عن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - إلا علي بن أبي طالب، ورجع (3) إلى رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - نفر يسير، أولهم عاصم بن ثابت، وأبو دجانة، وسهل بن حنيف، وجاء ~~عثمان بعد ثلاثة أيام، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم: لقد ذهبت فيها ~~عريضة. وتعجبت الملائكة من شأن علي (4) ، فقال جبريل وهو يعرج إلى السماء: ~~لا سيف إلا ذو الفقا ر ولا فتى إلا علي # وقتل أكثر (5) المشركين في هذه الغزاة، وكان الفتح فيها على يده. وروى ~~قيس بن سعد قال (6) : «سمعت عليا يقول: أصابني PageV08P096 # يوم أحد ستة عشر ضربة (1) ، سقطت إلى الأرض في أربع منهن، فجاءني رجل حسن ~~الوجه، حسن اللمة (2) ، طيب الريح، فأخذ بضبعي، فأقامني، ثم قال: أقبل ~~عليهم فقاتل في طاعة الله وطاعة رسوله، فهما عنك راضيان. قال علي: فأتيت ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبرته، فقال: يا علي أما تعرف الرجل؟ قلت: ~~لا ولكن شبهته بدحية الكلبي. فقال: يا علي أقر الله عينيك (3) ، كان ذاك ~~جبريل» " (4) . # والجواب: أن يقال: قد ذكر في هذه من الأكاذيب العظام، التي لا تنفق إلا ~~على من لم يعرف الإسلام، وكأنه يخاطب بهذه الخرافات من لا يعرف ما جرى في ~~الغزوات، كقوله: " إن عليا قتل أكثر المشركين في هذه الغزاة، وكان الفتح ~~فيها على يده ". # فيقال: آفة الكذب الجهل. وهل كان في هذه الغزاة فتح؟ بل كان المسلمون قد ms1908 ~~هزموا العدو أولا، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد وكل بثغرة الجبل ~~الرماة، وأمرهم بحفظ ذلك المكان، وأن لا يأتوهم سواء غلبوا أو غلبوا، فلما ~~انهزم المشركون صاح بعضهم: أي قوم الغنيمة! فنهاهم أميرهم عبد الله بن ~~جبير، ورجع العدو عليهم، وأمير المشركين PageV08P097 # إذ ذاك خالد بن الوليد، فأتاهم من ظهورهم، فصاح الشيطان: قتل محمد. ~~واستشهد في ذلك اليوم نحو سبعين، ولم يبق مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~ذلك اليوم إلا اثنا عشر رجلا، فيهم أبو بكر وعمر. # وأشرف أبو سفيان فقال: أفي القوم محمد؟ أفي القوم محمد؟ والحديث في ~~الصحيحين (1) ، وقد تقدم لفظه (2) ، وكان يوم بلاء وفتنة وتمحيص، وانصرف ~~العدو عنهم منتصرا، حتى هم بالعود (3) إليهم، فندب النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - المسلمين للحاقه. # وقيل: إن في هؤلاء نزل قوله تعالى: {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ~~ما أصابهم القرح} [سورة آل عمران: 172] ، وكان في هؤلاء المنتدبين: أبو بكر ~~والزبير، قالت عائشة لابن الزبير: أبوك وجدك ممن قال الله فيهم: {الذين ~~استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح} (4) ، ولم يقتل يومئذ من ~~المشركين إلا نفر قليل، وقصد العدو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~واجتهدوا في قتله، وكان ممن ذب عنه PageV08P098 # يومئذ سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - وجعل يرمي عنه، والنبي - صلى ~~الله عليه وسلم - يقول له: " «ارم فداك أبي وأمي» ". # وفي الصحيحين «عن سعد قال: جمع لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين ~~أبويه يوم أحد» (1) . وكان سعد مجاب الدعوة مسدد الرمية. # وكان فيهم أبو طلحة راميا، وكان (2) شديد النزع، وطلحة بن عبيد الله: وقى ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده فشلت يده. وظاهر النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - بين درعين، وقتل دونه نفر. # قال ابن إسحاق في " السيرة " في النفر الذين قاموا دون رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - قال (3) : " ترس دون النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو ~~دجانة بنفسه: يقع النبل في ظهره وهو منحن عليه، حتى كثر فيه النبل ms1909. ورمى ~~سعد بن أبي وقاص دون النبي - صلى الله عليه وسلم. قال سعد: فلقد رأيته ~~يناولني النبل، ويقول (4) : " «ارم فداك أبي وأمي» "، حتى إنه ليناولني ~~السهم ماله نصل، فيقول: " ارم " (5) . PageV08P099 # وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - حين غشيه القوم: " من رجل (1) يشري ~~لنا نفسه؟ ". . . فقام (2) زياد بن السكن في نفر خمسة من الأنصار - وبعض ~~الناس يقول: إنما هو عمارة بن زيد (3) بن السكن - فقاتلوا دون رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - رجلا، ثم رجلا، يقتلون دونه، حتى كان آخرهم زياد أو ~~عمارة (4) ، فقاتل حتى أثبتته الجراحة، ثم فاءت فئة من المسلمين فأجهضوهم ~~عنه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: " «أدنوه مني» " فأدنوه منه، فوسده ~~قدمه، فمات وخده على قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - ". # قال (5) : " وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - «رمى عن قوسه (6) حتى اندقت سيتها (7) ، فأخذها قتادة بن النعمان، ~~فكانت عنده، وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان، حتى وقعت على وجنته» (8) . ~~وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «ردها ~~بيده وكانت (9) أحسن عينيه وأحدهما» " (10) . PageV08P100 # ولم يكن علي ولا أبو بكر ولا عمر من الذين كانوا يدفعون عن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - بل كانوا مشغولين بقتال آخرين، وجرح النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - في جبينه، ولم يجرح علي. # فقوله: " إن عليا قال أصابتني يوم أحد ست عشرة (1) ضربة، سقطت إلى الأرض ~~في أربع منهن " (2) . # كذب على علي، وليس هذا الحديث في شيء من الكتب المعروفة عند أهل العلم. ~~فأين إسناد هذا؟ ومن الذي صححه من أهل العلم؟ وفي أي كتاب من الكتب التي ~~يعتمد على نقلها ذكر هذا؟ بل الذي جرح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~وكثير من الصحابة. # قال ابن إسحاق (3) : " فلما انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ~~فم الشعب خرج علي بن أبي طالب حتى ملأ درقته من المهراس (4) فجاء ~~PageV08P101 # به رسول (1) الله - صلى الله عليه وسلم - ليشرب منه، فوجد ms1910 له ريحا، فعافه ~~فلم يشرب منه، وغسل عن وجهه الدم، وصب على رأسه وهو يقول: " «اشتد غضب الله ~~على من أدمى (2) وجه نبيه» " (3) . # وقوله: " إن عثمان جاء بعد ثلاثة أيام " كذب آخر. # وقوله: " إن جبريل قال وهو يعرج: # لا سيف إلا ذو الفقا ... ر ولا فتى إلا علي (4) ". # كذب باتفاق الناس ; فإن ذا الفقار لم يكن لعلي، ولكن كان سيفا لأبي جهل ~~غنمه المسلمون يوم بدر، فروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس ~~قال: «تنفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيفه PageV08P102 # ذا الفقار يوم بدر، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد. قال: " رأيت في ~~سيفي ذي الفقار فلا فأولته فلا يكون فيكم، ورأيت أني مردف كبشا، فأولته كبش ~~الكتيبة، ورأيت أني في درع حصينة، فأولتها المدينة، ورأيت بقرا تذبح، فبقر ~~والله خير " فكان الذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم» (1) . # وهذا الكذب المذكور في ذي الفقار من جنس كذب بعض الجهال: أنه كان له سيف ~~يمتد إذا ضرب به كذا وكذا ذراعا، فإن هذا مما يعلم العلماء أنه لم يكن قط، ~~لا سيف علي ولا غيره. ولو كان سيفه يمتد لمده يوم قاتل معاوية. PageV08P103 # وقال بعض الجهال: إنه مد يده حتى عبر الجيش على يده بخيبر، وإنه قال ~~للبغلة: " قطع الله نسلك " فانقطع نسلها. هذا من الكذب البين ; فإنه يوم ~~خيبر لم يكن معهم بغلة، ولا كان للمسلمين بغلة على عهد النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - إلا بغلته التي أهداها له المقوقس، وذلك بعد غزوة خيبر، بعد أن ~~أرسل إلى الأمم، وأرسل إلى ملوك الأرض (1) : هرقل ملك الشام، وإلى المقوقس ~~ملك مصر، وإلى كسرى ملك الفرس. وأرسل إلى ملوك العرب (2) مثل صاحب اليمامة ~~وغيره. # وأيضا فالجيش لم يعبر أحد منهم على يد علي ولا غيره، والبغلة لم تزل ~~عقيما قبل ذلك، ولم تكن قبل ذلك تلد فعقمت، ولو قدر أنه دعا على بغلة معينة ~~لم تعم الدعوة جنس البغال. # ومثل هذا الكذب الظاهر قول بعض ms1911 الكذابين: إنه لما سبي بعض أهل البيت ~~حملوا على الجمال عرايا، فنبتت لهم سنامات من يومئذ، وهي البخاتي. وأهل ~~البيت لم يسب أحد منهم في الإسلام، ولا حمل أحد من نسائهم مكشوف العورة، ~~وإنما جرى هذا على أهل البيت في هذه الأزمان بسبب الرافضة، كما قد علمه ~~الخاص والعام. # بل هذا الكذب مثل كذب من يقول: إن الحجاج قتل الأشراف، والحجاج (3) لم ~~يقتل أحدا من بني هاشم، مع ظلمه وفتكه بكثير من PageV08P104 # غيرهم، لكن قتل كثيرا من أشراف العرب، وكان الملك قد أرسل إليه أن لا ~~يقتل أحدا من بني هاشم، وذكر له أنه لما قتل الحسين في ولاية بني حرب - ~~يعني ملك يزيد - أصابهم شر، فاعتبر عبد الملك بذلك، فنهاه أن يقتل أحدا من ~~بني هاشم، حتى إن الحجاج طمع أن يتزوج هاشمية، فخطب إلى عبد الله بن جعفر ~~ابنته، وأصدقها صداقا كثيرا، فأجابه عبد الله إلى ذلك، فغضب من ذلك من غضب ~~من أولاد عبد الملك، ولم يروا الحجاج أهلا لأن يتزوج واحدة من بني هاشم، ~~ودخلوا على عبد الملك وأخبروه بذلك، فمنع الحجاج من ذلك، ولم يروه كفؤا ~~لنكاح هاشمية ولا أن يتزوجها. # وبالجملة فالأحاديث التي ينقلها كثير من الجهال لا ضابط لها، لكن منها ما ~~يعرف كذبه بالعقل، ومنها ما يعرف كذبه بالعادة، ومنها ما يعرف كذبه بأنه ~~خلاف ما علم بالنقل الصحيح ومنها ما يعرف كذبه بطرق أخرى. ### | [فصل كلام الرافضي وفي غزاة الأحزاب والرد عليه] # (فصل) # قال الرافضي (1) : " وفي غزاة الأحزاب، وهي غزاة الخندق، لما فرغ النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - من عمل (2) الخندق، أقبلت PageV08P105 # قريش يقدمها أبو سفيان وكنانة وأهل تهامة في عشرة آلاف، وأقبلت غطفان ومن ~~تبعها من أهل نجد، ونزلوا من فوق المسلمين ومن تحتهم، كما قال تعالى: {إذ ~~جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم} [سورة الأحزاب: 10] ، فخرج - عليه الصلاة ~~والسلام - بالمسلمين مع ثلاثة آلاف (1) ، وجعلوا الخندق بينهم، واتفق ~~المشركون مع اليهود، وطمع المشركون بكثرتهم وموافقة اليهود، وركب عمرو بن ~~[عبد ms1912] ود (2) وعكرمة بن أبي جهل، ودخلا من مضيق في الخندق إلى المسلمين، ~~وطلبا (3) المبارزة فقام علي وأجابه، فقال النبي (4) - صلى الله عليه وسلم: ~~إنه عمرو، فسكت. ثم طلب المبارزة ثانيا وثالثا، وكل (5) ذلك يقوم علي، ~~ويقول له النبي - صلى الله عليه وسلم: إنه عمرو، فأذن له في الرابعة، [فقال ~~له عمرو: ارجع يا ابن أخي فما أحب أن أقتلك] (6) . فقال له علي: كنت عاهدت ~~الله أن لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين (7) إلا أخذتها منه، وأنا ~~أدعوك PageV08P106 # إلى الإسلام، قال عمرو: لا حاجة لي بذلك. قال: أدعوك إلى البراز. قال: ما ~~(1) أحب أن أقتلك. قال علي: بل أنا أحب (2) أن أقتلك. فحمي عمرو، ونزل عن ~~فرسه، وتجاولا (3) ، فقتله علي (4) ، وانهزم عكرمة، ثم انهزم باقي المشركين ~~واليهود. وفيه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «قتل علي لعمرو بن عبد ~~ود أفضل من عبادة الثقلين» ". # والجواب: أن يقال: أولا: أين إسناد هذا النقل وبيان صحته؟ # ثم يقال ثانيا: قد ذكر في هذه الغزوة أيضا عدة أكاذيب. منها قوله: إن ~~قريشا وكنانة وأهل تهامة كانوا في عشرة آلاف، فالأحزاب كلهم من هؤلاء، ومن ~~أهل نجد: تميم وأسد وغطفان، ومن اليهود: كانوا قريبا من عشرة آلاف. ~~والأحزاب كانوا ثلاثة أصناف (5) : قريش وحلفاؤها (6) ، وهم أهل مكة ومن ~~حولها. وأهل نجد: تميم وأسد وغطفان ومن دخل معهم. واليهود بنو قريظة. # وقوله: إن عمرو بن عبد (7) ود وعكرمة [بن أبي جهل] (8) ركبا، ودخلا من ~~مضيق في الخندق. PageV08P107 # وقوله: إن عمرا لما قتل وانهزم (1) المشركون واليهود. # هذا من الكذب البارد ; فإن المشركين بقوا محاصرين للمسلمين (2) بعد ذلك ~~هم واليهود، حتى خبب بينهم نعيم بن مسعود، وأرسل الله عليهم الريح الشديدة: ~~ريح الصبا، والملائكة من السماء. # كما قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم ~~جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا - إذ ~~جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ~~وتظنون بالله الظنونا ms1913 - هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا - وإذ ~~يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا} ~~[سورة الأحزاب: 9 - 12] إلى قوله: {وكفى الله المؤمنين القتال} [سورة ~~الأحزاب: 25] . # وهذا يبين أن المؤمنين لم يقاتلوا فيها، وأن المشركين ما ردهم الله ~~بقتال. وهذا هو المعلوم المتواتر عند أهل العلم بالحديث والتفسير، والمغازي ~~والسير، والتاريخ. # فكيف يقال بأنه باقتتال علي وعمرو بن عبد ود وقتله له (3) انهزم ~~المشركون. # والحديث الذي ذكره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «قتل علي ~~لعمرو بن عبد ود أفضل من عبادة الثقلين» . من الأحاديث PageV08P108 # الموضوعة، ولهذا لم يروه أحد من علماء المسلمين في شيء من الكتب التي ~~يعتمد عليها، بل ولا يعرف له إسناد صحيح ولا ضعيف (1) . # وهو كذب لا يجوز نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم ; فإنه لا يجوز أن ~~يكون قتل كافر أفضل من عبادة الجن والإنس ; فإن ذلك يدخل فيه عبادة ~~الأنبياء، وقد قتل من الكفار من كان قتله أعظم من قتل عمرو بن [عبد] (2) ~~ود. وعمرو هذا لم يكن فيه من معاداة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومضارته ~~له وللمؤمنين، مثل ما كان في صناديد قريش، الذين قتلوا ببدر، مثل أبي جهل، ~~وعقبة بن أبي معيط، وشيبة بن ربيعة، والنضر بن الحارث، وأمثالهم الذين نزل ~~فيهم القرآن. وعمرو هذا لم ينزل فيه شيء من القرآن، ولا عرف له شيء ينفرد ~~به في معاداة النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين. # وعمرو بن عبد ود هذا لم يعرف له ذكر في غزاة بدر ولا أحد، ولا غير ذلك من ~~مغازي قريش التي غزوا فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا في شيء من ~~السرايا، ولم يشتهر ذكره إلا في قصة الخندق، مع (3) أن قصته ليست مذكورة في ~~الصحاح ونحوها، كما نقلوا في الصحاح مبارزة الثلاثة يوم بدر إلى الثلاثة: ~~مبارزة حمزة وعبيدة وعلي مع عتبة وشيبة والوليد. # وكتب التفسير والحديث مملوءة بذكر المشركين الذين كانوا يؤذون ~~PageV08P109 # النبي - صلى الله عليه وسلم ms1914 - مثل أبي جهل، وعقبة بن أبي معيط، والنضر بن ~~الحارث، وغيرهم، وبذكر رؤساء الكفار، مثل الوليد بن المغيرة وغيره، ولم ~~يذكر أحد عمرو بن عبد ود، لا في هؤلاء ولا في هؤلاء، ولا كان من مقدمي ~~القتال، فكيف يكون قتل مثل هذا أفضل من عبادة الثقلين؟ ومن المنقول ~~بالتواتر أن الجيش لم ينهزم بقتله، بل بقوا بعده محاصرين مجدين (1) كما ~~كانوا قبل قتله. ### | [فصل كلام الرافضي: وفي غزاة بني النضير قتل علي رامي ثنية والرد عليه] # (فصل) (2) # قال الرافضي (3) : " وفي غزاة بني النضير قتل علي رامي ثنية (4) النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - (5) وقتل بعده عشرة، وانهزم الباقون ". # والجواب: أن يقال: ما تذكره في هذه الغزاة وغيرها من الغزوات من ~~المنقولات لا بد من ذكر إسناده أولا، وإلا فلو أراد إنسان أن يحتج بنقل لا ~~يعرف إسناده في جزرة بقل لم يقبل منه (6) ، فكيف يحتج به في مسائل الأصول؟ ~~! PageV08P110 # ثم يقال: ثانيا: هذا من الكذب الواضح ; فإن بني النضير هم الذين أنزل ~~الله فيهم سورة الحشر باتفاق الناس، وكانوا من اليهود، وكانت قصتهم قبل ~~الخندق وأحد، ولم يذكر فيها (1) مصاف ولا هزيمة، ولا رمى أحد ثنية النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - فيها، وإنما أصيبت ثنيته يوم أحد. # وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون في غزاة بني النضير، قد (2) ~~حاصروهم حصارا شديدا، وقطعوا نخيلهم. # وفيهم أنزل الله تعالى: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها ~~فبإذن الله وليخزي الفاسقين} [سورة الحشر: 5] . # ولم يخرجوا لقتال حتى ينهزم أحد منهم، وإنما كانوا في حصن يقاتلون من ~~ورائه. كما قال تعالى: {لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء ~~جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى} [سورة الحشر: 14] . # ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أجلاهم إجلاء لم يقتلهم فيه. قال ~~تعالى (3) : {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ~~ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث ~~لم ms1915 يحتسبوا} [سورة الحشر: 2] إلى قوله تعالى: {فاعتبروا ياأولي الأبصار} ~~[سورة الحشر: 2] . PageV08P111 # قال ابن إسحاق بعد أن ذكر نقضهم العهد، وأنهم أرادوا قتل النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - لما خرج إليهم يستعين بهم في دية القتيلين اللذين قتلهما ~~عمرو بن أمية، قال (1) : " «فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسير ~~إليهم وبالتهيؤ لحربهم (2) واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم» فيما ذكر ابن ~~هشام (3) . ونزل تحريم الخمر (4) ". # قال ابن إسحاق: " فتحصنوا في الحصون، «فأمر رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - بقطع النخيل والتحريق فيها، فنادوه: أي محمد (5) قد كنت تنهى عن ~~الفساد، وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخيل وتحريقها؟ !» ". # قال (6) : " وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج قد بعثوا (7) إلى بني ~~النضير: أن اثبتوا وتمنعوا ; فإنا لن نسلمكم، إن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن ~~خرجتم خرجنا معكم. فتربصوا ذلك من نصرهم (8) ، فلم يفعلوا، وقذف الله في ~~قلوبهم الرعب، وسألوا رسول الله (9) - صلى الله عليه وسلم - أن PageV08P112 # يجليهم (1) ويكف عن دمائهم، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا ~~الحلقة (2) ، ففعل، فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل، فكان الرجل ~~منهم يهدم بيته عن نجاف بابه (3) ، فيضعه على ظهر بعيره، فينطلق به. فخرجوا ~~إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام ". # قال (4) : " وحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه (5) حدث: «أنهم استقلوا ~~بالنساء والأموال والأبناء (6) ، معهم الدفوف والمزامير، والقينات (7) ~~يعزفن خلفهم بزهو وفخر (8) ما رئي مثله من حي من الناس (9) . وخلوا الأموال ~~لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم ~~- خاصة، يضعها حيث يشاء، فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين (10) ~~المهاجرين الأولين دون الأنصار، إلا أن سهل بن حنيف وأبا دجانة (11) ذكرا ~~فاقة وفقرا، فأعطاهما النبي - صلى الله عليه وسلم» " (12) . PageV08P113 # قال (1) : " وأنزل الله تعالى في بني النضير سورة (2) \ 8 الحشر بأسرها، ~~يذكر فيها ما أصابهم من نقمة (3) .، وما سلط به رسوله عليهم (4) .، وما عمل ~~فيهم (5) . ". # وفي الصحيحين عن ابن عمر «أن يهود بني النضير و ms1916 [بني] قريظة (6) . حاربوا ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجلى بني النضير، وأقر قريظة ومن عليهم، ~~حتى حاربت قريظة بعد ذلك، فقتل رجالهم، وسبى نساءهم وأولادهم وأموالهم، ~~وقسم أنفالهم بين المسلمين، إلا بعضهم لحقوا رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - فأمنهم وأسلموا، وأجلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهود ~~المدينة كلهم: بني قينقاع، وهم قوم عبد الله بن سلام، ويهود بني حارثة، وكل ~~يهودي كان بالمدينة» (7) . PageV08P114 ### | [فصل كلام الرافضي وفي غزوة السلسلة جاء أعرابي. . . والرد عليه] # (فصل) (1) # قال الرافضي (2) : " وفي غزوة السلسلة جاء أعرابي فأخبر النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - أن جماعة من العرب قصدوا أن يكبسوا عليه بالمدينة (3) ، «فقال ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من للوائي؟ (4) . فقال أبو بكر: أنا له، ~~فدفع إليه اللواء، وضم إليه سبعمائة، فلما وصل إليهم قالوا (5) .: ارجع إلى ~~صاحبك، فإنا في جمع كثير، فرجع (6) ، فقال في (7) اليوم الثاني: من للوائي؟ ~~(8) . فقال عمر: أنا (9) .، فدفع إليه الراية، (* ففعل كالأول، فقال في ~~اليوم الثالث (10) : أين علي؟ فقال علي: أنا ذا (11) يا رسول الله، ~~PageV08P115 # فدفع إليه الراية» *) (1) ، ومضى إلى القوم، ولقيهم (2) بعد صلاة الصبح، ~~فقتل منهم ستة أو سبعة، وانهزم الباقون، وأقسم الله تعالى بفعل أمير ~~المؤمنين فقال: {والعاديات ضبحا} السورة (3) . [سورة العاديات: 1] ". # فالجواب: أن يقال له: أجهل الناس يقول لك: بين لنا سند هذا، حتى نثبت أن ~~هذا نقل صحيح. والعالم يقول له (4) .: إن هذه الغزاة - وما ذكر فيها - من ~~جنس الكذب الذي يحكيه الطرقية، الذين يحكون الأكاذيب الكثيرة من سيرة عنترة ~~والبطال، وإن كان عنترة له سيرة مختصرة، والبطال له سيرة يسيرة، وهي ما جرى ~~له في دولة بني أمية وغزوة الروم، لكن ولدها الكذابون حتى صارت مجلدات، ~~وحكايات الشطار، كأحمد الدنف والزيبق المصري، وصاروا يحكون حكايات ~~يختلقونها عن الرشيد وجعفر، فهذه الغزاة من جنس هذه الحكايات، لم يعرف في ~~شيء من كتب المغازي والسير المعروفة عند أهل العلم ذكر هذه الغزاة، ولم ~~يذكرها أئمة هذا الفن فيه، كموسى بن عقبة، وعروة بن ms1917 الزبير، والزهري، وابن ~~إسحاق وشيوخه، والواقدي، ويحيى بن سعيد الأموي (5) .، والوليد بن مسلم، ~~ومحمد بن عائذ، وغيرهم، ولا لها ذكر في الحديث، ولا نزل فيها شيء من ~~القرآن. PageV08P116 # وبالجملة مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم، لا سيما غزوات القتال - ~~معروفة مشهورة، مضبوطة متواترة عند أهل العلم بأحواله، مذكورة في كتب أهل ~~الحديث والفقه، والتفسير والمغازي والسير، ونحو ذلك، وهي مما تتوفر الدواعي ~~على نقلها، فيمتنع - عادة وشرعا - أن يكون للنبي - صلى الله عليه وسلم - ~~غزاة يجري فيها مثل هذه الأمور لا ينقلها أحد من أهل العلم بذلك، كما يمتنع ~~أن يكون قد فرض في اليوم والليلة أكثر من خمس صلوات، أو فرض في العام أكثر ~~من صوم (1) . شهر رمضان ولم ينقل ذلك، وكما يمتنع أن يكون النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - قد غزا الفرس بالعراق، وذهب إلى اليمن، ولم ينقل ذلك أحد، وكما ~~يمتنع أمثال ذلك مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله لو كان ذلك موجودا. # وسورة " والعاديات " فيها قولان: أحدهما: أنها نزلت بمكة، وهذا يروى عن ~~ابن مسعود وعكرمة، وعطاء وغيرهم، فعلى هذا يظهر كذب هذا القول. والثاني: ~~أنها نزلت بالمدينة، وهو مروي عن ابن عباس وقتادة، وهذا القول يناسب قول من ~~فسر " العاديات " بخيل المجاهدين، لكن المشهور عن علي، المنقول عنه في كتب ~~التفسير، أنه كان يفسر " العاديات " بإبل الحجاج وعدوها من مزدلفة إلى منى. ~~وهذا يوافق القول الأول ; فيكون على ما قاله علي يكذب هذا القول. وكان ابن ~~عباس والأكثر يفسرونها بالخيل العاديات في سبيل الله (2) 208. . ~~PageV08P117 # وأيضا: ففي هذه الغزاة أن الكفار نصحوا المسلمين، وقالوا لأبي بكر: ارجع ~~إلى صاحبك ; فإنا في جمع كثير. ومعلوم أن هذا خلاف عادة الكفار المحاربين. # وأيضا فأبو بكر وعمر لم ينهزما قط، وما ينقله بعض الكذابين من انهزامهما ~~يوم حنين، فهو من الكذب المفترى. # فلم يقصد أحد المدينة إلا يوم الخندق وأحد، ولم يقرب أحد من العدو ~~المدينة للقتال إلا في هاتين الغزاتين (1) . . # وفي غزوة الغابة أغار بعض الناس على ms1918 سرح (2) . المدينة. # وأما ما ذكر في غزوة السلسلة، فهو من الكذب الظاهر الذي لا يذكره إلا من ~~هو من أجهل الناس وأكذبهم. # وأما غزوة ذات السلاسل، فتلك سرية بعث فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~عمرو بن العاص أميرا فيها ; لأن المقصودين كانوا بني عذرة (3) .، وكان ~~بينهم وبين عمرو بن العاص قرابة ; فأرسله إليهم لعلهم يسلمون، ثم أردفه ~~بأبي عبيدة بن الجراح، وليس لعلي فيها ذكر، وكانت قريبا من الشام بعيدة من ~~المدينة، وفيها احتلم عمرو بن العاص في ليلة باردة فتيمم وصلى بأصحابه، ~~فلما أخبروا النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: PageV08P118 # " «يا عمر: أصليت (1) . بأصحابك وأنت جنب؟ " قال: إني سمعت الله يقول: ~~{ولا تقتلوا أنفسكم} [سورة النساء: 29] ، فأقره النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- على فعله ولم ينكره ; لما بين له عذره» (2) . . # وقد تنازع الفقهاء هل قوله: أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ استفهام، أي: هل ~~صليت مع الجنابة، فلما أخبره أنه تطهر بالتيمم ولم يكن جنبا أقره، أو هو ~~إخبار بأنه جنب، والتيمم يبيح الصلاة، وكان يرفع (3) . الجنابة، على قولين، ~~والأول هو الأظهر. ### | فصل كلام الرافضي على شجاعة علي رضي الله عنه في غزوة بني المصطلق والرد عليه # (فصل) # قال الرافضي (4) .: " «وقتل من بني المصطلق مالكا وابنه، وسبى كثيرا، من ~~جملتهم جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار، فاصطفاها النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - فجاءها (5) . أبوها في ذلك PageV08P119 # اليوم، فقال: يا رسول الله: ابنتي (1) . كريمة لا تسبى (2) .، فأمره رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - بأن يخيرها (3) .، فقال: أحسنت وأجملت، ثم ~~قال: يا بنية لا تفضحي قومك، قالت: اخترت الله ورسوله» " (4) -. . # والجواب أن يقال: أولا: لا بد من [بيان] (5) . إسناد كل ما يحتج به من ~~المنقول، أو عزوه إلى كتاب تقوم به الحجة. [وإلا] (6) . فمن أين يعلم أن ~~هذا وقع؟ ثم يقول من يعرف السيرة: هذا كله من الكذب، من أخبار الرافضة التي ~~يختلقونها ; فإنه لم ينقل أحد أن عليا فعل هذا في غزوة بني المصطلق، ولا ~~سبى جويرية بنت الحارث، وهي لما ms1919 سبيت كاتبت على نفسها، فأدى عنها النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - وعتقت من الكتابة، وأعتق الناس السبي لأجلها، وقالوا: ~~أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقدم أبوها أصلا ولا خيرها. # وروى أبو داود عن عائشة (7) . قالت: «وقعت جويرية بنت الحارث بن ~~PageV08P120 # المصطلق في سهم ثابت بن قيس بن شماس، (* [أو ابن عم له] (1) .، فكاتبت ~~على نفسها، وكانت امرأة ملاحة لها في العين حظ (2) [تأخذها العين. قالت ~~عائشة] (3) .: فجاءت تسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتابتها، ~~فلما قامت على الباب فرأيتها كرهت مكانها، وعرفت أن رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - سيرى منها مثل الذي رأيت، فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت ~~الحارث، وإنه كان (4) من أمري ما لا يخفى عليك، وإني وقعت في سهم ثابت بن ~~قيس بن شماس *) (5) .، وإني كاتبت على نفسي، وجئتك تعينني (6) . فقال لها ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم: " فهل لك فيما هو خير لك؟ " قالت: وما هو ~~يا رسول الله؟ قال: " أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك " قالت: قد فعلت. فلما تسامع ~~الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد تزوج جويرية أرسلوا ما في ~~أيديهم من السبي وأعتقوهم، وقالوا: أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم. ~~قالت: فما رأينا [امرأة] (7) . كانت أعظم بركة على قومها منها ; ~~PageV08P121 # أعتق في سببها (1) . أكثر من مائة أهل بيت من بني المصطلق» (2) . ### | فصل كلام الرافضي على شجاعة علي رضي الله عنه في غزوة خيبر والرد عليه # (فصل) # قال الرافضي (3) : " وفي غزوة خيبر (4) . كان الفتح فيها على يد أمير ~~المؤمنين، ودفع الراية (5) . إلى أبي بكر فانهزم، ثم إلى عمر فانهزم، ثم ~~إلى علي وكان أرمد (6) .، فتفل في عينيه (7) .، وخرج فقتل مرحبا، فانهزم ~~الباقون، وغلقوا عليهم الباب، فعالجه أمير المؤمنين فقلعه، وجعله (8) . ~~جسرا على الخندق، وكان الباب يغلقه عشرون رجلا، ودخل المسلمون الحصن ونالوا ~~الغنائم، وقال - عليه السلام: والله ما قلعه بقوة خمسمائة رجل ولكن بقوة ~~PageV08P122 # ربانية (1) .، وكان فتح مكة بواسطته ". # والجواب: بعد أن يقال: لعنة الله ms1920 على الكاذبين (2) .، أن يقال: من ذكر ~~هذا من علماء النقل؟ وأين إسناده وصحته؟ وهو من الكذب ; فإن خيبر لم تفتح ~~كلها في يوم واحد، بل كانت حصونا متفرقة، بعضها فتح عنوة، وبعضها فتح صلحا، ~~ثم كتموا ما صالحهم عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فصاروا محاربين، ولم ~~ينهزم فيها أبو بكر ولا عمر. # وقد روي أن عليا اقتلع باب الحصن، وأما جعله جسرا فلا. # وقوله: " كان فتح مكة بواسطته ". # من الكذب أيضا ; فإن عليا ليس له في فتح مكة أثر أصلا، إلا كما لغيره ممن ~~شهد الفتح. # والأحاديث الكثيرة المشهورة في غزوة الفتح تتضمن هذا. وقد عزم علي على ~~قتل حموين لأخته أجارتهما أخته أم هانئ، فأجار رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - من أجارت. وقد هم بتزوج (3) . بنت أبي جهل، حتى غضب النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - فتركه. # وفي الصحيحين (4) . عن أبي هريرة قال (5) : كنا يوم الفتح مع رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - فجعل خالد بن الوليد على المجنبة اليسرى، PageV08P123 # وجعل الزبير على المجنبة اليمنى (1) .، وجعل أبا عبيدة على البياذقة (2) ~~". وبطن الوادي. فقال: " «يا أبا هريرة ادع لي الأنصار» "، فجاءوا (3) ~~يهرولون، فقال: " «يا معشر الأنصار: هل ترون أوباش قريش؟» " قالوا: نعم. ~~قال: " «انظروا إذا لقيتموهم غدا أن تحصدوهم حصدا» " وأحفى (4) ". بيده، ~~ووضع يمينه على شماله، وقال: " «موعدكم الصفا» " فما أشرف يومئذ [لهم] (5) ~~. أحد إلا أناموه (6) ". . قال: فصعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ~~الصفا، وجاءت الأنصار، فأطافوا بالصفا، فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله: ~~أبيدت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم، فقال رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم: " «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق ~~بابه فهو آمن» ". # وفي الصحيحين (7) . من حديث عروة بن الزبير قال: " لما سار رسول ~~PageV08P124 # الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح، فبلغ ذلك قريشا، خرج أبو سفيان ~~بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء يلتمسون الخبر عن رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم ms1921 - فأقبلوا يسيرون حتى أتوا مر الظهران، فإذا هم بنيران ~~كأنها نيران عرفة، فقال أبو سفيان: ما هذه، لكأنها (1) نيران عرفة؟ فقال ~~بديل بن ورقاء: نيران بني عمرو. فقال أبو سفيان: عمرو أقل من ذلك. فرآهم ~~ناس من حرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأدركوهم، فأخذوهم، فأتوا بهم ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم أبو سفيان. فلما سار قال للعباس: " ~~«أمسك (2) . أبا سفيان عند خطم الجبل (3) . حتى ينظر إلى المسلمين» " فحبسه ~~العباس، فجعلت القبائل تمر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - كتيبة كتيبة ~~(4) . على أبي سفيان، فمرت كتيبة، فقال: يا عباس من هذه؟ قال: [هذه] (5) . ~~غفار. قال: مالي ولغفار؟ ثم مرت جهينة، فقال مثل ذلك (6) . ثم مرت سعد بن ~~هذيم، فقال PageV08P125 # مثل ذلك. ثم مرت سليم، فقال مثل ذلك، حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها. قال: ~~من هؤلاء؟ قال: الأنصار (1) عليهم سعد بن عبادة، معه الراية. فقال سعد بن ~~عبادة: يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة، فقال أبو ~~سفيان: يا عباس حبذا (2) يوم الذمار (3) .، ثم جاءت كتيبة، وهي أقل ~~الكتائب، فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وراية النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - مع الزبير، فلما مر النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~بأبي سفيان قال: ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة؟ قال: " «وما قال» ؟ قال: ~~قال كذا وكذا. فقال: " «كذب سعد، ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة (4) ~~ويوم تكسى فيه الكعبة " ثم أمر أن تركز رايته بالحجون» . ### | فصل كلام الرافضي على شجاعة علي رضي الله عنه يوم حنين والرد عليه # (فصل) # قال الرافضي (5) .: " وفي غزاة (6) . حنين خرج رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - متوجها (7) في عشرة آلاف من المسلمين، PageV08P126 # فعانهم (1) . أبو بكر، وقال: لن نغلب (2) اليوم من كثرة، فانهزموا، ولم ~~يبق مع النبي (3) - صلى الله عليه وسلم - إلا (4) تسعة من بني هاشم، وأيمن ~~بن أم أيمن، وكان أمير المؤمنين [يضرب] (5) . بين يديه بالسيف، وقتل من ~~المشركين أربعين نفسا فانهزموا ". # والجواب: بعد المطالبة بصحة ms1922 النقل، أما قوله: " فعانهم أبو بكر " فكذب ~~(6) . مفترى، وهذه كتب الحديث والسير والمغازي والتفسير، لم يذكر أحد قوله: ~~إن أبا بكر عانهم. واللفظ المأثور: لن نغلب اليوم من قلة. فإنه (7) قد قيل: ~~إنه قد (8) . قاله بعض المسلمين. # وكذلك قوله: " لم يبق معه إلا تسعة من بني هاشم " هو كذب أيضا. # قال ابن إسحاق في " السيرة " (9) 86.: " بقي مع النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته، وممن (10) ثبت معه من ~~المهاجرين أبو بكر وعمر، ومن أهل بيته علي، والعباس (11) ، وأبو سفيان بن ~~الحارث PageV08P127 # وابنه، والفضل [بن العباس] ، وربيعة بن الحارث (1) .، وأسامة بن زيد، ~~وأيمن بن أم أيمن، وبعض الناس يعد فيهم (2) . قثم بن العباس، ولا يعد ابن ~~أبي سفيان " (3) . هذا من كلام ابن إسحاق. # وقوله: " إن عليا كان بين يديه [يضرب] (4) . بالسيف، وإنه قتل أربعين ~~نفسا ". # فكل (5) هذا كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث والمغازي والسير، والذي فيها ~~أن النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين لما وافوا وادي حنين عند الفجر، ~~وكان القوم رماة فرموهم رمية واحدة فولوا، وكان مع النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - عمه العباس وأبو سفيان بن الحارث، وكان شاعرا يهجو النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - فأسلم فحسن إسلامه، فثبت معه يومئذ. # قال العباس: " لزمت أنا وأبو سفيان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم ~~نفارقه " (6) . قال البراء بن عازب: " «وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~العباس أن ينادي فيهم، وكان العباس جهوري (7) . الصوت، فنادى: PageV08P128 # يا أهل الشجرة: يا أهل سورة البقرة: يعني الشجرة التي بايعوا تحتها، ~~فذكرهم ببيعته لهم هناك على أن لا يفروا وعلى الموت (1) . (2) (3) . عليه ~~عطفة البقر (4) . على أولادها، فقاتلوا حتى انهزم المشركون» "، وكان النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - قد أخذ كفا من حصباء فرمى بها القوم، وقال: " ~~«انهزموا ورب الكعبة» " (5) . . # وكان على بغلته وهو يقول: # أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب # وهذا ما رواه أهل الصحيحين (6) . . # وفي الصحيحين عن البراء، وسأله رجل قال: أكنتم وليتم يوم حنين يا أبا ~~عمارة ms1923؟ فقال: أشهد أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ما ولى، ولكنه انطلق ~~أخفاء من الناس، وحسر (7) إلى هذا الحي من هوازن، وهم PageV08P129 # قوم رماة، فرموهم برشق (1) " من نبل، كأنها رجل من جراد (2) .، فانكشفوا، ~~فأقبل القوم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو سفيان بن الحارث ~~يقود بغلته، فنزل، ودعا، واستنصر وهو يقول: « # أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب # ، اللهم أنزل نصرك» ". قال البراء: وكنا إذا احمر البأس نتقي به، وكان ~~الشجاع منا الذي يحاذي به، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم (3) . # وفي حديث سلمة بن الأكوع «لما غشوا النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل عن ~~البغلة، ثم قبض قبضة من تراب الأرض، واستقبل بها وجوههم، فقال: " شاهت ~~الوجوه " (4) . فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة، ~~فولوا مدبرين، فهزمهم (5) . الله، وقسم رسول الله PageV08P130 # - صلى الله عليه وسلم - غنائمهم بين المسلمين» رواه مسلم (1) . ### | فصل قال الرافضي الخامس إخبار علي رضي الله عنه بالغيوب والرد عليه # (فصل) # قال الرافضي (2) : " الخامس: إخباره بالغائب والكائن قبل كونه، فأخبر أن ~~طلحة والزبير لما استأذناه في الخروج إلى العمرة قال (3) : لا والله ما ~~تريدان (4) . العمرة، وإنما تريدان (5) . البصرة في (6) . . وكان كما قال ~~(7) . وأخبر وهو بذي قار جالس لأخذ البيعة: يأتيكم من قبل (8) . الكوفة ألف ~~رجل، لا يزيدون ولا ينقصون، يبايعونني (9) . على الموت، وكان كذلك، وكان ~~آخرهم أويس القرني. # وأخبر بقتل ذي الثدية، وكان كذلك. # وأخبره شخص بعبور القوم في قصة (10) . النهروان، فقال: لن PageV08P131 # يعبروا، ثم أخبره آخر بذلك، فقال: لم (1) . يعبروا، وإنه - والله - ~~لمصرعهم، فكان كذلك. # وأخبر بقتل نفسه الشريفة. # وأخبر شهربان بأن اللعين يقطع يديه ورجليه ويصلبه (2) ، ففعل به معاوية ~~ذلك. # وأخبر ميثم التمار (3) . بأنه يصلب على باب دار عمرو بن PageV08P132 # حريث (1) عاشر عاشرة، وهو (2) أقصرهم خشبة، وأراه النخلة التي يصلب (3) . ~~عليها، فوقع كذلك. # وأخبر رشيدا الهجري (4) بقطع يديه ورجليه، وصلبه، وقطع لسانه، فوقع (5) . # وأخبر كميل بن زياد (6) -. أن الحجاج يقتله (7) .، وأن قنبرا يذبحه ~~الحجاج فوقع. PageV08P133 # وقال للبراء ms1924 بن عازب: إن ابني الحسين يقتل ولا تنصره، فكان كما قال، ~~وأخبره (1) بموضع قتله. # وأخبر بملك بني العباس، وأخذ الترك الملك منهم، فقال: ملك بني العباس ~~يسير (2) لا عسر فيه، لو اجتمع عليهم الترك والديلم والهند (3) والبربر ~~والطيلسان على أن يزيلوا ملكهم ما قدروا أن يزيلوه، حتى يشذ عنهم (4) ~~مواليهم وأرباب دولتهم، ويسلط (5) . عليهم ملك من الترك يأتي عليهم من حيث ~~بدأ (6) . ملكهم، لا يمر بمدينة إلا فتحها، ولا يرفع له راية إلا نكسها، ~~الويل ثم (7) الويل لمن ناوأه، فلا يزال كذلك حتى يظفر بهم (8) ، ثم يدفع ~~ظفره إلى رجل من عترتي، يقول بالحق ويعمل به (9) .، ألا وإن الأمر (10) ~~كذلك ; حيث ظهر هولاكو من ناحية (11) . خراسان. PageV08P134 # ومنه ابتدأ (1) ملك بني العباس حتى بايع لهم (2) . أبو مسلم الخراساني ". ~~(3) . # والجواب أن يقال: أما الإخبار ببعض الأمور الغائبة، فمن هو دون علي يخبر ~~بمثل ذلك، فعلي أجل قدرا من ذلك، وفي أتباع أبي بكر وعمر وعثمان من يخبر ~~بأضعاف ذلك، وليسوا ممن يصلح للإمامة، ولا هم أفضل أهل زمانهم، ومثل هذا ~~موجود في زماننا وغير زماننا. # وحذيفة بن اليمان، وأبو هريرة، وغيرهما من الصحابة كانوا يحدثون الناس ~~بأضعاف ذلك. وأبو هريرة يسنده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وحذيفة ~~تارة يسنده وتارة لا يسنده. وإن كان في حكم المسند. # وما أخبر به هو وغيره قد يكون مما سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~وقد يكون مما كوشف هو به. وعمر - رضي الله عنه - قد أخبر بأنواع من ذلك. # والكتب المصنفة في كرامات الأولياء وأخبارهم، مثل ما في كتاب " الزهد " ~~للإمام أحمد، و " حلية الأولياء " و " صفوة الصفوة " و " كرامات الأولياء " ~~لأبي محمد الخلال وابن أبي الدنيا واللالكائي - فيها من الكرامات عن بعض ~~أتباع أبي بكر وعمر، كالعلاء بن الحضرمي نائب أبي بكر، وأبي مسلم الخولاني ~~بعض أتباعهما، وأبي الصهباء، وعامر بن عبد قيس، وغير هؤلاء ممن علي أعظم ~~منه، وليس في ذلك ما يدل PageV08P135 # على أنه يكون هو الأفضل من أحد من ms1925 الصحابة، فضلا عن الخلفاء. # وهذه الحكايات التي ذكرها عن علي لم يذكر لشيء منها إسنادا، (1 وفيها ما ~~يعرف صحته 1) (1) .، وفيها ما يعرف كذبه، وفيها ما لا يعرف: هل هو صدق أم ~~كذب؟ # فالخبر الذي ذكره عن ملك الترك كذب على علي ; فإنه لم يدفع ظفره إلى رجل ~~من العترة، وهذا مما وضعه متأخروهم (2) . . # والكتب المنسوبة إلى علي، أو غيره من أهل البيت، في الإخبار بالمستقبلات ~~كلها كذب، مثل كتاب " الجفر " و " البطاقة " وغير ذلك. (3) . # وكذلك ما يضاف إليه من أنه كان [عنده] (4) . علم من النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - خصه به دون غيره من الصحابة. # وفي صحيح البخاري عن أبي حذيفة قال: قلت لعلي: هل عندكم شيء من الوحي مما ~~ليس في القرآن؟ فقال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهما يعطيه الله ~~رجلا في القرآن، وما في هذه الصحيفة. قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، ~~وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر (5) . . # وكذلك ما ينقل عن غير علي من الصحابة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~خصه بشيء من علم الدين الباطن، كل ذلك باطل. PageV08P136 # ولا ينافي ذلك ما في الصحيحين عن أبي هريرة قال: " «حفظت من رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - جرابين: أما أحدهما فبثثته فيكم، وأما الآخر فلو أبثه ~~لقطعتم هذا البلعوم» " فإن هذا حديث صحيح (1) .، ليس فيه أن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - خص أبا هريرة بما في ذلك الجراب، بل كان أبو هريرة أحفظ ~~من غيره ; فحفظ ما لم يحفظه غيره. # وكذلك قال حذيفة: " والله إني لأعلم الناس بكل فتنة س، ب:. . الناس من ~~فتنة. . هي كائنة بيني وبين الناس، وما بي أن يكون رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - أسر إلي في ذلك شيئا لم يحدثه غيري، ولكن رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - قال وهو يحدث مجلسا أنا فيه. . . الحديث. وقال: «إنه لم يبق من ~~الرهط غيره» (2) . # وفي الصحيحين عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: " «قام فينا رسول الله - ~~صلى ms1926 الله عليه وسلم - مقاما ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة ~~إلا حدث به، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه» " (3) . # وحديث أبي زيد عمرو بن أخطب (4) . في صحيح مسلم: قال: " «صلى PageV08P137 # بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الفجر، وصعد المنبر، ثم خطبنا ~~حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى بنا، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، فنزل ~~فصلى بنا، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو ~~كائن، فأعلمنا أحفظنا» " (1) . # وأبو هريرة أسلم عام خيبر، فلم يصحب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ~~أقل من أربع سنين، وذلك الجراب لم يكن فيه شيء من علم الدين: علم الإيمان ~~والأمر والنهي، وإنما كان فيه الإخبار عن الأمور المستقبلة، مثل الفتن التي ~~جرت بين المسلمين: فتنة الجمل، وصفين، وفتنة ابن الزبير، ومقتل الحسين، ~~ونحو ذلك ; ولهذا لم يكن أبو هريرة ممن دخل في الفتن. # ولهذا قال ابن عمر: لو حدثكم أبو هريرة أنكم تقتلون خليفتكم، وتفعلون كذا ~~وكذا، لقلتم: كذب أبو هريرة. # وأما الحديث الذي يروى عن حذيفة أنه صاحب السر الذي لا يعلمه غيره، فرواه ~~البخاري عن إبراهيم النخعي، قال: ذهب علقمة إلى الشام، فلما دخل المسجد ~~قال: " اللهم يسر لي جليسا صالحا، فجلس إلى أبي الدرداء، فقال أبو الدرداء: ~~ممن أنت؟ قال: من أهل الكوفة. قال: أليس منكم - أو فيكم - الذي أجاره الله ~~على لسان نبيه - يعني من PageV08P138 # الشيطان: يعني عمارا -؟ قال: قلت: بلى. قال: أليس منكم - أو فيكم - صاحب ~~السر الذي لا يعلمه غيره؟ قال: قلت: بلى. . الحديث (1) . . # وذلك السر (2) كان معرفته بأعيان ناس من المنافقين كانوا في غزوة تبوك، ~~هموا بأن يحلوا حزام ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالليل ليسقط، ~~فأعلمه الله بهم، وكان حذيفة قريبا، فعرفه بهم، وكان إذا مات الميت المجهول ~~حاله لا يصلي عليه عمر حتى يصلي عليه حذيفة ; خشية أن يكون من المنافقين. # ومعرفة بعض الصحابة والصالحين ببعض المستقبلات لا توجب أن يكون عالما ms1927 بها ~~كلها. # والغلاة الذين [كانوا] (3) . يدعون علم علي بالمستقبلات مطلقا كذب ظاهر ; ~~فالعلم ببعضها ليس من خصائصه، والعلم بها كلها لم يحصل له ولا لغيره. # ومما يبين لك (4) . أن عليا لم يكن يعرف المستقبلات أنه في ولايته وحروبه ~~في زمن خلافته كان يظن أشياء كثيرة، فيتبين له الأمر بخلاف ما PageV08P139 # ظن، ولو ظن أنه إذا قاتل معاوية وأصحابه يجري ما جرى لم يقاتلهم ; فإنه ~~كان لو لم يقاتل أعز وانتصر (1) .، وكان أكثر الناس معه، وأكثر البلاد تحت ~~ولايته، فلما قاتلهم ضعف أمره، حتى صار معهم كثير من البلاد التي كانت في ~~(2) . طاعته، مثل مصر واليمن، وكان الحجاز دولا. # ولو علم أنه إذا حكم الحكمين يحكمان بما حكما لم يحكمهما. ولو علم أن ~~أحدهما يفعل بالآخر ما فعل حتى يعزلاه، لم يول من يوافق على عزل، ولا من ~~خذله الحكم الآخر (3) .، بل قد أشار عليه من أشار أن يقر معاوية على إمارته ~~في ابتداء الأمر، حتى يستقيم له الأمر، وكان هذا الرأي أحزم عند الذين ~~ينصحونه ويحبونه. # ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولى أبا سفيان - أبا معاوية - ~~نجران (4) .، وكان واليا عليها حتى مات النبي - صلى الله عليه وسلم. # وقد اتفق الناس على أن معاوية كان أحسن إسلاما من أبيه، ولم يتهم أحد من ~~الصحابة والتابعين معاوية بنفاق، واختلفوا في أبيه. # والصديق كان قد ولى أخاه - يزيد بن أبي سفيان - أحد الأمراء في فتح ~~الشام، لما ولى خالدا وأبا عبيدة ويزيد بن أبي سفيان لما فتحوا الشام، بقي ~~أميرا إلى أن مات بالشام، وكان من خيار الصحابة، رجلا صالحا PageV08P140 # أفضل من أخيه وأبيه، ليس هذا هو يزيد بن معاوية الذي تولى بعد معاوية ~~الخلافة ; فإن ذاك ولد في خلافة عثمان، لم يكن من الصحابة، ولكن سمي (1) . ~~باسم عمه، (* فطائفة من الجهال يظنون يزيد هذا من الصحابة *) (2) . وبعض ~~غلاتهم (3) يجعله من الأنبياء، كما أن آخرين يجعلونه كافرا أو مرتدا، وكل ~~ذلك باطل، بل هو خليفة من بني أمية (4) . # والحسين - رضي الله ms1928 عنه - ولعن قاتله - قتل مظلوما شهيدا في خلافته بسبب ~~خلافه (5) ، لكنه هو لم يأمر بقتله، ولم يظهر الرضا به، ولا انتصر ممن ~~قتله. # ورأس الحسين حمل إلى قدام عبيد الله بن زياد، وهو الذي ضربه بالقضيب على ~~ثناياه، وهو الذي ثبت في الصحيح (6) . . PageV08P141 # وأما حمله إلى عند يزيد (1) . فباطل. وإسناده منقطع (2) . . # وعمه يزيد الرجل الصالح هو من الصحابة، توفي في خلافة عمر، فلما مات ولى ~~معاوية مكان أخيه. وعمر من أعلم الناس بأحوال الرجال، وأحذقهم في السياسة، ~~وأبعد الناس عن الهوى، لم يول في خلافته أحدا من أقاربه، وإنما كان يختار ~~للولاية من يراه أصلح لها ; فلم يول معاوية إلا وهو عنده ممن يصلح للإمارة. # ثم لما توفي (3) زاد عثمان في ولاية معاوية، حتى جمع له الشام. وكانت ~~الشام في خلافة عمر أربعة أرباع: فلسطين، ودمشق، وحمص، والأردن. ثم بعد ذلك ~~فصلت قنسرين والعواصم من ربع حمص، ثم بعد هذا عمرت حلب وخربت قنسرين، وصارت ~~العواصم دولا بين المسلمين وأهل الكتاب. # وأقام معاوية نائبا عن عمر وعثمان عشرين سنة، ثم تولى عشرين سنة، ورعيته ~~شاكرون لسيرته وإحسانه، راضون به، حتى أطاعوه في مثل قتال علي. # ومعلوم أنه خير من أبيه أبي سفيان، وكانت ولايته أحق بالجواز من ولاية ~~أبيه، فلا يقال: إنه لم تكن تحل ولايته. ولو قدر أن غيره كان PageV08P142 # أحق بالولاية منه، أو أنه ممن (1) يحصل به معونة لغيره ممن فيه ظلم، لكان ~~الشر المدفوع بولايته أعظم من الشر الحاصل بولايته. # وأين أخذ المال، وارتفاع بعض الرجال، من قتل الرجال الذين قتلوا بصفين، ~~ولم يكن في ذلك عز ولا ظفر؟ ! # فدل هذا وغيره على أن الذين أشاروا على أمير المؤمنين كانوا حازمين. وعلي ~~إمام مجتهد، لم يفعل إلا ما رآه مصلحة. # لكن المقصود أنه لو كان يعلم الكوائن كان قد علم أن إقراره على الولاية ~~أصلح له من حرب صفين، التي لم يحصل بها إلا زيادة الشر وتضاعفه، لم يحصل ~~بها من المصلحة شيء، وكانت ولايته أكثر خيرا ms1929 وأقل شرا من محاربته، وكل ما ~~يظن في ولايته من الشر، فقد كان في محاربته أعظم منه. # وهذا وأمثاله كثير مما يبين جهل من يقول: إنه كان يعلم الأمور المستقبلة، ~~بل الرافضة تدعي الأمور المتناقضة: يدعون عليه علم الغيب، مع هذه الأمور ~~المنافية لذلك، ويدعون له من الشجاعة ما يزعمون معه أنه كان هو الذي ينصر ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - في مغازيه، وهو الذي قام (2) . الإسلام بسيفه ~~في أول الأمر مع ضعف الإسلام. # ثم يذكرون من عجزه عن مقاومة أبي بكر - رضي الله عنه - مع ضعفه عندهم بعد ~~موت النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يناقض ذلك ; فإن PageV08P143 # أبا بكر - رضي الله عنه - لم يكن له بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- مال يستعطف به الناس، ولا كان له قبيلة عظيمة ينصرونه، ولا موال، ولا دعا ~~الناس إلى بيعته، لا برغبة ولا برهبة. وكان علي - رضي الله عنه - على دفعه ~~أقدر منه على دفع الكفار الذين حاربوا النبي - صلى الله عليه وسلم - بكثير، ~~فلو كان (1) . هو الذي دفع الكفار، ولو كان (2) . مريدا لدفع أبي بكر - رضي ~~الله عنه - لكان على ذلك أقدر، لكنهم يجمعون بين المتناقضين. # وكذلك في حربه لمعاوية قد قهر وعسكره أعظم، وتحت طاعته من هم أفضل وأكثر ~~من الذين تحت طاعة معاوية، وهو - رضي الله عنه - لا ريب أنه كان يريد أن ~~يقهر معاوية وعسكره، فلو كان هو الذي نصر النبي - صلى الله عليه وسلم - مع ~~كثرة الكفار وضعف المسلمين وقلتهم ; لكان مع كثرة عسكره على عسكر معاوية ~~أقدر على قهر معاوية وجيشه منه على قهر الكفار الذين قاتلوا النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - فكيف يجمع بين تلك الشجاعة والقوة وبين هذا العجز والضعف، ~~إلا من هو جاهل متناقض؟ ! # بل هذا يدل على أن النصر كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن الله ~~أيده بنصره وبالمؤمنين كلهم، وعلي وغيره من المؤمنين الذين أيده الله بهم، ~~وكان تأييده بأبي بكر وعمر أعظم من تأييده بغيرهما ms1930 من وجوه كثيرة. ~~PageV08P144 # ومما يبين أن عليا لم يكن يعلم المستقبل أنه ندم على أشياء مما فعلها، ~~وكان يقول: لقد عجزت عجزة لا أعتذر سوف أكيس بعدها وأستمر وأجمع الرأي ~~الشتيت المنتشر. # وكان يقول ليالي صفين: يا حسن يا حسن، ما ظن أبوك أن الأمر يبلغ هذا! لله ~~در مقام قامه سعد بن مالك وعبد الله بن عمر، إن كان برا إن أجره لعظيم، وإن ~~كان إثما إن خطره ليسير. وهذا رواه المصنفون. # وتواتر عنه أنه كان يتضجر ويتململ من اختلاف رعيته عليه، وأنه ما كان يظن ~~أن الأمر يبلغ ما بلغ. # وكان الحسن رأيه ترك القتال. وقد جاء النص الصحيح بتصويب الحسن. # وفي البخاري عن أبي بكر (1) - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - قال: " «إن ابني هذا سيد، وإن الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من ~~المسلمين» " (2) . فمدح الحسن على الإصلاح بين الطائفتين. # وسائر الأحاديث الصحيحة تدل على أن القعود عن القتال والإمساك عن الفتنة ~~كان أحب إلى الله ورسوله. وهذا قول أئمة السنة وأكثر أئمة الإسلام. وهذا ~~ظاهر في الاعتبار ; فإن محبة الله ورسوله للعمل بظهور ثمرته، فما كان أنفع ~~للمسلمين في دينهم ودنياهم كان أحب إلى الله PageV08P145 # ورسوله. وقد دل الواقع على أن رأي الحسن كان أنفع للمسلمين ; لما ظهر من ~~العاقبة في هذا و [في] هذا (1) . . # وفي صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول للحسن ~~وأسامة: " «اللهم إني أحبهما فأحبهما، وأحب من يحبهما» " (2) . . # وكلاهما كان يكره الدخول في القتال. أما أسامة فإنه اعتزل القتال، فطلبه ~~علي ومعاوية، فلم يقاتل مع واحد من هؤلاء. كما اعتزل أكثر فضلاء الصحابة - ~~رضي الله عنهم - مثل سعد بن أبي وقاص، وابن عمر، ومحمد بن مسلمة، وزيد بن ~~ثابت، وأبي هريرة، وعمران بن حصين، وأبي بكرة، وغيرهم. # وكان ما فعله الحسن أفضل عند الله مما فعله الحسين ; فإنه وأخاه سيدا ~~شباب أهل الجنة، فقتل الحسين شهيدا مظلوما. # وصار الناس في قتله ثلاثة أحزاب: # حزب يرون ms1931 أنه قتل بحق، ويحتجون بما في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - أنه قال: " «من جاءكم وأمركم على رجل واحد يريد أن يفرق بين جماعتكم ~~فاضربوا عنقه بالسيف كائنا من كان» " (3) . . قالوا: وهو جاء والناس على ~~رجل واحد، فأراد أن يفرق جماعتهم. # وحزب يرون أن الذين قاتلوه كفار، بل يرون أن من لم يعتقد إمامته كافر. ~~PageV08P146 # والحزب الثالث - وهم أهل السنة والجماعة - يرون أنه قتل مظلوما شهيدا، ~~والحديث المذكور لا يتناوله بوجه، فإنه - رضي الله عنه - لما بعث ابن عمه ~~عقيلا إلى الكوفة فبلغه أنه قتل بعد أن بايعه طائفة، فطلب (1) . الرجوع إلى ~~بلده، فخرج إليه السرية التي قتلته، فطلب منهم أن يذهبوا به إلى يزيد، أو ~~يتركوه يرجع إلى مدينته، أو يتركوه يذهب إلى الثغر للجهاد، فامتنعوا من هذا ~~وهذا، وطلبوا أن يستأسر لهم ليأخذوه أسيرا. # ومعلوم باتفاق المسلمين أن هذا لم يكن واجبا عليه، وأنه كان يجب تمكينه ~~مما طلب، فقاتلوه ظالمين له، ولم يكن حينئذ مريدا لتفريق الجماعة، ولا ~~طالبا للخلافة، ولا قاتل على طلب خلافة، بل قاتل دفعا عن نفسه لمن صال عليه ~~وطلب أسره. # وظهر بطلان قول الحزب الأول. # وأما الحزب الثاني فبطلان قوله يعرف من وجوه كثيرة: من أظهرها أن عليا لم ~~يكفر أحدا ممن قاتله، حتى ولا الخوارج، ولا سبى ذرية أحد منهم، ولا غنم ~~ماله، ولا حكم في أحد ممن قاتله بحكم المرتدين، كما حكم أبو بكر وسائر ~~الصحابة في بني حنيفة وأمثالهم من المرتدين، بل علي كان يترضى (2) . عن ~~طلحة والزبير وغيرهما ممن قاتله، ويحكم فيهم وفي أصحاب معاوية ممن قاتله ~~بحكم المسلمين. # وقد ثبت بالنقل الصحيح أن مناديه نادى يوم الجمل: " لا يتبع مدبر، ~~PageV08P147 # ولا يجهز على جريح، ولا يغنم مال " (1) . وهذا مما أنكرته الخوارج عليه، ~~حتى ناظرهم ابن عباس - رضي الله عنه - في ذلك، كما ذكر ذلك في موضعه. # واستفاضت الآثار (2) . عنه أنه كان يقول عن قتلى عسكر معاوية: إنهم جميعا ~~مسلمون، ليسوا كفارا ولا منافقين، كما قد ms1932 ذكر في غير هذا الموضع. وكذلك ~~عمار وغيره من الصحابة. # وكانت هذه الأحزاب الثلاثة بالعراق، [وكان بالعراق أيضا] (3) . طائفة ~~ناصبة من شيعة عثمان تبغض عليا والحسين، وطائفة (4) . من شيعة علي تبغض ~~عثمان وأقاربه. # وقد ثبت في صحيح مسلم عن أسماء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ~~" «سيكون في ثقيف كذاب ومبير» " (5) . . فكان الكذاب الذي فيها هو المختار ~~بن عبيد، وكان الحجاج هو المبير، وكان هذا يتشيع لعثمان ويبغض شيعة علي، ~~وكان الكذاب يتشيع لعلي، حتى قاتل عبيد الله بن زياد وقتله، ثم ادعى أن ~~جبريل يأتيه ; فظهر كذبه. # وانقسم الناس بسبب هذا يوم (6) . عاشوراء - الذي قتل فيه الحسين - إلى ~~قسمين: فالشيعة اتخذته يوم مأتم وحزن يفعل فيه من المنكرات ما PageV08P148 # لا يفعله إلا من هو من أجهل الناس وأضلهم، وقوم اتخذوه (1) بمنزلة العيد، ~~فصاروا يوسعون فيه فيه: (2) . النفقات والأطعمة واللباس، ورووا فيه أحاديث ~~موضوعة، كقوله: " «من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته» " ~~وهذا الحديث كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم (3) . قال حرب الكرماني: ~~سئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث، فقال: لا أصل له. والمعروف عند أهل الحديث ~~أنه يرويه سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه أنه قال: ~~بلغنا «أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته» . قال ~~ابن عيينة: جربناه من ستين سنة فوجدناه صحيحا. # قلت: ومحمد بن المنتشر هذا من فضلاء الكوفيين، لكن لم يكن يذكر ممن سمعه ~~ولا عمن بلغه (4) . . ولا ريب أن هذا أظهره بعض المتعصبين على الحسين، ~~ليتخذ يوم قتله عيدا، فشاع هذا عند الجهال المنتسبين إلى السنة، حتى روي في ~~حديث: أن يوم عاشوراء جرى كذا وجرى كذا، حتى جعلوا أكثر حوادث الأنبياء ~~كانت يوم عاشوراء، مثل مجيء قميص يوسف إلى يعقوب ورد بصره، وعافية أيوب، ~~وفداء الذبيح، وأمثال هذا. وهذا الحديث كذب موضوع، وقد ذكره ابن الجوزي في ~~" الموضوعات " (5) . وإن كان قد رواه هو في كتاب " النور ms1933 في PageV08P149 # فضائل الأيام والشهور " (1) . وذكر عن ابن ناصر شيخه أنه قال: حديث صحيح، ~~وإسناده على شرط الصحيح، فالصواب ما ذكره في " الموضوعات " وهو آخر الأمرين ~~منه. وابن ناصر راج عليه ظهور حال رجاله، وإلا فالحديث مخالف للشرع والعقل، ~~لم يروه أحد من أهل العلم المعروفين في شيء من الكتب، وإنما دلس على بعض ~~الشيوخ المتأخرين. # كما جرى مثل ذلك في أحاديث (2) . أخر، حتى في أحاديث نسبت إلى مسند أحمد، ~~وليست منه، مثل حديث رواه عبد القادر بن يوسف، عن ابن المذهب، عن القطيعي، ~~عن عبد الله، عن أبيه، عن عبد الله بن المثنى (3) .، عن عبد الله بن دينار، ~~عن عبد الله بن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «القرآن كلام ~~الله غير مخلوق، منه بدأ، وإليه يعود» " وهذا القول صحيح متواتر عن السلف ~~أنهم قالوا ذلك، لكن رواية هذا اللفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كذب، ~~وعزوه إلى المسند لأحمد كذب ظاهر (4) . ; فإن مسنده موجود وليس هذا فيه. ~~PageV08P150 # وأحمد إمام أهل السنة في زمن المحنة، وقد جرى له في مسألة القرآن ما ~~اشتهر في الآفاق، وكان يحتج لأن (1) . القرآن كلام الله غير مخلوق بحجج ~~كثيرة معروفة عنه، ولم يذكر هذا الحديث قط، ولا احتج به، فكيف يكون هذا ~~الحديث عنده ولا يحتج به؟ ! وهذا الحديث إنما عرف عن هذا الشيخ، وكان بعض ~~من قرأ عليه دسه في جزء فقرأه عليه مع غيره، فراج ذلك على من لم يكن له ~~معرفة. # وكذلك حديث عاشوراء، والذي صح في فضله هو صومه، وأنه يكفر سنة، وأن الله ~~نجى فيه موسى من الغرق، وقد بسطنا الكلام عليه في موضع آخر، وبينا أن كل ما ~~يفعل فيه - سوى الصوم - بدعة مكروهة، لم يستحبها (2) . أحد من الأئمة، مثل ~~الاكتحال، والخضاب، وطبخ الحبوب، وأكل لحم الأضحية، والتوسيع في النفقة، ~~وغير ذلك، وأصل هذا من ابتداع قتلة الحسين ونحوهم (3) . # وأقبح من ذلك وأعظم ما تفعله الرافضة من اتخاذه مأتما يقرأ فيه المصرع، ~~وينشد فيه قصائد ms1934 النياحة، ويعطشون فيه أنفسهم، ويلطمون فيه (4) . الخدود، ~~ويشقون الجيوب، ويدعون فيه بدعوى الجاهلية. PageV08P151 # وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «ليس منا ~~من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية» " (1) . . # وهذا مع حدثان العهد بالمصيبة، فكيف (2) . إذا كانت بعد ستمائة ونحو ~~سبعين سنة؟ وقد قتل من هو أفضل من الحسين، ولم يجعل المسلمون ذلك اليوم ~~مأتما. # وفي مسند أحمد عن (3) فاطمة بنت الحسين - وكانت قد شهدت قتله - عن النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «ما من مسلم يصاب بمصيبة، فيذكر مصيبته ~~وإن قدمت، فيحدث لها استرجاعا، إلا أعطاه الله من الأجر مثل أجره يوم أصيب ~~بها» " (4) . # فهذا يبين أن السنة في المصيبة إذا ذكرت، وإن تقادم عهدها، أن يسترجع (5) ~~.، كما جاء بذلك الكتاب والسنة. # قال تعالى: {وبشر الصابرين - الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا ~~إليه راجعون - أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} [سورة ~~البقرة: 155 - 157] . # وأقبح من ذلك نتف النعجة تشبيها لها بعائشة، والطعن في الجبس الذي في ~~جوفه سمن تشبيها له بعمر، وقول القائل: يا ثارات أبي لؤلؤة! إلى غير ذلك من ~~منكرات الرافضة، فإنه يطول وصفها. PageV08P152 # والمقصود هنا أن ما أحدثوه من البدع فهو منكر، وما أحدثه من يقابل ~~بالبدعة البدعة، وينسب إلى السنة، هو أيضا منكر مبتدع. والسنة ما سنه رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - وهي برية من كل بدعة، فما يفعل يوم عاشوراء من ~~اتخاذه عيدا بدعة أصلها من بدع النواصب، وما يفعل من اتخاذه مأتما بدعة ~~أشنع منها، وهي من البدع المعروفة في الروافض، وقد بسطنا هذه الأمور س، ب. ~~. . الأمور وبالله المستعان. . ### | فصل قال الرافضي السادس أن عليا رضي الله عنه كان مستجاب الدعوة والرد عليه # (فصل) # قال الرافضي (1) : " السادس أنه كان مستجاب الدعاء (2) . دعا على بسر بن ~~أرطأة (3) بأن يسلبه الله عز وجل عقله فخولط فيه، ودعا على العيزار (4) ~~بالعمى فعمي، ودعا على أنس (5) لما PageV08P153 # كتم شهادته بالبرص فأصابه، وعلى زيد بن ms1935 أرقم بالعمى فعمي " (1) . # والجواب: أن هذا موجود في الصحابة أكثر منه، وممن بعد الصحابة، ما دام في ~~الأرض مؤمن. وكان سعد بن أبي وقاص لا تخطئ له دعوة، وفي الصحيح عن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «اللهم سدد رميته وأجب دعوته» " (2) . وفي ~~صحيح مسلم أن عمر لما أرسل إلى الكوفة من يسأل عن سعد، فكان الناس يثنون ~~خيرا، حتى سئل عنه رجل من بني عبس فقال: أما إذ أنشدتمونا سعدا، فكان لا ~~يخرج في السرية، ولا يعدل في الرعية، ولا يقسم بالسوية. فقال سعد: " اللهم ~~إن كان كاذبا، قام رياء وسمعة، فأطل عمره، وعظم فقره، وعرضه للفتن " فكان ~~يرى وهو شيخ كبير، تدلى حاجباه من الكبر، يتعرض للجواري يغمزهن في الطرقات، ~~ويقول: " شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد " (3) . PageV08P154 # وكذلك سعيد بن زيد، كان مستجاب الدعوة. فروى حماد بن زيد، عن هشام بن ~~عروة، عن أبيه، أن أروى بنت أوس استعدت مروان على سعيد، وقالت: " سرق من ~~أرضي ما أدخله في أرضه " فقال سعيد: " اللهم إن كانت كاذبة فأذهب بصرها، ~~واقتلها في أرضها " فذهب بصرها، وماتت في أرضها (1) . # والبراء بن مالك كان يقسم على الله فيبر قسمه، كما في الصحيح: " «إن من ~~عباد الله من لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك» " (2) . # والعلاء بن الحضرمي، نائب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نائب أبي ~~بكر - رضي الله عنه - على البحرين، مشهور بإجابة الدعاء. روى ابن أبي ~~الدنيا بإسناده، قال سهم بن منجاب: غزونا مع العلاء بن الحضرمي دارين (3) ، ~~فدعا بثلاث دعوات، فاستجاب الله له فيهن كلهن، قال: سرنا معه، ونزلنا ~~منزلا، وطلبنا الوضوء، فلم نقدر عليه، فقام فصلى ركعتين، ثم دعا الله، ~~فقال: الله يا عليم يا حكيم، يا علي يا عظيم، إنا عبيدك، وفي سبيلك نقاتل ~~عدوك، فاسقنا غيثا نشرب منه PageV08P155 # ونتوضأ من الإحداث، وإذا تركناه فلا تجعل فيه نصيبا لأحد غيرنا. قال: فما ~~جاوزنا غير بعيد، فإذا نحن ببئر من ماء السماء تتدفق. قال ms1936: فنزلنا فروينا ~~(1) ، وملأت إداوتي (2) ، ثم تركتها وقلت: لأنظرن هل استجيب له؟ فسرنا ميلا ~~أو نحوه، فقلت لأصحابي: إني نسيت إداوتي (3) ، فجئت إلى ذلك المكان، فكأنما ~~لم يكن فيه ماء قط، فأخذت إداوتي (4) ، فلما أتيت دارين، وبيننا وبينهم ~~البحر، فدعا لله فقال: الله يا عليم يا حكيم، يا علي يا عظيم، إنا عبيدك ~~وفي سبيلك نقاتل عدوك، فاجعل لنا سبيلا إلى عدوك. ثم اقتحم بنا (5) البحر، ~~فوالله ما ابتلت سروجنا، ثم خرجنا إليهم، فلما رجعنا اشتكى البطن فمات، فلم ~~نجد ماء نغسله، فلففناه في ثيابه، فدفناه، فلما سرنا غير بعيد إذا نحن بماء ~~كثير، فقال بعضهم لبعض: ارجعوا نستخرجه فنغسله، فرجعنا فخفي علينا قبره، ~~فلم نقدر عليه. فقال رجل من القوم: إني سمعته يدعو الله يقول: اللهم يا ~~عليم يا حكيم، يا علي يا عظيم، اخف حفرتي، ولا تطلع على عورتي أحدا، فرجعنا ~~وتركناه (6) . # وقد كان عمر دعا بدعوات أجيب فيها، من ذلك أنه لما نازعه بلال وطائفة معه ~~في القسمة - قسمة الأرض - فقال: " اللهم اكفني بلالا وذويه " فما حال الحول ~~ومنهم عين تطرف (7) . PageV08P156 # وقال: " اللهم قد (1) كبرت سني، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مفتون ~~ولا مضيع " فمات من عامه (2) . # ومثل هذا كثير جدا. وقد صنف ابن أبي الدنيا في " مجابي الدعوة " كتابا ~~(3) ، مع أن هذه القصص المذكورة عن علي لم يذكر لها إسنادا، فتتوقف على ~~معرفة الصحة، مع أن فيها ما هو كذب لا ريب فيه، كدعائه على أنس بالبرص، ~~ودعائه على زيد بن أرقم بالعمى. ### | فصل قال الرافضي: السابع أنه لما توجه إلى صفين لحق أصحابه عطش شديد والرد عليه # (فصل) # قال الرافضي (4) : " السابع: أنه لما توجه إلى صفين لحق أصحابه عطش شديد، ~~فعدل بهم قليلا، فلاح لهم دير فصاحوا بساكنه، فسألوه عن الماء، فقال: بيني ~~وبينه أكثر من فرسخين، ولولا أني أوتى ما يكفيني (5) كل شهر على التقتير ~~لتلفت عطشا، PageV08P157 # فأشار أمير المؤمنين إلى مكان قريب من الدير، وأمر بكشفه، فوجدوا صخرة ~~عظيمة، فعجزوا عن إزالتها، فقلعها وحده ms1937، ثم شربوا الماء، فنزل إليهم (1) ~~الراهب، فقال (2) : أنت نبي مرسل أو ملك مقرب؟ فقال (3) : لا، ولكني وصي ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم على يده (4) ، وقال: إن هذا الدير ~~بني على طالب هذه (5) الصخرة، ومخرج الماء من تحتها، وقد مضى جماعة (6) ~~قبلي لم يدركوه. وكان الراهب من جملة من استشهد معه، ونظم القصة (7) السيد ~~الحميري في قصيدته " (8) . # والجواب: أن هذا من جنس أمثاله من الأكاذيب التي يظنها (9) الجهال من ~~أعظم مناقب علي، وليست كذلك، بل الذي وضع هذه كان جاهلا بفضل علي، وبما ~~يستحقه من الممادح، فإن الذي فيه من المنقبة أنه أشار إلى صخرة فوجدوا ~~تحتها الماء، وأنه قلعها. ومثل هذا يجري لخلق كثير، علي - رضي الله عنه - ~~(10) - أفضل منهم، بل في المحبين لأبي بكر PageV08P158 # وعمر وعثمان من يجري لهم أضعاف هذا، وأفضل من هذا وهذا، وإن كان إذا جرى ~~على يد بعض الصالحين كان نعمة من الله وكرامة له، فقد يقع مثل ذلك لمن ليس ~~من الصالحين كثيرا. # وأما سائر ما فيها، مثل قوله: " إن هذا الدير بني على طالب هذه الصخرة، ~~ومخرج الماء من تحتها ". # فليس هذا من دين المسلمين، وإنما تبنى الكنائس والديارات والصوامع على ~~أسماء المقتدية بسير النصارى، فأما المسلمون فلا يبنون معابدهم - وهي ~~المساجد التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه - إلا على اسم الله، لا على ~~اسم مخلوق. # وقول (1) الراهب: " أنت نبي مرسل أو ملك مقرب " يدل على جهله، وأنه من ~~أضل الخلق ; فإن الملائكة لا تشرب الماء، ولا تحتاج [إلى] (2) أن تستخرجه ~~من تحت صخرة. ومحمد - صلى الله عليه وسلم - لا نبي بعده، ومعلوم أن هذا ~~الراهب قد سمع بخبر المسلمين الذين فتحوا تلك المواضع، فإن كان يجوز أن ~~يبعث رسول بعد المسيح، فمحمد هو الرسول، ومعجزاته ظاهرة باطنة، فإن صدقه ~~فقد علم أنه لا نبي بعده، وإن لم يصدقه فكيف يعتقد في غيره أنه نبي مرسل ~~بمجرد دلالته على ماء تحت صخرة، أو لكون الدير بني على اسمه، وهم ms1938 يبنون ~~الديارات على أسماء خلق كثير ليسوا من الملائكة ولا الرسل؟ ! # وما فيه من قول علي: " ولكني وصي رسول الله - صلى الله عليه وسلم " ~~PageV08P159 # هو مما يبين أنه كذب على علي، وأن عليا لم يدع هذا قط، لا في خلافة ~~الثلاثة ولا ليالي صفين. وقد كانت له مع منازعيه مناظرات ومقامات، ما ادعى ~~هذا قط، ولا ادعاه أحد له. وقد حكم الحكمين، وأرسل ابن عباس لمناظرة ~~الخوارج، فذكروا فضائله وسوابقه ومناقبه، ولم يذكر أحد منهم قط أنه وصي ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم. # ومعلوم أن هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، بدون هذه الأسباب ~~الموجبة لنقله لو كان حقا، فكيف مع هذه الأسباب؟ ! # فلما رووا فضائله ومناقبه، كقوله عليه السلام: " «لأعطين الراية غدا رجلا ~~يحب الله ورسوله، [ويحبه الله ورسوله» ] " (1) . # وكقوله عام تبوك: " «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه ~~لا نبي بعدي» " (2) . # وقوله: " «أنت مني وأنا منك» " (3) ، وغير ذلك من فضائله، ولم يرووا هذا ~~مع مسيس الحاجة إلى ذكره [ولا ادعاه علي قط مع مسيس الحاجة إلى ذكره] (4) - ~~علم أنه من جملة ما افتراه الكذابون. ### | فصل قال الرافضي الثامن قتل علي لكفار الجن والرد عليه # (فصل) # قال الرافضي (5) : " الثامن: ما رواه الجمهور: «أن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - لما خرج إلى بني المصطلق ; حيث خرجوا عن PageV08P160 # الطريق (1) ، وأدركه الليل، بقرب (2) واد وعر، فهبط جبريل وأخبره أن (3) ~~طائفة من كفار الجن قد استبطنوا الوادي يريدون كيده وإيقاع الشر بأصحابه، ~~فدعا بعلي وعوذه، وأمره (4) بنزول الوادي، فقتلهم» ". # والجواب: أن يقال أولا: علي أجل قدرا من هذا، وإهلاك الجن موجود لمن هو ~~دون علي، لكن هذا الحديث من الأحاديث المكذوبة على رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - وعلى علي عند أهل المعرفة بالحديث، ولم يجر في غزوة بني ~~المصطلق شيء من هذا. # وقوله: " إن هذا رواه الجمهور " إن أريد بذلك أنه مروي بإسناد ثابت، أو ~~في كتاب يعتمد على مجرد نقله، أو صححه من يرجع إلى ms1939 تصحيحه - فليس كذلك. # وإن أراد [أن] (5) جمهور العلماء رووه فهذا كذب. وإن أراد أنه رواه من لا ~~يقوم بروايته حجة، فهذا لا يفيد. # ومن هذا الجنس ما يروى أنه قاتل الجن في بئر ذات العلم، وهو حديث موضوع ~~عند أهل المعرفة. PageV08P161 # وعلي أجل قدرا من أن تثبت الجن لقتاله، ولم يقاتل أحد من الإنس الجن، بل ~~كان [الجن] (1) المؤمنون يقاتلون الجن الكفار. # وكان من أهل العلم أبو البقاء خالد بن يوسف النابلسي - رحمه الله - سأله ~~بعض الشيعة عن قتال علي (2) الجن، فقال: أنتم معشر الشيعة ليس لكم عقل، ~~أيما أفضل عندكم: عمر أو علي؟ فقالوا: بل علي. فقال: إذا كان الجمهور يروون ~~عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لعمر: " «ما رآك الشيطان سالكا ~~فجا إلا سلك فجا غير فجك» " (3) فإذا كان الشيطان يهرب من عمر، فكيف يقاتل ~~عليا؟ ! # وأيضا فدفع الجن والشياطين وإهلاكهم موجود لكثير من أتباع أبي بكر وعمر ~~وعثمان، وفي ذلك قصص يطول وصفها. # وقد روى ابن الجوزي في كتاب " الموضوعات " حديثا طويلا في محاربته للجن، ~~وأنه كان في الحج عام الحديبية، وأنه حاربهم ببئر ذات العلم، من طريق أبي ~~بكر محمد بن جعفر بن محمد السامري، حدثنا عبد الله بن أحمد السكوني، حدثنا ~~عمارة بن يزيد، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، حدثني يحيى بن ~~عبيد الله بن الحارث، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: «لما توجه رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية إلى مكة أصاب الناس عطش شديد وحر شديد، ~~فنزل PageV08P162 # رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (* الحجفة معطشا والناس عطاش، فقال ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - *) (1) : " هل من رجل يمضي في نفر من ~~المسلمين معهم القرب فيردون بئر (2) ذات العلم، ثم يعود، يضمن له رسول الله ~~- صلى الله عليه وسلم - الجنة؟ " # فذكر حديثا طويلا فيه أنه بعث رجلا من الصحابة ففزع من الجن فرجع، ثم بعث ~~آخر وأنشد شعرا، فذعر من الجن فرجع، ثم أرسل علي بن أبي ms1940 طالب فنزل البئر ~~وملأ القرب بعد هول شديد، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: الذي ~~هتف بك من الجن هو سماعة بن غراب (3) الذي قتل عدو الله مسعرا شيطان ~~الأصنام الذي يكلم قريشا منها، وفزع من هجائي» . # ثم قال الشيخ أبو الفرج: " وهذا الحديث موضوع محال، والفنيد ومحمد بن ~~جعفر والسكوني مجروحون. قال أبو الفتح الأودي: وعمارة يضع الحديث " (4) . # قلت: وكتب ابن إسحاق التي رواها عنه الناس ليس فيها شيء من هذا. ~~PageV08P163 ### | فصل قال الرافضي التاسع حديث رد الشمس لعلي رضي الله عنه والرد عليه # (فصل) # قال الرافضي (1) : " التاسع: رجوع الشمس له مرتين: إحداهما: في زمن النبي ~~- صلى الله عليه وسلم. والثانية: بعده. أما الأولى فروى جابر وأبو سعيد ~~الخدري «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل عليه جبريل (2) يوما ~~يناجيه من عند الله، فلما تغشاه الوحي توسد فخذ أمير المؤمنين، فلم يرفع ~~رأسه حتى غابت الشمس، فصلى علي العصر (3) بالإيماء، فلما استيقظ النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - قال له: سل الله تعالى يرد عليك الشمس لتصلي العصر ~~قائما، فدعا ; فردت الشمس، فصلى العصر قائما» . # وأما الثانية: فلما أراد أن يعبر الفرات ببابل اشتغل كثير من أصحابه ~~[بتعبير] دوابهم (4) ، وصلى لنفسه (5) في طائفة من أصحابه العصر، وفات ~~كثيرا منهم، فتكلموا في ذلك، فسأل الله رد الشمس فردت. ونظمه الحميري (6) ~~فقال: PageV08P164 # ردت عليه الشمس لما فاته ... وقت الصلاة وقد دنت للمغرب # حتى تبلج نورها في وقتها ... للعصر ثم هوت هوي الكوكب # وعليه قد ردت ببابل مرة ... أخرى وما ردت لخلق معرب (1) . # والجواب: أن يقال: فضل علي وولايته لله وعلو منزلته عند الله معلوم (2) ، ~~ولله الحمد، من طرق ثابتة أفادتنا العلم اليقيني، لا يحتاج معها إلى كذب ~~ولا إلى ما لا يعلم صدقه. وحديث رد الشمس له قد ذكره طائفة، كالطحاوي، ~~والقاضي عياض، وغيرهما، وعدوا ذلك من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم. ~~لكن المحققون من أهل العلم والمعرفة بالحديث يعلمون أن هذا الحديث كذب ~~موضوع، كما ذكره ابن ms1941 الجوزي في كتاب " الموضوعات " (3) فرواه من كتاب أبي ~~جعفر العقيلي في الضعفاء، من طريق عبيد الله (4) بن موسى، عن فضيل بن ~~مرزوق، عن إبراهيم بن الحسن بن الحسن (5) ، عن فاطمة بنت الحسين، عن أسماء ~~بنت عميس، قالت: " «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوحى إليه ورأسه ~~في حجر علي فلم يصل العصر حتى غربت الشمس، (* فقال النبي - صلى الله عليه ~~وسلم: صليت يا علي؟ قال: لا *) (6) . فقال رسول الله PageV08P165 # - صلى الله عليه وسلم: اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك، فاردد عليه ~~الشمس. فقالت أسماء: فرأيتها غربت، ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت» ". قال أبو ~~الفرج (1) : " وهذا حديث (2) موضوع بلا شك، وقد اضطرب الرواة فيه، فرواه ~~سعيد بن مسعود، عن عبيد الله بن موسى، عن فضيل بن مرزوق، عن عبد الرحمن بن ~~عبد الله بن دينار (3) ، عن علي بن الحسين (4) ، عن فاطمة بنت علي (5) ، عن ~~أسماء ". قال: (6) " وفضيل بن مرزوق ضعفه يحيى، وقال أبو حاتم بن حبان: ~~يروي الموضوعات، ويخطئ على الثقات. قال أبو الفرج: " وهذا الحديث مداره على ~~عبيد الله بن موسى عنه " (7) . # قلت: والمعروف أن سعيد بن مسعود رواه عن عبيد الله بن موسى، عن فضيل بن ~~مرزوق، عن إبراهيم بن الحسن، عن فاطمة بنت الحسين، عن أسماء. ورواه محمد بن ~~مرزوق، عن حسين الأشقر، عن علي بن عاصم، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن ~~دينار (8) ، عن علي بن PageV08P166 # الحسين (1) ، عن فاطمة بنت علي، عن أسماء (2) ، كما سيأتي ذكره. قال أبو ~~الفرج (3) : " وقد روى هذا الحديث ابن شاهين، حدثنا (4) أحمد بن محمد بن ~~سعيد الهمداني، حدثنا (5) أحمد بن يحيى الصوفي، حدثنا (6) عبد الرحمن بن ~~شريك، حدثني أبي، عن عروة بن عبد الله بن قشير (7) ، قال: دخلت على فاطمة ~~بنت علي بن أبي طالب فحدثتني [أن أسماء بنت عميس حدثتها] (8) أن علي بن أبي ~~طالب. . وذكر حديث رجوع الشمس. قال أبو الفرج (9) : " وهذا حديث باطل. أما ~~عبد الرحمن بن شريك (10) ، فقال أبو حاتم (11) : هو واهي الحديث. قال ms1942: وأنا ~~لا أتهم بهذا الحديث إلا ابن عقدة (12) ; فإنه كان رافضيا يحدث بمثالب ~~الصحابة ". " قال أبو أحمد بن عدي الحافظ: سمعت أبا بكر بن أبي طالب (13) ~~يقول: ابن عقدة لا يتدين بالحديث، كان يحمل شيوخا (14) بالكوفة على الكذب، ~~يسوي لهم نسخا، ويأمرهم أن يرووها، وقد بينا ذلك منه في PageV08P167 # غير نسخة (1) ، (* وسئل عنه الدارقطني فقال: رجل سوء. قال أبو الفرج: " ~~وقد رواه ابن مردويه من حديث داود بن فراهيج عن أبي هريرة، قال: وداود ~~ضعيف، ضعفه شعبة *) " (2) . # قلت: فليس في هؤلاء من يحتج به فيما دون هذا. # وأما الثاني ببابل فلا ريب أن هذا كذب (3) . وإنشاد الحميري لا حجة فيه ; ~~لأنه لم يشهد ذلك، والكذب قديم، فقد سمعه فنظمه. وأهل الغلو في المدح والذم ~~ينظمون ما لا تتحقق صحته، لا سيما والحميري معروف بالغلو (4) . # وقد أخرجا في الصحيحين عن أبي هريرة قال: " «غزا نبي من الأنبياء فقال ~~لقومه: لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة يريد أن يبني بها ولما PageV08P168 # يبن، ولا رجل قد بنى بيتا ولم يرفع سقفه (1) ، ولا رجل اشترى غنما - أو ~~خلفات - وهو ينتظر (2) ولادها. قال: فغزوا، فدنا من القرية، حتى صلى العصر ~~قريبا من ذلك، فقال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علي شيئا، ~~فحبست عليه حتى فتح الله عليه» " الحديث (3) . # فإن قيل: فهذه الأمة أفضل من بني إسرائيل، فإذا كانت قد ردت ليوشع، فما ~~المانع أن ترد لفضلاء هذه الأمة؟ # فيقال: يوشع لم ترد له الشمس، ولكن تأخر غروبها، طول له النهار، وهذا قد ~~لا يظهر للناس ; فإن طول النهار وقصره لا يدرك. ونحن إنما علمنا وقوفها ~~ليوشع بخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -. # وأيضا لا مانع من طول ذلك (4) ، لو شاء الله لفعل ذلك. لكن يوشع كان ~~محتاجا إلى ذلك ; لأن القتال كان محرما عليه بعد غروب الشمس ; لأجل ما حرم ~~الله عليهم من العمل ليلة السبت ويوم السبت. وأما أمة محمد فلا حاجة لهم ~~إلى ذلك، ولا منفعة لهم فيه، فإن الذي ms1943 فاتته العصر إن كان مفرطا لم يسقط ~~ذنبه إلا بالتوبة، ومع التوبة لا يحتاج إلى PageV08P169 # رد، وإن لم يكن مفرطا، كالنائم والناسي، فلا ملام عليه في الصلاة بعد ~~الغروب. # وأيضا فبنفس غروب الشمس خرج الوقت المضروب للصلاة، فالمصلي بعد ذلك لا ~~يكون مصليا في الوقت الشرعي ولو عادت الشمس. # وقول الله تعالى: {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها} [سورة طه: ~~130] يتناول الغروب المعروف، فعلى العبد أن يصلي قبل هذا الغروب، وإن طلعت ~~ثم غربت. والأحكام المتعلقة بغروب الشمس حصلت بذلك الغروب، فالصائم يفطر، ~~ولو عادت بعد ذلك لم يبطل صومه، مع أن هذه الصورة لا تقع لأحد، ولا وقعت ~~لأحد، فتقديرها تقدير ما لا وجود له ; ولهذا لا يوجد الكلام على حكم مثل ~~هذا في كلام العلماء المفرعين. # وأيضا فالنبي - صلى الله عليه وسلم - فاتته العصر يوم الخندق، فصلاها ~~قضاء، هو وكثير من أصحابه، ولم يسأل الله رد الشمس. # وفي الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه بعد ذلك لما ~~أرسلهم إلى بني قريظة: " «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة» ". # فلما أدركتهم الصلاة في الطريق قال بعضهم: لم يرد منا تفويت الصلاة فصلوا ~~في الطريق، فقالت طائفة: لا نصلي إلا في بني قريظة، فلم يعنف واحدة من ~~الطائفتين (1) . # فهؤلاء الذين كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - صلوا العصر بعد ~~PageV08P170 # غروب الشمس، وليس علي بأفضل من النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا صلاها ~~هو وأصحابه معه بعد الغروب ; فعلي وأصحابه أولى بذلك. # فإن كانت الصلاة بعد الغروب لا تجزئ، أو ناقصة تحتاج إلى رد الشمس، كان ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى برد الشمس، وإن كانت كاملة مجزئة ~~فلا حاجة إلى ردها. # وأيضا فمثل هذه القضية من الأمور العظام الخارجة عن العادة، التي تتوفر ~~الهمم والدواعي على نقلها، فإذا لم ينقلها إلا الواحد والاثنان علم بيان ~~كذبهم في ذلك. # وانشقاق القمر كان بالليل وقت نوم الناس، ومع هذا فقد رواه الصحابة من ~~غير ms1944 وجه، وأخرجوه في الصحاح والسنن والمساند (1) من غير وجه (2) ، ونزل به ~~القرآن، فكيف برد الشمس التي تكون بالنهار، ولا يشتهر ذلك، ولا ينقله أهل ~~العلم نقل مثله؟ ! PageV08P171 # ولا يعرف قط أن الشمس رجعت بعد غروبها، وإن كان كثير من الفلاسفة ~~والطبيعيين وبعض أهل الكلام ينكر انشقاق القمر، وما يشبه ذلك، فليس الكلام ~~في هذا المقام. لكن الغرض أن هذا من أعظم خوارق العادات في الفلك، وكثير من ~~الناس ينكر إمكانه، فلو وقع لكان ظهوره ونقله أعظم من ظهور ما دونه ونقله، ~~فكيف يقبل وحديثه ليس له إسناد مشهور؟ فإن هذا يوجب العلم اليقيني بأنه كذب ~~لم يقع. # وإن كانت الشمس احتجبت بغيم، ثم ارتفع سحابها، فهذا من الأمور المعتادة، ~~ولعلهم ظنوا أنها غربت، ثم كشف الغمام عنها. # وهذا - وإن كان قد وقع - ففيه أن الله بين له بقاء الوقت حتى يصلي فيه. ~~ومثل هذا يجري لكثير من الناس. # وهذا الحديث قد صنف فيه مصنف جمعت فيه طرقه: صنفه أبو القاسم عبد الله بن ~~عبد الله (1) بن أحمد الحكاني سماه " مسألة في تصحيح رد الشمس وترغيب ~~النواصب الشمس " (2) وقال: هذا حديث روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~من طريق أسماء بنت عميس الخثعمية، ومن طريق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ~~ومن طريق أبي هريرة وأبي سعيد. وذكر حديث أسماء من طريق محمد بن أبي فديك. ~~PageV08P172 # قال: " أخبرني محمد بن موسى - وهو القطري - عن عون بن محمد، عن أمه - أم ~~جعفر - عن جدتها أسماء بنت عميس «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ~~الظهر، ثم أرسل عليا في حاجة، فرجع وقد صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم ~~- يعني العصر، فوضع رأسه في حجر علي ولم يحركه حتى غابت الشمس، فقال رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم: اللهم إن عبدك عليا [في طاعتك وطاعة رسولك] (1) ~~احتبس نفسه على نبيه (2) ، فرد عليه شرقها. قالت أسماء: فطلعت الشمس حتى ~~وقعت على الجبال، فقام علي فتوضأ وصلى العصر، ثم غابت الشمس» ". # قال أبو ms1945 القاسم المصنف: " أم جعفر هذه هي أم محمد بن جعفر بن أبي طالب، ~~والراوي عنها هو ابنها عون بن محمد بن علي المعروف، أبوه محمد بن الحنفية، ~~والراوي عنه هو محمد (3) بن موسى المديني، المعروف بالقطري. محمود في ~~روايته ثقة. والراوي عنه محمد بن إسماعيل بن أبي فديك المدني: ثقة. وقد ~~رواه عنه جماعة: منهم هذا الذي ذكرت روايته، وهو أحمد بن الوليد الأنطاكي، ~~وقد رواه (4) عنه نفر منهم أحمد بن عمير بن حوصاء، وذكره بإسناده من طريقه، ~~وفيه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر بالصهباء، ثم أرسل عليا ~~في حاجة، فرجع وقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - العصر، فوضع رأسه في ~~حجر علي، فلم يحركه حتى غربت الشمس، فقال النبي - صلى الله عليه ~~PageV08P173 # وسلم: اللهم إن عبدك عليا احتبس نفسه على نبيه، فرد عليها شرقها. قالت ~~أسماء: فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض، فقام علي وتوضأ وصلى ~~العصر، وذلك في الصهباء في غزوة خيبر» . # قال: ومنهم أحمد بن صالح المصري، عن ابن أبي فديك، رواه أبو جعفر الطحاوي ~~في كتاب " تفسير متشابه الأخبار " من تأليفه من طريقه. # ومنهم الحسن بن داود عن ابن أبي فديك، وذكره بإسناده، ولفظه: «أن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر بالصهباء من أرض خيبر، ثم أرسل عليا في ~~حاجة، فرجع وقد صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر، فوضع رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه في حجر علي، فلم يحركه حتى غربت الشمس، ~~فاستيقظ وقال: يا علي صليت العصر؟ قال: لا» . وذكره. قال: ويرويه عن أسماء ~~فاطمة بنت الحسين الشهيد. # ورواه من طريق أبي جعفر الحضرمي، حدثنا محمد بن مرزوق، حدثنا حسين ~~الأشقر، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن إبراهيم بن الحسن، عن فاطمة، عن أسماء بنت ~~عميس، قالت: «نزل جبريل على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ما صلى ~~العصر، فوضع رأسه - أو خده لا أدري أيهما قال - في حجر علي، ولم يصل العصر ~~حتى غابت ms1946 الشمس» " وذكره. # قال المصنف: " ورواه عن فضيل بن مرزوق جماعة، منهم عبيد الله # PageV08P174 # ابن موسى العبسي. ورواه الطحاوي من طريقه، ولفظه: «كان رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - يوحى إليه ورأسه في حجر علي، فلم يصل العصر حتى غابت ~~الشمس» . # ورواه أيضا من حديث عمار بن مطر عن فضيل (* بن مرزوق، من طريق أبي جعفر ~~العقيلي صاحب كتاب " الضعفاء ". # قلت: وهذا اللفظ يناقض الأول، ففيه أنه نام في حجره *) (1) من صلاة العصر ~~إلى غروب الشمس، وأن ذلك في غزوة خيبر بالصهباء. وفي الثاني أنه كان ~~مستيقظا يوحي إليه جبريل، ورأسه في حجر علي حتى غربت الشمس. وهذا التناقض ~~يدل على أنه غير محفوظ ; لأن هذا صرح (2) بأنه كان نائما هذا الوقت، وهذا ~~قال: كان يقظان يوحى إليه، وكلاهما باطل ; فإن النوم بعد العصر مكروه منهي ~~عنه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - تنام عيناه ولا ينام قلبه، فكيف تفوت ~~عليا صلاة العصر؟ # ثم تفويت الصلاة بمثل هذا، إما أن يكون جائزا، وإما أنه لا يجوز (3) . ~~فإن كان جائزا لم يكن على علي إثم إذا صلى العصر بعد الغروب، وليس علي أفضل ~~من النبي - صلى الله عليه وسلم - والنبي - صلى الله عليه وسلم - فاتته ~~العصر يوم الخندق حتى غربت الشمس، ثم صلاها، ولم ترد عليه الشمس، وكذلك لم ~~ترد لسليمان لما توارت بالحجاب. PageV08P175 # وقد نام النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه علي وسائر الصحابة عن الفجر ~~حتى طلعت الشمس، ولم ترجع لهم (1) إلى الشرق. # وإن كان التفويت محرما، فتفويت (2) العصر من الكبائر. وقال النبي - صلى ~~الله عليه وسلم: " «من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله» " (3) . # وعلي كان يعلم أنها الوسطى، وهي صلاة العصر. وقد روي عن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - في الصحيحين لما قال: " «شغلونا عن الصلاة الوسطى، صلاة العصر، ~~حتى غربت الشمس، ملأ الله أجوافهم وبيوتهم نارا» " (4) وهذا كان في الخندق ~~وخيبر بعد الخندق. # فعلي أجل قدرا من أن يفعل [مثل] (5) هذه الكبيرة، ويقره عليها جبريل ~~ورسول الله - صلى ms1947 الله عليه وسلم. ومن فعل هذا كان من مثالبه لا من مناقبه، ~~وقد نزه الله عليا عن ذلك. ثم إذا فاتت لم يسقط الإثم عنه بعود الشمس. # وأيضا فإذا كانت هذه القصة في خيبر في البرية قدام العسكر، والمسلمون ~~أكثر من ألف وأربعمائة، كان هذا مما يراه العسكر PageV08P176 # ويشاهدونه. ومثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي عن نقله ; فيمتنع أن ينفرد ~~بنقله الواحد والاثنان، فلو نقله الصحابة لنقله منهم أهل العلم، كما نقلوا ~~أمثاله، لم ينقله المجهولون الذين لا يعرف ضبطهم وعدالتهم. # وليس في جميع أسانيد هذا الحديث إسناد واحد يثبت، تعلم عدالة ناقليه ~~وضبطهم، ولا يعلم اتصال إسناده. # وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر: " «لأعطين الراية رجلا ~~يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» " (1) فنقل ذلك غير واحد من الصحابة، ~~وأحاديثهم في الصحاح والسنن والمساند (2) . # وهذا الحديث ليس في شيء من كتب الحديث المعتمدة: (* لا رواه أهل الصحيح ~~(3) ولا أهل السنن ولا المساند أصلا (4) ، بل اتفقوا على تركه والإعراض ~~عنه، فكيف يكون مثل هذه الواقعة العظيمة، التي هي لو كانت حقا من أعظم ~~المعجزات المشهورة الظاهرة، ولم يروها أهل الصحاح *) (5) والمساند، ولا ~~نقلها أحد من علماء المسلمين وحفاظ الحديث، ولا يعرف في شيء من كتب الحديث ~~المعتمدة! ! # والإسناد الأول رواه القطري، عن عون، عن أمه، عن (6) أسماء بنت عميس. ~~وعون وأمه ليسا ممن يعرف حفظهم وعدالتهم، ولا من PageV08P177 # المعروفين بنقل العلم، ولا يحتج (1) بحديثهم في أهون الأشياء، فكيف في ~~مثل هذا؟ ولا فيه سماع المرأة من (2) أسماء بنت عميس، فلعلها سمعت من يحكيه ~~عن أسماء فذكرته. # وهذا المصنف ذكر عن ابن أبي فديك أنه ثقة، وعن القطري أنه ثقة، ولم يمكنه ~~(3) أن يذكر عمن بعدهما أنه ثقة، وإنما ذكر أنسابهم. ومجرد المعرفة بنسب ~~الرجل لا توجب أن يكون حافظا ثقة. # وأما الإسناد الثاني فمداره على فضيل بن مرزوق، وهو معروف بالخطأ على ~~الثقات، وإن كان لا يتعمد الكذب (4) . قال فيه ابن حبان: يخطئ على الثقات، ~~ويروي عن عطية ms1948 الموضوعات (5) . وقال فيه أبو حاتم الرازي (6) : لا يحتج به. ~~وقال فيه يحيى بن معين مرة: هو ضعيف. وهذا لا يناقضه قول أحمد بن حنبل فيه: ~~لا أعلم إلا خيرا، وقول سفيان: هو ثقة، وقول يحيى (7) مرة: هو ثقة (8) ; ~~فإنه ليس ممن يتعمد الكذب، ولكنه PageV08P178 # يخطئ، وإذا روى له مسلم ما تابعه غيره عليه، لم يلزم أن يروي ما انفرد ~~به، مع أنه لم يعرف سماعه عن إبراهيم، ولا سماع إبراهيم من فاطمة، ولا سماع ~~فاطمة من أسماء. # ولا بد في ثبوت هذا الحديث من أن يعلم أن كلا من هؤلاء عدل ضابط، وأنه ~~سمع من الآخر، وليس هذا معلوما. وإبراهيم هذا لم يرو له أهل الكتب المعتمدة ~~- كالصحاح والسنن - ولا له ذكر في هذه الكتب، بخلاف فاطمة بنت الحسين، فإن ~~لها حديثا معروفا، فكيف يحتج بحديث مثل هذا؟ ولهذا لم يروه أحد من علماء ~~الحديث المعروفين في الكتب المعتمدة. # وكون الرجل أبوه كبير القدر لا يوجب أن يكون هو من العلماء المأمونين على ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عنه. وأسماء بنت عميس كانت ~~عند جعفر، ثم خلف عليها أبو بكر، ثم خلف عليها علي، ولها من كل [من] (1) ~~هؤلاء ولد، وهم يحبون عليا، ولم يرو هذا أحد منهم عن أسماء. ومحمد بن أبي ~~بكر الذي في حجر علي هو ابنها، ومحبته لعلي مشهورة، ولم يرو هذا عنها. # وأيضا فأسماء كانت زوجة جعفر بن أبي طالب، وكانت معه في الحبشة، وإنما ~~قدمت معه بعد فتح خيبر. وهذه القصة قد ذكر أنها كانت بخيبر، فإن كانت صحيحة ~~كان ذلك بعد فتح خيبر، وقد كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن شهد ~~خيبر أهل الحديبية: ألف وأربعمائة، PageV08P179 # وازداد العسكر بجعفر ومن قدم معه من الحبشة، كأبي موسى الأشعري وأصحابه، ~~والحبشة الذين قدموا مع جعفر في السفينة، وازدادوا أيضا بمن كان معهم من ~~أهل خيبر، فلم يرو هذا أحد من هؤلاء، وهذا مما يوجب القطع بأن هذا من الكذب ~~المختلق ms1949. # والطعن في فضيل ومن بعده إذا تيقن بأنهم (1) رووه، وإلا ففي إيصاله إليهم ~~نظر ; فإن الراوي الأول عن فضيل: الحسين بن الحسن الأشقر الكوفي (2) ، (* ~~قال البخاري: عنده مناكير. وقال النسائي وقال الدارقطني (3) : ليس بالقوي. ~~وقال الأزدي: ضعيف. وقال السعدي: حسين الأشقر *) (4) غال من الشاتمين ~~للخيرة. وقال ابن عدي: روى حديثا منكرا، والبلاء عندي منه، وكان جماعة من ~~ضعفاء الكوفة يحيلون ما يروون عنه من الحديث فيه (5) . # وأما الطريق الثالث ففيه عمار بن مطر، عن فضيل بن مرزوق. قال PageV08P180 # العقيلي: يحدث عن الثقات بالمناكير. وقال الرازي: كان يكذب أحاديث بواطل. ~~وقال ابن عدي: متروك الحديث (1) . # والطريق الأول من حديث عبيد الله بن موسى العبسي (2) ، وفي بعض طرقه عن ~~فضيل، وفي بعضها: " حدثنا " (3) فإذا لم يثبت أنه قال: " حدثنا " (4) أمكن ~~أن لا يكون سمعه ; فإنه من الدعاة إلى التشيع، الحراص على جمع أحاديث ~~التشيع، وكان يروي الأحاديث في ذلك عن الكذابين، وهو من المعروفين بذلك. ~~وإن كانوا قد قالوا فيه: ثقة، وإنه PageV08P181 # لا يكذب، فالله أعلم أنه هل كان يتعمد الكذب أم لا؟ لكنه كان يروي عن ~~الكذابين المعروفين بالكذب بلا ريب. والبخاري لا يروي عنه إلا ما عرف به ~~أنه صحيح من غير طريقه، وأحمد بن حنبل لم يرو عنه شيئا. قال المصنف: وله ~~روايات عن فاطمة سوى ما قدمنا (1) . # ثم رواه بطريق مظلمة، يظهر أنها كذب لمن له معرفة منوطة بالحديث، فرواه ~~من حديث أبي حفص الكتاني (2) ، حدثنا محمد بن عمر (3) القاضي - هو الجعاني ~~- حدثنا محمد بن إبراهيم بن جعفر العسكري من أصل كتابه، حدثنا أحمد بن محمد ~~بن يزيد بن سليم، حدثنا خلف بن سالم، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا سفيان ~~الثوري، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن أمه، عن فاطمة، عن أسماء «أن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - دعا لعلي حتى ردت عليه الشمس» . # وهذا مما لا يقبل نقله إلا ممن عرف عدالته وضبطه، لا من مجهول الحال، ~~فكيف إذا كان مما يعلم أهل الحديث أن الثوري لم يحدث ms1950 به، ولا حدث به عبد ~~الرزاق؟ وأحاديث الثوري وعبد الرزاق يعرفها أهل العلم بالحديث، ولهم أصحاب ~~يعرفونها. ورواه خلف بن سالم. ولو قدر أنهم رووه فأم أشعث مجهولة لا يقوم ~~بروايتها شيء. # وذكر طريقا ثانيا من طريق محمد بن مرزوق، حدثنا حسين الأشقر، عن علي بن ~~هاشم، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن PageV08P182 # علي بن الحسين، عن فاطمة بنت علي، عن أسماء بنت عميس. . الحديث. # قلت (1) : وقد تقدم كلام العلماء في حسين الأشقر، فلو كان الإسناد كلهم ~~ثقات، والإسناد متصل، لم يثبت بروايته شيء، فكيف إذا لم يثبت ذلك؟ وعلي بن ~~هاشم بن البريد قال البخاري: هو وأبوه غاليان في مذهبهما. وقال ابن حبان: ~~كان غاليا في التشيع، يروي المناكير عن المشاهير (2) . وإخراج أهل الحديث ~~(3) لما عرفوه من غير طريقه لا يوجب أن يثبت ما انفرد به. # ومن العجب أن هذا المصنف جعل هذا والذي بعده من طريق رواية فاطمة بنت ~~الحسين. وهذه فاطمة بنت علي لا بنت الحسين. # وكذلك (* ذكر الطريق الثالث عنها: من رواية عبد الرحمن بن شريك، حدثنا ~~أبي، عن عروة بن عبد الله، عن فاطمة بنت *) (4) علي، عن أسماء، عن علي بن ~~أبي طالب، «رفع (5) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد أوحي إليه فجلله ~~بثوبه، فلم يزل كذلك حتى أدبرت الشمس، يقول: غابت أو كادت تغيب، وأن نبي ~~الله - صلى الله عليه وسلم - سري عنه، فقال: أصليت يا علي؟ قال: لا. قال: ~~اللهم رد على علي الشمس، فرجعت الشمس حتى بلغت نصف المسجد» . PageV08P183 # فيقتضي أنها رجعت إلى قريب وقت العصر، وأن هذا كان بالمدينة. وفي ذاك ~~الطريق أنه كان بخيبر، وأنها إنما (1) ظهرت على رءوس الجبال. وعبد الرحمن ~~بن شريك قال أبو حاتم الرازي: هو واهي الحديث، وكذلك قد ضعفه غيره. # ورواه من طريق رابع من حديث محمد بن عمر القاضي - وهو الجعاني - عن ~~العباس بن الوليد (2) ، (* عن عباد (3) وهو الرواجني *) (4) ، حدثنا علي بن ~~هاشم، عن صباح بن (5) عبد الله بن الحسين ms1951 أبي جعفر، عن (6) حسين المقتول، ~~عن فاطمة، عن أسماء بنت عميس، قالت: «كان يوم خيبر شغل عليا ما كان من قسم ~~المغانم (7) ، حتى غابت الشمس أو كادت. فقال رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم: أما صليت؟ قال: لا. فدعا الله فارتفعت حتى توسطت السماء، فصلى علي، ~~فلما غابت الشمس سمعت لها صريرا كصرير المنشار في الحديد» . # وهذا اللفظ الرابع يناقض الألفاظ الثلاثة المتناقضة، وتبين أن ~~PageV08P184 # الحديث لم يروه صادق ضابط، بل هو في نفس الأمر مما اختلقه واحد وعملته ~~يداه، فتشبه به آخر، فاختلق ما يشبه حديث ذلك. والقصة واحدة. وفي هذا أن ~~عليا إنما اشتغل بقسم المغانم لا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلي ~~لم يقسم مغانم خيبر، ولا يجوز الاشتغال بقسمتها عن الصلاة ; فإن خيبر بعد ~~الخندق، سنة (1) سبع، وبعد الحديبية، سنة ست. وهذا من المتواتر عند أهل ~~العلم. # والخندق كانت قبل ذلك، إما سنة خمس أو أربع، وفيها أنزل الله تعالى: ~~{حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} [سورة البقرة: 238] ، ونسخ التأخير ~~بها (2) يوم الخندق، مع أنه كان للقتال عند أكثر أهل العلم (3) . ومن قال: ~~إنه لم ينسخ، بل يجوز التأخير للقتال، كأبي حنيفة، وأحمد - في إحدى ~~الروايتين - فلم يتنازع العلماء أنه لم يجز تفويت الصلاة لأجل قسم الغنائم ~~; فإن هذا لا يفوت، والصلاة تفوت. # وفي هذا أنها توسطت المسجد، وهذا من الكذب الظاهر ; فإن مثل هذا من أعظم ~~غرائب العالم، التي لو جرت لنقلها الجم الغفير. وفيه أنها لما غابت سمع لها ~~صرير كصرير المنشار، وهذا أيضا من الكذب الظاهر ; فإن هذا لا موجب له أيضا، ~~والشمس عند غروبها لا تلاقي من الأجسام ما يوجب هذا الصوت العظيم، الذي يصل ~~من الفلك الرابع إلى PageV08P185 # الأرض. ثم لو كان هذا حقا لكان من أعظم عجائب العالم التي تنقلها ~~الصحابة، الذين نقلوا ما هو دون هذا مما كان في خيبر وغير خيبر. # وهذا الإسناد لو روي به ما يمكن صدقه لم يثبت به شيء، فإن علي بن هاشم بن ms1952 ~~البريد كان غاليا في التشيع، يروي عن كل أحد يحرضه على ما يقوي به هواه (1) ~~، ويروي عن مثل صباح هذا، وصباح هذا لا يعرف من هو. ولهم في هذه الطبقة ~~صباح بن سهل الكوفي، يروي عن حصين بن عبد الرحمن. قال البخاري وأبو زرعة ~~وأبو حاتم: منكر الحديث. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال ابن حبان: يروي ~~المناكير عن أقوام مشاهير، لا يجوز الاحتجاج بخبره. # ولهم آخر يقال له: صباح بن محمد بن أبي حازم البجلي (2) (* الأحمسي ~~الكوفي يروي عن مرة الهمداني. قال ابن حبان: يروي عن الثقات الموضوعات. # ولهم شخص يقال له صباح *) (3) العبدي (4) قال الرازي: هو مجهول. وآخر ~~يقال له: ابن مجالد، مجهول يروي عنه بقية (5) . قال ابن عدي: ليس بالمعروف، ~~هو من شيوخ بقية (6) المجهولين. PageV08P186 # وحسين المقتول: إن أريد به الحسين بن علي، فذلك أجل قدرا من أن يروي عن ~~واحد عن أسماء بنت عميس، سواء كانت فاطمة أخته أو ابنته، فإن هذه القصة لو ~~كانت حقا لكان هو أخبر بها من هؤلاء، وكان قد سمعها من أبيه ومن غيره، ومن ~~أسماء امرأة أبيه، وغيرها، لم يروها عن بنته أو أخته، عن أسماء امرأة أبيه. # ولكن ليس هو الحسين بن علي، بل هو غيره، أو هو عبد الله بن الحسن أبو ~~جعفر، ولهما أسوة أمثالهما. # والحديث لا يثبت إلا برواية من علم أنه عدل ضابط ثقة يعرفه أهل الحديث ~~بذلك. ومجرد العلم بنسبته لا يفيد ذلك، ولو كان من كان. وفي أبناء الصحابة ~~والتابعين من لا يحتج بحديثه، وإن كان أبوه من خيار المسلمين. # هذا إن كان علي بن هاشم رواه، وإلا فالراوي عنه عباد بن يعقوب الرواجني. ~~قال (1) ابن حبان: كان رافضيا (* داعية يروي المناكير عن المشاهير ; فاستحق ~~الترك. وقال ابن عدي: روى أحاديث أنكرت عليه في فضائل *) (2) أهل البيت ~~ومثالب غيرهم. والبخاري وغيره روى عنه من الأحاديث ما يعرف صحته، وإلا ~~فحكاية قاسم المطرز عنه أنه قال: إن عليا حفر البحر، وإن الحسن أجرى فيه ~~الماء، مما ms1953 يقدح فيه قدحا بينا (3) . PageV08P187 # قال المصنف: قد رواه عن أسماء سوى هؤلاء، وروى (1) من طريق أبي العباس بن ~~عقدة، وكان مع حفظه جماعا لأكاذيب (2) الشيعة. قال أبو أحمد بن عدي: رأيت ~~مشايخ بغداد يسيئون (3) الثناء عليه، يقولون: لا يتدين بالحديث، ويحمل ~~شيوخا بالكوفة على الكذب، ويسوي (4) لهم نسخا، ويأمرهم بروايتها. وقال ~~الدارقطني: كان ابن عقدة رجل سوء (5) . قال ابن عقدة: حدثنا يحيى بن زكريا، ~~أخبرنا يعقوب بن معبد، حدثنا عمرو بن ثابت، قال: سألت عبد الله بن حسن بن ~~حسن بن علي عن حديث رد الشمس على علي: هل ثبت عندكم؟ فقال لي: ما أنزل الله ~~في علي في كتابه أعظم من رد الشمس. قلت: صدقت جعلني الله فداك، ولكني أحب ~~أن أسمعه منك. قال: [حدثني عبد الله] ، حدثني أبي الحسن (6) ، عن أسماء بنت ~~عميس أنها قالت: «أقبل علي ذات يوم وهو يريد أن يصلي العصر مع رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - فوافق PageV08P188 # رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد انصرف ونزل (1) عليه الوحي، فأسنده ~~إلى صدره، فلم يزل مسنده إلى صدره حتى أفاق رسول الله - صلى الله عليه وسلم ~~- فقال: أصليت العصر يا علي؟ قال: جئت والوحي ينزل عليك، فلم أزل مسندك إلى ~~صدري حتى الساعة. فاستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القبلة وقد ~~غربت الشمس، فقال: اللهم إن عليا كان في طاعتك فارددها عليه. قالت أسماء: ~~فأقبلت الشمس ولها صرير كصرير الرحى حتى ركدت في موضعها وقت العصر، فقام ~~علي متمكنا (2) فصلى العصر، فلما فرغ رجعت الشمس ولها صرير كصرير الرحى، ~~فلما غابت الشمس اختلط الظلام، وبدت النجوم» . # قلت: بهذا اللفظ الخامس يناقض تلك الألفاظ المتناقضة، ويزيد الناظر بيانا ~~في أنها مكذوبة مختلقة ; فإنه ذكر فيها أنها ردت إلى موضعها وقت العصر، وفي ~~الذي قبله: إلى نصف النهار، وفي الآخر: حتى ظهرت على رءوس الجبال. وفي هذا ~~أنه كان مسنده إلى صدره، وفي ذاك أنه كان رأسه في حجره. # وعبد الله بن الحسن لم يحدث بهذا ms1954 قط، وهو كان أجل قدرا من أن يروي مثل ~~هذا الكذب، ولا أبوه الحسن روى هذا عن أسماء. وفيه: ما أنزل (3) الله في ~~علي في كتابه أعظم من رد الشمس (4) شيئا. ومعلوم أن الله لم ينزل في علي ~~ولا غيره في كتابه في رد الشمس شيئا (5) . PageV08P189 # وهذا الحديث، إن كان ثابتا عن عمرو بن ثابت، الذي رواه عن عبد الله (1) ، ~~فهو الذي اختلقه ; فإنه كان معروفا بالكذب. قال أبو حاتم بن حبان: يروي ~~الموضوعات عن الأثبات. وقال يحيى بن معين: ليس بشيء. وقال مرة: ليس بثقة ~~ولا مأمون. وقال النسائي: متروك الحديث (2) . # قال المصنف: وأما رواية أبي هريرة فأنبأنا (3) عقيل بن الحسن العسكري، ~~حدثنا أبو محمد صالح بن أبي الفتح الشناسي (4) ، حدثنا أحمد بن عمرو بن ~~حوصاء، حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا يحيى بن يزيد بن عبد الملك ~~النوفلي (5) ، عن أبيه، قال: حدثنا داود بن فراهيج، عن عمارة بن فرو (6) ، ~~عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وذكره. . قال المصنف: اختصرته من حديث طويل. # قلت: هذا إسناد مظلم لا يثبت به شيء عند أهل العلم، بل يعرف PageV08P190 # كذبه من وجوه ; فإنه وإن كان داود بن فراهيج مضعفا، كان شعبة يضعفه، وقال ~~النسائي: ضعيف الحديث لا يثبت الإسناد إليه، فإن فيه يزيد بن عبد الملك ~~النوفلي، وهو الذي رواه عنه وعن عمارة. قال البخاري: أحاديثه شبه لا شيء، ~~وضعفه جدا. وقال النسائي: متروك [ضعيف] (1) الحديث. وقال الدارقطني: منكر ~~الحديث جدا. وقال أحمد: عنده مناكير. وقال الدارقطني: ضعيف. # وإن (2) كان حدث به إبراهيم بن سعيد الجوهري، فالآفة من هذا. وإن كان ~~يقال: إنه لم يثبته لا إلى إبراهيم بن سعيد الجوهري ولا إلى ابن حوصاء (3) ~~، فإن هذين معروفان، وأحاديثهما معروفة قد رواها عنهما الناس (4) ; ولهذا ~~لما روى ابن حوصاء الطريق الأول كان الإسناد إليه معروفا عنه، رواه ~~بالأسانيد المعروفة، لكن الآفة فيه ممن بعده. وأما هذا فمن قبل ابن حوصاء ~~لا يعرفون (5) . وإن قدر أنه ثابت عنه، فالآفة بعده. # وذكر أبو الفرج ms1955 بن الجوزي أن ابن مردويه رواه من طريق داود بن فراهيج، ~~وذكر ضعف ابن فراهيج، ومع هذا فالإسناد إليه فيه الكلام أيضا. # قال المصنف: وأما رواية أبي سعيد الخدري، فأخبرنا محمد بن PageV08P191 # إسماعيل الجرجاني كتابة، أن أبا طاهر محمد بن علي الواعظ أخبرهم، أنبأنا ~~محمد بن أحمد بن منعم، أنبأنا القاسم بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد ~~بن عمر، حدثني أبي، عن أبيه محمد، عن أبيه عبد الله، عن أبيه محمد (1) ، عن ~~أبيه عمر قال: قال الحسين بن علي: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: «دخلت على ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا رأسه في حجر علي، وقد غابت الشمس، ~~فانتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: يا علي صليت العصر؟ قال: لا يا ~~رسول الله ما صليت ; كرهت أن أضع رأسك من حجري وأنت وجع. فقال رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم: ادع يا علي أن ترد عليك (2) الشمس. (* فقال علي: يا ~~رسول الله ادع أنت أؤمن (3) . قال: يا رب إن عليا في طاعتك وطاعة رسولك ; ~~فاردد عليه الشمس» *) (4) . قال أبو سعيد: فوالله لقد سمعت للشمس صريرا ~~كصرير البكرة، حتى رجعت بيضاء نقية. # قلت: هذا الإسناد لا يثبت بمثله شيء، وكثير من رجاله لا يعرفون بعدالة ~~ولا ضبط، ولا حمل للعلم (5) ، ولا لهم ذكر في كتب العلم، وكثير من رجاله ~~(6) لو لم يكن فيهم إلا واحد بهذه المنزلة لم يكن ثابتا، فكيف إذا كان كثير ~~منهم - أو أكثرهم - كذلك، ومن هو معروف بالكذب، مثل عمرو بن ثابت؟ ! ~~PageV08P192 # وفيه: أنه كان وجعا، وأنه سمع صوتها (1) حين طلعت كصرير (2) البكرة، وهذا ~~باطل عقلا، ولم يذكره أولئك. ولو كان مثل هذا الحديث عن أبي سعيد - مع ~~محبته لعلي وروايته لفضائله - لرواه عنه أصحابه المعروفون، كما رووا غير ~~ذلك من فضائل علي، مثل رواية أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ~~ذكر الخوارج، قال: " «تقتلهم أولى الطائفتين بالحق» " (3) ، ومثل روايته ~~أنه قال لعمار: " «تقتلك الفئة الباغية» " (4) ، فمثل هذا ms1956 الحديث الصحيح عن ~~أبي سعيد بين فيه أن عليا وأصحابه أولى بالحق من معاوية وأصحابه، فكيف لا ~~يروي عنه مثل هذا لو كان صحيحا؟ ! # ولم يحدث بمثل هذا الحسين ولا أخوه عمر ولا علي، ولو كان مثل هذا عندهما ~~لحدث به (5) عنهما (6) المعروفون (7) بالحديث عنهما ; فإن هذا أمر عظيم. # قال المصنف: وأما رواية أمير المؤمنين، فأخبرنا أبو العباس الفرغاني، ~~أخبرنا أبو الفضل الشيباني، حدثنا رجاء بن يحيى الساماني، حدثنا هارون بن ~~مسلم [بن سعيد] (8) بسامرا (9) سنة أربعين ومائتين، PageV08P193 # حدثنا عبد الله بن عمرو الأشعث، عن داود بن الكميت، عن عمه المستهل بن ~~زيد، عن أبي زيد بن سهلب (1) ، عن جويرية بنت مسهر (2) ، قالت (3) : خرجت ~~مع علي فقال: يا جويرية إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوحى إليه ~~ورأسه في حجري، وذكره. . # قلت: وهذا الإسناد أضعف مما تقدم، وفيه من الرجال المجاهيل الذين لا يعرف ~~أحدهم بعدالة ولا ضبط. وانفرادهم بمثل هذا الذي لو كان علي قاله لرواه عنه ~~المعروفون من أصحابه، وبمثل هذا الإسناد عن هذه المرأة (4) ، ولا يعرف حال ~~هذه المرأة، ولا حال هؤلاء الذين رووا عنها، بل ولا تعرف أعيانهم، فضلا عن ~~صفاتهم - لا يثبت فيه (5) شيء، وفيه ما يناقض الرواية التي هي أرجح منه، مع ~~أن الجميع كذب ; فإن المسلمين رووا من فضائل علي ومعجزات النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - ما هو دون هذا، وهذا لم يروه [أحد] (6) من أهل العلم بالحديث. # وقد صنف جماعة من علماء الحديث في فضائل علي، كما صنف الإمام أحمد ~~فضائله، وصنف أبو نعيم في فضائله، وذكر فيها أحاديث PageV08P194 # كثيرة ضعيفة، ولم يذكر هذا ; لأن الكذب ظاهر عليه، بخلاف غيره. وكذلك لم ~~يذكره الترمذي، مع أنه جمع في فضائل علي أحاديث، كثير (1) منها ضعيف. وكذلك ~~النسائي وأبو عمر بن عبد البر. وجمع النسائي مصنفا في (2) خصائص علي. # قال المصنف: وقد حكى أبو جعفر الطحاوي (3) عن علي بن عبد الرحمن، عن أحمد ~~بن صالح المصري، أنه كان يقول (4) : لا (5) ينبغي لمن كان ms1957 سبيله العلم ~~التخلف عن حفظ حديث أسماء في رد الشمس ; لأنه من علامات النبوة (6) . # قلت: أحمد بن صالح رواه من الطريق الأول، ولم يجمع طرقه وألفاظه التي تدل ~~من وجوه كثيرة على أنه كذب. وتلك الطريق راويها مجهول عنده، ليس معلوم ~~الكذب عنده، فلم يظهر له كذبه. # والطحاوي ليست عادته نقد الحديث كنقد أهل العلم ; ولهذا روى في " شرح ~~معاني الآثار " الأحاديث المختلفة، وإنما يرجح ما يرجحه منها في الغالب من ~~جهة القياس الذي رآه حجة، ويكون أكثرها مجروحا من جهة (7) الإسناد لا يثبت، ~~ولا يتعرض لذلك ; فإنه لم تكن معرفته بالإسناد PageV08P195 # كمعرفة أهل العلم به، وإن كان كثير الحديث، فقيها عالما (1) . # قال المصنف: وقال أبو عبد الله البصري: عود الشمس بعد مغيبها آكد حالا ~~فيما يقتضي نقله ; لأنه وإن كان فضيلة لأمير المؤمنين، فإنه من أعلام ~~النبوة، وهو مفارق لغيره من (2) فضائله في كثير من أعلام النبوة. # قلت: وهذا من أظهر الأدلة على أنه كذب ; فإن أهل العلم بالحديث رووا ~~فضائل علي التي ليست من أعلام النبوة، وذكروها في الصحاح والسنن والمساند، ~~رووها عن العلماء الأعلام الثقات المعروفين. فلو كان هذا مما رواه الثقات، ~~لكانوا أرغب في روايته، وأحرص الناس على [بيان] (3) صحته، لكنهم لم يجدوا ~~أحدا رواه بإسناد يعرف أهله بحمل العلم، ولا يعرفون بالعدالة والضبط، مع ما ~~فيه من الأدلة الكثيرة (4) على تكذيبه. PageV08P196 # قال: وقال أبو العباس بن عقدة، حدثنا جعفر بن محمد بن عمرو (1) ، أنبأنا ~~(2) سليمان بن عباد، سمعت بشار بن دراع، قال: لقي أبو حنيفة (3) محمد بن ~~النعمان (4) فقال: عمن رويت حديث رد الشمس؟ فقال: عن غير الذي رويت عنه يا ~~سارية الجبل. قال المصنف: وكل هذه أمارات ثبوت الحديث. # قلت: هذا يدل على أن أئمة أهل العلم لم يكونوا يصدقون بهذا الحديث ; فإنه ~~لم يروه إمام من أئمة المسلمين. وهذا أبو حنيفة، أحد الأئمة المشاهير، وهو ~~لا يتهم على علي، فإنه من أهل الكوفة دار الشيعة، وقد لقي من الشيعة، وسمع ~~من فضائل علي ms1958 ما شاء الله، وهو يحبه ويتولاه، ومع هذا أنكر هذا الحديث على ~~محمد بن النعمان (5) . وأبو حنيفة أعلم وأفقه من الطحاوي وأمثاله، ولم يجبه ~~ابن النعمان بجواب صحيح، بل قال: عن غير من رويت عنه حديث: يا سارية الجبل. # فيقال له: هب أن ذلك كذب، فأي شيء في كذبه مما يدل على PageV08P197 # صدق هذا. فإن كان كذلك (1) ، فأبو حنيفة لا ينكر أن يكون لعمر وعلي ~~وغيرهما كرامات، بل أنكر هذا الحديث ; للدلائل الكثيرة على كذبه، ومخالفته ~~للشرع والعقل، وأنه لم يروه أحد من العلماء المعروفين بالحديث، من التابعين ~~وتابعيهم، وهم الذين يروون عن الصحابة، بل لم يروه إلا كذاب أو مجهول لا ~~يعلم عدله وضبطه، فكيف يقبل هذا من مثل هؤلاء؟ ! # وسائر علماء المسلمين يودون أن يكون مثل هذا صحيحا ; لما فيه من معجزات ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - وفضيلة علي، على الذين يحبونه ويتولونه، ~~ولكنهم لا يستجيزون التصديق بالكذب، فردوه ديانة (2) . ### | فصل العاشر كلام الرافضي على كرامات علي رضي الله عنه والرد عليه # (فصل) # قال الرافضي (3) : " العاشر: ما رواه أهل السير: أن الماء زاد بالكوفة ~~(4) ، وخافوا الغرق، ففزعوا إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (5) ، فركب ~~بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرج الناس معه، فنزل على شاطئ ~~الفرات [فصلى] (6) ، ثم دعا وضرب صفحة (7) الماء بقضيب كان في يده (8) ، ~~فغاص الماء، PageV08P198 # فسلم عليه كثير (1) من الحيتان، ولم ينطق الجري ولا المرماهي (2) ، فسئل ~~عن ذلك، فقال: أنطق الله ما طهره من السمك، وأسكت ما أنجسه وأبعده " (3) . # والجواب من وجوه: أحدها: [المطالبة] بأن يقال (4) : أين إسناد هذه ~~الحكاية الذي (5) يدل على صحتها وثبوتها؟ وإلا فمجرد الحكايات المرسلة بلا ~~إسناد يقدر عليه كل أحد، لكن لا يفيد شيئا. # الثاني: أن بغلة النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تكن عنده. # الثالث: أن هذا لم ينقله أحد من أهل الكتب المعتمد عليهم. ومثل هذه القصة ~~لو كانت صحيحة لكانت مما تتوفر الهمم والدواعي على نقلها. وهذا الناقل لم ~~يذكر لها إسنادا، فكيف يقبل ms1959 ذلك بمجرد حكاية لا إسناد لها؟ ! # الرابع: أن السمك كله مباح، كما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ~~قال في البحر: " هو الطهور ماؤه، الحل ميتته " (6) . PageV08P199 # وقد قال تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة} [سورة ~~المائدة: 96] . # وقد أجمع [سلف] (1) الأمة وأئمتها على حل السمك كله. وعلي مع سائر ~~الصحابة يحلون هذه الأنواع، فكيف يقولون: إن الله أنجسه؟ ! # ولكن الرافضة جهال يحرمون ما أحل الله بمثل هذه الحكاية المكذوبة. # الخامس: أن يقال: نطق السمك ليس مقدورا له في العادة، ولكن هو من خوارق ~~العادات. فالله تعالى هو الذي أنطق ما أنطق منها، وأسكت ما أسكته، إن كان ~~قد وقع، فأي ذنب لمن أسكته الله، حتى يقال: هو نجس؟ ! # ومن جعل للعجماء ذنبا بأن الله لم ينطقها كان ظالما لها. # وإن قال قائل: بل الله أقدرها على ذلك، فامتنعت منه (2) . # فيقال: إقداره لها على ذلك - لو وقع - إنما كان كرامة لعلي - رضي الله ~~عنه - والكرامة إنما تحصل بالنطق بالسلام عليه، لا بمجرد القدرة عليه مع ~~الامتناع منه، فإذا لم يسلم عليه، لم يكن في إقدارها مع - امتناعها - كرامة ~~له، بل فيه تحريم الطيبات على الناس، فإن لحمها طيب (3) ، وذلك من باب ~~العقوبات. # كما قال تعالى: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم ~~عن سبيل الله كثيرا} [سورة النساء: 160] . PageV08P200 # وقد قيل: إن تحريم ذلك كان من أخلاق اليهود، وما هو من إخوانهم الرافضة ~~ببعيد. # السادس: أن يقال: المقصود هنا كان حاصلا بنضوب الماء، فأما تسليم السمك ~~فلم يكن إليه حاجة، ولا كان هناك سبب يقتضي خرق العادة لتقوية الإيمان ; ~~فإن ذلك يكون حجة وحاجة، ولم يكن هناك حجة ولا حاجة. # ألا ترى أن انفلاق البحر لموسى كان أعظم من نضوب الماء، ولم يسلم السمك ~~على موسى. ولما ذهب موسى (1) إلى الخضر وكان معه حوت مالح في مكتل، فأحياه ~~الله حتى انساب ونزل في الماء، وصار البحر عليه سربا، ولم يسلم على موسى ~~ولا على يوشع ms1960. والبحر دائما يجزر ويمد، ولم يعرف أن السمك سلم على أحد من ~~الصحابة والتابعين وغيرهم. # وعلي أجل قدرا من أن يحتاج إلى إثبات فضائله بمثل هذه الحكايات، التي ~~تعلم العقلاء أنها من المكذوبات (2) . ### | فصل الحادي عشر كلام الرافضي على كرامات علي رضي الله عنه ومخاطبته للثعبان والرد عليه # (فصل) # قال الرافضي (3) : " الحادي عشر: روى جماعة أهل السير أن PageV08P201 # عليا كان (1) يخطب على منبر الكوفة، فظهر ثعبان فرقي المنبر، وخاف الناس ~~(2) ، وأرادوا قتله، فمنعهم، فخاطبه، ثم نزل (3) . فسأل الناس عنه، فقال: ~~إنه حاكم الجن، التبست عليه قصة (4) ، فأوضحتها له، وكان أهل الكوفة يسمون ~~الباب الذي دخل منه [الثعبان] (5) : " باب الثعبان "، فأراد بنو أمية إطفاء ~~هذه الفضيلة، فنصبوا على ذلك الباب قتلى مدة، حتى سمي: باب القتلى " (6) . # والجواب: أنه لا ريب أن من دون علي بكثير تحتاج الجن إليه وتستفتيه ~~وتسأله، وهذا معلوم قديما وحديثا، فإن كان هذا قد وقع، فقدره أجل من ذلك. ~~وهذا من أدنى فضائل من هو دونه. وإن لم يكن وقع، لم ينقص فضله بذلك. # وإنما يحتاج أن يثبت فضيلة علي بمثل هذه الأمور من يكون مجدبا (7) منها، ~~فأما من باشر أهل الخير والدين، الذين لهم أعظم من هذه الخوارق، أو رأى في ~~نفسه ما هو أعظم من هذه الخوارق، لم يكن هذا مما يوجب أن يفضل بها علي. # ونحن نعلم أن من هو دون علي بكثير من الصحابة خير منا بكثير، PageV08P202 # فكيف يمكن مع هذا أن يجعل مثل هذا حجة على فضيلة علي على الواحد منا، ~~فضلا عن أبي بكر وعمر؟ ! # ولكن الرافضة - لجهلهم وظلمهم وبعدهم عن طريق أولياء الله - ليس لهم من ~~كرامات الأولياء المتقين ما يعتد به، فهم لإفلاسهم منها إذا سمعوا شيئا من ~~خوارق العادات عظموه تعظيم المفلس للقليل من النقد، والجائع للكسرة من ~~الخبز. # ولو ذكرنا ما باشرناه نحن من هذا الجنس، مما هو أعظم من ذلك مما قد رآه ~~الناس، لذكرنا شيئا كثيرا. # والرافضة - لفرط جهلهم وبعدهم عن ولاية الله وتقواه - ليس ms1961 لهم نصيب كثير ~~من كرامات الأولياء (1) ، فإذا سمعوا مثل هذا عن علي ظنوا أن هذا لا يكون ~~إلا لأفضل الخلق، بل هذه الخوارق المذكورة - وما هو أعظم منها - يكون لخلق ~~كثير من أمة محمد النبي - صلى الله عليه وسلم - المعروفين بأن أبا بكر وعمر ~~وعثمان وعليا خير منهم، الذين يتولون الجميع ويحبونهم، ويقدمون من قدم الله ~~ورسوله، لا سيما الذين يعرفون قدر الصديق ويقدمونه، فإنهم أخص هذه الأمة ~~بولاية الله وتقواه. # واللبيب يعرف ذلك بطرق (2) . إما أن يطالع الكتب المصنفة في أخبار ~~الصالحين وكرامات الأولياء، مثل كتاب ابن أبي الدنيا، وكتاب الخلال، ~~واللالكائي، وغيرهم، ومثل ما يوجد من ذلك في أخبار الصالحين، مثل " الحلية ~~" لأبي نعيم، " وصفوة (3) الصفوة " وغير ذلك. PageV08P203 # وإما أن يكون قد باشر من رأى ذلك. وإما أن يخبره بذلك من هو عنده صادق. # فما زال الناس في كل عصر يقع لهم من ذلك شيء كثير، ويحكي ذلك بعضهم لبعض. ~~وهذا كثير (1) في كثير من المسلمين. # وإما أن يكون بنفسه وقع له بعض ذلك. # وهذه جيوش أبي بكر وعمر ورعيتها: لهم من ذلك أعظم من ذلك. مثل العلاء بن ~~الحضرمي وعبوره على الماء، كما تقدم ذكره، فإن هذا أعظم من نضوب الماء، ~~ومثل استقائه، ومثل البقر الذي كلم سعد بن أبي وقاص في وقعة القادسية، ومثل ~~نداء عمر: " يا سارية الجبل " وهو بالمدينة، وسارية بنهاوند، ومثل شرب خالد ~~بن الوليد السم. # ومثل إلقاء أبي مسلم الخولاني في النار، فصارت عليه النار بردا وسلاما، ~~لما ألقاه فيها الأسود العنسي المتنبئ الكذاب، وكان قد استولى على اليمن، ~~فلما امتنع أبو مسلم من الإيمان به ألقاه في النار، فجعلها الله عليه بردا ~~وسلاما، فخرج منها يمسح جبينه، وغير ذلك مما يطول وصفه. # ومما ينبغي أن يعلم أن خوارق العادات تكون لأولياء الله بحسب حاجتهم، فمن ~~كان بين الكفار أو المنافقين أو الفاسقين احتاج إليها لتقوية اليقين ; ~~فظهرت عليه كظهور النور في الظلمة. # فلهذا يوجد بعضها لكثير من المفضولين، أكثر مما يوجد ms1962 للفاضلين ; لحاجتهم ~~إلى ذلك. PageV08P204 # وهذه الخوارق لا تراد لنفسها، بل لأنها وسيلة إلى طاعة الله ورسوله، فمن ~~جعلها غاية له ويعبد لأجلها، لعبت به الشياطين، وأظهرت له خوارق من جنس ~~خوارق السحرة والكهان. فمن كان لا يتوصل إلى ذلك إلا بها، كان أحوج إليها، ~~فتكثر في حقه أعظم مما تكثر في حق من استغنى عنها ; ولهذا كانت في التابعين ~~أكثر منها في الصحابة. # ونظير هذا في العلم: علم الأسماء واللغات: فإن المقصود بمعرفة النحو ~~واللغة التوصل إلى فهم كتاب الله ورسوله وغير ذلك، وأن ينحو الرجل بكلامه ~~نحو كلام العرب. والصحابة لما استغنوا عن النحو واحتاج إليه من بعدهم، صار ~~لهم من الكلام في قوانين العربية ما لا يوجد مثله للصحابة ; لنقصهم وكمال ~~الصحابة، وكذلك صار لهم من الكلام في أسماء الرجال وأخبارهم ما لا يوجد ~~مثله للصحابة (1) ; لأن هذه وسائل تطلب لغيرها، فكذلك كثير من النظر والبحث ~~احتاج إليه كثير من المتأخرين، واستغنى عنه الصحابة. # وكذلك ترجمة القرآن لمن لا يفهمه بالعربية، يحتاج إليه من لغته فارسية ~~تركية ورومية، والصحابة لما كانوا عربا استغنوا عن ذلك. # وكذلك كثير من التفسير والغريب يحتاج إليه كثير من الناس، والصحابة ~~استغنوا عنه. # فمن جعل النحو ومعرفة الرجال، والاصطلاحات النظرية والجدلية المعينة على ~~النظر والمناظرة، مقصودة لنفسها، رأى أصحابها أعلم من PageV08P205 # الصحابة، كما يظنه كثير ممن أعمى الله بصيرته. ومن علم أنها مقصودة ~~لغيرها، علم أن الصحابة الذين علموا المقصود بهذه أفضل ممن لم تكن معرفتهم ~~مثلهم في معرفة المقصود، وإن كان بارعا في الوسائل. # وكذلك الخوارق: كثير من المتأخرين صارت عنده مقصودة لنفسها، فيكثر ~~العبادة والجوع والسهر والخلوة ; ليحصل له نوع من المكاشفات والتأثيرات، ~~كما يسعى الرجل ليحصل له من السلطان والمال. وكثير من الناس إنما يعظم ~~الشيوخ لأجل ذلك، كما تعظم الملوك والأغنياء لأجل ملكهم وملكهم. # وهذا الضرب قد يرى أن هؤلاء أفضل من الصحابة ; ولهذا يكثر في هذا الضرب ~~المنكوس الخروج عن الرسالة، وعن أمر الله ورسوله، ويقفون مع أذواقهم ms1963 ~~وإراداتهم (1) ، لا عند طاعة الله ورسوله، ويبتلون بسلب الأحوال، ثم ~~الأعمال، ثم أداء الفرائض، ثم الإيمان. # كما أن [من] (2) أعطي ملكا ومالا فخرج فيه عن الشريعة وطاعة الله ورسوله، ~~واتبع فيه هواه، وظلم الناس - عوقب على ذلك: إما بالعزل، وإما بالخوف ~~والعدو، وإما بالحاجة والفقر، وإما بغير ذلك. # والمقصود لنفسه في الدنيا هو الاستقامة على ما يرضاه الله ويحبه، باطنا ~~وظاهرا. فكلما كان الرجل أتبع لما يرضاه الله ورسوله، وأتبع لطاعة الله ~~ورسوله، كان أفضل. ومن حصل له المقصود من الإيمان واليقين والطاعة بلا ~~خارق، لم يحتج إلى خارق. PageV08P206 # كما أن صديق الأمة أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعليا، وطلحة، والزبير، ~~وأمثالهم من السابقين الأولين، لما تبين لهم أن محمدا - صلى الله عليه وسلم ~~- رسول الله آمنوا به (1) ، ولم يحتاجوا مع ذلك من الخوارق إلى ما احتاج ~~إليه من لم يعرف كمعرفتهم. # ومعرفة الحق له أسباب متعددة، وقد نبهنا على ذلك في غير هذا الموضع، في ~~تقرير الرسالة وأعلام النبوة، وبينا أن الطريق إلى معرفة صدق الرسول كثيرة ~~جدا، وأن طريق المعجزات طريق من الطرق، وأن من قال من النظار: (* إن تصديق ~~الرسول لا يمكن إلا بالمعجزة، كان كمن قال: إن معرفة الصانع لا تحصل إلا ~~بالمعرفة بحدوث العالم (2) . # وهذا وأمثاله مما يقوله كثير من النظار *) (3) الذين يحصرون نوعا من ~~العلم بدليل معين يدعون أنه لا يحصل إلا بذلك، مما أوجب تفرق الناس، فطائفة ~~توافقهم على ذلك ; فيوجبون على كل أحد ما لم يوجبه الله ورسوله، لا سيما إن ~~كان ذلك الطريق الذي استدلوا به مقدوحا في بعض مقدماته، كأدلتهم على حدوث ~~العالم بحدوث الأجسام. # وطائفة تقدح في الطرق (4) النظرية جملة، وتسد باب النظر والمناظرة، وتدعي ~~تحريم ذلك مطلقا، واستغناء الناس عنه، فتقع الفتنة بين هؤلاء وهؤلاء (5) . ~~PageV08P207 # وحقيقة الأمر أن طرق العلم متعددة، وقد يغني الله كثيرا من الناس عن تلك ~~الطرق المعينة، بل عن النظر بعلوم ضرورية تحصل لهم، وإن كانت العبادة قد ~~تعد النفس لتلك العلوم الضرورية حتى تحصل ms1964 إلهاما. وطائفة من الناس يحتاجون ~~إلى النظر. أو إلى تلك الطرق: إما لعدم ما يحصل لغيرهم، وإما لشبه عرضت لهم ~~لا (1) تزول إلا بالنظر. # وكذلك [كثير] (2) من الأحوال التي تعرض لبعض السالكين (3) : من (4) الصعق ~~والغشي والاضطراب عند الذكر وسماع القرآن وغيره، ومن الفناء عن شهود ~~المخلوقات، بحيث يصطلم (5) ويبقى لا يشهد قلبه إلا الله، حتى يغيب بمشهوده ~~عن نفسه. فمن الناس من يجعل هذا لازما لا بد لكل من سلك (6) منه، ومنهم من ~~يجعله هو الغاية ولا مقام وراءه، ومنهم من يقدح في هذا، ويجعله من البدع ~~التي لم تنقل عن الصحابة. # والتحقيق أن هذا أمر [يقع] (7) لبعض السالكين بحسب قوة الوارد ~~PageV08P208 # عليه، وضعف القلب عن التمكين بحبه. فمن لم يجد ذلك: قد يكون لكمال قوته ~~وكمال إيمانه، وقد يكون لضعف إيمانه، مثل كثير من البطالين والفساق وأهل ~~البدع. وليس هذا من لوازم الطرق، بل قد يستغني عنه كثير من السالكين، وليس ~~هو الغاية، بل كمال الشهود ; بحيث يميز بين المخلوق والخالق، ويشهد معاني ~~أسماء الله وصفاته، ولا يشغله هذا عن (1) هذا - هو أكمل في الشهود، وأقوى ~~في الإيمان. ولكن من عرض له تلك الحال [التي تعرض] (2) احتاج إلى ما ~~يناسبها. وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع. # لكن المقصود أن تعرف مرتبة الخوارق وأنها عند أولياء الله الذين يريدون ~~وجهه، ويحبون ما أحبه الله ورسوله، في مرتبة الوسائل التي يستعان بها، كما ~~يستعان بغير الخوارق، فإن لم يحتاجوا إليها - استغناء بالمعتادات - لم ~~يتلفتوا إليها. وأما عند كثير ممن يتبع هواه ويحب الرياسة عند الجهال ونحو ~~ذلك، فهي عندهم أعلى المقاصد. # كما أن كثيرا من طلبة العلم ليس مقصودهم به إلا تحصيل رياسة أو مال، ولكل ~~امرئ ما نوى. وأما أهل العلم والدين الذين هم أهله، فهو (3) مقصود عندهم ~~لمنفعته (4) لهم، وحاجتهم إليه في الدنيا والآخرة. كما قال معاذ بن جبل في ~~صفة العلم: إن (5) طلبه لله عبادة، ومذاكرته PageV08P209 # تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، به يعرف ms1965 الله ~~ويعبدونه، ويمجد الله ويوحد (1) . # ولهذا تجد أهل الانتفاع به يزكون به نفوسهم، ويقصدون فيه اتباع الحق لا ~~اتباع الهوى ويسلكون فيه سبيل العدل والإنصاف، ويحبونه ويلتذون به، ويحبون ~~كثرته وكثرة أهله، وتنبعث هممهم على العمل به وبموجبه ومقتضاه (2) ، بخلاف ~~من لم يذق حلاوته وليس مقصوده إلا مالا أو رياسة، فإن ذلك لو حصل له بطريق ~~آخر سلكه، وربما رجحه إذا كان أسهل عليه. # ومن عرف هذا تبين له أن المقاصد التي يحبها الله ويرضاها التي حصلت لأبي ~~بكر، أكمل مما حصل لعمر، والتي حصلت لعمر أكمل مما حصل لعثمان، والتي حصلت ~~لعثمان أكمل مما حصل لعلي، وأن الصحابة كانوا أعلم الخلق بالحق، وأتبعهم ~~له، وأحقهم بالعدل، وإيتاء كل ذي حق حقه، وأنه لم يقدح فيهم إلا مفرط في ~~الجهل بالحقائق التي بها (3) يستحق المدح والتفضيل، وبما آتاهم الله من ~~الهدى إلى سواء السبيل. # ولهذا من لم يسلك في عبادته الطريق الشرعية التي أمر الله بها ~~PageV08P210 # ورسوله، وتعلقت همته بالخوارق، فإنه قد يقترن به من الجن والشياطين (1) ~~من يحصل له به نوع من الخبر عن بعض الكائنات، أو يطير به في الهواء، أو ~~يمشي به على الماء، فيظن ذلك من كرامات الأولياء، وأنه ولي لله، ويكون سبب ~~شركه أو كفره، أو بدعته أو فسقه. # فإن هذا الجنس قد يحصل لبعض الكفار وأهل الكتاب وغيرهم، وقد يحصل لبعض ~~الملحدين المنتسبين إلى المسلمين، مثل من لا يرى الصلوات واجبة، بل ولا يقر ~~بأن محمدا رسول الله، بل يبغضه ويبغض القرآن، ونحو ذلك من الأمور التي توجب ~~كفره، ومع هذا تغويه الشياطين ببعض الخوارق، كما تغوي المشركين، كما كانت ~~تقترن بالكهان والأوثان، وهي اليوم كذلك في المشركين من أهل الهند والترك ~~والحبشة، وفي كثير من المشهورين في البلاد التي فيها الإسلام ممن هو كافر ~~أو فاسق، أو جاهل مبتدع، كما قد بسط في موضع آخر. ### | فصل الثاني عشر كلام الرافضي على فضائل علي رضي الله عنه والرد عليه # (فصل) # قال الرافضي (2) : " الثاني عشر ms1966: الفضائل: إما نفسانية: أو بدنية: أو ~~خارجية. وعلى التقديرين الأولين: فإما أن تكون متعلقة بالشخص نفسه، أو ~~بغيره. وأمير المؤمنين علي جمع (3) PageV08P211 # الكل. أما فضائله (1) النفسانية المتعلقة به - كعلمه وزهده وكرمه وحلمه - ~~فأشهر من أن تحصى (2) ، والمتعلقة بغيره كذلك، كظهور (3) العلوم (4) عنه، ~~واستيفاء (5) غيره منه. وكذا فضائله (6) البدنية كالعبادة والشجاعة ~~والصدقة. وأما الخارجية كالنسب فلم يلحقه فيه أحد ; لقربه من النبي - صلى ~~الله عليه وسلم (7) - وتزويجه إياه بابنته (8) سيدة نساء العالمين. # وقد روى أخطب (9) خوارزم من كتاب " السنة " (10) بإسناده عن جابر قال: ~~«لما تزوج علي فاطمة زوجها الله إياه (11) من فوق سبع سماوات، وكان الخاطب ~~جبريل (12) ، وكان ميكائيل وإسرافيل في PageV08P212 # سبعين ألفا من الملائكة شهودا، فأوحى الله إلى شجرة طوبى: انثري ما فيك ~~من الدر والجوهر (1) ، ففعلت، فأوحى الله إلى الحور العين أن القطن، فلقطن ~~منهن إلى يوم القيامة (2) ، وأورد أخبارا كثيرة في ذلك. # وكان أولاده - رضي الله عنه - أشرف الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - وبعد أبيهم» (3) . وعن حذيفة بن اليمان (4) قال: «رأيت النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - أخذ (5) بيد الحسين بن علي، فقال: أيها الناس (6) هذا ~~الحسين (7) ، ألا فاعرفوه وفضلوه، فوالله لجده أكرم على الله من جد يوسف بن ~~يعقوب (8) ، هذا الحسين جده (9) في الجنة، وجدته في الجنة، (* وأمه في ~~الجنة، وأبوه في الجنة، وخاله في الجنة وخالته في الجنة، وعمه في الجنة، ~~PageV08P213 # وعمته في الجنة (1) ، وأخوه في الجنة *) (2) ، وهو في الجنة، ومحبوه (3) ~~في الجنة، ومحبو محبيهم في الجنة» . # وعن حذيفة (4) قال: «بت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة، ~~فرأيت عنده (5) شخصا، فقال لي: هل رأيت (6) ؟ قلت: نعم. قال: هذا (7) ملك ~~لم ينزل إلي منذ بعثت، أتاني من الله، فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب ~~أهل الجنة» . # والأخبار في ذلك كثيرة، وكان محمد بن الحنفية فاضلا عالما، حتى ادعى قوم ~~فيه الإمامة ". # والجواب: أما الأمور الخارجية (8) عن نفس الإيمان والتقوى، فلا يحصل بها ~~فضيلة عند الله تعالى، وإنما يحصل بها الفضيلة عند الله إذا ms1967 كانت معينة على ~~ذلك ; فإنها من باب الوسائل لا المقاصد، كالمال والسلطان، والقوة والصحة ~~ونحو ذلك، فإن هذه الأمور لا يفضل بها الرجل عند الله إلا إذا أعانته على ~~طاعة الله بحسب ما يعينه. # قال الله تعالى: {ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا ~~وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [سورة الحجرات: 13] . ~~PageV08P214 # وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه سئل: أي الناس أكرم؟ ~~فقال: " أتقاهم لله ". قيل: ليس عن هذا نسألك (1) . قال: " يوسف نبي الله ~~بن يعقوب نبي الله بن إسحاق نبي الله بن إبراهيم خليل الله ". # قيل: ليس عن هذا نسألك (2) . قال: " أفعن (3) معادن العرب تسألوني (4) ؟ ~~خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» " (5) . # بين لهم أولا: أن أكرم الخلق عند الله أتقاهم، وإن لم يكن ابن نبي ولا ~~أبا نبي، فإبراهيم النبي - صلى الله عليه وسلم - أكرم على الله من يوسف، ~~وإن كان أبوه آزر، وهذا أبوه يعقوب. وكذلك نوح أكرم على الله من إسرائيل، ~~وإن كان هذا أولاده أنبياء، وهذا أولاده ليسوا بأنبياء. # فلما ذكروا أنه ليس مقصودهم إلا الأنساب، قال لهم: فأكرم أهل الأنساب من ~~انتسب إلى الأنبياء، وليس في ولد آدم مثل يوسف ; فإنه نبي ابن نبي ابن نبي. # فلما أشاروا إلى أنه ليس مقصودهم إلا ما يتعلق بهم، قال: " «أفعن معادن ~~العرب تسألوني؟ الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية ~~خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» " بين أن الأنساب كالمعادن، فإن الرجل يتولد ~~منه كما يتولد من المعدن الذهب والفضة. PageV08P215 # ولا ريب أن الأرض التي تنبت الذهب أفضل من الأرض التي تنبت الفضة. فهكذا ~~من عرف أنه يلد الأفاضل، كان أولاده أفضل ممن عرف أنه يلد المفضول. لكن هذا ~~سبب ومظنة وليس هو لازما ; فربما تعطلت أرض الذهب، وربما قل نبتها ; فحينئذ ~~تكون أرض الفضة أحب إلى الإنسان من أرض معطلة. والفضة الكثيرة أحب إليهم من ~~ذهب قليل لا يماثلها في القدر. # فلهذا كان أهل الأنساب (1) الفاضلة يظن بهم ms1968 الخير، ويكرمون لأجل ذلك. ~~فإذا تحقق من أحدهم (2) خلاف ذلك، كانت الحقيقة مقدمة على المظنة. وأما ~~[ما] (3) عند الله فلا يثبت على المظان ولا على الدلائل، إنما يثبت على ما ~~يعلمه هو من الأعمال الصالحة، فلا يحتاج إلى دليل، ولا يجتزئ بالمظنة. # فلهذا كان أكرم الخلق عنده أتقاهم (4) . فإذا قدر (5) تماثل اثنين عنده ~~في التقوى، تماثلا في الدرجة، وإن كان أبو أحدهما أو ابنه أفضل من أبي ~~الآخر أو ابنه، لكن إن حصل له بسبب نسبه زيادة في التقوى كان أفضل لزيادة ~~تقواه. # ولهذا حصل لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قنتن لله ورسوله ~~وعملن صالحا، لا لمجرد المصاهرة، بل لكمال الطاعة. كما أنهن لو أتين بفاحشة ~~مبينة لضوعف لهن العذاب ضعفين ; لقبح المعصية. PageV08P216 # فإن ذا الشرف إذا ألزم نفسه التقوى، كان تقواه أكمل من تقوى غيره. كما أن ~~الملك إذا عدل كان عدله أعظم من عدل الرجل في أهله. ثم إن الرجل إذا قصد ~~الخير قصدا جازما (1) ، وعمل منه ما يقدر عليه، كان له أجر كامل (2) . # كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: " «إن بالمدينة ~~رجالا (3) ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم ". قالوا: وهم في ~~المدينة؟ قال: " وهم بالمدينة، حبسهم العذر» " (4) . # ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح: " «من دعا إلى هدى ~~كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا، ومن ~~دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من اتبعه، من غير أن ينقص من ~~أوزارهم شيئا» " (5) . وهذا مبسوط في موضع آخر. PageV08P217 # ولهذا لم يثن الله على أحد في القرآن بنسبه أصلا: لا على ولد نبي، ولا ~~على أبي نبي، وإنما أثنى على الناس بإيمانهم وأعمالهم. وإذا ذكر صنفا وأثنى ~~عليهم ; فلما فيهم من الإيمان والعمل، لا لمجرد النسب. # ولما ذكر الأنبياء - ذكرهم في الأنعام - وهم ثمانية عشر قال: {ومن آبائهم ~~وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم} [سورة الأنعام: ~~87] . فبهذا ms1969 حصلت الفضيلة باجتبائه سبحانه وتعالى، وهدايته إياهم إلى صراط ~~مستقيم، لا بنفس القرابة. # وقد يوجب النسب حقوقا، ويوجب لأجله حقوقا، ويعلق فيه أحكاما من الإيجاب ~~والتحريم والإباحة، لكن الثواب والعقاب والوعد والوعيد على الأعمال لا على ~~الأنساب. # ولما قال تعالى: {إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على ~~العالمين} [سورة آل عمران: 33] ، وقال: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله ~~من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما} [سورة ~~النساء: 54] ، كان هذا مدحا لهذا المعدن الشريف، لما فيهم من الإيمان ~~والعمل الصالح. # ومن لم يتصف بذلك منهم لم يدخل في المدح (1) ، كما في قوله تعالى: {ولقد ~~أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير ~~منهم فاسقون} [سورة الحديد: 26] ، وقال تعالى: {وباركنا عليه وعلى إسحاق ~~ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين} [سورة الصافات: 113] . PageV08P218 # وفي القرآن الثناء والمدح للصحابة بإيمانهم وأعمالهم في غير آية، كقوله: ~~{والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله ~~عنهم ورضوا عنه} [سورة التوبة: 100] . # وقوله: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من ~~الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى} [سورة الحديد: 10] . # وقوله: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في ~~قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا} [سورة الفتح: 18] . # وقوله: {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع ~~إيمانهم} [سورة الفتح: 4] . # وقوله: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا ~~من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون - والذين تبوءوا ~~الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما ~~أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [سورة الحشر: 8 - 9] . وقوله: ~~{محمد رسول الله والذين معه} [سورة الفتح: 29] الآية. # وهكذا في القرآن الثناء على المؤمنين من الأمة، أولها وآخرها، على ~~المتقين والمحسنين، والمقسطين والصالحين، وأمثال هذه الأنواع. # وأما النسب ففي القرآن إثبات حق لذوي القربى كما ذكروا هم ms1970 في # PageV08P219 # آية الخمس والفيء. وفي القرآن أمر لهم (1) بما يذهب عنهم الرجس ويطهرهم ~~تطهيرا. وفي القرآن الأمر بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد ~~فسر ذلك بأن يصلى عليه وعلى آله. وفي القرآن الأمر بمحبة الله ومحبة رسوله، ~~ومحبة أهله من تمام محبته. وفي القرآن أن أزواجه أمهات المؤمنين. # وليس في القرآن مدح أحد لمجرد كونه من ذوي القربى وأهل البيت، ولا الثناء ~~عليهم بذلك، ولا ذكر استحقاقه الفضيلة عند الله بذلك، ولا تفضيله على من ~~يساويه في التقوى بذلك. # وإن كان قد ذكر ما ذكره من اصطفاء آل إبراهيم واصطفاء بني إسرائيل، فذاك ~~أمر ماض، فأخبرنا به في (2) جعله عبرة لنا، فبين مع ذلك أن الجزاء والمدح ~~بالأعمال. # ولهذا ذكر ما ذكره من اصطفاء بني إسرائيل، وذكر ما ذكره من كفر من كفر ~~منهم وذنوبهم وعقوبتهم، فذكر فيهم النوعين: الثواب والعقاب. # وهذا من تمام تحقيق أن النسب الشريف قد يقترن به المدح تارة إن كان صاحبه ~~من أهل الإيمان والتقوى، وإلا فإن ذم صاحبه أكثر، كما كان الذم لمن ذم من ~~بني إسرائيل وذرية إبراهيم، وكذلك المصاهرة. # قال تعالى: {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت ~~عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا ~~النار مع الداخلين - وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ~~ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين} ~~[سورة التحريم: 10 - 11] . PageV08P220 # وإذا تبين هذا فيقال: إذا كان الرجل أعجميا، والآخر من العرب، فنحن وإن ~~كنا نقول مجملا: إن العرب أفضل جملة، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~فيما رواه أبو داود وغيره: " «لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ~~ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض، إلا بالتقوى. الناس من آدم، وآدم ~~من تراب» " (1) . # وقال: " «إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء. الناس ~~رجلان: مؤمن تقي، وفاجر شقي» " (2) . # ولذلك إذا كان ms1971 الرجل من أفناء العرب [والعجم] (3) ، وآخر من قريش، فهما ~~(4) عند الله بحسب تقواهما: إن تماثلا فيها تماثلا في الدرجة عند الله، وإن ~~تفاضلا فيها تفاضلا في الدرجة. وكذلك إذا كان رجل من بني هاشم، ورجل من ~~الناس أو العرب (5) أو العجم، فأفضلهما عند الله أتقاهما، فإن تماثلا في ~~التقوى تماثلا في الدرجة، ولا يفضل أحدهما عند الله لا (6) بأبيه ولا ابنه، ~~ولا بزوجته، ولا بعمه، ولا بأخيه. PageV08P221 # كما أن الرجلين إن كانا عالمين بالطب أو الحساب، أو الفقه أو النحو، أو ~~غير ذلك، فأكملهما بالعلم بذلك أعلمهما به، (* فإن تساويا في ذلك تساويا في ~~العلم، ولا يكون أحدهما أعلم بكون أبيه أو ابنه (1) أعلم من الآخر. وهكذا ~~في الشجاعة والكرم، والزهد والدين. # إذا تبين ذلك، فالفضائل الخارجية لا عبرة بها عند الله تعالى *) (2) ، ~~إلا أن تكون سببا في زيادة الفضائل الداخلية (3) . وحينئذ فتكون الفضيلة ~~بالفضائل الداخلية (4) ، وأما الفضائل البدنية فلا اعتبار بها إن لم تكن ~~صادرة عن الفضيلة النفسانية. # وإلا فمن صلى وصام، وقاتل وتصدق، بغير نية خالصة لم يفضل بذلك ; ~~فالاعتبار بالقلب. # كما في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «ألا إن في ~~الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ~~ألا وهي القلب» " (5) . PageV08P222 # وحينئذ فمن كان أكمل (1) في الفضائل النفسانية فهو أفضل مطلقا. وأهل ~~السنة لا ينازعون (2) في كمال علي، وأنه في الدرجة العليا من الكمال، وإنما ~~النزاع في كونه أكمل من الثلاثة (3) ، وأحق بالإمامة منهم، وليس فيما ذكره ~~ما يدل على ذلك. # وهذا الباب للناس فيه طريقان: # منهم من يقول: إن تفضيل بعض الأشخاص على بعض عند الله لا يعلم إلا ~~بالتوقيف (4) ; فإن حقائق ما في القلوب ومراتبها عند الله مما استأثر الله ~~به، فلا يعلم ذلك إلا بالخبر (5) الصادق الذي يخبر عن الله. # ومنهم من يقول: قد يعلم ذلك بالاستدلال. # وأهل السنة يقولون: إن كلا من الطريقين إذا أعطي حقه من السلوك دل على أن ~~كلا من ms1972 الثلاثة أكمل من علي. ويقولون: نحن نقرر ذلك في عثمان، فإذا ثبت ذلك ~~في عثمان، كان في أبي بكر وعمر بطريق الأولى ; فإن تفضيل أبي بكر وعمر على ~~عثمان لم ينازع فيه أحد، بل (6) وتفضيلهما على عثمان وعلي لم يتنازع (7) ~~فيه من له عند الأمة قدر: لا من الصحابة، ولا التابعين، ولا أئمة السنة، بل ~~إجماع المسلمين [على PageV08P223 # ذلك] (1) قرنا بعد قرن، أعظم من إجماعهم على إثبات شفاعة نبينا في أهل ~~الكبائر وخروجهم من النار، وعلى إثبات الحوض والميزان، وعلى قتال الخوارج ~~ومانعي الزكاة، وعلى صحة إجارة العقار، وتحريم نكاح المرأة على عمتها ~~وخالتها. # بل إيمان (2) أبي بكر وعمر وعدالتهما مما (3) وافقت عليه الخوارج - مع ~~تعنتهم - وهم ينازعون في إيمان علي وعثمان. واتفقت الخوارج على تكفير علي، ~~وقدحهم فيه أكثر (4) من قدحهم في عثمان. والزيدية بالعكس. والمعتزلة كان ~~قدماؤهم يميلون إلى الخوارج، ومتأخروهم يميلون إلى الزيدية. كما أن الرافضة ~~(5) قدماؤهم يصرحون بالتجسيم، ومتأخروهم على قول الجهمية والمعتزلة. وكانت ~~الشيعة الأولى لا يشكون في تقديم أبي بكر وعمر. وأما عثمان فكثير من الناس ~~يفضل عليه عليا، وهذا قول كثير من الكوفيين وغيرهم، وهو القول الأول ~~للثوري، ثم رجع عنه. وطائفة أخرى لا تفضل أحدهما على صاحبه. # وهو الذي حكاه ابن القاسم (6) عن مالك عمن أدركه من المدنيين، لكن قال: ~~ما أدركت أحدا ممن يقتدى به يفضل أحدهما على صاحبه. وهذا يحتمل السكوت عن ~~الكلام في ذلك، فلا يكون قولا، وهو الأظهر، ويحتمل التسوية بينهما. وذكر ~~ابن القاسم (7) عنه أنه لم يدرك PageV08P224 # أحدا ممن يقتدى به يشك في تقديم أبي بكر وعمر على عثمان وعلي. # وأما جمهور الناس ففضلوا عثمان، وعليه استقر أمر (1) أهل السنة، وهو مذهب ~~أهل الحديث، ومشايخ الزهد والتصوف، وأئمة الفقهاء: كالشافعي وأصحابه، وأحمد ~~وأصحابه، وأبي حنيفة وأصحابه، وإحدى الروايتين عن مالك وعليها أصحابه (2) . # قال مالك: لا أجعل من خاض في الدماء كمن لم يخض فيها. وقال الشافعي ~~وغيره: إنه بهذا قصد والي المدينة الهاشمي، ضرب مالكا، وجعل طلاق ms1973 المكره ~~سببا ظاهرا. # وهو أيضا مذهب جماهير أهل الكلام: الكرامية والكلابية والأشعرية ~~والمعتزلة. # وقال أيوب السختياني: من لم يقدم عثمان على علي فقد أزرى بالمهاجرين ~~والأنصار. وهكذا قال أحمد والدارقطني وغيرهما: أنهم اتفقوا على تقديم عثمان ~~; ولهذا تنازعوا فيمن لم يقدم عثمان، هل يعد مبتدعا؟ على قولين، هما ~~روايتان عن أحمد. # فإذا قام الدليل على تقديم عثمان كان ما سواه أوكد. # وأما الطريق التوقيفي (3) فالنص والإجماع: أما النص ففي الصحيحين عن ابن ~~عمر قال: كنا نقول ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي: أفضل أمة النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - بعده أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان (4) . PageV08P225 # وأما الإجماع فالنقل الصحيح قد أثبت أن عمر قد جعل الأمر شورى في ستة، ~~وأن ثلاثة تركوه لثلاثة: عثمان وعلي وعبد الرحمن، وأن الثلاثة اتفقوا على ~~أن عبد الرحمن يختار واحدا منهما، وبقي عبد الرحمن ثلاثة أيام: حلف أنه لم ~~ينم فيها كبير نوم (1) يشاور المسلمين. # وقد اجتمع (2) بالمدينة أهل الحل والعقد، حتى أمراء الأنصار، وبعد ذلك ~~اتفقوا على مبايعة عثمان بغير رغبة ولا رهبة، فيلزم أن يكون عثمان هو ~~الأحق، ومن كان هو الأحق كان هو الأفضل ; فإن أفضل الخلق من كان أحق أن ~~يقوم مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر. # وإنما قلنا: يلزم أن يكون هو الأحق ; لأنه لو لم يكن ذلك للزم: إما ~~جهلهم، وإما ظلمهم. فإنه إذا لم يكن أحق، وكان غيره أحق، فإن لم يعلموا ذلك ~~كانوا جهالا، وإن علموه وعدلوا عن الأحق (3) إلى غيره، كانوا ظلمة. فتبين ~~أن عثمان إن لم يكن أحق، لزم: إما جهلهم وإما ظلمهم، وكلاهما منتف ; لأنهم ~~أعلم بعثمان وعلي منا، وأعلم بما قاله الرسول فيهما منا، وأعلم بما دل عليه ~~القرآن في ذلك منا، ولأنهم خير القرون، فيمتنع أن نكون نحن أعلم منهم بمثل ~~هذه المسائل، مع أنهم أحوج إلى علمها منا ; فإنهم لو جهلوا مسائل أصول ~~دينهم وعلمناها نحن لكنا أفضل منهم، وذلك ممتنع. PageV08P226 # وكونهم علموا الحق ms1974 وعدلوا عنه أعظم وأعظم ; فإن ذلك قدح في عدالتهم، وذلك ~~يمنع أن يكونوا خير القرون بالضرورة. ولأن القرآن أثنى عليهم ثناء (1) ~~يقتضي غاية المدح، فيمتنع (2) إجماعهم وإصرارهم على الظلم الذي هو ضرر في ~~حق الأمة كلها ; فإن هذا ليس ظلما للممنوع من الولاية فقط، بل هو ظلم لكل ~~من منع نفعه من ولاية الأحق بالولاية، فإنه إذا كان راعيان: أحدهما هو الذي ~~يصلح للرعاية ويكون أحق بها، كان منعه من رعايتها يعود بنقص الغنم حقها من ~~نفعه. # ولأن القرآن والسنة دلا على أن هذه الأمة خير الأمم، وأن خيرها أولها، ~~فإن كانوا مصرين على ذلك، [لزم] (3) أن تكون هذه الأمة شر الأمم، وأن لا ~~يكون أولها خيرها. # ولأنا (4) نحن نعلم أن المتأخرين ليسوا مثل الصحابة، فإن كان أولئك ~~ظالمين مصرين على الظلم، فالأمة كلها ظالمة، فليست خير الأمم. # وقد قيل لابن مسعود لما ذهب إلى الكوفة: من وليتم؟ قال: " ولينا أعلانا ~~ذا فوق ولم نأل ". وذو الفوق هو السهم (5) ، يعني أعلانا سهما في الإسلام. # فإن قيل: قد يكون أحق بالإمامة، وعلي أفضل منه. PageV08P227 # قيل: أولا: هذا السؤال لا يمكن أن يورده أحد من الإمامية ; لأن الأفضل ~~عندهم أحق بالإمامة، وهذا قول الجمهور من أهل السنة. # وهنا مقامان: إما أن يقال: الأفضل أحق بالإمامة، لكن يجوز تولية المفضول: ~~إما مطلقا، وإما للحاجة. وإما أن يقال: ليس كل من كان أفضل عند الله يكون ~~أحق بالإمامة. # وكلاهما منتف هاهنا. أما الأول، فلأن الحاجة إلى تولية المفضول في ~~الاستحقاق كانت منتفية ; فإن القوم كانوا قادرين على تولية علي، وليس هناك ~~من ينازع أصلا، ولا يحتاجون إلى رغبة ولا رهبة، ولم يكن هناك لعثمان شوكة ~~تخاف، بل التمكن من تولية هذا كان كالتمكن من تولية هذا. فامتنع أن يقال: ~~ما كان يمكن إلا تولية المفضول. # وإذا كانوا قادرين، وهم يتصرفون للأمة (1) لا لأنفسهم، لم يجز لهم (2) ~~تفويت مصلحة الأمة من ولاية الفاضل ; فإن الوكيل والولي المتصرف لغيره، ليس ~~له أن يعدل عما هو أصلح ms1975 لمن ائتمنه، مع كونه قادرا على تحصيل المصلحة، فكيف ~~إذا كانت قدرته على الأمرين سواء؟ # وأما الثاني، فلأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل الخلق، وكل من كان ~~به أشبه فهو أفضل ممن لم يكن كذلك. والخلافة كانت خلافة نبوة، لم تكن ملكا، ~~فمن خلف النبي وقام مقامه كان أشبه به، ومن كان أشبه به كان أفضل، فالذي ~~يخلفه أشبه به من غيره، والأشبه به أفضل، فالذي يخلفه أفضل. PageV08P228 # وأما الطريق النظرية فقد ذكر ذلك من ذكره من العلماء، فقالوا: عثمان كان ~~أعلم بالقرآن، وعلي أعلم بالسنة، وعثمان أعظم جهادا بماله، وعلي أعظم جهادا ~~بنفسه، وعثمان أزهد في الرياسة، وعلي أزهد في المال، وعثمان أورع عن الدماء ~~(1) ، وعلي أورع عن الأموال، وعثمان حصل له من جهاد نفسه (2) ; حيث صبر عن ~~القتال ولم يقاتل ما لم يحصل مثله لعلي. # وقال النبي - صلى الله عليه وسلم: " «المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله» ~~" (3) . # وسيرة (4) عثمان في الولاية كانت (5) أكمل من سيرة علي، فقالوا: فثبت أن ~~عثمان أفضل ; لأن علم القرآن أعظم من علم السنة. # وفي صحيح مسلم وغيره أنه قال: " «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا ~~في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة» " (6) . # وعثمان جمع القرآن كله بلا ريب، وكان أحيانا يقرؤه في ركعة. وعلي قد ~~اختلف فيه: هل حفظ القرآن كله أم لا؟ PageV08P229 # والجهاد بالمال مقدم على الجهاد بالنفس، كما في قوله تعالى: {وجاهدوا ~~بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله} [سورة التوبة: 41] الآية، وقوله: {الذين ~~آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم} [سورة التوبة: 20] ~~الآية، وقوله: {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل ~~الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض} [سورة الأنفال: 72] (1) . # وذلك لأن الناس يقاتلون دون أموالهم ; فإن المجاهد بالمال قد أخرج ماله ~~حقيقة لله، والمجاهد بنفسه لله يرجو النجاة، لا يوافق أنه يقتل في الجهاد ; ~~ولهذا أكثر القادرين على القتال يهون على أحدهم أن يقاتل، ولا يهون عليه ~~إخراج ماله، ومعلوم أنهم كلهم جاهدوا بأموالهم وأنفسهم، لكن ms1976 منهم من كان ~~جهاده بالمال أعظم، ومنهم من كان جهاده بالنفس أعظم. # وأيضا فعثمان له من الجهاد بنفسه بالتدبير في الفتوح ما لم يحصل مثله ~~لعلي، وله من الهجرة إلى أرض الحبشة ما لم يحصل مثله لعلي، وله من الذهاب ~~إلى مكة يوم صلح الحديبية ما لم يحصل مثله لعلي، وإنما بايع النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - بيعة الرضوان لما بلغه أن المشركين قتلوا عثمان، وبايع ~~بإحدى يديه عن عثمان، وهذا من أعظم الفضل ; حيث بايع عنه النبي - صلى الله ~~عليه وسلم. PageV08P230 # وأما الزهد والورع في الرياسة والمال، فلا ريب أن عثمان تولى ثنتي عشرة ~~سنة، ثم قصد الخارجون عليه قتله، وحصروه وهو خليفة الأرض، والمسلمون كلهم ~~رعيته، وهو مع هذا لم يقتل مسلما، ولا دفع عن نفسه بقتال، بل صبر حتى قتل. # لكنه في الأموال كان يعطي لأقاربه من العطاء ما لا يعطيه لغيرهم، وحصل ~~منه نوع توسع في الأموال، وهو - رضي الله عنه - ما فعله إلا متأولا فيه (1) ~~، له اجتهاد وافقه عليه جماعة (2) من الفقهاء، منهم من يقول: إن ما أعطاه ~~الله للنبي من الخمس والفيء هو لمن يتولى الأمر بعده، كما هو قول أبي ثور ~~وغيره. ومنهم من يقول: ذوو القربى المذكورون في القرآن هم ذوو قربى الإمام. ~~ومنهم من يقول: الإمام العامل على الصدقات يأخذ منها مع الغنى. وهذه كانت ~~مآخذ (3) عثمان - رضي الله عنه - كما هو منقول عنه. فما فعله هو نوع تأويل ~~يراه طائفة من العلماء. # وعلي - رضي الله عنه - لم يخص أحدا من أقاربه بعطاء، لكن ابتدأ بالقتال ~~لمن لم يكن متبدئا بالقتال (4) ، حتى قتل بينهم ألوف مؤلفة من المسلمين، ~~وإن كان ما فعله هو متأول فيه تأويلا وافقه عليه طائفة من العلماء، وقالوا: ~~إن هؤلاء بغاة، والله تعالى أمر بقتال البغاة بقوله: {فقاتلوا التي تبغي} ~~[سورة الحجرات: 9] PageV08P231 # لكن نازعه أكثر العلماء، كما نازع عثمان أكثرهم، وقالوا: إن الله تعالى ~~قال: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على ~~الأخرى ms1977 فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما ~~بالعدل} الآية [سورة الحجرات: 9] . # قالوا: فلم يأمر الله بقتال البغاة ابتداء، بل إذا وقع قتال بين طائفتين ~~من المؤمنين فقد أمر الله بالإصلاح بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى ~~قوتلت. ولم يقع الأمر كذلك. # ولهذا قالت عائشة - رضي الله عنها -: " ترك الناس العمل بهذه الآية "، ~~رواه مالك بإسناده المعروف عنها (1) . # ومذهب أكثر العلماء أن قتال البغاة لا يجوز [إلا] أن يبتدءوا (2) الإمام ~~بالقتال، كما فعلت الخوارج مع علي، فإن قتاله الخوارج متفق عليه بين ~~العلماء، ثابت بالأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بخلاف ~~قتال صفين، فإن أولئك لم يبتدءوا بقتال، بل امتنعوا عن مبايعته. ~~PageV08P232 # ولهذا كان أئمة السنة، كمالك وأحمد وغيرهما، يقولون: إن قتاله للخوارج ~~مأمور به، وأما قتال الجمل وصفين فهو قتال فتنة. # فلو قال قوم: نحن نقيم الصلاة ونؤتي الزكاة، ولا ندفع زكاتنا إلى الإمام، ~~ونقوم بواجبات الإسلام (1) ، لم يجز للإمام قتلهم عند أكثر العلماء، كأبي ~~حنيفة وأحمد. # وأبو بكر الصديق - رضي الله عنه - إنما قاتل مانعي الزكاة لأنهم امتنعوا ~~عن أدائها مطلقا، وإلا فلو قالوا: نحن نؤديها بأيدينا ولا ندفعها إلى أبي ~~بكر، لم يجز قتالهم عند الأكثرين، كأبي حنيفة وأحمد وغيرهما. # ولهذا كان علماء الأمصار على أن القتال كان قتال فتنة، وكان من قعد عنه ~~أفضل ممن قاتل فيه، وهذا مذهب مالك، وأحمد، وأبي حنيفة، والأوزاعي، بل ~~والثوري، ومن لا يحصى عدده، مع أن أبا حنيفة ونحوه من فقهاء الكوفيين - ~~فيما نقله القدوري وغيره - عندهم لا يجوز قتال البغاة، إلا إذا ابتدءوا ~~الإمام بالقتال، وأما إذا أدوا الواجب من الزكاة وامتنعوا عن دفعها إليه، ~~لم يجز قتالهم. # وكذلك مذهب أحمد وغيره، وهكذا جمهور الفقهاء، على أن ذوي القربى هم قربى ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه ليس للإمام ما كان للنبي - صلى الله ~~عليه وسلم (2) . # والمقصود أن كليهما - رضي الله عنه - وإن كان ما فعله فيه هو متأول ~~PageV08P233 # مجتهد يوافقه عليه ms1978 طائفة من العلماء المجتهدين، الذين يقولون بموجب العلم ~~والدليل، ليس لهما عمل يتهمون فيه (1) ، لكن اجتهاد عثمان كان أقرب إلى ~~المصلحة وأبعد عن المفسدة ; فإن الدماء خطرها أعظم من الأموال. # ولهذا كانت خلافة عثمان هادية مهدية ساكنة، والأمة فيها متفقة، وكانت ست ~~سنين لا ينكر الناس عليه شيئا، ثم أنكروا أشياء في الست الباقية، وهي دون ~~ما أنكروه على علي من حين تولى، والذين خرجوا على عثمان طائفة من أوباش ~~الناس، وأما علي فكثير من السابقين الأولين لم يتبعوه ولم يبايعوه، وكثير ~~من الصحابة والتابعين قاتلوه، وعثمان في خلافته فتحت الأمصار وقوتلت (2) ~~الكفار، وعلي في خلافته لم يقتل كافر ولم تفتح مدينة. # فإن كان ما صدر عن الرأي، فرأي عثمان أكمل، وإن كان عن القصد، فقصده أتم. # قالوا: وإن كان علي تزوج بفاطمة - رضي الله عنهما - فعثمان قد زوجه النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - ابنتين من بناته، وقال: " «لو كان عندنا ثالثة ~~لزوجناها عثمان» (3) "، وسمي ذو النورين (4) بذلك ; إذ لم يعرف أحد جمع بين ~~بنتي نبي غيره. PageV08P234 # وقد صاهر النبي - صلى الله عليه وسلم - من بني أمية من هو دون عثمان: أبو ~~العاص بن الربيع، فزوجه زينب أكبر بناته، وشكر مصاهرته محتجا به على علي، ~~لما أراد أن يتزوج بنت أبي جهل، فإنه قال: " «إن بني المغيرة استأذنوني في ~~أن ينكحوا فتاتهم علي بن أبي طالب، وإني لا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن، إلا ~~أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي ويتزوج ابنتهم. والله لا تجتمع بنت ~~رسول الله وبنت عدو الله عند رجل أبدا، إنما فاطمة بضعة مني، يريبني ما ~~أرابها (1) ، ويؤذيني ما آذاها "، ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فأثنى ~~عليه وقال: " حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي» (2) ". # وهكذا مصاهرة عثمان له، لم يزل فيها حميدا، لم يقع منه (3) ما يعتب عليه ~~فيها، حتى قال: " «لو كان (4) عندنا ثالثة لزوجناها عثمان» ". # وهذا يدل على أن مصاهرته للنبي - صلى الله عليه وسلم - أكمل من مصاهرة ms1979 ~~علي له (5) . وفاطمة كانت أصغر بناته، وعاشت بعده، وأصيبت به، فصار لها من ~~الفضل ما ليس لغيرها. ومعلوم أن كبيرة البنات في العادة تزوج قبل الصغيرة، ~~فأبو العاص تزوج أولا زينب بمكة، ثم عثمان تزوج برقية وأم كلثوم، واحدة بعد ~~واحدة. PageV08P235 # قالوا: وشيعة عثمان المختصون به كانوا أفضل من شيعة علي المختصين به، ~~وأكثر خيرا، وأقل شرا. فإن شيعة عثمان أكثر ما نقم عليهم من البدع انحرافهم ~~عن علي، وسبهم له على المنابر (1) ، لما جرى بينهم وبينه من القتال ما جرى، ~~لكن مع ذلك لم يكفروه ولا كفروا من يحبه. # وأما شيعة علي ففيهم من يكفر الصحابة والأمة ويلعن (2) أكابر الصحابة ما ~~هو أعظم (3) من ذاك بأضعاف مضاعفة. # وشيعة عثمان تقاتل الكفار، والرافضة لا تقاتل الكفار، وشيعة عثمان لم يكن ~~فيها زنديق ولا مرتد، وقد دخل في شيعة علي من الزنادقة والمرتدين ما لا ~~يحصي عدده إلا الله تعالى. # وشيعة عثمان لم توال الكفار، والرافضة يوالون اليهود والنصارى والمشركين ~~على قتال المسلمين، كما عرف منهم وقائع (4) . # وشيعة عثمان ليس فيهم من يدعي فيه الإلهية ولا النبوة، وكثير من الداخلين ~~في شيعة علي من يدعي نبوته أو إلهيته. # وشيعة عثمان ليس فيهم من قال: إن عثمان إمام معصوم، ولا منصوص عليه، ~~والرافضة تزعم أن عليا منصوص عليه معصوم. PageV08P236 # وشيعة عثمان متفقة على تقديم أبي بكر وتفضيلهما على عثمان، وشيعة علي ~~المتأخرون أكثرهم يذمونهما ويسبونهما، وأما الرافضة فمتفقة على بغضهما ~~وذمهما، وكثير منهم يكفرونهما، وأما الزيدية فكثير منهم أيضا يذمهما ~~ويسبهما، بل ويلعنهما، وخيار الزيدية الذين يفضلونه (1) عليهما، ويذمون ~~عثمان أو يقعون به. # وقد كان أيضا في شيعة عثمان من يؤخر الصلاة عن وقتها: يؤخر الظهر أو ~~العصر ; ولهذا لما تولى بنو العباس كانوا أحسن مراعاة للوقت من بني أمية، ~~لكن شيعة علي المختصون به الذين لا يقرون بإمامة أحد من الأئمة الثلاثة ~~وغيرهم، أعظم تعطيلا للصلاة، بل ولغيرها من الشرائع، وأنهم لا يصلون جمعة ~~ولا جماعة، فيعطلون المساجد، ولهم في تقديم ms1980 العصر والعشاء، وتأخير المغرب ~~ما هم أشد انحرافا فيه من أولئك (2) ، وهم مع هذا يعظمون المشاهد مع تعطيل ~~المساجد ; مضاهاة للمشركين وأهل الكتاب، الذين كانوا إذا مات فيهم الرجل ~~الصالح بنوا على قبره مسجدا، فأين هذا من هذا؟ ! # فالشر والفساد الذي في شيعة علي أضعاف أضعاف الشر والفساد الذي في شيعة ~~عثمان، والخير والصلاح الذي في شيعة عثمان، (* أضعاف أضعاف الخير الذي في ~~شيعة علي. وبنو أمية كانوا شيعة PageV08P237 # عثمان *) (1) ، فكان الإسلام وشرائعه في زمنهم أظهر وأوسع مما كان بعدهم. # وفي الصحيحين عن جابر بن سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ~~«لا يزال هذا الأمر عزيزا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش» ". # ولفظ البخاري: " «اثني عشر أميرا» ". وفي لفظ: " «لا يزال أمر الناس ~~ماضيا ولهم اثنا عشر رجلا» ". وفي لفظ: " «لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني ~~عشر خليفة كلهم من قريش» " (2) . # وهكذا كان، فكان الخلفاء: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ثم تولى من اجتمع ~~الناس عليه وصار له عز ومنعة: معاوية، وابنه يزيد، ثم عبد الملك وأولاده ~~الأربعة، وبينهم عمر بن عبد العزيز. وبعد ذلك حصل في دولة الإسلام من النقص ~~ما هو باق إلى الآن ; فإن بني أمية تولوا على جميع أرض الإسلام، وكانت ~~الدولة في زمنهم عزيزة (3) ، والخليفة يدعى باسمه: عبد الملك، وسليمان، لا ~~يعرفون عضد الدولة، ولا عز الدين، وبهاء الدين (4) ، وفلان الدين، وكان ~~أحدهم هو الذي يصلي بالناس الصلوات (5) الخمس، وفي المسجد يعقد الرايات ~~ويؤمر الأمراء، وإنما يسكن داره، لا يسكنون الحصون، ولا يحتجبون عن (6) ~~الرعية. PageV08P238 # وكان من أسباب ذلك أنهم كانوا في صدر الإسلام في القرون المفضلة: قرن ~~الصحابة، والتابعين، وتابعيهم. وأعظم ما نقمه الناس على بني أمية شيئان: ~~أحدهما: تكلمهم في علي، والثاني: تأخير الصلاة عن وقتها. # ولهذا رئي عمر بن مرة الجملي بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: ~~غفر لي بمحافظتي على الصلوات في مواقيتها، وحبي (1) علي بن أبي طالب. فهذا ~~حافظ على هاتين السنتين (2) حين ظهر ms1981 خلافهما ; فغفر الله له بذلك. وهكذا ~~شأن من تمسك (* بالسنة إذا ظهرت بدعة، مثل من تمسك *) (3) بحب الخلفاء ~~الثلاثة ; حيث يظهر خلاف ذلك وما أشبهه. # ثم كان من نعم الله سبحانه ورحمته بالإسلام أن الدولة لما انتقلت إلى بني ~~هاشم صارت في بني العباس، فإن الدولة الهاشمية أول ما ظهرت (4) كانت الدعوة ~~إلى الرضا من آل محمد، وكانت شيعة الدولة (5) محبين لبني هاشم، وكان الذي ~~تولى الخلافة من بني هاشم يعرف قدر الخلفاء الراشدين والسابقين الأولين من ~~المهاجرين والأنصار، فلم يظهر في دولتهم إلا تعظيم الخلفاء الراشدين، ~~وذكرهم على المنابر، والثناء عليهم (6) ، وتعظيم الصحابة، وإلا فلو تولى - ~~والعياذ بالله - رافضي يسب الخلفاء والسابقين الأولين لقلب الإسلام. ~~PageV08P239 # ولكن دخل في غمار الدولة من كانوا لا يرضون باطنه، ومن كان لا يمكنهم ~~دفعه، كما لم يمكن عليا قمع الأمراء الذين هم أكابر عسكره، كالأشعث بن قيس، ~~والأشتر النخعي، وهاشم المرقال، وأمثالهم. # ودخل من أبناء المجوس، ومن في قلبه غل على الإسلام من أهل البدع ~~والزنادقة، وتتبعهم المهدي بقتلهم (1) ، حتى اندفع بذلك شر كبير (2) ، وكان ~~من خيار خلفاء بني العباس. # وكذلك الرشيد (3) ، كان فيه من تعظيم العلم والجهاد والدين ما كانت به ~~دولته من خيار دول بني العباس، وكأنما كانت تمام سعادتهم، فلم ينتظم بعدها ~~الأمر لهم، مع أن أحدا من العباسيين لم يستولوا على الأندلس، ولا على أكثر ~~المغرب، وإنما غلب بعضهم على إفريقية مدة، ثم أخذت منهم. # بخلاف أولئك، فإنهم استولوا على جميع المملكة الإسلامية، وقهروا جميع ~~أعداء الدين، وكانت جيوشهم جيشا بالأندلس يفتحه، وجيشا ببلاد الترك يقاتل ~~القان الكبير (4) ، وجيشا ببلاد العبيد (5) ، وجيشا بأرض الروم، وكان ~~الإسلام في زيادة وقوة، عزيزا في جميع الأرض. # وهذا تصديق ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: " «لا ~~PageV08P240 # يزال هذا الدين عزيزا ما تولى اثنا عشر خليفة كلهم من قريش» " (1) . # وهؤلاء الاثنا عشر خليفة هم المذكورون في التوراة ; حيث قال في بشارته ~~بإسماعيل: " وسيلد اثني عشر عظيما ". # ومن ظن أن هؤلاء ms1982 الاثني عشر هم الذين تعتقد الرافضة إمامتهم فهو في غاية ~~الجهل ; فإن هؤلاء ليس فيهم من كان له سيف إلا علي بن أبي طالب (2) ، ومع ~~هذا فلم يتمكن في خلافته من غزو الكفار، ولا فتح مدينة، ولا قتل كافرا، بل ~~كان المسلمون قد اشتغل بعضهم بقتال بعض، حتى طمع فيهم الكفار بالشرق والشام ~~من المشركين وأهل الكتاب، حتى يقال إنهم أخذوا بعض بلاد المسلمين (3) ، وإن ~~بعض الكفار كان يحمل إليه كلام حتى يكف عن المسلمين، فأي عز للإسلام في ~~هذا، والسيف يعمل في المسلمين، وعدوهم قد طمع فيهم ونال منهم؟ ! # وأما سائر الأئمة غير علي، فلم يكن لأحد منهم سيف، لا سيما المنتظر، بل ~~هو عند من يقول بإمامته: إما خائف عاجز، وإما هارب (4) مختف من أكثر من ~~أربعمائة سنة، وهو لم يهد ضالا ولا أمر بمعروف، ولا نهى عن منكر، ولا نصر ~~مظلوما، ولا أفتى أحدا في مسألة، ولا حكم PageV08P241 # في قضية، ولا يعرف له وجود، فأي فائدة حصلت من هذا لو كان موجودا، فضلا ~~عن أن يكون الإسلام به عزيزا؟ ! # (* ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن الإسلام لا يزال عزيزا *) ~~(1) ، ولا يزال أمر هذه الأمة مستقيما (2) ، حتى يتولى اثنا عشر خليفة، ~~[فلو كان المراد بهم هؤلاء الاثنا عشر] (3) وآخرهم المنتظر، وهو موجود الآن ~~إلى أن يظهر عندهم، كان (4) الإسلام لم يزل عزيزا في الدولتين الأموية ~~والعباسية، وكان عزيزا وقد خرج الكفار بالمشرق والمغرب، وفعلوا بالمسلمين ~~ما يطول وصفه، وكان الإسلام لا يزال عزيزا إلى اليوم، وهذا خلاف ما دل عليه ~~الحديث. # وأيضا فالإسلام عند الإمامية هو ما هم عليه، وهم أذل فرق الأمة، فليس في ~~أهل الأهواء أذل من الرافضة، ولا أكتم لقوله منهم، ولا أكثر استعمالا ~~للتقية (5) منهم، وهم - على زعمهم - شيعة الاثني عشر، وهم في غاية الذل، ~~فأي عز للإسلام بهؤلاء الاثني عشر على زعمهم؟ ! # وكثير من اليهود إذا أسلم يتشيع ; لأنه رأى في التوراة ذكر الاثني عشر ; ~~(* فظن أن هؤلاء هم أولئك ms1983، وليس الأمر كذلك، بل الاثنا عشر هم *) (6) الذين ~~ولوا على الأمة من قريش ولاية عامة، فكان الإسلام في زمنهم عزيزا، وهذا ~~معروف. PageV08P242 # وقد تأول ابن هبيرة (1) الحديث على أن المراد أن قوانين المملكة باثني ~~عشر، مثل الوزير والقاضي ونحو ذلك. وهذا ليس بشيء، بل الحديث على ظاهره لا ~~يحتاج إلى تكلف. # وآخرون قالوا فيه مقالة ضعيفة، كأبي الفرج بن الجوزي وغيره. ومنهم من ~~قال: لا أفهم معناه كأبي بكر بن العربي. # وأما مروان وابن الزبير فلم يكن لواحد (2) منهما ولاية عامة، بل كان زمنه ~~زمن فتنة، لم يحصل فيها من عز الإسلام وجهاد أعدائه ما يتناوله الحديث. # ولهذا جعل طائفة من الناس خلافة علي من هذا الباب. وقالوا: لم تثبت بنص ~~ولا إجماع. وقد أنكر الإمام أحمد وغيره على هؤلاء، وقالوا: " من لم يربع ~~بعلي في الخلافة فهو أضل من حمار أهله ". واستدل على ثبوت خلافته بحديث ~~سفينة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «تكون خلافة النبوة ثلاثين ~~سنة ثم تكون ملكا» ". فقيل للراوي: إن بني أمية يقولون: إن عليا لم يكن ~~خليفة. فقال: " كذبت أستاه بني الزرقاء " (3) ، والكلام على هذه المسألة ~~لبسطه موضع آخر. PageV08P243 # والمقصود هنا أن الحديث الذي فيه ذكر الاثني عشر خليفة، سواء قدر أن عليا ~~دخل فيه، أو قدر أنه لم يدخل، فالمراد بهم من تقدم من الخلفاء من قريش، ~~وعلي أحق الناس بالخلافة في زمنه بلا ريب عند أحد من العلماء. ### | فصل ما ذكره من الفضيلة بالقرابة عنه والرد عليه # فصل # إذ تبين هذا، فما ذكره من فضائله، التي هي عند الله فضائل، فهي حق. لكن ~~للثلاثة ما هو أكمل منها. # وأما ما ذكره من الفضيلة بالقرابة، فعنه أجوبة: # أحدها: أن هذا ليس هو عند الله فضيلة، فلا عبرة به ; فإن العباس أقرب منه ~~نسبا، وحمزة من السابقين الأولين من المهاجرين، وقد روي أنه " «سيد ~~الشهداء» " (1) ، وهو أقرب نسبا منه. # وللنبي - صلى الله عليه وسلم - من بني العم عدد كثير، كجعفر، وعقيل وعبد ~~الله ms1984 (2) ، وعبيد الله، والفضل وغيرهم من بني العباس. وكربيعة، وأبي سفيان ~~بن الحارث بن عبد المطلب. PageV08P244 # وليس هؤلاء أفضل من أهل بدر، ولا من أهل بيعة الرضوان، ولا من السابقين ~~الأولين، إلا من تقدم بسابقته، كحمزة وجعفر ; فإن هذين - رضي الله عنهما - ~~من السابقين الأولين. وكذلك عبيدة بن الحارث الذي استشهد يوم بدر. # وحينئذ فما ذكره من فضائل فاطمة والحسن والحسين لا حجة فيه، مع أن هؤلاء ~~لهم من الفضائل الصحيحة ما لم يذكره هذا المصنف، ولكن ذكر ما هو كذب، ~~كالحديث الذي رواه أخطب (1) خوارزم: أنه لما تزوج علي بفاطمة، زوجه الله ~~إياها من فوق سبع سماوات، وكان الخاطب جبريل، وكان إسرافيل وميكائيل في ~~سبعين ألفا من الملائكة شهودا. # وهذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث. # وكذلك الحديث الذي ذكره عن حذيفة. # الثاني: أن يقال: إن كان إيمان الأقارب فضيلة، فأبو بكر متقدم في هذه ~~الفضيلة ; فإن أباه آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - باتفاق الناس، وأبو ~~طالب لم يؤمن. وكذلك أمه آمنت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأولاده، ~~وأولاد أولاده، وليس هذا لأحد من الصحابة غيره. فليس في أقارب أبي بكر - ~~ذرية أبي قحافة - لا من الرجال ولا من النساء إلا من قد آمن بالنبي - صلى ~~الله عليه وسلم. # وقد تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - بنته، وكانت أحب أزواجه إليه. ~~وهذا أمر لم يشركه فيه أحد من الصحابة إلا عمر، ولكن لم تكن حفصة ~~PageV08P245 # ابنته بمنزلة عائشة، بل حفصة طلقها ثم راجعها، وعائشة كان يقسم لها ~~ليلتين، لما وهبتها سودة ليلتها. # ومصاهرة أبي بكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - كانت على وجه لا يشاركه ~~فيه أحد، وأما مصاهرة علي فقد شركه فيها عثمان، وزوجه النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - بنتا بعد بنت، وقال: " «لو كان عندنا ثالثة لزوجناها عثمان» " ~~; ولهذا سمي ذو النورين ; لأنه تزوج بنتي نبي. وقد شركه في ذلك أبو العاص ~~بن الربيع، زوجه النبي - صلى الله عليه وسلم - أكبر بناته زينب، وحمد ~~مصاهرته، وأراد ms1985 أن يتشبه به علي في حكم المصاهرة، لما أراد علي أن يتزوج ~~بنت أبي جهل، فذكر (1) صهره هذا. قال: " «حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي» " ~~(2) . # وأسلمت زينب قبل إسلامه بمدة، وتأيمت عليه، حتى أعادها إليه النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - قيل: أعادها بالنكاح الأول. وقيل: بل جدد لها نكاحا. ~~والصحيح: أنه أعادها بالنكاح الأول. هذا الذي ثبته أئمة الحديث، كأحمد ~~وغيره. # وقد تنازع الناس في مثل هذه المسألة: إذا أسلمت الزوجة (3) قبل زوجها، ~~على أقوال مذكورة في غير هذا الموضع (4) . PageV08P246 ### | باب الفصل الرابع من منهاج الكرامة في طرق إثبات إمامة الأئمة الاثنى عشر ### | الأول من طرق إثبات إمامة الأئمة الاثنى عشر النص # باب # قال (1) الرافضي (2) : " الفصل الرابع في إمامة باقي الأئمة الاثني عشر ~~(3) . لنا في ذلك طرق: أحدها: النص. وقد توارثته الشيعة (4) في البلاد ~~المتباعدة، خلفا عن سلف، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه «قال للحسين ~~(5) : " هذا إمام (6) ابن إمام أخو إمام، أبو أئمة تسعة، تاسعهم قائمهم، ~~اسمه كاسمي (7) ، وكنيته كنيتي، يملأ الأرض عدلا وقسطا، كما ملئت جورا ~~وظلما» ". # والجواب من وجوه: أحدها: أن يقال: أولا: هذا كذب على الشيعة ; فإن هذا لا ~~ينقله إلا طائفة (8) من طوائف الشيعة، وسائر طوائف الشيعة تكذب هذا. ~~والزيدية بأسرها تكذب هذا (9) ، وهم أعقل الشيعة وأعلمهم وخيارهم. ~~والإسماعيلية كلهم يكذبون بهذا، وسائر فرق الشيعة تكذب بهذا، إلا الاثني ~~عشرية، وهم فرقة من نحو سبعين فرقة من طوائف الشيعة. PageV08P247 # وبالجملة فالشيعة فرق متعددة جدا، وفرقهم الكبار أكثر من عشرين فرقة، ~~كلهم تكذب هذا (1) إلا فرقة واحدة، فأين تواتر الشيعة؟ ! # الثاني: أن يقال: هذا معارض بما نقله غير الاثني عشرية من الشيعة من نص ~~آخر يناقض هذا، كالقائلين بإمامة غير الاثني عشر، وبما نقله الراوندية أيضا ~~; فإن كلا من هؤلاء يدعي من النص [غير] (2) ما تدعيه الاثنا عشرية. # الثالث: أن يقال: علماء الشيعة المتقدمون ليس فيهم من نقل هذا النص، ولا ~~ذكره في كتاب، ولا احتج به في خطاب. وأخبارهم مشهورة متواترة ; فعلم أن هذا ~~من ms1986 اختلاق المتأخرين، وإنما اختلق (3) هذا لما مات الحسن بن علي العسكري، ~~وقيل: إن ابنه محمدا غائب، فحينئذ ظهر هذا النص، بعد موت النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - بأكثر من مائتين وخمسين سنة. # الرابع: أن يقال: أهل السنة وعلماؤهم أضعاف أضعاف الشيعة، كلهم يعلمون أن ~~هذا كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علما يقينا لا يخالطه الريب، ~~ويباهلون الشيعة على ذلك، كعوام الشيعة مع علي. فإن ادعى علماء الشيعة أنهم ~~يعلمون تواتر هذا، لم يكن هذا أقرب من دعوى علماء السنة بكذب هذا. ~~PageV08P248 # الخامس: أن يقال: إن من شروط التواتر حصول من يقع به العلم من الطرفين ~~والوسط. وقبل موت الحسن بن علي العسكري لم يكن أحد يقول بإمامة هذا ~~المنتظر، ولا عرف من زمن علي ودولة بني أمية أحد ادعى إمامة (1) الاثني ~~عشر، وهذا القائم. وإنما كان المدعون يدعون النص على علي، أو على ناس بعده ~~وأما دعوى النص على الاثني عشر وهذا القائم فلا يعرف أحد قاله متقدما، فضلا ~~عن أن يكون نقله متقدما. # السادس: أن الصحابة لم يكن فيهم أحد رافضي أصلا، وإن ادعى مدع على عدد ~~قليل منهم أنهم كانوا رافضة فقد كذب عليهم. ومع هذا فأولئك لا يثبت بهم ~~التواتر ; لأن العدد القليل المتفقين على مذهب يمكن عليهم التواطؤ على ~~الكذب. والرافضة تجوز الكذب على جمهور الصحابة (2) ، فكيف لا يجوز على من ~~نقل هذا النص - مع قلتهم - إن كان نقله أحد منهم؟ وإذا لم يكن في الصحابة ~~من تواتر به هذا النقل انقطع التواتر من أوله. # السابع: أن الرافضة يقولون: إن الصحابة ارتدوا عن الإسلام بجحد النص إلا ~~عددا قليلا (3) نحو العشرة، أو أقل أو أكثر، مثل عمار، وسلمان، وأبي ذر، ~~والمقداد. ومعلوم أن أولئك الجمهور لم ينقلوا هذا النص، فإنهم قد كتموه - ~~عندهم - فلا يمكنهم أن يضيفوا نقله إلى هذه PageV08P249 # الطائفة. وهؤلاء كانوا - عندهم - مجتمعين على موالاة علي، متواطئين على ~~ذلك. # وحينئذ فالطائفة القليلة التي يمكن تواطؤها على النقل لا يحصل بنقلها (1) ~~تواتر ms1987 ; لجواز اجتماعهم على الكذب. فإذا كانت الرافضة تجوز على جماهير ~~الصحابة - مع كثرتهم - الارتداد عن الإسلام، وكتمان ما يتعذر في العادة ~~التواطؤ على كتمانه، فلأن يجوز على قليل منهم تعمد الكذب (2) بطريق الأولى ~~والأحرى. # وهم يصرحون بكذب الصحابة إذا نقلوا ما يخالف هواهم (3) ، فكيف يمكنهم مع ~~ذلك تصديقهم في مثل هذا، إذا كان الناقلون [له] (4) ممن له هوى؟ # ومعلوم أن شيعة علي لهم هوى في نصره، فكيف يصدقون في نقل النص عليه، هذا ~~مع أن العقلاء وأهل العلم بالنقل يعلمون أنه ليس في فرق المسلمين أكثر ~~تعمدا للكذب وتكذيبا للحق من الشيعة، بخلاف غيرهم ; فإن الخوارج (5) - وإن ~~كانوا مارقين - فهم يصدقون، لا يتعمدون الكذب، وكذلك المعتزلة يتدينون ~~بالصدق، وأما الشيعة فالكذب عليهم غالب من حين ظهروا. PageV08P250 # الوجه الثامن: أن يقال: قد علم أهل العلم أن أول ما ظهرت الشيعة الإمامية ~~المدعية للنص في أواخر أيام الخلفاء الراشدين. وافترى ذلك عبد الله بن سبأ ~~وطائفته الكذابون، فلم يكونوا موجودين قبل ذلك. فأي تواتر لهم؟ ! # التاسع: أن الأحاديث التي نقلها الصحابة في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان ~~أعظم تواترا عند العامة والخاصة من نقل هذا النص. فإن جاز أن يقدح في نقل ~~جماهير الصحابة لتلك الفضائل ; فالقدح في هذا أولى. وإن كان القدح في هذا ~~متعذرا ; ففي تلك أولى. وإذا ثبتت فضائل الصحابة التي دلت عليها تلك النصوص ~~الكثيرة المتواترة، امتنع اتفاقهم على مخالفة هذا النص، فإن مخالفته - لو ~~كان حقا - من أعظم الإثم والعدوان. # العاشر: أنه ليس أحد من الإمامية ينقل هذا النص بإسناد متصل، فضلا عن أن ~~يكون متواترا. وهذه الألفاظ (* تحتاج إلى تكرير، فإن لم يدرس ناقلوها عليها ~~لم يحفظوها، وأين العدد الكبير (1) الذين حفظوا هذه الألفاظ *) (2) كحفظ ~~ألفاظ القرآن، وحفظ التشهد والأذان، جيلا بعد جيل إلى الرسول؟ # ونحن إذا ادعينا التواتر في فضائل الصحابة: ندعي تارة التواتر من جهة ~~المعنى، كتواتر خلافة الخلفاء الأربعة، ووقعة الجمل وصفين، PageV08P251 # وتزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - بعائشة وعلي بفاطمة، ونحو ذلك ms1988 مما لا ~~يحتاج فيه إلى نقل لفظ معين يحتاج إلى درس، وكتواتر ما للصحابة من السابقة ~~والأعمال وغير ذلك. وتارة التواتر في نقل ألفاظ حفظها من يحصل العلم بنقله. # الوجه الحادي عشر: أن المنقول بالنقل المتواتر عن أهل البيت (1) يكذب مثل ~~هذا النقل، وأنهم لم يكونوا يدعون أنهم (2) منصوص عليهم، بل يكذبون من يقول ~~ذلك، فضلا عن أن يثبتوا النص على اثني عشر. # الوجه الثاني عشر: أن الذي ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في عدد ~~الاثني عشر مما أخرجاه في الصحيحين عن جابر بن سمرة، قال: «دخلت مع أبي على ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمعته يقول: " لا يزال أمر الناس ماضيا ولهم ~~اثنا عشر رجلا "، ثم تكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - بكلمة خفيت عني، ~~فسألت أبي: ماذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم؟ قال: قال: " كلهم من ~~قريش» "، وفي لفظ: " «لا يزال الإسلام (3) عزيزا إلى اثني عشر خليفة "، ثم ~~قال كلمة لم أفهمها، قلت لأبي: ما قال؟ قال: " كلهم من قريش» ". وفي لفظ: " ~~«لا يزال هذا الأمر عزيزا إلى اثني عشر خليفة» " (4) . PageV08P252 # والذي في التوراة يصدق هذا. وهذا النص لا يجوز أن يراد به هؤلاء الاثنا ~~عشر ; لأنه قال: " «لا يزال الإسلام عزيزا» "، و " «لا يزال هذا الأمر ~~عزيزا» " و " «لا يزال أمر الناس ماضيا» " وهذا يدل على أنه يكون أمر ~~الإسلام قائما في زمان ولايتهم، ولا يكون قائما إذا انقطعت ولايتهم. وعند ~~[هؤلاء] (1) الاثني عشرية لم يقم أمر الأمة في مدة أحد من هؤلاء الاثني ~~عشر، بل مازال أمر الأمة فاسدا منتقضا (2) يتولى عليهم الظالمون المعتدون، ~~بل المنافقون الكافرون، وأهل الحق أذل من اليهود. # وأيضا فإن عندهم ولاية المنتظر دائمة إلى آخر الدهر، وحينئذ فلا يبقى ~~زمان يخلو عندهم من الاثني عشر. وإذا كان كذلك لم يبق الزمان نوعين: نوع ~~يقوم فيه أمر الأمة (3) ، ونوع لا يقوم، بل هو قائم في الأزمان كلها، وهو ~~خلاف الحديث الصحيح. # وأيضا فالأمر الذي لا يقوم بعد ذلك إلا ms1989 إذا قام المهدي: إما المهدي الذي ~~يقر به أهل السنة، وإما مهدي الرافضة، ومدته قليلة لا ينتظم فيها أمر الأمة ~~(4) . # وأيضا فإنه قال في الحديث: " «كلهم من قريش» " ولو كانوا مختصين بعلي ~~وأولاده لذكر ما يميزون به. ألا ترى أنه لم يقل: كلهم من ولد PageV08P253 # إسماعيل، ولا من العرب، وإن كانوا كذلك ; لأنه قصد القبيلة التي يمتازون ~~بها، فلو امتازوا بكونهم من بني هاشم، أو من قبيل علي مع علي لذكروا بذلك، ~~فلما جعلهم من قريش مطلقا علم أنهم من قريش، بل لا يختصون بقبيلة، بل بنو ~~تيم (1) ، وبنو عدي، وبنو عبد شمس، وبنو هاشم، فإن الخلفاء الراشدين كانوا ~~من هذه القبائل. ### | فصل حديث المهدي كما يرويه الرافضي والرد عليه # فصل # وأما الحديث الذي رواه (2) : عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم ~~(3) : " «يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي، اسمه كاسمي (4) ، وكنيته كنيتي، ~~يملأ الأرض عدلا (5) كما ملئت جورا، وذلك (6) هو المهدي» " (7) . # فالجواب: أن الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة، رواها ~~أبو داود، والترمذي، وأحمد، وغيرهم، من حديث ابن مسعود وغيره. PageV08P254 # كقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه ابن مسعود: " [لو] (1) ~~«لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم، حتى يخرج فيه رجل مني، أو ~~من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا وعدلا، ~~كما ملئت جورا وظلما» ". ورواه الترمذي، وأبو داود من رواية أم سلمة (2) . # وأيضا فيه: " «المهدي من عترتي من ولد فاطمة» " (3) . ورواه أبو داود من ~~طريق أبي سعيد، وفيه: " «يملك الأرض سبع سنين» " (4) . # ورواه عن علي - رضي الله عنه - أنه نظر إلى الحسن وقال: " إن ابني هذا ~~سيد، كما سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسيخرج من صلبه رجل يسمى ~~باسم نبيكم، يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق، يملأ الأرض قسطا " (5) . ~~PageV08P255 # وهذه الأحاديث غلط فيها طوائف: طائفة أنكروها، واحتجوا (1) بحديث ابن ~~ماجه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا مهدي ms1990 إلا عيسى بن مريم "، ~~وهذا الحديث ضعيف، وقد اعتمد أبو محمد بن الوليد البغدادي وغيره عليه وليس ~~مما يعتمد عليه، ورواه ابن ماجه عن يونس عن الشافعي، والشافعي رواه عن رجل ~~من أهل اليمن، يقال له: محمد بن خالد الجندي، وهو ممن لا يحتج به (2) . ~~وليس هذا في مسند الشافعي، وقد قيل: إن الشافعي لم يسمعه من الجندي، وأن ~~يونس لم يسمعه من الشافعي. # الثاني: أن الاثني عشرية الذين ادعوا أن هذا هو مهديهم، مهديهم اسمه محمد ~~بن الحسن. والمهدي المنعوت (3) الذي وصفه النبي - صلى PageV08P256 # الله عليه وسلم - اسمه محمد بن عبد الله ; ولهذا حذفت طائفة ذكر الأب من ~~لفظ الرسول (1) حتى لا يناقض ما كذبت. وطائفة حرفته، فقالت: جده الحسين، ~~وكنيته أبو عبد الله، فمعناه محمد بن أبي عبد الله، وجعلت الكنية اسما. # وممن سلك هذا ابن طلحة في كتابه الذي سماه " غاية السول في مناقب الرسول ~~" (2) ، ومن أدنى نظر يعرف أن هذا تحريف صريح (3) وكذب على رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - فهل يفهم أحد من قوله: " «يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم ~~أبي» " إلا أن اسم أبيه عبد الله؟ وهل يدل هذا اللفظ على أن جده كنيته أبو ~~عبد الله؟ # ثم أي تمييز يحصل له بهذا؟ فكم من ولد الحسين من اسمه محمد، وكل هؤلاء ~~يقال في أجدادهم: محمد بن أبي عبد الله كما قيل في هذا؟ وكيف يعدل من يريد ~~البيان إلى من اسمه محمد بن الحسن، فيقول: اسمه محمد بن عبد الله، ويعني ~~بذلك أن جده أبو عبد الله؟ # وهذا كان تعريفه (4) بأنه محمد بن الحسن، أو ابن أبي الحسن ; لأن ~~PageV08P257 # جده على كنيته أبو الحسن - أحسن من هذا، وأبين لمن يريد الهدى والبيان. # وأيضا فإن المهدي المنعوت (1) من ولد الحسن بن علي، لا من ولد الحسين، ~~كما تقدم لفظ حديث علي. # الثالث: أن طوائف ادعى (2) كل منهم أن المهدي المبشر به مثل مهدي ~~القرامطة الباطنية، الذي أقام دعوتهم بالمغرب، وهو من ولد ميمون القداح ms1991، ~~وادعوا أن ميمونا هذا هو (3) من ولد محمد بن إسماعيل، وإلى ذلك انتسب ~~الإسماعيلية، وهم ملاحدة في الباطن، خارجون عن جميع الملل، أكفر من الغالية ~~كالنصيرية، ومذهبهم مركب من مذهب المجوس والصابئة والفلاسفة، مع إظهار ~~التشيع، وجدهم رجل يهودي كان ربيبا لرجل مجوسي، وقد كانت لهم دولة وأتباع. # وقد صنف العلماء كتبا في كشف أسرارهم وهتك أستارهم، مثل كتاب القاضي أبي ~~بكر الباقلاني، والقاضي عبد الجبار الهمداني، وكتاب الغزالي، ونحوهم. # وممن ادعى أنه المهدي ابن التومرت، الذي خرج أيضا بالمغرب، وسمى أصحابه ~~الموحدين، وكان يقال له في خطبهم: " الإمام المعصوم "، و " المهدي المعلوم ~~" الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا PageV08P258 # وظلما. وهذا ادعى أنه من ولد الحسن دون الحسين ; فإنه لم يكن رافضيا، ~~وكان له من الخبرة بالحديث ما ادعى به دعوى تطابق الحديث. # وقد علم بالاضطرار أنه ليس هو الذي ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم. # ومثل عدة آخرين ادعوا ذلك: منهم من قتل (1) ، ومنهم من ادعى ذلك فيه ~~أصحابه، وهؤلاء كثيرون لا يحصي عددهم إلا الله، وربما حصل بأحدهم نفع لقوم، ~~وإن حصل به ضرر لآخرين، كما حصل بمهدي المغرب: انتفع به طوائف، وتضرر به ~~طوائف (2) ، وكان فيه ما يحمد وإن كان (3) فيه ما يذم. # وبكل حال فهو وأمثاله خير من مهدي الرافضة، الذي ليس له عين ولا أثر، ولا ~~يعرف له حس ولا خبر، لم ينتفع به أحد لا في الدنيا ولا في الدين، بل حصل ~~باعتقاد وجوده من الشر والفساد، مالا يحصيه إلا رب العباد. # وأعرف في زماننا غير واحد من المشايخ، الذين فيهم زهد وعبادة، يظن كل ~~منهم أنه المهدي، وربما يخاطب أحدهم بذلك مرات متعددة، ويكون المخاطب له ~~بذلك الشيطان، وهو يظن أنه خطاب من قبل الله. # ويكون أحدهم اسمه أحمد بن إبراهيم، فيقال له: محمد وأحمد سواء، ~~PageV08P259 # وإبراهيم الخليل هو جد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبوك إبراهيم ; ~~فقد واطأ اسمك اسمه، واسم أبيك اسم أبيه. # ومع هذا فهؤلاء - مع ما ms1992 وقع لهم من الجهل والغلط - كانوا خيرا من منتظر ~~الرافضة، ويحصل بهم (1) من النفع ما لا يحصل بمنتظر الرافضة، ولم يحصل بهم ~~من الضرر ما حصل بمنتظر الرافضة، بل ما حصل بمنتظر الرافضة من الضرر أكثر ~~منه (2) . ### | فصل الثاني قوله يجب في كل زمان إمام معصوم ولا معصوم غير هؤلاء والرد عليه # فصل # قال الرافضي (3) : " الثاني: أنا (4) قد بينا أنه يجب في كل زمان إمام ~~معصوم، ولا معصوم غير هؤلاء إجماعا " (5) . # والجواب من وجوه: أحدها: منع (6) المقدمة الأولى كما تقدم. # والثاني: منع طوائف لهم المقدمة الثانية (7) . PageV08P260 # الثالث (1) : أن هذا المعصوم الذي يدعونه في وقت ما له مذ ولد عندهم أكثر ~~من (2) أربعمائة وخمسين سنة ; فإنه دخل السرداب عندهم سنة ستين ومائتين، ~~وله خمس سنين عند بعضهم، وأقل من ذلك عند آخرين (3) ، ولم يظهر عنه شيء مما ~~يفعله أقل الناس تأثيرا (4) ، مما يفعله آحاد الولاة والقضاة والعلماء، ~~فضلا عما يفعله الإمام المعصوم. فأي منفعة للوجود (5) في مثل هذا لو كان ~~موجودا؟ فكيف إذا كان معدوما؟ ! # والذين آمنوا بهذا المعصوم، أي لطف وأي منفعة (6) حصلت لهم به نفسه في ~~دينهم أو دنياهم؟ ! # وهل هذا إلا أفسد مما يدعيه كثير من العامة في القطب والغوث ونحو ذلك من ~~أسماء يعظمون مسماها، ويدعون في مسماها (7) ما هو أعظم من رتبة (8) النبوة، ~~من غير تعيين لشخص معين يمكن أن ينتفع به الانتفاع المذكور في مسمى هذه ~~الأسماء. PageV08P261 # وكما يدعي كثير منهم حياة الخضر، مع أنهم لم يستفيدوا بهذه الدعوى منفعة: ~~لا في دينهم، ولا في دنياهم. # وإنما غاية من يدعي ذلك أن يدعي جريان بعض ما يقدره (1) الله على يدي (2) ~~مثل هؤلاء. وهذا مع أنه (3) لا حاجة لهم به، فلا حاجة بهم (4) إلى معرفته، ~~ولم ينتفعوا بذلك لو كان حقا، فكيف إذا كان ما يدعونه باطلا؟ ! # ومن هؤلاء من يتمثل له الجني في صورة، ويقول: أنا الخضر، ويكون كاذبا. ~~وكذلك الذين يذكرون رجال الغيب ورؤيتهم إنما رأوا الجن، وهم رجال غائبون، ~~وقد يظنون أنهم إنس ms1993. وهذا قد بيناه في مواضع تطول حكايتها مما تواتر عندنا. # وهذا الذي تدعيه الرافضة إما مفقود عندهم، وإما معدوم عند العقلاء. وعلى ~~التقديرين فلا منفعة لأحد به، لا في دين ولا [في] دنيا (5) . فمن علق به ~~دينه بالمجهولات التي لا يعلم ثبوتها (6) كان ضالا في دينه ; لأن ما علق به ~~دينه لم يعلم صحته، ولم يحصل له به منفعة، فهل يفعل مثل هذا إلا جاهل؟ ! # لكن الذين يعتقدون حياة الخضر لا يقولون: إنه يجب على الناس طاعته، مع أن ~~الخضر كان حيا موجودا. PageV08P262 ### | فصل الفضائل التي اشتمل كل واحد من الأئمة عليها الموجبة لكونه إماما والرد عليه # فصل # قال الرافضي (1) : " الثالث: الفضائل التي اشتمل كل واحد منهم عليها ~~الموجبة لكونه إماما ". # والجواب من وجوه: أحدها: أن تلك الفضائل غايتها أن يكون صاحبها أهلا أن ~~تعقد (2) له الإمامة، لكنه لا يصير إماما بمجرد كونه أهلا، كما أنه لا يصير ~~الرجل قاضيا بمجرد كونه أهلا لذلك. # الثاني: أن أهلية الإمامة ثابتة لآخرين من قريش كثبوتها لهؤلاء، وهم أهل ~~أن يتولوا الإمامة، فلا موجب للتخصيص، ولم يصيروا بذلك أئمة. # الثالث: أن الثاني عشر منهم معدوم عند جمهور العقلاء ; فامتنع أن يكون ~~إماما. # الرابع: أن العسكريين ونحوهما من طبقة أمثالهما لم يعلم لها تبريز في علم ~~أو دين، كما عرف لعلي بن الحسين، وأبي جعفر، وجعفر بن محمد. PageV08P263 ### | باب الفصل الخامس من كلام الرافضي أن من تقدم عليا لم يكن إماما والرد عليه # باب # قال الرافضي (1) : " الفصل الخامس: أن (2) من تقدمه لم يكن إماما. ويدل ~~عليه وجوه (3) ". # قلت: والجواب: أنه إن أريد بذلك أنهم لم يتولوا على المسلمين، ولم ~~يبايعهم المسلمون، ولم يكن لهم سلطان يقيمون به الحدود (4) ، ويوفون به ~~الحقوق، ويجاهدون به العدو، ويصلون بالمسلمين الجمع والأعياد، وغير ذلك مما ~~هو داخل في معنى الإمامة - فهذا بهت ومكابرة. فإن هذا أمر معلوم بالتواتر، ~~والرافضة وغيرهم يعلمون ذلك، ولو لم يتولوا الإمامة لم تقدح فيهم الرافضة. # لكن هم يطلقون ثبوت الإمامة وانتفاءها ولا يفصلون ms1994 (5) : هل المراد ثبوت ~~نفس الإمامة ومباشرتها؟ أو نفس استحقاق ولاية الإمامة؟ # ويطلقون لفظ " الإمام " على الثاني، ويوهمون أنه يتناول النوعين. ~~PageV08P264 # وإن أريد بذلك أنهم لم يكونوا يصلحون للإمامة، وأن عليا كان يصلح لها ~~دونهم، أو أنه كان أصلح لها منهم - فهذا كذب، وهو مورد النزاع. # ونحن نجيب في ذلك جوابا عاما كليا، ثم نجيب بالتفصيل. # أما الجواب العام الكلي فنقول: نحن عالمون بكونهم أئمة صالحين للإمامة ~~علما يقينا قطعيا، وهذا لا يتنازع فيه اثنان من طوائف المسلمين غير ~~الرافضة، بل أئمة الأمة وجمهورها يقولون: إنا نعلم أنهم كانوا أحق ~~بالإمامة، بل يقولون: إنا نعلم أنهم كانوا أفضل الأمة. # وهذا الذي نعلمه ونقطع به ونجزم به لا يمكن أن يعارض بدليل قطعي ولا ظني. ~~أما القطعي: فلأن القطعيات لا يتناقض موجبها ومقتضاها. وأما الظنيات: فلأن ~~الظني لا يعارض القطعي. # وجملة ذلك أن كل ما يورده القادح فلا يخلو عن أمرين: إما نقل لا نعلم ~~صحته، أو لا نعلم دلالته على بطلان إمامتهم، وأي المقدمتين لم يكن معلوما ~~لم يصلح لمعارضته ما علم قطعا. # وإذا قام الدليل القطعي على ثبوت إمامتهم، لم يكن علينا أن نجيب عن الشبه ~~(1) المفضلة، كما أن ما علمناه قطعا لم يكن علينا أن نجيب عما يعارضه من ~~الشبه السوفسطائية. # وليس لأحد أن يدفع ما علم أيضا يقينا بالظن، سواء كان ناظرا أو مناظرا. ~~بل إن تبين له وجه فساد الشبهة وبينه لغيره، كان ذلك زيادة علم ومعرفة ~~PageV08P265 # وتأييد للحق (1) في النظر والمناظرة، وإن لم يتبين ذلك لم يكن له أن يدفع ~~اليقين بالشك. وسنبين إن شاء الله تعالى الأدلة الكثيرة على استحقاقهم ~~للإمامة، وأنهم كانوا أحق بها من غيرهم (2) . ### | فصل قال الرافضي الأول قول أبي بكر إن لي شيطانا يعتريني والرد عليه # فصل # قال الرافضي (3) : الأول: " قول أبي بكر: إن لي شيطانا يعتريني، فإن ~~استقمت فأعينوني، وإن زغت فقوموني. ومن شأن الإمام تكميل الرعية، فكيف يطلب ~~منهم الكمال؟ " # والجواب من وجوه: أحدها: أن المأثور عنه أنه قال ms1995: " إن لي شيطانا يعتريني ~~" يعني [عند] (4) الغضب " فإذا اعتراني فاجتنبوني لا أؤثر في أبشاركم (5) ~~". وقال: " أطيعوني ما أطعت الله، فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم ". وهذا ~~الذي قاله أبو بكر - رضي الله عنه - من أعظم ما يمدح به، كما سنبينه إن شاء ~~الله تعالى. PageV08P266 # الثاني: أن الشيطان الذي يعتريه قد فسر بأنه يعرض لابن آدم عند الغضب، ~~فخاف عند الغضب أن يعتدي على أحد من الرعية ; فأمرهم بمجانبته عند الغضب. # كما ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «لا يقضي ~~القاضي بين اثنين وهو غضبان» " (1) ; فنهى عن الحكم عند (2) الغضب، وهذا هو ~~الذي أراده (3) أبو بكر، أراد أن لا يحكم وقت الغضب، وأمرهم (4) أن لا ~~يطلبوا منه حكما، أو يحملوه (5) على حكم في هذا الحال. وهذا من طاعته لله ~~ورسوله. # الثالث: أن يقال: الغضب يعتري بني آدم كلهم، حتى قال سيد ولد آدم: " ~~«اللهم إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر، وإني اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه ~~(6) : أيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارة PageV08P267 # وقربة تقربه إليك يوم القيامة» " أخرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة (1) . # وأخرجه مسلم عن عائشة قال: «دخل رجلان على النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~فأغضباه ; فسبهما ولعنهما، فلما خرجا قلت: يا رسول الله من (2) أصاب من ~~الخير ما أصاب هذان [الرجلان] (3) . قال: " وما ذاك؟ " قلت: لعنتهما ~~وسببتهما. قال: " أوما علمت ما شارطت عليه ربي؟ . قلت: إنما أنا بشر فأي ~~المسلمين سببته أو لعنته (4) فاجعله له زكاة وأجرا» (5) "، وفي رواية أنس: ~~" «إني اشترطت على ربي، فقلت: إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما ~~يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عليه من PageV08P268 # أمتي بدعوة ليس (1) لها بأهل أن يجعلها له طهورا وزكاة وقربة» " (2) . # وأيضا فموسى رسول كريم، وقد أخبر الله عن (3) غضبه بما ذكره في كتابه (4) ~~. # فإذا كان مثل هذا لا يقدح في الرسالة، فكيف يقدح في الإمامة؟ ! مع أن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - شبه أبا بكر بإبراهيم ms1996 وعيسى في لينه وحلمه، ~~وشبه عمر بنوح وموسى في شدته في الله. فإذا كانت هذه الشدة لا تنافي ~~الإمامة، فكيف تنافيها شدة أبي بكر؟ ! # الرابع: أن يقال: أبو بكر - رضي الله عنه - قصد بذلك الاحتراز (5) أن ~~يؤذي أحدا منهم، فأيما (6) أكمل: هذا أو غيره ممن غضب على من عصاه، وقاتلهم ~~وقاتلوه بالسيف، وسفك دماءهم؟ # فإن قيل: كانوا يستحقون القتال بمعصية الإمام وإغضابه. # قيل: ومن عصى أبا بكر وأغضبه كان أحق بذلك، لكن أبا بكر ترك ما يستحقه، ~~إن كان علي يستحق ذلك، وإلا فيمتنع أن يقال: من عصى PageV08P269 # عليا وأغضبه جاز أنه يقاتله، ومن عصى أبا بكر لم يجز له تأديبه ; فدل على ~~أن ما فعله أبو بكر أكمل (1) من الذي فعله علي. # وفي المسند وغيره عن أبي برزة أن رجلا أغضب أبا بكر. قال (2) : فقلت له: ~~أتأذن لي أن أضرب عنقه يا خليفة رسول الله؟ قال: فأذهبت كلمتي غضبه، ثم ~~قال: ما كانت لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم (3) . فلم يستحل أن ~~يقتل مسلما بمجرد مخالفة أمره. # والعلماء في حديث أبي برزة على قولين: منهم من يقول: مراده أنه لم يكن ~~لأحد أن يقتل أحدا سبه إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم. ومنهم من يقول: ما ~~كان لأحد أن يحكم بعلمه في الدماء إلا الرسول. # وقد تخلف عن بيعته سعد بن عبادة، فما آذاه بكلمة، فضلا عن فعل. وقد قيل: ~~إن عليا وغيره امتنعوا عن بيعته ستة أشهر، فما أزعجهم، ولا (4) ألزمهم ~~بيعته. فهل هذا كله إلا من كمال ورعه عن أذى الأمة، وكمال عدله وتقواه؟ # وهكذا قوله: فإذا اعتراني فاجتنبوني. # الخامس: أن في الصحيح عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه PageV08P270 # وسلم - أنه قال: " «ما منكم من أحد إلا وكل به قرينه من الجن ". قالوا: ~~وإياك يا رسول الله؟ قال: " وإياي، ولكن ربي أعانني عليه (1) فأسلم، فلا ~~يأمرني إلا بخير» " (2) . # وفي الصحيح «عن عائشة قالت: يا رسول الله أومعي (3) شيطان؟ قال: " نعم ". ~~قالت: ومع كل ms1997 إنسان؟ قال: " نعم " قالت: " ومعك يا رسول الله؟ قال: " نعم، ~~ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم» (4) . والمراد في أصح القولين: استسلم ~~وانقاد لي. ومن قال: حتى أسلم أنا، فقد حرف معناه. ومن قال: الشيطان صار ~~مؤمنا (5) ، فقد حرف لفظه. # وقد قال موسى لما قتل القبطي: {هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين} ~~[سورة القصص: 15] ، وقال فتى موسى: {وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره} ~~[سورة الكهف: 63] . وذكر الله في قصة آدم وحواء {فأزلهما الشيطان عنها ~~فأخرجهما مما كانا فيه} [سورة البقرة: 36] ، وقوله: PageV08P271 # {فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما} [سورة ~~الأعراف: 20] . # فإذا كان عرض (1) الشيطان لا يقدح في نبوة الأنبياء - عليهم السلام - ~~فكيف يقدح في إمامة الخلفاء؟ ! # وإن ادعى مدع أن هذه النصوص مئولة. # قيل له: فيجوز لغيرك أن يتأول قول الصديق، لما ثبت بالدلائل الكثيرة من ~~إيمانه وعلمه، وتقواه وورعه. فإذا ورد لفظ مجمل يعارض ما علم (2) . وجب ~~تأويله. # وأما قوله: " فإن استقمت فأعينوني، وإن زغت فقوموني "، فهذا من كمال عدله ~~وتقواه، وواجب على كل إمام أن يقتدي به في ذلك، وواجب على الرعية أن تعامل ~~الأئمة بذلك، فإن استقام الإمام (3) أعانوه على طاعة الله تعالى، وإن زاغ ~~وأخطأ بينوا له الصواب ودلوه عليه، وإن تعمد ظلما منعوه منه بحسب الإمكان، ~~فإذا كان منقادا للحق، كأبي بكر، فلا عذر لهم في ترك ذلك (4) ، وإن كان لا ~~يمكن دفع الظلم إلا بما هو أعظم فسادا منه، لم يدفعوا الشر القليل بالشر ~~الكثير. PageV08P272 # وأما قول الرافضي: " ومن شأن الإمام تكميل الرعية، فكيف يطلب منهم ~~التكميل؟ " # عنه أجوبة: أحدها: أنا (1) لا نسلم أن الإمام يكملهم وهم لا يكملونه أيضا ~~(2) ، بل الإمام والرعية يتعاونون على البر والتقوى، لا على الإثم ~~والعدوان، بمنزلة أمير الجيش والقافلة والصلاة والحج، والدين قد عرف ~~بالرسول، فلم يبق عند الإمام دين ينفرد به، ولكن لا بد من الاجتهاد في ~~الجزئيات، فإن كان الحق فيها بينا أمر به، وإن كان متبينا للإمام دونهم ~~بينه لهم، وكان ms1998 عليهم أن يطيعوه، وإن كان مشتبها عليهم اشتوروا فيه حتى ~~يتبين لهم، وإن تبين لأحد من الرعية دون الإمام بينه له، وإن اختلف ~~الاجتهاد، فالإمام هو المتبع في اجتهاده، إذ لا بد من الترجيح، والعكس ~~ممتنع. # وهذا كما تقوله الرافضة الإمامية في نواب المعصوم ; فإنه وإن تبين لهم ~~الكليات فلا بد في تبيين الجزئيات من الاجتهاد، وحينئذ فكل إمام هو نائب ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ريب في عصمته، ونوابه أحق ~~بالاتباع من نواب غيره، والمراد بكونهم نوابه أن عليهم أن يقوموا بما قام ~~به، ليس المراد استخلافهم، فإن طاعة الرسول واجبة على كل متول، سواء ولاه ~~(3) الرسول أو غيره، وطاعته بعد موته كطاعته في PageV08P273 # حياته، ولو ولى هو رجلا لوجب عليه وعلى غيره ما يجب على غيره من الولاة. # الوجه الثاني: أن كلا من المخلوقين قد استكمل بالآخر، كالمتناظرين في ~~العلم، والمتشاورين في الرأي، والمتعاونين المتشاركين في مصلحة دينهما ~~ودنياهما. وإنما يمتنع هذا في الخالق سبحانه ; لأنه لا بد أن يكون للممكنات ~~المحدثات فاعل مستغن بنفسه، غير محتاج إلى أحد ; لئلا يفضي إلى الدور في ~~المؤثرات والتسلسل فيها، وأما المخلوقان فكلاهما يستفيد حوله وقوته من الله ~~تعالى، لا من نفسه ولا من الآخر، فلا دور في ذلك. # الوجه الثالث: أنه ما زال المتعلمون ينبهون معلمهم على أشياء، ويستفيدها ~~المعلم منهم، مع أن عامة ما عند المتعلم من الأصول تلقاها من معلمه. وكذلك ~~في الصناع وغيرهم. # الوجه الرابع: أن موسى - صلى الله عليه وسلم - قد استفاد من الخضر ثلاث ~~مسائل، وهو أفضل منه. وقد قال الهدهد لسليمان: {أحطت بما لم تحط به} [سورة ~~النمل: 22] وليس الهدهد قريبا من سليمان. # ونبينا - صلى الله عليه وسلم - كان يشاور أصحابه، وكان أحيانا يرجع إليهم ~~في الرأي. كما (1) قال له الحباب يوم بدر: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل: ~~أهو منزل أنزلكه الله تعالى فليس لنا أن نتعداه، أم هو الحرب PageV08P274 # والرأي والمكيدة؟ فقال: " بل (1) هو الحرب والرأي والمكيدة " فقال: ليس ms1999 ~~هذا بمنزل قتال. [قال:] (2) فرجع إلى رأي الحباب (3) . # وكذلك يوم الخندق، كان قد رأى أن يصالح غطفان على نصف تمر المدينة، ~~وينصرف عن القتال. فجاءه سعد (4) فقال: يا رسول الله، إن كان الله أمرك ~~بهذا فسمعا وطاعة، أو كما قال، وإن كنت أنت إنما فعلت هذا لمصلحتنا، فلقد ~~كانوا في الجاهلية وما ينالون منها تمرة (5) إلا بشراء أو كراء، فلما أعزنا ~~الله بالإسلام نعطيهم تمرنا (6) ، ما نعطيهم إلا السيف، أو كما قال. فقبل ~~منه النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك (7) . # وعمر أشار عليه لما أذن لهم في غزوة تبوك في نحر الركاب أن يجمع أزوادهم ~~ويدعو فيها بالبركة، فقبل منه (8) . # وأشار عليه بأن يرد أبا هريرة لما أرسله بنعليه يبشر من لقيه وراء هذا ~~الحائط يشهد أن لا إله إلا الله بالجنة، لما خاف أن يتكلوا، فقبل منه (9) . ~~PageV08P275 # وأبو بكر لم يكن يرجع إليهم فيما ليس فيه (1) نص من الله ورسوله، بل كان ~~إذا تبين له ذلك لم يبال بمن خالفه. ألا ترى أنه لما نازعه [عمر] (2) في ~~قتال أهل الردة لأجل الخوف على المسلمين، ونازعوه في قتال مانعي الزكاة، ~~ونازعوه في إرسال جيش أسامة - لم يرجع إليهم، بل بين لهم دلالة النص على ما ~~فعله. # وأما في الأمور الجزئية التي لا يجب أن تكون منصوصة، بل يقصد بها ~~المصلحة، فهذه ليس هو فيها بأعظم من الأنبياء. # الخامس: أن هذا الكلام من أبي بكر ما زاده عند الأمة إلا شرفا وتعظيما، ~~ولم تعظم الأمة أحدا بعد نبيها كما عظمت الصديق، ولا أطاعت أحدا كما ~~أطاعته، من غير رغبة أعطاهم إياها، ولا رهبة أخافهم بها، بل الذين بايعوا ~~الرسول تحت الشجرة بايعوه طوعا، مقرين بفضيلته واستحقاقه. ثم مع هذا لم ~~نعلم أنهم اختلفوا في عهده في مسألة واحدة في دينهم [إلا] (3) وأزال ~~الاختلاف ببيانه لهم، ومراجعتهم له. وهذا أمر لا يشركه فيه غيره. # وكان عمر أقرب إليه في ذلك، ثم عثمان. # وأما علي فقاتلهم وقاتلوه (4) ، فلا قومهم ولا قوموه، فأي الإمامين ms2000 حصل ~~به مقصود الإمامة أكثر؟ وأي الإمامين أقام الدين ورد المرتدين، PageV08P276 # وقاتل الكافرين، واتفقت عليه الكلمة: (1) كلمة المؤمنين؟ هل يشبه هذا ~~بهذا إلا من هو في غاية النقص من العقل والدين؟ ! ### | فصل قال الرافضي الثاني قول عمر كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرها والرد عليه # فصل # قال الرافضي (2) : " الثاني: قول عمر: كانت بيعة أبي بكر فلتة، وقى الله ~~المسلمين شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه. وكونها فلتة يدل على أنها لم ~~تقع عن رأي صحيح، ثم سأل وقاية شرها، ثم أمر بقتل من يعود إلى مثلها، وكان ~~ذلك (3) يوجب الطعن فيه ". # والجواب: أن لفظ عمر ما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس، من خطبة عمر التي ~~قال فيها: " ثم إنه قد بلغني أن قائلا منكم يقول: " والله لو مات عمر بايعت ~~فلانا " فلا يغترن امرؤ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة، ألا وإنها ~~قد كانت كذلك، ولكن قد وقى الله شرها، وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل ~~أبي بكر، من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين، فلا يبايع هو ولا الذي ~~بايعه تغرة أن يقتلا، وإنه كان من خيرنا حين توفى الله نبيه - صلى الله ~~عليه وسلم - وذكر الحديث وفيه: أن الصديق قال: " وقد رضيت لكم أحد هذين ~~الرجلين، فبايعوا أيهما PageV08P277 # شئتم. فأخذ بيدي وبيد (1) أبي عبيدة وهو جالس بيننا، فلم أكره مما قال ~~غيرها، كان - والله - أن أقدم فيضرب عنقي لا يقربني [ذلك] (2) من إثم أحب ~~إلي [من] (3) أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، اللهم إلا أن تسول لي نفسي ~~شيئا عند الموت (4) لا أجده الآن ". وقد تقدم الحديث بكماله (5) . # ومعنى ذلك أنها وقعت فجأة لم تكن قد استعددنا لها ولا تهيأنا ; لأن أبا ~~بكر كان متعينا لذلك، فلم يكن يحتاج في ذلك إلى أن يجتمع لها الناس ; إذ ~~كلهم يعلمون أنه أحق بها، وليس بعد أبي بكر من يجتمع الناس على تفضيله ~~واستحقاقه كما اجتمعوا على ذلك في أبي بكر ms2001، فمن أراد أن ينفرد ببيعة رجل ~~دون ملأ من المسلمين فاقتلوه. وهو لم يسأل وقاية شرها، بل أخبر أن الله وقى ~~شر الفتنة بالاجتماع (6) . ### | فصل قال الرافضي الثالث قصورهم في العلم والتجاؤهم في أكثر الأحوال إلى علي والرد عليه # فصل # قال الرافضي (7) : " الثالث: قصورهم في العلم والتجاؤهم في أكثر الأحكام ~~إلى علي (8) ". PageV08P278 # والجواب: أن هذا من أعظم البهتان. أما أبو بكر: فما عرف أنه استفاد من ~~علي شيئا أصلا. وعلي قد روى عنه واحتذى حذوه واقتدى بسيرته. وأما عمر: فقد ~~(* استفاد علي منه أكثر مما استفاد عمر منه. وأما عثمان: فقد كان أقل علما ~~من أبي بكر وعمر، ومع هذا فما كان *) (1) يحتاج إلى علي، حتى أن بعض الناس ~~شكا إلى علي بعض سعاة عمال عثمان، فأرسل إليه بكتاب الصدقة، فقال عثمان (2) ~~: لا حاجة لنا به. # وصدق عثمان، وهذه فرائض الصدقة ونصبها التي لا تعلم إلا بالتوقيف (3) ~~فيها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي من أربع طرق: أصحها عند علماء ~~المسلمين كتاب أبي بكر (* الذي كتبه لأنس بن مالك، وهذا هو الذي رواه ~~البخاري (4) ، وعمل به أكثر الأئمة. وبعده كتاب *) (5) عمر (6) . # وأما الكتاب المنقول عن علي ففيه أشياء لم يأخذ بها أحد من PageV08P279 # العلماء، مثل قوله: " في خمس وعشرين خمس (1) شاة " ; فإن هذا خلاف النصوص ~~المتواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم ; ولهذا كان ما روي عن علي: إما ~~منسوخ، وإما خطأ في النقل. # والرابع: كتاب عمرو بن حزم، كان قد كتبه لما بعثه إلى نجران. وكتاب أبي ~~بكر هو آخر الكتب، فكيف يقول عاقل: إنهم كانوا يلجئون إليه في أكثر ~~الأحكام، وقضاته لم يكونوا يلتجئون إليه، بل كان شريح [القاضي] (2) وعبيدة ~~السلماني ونحوهما من القضاة الذين كانوا في زمن علي يقضون بما تعلموه (3) ~~من [غير] (4) علي، وكان شريح قد تعلم من معاذ بن جبل وغيره من الصحابة، ~~وعبيدة تعلم من عمر وغيره، وكانوا لا يشاورونه في عامة ما يقضون به ; ~~استغناء بما عندهم من العلم، فكيف يقال: إن ms2002 عمر وعثمان كانا يلتجئان إليه ~~في أكثر الأحكام. # وقد قال علي: كان رأيي ورأي عمر في أمهات الأولاد أن لا يبعن، والآن قد ~~رأيت أن يبعن. فقال له عبيدة السلماني: رأيك مع عمر في الجماعة (5) أحب ~~إلينا من رأيك وحدك في الفرقة. PageV08P280 # فهذا قاضيه لا يرجع إلى رأيه في هذه المسألة (1) ، مع أن أكثر الناس إنما ~~منع بيعها تقليدا لعمر، ليس فيها نص صريح صحيح. فإذا كانوا لا يلتجئون إليه ~~في هذه المسألة، فكيف يلتجئون إليه في غيرها، وفيها من النصوص ما يشفي ~~ويكفي؟ ! # وإنما كان يقضي ولا يشاور عليا، وربما قضى بقضية أنكرها علي لمخالفتها ~~قول جمهور الصحابة، كابني عم (2) وأخوين (3) أحدهما أخ لأم قضى له بالمال، ~~فأنكر ذلك علي، وقال: بل يعطى السدس، ويشتركان (4) في الباقي. وهذا قول ~~سائر الصحابة: زيد وغيره، فلم يكن الناس مقلدين في ذلك أحدا. # وقول علي في الجد لم يقل به أحد من العلماء، إلا ابن أبي ليلى. وأما قول ~~ابن مسعود فقال به أصحابه، وهم أهل الكوفة، وقول زيد قال به خلق كثير، وأما ~~قول الصديق فقال به جمهور الصحابة. # وقد جمع الشافعي ومحمد بن نصر المروزي كتابا كبيرا فيما لم يأخذ به ~~المسلمون من قول علي ; لكون قول غيره من الصحابة أتبع للكتاب والسنة، وكان ~~المرجوح من قوله أكثر من المرجوح من قول أبي بكر وعمر وعثمان، والراجح من ~~أقاويلهم أكثر، فكيف أنهم كانوا يلتجئون إليه في أكثر الأحكام؟ ! ~~PageV08P281 ### | فصل قال الرافضي الرابع الوقائع الصادرة عنهم # فصل # قال الرافضي (1) : " الرابع: الوقائع الصادرة عنهم (2) ، وقد تقدم أكثرها ~~". # قلنا: الجواب قد تقدم عنها مجملا ومفصلا. وبيان الجواب (3) عما ينكر ~~عليهم أيسر من الجواب عما ينكر على علي، وأنه لا يمكن أحد له علم وعدل أن ~~يجرحهم ويزكي عليا، بل متى زكى عليا كانوا أولى بالتزكية، وإن جرحهم كان قد ~~طرق الجرح إلى علي بطريق الأولى. # والرافضة إن طردت قولها لزمها جرح علي أعظم من جرح الثلاثة، وإن لم تطرده ~~تبين فساده وتناقضه، وهو ms2003 الصواب. # كما يلزم مثل ذلك اليهود والنصارى إذا قدحوا في نبوة محمد دون نبوة موسى ~~وعيسى، فما يورد الكتابي على نبوة محمد سؤالا إلا ويرد على نبوة موسى وعيسى ~~أعظم منه، وما يورد الرافضي على إمامة الثلاثة إلا ويرد على إمامة علي ما ~~هو أعظم منه، وما يورده (4) الفيلسوف على أهل الملل يرد عليه ما هو أعظم ~~منه. وهكذا كل من كان أبعد عن الحق من غيره يرد عليه أعظم مما يرد على ~~الأقرب إلى الحق (5) . PageV08P282 # ومن الطرق الحسنة في مناظرة هذا أن يورد عليه من جنس ما يورده على أهل ~~الحق وما هو أغلظ منه ; فإن المعارضة نافعة، وحينئذ فإن فهم الجواب الصحيح ~~علم الجواب عما يورد على الحق، وإن وقع في الحيرة والعجز عن الجواب اندفع ~~شره بذلك، وقيل له: جوابك عن هذا هو جوابنا عن هذا. ### | فصل قال الرافضي الخامس قوله تعالى " لا ينال عهدي الظالمين " أخبر بأن عهد الإمامة لا يصل إلى الظالم والرد عليه # فصل # قال الرافضي (1) : " الخامس: قوله تعالى: {لا ينال عهدي الظالمين} [سورة ~~البقرة: 124] أخبر بأن عهد الإمامة لا يصل إلى الظالم. والكافر ظالم (2) ; ~~لقوله: {والكافرون هم الظالمون} [سورة البقرة: 254] . ولا شك في أن الثلاثة ~~كانوا كفارا يعبدون الأصنام، إلى أن ظهر النبي - صلى الله عليه وسلم ". # والجواب من وجوه: أحدها: أن يقال: الكفر الذي يعقبه الإيمان الصحيح لم ~~يبق على صاحبه منه ذم. هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، بل من دين ~~الرسل كلهم. # كما قال تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [سورة ~~الأنفال: 38] . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث PageV08P283 # الصحيح (1) : " «إن الإسلام يجب ما قبله» "، وفي لفظ: " «يهدم من كان ~~قبله، وإن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وإن الحج يهدم ما كان قبله» " (2) . # الثاني: أنه ليس كل من ولد على الإسلام بأفضل ممن أسلم بنفسه، بل قد ثبت ~~بالنصوص المستفيضة أن خير القرون القرن الأول (3) ، وعامتهم أسلموا بأنفسهم ~~بعد الكفر، وهم أفضل من القرن ms2004 الثاني الذين ولدوا على الإسلام. # ولهذا قال (4) أكثر العلماء: إنه يجوز على الله أن يبعث نبيا (5) ممن آمن ~~بالأنبياء قبل محمد - صلى الله عليه وسلم ; فإنه إذا جاز أن يبعث نبيا من ~~ذرية إبراهيم وموسى، فمن الذين آمنوا بهما أولى وأحرى. # كما قال تعالى: {فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي} [سورة العنكبوت: ~~26] . # وقال تعالى: {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ~~ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين - ولنسكننكم الأرض من بعدهم} [سورة ~~إبراهيم: 13 - 14] . # وقال تعالى: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك ياشعيب والذين ~~آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين - قد افترينا ~~على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن ~~نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا} الآية [سورة الأعراف: 88 - 89] ~~. PageV08P284 # وطرد هذا: من تاب من الذنب وغفر له (1) لم يقدح (2) في علو درجته كائنا ~~من كان. والرافضة لهم في هذا الباب قول فارقوا به الكتاب والسنة وإجماع ~~السلف ودلائل العقول، والتزموا لأجل ذلك ما يعلم بطلانه بالضرورة، كدعواهم ~~إيمان آزر، وأبوي النبي وأجداده وعمه أبي طالب، وغير ذلك. # الثالث: أن يقال: قبل أن يبعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ~~أحد مؤمنا من قريش: لا رجل ولا صبي ولا امرأة، ولا الثلاثة (3) ، ولا علي، ~~وإذا قيل عن الرجال: إنهم كانوا يعبدون الأصنام، فالصبيان (4) كذلك: علي ~~وغيره. # وإن قيل: كفر الصبي ليس مثل كفر البالغ. # قيل: ولا إيمان الصبي مثل إيمان البالغ ; فأولئك يثبت لهم حكم الإيمان ~~والكفر وهم بالغون، وعلي يثبت له حكم الكفر والإيمان وهو دون البلوغ. # والصبي المولود بين أبوين كافرين يجري عليه حكم الكفر في الدنيا ~~PageV08P285 # باتفاق المسلمين. وإذا أسلم قبل البلوغ فهل يجري عليه حكم الإسلام قبل ~~البلوغ؟ (1) على قولين للعلماء، بخلاف البالغ فإنه يصير مسلما باتفاق ~~المسلمين. # فكان إسلام الثلاثة مخرجا لهم من الكفر باتفاق المسلمين. وأما إسلام علي، ~~فهل يكون مخرجا ms2005 له من الكفر؟ على قولين مشهورين. ومذهب الشافعي أن إسلام ~~الصبي غير مخرج له من الكفر. # وأما كون صبي من الصبيان قبل النبوة سجد لصنم أو لم يسجد، فهو لم يعرف ; ~~فلا يمكن الجزم بأن عليا أو الزبير (2) ونحوهما (3) لم يسجدوا لصنم، كما ~~أنه ليس معنا نقل بثبوت ذلك، بل ولا معنا نقل معين عن أحد من الثلاثة أنه ~~سجد لصنم. بل هذا يقال لأن من عادة قريش قبل الإسلام أن يسجدوا للأصنام ; ~~وحينئذ فهذا ممكن في الصبيان، كما هو العادة في مثل ذلك. # الرابع: أن أسماء الذم: كالكفر، والظلم، والفسق التي في القرآن - لا ~~تتناول إلا من كان مقيما على ذلك، وأما من (* صار مؤمنا بعد الكفر، وعادلا ~~بعد الظلم، وبرا بعد الفجور - فهذا تتناوله أسماء المدح *) (4) دون أسماء ~~الذم باتفاق المسلمين. # فقوله عز وجل: {لا ينال عهدي الظالمين} [سورة البقرة: 124] ، أي: ~~PageV08P286 # ينال العادل دون الظالم، فإذا قدر أن شخصا كان ظالما ثم تاب وصار عادلا ~~تناوله (1) العهد كما يتناوله سائر آيات المدح والثناء. # لقوله (2) تعالى: {إن الأبرار لفي نعيم} [سورة المطففين: 22] ، وقوله: ~~{إن المتقين في جنات ونعيم} [سورة الطور: 17] (3) . # الخامس: أن من قال: إن المسلم بعد إيمانه كافر، فهو كافر بإجماع ~~المسلمين. فكيف يقال عن أفضل الخلق إيمانا: إنهم كفار ; لأجل ما تقدم. # السادس: أنه قال لموسى: {إني لا يخاف لدي المرسلون - إلا من ظلم ثم بدل ~~حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم} [سورة النمل: 10 - 11. # السابع: أنه قال: {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين ~~أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا - ليعذب الله ~~المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين ~~والمؤمنات} الآية [سورة الأحزاب: 72 - 73] . # فقد أخبرنا الله عن جنس الإنسان أنه ظلوم جهول، واستثنى من العذاب من ~~تاب. ونصوص الكتاب صريحة في أن كل بني آدم لا بد أن يتوب. وهذه المسألة ~~متعلقة بمسألة العصمة: هل الأنبياء معصومون من الذنوب أم لا فيحتاجون إلى ~~توبة؟ والكلام فيها مبسوط قد تقدم. PageV08P287 ### | فصل قال ms2006 الرافضي السادس قول أبي بكر أقيلوني فلست بخيركم والرد عليه # فصل # قال الرافضي (1) : " السادس: قول أبي بكر: " أقيلوني ; فلست بخيركم (2) ~~"، ولو كان إماما لم يجز له طلب الإقالة ". # والجواب: أن هذا: أولا كان ينبغي أن يبين صحته، وإلا فما كل منقول صحيح. ~~والقدح بغير الصحيح لا يصح. # وثانيا: إن صح هذا عن أبي بكر لم تجز معارضته بقول القائل: الإمام لا ~~يجوز له طلب الإقالة ; فإن هذه دعوى مجردة لا دليل عليها، فلم لا يجوز له ~~طلب الإقالة إن كان قال ذلك؟ بل إن كان قاله لم يكن معنا (3) إجماع على ~~نقيض ذلك ولا نص، فلا يجب الجزم بأنه باطل. وإن لم يكن قاله فلا يضر تحريم ~~هذا القول. # وأما تثبيت كون الصديق قاله، والقدح في ذلك بمجرد الدعوى، فهو كلام من لا ~~يبالي ما يقول. # وقد يقال: هذا (4) يدل على الزهد في الولاية والورع فيها، وخوف الله أن ~~لا يقوم بحقوقها. وهذا يناقض ما يقوله الرافضة: إنه كان طالبا للرياسة، ~~راغبا في الولاية. PageV08P288 ### | فصل قال الرافضي السابع قول أبي بكر عند موته ليتني سألت رسول هل للأنصار في هذا الأمر حق والرد عليه # فصل # قال الرافضي (1) : " السابع: قول أبي بكر عند موته: ليتني كنت سألت رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم: هل للأنصار في هذا الأمر حق؟ وهذا (2) يدل على ~~شكه في صحة بيعة نفسه، مع أنه الذي دفع الأنصار يوم السقيفة لما قالوا: منا ~~أمير ومنكم أمير، بما رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم: «الأئمة من ~~قريش» " (3) . # والجواب: أما قول النبي - صلى الله عليه وسلم: " «الأئمة من قريش» " (4) ~~فهو حق، ومن قال: إن الصديق شك في هذا، أو في صحة إمامته فقد كذب. # ومن قال: إن الصديق قال: ليتني كنت سألت النبي - صلى الله عليه وسلم: هل ~~للأنصار في الخلافة نصيب؟ فقد كذب ; فإن المسألة عنده وعند الصحابة أظهر من ~~أن يشك فيها ; لكثرة النصوص فيها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا يدل ~~على بطلان هذا ms2007 النقل. # وإن قدر صحته، ففيه فضيلة للصديق ; لأنه لم يكن يعرف النص، PageV08P289 # واجتهد فوافق اجتهاده النص. ثم من اجتهاده وورعه تمنى أن يكون معه نص ~~يعينه على الاجتهاد (1) ، فهذا يدل على كمال علمه ; حيث وافق اجتهاده النص، ~~ويدل على ورعه ; حيث خاف أن يكون مخالفا للنص، فأي قدح في هذا؟ ! ### | فصل قال الرافضي الثامن قول أبي بكر في مرض موته ليتني كنت تركت بيت فاطمة لم أكبسه والرد عليه # فصل # قال الرافضي (2) : " الثامن: قوله في مرض موته: ليتني كنت تركت بيت (3) ~~فاطمة لم أكبسه (4) ، وليتني كنت في ظلة بني ساعدة ضربت على يد أحد (5) ~~الرجلين، وكان هو الأمير، وكنت الوزير (6) ; وهذا يدل على إقدامه على بيت ~~(7) فاطمة عند اجتماع أمير المؤمنين والزبير وغيرهما فيه " (8) . # والجواب: أن القدح لا يقبل حتى يثبت اللفظ بإسناد صحيح، ويكون ~~PageV08P290 # دالا دلالة ظاهرة على القدح، فإذا انتفت إحداهما انتفى القدح، فكيف إذا ~~انتفى كل منهما؟ ! ونحن نعلم يقينا أن أبا بكر لم يقدم على علي والزبير ~~بشيء من الأذى، بل ولا على سعد بن عبادة المتخلف عن بيعته أولا وآخرا. # وغاية ما يقال: إنه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمه، ~~وأن يعطيه لمستحقه، ثم رأى أنه لو تركه لهم لجاز ; فإنه يجوز أن يعطيهم من ~~مال الفيء. # وأما إقدامه عليهم أنفسهم بأذى، فهذا ما وقع فيه قط باتفاق أهل العلم ~~والدين، وإنما ينقل مثل (1) هذا جهال الكذابين، ويصدقه حمقى (2) العالمين، ~~الذين يقولون: إن الصحابة هدموا بيت فاطمة، وضربوا بطنها حتى أسقطت. # وهذا كله دعوى مختلق، وإفك مفترى، باتفاق أهل الإسلام، ولا يروج إلا على ~~من هو من جنس الأنعام. # وأما قوله: " ليتني كنت ضربت على يد أحد الرجلين " فهذا لم يذكر له ~~إسنادا، ولم يبين صحته، فإن كان قاله فهو يدل على زهده وورعه وخوفه من الله ~~تعالى. PageV08P291 ### | فصل قال الرافضي التاسع تجهيز الرسول لجيش أسامة وفيه أبي بكر وعمر وعثمان والرد عليه # فصل # قال الرافضي (1) : " التاسع: أن رسول الله ms2008 - صلى الله عليه وسلم - قال: ~~«جهزوا جيش أسامة» ، وكرر الأمر [بتنفيذه] (2) ، وكان فيهم أبو بكر وعمر ~~وعثمان، ولم ينفذ أمير المؤمنين ; لأنه أراد (3) منعهم من التوثب (4) على ~~الخلافة بعده، فلم يقبلوا (5) منه. # والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة النقل ; فإن هذا لا يروى بإسناد ~~معروف، ولا صححه أحد من علماء النقل. ومعلوم أن الاحتجاج بالمنقولات لا ~~يسوغ إلا بعد قيام الحجة بثبوتها، وإلا فيمكن أن يقول كل أحد ما شاء. # الثاني: أن هذا كذب بإجماع علماء النقل، فلم يكن في جيش أسامة: لا أبو ~~بكر، ولا عثمان، وإنما قد قيل: إنه كان فيه (6) عمر. وقد تواتر عن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - أنه استخلف أبا بكر على الصلاة حتى مات، وصلى أبو بكر ~~- رضي الله عنه - الصبح يوم موته، وقد كشف PageV08P292 # سجف الحجرة، فرآهم صفوفا خلف أبي بكر، فسر بذلك. فكيف يكون مع هذا قد ~~أمره أن يخرج في جيش أسامة؟ ! # الثالث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لو أراد تولية علي لكان هؤلاء ~~أعجز أن يدفعوا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكان جمهور المسلمين ~~أطوع لله ورسوله من أن يدعوا هؤلاء يخالفون أمره، لا سيما وقد قاتل ثلث ~~المسلمين أو أكثر مع علي لمعاوية، وهم لا يعلمون أن معه نصا، فلو كان معه ~~نص لقاتل معه جمهور المسلمين. # الرابع: أنه أمر أبا بكر أن يصلي بالناس ولم يأمر عليا، فلو كان علي هو ~~الخليفة لكان يأمره بالصلاة بالمسلمين، فكيف ولم يؤمر عليا على أبي بكر قط؟ ~~! # بل في الصحيحين أنه لما ذهب يصلح بين بني عمرو بن عوف قال لبلال: " إذا ~~حضرت الصلاة فمر أبا بكر أن يصلي بالناس " (1) ، وكذلك في مرضه، ولما أراد ~~إقامة الحج أمر أبا بكر أن يحج، وأردفه بعلي تابعا له، وأبو بكر هو الإمام ~~الذي يصلي بالناس، بعلي وغيره، ويأمر عليا وغيره فيطيعونه، وقد أمر أبا بكر ~~على علي في حجة سنة تسع، وكان أبو بكر مؤمرا عليهم إماما لهم. PageV08P293 ### | فصل قال ms2009 الرافضي العاشر أنه لم يول أبا بكر شيئا من الأعمال وولى عليه والرد عليه # (فصل) # قال الرافضي (1) : " العاشر: أنه لم يول (2) أبا بكر شيئا من الأعمال، ~~وولى عليه " (3) . # والجواب من وجوه: أحدها: أن هذا باطل. بل الولاية التي ولاها أبا بكر لم ~~يشركه فيها أحد، وهي ولاية الحج. وقد ولاه غير ذلك. # الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ولى من هو بإجماع أهل السنة ~~والشيعة من كان عنده دون أبي بكر، مثل عمرو بن العاص، والوليد بن عقبة، ~~وخالد بن الوليد ; فعلم أنه لم يترك ولايته لكونه ناقصا عن هؤلاء. # الثالث: أن عدم ولايته لا يدل على نقصه، بل قد يترك ولايته لأنه عنده ~~أنفع له منه في (4) تلك الولاية، وحاجته إليه في المقام عنده وغنائه عن ~~المسلمين أعظم من حاجته إليه في تلك الولاية، فإنه هو وعمر كانا مثل ~~الوزيرين له. يقول كثيرا: " دخلت أنا وأبو بكر وعمر " و " خرجت أنا وأبو ~~بكر وعمر "، وكان أبو بكر يسمر عنده عامة ليله. PageV08P294 # وعمر لم يكن يولي أهل الشورى (1) ، كعثمان (2) ، وطلحة، والزبير، وغيرهم، ~~وهم عنده أفضل ممن ولاه مثل عمرو بن العاص، ومعاوية، وغيرهما ; لأن انتفاعه ~~بهؤلاء في حضوره أكمل من انتفاعه بواحد منهم في ولاية يكفي فيها من دونهم. # وأبو بكر كان يدخل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ويليه عمر، وقال ~~لهما: " «إذا اتفقتما على شيء لم أخالفكما» " (3) . وإذا قدم عليه الوفد ~~شاورهما، فقد يشير هذا بشيء، ويشير هذا بشيء ; ولذلك شاورهما في أسرى بدر، ~~وكان مشاورته لأبي بكر أغلب، واجتماعه (4) به أكثر. هذا أمر يعلمه من تدبر ~~الأحاديث الصحيحة التي يطول ذكرها. ### | فصل قال الرافضي الحادي عشر أن رسول الله أنفذه لأداء سورة براءة ثم رده والرد عليه # (فصل) # قال الرافضي (5) : " الحادي عشر: أنه - صلى الله عليه وسلم - أنفذه لأداء ~~سورة براءة، ثم أنفذ عليا (6) ، وأمره برده، وأن يتولى هو ذلك، ومن لا يصلح ~~لأداء سورة أو بعضها، فكيف (7) يصلح PageV08P295 # للإمامة العامة المتضمنة لأداء الأحكام إلى ms2010 جميع الأمة؟ ! " # والجواب من وجوه: أحدها: أن هذا كذب باتفاق أهل العلم، وبالتواتر العام ; ~~فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمل أبا بكر على الحج سنة تسع، لم ~~يرده ولا رجع، بل هو الذي أقام للناس الحج ذلك العام، وعلي من جملة رعيته، ~~يصلي خلفه، ويدفع بدفعه، ويأتمر بأمره كسائر من معه. # وهذا من العلم المتواتر عند أهل العلم: لم يختلف اثنان في أن أبا بكر هو ~~الذي أقام الحج ذلك العام بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم. فكيف يقال: إنه ~~أمره برده؟ ! # ولكن أردفه بعلي (1) لينبذ إلى المشركين عهدهم ; لأن عادتهم كانت جارية ~~أن لا يعقد العقود (2) ولا يحلها إلا المطاع، أو رجل من أهل بيته، فلم ~~يكونوا يقبلون ذلك من كل أحد. # وفي الصحيحين م: وفي الصحيح (3) عن أبي هريرة قال: بعثني أبو بكر الصديق ~~في الحجة التي أمره عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل حجة ~~الوداع، في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر: " أن (4) : «لا يحج بعد العام ~~مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان» " (5) ، وفي رواية: «ثم أردف النبي - صلى ~~الله عليه PageV08P296 # وسلم - بعلي، وأمره أن يؤذن ببراءة، فأذن علي معنا (1) في أهل منى يوم ~~النحر ببراءة، وبأن (2) لا يحج (* بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان» . ~~قال: فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام، فلم يحج *) (3) عام حجة الوداع ~~- التي حج فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشرك. # قال أبو محمد بن حزم (4) : " وما حصل في حجة الصديق كان من أعظم فضائله ; ~~لأنه هو الذي خطب بالناس في ذلك الموسم والجمع العظيم، والناس منصتون ~~لخطبته، يصلون خلفه، وعلي من جملتهم. وفي السورة فضل أبي بكر وذكر الغار، ~~فقرأها علي على الناس، فهذا مبالغة في فضل أبي بكر، وحجة قاطعة ". # وتأميره لأبي بكر على علي هذا كان بعد قوله: " «أما ترضى أن تكون مني ~~بمنزلة هارون من موسى» ؟ " (5) ، ولا ريب أن هذا الرافضي ونحوه من شيوخ ~~الرافضة من أجهل الناس بأحوال الرسول وسيرته وأموره ms2011 ووقائعه، يجهلون من ذلك ~~ما هو متواتر معلوم لمن له أدنى معرفة بالسيرة، ويجيئون إلى ما وقع ~~فيقبلونه، ويزيدون فيه وينقصون. # وهذا القدر، وإن كان الرافضي لم يفعله، فهو فعل شيوخه وسلفه PageV08P297 # الذين قلدهم، ولم يحقق ما قالوه، ويراجع (1) ما هو المعلوم عند أهل العلم ~~المتواتر عندهم، المعلوم لعامتهم وخاصتهم. # الثاني: قوله: " الإمامة العامة متضمنة لأداء جميع الأحكام إلى الأمة ". # قول باطل ; فالأحكام كلها قد تلقتها الأمة عن نبيها، لا تحتاج فيها إلى ~~الإمام، إلا كما تحتاج إلى نظائره من العلماء، وكانت عامة الشريعة التي ~~يحتاج الناس إليها عند الصحابة معلومة، ولم يتنازعوا زمن الصديق في شيء ~~منها، إلا واتفقوا بعد النزاع بالعلم الذي (2) كان يظهره بعضهم لبعض، وكان ~~الصديق يعلم عامة الشريعة، وإذا خفي عنه (3) الشيء اليسير سأل عنه الصحابة ~~ممن كان عنده علم ذلك (4) ، كما «سألهم عن ميراث الجدة (5) ، فأخبره من ~~أخبره منهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاها (6) السدس» (7) . ~~PageV08P298 # ولم يعرف لأبي بكر فتيا ولا حكم خالف نصا، وقد عرف لعمر وعثمان وعلي من ~~ذلك أشياء (1) ، والذي عرف لعلي أكثر مما عرف لهما (2) . # مثل قوله في [الحامل] (3) المتوفى عنها زوجها إنها تعتد أبعد الأجلين. ~~وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه قال لسبيعة الأسلمية ~~لما وضعت بعد وفاة زوجها بثلاث ليال: " حللت فانكحي من شئت "، ولما قالت ~~له: إن أبا السنابل قال: ما أنت بناكحة حتى يمضي عليك آخر الأجلين. قال: " ~~كذب أبو السنابل» " (4) . # وقد جمع الشافعي في كتاب " خلاف علي وعبد الله " من أقوال علي التي تركها ~~الناس لمخالفتها النص أو معنى النص جزءا كبيرا. # وجمع بعده محمد بن نصر المروزي أكثر من ذلك ; فإنه كان إذا ناظره ~~الكوفيون يحتج بالنصوص، فيقولون: نحن أخذنا بقول علي وابن مسعود، فجمع لهم ~~أشياء كثيرة (5) من قول علي وابن مسعود تركوه، أو تركه الناس، يقول: إذا ~~جاز لكم خلافهما (6) في تلك المسائل لقيام الحجة على خلافهما (7) ، فكذلك ~~في سائر المسائل. ولم يعرف لأبي بكر مثل هذا ms2012. PageV08P299 # الثالث: أن القرآن بلغه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كل أحد من ~~المسلمين، فيمتنع أن يقال: إن أبا بكر لم يكن يصلح لتبليغه. # الرابع: أنه لا يجوز أن يظن أن تبليغ القرآن يختص بعلي ; فإن القرآن لا ~~يثبت بخبر الآحاد، بل لا بد أن يكون منقولا بالتواتر. # الخامس: أن الموسم ذلك العام كان يحج فيه المسلمون والمشركون، وكان النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - أمر أبا بكر أن ينادي في الموسم: " «أن لا يحج بعد ~~العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان» " كما ثبت في الصحيحين (1) . فأي حاجة ~~كانت بالمشركين إلى أن يبلغوا القرآن (2) . ### | فصل قال الرافضي الثاني عشر قول عمر إن محمدا لم يمت وهذا يدل على قلة علمه والرد عليه # (فصل) # قال الرافضي (3) : " الثاني عشر: قول عمر: إن محمدا لم يمت، وهذا يدل (4) ~~على قلة علمه، وأمر برجم حامل، فنهاه علي، فقال: لولا علي لهلك عمر. وغير ~~ذلك من الأحكام التي غلط فيها وتلون فيها ". PageV08P300 # والجواب أن يقال أولا: ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ~~قال: " «قد كان قبلكم في الأمم محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فعمر» " (1) ~~ومثل هذا لم يقله لعلي. # وأنه قال: " «رأيت أني أتيت بقدح فيه لبن، فشربت حتى أني لأرى الري يخرج ~~من أظفاري، ثم ناولت فضلي عمر " قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: ~~العلم» (2) . # فعمر كان أعلم الصحابة بعد أبي بكر. # وأما كونه ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت، فهذا كان ساعة، ثم ~~تبين له موته، ومثل هذا يقع كثيرا قد يشك الإنسان في موت ميت ساعة وأكثر، ~~ثم يتبين له موته، وعلي قد تبين له أمور بخلاف ما كان يعتقده فيها أضعاف ~~ذلك، بل ظن كثيرا من الأحكام على خلاف ما هي عليه، ومات على ذلك، ولم يقدح ~~ذلك في إمامته كفتياه في المفوضة التي ماتت ولم يفرض لها، وأمثال ذلك مما ~~هو معروف عند أهل العلم. # وأما الحامل، فإن كان (3) لم يعلم أنها ms2013 حامل فهو من هذا الباب، فإنه قد ~~يكون أمر برجمها ولم يعلم أنها حامل، فأخبره علي أنها حامل، فقال: لولا أن ~~عليا أخبرني بها لرجمتها، فقتلت الجنين، فهذا هو الذي خاف منه. PageV08P301 # وإن قدر أنه كان يظن جواز رجم الحامل، فهذا مما قد يخفى، فإن الشرع قد ~~جاء في موضع بقتل الصبي والحامل تبعا كما إذا حوصر الكفار، فإن النبي صلى ~~الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف ونصب عليهم المنجنيق، وقد يقتل النساء ~~والصبيان. # وفي الصحيح أنه «سئل عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم ~~وصبيانهم، فقال: " هم منهم» " (1) . # وقد ثبت عنه أنه نهى عن قتل النساء (2) والصبيان. # وقد اشتبه هذا على طائفة من أهل العلم، فمنعوا من البيات خوفا من قتل ~~النساء والصبيان. # فكذلك قد يشتبه على من ظن جواز ذلك، ويقول: إن الرجم حد واجب على الفور ~~فلا يجوز تأخيره. # لكن السنة فرقت بين ما يمكن تأخيره كالحد وبين ما يحتاج إليه كالبيات ~~والحصار. # وعمر رضي الله عنه كان يراجعه آحاد الناس حتى في مسألة الصداق قالت امرأة ~~له: أمنك نسمع أم من كتاب الله؟ فقال: بل (3) من كتاب الله فقالت إن الله ~~يقول: {وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا} PageV08P302 # [سورة النساء: 20] فقال: امرأة أصابت ورجل أخطأ (1) . # وكذلك كان يرجع إلى عثمان وغيره وهو أعلم من هؤلاء كلهم. # وصاحب العلم العظيم إذا رجع إلى من هو دونه في بعض الأمور، لم (2) يقدح ~~هذا في كونه أعلم منه، فقد تعلم موسى من الخضر ثلاث مسائل، وتعلم سليمان من ~~الهدهد خبر بلقيس. # وكان الصحابة فيهم من يشير على النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأمور ~~(3) ، وكان عمر أكثر الصحابة مراجعة للنبي صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن ~~بموافقته في مواضع: كالحجاب، وأسارى بدر، واتخاذ مقام إبراهيم مصلى، وقوله: ~~{عسى ربه إن طلقكن} ، وغير ذلك. # وهذه الموافقة والمراجعة لم تكن لا (4) لعثمان ولا لعلي. # وفي الترمذي: " «لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر» " (5) ، " «ولو كان بعدي ~~نبي ms2014 لكان عمر» " (6) . PageV08P303 ### | فصل قال الرافضي الثالث عشر أنه ابتدع التراويح والرد عليه # فصل # قال الرافضي (1) : " الثالث عشر: أنه ابتدع التراويح مع أن النبي صلى ~~الله عليه وسلم قال: «أيها الناس (2) إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من ~~النافلة جماعة بدعة، وصلاة الضحى بدعة، فإن قليلا (3) في سنة خير من كثير ~~في بدعة، ألا وإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة سبيلها إلى النار» ، وخرج عمر ~~في شهر رمضان ليلا فرأى المصابيح في المساجد، فقال: ما هذا؟ فقيل له: إن ~~الناس قد اجتمعوا لصلاة التطوع، فقال: بدعة ونعمت (4) البدعة، فاعترف بأنها ~~بدعة ". # فيقال: ما رئي في طوائف أهل البدع والضلال أجرأ من هذه الطائفة الرافضة ~~على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقولها عليه ما لم يقله، ~~والوقاحة المفرطة في الكذب، وإن كان فيهم من لا يعرف أنها كذب، فهو مفرط في ~~الجهل كما قال فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم ~~PageV08P304 # والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة، فيقال: ما الدليل على صحة هذا الحديث؟ ~~وأين إسناده؟ وفي أي كتاب من كتب المسلمين روي هذا؟ ومن قال من أهل العلم ~~بالحديث: إن هذا صحيح؟ . # الثاني: أن جميع أهل المعرفة بالحديث يعلمون علما ضروريا أن هذا من الكذب ~~الموضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأدنى من له معرفة بالحديث يعلم ~~أنه كذب لم يروه أحد من المسلمين في شيء من كتبه: لا كتب الصحيح ولا السنن ~~ولا المساند، ولا المعجمات ولا الأجزاء، ولا يعرف له إسناد: لا صحيح ولا ~~ضعيف، بل هو كذب بين. # الثالث: أنه قد ثبت أن الناس كانوا يصلون بالليل في رمضان على عهد النبي ~~صلى الله عليه وسلم، وثبت أنه صلى بالمسلمين جماعة ليلتين أو ثلاثا. # ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم «خرج ~~ليلة من جوف الليل، فصلى وصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع ~~أكثر منهم فصلى فصلوا معه فأصبح الناس فتحدثوا، فكثر أهل ms2015 المسجد من الليلة ~~الثالثة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى صلاته، فلما كانت الليلة ~~الرابعة عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~فطفق رجال يقولون: الصلاة، فلم يخرج إليهم حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى ~~الفجر أقبل على الناس فتشهد، ثم قال: " أما بعد، فإنه لم يخف علي مكانكم، # PageV08P305 # ولكن خشيت أن تفرض عليكم، فتعجزوا عنها فتوفي رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم والأمر على ذلك» ، وذلك في رمضان (1) . # «وعن أبي ذر قال: صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم ~~بنا شيئا من الشهر حتى بقي سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت ~~السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل (2) ، ~~فقلت: يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة، قال: " إن الرجل إذا صلى مع ~~الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليله "، فلما كانت الليلة الرابعة لم يقم ~~بنا، فلما كانت الليلة (3) [الثالثة] جمع أهله ونساءه، فقام بنا حتى خشينا ~~أن يفوتنا الفلاح، قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور، ثم لم يقم بنا بقية ~~الشهر» ، رواه أحمد والترمذي والنسائي وأبو داود (4) . PageV08P306 # وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب ~~في قيام رمضان من غير أن يأمر فيه بعزيمة، ويقول: " «من قام رمضان إيمانا ~~واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» " فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~والأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر (1) . # وخرج البخاري عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: خرجت مع عمر ليلة من ~~رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل ~~فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني لأرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان ~~أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون ~~بصلاة قارئهم، قال عمر: نعمت البدعة هذه (2) ، والتي تنامون عنها أفضل ms2016 من ~~التي تقومون يريد بذلك آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله (3) . # وهذا الاجتماع العام لما لم يكن قد فعل سماه بدعة، لأن ما فعل ابتداء ~~PageV08P307 # يسمى بدعة في اللغة، وليس ذلك بدعة شرعية ; فإن البدعة الشرعية التي هي ~~ضلالة هي ما فعل بغير دليل شرعي كاستحباب ما لم يحبه الله، وإيجاب ما لم ~~يوجبه الله وتحريم ما لم يحرمه الله، فلا بد مع الفعل (1) من اعتقاد يخالف ~~الشريعة، وإلا فلو عمل الإنسان فعلا محرما يعتقد تحريمه لم يقل إنه فعل ~~بدعة. # الرابع: أن هذا لو كان قبيحا منهيا عنه لكان علي أبطله لما صار أمير ~~المؤمنين وهو بالكوفة، فلما كان جاريا في ذلك مجرى عمر دل على استحباب ذلك، ~~بل روي عن علي أنه قال: نور الله على عمر قبره كما نور علينا مساجدنا. # وعن أبي عبد الرحمن السلمي أن عليا دعا القراء في رمضان، فأمر رجلا منهم ~~يصلي بالناس عشرين ركعة، قال (2) : وكان علي يوتر بهم (3) . # وعن عرفجة الثقفي قال: كان علي يأمر الناس بقيام شهر رمضان، ويجعل للرجال ~~إماما وللنساء إماما، قال عرفجة: فكنت أنا إمام النساء رواهما البيهقي في " ~~سننه " (4) . # وقد تنازع العلماء في قيام رمضان: هل فعله في المسجد جماعة أفضل أم فعله ~~في البيت أفضل؟ على قولين مشهورين، هما: قولان PageV08P308 # للشافعي وأحمد وطائفة يرجحون فعلها في المسجد جماعة منهم الليث، وأما ~~مالك وطائفة فيرجحون فعلها في البيت، ويحتجون بقول النبي صلى الله عليه ~~وسلم: " «أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» " أخرجاه في ~~الصحيحين (1) . # وأحمد وغيره احتجوا بقوله في حديث أبي ذر: " «الرجل إذا قام مع الإمام ~~حتى ينصرف كتب [الله] له (2) قيام ليلة» " (3) . # وأما قوله: " «أفضل [الصلاة] (4) صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» ~~فالمراد بذلك ما لم تشرع له الجماعة، وأما ما شرعت له الجماعة (5) كصلاة ~~الكسوف، ففعلها في المسجد أفضل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~المتواترة واتفاق العلماء. PageV08P309 # قالوا: فقيام (1) رمضان إنما لم يجمع النبي صلى الله عليه وسلم الناس ms2017 ~~عليه خشية أن يفترض، وهذا قد أمن بموته، فصار هذا كجمع المصحف وغيره. # وإذا كانت الجماعة مشروعة فيها ففعلها في الجماعة أفضل. # وأما قول عمر رضي الله عنه: " والتي تنامون عنها أفضل، يريد آخر الليل ~~وكان الناس يقومون أوله، فهذا كلام صحيح، فإن آخر الليل أفضل كما أن صلاة ~~العشاء في أوله أفضل، والوقت المفضول قد يختص العمل فيه بما يوجب أن يكون ~~أفضل منه في غيره، كما أن الجمع بين الصلاتين بعرفة ومزدلفة أفضل من ~~التفريق بسبب أوجب ذلك، وإن كان الأصل أن الصلاة في وقتها الحاضر (2) أفضل، ~~والإبراد بالصلاة في شدة الحر أفضل. # وأما يوم الجمعة فالصلاة عقب الزوال أفضل، ولا يستحب الإبراد بالجمعة لما ~~فيه من المشقة على الناس، وتأخير العشاء إلى ثلث الليل أفضل إلا إذا اجتمع ~~الناس وشق عليهم الانتظار، فصلاتها قبل ذلك أفضل، وكذلك الاجتماع في شهر ~~رمضان في النصف الثاني: إذا كان يشق على الناس. # وفي السنن عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: PageV08P310 # " «صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من ~~صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله» " (1) . # ولهذا كان الإمام أحمد في إحدى الروايتين يستحب إذا أسفر بالصبح أن يسفر ~~بها لكثرة الجمع، وإن كان التغليس أفضل. # فقد ثبت بالنص والإجماع أن الوقت المفضول قد يختص بما يكون الفعل فيه ~~أحيانا أفضل. # وأما الضحى فليس لعمر فيها اختصاص، بل قد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة ~~قال: " «أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثة أيام (2) من كل شهر، ~~وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام» " (3) . PageV08P311 # وفي صحيح مسلم عن أبي الدرداء مثل (1) حديث أبي هريرة (2) . # وفي صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " «يصبح على ~~كل سلامى من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة ~~صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ~~ذلك ركعتان ms2018 يركعهما من الضحى» " (3) . ### | فصل قال الرافضي الرابع عشر أن عثمان فعل أمورا لا يجوز فعلها والرد عليه # فصل # قال الرافضي: (4) " الرابع عشر: أن عثمان فعل أمورا لا يجوز فعلها، حتى ~~أنكر عليه المسلمون كافة، واجتمعوا على قتله أكثر من اجتماعهم على إمامته ~~وإمامة صاحبيه ". PageV08P312 # والجواب من وجوه: أحدها أن هذا من أظهر الكذب، فإن الناس كلهم بايعوا ~~عثمان في المدينة وفي جميع الأمصار، لم يختلف في إمامته (1) اثنان، ولا ~~تخلف عنها أحد، ولهذا قال الإمام أحمد وغيره: إنها كانت أوكد من غيرها (2) ~~باتفاقهم عليها. # وأما الذين قتلوه فنفر قليل، قال ابن الزبير: يعيب قتلة عثمان: " خرجوا ~~عليه كاللصوص من وراء القرية، فقتلهم الله كل قتلة، ونجا من نجا منهم تحت ~~بطون الكواكب " يعني هربوا ليلا. # ومعلوم بالتواتر أن أهل الأمصار لم يشهدوا قتله فلم يقتله بقدر من بايعه، ~~وأكثر أهل المدينة لم يقتلوه، ولا أحد من السابقين الأولين دخل في قتله كما ~~دخلوا في بيعته، بل الذين قتلوه أقل من عشر معشار من بايعه، فكيف يقال إن ~~اجتماعهم على قتله كان أكثر من اجتماعهم على بيعته؟ ! لا يقول هذا إلا من ~~هو من أجهل الناس بأحوالهم، وأعظمهم تعمدا للكذب عليهم. # الثاني: أن يقال: الذين أنكروا على علي وقاتلوه أكثر بكثير من الذين ~~أنكروا على عثمان وقتلوه، فإن عليا قاتله بقدر الذين قتلوا عثمان أضعافا ~~مضاعفة وقطعه كثير من عسكره: خرجوا عليه وكفروه، وقالوا: أنت ارتددت عن ~~الإسلام، لا نرجع إلى طاعتك حتى تعود إلى الإسلام. PageV08P313 # ثم إن واحدا من هؤلاء قتله قتل مستحل لقتله متقرب إلى الله بقتله معتقدا ~~فيه أقبح مما اعتقده قتلة عثمان فيه. # فإن الذين خرجوا على عثمان لم يكونوا مظهرين لكفره، وإنما كانوا يدعون ~~الظلم وأما الخوارج فكانوا (1) يجهرون بكفر علي، وهم أكثر من السرية التي ~~قدمت المدينة لحصار عثمان حتى قتل. # فإن كان هذا حجة في القدح في عثمان كان ذلك حجة في القدح في علي بطريق ~~الأولى، والتحقيق أن كليهما (2) حجة باطلة، لكن القادح ms2019 في عثمان بمن قتله ~~أدحض حجة من القادح في علي بمن قاتله، فإن المخالفين لعلي المقاتلين له ~~كانوا أضعاف المقاتلين لعثمان، بل الذين قاتلوا عليا كانوا أفضل باتفاق ~~المسلمين من الذين حاصروا عثمان وقتلوه، وكان في المقاتلين (3) لعلي أهل ~~زهد وعبادة، ولم يكن قتلة عثمان لا في الديانة ولا في إظهار تكفيره مثلهم، ~~ومع هذا فعلي خليفة راشد والذين استحلوا دمه ظالمون معتدون فعثمان أولى ~~بذلك من علي. # الثالث: أن يقال: قد علم بالتواتر أن المسلمين كلهم اتفقوا على مبايعة ~~عثمان لم يتخلف عن بيعته أحد مع أن بيعة الصديق تخلف عنها سعد بن عبادة، ~~ومات ولم يبايعه ولا بايع عمر، ومات في خلافة PageV08P314 # عمر، ولم يكن تخلف سعد عنها قادحا فيها، لأن سعدا لم يقدح في الصديق ولا ~~في أنه أفضل المهاجرين، بل كان هذا معلوما عندهم، لكن طلب أن يكون من ~~الأنصار أمير. # وقد ثبت بالنصوص المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ~~«الأئمة من قريش» " (1) فكان ما ظنه سعد خطأ مخالفا للنص المعلوم، فعلم أن ~~تخلفه خطأ بالنص، (2 وإذا علم الخطأ بالنص 2) (2) لم يحتج فيه إلى الإجماع. # وأما بيعة عثمان فلم يتخلف عنها أحد مع كثرة المسلمين وانتشارهم من ~~إفريقية إلى خراسان، ومن سواحل الشام إلى أقصى اليمن، ومع كونهم كانوا ~~ظاهرين على عدوهم من المشركين وأهل الكتاب يقاتلونهم، وهي في زيادة فتح ~~وانتصار، ودوام دولة، ودوام المسلمين على مبايعته والرضا عنه ست سنين نصف ~~خلافته، معظمين له مادحين له، لا يظهر من أحد منهم التكلم فيه بسوء. # ثم بعد هذا صار يتكلم فيه بعضهم، وجمهورهم لا يتكلم فيه إلا بخير وكانت ~~قد طالت عليهم إمارته، فإنه بقي اثنتي عشرة سنة لم تدم خلافة أحد من ~~الأربعة ما دامت خلافته، فإن خلافة الصديق كانت سنتين وبعض الثالثة، وخلافة ~~عمر عشر سنين وبعض الأخرى، وخلافة علي أربع سنين وبعض الخامسة، ونشأ في ~~خلافته من دخل في الإسلام PageV08P315 # كرها فكان منافقا مثل ابن سبأ وأمثاله، وهم الذين ms2020 سعوا في الفتنة بقتله. # وفي المؤمنين من يسمع المنافقين كما قال تعالى: {لو خرجوا فيكم ما زادوكم ~~إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم} [سورة التوبة: ~~47] أي: وفيكم من يسمع (1) منهم فيستجيب لهم، ويقبل منهم لأنهم يلبسون ~~عليه. # وهكذا فعل أولئك المنافقون: لبسوا على بعض من كان عندهم يحب عثمان ويبغض ~~من كان يبغضه حتى تقاعد بعض الناس عن نصره. # وكان الذين اجتمعوا على قتله عامتهم من أوباش القبائل ممن لا يعرف له في ~~الإسلام ذكر بخير ولولا الفتنة لما ذكروا. # وأما علي فمن حين تولى تخلف عن بيعته قريب من نصف المسلمين من السابقين ~~الأولين من المهاجرين والأنصار وغيرهم، ممن قعد عنه فلم يقاتل معه، ولا ~~قاتله مثل أسامة بن زيد وابن عمر ومحمد بن مسلمة ومنهم من قاتله (2) . # ثم كثير من الذين بايعوه رجعوا عنه منهم من كفره واستحل دمه، ومنهم من ~~ذهب إلى معاوية كعقيل أخيه وأمثاله. PageV08P316 # ولم تزل شيعة عثمان القادحين في علي تحتج بهذا على أن عليا لم يكن خليفة ~~راشدا وما كانت (1) حجتهم أعظم من حجة الرافضة، فإذا (2) كانت حجتهم داحضة ~~وعلي قتل مظلوما فعثمان أولى بذلك. ### | باب الفصل السادس في فسخ حججهم على إمامة أبي بكر ### | الأول الإجماع والجواب منع الإجماع والرد عليه # باب. # قال الرافضي (3) : الفصل السادس: في فسخ (4) حججهم (5) على إمامة أبي بكر ~~احتجوا بوجوه: الأول: الإجماع، والجواب: منع الإجماع، فإن جماعة من بني ~~هاشم لم يوافقوا على ذلك وجماعة من أكابر الصحابة كسلمان وأبي ذر والمقداد ~~وعمار وحذيفة وسعد بن عبادة وزيد بن أرقم وأسامة بن زيد وخالد بن سعيد بن ~~العاص (6) [وابن عباس] (7) . PageV08P317 # حتى أن أباه أنكر ذلك (1) ، وقال: من استخلف على الناس (2) ؟ فقالوا: ~~ابنك، فقال: وما فعل المستضعفان؟ إشارة إلى علي والعباس (3) ، قالوا: ~~اشتغلوا بتجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأوا [أن] (4) ابنك أكبر ~~[الصحابة سنا، فقال: أنا] أكبر (5) منه. # وبنو حنيفة كافة لم يحملوا (6) الزكاة إليه، حتى سماهم أهل الردة وقتلهم ~~وسباهم، فأنكر (7) عمر ms2021 عليه، ورد السبايا أيام خلافته. # والجواب: بعد أن يقال: الحمد لله الذي أظهر من أمر هؤلاء إخوان المرتدين ~~ما تحقق به عند الخاص والعام أنهم إخوان المرتدين حقا، وكشف أسرارهم وهتك ~~أستارهم بألسنتهم، فإن الله لا يزال يطلع على خائنة منهم تبين عداوتهم لله ~~ورسوله ولخيار عباد الله وأوليائه المتقين، {ومن يرد الله فتنته فلن تملك ~~له من الله شيئا} . PageV08P318 # فنقول: من كان له أدنى علم بالسيرة، وسمع مثل هذا الكلام، جزم بأحد ~~أمرين: إما بأن قائله من أجهل الناس بأخبار الصحابة، وإما أنه من أجرأ ~~الناس على الكذب، فظني أن هذا المصنف وأمثاله من شيوخ الرافضة ينقلون ما في ~~كتب سلفهم من غير اعتبار منهم لذلك، ولا نظر في أخبار (1) الإسلام، وفي ~~الكتب المصنفة في ذلك حتى يعرف أحوال الإسلام فيبقى هذا وأمثاله في ظلمة ~~الجهل بالمنقول والمعقول. # ولا ريب أن المفترين للكذب (2) من شيوخ الرافضة كثيرون جدا (3) وغالب ~~القوم ذوو هوى أو جهل فمن حدثهم بما يوافق هواهم صدقوه، ولم يبحثوا عن صدقه ~~وكذبه، ومن حدثهم (4) بما يخالف أهواءهم كذبوه، ولم يبحثوا عن صدقه وكذبه ~~ولهم نصيب وافر من قوله تعالى: {فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ ~~جاءه} [سورة الزمر: 32] كما أن أهل العلم والدين لهم نصيب وافر من قوله ~~تعالى: {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون} [سورة الزمر: 33] . # ومن أعظم ما في هذا الكلام من الجهل والضلال جعله (5) بني حنيفة ~~PageV08P319 # من أهل الإجماع ; فإنهم لما امتنعوا عن بيعته ولم يحملوا (1) إليه الزكاة ~~سماهم أهل الردة، وقتلهم وسباهم، وقد تقدم مثل هذا في كلامه. # وبنو حنيفة قد علم الخاص والعام أنهم آمنوا بمسيلمة الكذاب الذي ادعى ~~النبوة باليمامة، وادعى أنه شريك النبي صلى الله عليه وسلم في الرسالة، ~~وادعى النبوة في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم فقتل (2) هو والأسود ~~العنسي بصنعاء اليمن وكان اسمه عبهلة، واتبع الأسود أيضا خلق كثير، ثم قتله ~~الله بيد فيروز الديلمي ومن أعانه على ذلك، وكان ms2022 قتله في حياة النبي صلى ~~الله عليه وسلم وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله (3) ليلة قتل، وقال: ~~" «قتله رجل صالح من أهل (4) بيت صالحين» " (5) . # والأسود ادعى الاستقلال بالنبوة، ولم يقتصر على المشاركة، وغلب على اليمن ~~وأخرج منها عمال النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قتله PageV08P320 # الله، ونصر عليه المسلمين (1) ، بعد أن جرت أمور، وقد نقل في ذلك ما هو ~~معروف عند أئمة العلم. # وأما مسيلمة فإنه ادعى المشاركة في النبوة، وعاش إلى خلافة أبي بكر. # وقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ~~قال: " «رأيت في منامي كأن في يدي سوارين من ذهب، فأهمني شأنهما، فقيل لي: ~~انفخهما، فنفختهما، فطارا فأولتهما الكذابين: صاحب صنعاء وصاحب اليمامة» " ~~(2) وأمر مسيلمة وادعاؤه النبوة واتباع بني حنيفة له أشهر وأظهر من أن ~~يخفى، إلا على من هو من أبعد الناس عن المعرفة والعلم. # وهذا أمر قد علمه من [يعلمه من] اليهود (3) والنصارى، فضلا عن المسلمين، ~~وقرآنه الذي قرأه قد حفظ الناس منه سورا إلى اليوم، مثل قوله: يا ضفدع بنت ~~ضفدعين، نقي كم تنقين، لا الماء تكدرين، ولا الشارب تمنعين، رأسك في الماء ~~وذنبك في الطين. # ومثل قوله: الفيل وما أدراك ما الفيل، له زلوم طويل، إن ذلك من خلق ربنا ~~لقليل. PageV08P321 # ومثل قوله: إنا أعطيناك الجماهر، فصل لربك وهاجر، ولاتطع كل ساحر (1) ~~وكافر. # ومثل قوله: والطاحنات طحنا، والعاجنات عجنا، والخابزات خبزا، إهالة وسمنا ~~إن الأرض بيننا وبين قريش نصفين، ولكن قريشا قوم لا يعدلون. وأمثال هذا ~~الهذيان. # ولهذا لما قدم وفد بني حنيفة على أبي بكر بعد قتل مسيلمة طلب منهم أبو ~~بكر أن يسمعوه شيئا من قرآن مسيلمة، فلما أسمعوه، قال لهم: " ويحكم أين ~~يذهب بعقولكم؟ إن هذا كلام لم يخرج من إل " أي من رب (2) . # وكان مسيلمة قد كتب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته: " من ~~مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، أما بعد، فإني قد أشركت (3) في الأمر ~~معك " فكتب ms2023 إليه النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من محمد رسول الله إلى ~~مسيلمة الكذاب. ولما جاء رسوله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: ~~أتشهد أن مسيلمة رسول الله؟ قال: نعم. قال: لولا أن الرسل لا تقتل لضربت ~~عنقك، ثم بعد هذا أظهر أحد الرسولين الردة PageV08P322 # بالكوفة فقتله ابن مسعود، وذكره بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا ~~(1) . # وكان مسيلمة قد (2) قدم في وفد بني حنيفة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- وأظهر الإسلام، ثم لما رجع إلى بلده، قال لقومه: إن محمدا قد أشركني في ~~الأمر معه " واستشهد برجلين (3) : أحدهما الرحال بن عنفوة، فشهد له بذلك. ~~ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه قال لثلاثة أحدهم أبو هريرة، ~~والثاني: الرحال هذا: " إن أحدكم ضرسه في النار أعظم من كذا وكذا» " ~~فاستشهد الثالث في سبيل [الله] (4) وبقي أبو هريرة خائفا حتى شهد هذا ~~لمسيلمة بالنبوة، واتبعه فعلم أنه هو كان المراد بخبر النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - (5) . # وكان مؤذن مسيلمة يقول: أشهد أن محمدا ومسيلمة رسولا الله. PageV08P323 # ومن أعظم فضائل أبي بكر عند الأمة - أولهم وآخرهم - أنه قاتل المرتدين؛ ~~وأعظم الناس ردة كان بنو حنيفة، ولم يكن قتاله لهم على منع الزكاة، بل ~~قاتلهم على أنهم آمنوا بمسيلمة الكذاب، وكانوا فيما يقال نحو مائة ألف. # والحنفية أم محمد ابن الحنفية سرية علي كانت من بني حنيفة، وبهذا احتج من ~~جوز سبي المرتدات إذا كان المرتدون محاربين، فإذا كانوا مسلمين معصومين، ~~فكيف استجاز علي أن يسبي نساءهم؟ ويطأ من ذلك السبي؟ . # وأما الذين قاتلهم على منع الزكاة، فأولئك ناس آخرون، ولم يكونوا يؤدونها ~~وقالوا: لا نؤديها إليك، بل امتنعوا من أدائها بالكلية، فقاتلهم على هذا، ~~لم يقاتلهم ليؤدوها إليه، وأتباع الصديق كأحمد بن حنبل وأبي حنيفة وغيرهما ~~يقولون: إذا قالوا: نحن نؤديها (1) ولا ندفعها إلى الإمام لم يجز قتالهم ~~لعلمهم بأن الصديق، إنما قاتل من امتنع عن أدائها جملة لا من قال: أنا ~~أؤديها بنفسي. # ولو عد هذا المفتري الرافضي ms2024 من المتخلفين عن بيعة أبي بكر المجوس واليهود ~~والنصارى، لكان ذلك من جنس عده لبني حنيفة، بل كفر بني حنيفة من بعض الوجوه ~~كان أعظم من كفر اليهود والنصارى والمجوس ; فإن أولئك كفار مليون (2) ~~وهؤلاء مرتدون، وأولئك يقرون PageV08P324 # بالجزية، وهؤلاء لا يقرون بالجزية (1) ، وأولئك لهم كتاب، أو شبهة كتاب، ~~وهؤلاء اتبعوا مفتريا كذابا؛ لكن كان مؤذنه يقول: أشهد أن محمدا ومسيلمة ~~رسولا الله، وكانوا يجعلون محمدا ومسيلمة سواء. # وأمر مسيلمة مشهور في جميع الكتب الذي يذكر فيها مثل ذلك من كتب الحديث ~~والتفسير، والمغازي والفتوح والفقه والأصول والكلام، وهذا أمر قد خلص إلى ~~العذارى في خدورهن، بل قد أفرد الإخباريون لقتال أهل الردة كتبا سموها كتب ~~" الردة " و " الفتوح " مثل كتاب " الردة " لسيف بن عمر (2) والواقدي ~~وغيرهما، يذكرون فيها من تفاصيل أخبار أهل الردة وقتالهم ما يذكرون كما قد ~~أوردوا مثل ذلك في مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفتوح الشام. # فمن ذلك ما هو متواتر عند الخاصة والعامة ومنه ما نقله الثقات، ومنه ~~أشياء مقاطيع ومراسيل يحتمل أن تكون صدقا وكذبا ومنه ما يعلم أنه ضعيف ~~وكذب. PageV08P325 # لكن تواتر ردة مسليمة وقتال الصديق وحربه [له] (1) كتواتر هرقل وكسرى ~~وقيصر ونحوهم ممن قاتله الصديق وعمر وعثمان، وتواتر كفر من قاتله النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - من اليهود والمشركين مثل عتبة وأبي بن خلف وحيي بن ~~أخطب، وتواتر نفاق عبد الله بن أبي بن سلول وأمثال ذلك. # بل تواتر ردة مسيلمة وقتال الصديق له أظهر عند الناس من قتال الجمل ~~وصفين، ومن كون طلحة والزبير قاتلا عليا، ومن كون سعد وغيره تخلفوا عن بيعة ~~علي. # وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - المدينة فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده ~~اتبعته، فقدمها في بشر كثير من قومه، فأقبل إليه رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد النبي - صلى الله عليه وسلم ms2025 - ~~قطعة من جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال: " «لو سألني هذه القطعة ~~ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني لأراك ~~الذي أريت (2) فيك ما رأيت، وهذا ثابت يجيبك عني» "، ثم انصرف عنه قال ابن ~~عباس: فسألت عن قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أريت (3) فيك ما رأيت ~~" PageV08P326 # فأخبرني أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «بينا أنا ~~نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب، فأهمني شأنهما، فأوحي إلي (1) في المنام ~~أن أنفخهما فنفختهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان بعدي، فكان أحدهما ~~العنسي صاحب صنعاء والآخر (2) مسيلمة» " (3) . # وأما قول الرافضي: " إن عمر أنكر قتال أهل الردة ". # فمن أعظم الكذب والافتراء على عمر، بل الصحابة كانوا متفقين على قتال ~~مسيلمة وأصحابه، ولكن كانت طائفة أخرى مقرين بالإسلام، وامتنعوا عن أداء ~~الزكاة فهؤلاء حصل لعمر أولا شبهة في قتالهم، حتى ناظره الصديق، وبين له ~~وجوب قتالهم فرجع إليه، والقصة في ذلك مشهورة. # وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن عمر قال لأبي بكر: كيف تقاتل PageV08P327 # الناس وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " «أمرت أن أقاتل الناس ~~حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا ~~بحقها، [وحسابهم على الله» ] (1) "، قال أبو بكر: ألم يقل إلا بحقها؟ ؛ فإن ~~الزكاة من حقها. والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعها. قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت ~~الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق " (2) . # وعمر احتج بما بلغه أو سمعه (3) من النبي - صلى الله عليه وسلم - فبين له ~~الصديق أن قوله: " بحقها " يتناول الزكاة، فإنهما حق المال. # وفي الصحيحين عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ~~«أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: (4) لا إله إلا الله وأني رسول الله، ~~ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم ~~إلا بحقها» " (5) . # فهذا اللفظ الثاني الذي ms2026 قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين فقه ~~أبي بكر، وهو صريح في القتال عن أداء الزكاة وهو مطابق للقرآن. # قال تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم ~~كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} PageV08P328 # [سورة التوبة: 5] فعلق تخلية السبيل على الإيمان وإقام الصلاة وإيتاء ~~الزكاة. # والأخبار المنقولة عن هؤلاء أن منهم من كان قد (1) قبض الزكاة، ثم أعادها ~~إلى أصحابها لما بلغه موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومنهم من كان ~~يتربص، ثم هؤلاء الذين قاتلهم الصديق عليها لما قاتلهم صارت العمال الذين ~~كانوا على الصدقات زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم يقبضونها، كما ~~كانوا يقبضونها في زمنه ويصرفونها كما كانوا يصرفونها. # «وكتب الصديق لمن كان يستعمله كتابا للصدقة فقال: " بسم الله الرحمن ~~الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ~~والتي أمر بها» ". # وبهذا الكتاب ونظائره يأخذ علماء المسلمين كلهم؛ فلم يأخذ لنفسه منها ~~شيئا ولا ولى أحدا من أقاربه، لا هو ولا عمر بخلاف عثمان وعلي فإنهما وليا ~~أقاربهما. # فإن جاز أن يطعن في الصديق والفاروق أنهما قاتلا لأخذ المال، فالطعن في ~~غيرهما أوجه فإذا وجب الذب عن عثمان وعلي، فهو عن أبي بكر وعمر أوجب. # وعلي يقاتل ليطاع ويتصرف في النفوس والأموال، فكيف يجعل هذا PageV08P329 # قتالا على الدين؟ وأبو بكر يقاتل من ارتد عن الإسلام، ومن ترك ما فرض ~~الله ليطيع الله ورسوله فقط، ولا يكون هذا قتالا (1) على الدين؟ . # وأما الذين عدهم هذا الرافضي أنهم تخلفوا عن بيعة الصديق من أكابر ~~الصحابة فذلك كذب عليهم إلا على سعد بن عبادة، فإن مبايعة هؤلاء لأبي بكر ~~وعمر أشهر من أن تنكر، وهذا مما اتفق عليه أهل العلم بالحديث والسير ~~والمنقولات وسائر أصناف أهل العلم خلفا عن سلف. # وأسامة بن زيد ما خرج في السرية حتى بايعه، ولهذا يقول له: " يا خليفة ~~رسول الله ". # وكذلك جميع من ذكره بايعه، لكن خالد بن سعيد كان نائبا للنبي ms2027 - صلى الله ~~عليه وسلم -، فلما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «لا أكون نائبا ~~لغيره» " فترك الولاية، وإلا فهو من المقرين بخلافة الصديق، وقد علم ~~بالتواتر أنه لم يتخلف عن بيعته إلا سعد بن عبادة. # وأما علي وبنو هاشم فكلهم بايعه باتفاق الناس لم يمت أحد منهم إلا وهو ~~مبايع له. # لكن قيل: [علي] (2) تأخرت بيعته ستة أشهر، وقيل: بل بايعه ثاني يوم، وبكل ~~حال فقد بايعوه من غير إكراه. PageV08P330 # ثم جميع الناس بايعوا عمر إلا سعدا، لم يتخلف عن بيعة عمر أحد إلا بنو ~~هاشم ولا غيرهم. # وأما بيعة عثمان فاتفق الناس كلهم عليها، وكان سعد قد مات في خلافة عمر، ~~فلم يدركها، وتخلف سعد قد عرف سببه؛ فإنه (1) كان يطلب أن يصير أميرا، ~~ويجعل من المهاجرين أميرا ومن الأنصار أميرا، وما طلبه (2) سعد لم يكن ~~سائغا بنص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإجماع المسلمين. # وإذا ظهر خطأ الواحد المخالف للإجماع، ثبت أن الإجماع كان صوابا، وأن ذلك ~~الواحد الذي عرف خطؤه بالنص شاذ لا يعتد به، بخلاف الواحد الذي يظهر حجة ~~شرعية من الكتاب والسنة، فإن هذا يسوغ خلافة، وقد يكون الحق معه ويرجع إليه ~~غيره. # كما كان الحق مع أبي بكر في تجهيز جيش أسامة وقتال مانعي الزكاة وغير ~~ذلك، حتى تبين صواب رأيه فيما بعد. # وما ذكره عن أبي قحافة فمن الكذب المتفق عليه، ولكن أبو قحافة كان بمكة، ~~وكان شيخا كبيرا أسلم عام الفتح، أتى به أبو بكر إلى النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - ورأسه ولحيته مثل الثغامة؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ~~«لو أقررت الشيخ مكانه لأتيناه» " (3) إكراما لأبي بكر. وليس PageV08P331 # في الصحابة من أسلم أبوه وأمه وأولاده، وأدركوا النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - وأدركه أيضا بنو أولاده: إلا أبو بكر من جهة الرجال والنساء. فمحمد ~~بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة هؤلاء الأربعة كانوا في زمن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - مؤمنين، وعبد الله بن الزبير بن ms2028 أسماء بنت أبي بكر ~~كلهم أيضا آمنوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبوه وأم أبي بكر أم ~~الخير (1) آمنت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فهم أهل بيت إيمان ليس فيهم ~~منافق، ولا يعرف في الصحابة مثل هذا لغير بيت أبي بكر. # وكان يقال: للإيمان بيوت وللنفاق بيوت فبيت أبي بكر من بيوت الإيمان من ~~المهاجرين، وبنو النجار من بيوت الإيمان من الأنصار (2) . # وقوله: " إنهم قالوا لأبي قحافة: إن ابنك أكبر الصحابة سنا " كذب ظاهر، ~~وفي الصحابة خلق كثير أسن من أبي بكر مثل العباس، فإن العباس كان أسن من ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث سنين، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ~~كان أسن من أبي بكر. # قال أبو عمر بن عبد البر (3) : " لا يختلفون أنه: يعني أبا بكر - مات ~~وسنه ثلاث وستون سنة، وأنه استوفى سن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ما ~~لا يصح، لكن المأثور عن أبي قحافة أنه لما توفي النبي - صلى الله عليه ~~PageV08P332 # وسلم - ارتجت مكة، فسمع ذلك أبو قحافة فقال: ما هذا؟ قالوا: قبض رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: أمر جليل، فمن ولي بعده؟ قالوا: ابنك، ~~قال: فهل رضيت بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة؟ ، قالوا: نعم، قال: لا مانع ~~لما أعطى ولا معطي لما منع ". # وحينئذ فالجواب عن منعه الإجماع من وجوه: # أحدها: أن هؤلاء الذين ذكرهم لم يتخلف منهم إلا سعد بن عبادة، وإلا ~~فالبقية كلهم بايعوه باتفاق أهل النقل، وطائفة من بني هاشم قد قيل: إنها ~~تخلفت عن مبايعته أولا، ثم بايعته بعد ستة أشهر من غير رهبة ولا رغبة. # والرسالة التي يذكر بعض الكتاب أنه أرسلها إلى علي كذب مختلق عند أهل ~~العلم، بل علي أرسل إلى أبي بكر أن ائتنا، فذهب هو إليهم فاعتذر علي إليه ~~وبايعه. # ففي الصحيحين عن عائشة قالت (1) : أرسلت فاطمة إلى أبي بكر - رضي الله ~~عنهما - تسأله ميراثها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما أفاء الله ~~عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من ms2029 خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - قال: " «لا نورث، ما تركناه صدقة» " وإنما ~~PageV08P333 # يأكل آل محمد من هذا المال، وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - عن حالها التي كانت عليه في عهده، وإني لست تاركا ~~شيئا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعمل به إلا عملت به، وإني أخشى ~~إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ "، فوجدت فاطمة على أبي بكر فهجرته، فلم ~~تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستة أشهر، ~~فلما توفيت دفنها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها علي. # وكان لعلي وجه من الناس حياة فاطمة، فلما ماتت استنكر علي وجوه الناس ~~فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن بايع تلك الأشهر فأرسل إلى أبي ~~بكر أن ائتنا، ولا يأتنا معك أحد كراهة محضر عمر، فقال عمر لأبي بكر: والله ~~لا تدخل عليهم وحدك، فقال أبو بكر: ما عساهم أن يفعلوا بي؟ والله لآتينهم ~~فدخل عليهم أبو بكر فتشهد علي، ثم قال: إنا قد عرفنا فضيلتك يا أبا بكر وما ~~أعطاك الله ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك استبددت بالأمر علينا وكنا ~~نرى أن لنا فيه حقا لقرابتنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يزل ~~يكلم أبا بكر حتى فاضت عينا أبي بكر؛ فلما تكلم أبو بكر قال: والذي نفسي ~~بيده لقرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي أن أصل من قرابتي، ~~وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال (1) فإني لم آل فيها عن الحق، ~~ولم أترك أمرا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنعه فيها إلا ~~صنعته، فقال: علي PageV08P334 # لأبي بكر: موعدك العشية للبيعة، فلما صلى أبو بكر الظهر رقى على المنبر ~~وتشهد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة، وعذره الذي اعتذر به، ثم استغفر ~~وتشهد علي فعظم حق أبي بكر، وأنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة ms2030 على أبي بكر ~~ولا إنكار للذي فضله الله به، ولكنا كنا نرى أن لنا في الأمر نصيبا فاستبد ~~علينا به، فوجدنا في أنفسنا؛ فسر بذلك المسلمون، وقالوا: أصبت وكان ~~المسلمون إلى علي قريبا حين راجع الأمر بالمعروف. # ولا ريب أن الإجماع المعتبر في الإمامة لا يضر فيه تخلف الواحد والاثنين ~~والطائفة القليلة فإنه لو اعتبر ذلك لم يكد ينعقد إجماع على إمامة؛ فإن ~~الإمامة أمر معين فقد يتخلف الرجل لهوى لا يعلم كتخلف سعد فإنه كان قد ~~استشرف إلى أن يكون هو أميرا من جهة الأنصار، فلم يحصل له ذلك، فبقي (1) في ~~نفسه بقية هوى. # ومن ترك الشيء لهوى، لم يؤثر تركه بخلاف الإجماع على الأحكام العامة ~~كالإيجاب والتحريم والإباحة؛ فإن هذا لو خالف فيه الواحد، أو الاثنان فهل ~~يعتد بخلافهما؟ فيه قولان للعلماء. وذكر عن أحمد في ذلك روايتان: إحداهما: ~~لا يعتد بخلاف الواحد والاثنين، وهو قول طائفة كمحمد بن جرير الطبري، ~~والثاني: يعتد بخلاف الواحد والاثنين في الأحكام وهو قول الأكثرين، والفرق ~~بينه وبين الإمامة أن الحكم أمر عام يتناول هذا وهذا، فإن القائل بوجوب ~~الشيء يوجبه على PageV08P335 # نفسه وعلى غيره والقائل بتحريمه يحرمه على نفسه وعلى غيره، فالمنازع فيه ~~ليس متهما؛ ولهذا تقبل رواية الرجل للحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~في القصة وإن كان خصما فيها؛ لأن الحديث عام يتناولها ويتناول غيرها، وإن ~~كان المحدث اليوم محكوما له بالحديث فغدا يكون محكوما عليه بخلاف شهادته ~~لنفسه فإنها لا تقبل ; لأنه خصم، والخصم لا يكون شاهدا. # فالإجماع على إمامة المعين ليس حكما على أمر عام كلي، كالأحكام على أمر ~~خاص معين. # وأيضا فالواحد إذا خالف النص المعلوم، كان خلافه شاذا كخلاف سعيد بن ~~المسيب في أن المطلقة ثلاثا إذا نكحت زوجا غيره أبيحت للأول بمجرد العقد، ~~فإن هذا لما جاءت السنة الصحيحة بخلافه لم يعتد به. # وسعد كان مراده أن يولوا رجلا من الأنصار، وقد دلت النصوص الكثيرة عن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - «أن الإمام ms2031 من قريش» فلو كان المخالف قرشيا ~~واستقر خلافه لكان شبهة، بل علي كان من قريش، وقد تواتر أنه بايع الصديق ~~طائعا مختارا. # الثاني: أنه لو فرض خلاف هؤلاء الذين ذكرهم وبقدرهم مرتين لم يقدح ذلك في ~~ثبوت الخلافة، فإنه لا يشترط في الخلافة إلا اتفاق أهل الشوكة والجمهور ~~الذين يقام بهم الأمر بحيث يمكن أن يقام بهم مقاصد الإمامة. # PageV08P336 # ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «عليكم بالجماعة، فإن يد الله ~~مع (1) الجماعة» " (2) . # وقال: " «إن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين (3) أبعد» " (4) ". ~~PageV08P337 # وقال: " «إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم، والذئب إنما يأخذ القاصية» ~~" (1) . # وقال: " «عليكم بالسواد الأعظم، ومن شذ شذ في النار» " (2) . # الثالث: أن يقال إجماع الأمة على خلافة أبي بكر كان أعظم من اجتماعهم على ~~مبايعة علي، فإن ثلث الأمة - أو أقل أو أكثر - لم يبايعوا عليا، بل قاتلوه ~~والثلث الآخر لم يقاتلوا معه وفيهم من لم يبايعه أيضا؛ والذين (3) لم ~~يبايعوه منهم من قاتلهم، ومنهم من لم يقاتلهم، فإن جاز القدح في الإمامة ~~بتخلف بعض الأمة عن البيعة كان القدح في إمامة علي أولى بكثير. PageV08P338 # وإن قيل: جمهور الأمة لم تقاتله، أو قيل بايعه أهل الشوكة والجمهور، أو ~~نحو ذلك كان هذا في حق أبي بكر أولى وأحرى. # وإذا قالت الرافضة: إمامة ثبتت بالنص فلا يحتاج إلى الإجماع والمبايعة. # قيل: النصوص إنما دلت على خلافة أبي بكر، لا على خلافة علي، كما تقدم ~~التنبيه عليه، وكما سنذكره إن شاء الله تعالى ونبين أن النصوص دلت على ~~خلافة أبي بكر الصديق، وعلى أن عليا لم يكن هو الخليفة في زمن الخلفاء ~~الثلاثة؛ فخلافة أبي بكر لا تحتاج إلى الإجماع؛ بل النصوص دالة على صحتها ~~وعلى انتفاء ما يناقضها. # الرابع: أن يقال: الكلام في إمامة الصديق إما أن يكون في وجودها وإما أن ~~يكون في استحقاقه لها، أما الأول فهو معلوم بالتواتر واتفاق الناس بأنه ~~تولى الأمر وقام مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفه في أمته ~~وأقام الحدود ms2032 واستوفى الحقوق وقاتل الكفار والمرتدين وولى الأعمال وقسم ~~الأموال وفعل جميع ما يفعل (1) الإمام، بل هو أول (2) من باشر الإمامة في ~~الأمة. # وأما إن أريد بإمامته كونه مستحقا لذلك، فهذا عليه أدلة كثيرة غير ~~الإجماع، فلا طريق يثبت بها كون علي مستحقا للإمامة إلا وتلك الطريق يثبت ~~بها أن أبا بكر مستحق للإمامة، وأنه أحق للإمامة (3) من علي PageV08P339 # وغيره؛ وحينئذ فالإجماع لا يحتاج إليه في الأولى ولا في الثانية، وإن كان ~~الإجماع حاصلا. ### | فصل قال الرافضي الإجماع ليس أصلا في الدلالة بل لا بد أن يستند المجمعون على حكم حتى يجتمعوا عليه # فصل # قال الرافضي (1) : " وأيضا (2) الإجماع ليس أصلا في الدلالة، بل لا بد أن ~~يستند (3) المجمعون إلى دليل على الحكم حتى يجتمعوا عليه وإلا كان خطأ؛ ~~وذلك الدليل إما عقلي، وليس في العقل دلالة على إمامته وإما نقلي وعندهم أن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - مات من غير وصية ولا نص على إمام (4) ، ~~والقرآن خال منه فلو كان الإجماع متحققا كان خطأ فتنتفي (5) دلالته ". # والجواب من وجوه: # أحدها: أن قوله: " الإجماع ليس أصلا في الدلالة ". # إن أراد به أمر المجتمعين لا تجب طاعته لنفسه، وإنما تجب لكونه دليلا على ~~أمر الله ورسوله؛ فهذا صحيح، ولكن هذا لا يضر؛ فإن أمر الرسول كذلك لم تجب ~~طاعته لذاته، بل لأن من أطاع الرسول فقد أطاع PageV08P340 # الله؛ ففي الحقيقة لا يطاع أحد لذاته إلا الله له الخلق والأمر، وله ~~الحكم وليس الحكم إلا لله، وإنما وجبت (1) طاعة الرسول ; لأن طاعته طاعة ~~الله ووجبت طاعة المؤمنين المجتمعين، لأن طاعتهم طاعة الله والرسول. ووجب ~~تحكيم الرسول؛ لأن حكمه حكم الله، وكذلك تحكيم (2) الأمة، لأن حكمها حكم ~~الله. # وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «من أطاعني فقد ~~أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى ~~أميري فقد عصاني» " (3) . # وقد قامت الأدلة (4) الكثيرة على أن الأمة لا تجتمع على ضلالة، بل ما ~~أمرت به الأمة فقد ms2033 أمر الله به ورسوله. # والأمة أمرت بطاعة أبي بكر في إمامته، فعلم أن الله ورسوله أمرا بذلك، ~~فمن عصاه كان عاصيا لله ورسوله. # وإن أراد به أنه قد يكون موافقا للحق، وقد يكون مخالفا له، وهذا هو الذي ~~أراده، فهذا قدح في كون الإجماع حجة، ودعوى أن الأمة قد تجتمع على الضلالة ~~والخطأ، كما يقول ذلك من يقوله من الرافضة الموافقين للنظام. # وحينئذ فيقال: كون علي إماما ومعصوما (5) وغير ذلك من الأصول PageV08P341 # الإمامية (1) أثبتوه بالإجماع، إذ عمدتهم في أصول دينهم على ما يذكرونه ~~من العقليات وعلى الإجماع، وعلى ما ينقلونه؛ فهم يقولون (2) : علم بالعقل ~~لأنه لا بد (3) للناس من إمام معصوم وإمام منصوص عليه؛ وغير علي ليس معصوما ~~ولا منصوصا عليه * بالإجماع فيكون المعصوم هو عليا وغير ذلك من مقدمات ~~حججهم. # فيقال لهم * (4) : إن لم يكن الإجماع حجة، فقد بطلت تلك الحجج فبطل ما ~~بنوه على الإجماع من أصولهم فبطل قولهم، وإذا بطل ثبت مذهب أهل السنة. # وإن كان الإجماع حقا، فقد ثبت أيضا مذهب أهل السنة، فقد تبين بطلان قولهم ~~سواء قالوا: الإجماع حجة أم لم يقولوا، وإذا بطل قولهم ثبت مذهب أهل السنة ~~(5) وهو المطلوب. # وإن قالوا: نحن ندع الإجماع ولا نحتج به في شيء من أصولنا، وإنما عمدتنا ~~العقل والنقل عن الأئمة المعصومين. # قيل لهم: إذا لم تحتجوا بالإجماع لم يبق معكم حجة سمعية غير النقل ~~المعلوم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن ما ينقلونه عن علي وغيره من ~~الأئمة لا يكون حجة حتى نعلم عصمة الواحد من هؤلاء. PageV08P342 # وعصمة الواحد من هؤلاء لا تثبت إلا بنقل عمن علم عصمته؛ والمعلوم عصمته ~~هو الرسول؛ فما لم يثبت نقل معلوم عن الرسول بما يقولونه لم يكن معهم حجة ~~سمعية (1) أصلا: لا في أصول الدين ولا في فروعه، وحينئذ فيرجع الأمر إلى ~~دعوى خلافة علي بالنص؛ فإن أثبتم النص بالإجماع فهو باطل، لنفيكم كون ~~الإجماع حجة، وإن لم تثبتوه إلا بالنقل الخاص الذي يذكره بعضكم، فقد تبين ~~بطلانه ms2034 من وجوه، وتبين أن ما ينقله الجمهور وأكثر الشيعة مما يناقض هذا ~~القول يوجب علما يقينيا بأن هذا كذب. # وهذه الأمور من تدبرها تبين له أن الإمامية لا يرجعون في شيء مما ينفردون ~~به عن الجمهور إلى الحجة أصلا: لا عقلية ولا سمعية، ولا نص ولا إجماع؛ ~~وإنما عمدتهم دعوى نقل مكذوب يعلم أنه كذب، أو دعوى دلالة نص، أو قياس يعلم ~~أنه لا دلالة له. # وهم وسائر أهل البدع، كالخوارج والمعتزلة؛ وإن كانوا عند التحقيق لا ~~يرجعون إلى حجة صحيحة: لا عقلية ولا سمعية، وإنما لهم شبهات؛ لكن حججهم ~~أقوى من حجج الرافضة السمعية والعقلية، أما السمعيات فإنهم لا يتعمدون ~~الكذب كما تتعمده الرافضة ولهم في النصوص الصحيحة شبهة أقوى من شبه ~~الرافضة. # وأيضا فإن سائر أهل البدع أعلم بالحديث والآثار منهم، والرافضة أجهل ~~الطوائف بالأحاديث والآثار وأحوال النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ~~PageV08P343 # ولهذا يوجد في كتبهم وكلامهم من الجهل والكذب في المنقولات ما لا يوجد في ~~سائر الطوائف، وكذلك لهم في العقليات مقاييس هي مع ضعفها وفسادها أجود من ~~مقاييس الرافضة. # وأيضا فنحن نشير إلى (1) ما يدل على أن الإجماع حجة بالدلالة المبسوطة في ~~غير هذا الموضع، ولكل مقام مقال. # ونحن لا نحتاج في تقرير إمامة الصديق - رضي الله عنه - ولا غيره إلى هذا ~~الإجماع، ولا نشترط في إمامة أحد هذا الإجماع؛ لكن هو لما ذكر أن أهل السنة ~~اعتمدوا على الإجماع تكلمنا على ذلك، فنشير إلى بعض ما يدل على صحة ~~الإجماع. # فنقول أولا: ما من حكم اجتمعت (2) الأمة عليه إلا وقد دل عليه النص، ~~فالإجماع دليل على نص موجود معلوم عند الأئمة ليس مما درس علمه، والناس قد ~~اختلفوا في جواز الإجماع عن اجتهاد، ونحن نجوز أن يكون بعض المجمعين (3) ~~قال عن اجتهاد، لكن لا يكون النص خافيا على جميع المجتهدين وما من حكم يعلم ~~أن فيه إجماعا إلا وفي الأمة من يعلم أن فيه نصا. وحينئذ فالإجماع دليل على ~~النص. # ولهذا قال تعالى: {ومن يشاقق ms2035 الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير ~~سبيل المؤمنين نوله ما تولى} [سورة النساء: 115] . فعلق الوعيد PageV08P344 # بمشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين (1) مع العلم بأن مجرد مشاقة ~~الرسول توجب الوعيد ولكن هما متلازمان؛ فلهذا (2) علقه بهما، كما يعلقه ~~بمعصية الله ورسوله، وهما متلازمان أيضا. # وخلافة الصديق من هذا الباب، فإن النصوص الكثيرة دلت على أنها حق وصواب، ~~وهذا مما لم يختلف العلماء فيه، واختلفوا: هل انعقدت بالنص الذي هو العهد ~~كخلافة عمر، أو بالإجماع والاختيار؟ . # وأما دلالة النصوص على أنها حق وصواب؛ فما علمت أحدا نازع فيه من علماء ~~السنة؛ كلهم يحتج على صحتها بالنصوص، إذا كنا نبين أن ما انعقد عليه ~~الإجماع فهو منصوص عليه كان ذكر الإجماع ; لأنه دليل على النص لا يفارقه ~~البتة. # ومع هذا فنحن نذكر بعض ما يستدل به على الإجماع مطلقا ويستدل به على من ~~يقول: قد لا يكون معه نص. # كقوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن ~~المنكر} [سورة آل عمران: 110] ، فهذا يقتضي أنهم يأمرون بكل معروف وينهون ~~عن كل منكر. ومن المعلوم أن إيجاب ما أوجبه الله وتحريم ما حرمه الله هو من ~~الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل هو نفسه الأمر بالمعروف والنهي عن ~~المنكر، فيجب أن يوجبوا كل ما أوجبه الله ورسوله، ويحرموا كل ما حرمه الله ~~ورسوله؛ وحينئذ فيمتنع أن يوجبوا حراما، ويحرموا واجبا بالضرورة، فإنه لا ~~يجوز عليهم السكوت عن PageV08P345 # الحق في ذلك فكيف نجوز السكوت عن الحق والتكلم بنقيضه من الباطل؟ ولو ~~فعلوا ذلك لكانوا قد أمروا بالمنكر ونهوا عن المعروف، وهو خلاف النصر. # فلو كانت ولاية أبي بكر حراما، وطاعته حراما منكرا لوجب أن ينهوا عن ذلك ~~ولو كانت مبايعة علي واجبة لكان ذلك من أعظم المعروف الذي يجب أن يأمروا ~~به، فلما لم يكن كذلك علم أن مبايعة هذا إذ ذاك لم تكن معروفا ولا واجبا ~~ولا مستحبا، ومبايعة ذلك لم تكن منكرا، وهو المطلوب. # وأيضا فقوله تعالى: {والمؤمنون ms2036 والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون ~~بالمعروف وينهون عن المنكر} [سورة التوبة: 71] والاستدلال به كما تقدم. # وأيضا فقوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} ~~[سورة البقرة: 143] وقوله: {هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول ~~شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس} [سورة الحج: 87] . ومن جعلهم الرب ~~شهداء على الناس، فلا بد أن يكونوا عالمين بما يشهدون به، ذوي عدل في ~~شهادتهم، فلو كانوا يحللون ما حرم الله ويحرمون ما أحل (1) الله ويوجبون ما ~~عفا الله عنه ويسقطون ما أوجبه الله لم يكونوا كذلك، وكذلك إذا كانوا ~~يجرحون الممدوح ويمدحون المجروح. PageV08P346 # فإذا شهدوا أن أبا بكر أحق بالإمامة وجب أن يكونوا صادقين في هذه الشهادة ~~عالمين بما شهدوا به، وكذلك إذا شهدوا أن هذا مطيع لله وهذا عاص لله وهذا ~~فعل ما يستحق عليه الثواب وهذا فعل ما يستحق عليه العقاب وجب قبول شهادتهم، ~~فإن الشهادة على الناس تتناول الشهادة بما فعلوه من مذموم ومحمود. والشهادة ~~بأن هذا مطيع وهذا عاص هي تتضمن الشهادة بأفعالهم وأحكام أفعالهم وصفاتهم ~~وهو المطلوب. # وفي الصحيحين عن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «مر عليه بجنازة ~~فأثنوا عليها خيرا، فقال: " وجبت " ومر عليه بجنازة فأثنوا عليها شرا فقال ~~وجبت فقيل: يا رسول الله ما قولك: وجبت؟ قال: " هذه الجنازة أثنيتم عليها ~~خيرا فقلت وجبت لها الجنة، وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرا، فقلت: وجبت لها ~~النار أنتم شهداء الله في الأرض» " (1) . # وأيضا فقوله: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل ~~المؤمنين نوله ما تولى} الآية [سورة النساء: 115] فإنه توعد على المشاقة ~~للرسول واتباع غير سبيل المؤمنين؛ وذلك يقتضي أن كلا منهما مذموم؛ فإن ~~مشاقة الرسول وحدها مذمومة بالإجماع، فلو لم يكن الآخر PageV08P347 # مذموما لكان قد رتب الوعيد على وصفين: مذموم وغير مذموم وهذا لا يجوز. # ونظير هذا قوله تعالى: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون ~~النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن ms2037 يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له ~~العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا} [سورة الفرقان: 68، 69] فإنه يقتضي أن ~~كل واحد من الخصال الثلاثة مذموم شرعا. # وحينئذ فإذا كان المؤمنون قد أوجبوا أشياء وحرموا أشياء فخالفهم مخالف، ~~وقال: إن ما أوجبوه ليس بواجب، وما حرموه ليس بحرام فقد اتبع غير سبيلهم، ~~لأن المراد بسبيلهم اعتقاداتهم وأفعالهم، وإذا كان كذلك كان مذموما ولو لم ~~يكن سبيلهم صوابا وحقا لم يكن المخالف لهم مذموما. # وأيضا فقوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن ~~تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [سورة النساء: 59] : فجعل وجوب ~~الرد إلى الله والرسول (1) معلقا (2) بالتنازع. والحكم المعلق بالشرط عدم ~~عند عدمه، فعلم أنه عند انتفاء التنازع لا يجب الرد إلى الله ورسوله فدل ~~على أن إجماعهم إنما يكون على حق وصواب فإنه لو كان على باطل وخطأ لم يسقط ~~عنهم وجوب الرد إلى الكتاب والسنة لأجل باطلهم وخطئهم ; ولأن أمر الله ~~ورسوله حق حال إجماعهم PageV08P348 # ونزاعهم فإذا لم يجب الرد عليه عند الإجماع دل على أن الإجماع موافق له ~~لا مخالف له، فلما كان المستدل بالإجماع متبعا له في نفس الأمر لم يحتج إلى ~~الرد إليه. # وأيضا قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} [سورة آل ~~عمران: 103] أمرهم بالاجتماع ونهاهم عن الافتراق فلو كان في حال الاجتماع ~~قد يكونون مطيعين لله تارة وعاصين له أخرى لم يجز أن يأمر به إلا إذا كان ~~اجتماعا على طاعة؛ والله أمر به مطلقا ; ولأنه لو كان كذلك لم يكن فرق بين ~~الاجتماع والافتراق، لأن الافتراق إذا كان معه طاعة كان مأمورا به مثل أن ~~يكون الناس نوعين نوع يطيع الله ورسوله ونوع يعصيه؛ فإنه يجب أن يكون مع ~~المطيعين، وإن كان في ذلك فرقة، فلما أمرهم بالاجتماع دل على أنه مستلزم ~~لطاعة الله. # وأيضا فإنه قال: {إنما وليكم الله ورسوله} [سورة المائدة: 55] فجعل ~~موالاتهم كموالاة الله ورسوله. وموالاة الله ورسوله لا تتم إلا بطاعة أمره، ~~وكذلك المؤمنون لا تتم ms2038 موالاتهم إلا بطاعة أمرهم؛ وهذا لا يكون إلا إذا كان ~~أمرهم أمرا متفقا؛ فإن أمر بعضهم بشيء وأمر آخر (1) بضده لم يكن موالاة هذا ~~بأولى من موالاة هذا، فكانت الموالاة في حال النزاع بالرد إلى الله ~~والرسول. # وأيضا فقد (2) ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث كثيرة ~~PageV08P349 # متعددة الأمر بالاعتصام بالجماعة والمدح لها، وذم الشذوذ، وأن الخير ~~والهدى والرحمة مع الجماعة، وأن الله لم يكن ليجمع هذه الأمة على ضلالة، ~~وأنه لن يزال فيها (1) طائفة ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من ~~خذلهم ولا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم فيه بطاعة الله، وأن ~~خير هذه الأمة القرن الأول، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. # وقد روى الحاكم وغيره عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ~~" «لا يجمع الله أمتي (2) على الضلالة أبدا، ويد الله على الجماعة» (3) ". # وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ~~PageV08P350 # " «من خالف جماعة المسلمين شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه» " (1) . # وعن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «من خرج من الجماعة ~~قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتى يراجعه، ومن مات وليس عليه إمام ~~جماعة؛ فإن ميتته ميتة جاهلية» " (2) . # وعن الحارث الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " «آمركم ~~بخمس كلمات أمرني الله بهن: الجماعة، والسمع، والطاعة، والهجرة، والجهاد ~~فمن خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من رأسه (3) إلا أن يرجع» ~~" (4) . PageV08P351 # وعن معاوية قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " «من فارق ~~الجماعة شبرا دخل النار» " (1) . # وعن ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " «من ~~فارق أمته (2) ، أو عاد أعرابيا بعد هجرته، فلا حجة له» " (3) . # وعن ربعي قال: أتيت حذيفة ليالي سار الناس إلى عثمان، فقال سمعت رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " «من فارق الجماعة واستبدل (4) الإمارة ~~لقي الله ولا حجة له ms2039» " (5) . PageV08P352 # وعن فضالة بن عبيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: " «ثلاثة لا ~~يسأل عنهم: رجل فارق الجماعة، وعصى إمامه فمات عاصيا. . .» " فذكر الحديث ~~(1) . # وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ~~-: " «الصلاة المكتوبة إلى التي بعدها كفارة لما بينهما، والجمعة إلى ~~الجمعة والشهر إلى الشهر - يعني رمضان - كفارة لما بينهما "، قال بعد ذلك: ~~" إلا من ثلاث " فعرفت أن ذلك من أمر حدث فقال: " إلا من الإشراك بالله، ~~ونكث الصفقة، وترك السنة، وأن تبايع رجلا بيمينك، ثم تخالف تقاتله بسيفك. ~~وترك السنة الخروج من الجماعة» " (2) . # وعن النعمان بن بشير قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ~~" «نضر الله وجه امرئ سمع مقالتي فحملها (3) ، فرب حامل فقه PageV08P353 # غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن: ~~إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمر ولزوم جماعة المسلمين» " (1) روى هذه ~~الأحاديث الحاكم في " المستدرك " وذكر أنهاعلى شرط الصحيح. # وذلك يقتضي أن اجتماع الأمة لا يكون إلا على حق وهدى وصواب، وأن أحق ~~الأمة بذلك هم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك يقتضي أن ما ~~فعلوه من خلافة الصديق كان حقا وهدى وصوابا. # وأيضا فإن السلف كان يشتد إنكارهم على من يخالف الإجماع، ويعدونه من أهل ~~الزيغ والضلال، فلو كان ذلك شائعا عندهم لم ينكروه، وكانوا ينكرون عليه ~~إنكارا هم قاطعون به لا يسوغون لأحد أن يدع الإنكار عليه فدل على أن ~~الإجماع عندهم كان مقطوعا به. PageV08P354 # والعقول المتباينة لا تتفق على القطع من غير تواطؤ ولا تشاعر، إلا لما ~~يوجب القطع وإلا فلو لم يكن هناك ما يوجب القطع، بل لا يوجب الظن لم تكن ~~الطوائف الكثيرة مع تباين هممهم وقرائحهم وعدم تواطئهم يقطعون في موضع لا ~~قطع فيه. # فعلم أنه كان عندهم أدلة قطعية توجب كون الإجماع حجة يجب اتباعها ويحرم ~~خلافها. # وأيضا فإن السنة والشيعة اتفقوا على أنه إذا كان علي معهم كان إجماعهم ~~حجة ms2040. ولا يجوز أن يكون ذلك لأجل عصمة علي؛ لأن عصمته لم تثبت إلا بالإجماع، ~~فإن عمدتهم في ذلك الإجماع على انتفاء العصمة من غيره إذ ليس في النص ولا ~~المعقول ما ينفي العصمة عن (1) غيره. # وهذا مما يبين تناقض الرافضة، فإن أصل دينهم بنوه على الإجماع، ثم قدحوا ~~فيه والقدح فيه قدح في عصمة علي فلا يبقى لهم ما يعتمدون عليه وهذا شأنهم ~~في عامة أقوالهم التي ينفردون بها. # ولهذا قال فيهم الشعبي: " يأخذون بأعجاز لا صدور لها " أي بفروع لا أصول ~~لها. # فإن كان الإجماع ليس بحجتهم (2) لم تثبت عصمته، وإن كان حجة لم يحتج إلى ~~عصمته، فثبت أنه على التقديرين لا يجوز أن يكون قولهم PageV08P355 # حجة لأجل علي، فلزم أن يكون الإجماع حجة، (1) وإلا لزم بطلان قول السنة ~~والشيعة. ### | فصل قال الرافضي الإجماع إما أن يعتبر فيه قول كل الأمة ومعلوم أنه لم يحصل والرد عليه # فصل # قال الرافضي (2) : " وأيضا الإجماع إما أن يعتبر فيه قول كل الأمة، ~~ومعلوم أنه لم يحصل، بل ولا إجماع أهل المدينة أو بعضهم، وقد أجمع أكثر ~~الناس على قتل عثمان ". # والجواب: أن يقال أما الإجماع على الإمامة، فإن أريد به الإجماع الذي ~~ينعقد به الإمامة، فهذا يعتبر فيه موافقة أهل الشوكة بحيث يكون متمكنا بهم ~~من تنفيذ مقاصد الإمامة حتى إذا كان رءوس الشوكة عددا قليلا، ومن سواهم ~~موافق لهم حصلت الإمامة بمبايعتهم له. هذا هو الصواب الذي عليه أهل السنة ~~وهو مذهب الأئمة كأحمد وغيره. # وأما أهل الكلام فقدرها كل منهم بعدد، وهي تقديرات باطلة. # وإن أريد به الإجماع على الاستحقاق والأولوية، فهذا يعتبر فيه إما الجميع ~~وإما الجمهور وهذه الثلاثة حاصلة في خلافة أبي بكر. # وأما عثمان فلم يتفق على قتله إلا طائفة قليلة، لا يبلغون نصف عشر عشر ~~عشر الأمة؛ كيف وأكثر جيش علي والذين قاتلوه والذين قعدوا عن القتال لم ~~يكونوا من قتلة عثمان؟ وإنما كان قتلة عثمان فرقة يسيرة من عسكر علي. ~~PageV08P356 # والأمة كانوا في خلافة عثمان ms2041 مئي ألوف (1) ، والذين اتفقوا على قتله ~~الألف أو نحوهم، وقد قال عبد الله بن الزبير يعيب قتلة عثمان: " خرجوا عليه ~~كاللصوص من وراء القرية، وقتلهم الله كل قتلة، ونجا من نجا منهم تحت بطون ~~الكواكب ". ### | فصل قال الرافضي كل واحد من الأمة يجوز عليه الخطأ فأي عاصم لهم عن الكذب عند الإجماع والرد عليه # فصل # قال الرافضي (2) : " وأيضا كل واحد من الأمة يجوز عليه الخطأ، فأي عاصم ~~لهم عن الكذب عند الإجماع؟ ". # والجواب: أن يقال: من المعلوم أن الإجماع إذا حصل [حصل له] من الصفات ما ~~ليس للآحاد (3) ، لم يجز أن يجعل حكم الواحد الاجتماع، فإن كل واحد من ~~المخبرين يجوز عليه الغلط والكذب، فإذا انتهى المخبرون إلى حد التواتر ~~امتنع عليهم الكذب والغلط. # وكل واحد من اللقم والجرع والأقداح لا يشبع ولا يروي ولا يسكر؛ فإذا ~~اجتمع من ذلك عدد كثير أشبع وأروى وأسكر، وكل واحد من الناس لا يقدر على ~~قتال العدو فإذا اجتمع طائفة كثيرة قدروا على القتال؛ فالكثرة (4) تؤثر في ~~زيادة القوة وزيادة العلم وغيرهما؛ ولهذا قد يخطئ PageV08P357 # الواحد والاثنان في مسائل الحساب؛ فإذا كثر العدد امتنع ذلك فيما لم يكن ~~يمتنع في حال الانفراد. ونحن نعلم بالاضطرار أن علم الاثنين أكثر من علم ~~أحدهما إذا انفرد وقوتهما أكثر من قوته؛ فلا يلزم من وقوع الخطأ حال ~~الانفراد وقوعه حال الكثرة. # قال تعالى: {أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} [سورة البقرة: 282] . # والناس في الحساب قد يخطئ الواحد منهم ولا تخطئ الجماعة كالهلال فقد يظنه ~~الواحد هلالا وليس كذلك؛ فأما العدد الكثير فلا يتصور فيهم الغلط. # ونعلم أن المسلمين إذا اجتمعوا وكثروا يكون داعيهم إلى الفواحش والظلم ~~أقل من داعيهم إذا كانوا قليلا فإنهم في حال الاجتماع لا يجتمعون على ~~مخالفة شرائع الإسلام كما يفعله الواحد والاثنان؛ فإن الاجتماع والتمدن لا ~~يمكن إلا مع قانون عدلي فلا يمكن أهل مدينة أن يجتمعوا على إباحة ظلم بعضهم ~~بعضا مطلقا ; لأنه لا حياة لهم مع ذلك، بل نجد الأمير ms2042 إذا ظلم بعض الرعية ~~فلا بد أن يكون بعض أصحابه لا يظلم حين يظلم الرعية، وما استووا كلهم [فيه] ~~(1) فليس فيه ظلم من بعضهم لبعض ومعلوم أن المجموع قد خالف حكمه حكم ~~الأفراد سواء كان اجتماع أعيان أو أعراض. # ومن الأمثال التي يضربها المطاع لأصحابه: أن السهم الواحد (2) ~~PageV08P358 # يمكن كسره، وإذا اجتمعت السهام لم (1) يمكن كسرها والإنسان قد يغلبه عدوه ~~ويهزمه، فإذا صاروا عددا كثيرا لم يمكن ذلك، كما كان يمكنه حال الانفراد. # وأيضا فإن كان الإجماع قد يكون خطأ؛ لم يثبت أن عليا معصوم فإنه إنما ~~علمت عصمته بالإجماع على أنه لا معصوم سواه؛ فإذا جاز كون الإجماع أخطأ (2) ~~أمكن أن يكون في الأمة معصوم غيره وحينئذ فلا يعلم أنه هو المعصوم. # فتبين أن قدحهم في الإجماع يبطل الأصل الذي اعتمدوا عليه في إمامة ~~المعصوم وإذا بطل أنه معصوم بطل أصل مذهب الرافضة؛ فتبين أنهم إن قدحوا في ~~الإجماع بطل أصل مذهبهم وإن سلموا أنه حجة بطل مذهبهم فتبين بطلان مذهبهم ~~(3) على التقديرين. ### | فصل قال الرافضي لو أجمعوا على خلاف النص على علي لكان خطأ عندهم والرد عليه # فصل. # قال الرافضي (4) : " وقد بينا ثبوت النص الدال على إمامة أمير المؤمنين ~~فلو أجمعوا على خلافه لكان (5) خطأ، لأن الإجماع الواقع على خلاف النص يكون ~~عندهم خطأ ". PageV08P359 # والجواب من وجوه: أحدها: أنه قد تقدم ببيان بطلان كل ما دل على أنه إمام ~~قبل الثلاثة. # الثاني: أن النصوص إنما دلت على خلافة الثلاثة قبله. # الثالث: أن يقال: الإجماع المعلوم حجة قطعية لا سمعية لا سيما مع النصوص ~~الكثيرة الموافقة له؛ فلو قدر ورود خبر يخالف الإجماع كان باطلا؛ إما لكون ~~الرسول لم يقله وإما لكونه لا دلالة فيه. # الرابع: أنه يمتنع تعارض النص المعلوم والإجماع المعلوم (1) ، فإن كليهما ~~حجة قطعية، والقطعيات لا يجوز تعارضها لوجوب وجود مدلولاتها فلو تعارضت لزم ~~الجمع بين النقيضين. وكل من ادعى إجماعا يخالف نصا فأحد الأمرين لازم؛ إما ~~بطلان إجماعه، وإما بطلان نصه وكل نص اجتمعت (2) الأمة ms2043 على خلافه فقد علم ~~النص الناسخ له. # وأما أن يبقى (3) في الأمة نص معلوم والإجماع مخالف له؛ فهذا غير واقع ~~وقد دل الإجماع المعلوم والنص المعلوم على خلافة الصديق - رضي الله عنه - ~~وبطلان غيرها. ونص الرافضة مما نحن نعلم كذبه بالاضطرار وعلى كذبه أدلة ~~كثيرة. PageV08P360 ### | فصل قول الرافضي برد حديث اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر والرد عليه # فصل. # قال الرافضي (1) : " الثاني: ما رووه (2) عن النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- أنه قال: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» . والجواب: المنع من ~~الرواية ومن دلالتها على الإمامة؛ فإن (3) الاقتداء بالفقهاء لا يستلزم ~~كونهم أئمة، وأيضا فإن أبا بكر وعمر قد (4) اختلفا في كثير من الأحكام فلا ~~يمكن الاقتداء بهما وأيضا فإنه معارض لما (5) رووه من قوله: " «أصحابي ~~كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم مع إجماعهم على انتفاء إمامتهم» ". # والجواب من وجوه: # أحدها: أن يقال: هذا الحديث بإجماع أهل العلم بالحديث أقوى من النص الذي ~~يروونه في إمامة علي؛ فإن هذا أمر معروف في كتب أهل الحديث المعتمدة. ورواه ~~أبو داود في سننه، وأحمد في مسنده والترمذي في جامعه (6) . PageV08P361 # وأما النص على علي فليس في شيء من كتب أهل الحديث المعتمدة وأجمع أهل ~~الحديث على بطلانه حتى قال أبو محمد بن حزم (1) : وما وجدنا قط رواية عن ~~أحد في هذا النص المدعى إلا رواية واهية عن مجهول إلى مجهول (2) يكنى أبا ~~الحمراء لا نعرف (3) من هو في الخلق. # فيمتنع أن يقدح في هذا الحديث مع تصحيح النص على علي. # وأما الدلالة فالحجة (4) في قوله: " «باللذين من بعدي» " أخبر أنهما من ~~بعده، وأمر بالاقتداء بهما فلو كانا ظالمين أو كافرين (5) في كونهما بعده ~~لم يأمر بالاقتداء بهما فإنه لا يأمر بالاقتداء بالظالم، فإن الظالم لا ~~يكون قدوة يؤتم به بدليل قوله: {لا ينال عهدي الظالمين} [سورة البقرة: 124] ~~فدل على أن الظالم لا يؤتم به. والائتمام هو الاقتداء؛ فلما أمر بالاقتداء ~~بمن بعده والاقتداء هو الائتمام مع إخباره أنهما يكونان بعده دل على أنهما ms2044 ~~إمامان [قد أمر بالائتمام بهما] (6) بعده، وهذا هو المطلوب. # وأما قوله: " اختلفا في كثير من الأحكام " فليس الأمر كذلك، بل ~~PageV08P362 # لا يكاد يعرف اختلاف أبي بكر وعمر إلا في الشيء اليسير. والغالب أن يكون ~~عن أحدهما فيه روايتان كالجد مع الإخوة؛ فإن عمر عنه فيه روايتان إحداهما ~~كقول أبي بكر. # وأما اختلافهما في قسمة الفيء: هل يسوى فيه بين الناس، أو يفضل؟ فالتسوية ~~جائزة بلا ريب، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقسم الفيء والغنائم ~~فيسوى بين الغانمين ومستحقي الفيء. # والنزاع في جواز التفضيل، وفيه للفقهاء قولان، هما روايتان عن أحمد. ~~والصحيح جوازه للمصلحة؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفضل أحيانا ~~في قسمة الغنائم والفيء، وكان يفضل السرية في البدأة: الربع بعد الخمس، وفي ~~الرجعة: الثلث بعد الخمس؛ فما فعله الخليفتان فهو جائز؛ مع أنه قد روى عن ~~عمر أنه اختار في آخر عمره التسوية وقال لئن عشت إلى قابل لأجعل الناس بابا ~~(1) واحدا ". # وروي عن عثمان التفضيل وعن علي التسوية؛ ومثل هذا لا يسوغ فيه إنكار إلا ~~أن يقال: فضل من لا يستحق التفضيل كما أنكر على عثمان في بعض قسمه؛ وأما ~~تفضيل عمر فما بلغنا أن أحدا ذمه فيه. # وأما تنازعهما في تولية خالد وعزله فكل منهما فعل ما كان أصلح؛ فكان ~~الأصلح لأبي بكر تولية خالد؛ لأن أبا بكر ألين من عمر، فينبغي لنائبه أن ~~يكون أقوى من نائب عمر، فكانت استنابة عمر لأبي عبيدة [أصلح له] (2) ~~واستنابة أبي بكر لخالد أصلح له، ونظائر هذا متعددة. PageV08P363 # وأما الأحكام التي هي شرائع كلية فاختلافهما فيها: إما نادر وإما معدوم، ~~وإما لأحدهما فيه قولان. # وأيضا فيقال: النص يوجب الاقتداء بهما فيما اتفقا عليه وفيما اختلفا فيه ~~فتسويغ كل منهما المصير إلى قول الآخر متفق عليه بينهما فإنهما اتفقا على ~~ذلك. # وأيضا فإذا كان الاقتداء بهما يوجب الائتمام بهما فطاعة كل منهما إذا كان ~~إماما وهذا هو المقصود، وأما بعد زوال إمامته فالاقتداء بهما أنهما إذا ~~تنازعا ms2045 رد ما تنازعا فيه إلى الله والرسول. # وأما قوله: " «أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم» "، فهذا الحديث ~~ضعيف ضعفه أهل (1) الحديث؛ قال البزار: هذا حديث لا يصح عن رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم -، وليس هو في كتب الحديث المعتمدة (2) . # وأيضا فليس فيه لفظ (بعدي) والحجة هناك قوله (بعدي) . # وأيضا فليس فيه الأمر بالاقتداء بهم وهذا فيه الأمر بالاقتداء بهم. ### | فصل رد الرافضي لكثير مما ورد في فضائل أبي بكر رضي الله عنه والرد عليه # فصل. # قال الرافضي (3) : " الثالث ما ورد فيه من الفضائل كآية (4) PageV08P364 # الغار وقوله تعالى: {وسيجنبها الأتقى} [سورة الليل: 17] ، وقوله: {قل ~~للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد} [سورة الفتح: 16] ~~والداعي هو أبو بكر: وكان أنيس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العريش ~~يوم بدر، وأنفق على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتقدم في الصلاة ". # قال (1) : " والجواب أنه لا فضيلة له في الغار لجواز أن يستصحبه حذرا منه ~~لئلا يظهر أمره. # وأيضا فإن الآية تدل على نقيضه (2) لقوله: {لا تحزن} فإنه يدل على خوره ~~(3) وقلة صبره (4) ، وعدم يقينه بالله تعالى وعدم رضا بمساواته (5) النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - وبقضاء الله وقدره ; ولأن الحزن إن كان طاعة استحال ~~أن ينهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان معصية كان ما ادعوه من ~~الفضيلة رذيلة (6) . # وأيضا فإن القرآن حيث ذكر إنزال السكينة على رسول الله PageV08P365 # شرك (1) معه المؤمنين إلا في هذا الموضع ولا نقص (2) أعظم منه. # وأما: {وسيجنبها الأتقى} ، فإن (3) المراد «أبو الدحداح، حيث اشترى نخلة ~~شخص لأجل جاره، وقد عرض (4) النبي - صلى الله عليه وسلم - على صاحب النخلة ~~نخلة في الجنة، فأبى فسمع أبو الدحداح فاشتراها ببستان له ووهبها الجار (5) ~~؛ فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - عوضها له بستانا في الجنة» (6) . # وأما قوله تعالى: {قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد} ~~[سورة الفتح: 16] (7) ، [يريد سندعوكم إلى قوم] (8) ، فإنه أراد الذين ~~تخلفوا عن الحديبية. والتمس هؤلاء أن يخرجوا إلى غنيمة خيبر فمنعهم الله ms2046 ~~تعالى بقوله: PageV08P366 # {قل لن تتبعونا} [سورة الفتح: 15] لأنه تعالى جعل غنيمة خيبر لمن شهد ~~الحديبية، ثم قال: {قل للمخلفين من الأعراب ستدعون} [سورة الفتح: 16] يريد ~~سندعوكم (1) فيما بعد إلى قتال قوم أولي بأس شديد، وقد دعاهم رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - إلى غزوات كثيرة (2) : كمؤتة وحنين، وتبوك، وغيرهما؛ ~~فكان (3) الداعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. # وأيضا جاز أن يكون [علي] هو الداعي (4) ، حيث قاتل الناكثين والقاسطين ~~والمارقين؛ وكان رجوعهم إلى طاعته [إسلاما] (5) لقوله عليه الصلاة والسلام: ~~«يا علي حربك حربي» ، وحرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفر. # وأما كونه أنيسه في العريش (6) يوم بدر فلا فضل فيه؛ لأن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - كان أنسه بالله تعالى مغنيا له عن كل أنيس؛ لكن لما عرف ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أمره PageV08P367 # لأبي بكر بالقتال (1) يؤدي إلى فساد الحال حيث هرب عدة مرات (2) في ~~غزواته. وأيما (3) أفضل: القاعد عن القتال، أو المجاهد (4) بنفسه في (5) ~~سبيل الله؟ . # وأما إنفاقه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكذب ; لأنه لم يكن ذا ~~مال، فإن أباه كان فقيرا في الغاية، وكان ينادي على مائدة عبد الله بن ~~جدعان بمد (6) كل يوم (7) يقتات به؛ فلو كان أبو بكر غنيا لكفى أباه. وكان ~~أبو بكر في الجاهلية معلما للصبيان وفي الإسلام كان خياطا (8) ، ولما ولي ~~أمر المسلمين منعه الناس عن الخياطة فقال: إني محتاج إلى (9) القوت فجعلوا ~~له كل يوم (10) ثلاثة دراهم من بيت المال (11) ، والنبي - صلى PageV08P368 # الله عليه وسلم - كان قبل الهجرة غنيا بمال خديجة (1) ، ولم يحتج إلى ~~الحرب وتجهيز الجيوش. وبعد الهجرة لم يكن لأبي بكر البتة شيء (2) ، ثم لو ~~أنفق لوجب أن ينزل فيه قرآن، كما نزل في علي: {هل أتى} [سورة الإنسان: 1] . # ومن المعلوم أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] أشرف من الذين (3) تصدق ~~عليهم أمير المؤمنين، والمال الذي يدعون إنفاقه أكثر (4) ، فحيث لم ينزل ~~فيه قرآن؛ دل (5) على كذب النقل. # وأما تقديمه في الصلاة (6) فخطأ؛ لأن بلالا ms2047 لما أذن بالصلاة أمرته عائشة ~~أن يقدم أبا بكر، ولما أفاق النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع التكبير ~~فقال: من يصلي (7) بالناس؟ فقالوا: أبو بكر، PageV08P369 # فقال (1) : أخرجوني فخرج بين علي والعباس فنحاه (2) عن القبلة وعزله عن ~~الصلاة (3) وتولى هو الصلاة (4) ". # قال الرافضي: " فهذه حال (5) أدلة القوم (6) ، فلينظر العاقل بعين ~~الإنصاف وليقصد اتباع الحق (7) دون اتباع الهوى، ويترك تقليد الآباء ~~والأجداد؛ فقد نهى الله تعالى [في كتابه] (8) عن ذلك ولا تلهيه الدنيا عن ~~إيصال الحق [إلى] (9) مستحقه، ولا PageV08P370 # يمنع المستحق عن حقه (1) ، فهذا آخر ما أردنا (2) إثباته في هذه المقدمة ~~(3) . # والجواب أن يقال: في هذا الكلام من الأكاذيب والبهت والفرية ما لا يعرف ~~مثله لطائفة من طوائف المسلمين، ولا ريب أن الرافضة فيهم شبه قوي من ~~اليهود؛ فإنهم قوم بهت يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، ويأبى الله إلا ~~أن يتم نوره ولو كره الكافرون. # وظهور فضائل شيخي الإسلام: أبي بكر وعمر أظهر بكثير عند كل عاقل من فضل ~~غيرهما؛ فيريد هؤلاء الرافضة قلب الحقائق، ولهم نصيب من قوله تعالى: {فمن ~~أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه} [سورة الزمر: 32] ، {فمن أظلم ~~ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون} [سورة يونس: ~~17] ونحو هذه الآيات. # فإن (4) القوم من أعظم الفرق تكذيبا بالحق وتصديقا بالكذب؛ وليس في الأمة ~~من يماثلهم في ذلك. PageV08P371 # أما قوله: " لا فضيلة في الغار ". # فالجواب: أن الفضيلة في الغار ظاهرة بنص القرآن لقوله تعالى: {إذ يقول ~~لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} [سورة التوبة: 40] فأخبر الرسول [- صلى الله ~~عليه وسلم -] (1) أن الله معه ومع صاحبه كما قال لموسى وهارون: {إنني معكما ~~أسمع وأرى} [سورة طه: 46] . # وقد أخرجا (2) في الصحيحين من حديث أنس عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه ~~-، قال «نظرت إلى إقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول ~~الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا فقال: " يا أبا بكر ما ظنك باثنين ~~الله ثالثهما» " (3) . # وهذا الحديث مع ms2048 كونه مما اتفق أهل العلم بالحديث على صحته وتلقيه بالقبول ~~والتصديق فلم يختلف في ذلك اثنان منهم، فهو مما دل القرآن على معناه يقول: ~~{إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} [سورة التوبة: 40] . # والمعية في كتاب الله على وجهين: عامة وخاصة؛ فالعامة كقوله تعالى: ~~PageV08P372 # {هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما ~~يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ~~ما كنتم} الآية [سورة الحديد: 4] (1) . # وقوله: {ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من ~~نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر ~~إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء ~~عليم} [سورة المجادلة: 7] . # فهذه المعية عامة لكل متناجين (2) ، وكذلك الأولى عامة لجميع الخلق. # ولما أخبر سبحانه في المعية أنه رابع الثلاثة وسادس الخمسة، قال النبي - ~~صلى الله عليه وسلم -: " «ما ظنك باثنين الله ثالثهما» "، فإنه لما كان ~~معهما كان ثالثهما كما دل القرآن على معنى الحديث الصحيح. وإن كان هذه معية ~~خاصة وتلك عامة. # وأما المعية الخاصة فكقوله تعالى لما قال لموسى وهارون: {لا تخافا إنني ~~معكما أسمع وأرى} [سورة طه: 46] ، فهذا تخصيص لهما دون فرعون وقومه فهو مع ~~موسى وهارون دون فرعون. # وكذلك لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر: " {لا تحزن إن ~~الله معنا} " (3) كان معناه: إن الله معنا دون المشركين الذين يعادونهما ~~PageV08P373 # ويطلبونهما كالذين كانوا فوق الغار ولو نظر أحدهم (1) إلى قدميه لأبصر ما ~~تحت قدميه. # وكذلك قوله تعالى: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} [سورة ~~النحل: 128] ، فهذا تخصيص لهم دون الفجار والظالمين وكذلك قوله تعالى: {إن ~~الله مع الصابرين} [سورة البقرة: 153] تخصيص لهم (2) دون الجازعين. # وكذلك قوله تعالى: {ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني ~~عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم ms2049 الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم ~~برسلي} الآية [سورة المائدة: 12] ، وقال: {إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني ~~معكم فثبتوا الذين آمنوا} [سورة الأنفال: 12] . # وفي ذكره (3) سبحانه للمعية عامة تارة وخاصة أخرى: ما يدل على أنه ليس ~~المراد بذلك (4) أنه بذاته في كل مكان، أو أن وجوده عين وجود المخلوقات، ~~ونحو ذلك من مقالات الجهمية الذين يقولون بالحلول العام والاتحاد العام أو ~~الوحدة (5) العامة ; لأنه على هذا القول لا يختص بقوم دون قوم ولا مكان دون ~~مكان، بل هو في الحشوش على هذا القول [وأجواف البهائم] (6) ، كما هو فوق ~~العرش [فإذا أخبر أنه مع قوم دون قوم كان هذا مناقضا لهذا المعنى ; لأنه ~~على هذا القول لا يختص PageV08P374 # بقوم دون قوم، ولا مكان دون مكان، بل هو في الحشوش على هذا القول كما هو ~~فوق العرش] (1) . # والقرآن يدل على اختصاص المعية تارة وعمومها أخرى؛ فعلم أنه ليس المراد ~~بلفظ " المعية " اختلاطه. # وفي هذا أيضا رد على من يدعي أن ظاهر القرآن هو الحلول؛ لكن يتعين تأويله ~~على خلاف ظاهره، ويجعل ذلك أصلا يقيس عليه ما يتأوله من النصوص. # فيقال له: قولك إن القرآن يدل على ذلك خطأ كما أن قول قرينك الذي اعتقد ~~هذا المدلول خطأ، وذلك لوجوه. # أحدها: أن لفظ (مع) في لغة العرب إنما تدل على المصاحبة والموافقة ~~والاقتران، ولا تدل على أن الأول مختلط بالثاني في عامة موارد الاستعمال. # كقوله تعالى: {محمد رسول الله والذين معه} [سورة الفتح: 29] لم يرد أن ~~ذواتهم مختلطة بذاته. # وقوله: {اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [سورة التوبة: 119] . # وكذلك قوله: {والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم} ~~[سورة الأنفال: 75] . # وكذلك قوله عن نوح: {وما آمن معه إلا قليل} [سورة هود: 40] . PageV08P375 # وقوله عن نوح أيضا: {فأنجيناه والذين معه في الفلك} الآية [سورة الأعراف: ~~64] . # وقوله عن هود: {فأنجيناه والذين معه برحمة منا} [سورة الأعراف: 72] (1) . # وقول قوم شعيب: {لنخرجنك ياشعيب والذين آمنوا معك من قريتنا} [سورة ~~الأعراف: 88] . # وقوله: {إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله ms2050 ~~فأولئك مع المؤمنين} الآية (2) [سورة النساء: 146] . # وقوله: {وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} ~~[سورة الأنعام: 68] . # وقوله: {ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم ~~لمعكم} [سورة المائدة: 53] . # وقوله: {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل ~~الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم} [سورة الحشر: 11] . # وقوله عن نوح: {اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم ~~سنمتعهم} [سورة هود: 48] . # وقوله: {وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع ~~القوم الظالمين} [سورة الأعراف: 47] . PageV08P376 # وقوله: {فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود ~~أول مرة فاقعدوا مع الخالفين} [سورة التوبة: 83] . # وقوله: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} [سورة التوبة: 87] . # وقال: {لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم} [سورة ~~التوبة: 88] . # ومثل هذا كثير في كلام الله تعالى وسائر الكلام العربي. # وإذا كان لفظ " مع " إذا استعملت في كون المخلوق مع المخلوق لم تدل على ~~اختلاط ذاته بذاته؛ فهي أن لا تدل على ذلك في حق الخالق بطريق الأولى. # فدعوى ظهورها في ذلك باطل من وجهين: أحدهما: أن هذا ليس معناها (1) في ~~اللغة ولا اقترن بها في الاستعمال ما يدل على الظهور؛ فكان الظهور منتفيا ~~(2) من كل وجه. # الثاني: أنه إذا انتفى الظهور فيما هو أولى به فانتفاؤه فيما هو أبعد عنه ~~أولى. # الثاني (3) : أن القرآن قد جعل المعية خاصة أكثر مما جعلها عامة، ولو كان ~~المراد اختلاط ذاته بالمخلوقات لكانت عامة لا تقبل التخصيص. # الثالث (4) : أن سياق الكلام أوله وآخره يدل على معنى المعية، كما ~~PageV08P377 # قال تعالى في آية المجادلة: {ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في ~~الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا ~~أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم ~~القيامة إن الله بكل شيء عليم} [سورة المجادلة: 7] فافتتحها بالعلم، وختمها ~~بالعلم فعلم أنه أراد عالم ms2051 بهم لا يخفى عليه منهم خافية. # وهكذا فسرها السلف: الإمام أحمد ومن قبله من العلماء كابن عباس والضحاك ~~وسفيان الثوري. # وفي آية الحديد قال: {ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج ~~منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما ~~تعملون بصير} [سورة الحديد: 4] فختمها أيضا بالعلم وأخبر أنه مع استوائه ~~على العرش يعلم هذا كله. # كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الأوعال: " «والله فوق ~~عرشه وهو يعلم ما أنتم عليه» " (1) فهناك أخبر بعموم العلم لكل نجوى. ~~PageV08P378 # وهنا أخبر أنه مع علوه على عرشه يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج # PageV08P379 # منها (1) ، وهو مع العباد أينما كانوا: يعلم أحوالهم والله بما يعملون ~~بصير. # وأما قوله: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} [سورة النحل: 128] ~~فقد دل السياق على أن المقصود ليس مجرد علمه وقدرته، بل هو معهم في ذلك ~~بتأييده ونصره، وأنه يجعل للمتقين مخرجا ويرزقهم من حيث لا يحتسبون. # وكذلك قوله لموسى وهارون: {إنني معكما أسمع وأرى} [سورة طه: 46] فإنه ~~معهما بالتأييد والنصر والإعانة على فرعون وقومه كما إذا رأى الإنسان من ~~يخاف فقال له من ينصره: " نحن معك " أي معاونوك وناصروك على عدوك. ~~PageV08P380 # وكذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لصديقه: " إن الله معنا " يدل ~~على أنه موافق لهما بالمحبة والرضا فيما فعلاه وهو مؤيد لهما ومعين وناصر. # وهذا صريح في مشاركة الصديق للنبي في هذه المعية التي اختص بها الصديق لم ~~يشركه فيها أحد من الخلق. # والمقصود هنا أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر: " إن الله ~~معنا هي معية الاختصاص التي تدل على أنه معهم بالنصر والتأييد والإعانة على ~~عدوهم، فيكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر أن الله ينصرني وينصرك ~~يا أبا بكر على عدونا ويعيننا عليهم. # ومعلوم أن نصر الله نصر إكرام ومحبة، كما قال تعالى: {إنا لننصر رسلنا ~~والذين آمنوا في الحياة الدنيا} [سورة غافر: 51] وهذا ms2052 غاية المدح لأبي بكر؛ ~~إذ دل على أنه ممن شهد له الرسول بالإيمان المقتضي نصر الله له مع رسوله ~~(1) ، وكان متضمنا شهادة الرسول له بكمال الإيمان المقتضي نصر الله له مع ~~رسوله (2) في مثل هذه الحال التي بين الله فيها غناه عن الخلق فقال: {إلا ~~تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار} ~~[سورة التوبة: 40] . # ولهذا قال سفيان بن عيينة وغيره إن الله عاتب الخلق جميعهم في نبيه إلا ~~أبا بكر. وقال من أنكر صحبة أبي بكر فهو كافر لأنه كذب القرآن. PageV08P381 # وقال طائفة من أهل العلم كأبي القاسم السهيلي وغيره: هذه المعية الخاصة ~~لم تثبت لغير أبي بكر. # وكذلك قوله: " «ما ظنك باثنين الله ثالثهما» "؛ بل ظهر اختصاصهما في ~~اللفظ كما ظهر في المعنى فكان يقال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: " محمد ~~رسول الله؛ " فلما تولى أبو بكر بعده صاروا يقولون: " وخليفة رسول الله " ~~فيضيفون الخليفة إلى رسول الله المضاف إلى الله، والمضاف إلى المضاف مضاف ~~تحقيقا (1) لقوله: " {إن الله معنا} "، «ما ظنك باثنين الله ثالثهما» ، ثم ~~لما تولى عمر بعده صاروا يقولون: " أمير المؤمنين " فانقطع الاختصاص الذي ~~امتازه به أبو بكر عن سائر الصحابة. # ومما يبين هذا أن الصحبة فيها عموم وخصوص؛ فيقال: صحبه ساعة ويوما وجمعة ~~وشهرا وسنة وصحبه عمره كله. # وقد قال تعالى: {والصاحب بالجنب} [سورة النساء: 36] قيل: هو الرفيق في ~~السفر وقيل الزوجة وكلاهما تقل صحبته [وتكثر] (2) ، وقد سمى الله الزوجة ~~صاحبة في قوله: {أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة} [سورة الأنعام: 101] . # ولهذا قال أحمد بن حنبل في " الرسالة " التي رواها عبدوس بن مالك ~~PageV08P382 # عنه (1) : " من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة، أو شهرا (2) ، أو ~~يوما، أو ساعة (3) ، أو رآه مؤمنا (4) به فهو من أصحابه له من الصحبة على ~~قدر ما صحبه ". # وهذا قول جماهير العلماء من الفقهاء وأهل الكلام وغيرهم: يعدون في أصحابه ~~من قلت صحبته ومن كثرت، وفي ذلك خلاف ضعيف. # والدليل على قول ms2053 الجمهور ما أخرجاه في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري عن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «يأتي على الناس زمان يغزو فئام من ~~الناس، فيقال: هل فيكم من رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فيقولون: ~~نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من رأى من صحب النبي ~~- صلى الله عليه وسلم -؟ فيقولون: نعم فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس ~~فيقال: هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~فيقولون نعم فيفتح لهم» . وهذا لفظ مسلم، وله في رواية أخرى: " «يأتي على ~~الناس زمان يبعث منهم (5) البعث فيقولون: انظروا هل تجدون فيكم أحدا من ~~أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فيوجد الرجل فيفتح لهم به. ~~PageV08P383 # ثم يبعث البعث الثاني، فيقولون: هل فيكم من رأى أصحاب رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم -؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم به، ثم يبعث البعث الثالث ~~فيقال: انظروا هل ترون فيكم من رأى من رأى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - فيقولون: نعم، ثم يكون البعث الرابع فيقال: هل ترون فيكم أحدا رأى ~~من رأى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فيوجد الرجل فيفتح لهم به» ~~ولفظ البخاري ثلاث مرات (1) كالرواية الأولى؛ لكن لفظه: يأتي على الناس ~~زمان يغزو فئام من الناس، وكذلك قال في الثانية والثالثة، وقال فيها كلها: ~~(صحب) ، واتفقت الروايات على ذكر الصحابة والتابعين وتابعيهم وهم (2) ~~القرون الثلاثة وأما القرن الرابع فهو في بعضها؛ وذكر القرن الثالث ثابت في ~~المتفق عليه من غير وجه (3) . # كما في الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ~~-: " «خير أمتي القرن الذين يلونني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم ~~يجئ قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته» " (4) . PageV08P384 # وفي الصحيحين عن عمران أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «إن خيركم ~~قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم؛ قال عمران: فلا أدري أقال (1) ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم ms2054 - بعد قرنه قرنين أو ثلاثة، ثم يكون بعدهم ~~قوم (2) يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون» " ~~(3) وفي رواية: " ويحلفون ولا يستحلفون " (4) فقد شك عمران (5) في القرن ~~الرابع. # وقوله: " يشهدون ولا يستشهدون " حمله طائفة من العلماء على مطلق الشهادة ~~حتى كرهوا أن يشهد الرجل بحق قبل أن يطلب منه المشهود له إذا علم الشهادة ~~وجمعوا بذلك بين هذا وبين قوله: " «ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي ~~بالشهادة قبل أن يسألها» " (6) . # وقال طائفة أخرى: إنما المراد ذمهم على الكذب، أي يشهدون PageV08P385 # بالكذب كما ذمهم على الخيانة وترك الوفاء؛ فإن هذه [من] (1) آيات النفاق ~~التي ذكرناها في قوله: " «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، ~~وإذا اؤتمن خان» " أخرجاه في الصحيحين (2) . # وأما الشهادة بالحق إذا أداها الشاهد لمن علم أنه محتاج إليها، ولم يسأله ~~ذلك فقد قام بالقسط وأدى الواجب قبل أن يسأله، وهو أفضل ممن لا يؤديه إلا ~~بالسؤال كمن له عند غيره أمانة، فأداها قبل أن يسأله أداءها حيث يحتاج ~~إليها صاحبها وهذا أفضل من أن يحوج صاحبها إلى ذل السؤال، وهذا أظهر ~~القولين. # وهذا يشبه اختلاف الفقهاء في الخصم إذا ادعى ولم يسأل الحاكم سؤال المدعى ~~عليه هل يسأله الجواب؟ والصحيح أنه يسأله الجواب (3) ولا يحتاج ذلك إلى ~~سؤال المدعى، لأن دلالة الحال تغني عن السؤال. # ففي الحديث الأول: " «هل فيكم من رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ~~"، ثم قال: " هل فيكم [من رأى] (4) من صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم» ~~-؟ "، فدل على أن الرائي هو الصاحب، وهكذا يقول في سائر الطبقات في السؤال ~~(5) : " هل فيكم من رأى من صحب [من صحب رسول الله؟] (6) "، ثم يكون المراد ~~بالصاحب الرائي. PageV08P386 # وفي الرواية الثانية: " «هل تجدون فيكم أحدا من أصحاب رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم -؟ * ثم يقال في الثالثة: " هل فيكم من رأى [من رأى] (1) ~~أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم» -. * (2) # ومعلوم إن كان (3) الحكم لصاحب الصاحب معلقا (4) بالرؤية (5) ؛ ففي الذي ~~صحب رسول الله ms2055 - صلى الله عليه وسلم - بطريق الأولى والأحرى. # ولفظ البخاري قال فيها كلها: " صحب " وهذه الألفاظ إن (6) كانت كلها من ~~ألفاظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهي نص في المسألة؛ وإن كان قد قال ~~بعضها والراوي مثل أبي سعيد يروي اللفظ بالمعنى؛ فقد دل على أن معنى أحد ~~اللفظين عندهم هو معنى الآخر، وهم أعلم بمعاني ما سمعوه من كلام رسول الله ~~- صلى الله عليه وسلم -. # وأيضا فإن كان لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - (رأى) فقد حصل المقصود ~~وإن كان لفظه " صحب " في طبقة أو طبقات؛ فإن لم يرد به الرؤية لم يكن قد ~~بين مراده؛ فإن الصحبة اسم جنس ليس لها حد في الشرع ولا في اللغة، والعرف ~~فيها مختلف. # والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقيد الصحبة بقيد ولا قدرها بقدر؛ بل ~~علق (7) الحكم بمطلقها، ولا مطلق لها إلا الرؤية. PageV08P387 # وأيضا فإنه يقال: صحبه ساعة وصحبه سنة وشهرا فتقع على القليل والكثير ~~فإذا أطلقت من غير قيد لم يجز تقييدها بغير دليل؛ بل تحمل على المعنى ~~المشترك بين سائر موارد الاستعمال. # ولا ريب أن مجرد رؤية الإنسان لغيره لا توجب أن يقال: قد صحبه ولكن إذا ~~رآه على وجه الاتباع له والاقتداء به دون غيره والاختصاص به (1) ، ولهذا لم ~~يعتد برؤية من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكفار والمنافقين ~~فإنهم لم يروه رؤية من قصده لأن يؤمن به، ويكون من أتباعه وأعوانه المصدقين ~~له، فيما أخبر (2) المطيعين له فيما أمر الموالين له المعادين لمن عاداه ~~الذي هو أحب إليهم من أنفسهم وأموالهم وكل شيء. # وامتاز (3) [أبو بكر] عن سائر (4) المؤمنين بأن رآه وهذه حاله معه فكان ~~صاحبا له بهذا الاعتبار. # ودليل ثان ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - أنه قال: " «وددت أني رأيت إخواني " قالوا: يا رسول الله أولسنا ~~إخوانك قال: " بل أنتم أصحابي، وإخواني الذين يأتون بعدي يؤمنون بي ولم ~~يروني» " (5) . PageV08P388 # ومعلوم أن قوله: " إخواني " أراد به ms2056: إخواني الذين ليسوا بأصحابي (1) ، ~~وأما أنتم فلكم مزية الصحبة (2) ، ثم قال: " «قوم يأتون بعدي يؤمنون بي ولم ~~يروني» "؛ فجعل هذا حدا فاصلا بين إخوانه الذين ود أن يراهم وبين أصحابه؛ ~~فدل على أن من آمن به ورآه، فهو من أصحابه (3) لا من هؤلاء الإخوان الذين ~~لم يرهم ولم يروه. # فإذا عرف أن الصحبة اسم جنس تعم قليل الصحبة وكثيرها، وأدناها أن يصحبه ~~زمنا قليلا فمعلوم أن الصديق في ذروة سنام الصحبة، وأعلى مراتبها فإنه صحبه ~~من حين بعثه (4) الله إلى أن مات، وقد أجمع الناس على أنه أول من آمن به من ~~الرجال الأحرار، كما أجمعوا على أن أول من آمن به من النساء خديجة ومن ~~الصبيان علي ومن الموالي زيد بن حارثة، وتنازعوا في أول من نطق بالإسلام ~~بعد خديجة، فإن كان أبو بكر أسلم قبل علي فقد ثبت أنه أسبق صحبة كما كان ~~أسبق إيمانا، وإن كان علي أسلم قبله فلا ريب أن صحبة أبي بكر للنبي - صلى ~~الله عليه وسلم - كانت أكمل وأنفع له من صحبة علي ونحوه؛ فإنه شاركه في ~~الدعوة فأسلم على يديه أكابر أهل الشورى (5) ، كعثمان وطلحة والزبير ~~PageV08P389 # وسعد وعبد الرحمن، وكان يدفع عنه من يؤذيه، ويخرج معه إلى القبائل ويعينه ~~في الدعوة، وكان يشتري المعذبين في الله كبلال وعمار وغيرهما فإنه اشترى ~~سبعة من المعذبين في الله، فكان أنفع الناس له في صحبته مطلقا. # ولا نزاع بين أهل العلم بحال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أن ~~مصاحبة أبي بكر له كانت أكمل من مصاحبة سائر الصحابة [من وجوه] (1) : ~~أحدها: أنه كان أدوم اجتماعا به ليلا ونهارا وسفرا وحضرا كما في الصحيحين ~~عن عائشة أنها قالت: " «لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمض ~~علينا يوم إلا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتينا فيه طرفي النهار» ~~" (2) . # فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - في أول الأمر يذهب إلى أبي بكر طرفي ~~النهار، والإسلام إذا ذاك ضعيف والأعداء كثيرة، وهذا غاية الفضيلة ms2057 ~~والاختصاص في الصحبة. # وأيضا فكان أبو بكر يسمر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد العشاء ~~يتحدث معه في أمور المسلمين دون غيره من أصحابه. # وأيضا فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا استشار أصحابه أول من يتكلم ~~أبو بكر في الشورى وربما تكلم غيره، وربما لم يتكلم غيره فيعمل برأيه وحده ~~فإذا خالفه غيره اتبع رأيه دون رأي من يخالفه. PageV08P390 # فالأول كما في الصحيحين أنه شاور أصحابه في أسارى بدر فتكلم أبو بكر فروى ~~مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال: «لما أسر الأسارى يوم بدر، قال رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر: " ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ " فقال ~~أبو بكر: هم بنو العم والعشيرة، فأرى أن تقبل منهم الفدية فتكون لنا قوة ~~على الكفار فقال عمر: لا والله يا رسول الله ما أرى ما رأى أبو بكر؛ ولكن ~~أن تمكننا فنضرب أعناقهم: تمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من ~~العباس فيضرب عنقه، وتمكنني من فلان - قريب لعمر - فأضرب عنقه. وأشار ابن ~~رواحة بتحريفهم فاختلف أصحابه، فمنهم من يقول: الرأي ما رأى أبو بكر ومنهم ~~من يقول: الرأي ما رأى عمر، ومنهم من يقول: الرأي ما رأى ابن رواحة، قال: ~~فهوي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت» . ~~وذكر تمام الحديث (1) . # وأما الثاني: ففي يوم الحديبية لما شاورهم على أن يغير على ذرية الذين ~~أعانوا قريشا، أو يذهب إلى البيت؛ فمن صده قاتله، والحديث معروف (2) عند ~~أهل العلم أهل التفسير والمغازي والسير والفقه، والحديث رواه البخاري ورواه ~~أحمد في مسنده (3) . # حدثنا عبد الرزاق عن معمر، قال: قال الزهري: أخبرني عروة بن PageV08P391 # الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يصدق كل منهما صاحبه (1) ، ~~قالا: «خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمن (2) الحديبية في بضع عشرة ~~مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - الهدي وأشعره، وأحرم بعمرة (3) وبعث بين ms2058 يديه عينا له من خزاعة ~~يخبره عن قريش، وسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان بغدير ~~الأشطاط قريبا من عسفان أتاه عينه الخزاعي؛ فقال: إني قد تركت كعب بن لؤي ~~وعامر بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش» "، قال أحمد: " وقال يحيى بن سعيد عن ~~ابن المبارك " (4) : " «قد جمعوا لك الأحابيش، وجمعوا لك جموعا وهم مقاتلوك ~~وصادوك عن البيت؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أشيروا علي (5) : ~~أترون أن أميل (6) إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم؛ فإن قعدوا قعدوا ~~موتورين محروبين (7) ، وإن نجوا يكن عنقا قطعها الله، أو ترون أن نؤم ~~البيت، فمن صدنا عنه قاتلناه فقال أبو بكر: الله ورسوله أعلم يا نبي الله؛ ~~إنما جئنا معتمرين ولم نجئ لقتال أحد (8) ، ولكن من PageV08P392 # حال بيننا وبين البيت قاتلناه، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ~~فروحوا إذا» ". قال الزهري: «وكان أبو هريرة يقول: ما رأيت أحدا قط كان ~~أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم» - (1) ، قال ~~الزهري: حديث (2) المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم: فراحوا حتى إذا كانوا ~~ببعض الطريق ". # ومن هنا رواه البخاري من طريق ورواه في المغازي والحج (3) . # وقال الزهري في حديث المسور الذي اتفق عليه أحمد والبخاري (4) «حتى إذا ~~كانوا ببعض الطريق قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن خالد بن الوليد ~~بالغميم في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين، فوالله ما شعر بهم خالد حتى ~~إذا هم (5) بقترة الجيش؛ فانطلق يركض نذيرا لقريش، وسار النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - حتى إذا كان بالثنية التي يهبط PageV08P393 # عليهم منها بركت به راحلته فقال الناس (1) : حل حل فألحت فقالوا خلأت ~~القصواء خلأت القصواء (2) ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -، " ما خلأت ~~[القصواء] (3) وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل؛ ثم قال: " والذي ~~نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها "، ثم ~~زجرها فوثبت، قال: فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء ~~يتبرضه الناس تبرضا، فلم يلبث ms2059 الناس أن نزحوه وشكوا (4) إلى رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم - العطش، فانتزع سهما من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه ~~فيه (5) فوالله ما زال يجيش لهم بالري (6) حتى صدروا عنه، فبينما هم كذلك ~~إذا جاء بديل بن ورقاء الخزاعي ونفر (7) من قومه من خزاعة وكانوا عيبة نصح ~~رسول (8) الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل تهامة» " وفي لفظ لأحمد: " ~~مسلمهم ومشركهم (9) " «فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد ~~مياه الحديبية ومعهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت. ~~PageV08P394 # فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكنا ~~جئنا معتمرين؛ فإن قريشا قد نهكتهم الحرب، وأضرت بهم؛ فإن شاءوا ماددتهم ~~مدة ويخلوا بيني وبين الناس؛ فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه ~~الناس فعلوا وإلا فقد جموا (1) وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على ~~أمري هذا حتى تنفرد سالفتي ولينفذن (2) الله أمره ". قال بديل: " سأبلغهم ~~ما تقول فانطلق حتى أتى قريشا؛ فقال: إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل ~~وسمعناه يقول قولا؛ فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا، فقال سفهاؤهم: لا حاجة ~~لنا أن تخبرنا عنه بشيء، وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته يقول، قال ~~سمعته يقول: كذا وكذا فحدثهم بما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~فقام عروة بن مسعود، فقال: أي قوم ألستم بالوالد؟ (3) قالوا: بلى، قال: ~~أولست بالولد (4) ؟ ، قالوا: بلى، قال: فهل تتهموني؟ قالوا: لا، قال: ألستم ~~تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا (5) علي جئتكم بأهلي وولدي ومن ~~أطاعني؟ قالوا: بلى، قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها منه (6) ~~ودعوني آته، قالوا: ائته، فأتاه PageV08P395 # فجعل يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فقال النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - له نحوا من قوله لبديل، فقال عروة عند ذلك: أي محمد، أرأيت إن ~~استأصلت قومك (1) ، هل سمعت أحدا من العرب (2) اجتاح أصله (3) قبلك؟ وإن ~~تكن الأخرى، فإني والله لأرى (4) وجوها وإني لأرى أوباشا (5) من الناس ms2060 ~~خليقا أن يفروا ويدعوك، ولفظ أحمد: " خلقاء أن يفروا ويدعوك (6) " فقال ~~[له] (7) أبو بكر: - رضي الله عنه -: امصص بظر اللات (8) أنحن نفر عنه ~~وندعه؟ فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر، قال: أما والذي نفسي بيده لولا يد ~~كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك، وجعل يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~فكلما كلمه أخذ بلحيته، والمغيرة قائم على رأس رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - ومعه السيف وعليه المغفر؛ فكلما أهوى عروة بيده إلى رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - ضرب يده بنعل (9) السيف، ويقول: أخر يدك عن لحية رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم -، فرفع عروة رأسه (10) فقال: من ذا (11) ؟ ~~قالوا: المغيرة بن شعبة. PageV08P396 # قال: أي غدر، أولست أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قوما (1) في ~~الجاهلية، فقتلهم وأخذ أموالهم، [ثم جاء فأسلم] (2) ، فقال النبي - صلى ~~الله عليه وسلم -: " أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء. ثم إن ~~عروة جعل يرمق أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعينيه (3) ؛ قال: ~~فوالله ما تنخم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نخامة إلا وقعت في كف رجل ~~منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا ~~يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم [عنده] (4) وما يحدون النظر ~~إليه تعظيما له، فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم [والله] (5) لقد وفدت ~~على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي؛ والله إن رأيت ملكا عظيما (6) ~~قط يعظمه أصحابه (7) ما يعظم أصحاب محمد محمدا، والله إن تنخم بنخامة إلا ~~وقعت في يد (8) رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، ~~وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده (9) . ~~PageV08P397 # وما يحدون النظر إليه تعظيما له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها؛ ~~فقال رجل من كنانة (1) : دعوني آته، فقالوا: ائته، فلما أشرف على النبي - ~~صلى الله عليه وسلم -[وأصحابه (2) ] قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ~~هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن، فابعثوها له " [فبعثت له ms2061] واستقبله (3) ~~الناس يلبون، فلما رأى ذلك قال: سبحان الله، ما ينبغي لهذا أن يصد (4) عن ~~البيت. فلما رجع إلى أصحابه، قال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت (5) ، فما أرى ~~أن يصد (6) عن البيت؛ فقام رجل يقال له مكرز بن حفص فقال: دعوني آته (7) ؛ ~~فلما أشرف عليهم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " هذا مكرز بن حفص وهو ~~رجل فاجر " فجعل يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - فبينما هو يكلمه جاء ~~سهيل بن عمرو. قال معمر: فأخبرني أيوب عن عكرمة أنه لما جاء سهيل قال النبي ~~- صلى الله عليه وسلم -: " قد سهل لكم من أمركم "، قال معمر عن الزهري في ~~حديثه: فجاء سهيل، فقال له: هات اكتب بيننا وبينك (8) كتابا، فدعا النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - الكاتب فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ~~PageV08P398 # اكتب (1) بسم الله الرحمن الرحيم " فقال سهيل: أما الرحمن فما أدري (2) ~~ما هو، ولكن اكتب: باسمك اللهم، كما كنت تكتب فقال المسلمون: والله لا ~~نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ~~اكتب باسمك اللهم "، ثم قال: " هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله "؛ فقال ~~سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ~~ولكن اكتب: محمد بن عبد الله؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " والله ~~إني لرسول الله وإن كذبتموني؛ اكتب: محمد بن عبد الله ". قال الزهري: وذلك ~~لقوله: " لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ". قال ~~النبي - صلى الله عليه وسلم -: " على أن تخلوا (3) بيننا وبين المسجد ~~الحرام نطوف به " (4) ؛ فقال سهيل: والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة، ~~ولكن ذاك (5) من العام المقبل (6) فكتب، وقال سهيل: وعلى أن (7) لا يأتيك ~~منا رجل، وإن كان على دينك إلا رددته إلينا قال المسلمون: سبحان الله! كيف ~~يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما؟ فبينما هم كذلك إذ جاء (8) أبو جندل بن ~~سهيل PageV08P399 # بن عمرو يرسف في قيوده، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين ms2062 أظهر ~~المسلمين؛ فقال سهيل: هذا يا محمد (1) أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي؛ ~~قال: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إنا لم نقض الكتاب بعد قال: ~~فوالله إذا لا أصالحك على شيء أبدا؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ~~فأجزه لي " قال: ما أنا مجيزه (2) ، قال: " بلى فافعل " قال: ما أنا بفاعل؛ ~~قال مكرز: بلى قد أجزناه لك، قال أبو جندل: أي معاشر المسلمين أرد إلى ~~المشركين وقد جئت مسلما ألا ترون ما قد لقيت، وقد كان (3) عذب عذابا شديدا ~~في الله فقال عمر (4) : فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت ألست نبي ~~الله حقا؟ قال: بلى، قال: قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: ~~بلى، قلت: فلم نعطي (5) الدنية في ديننا إذا؟ قال: " إني رسول الله ولست ~~أعصيه، وهو ناصري "؛ قلت: أولست كنت تحدثنا: أنا سنأتي البيت فنطوف به (6) ~~؟ قال: " فأخبرتك أنك آتيه (7) العام؟ " قلت: لا، قال: " فإنك آتيه ومطوف ~~به " (8) قال (9) : فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر: أليس PageV08P400 # هذا نبي الله حقا؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ ~~قال: بلى (1) ، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: أيها الرجل إنه ~~رسول الله، وليس يعصي ربه، وهو ناصره فاستمسك بغرزه (2) فوالله [إنه] على ~~الحق (3) ، قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، ~~أفأخبرك أنك (4) تأتيه العام (5) ؟ قلت: لا قال فإنك آتيه ومطوف به؛ قال ~~عمر (6) : فعملت لذلك أعمالا، قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله ~~- صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: " قوموا فانحروا، ثم احلقوا " قال: فوالله ~~ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات؛ فلما لم يقم أحد (7) دخل على أم ~~سلمة فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك، اخرج ~~ولا تكلم أحدا منهم (8) ، * حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك [فيحلقك] (9) ، فخرج ~~فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك فنحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه * (10) ، فلما ~~رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل ms2063 بعضهم يحلق بعضا حتى PageV08P401 # كاد بعضهم يقتل بعضا غما، ثم جاء (1) نسوة مؤمنات فأنزل الله تعالى: ~~{ياأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم ~~بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار} إلى قوله: {ولا ~~تمسكوا بعصم الكوافر} [سورة الممتحنة: 10] فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له ~~في الشرك؛ فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية. ثم ~~رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة؛ فجاء (2) أبو بصير رجل من ~~قريش وهو مسلم (3) فأرسلوا في طلبه رجلين، فقالوا: العهد الذي جعلت لنا ~~فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة؛ فنزلوا يأكلون من تمر ~~لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا، ~~فاستله الآخر فقال: أجل والله إنه لجيد، لقد جربت به، ثم جربت، فقال أبو ~~بصير: أرني أنظر إليه فأمكنه [منه] (4) ، فضرب به حتى برد، وفر الآخر حتى ~~آتى المدينة فدخل المسجد يعدو فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - حين رآه ~~لقد رأى هذا ذعرا فلما انتهى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قتل ~~والله صاحبي وإني لمقتول فجاء أبو بصير - رضي الله عنه - فقال: يا نبي الله ~~قد وفى بذمتك (5) ، فلقد رددتني إليهم، ثم أنجاني PageV08P402 # الله منهم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ويل أمه مسعر حرب، لو ~~كان له أحد " فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم؛ فخرج حتى أتى سيف البحر، ~~قال: وتفلت منهم أبو جندل (1) بن سهيل - رضي الله عنه -؛ فلحق بأبي بصير ~~فجعل لا يخرج من قريش رجل قد (2) أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم ~~عصابة؛ قال: فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوها (3) ~~، فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~تناشده الله والرحم إلا أرسل إليهم: فمن أتاه منهم فهو آمن، فأرسل النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - إليهم وأنزل الله عز وجل: {وهو الذي كف أيديهم عنكم ~~وأيديكم عنهم ببطن مكة} [سورة ms2064 الفتح: 24] حتى بلغ: {حمية الجاهلية} [سورة ~~الفتح: 26] وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله ولم يقروا ب " بسم ~~الله الرحمن الرحيم " وحالوا بينهم وبين البيت» " رواه البخاري عن عبد الله ~~بن محمد المسندي (4) عن عبد الرازق (5) ورواه أحمد عن عبد الرازق (6) ، وهو ~~PageV08P403 # أجل قدرا من المسندي شيخ البخاري؛ فما فيه من زيادة هي أثبت مما في ~~البخاري. # وفي الصحيحين عن البراء بن عازب، قال: «كتب علي بن أبي طالب (1) الصلح ~~بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين المشركين يوم الحديبية؛ فكتب: هذا ~~ما كاتب عليه محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: لا تكتب رسول ~~الله؛ لو نعلم أنك رسول الله لم نقاتلك؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~لعلي: " امحه "، فقال: " ما أنا بالذي أمحوه " قال: فمحاه النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - بيده (2) ، قال: وكان فيما اشترطوا عليه أن يدخلوا فيقيموا بها ~~(3) ثلاثا، ولا يدخلوا بسلاح إلا جلبان السلاح. قال شعبة: قلت لأبي إسحاق: ~~وما جلبان السلاح؟ قال: القراب وما فيه» " (4) . PageV08P404 # وفي الصحيحين عن أبي وائل قال: «قام سهل بن حنيف يوم صفين فقال: يا أيها ~~الناس اتهموا أنفسكم وفي لفظ اتهموا رأيكم على دينكم؛ لقد كنا [مع رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم -] (1) يوم الحديبية؛ ولو نرى قتالا لقاتلنا ~~وذلك في الصلح الذي كان بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين ~~المشركين وجاء (2) عمر، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا ~~رسول الله ألسنا على حق وهم على باطل قال: " بلى "، قال: أليس قتلانا في ~~الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: " بلى "، قال: ففيم (3) نعطي الدنية في ~~ديننا؟ ، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؛ قال: " يا ابن الخطاب إني ~~رسول الله ولن يضيعني الله أبدا "، قال: فانطلق عمر فلم يصبر متغيظا فأتى ~~أبا بكر، فقال: يا أبا بكر ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال: بلى، قال: أليس ~~قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ~~ديننا ونرجع ولما ms2065 يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال: يا ابن الخطاب إنه رسول ~~الله ولن يضيعه الله أبدا، قال: فنزل القرآن على رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - بالفتح؛ فأرسل إلى عمر PageV08P405 # فأقرأه إياه، فقال: يا رسول الله أوفتح (1) هو؟ قال: " نعم» " (2) . # وفي لفظ مسلم (3) " فطابت نفسه ورجع ". # وفي لفظ لمسلم أيضا: " «أيها الناس اتهموا رأيكم (4) ، لقد رأيتني يوم ~~أبي جندل (5) ، ولو [أني] (6) أستطيع أن أرد أمر رسول الله لرددته» " (7) . # وفي رواية: والله ورسوله أعلم (8) : " والله ما وضعنا سيوفنا على عواتقنا ~~إلى أمر قط إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه إلا أمركم هذا " (9) ، " ما ~~PageV08P406 # نسد منه خصما إلا انفجر علينا خصم ما ندري كيف نأتي له (1) " يعني يوم ~~صفين. # وقال ذلك سهل يوم صفين لما خرجت الخوارج على علي حين أمر بمصالحة معاوية ~~وأصحابه. # وهذه الأخبار الصحيحة هي باتفاق أهل العلم بالحديث في عمرة الحديبية تبين ~~اختصاص أبي بكر [بمنزلة] (2) من الله ورسوله لم يشركه فيها أحد من الصحابة: ~~لا عمر ولا علي ولا غيرهما، وأنه لم يكن فيهم أعظم إيمانا وموافقة وطاعة ~~لله ورسوله منه، ولا كان فيهم من يتكلم بالشورى قبله. # فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصدر عن رأيه وحده في الأمور ~~العظيمة وإنه [كان] (3) يبدأ بالكلام بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~معاونة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما كان يفتي بحضرته وهو يقره ~~على ذلك ولم يكن هذا لغيره. # فإنه لما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - جاسوسه الخزاعي، وأخبره أن ~~قريشا قد جمعوا له الأحابيش، وهي الجماعات (4) المستجمعة من PageV08P407 # قبائل، والتحبش: التجمع، وأنهم مقاتلوه وصادوه عن البيت، استشار أصحابه ~~أهل المشورة مطلقا، هل يميل إلى ذراري الأحابيش؟ أو ينطلق إلى مكة فلما ~~أشار عليه أبو بكر أن لا يبدأ أحدا بالقتال، فإنا لم نخرج إلا للعمرة لا ~~للقتال؛ فإن منعنا أحد (1) من (2) البيت قاتلناه لصده لنا عما قصدنا لا ~~مبتدئين (3) له بقتال، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " روحوا إذا "، ~~ثم إنه [لما] تكلم (4) عروة ms2066 بن مسعود الثقفي وهو من سادات ثقيف وحلفاء قريش ~~مع النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم، وأخذ يقول له عن أصحابه: " إنهم ~~أشواب " أي: أخلاط وفي المسند أوباش يفرون عنك ويدعوك، قال له الصديق - رضي ~~الله عنه -: امصص بظر اللات أنحن نفر عنه وندعه، فقال له عروة ولما يجاوبه ~~عن هذه الكلمة: لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك، وكان الصديق قد أحسن ~~إليه قبل ذلك فرعى حرمته ولم يجاوبه عن هذه الكلمة. # ولهذا قال: من قال من العلماء إن هذا يدل على جواز التصريح باسم العورة ~~للحاجة والمصلحة وليس من الفحش المنهي عنه. # كما في حديث أبي بن كعب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «من ~~سمعتموه يتعزى بعزاء (5) الجاهلية فأعضوه هن أبيه ولا تكنوا» " رواه ~~PageV08P408 # أحمد (1) فسمع أبي بن كعب رجلا يقول: يا فلان، فقال: اعضض أير أبيك، فقيل ~~له في ذلك، فقال: بهذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (2) . # ثم إنه لما صالح النبي - صلى الله عليه وسلم - قريشا كان ظاهر الصلح فيه ~~غضاضة وضيم على المسلمين، وفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - طاعة لله ~~وثقة بوعده له، وأن الله سينصره عليهم، واغتاظ من ذلك جمهور الناس وعز ~~عليهم، حتى على مثل عمر وعلي وسهل بن حنيف؛ ولهذا كبر عليه علي - رضي الله ~~عنه - (3) لما مات تبيينا لفضله على غيره يعني سهل بن حنيف فعلي أمره النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - أن يمحو اسمه من الكتاب فلم يفعل حتى أخذ النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - الكتاب ومحاه بيده. PageV08P409 # وفي صحيح البخاري (1) أنه قال لعلي: " امح رسول الله " قال: لا والله لا ~~أمحوك أبدا؛ فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكتاب، وليس يحسن يكتب ~~(2) فكتب: " هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ". # وسهل بن حنيف يقول: " لو استطعت أن أرد أمر رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - لرددته "، وعمر يناظر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقول: إذا كنا ~~على الحق وعدونا على ms2067 الباطل وقتلانا في الجنة وقتلاهم في النار وأنت رسول ~~الله حقا فعلام نعطي الدنية في ديننا، ثم إنه رجع عن ذلك وعمل له أعمالا ~~(3) . # وأبو بكر أطوعهم لله ورسوله (4) لم يصدر عنه مخالفة في شيء قط، بل لما ~~ناظره عمر بعد مناظرته للنبي - صلى الله عليه وسلم - أجابه أبو بكر بمثل ما ~~أجابه النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير أن يسمع جواب رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم -. # وهذا من أبين الأمور دلالة على موافقته للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ~~ومناسبته له واختصاصه به قولا وعملا وعلما وحالا؛ إذ كان قوله من جنس قوله ~~وعمله من جنس عمله. وفي المواطن التي ظهر فيها تقدمه على غيره في ذلك؛ فأين ~~مقامه من مقام غيره؟ ! هذا يناظره ليرده عن PageV08P410 # أمره؛ وهذا يأمره ليمحو اسمه فلا يمحوه، وهذا يقول: لو أستطيع أن أرد أمر ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرددته، وهو يأمر الناس بالحلق والنحر ~~فيتوقفون. # ولا ريب أن الذي حملهم على ذلك حب الله ورسوله، وبغض الكفار ومحبتهم أن ~~يظهر الإيمان على الكفر، وأن لا يكون قد دخل على أهل الإيمان غضاضة وضيم من ~~أهل الكفر. ورأوا أن قتالهم لئلا يضاموا هذا الضيم أحب إليهم من هذه ~~المصالحة التي فيها من الضيم ما فيها. # لكن معلوم وجوب تقديم النص على الرأي، والشرع على الهوى؛ فالأصل الذي ~~افترق فيه المؤمنون بالرسل والمخالفون لهم: تقديم نصوصهم على الآراء وشرعهم ~~على الأهواء، وأصل الشر من تقديم الرأي على النص والهوى * على الشرع؛ فمن ~~نور الله قلبه فرأى ما في النص والشرع (1) من الصلاح والخير، وإلا فعليه * ~~(2) الانقياد لنص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشرعه (3) وليس له ~~معارضته برأيه وهواه. # كما قال - صلى الله عليه وسلم -: " إني رسول الله (4) ولست أعصيه، وهو ~~ناصري " (5) فبين أنه رسول الله، يفعل ما أمره به مرسله، لا يفعل من تلقاء ~~PageV08P411 # نفسه وأخبر أنه يطيعه لا يعصيه كما يفعل المتبع لرأيه (1) وهواه وأخبر ~~أنه ناصره فهو على ثقة ms2068 من نصر الله فلا يضره ما حصل؛ فإن في ضمن ذلك من ~~المصلحة وعلو الدين ما ظهر بعد ذلك، وكان هذا فتحا مبينا في الحقيقة وإن ~~كان فيه ما لم يعلم حسن ما فيه كثير من الناس، بل رأى ذلك ذلا وعجزا وغضاضة ~~وضيما. # ولهذا تاب الذين عارضوا ذلك - رضي الله عنهم - كما في الحديث رجوع عمر، ~~وكذلك في الحديث أن سهل بن حنيف اعترف بخطئه حيث قال: " والله ورسوله أعلم ~~" وجعل رأيهم عبرة لمن بعدهم؛ فأمرهم أن يتهموا رأيهم على دينهم؛ فإن الرأي ~~يكون خطأ، كما كان رأيهم يوم الحديبية خطأ، وكذلك على الذي لم يفعل ما أمره ~~به، والذين لم يفعلوا ما أمروا به من الحلق والنحر حتى فعل هو ذلك قد تابوا ~~من ذلك والله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات. # والقصة كانت عظيمة بلغت منهم مبلغا عظيما لا تحمله عامة النفوس وإلا فهم ~~(2) خير الخلق، وأفضل الناس وأعظمهم علما وإيمانا وهم الذين بايعوا تحت ~~الشجرة، وقد رضي [الله] عنهم (3) وأثنى عليهم وهم السابقون الأولون من ~~المهاجرين والأنصار. # والاعتبار في الفضائل بكمال النهاية لا بنقص البداية، وقد قص الله ~~PageV08P412 # علينا من توبة أنبيائه، وحسن عاقبتهم، وما آل إليه أمرهم من على الدرجات ~~وكرامة الله لهم بعد أن جرت لهم أمور، ولا يجوز أن يظن بغضهم لأجلها؛ إذا ~~كان الاعتبار بكمال النهاية لا بنقص البداية. # وهكذا السابقون الأولون من ظن بغضهم [لأجلها إذا كان الاعتبار بكمال ~~النهاية] (1) كما ذكر (2) ، فهو جاهل؛ لكن المطلوب أن الصديق أكمل القوم ~~وأفضلهم وأسبقهم إلى الخيرات، وأنه لم يكن فيهم من يساويه. # وهذا أمر بين لا يشك فيه إلا من كان جاهلا بحالهم مع الرسول - صلى الله ~~عليه وسلم -، أو كان صاحب هوى صده اتباع هواه عن معرفة الحق وإلا فمن كان ~~له علم وعدل لم يكن عنده في ذلك شك، كما لم يكن عند أهل العلم والإيمان شك؛ ~~بل كانوا مطبقين على تقديم الصديق وتفضيله على من سواه كما اتفق على ms2069 ذلك ~~علماء المسلمين وخيارهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وهو مذهب مالك ~~وأصحابه، والشافعي وأصحابه، وأحمد وأصحابه، وداود وأصحابه، والثوري ~~وأصحابه، والأوزاعي وأصحابه، والليث وأصحابه، وسائر العلماء الذين لهم في ~~الأمة لسان صدق. # ومن ظن أن مخالفة من خالف أمر الرسول يوم الحديبية - أو غيره - لم تكن من ~~الذنوب التي تجب التوبة منها فهو غالط، كما قال من أخذ يعتذر PageV08P413 # لمن خالف أمره عذرا يقصد به (1) رفع الملام: بأنهم إنما تأخروا عن النحر ~~والحلق ; لأنهم كانوا ينتظرون النسخ ونزول الوحي بخلاف ذلك. # وقول من يقول إنما تخلف من تخلف عن طاعته إما تعظيما لمرتبته أن يمحو ~~اسمه، أو يقول: مراجعة من راجعه في مصالحة المشركين إنما كانت قصدا لظهور ~~الإيمان على الكفر ونحو ذلك. # فيقال: الأمر الجازم من الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي أراد به ~~الإيجاب، موجب لطاعته باتفاق أهل الإيمان، وإنما نازع في الأمر المطلق بعض ~~الناس لاحتمال أنه ليس بجازم أراد به الإيجاب، وأما مع ظهور الجزم والإيجاب ~~فلم يسترب أحد في ذلك. # ومعلوم أن أمره بالنحر والحلق كان جازما وكان مقتضاه الفعل على الفور ~~بدليل أنه ردده ثلاثا، فلما لم يقم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من ~~الناس، وروى أنه غضب وقال: مالي لا أغضب وأنا آمر بالأمر فلا (2) يتبع (3) ~~. # وروي أنه قال ذلك لما أمرهم بالتحلل في حجة الوداع. PageV08P414 # ومعلوم أن الأمر بالتحلل (1) بهذه العمرة التي أحصروا فيها كان أوكد من ~~الأمر بالتحلل في حج الوداع. # وأيضا فإنه كان محتاجا إلى محو اسمه من الكتاب ليتم الصلح؛ ولهذا محاه ~~بيده، والأمر بذلك كان جازما. والمخالف لأمره إن كان متأولا فهو ظان أن هذا ~~لا يجب، لما فيه من قلة احترام الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو لما (2) ~~فيه من انتظار العمرة وعدم إتمام ذلك الصلح. فحسب المتأول أن يكون مجتهدا ~~مخطئا فإنه مع جزم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتشكيه ممن لم يمتثل أمره ~~وقوله: " ما لي لا أغضب وأنا آمر بالأمر ms2070 (3) ولا أتبع (4) " لا يمكن (5) ~~تسويغ المخالفة؛ لكن هذا مما تابوا منه كما تابوا من غيره. # فليس لأحد أن يثبت عصمة من ليس بمعصوم، فيقدح بذلك في أمر المعصوم - صلى ~~الله عليه وسلم -، كما فعل ذلك في توبة من تاب، وحصل له بالذنب نوع من ~~العقاب فأخذ ينفي على الفعل ما يوجب الملام، والله قد لامه لوم المذنبين ~~(6) فيزيد تعظيم البشر فيقدح (7) في رب العالمين (8) . PageV08P415 # ومن علم أن الاعتبار بكمال النهاية، وأن التوبة تنقل العبد إلى مرتبة ~~أكمل مما كان عليه؛ علم أن ما فعله الله بعباده المؤمنين كان من أعظم نعم ~~الله عليهم. # وأيضا ففي المواضع التي لا يكون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من ~~أكابر الصحابة إلا واحد كان يكون هو ذلك الواحد، مثل سفره في الهجرة ومقامه ~~يوم بدر في العريش: لم يكن معه فيه إلا أبو بكر، ومثل خروجه إلى قبائل ~~العرب يدعوهم إلى الإسلام كان يكون معه من أكابر الصحابة أبو بكر. # وهذا الاختصاص في الصحبة لم يكن لغيره باتفاق أهل المعرفة بأحوال النبي - ~~صلى الله عليه وسلم -. وأما من كان جاهلا أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- أو كذابا فذلك يخاطب (1) خطاب مثله. # فقوله تعالى في القرآن: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن} [سورة التوبة: 40] لا ~~يختص بمصاحبته في الغار، بل هو صاحبه المطلق الذي كمل [في] الصحبة (2) ~~كمالا لم يشركه فيه غيره، فصار مختصا بالأكملية (3) من الصحبة. # كما في الحديث رواه البخاري عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - أنه قال: " «أيها الناس اعرفوا لأبي بكر حقه؛ فإنه لم PageV08P416 # يسؤني قط، أيها الناس إني راض عن عمر وعثمان وعلي وفلان وفلان» " (1) . # فقد تبين أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[خصه] (2) دون غيره مع أنه قد ~~جعل غيره من أصحابه أيضا؛ لكن خصه بكمال الصحبة. # ولهذا قال من قال من العلماء: إن فضائل الصديق خصائص لم يشركه فيها غيره. # ومن أراد أن يعرف فضائلهم ومنازلهم عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~فليتدبر الأحاديث ms2071 الصحيحة التى صححها أهل العلم بالحديث الذين كملت خبرتهم ~~بحال النبي - صلى الله عليه وسلم - ومحبتهم له، وصدقهم في التبليغ عنه وصار ~~هواهم تبعا لما جاء به، فليس لهم غرض إلا معرفة ما قاله، وتمييزه عما يخلط ~~بذلك من كذب الكاذبين وغلط الغالطين. # كأصحاب الصحيح: مثل: البخاري، ومسلم، والإسماعيلي، PageV08P417 # والبرقاني، وأبي نعيم، والدارقطني، ومثل صحيح ابن خزيمة وابن منده (1) ~~وأبي حاتم البستي والحاكم. # وما صححه أئمة أهل الحديث [الذين] (2) هم أجل من هؤلاء، أو مثلهم (3) من ~~المتقدمين والمتأخرين، مثل: مالك وشعبة ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي، ~~وابن المبارك، وأحمد، وابن معين وابن المديني، وأبي حاتم وأبي زرعة ~~الرازيين، وخلائق لا يحصي عددهم إلا الله تعالى. # فإذا تدبر العاقل الأحاديث الصحيحة الثابتة عند هؤلاء وأمثالهم عرف الصدق ~~من الكذب؛ فإن هؤلاء من أكمل الناس معرفة بذلك وأشدهم رغبة في التمييز بين ~~الصدق والكذب وأعظمهم ذبا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهم ~~المهاجرون إلى سنته وحديثه والأنصار له في الدين يقصدون ضبط ما قاله ~~وتبليغه للناس، وينفون عنه ما كذبه الكذابون (4) ، وغلط فيه الغالطون، ومن ~~شركهم في علمهم علم ما قالوه، وعلم بعض قدرهم، وإلا فليسلم القوس إلى ~~باريها، كما يسلم إلى الأطباء طبهم، وإلى النحاة نحوهم، وإلى الفقهاء ~~فقههم، وإلى أهل الحساب حسابهم مع أن جميع هؤلاء قد يتفقون على خطأ في ~~PageV08P418 # صناعتهم؛ إلا الفقهاء فيما (1) يفتون به من الشرع، وأهل الحديث فيما ~~يفتون به من النقل، فلا يجوز أن يتفقوا على التصديق بكذب، ولا على التكذيب ~~بصدق؛ بل إجماعهم معصوم في التصديق والتكذيب بأخبار النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - كما أن إجماع الفقهاء معصوم (2) في الإخبار عن الفعل بدخوله في أمره ~~أو نهيه، أو تحليله أو تحريمه. # ومن تأمل هذا وجد فضائل الصديق التي في الصحاح كثيرة، وهي خصائص. مثل ~~حديث المخالة، وحديث: إن الله معنا، وحديث إنه أحب الرجال إلى النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - وحديث الإتيان (3) إليه بعده، وحديث كتابة العهد إليه ~~بعده، وحديث ms2072 تخصيصه بالتصديق (4) ابتداء والصحبة، وتركه له، وهو قوله: " ~~«فهل أنتم تاركو لي صاحبي» " (5) وحديث دفعه عنه عقبة بن أبي معيط لما وضع ~~الرداء في عنقه حتى خلصه أبو بكر؛ وقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟ ! ~~وحديث استخلافه في الصلاة وفي الحج، وصبره وثباته بعد موت النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - وانقياد الأمة [له] (6) ، وحديث الخصال التي اجتمعت فيه في ~~يوم، وما اجتمعت في رجل إلا وجبت له الجنة وأمثال ذلك. PageV08P419 # ثم له (1) مناقب يشركه فيها عمر كشهادته بالإيمان له ولعمر، وحديث علي ~~حيث يقول: «كثيرا ما كنت أسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " خرجت ~~أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر» " (2) وحديث استقائه من ~~القليب، وحديث البقرة التي يقول فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ~~«أؤمن بها أنا وأبو بكر وعمر» " (3) وأمثال ذلك. # وأما مناقب علي التي في الصحاح فأصحها قوله: " «يوم خيبر لأعطين الراية ~~رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» " (4) ، وقوله في غزوة تبوك: " ~~«ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» " (5) ~~ومنها دخوله في المباهلة (6) وفي الكساء (7) ومنها قوله: " «أنت مني وأنا ~~منك» " (8) ، وليس في شيء من ذلك خصائص. وحديث: " «لا يحبني إلا مؤمن ولا ~~يبغضني إلا منافق» " (9) ، ومنها ما تقدم من حديث الشورى وإخبار عمر أن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي وهو راض عن عثمان وعلي وطلحة والزبير ~~وسعد وعبد الرحمن (10) . PageV08P420 # فمجموع ما في الصحيح لعلي نحو عشرة أحاديث، ليس فيها ما يختص به ولأبي ~~بكر في الصحاح (1) نحو عشرين حديثا أكثرها خصائص. # وقول من قال: صح لعلي من الفضائل ما لم يصح لغيره؛ كذب لا يقوله أحمد ولا ~~غيره (2) من أئمة الحديث؛ لكن قد يقال: روي له ما لم يرو لغيره، لكن أكثر ~~ذلك من نقل من علم كذبه أو خطؤه؛ ودليل واحد صحيح المقدمات سليم عن ~~المعارضة خير من عشرين دليلا مقدماتها ضعيفة، بل باطلة، وهي معارضة بأصح ~~منها يدل على نقيضها. # والمقصود ms2073 هنا بيان اختصاصه في الصحبة الإيمانية بما لم يشركه مخلوق، لا ~~في قدرها ولا في صفتها ولا في نفعها (3) ، فإنه لو أحصي الزمان الذي كان ~~يجتمع فيه أبو بكر بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، والزمان الذي كان يجتمع ~~فيه عثمان أو علي (4) أو غيرهما من الصحابة لوجد ما يختص به أبو بكر أضعاف ~~ما اختص به واحد منهم لا أقول ضعفه (5) . # وأما المشترك بينهم فلا يختص به واحد. # وأما كمال معرفته ومحبته للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتصديقه له فهو ~~PageV08P421 # مبرز في ذلك على سائرهم تبريزا باينهم فيه مباينة لا تخفى على من كان له ~~معرفة بأحوال القوم ومن لا معرفة له بذلك لم تقبل شهادته. # وأما نفعه للنبي - صلى الله عليه وسلم - ومعاونته له على الدين فكذلك. # فهذه الأمور التي هي مقاصد الصحبة ومحامدها التي بها يستحق الصحابة (1) ~~أن يفضلوا بها على غيرهم لأبي بكر فيها من الاختصاص بقدرها ونوعها وصفتها ~~وفائدتها ما لا يشركه فيه أحد. # ويدل على ذلك ما رواه البخاري «عن أبي الدرداء قال كنت جالسا عند النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - إذا أقبل أبو بكر آخذا بطرق ثوبه حتى أبدي عن ركبتيه، ~~فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أما صاحبكم فقد غامر فسلم "، وقال: ~~إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه، ثم ندمت فسألته أن يغفر لي ~~فأبى علي فأقبلت إليك (2) ، فقال: " يغفر الله لك يا أبا بكر " ثلاثا، ثم ~~إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل أثم أبو بكر؟ قالوا: لا، فأتى النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - فجعل وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - يتمعر حتى ~~أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه وقال: يا رسول الله والله أنا كنت أظلم. ~~مرتين؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله بعثني إليكم ~~فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق. وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي ~~صاحبي ". مرتين. فما أوذي بعدها» (3) . PageV08P422 # وفي رواية: «كانت بين أبي بكر وعمر محاورة فأغضب أبو بكر ms2074 عمر (1) فانصرف ~~عنه مغضبا فأتبعه أبو بكر يسأله أن يغفر له؛ فلم يفعل حتى أغلق بابه في ~~وجهه؛ فأقبل أبو بكر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم» -. . الحديث. قال: ~~وغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه: " «إني قلت يا أيها الناس: إني ~~رسول الله إليكم جميعا فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت» " (2) . # فهذا الحديث الصحيح فيه تخصيصه بالصحبة في قوله: " «فهل أنتم تاركو لي ~~صاحبي؟» " وبين فيه من أسباب ذلك: أن الله لما بعثه إلى الناس قال: " إني ~~رسول الله إليكم جميعا "، قالوا: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت؛ فهذا يبين فيه ~~أنه لم يكذبه قط، وأنه صدقه (3) حين كذبه الناس طرا. # وهذا ظاهر في أنه صدقه قبل أن يصدقه أحد من الناس الذين بلغهم الرسالة ~~وهذا (4) حق فإنه أول ما بلغ الرسالة فآمن (5) . # وهذا موافق لما رواه مسلم «عن عمرو بن عبسة، قلت: يا رسول الله من معك ~~على هذا الأمر؟ قال: " حر وعبد " ومعه يومئذ أبو بكر وبلال» (6) . ~~PageV08P423 # وأما خديجة وعلي وزيد؛ فهؤلاء كانوا من عيال النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- وفي بيته وخديجة عرض عليها أمره لما فجأه الوحي، وصدقته ابتداء قبل أن ~~يؤمر بالتبليغ وذلك قبل أن يجب الإيمان به فإنه إنما يجب إذا بلغ الرسالة ~~فأول من صدق به بعد وجوب الإيمان به أبو بكر من الرجال، فإنه لم يجب عليه ~~أن يدعو عليا إلى الإيمان؛ لأن عليا كان صبيا، والقلم عنه مرفوع. # ولم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره بالإيمان وبلغه الرسالة ~~قبل أن يأمر أبا بكر ويبلغه ولكنه كان في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~فيمكن أنه آمن به لما سمعه يخبر خديجة وإن كان لم يبلغه؛ فإن ظاهر قوله: " ~~«يا أيها الناس إني أتيت إليكم فقلت: إني رسول الله إليكم، فقلتم: كذبت، ~~وقال أبو بكر: صدقت» " كما في الصحيحين (1) يدل على أن كل من بلغه الرسالة ~~كذبه أولا إلا أبا بكر. # ومعلوم أن خديجة وعليا وزيدا كانوا في داره، وخديجة ms2075 لم تكذبه فلم تكن ~~داخلة فيمن بلغ. PageV08P424 # وقوله في حديث «عمرو بن عبسة: قلت: يا رسول الله من معك على هذا الأمر؟ ~~قال: " حر وعبد» " (1) . # والذي في صحيح مسلم موافق لهذا، أي: اتبعه من المبلغين المدعوين، ثم ذكر ~~قوله: " وواساني بنفسه وماله " (2) ، وهذه خاصة لم يشركه فيها أحد. # وقد ذكر هذا [النبي]- صلى الله عليه وسلم - في أحاديث المخالة التي هي ~~متواترة عنه، كما في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري «أن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم - جلس على المنبر؛ فقال: " إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من ~~زهرة الحياة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده فبكى أبو بكر، وقال: ~~فديناك بآبائنا وأمهاتنا، قال: فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو ~~المخير، وكان أبو بكر أعلمنا به، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ~~إن من (3) آمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر (4) ، ولو كنت متخذا خليلا ~~لاتخذت أبا بكر خليلا؛ ولكن أخوة الإسلام. لا يبقين في المسجد خوخة إلا ~~خوخة أبي بكر» " وفي رواية للبخاري (5) : " «لو كنت متخذا خليلا غير ربي ~~(6) لاتخذت (7) أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام PageV08P425 # ومودته» . * وفي رواية " إلا خلة الإسلام ". وفيه: " قال: فعجبنا له، ~~وقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ، يخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه الله من زهرة الحياة (1) الدنيا وبين ما ~~عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا. وفي رواية: " وبين ما عنده ~~فاختار ما عنده "، وفيه فقال: " «لا تبك إن آمن الناس علي في صحبته وماله ~~أبو بكر، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ~~ومودته * (2) لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر» " (3) . # وروى البخاري من حديث ابن عباس قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في ~~مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة، فقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى ~~عليه وقال: " «إنه ليس أحد من الناس آمن علي في نفسه وماله من ms2076 أبي بكر بن ~~أبي قحافة، ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن خلة ~~الإسلام أفضل، سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر» ". # وفي رواية: " «لو كنت متخذا من هذه الأمة خليلا لاتخذته، ولكن أخوة ~~الإسلام أفضل» ". # وفي رواية: " ولكن أخي وصاحبي ". # ورواه البخاري عن ابن الزبير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه ~~PageV08P426 # وسلم -: " «لو كنت متخذا من هذه الأمة خليلا * لاتخذته يعني أبا بكر» . # ورواه مسلم عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «لو ~~كنت متخذا خليلا * (1) لاتخذت أبا بكر خليلا؛ ولكن أخي وصاحبي، وقد اتخذ ~~الله صاحبكم خليلا» ". # وفي رواية: " «لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت ابن أبي قحافة؛ ~~ولكن صاحبكم خليل الله» ". # وفي أخرى: " «ألا إني أبرأ إلى كل خل من خله (2) ، ولو كنت متخذا خليلا ~~لاتخذت أبا بكر خليلا إن صاحبكم خليل الله» " (3) . # فهذه النصوص كلها مما تبين اختصاص أبي بكر من فضائل الصحبة ومناقبها ~~والقيام [بها] وبحقوقها (4) بما لم يشركه فيه أحد حتى استوجب أن يكون خليله ~~دون الخلق، لو كانت المخالة ممكنة. # وهذه النصوص صريحة بأنه أحب الخلق إليه وأفضلهم عنده كما صرح بذلك في ~~حديث عمرو بن العاص «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه على جيش ذات ~~السلاسل؛ قال: " فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة قلت (5) : فمن ~~الرجال؟ قال: " أبوها " قلت: ثم من؟ قال عمر: وعد رجالا» ". وفي رواية ~~للبخاري: " قال: فسكت مخافة أن يجعلني آخرهم " (6) . PageV08P427 ### | فصل مما يبين فضيلة أبي بكر في الغار أن الله تعالى ذكر نصره لرسوله في هذه الحال # فصل. # ومما يبين من القرآن فضيلة أبي بكر في الغار أن الله تعالى ذكر نصره ~~لرسوله في هذه الحال (1) التي يخذل فيها عامة الخلق إلا من نصره (2) الله: ~~{إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار} [سورة التوبة: 40] أي: ~~أخرجوه في هذه القلة من العدد لم يصحبه إلا الواحد؛ فإن الواحد ms2077 أقل ما يوجد ~~فإذا لم يصحبه إلا واحد دل على أنه في غاية القلة. # ثم قال: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} [سورة التوبة: 40] ؛ وهذا ~~يدل على أن صاحبه كان مشفقا عليه محبا له ناصرا له حيث حزن، وإنما يحزن ~~الإنسان حال الخوف على من يحبه، وأما عدوه فلا يحزن إذا انعقد سبب هلاكه. # فلو كان أبو بكر مبغضا (3) كما يقول المفترون لم يحزن ولم ينه عن الحزن، ~~بل كان يضمر الفرح والسرور، ولا كان الرسول يقول له: " {لا تحزن إن الله ~~معنا} ". # فإن قال المفتري: إنه خفي على الرسول حاله لما أظهر له الحزن، وكان في ~~الباطن مبغضا. PageV08P428 # قيل له فقد قال: " {إن الله معنا} "، فهذا إخبار بأن الله معهما [جميعا] ~~بنصره (1) ، ولا يجوز للرسول أن يخبر بنصر الله لرسوله وللمؤمنين وأن الله ~~(2) معهم ويجعل (3) ذلك في الباطن منافقا فإنه معصوم في خبره عن الله لا ~~يقول عليه إلا الحق؛ وإن جاز أن يخفى عليه حال بعض الناس فلا يعلم أنه ~~منافق كما قال: {وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على ~~النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم} [سورة التوبة: 101] فلا يجوز أن يخبر عنهم ~~بما يدل على إيمانهم. # ولهذا «لما جاءه المخلفون عام تبوك فجعلوا يحلفون ويعتذرون، وكان يقبل ~~علانيتهم، ويكل سرائرهم إلى الله، لا يصدق أحدا منهم فلما جاء كعب وأخبره ~~بحقيقة أمره (4) قال: " أما هذا فقد صدق "، أو قال: " صدقكم» " (5) . # وأيضا فإن سعد بن أبي وقاص لما (6) قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: " ~~«أعطيت فلانا وفلانا، وتركت فلانا وهو (7) مؤمن " قال: " أو مسلم " مرتين ~~أو ثلاثا» (8) فأنكر عليه إخباره بالإيمان، ولم يعلم منه إلا ظاهر الإسلام. ~~PageV08P429 # فكيف يشهد لأبي بكر بأن الله معهما وهو لا يعلم ذلك؟ والكلام بلا علم لا ~~يجوز. # وأيضا فإن الله أخبر بهذا عن الرسول إخبار مقرر له، لا إخبار منكر له ~~فعلم أن قوله: " {إن الله معنا} " من الخبر الصدق الذي أمر الله به ورضيه ~~لا مما (1) أنكره ms2078 وعابه. # وأيضا فمعلوم أن أضعف الناس عقلا لا يخفى عليه حال من يصحبه في مثل هذا ~~السفر الذي يعاديه فيه الملأ الذين هم بين أظهرهم (2) ، ويطلبون قتله، ~~وأولياؤه هناك لا يستطيعون نصره؛ فكيف يصحب واحدا ممن يظهر له موالاته دون ~~غيره، وقد أظهر له هذا حزنه، وهو مع ذلك عدو له في الباطن. والمصحوب يعتقد ~~أنه وليه، وهذا لا يفعله إلا أحمق الناس وأجهلهم. # فقبح الله من نسب رسوله الذي هو أكمل الخلق عقلا وعلما وخبرة إلى مثل هذه ~~الجهالة والغباوة. # ولقد بلغني عن ملك المغول خدابنده (3) الذي صنف له هذا الرافضي ~~PageV08P430 # كتابه هذا في الإمامة أن الرافضة لما صارت تقول له مثل هذا الكلام إن أبا ~~بكر كان يبغض النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان عدوه، ويقولون مع هذا إنه ~~صحبه في سفر الهجرة الذي هو أعظم الأسفار خوفا. قال كلمة تلزم عن قولهم ~~الخبيث، وقد برأ الله رسوله منها، لكن ذكرها على من افترى الكذب الذي أوجب ~~أن يقال في الرسول مثلها حيث قال: " كان قليل العقل ". # ولا ريب أن فعل ما قالته الرافضة فهو قليل العقل. وقد برأ الله رسوله ~~وصديقه من كذبهم وتبين أن قولهم يستلزم القدح في الرسول. ### | فصل مما يبين أن الصحبة فيها خصوص وعموم كالولاية والمحبة # فصل. # ومما يبين أن الصحبة فيها خصوص وعموم، كالولاية والمحبة والإيمان وغير ~~ذلك من الصفات التي يتفاضل فيها الناس في قدرها ونوعها وصفتها ما أخرجاه في ~~الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن ~~بن عوف شيء فسبه خالد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " «لا تسبوا ~~أحدا من أصحابي؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا ~~نصيفه» ". انفرد مسلم بذكر خالد وعبد الرحمن (1) دون البخاري (2) فالنبي ~~PageV08P431 # صلى الله عليه وسلم يقول لخالد ونحوه: «لا تسبوا أصحابي» يعني عبد الرحمن ~~بن عوف وأمثاله؛ لأن عبد الرحمن ونحوه هم السابقون الأولون، وهم الذين ~~أسلموا قبل الفتح ms2079 وقاتلوا، وهم أهل بيعة الرضوان، فهؤلاء أفضل وأخص بصحبته ~~ممن أسلم بعد بيعة الرضوان، وهم الذين أسلموا بعد الحديبية، وبعد مصالحة ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل مكة ومنهم خالد وعمرو بن العاص وعثمان بن ~~أبي طلحة وأمثالهم. # وهؤلاء أسبق من الذين تأخر إسلامهم إلى أن فتحت مكة وسموا الطلقاء مثل ~~سهيل بن عمرو (1) . والحارث بن هشام، وأبي سفيان بن حرب وابنيه يزيد ~~ومعاوية وأبي سفيان بن الحارث، وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وغيرهم مع ~~أنه قد يكون في هؤلاء من برز بعلمه على بعض من تقدمه كثيرا (2) كالحارث بن ~~هشام (3) وأبي سفيان بن الحارث وسهيل بن عمرو، وعلى بعض من أسلم قبلهم ممن ~~أسلم قبل الفتح وقاتل وكما برز عمر بن الخطاب على أكثر الذين أسلموا قبله. # والمقصود هنا أنه نهي لمن صحبه آخرا يسب من صحبه أولا لامتيازهم عنهم (4) ~~في الصحبة بما لا يمكن (5) أن يشركهم فيه حتى قال: PageV08P432 # " «لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» ". # فإذا كان هذا حال الذين أسلموا من بعد الفتح وقاتلوا، وهم من أصحابه ~~التابعين للسابقين مع من أسلم من قبل الفتح وقاتل وهم أصحابه السابقون، ~~فكيف يكون حال من ليس من أصحابه بحال مع أصحابه؟ ! . # وقوله: " «لا تسبوا أصحابي» " قد ثبت في الصحيحين من غير وجه، منها ما ~~تقدم ومنها ما أخرجوه في الصحيح (1) عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم -: " «لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم ~~أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه» " تقدم هذا الحديث فيما مضى ~~2/20 - 21. . # فصل. ### | قول الرافضي يجوز أن يستصحبه معه لئلا يظهر أمره حذرا منه والرد عليه # وأما قول الرافضي: " يجوز أن يستصحبه معه لئلا يظهر أمره حذرا منه ". # والجواب: أن هذا باطل من وجوه كثيرة لا يمكن استقصاؤها. # أحدها: أنه قد علم بدلالة القرآن موالاته له ومحبته لا عداوته، فبطل هذا. # الثاني: أنه قد علم بالتواتر أن أبا ms2080 بكر كان محبا للنبي - صلى الله عليه ~~وسلم - مؤمنا به، من أعظم الخلق اختصاصا به، أعظم مما تواتر PageV08P433 # من شجاعة عنترة، ومن سخاء حاتم، ومن موالاة علي ومحبته له، ونحو ذلك من ~~التواترات المعنوية فيها الأخبار الكثيرة على مقصود واحد. # والشك في محبة أبي بكر كالشك في غيره وأشد، ومن الرافضة من ينكر كون أبي ~~بكر وعمر مدفونين في الحجرة النبوية، وبعض غلاتهم ينكر أن يكون هو صاحبه ~~الذي كان معه في الغار. وليس هذا من بهتانهم ببعيد، فإن القوم قوم بهت ~~يجحدون المعلوم ثبوته (1) بالاضطرار، ويدعون ثبوت ما يعلم انتفاؤه ~~بالاضطرار في العقليات والنقليات. # ولهذا قال من قال: لو قيل: من أجهل الناس؟ لقيل: الرافضة حتى فرضها بعض ~~الفقهاء \ مسألة فقهية: فيما إذا أوصى (2) لأجهل الناس؛ قال: هم الرافضة، ~~لكن هذه الوصية باطلة؛ فإن الوصية باطلة، فإن الوصية والوقف لا يكونان (3) ~~معصية، بل على جهة لا تكون مذمومة في الشرع. والوقف والوصية لأجهل الناس ~~فيه جعل (4) الأجهلية والبدعية موجبة للاستحقاق، فهو كما لو أوصى لأكفر ~~الناس، أو للكفار دون المسلمين بحيث يجعل الكفر شرطا في الاستحقاق، فإن هذا ~~لا يصح. # وكون أبي بكر كان مواليا للنبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم من غيره؛ أمر ~~علمه المسلمون والكفار والأبرار والفجار حتى أني أعرف طائفة من الزنادقة ~~كانوا يقولون: إن دين الإسلام اتفق عليه في الباطن النبي - صلى PageV08P434 # الله عليه وسلم - وأبو بكر وثالثهما عمر؛ لكن لم يكن عمر مطلعا على سرهما ~~كله، كما وقعت دعوة الإسماعيلية الباطنية والقرامطة، فكان (1) كل من كان ~~أقرب إلى إمامهم [كان] (2) أعلم بباطن الدعوة، وأكتم لباطنها من غيره. # ولهذا جعلوهم مراتب: فالزنادقة المنافقون لعلمهم بأن أبا بكر أعظم موالاة ~~واختصاصا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من غيره، جعلوه ممن يطلع على باطن ~~أمره ويكتمه عن غيره، ويعاونه على مقصوده بخلاف غيره. # فمن قال: إنه كان في الباطن عدوه (3) ، كان من أعظم أهل الأرض فرية، ثم ~~إن قاتل هذا إذا قيل له مثل هذا في علي ms2081، وقيل [له] له زيادة في (م) .: إنه ~~كان في الباطن معاديا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنه كان عاجزا في ~~ولاية الخلفاء الثلاثة عن إفساد ملته؛ فلما ذهب أكابر الصحابة وبقي هو؛ طلب ~~حينئذ إفساد ملته وإهلاك أمته، ولهذا قتل من المسلمين خلقا كثيرا، وكان ~~مراده إهلاك الباقين؛ لكن عجز؛ وإنه بسبب ذلك انتسب إليه الزنادقة ~~المنافقون المبغضون للرسول كالقرامطة والإسماعيلية والنصيرية، فلا تجد عدوا ~~للإسلام إلا وهو يستعين على ذلك بإظهار موالاة على استعانة لا تمكنه بإظهار ~~موالاة أبي بكر وعمر. PageV08P435 # فالشبهة في دعوى موالاة علي للرسول أعظم من الشبهة في دعوى معاداة أبي ~~بكر وكلاهما باطل معلوم الفساد بالاضطرار؛ لكن الحجج الدالة على بطلان هذه ~~الدعوى في أبي بكر أعظم من الحجج الدالة على بطلانها في حق علي؛ فإذا كانت ~~الحجة على موالاة علي صحيحة، والحجة على معاداته باطلة، فالحجة على موالاة ~~أبي بكر أولى بالصحة، والحجة على معاداته أولى بالبطلان. # الوجه الثالث: أن قوله: " استصحبه حذرا من أن يظهر أمره ". # كلام من هو من أجهل الناس بما وقع، فإن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ~~في خروجه من مكة ظاهر عرفه أهل مكة، وأرسلوا الطلب، فإنه في الليلة التي ~~خرج فيها عرفوا في صبيحتها أنه خرج، وانتشر ذلك وأرسلوا إلى أهل الطرق ~~يبذلون الدية فيه، وفي أبي بكر بذلوا الدية لمن يأتي بأبي بكر؛ فأي شيء كان ~~يخاف؟ وكون المشركين بذلوا الدية لمن يأتي بأبي بكر دليل على أنهم كانوا ~~يعلمون موالاته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه كان عدوهم في ~~الباطن ولو كان معهم في الباطن لم يفعلوا ذلك. # الرابع: أنه إذا كان خرج ليلا، كان وقت الخروج لم يعلم به أحد، فما يصنع ~~بأبي بكر واستصحابه (1) معه؟ . # فإن قيل: فلعله علم خروجه دون غيره؟ . # قيل: أولا: قد كان يمكنه أن يخرج في وقت لا يشعر به، كما ن: لا يشعر به ~~بخروجه كما، (2) خرج PageV08P436 # في وقت لم يشعر به المشركون، وكان يمكنه أن [لا ms2082] يعينه (1) . # فكيف وقد ثبت في الصحيحين أن أبا بكر استأذنه في الهجرة، فلم يأذن له حتى ~~هاجر معه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أعلمه بالهجرة في خلوة (2) # ففي الصحيحين عن البراء بن عازب قال: «جاء أبو بكر إلى أبي في منزله ~~فاشترى منه رحلا، فقال لعازب (3) : ابعث ابنك معي يحمله إلى منزلي فحملته ~~وخرج أبي معه ينتقد ثمنه؛ فقال أبي: يا أبا بكر حدثني كيف صنعتما ليلة سريت ~~(4) مع النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم سرينا ليلتنا كلها، ومن ~~الغد حتى قام قائم الظهيرة وخلا الطريق، فلا يمر بنا فيه أحد حتى رفعت (5) ~~لنا صخرة طويلة لها ظل لم تأت عليه الشمس بعد، فنزلنا عندها فأتيت الصخرة ~~فسويت بيدي مكانا ينام فيه [النبي] النبي: (6) - صلى الله عليه وسلم - في ~~ظلها، ثم بسطت عليه فروة (7) ، ثم قلت: نم يا رسول الله، وأنا أنفض لك ما ~~حولك (8) ، فنام رسول الله PageV08P437 # - صلى الله عليه وسلم - في ظلها، وخرجت أنفض ما حوله، فإذا أنا براع مقبل ~~بغنمه إلى الصخرة، يريد منها الذي أردنا فلقيته؛ فقلت: لمن (1) . أنت يا ~~غلام؟ فقال: لرجل من أهل المدينة - يريد مكة (2) - لرجل من قريش سماه ~~فعرفته فقلت له: أفي غنمك لبن؟ فقال: نعم، قلت: أفتحلب لي؟ قال: نعم فأخذ ~~شاة؛ فقلت [له] (3) انفض الضرع من الشعر والتراب والقذى، فحلب لي في قعب ~~معه كثبة من لبن، قال: ومعي إداوة (4) أرتوي فيها (5) لرسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - (6) منها ويتوضأ، قال: فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- وكرهت أن أوقظه من نومه فوافيته قد استيقظ فصببت على اللبن الماء حتى برد ~~أسفله؛ فقلت: يا رسول الله اشرب من هذا اللبن، فشرب حتى رضيت، ثم قال: " ~~ألم يأن للرحيل؟ " قلت: بلى، فارتحلنا بعد ما زالت (7) الشمس، واتبعنا ~~سراقة بن مالك، قال: ونحن في جلد من الأرض (8) فقلت: PageV08P438 # يا رسول الله: أتينا (1) ، فقال: {لا تحزن إن الله معنا} ، فدعا عليه ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارتطمت فرسه إلى بطنها، فقال ms2083: إني قد ~~علمت أنكما دعوتما علي، فادعوا الله لي، فالله لكما أن أرد عنكما الطلب ~~فدعا الله فنجا فرجع لا يلقى أحدا إلا قال قد كفيتم ما هنا، ولا يلقى أحدا ~~إلا رده، وقال (2) : خذ سهما من كنانتي فإنك تمر بإبلي وغلماني، فخذ منها ~~حاجتك فقال: " لا حاجة لي في إبلك " قال: فقدمنا المدينة، فتنازعوا أيهم ~~ينزل عليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أنزل على بني النجار ~~أخوال عبد المطلب؛ أكرمهم بذلك "؛ فصعد الرجال والنساء فوق البيوت، وتفرق ~~الغلمان والخدم في الطرق (3) ينادون: يا محمد، يا رسول الله، يا محمد، يا ~~رسول الله» (4) ". # وروى البخاري «عن عائشة، قالت: لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ~~ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طرفي ~~النهار: بكرة وعشية؛ فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا PageV08P439 # إلى الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد (1) لقيه ابن الدغنة (2) . وهو سيد ~~القارة (3) فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ قال: أخرجني قومي، فأنا أريد أن ~~أسيح في الأرض وأعبد ربي، قال ابن الدغنة: إن مثلك لا يخرج ولا يخرج فإنك ~~تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق ~~(4) ، وأنا لك جار، فاعبد (5) ربك ببلدك (6) ، فارتحل ابن الدغنة فرجع مع ~~أبي بكر (7) ، فطاف في أشراف كفار قريش فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله ~~ولا يخرج أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم، ويحمل الكل ويقري الضيف، ~~PageV08P440 # ويعين على نوائب الحق، فأنفذت (1) قريش جوار ابن الدغنة، وآمنوا أبا بكر ~~وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر فليعبد ربه في داره، فليصل وليقرأ ما شاء، ~~ولا يؤذينا (2) بذلك، ولا يستعلن به، فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ~~ونساءنا، فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر، فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره ولا ~~يستعلن (3) بالصلاة والقراءة في غير داره. ثم بدا لأبي بكر فابتنى بفناء ~~داره مسجدا، وبرز فكان يصلي فيه، ويقرأ القرآن فتنقصف (4) عليه نساء ~~المشركين وأبناؤهم ms2084، [وهم] يعجبون [منه] وينظرون إليه (5) ، وكان أبو بكر - ~~رضي الله عنه - رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف ~~قريش، فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم؛ فقالوا: إنا كنا [قد] (6) أجرنا ~~(7) أبا بكر على أن يعبد ربه في داره، وإنه جاوز ذلك، فابتنى مسجدا بفناء ~~داره، وأعلن بالصلاة والقراءة، وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا فأته، ~~فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإلا فإن أبى (8) إلا أن ~~يعلن ذلك، فسله PageV08P441 # أن يرد إليك جوارك؛ فإنا قد كرهنا أن نخفرك (1) ، ولسنا مقرين لأبي بكر ~~الاستعلان. قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة أبا بكر؛ فقال: قد علمت الذي عقدت ~~لك عليه؛ فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترد إلي ذمتي، فإني لا أحب أن ~~تسمع العرب أني أخفرت (2) في رجل عقدت له، قال أبو بكر: إني أرد إليك ~~جوارك، وأرضى بجوار الله (3) ، ورسول الله يومئذ بمكة؛ فقال رسول الله - ~~صلى الله عليه وسلم -: " قد أريت (4) دار هجرتكم: ذات نخل، بين لابتين - ~~وهما الحرتان - (5) فهاجر من هاجر إلى المدينة، ورجع عامة من كان هاجر بأرض ~~الحبشة إلى المدينة، وتجهز أبو بكر قبل المدينة فقال النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -: " على رسلك (6) ، فإني أرجو أن يؤذن لي " فقال أبو بكر: وهل ترجو ~~ذلك بأبي أنت وأمي؟ قال " نعم " فحبس أبو بكر نفسه (7) على رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم - ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر - وهو ~~PageV08P442 # الخبط (1) أربعة أشهر، قال ابن شهاب: قال عروة (2) : قالت عائشة (3) : ~~فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة، قال قائل لأبي بكر ~~(4) : هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متقنعا (5) في ساعة لم يكن ~~يأتينا فيها؛ فقال أبو بكر: فداه أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة ~~إلا أمر. قالت: فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأذن فأذن له ~~فدخل فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر: " أخرج من عندك " فقال ~~أبو ms2085 بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت (6) يا رسول الله قال: " فإني قد أذن لي في ~~الخروج " قال أبو بكر: الصحابة (7) يا رسول الله، قال: نعم، قال أبو بكر: ~~فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين، قال رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم -: " بالثمن " قالت عائشة: PageV08P443 # فجهزناهما أحث (1) الجهاز، وصنعنا (2) لهما سفرة في جراب (3) ، فقطعت ~~أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها، فربطت به (4) على فم الجراب فبذلك سميت ~~ذات النطاقين، قالت: ثم لحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[وأبو بكر] ~~(5) بغار في جبل ثور فمكثا (6) فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد الله بن أبي ~~بكر، وهو غلام شاب ثقف لقن فيدلج (7) من عندهما بسحر، فيصبح مع (8) قريش ~~بمكة كبائت، ولا يسمع أمرا يكادان به (9) إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك ~~حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة) (10) من ~~غنم، فيريحها (11) عليهما PageV08P444 # حين تذهب ساعة من الليل، فيبيتان في رسل (1) ، وهو لبن منحتهما ورضيفهما ~~(2) حتى ينعق بها (3) عامر بغلس يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي ~~الثلاث، واستأجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[وأبو بكر] (4) رجلا من ~~بني الديل، وهو من بني عبد بن عدي هاديا خريتا والخريت: الماهر بالهداية ~~(5) (6) (7) في آل العاص بن وائل السهمي، وهو على دين كفار قريش، فأمناه، ~~فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه (8) غار ثور بعد ثلاث ليال فأتاهما ~~براحلتيهما صبح ثلاث، فانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل وأخذ بهما طريق ~~الساحل» " قال ابن شهاب: فأخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي، وهو ابن أخي ~~سراقة بن مالك بن جعشم أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن جعشم يقول: " جاءنا ~~رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - PageV08P445 # وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره، فبينما أنا جالس في مجلس ~~من مجالس قومي بني مدلج إذ أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس، فقال: ~~يا سراقة إني قد رأيت آنفا أسودة (1) بالساحل ms2086: أراها محمدا وأصحابه، قال ~~سراقة: فعرفت أنهم هم، فقلت [له] (2) : إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلانا ~~وفلانا انطلقا بأعيننا (3) ، ثم لبثت في المجلس ساعة، ثم قمت فأمرت جاريتي ~~أن تخرج بفرسي من وراء أكمة فتحبسها علي، وأخذت رمحي، ثم خرجت به من ظهر ~~البيت، فحططت بزجة الأرض وخفضت عاليه (4) حتى أتيت فرسي فركبتها، فرفعتها ~~تقرب بي (5) حتى دنوت منهم، فعثرت فرسي، فخررت عنها فقمت فأهويت بيدي إلى ~~كنانتي، فاستخرجت منها الأزلام، فاستقسمت بها (6) : أضرهم PageV08P446 # أرده فآخذ المائة ناقة أم لا؟ فخرج الذي أكره (1) ، فركبت [فرسي] (2) - ~~وعصيت الأزلام - تقرب [بي] حتى [إذا] سمعت (3) قراءة رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات، ساخت (4) يدا فرسي في ~~الأرض حتى بلغتا الركبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج ~~يديها، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها (5) غبار (6) ساطع في السماء مثل ~~الدخان، فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره، فناديتهم بالأمان فوقفوا؛ فركبت ~~فرسي حتى جئتهم، ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر ~~(7) رسول الله - صلى الله عليه وسلم (8) ". # الوجه الخامس: أنه لما كان في الغار كان يأتيه بالأخبار عبد الله بن أبي ~~بكر، وكان معهما عامر بن فهيرة كما تقدم ذلك، فكان يمكنه أن PageV08P447 # يعلمهم بخبره. # السادس: أنه إذا كان كذلك، والعدو (1) قد جاء إلى الغار، ومشوا فوقه، كان ~~يمكنه حينئذ أن يخرج من الغار، وينذر العدو به، وهو وحده ليس معه أحد يحميه ~~منه ومن العدو؛ فمن يكون مبغضا لشخص طالبا لإهلاكه ينتهز الفرصة في مثل هذه ~~الحال التي لا يظفر فيها عدو بعدوه إلا أخذه؛ فإنه وحده في الغار والعدو قد ~~صاروا (2) عند الغار، وليس لمن في الغار هناك من يدفع عنه، وأولئك هم العدو ~~الظاهرون الغالبون المتسلطون بمكة، ليس بمكة من يخافونه إذا أخذوه؛ فإن كان ~~أبو بكر معهم مباطنا لهم كان الداعي إلى أخذه تاما، والقدرة تامة، وإذا ~~اجتمع القدرة التامة والداعي التام وجب وجود الفعل؛ فحيث لم ms2087 يوجد دل على ~~انتفاء الداعي، أو انتفاء القدرة، والقدرة موجودة؛ فعلم انتفاء الداعي وأن ~~أبا بكر لم يكن له غرض في أذاه، كما يعلم ذلك جميع الناس إلا من أعمى الله ~~قلبه. # ومن هؤلاء المفترين من يقول: إن أبا بكر كان يشير بإصبعه إلى العدو يدلهم ~~(3) على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلدغته حية (4) فردها حتى كفت عنه ~~الألم، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: إن نكثت نكث يدك، وإنه ~~نكث بعد ذلك، فمات منها، وهذا يظهر كذبه من وجوه نبهنا على بعضها. ~~PageV08P448 # ومنهم من قال: أظهر كعبه ليشعروا به، فلدغته الحية، وهذا من نمط الذي ~~قبله. ### | [فصل قول الرافضي إن الآية تدل على نقص خور أبي بكر وقلة صبره وعدم يقينه وعدم رضاه والرد عليه] # فصل. # وأما قول الرافضي: " الآية تدل على نقصه، لقوله تعالى: {لا تحزن إن الله ~~معنا} [سورة التوبة: 40] فإنه يدل على خوره، وقلة صبره، وعدم يقينه وعدم ~~رضاه بمساواته للنبي صلى الله عليه وسلم وبقضاء الله وقدره ". # فالجواب: أولا: أن هذا يناقض قولكم: " إنه استصحبه حذرا منه لئلا يظهر ~~أمره " فإنه إذا كان عدوه، وكان مباطنا لعداه الذين يطلبونه، كان ينبغي أن ~~يفرح ويسر ويطمئن إذا جاء العدو، وأيضا فالعدو قد جاءوا ومشوا فوق الغار ~~فكان ينبغي أن ينذرهم به. # وأيضا فكان الذي يأتيه بأخبار قريش ابنه عبد الله، فكان يمكنه أن يأمر ~~ابنه أن يخبر بهم قريشا. # وأيضا فغلامه عامر بن فهيرة هو الذي كان معه رواحلهما فكان يمكنه أن يقول ~~لغلامه: أخبرهم به. # فكلامهم في هذا يبطل قولهم: إنه كان منافقا ويثبت أنه كان مؤمنا به. # واعلم أنه ليس في المهاجرين منافق، وإنما كان النفاق في قبائل الأنصار، ~~لأن أحدا لم يهاجر إلا باختياره، والكافر بمكة لم يكن يختار # PageV08P449 # الهجرة، ومفارقة وطنه وأهله لنصر عدوه، وإنما يختارها الذين وصفهم الله ~~تعالى بقوله: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون ~~فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون} [سورة ms2088 الحشر: ~~8] . # وقوله: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين ~~أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله} [سورة الحج: 39، 40] . # وأبو بكر أفضل هؤلاء كلهم. # وإذا كان هذا الكلام يستلزم إيمانه فمعلوم أن الرسول لا يختار لمصاحبته ~~في سفر هجرته الذي هو أعظم الأسفار خوفا، وهو السفر الذي جعل مبدأ التاريخ ~~لجلالة قدره في النفوس ولظهور أمره، فإن التاريخ لا يكون إلا بأمر ظاهر ~~معلوم لعامة الناس لا يستصحب الرسول فيه من يختص بصحبته إلا وهو من أعظم ~~الناس طمأنينة إليه ووثوقا به. # ويكفي هذا في فضائل الصديق، وتمييزه على (1) غيره، وهذا من فضائل الصديق ~~التي لم يشركه فيها غيره، ومما يدل على أنه أفضل أصحاب رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم عنده. PageV08P450 # فصل. # وأما قوله: " إنه يدل على نقصه ". # فنقول: أولا: النقص نوعان نقص ينافي إيمانه، ونقص عمن هو أكمل منه. # فإن أراد الأول فهو باطل، فإن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم ~~{ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون} [سورة النحل: 127] . # وقال للمؤمنين عامة: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون} [سورة آل ~~عمران: 139] . # وقال: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم لا تمدن عينيك إلى ما ~~متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم} [سورة الحجر: 87، 88] فقد نهى نبيه ~~عن الحزن في غير موضع، ونهى المؤمنين جملة فعلم أن ذلك لا ينافي الإيمان. # وإن أراد بذلك أنه ناقص عمن هو أكمل منه، فلا ريب أن حال النبي صلى الله ~~عليه وسلم أكمل من حال أبي بكر، وهذا لا ينازع فيه أحد من أهل السنة ولكن ~~ليس في هذا ما يدل على أن عليا أو عثمان أو عمر، أو غيرهم أفضل منه لأنهم ~~لم يكونوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في # PageV08P451 # هذه الحال، ولو كانوا معه لم يعلم أن حالهم يكون أكمل من حال الصديق، بل ~~المعروف من حالهم دائما وحاله أنهم وقت المخاوف يكون الصديق أكمل منهم كلهم ~~يقينا ms2089 وصبرا، وعند وجود أسباب الريب يكون الصديق أعظم يقينا وطمأنينة وعند ~~ما يتأذى منه النبي صلى الله عليه وسلم يكون الصديق أتبعهم لمرضاته وأبعدهم ~~عما يؤذيه. # هذا هو المعلوم لكل من استقرأ أحوالهم في محيا رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم وبعد وفاته حتى أنه لما مات وموته كان أعظم المصائب التي تزلزل بها ~~الإيمان، حتى ارتد أكثر (1) الأعراب، واضطرب لها عمر الذي كان أقواهم ~~إيمانا وأعظمهم يقينا كان (2) مع هذا تثبيت الله تعالى للصديق بالقول ~~الثابت أكمل وأتم من غيره، وكان في يقينه وطمأنينته وعلمه وغير ذلك أكمل من ~~عمر وغيره فقال الصديق رضي الله عنه: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ~~ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت. # ثم قرأ: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل ~~انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا} الآية [سورة ~~آل عمران: 144] (3) . PageV08P452 # وفي البخاري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم مات وأبو بكر بالسنح ~~فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله، قالت: وقال عمر: والله ما كان يقع ~~في نفسي إلا ذلك، وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم فجاء أبو بكر ~~فكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله، وقال: بأبي أنت وأمي طبت ~~حيا وميتا والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدا. # ثم خرج فقال: أيها الحالف على رسلك، فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فحمد ~~الله أبو بكر وأثنى عليه، وقال: ألا من كان يعبد محمدا، فإن محمدا قد مات ~~ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت، وقال: {إنك ميت وإنهم ميتون} ~~[سورة الزمر: 30] ، وقال: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن ~~مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا ~~وسيجزي الله الشاكرين} [سورة آل عمران: 144] قال: فنشج الناس يبكون " (1) . # وفي صحيح البخاري عن أنس أنه سمع خطبة عمر ms2090 الأخيرة حين جلس على المنبر، ~~وذلك الغد من يوم توفي رسول الله عليه وسلم فتشهد (2) وأبو بكر صامت لا ~~يتكلم، قال: كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبرنا، ~~يريد بذلك أن يكون آخرهم، فإن يك محمد قد مات، فإن الله قد جعل بين أظهركم ~~نورا PageV08P453 # تهتدون به، وبه هدى الله محمدا، وإن أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم ثاني اثنين، وإنه أولى المسلمين بأمورهم فقوموا فبايعوه، وكانت ~~طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكانت بيعة العامة على ~~المنبر (1) . # وفي طريق آخر (2) في البخاري: أما بعد فاختار الله لرسوله الذي عنده على ~~الذي عندكم، وهذا الذي هدى به رسوله فخذوا به تهتدوا، وإنما (3) هدى الله ~~به رسوله صلى الله عليه وسلم " ذكره البخاري في كتاب " الاعتصام بالسنة " ~~(4) . # وروى البخاري أيضا عن عائشة في هذه القصة قالت: " ما كان من خطبتهما من ~~خطبة إلا نفع الله بها، لقد خوف عمر الناس (5) ، وإن فيهم لنفاقا فردهم ~~الله بذلك، ثم لقد بصر أبو بكر الناس الهدى وعرفهم الحق (6) " الذي عليهم. # وأيضا فقصة يوم بدر في العريش ويوم الحديبية في طمأنينته وسكينته معروفة، ~~برز بذلك (7) على سائر الصحابة فكيف ينسب إلى PageV08P454 # الجزع؟ ! . # وأيضا فقيامه بقتال (1) المرتدين ومانعي الزكاة، وتثبيت المؤمنين مع ~~تجهيز أسامة، مما يبين أنه أعظم الناس طمأنينة ويقينا، وقد روي أنه قيل له ~~قد نزل بك ما لو نزل بالجبال لهاضها، وبالبحار لغاضها، وما نراك ضعفت فقال: ~~ما دخل قلبي رعب بعد ليلة الغار، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى ~~حزني - أو كما قال - قال: لا عليك يا أبا بكر، فإن الله قد تكفل لهذا الأمر ~~بالتمام. # ثم يقال: من شبه يقين أبي بكر وصبره بغيره من الصحابة: عمر أو عثمان أو ~~علي فإنه يدل على جهله والسني لا ينازع في فضله على عمر وعثمان، ولكن ~~الرافضي (2) الذي ادعى أن عليا كان أكمل من الثلاثة في هذه الصفات دعواه ms2091 ~~(3) بهت وكذب وفرية، فإن من تدبر سيرة عمر وعثمان علم أنهما كانا في الصبر ~~والثبات وقلة الجزع في المصائب أكمل من علي، فعثمان حاصروه وطلبوا خلعه من ~~الخلافة، أو قتله (4) ولم يزالوا به حتى قتلوه، وهو يمنع الناس من مقاتلتهم ~~إلى أن قتل شهيدا وما دافع عن نفسه فهل هذا إلا من أعظم الصبر على المصائب؟ ~~! . # ومعلوم أن عليا لم يكن صبره كصبر عثمان، بل كان يحصل له من إظهار التأذي ~~من عسكره الذين يقاتلون معه، ومن العسكر الذين PageV08P455 # يقاتلهم ما لم يكن يظهر مثله لا من أبي بكر ولا عمر ولا عثمان مع كون ~~الذين يقاتلونهم كانوا كفارا، وكان الذين معهم بالنسبة إلى عدوهم أقل من ~~الذين مع علي بالنسبة إلى من يقاتله، فإن الكفار الذين قاتلهم أبو بكر وعمر ~~وعثمان كانوا أضعاف المسلمين، ولم يكن جيش معاوية أكثر من جيش علي، بل ~~كانوا أقل منه. # ومعلوم أن خوف الإمام من استيلاء الكفار على المسلمين أعظم من خوفه من ~~استيلاء بعض المسلمين على بعض فكان ما يخافه الأئمة الثلاثة أعظم مما يخافه ~~علي والمقتضي للخوف منهم أعظم ومع هذا فكانوا أكمل يقينا وصبرا مع أعدائهم ~~ومحاربيهم من علي مع أعدائه ومحاربيه (1) فكيف يقال إن يقين علي وصبره (2) ~~كان أعظم من يقين أبي بكر وصبره وهل هذا إلا من نوع السفسطة والمكابرة لما ~~علم بالتواتر خلافه؟ ! . ### | فصل قول الرافضي إن الآية تدل على خوره. . . والرد عليه # فصل. # قول الرافضي: " إن الآية تدل على خوره وقلة صبره، وعدم يقينه بالله، وعدم ~~رضاه بمساواته للنبي صلى الله عليه وسلم وبقضاء الله وقدره ". PageV08P456 # فهذا كله كذب منه ظاهر، ليس في الآية ما يدل على هذا وذلك من وجهين: # أحدهما: أن النهي عن الشيء (1) لا يدل على وقوعه، بل يدل على أنه ممنوع ~~منه لئلا يقع فيما بعد كقوله تعالى: {ياأيها النبي اتق الله ولا تطع ~~الكافرين والمنافقين} [سورة الأحزاب: 1] ، فهذا لا يدل على أنه كان يطيعهم. # وكذلك قوله: {ولا تدع مع الله إلها ms2092 آخر} [سورة القصص: 88] ، (2 أو {لا ~~تجعل مع الله إلها آخر} 2) (2) [سورة الإسراء: 22] فإنه صلى الله عليه وسلم ~~لم يكن مشركا قط لا سيما بعد النبوة فالأمة متفقة على أنه معصوم من الشرك ~~بعد النبوة، وقد نهي عن ذلك بعد النبوة ونظائره كثيرة فقوله لا تحزن لا يدل ~~على أن الصديق كان (3) قد حزن، لكن من الممكن في العقل أنه يحزن فقد ينهى ~~عن ذلك لئلا يفعله. # الثاني: أنه بتقدير أن يكون حزن على النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يقتل ~~فيذهب (4) الإسلام، وكان يود أن يفدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا لما ~~كان معه في سفر الهجرة كان يمشي أمامه تارة ووراءه تارة فسأله النبي صلى ~~الله عليه وسلم عن ذلك فقال: " «أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون ~~وراءك» " رواه أحمد PageV08P457 # في كتاب " مناقب الصحابة " فقال (1) : حدثنا وكيع عن نافع عن ابن عمر عن ~~ابن أبي مليكة، قال: «لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم خرج معه أبو بكر ~~فأخذ (2) طريق ثور، قال: فجعل أبو بكر يمشي خلفه ويمشي أمامه فقال له النبي ~~صلى الله عليه وسلم: ما لك؟ قال: يا رسول الله أخاف أن تؤتى من خلفك ~~فأتأخر، وأخاف أن تؤتى من أمامك فأتقدم، قال: فلما انتهينا إلى الغار قال ~~أبو بكر: يا رسول الله كما أنت حتى أقمه» (3) ، قال نافع: حدثني رجل عن ابن ~~أبي مليكة «أن أبا بكر رأى جحرا في الغار فألقمها قدمه، وقال يا رسول الله ~~إن كانت لسعة، أو لدغة كانت بي» ". # وحينئذ لم يكن يرضى بمساواة النبي صلى الله عليه وسلم لا بالمعنى الذي ~~أراده الكاذب المفتري عليه أنه لم يرض بأن يموتا جميعا، بل كان لا يرضى بأن ~~يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعيش هو (4) ، بل كان يختار أن يفديه ~~بنفسه وأهله وماله. # وهذا واجب على كل مؤمن والصديق أقوم المؤمنين بذلك قال تعالى: {النبي ~~أولى بالمؤمنين من أنفسهم} [سورة الأحزاب: 6] وفي الصحيحين عن أنس عن النبي ~~صلى ms2093 الله عليه وسلم أنه قال: " «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ~~ووالده والناس أجمعين» " (5) . PageV08P458 # وحزنه على النبي صلى الله عليه وسلم يدل على كمال موالاته ومحبته، ونصحه ~~له واحتراسه عليه وذبه عنه ودفع الأذى عنه، وهذا من أعظم الإيمان وإن كان ~~مع ذلك يحصل له بالحزن نوع ضعف، فهذا يدل على أن الاتصاف بهذه الصفات مع ~~عدم الحزن هو المأمور به، فإن مجرد الحزن لا فائدة فيه ولا يدل ذلك على أن ~~هذا ذنب يذم به (1) ، فإن من المعلوم أن الحزن على الرسول أعظم من حزن ~~الإنسان على ابنه، فإن محبة الرسول أوجب من محبة الإنسان لابنه. # ومع هذا فقد أخبر الله عن يعقوب أنه حزن على ابنه يوسف وقال: {ياأسفى على ~~يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون ~~حرضا أو تكون من الهالكين قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} الآية [سورة ~~يوسف: 84 - 86] ، فهذا إسرائيل نبي كريم قد حزن على ابنه هذا الحزن، ولم ~~يكن هذا مما يسب عليه، فكيف يسب أبو بكر إذا حزن على النبي صلى الله عليه ~~وسلم خوفا أن يقتل، وهو الذي علقت به سعادة الدنيا والآخرة؟ ! . # ثم إن هؤلاء الشيعة - وغيرهم - يحكون عن فاطمة من حزنها على النبي صلى ~~الله عليه وسلم ما لا يوصف، وأنها بنت بيت الأحزان، ولا يجعلون ذلك ذما لها ~~مع أنه حزن على أمر فائت لا يعود وأبو بكر إنما حزن عليه في حياته خوف أن ~~يقتل وهو حزن يتضمن الاحتراس، ولهذا لما مات لم يحزن هذا الحزن لأنه لا ~~فائدة فيه فحزن أبي بكر بلا ريب PageV08P459 # أكمل من حزن فاطمة، فإن كان مذموما على حزنه، ففاطمة أولى بذلك وإلا فأبو ~~بكر أحق بأن لا يذم على حزنه على النبي صلى الله عليه وسلم من حزن غيره ~~عليه بعد موته. # وإن قيل: أبو بكر إنما حزن على نفسه لا يقتله الكفار. # قيل: فهذا يناقض قولكم إنه كان عدوه، وكان ms2094 استصحبه لئلا يظهر أمره. # وقيل: هذا باطل بما علم بالتواتر من حال أبي بكر مع النبي صلى الله عليه ~~وسلم وبما أوجبه الله على المؤمنين. # ثم يقال هب أن حزنه كان عليه، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم أفيستحق أن ~~يشتم على ذلك، ولو قدر أنه حزن خوفا أن يقتله عدوه لم يكن هذا مما يستحق به ~~هذا السب. # ثم إن قدر أن ذلك ذنب فلم يصبر عنه، بل لما نهاه عنه انتهى فقد نهى الله ~~تعالى الأنبياء عن أمور كثيرة انتهوا عنها، ولم يكونوا مذمومين بما فعلوه ~~قبل النهي. # وأيضا فهؤلاء ينقلون عن علي وفاطمة من الجزع والحزن على فوت مال فدك ~~وغيرها من الميراث ما يقتضي أن صاحبه إنما يحزن على فوت الدنيا وقد قال ~~تعالى: {لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم} [سورة الحديد: ~~23] فقد دعا الناس إلى أن لا يأسوا على ما فاتهم من الدنيا، ومعلوم أن ~~الحزن على الدنيا أولى بأن ينهى عنه من الحزن على الدين. # PageV08P460 # وإن قدر أنه حزن على الدنيا، فحزن الإنسان على نفسه خوفا أن يقتل أولى أن ~~يعذر به من حزنه على مال لم يحصل له. # وهؤلاء الرافضة من أجهل الناس يذكرون فيمن يوالونه من أخبار المدح، وفيمن ~~يعادونه من أخبار الذم ما هو بالعكس أولى فلا تجدهم يذمون أبا بكر وأمثاله ~~بأمر إلا ولو كان ذلك الأمر ذما لكان علي أولى بذلك، ولا يمدحون عليا بمدح ~~يستحق أن يكون مدحا إلا وأبو بكر أولى بذلك فإنه أكمل في الممادح كلها، ~~وأبرأ من المذام كلها: حقيقيها (1) وخياليها. ### | فصل قول الرافضي إن الآية تدل على قلة صبره والرد عليه # فصل. # وأما قوله: " إنه يدل على قلة صبره ". # فباطل (2) ، بل ولا يدل على انعدام شيء من الصبر المأمور به، فإن الصبر ~~على المصائب واجب (3) بالكتاب والسنة، ومع هذا فحزن القلب لا ينافي ذلك. # كما قال صلى الله عليه وسلم: " «إن الله لا يؤاخذ على دمع العين، ولا على ~~(4) حزن ms2095 القلب، ولكن يؤاخذ على هذا - يعني اللسان - أو PageV08P461 # يرحم» " (1) . # وقوله: " إنه يدل على عدم يقينه بالله ". # كذب وبهت (2) ، فإن الأنبياء قد حزنوا، ولم يكن ذلك دليلا على عدم يقينهم ~~بالله، كما ذكر الله عن يعقوب، وثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم ~~لما مات ابنه إبراهيم قال: " «تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما ~~يرضي الرب، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون» (3) ". # وقد نهى الله عن الحزن نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: {ولا تحزن عليهم} ~~[سورة النحل: 127] . # وكذلك قوله: " يدل على الخور وعدم الرضا بقضاء الله وقدره ". # هو باطل، كما تقدم نظائره. ### | كلام الرافضي على حزن أبي بكر رضي الله عنه والرد عليه # فصل. # وقوله: " وإن كان الحزن طاعة استحال نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه، ~~وإن كان معصية كان ما ادعوه فضيلة رذيلة ". PageV08P462 # والجواب أولا: أنه لم يدع أحد أن مجرد الحزن كان هو الفضيلة، بل الفضيلة ~~ما دل عليه قوله تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ~~ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} الآية ~~[سورة التوبة: 40] . # فالفضيلة كونه هو الذي خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحال ~~واختص بصحبته، وكان له كمال الصحبة مطلقا، وقول النبي صلى الله عليه وسلم ~~له: " {إن الله معنا} " (1) ، وما يتضمنه ذلك من كمال موافقته للنبي صلى ~~الله عليه وسلم ومحبته وطمأنينته، وكمال معونته للنبي صلى الله عليه وسلم ~~وموالاته ففي (2) هذه الحال من كمال إيمانه، وتقواه ما (3) هو الفضيلة. # وكمال محبته ونصره للنبي صلى الله عليه وسلم هو الموجب لحزنه إن كان حزن ~~مع أن القرآن لم يدل على أنه حزن كما تقدم. # ويقال: ثانيا: هذا بعينه موجود في قوله عز وجل لنبيه: {ولا تحزن عليهم ~~ولا تك في ضيق مما يمكرون} [سورة النحل: 127] ، وقوله: {لا تمدن عينيك إلى ~~ما متعنا به أزواجا منهم} [سورة الحجر: 88] ونحو ذلك، بل في قوله تعالى ~~لموسى: {خذها ms2096 ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى} [سورة طه: 21] . PageV08P463 # فيقال: إن كان الخوف طاعة فقد نهى عنه، وإن كان معصية فقد عصى. # ويقال: إنه أمر أن يطمئن ويثبت، لأن الخوف يحصل بغير اختيار العبد إذا لم ~~يكن له ما يوجب الأمن فإذا حصل ما يوجب الأمن زال الخوف. # فقوله لموسى {ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى} [سورة طه: 21] هو أمر مقرون ~~بخبره بما يزيل الخوف. # وكذلك قوله: {فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى} [سورة ~~طه: 67، 68] هو نهي عن الخوف مقرون بما يوجب زواله. # * وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لصديقه: " {لا تحزن إن الله معنا} ~~نهي عن الحزن مقرون بما يوجب زواله * (1) وهو قوله. # إن الله معنا وإذا حصل الخبر بما يوجب زوال الحزن والخوف زال وإلا فهو ~~تهجم على الإنسان بغير اختياره. # وهكذا قول صاحب مدين لموسى لما قص عليه القصص: {لا تخف نجوت من القوم ~~الظالمين} [سورة القصص: 25] وكذلك قوله: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم ~~الأعلون إن كنتم مؤمنين} [سورة آل عمران: 139] قرن النهي عن ذلك بما يزيله ~~من إخباره أنهم هم الأعلون إن كانوا مؤمنين. وكذلك قوله: {ولا تحزن عليهم ~~ولا تك في ضيق مما يمكرون} [سورة النحل: 127] مقرون بقوله: {إن الله مع ~~الذين اتقوا والذين هم محسنون} [سورة النحل: 128] وإخبارهم بأن الله معهم ~~يوجب زوال الضيق من مكر عدوهم. # وقد قال لما أنزل الله الملائكة يوم بدر: {وما جعله الله إلا بشرى لكم ~~ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم} [سورة آل ~~عمران: 126] . # ويقال: ثالثا: ليس في نهيه عن الحزن ما يدل على وجوده كما تقدم، بل قد ~~ينهى عنه لئلا يوجد إذا وجد مقتضيه وحينئذ فلا يضرنا كونه معصية لو وجد ~~فالنهي قد يكون نهي تسلية وتعزية وتثبيت، وإن لم يكن المنهي عنه معصية، بل ~~قد يكون مما يحصل بغير اختيار المنهى وقد يكون الحزن من هذا الباب. # ولذلك قد ينهى الرجل عن إفراطه في الحب وإن كان ms2097 الحب مما لا يملك وينهى ~~عن الغشي والصعق والاختلاج وإن كان هذا يحصل بغير اختياره والنهي عن ذلك ~~ليس لأن المنهي عنه معصية إذا حصل بغير اختياره، ولم يكن سببه محظورا. # فإن قيل فيكون قد نهي عما لا يمكن تركه. # قيل: المراد بذلك أنه مأمور بأن يأتي بالضد المنافي للحزن، وهو قادر على ~~اكتسابه، فإن الإنسان قد يسترسل في أسباب الحزن والخوف وسقوط بدنه فإذا سعى ~~في اكتساب (2) ما يقويه ثبت قلبه وبدنه، وعلى PageV08P464 # هذا فيكون النهي (1) عن هذا أمرا (2) بما يزيله وإن لم يكن معصية كما ~~يؤمر الإنسان بدفع عدوه عنه، وبإزالة النجاسة ونحو ذلك مما يؤذيه وإن لم ~~يكن حصل بذنب منه. # والحزن يؤذي القلب، فأمر بما يزيله كما يؤمر بما يزيل النجاسة، والحزن ~~(3) إنما حصل بطاعة، وهو محبة الرسول ونصحه، وليس هو بمعصية (4) يذم عليه ~~وإنما حصل بسبب الطاعة لضعف القلب الذي لا يذم (5) المرء عليه وأمر باكتساب ~~قوة تدفعه عنه ليثاب على ذلك. # ويقال: رابعا لو قدر أن الحزن كان معصية فهو فعله قبل أن ينهى عنه فلما ~~نهي عنه لم يفعله، وما فعل قبل التحريم فلا إثم فيه كما كانوا قبل تحريم ~~الخمر يشربونها ويقامرون فلما نهوا عنها انتهوا، ثم تابوا كما تقدم. # قال أبو محمد بن حزم (6) : " وأما حزن أبي بكر رضي الله عنه فإنه قبل أن ~~ينهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه (7) كان غاية الرضا لله فإنه (8) ~~كان إشفاقا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك (9) كان الله معه ~~والله لا يكون قط مع العصاة (10) بل عليهم، وما حزن أبو بكر قط بعد أن ~~PageV08P466 # نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحزن، ولو كان لهؤلاء الأرذال (1) ~~حياء، أو علم لم يأتوا بمثل هذا، إذ لو كان حزن أبي بكر عيبا عليه لكان ذلك ~~على محمد وموسى عليهما الصلاة والسلام عيبا (2) ، لأن الله تعالى قال ~~لموسى: {سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ~~ومن اتبعكما الغالبون ms2098} [سورة القصص: 35] ، ثم قال عن السحرة لما قالوا (3) ~~: {إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى} إلى قوله: {فأوجس في نفسه خيفة ~~موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى} [سورة طه: 67، 68] (4) ، فهذا موسى رسول ~~الله وكليمه كان قد (5) أخبره الله عز وجل بأن فرعون وملأه لا يصلون ~~إليهما، وأنه هو الغالب (6) ، ثم أوجس (7) في نفسه خيفة بعد ذلك فإيجاس (8) ~~موسى لم يكن (9) إلا لنسيانه الوعد المتقدم، وحزن أبي بكر كان قبل (10) أن ~~ينهى عنه، وأما PageV08P467 # محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله قال (1) : {ومن كفر فلا يحزنك كفره} ~~[سورة لقمان: 23] وقال تعالى: {ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون} ~~[سورة النحل: 127] ، وقال: {فلا يحزنك قولهم} [سورة يس: 76] (2) ، {فلا ~~تذهب نفسك عليهم حسرات} [سورة فاطر: 8] ، ووجدناه (3) تعالى قد قال: {قد ~~نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون} [سورة الأنعام: 33] فقد أخبرنا أنه يعلم (4) ~~أن رسوله (5) يحزنه الذي يقولون ونهاه عن ذلك، فيلزمهم (6) في حزن رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم كالذي أوردوا (7) في حزن أبي بكر سواء (8) ونعم ~~(9) إن حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كانوا يقولون من الكفر كان ~~طاعة لله قبل أن ينهاه الله كما كان (10) حزن أبي بكر طاعة لله قبل أن ~~ينهاه عنه، وما حزن أبو بكر PageV08P468 # بعد (1) ما نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن الحزن، فكيف وقد يمكن (2) ~~أن أبا بكر لم يكن حزن (3) يومئذ؟ ، لكن نهاه صلى الله عليه وسلم عن (4) أن ~~يكون منه حزن، كما قال تعالى (5) : {ولا تطع منهم آثما أو كفورا} [سورة ~~الإنسان: 24] . ### | فصل الكلام على قوله تعالى لا تحزن إن الله معنا # فصل. # قال شيخ الإسلام المصنف رحمه الله تعالى ورضي الله عنه (6) : وقد زعم بعض ~~الرافضة أن قوله تعالى: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} [سورة ~~التوبة: 40] لا يدل على إيمان أبي بكر، فإن الصحبة قد تكون من المؤمن ~~والكافر. # كما قال تعالى: {واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب ~~وحففناهما بنخل ms2099 وجعلنا بينهما زرعا - كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه ~~شيئا وفجرنا خلالهما نهرا - وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر ~~منك مالا وأعز نفرا - ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه ~~أبدا} [سورة الكهف: 32، 35] إلى قوله: PageV08P469 # {قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة} [سورة ~~الكهف: 37] الآية. # فيقال: معلوم أن لفظ " الصاحب " في اللغة يتناول من صحب غيره ليس فيه ~~دلالة بمجرد هذا اللفظ على أنه وليه، أو عدوه، أو مؤمن، أو كافر، إلا لما ~~يقترن به. # وقد قال تعالى: {والصاحب بالجنب وابن السبيل} [سورة النساء: 36] ، وهو ~~يتناول الرفيق في السفر والزوجة، وليس فيه دلالة على إيمان، أو كفر (1) . # وكذلك قوله تعالى: {والنجم إذا هوى - ما ضل صاحبكم وما غوى} [سورة النجم: ~~1، 2] وقوله: {وما صاحبكم بمجنون} [سورة التكوير: 22] المراد به محمد صلى ~~الله عليه وسلم لكونه صحب البشر فإنه إذا كان قد صحبهم كان بينه وبينهم من ~~المشاركة ما يمكنهم أن ينقلوا عنه ما جاءه من الوحي، وما يسمعون به كلامه ~~ويفقهون معانيه بخلاف الملك الذي لم يصحبهم فإنه لا يمكنهم الأخذ عنه. # وأيضا قد تضمن ذلك أنه بشر من جنسهم (2) ، وأخص من ذلك أنه عربي بلسانهم ~~كما قال تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه} [سورة التوبة: 128] ، ~~وقال: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه} [سورة إبراهيم: 4] فإنه إذا كان ~~قد صحبهم كان قد تعلم لسانهم، وأمكنه PageV08P470 # أن يخاطبهم بلسانهم (1) ، فيرسل رسولا بلسانهم ليتفقهوا (2) عنه، فكان ~~ذكر صحبته لهم هنا على اللطف بهم، والإحسان إليهم. # وهذا بخلاف إضافة الصحبة إليه كقوله تعالى: {لا تحزن إن الله معنا} وقول ~~النبي صلى الله عليه وسلم: " «لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق ~~أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» " (3) ، وقوله: " «هل أنتم ~~تاركي لي صاحبي» ؟ " (4) وأمثال ذلك. # فإن إضافة الصحبة إليه في خطابه (5) وخطاب المسلمين تتضمن صحبة موالاة ~~له، وذلك لا يكون إلا بالإيمان ms2100 به فلا يطلق لفظ صاحبه على من صحبه في سفره ~~وهو كافر به. # والقرآن يقول فيه: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} [سورة التوبة: ~~40] فأخبر الرسول أن الله معه ومع صاحبه، وهذه المعية تتضمن النصر ~~والتأييد، وهو إنما ينصره على عدوه وكل كافر عدوه فيمتنع أن يكون الله ~~مؤيدا له ولعدوه معا، ولو كان مع عدوه لكان ذلك مما يوجب الحزن، ويزيل ~~السكينة فعلم أن لفظ صاحبه تضمن صحبة ولاية ومحبة وتستلزم الإيمان له وبه. ~~PageV08P471 # وأيضا فقوله: " {لا تحزن} " دليل على أنه وليه، وإنه حزن خوفا من عدوهما ~~فقال له: {لا تحزن إن الله معنا} ، ولو كان عدوه لكان لم يحزن إلا حيث ~~يتمكن من قهره فلا يقال له: {لا تحزن إن الله معنا} ، لأن كون الله (1) مع ~~نبيه مما يسر النبي، وكونه مع عدوه مما يسوءه فيمتنع أن يجمع بينهما لا ~~سيما مع قوله: {لا تحزن} ، ثم قوله: {إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ ~~هما في الغار} [سورة التوبة: 40] . # ونصره لا يكون بأن يقترن به عدوه وحده وإنما يكون باقتران وليه ونجاته من ~~عدوه فكيف [لا] ينصر (2) على الذين كفروا من يكونون قد لزموه، ولم يفارقوه ~~(3) ليلا ولا نهارا وهم معه في سفره؟ . # وقوله: {ثاني اثنين} حال من الضمير في أخرجه، أي: أخرجوه في حال كونه ~~نبيا ثاني اثنين، فهو موصوف بأنه أحد الاثنين فيكون الاثنان مخرجين جميعا ~~فإنه يمتنع أن يخرج ثاني اثنين إلا مع الآخر فإنه لو أخرج دونه لم يكن قد ~~أخرج ثاني اثنين فدل على أن الكفار أخرجوه ثاني اثنين فأخرجوه مصاحبا ~~لقرينه في حال كونه معه فلزم أن يكونوا (4) أخرجوهما. # وذلك هو الواقع، فإن الكفار أخرجوا المهاجرين كلهم كما قال تعالى: ~~{للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ~~ورضوانا} [سورة الحشر: 8] . PageV08P472 # وقال تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير - ~~الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله} [سورة الحج: 39، ~~40] . # وقال ms2101: {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم ~~وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم} [سورة الممتحنة: 9] . # وذلك أنهم منعوهم أن يقيموا بمكة مع الإيمان، وهم لا يمكنهم ترك الإيمان ~~فقد أخرجوهم (* إذا كانوا مؤمنين وهذا يدل على أن الكفار أخرجوا صاحبه كما ~~أخرجوه، والكفار إنما أخرجوا *) (1) أعداءهم لا من كان كافرا منهم. # فهذا يدل على أن صحبته صحبة موالاة وموافقة على الإيمان لا صحبة مع ~~الكفر. # وإذا قيل: هذا يدل على أنه كان مظهرا للموافقة، وقد كان يظهر الموافقة له ~~من كان في الباطن منافقا، وقد يدخلون في لفظ الأصحاب في مثل قوله لما ~~استؤذن في قتل بعض المنافقين قال: " لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه " ~~(2) فدل على أن هذا اللفظ قد كان الناس يدخلون فيه من هو منافق. ~~PageV08P473 # قيل: قد ذكرنا فيما تقدم أن المهاجرين لم يكن فيهم منافق وينبغي أن يعرف ~~أن المنافقين كانوا قليلين بالنسبة إلى المؤمنين، وأكثرهم انكشف حاله لما ~~نزل فيهم القرآن وغير ذلك، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف كلا ~~منهم بعينه فالذين باشروا ذلك كانوا يعرفونه. # والعلم بكون الرجل مؤمنا في الباطن، أو يهوديا، أو نصرانيا، أو مشركا أمر ~~لا يخفى مع طول المباشرة فإنه ما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفحات ~~وجهه وفلتات لسانه. # وقال تعالى: {ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم} [سورة محمد: 30] ، ~~وقال: {ولتعرفنهم في لحن القول} [سورة محمد: 30] ، فالمضمر للكفر لا بد أن ~~يعرف في لحن القول، وأما بالسيما فقد يعرف وقد لا يعرف. # وقد قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات ~~فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار} ~~[سورة الممتحنة: 10] . # والصحابة المذكورون في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم والذين ~~يعظمهم المسلمون على الدين، كلهم كانوا مؤمنين به، ولم يعظم المسلمون ولله ~~الحمد على الدين منافقا. # والإيمان يعلم من الرجل كما يعلم سائر أحوال قلبه من موالاته ومعاداته ~~وفرحه وغضبه وجوعه وعطشه وغير ذلك ms2102، فإن هذه الأمور لها لوازم ظاهرة. ~~والأمور الظاهرة تستلزم أمورا باطنة وهذا أمر يعرفه # PageV08P474 # الناس فيمن جربوه وامتحنوه. # ونحن نعلم بالاضطرار أن ابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك (1) وأبا سعيد ~~الخدري وجابر، أو نحوهم كانوا مؤمنين بالرسول محبين له معظمين له ليسوا ~~منافقين، فكيف لا يعلم ذلك في مثل الخلفاء الراشدين الذين أخبارهم وإيمانهم ~~ومحبتهم ونصرهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد طبقت البلاد مشارقها ~~ومغاربها؟ ! . # فهذا مما ينبغي أن يعرف، ولا يجعل وجود قوم منافقين موجبا للشك في إيمان ~~هؤلاء الذين لهم في الأمة لسان صدق، بل نحن نعلم بالضرورة إيمان سعيد بن ~~المسيب والحسن وعلقمة والأسود ومالك والشافعي وأحمد والفضيل والجنيد، ومن ~~هو دون هؤلاء، فكيف لا يعلم إيمان الصحابة، ونحن نعلم إيمان كثير ممن ~~باشرناه من الأصحاب؟ ! . # وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع، وبين أن العلم بصدق الصادق في ~~أخباره (* إذا كان دعوى نبوة، أو غير ذلك، وكذب الكاذب *) (2) مما يعلم ~~بالاضطرار في مواضع كثيرة بأسباب كثيرة. # وإظهار الإسلام من هذا الباب؛ فإن الإنسان إما صادق وإما كاذب. # فهذا يقال أولا، ويقال ثانيا: وهو ما ذكره أحمد وغيره، ولا أعلم بين ~~العلماء فيه نزاعا : أن المهاجرين لم يكن فيهم منافق أصلا، وذلك ~~PageV08P475 # لأن المهاجرين إنما هاجروا باختيارهم لما آذاهم الكفار على الإيمان وهم ~~(1) بمكة لم يكن يؤمن أحدهم إلا باختياره، بل مع احتمال الأذى فلم يكن أحد ~~يحتاج أن يظهر الإيمان ويبطن الكفر لا سيما إذا هاجر إلى دار يكون فيها ~~سلطان الرسول عليه ولكن لما ظهر الإسلام في قبائل الأنصار صار بعض من لم ~~يؤمن بقلبه يحتاج إلى أن يظهر موافقة قومه، لأن المؤمنين صار لهم سلطان وعز ~~ومنعة وصار معهم السيف يقتلون من كفر. # ويقال: ثالثا: عامة عقلاء بني آدم إذا عاشر أحدهم الآخر مدة يتبين له ~~صداقته من عداوته (2) فالرسول يصحب أبا بكر بمكة بضع عشرة سنة ولا يتبين له ~~هل هو صديقه، أو عدوه وهو يجتمع معه في ms2103 دار الخوف وهل هذا إلا قدح في ~~الرسول؟ . # ثم يقال: جميع الناس كانوا يعرفون أنه أعظم أوليائه من حين المبعث (3) ~~إلى الموت فإنه أول من آمن به من الرجال الأحرار، ودعا غيره إلى الإيمان به ~~حتى آمنوا وبذل أمواله في تخليص من كان آمن به من المستضعفين مثل بلال ~~وغيره، وكان يخرج معه إلى الموسم فيدعو القبائل إلى الإيمان به، ويأتي ~~النبي صلى الله عليه وسلم كل يوم إلى بيته: إما غدوة وإما عشية، وقد آذاه ~~الكفار على إيمانه حتى خرج من مكة فلقيه ابن الدغنة أمير من أمراء العرب ~~سيد (4) القارة، وقال: إلى PageV08P476 # أين؟ وقد تقدم حديثه: فهل يشك من له أدنى مسكة من عقل؟ أن مثل هذا لا ~~يفعله إلا من هو في غاية الموالاة والمحبة للرسول ولما جاء به؟ ! وأن ~~موالاته ومحبته بلغت به إلى أن يعادي قومه، ويصبر على أذاهم وينفق أمواله ~~على من يحتاج إليه من إخوانه المؤمنين؟ ! . # وكثير من الناس يكون مواليا لغيره، لكن لا يدخل معه في المحن والشدائد ~~ومعاداة الناس وإظهار موافقته على ما يعاديه الناس عليه، فأما إذا أظهر ~~اتباعه وموافقته على ما يعاديه عليه جمهور الناس، وقد صبر على أذى المعادين ~~وبذل الأموال في موافقته من غير أن يكون هناك داع يدعو إلى ذلك من الدنيا ; ~~لأنه لم يحصل له بموافقته في مكة (1) شيء من الدنيا لا مال ولا رياسة ولا ~~غير ذلك، بل لم يحصل له من الدنيا إلا ما هو أذى ومحنة وبلاء. # والإنسان قد يظهر موافقته للغير: إما لغرض يناله منه، أو لغرض آخر يناله ~~بذلك مثل أن يقصد قتله أو الاحتيال عليه، وهذا كله كان منتفيا بمكة، فإن ~~الذين كانوا يقصدون أذى النبي صلى الله عليه وسلم كانوا من أعظم الناس ~~عداوة لأبي بكر لما آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن بهم اتصال يدعو ~~إلى ذلك ألبتة ولم يكونوا يحتاجون في مثل ذلك إلى أبي بكر، بل كانوا أقدر ~~على ذلك، ولم يكن يحصل ms2104 للنبي صلى الله عليه وسلم أذى قط من أبى بكر مع ~~خلوته به، واجتماعه به ليلا ونهارا وتمكنه مما يريد المخادع من إطعام سم، ~~أو قتل، أو غير ذلك. PageV08P477 # وأيضا فكان حفظ الله لرسوله وحمايته له يوجب أن يطلعه على ضميره السوء لو ~~كان مضمرا له سوءا، وهو قد أطلعه الله على ما في نفس أبي عزة لما جاء مظهرا ~~للإيمان بنية الفتك به، وكان ذلك في قعدة واحدة وكذلك أطلعه على ما في نفس ~~الحجبي يوم حنين لما انهزم المسلمون، وهم بالسوأة، وأطلعه على ما في نفس ~~عمير بن وهب لما جاء من مكة مظهرا للإسلام يريد الفتك به، وأطلعه الله على ~~المنافقين في غزوة تبوك لما أرادوا أن يحلوا حزام ناقته. # وأبو بكر معه دائما ليلا ونهارا حضرا وسفرا في خلوته وظهوره ويوم بدر ~~يكون معه وحده في العريش، ويكون في قلبه ضمير سوء والنبي (1) صلى الله عليه ~~وسلم لا يعلم ضمير ذلك قط، وأدنى من له نوع فطنة يعلم ذلك في أقل من هذا ~~الاجتماع، فهل يظن ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم وصديقه إلا من هو مع فرط ~~جهله وكمال نقص عقله من أعظم الناس تنقصا للرسول وطعنا فيه وقدحا في ~~معرفته؟ ! ، فإن كان هذا الجاهل مع ذلك محبا للرسول (2) فهو كما قيل: " عدو ~~عاقل خير من صديق جاهل ". # ولا ريب أن كثيرا ممن يحب الرسول من بني هاشم وغيرهم، وقد تشيع قد تلقى ~~من الرافضة ما هو من أعظم الأمور قدحا في الرسول، فإن أصل الرفض إنما أحدثه ~~زنديق غرضه إبطال دين الإسلام، والقدح PageV08P478 # في رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قد ذكر ذلك العلماء. # وكان عبد الله بن سبأ شيخ الرافضة لما أظهر الإسلام، أراد أن يفسد ~~الإسلام بمكره وخبثه كما فعل بولص بدين النصارى فأظهر النسك، ثم أظهر الأمر ~~بالمعروف والنهي عن المنكر حتى سعى في فتنة عثمان وقتله، ثم لما قدم على ~~الكوفة أظهر الغلو في علي والنص عليه ليتمكن بذلك ms2105 من أغراضه وبلغ ذلك عليا ~~فطلب قتله فهرب منه إلى قرقيسيا (1) وخبره معروف، وقد ذكره غير واحد من ~~العلماء. # وإلا فمن له أدنى خبرة بدين الإسلام يعلم أن مذهب الرافضة مناقض له، ~~ولهذا كانت الزنادقة الذين قصدهم إفساد الإسلام يأمرون بإظهار التشيع ~~والدخول إلى مقاصدهم من باب الشيعة كما ذكر ذلك إمامهم صاحب " البلاغ ~~الأكبر " و " الناموس الأعظم ". # قال القاضي أبو بكر بن الطيب (2) : وقد اتفق جميع الباطنية وكل مصنف ~~لكتاب ورسالة منهم في ترتيب الدعوة المضلة على أن من سبيل الداعي إلى دينهم ~~ورجسهم المجانب لجميع أديان الرسل والشرائع أن يجيب (3) الداعي إليه الناس ~~بما يبين وما يظهر له من أحوالهم PageV08P479 # ومذاهبهم، وقالوا لكل داع لهم إلى ضلالتهم ما أنا حاك لألفاظهم وصيغة ~~قولهم بغير زيادة ولا نقصان ليعلم بذلك كفرهم وعنادهم لسائر (1) الرسل ~~والملل فقالوا للداعي: " يجب عليك إذا وجدت من تدعوه مسلما: أن تجعل التشيع ~~عنده دينك وشعارك، واجعل المدخل عليه من جهة ظلم السلف وقتلهم الحسين (2) ~~وسبيهم نساءه (3) وذريته والتبري من تيم وعدي ومن بني أمية وبني العباس، ~~وأن تكون قائلا بالتشبيه والتجسيم والبدء والتناسخ والرجعة والغلو، وأن ~~عليا (4) إله يعلم الغيب مفوض (5) إليه خلق العالم، وما أشبه ذلك من أعاجيب ~~الشيعة (6) وجهلهم، فإنهم أسرع إلى إجابتك بهذا الناموس حتى تتمكن (7) منهم ~~مما (8) تحتاج إليه أنت ومن بعدك، ممن تثق به من أصحابك فترقيهم إلى حقائق ~~الأشياء حالا فحالا، ولا تجعل كما جعل المسيح ناموسه في زور (9) موسى القول ~~بالتوراة وحفظ السبت، ثم عجل وخرج عن الحد، وكان له ما كان يعني من قتلهم ~~له بعد تكذيبهم إياه وردهم عليه وتفرقهم عنه فإذا آنست من بعض الشيعة عند ~~الدعوة إجابة ورشدا أوقفته على مثالب علي وولده، وعرفته حقيقة الحق لمن هو ~~وفيمن هو وباطل بطلان (10) كل ما عليه أهل ملة محمد صلى الله عليه وسلم ~~وغيره PageV08P480 # من الرسل، ومن وجدته صابئا فأدخله مداخله بالأشانيع (1) وتعظيم الكواكب، ~~فإن ذلك ديننا وجل مذهبنا في أول أمرنا، وأمرهم من ms2106 جهة الأشانيع يقرب عليك ~~أمره جدا ومن وجدته مجوسيا اتفقت معه في الأصل في الدرجة الرابعة من تعظيم ~~النار والنور والشمس والقمر واتل عليهم أمر السابق (2) ، وأنه نهر من الذي ~~(3) يعرفونه، وثالثه المكنون من ظنه (4) الجيد والظلمة المكتوبة فإنهم مع ~~الصابئين أقرب الأمم إلينا، وأولاهم بنا لولا يسير صحفوه بجهلهم به "، ~~قالوا: " وإن ظفرت بيهودي فادخل عليه من جهة انتظار المسيح، وأنه المهدي ~~الذي ينتظره المسلمون بعينه، وعظم السبت عندهم وتقرب إليهم بذلك، وأعلمهم ~~أنه مثل يدل على ممثول، وأن ممثوله (5) يدل على السابع المنتظر يعنون محمد ~~بن إسماعيل بن جعفر، وأنه دوره، وأنه هو المسيح وهو المهدي وعند معرفته ~~تكون (6) الراحة من الأعمال، وترك التكليفات كما أمروا بالراحة يوم السبت، ~~وأن راحة السبت هو دلالة على الراحة من التكليف والعبادات في دور السابع ~~المنتظر، وتقرب من قلوبهم بالطعن على النصارى والمسلمين الجهال الحيارى ~~الذين يزعمون أن عيسى PageV08P481 # لم يولد ولا أب له، وقو في نفوسهم أن يوسف النجار أبوه وأن مريم أمه، وأن ~~يوسف النجار كان ينال منها ما ينال الرجال من النساء، وما شاكل ذلك فإنهم ~~لن يلبثوا أن يتبعوك ". # قال: " وإن وجدت المدعى نصرانيا فادخل عليه بالطعن على اليهود والمسلمين ~~جميعا، وصحة قولهم في الثالوث، وأن الأب والابن وروح القدس صحيح وعظم ~~الصليب عندهم، وعرفهم تأويله. # وإن وجدته مثانيا، فإن المثانية (1) تحرك الذي منه يعترف، فداخلهم ~~بالممازجة (2) في الباب السادس في الدرجة السادسة من حدود البلاغ التي ~~يصفها (3) من بعد، وامتزج بالنور وبالظلام (4) ، فإنك تملكهم بذلك، وإذا ~~آنست من بعضهم رشدا فاكشف له الغطاء. # ومتى وقع إليك فيلسوف فقد علمت أن الفلاسفة هم العمدة لنا، وقد أجمعنا ~~[نحن] (5) ، وهم على إبطال نواميس الأنبياء وعلى القول بقدم العالم لولا ما ~~يخالفنا بعضهم من أن للعالم مدبرا لا يعرفونه، فإن (6) وقع الاتفاق منهم ~~على أنه لا مدبر للعالم فقد زالت الشبهة بيننا وبينهم. # وإذا وقع لك ثنوي منهم فبخ بخ، قد ظفرت يداك (7) بمن يقل معه تعبك ~~والمدخل عليه ms2107 بإبطال التوحيد، والقول بالسابق والتالي ورتب له ذلك على ما ~~هو مرسوم لك في أول درجة البلاغ وثانيه وثالثه. PageV08P482 # وسنصف لك عنهم من بعد، واتخذ غليظ العهود، وتوكيد الأيمان وشدة المواثيق ~~جنة لك وحصنا، ولا تهجم على مستجيبك بالأشياء (1) الكبار التي يستبشعونها ~~حتى ترقيهم إلى أعلى المراتب: حالا فحالا، وتدرجهم درجة درجة على ما سنبينه ~~من بعد، وقف بكل فريق حيث احتمالهم، فواحد لا تزيده على التشيع والائتمام ~~بمحمد بن إسماعيل، وأنه حي، لا تجاوز به هذا الحد، لا سيما إن كان مثله ممن ~~يكثر به وبموضع اسمه وأظهر له العفاف عن الدرهم والدينار، وخفف عليه وطأتك ~~مرة بصلاة (2) السبعين، وحذره الكذب والزنا واللواط وشرب النبيذ، وعليك في ~~أمره بالرفق والمداراة له والتودد وتصبر له إن كان هواه متبعا لك تحظ (3) ~~عنده، ويكون لك عونا على دهرك، وعلى من لعله يعاديك (4) من أهل الملل، ولا ~~تأمن أن يتغير عليك بعض أصحابك ولا تخرجه (5) عن عبادة إلهه، والتدين ~~بشريعة محمد نبيه صلى الله عليه وسلم والقول بإمامة علي وبنيه إلى محمد بن ~~إسماعيل، وأقم له دلائل الأسابيع فقط ودقه بالصوم والصلاة دقا وشدة ~~الاجتهاد فإنك يومئذ إن أومأت إلى كريمته (6) فضلا عن ماله لم يمنعك، وإن ~~أدركته الوفاة فوض إليك ما خلفه، وورثك إياه ولم ير في العالم من هو أوثق ~~منك، وآخر ترقيه إلى نسخ شريعة محمد، وأن السابع هو الخاتم للرسل، وأنه ~~ينطق كما ينطقون ويأتي بأمر جديد، وأن محمدا صاحب PageV08P483 # الدور السادس وأن عليا لم يكن إماما، وإنما كان سوسا (1) لمحمد وحسن ~~القول فيه وإلا سياسية (2) ، فإن هذا باب كبير، وعمل عظيم منه ترقى إلى ما ~~هو أعظم منه، وأكبر منه ويعينك على زوال ما جاء به من قبلك، من وجوب زوال ~~النبوات على المنهاج الذي هو عليه، وإياك أن ترتفع من هذا الباب إلا إلى من ~~تقدر فيه النجابة (3) ، وآخر ترقيه من هذا إلى معرفة القرآن ومؤلفه وسببه ~~وإياك أن تغتر بكثير ممن يبلغ معك إلى هذه ms2108 المنزلة، فترقيه إلى غيرها ألا ~~يغلطون المؤانسة والمدارسة، واستحكام الثقة به، فإن ذلك يكون لك عونا على ~~تعطيل النبوات، والكتب التي يدعونها منزلة من عند الله، وآخر ترقيه إلى ~~إعلامه أن القائم قد مات، وأنه يقوم روحانيا، وأن الخلق يرجعون إليه بصورة ~~روحانية تفصل بين العباد بأمر الله عز وجل ويستصفي (4) المؤمنين من ~~الكافرين بصور روحانية، فإن ذلك يكون أيضا عونا لك عند إبلاغه إلى إبطال ~~المعاد الذي يزعمونه والنشور من القبر. # وآخر ترقيه من هذا إلى إبطال أمر الملائكة في السماء والجن في الأرض، ~~وأنه كان قبل آدم بشر كثير، وتقيم على ذلك الدلائل المرسومة في كتبنا، فإن ~~ذلك مما يعينك وقت بلاغه على تسهيل التعطيل للوحي (5) والإرسال إلى البشر ~~بملائكة، والرجوع إلى الحق (6) ، والقول بقدم العالم. PageV08P484 # وآخر ترقيه إلى أوائل درجة التوحيد، وتدخل عليه بما تضمنه كتابهم المترجم ~~بكتاب " الدرس الشافي للنفس " من أنه لا إله ولا صفة ولا موصوف، فإن ذلك ~~يعينك على القول بالإلهية لمستحقها عند البلاغ ". # وإلى ذلك يعنون بهذا أن كل داع منهم يترقى درجة درجة إلى أن يصير إماما ~~ناطقا، ثم ينقلب إلها روحانيا على ما سنشرح قولهم فيه من بعد. # قالوا: " ومن بلغته إلى هذا المنزلة فعرفه (1) حسب ما عرفناك من حقيقة ~~أمر الإمام، وأن إسماعيل وأباه محمدا (2) كانا من نوابه، ففي ذلك (3) عون ~~لك على إبطال إمامة علي وولده عند البلاغ والرجوع إلى القول بالحق "، ثم لا ~~يزال كذلك شيئا فشيئا حتى يبلغ الغاية القصوى على تدريج يصفه عنهم فيما ~~بعد. # قال القاضي: " فهذه وصيتهم جميعا للداعي إلى مذاهبهم وفيها أوضح دليل لكل ~~عاقل على كفر القوم وإلحادهم، وتصريحهم بإبطال حدوث العالم ومحدثه وتكذيب ~~ملائكته ورسله وجحد المعاد والثواب والعقاب وهذا هو الأصل لجميعهم وإنما ~~يتمخرقون بذكر الأول، والثاني، والناطق والأساس، إلى غير ذلك ويخدعون به ~~الضعفاء حتى إذا استجاب لهم مستجيب أخذوه بالقول بالدهر والتعطيل (4) . ~~PageV08P485 # وسأصف من بعد من عظيم سبهم لجميع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم وتجريدهم ~~القول بالاتحاد ms2109، (1) وأنه نهاية دعوتهم ما يعلم به كل قار له عظيم (2) ~~كفرهم وعنادهم للدين. # قلت: وهذا بين، فإن الملاحدة من الباطنية الإسماعيلية وغيرهم والغلاة ~~النصيرية وغير النصيرية إنما يظهرون التشيع، وهم في الباطن أكفر من اليهود ~~والنصارى، فدل ذلك على أن التشيع دهليز الكفر والنفاق. # والصديق رضي الله عنه هو الإمام في قتال المرتدين، وهؤلاء مرتدون، ~~فالصديق وحزبه هم أعداؤه. # والمقصود هنا أن الصحبة المذكورة في قوله: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن ~~الله معنا} [سورة التوبة: 40] صحبة موالاة للمصحوب (3) ومتابعة له (4) لا ~~صحبة نفاق (5) كصحبة المسافر للمسافر، وهي من الصحبة التي يقصدها الصاحب ~~لمحبة المصحوب كما هو (6) معلوم عند جماهير الخلائق علما ضروريا بما تواتر ~~عندهم من الأمور الكثيرة أن أبا بكر كان في الغاية من محبة النبي صلى الله ~~عليه وسلم وموالاته والإيمان به أعظم مما يعلمون أن عليا كان مسلما، وأنه ~~كان ابن عمه. # وقوله: " {إن الله معنا} " لم يكن لمجرد الصحبة الظاهرة التي ليس فيها ~~PageV08P486 # متابعة (1) ، فإن هذه تحصل للكافر إذا صحب المؤمن ليس الله معه، بل إنما ~~كانت المعية للموافقة الباطنية والموالاة له والمتابعة. # ولهذا كل من كان متبعا للرسول كان الله معه بحسب هذا الاتباع، قال الله ~~تعالى: {ياأيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} [سورة الأنفال: 64] ~~أي: حسبك وحسب من اتبعك، فكل من اتبع الرسول من جميع المؤمنين فالله حسبه ~~(2) ، وهذا معنى كون الله معه. # والكفاية المطلقة مع الاتباع المطلق، والناقصة مع الناقص (3) ، وإذا كان ~~بعض المؤمنين به المتبعين له قد حصل له من يعاديه على ذلك فالله حسبه، وهو ~~معه وله نصيب من معنى قوله: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} ، فإن ~~هذا قلبه موافق للرسول، وإن لم يكن صحبه ببدنه، والأصل في هذا القلب. # كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " «إن بالمدينة ~~رجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم " قالوا: وهم ~~بالمدينة؟ قال: " وهم بالمدينة حبسهم العذر» " (4) . PageV08P487 # فهؤلاء بقلوبهم كانوا مع ms2110 النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الغزاة، فلهم ~~معنى صحبته في الغزاة، فالله معهم بحسب تلك الصحبة المعنوية. # ولو انفرد الرجل [في] (1) بعض الأمصار والأعصار بحق جاء به الرسول ولم ~~تنصره الناس عليه، فإن الله معه، وله نصيب (2) من قوله: {إلا تنصروه فقد ~~نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه ~~لا تحزن إن الله معنا} [سورة التوبة: 40] ، فإن نصر الرسول هو نصر دينه ~~الذي جاء به حيث كان، ومتى كان، ومن وافقه فهو صاحبه عليه في المعنى، فإذا ~~قام به ذلك الصاحب كما أمر الله، فإن الله مع ما جاء به الرسول، ومع ذلك ~~القائم به. # وهذا المتبع له حسبه الله، وهو حسب الرسول كما قال تعالى: {حسبك الله ومن ~~اتبعك من المؤمنين} [سورة الأنفال: 64] . ### | فصل قول الرافضي إن إنزال السكينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده يعني نقصه والرد عليه # فصل. # وأما قول الرافضي: " إن القرآن حيث ذكر إنزال السكينة على رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم شرك معه المؤمنين إلا هذا الموضع، ولا نقص أعظم منه ". ~~PageV08P488 # فالجواب: أولا (1) : أن هذا يوهم أنه (2) ذكر ذلك في مواضع متعددة وليس ~~كذلك، بل لم يذكر ذلك إلا في قصة حنين. # كما قال تعالى: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت ~~عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين - ثم أنزل الله سكينته على رسوله ~~وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها} [سورة التوبة: 25، 26] فذكر إنزال ~~السكينة على الرسول والمؤمنين بعد أن ذكر توليتهم (3) مدبرين. # وقد ذكر إنزال السكينة على المؤمنين وليس معهم الرسول في قوله: {إنا ~~فتحنا لك فتحا مبينا} [سورة الفتح: 1] إلى قوله: {هو الذي أنزل السكينة في ~~قلوب المؤمنين} [سورة الفتح: 4] الآية، وقوله: {لقد رضي الله عن المؤمنين ~~إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم} [سورة ~~الفتح: 18] . # ويقال: ثانيا: الناس قد تنازعوا في عود الضمير في قوله تعالى: {فأنزل ~~الله سكينته عليه} [سورة التوبة ms2111: 40] فمنهم من قال: إنه عائد إلى النبي صلى ~~الله عليه وسلم ومنهم من قال: إنه عائد إلى أبي بكر لأنه أقرب المذكورين ~~ولأنه كان محتاجا إلى إنزال السكينة (4) ، فأنزل السكينة عليه كما أنزلها ~~على المؤمنين الذين بايعوه تحت الشجرة. PageV08P489 # والنبي صلى الله عليه وسلم كان مستغنيا عنها في هذه الحال (1) لكمال ~~طمأنينته بخلاف إنزالها يوم حنين، فإنه كان محتاجا إليها لانهزام جمهور ~~أصحابه وإقبال العدو نحوه (2) وسوقه ببغلته إلى العدو. # وعلى القول الأول يكون الضمير عائدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما ~~عاد الضمير إليه في قوله: {وأيده بجنود لم تروها} [سورة التوبة: 40] ; ولأن ~~سياق الكلام كان في ذكره، وإنما ذكر صاحبه ضمنا وتبعا. # لكن يقال: على هذا لما قال لصاحبه (3) : {إن الله معنا} والنبي صلى الله ~~عليه وسلم هو المتبوع المطاع، وأبو بكر تابع مطيع، وهو صاحبه والله معهما، ~~فإذا حصل (4) للمتبوع في هذه الحال سكينة وتأييد كان ذلك للتابع أيضا بحكم ~~الحال فإنه صاحب تابع لازم، ولم يحتج أن يذكر هنا أبو بكر لكمال الملازمة ~~والمصاحبة التي توجب مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في التأييد. # بخلاف حال المنهزمين يوم حنين، فإنه لو قال: فأنزل الله سكينته على رسوله ~~وسكت لم يكن في الكلام ما يدل على نزول السكينة عليهم لكونهم بانهزامهم ~~فارقوا الرسول، ولكونهم لم يثبت لهم من الصحبة المطلقة التي تدل على كمال ~~الملازمة ما ثبت لأبي بكر. PageV08P490 # وأبو بكر لما وصفه بالصحبه المطلقة الكاملة، ووصفها في أحق (1) الأحوال ~~أن يفارق الصاحب فيها صاحبه، وهو حال شدة الخوف، كان هذا دليلا بطريق ~~الفحوى على أنه صاحبه وقت النصر والتأييد، فإن من كان صاحبه في حال الخوف ~~الشديد، فلأن يكون صاحبه في حال حصول (2) النصر والتأييد أولى وأحرى فلم ~~يحتج أن يذكر صحبته له في هذه الحال لدلالة الكلام والحال عليها. # وإذا علم أنه صاحبه في هذه الحال علم أن ما حصل للرسول من إنزال السكينة ~~والتأييد بإنزال الجنود التي لم يرها الناس لصاحبه المذكور فيها ms2112 أعظم مما ~~لسائر الناس وهذا من بلاغة القرآن وحسن بيانه. # وهذا كما في قوله: {والله ورسوله أحق أن يرضوه} [سورة التوبة: 62] (3) ، ~~فإن الضمير (4) [في قوله: (أحق أن يرضوه) ] (5) إن عاد إلى الله، فإرضاؤه ~~لا يكون إلا بإرضاء الرسول، وإن عاد إلى الرسول فإنه لا يكون (* إرضاؤه إلا ~~بإرضاء الله، فلما كان إرضاؤهما لا يحصل أحدهما إلا مع الآخر، وهما يحصلان ~~بشيء *) (6) واحد، والمقصود بالقصد الأول إرضاء الله وإرضاء الرسول تابع، ~~وحد الضمير في قوله: {أحق أن يرضوه} ، وكذلك وحد الضمير في قوله: {فأنزل ~~الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها} ; لأن نزول ذلك على أحدهما يستلزم ~~مشاركة الآخر له، إذ محال PageV08P491 # أن ينزل (1) ذلك على الصاحب دون المصحوب، أو على المصحوب دون الصاحب ~~الملازم (2) ، فلما كان لا يحصل ذلك إلا مع الآخر وحد الضمير، وأعاده إلى ~~الرسول فإنه هو المقصود والصاحب تابع له. # ولو قيل: فأنزل السكينة عليهما وأيدهما، لأوهم أن أبا بكر شريك في ~~النبوة، كهارون مع موسى حيث قال: {سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا} ~~الآية [سورة القصص: 35] ، وقال: {ولقد مننا على موسى وهارون - ونجيناهما ~~وقومهما من الكرب العظيم - ونصرناهم فكانوا هم الغالبين - وآتيناهما الكتاب ~~المستبين - وهديناهما الصراط المستقيم} [سورة الصافات: 114 - 118] ، ~~فذكرهما أولا وقومهما فيما يشركونهما (3) فيه. # كما قال: {فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين} [سورة الفتح: 26] ~~إذ ليس في الكلام ما يقتضي حصول النجاة والنصر لقومهما إذا نصرا ونجيا، ثم ~~فيما يختص بهما ذكرهما بلفظ التثنية إذا كانا شريكين في النبوة لم يفرد ~~موسى كما أفرد الرب نفسه بقوله: {والله ورسوله أحق أن يرضوه} [سورة التوبة: ~~62] ، وقوله: {أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله} [سورة التوبة: 24] ~~. # فلو قيل: أنزل الله سكينته عليهما وأيدهما لأوهم الشركة، بل عاد الضمير ~~إلى الرسول المتبوع، وتأييده تأييد لصاحبه التابع له الملازم بطريق ~~الضرورة. PageV08P492 # ولهذا لم ينصر النبي صلى الله عليه وسلم قط (1) في موطن إلا كان أبو بكر ~~رضي الله عنه أعظم المنصورين بعده، ولم يكن أحد من الصحابة ms2113 أعظم يقينا ~~وثباتا في المخاوف منه، ولهذا قيل: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض ~~لرجح. # كما في السنن عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " «هل رأى ~~أحد منكم رؤيا؟ " فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزانا نزل من السماء فوزنت أنت ~~وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر، ثم وزن أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر، ثم وزن ~~عمر وعثمان فرجح عمر، ثم رفع الميزان فاستاء لها النبي صلى الله عليه وسلم ~~فقال: " خلافة نبوة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء» " (2) . # وقال أبو بكر بن عياش: ما سبقهم أبو بكر بصلاة ولا صيام، ولكن بشيء وقر ~~في قلبه. ### | فصل كلام الرافضي على قوله تعالى وسيجنبها الأتقى والرد عليه # فصل. # قال الرافضي: " وأما قوله: {وسيجنبها الأتقى} [سورة الليل: 17] ، فإن ~~المراد به أبو الدحداح حيث اشترى نخلة لشخص لأجل جاره، وقد عرض النبي صلى ~~الله عليه وسلم على PageV08P493 # صاحب النخلة نخلة (1) في الجنة، فسمع أبو الدحداح فاشتراها ببستان له ~~ووهبها الجار، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم له بستانا عوضها في الجنة ". # والجواب: أن يقال: لا يجوز أن تكون هذه الآية مختصة بأبي الدحداح دون أبي ~~بكر باتفاق أهل العلم بالقرآن وتفسيره وأسباب نزوله، وذلك أن هذه (2) ~~السورة مكية باتفاق العلماء، وقصة أبي الدحداح كانت بالمدينة باتفاق ~~العلماء فإنه من الأنصار، والأنصار إنما صحبوه بالمدينة، ولم تكن البساتين ~~وهي الحدائق التي تسمى بالحيطان إلا بالمدينة فمن الممتنع أن تكون الآية لم ~~تنزل إلا بعد قصة أبي الدحداح (3) ، بل إن كان قد قال بعض العلماء: إنها ~~نزلت فيه، فمعناه PageV08P494 # أنه ممن دخل في الآية وممن شمله حكمها وعمومها، فإن كثيرا ما يقول بعض ~~الصحابة والتابعين: " نزلت هذه الآية في كذا " ويكون المراد بذلك أنها دلت ~~على هذا الحكم وتناولته، وأريد بها هذا الحكم. # ومنهم من يقول: بل قد تنزل (1) الآية مرتين، مرة لهذا السبب ومرة لهذا ~~السبب. # فعلى قول هؤلاء يمكن أنها نزلت مرة ثانية في قصة أبي الدحداح ms2114، (2) وإلا ~~فلا خلاف بين أهل العلم أنها نزلت بمكة قبل أن يسلم أبو الداحداح (3) ، ~~وقبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم. # وقد ذكر غير واحد من أهل العلم أنها نزلت في قصة أبي بكر، فذكر ابن جرير ~~في تفسيره بإسناده عن عبد الله بن الزبير، وغيره أنها نزلت في أبي بكر (4) ~~. # وكذلك ذكره (5) ابن أبي حاتم والثعلبي أنها نزلت في أبي بكر عن عبد الله ~~وعن سعيد بن المسيب (6) . # وذكر ابن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن أبي عمر العدني، ~~حدثنا سفيان، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه قال: أعتق أبو بكر سبعة كلهم يعذب ~~في الله: بلالا وعامر بن فهيرة والنهدية، PageV08P495 # وابنتها (1) وزنيرة وأم عميس وأمة بني المؤمل، قال سفيان: فأما زنيرة ~~فكانت رومية، وكانت لبني عبد الدار، فلما أسلمت عميت، فقالوا: أعمتها اللات ~~والعزى، قالت: فهي كافرة باللات والعزى فرد الله إليها بصرها، وأما بلال ~~فاشتراه وهو مدفون في الحجارة، فقالوا: لو أبيت إلا أوقية لبعناكه، فقال ~~أبو بكر: لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته، قال: وفيه نزلت: {وسيجنبها ~~الأتقى} [سورة الليل: 17] إلى آخر السورة. # وأسلم وله أربعون ألفا فأنفقها في سبيل الله، ويدل على أنها نزلت في أبي ~~بكر وجوه: # أحدها: أنه قال: {وسيجنبها الأتقى} ، وقال: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} ~~[سورة الحجرات: 13] فلا بد أن يكون أتقى الأمة داخلا في هذه الآية، وهو ~~أكرمهم عند الله، ولم يقل أحد إن أبا الدحداح ونحوه أفضل وأكرم من السابقين ~~الأولين من المهاجرين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم، بل الأمة كلهم - ~~سنيهم وغير سنيهم - متفقون على أن هؤلاء وأمثالهم من المهاجرين أفضل من أبي ~~الدحداح فلا بد أن يكون الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى فيهم. # وهذا القائل قد ادعى أنها نزلت في أبي الدحداح، فإذا كان القائل قائلين: ~~قائلا يقول: نزلت فيه، وقائلا يقول: نزلت في أبي بكر كان هذا القائل هو ~~الذي يدل القرآن على قوله، وإن قدر عموم الأية لهما، فأبو بكر ms2115 أحق بالدخول ~~فيها من أبي الدحداح. PageV08P496 # وكيف (1) لا يكون كذلك وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ~~أنه قال: " «ما نفعني مال قط كمال أبي بكر» " (2) فقد نفى عن جميع [مال] ~~(3) الأمة أن ينفعه كنفع مال أبي بكر، فكيف تكون تلك الأموال (4) المفضولة ~~دخلت في الآية والمال الذي هو أنفع الأموال له لم يدخل فيها؟ ! . # الوجه الثاني: أنه إذا كان الأتقى هو الذي يؤتي ماله [يتزكى] (5) ، وأكرم ~~الخلق أتقاهم، كان هذا أفضل الناس والقولان المشهوران في هذه الآية قول أهل ~~السنة أن أفضل الخلق أبو بكر، وقول الشيعة علي، فلم يجز أن يكون الأتقى ~~الذي هو أكرم الخلق على الله واحدا غيرهما، وليس منهما (6) واحد يدخل في ~~الأتقى، وإذا ثبت أنه لا بد من دخول أحدهما في الأتقى وجب أن يكون أبو بكر ~~داخلا في الآية ويكون أولى بذلك من علي لأسباب: # أحدها أنه قال: {الذي يؤتي ماله يتزكى} [سورة الليل: 18] وقد ثبت في ~~النقل المتواتر في الصحاح وغيرها أن أبا بكر أنفق ماله، وأنه مقدم في ذلك ~~على جميع الصحابة، كما ثبت في الحديث الذي رواه البخاري عن ابن عباس قال: ~~«خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة، ~~فقعد على المنبر، فحمد الله PageV08P497 # وأثنى عليه، ثم قال: " إنه ليس من الناس أحد أمن علي [في] (1) نفسه وماله ~~من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن ~~خلة الإسلام أفضل، سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد إلا خوخة أبي بكر» " (2) ~~. # وفي الصحيحين عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم: " «إن أمن الناس في صحبته ~~وماله أبو بكر» "، وفي البخاري عن أبي الدرداء: قال: قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم: " «إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت، ~~وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ " مرتين» (3) فما أوذي ~~بعدها (4) . # وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى ms2116 الله عليه وسلم: " «ما ~~نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر " فبكى أبو بكر، وقال: هل أنا ومالي إلا ~~لك يا رسول الله» ؟ " (5) . # وعن عمر قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، فوافق ذلك ~~مالا عندي فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما، فجئت بنصف مالي فقال ~~النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أبقيت لأهلك؟ " قلت: مثله، وجاء أبو بكر ~~بماله كله، فقال له النبي صلى الله PageV08P498 # عليه وسلم: " ما أبقيت لأهلك؟ " قال: أبقيت لهم الله ورسوله، فقلت: لا ~~أسابقك إلى شيء أبدا» " رواه أبو داود والترمذي وصححه (1) . # فهذه النصوص الصحيحة المتواترة الصريحة تدل على أنه كان من أعظم الناس ~~إنفاقا لماله فيما يرضي الله ورسوله. # وأما علي فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمونه لما أخذه من أبي طالب ~~لمجاعة حصلت بمكة، وما زال علي فقيرا حتى تزوج بفاطمة وهو فقير، وهذا مشهور ~~معروف عن أهل السنة والشيعة، وكان في عيال النبي صلى الله عليه وسلم، لم ~~يكن له ما ينفقه، ولو كان له مال لأنفقه لكنه كان منفقا عليه لا منفقا. # السبب الثاني: قوله: {وما لأحد عنده من نعمة تجزى} [سورة الليل: 19] وهذه ~~لأبي بكر دون علي، لأن أبا بكر كان للنبي صلى الله عليه وسلم عنده نعمة ~~الإيمان أن (2) هداه الله به وتلك النعمة (3) لا يجزى بها الخلق، بل أجر ~~الرسول فيها على الله كما قال تعالى: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من ~~المتكلفين} [سورة ص: 86] ، وقال: {قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا ~~على الله} [سورة سبأ: 47] . # وأما النعمة التي يجزى بها الخلق فهي نعمة الدنيا، وأبو بكر لم تكن للنبي ~~صلى الله عليه وسلم عنده نعمة الدنيا، بل نعمة دين، بخلاف علي فإنه كان ~~للنبي صلى الله عليه وسلم عنده نعمة دنيا يمكن أن تجزى. PageV08P499 # الثالث: أن الصديق لم يكن بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم سبب (1) ~~يواليه لأجله ويخرج ماله إلا الإيمان ms2117، ولم ينصره كما نصره أبو طالب لأجل ~~القرابة، وكان عمله كاملا في إخلاصه لله تعالى كما قال: {إلا ابتغاء وجه ~~ربه الأعلى ولسوف يرضى} [سورة الليل: 20، 21] . # وكذلك خديجة كانت زوجته، والزوجة قد تنفق مالها على زوجها وإن كان دون ~~النبي صلى الله عليه وسلم. # وعلي لو قدر أنه أنفق لكان قد (2) أنفق على قريبه، وهذه أسباب قد يضاف ~~الفعل إليها بخلاف إنفاق أبي بكر فإنه لم يكن له سبب إلا الإيمان بالله ~~وحده فكان من أحق المتقين بتحقيق قوله: {إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى} ، ~~وقوله: {وسيجنبها الأتقى - الذي يؤتي ماله يتزكى - وما لأحد عنده من نعمة ~~تجزى - إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى} [سورة الليل: 17 - 20] استثناء منقطع ~~والمعنى: لا يقتصر في العطاء على من له عنده نعمة يكافئه بذلك (3) ، فإن ~~هذا من باب العدل الواجب للناس بعضهم على بعض بمنزلة المعاوضة في المبايعة ~~والمؤاجرة وهو واجب لكل أحد على أحد، فإذا لم يكن لأحد عنده نعمة تجزى لم ~~يحتج إلى هذه المعاوضة، فيكون عطاؤه خالصا لوجه ربه الأعلى، بخلاف من كان ~~عنده لغيره نعمة يحتاج أن يجزيه بها فإنه يحتاج PageV08P500 # أن يعطيه مجازاة على ذلك. # وهذا الذي ما لأحد عنده من نعمة تجزى إذا أعطى ماله يتزكى في معاملته ~~للناس (1) دائما (2) يكافئهم ويعاوضهم ويجازيهم، فحين إعطائه ماله يتزكى لم ~~يكن لأحد عنده من نعمة تجزى. # وفيه أيضا ما يبين أن الفضل بالصدقة لا يكون إلا بعد أداء الواجب من ~~المعاوضات كما قال تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} [سورة البقرة: ~~219] فمن عليه ديون من أثمان وقرض (3) وغير ذلك، فلا يقدم الصدقة على قضاء ~~هذه الواجبات، ولو فعل ذلك فهل ترد صدقته على قولين معروفين للفقهاء فهذه ~~الآية يحتج بها من ترد صدقته (4) ، لأن الله تعالى إنما أثنى على من آتى ~~ماله يتزكى، وما لأحد عنده من نعمة تجزى فإذا كان عنده نعمة تجزى فعليه أن ~~يجزي بها (5) قبل أن يؤتي ماله يتزكى، فإذا آتى ماله يتزكى قبل أن يجزي بها ~~(6) لم ms2118 يكن ممدوحا، فيكون عمله مردودا لقوله صلى الله عليه وسلم: " «من عمل ~~عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» " (7) . PageV08P501 # الرابع: أن هذه الآية إذا قدر أنه دخل فيها من دخل من الصحابة، فأبو بكر ~~أحق الأمة بالدخول فيها فيكون هو الأتقى من هذه الأمة فيكون أفضلهم، وذلك ~~(* لأن الله تعالى وصف الأتقى بصفات أبو بكر أكمل بها من جميع الأمة *) (1) ~~وهو قوله: {الذي يؤتي ماله يتزكى} وقوله: {وما لأحد عنده من نعمة تجزى - ~~إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى} [سورة الليل: 18 - 20] . # أما إيتاء المال فقد ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن إنفاق ~~أبي بكر أفضل من إنفاق غيره، وأن معاونته له بنفسه وماله أكمل من معاونة ~~غيره (2) . # وأما ابتغاء النعمة التي تجزى فأبو بكر لم يطلب من النبي صلى الله عليه ~~وسلم مالا قط ولا حاجة دنيوية، وأنه كان يطلب منه العلم لقوله الذي ثبت في ~~الصحيحين «أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: " علمني دعاء أدعو به في ~~صلاتي "، فقال: " قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا ~~أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني PageV08P502 # إنك أنت الغفور الرحيم» " (1) . # ولا أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم مالا يخصه به قط، بل إن حضر غنيمة ~~كان كآحاد الغانمين، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ماله كله، وأما غيره من ~~المنفقين من الأنصار وبني هاشم فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم ما ~~لا يعطى غيرهم، فقد أعطى بني هاشم وبني المطلب من الخمس ما لم يعط (2) ~~غيرهم، واستعمل عمر وأعطاه عمالة، وأما أبو بكر فلم يعطه شيئا فكان أبعد ~~الناس من النعمة التي تجزى وأولاهم بالنعمة التي لا تجزى. # وأما إخلاصه في ابتغاء وجه ربه الأعلى، فهو أكمل الأمة في ذلك فعلم أنه ~~أكمل من تناولته الآية في الصفات المذكورة. # كما أنه أكمل من تناول قوله: {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم ~~المتقون} [سورة الزمر: 33] . # وقوله: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل ms2119 الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من ~~الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى} [سورة الحديد: 10] . ~~PageV08P503 # وقوله: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار} [سورة التوبة: 100] ، ~~وأمثال ذلك من الآيات التي فيها مدح المؤمنين من هذه الأمة، فأبو بكر أكمل ~~الأمة في الصفات التي يمدح الله بها المؤمنين، فهو أولاهم بالدخول فيها (1) ~~وأكمل من دخل فيها، فعلم أنه أفضل الأمة. ### | فصل كلام الرافضي على قوله تعالى قل للمخلفين من الأعراب والرد عليه # فصل. # قال الرافضي (2) : وأما قوله تعالى: {قل للمخلفين من الأعراب} [سورة ~~الفتح: 16] (3) فإنه أراد الذين تخلفوا عن الحديبية والتمس هؤلاء أن يخرجوا ~~إلى غنيمة خيبر فمنعهم الله تعالى بقوله: {قل لن تتبعونا} [سورة الفتح: 15] ~~; لأنه تعالى جعل غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية، ثم قال تعالى: {قل للمخلفين ~~من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد} [سورة الفتح: 16] ، وقد دعاهم ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوات كثيرة (4) PageV08P504 # كمؤتة وحنين وتبوك وغيرها، وكان الداعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ~~وأيضا جاز أن يكون عليا حيث قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، وكان ~~رجوعهم إلى طاعته إسلاما لقوله صلى الله عليه وسلم: " «يا علي حربك حربي ~~وحرب (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر» ". # فالجواب: أما الاستدلال بهذه الآية على خلافة الصديق ووجوب طاعته فقد ~~استدل بها طائفة من أهل العلم، منهم الشافعي والأشعري وابن حزم وغيرهم ~~واحتجوا بأن الله تعالى قال: {فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك ~~للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا} الآية [سورة التوبة: ~~83] قالوا: فقد أمر الله رسوله أن يقول لهؤلاء: لن تخرجوا معي أبدا ولن ~~تقاتلوا معي عدوا، فعلم أن الداعي لهم إلى القتال ليس رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم فوجب أن يكون من بعده وليس إلا أبا بكر (2) ، ثم عمر، ثم عثمان ~~الذين دعوا الناس إلى قتال فارس والروم وغيرهم، أو يسلمون حيث قال ~~تقاتلونهم، أو يسلمون. # وهؤلاء جعلوا المذكورين في " سورة الفتح " هم المخاطبين في سورة " براءة ~~" ومن ms2120 هنا صار في الحجة نظر، فإن الذين في سورة " الفتح " هم الذين دعوا ~~زمن الحديبية ليخرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، لما PageV08P505 # أراد أن يذهب إلى مكة وصده المشركون وصالحهم عام حينئذ بالحديبية (1) ، ~~وبايعه المسلمون تحت الشجرة. # وسورة الفتح نزلت في هذه القصة، وكان ذلك العام عام ست من الهجرة ~~بالاتفاق وفي ذلك نزل قوله: {وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما ~~استيسر من الهدي} [سورة البقرة: 196] ، وفيها نزلت فدية الأذى في كعب بن ~~عجرة وهي قوله (2) : {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} [سورة البقرة: 196] ، ~~ولما رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة خرج إلى خيبر ففتحها الله ~~على المسلمين في أول سنة سبع، وفيها أسلم أبو هريرة وقدم جعفر وغيره من ~~مهاجرة الحبشة، ولم يسهم النبي صلى الله عليه وسلم لأحد ممن شهد خيبر إلا ~~لأهل الحديبية الذين بايعوا تحت الشجرة إلا أهل السفينة الذين قدموا مع ~~جعفر، وفي ذلك نزل (3) قوله: {سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم ~~لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال ~~الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا} [سورة الفتح: 15] إلى قوله: {تقاتلونهم ~~أو يسلمون} [سورة الفتح: 16] وقد دعا الناس بعد ذلك رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم إلى مكة عام ثمان من الهجرة، وكانت خيبر سنة سبع ودعاهم عقب ~~الفتح إلى قتال هوازن بحنين، ثم حاصر الطائف سنة ثمان وكانت هي آخر الغزوات ~~التي قاتل فيها رسول الله صلى الله عليه PageV08P506 # وسلم، وغزا تبوك سنة تسع، لكن لم يكن فيها قتال: غزا فيها النصارى بالشام ~~وفيها أنزل الله (1) سورة براءة، وذكر فيها المخلفين الذين قال فيهم: {فقل ~~لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا} [سورة التوبة: 83] . # وأما مؤتة فكانت سرية قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: " «أميركم زيد، ~~فإن قتل فجعفر، فإن قتل فعبد الله بن رواحة» " (2) ، وكانت بعد عمرة القضية ~~وقبل فتح مكة، فإن جعفرا حضر عمرة القضية، وتنازع هو وعلي وزيد في ms2121 بنت حمزة ~~قضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء امرأة جعفر خالة البنت، وقال: " ~~«الخالة بمنزلة الأم» " (3) ، ولم يشهد زيد ولا جعفر ولا ابن رواحة فتح مكة ~~; لأنهم استشهدوا قبل ذلك في غزوة مؤتة. # وإذا عرف هذا فوجه الاستدلال من الآية أن يقال قوله تعالى: {ستدعون إلى ~~قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون} [سورة الفتح: 16] يدل على أنهم ~~متصفون بأنهم أولو بأس شديد وبأنهم يقاتلون، أو يسلمون قالوا: فلا يجوز أن ~~يكون دعاهم (4) إلى قتال أهل مكة وهوازن عقيب عام الفتح، لأن هؤلاء هم ~~الذين دعوا إليهم عام الحديبية، ومن لم يكن منهم فهو من جنسهم ليس هو أشد ~~بأسا منهم كلهم عرب من أهل الحجاز، وقتالهم من جنس واحد، وأهل مكة ومن ~~PageV08P507 # حولها كانوا أشد بأسا وقتالا للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم بدر ~~وأحد والخندق من أولئك وكذلك في غير ذلك من السرايا. # فلا بد أن يكون هؤلاء الذين تقع الدعوة إلى قتالهم لهم اختصاص بشدة البأس ~~ممن دعوا إليه عام الحديبية كما قال تعالى: {أولي بأس شديد} [سورة الفتح: ~~16] ، وهنا صنفان: أحدهما: بنو الأصفر الذين دعوا إلى قتالهم عام تبوك سنة ~~تسع فإنهم أولو بأس شديد، وهم أحق بهذه الصفة من غيرهم، وأول قتال كان معهم ~~عام مؤتة عام ثمان قبل تبوك فقتل فيها أمراء المسلمين زيد وجعفر وعبد الله ~~بن رواحة ورجع المسلمون كالمنهزمين. # ولهذا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم لما رجعوا: «نحن الفرارون، فقال: " ~~بل أنتم العكارون، أنا فئتكم وفئة كل مسلم» " (1) . # ولكن قد عارض بعضهم هذا بقوله: {تقاتلونهم أو يسلمون} [سورة الفتح: 16] ، ~~وأهل الكتاب يقاتلون حتى يعطوا الجزية فتأول الآية طائفة أخرى في المرتدين ~~الذين قاتلهم الصديق أصحاب مسيلمة الكذاب، فإنهم كانوا أولي بأس شديد، ولقي ~~المسلمون في قتالهم شدة PageV08P508 # عظيمة واستحر القتل يومئذ بالقراء (1) ، وكانت من أعظم الملاحم التي بين ~~المسلمين وعدوهم، والمرتدون يقاتلون، أو يسلمون، لا يقبل منهم جزية وأول من ~~قاتلهم الصديق وأصحابه، فدل على وجوب طاعته ms2122 في الدعاء إلى قتالهم. # والقرآن يدل والله أعلم على أنهم يدعون إلى قوم موصوفين بأحد الأمرين: ~~إما مقاتلتهم لهم وإما إسلامهم لا بد من أحدهما، وهم أولو بأس شديد وهذا ~~بخلاف من دعوا إليه عام الحديبية، فإنهم لم يوجد منهم لا هذا ولا هذا ولا ~~أسلموا، بل صالحهم الرسول بلا إسلام ولا قتال، فبين القرآن الفرق بين من ~~دعوا إليه عام الحديبية وبين من يدعون إليه بعد ذلك. # ثم إذا فرض (2) عليهم الإجابة والطاعة إذا دعوا إلى قوم أولي بأس شديد ~~فلأن يجب عليهم الطاعة إذا دعوا إلى من ليس بذي بأس شديد بطريق الأولى ~~والأحرى، فتكون الطاعة واجبة عليهم في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى ~~مكة وهوازن وثقيف. # ثم لما دعاهم (3) بعد هؤلاء إلى بني الأصفر كانوا أولي بأس شديد، والقرآن ~~قد وكد الأمر في عام تبوك، وذم المتخلفين عن الجهاد ذما عظيما كما تدل عليه ~~سورة براءة، وهؤلاء وجد فيهم أحد الأمرين: القتال أو الإسلام، وهو سبحانه ~~لم يقل: {تقاتلونهم أو يسلمون} PageV08P509 # [سورة الفتح: 16] إلى أن يسلموا، ولا قال: قاتلوهم حتى يسلموا، بل وصفهم ~~بأنهم يقاتلون، أو يسلمون، ثم إذا قوتلوا فإنهم يقاتلون كما أمر الله حتى ~~يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. # فليس في قوله: {تقاتلونهم} ما يمنع أن يكون القتال إلى الإسلام وأداء ~~الجزية، لكن يقال قوله: {ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد} [سورة الفتح: 16] ~~كلام حذف فاعله فلم يعين الفاعل الداعي لهم إلى القتال، فدل القرآن على ~~وجوب الطاعة لكل من دعاهم إلى قتال قوم أولي بأس شديد يقاتلونهم، أو ~~يسلمون. # ولا ريب أن أبا بكر دعاهم إلى قتال المرتدين، ثم قتال فارس والروم، وكذلك ~~عمر دعاهم إلى قتال فارس والروم، وعثمان دعاهم إلى قتال البربر ونحوهم، ~~والآية تتناول هذا الدعاء كله. # أما تخصيصها بمن دعاهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم كما قاله (1) طائفة ~~من المحتجين بها على خلافة أبي بكر فخطأ، بل إذا قيل: تتناول هذا وهذا كان ~~هذا مما يسوغ ms2123، ويمكن أن يراد بالآية (2) ويستدل عليه بها، ولهذا وجب قتال ~~الكفار مع كل أمير دعا إلى قتالهم، وهذا أظهر الأقوال في الآية وهو أن ~~المراد تدعون إلى قتال أولي بأس شديد أعظم من العرب لا بد فيهم من أحد ~~أمرين: إما أن يسلموا، وإما أن يقاتلوا بخلاف من دعوا إليه عام الحديبية، ~~فإن بأسهم لم يكن شديدا مثل هؤلاء ودعوا إليهم ففي ذلك لم يسلموا ولم ~~يقاتلوا. PageV08P510 # وكذلك عام الفتح في أول الأمر لم يسلموا ولم يقاتلوا، لكن بعد ذلك ~~أسلموا. # وهؤلاء هم الروم والفرس ونحوهم، فإنه لا بد من قتالهم إذا لم يسلموا، ~~وأول الدعوة إلى قتال هؤلاء عام مؤتة وتبوك، وعام تبوك لم يقاتلوا النبي ~~صلى الله عليه وسلم ولم يسلموا، لكن في زمن الصديق والفاروق كان لا بد من ~~أحد الأمرين: إما الإسلام وإما القتال، وبعد القتال أدوا الجزية لم يصالحوا ~~ابتداء كما صالح المشركون عام الحديبية، فتكون دعوة أبي بكر وعمر إلى قتال ~~هؤلاء داخلة في الآية وهو المطلوب. # والآية تدل على أن قتال علي لم تتناوله الآية (1) ، فإن الذين قاتلهم لم ~~يكونوا أولي بأس شديد أعظم من بأس أصحابه، بل كانوا من جنسهم، وأصحابه ~~كانوا أشد بأسا. # وأيضا فهم لم يكونوا يقاتلون، أو يسلمون فإنهم كانوا مسلمين. # وما ذكره في الحديث من قوله (2) : " «حربك حربي» " لم يذكر له إسنادا، ~~فلا يقوم به حجة، فكيف وهو كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث؟ . # ومما يوضح الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول " براءة " وآية ~~الجزية كان الكفار من المشركين وأهل الكتاب تارة يقاتلهم، وتارة يعاهدهم ~~فلا يقاتلهم ولا يسلمون، فلما أنزل الله " براءة " وأمره فيها بنبذ ~~PageV08P511 # العهد (1) إلى الكفار، وأمره أن يقاتل أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد ~~وهم صاغرون، صار حينئذ مأمورا بأن يدعو الناس إلى قتال من لا بد من قتالهم، ~~أو إسلامهم (2) ، وإذا قاتلهم قاتلهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية لم يكن له ~~حينئذ أن يعاهدهم بلا جزية، كما [كان] (3) (4) يعاهد ms2124 الكفار من المشركين ~~وأهل الكتاب كما عاهد أهل مكة عام الحديبية، وفيها دعا الأعراب إلى قتالهم، ~~وأنزل فيها سورة الفتح، وكذلك دعا المسلمين وقال فيها: {قل للمخلفين من ~~الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون} [سورة الفتح: ~~16] بخلاف هؤلاء الذين دعاهم إليهم عام الحديبية. # والفرق بينهما من وجهين: أحدهما: أن الذين يدعون إلى قتالهم في المستقبل ~~أولو بأس شديد بخلاف أهل مكة وغيرهم من العرب. # والثاني: أنكم تقاتلونهم، أو يسلمون ليس لكم أن تصالحوهم ولا تعاهدوهم ~~بدون أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، كما قاتل أهل مكة وغيرهم، والقتال ~~إلى أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. # وهذا يبين أن هؤلاء أولي البأس (5) لم يكونوا ممن يعاهدون بلا جزية، ~~فإنهم يقاتلون أو يسلمون ومن يعاهد بلا جزية له (6) حال ثالث: لا يقاتل ~~فيها ولا يسلم، وليسوا أيضا من جنس العرب الذين " (* قوتلوا قبل ذلك. ~~PageV08P512 # فتبين أن الوصف [لا] يتناول (1) الذين قاتلهم *) (2) بحنين وغيرهم، فإن ~~هؤلاء بأسهم من جنس بأس أمثالهم من العرب الذين قوتلوا قبل ذلك. # فتبين أن الوصف يتناول فارس والروم الذين أمر الله بقتالهم، أو يسلمون ~~وإذا قوتلوا [قبل ذلك] (3) فإنهم يقاتلون حتى يعطوا الجزية عن يد وهم ~~صاغرون. # وإذا قيل: إنه دخل ذلك في قتال المرتدين ; لأنهم يقاتلون أو يسلمون، كان ~~أوجه من أن يقال: المراد قتال أهل مكة وأهل حنين الذين قوتلوا في حال كان ~~يجوز فيها مهادنة الكفار، فلا يسلمون ولا يقاتلون، والنبي صلى الله عليه ~~وسلم عام الفتح وحنين كان بينه وبين كثير من الكفار عهود بلا جزية فأمضاها ~~لهم، ولكن لما أنزل الله براءة بعد ذلك عام تسع سنة غزوة تبوك بعث أبا بكر ~~بعد تبوك أميرا على الموسم، فأمره أن ينادي: «أن لا يحج بعد العام مشرك، ~~ولا يطوف بالبيت عريان، وأن من كان بينه وبين رسول الله عهد، فعهده إلى ~~مدته وأردفه بعلي يأمره بنبذ العهود المطلقة، وتأجيل من لا عهد له أربعة ~~أشهر» كان آخرها شهر ms2125 ربيع سنة عشر. # وهذه الحرم المذكورة في قوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين ~~حيث وجدتموهم} الآية (4) [سورة التوبة: 5] ، ليس المراد الحرم PageV08P513 # المذكورة في قوله: {منها أربعة حرم} [سورة التوبة: 36] ، ومن قال ذلك فقد ~~غلط غلطا معروفا عند أهل العلم كما هو مبسوط في موضعه. # ولما أمر الله بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون أخذ ~~النبي صلى الله عليه وسلم الجزية من المجوس، واتفق المسلمون على أخذها من ~~أهل الكتاب والمجوس. # وتنازع العلماء في سائر الكفار على ثلاثة أقوال: فقيل: جميعهم يقاتلون ~~بعد ذلك حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون إذا لم يسلموا، وهذا قول مالك. # وقيل: يستثنى من ذلك مشركو العرب، وهو قول أبي حنيفة وأحمد في إحدى ~~الروايتين عنه. # وقيل: ذلك مخصوص بأهل الكتاب، ومن له شبهة كتاب، وهو قول الشافعي وأحمد ~~في رواية أخرى عنه. # والقول الأول والثاني متفقان في المعنى، فإن آية الجزية لم تنزل إلا بعد ~~فراغ النبي صلى الله عليه وسلم من قتال مشركي العرب، فإن آخر غزواته للعرب ~~كانت غزوة الطائف، وكانت بعد حنين وحنين بعد فتح مكة، وكل ذلك سنة ثمان، ~~وفي السنة التاسعة غزا النصارى عام تبوك، وفيها نزلت سورة " براءة " وفيها ~~أمر \ بالقتال حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. # «وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرا على جيش أو سرية أمره أن ~~يقاتلهم حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» ، كما رواه مسلم # PageV08P514 # في صحيحه (1) ، وصالح النبي صلى الله عليه وسلم نصارى نجران على الجزية ~~وهم أول من أدى الجزية وفيهم أنزل الله صدر سورة آل عمران، ولما كانت سنة ~~تسع نفى المشركون عن الحرم، ونبذ العهود إليهم، وأمره الله تعالى أن ~~يقاتلهم، وأسلم المشركون من العرب كلهم، فلم يبق مشرك معاهد لا بجزية ولا ~~بغيرها (2) وقبل ذلك كان يعاهدهم بلا جزية، فعدم أخذ الجزية منهم (3) : هل ~~كان لأنه لم يبق فيهم من يقاتل حتى يعطوا الجزية، بل أسلموا كلهم لما رأوا ms2126 ~~من حسن الإسلام وظهوره، وقبح ما كانوا عليه من الشرك وأنفتهم من أن يؤتوا ~~الجزية عن يد وهم صاغرون؟ . # أو لأن الجزية لا يجوز أخذها منهم، بل يجب قتالهم إلى الإسلام، فعلى ~~الأول تؤخذ من سائر الكفار كما قاله أكثر الفقهاء، وهؤلاء يقولون: لما أمر ~~بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم PageV08P515 # صاغرون ونهي عن معاهدتهم بلا جزية، كما كان الأمر أولا، وكان (1) هذا ~~تنبيها على أن من هو دونهم من المشركين أولى أن لا يهادن بغير جزية، بل ~~يقاتل حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. # ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في المجوس: " «سنوا بهم سنة أهل ~~الكتاب» " وصالح أهل البحرين على الجزية، وفيهم مجوس واتفق على ذلك خلفاؤه ~~(2) وسائر علماء المسلمين، وكان الأمر في أول الإسلام أنه يقاتل الكفار ~~ويهادنهم بلا جزية كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله قبل نزول براءة، ~~فلما نزلت " براءة " أمره فيها بنبذ هذه العهود المطلقة، وأمره أن يقاتل ~~أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية، فغيرهم أولى أن يقاتلوا ولا يعاهدوا. # وقوله تعالى: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ~~وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد} ، وقال: PageV08P516 # {فإن تابوا} [سورة التوبة: 5] (1) ولم يقل قاتلوهم حتى يتوبوا. # وقوله: " «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله " (2) حق، ~~فإن من قال: لا إله إلا الله لم يقاتل (3) بحال، ومن لم يقلها قوتل حتى ~~يعطي الجزية» ، وهذا القول هو المنصوص صريحا عن أحمد، والقول الآخر الذي ~~قاله الشافعي ذكره الخرقي في " مختصره (4) " ووافقه عليه طائفة من أصحاب ~~أحمد. # ومما يبين ذلك أن آية براءة لفظها يخص النصارى، وقد اتفق المسلمون على أن ~~حكمها يتناول اليهود والمجوس. # والمقصود أنه لم يكن الأمر في أول الإسلام منحصرا بين أن يقاتلهم ~~المسلمون وبين إسلامهم إذا كان هنا قسم ثالث، وهو معاهدتهم، فلما نزلت آية ~~الجزية لم يكن بد من القتال أو الإسلام، والقتال إذا لم يسلموا حتى يعطوا ~~الجزية، فصار هؤلاء إما ms2127 مقاتلين وإما مسلمين ولم يقل تقاتلونهم أو يسلموا، ~~ولو كان كذلك لوجب قتالهم إلى أن يسلموا، PageV08P517 # وليس الأمر كذلك، بل إذا أدوا الجزية لم يقاتلوا ولكنهم مقاتلين أو ~~مسلمين فإنهم لا يؤدون الجزية بغير القتال ; لأنهم أولو بأس شديد، ولا يجوز ~~مهادنتهم بغير جزية. # ومعلوم أن أبا بكر وعمر، بل وعثمان في خلافتهم قوتل هؤلاء وضربت الجزية ~~على أهل الشام والعراق والمغرب، فأعظم قتال هؤلاء القوم وأشده كان في خلافة ~~هؤلاء. # والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقاتلهم في غزوة تبوك وفي غزوة مؤتة ~~استظهروا على المسلمين، وقتل زيد وجعفر وعبد الله بن رواحة وأخذ الراية ~~خالد وغايتهم أن نجوا. # والله أخبر أننا نقاتلهم أو يسلمون فهذه صفة الخلفاء الراشدين الثلاثة ~~فيمتنع أن تكون الآية مختصة بغزوة مؤتة، ولا يدخل فيها قتال المسلمين في ~~فتوح الشام والعراق والمغرب ومصر وخراسان، وهي الغزوات التي أظهر الله فيها ~~الإسلام، وظهر الهدى ودين الحق في مشارق الأرض ومغاربها. # لكن قد يقال: مذهب أهل السنة أن يغزى مع كل أمير دعا، برا كان أو، فاجرا ~~فهذه الآية تدل على وجوب الجهاد مع كل أمير (1) دعا الناس إليه لأنه ليس ~~فيها ما يدل على أن الداعي إمام عدل. # فيقال: هذا ينفع أهل السنة، فإن الرافضة لا ترى الجهاد إلا مع إمام (2) ~~معصوم، ولا معصوم عندهم من الصحابة إلا علي، فهذه الآية PageV08P518 # حجة عليهم في وجوب غزو الكفار مع جميع الأمراء، وإذا ثبت هذا فأبو بكر ~~وعمر وعثمان أفضل من غزا الكفار من هؤلاء الأمراء بعد النبي صلى الله عليه ~~وسلم. # ثم من المحال أن يكون كل من أمر الله المسلمين أن يجاهدوا معه الكفار بعد ~~النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا ظالما فاجرا معتديا، لا تجب طاعته في ~~شيء من الأشياء، فإن هذا خلاف القرآن حيث وعد على طاعته بأن يؤتي أجرا ~~حسنا، ووعد على التولي عن طاعته (1) بالعذاب الأليم. # وقد يستدل بالآية على عدل الخلفاء ; لأنه وعد بالأجر الحسن على مجرد ~~الطاعة ms2128 إذا دعوا إلى القتال، وجعل المتولي عن ذلك كما تولى من قبل معذبا ~~عذابا أليما. # ومعلوم أن الأمير الغازي إذا كان فاجرا لا تجب طاعته في القتال مطلقا، بل ~~فيما أمر الله به ورسوله والمتولي عن طاعته لا يتولى كما تولى عن طاعة ~~الرسول بخلاف المتولي عن طاعة الخلفاء الراشدين، فإنه قد يقال: إنه تولى ~~كما تولى من قبل إذا كان أمر الخلفاء الراشدين مطابقا لأمر رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم. # وفي الجملة فهذا الموضع في الاستدلال به نظر ودقة، ولا حاجة بنا إليه ففي ~~غيره ما يغني عنه. PageV08P519 # وأما قول الرافضي (1) : " إن الداعي جاز أن يكون عليا دون من قبله من ~~الخلفاء (2) لما قاتل (3) الناكثين والقاسطين والمارقين " يعني: أهل الجمل ~~وصفين والحرورية والخوارج. # فيقال له: هذا باطل قطعا من وجوه: # أحدها: أن هؤلاء لم يكونوا أشد بأسا من بني جنسهم، بل معلوم أن الذين ~~قاتلوه يوم الجمل كانوا أقل من عسكره، وجيشه كانوا أكثر منهم، وكذلك ~~الخوارج كان جيشه أضعافهم وكذلك أهل صفين كان جيشه أكثر منهم، وكانوا من ~~جنسهم فلم يكن في وصفهم بأنهم أولو بأس شديد ما يوجب امتيازهم عن غيرهم. # ومعلوم أن بني حنيفة وفارس والروم كانوا في القتال أشد بأسا من هؤلاء ~~بكثير، ولم يحصل في أصحاب علي من الخوارج من استحرار (4) القتل ما حصل في ~~جيش الصديق الذين قاتلوا أصحاب مسيلمة، وأما فارس والروم فلا يشك عاقل أن ~~قتالهم كان أشد من قتال المسلمين العرب بعضهم بعضا، وإن كان قتال العرب ~~للكفار (* في أول الإسلام كان أفضل وأعظم، فذاك لقلة المؤمنين وضعفهم في ~~أول الأمر لا أن (5) عدوهم *) (6) PageV08P520 # كان أشد بأسا من فارس والروم. # ولهذا قال تعالى: {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة} [سورة آل عمران: ~~123] ، فإن هؤلاء تجمعهم دعوة الإسلام والجنس (1) فليس في بعضهم لبعض من ~~البأس ما كان في فارس والروم والنصارى والمجوس للعرب المسلمين الذين لم ~~يكونوا يعدونهم إلا من أضعف جيرانهم ورعاياهم، وكانوا يحتقرون أمرهم غاية ~~الاحتقار، ولولا أن ms2129 الله أيد المؤمنين بما أيد به رسوله والمؤمنين على سنته ~~الجميلة معهم لما كانوا ممن يثبت معهم في القتال، ويفتح البلاد وهم أكثر ~~منهم عددا وأعظم قوة وسلاحا، لكن قلوب المؤمنين أقوى بقوة الإيمان التي ~~خصهم الله بها. # الوجه الثاني: أن عليا لم يدع ناسا بعيدين منه إلى قتال أهل الجمل وقتال ~~الخوارج، ولما قدم البصرة لم يكن في نيته قتال أحد، بل وقع القتال بغير ~~اختيار منه ومن طلحة والزبير، وأما الخوارج فكان بعض عسكره يكفيهم، لم يدع ~~أحدا إليهم من أعراب الحجاز. # الثالث: أنه لو قدر أن عليا تجب طاعته في قتال هؤلاء فمن الممتنع أن يأمر ~~الله بطاعة من يقاتل أهل الصلاة لردهم إلى طاعة ولي الأمر، ولا يأمر بطاعة ~~من يقاتل الكفار ليؤمنوا بالله ورسوله. # ومعلوم أن من خرج من طاعة علي ليس بأبعد عن الإيمان بالله ورسوله ممن كذب ~~الرسول والقرآن، ولم يقر بشيء مما جاء به الرسول، بل هؤلاء PageV08P521 # أعظم ذنبا، ودعاؤهم إلى الإسلام أفضل وقتالهم أفضل، إن قدر أن الذين ~~قاتلوا عليا كفار. # وإن قيل: هم مرتدون، كما تقوله الرافضة. # فمعلوم أن من كانت ردته إلى أن يؤمن برسول آخر غير محمد كأتباع مسيلمة ~~الكذاب فهو أعظم ردة ممن لم يقر بطاعة الإمام مع إيمانه بالرسول. # فبكل حال لا يذكر ذنب لمن قاتله علي إلا وذنب من قاتله الثلاثة أعظم، ولا ~~يذكر فضل ولا ثواب لمن قاتل مع علي إلا والفضل والثواب لمن قاتل مع الثلاثة ~~أعظم. # هذا بتقدير أن يكون من قاتله علي كافرا، ومعلوم أن هذا قول باطل لا يقوله ~~إلا حثالة الشيعة، وإلا فعقلاؤهم لا يقولون ذلك، وقد علم بالتواتر عن علي ~~وأهل بيته أنهم لم يكونوا يكفرون من قاتل عليا، وهذا كله إذا سلم أن ذلك ~~القتال كان مأمورا به، كيف وقد عرف نزاع الصحابة والعلماء بعدهم في هذا ~~القتال هل كان من باب قتال البغاة الذي وجد في شرط وجوبه القتال فيه (1) ، ~~أم لم يكن من ذلك لانتفاء ms2130 الشرط الموجب للقتال. # والذي عليه أكابر الصحابة والتابعين أن قتال الجمل وصفين لم يكن من ~~القتال المأمور به وأن تركه أفضل من الدخول فيه، بل عدوه قتال فتنة. ~~PageV08P522 # وعلى هذا جمهور أهل الحديث، وجمهور أئمة الفقهاء. فمذهب أبي حنيفة فيما ~~ذكره (1) القدوري (2) أنه لا يجوز قتال البغاة إلا أن يبدأوا بالقتال، وأهل ~~صفين لم يبدأوا عليا بقتال. # وكذلك مذهب أعيان فقهاء المدينة والشام والبصرة، وأعيان فقهاء الحديث ~~كمالك وأيوب والأوزاعي وأحمد وغيرهم: أنه لم يكن مأمورا به وأن تركه كان ~~خيرا من فعله، وهو قول جمهور أئمة السنة، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة ~~الصريحة في هذا الباب بخلاف قتال الحرورية والخوارج أهل النهروان، فإن قتال ~~هؤلاء واجب بالسنة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم وباتفاق الصحابة ~~وعلماء السنة. # ففي الصحيحين عن أسامة بن زيد قال «أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على ~~أطم من آطام المدينة، وقال: " هل ترون ما أرى؟ "، قالوا لا، قال: " فإني ~~أرى (3) مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر» " (4) . PageV08P523 # (* وفي السنن عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم: " «إنها ستكون فتنة تستنظف العرب، قتلاها في النار، اللسان ~~فيها أشد من وقع السيف» *) (1) " (2) . # وفي السنن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " «ستكون فتنة ~~صماء بكماء عمياء من أشرف لها استشرفت له، واستشراف اللسان فيها كوقوع ~~السيف» " (3) . # وعن أم سلمة قالت: «استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقال: " ~~سبحان الله ماذا أنزل من الخزائن وماذا أنزل من الفتن» " (4) . # وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه ~~PageV08P524 # وسلم: " ستكون فتنة (1) القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من ~~الماشي والماشي فيها خير من الساعي، ومن يستشرف لها تستشرف له ومن وجد فيها ~~ملجأ فليعذ به» " (2) . # ورواه أبو بكرة (3) في الصحيحين وقال فيه: " «فإذا نزلت، أو وقعت فمن كان ~~له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه ms2131، ومن كانت له أرض ~~فليلحق بأرضه " قال: فقال رجل: يا رسول الله أرأيت من لم يكن له إبل ولا ~~غنم ولا أرض؟ قال: " يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر، ثم لينج إن استطاع ~~النجاء، اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ " فقال رجل: يا رسول الله أرأيت إن ~~أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين، أو إحدى الفئتين فضربني رجل بسيفه، أو ~~يجيء سهم (4) فيقتلني؟ فقال: " يبوء (5) بإثمه وإثمك، ويكون (6) من أصحاب ~~النار» " (7) . # ومثل هذا الحديث معروف عن سعد بن أبي وقاص وغيره من الصحابة والذين رووا ~~هذه الأحاديث من الصحابة مثل سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة، وأسامة بن زيد، ~~ومحمد بن مسلمة وأبي هريرة، PageV08P525 # وغيرهم (1) ، جعلوا قتال الجمل وصفين من ذلك، بل جعلوا ذلك أول قتال فتنة ~~كان في الإسلام وقعدوا عن القتال، وأمروا غيرهم بالقعود عن القتال كما ~~استفاضت بذلك الآثار عنهم. # والذين قاتلوا من الصحابة لم يأت أحد منهم بحجة توجب القتال لا من كتاب ~~ولا من سنة، بل أقروا بأن (2) قتالهم كان رأيا رأوه، كما أخبر بذلك علي رضي ~~الله عنه عن نفسه، ولم يكن في العسكرين (3) أفضل من علي، فيكون ممن هو دونه ~~[أولى] (4) ، وكان علي أحيانا يظهر فيه الندم والكراهة للقتال مما يبين أنه ~~لو لم يكن عنده فيه شيء (5) من الأدلة الشرعية، مما (6) يوجب رضاه وفرحه، ~~بخلاف قتاله للخوارج، فإنه كان PageV08P526 # يظهر فيه من الفرح والرضا والسرور ما يبين أنه كان يعلم أن قتالهم كان ~~طاعة لله ورسوله يتقرب (1) به إلى الله، لأن في قتال الخوارج من النصوص ~~النبوية والأدلة الشرعية ما يوجب ذلك. # ففي الصحيحين عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " «تمرق ~~مارقة على حين فرقة (2) من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق» . (3) # وفي لفظ مسلم قال: " «ذكر قوما يخرجون في أمته يقتلهم أدنى الطائفتين إلى ~~الحق (4) سيماهم التحليق هم شر الخلق، أو من شر الخلق " قال أبو سعيد (5) : ~~" فأنتم قتلتموهم يا أهل العراق» ". # ولفظ البخاري (6) : " «يخرج ناس ms2132 من قبل المشرق يقرءون القرآن لا يجاوز ~~تراقيهم يمرقون من الإسلام (7) كما يمرق السهم من الرمية، لا PageV08P527 # يعودون فيه حتى يعود السهم» " (1) . # وفي الصحيحين عن علي قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " «يخرج ~~قوم من أمتي يقرءون القرآن ليس في قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم ~~إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم ~~وهو عليهم لا تجاوز صلاتهم تراقيهم (2) يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم ~~من الرمية، لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم لنكلوا ~~(3) عن العمل آيتهم أن فيهم رجلا له عضد، ليس فيها ذراع على رأسه عضده مثل ~~حلمة الثدي عليه شعرات بيض» " (4) . # الوجه الرابع: أن الآية لا تتناول القتال مع علي قطعا ; لأنه قال: ~~{تقاتلونهم أو يسلمون} [سورة الفتح: 16] فوصفهم بأنهم لا بد فيهم من أحد ~~الأمرين (5) : المقاتلة أو الإسلام، ومعلوم أن الذين دعا إليهم علي ~~PageV08P528 # فيهم خلق لم يقاتلوه ألبتة، بل تركوا قتاله فلم يقاتلوه ولم يقاتلوا معه، ~~فكانوا صنفا ثالثا: لا قاتلوه (1) ولا قاتلوا معه ولا أطاعوه، وكلهم ~~مسلمون، وقد دل على إسلامهم القرآن والسنة وإجماع الصحابة علي وغيره. # قال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت ~~إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت ~~فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} [سورة الحجرات: 9] ، ~~فوصفهم بالإيمان مع الاقتتال والبغي، وأخبر أنهم إخوة (2) وأن الأخوة لا ~~تكون إلا بين المؤمنين لا بين مؤمن وكافر. # وفي صحيح البخاري وغيره عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ~~للحسن: " «إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» ~~" (3) فأصلح الله به بين عسكر علي وعسكر معاوية، فدل على أن كليهما مسلمون ~~ودل على أن الله يحب الإصلاح بينهما، ويثني على (4) من فعل ذلك، ودل على أن ~~ما فعله الحسن كان رضى لله ورسوله (5) ، ولو كان القتال واجبا أو مستحبا لم ~~يكن تركه ms2133 رضى لله ولرسوله. # وأيضا فالنقل المتواتر عن الصحابة أنهم حكموا في الطائفتين PageV08P529 # بحكم الإسلام وورثوا بعضهم من بعض، ولم يسبوا ذراريهم، ولم يغنموا ~~أموالهم التي لم يحضروا بها القتال، بل كان يصلي بعضهم على بعض وخلف بعض. # وهذا أحد ما نقمته الخوارج على علي، فإن مناديه نادى يوم الجمل: لا يتبع ~~مدبر ولا يجهز على جريح، ولم يغنم أموالهم، ولا سبى (1) ذراريهم وأرسل ابن ~~عباس إلى الخوارج، وناظرهم في ذلك. # فروى أبو نعيم بالإسناد الصحيح (2) عن سليمان بن الطبراني (3) عن محمد بن ~~إسحاق بن راهويه، وسليمان عن علي بن عبد العزيز عن أبي حذيفة (4) وعبد ~~الرزاق، قالا: حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا أبو زميل الحنفي عن ابن عباس (5) ~~قال: " لما اعتزلت الحرورية، قلت لعلي: يا أمير المؤمنين أبرد عن الصلاة ~~فلعلي آتي (6) هؤلاء القوم فأكلمهم، قال: إني أتخوفهم عليك، قال: قلت: كلا ~~إن شاء الله، فلبست أحسن [ما أقدر] عليه (7) من هذه اليمانية (8) ، ثم دخلت ~~عليهم وهم قائلون في نحر (9) PageV08P530 # الظهيرة، فدخلت على قوم لم أر قوما أشد اجتهادا منهم، أيديهم كأنها ثفن ~~الإبل (1) ووجوههم معلمة (2) من آثار السجود، قال: فدخلت فقالوا: مرحبا بك ~~يا ابن عباس ما جاء بك؟ قال: جئت أحدثكم على (3) أصحاب رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم نزل الوحي، وهم أعلم بتأويله، فقال بعضهم: لا تحدثوه، وقال ~~بعضهم: لنحدثنه، قال: قلت: أخبروني ما تنقمون على ابن عم رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم وختنه (4) وأول من آمن به، وأصحاب رسول الله معه؟ قالوا: ~~ننقم عليه ثلاثا، قلت: ما هن؟ قالوا: أولهن أنه حكم الرجال في دين الله، ~~وقد قال تعالى: {إن الحكم إلا لله} [سورة الأنعام: 57] قال: قلت: وماذا؟ ~~قالوا: قاتل ولم يسب ولم يغنم لئن كانوا كفارا لقد حلت له أموالهم، وإن ~~كانوا مؤمنين فقد (5) حرمت عليه دماؤهم، قال: قلت: وماذا؟ قالوا: ومحا نفسه ~~من (6) أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين. # قال: قلت: أرأيتم إن قرأت عليكم كتاب الله (7) المحكم، وحدثتكم ms2134 ~~PageV08P531 # عن (1) سنة نبيكم ما لا تنكرون أترجعون؟ قالوا: نعم، قال: قلت: أما ~~قولكم: إنه حكم الرجال في دين الله، فإن الله يقول {ياأيها الذين آمنوا لا ~~تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم ~~يحكم به ذوا عدل منكم} [سورة المائدة: 95] ، وقال: في المرأة وزوجها {وإن ~~خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها} [سورة النساء: 35] ~~أنشدكم الله أفحكم الرجال في حقن دمائهم وأنفسهم وصلاح ذات بينهم (* أحق أم ~~في أرنب ثمنها ربع درهم؟ قالوا: في [حقن] *) (2) دمائهم وصلاح ذات بينهم، ~~قال (3) : أخرجت من هذه؟ قالوا: اللهم نعم، قال (4) : وأما قولكم قاتل (5) ~~ولم يسب ولم يغنم أتسبون أمكم (6) ، ثم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها ~~فقد كفرتم وإن زعمتم أنها ليست أمكم (7) فقد كفرتم وخرجتم من الإسلام إن ~~الله يقول: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} [سورة ~~الأحزاب: 6] وأنتم مترددون (8) بين ضلالتين فاختاروا أيهما شئتم أخرجت من ~~هذه؟ قالوا: اللهم نعم. PageV08P532 # قال: وأما قولكم محا نفسه من أمير المؤمنين، «فإن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم دعا قريشا يوم الحديبية على أن يكتب بينهم وبينه (1) كتابا، ~~فقال: اكتب هذا ما قاضى (2) عليه محمد رسول الله " فقالوا: والله لو كنا ~~نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد ~~الله فقال: " والله إني لرسول الله، وإن كذبتموني، اكتب يا علي: محمد بن ~~عبد الله " ورسول الله (3) كان أفضل من علي أخرجت من هذه؟ قالوا: اللهم نعم ~~فرجع منهم عشرون ألفا، وبقي منهم أربعة آلاف فقتلوا» ". # وأما تكفير هذا الرافضي وأمثاله لهم، وجعل رجوعهم إلى طاعة علي إسلاما ~~لقوله صلى الله عليه وسلم فيما زعمه: " «يا علي حربك حربي» "، فيقال: من ~~العجائب وأعظم المصائب على هؤلاء المخذولين أن يثبتوا مثل هذا الأصل العظيم ~~بمثل هذا الحديث الذي لا يوجد في شيء من دواوين أهل الحديث التي يعتمدون ~~عليها لا هو في الصحاح ولا السنن ولا المساند ولا ms2135 الفوائد ولا غير ذلك مما ~~يتناقله أهل العلم بالحديث ويتداولونه بينهم، ولا هو عندهم لا صحيح ولا حسن ~~ولا ضعيف، بل هو أخس (4) من ذلك، وهو من أظهر الموضوعات كذبا، فإنه خلاف ~~المعلوم المتواتر من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه جعل ~~الطائفتين PageV08P533 # مسلمين، وأنه جعل ترك القتال في تلك الفتنة خيرا من القتال فيها، وأنه ~~أثنى على من أصلح به بين الطائفتين، فلو كانت إحدى الطائفتين مرتدين عن ~~الإسلام لكانوا أكفر من اليهود والنصارى الباقين على دينهم وأحق بالقتال *) ~~(1) منهم كالمرتدين أصحاب مسيلمة الكذاب الذين قاتلهم الصديق وسائر ~~الصحابة، واتفقوا على قتالهم، بل (2) وسبوا ذراريهم، وتسرى علي من ذلك ~~السبي بالحنفية: أم محمد بن الحنفية. ### | فصل كلام الرافضي على كون أبي بكر كان أنيس النبي صلى الله عليه وسلم في العريش يوم بدر والرد عليه # فصل. # قال الرافضي (3) : " وأما كونه أنيسه في العريش يوم بدر فلا فضل فيه، لأن ~~النبي صلى الله عليه وسلم كان أنسه بالله مغنيا له عن كل أنيس، لكن لما عرف ~~النبي صلى الله عليه وسلم أن أمره لأبي بكر (4) بالقتال يؤدي إلى فساد ~~الحال حيث هرب عدة مرار في غزواته، وأيما أفضل: القاعد عن القتال، أو ~~المجاهد بنفسه (5) في سبيل الله؟ ". # الجواب: أن يقال لهذا المفتري الكذاب ما ذكرته من أظهر الباطل من وجوه ~~(6) : PageV08P534 # أحدها: أن قوله " هرب عدة مرار في غزواته " يقال له: هذا الكلام يدل على ~~أن قائله من أجهل الناس بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحواله، ~~والجهل بذلك غير منكر من الرافضة، فإنهم من أجهل الناس بأحوال الرسول، ~~وأعظمهم تصديقا بالكذب فيها وتكذيبا بالصدق منها. # وذلك أن غزوة بدر هي أول مغازي القتال لم يكن قبلها لرسول الله صلى الله ~~عليه وسلم ولا لأبي بكر غزاة مع الكفار أصلا، وغزوات القتال التي قاتل فيها ~~النبي صلى الله عليه وسلم تسع غزوات: بدر وأحد والخندق وبني المصطلق وغزوة ~~ذي قرد وخيبر وفتح مكة وحنين والطائف، وأما الغزوات ms2136 التي لم يقاتل فيها فهي ~~نحو بضعة عشر، وأما السرايا فمنها ما كان فيه قتال، ومنها ما لم يكن فيه ~~قتال. # وبكل حال فبدر أولى (1) مغازي القتال باتفاق الناس، وهذا من العلم الذي ~~يعلمه كل من له علم بأحوال الرسول من أهل التفسير والحديث والمغازي والسير ~~والفقه والتواريخ والأخبار، يعلمون أن بدرا هي أول الغزوات التي قاتل فيها ~~النبي صلى الله عليه وسلم، وليس قبلها غزوة ولا سرية كان فيها قتال، إلا ~~قصة ابن الحضرمي (2) ، ولم يكن فيها أبو بكر. PageV08P535 # فكيف يقال: إنه هرب قبل ذلك عدة مرار (1) في مغازيه؟ ! . # الثاني: أن أبا بكر رضي الله عنه لم يهرب قط حتى يوم أحد لم ينهزم لا هو ~~ولا عمر وإنما كان عثمان تولى، وكان ممن عفا الله عنه، وأما أبو بكر وعمر ~~فلم يقل أحد قط إنهما انهزما مع من انهزم، بل ثبتا مع النبي صلى الله عليه ~~وسلم يوم حنين كما تقدم ذلك عن أهل السيرة (2) ، لكن بعض الكذابين ذكر ~~أنهما أخذا الراية يوم حنين، فرجعا ولم يفتح عليهما، ومنهم من يزيد في ~~الكذب ويقول: إنهما انهزما [مع من انهزم] (3) ، وهذا كذب كله. # وقبل أن يعرف الإنسان أنه كذب، فمن أثبت ذلك عليهما هو المدعي لذلك فلا ~~بد من إثبات ذلك بنقل يصدق، ولا سبيل إلى هذا فأين النقل المصدق على أبي ~~بكر أنه هرب في غزوة واحدة، فضلا عن أن يكون هرب عدة مرات؟ ! . # الثالث: أنه لو كان في الجبن بهذه الحال (4) لم يخصه النبي صلى الله عليه ~~وسلم دون أصحابه بأن يكون معه في العريش، بل لا يجوز استصحاب مثل هذا في ~~الغزو، فإنه لا ينبغي للإمام أن (* يستصحب منخذلا (5) ولا مرجفا، فضلا عن ~~أن *) (6) يقدم (7) على سائر أصحابه، ويجعله معه في عريشه. PageV08P536 # الرابع: أن الذي في الصحيحين من ثباته وقوة يقينه في هذه الحال يكذب هذا ~~المفتري، ففي الصحيحين عن ابن عباس «عن عمر قال: لما كان يوم بدر نظر رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم ms2137 إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وسبعة عشر ~~رجلا فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه وجعل يهتف ~~بربه: " اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل ~~الإسلام لا تعبد في الأرض " فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى ~~سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم ~~التزمه من ورائه فقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما ~~وعدك، فأنزل الله عز وجل: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم} » [سورة الأنفال: ~~9] الآية، وذكر الحديث (1) . # الخامس: أن يقال: قد علم كل من علم السيرة أن أبا بكر كان أقوى قلبا من ~~جميع الصحابة لا يقاربه في ذلك أحد منهم، فإنه من حين بعث الله رسوله إلى ~~أن مات أبو بكر لم يزل مجاهدا ثابتا (2) مقداما شجاعا، لم يعرف قط أنه جبن ~~عن قتال عدو، بل لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعفت قلوب أكثر ~~الصحابة، وكان هو الذي يثبتهم حتى قال أنس: " خطبنا أبو بكر ونحن كالثعالب ~~فما زال يشجعنا حتى صرنا كالأسود ". # وروي أن عمر قال: يا خليفة رسول الله تألف الناس، فأخذ بلحيته ~~PageV08P537 # وقال: يا ابن الخطاب: أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام؟ ! علام ~~أتألفهم: على حديث مفترى أم على شعر مفتعل؟ ! . # السادس: قوله: " أيما أفضل: القاعد عن القتال، أو المجاهد بنفسه في سبيل ~~الله؟ ! . # فيقال: بل كونه مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحال هو من أفضل ~~الجهاد فإنه هو الذي كان العدو يقصده، فكان ثلث العسكر حوله يحفظونه من ~~العدو، وثلثه اتبع المنهزمين وثلثه أخذوا الغنائم، ثم إن الله قسمها بينهم ~~كلهم. # السابع: قوله: " إن أنس النبي صلى الله عليه وسلم بربه كان مغنيا له عن ~~كل أنيس ". # فيقال: قول القائل: إنه كان أنيسه في العريش، ليس هو من ألفاظ القرآن ~~والحديث، ومن قاله، وهو يدري ما يقول، لم يرد به أنه يؤنسه لئلا يستوحش، بل ms2138 ~~المراد أنه كان يعاونه على القتال، كما كان من هو دونه يعاونه على القتال. # وقد قال تعالى: {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين} [سورة الأنفال: 62] وهو ~~أفضل (1) المؤمنين الذين أيده الله بهم. # وقال: {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين} [سورة ~~النساء: 84] ، وكان الحث على أبي بكر أن يعاونه بغاية ما يمكنه وعلى الرسول ~~أن يحرضهم على الجهاد، ويقاتل بهم عدوه PageV08P538 # بدعائهم ورأيهم وفعلهم وغير ذلك مما يمكن الاستعانة [به] (1) على الجهاد. # الثامن: أن يقال \: [من] (2) المعلوم لعامة العقلاء أن مقدم القتال ~~المطلوب، الذي قد قصده أعداؤه يريدون قتله، إذا أقام في عريش، أو قبة أو ~~حركاة، أو غير ذلك مما يجنه (3) ، ولم يستصحب معه من أصحابه إلا واحدا، ~~وسائرهم خارج ذلك العريش لم يكن هذا إلا أخص الناس به، وأعظمهم موالاة له ~~وانتفاعا به. # وهذا النفع في الجهاد لا يكون إلا مع قوة القلب وثباته، لا مع ضعفه ~~وخوره. # فهذا يدل على أن الصديق كان أكملهم إيمانا وجهادا، وأفضل الخلق هم أهل ~~الإيمان والجهاد فمن كان أفضل في ذلك كان أفضل مطلقا. # قال تعالى: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله ~~واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله} إلى قوله: {وأولئك هم ~~الفائزون} [سورة التوبة: 19، 20] فهؤلاء أعظم درجة عند الله من أهل الحج ~~والصدقة، والصديق أكمل في ذلك. # وأما قتال علي بيده فقد شاركه في ذلك سائر الصحابة (4) الذين قاتلوا يوم ~~بدر، ولم يعرف أن عليا قاتل أكثر من جميع الصحابة يوم بدر ولا أحد ولا غير ~~ذلك. PageV08P539 # ففضيلة الصديق مختصة به لم يشركه فيها غيره، وفضيلة علي مشتركة بينه وبين ~~سائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. # الوجه التاسع: أن النبي صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر خرجا بعد ذلك من ~~العريش، ورماهم النبي صلى الله عليه وسلم الرمية التي قال الله فيها: {وما ~~رميت إذ رميت ولكن الله رمى} [سورة الأنفال: 17] والصديق قاتلهم حتى قال له ~~ابنه عبد الرحمن: قد ms2139 رأيتك يوم بدر فصدفت عنك، فقال: لكني لو رأيتك لقتلتك. # فصل. # قال الرافضي (1) : " وأما إنفاقه على النبي صلى الله عليه وسلم فكذب لأنه ~~لم يكن ذا مال، فإن أباه كان فقيرا في الغاية، وكان ينادي على مائدة عبد ~~الله بن جدعان كل يوم بمد (2) يقتات به، ولو (3) كان أبو بكر غنيا لكفى ~~أباه، وكان أبو بكر معلما للصبيان في الجاهلية، وفي الإسلام كان خياطا (4) ~~، ولما ولي أمر المسلمين منعه الناس عن الخياطة، فقال: إني محتاج (5) إلى ~~القوت PageV08P540 # فجعلوا له كل يوم ثلاثة دراهم من بيت المال " (1) . # والجواب: أن يقال: أولا: من أعظم الظلم والبهتان أن ينكر الرجل ما تواتر ~~به النقل وشاع بين الخاص والعام، وامتلأت به الكتب: كتب الحديث الصحاح ~~والمساند والتفسير والفقه والكتب المصنفة في أخبارالقوم وفضائلهم، ثم يدعي ~~شيئا من المنقولات التي لا تعلم بمجرد قوله، ولا ينقله بإسناد معروف ولا ~~إلى كتاب (2) يعرفه يوثق به، ولا يذكر ما قاله، فلو قدرنا أنه ناظر أجهل ~~الخلق لأمكنه أن يقول له: بل الذي ذكرت هو الكذب والذي قاله منازعوك هو ~~الصدق فكيف تخبر عن أمر كان بلا حجة أصلا، ولا نقل يعرف به ذلك؟ ومن الذي ~~نقل من الثقات ما ذكره عن أبي بكر؟ . # ثم يقال: أما إنفاق أبي بكر ماله، فمتواتر منقول في الحديث الصحيح من ~~وجوه كثيرة حتى قال: " «ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر» " (3) ، ~~وقال: " «إن أمن الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر» " (4) ، وثبت عنه ~~أنه اشترى المعذبين من ماله: بلالا وعامر بن فهيرة اشترى سبعة أنفس. # وأما قول القائل: " إن أباه كان ينادي على مائدة عبد الله بن جدعان. # فهذا لم يذكر له إسنادا يعرف به صحته، ولو ثبت لم يضر، فإن هذا ~~PageV08P541 # كان في الجاهلية قبل الإسلام، فإن ابن جدعان مات قبل الإسلام وأما في ~~الإسلام فكان لأبي قحافة ما يعينه ولم يعرف قط أن أبا قحافة كان يسأل الناس ~~وقد عاش أبو قحافة إلى أن مات أبو ms2140 بكر وورث السدس فرده على أولاده لغناه ~~عنه. # ومعلوم أنه لو كان محتاجا لكان الصديق يبره في هذه المدة، فقد كان الصديق ~~ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابة بعيدة، وكان ممن تكلم (1) في الإفك، فحلف ~~أبو بكر أن لا ينفق عليه فأنزل الله تعالى: {ولا يأتل أولو الفضل منكم ~~والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين} إلى قوله {غفور رحيم} [سورة النور: ~~22] فقال أبو بكر: بلى والله أحب أن يغفر الله لي، فأعاد عليه النفقة، ~~والحديث بذلك ثابت في الصحيحين. (2) # وقد اشترى بماله سبعة من المعذبين في الله، ولما هاجر مع النبي صلى الله ~~عليه وسلم استصحب ماله فجاء أبو قحافة، وقال لأهله: ذهب أبو بكر بنفسه فهل ~~ترك ماله عندكم أو أخذه؟ قالت أسماء: فقلت: بل تركه، ووضعت في الكوة شيئا، ~~(* وقلت: هذا هو المال لتطيب نفسه أنه ترك ذلك لعياله، ولم يطلب أبو قحافة ~~منهم شيئا *) (3) ، وهذا كله يدل على غناه. PageV08P542 # وقوله: إن أبا بكر كان معلما للصبيان في الجاهلية. # فهذا من المنقول الذي لو كان صدقا لم يقدح فيه، بل يدل على أنه كان عنده ~~علم ومعرفة، وكان جماعة من علماء (1) المسلمين يؤدبون، منهم أبو صالح صاحب ~~(2) الكلبي كان يعلم الصبيان، وأبو عبد الرحمن السلمي، وكان من خواص أصحاب ~~علي، وقال سفيان بن عيينة: كان الضحاك بن مزاحم وعبد الله بن الحارث يعلمان ~~الصبيان فلا يأخذان أجرا، ومنهم قيس بن سعد، وعطاء بن أبي رباح، وعبد ~~الكريم أبو أمية (3) . وحسين المعلم، وهو ابن ذكوان والقاسم بن عمير ~~الهمداني، وحبيب المعلم مولى معقل بن يسار. # ومنهم علقمة بن أبي علقمة، وكان يروي عنه مالك بن أنس، وكان له مكتب يعلم ~~فيه. # ومنهم أبو عبيد القاسم بن سلام الإمام المجمع على إمامته وفضله، فكيف إذا ~~كان ذلك (4) من الكذب المختلق؟ ! . # بل لو كان الصديق قبل الإسلام من الأرذلين لم يقدح ذلك فيه، فقد كان سعد ~~وابن مسعود وصهيب وبلال، وغيرهم من المستضعفين، وطلب المشركون من النبي صلى ~~الله عليه وسلم ms2141 طردهم فنهاه الله عن ذلك وأنزل: PageV08P543 # {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من ~~حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء} إلى قوله: {أليس الله بأعلم ~~بالشاكرين} [سورة الأنعام: 52، 53] . # وقوله: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا ~~تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ~~واتبع هواه وكان أمره فرطا} [سورة الكهف: 28] . # وقال في المستضعفين من المؤمنين: {إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا ~~يضحكون - وإذا مروا بهم يتغامزون - وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين - ~~وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون - وما أرسلوا عليهم حافظين - فاليوم ~~الذين آمنوا من الكفار يضحكون - على الأرائك ينظرون} إلى آخر السورة [سورة ~~المطففين: 29 - 34] . # وقال: {زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين ~~اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب} [سورة البقرة: 212] ~~. # وقال: {ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم ~~جمعكم وما كنتم تستكبرون} أهؤلاء {الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ~~ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون} [سورة الأعراف: 48، 49] . # وقال: {وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار - أتخذناهم ~~سخريا أم زاغت عنهم الأبصار} [سورة ص: 62، 63] . # وقال عن قوم نوح: {قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون} [سورة الشعراء: 111] ~~. # PageV08P544 # وقال تعالى: {فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما ~~نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي} [سورة هود: 27] وقال عن قوم ~~صالح: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم ~~أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون - قال الذين ~~استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون} [سورة الأعراف: 75، 76] . # وفي الصحيحين «أن هرقل سأل أبا سفيان بن حرب عن النبي صلى الله عليه وسلم ~~قال: أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ قال: بل ضعفاؤهم، قال: هم أتباع ~~الرسل» (1) . # فإذا قدر أن الصديق كان من المستضعفين كعمار وصهيب وبلال لم ms2142 يقدح ذلك في ~~كمال إيمانه وتقواه، كما لم يقدح في إيمان هؤلاء وتقواهم، وأكمل الخلق عند ~~الله أتقاهم. # ولكن كلام الرافضة من جنس كلام المشركين الجاهلية يتعصبون للنسب والآباء ~~لا للدين، ويعيبون الإنسان بما لا ينقض إيمانه وتقواه، وكل هذا من فعل ~~الجاهلية، ولهذا كانت الجاهلية ظاهرة عليهم فهم يشبهون الكفار من وجوه ~~خالفوا بها أهل الإيمان والإسلام. # وقوله: " إن الصديق كان خياطا في الإسلام ولما ولي أمر المسلمين منعه ~~الناس عن الخياطة ". # كذب ظاهر، يعرف كل أحد أنه كذب، وإن كان لا غضاضة فيه لو PageV08P545 # كان حقا، فإن أبا بكر لم يكن خياطا، وإنما كان تاجرا تارة يسافر في ~~تجارته وتارة لا يسافر، وقد سافر إلى الشام في تجارته (1) في الإسلام، ~~والتجارة كانت أفضل مكاسب قريش، وكان خيار أهل الأموال منهم أهل التجارة، ~~وكانت العرب تعرفهم بالتجارة، ولما ولي أراد أن يتجر لعياله فمنعه ~~المسلمون، وقالوا: هذا يشغلك عن مصالح المسلمين. # وكان عامة ملابسهم الأردية والأرز، فكانت الخياطة فيهم قليلة جدا، وقد ~~كان بالمدينة خياط دعا (2) النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته (3) . # وأما المهاجرون المشهورون فما أعلم فيهم خياطا مع أن الخياطة من أحسن ~~الصناعات وأجلها. # وإنفاق أبي بكر في طاعة الله ورسوله هو من المتواتر الذي تعرفه العامة ~~والخاصة، وكان له مال قبل الإسلام (4) ، وكان معظما في قريش محببا مؤلفا ~~خبيرا بأنساب العرب وأيامهم، وكانوا يأتونه لمقاصد التجارة ولعلمه وإحسانه، ~~ولهذا لما خرج من مكة قال له ابن الدغنة، PageV08P546 # " مثلك لا يخرج ولا يخرج " (1) . # ولم يعلم أحد من قريش وغيرهم (2) عاب أبا بكر بعيب، ولا نقصه ولا ~~استرذله، كما كانوا يفعلون بضعفاء المؤمنين، ولم يكن له عندهم عيب (3) إلا ~~إيمانه بالله ورسوله، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن قط به ~~عيب عند قريش ولا نقص ولا يذمونه بشيء قط، بل كان معظما عندهم بيتا ونسبا ~~معروفا بمكارم الأخلاق والصدق والأمانة، وكذلك صديقه الأكبر لم يكن له عيب ~~عندهم من العيوب. # وابن الدغنة سيد ms2143 القارة إحدى قبائل العرب كان معظما عند قريش يجيرون من ~~أجاره لعظمته عندهم. # وفي الصحيحين أن أبا بكر لما ابتلي المسلمون خرج مهاجرا إلى أرض الحبشة ~~حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة، وهو سيد القارة فقال: أين تريد يا ~~أبا بكر؟ فقال: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي، فقال ابن ~~الدغنة: فإن مثلك لا يخرج ولا يخرج، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل ~~الكل وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار فارجع واعبد ربك ~~ببلدك فرجع وارتحل معه ابن الدغنة، فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش ~~فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب ~~PageV08P547 # المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق؟ ~~فلم يكذب قريش بجوار ابن الدغنة، وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر فليعبد ~~ربه في داره فليصل فيها، وليقرأ ما شاء ولا يؤذنا بذلك، ولا يستعلن به فإنا ~~نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر، فلبث أبو بكر ~~بذلك يعبد ربه في داره، ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره، ثم بدا له ~~فابتنى مسجدا بفناء داره، فكان يصلي فيه، ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء ~~المشركين وأبناؤهم يعجبون منه، وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكاء لا ~~يملك عينيه إذا قرأ القرآن، وأفزع ذلك أشراف قريش، فأرسلوا إلى ابن الدغنة، ~~فقدم إليهم فقالوا: إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره ~~فجاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره فأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وإنا قد ~~خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فانهه فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في ~~داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا قد كرهنا ~~أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان. # قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر، فقال: قد علمت الذي عاقدت لك ~~عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ms2144 ترجع إلي ذمتي، فإني لا أحب أن تسمع ~~العرب أني أخفرت في رجل عقدت له، فقال أبو بكر: فإني أرد عليك جوارك وأرضى ~~بجوار الله، وذكر الحديث (1) PageV08P548 # فقد وصفه ابن الدغنة بحضرة أشراف قريش بمثل ما «وصفت به خديجة النبي صلى ~~الله عليه وسلم لما نزل عليه الوحي وقال لها: " لقد خشيت على عقلي " فقالت ~~له: " كلا والله لن يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري ~~الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق» " (1) . # فهذه صفة النبي صلى الله عليه وسلم أفضل النبيين، وصديقه أفضل الصديقين. # وفي الصحيحين عن أبي سعيد «أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر، ~~وقال: إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا، وبين ما عند الله ~~فاختار ما عنده "، فبكى أبو بكر، وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، فكان ~~النبي صلى الله عليه وسلم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به فقال النبي صلى ~~الله عليه وسلم: " لا تبك يا أبا بكر إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو ~~بكر، ولو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا لا يبقين في ~~المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر» " (2) . # وفي الصحيحين عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: كنت جالسا عند النبي صلى ~~الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه، وذكر الحديث إلى أن قال: ~~فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " «إن الله بعثني PageV08P549 # إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت (1) ، وواساني بنفسه وماله، فهل ~~أنتم تاركو لي صاحبي؟ " مرتين» (2) . # وروى البخاري عن ابن عباس قال «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه ~~الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ~~" ما من الناس أحد أمن علي في ماله ونفسه من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت ~~متخذا خليلا» " فذكر تمامه (3) . # وروى أحمد عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي ms2145 ~~صلى الله عليه وسلم قال: " «ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر " فبكى ~~وقال: وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله» ؟ (4) . # وروى الزهري عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ~~«ما مال رجل من المسلمين أنفع لي من مال أبي بكر " ومنه أعتق بلالا» ، وكان ~~يقضي في مال أبي بكر كما يقضي الرجل في مال نفسه. PageV08P550 ### | [فصل كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة غنيا بمال خديجة ولم يحتج إلى الحرب] # فصل. # وقوله: (1) " كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة غنيا بمال خديجة، ~~ولم يحتج إلى الحرب " (2) . # والجواب: أن إنفاق أبي بكر لم يكن نفقة على النبي (3) صلى الله عليه وسلم ~~في طعامه وكسوته، فإن الله قد أغنى رسوله عن مال الخلق أجمعين، بل كان ~~معونة له على إقامة الإيمان، فكان إنفاقه فيما يحبه الله ورسوله لا نفقة ~~على نفس الرسول، فاشترى المعذبين مثل بلال وعامر بن فهيرة وزنيرة وجماعة. # فصل. # وقوله (4) : " وبعد الهجرة لم يكن لأبي بكر شيء ألبتة ". # فهذا كذب ظاهر، بل كان يعين النبي صلى الله عليه وسلم بماله وقد حث النبي ~~صلى الله عليه وسلم على الصدقة، فجاء بماله كله، وأصحاب الصفة كانوا فقراء، ~~فحث النبي صلى الله عليه وسلم على PageV08P551 # طعمتهم، فذهب بثلاثة، كما في الصحيحين عن عبد الرحمن بن أبي بكر (1) ، ~~قال: «إن أصحاب الصفة كانوا ناسا فقراء، وإن النبي صلى الله عليه وسلم قال ~~مرة: " من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة ~~فليذهب بخامس وسادس، أو كما قال: وإن أبا بكر جاء بثلاثة، وانطلق نبي الله ~~صلى الله عليه وسلم بعشرة» وذكر الحديث (2) . # وروى زيد بن أسلم عن أبيه قال: «قال عمر: أمرنا رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم أن نتصدق ووافق ذلك مالا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته ~~يوما، فجئت بنصف مالي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ ~~فقلت: مثله، قال: وأتى ms2146 أبو بكر بكل مال عنده فقال: " يا أبا بكر ما أبقيت ~~لأهلك "، فقال: أبقيت لهم الله ورسوله، فقلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا» ، ~~رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث صحيح (3) . PageV08P552 ### | فصل قول كلام الرافضي لو أنفق أبو بكر لوجب أن ينزل فيه قرآن مثل علي رضي الله عنهما والرد عليه # فصل. # وأما قوله (1) : " ثم لو أنفق لوجب أن ينزل فيه قرآن، كما أنزل (2) في ~~علي {هل أتى} [سورة الإنسان: 1] (3) . # والجواب: أما نزول: {هل أتى} في علي فمما اتفق أهل العلم بالحديث على أنه ~~كذب موضوع، وإنما يذكره من المفسرين من جرت عادته بذكر أشياء من الموضوعات، ~~والدليل الظاهر على أنه كذب أن سورة {هل أتى} مكية باتفاق الناس، نزلت قبل ~~الهجرة، وقبل أن يتزوج علي بفاطمة، ويولد الحسن والحسين، وقد بسط الكلام ~~على هذه القضية في غير موضع، ولم ينزل قط قرآن في إنفاق علي بخصوصه ; لأنه ~~لم يكن له مال، بل كان قبل الهجرة في عيال النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد ~~الهجرة كان أحيانا يؤجر نفسه: كل دلو بتمرة، ولما تزوج بفاطمة لم يكن له ~~مهر (4) إلا درعه، وإنما أنفق على العرس ما حصل له من غزوة بدر. ~~PageV08P553 # وفي الصحيحين عن علي رضي الله عنه قال: كانت لي شارف (1) من نصيبي من ~~المغنم يوم بدر، وأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم شارفا من الخمس، ~~فلما أردت أن أبتني بفاطمة (2) واعدت رجلا صواغا من بني قينقاع يرتحل معي، ~~فنأتي بإذخر (3) أردت أن أبيعه من الصواغين فأستعين به في وليمة عرسي، ~~فبينا أنا أجمع (4) لشارفي متاعا من الأقتاب (5) والغرائر والحبال، وشارفاي ~~مناخان إلى (6) جانب بيت رجل من الأنصار، قال: وحمزة يشرب في ذلك البيت، ~~وقينة (7) تغنيه، فقالت: ألا يا حمز (8) للشرف النواء (9) . PageV08P554 # فثار إليها حمزة، فاجتب أسنمتها (1) ، وبقره (2) خواصرها " وذكر الحديث ~~(3) في البخاري (4) وذلك قبل تحريم الخمر. # وأما الصديق رضي الله عنه فكل آية نزلت في مدح المنفقين في سبيل الله فهو ~~أول المرادين بها من الأمة مثل قوله ms2147 تعالى: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل ~~الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا} [سورة ~~الحديد: 10] ، وأبو بكر أفضل هؤلاء وأولهم. # وكذلك قوله {الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم} ~~[سورة التوبة: 20] . # وقوله: {وسيجنبها الأتقى - الذي يؤتي ماله يتزكى} [سورة الليل: 18] فذكر ~~المفسرون مثل ابن جرير الطبري وعبد الرحمن بن أبي حاتم وغيرهما بالأسانيد ~~عن عروة بن الزبير وعبد الله بن الزبير وسعيد بن المسيب وغيرهم أنها نزلت ~~في أبي بكر. PageV08P555 ### | فصل قول الرافضي إن أبا بكر لم يقدم في الصلاة وأن النبي صلى الله عليه وسلم نحاه والرد عليه # فصل # قال الرافضي (1) : وأما تقديمه في الصلاة فخطأ، لأن بلالا لما أذن ~~بالصلاة (2) ، أمرت عائشة أن يقدم أبا بكر (3) فلما أفاق رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم سمع التكبير، فقال: من يصلي (4) بالناس فقالوا: أبو بكر ~~فقال: أخرجوني فخرج بين علي والعباس فنحاه (5) عن القبلة وعزله عن الصلاة، ~~وتولى الصلاة " (6) . # والجواب: أن هذا من الكذب المعلوم عند جميع أهل العلم بالحديث، ويقال له: ~~أولا: من ذكر ما نقلته بإسناد يوثق [به] ؟ (7) وهل هذا PageV08P556 # إلا في كتب من نقله مرسلا من الرافضة، الذين هم من أكذب الناس وأجهلهم ~~بأحوال الرسول مثل المفيد بن النعمان، والكراجكي وأمثالهما من الذين هم من ~~أبعد الناس عن معرفة حال الرسول وأقواله وأعماله؟ . # ويقال: ثانيا: هذا كلام جاهل يظن أن أبا بكر لم يصل بهم إلا صلاة واحدة، ~~وأهل العلم يعلمون أنه لم يزل يصلي بهم حتى مات رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - بإذنه واستخلافه له في الصلاة، بعد أن راجعته عائشة وحفصة في ذلك ~~وصلى بهم أياما متعددة، وكان قد استخلفه في الصلاة قبل ذلك، لما ذهب إلى ~~بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ~~في غيبته على الصلاة، في غير سفر في حال غيبته، وفي مرضه (1) إلا أبا بكر ~~ولكن عبد الرحمن بن عوف صلى بالمسلمين مرة صلاة ms2148 الفجر في السفر عام تبوك، ~~لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد ذهب ليقضي حاجته فتأخر، وقدم المسلمون ~~عبد الرحمن بن عوف، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم ومعه المغيرة بن ~~شعبة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد توضأ ومسح على خفيه فأدرك معه (2) ~~ركعة، وقضى ركعة، وأعجبه ما فعلوه من صلاتهم (3) PageV08P557 # لما تأخر (1) ، فهذا إقرار منه على تقديم عبد الرحمن. # وكان إذا سافر عن المدينة استخلف من يستخلفه يصلي بالمسلمين، كما استخلف ~~ابن أم مكتوم تارة، وعليا تارة في الصلاة، واستخلف غيرهما تارة. # فأما في حال غيبته ومرضه (2) فلم يستخلف إلا أبا بكر لا عليا ولا غيره ~~واستخلافه للصديق في الصلاة متواتر ثابت في الصحاح والسنن والمساند من غير ~~وجه، كما أخرج البخاري ومسلم وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم من أهل الصحيح عن ~~أبي موسى الأشعري قال: «مرض النبي صلى الله عليه وسلم فاشتد مرضه فقال: " ~~مروا أبا بكر فليصل بالناس، فقالت عائشة: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق ~~متى يقم مقامك لا يستطيع أن يصلي بالناس، فقال: " مري أبا بكر فليصل ~~بالناس، فإنكن صواحب يوسف " فصلى بهم أبو بكر في حياة رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم» ، وذكر البخاري (3) فيه مراجعة عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم ~~ثلاث مرات (4) . PageV08P558 # وهذا الذي فيه من أن أبا بكر صلى بهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ~~في مرضه إلى أن مات مما اتفق عليه العلماء بالنقل، فإن النبي صلى الله عليه ~~وسلم مرض أياما متعددة حتى قبضه الله إليه، وفي تلك الأيام لم يكن يصلي بهم ~~إلا أبو بكر، وحجرته إلى جانب المسجد، فيمتنع والحال هذه أن يكون قد أمر ~~غيره بالصلاة، فصلى أبو بكر بغير أمره تلك المدة، ولا مراجعة أحد في ذلك. # والعباس وعلي وغيرهما كانوا يدخلون عليه بيته، وقد خرج بينهما في بعض تلك ~~الأيام، وقد روي أن ابتداء مرضه كان يوم الخميس، وتوفي بلا خلاف يوم ~~الاثنين من الأسبوع الثاني ms2149، فكان مدة مرضه فيما قيل: اثني عشر يوما. # وفي الصحيح عن عبيد الله بن عبد الله قال: «دخلت على عائشة فقلت لها ألا ~~تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: بلى، ثقل رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم، قال: " أصلى الناس (1) ؟ " قلنا: لا، وهم ينتظرونك يا ~~رسول الله قال: " ضعوا لي ماء في المخضب " ففعلنا فاغتسل، ثم ذهب لينوء ~~فأغمي عليه، ثم أفاق فقال: " أصلى الناس؟ " فقلنا: لا، وهم ينتظرونك يا ~~رسول الله، قالت: والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم لصلاة العشاء الآخرة، قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ~~أبي بكر يصلي بالناس، فأتاه الرسول، فقال: إن رسول الله صلى الله ~~PageV08P559 # عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس، فقال أبو بكر - وكان رجلا رقيقا - يا ~~عمر صل بالناس، فقال عمر: أنت أحق بذلك، قالت: فصلى بهم أبو بكر رضي الله ~~عنه تلك الأيام. # ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة فخرج بين رجلين، ~~أحدهما العباس لصلاة الظهر، وأبو بكر يصلي بالناس، فلما رآه أبو بكر ذهب ~~ليتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتأخر وقال لهما: " ~~أجلساني إلى جنبه " (1) فأجلساه إلى جنب أبي بكر، فكان أبو بكر يصلي وهو ~~قائم (2) بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس يصلون بصلاة أبي بكر ~~والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد، قال عبيد الله: فدخلت على ابن عباس فقلت: ~~ألا أعرض عليك ما حدثتني [به] (3) عائشة عن مرض رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم؟ قال: هات، فعرضت عليه حديثها، فما أنكر منه شيئا غير أنه قال: أسمت ~~لك الرجل الذي كان مع العباس؟ قلت: لا؟ قال: هو علي بن أبي طالب» (4) . ~~PageV08P560 # فهذا الحديث الذي اتفقت فيه عائشة وابن عباس كلاهما يخبران بمرض النبي ~~صلى الله عليه وسلم، واستخلاف \ أبي بكر في الصلاة، وأنه صلى بالناس قبل ~~خروج النبي صلى الله عليه وسلم أياما، وأنه لما ms2150 خرج لصلاة الظهر أمره أن لا ~~يتأخر، بل يقيم مكانه، وجلس النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنبه، والناس ~~يصلون بصلاة أبي بكر وأبو بكر يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم. # والعلماء كلهم متفقون على تصديق هذا الحديث وتلقيه بالقبول، وتفقهوا في ~~مسائل فيه منها صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا، وأبو بكر قائم هو ~~والناس هل كان من خصائصه؟ أو كان ذلك ناسخا لما استفاض عنه من قوله " وإذا ~~صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون "؟ ، أو يجمع بين الأمرين، ويحمل ذلك على ما ~~إذا ابتدأ الصلاة قاعدا، وهذا على ما إذا حصل القعود في أثنائها: على ثلاثة ~~أقوال للعلماء، والأول قول مالك ومحمد بن الحسن، والثاني: قول أبي حنيفة ~~والشافعي والثالث: قول أحمد وحماد بن زيد والأوزاعي وغيرهما ممن يأمر ~~المؤتمين (1) بالقعود إذا قعد الإمام لمرض وتكلم العلماء فيما إذا استخلف ~~الإمام الراتب خليفة، ثم حضر الإمام هل يتم الصلاة بهم كما فعل النبي صلى ~~الله عليه وسلم في مرضه، وفعله مرة أخرى PageV08P561 # سنذكرها، أم ذلك من خصائصه؟ على قولين: هما وجهان في مذهب أحمد. # وقد صدق ابن عباس عائشة فيما أخبرت به مع أنه كان بينهما بعض الشيء بسبب ~~ما كان بينهما وبين علي ; ولذلك لم تسمه وابن عباس يميل إلى علي ولا يتهم ~~عليه، ومع هذا فقط صدقها في جميع ما قالت، وسمى الرجل الآخر عليا فلم ~~يكذبها، ولم يخطئها في شيء مما روته. # وفي الصحيحين «عن عائشة قالت: لقد راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ~~ذلك، وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده ~~رجلا قام مقامه أبدا، وإلا إني كنت أرى أنه (1) لن يقوم مقامه أحد إلا ~~تشاءم الناس به فأردت أن يعدل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي ~~بكر» ، قال البخاري: " ورواه ابن عمر وأبو موسى وابن عباس عن النبي صلى ~~الله عليه وسلم (2) ". # وفي الصحيحين عنها «قالت لما ثقل رسول ms2151 الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال ~~يؤذنه بالصلاة، فقال: " مروا أبا بكر فليصل بالناس " قالت: فقلت: يا رسول ~~الله إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقوم مقامك لا PageV08P562 # يسمع [الناس] (1) ، فلو أمرت عمر فقال: " مروا أبا بكر فليصل بالناس " ~~قالت: فقلت لحفصة: قولي له إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقوم مقامك لا ~~يسمع الناس، فلو أمرت عمر فقالت له: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ~~إنكن (2) لأنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس " قالت: فأمروا أبا ~~بكر أن يصلي بالناس» (3) ، وفي رواية البخاري (4) : «ففعلت حفصة، فقال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم: " مه إنكن لأنتن صواحب (5) يوسف، مروا أبا بكر ~~فليصل بالناس " فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيرا» " (6) . # ففي هذا أنها راجعته وأمرت حفصة بمراجعته، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ~~لامهن على هذه المراودة، وجعلها من المراودة على الباطل كمراودة صواحب يوسف ~~ليوسف. PageV08P563 # فدل هذا على أن تقديم غير أبي بكر في الصلاة من الباطل الذي يذم من يراود ~~عليه كما ذم النسوة على مراودة يوسف، هذا مع أن أبا بكر قد قال لعمر يصلي ~~فلم يتقدم عمر، وقال: أنت أحق بذلك، فكان في هذا اعتراف عمر له أنه أحق ~~بذلك منه، كما اعترف له بأنه أحق بالخلافة منه ومن سائر الصحابة، وأنه ~~أفضلهم. # كما في البخاري عن عائشة لما ذكرت خطبة أبي بكر بالمدينة، وقد تقدم ذلك ~~قالت: واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: منا ~~أمير ومنكم أمير فذهب إليهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وأبو عبيدة بن ~~الجراح، فذهب (1) عمر يتكلم، فأسكته أبو بكر وكان عمر يقول: والله ما أردت ~~بذلك إلا أني هيأت كلاما أعجبني خفت أن لا يبلغه أبو بكر، ثم تكلم أبو بكر ~~فتكلم أبلغ الناس، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فقال حباب ~~(2) بن المنذر: لا نفعل، منا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر: ولكنا الأمراء ~~وأنتم الوزراء ms2152 هم أوسط العرب دارا، وأعرقهم (3) أحسابا، فبايعوا عمر أو أبا ~~عبيدة بن الجراح فقال عمر: بل نبايعك أنت، فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس فقال ~~قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة، فقال عمر: قتله الله (4) . PageV08P564 # ففي هذا الخبر إخبار عمر بين للمهاجرين والأنصار أن أبا بكر سيد المسلمين ~~وخيرهم وأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك علة مبايعته فقال: بل ~~نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ; ~~ليبين بذلك أن المأمور به تولية الأفضل، وأنت أفضلنا (1) فنبايعك. # كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «سئل: من أحب ~~الرجال إليك؟ قال: " أبو بكر» " (2) . # ولما قال: " «لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا» " (3) ، وهذا مما ~~يقطع أهل العلم بالحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، وإن كان من ليس ~~له مثل علمهم لم يسمعه، أو سمعه ولا يعرف أصدق هو أم كذب؟ فلكل علم رجال ~~يقومون به، وللحروب رجال يعرفون بها، وللدواوين حساب وكتاب. PageV08P565 # وهؤلاء الثلاثة هم الذين عنتهم عائشة فيما رواه مسلم عن [ابن] (1) أبي ~~مليكة (2) ، قال: سمعت عائشة، وسئلت: من كان رسول الله مستخلفا لو استخلف؟ ~~قالت: أبو بكر فقيل لها: من بعد أبي بكر؟ قالت: عمر قيل لها: من بعد عمر، ~~قالت: أبو عبيدة بن الجراح، ثم انتهت إلى هذا (3) . # والمقصود هنا أن استخلافه في الصلاة كان أياما متعددة (4) ، كما اتفق ~~عليه رواية الصحابة، ورواه أهل الصحيح من حديث أبي موسى وابن عباس وعائشة ~~وابن عمر وأنس، ورواه البخاري من حديث ابن عمر وفيه قوله: " «مروا أبا بكر ~~فليصل بالناس» " ومراجعة عائشة له في هذه القصة، وذكر المراجعة مرتين، وفيه ~~قوله: " «مروه فليصل بالناس، فإنكن صواحب يوسف» "، ولم يزل يصلي بهم باتفاق ~~الناس حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رآهم النبي صلى الله عليه ~~وسلم يصلون خلفه آخر صلاة في حياته ms2153، وهي صلاة الفجر يوم الاثنين، وسر بذلك ~~وأعجبه (5) . PageV08P566 # كما في الصحيحين «عن أنس أن أبا بكر كان يصلي بهم في وجع رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم الذي توفي فيه حتى إذا كان يوم الاثنين، وهم صفوف في الصلاة ~~كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة، فنظر إلينا وهو قائم كأن ~~وجهه ورقة مصحف، ثم تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا، قال (1) : ~~فبهتنا ونحن في الصلاة من الفرح بخروج النبي صلى الله عليه وسلم، ونكص أبو ~~بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خارج ~~للصلاة، فأشار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أن أتموا صلاتكم، ~~قال: ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرخى الستر، قال: فتوفي رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم من يومه ذلك. # وفي بعض طرق البخاري: قال: فهم الناس أن يفتتنوا في صلاتهم فرحا في رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم، وذكر أن ذلك كان في صلاة PageV08P567 # الفجر» (1) . # وفي صحيح مسلم عن أنس قال: آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم: كشف الستارة يوم الاثنين، وذكر القصة (2) . # وفي الصحيحين عن أنس قال: «لم يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~ثلاثا، فأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر يتقدم، فقال نبي الله صلى الله عليه ~~وسلم بالحجاب (3) ، فرفعه فلما وضح لنا وجه النبي صلى الله عليه وسلم ما ~~نظرنا منظرا قط أعجب إلينا من وجهه حين وضح لنا (4) قال: فأومأ نبي الله ~~صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي بكر أن يتقدم، وأرخى نبي الله صلى الله ~~عليه وسلم الحجاب، فلم يقدر عليه حتى مات» (5) . # فقد أخبر أنس أن هذه الخرجة الثانية إلى باب الحجرة كانت بعد احتباسه ~~ثلاثا، وفي تلك الثلاث كان يصلي بهم أبو بكر، كما كان يصلي بهم قبل خرجته ~~الأولى التي خرج فيها بين علي والعباس، وتلك كان PageV08P568 # يصلي قبلها أياما، فكل هذا ثابت في الصحيح كأنك ms2154 تراه. # وفي حديث أنس أنه أومأ إلى أبي بكر أن يتقدم فيصلي بهم هذه الصلاة الآخرة ~~التي هي آخر صلاة صلاها المسلمون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وهنا ~~باشره بالإشارة إليه إما في الصلاة، وإما قبلها. # وفي أول الأمر أرسل إليه رسلا فأمروه بذلك، ولم تكن عائشة هي المبلغة ~~لأمره ولا قالت لأبيها: إنه أمره كما زعم هؤلاء الرافضة المفترون. # فقول هؤلاء الكذابين: إن بلالا لما أذن أمرته عائشة أن يقدم أبا بكر، كذب ~~واضح لم تأمره عائشة أن يقدم أبا بكر، ولم تأمره بشيء ولا أخذ بلال ذلك ~~عنها، بل هو الذي آذنه بالصلاة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لكل من ~~حضره: لبلال وغيره: " «مروا أبا بكر فليصل بالناس» " فلم يخص عائشة ~~بالخطاب، ولا سمع ذلك بلال منها. # وقوله: " فلما أفاق سمع التكبير، فقال: من يصلي بالناس؟ فقالوا: أبو بكر، ~~فقال: أخرجوني ". # فهو كذب ظاهر، فإنه قد ثبت بالنصوص (1) المستفيضة التي اتفق أهل العلم ~~بالحديث على صحتها أن أبا بكر صلى بهم أياما قبل خروجه، كما صلى بهم أياما ~~بعد خروجه، وأنه لم يصل بهم في مرضه غيره. # ثم يقال: من المعلوم المتواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم مرض ~~PageV08P569 # أياما متعددة عجز فيها عن الصلاة (* بالناس أياما، فمن الذي كان يصلي بهم ~~تلك الأيام غير أبي بكر؟ ولم ينقل أحد قط: لا صادق *) (1) ولا كاذب: أنه ~~صلى بهم غير أبي بكر، لا عمر ولا علي ولا غيرهما، وقد صلوا جماعة، فعلم أن ~~المصلي بهم كان أبا بكر. # ومن الممتنع أن يكون الرسول لم يعلم ذلك، ولم يستأذنه المسلمون فيه، فإن ~~مثل هذا ممتنع عادة وشرعا، فعلم أن ذلك كان بإذنه. # كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة، وثبت أنه روجع في ذلك، وقيل له: لو ~~أمرت غير أبي بكر؟ فلام من راجعه، وجعل ذلك من المنكر الذي أنكره لعلمه بأن ~~المستحق لذلك هو أبو بكر لا غيره. # كما في الصحيحين عن عائشة قالت: «قال لي رسول ms2155 الله صلى الله عليه وسلم: " ~~ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا لأبي بكر، فإني أخاف أن يتمنى متمن، أو ~~يقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله ورسوله والمؤمنون إلا أبا بكر» " (2) . # وفي البخاري عن القاسم بن محمد قال: «قالت عائشة: وارأساه، فقال النبي ~~صلى الله عليه وسلم: " ذاك لو كان وأنا حي، فأستغفر لك وأدعو لك " فقالت ~~عائشة: واثكلتاه، والله إني لأظنك تحب موتي، فلو كان ذلك لظللت آخر يومك ~~معرسا ببعض أزواجك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " وارأساه لقد هممت أن ~~أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد PageV08P570 # أن يقول القائلون، أو يتمنى المتمنون، ويدفع الله ويأبى المؤمنون» " (1) ~~. # وهذا الحديث الصحيح فيه همه بأن يكتب لأبي بكر كتابا بالخلافة ; لئلا ~~يقول قائل: أنا (2) أولى، ثم قال: " «يأبى الله ذلك والمؤمنون» " فلما علم ~~الرسول أن الله تعالى لا يختار إلا أبا بكر، والمؤمنون لا يختارون إلا إياه ~~اكتفى بذلك عن الكتاب، فأبعد الله من لا يختار ما اختاره الله ورسوله ~~والمؤمنون. # وقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مرتين في مرضه، (* «قال لعائشة: " ~~ادعي لي أباك وأخاك» "، وقال قبل ذلك لما اشتكت عائشة: " «لقد هممت أن أكتب ~~لأبي بكر كتابا» " (3) . # ثم إنه عزم يوم الخميس في مرضه *) (4) على الكتاب مرة أخرى، كما في ~~الصحيحين عن ابن عباس أنه قال: " «يوم الخميس وما يوم الخميس، اشتد برسول ~~الله صلى الله عليه وسلم الوجع، فقال: " ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا ~~تضلوا بعده أبدا " فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما شأنه هجر؟ ~~استفهموه، فذهبوا يردون عليه، فقال: " ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني ~~إليه " فأمرهم بثلاث، فقال: " أخرجوا اليهود من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد ~~بنحو ما كنت أجيزهم " وسكت عن الثالثة، أو قال: فنسيتها» " (5) . ~~PageV08P571 # وفي رواية في الصحيحين قال: " «وفي البيت رجال فيهم عمر، فقال النبي صلى ~~الله عليه وسلم: " هلموا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده» " فقال بعضهم - وفي ~~رواية عمر -: «رسول الله صلى الله عليه وسلم ms2156 قد غلب عليه الوجع، وعندكم ~~القرآن حسبكم كتاب الله، فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا ~~يكتب لكم، ومنهم من يقول: ما قال عمر، ومنهم من يقول (1) غير ذلك، فلما ~~أكثروا اللغط قال: " قوموا عني» " قال عبيد الله الراوي (2) عن الزهري قال ~~ابن عباس: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~وبين كتابه " (3) ، فحصل لهم شك: هل قوله: " «أكتب لكم كتابا لن تضلوا (4) ~~بعده» " هو مما أوجبه المرض، أو هو الحق الذي يجب اتباعه؟ وإذا حصل الشك ~~لهم لم يحصل به المقصود، فأمسك عنه وكان لرأفته (5) بالأمة يحب أن يرفع ~~الخلاف بينها، ويدعو الله بذلك، ولكن قدر الله قد مضى بأنه لا بد من ~~الخلاف. # كما في الصحيح عنه أنه قال: " «سألت ربي ثلاثا، فأعطاني اثنتين ومنعني ~~واحدة: سألته أن لا يسلط على أمتي عدوا من غيرهم PageV08P572 # فيجتاحهم (1) فأعطانيها، وسألته أن لا يهلكهم بسنة عامة فأعطانيها، ~~وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها» " (2) . # ولهذا قال ابن عباس: " إن الرزية كل الرزية ما حال بين النبي صلى الله ~~عليه وسلم وبين الكتاب "، فإن ذلك رزية في حق من شك في خلافة الصديق، وقدح ~~فيها إذ لو كان الكتاب الذي هم به أمضاه لكانت شبهة هذا المرتاب تزول بذلك، ~~ويقول: خلافته ثبتت (3) بالنص الصريح الجلي، فلما لم يوجد هذا كان رزية في ~~حقه من غير تفريط من الله ورسوله، بل قد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~البلاغ المبين، وبين الأدلة الكثيرة الدالة على أن الصديق أحق بالخلافة من ~~غيره، وأنه المقدم. # وليست هذه رزية في حق أهل التقوى الذين يهتدون بالقرآن، وإنما كانت رزية ~~في حق من في قلبه مرض، كما كان نسخ ما نسخه الله، وإنزال القرآن، وانهزام ~~المسلمين يوم أحد، وغير ذلك من مصائب الدنيا رزية في حق من في قلبه مرض. # قال تعالى: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء ~~الفتنة وابتغاء تأويله} [سورة آل عمران: 7] . # وإن ms2157 كانت هذه الأمور في حق من هداه الله مما يزيدهم الله به علما ~~وإيمانا. PageV08P573 # وهذا كوجود الشياطين من الجن والإنس يرفع الله به درجات أهل (1) الإيمان ~~بمخالفتهم ومجاهدتهم مع ما في وجودهم من الفتنة لمن أضلوه وأغووه. # وهذا كقوله تعالى: {وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين ~~أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا} [سورة المدثر: 31] . # وقوله: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ~~ينقلب على عقبيه} [سورة البقرة: 143] . # وقول موسى: {إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء} [سورة ~~الأعراف: 155] . # وقوله: {إنا مرسلو الناقة فتنة لهم} [سورة القمر: 27] . # وقوله: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان ~~في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ~~- ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن ~~الظالمين لفي شقاق بعيد - وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك ~~فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم} ~~[سورة الحج: 52 - 54] . PageV08P574 ### | [فصل: النبي أرشد الأمة إلى خلافة الصديق] # فصل (1) . # وقد تقدم التنبيه على أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد الأمة إلى خلافة ~~الصديق ودلهم عليها، وبين لهم أنه أحق بها من غيره. # مثل ما أخرجاه في الصحيحين عن جبير بن مطعم «أن امرأة سألت النبي صلى ~~الله عليه وسلم شيئا فأمرها أن ترجع إليه، فقالت: يا رسول الله: أرأيت إن ~~جئت فلم أجدك؟ - كأنها تعني الموت - قال: " فإن لم تجديني فأتي أبا بكر» " ~~(2) . # والرسول علم أن الله لا يختار غيره (3) ، والمؤمنون لا يختارون غيره، ~~ولذلك قال: «يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر» " فكان فيما دلهم به من ~~الدلائل الشرعية، وما علم بأن الله سيقدره من الخير الموافق لأمره ورضاه ما ~~يحصل به تمام الحكمة في خلقه وأمره، قدرا وشرعا. # وقد ذكرنا أن ما اختاره الله كان أفضل في حق الأمة (4) من وجوه، وأنهم ~~إذا ولوا ms2158 بعلمهم واختيارهم من علموا أنه الأحق بالولاية عند الله ورسوله ~~كان في ذلك من المصالح الشرعية ما لا يحصل بدون ذلك. # وبيان الأحكام يحصل تارة بالنص الجلي المؤكد، وتارة بالنص PageV08P575 # الجلي المجرد، وتارة بالنص الذي قد يعرض لبعض الناس فيه شبهة بحسب مشيئة ~~الله وحكمته. # وذلك كله داخل في البلاغ المبين، فإنه من ليس (1) شرط البلاغ المبين أن ~~لا يشكل على أحد، فإن هذا لا ينضبط، وأذهان الناس وأهواؤهم متفاوتة تفاوتا ~~عظيما، وفيهم من يبلغه العلم، وفيهم من لا يبلغه إما لتفريطه وإما لعجزه. # وإنما على الرسول البلاغ المبين: البيان الممكن، وهذا - ولله الحمد - قد ~~حصل منه صلى الله عليه وسلم، فإنه بلغ البلاغ المبين، وترك الأمة على ~~البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك، وما ترك من شيء يقرب ~~إلى الجنة إلا أمر الخلق به، ولا من شيء يقربهم من النار إلا نهاهم عنه، ~~فجزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبيا عن أمته. # وأيضا فأمر النبي (2) صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالصلاة بالناس إذا ~~غاب، وإقراره إذا حضر قد كان في صحته قبل هذه المرة. # كما في الصحيحين عن سهل بن سعد «أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني ~~عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر، فقال: ~~أتصلي بالناس فأقيم؟ قال: نعم، فصلى أبو بكر، فجاء النبي صلى الله عليه ~~وسلم في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصلاة، فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت ~~في الصلاة، فلما أكثر الناس من التصفيق التفت، فرأى رسول الله صلى الله ~~PageV08P576 # عليه وسلم، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث مكانك، فرفع ~~أبو بكر يديه، فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ~~ذلك، ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف، وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم ~~فصلى بهم، ثم انصرف، فقال: " يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟ " فقال ms2159 ~~أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما لي أراكم أكثرتم التصفيق؟ من ~~نابه شيء في صلاته فليسبح، فإنه إذا سبح التفت إليه، وإنما التصفيق للنساء» ~~" وفي رواية: " «فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرق الصفوف حتى قام ~~عند الصف المقدم، وفيها: أن أبا بكر رجع القهقرى، وفي رواية للبخاري: فجاء ~~بلال إلى أبي بكر فقال: يا أبا بكر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حبس ~~وقد حانت الصلاة، فهل لك أن تؤم الناس؟ فقال: نعم إن شئت، وفي رواية: " ~~أيها الناس ما لكم حين نابكم شيء في صلاتكم أخذتم في التصفيق، إنما التصفيق ~~للنساء من نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان الله، فإنه لا يسمعه أحد يقول: ~~سبحان الله إلا التفت، يا أبا بكر ما منعك أن تصلي بالناس حين أشرت إليك؟ " ~~وفي رواية: أن تلك الصلاة كانت صلاة العصر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ~~ذهب إلى بني عمرو بن عوف بعد ما صلى الظهر، وفيه فلما أومأ إليه النبي صلى ~~الله عليه وسلم أن امضه، وأومأ بيده هكذا، فلبث أبو بكر هنيهة يحمد الله ~~على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مشى القهقرى. # PageV08P577 # وفي رواية: أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، فأخبر رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم فقال: اذهبوا بنا نصلح بينهم، [وفي رواية:] (1) فحضرت ~~الصلاة ولم يأت النبي صلى الله عليه وسلم، فأذن بالصلاة، ولم يأت النبي صلى ~~الله عليه وسلم» ، فهذا [الحديث] (2) من أصح حديث على وجه الأرض، وهو مما ~~اتفق أهل العلم بالحديث على صحته وتلقيه بالقبول (3) ، وفيه: أن أبا بكر ~~أمهم في مغيب النبي صلى الله عليه وسلم لما حضرت صلاة العصر، وهي الوسطى ~~التي أمروا بالمحافظة عليها خصوصا، وقد علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم ~~كان مشغولا، ذهب إلى قباء ليصلح بين أهل قباء لما اقتتلوا، وقد ms2160 علموا من ~~سنته أنه يأمرهم في مثل هذه الحال أن يقدموا أحدهم، كما قدموا عبد الرحمن ~~بن عوف في غزوة تبوك لصلاة الفجر، لما أبطأ النبي صلى الله عليه وسلم حين ~~ذهب هو والمغيرة (4) لقضاء حاجته، وكان عليه جبة من صوف، وبلال هو المؤذن ~~الذي هو أعلم بذلك (5) من غيره، فسأل أبا بكر أن يصلي بهم فصلى بهم، لا ~~سيما وقد أمرهم بتقديمه. PageV08P578 # ففي الصحيحين عن سهل بن سعد قال: «كان قتال بين بني عمرو بن عوف، فبلغ ~~ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاهم ليصلح بينهم بعد الظهر، فقال ~~لبلال: " إن حضرت الصلاة ولم آتك، فمر أبا بكر فليصل بالناس» " وذكر ~~الحديث، ثم لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أبي بكر أن يتم بهم ~~الصلاة، فسلك أبو بكر مسلك الأدب معه، وعلم أن أمره أمر إكرام لا أمر ~~إلزام، فتأخر تأدبا معه لا معصية لأمره، فإذا كان هو صلى الله عليه وسلم ~~يقره في حال صحته وحضوره على إتمام الصلاة بالمسلمين التي شرع فيها، ويصلي ~~خلفه صلى الله عليه وسلم كما صلى الفجر خلف عبد الرحمن بن عوف في غزوة تبوك ~~صلى إحدى الركعتين وقضى الأخرى، فكيف يظن به أنه في مرضه وإذنه له في ~~الصلاة بالناس حتى يخرج ليمنعه من إمامته بالناس؟ ! . # فهذا ونحوه مما يبين أن حال الصديق عند الله وعند رسوله والمؤمنين في ~~غاية المخالفة لما هي عند هؤلاء الرافضة المفترين الكذابين الذين هم ردء ~~المنافقين، وإخوان المرتدين والكافرين الذين يوالون أعداء الله، ويعادون ~~أولياءه. # ولا ريب أن أبا بكر وأعوانه هم أشد الأمة جهادا للكفار والمنافقين ~~والمرتدين، وهم الذين قال الله فيهم: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ~~أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة ~~لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} [سورة المائدة: 54] . # فأعوانه وأولياؤه خير الأمة وأفضلها، وهذا أمر معلوم في السلف # PageV08P579 # والخلف، فخيار المهاجرين والأنصار الذين كانوا يقدمونه في المحبة على ~~غيره ms2161 ويرعون حقه، ويدفعون عنه من يؤذيه. # مثال ذلك أن أمراء الأنصار اثنان: سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وسعد بن ~~معاذ أفضلهما. # ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه اهتز لموت سعد عرش الرحمن ~~فرحا بقدوم روحه، وحمله النبي صلى الله عليه وسلم على كاهله» (1) . # ولما حكم في بني قريظة بحكم لم تأخذه في الله لومة لائم، قال له النبي ~~صلى الله عليه وسلم: " «لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات» " (2) ~~. # وقد عرف أنه وابن عمه أسيد بن حضير كانا (3) من أعظم أنصار أبي بكر ~~وابنته على أهل الإفك، ولما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح ~~كان أبو بكر رأس المهاجرين عن يمينه، وأسيد بن حضير رأس الأنصار عن يساره، ~~فإن سعد بن معاذ كان قد توفي عقب الخندق بعد حكمه في بني قريظة. # وقال أسيد بن حضير لما نزلت آية التيمم: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي ~~بكر، ما نزل ما تكرهينه (4) إلا جعل الله لك فيه فرجا، وجعل للمسلمين فيه ~~بركة. PageV08P580 # وعمر وأبو عبيدة وأمثالهما من خيار المهاجرين، وكانا من أعظم أعوان ~~الصديق، وهؤلاء أفضل من سعد بن عبادة الذي تخلف عن بيعته، وعن القيام على ~~أهل الإفك، وعزله عن الإمارة يوم فتح مكة، وقد روي أن الجن قتلته، وإن كان ~~مع ذلك من السابقين الأولين من أهل الجنة. # وكذلك عمر وعثمان أفضل من علي فإنه لم يكن له في قصة الإفك من نصرة ~~الصديق، وفي خلافة أبي بكر من القيام بطاعة الله ورسوله ومعاونته أبي بكر ~~ما كان لغيره، والله حكم عدل يجزي الناس بقدر أعمالهم، وقد فضل الله ~~النبيين بعضهم على بعض، وفضل الرسل على غيرهم وأولو العزم أفضل من سائر ~~الرسل، وكذلك فضل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار على غيرهم، وكلهم ~~أولياء الله، وكلهم في الجنة، وقد رفع الله درجات بعضهم على بعض، فكل من ~~كان إلى الصديق أقرب من المهاجرين والأنصار، كان أفضل فما زال خيار ms2162 ~~المسلمين مع الصديق (1) قديما وحديثا، وذلك لكمال نفسه وإيمانه. # وكان رضي الله عنه من أعظم المسلمين رعاية لحق قرابة (2) رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم وأهل بيته، فإن كمال محبته للنبي صلى الله عليه وسلم أوجب ~~سراية الحب لأهل بيته، إذ كان رعاية PageV08P581 # أهل بيته مما أمر الله ورسوله به، وكان الصديق رضي الله عنه يقول: " ~~ارقبوا محمدا في آل بيته " رواه عنه البخاري (1) ، وقال: " والله لقرابة ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي " (2) . ~~PageV08P582 ms2163