######OpenITI# #META# max: 384 #META# higrid: 1332ه/1914م #META# المؤلف: نور الدين أبو محمد عبد الله بن حميد السالمي #META# authno: 512 #META# authinf: نور الدين أبو محمد عبد الله بن حميد السالمي العماني ¶ مجدد أمة ومحيي إمامة #META# Shamela_short_metadata_record: #META# الكتاب: مشارق أنوار العقول ¶ المؤلف: نور الدين أبو محمد عبد الله بن حميد السالمي ¶ شهرته: نور الدين السالمي ¶ المحقق: عبد الرحمن عميرة ¶ شهرته: ¶ دار النشر: ¶ البلد: ¶ الطبعة: ¶ سنة الطبع: ¶ عدد الأجزاء: ¶ التصنيف: ¶ العلم: ¶ ملاحظات: ¶ ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطبوع #META# comments: ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطبوع #META# comp: 1 #META# شهرته: نور الدين السالمي #META# ad: 1332 #META# المحقق: عبد الرحمن عميرة #META# archive: 1 #META# bkord: 96 #META# Lng: نور الدين أبو محمد عبد الله بن حميد السالمي #META# auth: نور الدين أبو محمد عبد الله بن حميد السالمي #META# الكتاب: مشارق أنوار العقول #META# iso: مشارق انوار العقول لنور الدين السالمي #META# cat: العقيدة #META# bk: مشارق أنوار العقول لنور الدين السالمي #META# bkid: 135 #META# ScrapeDate: 13-03-2020 #META# ScrapedFrom: ShamelaIbadiyya #META#Header#End# # الباب الثالث من الركن الثاني: المقصد الأول # في جواز بعث الرسل والحكمة في بعثهم # ( PageV01P003 ثم من الجائز بعث الرسل =يهدوننا إلى الصراط الأعدل) # (مقرونة دعواهم تفضلا= بمعجزات تبطل التقولا) # (قوله ثم من الجائز) أي العقلي المعبر عنه بالإمكان الخاص المنافي للوجوب ~~والاستحالة أي من الجائز في حقه تعالى بعث الرسل الخ لا من الواجب عليه ~~تعالى خلافا للمعتزلة والفلاسفة، ولا من المستحيل عليه خلافا للبراهمة(1) ~~والسمنية (2) ونحوهم، أما المعتزلة فأوجبوا بعثة الرسل على الله تعالى لأن ~~صلاحية أمر المعاش والمعاد متوقفة على وجودهم، فلا يتم نظامها إلا بهم، وهو ~~مبني على مذهبهم الفاسد بوجوب رعاية الأصلحية على الله تعالى ووجوب مراعاة ~~الأصلحية مبني على قولهم بتحكيم العقل ورد الشرع إليه وقد تقدم إبطاله. ~~(وأما الفلاسفة) فقد أوجبوا ذلك على الله تعالى بطريق العلة والطبيعة، ~~وبطلان مذهبهم ظاهر لأن الله تعالى هو الصانع المختار لا العلة ولا ~~الطبيعة. # (وأما) القائلون باستحالة البعثة فمنهم من ذهب أنها مستحيلة لذاتها ~~لاحتمال أن يكون ذلك الخبر الذي جاء إلى هذا البشر إنما هو من إلقاء الجن إليه. # وأجيب بأنه يخلق الله في البشر الموحى إليه علما يدرك به أن ذلك الخبر من ~~عند الله تعالى لا من عند الجن والشياطين. # (ومنهم) من زعم أنها مستحيلة لاستحالة التكليف مع إمكانها في نفسها ~~(ومنهم) من زعم أنها مستحيلة لاستحالة خرق العادة عقلا وأجيبوا بأن خرق ~~العادة ليس هو بأشد من إبداء خلق السماوات والأرض. (ومنهم) من قال بجوازها ~~وأنكر وقوعها وأجيبوا بوجود المعجزات الدالة على وقوع النبوة حيث لا معارض. # (قوله: بعث الرسل) أي إرسال الرسل إلى الخلق مبشرين ومنذرين مقرونين ~~بالمعجزة الدالة على صدقهم وكذلك أيضا من الجائز عليه تعالى الإيحاء إلى ~~نبي لم يأمره بالتبليغ فيختص باسم النبي دون الرسول لما سيأتي من الفرق ~~بينهما. # ( PageV01P004 تنبيه) يترتب على قولنا أن بعث الرسل من الجائز العقلي عدم ~~وجوب معرفة أن لله رسولا بخاطر البال فإنه متى ما جوز العقل وجود بعث ~~الرسول وعدمه كان معه ms001 كلا الطرفين سواء، فلا يكون طريق معرفة البعث إلا ~~السماع. # (قوله يهدوننا) أي ينصبون لنا الأدلة الكائنة سببا لهدايتنا إلى سلوك ~~طريق رضوان ربنا، وهذا هو الحكمة في إرسالهم ولا يغني عنهم في ذلك العقل ~~كما زعمه بعض الملحدة، حيث قالوا: إن العقل يهتدي إلى معرفة الحسن فيفعله ~~والقبيح فيتركه والأشياء التي لم يحكم فيها العقل بحس ولا قبح تفعل عند ~~الضرورة وتجتنب عند عدمها. # (وجوابهم): أن العقل لا يدرك من التكاليف إلا بعضها، فلا يدرك ما كان ~~كالصلاة ووظائفها والصوم ووظائفه ونحو ذلك، فلا غنى عن الرسول به ولو سلمنا ~~أنه يدرك ذلك لكان إدراكه له متفاوتا محتاجا إلى مدة طويلة، وربما وقع في ~~مهلكة قبل إدراكه لها فالرسول كالطبيب الحاذق الذي يعرف الداء والدواء ~~وطبائع الأدوية، فيخبر الناس أن هذا لكذا وهذا لكذا وذا لكذا، فإنه وإن أمن ~~أن الناس يدركون طبائع تلك الأدوية وأسرارها بمحض التجربة فلربما وقعوا في ~~مدة تجربتهم لها في الدواء القاتل لهم فظهرت حكمة وجود الطبيب لهم. # (قوله إلى الصراط الأعدل) أي الطريق المستوي المبلغ إلى رضوان الله تعالى. # (قوله مقرونة دعواهم) حال من فاعل يهدوننا، أي يهدوننا إلى الصراط ~~المستقيم حال كونهم مقرونة دعواهم بأنهم أنبياء وأنهم رسل من الله إلى ~~خلقه، وأنهم مبلغون عن الله ما أمرهم بتبليغه بمعجزات خارقة للعادة مبطلة ~~لمعارضة المعاند لهم، شاهدة على تصديق مدعاهم نازلة منزلة صدق عبدي في كل ~~ما بلغه عني، وقرن دعواهم بتلك المعجزات إنما هو عن محض تفضل الله تعالى لا ~~عن وجوب ولا عن إيجاب. # قال الباجوري: (وأعلم) أن المعجزة لغة: مأخوذة من العجز وهو ضد القدرة ~~وعرفا: أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي الذي هو دعوى الرسالة أو النبوة مع ~~عدم المعارضة. PageV01P005 # وقال السعد(3): هي أمر يظهر بخلاف العادة على يد مدعي النبوة تحدي ~~المنكرين على وجه يعجز المنكرين على الإتيان بمثله وقد اعتبر المحققون فيها ~~سبعة قيود. # الأول: أن تكون قولا أو فعلا أو تركا فالأول كالقرآن. # والثاني: كنبع الماء ms002 من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم. # والثالث: كعدم إحراق النار لسيدنا إبراهيم، وخرج بذلك الصفة القديمة كما ~~إذا قال: آية صدقي كون الإله متصفا بصفة الاختراع. # الثاني: أن تكون خارقة للعادة وهي ما اعتاده الناس واستمروا عليه مرة بعد ~~أخرى، وخرج بذلك غير الخارق كما إذا قال: آية صدقي طلوع الشمس من حيث تطلع ~~وغروبها من حيث تغرب. # الثالث: أن تكون على يد مدعي النبوة أو الرسالة، وخرج بذلك الكرامة وهي: ~~ما يظهر على يد عبد ظاهر الصلاح والمعونة وهي ما يظهر على يد العوام تخليصا ~~لهم من شدة. # والاستدراج: وهو ما يظهر على يد فاسق خديعة ومكرا به. # والإهانة: وهي ما يظهر على يده تكذيبا له كما وقع لمسيلمة(4) الكذاب فإنه ~~تفل في عين أعور لتبرأ فعميت الصحيحة. # الرابع: أن تكون مقرونة بدعوى النبوة أو الرسالة حقيقة أو حكما بأن تأخرت ~~بزمن يسير، وخرج بذلك الإرهاص وهو ما كان قبل النبوة والرسالة تأسيسا لها ~~كإظلال الغمام له صلى الله عليه وسلم قبل البعثة. # الخامس: أن تكون موافقة للدعوى وخرج بذلك المخالف لها كما إذا قال آية ~~صدقي في انفلاق البحر فانفلق الجبل. # السادس: أن لا تكون مكذبة له وخرج بذلك ما إذا كانت مكذبة له كما إذا قال ~~آية صدقي نطق هذا الجماد فنطق إنه مفتر كذاب، بخلاف ما لو قال: آية صدقي ~~نطق هذا الإنسان الميت وإحياؤه فأحيا ونطق بأنه مفتر كذاب والفرق أن الجماد ~~لا اختيار له فاعتبر تكذيبه لأنه أمر إلهي والإنسان مختار فلا يعتبر تكذيبه ~~لأنه ربما اختار الكفر على الإيمان. # السابع: أن تتعذر معارضته وخرج بذلك السحر ومنه الشعبذة وهي: خفه في اليد ~~يرى أن لها حقيقة ولا حقيقة لها، كما يقع للحواة وزاد بعضهم. PageV01P006 # ثامنا: وهو أن لا تكون في زمن نقض العادة كزمن طلوع الشمس من مغربها، ~~وخرج بذلك ما يقع من الدجال كأمره للسماء أن تمطر فتمطر وللأرض أن تنبت ~~فتنبت، وقد نظم بعضهم أقسام الأمر الخارق للعادة فقال: # إذا ms003 ما رأيت الأمر يخرق عادة = فمعجزة أن من نبي لنا صدر # وإن بان منه قبل وصف نبوة= فالإرهاص سمه تتبع القوم في الأثر # وإن جاء يوما من ولي فإنه الكر=امة في التحقيق عند ذوي النظر # وإن كان من بعض العوام صدوره= فكنوه حقا بالمعونة واشتهر # ومن فاسق إن كان وفق مراده=يسمى بالاستدراج فيما قد استقر # وإلا فيدعى بالإهانة عندهم=وقد تمت الأقسام عند الذي اختبر # وزاد بعضهم السحر وقيل أنه ليس من الخوارق لأنه معتاد عند تعاطي أسبابه انتهى. # (قوله تفضلا) أي إعطاء غير ناشئ عن وجوب عليه تعالى كما تقول المعتزلة، ~~ولا عن إيجاب كما تقول الفلاسفة، وانتصب على أنه حال من معجزات تقديره ~~متفضلا بها عليهم. # (قوله بمعجزات) جمع معجزة بالمعنى المتقدم ذكره وإنما جمع المعجزات مع ~~أنه يكفي لكل رسول معجزة واحدة من باب مقابلة الجمع بالجمع وذلك أنه جمع ~~الرسل فقابلهم بجمع المعجزات، كقولك لبس القوم ثيابهم أي لبس كل واحد منهم ~~ثوبه المختص به (قوله تبطل التقولا) أي تلك المعجزات تسقط تقول المعارض ~~وذلك التقول تكذيبهم الرسل وزعمهم أنهم يقدرون على الإتيان بمثل ما جاؤوا ~~به كما وقع مثل ذلك لفرعون مع موسى عليه السلام حيث قال: ((فلنأتينك بسحر ~~مثله))(5) وكما وقع لكذاب اليمامة في وضعه سجعات يزعم أنها أوحيت إليه يريد ~~بها معارضة الكتاب العزيز، فبقيت أضحوكة عليه إلى يوم القيامة. # ------------------------------ PageV01P007 1- من الناس من يظن أنهم ~~براهمة لانتسابهم إلى إبراهيم عليه السلام وذلك خطأ فإن هؤلاء هم المخصصون ~~بنفي النبوات أصلا ورأسا فكيف يقولون بإبراهيم عليه السلام؟ والقوم الذين ~~اعتقدوا نبوة إبراهيم عليه السلام من أهل الهند فهم الثنوية القائلون ~~بالنور والظلمة على رأس أصحاب الاثنين وهؤلاء إنما انتسبوا إلى رجل منهم ~~يقال له براهم وقد مهد لهم نفي النبوات أصلا وقرر استحالة ذلك في العقول. # والبراهمة تفرقوا أصنافا فمنهم أصحاب البدوة ومنهم أصحاب الفكر ومنهم ~~أصحاب التناسخ. # 2- السمنية: قوم ينفون النظر والاستدلال ويقولون بقدم العالم وزعموا أنه ~~لا معلوم إلا من ms004 جهة الحواس الخمس وأنكر أكثرهم المعاد والبعث بعد الموت ~~وقال فريق منهم بتناسخ الأرواح في الصور المختلفة وأجازوا أن ينقل روح ~~الإنسان إلى كلب وروح الكلب إلى إنسان. # راجع التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين ص149. ~~راجع الفرق بين الفرق ص270 # 3- هو مسعود بن عمر بن عبدالله التفتازاني سعد الدين، من أئمة العربية ~~والبيان والمنطق، ولد بتفتازان عام 712 ه من بلاد خراسان وأقام بسرخس ~~وأبعده تيمور لنك إلى سمرقند فتوفي فيها ودفن في سرخس كانت في لسانه لكنة. # من كتبه (تهذيب المنطق، والمطول في البلاغة، ومقاصد الطالبين، وإرشاد ~~الهادي) وغير ذلك كثير وكانت وفاته عام 793 ه. # راجع بغية الوعاة 391 ومفتاح السعادة 1: 165 والدرر الكامنة 4: 350 وآداب ~~اللغة 3: 235 ودائرة المعارف الإسلامية 5: 339. # 4- هو مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفي الوائلي أبو ثمامة متنبئ ~~من المعمرين، وفي الأمثال ((أكذب من مسيلمة)) ولد ونشأ باليمامة بوادي ~~حنيفة في نجد وتقلب في الجاهلية بالرحمن وعرف برحمان اليمامة ولما ظهر ~~الإسلام ودانت بذلك العرب جاءه وفد من بني حنيفة فأسلم الوفد، ادعى النبوة ~~فأرسل إليه أبو بكر الجيوش بقيادة خالد بن الوليد فقضى عليه عام 12 ه. PageV01P008 # راجع ابن هشام 3: 74 والروض الأنف 2: 340 والكامل لابن الأثير 2: 137 ~~140 وشذرات الذهب 1: 23. # 5- سورة طه آية رقم 58 وتكملة الآية (فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه ~~نحن ولا أنت مكانا سوى). # قال ابن عباس: وكان يوم الزينة يوم عاشوراء، وقال السدي وقتادة وابن زيد ~~كان يوم عيدهم، وقال سعيد بن جبير: كان يوم سوقهم، ولا منافاة. # وقال وهب بن منبه: قال فرعون يا موسى اجعل بيننا وبينك أجلا ننظر فيه قال ~~موسى لم أؤمر بهذا إنما أمرت بمناجزتك إن أنت لم تخرج دخلت إليك، فأوحى ~~الله إلى موسى أن اجعل بينك وبينه أجلا وقل له أو يجعل هو. قال فرعون اجعله ~~إلى أربعين يوما ففعل. وقال مجاهد وقتادة مكانا سوى منصفا، وقال السدي: ~~عدلا، وقال عبدا لرحمن بن زيد ابن اسلم مكانا مستو بين الناس وما فيه لا ~~يكون صون ولا ms005 شيء يتغيب بعض ذلك عن بعض مستو حين يرى. والله أعلم. # المقصد الثاني: فيما يجب للرسل..... # المقصد الثاني: فيما يجب للرسل وما يستحيل عليهم وما يجوز في حقهم وفي ~~حكم ذلك # (وواجب عليك أن تعرف ما= يجوز للرسل وما قد لزما) # (وما استحال عنهم فاللازم =في حقهم نعتا هي المكارم) # (كالصدق والتبليغ والأمانة=والعقل والضبط وكالفطانة) # (والمستحيل ضدها كالكذب =وكالجنون وارتكاب الريب) # (قوله وواجب عليك) أي وجوبا شرعيا بعد قيام حجة السمع به. # (قوله أن تعرف ما يجوز للرسل الخ) أعلم أن للرسل صفات جائزة وواجبة ~~ومستحيلة، وكذلك الأنبياء أيضا وخص الرسل بالذكر لشرفهم على الأنبياء، ولا ~~عناد المعاند وتكذيبه أكثر ما وقع في حقهم (قوله يجوز للرسل) أي جوازا ~~شرعيا (قوله وما قد لزما) أي لزوما شرعيا. # ( PageV01P009 قوله وما استحال عنهم) استحالة شرعية وإنما قيدنا جميع ذلك ~~بالشرع لأن الشرع هو الذي قضى لهم بذلك، أي استفيد اتصافهم بالمكارم الآتي ~~ذكرها واستحالة أضدادها عليهم وجواز ما عدا ذلك في حقهم إنما علم من طريق ~~الشرع، كما ستقف عليه من أدلة العصمة، وذهب بعضهم إلى أن اتصافهم بتلك ~~المكارم واستحالة أضدادها عليهم إنما هو من طريق العقل أي العقل قضى بأن من ~~كان نبيا يجب له كذا ويستحيل عليه كذا (قوله فاللازم في حقهم) أي في جانبهم ~~أي في جانب نعتهم (قوله نعتا) أي وصفا تمييز مبين لإجمال النسبة الإضافية ~~والأصل في حق نعتهم (قوله هي المكارم) جمع مكرمة بضم الراء وهي الخصلة ~~المحمودة. # ( PageV01P010 قوله كالصدق) هو مطابقة للواقع أي يجب في حق الأنبياء ~~اتصافهم بالصدق في إخبارهم قال الباجوري: ولو بحسب اعتقادهم كما في قوله ~~صلى الله عليه وسلم ((كل ذلك لم يكن))(1) لما قال له ذو اليدين أقصرت ~~الصلاة أم نسيت يا رسول الله حين سلم من ركعتين (أقول) إن الخبر لا يوصف ~~بالصدق بنفس مطابقة الاعتقاد دون الواقع، كما هو مذهبنا ومذهب الأشاعرة ~~فينبغي أن يقال في مثل هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم إنما أخبر ms006 عن ~~الواقع في ظنه فإنه ظن حال إخباره أن كل ذلك لم يقع فإذا هو واقع بعضه قال ~~(فإن قيل) قد مر صلى الله عليه وسلم على جماعة يؤبرون النخل وقال: لو ~~تركتموها لصلحت فتركوها فشاصت(2) (أجيب) بأن هذا من قبيل الإنشاء لأن ~~المعنى كان في رجائي ذلك والإنشاء لا يتصف بصدق ولا كذب، وعدم وقوع المترجي ~~لا يعد نقصا قال: ودليل صدقهم عليهم الصلاة والسلام لو لم يصدقوا للزم ~~الكذب في خبره تعالى لتصديقه تعالى لهم بالمعجزة النازلة منزلة قوله تعالى ~~((صدق عبدي في كل ما يبلغ عني)) وتصديق الكاذب كذب وهو محال في حقه تعالى، ~~فملزومه وهو عدم صدقهم محال وإذا استحال عدم صدقهم وجب صدقهم وهو المطلوب، ~~لكن هذا الدليل إنما يدل على صدقهم في دعوى الرسالة وفي الأحكام الشرعية ~~لأن ذلك هو الذي بلغوه عن الله تعالى ولا يدل على صدقهم في غير ذلك كقام ~~زيد وقعد عمرو، لكن يدل عليه دليل الأمانة لأنه داخل فيها وعلم من ذلك أن ~~أقسام الصدق ثلاثة المقصود هنا الأولان وأما الثالث فهو داخل في الأمانة ~~كما علمت انتهى. # ( PageV01P011 قوله والتبليغ) وهو إيصال ما أمروا بإيصاله ولو أدى ذلك ~~إلى هلاكهم خلافا للشيعة(3) القائلين بجواز ترك التبليغ وإظهار الكفر من ~~الأنبياء للتقية إذا خافوا الهلاك (قلنا) لو جاز في حقهم ذلك للزم إبطال ~~الدعوة أصلا لكثرة المخالفين لهم في مبدأ أمرهم والقاصدين لهم بالسوء حتى ~~أن منهم من القي في النار ومنهم من نشر بالمنشار وإنما قيدنا التبليغ ~~بالمأمورين بتبليغه ليخرج ما أمروا بكتمانه فإنه يجب في حقهم كتمانه وما ~~خيروا فيه في تبليغه وعدمه فإنه يكون في حقهم ما شاؤوا من الطرفين. قال ~~الباجوري: والدليل على وجوب تبليغهم عليهم الصلاة والسلام أنهم لو كتموا ~~شيئا مما أمروا بتبليغه للخلق لكنا مأمورين بكتمان العلم لأن الله تعالى ~~أمرنا بالإقتداء بهم واللازم باطل لأن كاتم العلم ملعون، ولو جاز عليهم ~~كتمان شيء لكتم رئيسهم الأعظم صلى الله عليه وسلم قوله تعالى ms007 ((وإذ تقول ~~للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ~~ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه))(4). # وأصح محامله ما نقله من يعول عليه في التفسير عن علي بن الحسين من أن ~~الله تعالى كان أعلم نبيه أن زينب ستكون من أزواجه فلما شكاها إليه زيد ~~قال: أمسك عليك زوجك واتق الله وأخفى في نفسه ما أعلمه به من أنه سيتزوجها ~~والله مبدي ذلك بطلاق زيد لها وتزويجها له صلى الله عليه وسلم ومعنى ~~الخشية: استحياؤه صلى الله عليه وسلم من الناس أن يقولوا تزوج زوجة ابنه أي ~~من تبناه فعاتبه الله على هذا الاستحياء لعلو مقامه وما قيل من أنه صلى ~~الله عليه وسلم تعلق قلبه بها وأخفاه فلا يلتفت إليه وإن جل ناقلوه فإن ~~أدنى الأولياء لا يصدر عنه مثل هذا الأمر فما بالك به صلى الله عليه وسلم؟ ~~وهذا هو الذي نعتقده وندين لله به كما نقله السنوسي(5) في كتبه ا. ه. # ( PageV01P012 قوله والأمانة) وهي حفظ ظواهرهم وبواطنهم من التلبس بمنهي ~~عنه ولو نهي كراهة أو خلاف الأولى وهم محفوظون ظاهرا من الزنا وشرب الخمر ~~والكذب وغير ذلك من منهيات الظاهر، ومحفوظون باطنا من الحسد والكبر والرياء ~~وغير ذلك من منهيات الباطن، ولا يقع منهم مكروه ولا خلاف الأولى على وجه ~~كونه مكروها أو خلاف الأولى وإذا وقع صورة ذلك فهو للتشريع فيصير واجبا أو ~~مندوبا في حقهم فأفعالهم عليهم الصلاة والسلام دائرة بين الواجب والمندوب، ~~ودليل وجوب الأمانة لهم عليهم الصلاة والسلام أنهم لو خانوا بفعل محرم أو ~~مكروه أو خلاف الأولى لكنا مأمورين به لأن الله تعالى أمرنا بإتباعهم في ~~أقوالهم، وأفعالهم، وأحوالهم من غير تفصيل، وهو تعالى لا يأمر بمحرم ولا ~~مكروه ولا خلاف الأولى، فلا تكون أفعالهم محرمة ولا مكروهة وخلاف الأولى ~~وهذا الدليل وإن كان على صورة الدليل العقلي هو في الحقيقة دليل شرعي، لأن ~~دليل الملازمة شرعي وبطلان التالي بدليل شرعي وهو أن ms008 الله لا يأمر بالفحشاء ~~ا. ه باجوري بتصرف. # (قوله والعقل) هو ما يدرك به حقائق الأشياء قيل محله الرأس وقيل محله ~~القلب أي يجب في حقهم أن يكونوا عاقلين للأشياء المعقولة فلا يكون النبي ~~مجنونا ولا معتوها ولا من سائر الحيوانات الغير العاقلة والدليل على أن ~~النبي لا يكون مجنونا إنكاره تعالى على من وصف نبيه بالجنة في قوله تعالى ~~((أم به جنة))(6) ((قالوا ساحر أو مجنون))(7) فلو جاز وصفهم بالجنة لما ~~أنكر على من وصفهم بها لكنه أنكر على من وصفهم بها فدل على أنه لا يجوز ~~وصفهم بلك، وأما العته فهو من الجنون فدليل استحالته دليل استحالته. # ( PageV01P013 وأما) دليل وجوب عدم كونه من الحيوانات الغير العاقلة قوله ~~تعالى((وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم))(8) الآية فهذه الآية ~~صريح في نفي إرسال غير الرجال قبل نبينا عليه الصلاة والسلام ونبينا رجل ~~أيضا فدل على أنه لم يكن رسول من غير جنس العقلاء. لكن الآية دليل في الرسل خاصة. # (وأما) الأنبياء فيستدل على أنهم من جنس العقلاء بقوله تعالى ((أولئك ~~الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح))(9). # ويحتمل أن يقال أن هذا الدليل خاص بالمشار إليهم وهم المذكورون في ~~السورة. # ( PageV01P014 اعلم) أن وجود الأنبياء من غير العقلاء ليس مما يستحيل ~~عقلا بل جائز لكنه لم يقع ولو وقع لنقل أما قوله تعالى ((وأوحى ربك إلى ~~النحل))(10)فليس هو من الإيحاء بالنبأ وإنما هو بمعنى الإلهام أي وألهمها ~~ربك أن تتخذ من الجبال بيوتا إلى آخره (قوله والضبط) هو حفظ الشيء بحزم وفي ~~الاصطلاح: سماع الكلام كما يحق سماعه ثم فهم معناه الذي أريد به ثم حفظه ~~ببذل مجهوده والثبات عليه بمذاكراته إلى حين أدائه إلى غيره ا. ه والمراد ~~به ها هنا المعنى اللغوي أي ومما يجب في حقهم أن يكونوا حافظين لما ألقي ~~إليهم من الوحي على سبيل الحزم منهم عن نسيان شيء منه لأن الإهمال مؤد إلى ~~التهاون بأمر الآمر ms009 بالتبليغ والتهاون بأمر خالقهم كبيرة وهم معصومون عنها ~~فدليل وجوب الضبط هو دليل وجوب العصمة كما سيأتي إن شاء الله (قوله ~~وكالفطانة) هي التفطن والتيقظ لإلزام الخصوم وإبطال دعاويهم الباطلة ~~والدليل على وجوب الفطانة لهم عليهم الصلاة والسلام آيات كقوله تعالى((وتلك ~~حجتنا آتيناها إبراهيم))(11) والإشارة عادة إلى ما احتج به إبراهيم على ~~قومه من قوله ((فلما جن عليه الليل)) إلى قوله ((وهم مهتدون))(12) وكقوله ~~تعالى حكاية عن قوم نوح ((يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا))(13) أي ~~خاصمتنا فأطلت جدالنا أو أتيت بأنواعه وكقوله تعالى ((وجادلهم بالتي هي ~~أحسن))(14) أي بالطريق التي هي أحسن بحيث تشتمل على نوع إرفاق بهم ومن لم ~~يكن فطنا بأن كان مغفلا لا تمكنه إقامة الحجة ولا المجادلة (لا يقال) هذه ~~الآيات ليست واردة إلا في بعضهم فلا تدل على ثبوت الفطانة لجميعهم لأنا ~~نقول (ما ثبت لبعضهم من الكمال يثبت لغيره فثبتت الفطانة لجميعهم وإن لم ~~يكونوا رسلا بل أنبياء فقط، فاللائق بمنصب النبوة أن يكون عندهم من الفطانة ~~ما يردون به الخصم على تقدير وقوع جدال منهم ا. ه باجوري. # ( PageV01P015 قوله والمستحيل ضدها) أي والممتنع ثبوته في حقهم ضد تلك ~~المكارم وضد الشيء هي الصفة التي تعاقبه في محله ولا تجتمع معه ونقيض الشيء ~~كذلك أيضا لكن الفرق بين الضدين والنقيضين أن الضدين لا يجتمعان وقد ~~يرتفعان كالسواد والبياض فإنهما قد يرتفعان عن المتلون فيتصف بالحمرة ~~والخضرة ونحوهما، وأما النقيضان فلا يجتمعان ولا يرتفعان بمعنى أنه لا ~~ينعدمان معا ولا يوجدان معا، بل إذا وجد أحدهما امتنع الآخر كالوجود ~~والعدم(15) والحدوث والقدم (قوله كالكذب) هو عدم مطابقة الخبر للواقع ودليل ~~استحالته هو دليل وجوب الصدق لهم، فإن من وجب صدقه استحال كذبه (قوله ~~وكالجنون) هو اختلال العقل بحيث يمنع جريان الأفعال والأقوال على نهج العقل ~~إلا نادرا، وهو عند أبي يوسف(16) إن كان حاصلا في أكثر السنة فمطبق وما ~~دونها فغير مطبق ا. ه وقد تقدم دليل استحالته عليهم وكذلك العته وهو عبارة ms010 ~~عن آفة ناشئة عن الذات توجب خللا في العقل، فيصير صاحبه مختلط العقل فيشبه ~~بعض كلام العقلاء وبعض كلام المجانين بخلاف السفه فإنه لا يشابه المجنون ~~لكن تعتريه خفة إما فرحا وإما غضبا ا. ه وهو أيضا مستحيل في حقهم لأن تلك ~~الخفة مغيرة للعقل فتجري أفعالهم وأقوالهم على خلاف الحكمة ولأن السفه مناف ~~لرتبة الاصطفاء وداع إلى التنفر عن الإتباع وقاض برد القول إلى قائله، وقد ~~أخبرنا تعالى أنهم المصطفون وقد أمرنا بإتباعهم ونهانا عن رد قولهم إليه ~~فوجب أن لا يكونوا سفهاء، وهذه الأدلة قاضية أيضا باستحالة الجنون والعته ~~عليهم (قوله أو ارتكاب الريب) جمع ريبة وهي ما تكون سببا للتهمة أي يتهم ~~بها فاعلها فتشمل جميع المعاصي ما عدا الصغير الغير الخسيس الناشئ عن غير ~~تعمد، فإن وقوع هذا لا يجب تهمة فاعله. # ( PageV01P016 أعلم) أن الأمة اتفقوا على عصمة الأنبياء من ارتكاب الشرك ~~عمدا وأجازت الشيعة ارتكابه لهم إذا خافوا الهلاك بعدم ارتكابه، وقد تقدم ~~بطلان قولهم وإنه يؤدي إلى إخفاء الدعوة التي بعث لأجلها الرسول وأجمعوا ~~أيضا على استحالة الكذب عليهم فيما بعثوا به عمدا وسهوا وقد تقدم دليله ~~واختلفوا في جواز الكذب عليهم سهوا في غير ما بعثوا بتبليغه وكذلك أيضا ~~اختلفوا في جواز ارتكاب الصغيرة الغير الخسيسة، وأما الخسيسة كسرقة لقمة ~~ونحوها فمستحيلة عليهم اتفاقا وكذلك كبائر غير الشرك، وذهبت الحشوية إلى ~~جوازها عليهم ومنع الجبائي(17) في حقهم الصغيرة والكبيرة والخسيسة وغيرها ~~على سبيل التعمد، هذا كله بعد النبوة وأما قبلها فذهب جمهور من الأشاعرة ~~والمعتزلة إلى جوازها أي الكبائر عليهم ومنعها بعض المعتزلة لأنها مما ينفر ~~عن الإتباع بعد النبوة، ومنع بعضهم كل ما ينفر ككون الأم عاهرة ونحو ذلك ~~ومنعت الرافضة(18) الصغيرة والكبيرة قبل النبوة وبعدها. # ( PageV01P017 والمذهب) أنهم معصومون بعد النبوة من الكبائر مطلقا ومن ~~خسيس الصغائر أيضا لما تقدم من الأدلة على وجوب ما يجب لهم وعلى استحالة ما ~~يستحيل عليهم وأما قبل النبوة فلا دليل سمعي يرفع ذلك عنهم أما ms011 بعد النبوة ~~فغير مسلم لأن الاصطلاح الأخير ممح للإفساد الأول (لا يقال) إن في قوله ~~تعالى ((إن عبادي ليس لك عليهم سلطان))(19)وفي قوله تعالى حكاية عن إبليس ~~((إلا عبادك منهم المخلصين))(20)دليلا على أن الشيطان لا سبيل له عليهم ~~وعدم السبيل غير مقيد بزمان دون زمان فتستحيل عليهم مطلقا قبل النبوة ~~وبعدها (لأنا نقول) إن السبيل ممتنع حال الإخلاص لا قبله لأنه نفي عنهم حال ~~اتصافهم بذلك (واعلم) أن تجويزنا عليهم الكبائر قبل النبوة لا يستلزم ~~وقوعها منهم لأن الجواز أخص من الوقوع وقد قلنا به لاستصحاب الحال مع عدم ~~المانع ولو صح دليل على منعه لمنعناه لأن المنع هو اللائق بمنصبهم الكريم ~~(ولنا) على عصمتهم بعد النبوة أدلة (منها) أنا قد أمرنا بإتباعهم كقوله ~~تعالى ((وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا))(21) وقوله ((قل إن ~~كنتم تحبون الله فاتبعوه يحببكم الله))(22) فلو جازت عليه الكبائر والخسائس ~~لكنا مأمورين بارتكابها حال إتباعنا لهم فيها وهو باطل (ومنها) أنهم لو جاز ~~عليهم ذلك لكانوا غير مقبولي الشهادة في شيء من أمور الدنيا لقوله تعالى ~~((إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا))(23) فكيف يقبل منهم ما جاؤوا به عن الله ~~تعالى (ومنها) أنه لو جاز عليهم ذلك لدخلوا تحت اللوم والتوبيخ من قوله ~~تعالى ((أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم))(24) (ومنها) انه لو جاز عليهم ~~ذلك لجاز عليهم الزجر والتعنيف لعموم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ~~فيكون ذلك إيذاء في حقهم وهو محجور (ومنها) لو جاز عليهم ذلك لضوعف العذاب ~~في حقهم ولكانوا أشر من فساق العوام لأن ذا المنصب العالي إذا عصى كان ~~العصيان أقبح منه ولضوعف عليه العذاب بدليل ((من يأت منكن بفاحشة ~~PageV01P018 مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين))(25) (ومنها) قوله تعالى ((لا ~~ينال عهدي الظالمين))(26) ولا عهد فوق النبوة (ومنها) قوله تعالى ((ولقد ~~صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين))(27) (ومنها) أنه ~~تعالى قسم المكلفين قسمين فجعلهم حزبين وحزب الشيطان هم العصاة وهم ~~الخاسرون ((ألا إن حزب الشيطان هم ms012 الخاسرون))(28) وأنت إذا تأملت هذه ~~الأدلة كلها رأيتها أدلة لعدم الوقوع لا لرفع الجواز بالكلية لكن دليلنا ~~على رفع الجواز أن نقول هكذا لو جاز عليهم ذلك لوقع منهم أو من أحدهم كما ~~وقع من غيرهم لكنه لم يقع منهم ولا من أحدهم فدل على أنهم معصومون منه، ~~ودليل آخر هو قوله تعالى حكاية عن إبليس ((إلا عبادك منهم المخلصين))(29) ~~وقوله ((إن عبادي ليس لك عليهم سلطان))(30) ولا شك أن الإخلاص لم يفارقهم ~~منذ اصطفاهم الله لوحيه وإنهم عباده المصطفون وإذا كانوا كذلك فليس للشيطان ~~عليهم سبيل فثبتت لهم العصمة (لا يقال) إن هذا الدليل ناف لارتكابهم ~~الصغائر الخفيفة أيضا (لأنا نقول) إن صدور مثل ذلك منهم ليس هو من تسليط ~~الشيطان عليهم وإنما منشأ ذلك غفلة أو سهو أو تأويل من فاعله كما في قصة ~~آدم عليه السلام (فإن قيل) إن ما وقع لآدم هو من كيد الشيطان لأنه هو ~~الموسوس والمزين لهم ذلك (اجبنا) بأنه ليس ذلك من تسليط الشيطان عليه وإنما ~~وقع بتأول آدم عليه السلام النهي عن شجرة مخصوصة لا عن جنس تلك الشجرة فأكل ~~من شجرة غير المشار إليها لكنها من جنسها كذا قيل، وفي ظاهر قوله تعالى ~~حكاية عن إبليس ((ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة))(31) ما يرده لكن الجواب ~~عنه أن آدم عليه السلام نسي النهي فأكل بعد النسيان لقوله تعالى ((ولقد ~~عهدنا إلى آدم من قبل فنسي))(32) ولا يرد هذا بذكر إبليس لهم النهي لاحتمال ~~أن يكون النسيان بعد ذلك وهذا الاحتمال موجود أيضا في تأول آدم النهي عن ~~شجرة بعينها لا عن جنسها فإنه وإن أشار إليها الخبيث فيحتمل أن يكون آدم ~~PageV01P019 عليه السلام لم يلتفت إلى تلك الإشارة وقيل أكل آدم من الشجرة ~~قبل أن ينبأ، وعليه فلا إشكال لأنا لا ندعي العصمة للأولياء بل للأنبياء ~~ولا ندعيها أيضا لهم قبل النبوة. # وما عدا ذلك فهو ممكن = في حقهم إلا الذي يستهجن # (قوله وما عدا ذلك) أي المذكور من واجب ms013 ومستحيل فهو ممكن أي جائز في ~~حقهم. أخر هذا القسم عن الواجب والمستحيل لأنه بمنزلة المركب منهما حيث جاز ~~لهم الطرفان الفعل والترك، وذلك كالأكل والشرب والنوم والجماع، ومخالطة ~~الناس والمشي في الأسواق نحو ذلك من الخصال الجبلية التي خلقوا محتاجين ~~إليها لا يستطيعون منع أنفسهم عنها أو التي خيروا في فعلها وتركها (قوله ~~إلا الذي يستهجن) أي يستقبح أي يستثني من جواز ما عدا ذكره من الواجب ~~والمستحيل الأشياء التي يستقبح فعلها للأنبياء كالبول قياما، فإن القوم ~~رووا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو باطل لقوله تعالى ((وإنك ~~لعلى خلق عظيم))(33) وأن البائل قائم ليس على خلق حسن فضلا من أن يكون على ~~خلق عظيم. # ------------------------------- # 1 - الحديث رواه البخاري في كتاب الصلاة 88 باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره. PageV01P020 # 482 حدثنا ابن شمل أخبرنا ابن عون عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال صلى بنا ~~الرسول صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي قال ابن سيرين: سماها أبو ~~هريرة ولكن نسيت أنا قال: فصلى بنا ركعتين ثم سلم فقام إلى خشبة معروضة في ~~المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه ~~ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى وخرجت السرعان من باب المسجد. فقالوا ~~قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه وفي القوم رجل في ~~يديه طول يقال له ذو اليدين فقال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة...؟ ~~قال وذكره. ورواه أيضا في الأذان 69 والسهو 5، 4 وأدب 45 وإيمان 15 ورواه ~~الإمام مسلم في المساجد 97، 98، 99، 102 وأبو داود في الصلاة 189 والترمذي ~~في الصلاة 175 والنسائي في السهو 22 وابن ماجة في الإقامة 134 والدرامي في ~~الصلاة 175. ورواه صاحب الموطأ في النداء 58، 59 وأحمد بن حنبل في المسند ~~77: 2، 235، 423، 460 (حلبي). # 2 - الحديث رواه الإمام أحمد ثنا عبد الصمد ثنا حماد عن ثابت عن أنس قال ~~سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصواتا فقال: ما هذا؟ قالوا: يلقحون ~~النخل فقال: لو تركوه فلم يلقحوه لصلح فتركوه فلم يلقحوه فخرج شيصا. فقال ms014 ~~النبي صلى الله عليه وسلم وذكره. ورواه الإمام مسلم في الفضائل 141 وابن ~~ماجة في الرهون 15. # 3 - شيعة الرجل أتباعه وأنصاره وتشيع الرجل ادعى دعوى الشيعة، وكل قوم ~~أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض فهم شيع وقوله تعالى) كما فعل بأشياعهم من ~~قبل (أي بأمثالهم من الشيعة الماضية. # والشيعة: أتباع الإمام على - رضي الله عنه - وقد غلا بعضهم في حب الإمام ~~علي، ويسمون الغلاة كاليونسية أصحاب يونس بن عبد الرحمن القمي، والنصيرية، ~~والاسحاقية. PageV01P021 # 4 - سورة الأحزاب آية رقم 37 وتكملة الآية)فلما قضى زيدا منها وطرا ~~زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج ادعيائهم إذا قضوا منهن ~~وطرا وكان أمر الله مفعولا). # 5 - هو محمد بن يوسف بن عمر بن شعيب السنوسي الحسني من جهة الأم أبو ~~عبدالله عالم تلمسان في عصره وصالحها له تصانيف كثيرة منها شرح صحيح ~~البخاري لم يكمله، وشرح مقدمات الجبر والمقابلة لابن الياسمين وتفسير سورة ~~(ص) وما بعدها من السور، وعقيدة أهل التوحيد ويسمى (العقيدة الكبرى) وأم ~~البراهين ويسمى (العقيدة الصغرى) وغير ذلك كثير. توفي عام 895 ه. # راجع البستان 237 وتعريف الخلف 1: 176 ومعجم المطبوعات 1058 ومناقب ~~الحضيكي 1: 224 - 233. # 6 - سورة سبأ آية رقم 8 وتكملة الآية (بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في ~~العذاب والضلال البعيد). # 7 - سورة الذاريات آية رقم 52 وقد جاءت الآية محرفة في المطبوعة حيث قال: ~~(وقالوا شاعر أو مجنون) وصوابها: (ساحر أو مجنون) وآية 39 (الذاريات) وقال ~~(ساحر أو مجنون) # 8 - سورة يوسف آية رقم 109 وسورة النحل آية رقم 43. # 9 - سورة مريم آية رقم 58 وتكملة الآية (ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن ~~هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا) # 10 - سورة النحل آية رقم 68 وتكملة الآية) أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن ~~الشجر ومما يعرشون) # 11 - سورة الأنعام آية رقم 83. # 12 - سورة الأنعام آية رقم 76 - 82 # 13 - سورة هود آية رقم 32 (وتكملة الآية): (فأتنا بما تعدنا إن كنت من ~~الصادقين) # 14 - سورة النحل آية رقم 125 وتكملة الآية (إن ربك هو أعلم بمن ضل عن ~~سبيله وهو أعلم بالمهتدين) PageV01P022 15 - العدم ضد الوجود، وهو مطلق أو ~~إضافي فالعدم المطلق هو ms015 الذي لا يضاف إلى شيء، والعدم الإضافي أو المقيد هو ~~المضاف إلى شيء كقولنا عدم الأمن، وعدم الاستقرار، وعدم التأثر. قال ابن ~~سينا (البالغ في النقص غايته، فهو المنتهي إلى مطلق العدم فبالحري أن يطلق ~~عليه معنى العدم المطلق. راجع الإشارات 69- 70. # 16- هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي البغدادي أبو يوسف صاحب ~~الإمام أبي حنيفة وتلميذه وأول من نشر مذهبه كان فقيها علامة من حفاظ ~~الحديث ولد بالكوفة عام 113 ه وتفقه بالحديث والرواية ثم لزم أبا حنيفة ~~فغلب عليه الرأي وولى القضاء ببغداد أيام المهدي والهادي والرشيد. ومات في ~~خلافته عام 182 ه. # وهو أول من دعي قاضي القضاة وأول من وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب ~~أبي حنيفة وكان واسع العلم بالتفسير والمغازي وأيام العرب من كتبه (الخراج) ~~و(اختلاف الأمصار) و(أدب القاضي) وغير ذلك كثير. راجع مفتاح السعادة 2: ~~100- 107 وابن النديم 203 وأخبار القضاة لوكيع 3: 254 والنجوم الزاهرة 2: ~~107 والبداية والنهاية 10: 180 والجواهر المضيئة 2: 220. # 17 - هو محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي أبو علي من أئمة المعتزلة ~~ورئيس علماء الكلام في عصره وإليه نسبة الطائفة ((الجبائية)) له مقالات ~~وآراء انفرد بها في المذهب نسبته إلى جبى من قرى البصرة اشتهر في البصرة ~~ودفن بجبى عام 303 ه له تفسير حافل مطول رد عليه الأشعري. # راجع المقريزي 2: 348 ووفيات الأعيان 1: 480 والبداية والنهاية 11: 125 ~~واللباب 1: 208 ومفتاح السعادة 2: 35 ودائرة المعارف الإسلامية 6: 270 -274. # 18 - الرافضة: الذين كانوا مع زيد بن علي الباقين على اتباعه ثم تركوه ~~لأنهم طلبوا إليه أن يتبرأ من الشيخين فقال: لقد كانا وزيري جدي فلا أتبرأ ~~منهما فرفضوه وتفرقوا عنه، وقد يطلق بعض الناس اسم الرفض على كل من يتولى ~~أهل البيت وعلى هذا جاء قول الذي يقول: PageV01P023 # أن كان رفضا حب آل محمد =فليشهد الثقلان أني رافض # أنظر مقالات الإسلاميين 1: 129 ومروج الذهب 3: 220 # 19 - سورة الحجر آية رقم 42 وتكملة الآية (إلا من اتبعك من الغاوين) # 20- سورة الحجر آية رقم 40 # 21- سورة الحشر آية رقم 7 # 22- سورة آل عمران آية رقم 31 وتكملة الآية (ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم). # 23 - سورة ms016 الحجرات آية رقم 6 وتكملة الآية (أن تصيبوا قوما بجهالة ~~فتصبحوا على ما فعلتم نادمين). # 24 - سورة البقرة آية رقم 44. # 25- سورة الأحزاب آية رقم 30 وقد جاءت الآية محرفة في المطبوعة حيث ذكرت ~~(ومن بزيادة الواو) ومنكم بدلا من (منكن). # 26 - سورة البقرة آية رقم 124. # 27 - سورة سبأ آية رقم 20. # 28 - سورة المجادلة آية رقم 19. # 29 - سورة الحجر آية رقم 40 وسورة ص آية رقم 83. # 30 - سورة الحجر آية رقم 42. # 31 - سورة الأعراف آية رقم 20. # 32 - سورة طه آية رقم 115. # 33 - سورة القلم آية رقم 4 # المقصد الثالث ( في تفضيل الأنبياء بعضهم على بعض ) # وهو مقصور على السماع، أي ليس لأحد أن يدخل هذا الباب باجتهاد منه لأنا ~~لسنا أهلا للحكم في ذلك وقد اختلفت الطرق في تفضيل بعضهم على بعض مع ~~الاتفاق أن أفضل الكل نبينا صلى الله عليه وسلم ففضل بعضهم بعده آدم وبعضهم ~~نوحا، وبعضهم موسى، وبعضهم عيسى، وبعضهم إبراهيم، قال القطب رح وهو الصحيح ~~فموسى فنوحا فعيسى وبعضهم فضل عيسى على نوح فقال: هكذا أفضل الأنبياء نبينا ~~فإبراهيم، فموسى، فعيسى، فنوح، عليهم جميعا الصلاة والسلام فسلك المصنف هذه ~~الطريق. # أفضلهم نبينا ثم الخليل = ثم الكليم بعده عيسى الجليل # وبعدهم نوح فباقي الرسل = فالأنبياء ذوو المقام الأكمل # ( PageV01P024 قوله أفضلهم نبينا) أي محمد صلى الله عليه وسلم والإضافة ~~لتشريف المضاف إليه لا للتخصيص لأنه رسول إلى كافة من الأولين والآخرين ~~والجن، وفي الملائكة قولان ومعنى إرساله للأولين أنه لو وجد أحد منهم بعد ~~بعثته ما وسعه([1]) إلا إتباعه كما يرشد إلى ذلك بعض الأحاديث النبوية، ~~والدليل على أفضليته صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء قوله تعالى ~~((أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده))([2]) فإنه ذكر أولا أخلاق الأنبياء ~~ووصف كل واحد منهم بخلق يفهم اختصاصه به ثم أمر نبيه أن يتصف بجميع تلك ~~الأخلاق ولا شك أن المتصف بجميعها أفضل من المتصف ببعضها، وقوله صلى الله ~~عليه وسلم ((أنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر))([3]) أي ولا فخر فوق ذلك ~~أو ولا فخر أعظم من ذلك أو ولا أقول ذلك فخرا وقوله ms017 عليه الصلاة والسلام ~~((أنا سيد ولد آدم ولا فخر))([4]) ينافي هذا ما روى عنه صلى الله عليه وسلم ~~أنه قال ((لا تفضلوني على يونس بن متى))([5]) وقوله ((لا تخيروني على ~~موسى))([6]) لاحتمال أن يكون قال ذلك تواضعا، أو قال قبل أن يعلم أنه أفضل منهم. # ( PageV01P025 قوله ثم الخليل) هو إبراهيم عليه السلام سمي خليل الرحمن ~~تشريفا له على غيره، ومعنى الخليل في اللغة: هو من تخللت الأعضاء بحبه ~~ويفدى بالنفس والمال، استعير هنا لعظم المنزلة ورفع الشان والدليل على أن ~~خليل الرحمن هو أفضل الأنبياء بعد نبينا عليه الصلاة والسلام قوله تعالى ~~((وأوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم))([7]) قوله ((بل ملة إبراهيم ~~حنيفا))([8]) وقد ثبت الدليل على أفضلية نبينا على سائر الأنبياء، ومع ذلك ~~فقد أمر بإتباع ملة إبراهيم فدل على ذلك أفضلية إبراهيم على سائر الأنبياء ~~(لا يقال) هذا دليل على أفضلية إبراهيم على جميع الأنبياء حتى نبينا لأن ~~المتبوع أفضل من التابع (لأنا) لا نسلم أن المتبوع أفضل من التابع مطلقا ~~لإمكان أن يختص التابع بميزة لم تكن في المتبوع (قوله ثم الكليم) بتخفيف ~~اللام بمعنى الكليم بتشديدها هو موسى بن عمران بن يصهر بن لاوي بن يعقوب ~~عليه السلام، والدليل على أن موسى أفضل من سائر الأنبياء بعد نبينا ~~وإبراهيم عليهم الصلاة والسلام قوله تعالى ((وكلم الله موسى تكليما))([9]) ~~وقوله تعالى ((واصطنعتك لنفسي))([10]) ففي الآية الأولى دليل على أن الله ~~أسمعه كلاما لأجل سماعه إياه بلا واسطة ملك ونحوه ومن كان بهذه المنزلة فهو ~~أفضل ممن لم يصلها، وفي الآية الثانية دليل على أن الله اصطنعه لنفسه ~~ومعناه لأمره، ومن قيل له كذلك أفضل ممن لم يقل له ذلك وإن كان مخلوقا لذلك ~~أيضا (قوله وبعده عيسى) أي في مرتبة التفضيل بعد موسى عيسى بن مريم عليه ~~السلام، والدليل على أن عيسى أفضل من سائر الأنبياء بعد من ذكر قوله تعالى ~~في حقه ((وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه))([11]) وهذا تشريف له وتعظيم ~~حيث أضافه إلى نفسه ms018. # ( PageV01P026 قوله وبعدهم نوح) عليه السلام والدليل على أن نوحا أفضل من ~~غيره بعد الأربعة لأنه أحد أولي العزم الممدوحين بمضمون قوله تعالى ((فاصبر ~~كما صبر أولوا العزم من الرسل))([12]) قالوا: وهم الخمسة المذكورون في قول ~~المصنف وقد جمعهم غيره على هذا الترتيب أيضا فقال: # محمد إبراهيم موسى كليمه= فعيسى فنوح هم أولوا العزم فاعلم # وجمعهم غيره أيضا على ترتيب تقدمهم في الزمان فقال: # أولوا العزم نوح والخليل كلاهما = وموسى وعيسى والنبي محمد # وأولو العزم أفضل من غيرهم، وأنت إذا تأملت هذه الأدلة رأيتها ظنية ~~والاعتقاد علم لا يبنى على الظن فلا يجب اعتقاد هذه المفاضلة كذلك ولذلك لم ~~يعتن أصحابنا المشارقة بذكر هذه المفاضلة في كتبهم لأنها موقوفة على السماع ~~من الشارع ولم يرد فيها تصريح خبر ولو قدرنا فيها وجود ذلك لقلنا خبر آحاد ~~لا يثبت به الاعتقاد، ولو تواتر لاشتهر نعم يجب اعتقاد أفضلية نبينا صلى ~~الله عليه وسلم على جميع الخلق لإجماع الأمة المحمدية على ذلك وللأخبار ~~المروية عنه في ذلك أيضا وقد تلقتها الأمة بالقبول ذلك فضل الله يؤتيه من ~~يشاء والله ذو الفضل العظيم. # (قوله فباقي الرسل) وجملتهم مع الخمسة المذكورين ثلاثمائة وثلاثة عشر على ~~المشهور، وقيل ثلاثمائة وأربعة عشر ة وقيل ثلاثمائة وخمسة عشر أولهم آدم ~~عليه السلام فإنه رسول إلى بنيه وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم سبعة منهم ~~بعثوا إلى الكافة وهم المذكورون في قوله: # وآدم نوح والخليل كليمه= وداود عيسى والنبي محمد PageV01P027 قال ~~البدر([13]) للشماخي رحمه الله: والقياس أن يوشع ممن أرسل إلى الكافة أيضا ~~لأنه خليفة موسى وأمر بأحكام التوراة، وأن منهم سليمان عليه السلام لأنه ~~خليفة داود (وخمسة) منهم بعثوا بالسيف موسى ويوشع وداود وسليمان ونبينا ~~محمد صلى الله عليه وسلم (وأربعة) منهم عربيون هود وشعيب وصالح ومحمد عليه ~~وعليهم الصلاة والسلام (وثلاثة) سريانيون آدم وشيت وإدريس عليهم السلام ~~(ومن قوله) منهم اسمان أربعة الأول: يعقوب سمي به لتعقبه بعد أخيه العيص في ~~بطن أمه وإسرائيل ومعناه صفي الله ms019. # (والثاني) عيسى وهو المسيح. # (والثالث) يونس وهو ذو النون. # ( PageV01P028 والرابع) محمد وهو أحمد صلى الله عليه وسلم (والأجداد) ~~منهم ثلاثة آدم لأنه أبو البشر ونوح لأنه لم يبق نسل بعد الطوفان إلا له ~~وإبراهيم لأن الله تعالى سماه أبا لأنه أبو العدنانيين من قريش وغيرهم وهو ~~أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمة الرسول في حكم أولاده وما ورد في ~~بعض كتب أصحابنا المغاربة من أن أربعة منهم أحياء إلى الآن اثنان منهم في ~~السماء وهما إدريس وعيسى واثنان في الأرض وهما الخضر والياس فهو من الممكن ~~وقوعه، لكن لا يتوصل إلى ذلك إلا بتوقيف من الشارع ولم يصل إلينا خبر في ~~ذلك فلعل القائل بذلك قد اطلع على ما لم نطلع عليه فنحسن به الظن ويسعنا ~~جهل ما ذكر (قوله فالأنبياء) جمع نبي فعيل بمعنى مفعول من النبأ الذي هو ~~الخبر، بمعنى أن جبريل أخبره عن أمر الله تعالى أو بمعنى فاعل لأنه مخبرنا ~~عن أمر الله تعالى أو من النبوة بمعنى الرفعة لأن الله رفع رتبته أو لأنه ~~سبب رفعة أمته إذ ما من أحد نال رفعة إلا وسببها نبيه لأن من لم يتبع النبي ~~فلا رفعة له أصلا، لكن هذا المعنى مختص بالرسل لأنهم هم الذين وجب إتباعهم ~~وما قبله من المعاني مشترك بين الأنبياء والرسل، فإن النبي مخبر عن الله ~~أنه نبي وقد تقدم تعريف كل واحد من النبي والرسول في شرح الخطبة وعدد ~~الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا كلهم أحرار خلافا لمن قال بنبوة عبد ~~كلقمان، فإنه نوبي لأنا نقول: إن ثبت أنه نوبي لم يثبت أنه مملوك هذا مع ~~الخلاف في ثبوت نبوته وكلهم من أهل القرى خلافا لمن قال بنبوة من لم يكن ~~منها مستدلا بقوله تعالى ((وجاء بكم من البدو))([14]) وجوابه أن البدو في ~~بعض التفاسير مكان وجواب آخر أنهم لم يكونوا في الأصل من البدو، وإنما ~~حدثوا إليهم فجاوروهم وكلهم ذكور عند بعض مستدلا بقوله تعالى ((وما أرسلنا ~~من ms020 قبلك إلا رجالا نوحي إليهم))([15]) أقول وليس في هذا دليل على حصر ~~النبوة في الرجال، وإنما هم دليل على قصر الرسالة عليهم ولذا قال ابن ~~PageV01P029 حجر: ([16]) ومن النساء من تنبأ وهن ست: حواء وسارة وهاجر ~~ومريم وأم موسى وآسية امرأة فرعون، وعن غيره وقد وقع الاختلاف في نبوة أربع ~~نسوة مريم وآسية وسارة وهاجر (قوله ذوو المقام الأكمل) أي أصحاب المقام ~~الكامل عند الله تعالى بأن خصهم بالإيحاء إليهم واصطفاهم من بين سائر خلقه. # ---------------------------------------------------------------------- ----- # [1] - الحديث رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء 3414 عن أبي هريرة ~~بلفظ (لا تفضلوا بين أولياء الله فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ~~ومن في الأرض الخ) # [2] - سورة الأنعام آية رقم 90. # [3] - الحديث رواه الترمذي في المناقب 1 والدرامي في المقدمة 8. # [4] - الحديث رواه ابن ماجة في كتاب الزهد 37 باب ذكر الشفاعة 4308، عن ~~أبي نظرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره وفيه ~~زيادة (وأنا أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع ~~وأول مشفع ولا فخر، ولواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر). # ورواه الترمذي في التفسير سورة 17، 18 وأحمد بن حنبل في المسند 1، 5، ~~281، 295، 3: 2، 114، 5: 137، 138، 393 (حلبي). # [5] - الحديث رواه الإمام البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء 35 باب قول ~~الله تعالى (وإن يونس لمن المرسلين - إلى قوله - فمتعناهم إلى حين) سورة ~~الصافات آية رقم 139، 3416 عن سعيد بن إبراهيم سمعت حميد بن عبد الرحمن عن ~~أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكره ولفظه عند البخاري (لا ينبغي ~~لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى). # [6] - سبق تخريج هذا الحديث. # [7] - سورة النحل آية رقم 123. # [8] - سورة البقرة آية رقم 135. # [9] - سورة النساء آية رقم 164. # [10] - سورة طه آية رقم 41. # [ PageV01P030 11] - سورة النساء آية رقم 171 وتكملة الآية (فآمنوا بالله ~~ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون ~~له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا) # [12] - سورة الأحقاف آية رقم 35 وتكملة الآية (ولا تستعجل لهم كأنهم يوم ~~يرون ms021 ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم ~~الفاسقون) # [13] - هو أحمد بن سعيد بن عبد الواحد الشماخي اليفرني، بدر الدين مؤرخ ~~من علماء الأباضية في المغرب له كتاب السير في تاريخ الأباضية، وشرح مختصر ~~العدل والإنصاف في أصول الفقه وشرح متن العقيدة، توفي عام 928 ه. راجع ~~السير 577 والدعاية إلى سبيل المؤمنين 28 # [14] - سورة يوسف آية رقم 100 وتكملة الآية (من بعد أن نزغ الشيطان بيني ~~وبين إخوتي إن ربي لطيف لما شاء أنه هو العليم الحكيم) # [15] - سورة يوسف آية رقم 109 وتكملة الآية (من أهل القرى أفلم يسيروا في ~~الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا ~~أفلا تعقلون). # [16] - هو أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني أبو الفضل شهاب الدين ~~بن حجر من أئمة العلم والتاريخ أصله من عسقلان (بفلسطين) ومولده عام 733 ~~بالقاهرة، ولع بالأدب والشعر ثم أقبل على الحديث ورحل إلى اليمن والحجاز ~~وغيرهما لسماع الشيوخ وعلت له شهرة فقصده الناس للأخذ عنه وأصبح حافظ ~~الإسلام في عصره. # قال السخاوي: انتشرت مصنفاته في حياته وتهادتها الملوك وكتبها الأكابر ~~وكان فصيح اللسان راوية للشعر عارفا بأيام المتقدمين وأخبار المتأخرين ولي ~~القضاء بمصر مرات ثم اعتزل توفي عام 852 ه. # من مصنفاته (الأحكام لبيان ما في القرآن من الأحكام) والدرر الكامنة في ~~أعيان المائة الثامنة، والإصابة في تمييز الصحابة وفتح الباري شرح صحيح ~~البخاري وغير ذلك كثير. PageV01P031 # راجع التبر المسبوك 230 والضوء اللامع 2: 36 والبدر الطالع 1: 87 وخطط ~~مبارك 6: 37 ولسان الميزان 6 وبدائع الزهور 2: 32 وانظر ترجمته لنفسه في ~~كتابه رفع الأصر 1: 85. # المقصد الرابع في نسخ شرائعهم (الرسل) بشرائع نبينا # (قد نسخت شرائع الجميع= سوى الهدى بشرعنا البديع) # (وما له أي شرعنا مغير= فهو على الدوام لا يغير) # (قوله قد نسخت شرائع الجميع الخ) النسخ لغة: مشترك بين الإزالة والنقل ~~يقال نسخت الشمس الظل أي أزالته، ونسخت الكتاب أي نقلته وقيل حقيقة في ~~الإزالة، وقيل في النقل خاصة وفي الاصطلاح: رفع حكم شرعي بشرع متأخر فخرج ~~برفع الحكم بيان ms022 المجمل وتخصيص العام فإنه تبين للمراد من المجمل والعام ~~وبقوله حكم شرعي: ما ثبت حله مثلا باستصحاب الأصل كالخمر قبل التحريم فإن ~~تحريمها لا يسمى نسخا وقوله بشرع متأخر مخرج لما إذا اقترن الشرعان ~~كالآيتين مثلا فإن أحداهما مخصصة للأخرى فهو تخصيص ولا يصح اقترانهما ~~متناسختين أعني أنه لا يرد خطاب الشارع بشيء فيقرنه بما يرفعه كله في الحال ~~نحو صل الظهر لا تصلها لأنه عبث في الكلام، والباري جل وعلا منزه عنه فلزم ~~من اقتران الآيتين أن تكون إحداهما أخص من الأخرى لأنه من الحكمة فصح ~~الاحتراز عنه بما ذكر. # (واعلم) أن النسخ بيان لمدة انتهاء الحكم الأول عند الله تعالى أي أن ~~الله عز وجل شرع الحكم إلى مدة علمها هو وأخفاها علينا فبعد انقضاء تلك ~~المدة أنزل إلينا حكما آخر، فعلمنا أن الأول مخصوص بالمدة التي انقطعت فوجب ~~علينا الأخذ بالشرع الثاني. # قيل: ومن هنا أنكر أبو مسلم الأصفهاني([1]) النسخ أي أنكر تسمية النسخ ~~نسخا وسماه تخصيصا لأنه خصص الحكم الأول بالمدة التي انقضت فالخلاف بيننا ~~وبينه على هذا لفظي. # ( PageV01P032 وأعلم) أيضا أن شريعة نبينا عليه الصلاة والسلام ناسخة ~~لجميع الشرائع الأول إلا ما لا يصح نسخه كالتوحيد ومكارم الأخلاق، فإنه بعث ~~ليتممها لا ليبدلها وأما التوحيد فلا يصح نسخه لأن صفات الله تعالى لا يصح ~~تبديلها فلا يجوز أن يؤمر هذا النبي أن يعتقد أن الله تعالى لا يرى ويؤمر ~~هذا أن يعتقد أنه يرى فإذا عرفت هذا (فاعلم) أن نبينا صلى الله عليه وسلم ~~لم يكن متعبدا بشريعة أحد من قبله وقال بعضهم أنه متعبد بشريعة إبراهيم ~~لقوله تعالى ((ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم))([2]) قلنا أمر باتباعه ~~في الحنيفية المنافية للشرك، وإدعاء الولد له تعالى ونحو ذلك، وهذه الحالة ~~مشترك فيها جميع الأنبياء وخص إبراهيم بإضافتها إليه لمزية هي اتفاق أهل ~~الكتابين والمشركين على نبوته وشهرته عندهم وقال بعضهم: بعضهم متعبد بشريعة ~~نوح لقوله تعالى ((إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح))([3]) قلنا ms023 تشبيه ~~للإيحاء بالإيحاء لا الموحى بالموحى ولو قلنا له تشبيه للموحى بالموحى ما ~~لزمنا أن يكون متعبدا بشريعته لأن تشبيه الشيء بالشيء لا يستلزم أن يكون ~~عينه بل لا يجوز أن يكون ذلك فيلزم منه تشبيه الشيء نفسه وقال بعضهم: إنه ~~متعبد بشريعة موسى لقوله صلى الله عليه وسلم ((نحن أحق بموسى بن ~~عمران))([4]) قلنا كونه أحق به لا يستلزم تعبده بشريعته وقال بعضهم أنه ~~متعبد بشريعة عيسى لقوله صلى الله عليه وسلم ((أنا أولى الناس بعيسى ابن ~~مريم))([5]) قلنا فيه ما في الذي قبله وقال بعضهم: أنه متعبد بشريعة أولي ~~العزم لقوله تعالى ((فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل))([6]) قلنا ليس ~~فيه سوى أمره بالإقتداء بهم في الصبر وهو غير المطلوب. # ( PageV01P033 تنبيه) إذا ورد في شيء من الشرائع الأول حكم في شيء لم يكن ~~فيه من شريعتنا شيء لا نسخ ولا تقرير هل يصح الأخذ به أم لا؟ ذهب بغضهم إلى ~~المنع من ذلك لأن جميع الشرائع نسخت بشرعنا، والمنسوخ لا يعمل به، فإن ورد ~~فيه من شرعنا شيء عملنا به، وإلا رددنا إلى أصل الأشياء. # أقول أصل ذلك الشيء هو حكمه الذي أنزل الله فيه فلا ينتقل عنه إلا بحكم ~~آخر، ولا يلزم من هذا كون نبينا عليه الصلاة والسلام متعبدا بشريعة من قبله ~~لاحتمال أن يكون فيه حكم آخر أو تقرير له، لم يصل إلينا نقله (لا يقال) أن ~~التقرير للشرع الأول هو عين التعبد به (لأنا نقول) لا نسلم أنه عينه بل ~~غيره، لأن الشرع في اللغة عبارة عن البيان والإظهار يقال شرع الله كذا أي ~~جعله طريقا ومذهبا فإن الشرع الثاني الذي تعبد به غير الأول الذي قرر، وقال ~~بعضهم: إن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخ وهو عين ما نحن عليه لكن هؤلاء ~~بنوا مذهبهم على أن محمدا صلى الله عليه وسلم متعبد بشريعة من قبله وقد ~~عرفت ما فيه. # (قوله سوى الهدى) الهدى يطلق على التوحيد والتقديس، ويطلق على ما ms024 لا يعرف ~~إلا بلسان الأنبياء من الفعل والترك، ثم أنه يطلق على الكل ويطلق على الجزء ~~ا. ه أبو البقاء([7]) والمراد به هنا الإطلاق الأول وما لا يصح نسخه من ~~مكارم الأخلاق. # (قوله بشرعنا) متعلق بنسخه والإضافة فيه لتشريف المضاف إليه. # (قوله البديع) أي الحسن نعته بصفة ملازمة له كشفنا لحقيقته عند الغبي به ~~كمن أنكره من اليهود والنصارى. # (قوله وما له أي شرعنا) بجر شرع بدل من الضمير أو عطفا عليه بأي ~~التفسيرية على مذهب من جعلها عاطفة. # (قوله مغير) أي مزيل بمعنى ناسخ أي ليس لشرعنا ناسخ أبدا لقوله تعالى ~~((وخاتم النبيين))([8]) وليس بعد الخاتم أحد إذ لو كان بعده أحد لما كان ~~خاتما لهم وقوله صلى الله عليه وسلم ((لا نبي بعدي))([9]) فيجب اعتقاد هذا ~~المعنى على كل من بلغه علمه. # ( PageV01P034 قوله فهو على الدوام) الثابت إلى يوم القيامة لا يغير أي ~~لا يزال بمعنى أنه لا ينس # ---------------------------------------------------------------------- ~~---------- # [1] - هو أبو مسلم بن بحر الأصفهاني أبو مسلم: وال من أهل أصفهان معتزلي ~~من كبار الكتاب كان عالما بالتفسير وبغيره من صنوف العلم وله شعر ولي ~~أصفهان وبلاد فارس للمقتدر العباسي واستمر إلى أن دخل ابن بويه أصفهان عام ~~321 ه فعزل من كتبه (جامع التأويل) في التفسير أربعة عشر مجلدا، جمع سعيد ~~الأنصاري الهندي نصوصا منه وردت في (مفاتيح الغيب) المعروف بتفسير الفخر ~~الرازي وسماها (ملتقط جامع التأويل لمحكم التنزيل) في جزء صغير، ومن كتبه ~~الناسخ والمنسوخ وكتاب في النحو، ومجموع رسائله توفي عام 322 ه # راجع إرشاد الأريب 6: 420 وابن النديم 136 وملتقط جامع التأويل مقدمته. # [2] - سورة النحل آية رقم 123 وقد جاءت الآية محرفة في المطبوعة حيث قال ~~(وأوحينا) بدلا من (ثم أوحينا). # [3] - سورة النساء آية رقم 136 وتكملة الآية (والنبيين من بعده وأوحينا ~~إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون ~~وسليمان وآتينا داود زبورا) # [4] - الحديث رواه الإمام البخاري في كتاب الصوم 69 باب صيام يوم عاشوراء ~~2004 حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن عبدالله بن سعيد بن جبير عن أبي ms025 عن ابن ~~عباس رضي الله عنهما قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود ~~تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني ~~إسرائيل من عدوهم فصامه موسى. قال: فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه. # ورواه في التفسير سورة 10 ورواه الإمام مسلم في الصيام 126 وابن ماجة في ~~الصيام 41. # [5] - الحديث رواه الإمام مسلم في كتاب الفضائل 145 وفيه زيادة (في ~~الأولى والآخرة) # [ PageV01P035 6] - سورة الأحقاف آية رقم 35 وتكملة الآية (ولا تستعجل ~~لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك ~~إلا القوم الفاسقون). # [7] - هو أيوب بن موسى الحسيني القريمي الكفوي أبو البقاء صاحب الكليات ~~كان من قضاة الأحناف عاش وولي القضاء في (كفة) بتركيا وبالقدس وببغداد وعاد ~~إلى استانبول فتوفي بها عام 1094 ه ودفن في تربة خالد وله كتب أخرى ~~بالتركية. # راجع هدية العارفين 229 وفيه وفاته قاضيا بالقدس وإيضاح المكنون 2: 380 ~~ومعجم المطبوعات 293 وفيه وفاته سنة 1095. # [8] - سورة الأحزاب آية رقم 40. # [9] - الحديث رواه الإمام أحمد بن حنبل في المسند 1: 177 - عن قتادة وعلي ~~بن زيد بن جدعان قالا ثنا ابن المسيب حدثنا ابن سعد بن مالك ثنا عن أبيه ~~قال دخلت على سعد فقلت حديثا حدثينه عنك حين استخلف رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم عليا رضي الله عنه على المدينة قال: فغضب فقال من حدثك به فكرهت ~~أن أخبره أن ابنه حدثنيه فيغضب عليه ثم قال (إن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم حين خرج إلى غزوة تبوك استخلف عليا رضي الله عنه على المدينة. فقال يا ~~رسول ما كنت أحب أن تخرج وجها إلا وأنا معك فقال: أو ما ترضى أن تكون مني ~~بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي). # ورواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة 9 باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي ~~3076 بسنده عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن الرسول صلى الله عليه وسلم وليس ~~فيه (لا نبي بعدي) وذكرها ابن حجر في الشرح ورواه ms026 ابن ماجة في المقدمة 11 ~~والترمذي في المناقب 20 # المقصد الخامس في الملائكة # وبعدهم ملائك حباهم= مولاهم بالقرب واجتباهم # أفضلهم جبريل والذي زعم= تفضيله على الحبيب قد غشم # ( PageV01P036 قوله وبعدهم ملائك) أي وبعض الأنبياء في رتبة الأفضلية ~~ملائك الخ (أعلم) أنه لا نزاع في أفضلية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على ~~جميع الخلق إلا ما سيأتي عن الزمخشري([1]) في تفضيل جبريل على نبينا عليهما ~~الصلاة والسلام، وسيأتي رد قوله فهو صلى الله عليه وسلم مستثنى من الخلاف ~~الآتي في تفضيل الأنبياء على الملائكة أو العكس، وكذلك أيضا لا نزاع في ~~تفضيل الأنبياء عليهم السلام على الملائكة السفلية الأرضية، وأما تفضيلهم ~~على الملائكة العلوية فذهب إلى جمهورنا وجمهور الأشعرية مستدلين بأدلة ~~منها: قوله تعالى ((وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم))([2]) لأن المتبادر إلى ~~الذهن أمر الأدنى بالسجود للأعلى لا العكس (لا يقال) إن السجود يكون على ~~وجوه فلعله لم يكن سجود تعظيم (لأنا نقول) قوله تعالى حكاية عن إبليس ~~((أرأيتك هذا الذي كرمت علي))([3]) وقوله ((أنا خير منه))([4]) ينفي ما عدا ~~التعظيم من الاحتمالات (ومنها) قوله تعالى ((وعلم آدم الأسماء كلها)) ([5]) ~~والعالم أفضل من غيره بدليل ((هل يستوي الذين يعلمون والذين لا ~~يعلمون))([6]) (ومنها) أن عبادة الأنبياء إنما تكون بتحمل المشاق في قطع ~~العوائق من قمع الشهوات ومصادفة المكروه، ومن كان كذلك فهو أفضل لقول النبي ~~صلى الله عليه وسلم ((أفضل الأعمال أحمزها أي أشقها))([7]) (ومنها) أن ~~الملائكة ذوو عقول بلا شهوة والبهائم شهوة بلا عقول، والأنبياء قد جمع فيهم ~~العقل والشهوة، فمن غلبت شهوته عقله فهو أشر من البهائم لقوله تعالى ~~((أولئك كالأنعام بل هم أضل))([8]) ((إن شر الدواب عند الله))([9]) الآية ~~وذلك يقتضي أن من غلب عقله شهوته أفضل من الملائكة وهذا الدليل والذي قبله ~~يقتضيان تفضيل سائر المؤمنين عليهم أيضا وسيأتي الخلاف فيه قريبا إن شاء الله. # ( PageV01P037 وذهبت) المعتزلة وأبو عبدالله الحليمي([10]) والقاضي أبو ~~بكر([11]) إلى أن الملائكة أفضل من الأنبياء واستدلوا على ذلك بوجوه عقلية ~~ونقلية فأما (العقلية) فمبنية ms027 على قواعد الفلسفة التي لا يسلمها الإسلاميون ~~فلا نذكرها، وأما (النقلية فمنها) قوله تعالى حكاية عن نبيه صلى الله عليه ~~وسلم ((ولا أقول إني ملك)) ([12]) قلنا لم يقل على سبيل التواضع وإنما قاله ~~ليتبرأ من دعوى القوة حيث استعجلوه بإنزال العذاب الذي توعدوا به وذلك أن ~~الملائكة أقدر على زلزلة الأرض وقلبها مع أن ظاهر الآية يقتضي تفضيلهم أيضا ~~على محمد صلى الله عليه وسلم والخصم لا يقول بذلك فينتقض بذلك استدلاله. # (ومنها) قوله تعالى حكاية عن إبليس ((ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا ~~أن تكونا ملكين)) ([13]) إنهما رأيا الملائكة أعظم خلقة وأقوى فعالا فخيل ~~لهما أن ذلك هو الكمال (ومنها) ((لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا ~~الملائكة المقربون)) ([14]) (قلنا): هو رد على النصارى حيث زعموا ألوهية ~~عيسى من حيث أنه يحيي الموتى ويبرئ الأكمة والأبرص وأنه لا أب له والملائكة ~~أقدر على ذلك من عيسى بتقوية الله لهم ولا أب لهم ولا أم فلم يكن ذلك موجبا ~~لاستنكافهم عن العبودية. # (ومنها) ((ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم)) ([15]) (قلنا) هو حكاية عن ~~نسوة غير متفقهات وأيضا فهو تفضيل في الحسن لا في الخصال وذلك أنه تخيل لهن ~~أن الملك أحسن صورة من جميع خلق الله فقلن ذلك (ومنها) أنهم رسل الله إلى ~~أنبيائه والرسول أفضل من المرسل إليه (قلنا): هذا يقتضي أن الملك إذا أرسل ~~أحدا من عوام الناس إلى ملك آخر أن يكون ذلك العامي أفضل من الملك المرسل ~~هو إليه وأيضا فهذا يستلزم تفضيلهم على نبينا والخصم لا يقول بذلك. # ( PageV01P038 واختلف) القائلون بتفضيل الأنبياء على الملائكة هل ~~الملائكة أفضل من سائر المؤمنين أم المؤمنون أفضل منهم احتج من قال بأفضلية ~~الملائكة بقوله تعالى ((بل هم عباد مكرمون)) ([16]) وفيه أن وصفهم بالإكرام ~~لا يقتضي نفيه عن غيرهم وبقوله تعالى ((لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما ~~يأمرون)) ([17]) (واستدل) القائلون بتفضيل المؤمنين على الملائكة بقوله ~~تعالى حكاية عنهم ((نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ms028)) ([18]) أي ~~نخدمكم فيهما وفيه أن من يخدم أحدا لا يستلزم أن يكون المخدوم أفضل منه ~~(فإن سيد القوم خادمها) ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما خدم غيره ~~كما هو مشهور في كتب التواريخ وبقوله تعالى ((إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل ~~إبراهيم وآل عمران على العالمين)) ([19]) وفيه أنه اصطفاء للأنبياء على ~~سائر العالمين لا لعامة المؤمنين عليهم. وبما روي عنه صلى الله عليه وسلم ~~أنه قال ((المؤمن من بني آدم أفضل عند الله من جميع الملائكة))([20]) وهذا ~~دليل صريح في تفضيلهم على الملائكة لكنه خبر واحد لا يوجب العلم ولا يقال: ~~إنه مردود بظاهر قوله تعالى ((لا يعصون الله ما أمرهم))([21]) لأنه إخبار ~~عن كونهم لا يعصون لا عن تفضيلهم على غيرهم فلا تنافي ولبعضهم: # حرمة المسلم فاقت= حرمة البيت الحرام # وله الإعزاز في الدنيا= وفي دار المقام # وهو أعلا عند مولاه = من أملاك كرام PageV01P039 هذا وأنت خبير أن أدلة ~~التفضيل مطلقا ظنية فإنها وأن كانت آيات قرآنية ففيها احتمالات تأويلية، ~~وما كان محتملا لمعنيين فصاعدا ولم يكن ثمة قاطع بإرادة أحد المعاني خاصة، ~~فتلك الاحتمالات متساوية الدلالة وترجيح أحدها على الباقي أو نحو ذلك ترجيح ~~ظني فقط، والظني لا يفيد العلم القطعي، والاعتقاد الجازم ثمرة العلم القطعي ~~لا الظني، فبهذا تعرف أنه ليس المكلف من اعتقاد هذا المعنى شيء ولذا سكت ~~عنه أصحابنا المشارقة رحمهم الله تعالى فلم يذكروه في مؤلفاتهم لاقتصارهم ~~غالبا على بيان اللازم من الاعتقاد، وإنما ذكرناه نحن توسعة للمقام وإطلاعا ~~للطالب وإظهارا للفائدة، وهكذا سبيلنا في المسائل الغير قطعية. # (واعلم) أن الملائكة أجسام لطيفة من نور وقيل من غيره لكنها تضيء كالنور ~~وليست لحما ولا دما ولا عظما، قادرة على التشكل بأشكال مختلفة وهكذا تراهم ~~الرسل. وقالت طائفة من النصارى: إن الملائكة هي أرواح الفضلاء الطيبين من ~~بني آدم الذين ماتوا. قال القطب رحمه الله تعالى: ومن اعتقد هذا حكمنا ~~بإشراكه لقيام الأدلة القاطعة على أن الملائكة ليسوا بذلك من الأحاديث ~~الدالة عن ms029 أن بعضها خلق من النور وبعضا من الذكر، ومن اعتقد غير ذلك فهو ~~مخالف للإجماع قال: والواجب أن تعلم أن كل جملة غير الأخرى. الملائكة جملة ~~والجن جملة وبنو آدم جملة، فإذا قلنا الملائكة أرواح الموتى الفضلاء لزم أن ~~يكونوا من بني آدم وأيضا قامت الأدلة أن الملائكة تبعث على حدة فيلزم أن ~~يكون بنو آدم مبعوثين بلا روح أو غير مبعوثين أو مبعوثين بأرواح غير ما ~~كانت فيهم في الحياة الدنيا. PageV01P040 # وذلك كله شرك لأنه إنكار للبعث الموصوف شرعا بأنه بأرواح وحياة، وأنه لا ~~يترك منهم شيء غير مبعوث مما كان فيهم في الدنيا فكيف يبعثون بدون الروح ~~التي كانت فيهم..؟ وإنما ينادي الملك أيتها الروح ارجعي إلى أجسادك وزعم ~~الحكماء أنها جواهر مجردة مخالفة للنفوس الناطقة في الحقيقة فهي أرواح لم ~~تكن في أجساد قال: والملائكة قسمان قسم للعبادة وهم العليون والمقربون ~~والكروبيون قال الله جل وعلا ((يسبحون الليل والنهار لا يفترون))([22]) ~~وقسم لخدمة ما أمر الله به من وحي وسحاب ورجم وغير ذلك فمنهم المدبرات أمرا ~~أو هم كلهم المدبرات أمرا أعني القسم الثاني بعضهم سماوي وبعضهم أرضي قال ~~الله تعالى ((لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون))([23]) ا. ه. ولا ~~يجوز وصفهم بأنهم إناث ومن وصفهم بذلك فهو مشرك، لقوله تعالى ((وجعلوا ~~الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا))([24]) لا يجوز وصفهم أيضا بأنهم ~~رجال قال الباجوري([25]): ومن وصفهم بذلك فقد نافق وجوز ذلك بعض أصحابنا ~~وتأولوا عليه قوله تعالى ((وعلى الأعراف رجال))([26]) على القول بأنهم ~~ملائكة ولا دليل على نفاق من قال بذلك اللهم إلا أن يريد القائل بأنهم رجال ~~وصفهم بالصفات اللازمة للرجال من وجود الذكورية ولوازمها ومجوز ذلك من ~~أصحابنا لم يرد إلا إطلاق اسم الرجال عليهم لا مدلول الاسم فافهم ولا يجوز ~~الشك في هل هم إناث أو هل هم صبيان أو مجانين؟ قال عبد العزيز([27]) رحمه ~~الله تعالى ومن شك في ذلك فهو مشرك قال: ومن شك في أنه هل فيهم ms030 الإناث ~~والصبيان والمجانين؟ فهو موحد. PageV01P041 # وهذا إذا لم تقم عليه الحجة القاطعة بأنهم ليسوا كذلك (واختلف) في مبدأ ~~خلقهم فقيل خلقوا دفعة واحدة ويموتون كذلك بعد فناء الخلق وقيل خلقوا ~~متفاوتين وهو الصحيح للأحاديث الدالة على ذلك والأولى التوقف في فنائهم هل ~~هو دفعة أم لا؟ ولا يجوز أن يوصفوا بأنهم يأكلون أو يشربون أو ينامون قال ~~عبد العزيز رحمه الله تعالى: ومن وصفهم بشيء من ذلك فهو مشرك والمراد ~~بالشرك هنا الشرك الجزئي الذي لا يترتب عليه أحكام المشركين وهو النفاق في ~~العقائد كما مر من بيان اصطلاحهم في ذلك، ووجه نفاقه بما ذكر أن تلك الصفات ~~يختص بها غير الملائكة فمن وصفهم بها أو بشيء منها فقد جعل غير الملائكة ~~ملائكة وهو زعم باطل (قوله حباهم) أي أعطاهم على سبيل اللطف (قوله مولاهم) ~~أي ناصرهم (قوله بالقرب) أي برفع المنزلة وعلو الشأن (قوله واجتباهم) أي ~~اصطفاهم والاصطفاء للملائكة مجمع عليه (والخلف) في عصمتهم ذهب بعض إلى ~~نفيها عنهم مستدلين بقوله تعالى ((قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك ~~الدماء))([28]) الآية (قالوا) ففيها من المعاصي أشياء. # (أحدها): الغيبة لأن فيها ذكر مثالب الغير. # (وثانيها): تزكية النفس والجواب عنهما أن الغيبة ذكر مثالب الغير مع من ~~لم يعلمها والتزكية ذكر فضائل النفس مع من لم يعلمها أيضا كذا قال ~~العضد([29]) وفيه أن كر مثالب المؤمن مع من علم ذلك ليس بغيبة وليس كذلك ~~لحديث عائشة في المرأة التي وصفتها مع رسول الله بالقصر([30]) فقال لها ~~اغتبتيها مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى منها ذلك أيضا وللعضد ~~أن يقول إن عائشة رضي الله عنها مبني على ظنها أن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم لم ير منها ما رأت مع احتمال أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم لم ير ~~قصرها أصلا. # (ثالثها): الاعتراض على الله تعالى في فعله والجواب إنها استفسار لا ~~اعتراض أي قول الملائكة طلب لبيان الحكمة لا اعتراض على فعل الصانع. # ( PageV01P042 ورابعها): أن ms031 قولهم ذلك رجم بالغيب وقول بالظن والظن في ~~مثل هذا لا يجوز، والجواب: أنه لم يكن رجما بالغيب لاحتمال أن يكونوا علموا ~~ذلك علما من عند الله تعالى أو شاهدوا مكتوبا في اللوح ما قالوا (واستدل) ~~ذلك البعض أيضا بقوله تعالى: ((فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا ~~إبليس))([31]) (قالوا) لو لم يكن من الملائكة لما صح استثناؤه منهم (قلنا) ~~هو من الجن بدليل ((إلا إبليس كان من الجن))([32]) والاستثناء منقطع على حد: # وبلدة ليس بها أنيس= إلا اليعافير وإلا العيس([33]) # (قالوا) فالجن اسم لبعض الملائكة (قلنا) هو خلاف الظاهر ولا دليل عليه ~~(قالوا) ولو لم يكن من الملائكة لما عصى بترك السجود (قلنا) الأمر للملائكة ~~ولغيرهم فخصوا بالذكر لشرفهم عند الله تعالى ولأغلبيتهم على غيرهم كثرة، ~~واستدلوا أيضا بما ورد في بعض الأخبار أن هاروت وماروت كانا ملكين بل نصت ~~الآية على ذلك وقد وقعت منهما المعصية. # (قلنا) ليس في الآية دليل على أنهما عاصيان أو فعلا شيئا من المناكر، ~~والإخبار بذلك من كذب اليهود كيف يكونان عاصيين مع قولهما فلا تكفر ~~وتعليمهم الناس السحر يحتمل أن يكون بأمر من الله تعالى فتنة للمتعلمين، إذ ~~ليس ينافي الحكمة أن يعلمهم شيئا وينهاهم عن إتيانه، ويدل على أنهما ~~مأموران بذلك قوله تعالى ((وما أنزل على الملكين ببابل))([34]) فالظاهر ~~أنهما لم يكونا مأمورين بذلك ما سمي ما أوتياه منزلا وهذا أولى مما قيل ~~أنهما رجلان صالحان شبها بالملكين فأطلق عليهما اسمهما إذ لا دليل عليه. # (واستدل) المثبتون للعصمة بقوله تعالى ((لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ~~ما يأمرون))([35]) PageV01P043 ((يسبحون الليل والنهار لا يفترون))([36]) ~~(وأجيب) عنها بأنها تكون دليلا على المطلوب أن لو استغرقت كل فرد منهم وكل ~~زمان وليس فيها ذلك إنما دلت على أنهم في الجملة متصفون بذلك فلا ينافي ~~عصيان البعض منهم دون البعض لجواز تخصيص العام وكذلك لا ينافي عصيانهم في ~~زمان غير الزمان الذي مدحوا فيه (قلنا) الآيات أخبار عامة شاملة لجملتهم ~~والخبر لا يخصص ولا يقيد إلا بمتصل ms032 به أو بما هو في حكم المتصل كالعقل مثلا ~~وهنا ليس كذلك فوجب أن يعتقد حقية مدلول الآيات (وأيضا) فلو جازت عليهم ~~المعصية ما وجب على الرسول أن يصدق الملك فيما جاءه به لاحتمال أن يكون ~~كاذبا في ذلك ويجاب بأن وجوب التصديق لا يتوقف على ثبوت العصمة لاحتمال أن ~~يرى عليه شاهد الصدق فينقطع عذر التكذيب. PageV01P044 # (وبالجملة) فليس هنا دليل قاطع على ثبوت العصمة لجميع أشخاصهم حتى يكفر ~~من خالفه لكن الراجح أن العموم مستغرق لأفراده حتى يخصص ولا مخصص هنا (قوله ~~أفضلهم جبريل) أي أكثرهم فضلا عند الله عز وجل وهو الملك جبريل، قيل ومعناه ~~بالعربية هو عبدالله، والدليل على أفضليته أنه هو الرسول من الله إلى ~~أنبيائه والرسول أفضل ممن لم يرسل لاصطفاء الرسول على غيره وهو مشاهد ~~للواقع التي أذن الله له أن يشهدها والمجاهد أفضل من غيره لقوله تعالى ~~((فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة))([37]) (فإن ~~قيل) إن غيره من الملائكة أرسل وشهد أيضا (قلنا) إرساله وجهاده أكثر من ~~إرساله غيره وجهاده، ومن كان أكثر خصالا في الخير كان أفضل عند الله تعالى ~~(قوله والذي زعم) أي قال بتفضيل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قد غشم ~~حيث دخل مدخلا ليس له أن يدخله بلا تثبت في أمره، والإشارة إلى ~~الزمخشري([38]) مستدلا بأن الله عز وجل وصف جبريل بقوله ((إنه لقول رسول ~~كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين))([39]) ووصف محمدا بقوله ((وما صاحبكم ~~بمجنون))([40]) فاقتصر على نفي الجنة عنه وأطال في وصف جبريل بما سمعت. # (قلنا) ليس في تطويل الصفات وتقصيرها ما يدل على تفضيل وغيره وإنما ذلك ~~شيء اقتضاه المقام فإن قريشا كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ~~إنه معلم مجنون فرد عليهم القرآن قولهم حيث نفى عنه الجنة (قوله على ~~الحبيب) هو نبينا عليه الصلاة والسلام، وإنما سماه حبيبا لقوله صلى الله ~~عليه وسلم ((اتخذ الله إبراهيم خليلا وموسى نجيبا واتخذني حبيبا ثم قال ~~عزتي وجلالي لأوثرن ms033 حبيبي على خليلي ونجيبي))([41]). # ( PageV01P045 قوله قد غشم) أي في حق محمد صلى الله عليه وسلم حيث فضل ~~غيره عليه وخرق بذلك الإجماع حتى قال من قال: إن الزمخشري خالف مذهبه في ~~تفضيل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال القطب رحمه الله وليس هو ~~مخالفا لمذهبه لأن مذهبه تفضيل الملائكة على الأنبياء. (أقول) في ~~المواقف([42]) وشرحه للسيد إن المعتزلة مجمعون مع من أجمع على تفضيل محمد ~~صلى الله عليه وسلم على سائر الخلق وأنه مستثنى من النزاع الواقع في تفضيل ~~الملائكة على الأنبياء، لكن صحح القطب رحمه الله عدم استثنائه من محل ~~النزاع وتصحيحه ذلك مؤذن بأن فيه قولا آخر فلعله علم أن ذلك القول هو مذهب ~~الزمخشري. # ---------------------------------------------------------------------- ~~------- # [1] - سبق الترجمة له في كلمة وافية في هذا الجزء. # [2] - سورة البقرة آية رقم 34 وتكملة الآية (فسجدوا إلا إبليس أبى ~~واستكبر وكان من الكافرين). # [3] - سورة الإسراء آية رقم 62. # [4] - سورة الأعراف آية رقم 12 وتكملة الآية (خلقتني من نار وخلقته من ~~طين) وسورة ص آية رقم 76. # [5] - سورة البقرة آية رقم 31 وتكملة الآية (ثم عرضهم على الملائكة فقال ~~أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين). # [6] - سورة الزمر آية رقم 9 وتكملة الآية (إنما يتذكر أولوا الألباب). # [7] - لم نعثر على هذا الحديث على كثرة البحث والتقصي ولعل بعض الأخوة ~~يدلنا عليه. # [8] - سورة الأعراف آية رقم 179. # [9] - سورة الأنفال آية رقم 22. # [10] - هو الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم البخاري الجرجاني أبو عبدالله ~~فقيه شافعي. قاض كان رئيس أهل الحديث في ما وراء النهر. مولده بجرجان عام ~~338 ه ووفاته في بخارى عام 403 ه له (المنهاج في شعب الإيمان) قال الأسنوي: ~~جمع فيه أحكاما كثيرة، ومعاني غريبة. # راجع الرسالة المستطرفة 44 وملخص المهمات وفهرس المخطوطات المصورة 1: 110. # [ PageV01P046 11] - هو محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر، أبو بكر: قاض من ~~كبار علماء الكلام انتهت إليه الرياسة في مذهب الأشاعرة، ولد في البصرة عام ~~338 وسكن بغداد فتوفي فيها عام 403 ه كان جيد الاستنباط سريع الجواب من ~~كتبه: إعجاز القرآن، والإنصاف وكشف أسرار الباطنية، والتمهيد في ms034 الرد على ~~الملحدة، والمعطلة والخوارج والمعتزلة وغير ذلك. راجع وفيات الأعيان 1: 481 ~~وتاريخ بغداد 5: 379 ودائرة المعارف الإسلامية 3: 294 والديباج المذهب 267 ~~ودار الكتب 1: 165. # [12] - سورة الأنعام آية رقم 50 بزيادة (لكم) وسورة هود آية رقم 31 (ولا ~~أقول إني ملك) وتكملة الآية (ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله ~~خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين). # [13] - سورة الأعراف آية رقم 20 # [14] - سورة النساء آية رقم 172 # [15] - سورة يوسف آية رقم 31. # [16] - سورة الأنبياء آية رقم 26 # [17] - سورة التحريم آية رقم 6 # [18] - سورة فصلت آية رقم 31 # [19] - سورة آل عمران آية رقم 33 # [20] - لم نعثر على هذا الحديث في كتب الصحاح وهناك حديث رواه الإمام ~~أحمد في المسند بلفظ (إن عبدي المؤمن عندي بمنزلة كل خير يحمدني وأنا أنزع ~~نفسه من بين جبينه) # [21] - سورة التحريم آية رقم 6 # [22] - سورة الأنبياء آية رقم 20. # [23] - سورة التحريم آية رقم 6. # [24] - سورة الزخرف آية رقم 19 وتكملة الآية (أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ~~ويسألون). # [25] - سبقت الترجمة له في كلمة وافية في الجزء الأول. # [26] - سورة الأعراف آية رقم 46 وتكملة الآية (يعرفون كلا بسيماهم ونادوا ~~أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون) # [ PageV01P047 27] - لعله عبد العزيز بن محمد الضمدي مجتهد من العلماء ~~بالحديث زيدي يماني من أهل ضمد، ولي القضاء في زبيد والمخا وغيرهما وصنف ~~كتبا اشتهرت في اليمن منها (حاشية على شرح الخبيصي على الكافية في النحو) ~~وتخريج أحاديث شفاء الأوام وبيان طرقها من دواوين أئمة الحديث الأعلام. # [28] - سورة البقرة آية رقم 30 وتكملة الآية (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ~~قال إني أعلم ما لا تعلمون). # [29]- هو عبدالرحمن بن أحمد بن عبدا لغفار أبو الفضل عضد الدين الإيجي ~~عالم بالأصول والمعاني العربية من أهل (إيج) بفارس ولي القضاء وأنجب تلاميذ ~~عظاما وجرت له محنة مع صاحب كرمان فحبسه بالقلعة فمات مسجونا من تصانيفه ~~(المواقف) في علم الكلام والعقائد العضدية، وجواهر الكلام، ومختصر المواقف، ~~والمدخل في علم المعاني والبيان البديع. توفي عام 756 ه. راجع بغية الوعاة ~~296 ومفتاح السعادة 1: 169 والدرر الكامنة 2: 322 وطبقات السبكي 6: 108. # [30] - الحديث رواه الإمام أحمد في المسند 6: 206 حدثني أبي ms035 ثنا وكيع قال ~~ثنا سفيان عن علي بن الأقر عن أبي حذيفة عن عائشة أنها ذكرت امرأة وقالت ~~إنها قصيرة فقال: اغتبتها ما أحب أني حكيت أحدا وأن لي كذا وكذا). # [31] - سورة الحجر آية رقم 30 وسورة ص آية رقم 73 # [32]- سورة الكهف آية رقم 50 وتكملة الآية (ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه ~~وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا) # [33] - هذا البيت من أرجوزة لعامر بن الحارث المعروف بحران العود وهكذا ~~يرويه النحاة من سيبويه إلى اليوم وإن كانت الرواية في ديوانه هكذا # الذئب أو ذو لبد هموس... بسابسا ليس بها أنيس # إلا اليعافير وإلا العيس... وبقر ملمع كنوس # [ PageV01P048 34] - سورة البقرة آية رقم 102 وتكملة الآية (هاروت وماروت ~~وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما ~~يفرقون به المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما ~~يضرهم ولا ينفعهم ولقد علوا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاف ولبئس ما ~~شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون) # [35] - سورة التحريم آية رقم 6 # [36] - سورة الأنبياء آية رقم 20 وقد جاءت في الأصل الآيتان على أنهما ~~آية واحدة. # [37] - سورة النساء آية رقم 95 وقد جاءت هذه الآية محرفة في المطبوعة حيث ~~ذكرت (فضل الله المجاهدين على القاعدين درجة) # [38] - سبقت الترجمة له في هذا الجزء # [39] - سورة التكوير آية رقم 20 # [40] - سورة التكوير آية رقم 22 # [41]- الحديث رواه الإمام البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه # [42] - كتاب المواقف لعضد الدين الإيجي وقد قامت أخيرا إحدى دور النشر ~~بلبنان بطبع المتن ولا زال الشرح في حاجة إلى تحقيق وتبويب حتى يمكن ~~للباحثين الانتفاع به. # الإيمان بالأنبياء والملائكة # بهم جميعا يجب الإيمان = وبالذي أنزله الرحمن # وهو كلام دل بالنظم الاتم = على معان فيه إرشاد الأمم # (قوله بهم جميعا) الضمير عائد على الأنبياء والملائكة (قوله يجب الإيمان) ~~أي التصديق بوجودهم لقوله تعالى ((آمنوا بالله واليوم الآخر))([1]) وقوله ~~((والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من ms036 ~~رسله))([2]) وقدم ذكر الملائكة لتقدمهم في الوجود ولأنهم أخفى من الكتب ~~فالإيمان بهم أبعد مما هو أظهر للحس. # ---------------------------------------------------------------------- ~~-------- # [1]- سورة النساء آية رقم 39 وقد جاءت الآية محرفة في المطبوعة # [2]- سورة البقرة آية رقم 285 وتكملة الآية (وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ~~ربنا وإليك المصير) # المقصد السادس في الكتب والإيمان بها # ( PageV01P049 قوله وبالذي أنزله الرحمن) معطوف على قوله بهم جميعا يجب ~~الإيمان أي ويجب الإيمان بالذي أنزله الرحمن من الكتب السماوية إلى أنبيائه ~~عموما وبالقرآن خصوصا، وهي مائة كتاب وأربعة كتب كما في حديث أبي ذر رضي ~~الله عنه خمسون منها على شيث وثلاثون على إدريس، وعشرة على إبراهيم، وعشرة ~~على موسى قبل التوراة والأربعة هي التوراة على موسى، والزبور على داود، ~~والإنجيل على عيسى والفرقان على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو ناسخ ~~لكتابتها وتلاوتها وبعض أحكامها وهو أفضلها أيضا ويليه التوراة فالإنجيل ~~فالزبور وهو كلام عربي والتوراة عبراني، والإنجيل رومي، والزبور سرياني، ~~كذا قيل ونزلت صحف إبراهيم لثلاث مضين من رمضان وقيل في أول ليلة منه ونزلت ~~التوراة لست مضين منه ونزل الإنجيل لثلاث عشرة مضين منه، والزبور لثماني ~~عشرة مضين منه، وكلها أنزلت إلى أنبيائها دفعة واحدة والقرآن في الرابعة ~~والعشرين منه في ليلة القدر، أنزل دفعة واحدة من اللوح المحفوظ إلى سماء ~~الدنيا واللوح المحفوظ: هو درة بيضاء طولها مسير خمسمائة عام وعرضها كذلك، ~~وقيل جبهة ملك ثم نزل بعد ذلك منجما على حسب المصالح، ثم إنزاله بعشر سنين ~~بمكة وعشر بطيبة وقيل بثلاث عشرة سنة بمكة وعشر بطيبة قال القطب رحمه الله ~~تعالى: وكل الكتب عن جبريل عن ميكائيل عن إسرافيل عن اللوح المحفوظ أو عنه ~~أو عن ملائكة بالنسخ من اللوح أو عن جبريل عن اللوح أقوال ا. ه. # (قوله وهو كلام) أي المنزل من عند الله تعالى إلى أنبيائه كلام مركب من ~~حروف ومعان مختلفة عباراته باختلاف لغات أنبيائه ((وما أرسلنا من رسول إلا ~~بلسان قومه))([1]) ((ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته ~~أأعجمي وعربي ms037))([2]). # ( PageV01P050 واعلم) أن هذا وما بعد تشخيص للكلام المنزل لا تعريف له ~~لأن الكتب من الشخصيات والشخصي لا يعرف أي لا يمكن تعريفه كزيد مثلا فإنك ~~متى قلت إنه رجل طويل عريض كان تشخيصا له لا تعريفا فلا يكمل تمييزه إلا ~~بالإشارة إليه، فكذا الكتب لا يكمل تمييزها إلا بالإشارة إليها وتلاوتها من ~~أولها إلى آخرها، ولذا كان هذا الكلام جامعا غير مانع، فإنه شامل لكل كلام ~~بليغ فيه معان يهتدى بها إلى طريق النجاة (قوله دل بالنظم الأتم) على معان ~~عبر بالنظم لما فيه من حسن التعبير في تشبيه الكلام بنظم اللالي في السلك ~~بخلاف التعبير باللفظ فإنه لغة الطرح ولذا قالوا إن في التعبير به سوء أدب ~~ولأن اللفظ خاص بما عدا الكلام الإلهي قاله الرضي([3]) ووصف النظم بالأتم ~~أي التام بحسب لغة ما أنزل إليهم، وإن كان متفاوتا في الكمال فنظم القرآن ~~معجز بخلاف غيره من الكتب وهل الآية الواحدة منه معجزة للبلغاء والعلماء أو ~~الثلاث الآيات فما فوق باقتصاره تعالى عليها لقوله ((فأتوا بسورة من ~~مثله))([4])..؟ وأقصر السور ثلاث آيات قولان وقيل مجموعة معجز فقط قال ~~القطب رحمه الله تعالى: وهو باطل أقول ووجه بطلانه أن قوله تعالى ((قل ~~فأتوا بعشر سور))([5]) وقوله ((قل فأتوا بسورة مثله))([6]) مشعر بأن ~~الإعجاز بأقصر سورة منه لا بمجموعة فقط ولإعجازه جهات أخر (منها) إيجازه ~~وبلاغته وبيانه وعدم كلال قارئه ومستمعه وخرق العادة في نظمه وإخباره ~~بالغيب وإخباره عما مضى في الأمم الخالية وجمعه علوما لم يجمعها غيره من ~~الكتب من حلال وحرام ومواعظ وأمثال وقصص وصرف الهمة عن معارضته وعارضه قليل ~~فافتضحوا. # ( PageV01P051 واعلم) أن النظم هو ركن الكلام المنزل به هو الركن الأعظم ~~والركن الثاني هو المعنى فلا يجوز لقارئه سلخ معناه إلى لفظ آخر، وفاعل ذلك ~~في صلاته تفسد صلاته خلافا لأبي([7]) حنيفة في تجويزه قراءة القرآن في ~~الصلاة بالفارسية وهي إحدى أعجوباته واعتذار بعض أصحابه عنه بما لا طائل ~~تحته غير مسموع (قوله فيه) أي الكلام المنزل (قوله ms038 إرشاد الأمم) أي دلالتهم ~~إلى طريق مرضاة ربهم. # ---------------------------------------------------------------------- ------ # [1] - سورة إبراهيم آية رقم 4 وتكملة الآية (ليبين لهم فيضل الله من يشاء ~~ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم) # [2] - سورة فصلت آية رقم 44 وتكملة الآية (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ~~والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد) # [3] - هو محمد بن الحسين بن موسى أبو الحسن، الرضي العلوي الحسيني ~~الموسوي، أشعر الطالبين على كثرة المجيدين فيهم مولده عام 359 ه ووفاته ~~ببغداد عام 406 ه انتهت إليه نقابة الأشراف في حياة والده وخلع عليه ~~بالسواد له ديوان شعر في مجلدين وكتب منها الحسن من شعر الحسين. # راجع وفيات الأعيان 2: 2 وتاريخ بغداد 2: 246 ويتيمة الدهر 2: 297 - 315 ~~ونزهة الجليس 1: 359 والذريعة 7: 16 # [4] - سورة البقرة آية رقم 23 وتكملة الآية (وادعوا شهداءكم من دون الله ~~إن كنتم صادقين). # [5]- سورة هود آية رقم 13 وتكملة الآية (مثله مفتريات وادعوا من استطعتم ~~من دون الله إن كنتم صادقين) # [6] - سورة يونس آية رقم 38 وتكملة الآية (وادعوا من استطعتم من دون الله ~~إن كنتم صادقين) وقد جاءت الآية محرفة في المطبوعة حيث قال: (بسورة من ~~مثله) بزيادة (من) # [ PageV01P052 7] - هو النعمان بن ثابت التميمي بالولاء الكوفي أبو حنيفة ~~إمام الحنفية الفقيه المجتهد المحقق، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، ~~قيل أصله من أبناء فارس ولد عام 80 ه بالكوفة وكان يبيع الخز ويطلب العلم ~~في صباه ثم انقطع للتدريس والإفتاء، وأراده عمر بن هبيرة أمير العراق على ~~القضاء فامتنع ورعا وأراده المنصور العباسي بعد ذلك على القضاء ببغداد فأبى ~~توفي عام 150 ه # من كتبه: المخارج في الفقه، والفقه الأكبر. # راجع تاريخ بغداد 13: 323 - 433 وابن خلكان 2: 163 والنجوم الزاهرة 2: 12 ~~والبداية والنهاية 10: 107 والجواهر المضية 1: 26. # الحديث في خلق القرآن # والكل مخلوق لإمكان العدم= ولانفراده تعالى بالقدم # ( PageV01P053 قوله والكل مخلوق) أي وكله فأل عوض عن المضاف إليه (اعلم) ~~أنه (لا خلاف) بين الأمة في أن كلامه تعالى المكتوب في المصاحف المتلو ~~بالألسن المحفوظ في الصدور مخلوق، لأنه مركب من حروف وكل حرف منها مشروط ~~وجوده بانقضاء ما قبله، فيكون ms039 له ابتداء وانتهاء، وما كان له ابتداء ~~وانتهاء فهو حادث، والمركب من الحادث حادث بالضرورة، ولأنه ممكن وجوده ~~وعدمه وكل ما كان كذلك فهو حادث بالضرورة أيضا، ولأنه شيء غير الله عز وجل ~~فلو قيل بقدمه بطلت الوحدانية في القدم، لأنه يلزم أن يكون حينئذ قدمان وهو ~~باطل، ولأن الله عز وجل قال في حقه ((قرآنا عربيا))([1]) فيقتضي أن يكون ~~بعض الكلام الإلهي عربيا وبعضه عبرانيا ونحو ذلك من اللغات فيكون متغيرا ~~بتغير العبارات والمتغير حادث، ولأن الله تعالى وصفه بأنه ذكر بقوله ((وأنه ~~لذكر لك))([2]) ووصف الذكر بأنه حادث بقوله ((وما يأتيهم من ذكر من الرحمن ~~محدث))([3]) ولأنه تعالى قال في حقه ((كتاب أحكمت آياته ثم فصلت))([4]) ~~وهذا دليل على تركيبه من أجزاء هي آياته والمركب حادث، ولأنه تعالى وصفه ~~بأنه تنزيل وذلك يقتضي تنقله من مكان إلى مكان والمتنقل حادث، ولأنه تعالى ~~وصفه بأنه في اللوح به هو ((قرآن مجيد في لوح محفوظ)) ([5]) واللوح حادث ~~فكذا الحال فيه ولأنه تعالى وصفه بقوله ((بل هو آيات بينات في صدور الذين ~~أوتوا العلم))([6]) وتلك الصدور حادثة وكذا الحال فيها، ولأنه ذكر فيه أنا ~~أرسلنا ونحوها من صيغ الماضي فلو كان قديما لزم أن يكون الإرسال قبل وجود ~~ذلك القديم ولا وجود قبله فيلزم الكذب، ولأنه تعالى قال فيه ((إنا جعلناه ~~قرآنا))([7]) والمجعول مخلوق ولأنه لو كان قديما لزم أن يكون المتكلم به ~~حيث لا مخاطب سفيها والله يتعالى عن ذلك. PageV01P054 # وخالفت الحنابلة في هذا كله وقالوا إن كلامه تعالى حروف وأصوات قائمات ~~بذاته عز وجل قديمة معه وبالغوا في ذلك حتى قال بعضهم جهلا: إن الجلد ~~والغلافة قديمان وهؤلاء مشركون وقد حكى السيد عنهم في الحواشي الكشاف أنهم ~~أجازوا تعدد القدماء وهذا من ذلك الباب وهو شرك أيضا. # وذهبت الكرامية([8]) إلى أن كلامه تعالى حروف وأصوات محدث قائم بذاته ~~لتجويزهم قيام الحوادث بالذات العلية وهذا شرك أيضا لأنهم ساووا بين الله ~~وخلقه حيث وصفوه بصفاتهم (وأما) الحنابلة فقد وصفوا المخلوق ms040 بالصفة المختصة ~~بالخلق فكان شركهما شرك مساواة (وإنما الخلاف) في الصفة الذاتية المسماة ~~بالكلام فذهبت الأشعرية([9]) وطائفة من المشارقة إلى أنه قديم لأنه صفة ذات ~~وصفات الذات قديمة، وأطلقوا عليها اسم قرآن فقالوا القرآن الذي هو صفة ~~الذات ليس بمخلوق ولم يقم على تسمية الكلام الذاتي بالقرآن دليل، ولكن لهم ~~أن يصطلحوا على ذلك فيكون الخلاف لفظيا حاصله هل يسمى الكلام الذاتي قرآنا أم لا؟ # (واعلم) أن أصحابنا اختلفوا في إثبات الكلام الذاتي فمن أثبته جعله عبارة ~~عن نفي الخرس عنه تعالى وهم الجمهور، ونفاه البعض كالإمامين ابن النضر وأبي ~~ساكن وغيرهما، واكتفوا في نفي الخرس عنه تعالى بصفة القدرة فإذا عرفت هذا ~~وقد تقدم لك أن صفات الذات عين الذات فأعلم أن الكلام الذاتي ليس هو شيئا ~~غير الذات العلية، وإنما هو عبارة عن اتصافها بصفة كمالية ليست هي غيرها ~~بمعنى أن الذات العلية كاملة وعبر عن ذلك الكمال بألفاظ دالة على أنواع ~~الكمال فليس هنالك غير الله المتصف بالكمال الذاتي حتى يوصف ذلك الغير بأنه ~~قديم، نعم على مذهب الأشاعرة الزاعمين بأن صفات الذات غير الذات فيلزمهم ~~تعدد القدماء كما مر. # ( PageV01P055 (قالوا) المحذور من تعدد القدماء قدم ذاتين لا ذات وصفات ~~(قلنا) الكل محذور لأنكم إن جعلتم صفاته معاني حقيقية هي غيره لزم افتقاره ~~إليها لأنكم تزعمون أنه بها يعلم وبها يقدر إلى آخرها، والمفتقر إلى الغير ~~ليس باله كما مر، فإذا عرفت هذا فاعلم أنه لا وجه لقول من قال من أهل ~~المذهب أن القرآن قديم إلا أن يريدوا أن الله تعالى ليس بأخرس فيعبرون بهذه ~~العبارة القاصرة عن ذلك المعنى المطلوب، فتنتفي عنهم البراءة بهذا الاحتمال ~~حسن ظن بالمسلمين ولكون مذهبهم معروفا في قولهم إن صفات الذات عين الذات، ~~فيجب رد تلك العبارة منهم إلى هذه القاعدة المنيعة. ولا عبرة بمن جهل ~~المذهب من بعض العوام فوصف القرآن المتلو بالقدم، وشنع على مخالفه في ذلك ~~ونظم نونية عزاها إلى ابن النضر حاشاه من ذلك، فإن مذهبه ms041 رحمه الله تعالى ~~معروف من قوله: # وأما كلام الله فهو كتابه= كذلك قال الله للطاهر الشيم # ومن قوله: # قال فالجعل هو الخلق أم = الجعل شيء غيره فيما ذكر # قلت جعل الله خلق كله = ومن الناس مقال مشتهر # قال قال الله لم أجعل لكم= من بحير ووصيل في البقر # قلت قال الله لم أجعل لكم= فاعلموا التبحير دينا يحتجر # فإنه نفى في كلامه الأول الكلام الذاتي وحصر الكلام في الكلام الفعلي، ~~ولا يتصور ممن نفى الكلام الذاتي أن يقول بقدم الكلام الفعلي ومن نسب إليه ~~ذلك فقد رماه بكبيرة لأنه زعم أن ابن النضر يقول إن الكلام الفعلي قديم ~~وهذا لم يقل به أحد من المسلمين إلا الحنابلة، وبذلك القيل كفروا فلو قال ~~به قائل من غيرهم حكم عليه بالكفر أيضا، لأنه جعل غير القديم قديما، وذكر ~~في كلامه الآخر أن جعل الله كله خلق وناظر من خاصمه في ذلك، وقد وصف الرب ~~القرآن بقوله ((إنا جعلناه))([10]) فعلم من قاعدته رحمه الله أن القرآن ~~مخلوق فمن نسب إليه النونية بعد ذلك فقد عزاه إلى الجهل لأن فيها ما يناقض ~~ما هنا وذلك قوله: # إن كان من أنا جعلناه فما = في الجعل إن أنصفت من تبيان PageV01P056 إلى ~~آخره وقد عارض أخونا الراشدي رحمه الله تعالى هذه النونية بنونية أخرى أصاب ~~فيها فصل الخطاب، سماها فيض المنان في الرد على من ادعى قدم القرآن أولها: # انكرت جهلا فطرة القرآن= وجعلت كالمولى قديما ثاني # ولئن من الله علي لأكتبن عليها شرحا يفتح مغلقها ويشهد بصوابها (قوله ~~لإمكان العدم) لأن ما أمكن عدمه استحال قدمه، وبهذا تنكشف شبهة القائلين ~~بقدم القرآن حيث استدلوا عليه بأنه غير فان لقوله تعالى ((وآخر دعواهم أن ~~الحمد لله رب العالمين))([11]) وهذا الكلام لا شك أنه قرآن (وجوابهم) أن ~~إمكان الفناء يكفي في الدلالة على الحدوث لو لم يقع الفناء كيف وليس في ~~الآية دليل على أنه غير فان بالفعل..؟ # (قوله ولانفراده تعالى بالقدم) فلو كان القرآن قديما لكانا قديمين ms042 فتبطل ~~الوحدانية في القدم المقطوع بثبوتها لله عز وجل (لا يقال) إن الكلام صفة ~~المتكلم فلا يلزم من قدمها معه تعدد القدماء لأن الصفة ليست غير الموصوف ~~(لأنا نقول) أن أريد بالكلام الكلام المنزل فلا إشكال أنه غيره، وإن أريد ~~به الكلام الذاتي فقد بينا أن صفات الذات هي عين الذات أي مدلولها عين ذاته ~~تعالى، فليس هنالك غير الذات العلية حتى يوصف بالقدم وغيره فسقط ذلك ~~الاعتراض. # ---------------------------------------------------------------------- --- # [1] - سورة طه آية رقم 113، وسورة الزمر آية رقم 28، وسورة فصلت آية رقم ~~3، وسورة الزخرف آية رقم 3. # [2] - سورة الزخرف آية رقم 44 وتكملة الآية (ولقومك وسوف تسألون) # [3]- سورة الشعراء آية رقم 5 وتكملة الآية (إلا كانوا عنه معرضين) وقد ~~جاءت الآية محرفة في المطبوعة حيث قال (ما يأتيهم) وصوابها (وما يأتيهم) # [4] - سورة هود آية رقم 1 # [5] - سورة البروج آية رقم 22 # [6] - سورة العنكبوت آية رقم 49 # [7] - سورة الزخرف آية رقم 3 # [ PageV01P057 8] - الكرامية: زعيمها المعروف محمد بن كرام كان مطرودا من ~~سجستان وقد دعا ابن كرام وأتباعه إلى تجسيم معبوده وزعم أنه جسم له حد ~~ونهاية من تحته والجهة التي منها يلاقي عرشه وهذا شبيه بقول التنويه. # وقد وصف ابن كرام معبوده في بعض كتبه بأنه جوهر كما زعمت النصارى أن الله ~~تعالى جوهر وقد ذكر ابن كرام في كتابه أن الله تعالى مماس لعرشه وأن العرش ~~مكان له وأبدل أصحابه لفظ المماسة بلفظ الملاقاة منه للعرش وقالوا: لا يصح ~~وجود جسم بينه وبين العرش إلا بأن يحيط العرش إلى الأسفل وهذا معنى المماسة ~~التي امتنعوا من لفظها وزعم ابن كرام وأتباعه أن معبودهم محل للحوادث. # راجع الفرق بين الفرق 217 # [9] - سبق الحديث عنهم في كلمة وافية فليرجع إليها وعلي بن إسماعيل بن ~~إسحاق، أبو الحسن من نسل الصحابي أبي موسى الأشعري رئيس الأشاعرة # [10] - سورة الزخرف آية رقم 3 # [11] - سورة يونس آية رقم 10. # فصل في المحكم والمتشابه # (وفي القرآن محكم ومشتبه= ومجمل مفصل نؤمن به) # (كل أتى من ربنا والخلف في= حديهما على أقاويل تف # (مع اتفاق منهم أنهما= نوعان أي مختلف ms043 حكمهما) # ( PageV01P058 قوله وفي القرآن محكم ومشتبه) أي من الآيات القرآنية ما هو ~~محكم متضح معناه، ومنه ما هو متشابه على الأذهان لا يدرك معناه إلا بتأمل ~~لخفائه، وربما لا يدرك أصلا كالحروف المقطعة أوائل السور، فإنه لا سبيل إلى ~~معرفة معانيها إلا بتوقيف من الشارع، ولم يرد ذلك فالكف عن الخوض فيها ~~أسلم، وإنما قلنا إن من القرآن محكما ومنه متشابها لقوله تعالى ((منه آيات ~~محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات))([1]) فلا يرد علينا أنه تعالى وصف ~~جميع القرآن بأن محكم بقوله ((كتاب أحكمت آياته))([2]) وبقوله ((تلك آيات ~~الكتاب الحكيم))([3]) ووصف جميعه بأنه متشابه بقوله ((كتابا متشابها ~~مثاني))([4]) (لأنا نقول): إن وصف جميعه بالإحكام راجع إلى النظم والتركيب ~~تقول العرب هذا بناء محكم أي متقن قوي وكذلك وصف جميعه بالمتشابه راجع إلى ~~النظم والتركيب أيضا فإنه متشابه من تلك الحيثية فليس بعضه بأحكم من بعض في ~~التركيب، فلا يقع فيه تفاوت في البلاغة ككلام المخلوقين فإنه وإن بلغ من ~~البلاغة أقصاها فلا بد من تفاوته فيها ((أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من ~~عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كبيرا))([5]) وأما وصف بعضه بالحكم وبعضه ~~بالمتشابه فراجع إلى النظم بالنظر إلى مدلوله فلا تناقض قال الفخر: (واعلم) ~~أن العلماء ذكروا في فوائد المتشابهات وجوها. # (الوجه الأول): أنه متى كانت المتشابهات موجودة كان الوصول إلى الحق أصعب ~~وأشق وزيادة المشقة توجب مزيد الثواب قال الله تعالى ((أم حسبتم أن تدخلوا ~~الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين))([6]). # ( PageV01P059 الوجه الثاني): لو كان القرآن محكما بالكلية لما كان ~~مطابقا إلا لمذهب واحد وكان تصريحه مبطلا لكل ما سوى ذلك المذهب، وذلك مما ~~ينفر أرباب المذاهب عن قبوله وعن النظر فيه فالانتفاع به إنما حصل لما كان ~~مشتملا على المحكم وعلى المتشابه، فحينئذ يطمع صاحب كل مذهب أن يجد فيه ما ~~يقوي مذهبه ويؤثر مقالته، فحينئذ ينظر فيه جميع أرباب المذاهب ويجتهد في ~~التأمل فيه كل صاحب مذهب، فإذا بلغوا في ذلك صارت ms044 المحكمات مفسرة ~~للمتشابهات فبهذا الطريق يتخلص المبطل عن باطله ويصل إلى الحق. # (الوجه الثالث): أن القرآن إذا كان مشتملا على المحكم والمتشابه افتقر ~~الناظر فيه إلى الاستعانة بدليل العقل، وحينئذ يتخلص عن ظلمة التقليد ويصل ~~إلى ضياء الاستدلال والبنية، أما لو كان كله محكما لم يفتقر إلى التمسك ~~بالدلائل العقلية فحينئذ كان يبقى في الجهل والتقليد. # (الوجه الرابع): لما كان القرآن مشتملا على المحكم والمتشابه افتقر إلى ~~تعلم طرق التأويلات وترجيح بعضها على بعض، وافتقر إلى تعلم ذلك إلى تحصيل ~~علوم كثيرة من علم اللغة والنحو، وعلم أصول الفقه، ولو لم يكن الأمر كلك ما ~~كان يحتاج الإنسان إلى تحصيل هذه العلوم الكثيرة فكان إيراد هذه المتشابهات ~~لأجل هذه الفوائد الكثيرة. # (الوجه الخامس): وهو السبب الأقوى في هذا الباب أن القرآن كتاب مشتمل على ~~دعوة الخواص والعوام بالكلية، وطبائع العوام تنبو في أكثر الأمر عن إدراك ~~الحقائق فمن سمع من العوام في أول الأمر إثبات موجود ليس بجسم لا بمتحيز ~~ولا مشار إليه ظن أن هذا عدم ونفي فوقع في التعطيل، فكان الأصلح أن يخاطبوا ~~بألفاظ دالة على بعض ما يناسب ما يتوهمونه ويتخيلونه، ويكون ذلك مخلوطا بما ~~يدل على الحق الصريح (فالقسم الأول) وهو الذي يخاطبون به في أول الأمر يكون ~~من باب المتشابهات، والقسم الثاني وهو الذي يكشف لهم في آخر الأمر هو ~~المحكمات ا. ه. # ( PageV01P060 قوله ومجمل) هو ما خفي المراد منه إلا ببيان من المجمل ~~بكسر الميم الثانية وهو أنواع ثلاثة، لأن خفاء المراد منه إما أن يكون بسبب ~~اشتراك اللفظ بين معنيين فأكثر كالقرء للحيض والطهر، فلا يعلم عند إطلاقه ~~أي المعنيين أريد حتى ينصب المتكلم قرينة على مراده منه، وتلك القرينة هي ~~البيان وإما أن يكون بغرابة اللفظ وذلك كأن يكون اللفظ غريبا لا يعرف معناه ~~إلا ببيان، ومثلوا له بالهلوع من قوله تعالى ((خلق الإنسان هلوعا))([7]) ~~فقوله ((إذا مسه الشر جزوعا))([8]) إلى آخره بيان للهلوع، وإما أن يكون ~~بسبب نقل اللفظ عن معناه ms045 المعلوم منه إلى معنى آخر لم يعلم بعد كالصلاة فإن ~~معناها لغة، ونقل إلى العبادة المخصوصة ببيان من الرسول وكالربا فإنه لغة ~~الزيادة ونقل إلى بيع الشيء بمثله نسيئة كان معه زيادة أولا ببيان من ~~الرسول صلى الله عليه وسلم هذا كله مبني على مذهب الحنفية في المجمل، أما ~~على مذهبنا ومذهب الشافعية فهو عندنا ما احتمل معنيين لم يكن أحدهما ~~بالنسبة إليه أظهر من الآخر، فلا تكون الغرابة ولا النقل إجمالا عندنا، ~~وسيأتي أن المجمل عندنا قسم من المتشابه فعطفه عليه من عطف البعض على الكل. # (قوله مفصل) أي مبين وهو ما ظهر معناه سواء كان ظهوره بنفس لفظه ويسمى ~~بيانه ابتدائيا أو بغيره وذلك الغير إما أن يكون كتابا أو سنة أو إجماعا أو ~~عقلا والأول أعني ما فيه البيان بنفس لفظه إما أن يكون لا يحتمل غير معناه ~~أو يحتمل غيره احتمالا مرجوحا، وهذان النوعان هما المسميان عندنا بالمحكم ~~كما ستعرفه قريبا إن شاء الله، فعلم أن المبين أعم مطلقا من المحكم لأن كل ~~محكم مبين ولا عكس. # (قوله نؤمن به) أي نصدق به على وجه الإذعان أنه من عند الله وأنه حق سواء ~~ظهر لنا معناه أو خفي ونعتقد أن ما خفي معناه خفي لحكمة سواء عرفناها أو لم ~~نعرفها، لأنا لا نحيط علما بحكم الله عز وجل وليس لنا أن نعترض عليه في شيء ~~من أفعاله. # ( PageV01P061 فإن قيل) إن قوله نؤمن به تكرارا لقوله وبالذي أنزله ~~الرحمن. # (قلنا) ليس هو بتكرار لأن ما هنالك بيان للحكم وما هنا تصريح باعتقاد ~~الناظم ولأنه كما كان القرآن على أنواع منها يطلب الإيمان به فقط كالذي خفي ~~معناه صرح النظم بأنه ممن يؤمن بذلك لأن بيان الاعتقاد في مثل هذا المقام ~~مطلوب فلذلك أردفه بقوله: كل أتى من ربنا. # (قوله والخلف في حديهما) أي المحكم والمتشابه فإن الأمة قد أكثرت من ~~الاختلافات في بيانهما وادعى كل أهل مذهب أن المحكم هو مطابق مذهبه وأن ~~المتشابه هو ما خالفه ms046 وتلك حكمة الله في عباده ليهلك من هلك عن بينة ويحيي ~~من حيي عن بينة. # (قوله على أقاويل تفي) أي تجي أي سنذكرها في هذا النظم إن شاء الله. # (قوله مع اتفاق منهم أنهما نوعان) أي وقع الخلاف من الأمة في حد المحكم ~~وحد المتشابه مع اتفاق منهم أنهما نوعان من الكلام كل نوع منهما له حكم ~~يخالف حكم الآخر، فلذا قال (أي مختلف حكمهما) فأي هنا تفسيرية والجملة ~~بعدها مفسرة لغير منطوق به. # ---------------------------------------------------------------------- ----- # [1] - سورة آل عمران آية رقم 7 وتكملة الآية (فأما الذين في قلوبهم زيغ ~~فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا ~~الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا ~~الألباب). # [2] - سورة هود آية رقم 1 وتكملة الآية (ثم فصلت من لدن حكيم خبير) # [3] - سورة يونس آية رقم 1 # [4] - سورة الزمر آية رقم 23 وتكملة الآية (تقشعر منه جلود الذين يخشون ~~ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ~~ومن يظلل الله فما له من هاد) # [5] - سورة النساء آية رقم 82. # [6] - سورة آل عمران آية رقم 142 # [7] - سورة المعارج آية رقم 19 # [8] - سورة المعارج آية رقم 20 PageV01P062 قال الإمام أحمد حدثنا أبو ~~عبد الرحمن، حدثنا موسى بن علي بن رباح سمعت أبي يحدث عن عبد العزيز بن ~~مروان بن الحكم قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم (شر ما في رجل شح هالع وجبن خالع) رواه أبو داود بن عبدالله بن الجراح ~~عن أبي عبدالرحمن المقري به وليس لعبد العزيز عنده سواه. # أقسام المحكم والمتشابه # (فالمحكم المتضح المعنى انقسم= # للنص والظاهر معنى فانحسم) # (في النص حكم القطع بالمراد= # والظن في الظاهر للعباد) # (وإن أتى بعكسه الدليل= # صير إليه وهو التأويل) # (وهو قريبا أو بعيدا وقعا= # أو متعذرا فلن يتبعا) # (قوله فالمحكم المتضح المعنى) اعلم أن اللفظ إما لا يحتمل غير معنى واحد ~~((فاعلم أنه لا إله إلا الله))([1]) وإما أن يحتمل لكن ms047 أحد معنييه أظهر من ~~الآخر فبالنسبة إلى المعنى الظاهري يسمى ظاهرا، وهو قسم من المحكم، ~~وبالنسبة على المعنى الآخر يسمى مؤولا، وهو قسم من المتشابه إن لم يدل عليه ~~دليل وإما أن يكون المعنيان بالسواء أي لا يرجح أحدهما على الآخر إلا بمرجح ~~من خارج فهو المجمل، وهو قسم من المتشابه ولذا قال: فالمحكم المتضح المعنى ~~أي ما كان معناه واضحا وهو قسم من المتشابه ولذا قال فالمحكم المتضح المعنى ~~أي ما كان معناه واضحا وهو المحكم سواء كان وضوحا لا يحتمل معنى غيره أو ~~يحتمله مرجوحا والمحكم عند الحنفية: هو ما لا يحتمل النسخ كالآيات الدالة ~~على صفات الله تعالى نحو ((وهو بكل شيء عليم))([2]) ((خالق كل شيء))([3]) ~~فإن اللفظ عندهم إذا ظهر منه المراد فإن لا يحتمل النسخ فهو محكم، وإلا فإن ~~لم يحتمل التأويل فمفسر، وإلا فإن سيق الكلام لأجل ذلك المراد فنص، وإلا ~~فظاهر وإذا خفي لعارض أي لغير الصيغة فخفي وإن خفي لنفسه أي لنفس الصيغة ~~وأدرك عقلا فمشكل أو نقلا فمجمل، أو لم يدرك أصلا فمتشابه ا. ه وهي ~~اصطلاحات وليس في الاصطلاح مشاحة. # ( PageV01P063 قوله للنص والظاهر) فالنص ما لا يحتمل غير معناه منقول من ~~نصت الظبية جيدها إذا رفعته والظاهر ما احتمل عير معناه احتمالا مرجوحا قال ~~البدر([4]): وقد يطلق النص على الظاهر أي مجازا عرفيا بجامع الوضوح (قوله ~~معنى) تمييز محلول عن فاعل أي الظاهر معناه (قوله فانحسم) أي فانقطع تقسيمه ~~أو الكلام فيه وسنشرع في بيان حكمه إن شاء الله (قوله في النص حكم القطع ~~بالمراد) اعلم أن المحكم له حكمان لأنه قسمان لكل قسم منهما حكم يخصه فحكم ~~النص هو القطع بمراد المتكلم، بمعنى أنا إذا سمعنا قوله تعالى # ((فاعلم أنه لا إله إلا الله))([5]) وقوله ((وأحل الله البيع وحرم ~~الربا))([6]) حكمنا أن المراد ما فهمناه وقطعنا بكفر من خالفنا في ذلك، ~~خلافا للفخر في زعمه أن الأدلة اللفظية لا تكون بنفسها قطعية لتوقفها على ~~نقل اللغة والنحو والصرف، ونقلها ms048 ظني والمتوقف على الظني أولى أن يكون ظنيا ~~قلنا: لا نسلم أنها متوقفة على ظني لأن العرب تعرف معاني ألفاظها من غير ~~توقف على نقل، وما توقف منها على نقل فذلك النقل متواتر والمتواتر مقطوع بصدقه. # (قوله والظن في الظاهر) أي وحكم القسم الثاني من المحكم هو الظن بأن مراد ~~المتكلم منه ظاهر معناه فيجب العمل به حتى يدل دليل على خلافه، ولا نخطئ من ~~خالف الظاهر في موضع يجوز فيه خلافه، لاحتمال أن يكون له دليل صار إليه ~~(قوله للعباد) تتمة وفائدته أن كون أحد المعنيين أظهر من الآخر إنما هو ~~بالنسبة إلى العباد لا إلى الرب عز وجل، فإنه يتساوى في علمه الظاهر ~~والخفي. # ( PageV01P064 قوله وإن أتى بعكسه) أي بعكس الظاهر أي إذا دل دليل على أن ~~المراد من هذا اللفظ غير ظاهره ترك الظاهر وأخذ بذلك الدليل، والأخذ به ~~يسمى تأويلا للفظ وهذا معنى قولهم ولا يعدل عن الظاهر إلا بدليل. وذهبت ~~الباطنية إلى أن الأخذ بخلاف الظاهر هو الراجح سواء كان مع دليل أو لا وهي ~~مقالة باطلة قائلها فاسق لأنها تفضي إلى تعطيل غالب الأحكام الشرعية، ولهم ~~فيها أباطيل افتضحوا بها بين الملا ذكر بعضها صاحب العدل فراجع العدل إن شئت. # (قوله صير إليه) أي الدليل لأنه أقوى حينئذ من الظاهر وذلك أنه لما كان ~~اللفظ لمعنيين ظننا أن المراد أظهرهما مع أنا نجوز أن يراد المعنى الآخر، ~~فلما دل الدليل على أن المراد المعنى الثاني عرفنا أن الظاهر لم يكن مرادا ~~وذلك الدليل إما أن يكون قطعيا فيوجب القطع بإرادة الباطن أو ظنيا فيفيد ~~الظن بإرادته، واختلف حينئذ في الصيرورة إليه لأنه دليل ظني أيضا فذهب ~~بعضهم إلى أن الأخذ بالظاهر أولى لأنه الأصل، وذهب آخرون إلى أن الأخذ ~~بالدليل الظني أولى وهو المذهب. قال البدر: وإن تعارض العموم وأخبار الآحاد ~~فالأولان أقوى من الظاهر ا. ه. # والعدول عن الأصل ممنوع فيما إذا كان بغير دليل، وهذا دليل قوى أحد معنيي ~~اللفظ على الآخر ms049 وإن كان أظهر فأخذ به. وذهبت الحنفية إلى أن حكم الظاهر ~~قطعي فلا يعدل عنه إلا بقطعي هو أقوى منه، ودعوى القطعية غير مسلمة لأنا ~~نظن أن المراد ظاهره لكثرة إرادة المعنى الباطن بنصب الأدلة عليه، ولما كثر ~~ذلك الاستعمال ظننا أن الظاهر هو المراد لاحتمال أن يراد من ذلك اللفظ ~~باطنه بدليل لم يبلغنا. # (قوله وهو التأويل) أي المصير إلى عكس الظاهر هو التأويل وعرفوه بأنه حمل ~~الكلام على المحتمل المرجوح من معاني اللفظ. PageV01P065 # قوله وهو قريبا أو بعيدا) الخ هذا تقسيم للتأويل إلى ثلاثة أقسام إلى ~~قريب يترجح على الظاهر بأدنى مرجح، وبعيد لا يترجح إلا بمرجح قوي ومتعذر لا ~~يقبل، كتأويل بعض الحنفية قوله صلى الله عليه وسلم لرجل أسلم على عشر نسوة ~~((أمسك أربعا وفارق سائرهن))([7]). # قالوا: يحمل على تجديد النكاح قلنا: ينفي ذلك قوله وفارق سائرهن فإن ~~الفراق لا يكون عن ثبوت عقد وكذلك قوله أمسك أربعا فإن الإمساك لا يدل إلا ~~على شيء ثابت فلو أراد تجديد النكاح لأمره به صريحا لأن تجديده متوقف على ~~شروط كإذن الولي ورضاء المرأة وحضرة الشهود، وكلك حملهم قوله صلى الله عليه ~~وسلم ((أمسك أيتهما شئت))([8]) للذي أسلم على الأختين على تجديد النكاح ~~أيضا وجوابهم ما مر وكذلك حملهم قوله صلى الله عليه وسلم ((في أربعين شاة ~~وشاة))([9]) على قيمة الشاة ووجه تعذره أن فيه إبطال العين الذي هو جزء ~~المال وهو الشاة فتبطل الحكمة المطلوبة من المال وهو النمو، وكذلك حملهم ~~((أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل))([10]) على الصبية ~~والأمة ووجه تعذره أن المرأة لا تطلق على الصبية إلا مجازا وأي من صيغ ~~العموم فهي شاملة لكل امرأة، وفيه أن العموم يخصص والمجاز يصار إليه مع ~~القرينة، والدليل المخصص قوله صلى الله عليه وسلم ((الثيب أحق بنفسها من ~~ولي))([11]) فيجاب أن معنى الحديث أنها أحق بنفسها في رضاها فلا يحل لوليها ~~جبرها، ومما يعضد عموم الأول قوله صلى الله عليه وسلم ((لا نكاح إلا ms050 ~~بولي))([12]) فعم ولم يخص ومن ذلك حملهم قوله تعالى ((ولذي القربى)) على ~~فقراء الأقارب ووجه تعذره أن أهل القربى شامل للأغنياء والفقراء. # ( PageV01P066 قوله حاصل) ما ذكروه من أمثلة التأويل المتعذر وأقول: إن ~~هذه الأمثلة جميعها ليست من التأويل المتعذر الذي لا يقبل وإنما هي من ~~التأويل البعيد الذي لا يترجح إلا بمرجح قوي ولا مرجح لهذه التأويلات فبطل ~~الأخذ بها (أما أمثلة) التأويل المتعذر فكتأويل بعض الصوفية البقرة بالنفس ~~في قوله تعالى ((إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة))([13]) وكتأويل بعض الشيعة ~~فيها بعائشة رضي الله عنها، وكتأويل بعض أولئك الشيعة أيضا قوله تعالى ((أو ~~جاء أحد منكم من الغائط))([14]) قالوا: الغائط أبو بكر، وكتأويلهم قوله ~~تعالى ((كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر))([15]) قالوا: الشيطان عمر ~~والإنسان أبو بكر وكتأويلهم قوله تعالى ((مرج البحرين يلتقيان))([16]) ~~قالوا: هما علي وفاطمة بينهما برزخ لا يبغيان قالوا: البرزخ هو حاجز التقوى ~~فلا يبغي علي على فاطمة ولا فاطمة على علي ((يخرج منهما اللؤلؤ ~~والمرجان))([17]) هما الحسن([18]) والحسين([19]) ونحو ذلك من التأويلات ~~المتعذر حمل الكتاب والسنة على مثلها، وأكثر ما ورد مثل هذا عن أهل الباطن ~~من الشيعة، كما هو معتمد مذهبهم الفاسد. # (وذو اشتباه ما اختفى كالمجمل= # أو مفهم تشبيه مولانا العلي) # (فمنه ما قيل بأنه الذي= # له احتمالان فصاعد أخذ) # (ومنه أيضا ما يكون مبهما= # كتسع عشر أمرهم قد أبهما) # (ومنه أنه الذي لم يعلم = # تأويله غير المهيمن أعلم) # (فكل هذا أصله متحد = # وجعله أشياء ليس يحمد) # (ومنه أحرف أوائل السور = # وقيل بالأمثال مع كل خبر)= # (وقيل ما يكون منسوخا وما= # قد كان ناسخا يسمى محكما) # ( PageV01P067 قوله وذو اشتباه) أي وصاحب اشتباه والمراد به المتشابه ~~(قوله ما اختفى) أي معناه فهو مقابل المحكم وذلك الاختفاء إما لإجمال في ~~اللفظ كلفظة القرء أو لإفهامه تشبيه الرب تعالى بخلقه، كالاستواء في إسناده ~~إلى الرحمن فهو قسمان، وهذا التعريف شامل لغالب الأقوال التي في المتشابه، ~~وذلك أن بعضا ذهب إلى أن المتشابه هو ما كان له ms051 معنيان فصاعدا. قلنا: إن ~~كان معانيه أظهر من الباقية فبالنسبة إلى ذلك المعنى محكم وبالنسبة إلى ~~غيره متشابه، فيدخل تحت المختفي معناه وإن كانت معانيه متساوية في الظهور ~~والخفاء فهو مجمل وبإجماله اختفى المعنى المراد منه، فيدخل تحت المختفي ~~معناه وبعض ذهب إلى أن المتشابه ما لا يعرف كميته ك ((عليها تسعة ~~عشر))([20]) ((ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية))([21]) قلنا هو من قبيل ~~المختفي معناه، وبعض ذهب إلى أن المتشابه هو ما لا يعلم تأويله إلا الله، ~~قلنا: راجع إلى الخفي معناه أيضا وبعض ذهب على أن المتشابه هو الحروف ~~المقطعة أوائل السور: كالم وطس وهو راجع إلى المختفي معناه أيضا (قوله ~~كالمجمل) إنما سمي المجمل متشابها لتشابه معانيه التي احتملها حتى لا يترجح ~~بعضها على بعض، وذكر صاحب المنهاج وهو معتزلي المذهب أن مذهبهم أن المجمل ~~ليس من المتشابه إذ لا بد للمتشابه من معنى ظاهر ليس بمراد، ومعنى خفي هو ~~المراد منه لقوله تعالى ((فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه ~~منه))([22]) قال: ففي هذه الآية دليل على أن في المتشابه معنى ظاهرا يتبع. ~~( PageV01P068 قلنا): ما ذكرته هو بعض المتشابه لا كله فلا ينافي وجود قسم ~~آخر للمتشابه ومن اتبع شيئا من المتشابه يصدق عليه أنه متبع للمتشابه (قوله ~~أو مفهم تشبيه مولانا) أي القسم الثاني من المتشابه هو ما كان ظاهره يفهم ~~تشبيه المولى عز وعلا بالخلق كآيات الاستواء، وآية الجنب، وآيات اليد، ~~ونحوها وإنما سمي هذا النوع متشابها لأن ظاهره مشابه لحكم الوهم وباطنه ~~موافق لحكم العقل، فاشتبه المعنيان فصدق عليه اسم المتشابه (قوله فمنه ما ~~قيل بأنه الذي الخ) أي فمن الخفي معناه القول بأن المتشابه هو ما كان له ~~معنيان فصاعدا وقد يقال: إن هذا قول آخر لأنه شامل للظاهر أيضا وعلى هذا ~~الاحتمال فهو مردود لأنه يلزم عليه أن يكون غالب الكتاب والسنة متشابها، ~~وقد يجاب بأنه لا محذور في كون غالبهما متشابها كيف والكتاب يشير إلى ذلك ~~بقوله ((منه آيات محكمات ms052 هن أم الكتاب وأخر متشابهات))([23]) فيفيد أن ~~المحكم قليل حيث عبر عنه بمن التبعيضية وإن ما عدا ذلك البعض متشابه وهذا ~~جواب حسن ولا ضير في إطلاق المتشابه على الظاهر مع العمل به، بل هو خلاف ~~لفظي وإنما الضير في ترك العمل بالظاهر (قوله له احتمالان) أي محتملان أي ~~معنيان يصح حمله على كل واحد منهما. # (قوله فصاعدا) حال محذوف عاملها وجوبا تقديره فذهب الاحتمال صاعدا. # (قوله خذ) فعل أمر به يتعلق منه في صدر البيت أي خذ من تعريفنا هذا القول. # (قوله ومنه أيضا) أي ومن تعريفنا القول بأن المتشابه ما كان مبهما على ~~الخلق لا يعرفونه كوقت الساعة والتسعة عشر في قوله تعالى ((عليها تسعة ~~عشر))([24]) والثمانية من قوله تعالى ((ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ~~ثمانية))([25]) فإنه لا يدري أتسعة عشر ملكا أم ألفا وكذلك القول في ~~الثمانية (قوله مبهما) هو الذي لا بيان له (قوله كتسع عشر) في الآية ~~((عليها تسعة عشر)) حذفت تاؤه للوزن. # ( PageV01P069 قوله أمرهم) أي حالهم قد أبهم أي لم يبين ليكون فتنة للذين ~~كفروا ويزداد الذين آمنوا إيمانا (قوله ومنه أنه الذي لم يعلم الخ) أي ومن ~~تعريفنا المتشابه بما خفي معناه القول بأن المتشابه هو ما لا يعلم تأويله ~~إلا الله، لأنه من جملة ما خفي على العباد المراد به، وذلك كمعرفة وقت نزول ~~العذاب على الكفار ومعرفة مقادير الثواب والعقاب ومعرفة وقت الساعة متى ~~يكون..؟ فإن هذه الأشياء مما خوطب بها العباد وخفيت عليهم والقول بأنه ~~تعالى لا يخاطب بما لا يعقل غير متوجه على مثل هذا لأن الخطاب به في الجملة ~~معقول ومعناه عندهم مفهوم، ولا يشترط في المعقول تمام المعرفة بمقادير ~~الشيء وتفاصيله, نعم يرد على القول بأن الحروف المقطعة أوائل السور لا يدرى ~~ما المراد منها فيجاب بأن الخطاب هو توجيه الكلام نحو الغير للإفهام، فيخرج ~~ما لم يقصد به الإفهام من الكلام فإنه وإن تكلم به المتكلم من غير أن يقصد ~~به إفهام غيره لا يكون عبثا ms053، إذ لا يصدق عليه أنه مخاطب وإنما يخص باسم ~~متكلم. (قوله تأويله) أي تفسيره (قوله غير المهيمن) هو اسم من أسماء الله ~~عز وجل ومعناه الشاهد. # (قوله اعلم) تكملة للبيت وفيه أمر بالعلم برد هذه الأقوال إلى أصل واحد ~~والتنبيه أن ردها على أصل واحد مما تفرد به الناظم بجامع الخفاء في كل منها. # ( PageV01P070 قوله فكل هذا أصله متحد) الإشارة إلى المذكور هنا من ~~الأقوال وعلى أن أصلها واحد وهو خفاء معناها على العباد سواء خفي خفاء ~~ضعيفا كالذي يدرك بالقرينة الضعيفة ويكون التأويل فيه قريبا أو خفي خفاء ~~قويا كالذي يحتاج في تأويله للدليل القوي، أو خفاء لا يدرك معناه كالذي ~~يتعذر تأويله إلا بتوقيف، وذلك هو الذي استأثر الله بعلمه كمقادير الثواب ~~ونحوها (قوله وجعله أشياء الخ) أي وجعل المذكور أشياء بمعنى أقاويل متعددة ~~مختلفة المعنى غير محمود لأن الخلاف فيه لفظي، ألا ترى أن أهل كل قول من ~~تلك الأقوال أشاروا إلى أن المتشابه هو ما خفي معناه فيؤخذ من مجموع ~~الأقوال أن كل ما خفي معناه فهو متشابه. # (قوله ومنه أحرف أوائل السور) هذا القول منسوب لابن عباس([26]) رضي الله ~~عنه ونسب إليه أيضا أن المحكم هو الثلاث الآيات التي في آخر سورة الأنعام ~~((قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم))([27]) إلى آخر الآيات واستخرج منه ~~الفخر أن المحكم هو ما لا ينسخ بشرع وشرع كالأمر بالقسط، وتحريم الظلم، ~~وقتل النفس بغير حق والمتشابه: هو ما ينسخ بشرع وشرع كالصلاة والصوم. # (واعلم) أن القول بأن الحروف الواقعة أوائل السور كالم وطس وق هي ~~المتشابه راجع إلى علة الخفاء فتعريفنا شامل له أيضا إلا أن يقال إن صاحب ~~هذا القول معه أن ما عدا تلك الأحرف محكم فيرد بأن هذا مخالف لمفهوم قوله ~~تعالى ((منه آيات محكمات))([28]) فإن من فيها للتبعيض كما تقدم ومفهوم ~~البعض هو أن يكون أقل من الباقي وهو المتبادر وإن أطلق على الأكثر في مواضع. # ( PageV01P071 قوله وقيل بالأمثال) هذا القول والذي يليه خارجان ms054 عن تعريف ~~الناظم ولذا لم يقل مع ذكرهما ومنه وذلك أن بعضا قال إن المتشابه من القرآن ~~هي القصص والأمثال أي الآيات التي فيها ذكر الأخبار عن الأوائل وعن ~~المغيبات والأمثال المضروبة للناس كما في قوله تعالى ((إن الله لا يستحي أن ~~يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها))([29]) وكما في قوله ((مثل نوره كمشكاة فيها ~~مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري))([30]) الآية ويلزم على ~~هذا أن يكون ما عدا القصص والأمثال محكما وهو خلاف الظاهر وأيضا فلا معنى ~~لرد القصص والأمثال إلى الآيات المحكمات وقد قال تعالى ((منه آيات محكمات ~~هن أم الكتاب))([31]) أي أصله فيرد المتشابه إلى الأصل الذي هو المحكم ~~(قوله وقيل ما يكون منسوخا) هذا القول مروي عن ابن عباس أيضا وحاصله أن ~~المتشابه هو المنسوخ من الآيات، وأن المحكم هو الناسخ فيجب رد المنسوخ إلى ~~الناسخ، بمعنى أن العمل بالناسخ دون المنسوخ (قوله وما قد كان ناسخا) أي ~~والذي قد كان ناسخا. # (وحكمه الوقوف في الإجمال= # حتى يبين اظهر احتمال) # (والرد للمحكم حكم الثاني = # أو يلزمن تناقض القرآن) # (قوله وحكمه الوقوف إلى آخره) هذا بيان المتشابه بقسميه فإن كان مجملا ~~فحكمه الوقوف حتى يظهر دليل على أن المراد منه كذا فيؤخذ به، وذلك في قوله ~~تعالى ((والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء))([32]) فإنه لما كان القرء ~~يطلق على الحيض تارة وعلى الطهر أخرى بسبيل الاشتراك بينهما لم يدر ما ~~المراد من الآية أهي ثلاثة أطهار أم ثلاث حيض..؟ التمس الدليل على المراد ~~من خارج ولذا اختلف فيه فقال بعض: إن المراد ثلاثة أطهار وقال آخرون: ثلاث ~~حيض (قوله حتى يبين أظهر احتمال) أي حتى يعرف المراد منه ببيان ولو كان ذلك ~~البيان قرينة خفية مثلا ولذا عبر عنه يبين ولم يقل حتى يأتي دليل بالبيان. # ( PageV01P072 واعلم) أنه قد أجمع أصحابنا ومن حذا حذوهم ممن منع التكليف ~~بما لا يطاق على منع تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه، وذلك كما إذا خاطب ~~الله العباد بما هو ms055 محتمل لمعان ليس بعضها أظهر من بعض ثم أمرهم بالعمل ~~المراد منه فإنه لا يأمرهم بذلك إلا مع بيان المراد منه، لأن تكليفهم ~~بالعمل المراد منه مع عدم علمهم به مما لا يطاق، وتكليف ما لا يطاق لا يصح ~~عندنا وجوزته الأشعرية، وليست المسألة دينية لأنهم يقولون إن حكمة التكليف ~~بما لا يطاق هي اختبار المكلف هل يتهيأ للامتثال فيثاب أو يتهيأ فيعاقب..؟ ~~ثم رأيت القطب رحمه الله قال: بجواز ذلك واعلم أن أصحابنا والمعتزلة إنما ~~قالوا بمنع التكليف بما لا يطاق نظرا إلى جانب وقوعه لا إلى جانب الاختبار ~~لأن وقوعه ممن لا يطيقه محال، والتكليف بالمحال محال، وما ذكرته هنا من ~~مقالة الأشعرية هو ما صرح به بعض متأخريهم, أما قدماؤهم فلم يقولوا بذلك ~~التفصيل، ولذا صح لأصحابنا والمعتزلة توجيه الرد عليهم في هذه المسألة، ~~واختلفوا هل يصح تأخير البيان إلى وقت الحاجة..؟ المذهب أنه يصح لقوله ~~تعالى ((ثم إن علينا بيانه))([33]) فعطف بثم المقتضية للتراخي وفيه مذاهب ~~آخر. راجع مختصر العدل وشرحه (قوله والرد للمحكم حكم ثاني) أي حكم القسم ~~الثاني من المتشابه وهو ما ظاهره التشبيه رده إلى المحكم لقوله تعالى ((هن ~~أم الكتاب))([34]) وإلى هذا ذهب أصحابنا والمعتزلة ومتأخرو الأشعرية، وذهب ~~سلفهم إلى الإمساك عن تأويله مع القطع بحقية المراد ولذا قال في الجوهرة: # وكل نص أوهم التشبيها = أوله أو فوض ورم تنزيها PageV01P073 ومن اعتقد ~~تنزيه الله تعالى عن مشابهة الأشياء لزمه تأويل ما أوهم التشبيه من الآيات، ~~والسنة سواء صرح به أو لم يصرح، فلا معنى لقول بعض متأخريهم أن مذهب السلف ~~أسلم بل الأسلم رده إلى المحكم لئلا يتوهم الضعيف أن المراد ظاهره (قوله أو ~~يلزمن تناقض القرآن) هذا دليل وجوب رد المتشابه إلى المحكم أي لو لم يرد ~~إليه لزم تناقض القرآن وذلك كما في قوله تعالى ((وإذا أردنا أن نهلك قرية ~~أمرنا مترفيها ففسقوا فيها))([35]) فإنه متشابه يجب رده إلى قوله تعالى ~~((قل إن الله لا يأمر بالفحشاء))([36]) فيتأول الأمر الأول ms056 وإلا لزم تناقض ~~الآيتين وكما في قوله تعالى ((نسوا الله فنسيهم))([37]) فإنها متشابهة ~~محكمها ((وما كان ربك نسيا))([38]) ((لا يظل ربي ولا ينسى))([39]) وكما في ~~قوله تعالى ((الرحمن على العرش استوى))([40]) ((بل يداه مبسوطتان))([41]) ~~فإنه متشابه محكمه ((ليس كمثله شيء))([42]) فلو لم يرد إليها لزم التناقض، ~~و(أو) في البيت عاطفة للجملة الفعلية على الجملة الاسمية قبلها، ومعناها ~~تخيير الواقفين عن تأويل المتشابه بين أمرين إما أن يردوه إلى المحكم ~~فيلزمهم تأويله أو يقولوا أنه على ظاهره فيلزمهم تناقض القرآن بعضه ببعض ~~فليختاروا أي الأمرين شاؤوا ولا مخرج لهم، عن أحدهما والجملتان فيهما ~~التخيير خبريتان لفظا إنشائيتان معنى لأن التخيير مختص بالإنشاء والله أعلم. # ---------------------------------------------------------------------- ~~------- # [1] - سورة محمد آية رقم 19 وتكملة الآية (واستغفر لذنبك وللمؤمنين ~~والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم) # [2] - سورة البقرة آية رقم 29 وصدر الآية (هو الذي خلق لكم ما في الأرض ~~جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات) # [3] - سورة الأنعام آية رقم 102 وسورة الرعد آية رقم 16 وسورة الزمر آية ~~رقم 62 وسورة غافر آية رقم 62 # [4] - سبقت الترجمة له في كلمة وافية في هذا الجزء. PageV01P074 # 5] - سورة البقرة آية رقم 275 وتكملة الآية (فمن جاءه موعظة من ربه ~~فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها ~~خالدون) # [6] - سورة محمد آية رقم 19 وتكملة الآية (واستغفر لذنبك وللمؤمنين ~~والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم) # [7] - الحديث رواه الإمام مالك في كتاب الطلاق 29 باب جامع الطلاق 76 ~~وحدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب أنه قال: بلغني أن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلمقال لرجل من ثقيف أسلم وعنده عشر نسوة حين أسلم الثقفي وذكره. # [8] - وصله الترمذي 9 - كتاب النكاح 33 باب ما جاء في الرجل يسلم وعنده ~~نسوة وابن ماجة في 9 كتب النكاح 40 # [9] - الحديث رواه صاحب الموطأ 11 باب صدقة الماشية 22 حدثني يحيى عن ~~مالك أنه قرأ كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الصدقة. قال فوجدت فيه: ~~بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب الصدقة- وذكره. # [10] - الحديث رواه الإمام أحمد بن حنبل في المسند 6: 47 حدثنا ms057 عبدالله ~~حدثني أبي ثنا إسماعيل ثنا ابن جريج قال أخبرني سليمان بن موسى عن الزهري ~~عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره وفيه زيادة ~~(فإن أصابها فلها مهرها بما أصاب منها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) # قال ابن جريج فلقيت الزهري فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه قال: وكان ~~سليمان بن موسى وكان فأثنى عليه. قال عبدالله قال أبي: السلطان القاضي لأن ~~إليه أمر الفروج والأحكام. ورواه أبو داود في النكاح 16 والترمذي في النكاح ~~14 والدارمي في النكاح 11. # [11] - الحديث رواه الإمام مسلم في كتاب النكاح 9 باب استئذان الثيب في ~~النكاح بالنطق والبكر بالسكوت 68 وحدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بهذا ~~الإسناد وقال: وذكره وسنده: وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن زياد بن ~~سعد عن عبدالله بن الفضل سمع نافع بن جبير يخبر عن ابن عباس أن النبي صلى ~~الله عليه وسلم قال: وذكره ورواه أبو داود في النكاح 25. # [ PageV01P075 12] - الحديث رواه ابن ماجة في كتاب النكاح، 15 باب لا ~~نكاح إلا بولي 1881 - حدثنا محمد ابن عبدالملك بن أبي الشوارب، ثنا أبو ~~إسحاق الهمداني عن أبي بردة عن أبي موسى. قال: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم وذكره. # ورواه البخاري في كتاب النكاح 36 وأبو داود في النكاح 19 والترمذي في ~~النكاح 14 - 17 والدرامي في النكاح 11. # ورواه الإمام أحمد بن حنبل في المسند 1: 250، 4: 394، 413، 418، 6: 260 # [13]- سورة البقرة آية رقم 67 # [14] - سورة النساء آية رقم 43 وسورة المائدة آية رقم 6 # [15] - سورة الحشر آية رقم 16 وتكملة الآية (فلما كفر قال إني بريء منك ~~إني أخاف الله رب العالمين) # [16] - سورة الرحمن آية رقم 19 # [17] - سورة الرحمن آية رقم 22 # [18] - هو الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي أبو محمد: خامس ~~الخلفاء الراشدين وآخرهم، وثاني الأئمة الإثني عشر عند الإمامية ولد في ~~المدينة المنورة عام 3 ه وأمه فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم وهو أكبر أولادها، وكان عاقلا حليما محبا للخير فصيحا من أحسن الناس ~~حج عشرين حجة ماشيا توفي عام 50 ه ms058. راجع تهذيب التهذيب 2: 295 والإصابة 1: ~~328 واليعقوبي 2: 191 وتهذيب ابن عساكر 4: 199 # [19] - هو الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي العدناني أبو ~~عبدالله السبط الشهيد ابن فاطمة الزهراء وفي الحديث: الحسن والحسين سيدا ~~شباب أهل الجنة ولد في المدينة عام 4 ه ونشأ في بيت النبوة وإليه نسبة كثير ~~من الحسينيين قتل عام 61 ه بكربلاء. # راجع تهذيب ابن عساكر 4: 311 وخطط مبارك 5: 93 ومقاتل الطالبين 54 و64 ~~وابن الأثير 4: 19 # [20] - سورة المدثر آية رقم 30 # [21] - سورة الحاقة آية رقم 17 # [22] - سورة آل عمران آية رقم 7 وتكملة الآية (ابتغاء الفتنة وابتغاء ~~تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من ~~عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب). # [ PageV01P076 23] - سورة آل عمران آية رقم 7 وتكملة الآية (فأما الذين ~~في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) # [24]، 4- سورة المدثر آية رقم 30 # [25]- سورة الحاقة آية رقم 17 # [26] - هو عبدالله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي أبو العباس حبر ~~الأمة الصحابي الجليل ولد بمكة ونشأ في بدء عصر النبوة فلازم رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم وشهد مع علي الجمل وصفين وكف بصره في آخر عمره فسكن الطائف ~~وتوفي بها له في الصحيحين وغيرهما 1660 حديثا قال ابن مسعود نعم ترجمان ~~القرآن ابن عباس، ينسب إليه كتاب في تفسير القرآن جمعه بعض أهل العلم من ~~مرويات المفسرين توفي عام 68 ه. # [27] - سورة الأنعام آية رقم 151 وتكملة الآية (ألا تشركوا به شيئا ~~وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا ~~تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا ~~بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون) # [28] - سورة آل عمران آية رقم 7 # [29] - سورة البقرة آية رقم 26 وتكملة الآية (فأما الذين آمنوا فيعلمون ~~أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل ~~به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين) # [30] - سورة النور آية رقم 35 وتكملة الآية (يوقد من شجرة مباركة زيتونة ~~لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو ms059 لم تمسسه نار نور على نور يهدي ~~الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم) # [31] - سورة آل عمران آية رقم 7 # [32] - سورة البقرة آية رقم 228 وتكملة الآية (ولا يحل لهن أن يكتمن ما ~~خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ~~ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة ~~والله عزيز حكيم) # [33] - سورة القيامة آية رقم 19 # [34] - سورة آل عمران آية رقم 7 # [ PageV01P077 35] - سورة الإسراء آية رقم 16 وتكملة الآية (فحق عليها ~~القول فدمرناها تدميرا) # [36] - سورة الأعراف آية رقم 28 وتكملة الآية (أتقولون على الله ما لا ~~تعلمون) # [37] - سورة التوبة آية رقم 67 # [38] - سورة مريم آية رقم4 6 # [39] - سورة طه آية رقم 52 # [40] - سورة طه آية رقم 5 # [41] - سورة المائدة آية رقم 64 # [42] - سورة الشورى آية رقم 11 وصدر الآية (فاطر السماوات والأرض جعل لكم ~~من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه) # الباب الرابع من الركن الثاني(في الوعد والوعيد...... # الباب الرابع من الركن الثاني(في الوعد والوعيد وفيه أربعة فصول) # (الفصل الأول: في الموت والبعث([1]) والحساب) # أي في بيانها ووجوب الإيمان بها، وفي بيان صحة عذاب القبر، وخلق الجنة ~~والنار الآن، وفي بيان الكتب والحوض، واقتصار المصنف في الترجمة على بعضها ~~من باب الترجمة عن الشيء والزيادة عليه وهو حسن، والمعيب عندهم الترجمة عن ~~الشيء والنقصان منه، ثم إن الوعد والوعيد يطلقان على ما فيه الخير والشر ~~يقال: وعدته بكذا وأوعدته بكذا، فإن حذف المتعلق وهو الموعود به أطلق الوعد ~~على ما فيه الخير خاصة، والوعيد على ما فيه الشر كذا في المختار وهو المراد هنا. # (والموت حق يجب الإيمان = # به كذاك البعث والحسبان) # (فالموت أن تفارق الروح الجسد= # والبعث ردها إليه للأبد) # (قوله والموت حق) أي ثابت (قوله يجب الإيمان به) هذا الحكم هو المطلوب من ~~ذكر الموت هنا وإلا فحقيته معلوم بالضرورة. # ( PageV01P078 اعلم) أنه يجب على كل مكلف أن يعتقد أن كل حي ميت إلا ~~الله، وقيل يكفيه أن يعتقد أن كل عاقل ms060 يموت، والأول أصلح لقوله تعالى ((كل ~~نفس ذائقة الموت))([2]) والبهائم ذوات أنفس ويجب عليه أيضا أن يعتقد أن كل ~~شيء فان إلا الله عز وجل لقوله تعالى ((كل شيء هالك إلا وجهه))([3]) ~~والفناء شامل للموت ومطلق العدم بعد الوجود، لأنه إعدام فجميع الأشياء ~~فانية حتى عجب الذنب وهو شيء مثل حبة الخردل أسفل الصلب عند العصعص كذا في ~~الذهب الخالص، وفي المصباح أن العجب: هو العصعص وفي المختار: أن العجب هو ~~عظم الذنب والعصعص هو ذلك العظم أيضا وما ورد من حديث ((كل ابن آدم يفنى ~~إلا عجب الذنب فمنه يركب))([4])قال القطب رحمه الله تعالى: الاستثناء منقطع ~~أي لكن عجب الذنب منه يركب بعد إعادته، وقال في معنى الحديث: أنه سبحانه ~~يعيد الأعيان الفانية ويركبها عليه لحكمة لا لتعذر الإعادة إلا بذلك ~~والأشياء منها ما هو فان على الانقلاب إلى دار أخرى وهم العقلاء ومنها ما ~~هو فان على التلاشي والذهاب وهو ما عدا العقلاء من الحيوانات وغيرها من ~~النباتات والجمادات، فإنها لا تحشر وهو مذهب ابن عباس رضي الله عنه ~~والجمهور على أن كل حي محشور لقوله تعالى ((وما من دابة في الأرض ولا طائر ~~يطير بجناحيه))([5]) إلى قوله تعالى ((ثم إلى ربهم يحشرون)) لكن حشر ما عدا ~~العقلاء على التلاشي والذهاب واختلفوا أيضا في أولاد المشركين فمنهم من ذهب ~~إلى أن فناءهم على الانقلاب وهو المذهب، ومنهم من ذهب إلى أن فناءهم على ~~التلاشي كسائر الحيوانات، والحق الأول لقوله تعالى ((وإذا الموؤودة سئلت ~~بأي ذنب قتلت))([6]) (قوله كذلك البعث) أي البعث كالموت في كونه حقا وفي ~~وجوب الإيمان به. PageV01P079 # قوله والحسبان) أي كحكم الموت في أنه حق وإن الإيمان به واجب والدليل ~~عليهما قوله تعالى ((زعم الذي كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم ~~لتنبؤن بما عملتم))([7]) وأمثالها من الآيات وخص المصنف الموت والبعث ~~والحساب بالذكر مع أنه سيذكر أشياء أخرى كعذاب القبر وصحة خلق الجنة والنار ~~الآن، والكتب والحوض، لأن المطلوب الذي لا يتم ms061 الإيمان إلا به بعد قيام ~~الحجة من هذه الأشياء كلها هو الإيمان بهذه الثلاثة ولذا وقع الخلاف في بعض ~~ما ذكرنا وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. (قوله فالموت إن تفارق الروح ~~الجسد) هذا تعريف للموت وحاصله: إن الموت مفارقة الروح للجسد وعرفه بعضهم ~~بأنه انقطاع الحياة وبعضهم عرض تضمحل به الحياة، وبعضهم بأنه كيفية مخلوقة ~~في الحي، ودليل هذين التعريفين قوله تعالى: ((خلق الموت والحياة))([8]). PageV01P080 # والمخلوق إما جوهر أو عرض وأجيب بأن الخلق في الآية بمعنى التقدير أي قدر ~~الموت والحياة ويرد بأن الحياة مخلوقة وهي عرض فيلزم استعمال الخلق في ~~معنييه التقديري والإيجادي وأيضا فحمل الآية على التقدير خلاف الظاهر لأنه ~~يستلزم حذف مضاف تقديره قدر أجل الموت والحياة والحذف خلاف الأصل ولا دليل ~~عليه، وكلام المصنف محتمل لأن يكون الموت انقطاع الحياة وأن يكون عرضا ~~تضمحل به الحياة أو كيفية مخلوقة في الحي لأنه لم يزد على أن الموت مفارقة ~~الروح للجسد، ولم يذكر فيه توقفا عن تعيين السبب (قوله والبعث ردها إليه) ~~أي رد الروح إلى الجسد وفيه تصريح بأن الإعادة هي للأرواح وأجسادها التي ~~كانت في الدنيا خلافا لمن زعم من الكفار أنها تعاد في أجسام هي مثل الأجسام ~~الأول لا عينها ولمن قال إن الأرواح هي المعادة دون الأجسام وقد تقدم ~~التصريح بأن المذهب أن الأجسام هو إعدامها بالكلية لا تفريق أجزائها فقط، ~~واستعبد قوم إعادة حقيقتها على ما كانت في دار الدنيا بعد عدمها بالكلية ~~قلنا: ولا بعد ذلك لأن النشأة الآخرة ليست بأشد من النشأة الأولى فكل منهما ~~ممكن لذاته قالوا: ليس الوجود الثاني كالأول لأنه وجود خاص بكونه مسبوقا ~~بوجود آخر، والوجود الأول عام ولا يلزم من إمكان العام بإمكان الخاص كما لا ~~يلزم من انتفاء الخاص انتفاء العام. # قلنا لا نسلم أن الوجودين متغيران بحسب ذاتهما بل بالإضافة إلى الأزمان ~~وتغاير الإضافات لا يوجب تغاير الذات. قالوا: يجب في إعادة الجسم بعينه ~~إعادته بجميع أعراضه ومن أعراضه الزمان فيجب إعادته ms062 معه وإذا أعيد معه لزم ~~أن يكون المعاد هو المبدأ. PageV01P081 # قلنا: لا نسلم أن وجود الشيء يستلزم وجود جميع أعراضه معه بل الواجب وجود ~~أعراضه الشخصية فقط والزمان ليس منها وأنت خبير أن حقيقة زيد اليوم هي ~~حقيقته أمس، ولم تختلف ذاته بتخلف أمس عنه، وقد وقع هذا البحث لابن ~~سينا([9]) مع أحد تلامذته وكان ذلك التلميذ مصرا على التغاير فقال له ابن ~~سينا: إن كان الأمر على ما تزعم فلا يلزمني الجواب لأني غير من كان يباحثك ~~وأنت أيضا غير من يباحثني، فبهت التلميذ وعاد إلى الحق واعترف بعدم التغاير ~~في الواقع، وبأن الوقت ليس من المشخصات. كذا في المواقف وشرحه. (قوله ~~للأبد) متعلق بردها والأبد عدم الغاية في المستقبل أي ترد الروح للأجساد ~~لحكمه هي التأبيد إما في نعيم وإما في جحيم والعياذ بالله والحكمة في بعث ~~غير العقلاء هي الاقتصاص لها ممن ظلمها كما يرشد إلى ذلك بعض الأحاديث ~~النبوية. # ---------------------------------------------------------------------- ~~------- # [1] أصل البعث إثارة الشيء وتوجيهه يقال بعثته فانبعث ويختلف البعث بحسب ~~اختلاف ما علق به فبعثت البعير أثرته وقوله تعالى (والموتى يبعثهم الله) أي ~~يخرجهم ويسيرهم إلى القيامة. راجع المفردات ص52، 53. # [2] سورة آل عمران آية رقم 185 وتكملة الآية (وإنما توفون أجوركم يوم ~~القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع ~~الغرور). # وسورة الأنبياء آية رقم 35 # وسورة العنكبوت آية رقم 57 # [3] سورة القصص آية رقم 88 وتكملة الآية (له الحكم وإليه ترجعون) # [4] الحديث رواه الإمام البخاري في كتاب التفسير سورة 78 - 1 باب يوم ~~ينفخ في الصور فتأتون أفواجا زمرا 4935 عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ~~رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره. PageV01P082 # ورواه ابن ماجة في كتاب الزهد 32 باب ذكر القبر والبلى 4266 عن الأعمش عن ~~أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره، ورواه ~~الإمام أحمد بن حنبل في المسند 2: 315، 322، 428، 499 (حلبي) # وفد جاء في المطبوعة (عجم) بالميم وهو تحريف. # [5] سورة الأنعام آية رقم ms063 38 وتكملة الآية (إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في ~~الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون). # [6] سورة التكوير آية رقم 9 # [7] سورة التغابن آية رقم 7 # [8] سورة الملك آية رقم 2 وتكملة الآية (ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو ~~العزيز الغفور) # [9] هو الحسين بن عبدالله بن سينا أبو علي شرف الملك الفيلسوف الرئيس ~~صاحب التصانيف في الطب والمنطق والطبيعيات والإلهيات أصله من بلخ عام 370 ه ~~موله في إحدى قرى بخارى، نشأ وتعلم في بخارى، وطاف البلاد، وناظر العلماء، ~~واتسعت شهرته، وتقلد الوزارة في همذان وثار عليه عسكرها ونهبوا بيته فتوارى ~~ثن صار إلى أصفهان وصنف بها أكثر كتبه. وعاد في أواخر أيامه إلى همذان فمرض ~~في الطريق ومات عام 428 ه كان ابن سينا كما أخبر عن نفسه من أهل دعوة ~~الحاكم من القرامطة الباطنيين. # وقال ابن تميمة: تكلم ابن سينا في أشياء من الإلهيات ونبوات والمعاد ~~والشرائع لم يتكلم بها سلفا ولا وصلت إليها عقولهم ولا بلغتها علومهم. # صنف نحو مائة مصنف من أشهرها (القانون) ورسالة في المعاد وأسرار الحكمة ~~المشرقية، والإشارات وغير ذلك كثير. # راجع وفيات الأعيان 1: 152 وتاريخ حكماء الإسلام 27: 72 ودائرة المعارف ~~الإسلامية 1: 203 ولسان الميزان 2: 291 وإغاثة اللهفان لابن الجوزي 2: 266 # النهي عن حديث الروح # (والقول بالإمساك في الروح أحق = # وما سوى التخمين للذي نطق) # (قوله والقول بالإمساك) أي الكف عن الخوض في الروح وعن تعاطي بيان ~~ماهيتها (أحق) أي أثبت، من حق الشيء إذا ثبت أو بمعنى أقرب إلى الحق. # ( PageV01P083 اعلم) إن العلماء اختلفوا في بيان الروح وتعيين ماهيتها ~~فمنهم من ذهب مذهب الوقوف عنها قائلا: إن الله تعالى لم يخبر نبيه عن ~~ماهيتها فالوقوف بنا أحق قال بعضهم: # والروح ما أخبر عنها المجتبي= # فنمسك المقال عنها أدبا # وقال الجنيد([1]): الروح شيء استأثر الله بعلمه فلم يطلع عليه أحدا من ~~خلقه فلا يجوز لعباده البحث عنها بأكثر من أنها موجودة، وخاض آخرون في ~~بيانها متأولين للأمر بالكف عن بيانها في قوله تعالى ((قل الروح من أمر ~~ربي))([2]) قائلين: إنه عليه الصلاة والسلام أمر أن يقول ms064 هكذا ليوافق ما في ~~التوراة فتكون تلك الموافقة آية لنبوته وذلك أن اليهود أمروا قريشا أن ~~يسألوه عليه الصلاة والسلام عن أصحاب الكهف، وعن ذي القرنين، وعن الروح، ~~وقالوا لهم: إن أجاب عليها كلها أو وقف عنها فليس بنبي وإن أجاب عن بعض ~~وسكت عن بعض فهو نبي. فأجاب عن الأولين وأبهم أمر الروح لأنه مبهم في ~~التوراة قيل: والصحيح أنه لم يمت صلى الله عليه وسلم إلا وأطلعه الله على ~~ما أبهم عليه من أمر الروح وغيرها أي مما يمكن اطلاعه عليه لا على جميع ~~معلوماته تعالى، لأن علم البشر بجميعها محال ولا ينافي هذا قوله ((ولا أعلم ~~الغيب))([3]) قيل لاحتمال أن يكون قال ذلك القول قبل اطلاعه على الغيب، ~~والظاهر لا منافاة مطلقا أي وإن قالها حال الإطلاع لعموم الغيب، وخصوص ~~العلم الحادث (واختلف) هؤلاء الخائضون في بيانها على مذاهب. # (أحدها) أن الروح هي الدم واستدلوا بأنه لا يفقد من الميت إلا دمه ويرد ~~عليهم بأنه قد يذهب بعض الدم بجرح ونحوه فيلزم نقصان الروح بحسب نقصان ذلك ~~الدم وهو باطل. # (ثانيها) وهو المروي عن أصحاب مالك([4] أن الروح هي جسم ذو صورة كصورة ~~الجسد في الشكل والهيئة. قال # الباجوري: فإن اصبغ نقل عن ابن القاسم([5]) عن عبد الرحيم بن خالد قال: ~~الروح ذو جسم ويدين ورجلين وعينين ورأس تسل من الجسد سلا. # ( PageV01P084 وثالثها) ما رواه النووي([6]) وصححه عن إمام الحرمين([7]) ~~إنها جسم لطيف شفاف مشتبك بالجسم كاشتباك الماء بالعود الأخضر فتكون سارية ~~في جميع البدن. قال الباجوري: فإن قيل أنه يرد على ذلك إنه إذا قطع عضو ~~حيوان لزم قطع نظيره من الروح أجيب بأن لطافتها تقتضي سرعة انجذابها ~~وانضمامها من ذلك العضو المقطوع قبل انفصاله أو سرعة الالتحام بعد القطع. ~~قال الباجوري: وهذا يقتضي انقطاع الروح ثم تلتحم سريعا والأول يقتضي عدم ~~انقطاعها فهو أولى لان الأصل عدم الانقطاع ا. ه (وفيه) أنا لا نسلم أن ~~الثاني أولى لان أصل بقاء جزء الروح في ذلك الجزء ms065 المقطوع انتقالها منه ~~مفتقر إلى دليل وأيضا إن جزء الروح الذي قطع محله من الجسد لا يخلو إما أن ~~يوجد له عضو آخر يحل فيه أو يحل في محل الجزء الآخر منها، فالأول ظاهر ~~البطلان لانا نشاهد غن العضو المقطوع من البدن لم يبدل غيره مكانه، وأما ~~الثاني فباطل أيضا لاستحالة حلول جسمين في مكان واحد فالتوقف أولى كما ~~صرحنا به. # (واختلفوا) أيضا في محلها على أقوال. # (احدها) إنه البطن. # (ثانيها) هو القلب. # (ثالثها) مكان قريب من القلب ولا دليل على شيء من هذا كله قال الباجوري: ~~وأما بعد الموت فأرواح السعداء بأفنية القبور على الصحيح وقيل عند آدم عليه ~~السلام في سماء الدنيا، لكن لا دائما فلا ينافي إنها تسرح حيث شاءت وأما ~~أرواح الكفار ففي سجين في الأرض السابعة السفلى محبوسة، وقيل أرواح السعداء ~~بالجابية في الشام، وقيل ببئر زمزم، وأرواح الكفار ببئر برهوت في حضرموت ~~التي هي مدينة في اليمن ا. ه. ولا دليل قطعي على شيء من هذه الأقوال أيضا ~~فالواجب التوقف. # ( PageV01P085 قوله وما سوى التخمين) أي وليس غير التخمين للذي نطق في ~~الروح أي تكلم فيها والتخمين: هو رؤية الوهم قال في المصباح قال الجوهري: ~~التخمين القول بالحدس وقال أبو حاتم([8]) هذه كلمة أصلها فارسي من قولهم ~~خمانا على الظن والحدس وإذا عرفت إنه لا دليل للخائضين في الروح سوى ~~التخمين ظهر لك أن الوقوف عن الخوض فيها واجب، كما هو مذهب الجنيد لقوله ~~تعالى ((ولا تقف ما ليس لك به علم))([9]) وقوله صلى الله عليه وسلم ((أمر ~~أشكل عليك فقف عنه أو مكروه))([10]) كما هو مذهب القائل: # (والروح ما أخبر عنها المجتبى= # فنمسك المقال عنها أدبا) # (ولم يمت قبل انقضا العمر أحد= # وقبل رزقه الذي له يجد) # (كان حلالا أو حراما حجرا= # أو شبهة والله كلا قدرا) # (إذ ليس في العالم شيء يصدر = # إلا وربنا له مقدر) # (قوله ولم يمت قبل انقضا العمر أحد) أي كل من مات وفارقت روحه جسده بأي ~~سبب كان ms066 أو بلا سبب فهو ميت بأجله ((فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا ~~يستقدمون))([11]) ((ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون))([12]) ((لكل أجل ~~كتاب))([13]) هذا مذهبنا ومذهب جمهور الأشعرية قال في الجوهرة: # وميت بأجله من يقتل= # وغير هذا باطل لا يقبل # وزعم الكعبي([14]) وهو أحد شيوخ المعتزلة أن للمقتول أجلين أحدهما أجل ~~القتل والآخر أجل الموت وأنه لو لم يقتل لبقي إلى الأجل الآخر الذي هو ~~الموت (وزعم) بعضهم أن القاتل قطع على المقتول أجله وإنه لو أخر لبقي إلى ~~أجله الذي يموت فيه والفرق بين القولين أن الأول أثبت للمقتول أجلين ~~والثاني لم يثبت له إلا أجلا واحدا وقد قطعه عليه القاتل فمات في غير أجله ~~واحتج الجميع بحجتين. # (إحداهما): أن القاتل لو لم يكن له تأثير في موت المقتول لما استحق ~~العقاب إذا كان المقتول مظلوما ولما لزمه الدية إلى أوليائه. # ( PageV01P086 والثانية): بما ورد من أحاديث أن بعض الطاعات تزيد في ~~العمر (فأما) الأولى فأجاب عنها ابن أبي نبهان حيث قال وأما ما اعتقده ~~المعتزليون من أنه لو لم ينقص ذلك من عمره لم يكن مستحقا بفعله العقاب لأن ~~كل من قتل نفسا ظلما متعمدا فجزاؤه جهنم حكما من الله تعالى فقد يمكن أن ~~يوافق قتل هذا وفاء أجله على زعمهم فلا يكون عليه عقاب وذلك من علم الغيب ~~وحكم الله تعالى على العموم ولا يصح في صفة الله تعالى أن يكون الأمر على ~~غير ما أخبر من علم الغيب ولا من العلم الذي عرفه عباده ويتفاوت القتل في ~~المقتول وقد يمكن أنه لا يبقى من عمره إلا ساعة أو يوم أو شهر أو عام أو ~~دهر طويل أو يكون موافقا للعمر فتختلف أحكام الجزاء في قتل النفس ظلما وفعل ~~المعصية في ذلك سواء بالقصد فصح بطلان هذا القول من المعتزلة ا. ه. # أقول: وكذلك يلزمهم تقدير الدية التي وجبت على القاتل على حسب ما بقي من ~~عمر المقتول وهذا باطل ضرورة وإنما استحق القاتل العقاب لأنه مرتكب ms067 لما حرم ~~الله ارتكابه ووجبت عليه الدية زجرا له عن مثل ذلك الفعل لا كما زعموا. # (وأما) الثانية فأجاب عنها الإمام عبد العزيز في شرح النونية حيث قال ~~وحديث أن بعض الطاعات تزيد في العمر لا يعارض القواطع لأنه خبر واحد أو أن ~~الزيادة فيه بحسب الخير والبركة أو بالنسبة إلى ما ثبته الملائكة في صحفها ~~لأنه قد يثبت فيها الشيء مطلقا وهو في علم الله تعالى مقيد ثم يؤول إلى ~~موجب علمه تعالى، كما يشير إليه قوله ((يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم ~~الكتاب))([15]) أي اللوح المحفوظ المكتوب فيه جميع الكائنات، كأن يكون ~~الموجود في صحفها أن عمر زيد خمسون سنة مثلا وهو مقيد في علم الله تعالى ~~بأن لا يفعل طاعة كذا وإنه إن فعلها كان عمره ستين سنة مثلا، وسبق في علمه ~~تعالى أنه يفعلها فإنه يفعلها ويعيش ستين سنة، فالمعتبر في العمر هو ما ~~تعلق العلم الأزلي بالوصول إليه ا. ه كلامه. PageV01P087 # أقول وهذه المسألة وإن ظهر بطلان قول المعتزلة فيها لعدم الدليل الشاهد ~~لدعواهم ليست من المسائل الدينية التي يفسق بها من خالف فيها، لاحتمال أن ~~يقول ذلك المخالف أن للمقتول في علمه تعالى أجلين: أجلا مقيدا بما إذا لم ~~يقتل فإنه ينتهي إليه وأجلا مقيدا بما إذا قتل فإنه يموت فيه، وقد علم الله ~~أنه يقتل فلا يتبدل في علمه تعالى وكذلك يحتمل لمن قال: إن القاتل قطع على ~~المقتول أجله أنه تعالى أجل لهذا أجلا لو لم يقتله القاتل لانتهى إليه لكن ~~علم الله أنه يقتل فيموت قبل الأجل المحدود بإرادته تعالى فلا يتبدل في ~~علمه ولا إرادته، نعم هي من مسائل الدين أن لو قيل أنه تعالى لم يعلم بأن ~~القاتل يقطع على المقتول أجله أو أن المقتول يموت في أجل لم يرد الله موته ~~فيه وإنما قلنا أنها حينئذ من مسائل الدين لما فيها من وصف الله تعالى ~~بالجهل حيث أن بعض الأشياء لم يعلمها وبالعجز حيث أن إرادته لم ms068 تنفذ، ~~والمعتزلة يعتقدون أنه تعالى لم يرد وقوع المعاصي والقتل ظلما معصية فيبني ~~على مذهبهم أن الله تعالى لم يرد قتل المقتول ظلما، ولا يبعد أن تكون مسألة ~~قطع الأجل على المقتول مبنية على هذه القاعدة، وإنما قلنا ولا يبعد ولم نقل ~~أنها مبنية قطعا لإطلاقهم أن القاتل قطع أجل المقتول ولم يقيدوه بما إذا ~~كان ظالما له. # ( PageV01P088 قوله وقبل رزقه) أي وقبل انقضاء رزقه بكسر الراء بمعنى ~~مرزوقه وهو ما ساقه الله إليه لينتفع به سواء كان بملكه أو بدون ملكه بأن ~~كان ملكا للغير فظلمه إياه وانتفع به سواء كان مما يؤكل أو يلبس أو يتقى به ~~عن الحر والبرد أو نحو ذلك، كان المنتفع به عاقلا أو غير عاقل هذا مذهبنا، ~~ومذهب جمهور الأشاعرة، ويدل عليه ما في الخبر مرفوعا عن ابن مسعود ((أن روح ~~القدس نفث في روعي لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في ~~الطلب ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله تعالى لا ينال ~~ما عنده إلا بطاعته))([16]) ويدل عليه أيضا قوله تعالى ((وكأين من دابة لا ~~تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم))([17]) ((وما من دابة في الأرض إلا على ~~الله رزقها))([18]). # (وذهبت) المعتزلة إلى أن الرزق هو ما يملك لا ما ينتفع به مطلقا قلنا وهو ~~باطل لوجهين. # (أحدهما): أنه يلزم عليه أن يسمى ما ملكه الله تعالى رزقا له. # (وثانيهما): أنه يستلزم أن تكون الدواب وما لا ملك له غير مرزوق وكلاهما باطل. # (أما) الأول: فلاستلزامه أن يكون الرب سبحانه مرزوقا (وأما) الثاني: ~~فلمصادمته قوله تعالى ((وكأين من دابة لا تحمل رزقها))([19]) وقوله ((وما ~~من دابة في الأرض إلا على الله رزقها))([20]). # (قوله الذي له يحد) أي يقدر والموصول وصلته صفة للرزق وفيه إشارة إلى أن ~~الرزق لا يزيد ولا ينقص على ما قدر في علمه تعالى وإن كان بعضه معلقا ~~بالأسباب وبعضه غير معلق بها، فإن المعلق بالأسباب لا بد أن يكون معلوما ~~لله تعالى أنه يناله ms069 فهو في علمه مقدر كذلك لعلمه بأنه يفعل السبب فيعطى ~~ذلك الرزق المعلق به، أما إذا علم أنه لا يفعل السبب فلا ينال الرزق، فذلك ~~الرزق من الر زق الغير المحدود له فهو يموت قبل استيفائه. # ( PageV01P089 قوله كان حلالا) أي كان الرزق حلالا وهو ما ورد في حوازتنا ~~وله نص أو إجماع أو قياس جلي، سواء كان في علم الله تعالى أنه حلالا كذلك ~~أو لا فإنه إنما تعبدنا بالظواهر لا بما غاب عنا علمه قال القزويني([21]): ~~ومن قال إن الحلال ليس بموجود فقد طعن في الشريعة وهو أحمق حصل له ذلك من ~~جهله، فإن الله لم يكلف الخلق عين الحلال في علم الله تعالى بل كلفهم أن ~~يصيبوا الحلال في اعتقادهم ظنهم ا. ه. # أقول: وفي قوله في اعتقادهم وظنهم نظر لأنهم مكلفون أن يصيبوا الحلال على ~~وفق الشريعة المحمدية لا على وفق اعتقادهم وظنهم فقط لأن الاعتقاد والظن قد ~~يوافقان الشرع وقد يخالفه، فما وافق الشرع منهما جاز الاعتماد عليه، وما ~~خالفه حرم التعويل عليه، وعند التحقيق فالتعويل على ظاهر الشريعة لا على ~~نفس الاعتقاد والظن، وقد مر الكلام في آخر الركن الأول علم من يأتي الأشياء ~~على وفق ظنه من غير علم بحكم الشرع فيه فراجعه إن شئت. # (قوله أو حراما حجرا) أي منع من تناوله، والحرام هو ما تناوله نص أو ~~إجماع أو قياس جلي كتحريم الخمر # والدخان الملحق به في القياس لإسكاره أو يقال إنه حرام بنص السنة لدخوله ~~تحت قوله صلى الله عليه وسلم ((وكل مسكر حرام))([22]) فلا عبرة بمن حلله ~~زاعما أنه ليس بمسكر، و، إنما هو مرقد فقط قائلا أن الإسكار هو تغير العقل ~~مع طرب وهذا تغيره مع انقباض فليس هو باسكار قلنا: لا نسلم أن الإسكار هو ~~تغير العقل مع الطرب فقط بل نقول إن الاسكار هو تغير العقل مطلقا من غير ~~قيد بطرب وانقباض لكن لا على وجه الآفة ليخرج نحو الجنون والعته فإنهما ~~ليسا بسكر وأيضا فالحكمة التي ms070 لأجلها حرم الإسكار هي حفظ العقل عن التغير ~~لا حفظه عن الطرب فلقط، فاندفع الإشكال والحمد لله. # ( PageV01P090 قوله أو شبهة) هي أن يتجاذب الشيء أصلان أصل يحلله وأصل ~~يحرمه ولا مرجح لواحد منهما فالواجب فيه التوقف وتقسيم الرزق إلى حلال ~~وحرام وشبهة هو مذهب الجمهور مستدلين بأحاديث رووها عن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم وذهب بعض إلى أن الأشياء إما حلال وإما حرام لا غير قال الشماخي ~~رحمه الله: وهو قول الربيع وظاهر قول جابر قال: وللمشايخ في الريبة ثلاثة ~~أجوبة إذا وقع في الريبة ولم يدخل عليها أحدها يمسكها ولا يبالي، والثاني ~~يبيعها ويمسك مقدار ما أنفق ويتصدق الباقي، والثالث يبيعها ويمسك جميع ~~الثمن قال: قال المصنف: حكاه سلمة الدرجيني عن الشيخ أبي الربيع رضي الله ~~عنه وإن دخل عليها محققة فكالحرام وغير محققة كالذي يكون في يد من لا يتقي ~~الحرام فيردها وينفق مثلها ويأثم. # (قوله والله كلا قدرا) أي وقدر الله كل واحد من أنواع الرزق التي هي ~~الحلال والحرام والشبه إذ لا رازق سواه تعالى، لكن لا ينبغي أن يقال لله ~~رازق الحرام كما لا يقال إنه خالق القذر لا لأنه لم يخلقه لكن لما فيه من ~~إيهام التنقيص، وكما يقال إنه مفسد للأشياء الفاسدة، وإن كان في الحقيقة هو ~~الذي فعل ذلك غير أن فعله بالنسبة إليه تعالى ليس بمفسدة بل هو حكمة خفيت ~~علينا، فكانت بالنسبة إلينا مفسدة لعلمنا بظاهر المضرة وجهلنا بما فوق ذلك ~~ولذا قلت: # والرزق من ربنا لا شك فيه كما = # لا شك في ما قضى الرحمن من قدر # فالحل والحرم كل من لدنه كما = # من عنده وأردات النفع والضرر # لكنه قال خير الرازقين وما = # أتى به النص من وصف به اقتصر # فلا تصفه برزاق الحرام كما = # لا يوصفن بخلاق القذى والوضر PageV01P091 وقد تقدم أن المختار أن أسماءه ~~تعالى توقيفية فلا يسمى بما لم يرد فيه نص من كتاب أو سنة، وذهبت المعتزلة ~~إلى أنه تعالى لا يرزق الحرام بناء ms071 على ما مر من أن الرزق عندهم هو ما ~~يملك، وعلى قاعدتهم في التحسين والتقبيح والعقليين، وكل منهما قد مر جوابه ~~ونزيدها هنا أن نقول يلزم هؤلاء القائلين أن يكون من عاش طول عمره بأكل ~~الحرام غير مرزوق، وهو مصادم لقوله تعالى ((وما من دابة في الأرض إلا على ~~الله رزقها))([23]) ولا قبح في أنه تعالى يرزق الحرام لأن الأشياء كلها ملك ~~له فالحلال والحرام بالنسبة إليه سواء قال ابن أبي نبهان: إن هذه المسألة ~~مما يسع جهلها أي ليست من مسائل الدين التي يجب اعتقادها وهي كذلك فإنها ~~وإن صادمت ظاهر الكتاب فلا دليل قطعي بكفر المخالف فيها، لأن الظاهر ~~والعموم ليس بدليل قطعي عندنا، وإنما جاء بطلان قولهم من قبل التأويل بلا ~~دليل والتخصيص بلا مخصص. # (قوله إذ ليس في العالم شيء يصدر) إلى آخره هذا دليل لقوله والله كلا ~~قدرا وحاصله أن الأشياء كلها إنما تصدر بإرادة الله وتقدير منه فلا فاعل ~~على الحقيقة إلا هو، فلو قلنا إنه لم يرزق الحرام لآكله للزم أن يكون هناك ~~رازق غيره يرزق الحرام وهو يرزق الحلال فقط، وإنما احتملنا للمعتزلة في هذه ~~المسألة مع ظهور هذا اللزوم لا مكان أن يريدوا نفي النسبة إليه لفظا مع ~~إقرارهم بأنه تقدير الله فيكون الخلاف لفظيا، لكن إذا رجعت إلى قواعدها ~~رأيتهم ينفون نحو هذا عن الله تعالى معنا طلبا لتنزيهه عما لا يليق به في ~~زعمهم، فالمسألة حينئذ دينية لأنها يلزم عليها إثبات رازق غيره تعالى لوجود ~~أكل المحرم وسوقه إلى آكله وتقديره له، وهذه كلها أفعال لا تقوم إلا من ~~فاعل والفاعل على الحقيقة هو الرب عز وجل ينفونها عنه فرجعت المسألة قدرية. # ---------------------------------------------------------------------- ~~------- # [ PageV01P092 1] الجنيد بن محمد بن الجنيد البغدادي الخزاز أبو القاسم، ~~صوفي من العلماء بالدين موله ونشأته ببغداد، أصل أبيهم من نهاوند، وكان ~~يعرف بالقوارير، وعرف الجنيد بالخزاز لأنه كان يعمل الخز قال أحد معاصريه: ~~ما رأت عيناي مثله. # قال ابن الأثير: إمام الدنيا في زمانه، وعده العلماء شيخ ms072 مذهب التصوف ~~لضبط مذهبه بقواعد الكتاب والسنة من كلامه: طريقنا مضبوط بالكتاب والسنة من ~~لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث ولم يتفقه به له رسائل منها دواء الأرواح ~~توفي عام 297 ه. # راجع وفيات الأعيان 1: 117 وحلية 10: 255 وصفة الصفوة 2: 235 وتاريخ ~~بغداد 7: 241 وطبقات السبكي 2: 28 - 37 # [2] سورة الإسراء آية رقم 85 # [3] سورة الإسراء آية رقم 50 وتكملة الآية (ولا أقول لكم أني ملك إن ~~اتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون) # [4] هو مالك بن أنس بن مالك الأصبحي الحميري، أبو عبدالله إمام دار ~~الهجرة، وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة وإليه تنسب المالكية موله عام ~~93 ه ووفاته في المدينة عام 179 ه كان صلبا في دينه بعيدا عن الأمراء ~~والملوك وشي به إلى جعفر عم المنصور العباس فضربه سياطا انخلعت لها كتفه. ~~سأله المنصور أن يضع كتابا للناس يحملهم على العمل به فصنف الموطأ، وله ~~رسالة في الوعظ، ورسالة في الرد على القدرية، وكتاب في النجوم وتفسير غريب ~~القرآن. # راجع الديباج المذهب 17 - 30 والوفيات 1: 439 وتهذيب التهذيب 10: 5 وصفة ~~الصفوة 2: 99 وحلية 6: 316. # [5] هو عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة العتقي المصري أبو ~~عبدالله ويعرف بابن القاسم فقيه جمع بين الزهد والعلم تفقه بالإمام مالك ~~ونظرائه موله عام 132 ووفاته بمصر عام 191 ه له (المدونة) وهي من أجل كتب ~~المالكية رواها عن الإمام مالك. # راجع وفيات الأعيان 1: 276 والمكتبة الأزهرية 1: 403. # [ PageV01P093 6] هو يحيى بن شرف بن مري بن حسن الحزامي الحوراني النووي ~~الشافعي أبو زكريا، محيي الدين، علامة بالفقه والحديث موله ووفاته في نوا ~~من قرى حوران بسورية عام 631 ه وإليها نسبته. # تعلم في دمشق وأقام بها زمنا طويلا من كتبه تهذيب الأسماء واللغات، ~~ومنهاج الطالبين، والمنهاج في شرح صحيح مسلم وشرح المهذب للشيرازي وغير ذلك ~~كثير توفي عام 676 ه. راجع طبقات الشافعية للسبكي 5: 165 وطبقات الشافعية ~~والنجوم الزاهرة 7: 278 وآداب اللغة 3: 242 ومفتاح السعادة 1: 398. # [7] - هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني، أبو المعالي ~~ركن الدين الملقب بإمام الحرمين، أعلم المتأخرين من أصحاب الشافعي ولد في ~~جوين عام ms073 419ه ورحل إلى بغداد فمكة حيث جاور أربع سنين وذهب إلى المدينة ~~فأتى ودرس جامعا طرق المذاهب ثم عاد إلى نيسابور فبنى له الوزير نظام الملك ~~المدرسة النظامية فيها وكان يحضر دروسه أكابر العلماء. # له مصنفات منها غياث الأمم والتياث الظلم، العقيدة النظامية في الأركان ~~الإسلامية، والشامل في أصول الدين، والإرشاد في أصول الدين وغير ذلك كثير ~~توفي عام 478ه. # راجع وفيات الأعيان 1: 287 والسبكي 3: 349 وتبيين كذب المفتري 278: 285. # [8] - هو محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن معبد التميمي أبو حاتم ~~البستي ويقال له أبن حبان، مؤرخ علامة جغرافي محدث ولد في بست من بلاد ~~سجستان وتنقل في الأقطار فرحل إلى خراسان والشام ومصر والعراق والجزيرة ~~وتولى قضاء سمرقند مدة ثم عاد إلى نيسابور ومنها إلى بلده حيث توفي في عام 345ه. PageV01P094 # وهو أحد المكثرين من التصنيف قال ياقوت أخرج من علوم الحديث ما عجز عنه ~~غيره، وكانت الرحلة في خراسان إلى مصنفاته من كتبه المسند الصحيح في الحديث ~~يقال إنه أصح من سنن ابن ماجة، وروضة العقلاء، ومعرفة المجرمين من المحدثين ~~وغير ذلك كثير. راجع معجم البلدان 2: 171 وشذرات الذهب 3: 16 واللباب 1: ~~122 وتذكرة الحفاظ 3: 125 وميزان الاعتدال 3: 39 وطبقات السبكي 2: 141 ~~ولسان الميزان 5: 112. # [9] - سورة الإسراء آية رقم 36. # [10] - الحديث رواه ابن ماجة في المقدمة 8 باب اجتناب الرأي والقياس 55 - ~~ثنا يحيى بن سعيد الأموي عن محمد بن سعيد بن حسان عن عبادة بن نسي عن عبد ~~الرحمن بن غنم، ثناء معاذ بن جبل قال: لما بعثني رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - الى اليمن قال " لا تقضين ولا تفصلن إلا بما تعلم وذكره ". # [11] سورة الأعراف آية رقم 34 # [12] سورة الحجر آية رقم 5 وسورة المؤمنون آية رقم 43 # [13] سورة الرعد آية رقم 38 # [14] هو عبدالله بن أحمد بن محمود الكعبي من بني كعب البلخي الخراساني ~~أبو القاسم احد أئمة المعتزلة، كان رأس طائفة منهم تسمى (الكعبية) وله آراء ~~ومقالات في الكلام انفرد بها، وهو من أهل بلخ أقام ببغداد مدة طويلة وتوفي ~~ببلخ عام 319 ه له كتب منها التفسير ms074، وتأييد مقالة أبي الهذيل، وقبول ~~الأخبار وعرفة الرجال، ومقالات الإسلاميين، وأدب الجدل، وتحفة الوزراء، ~~ومفاخر خراسان، والطعن على المحدثين قال ابن حجر في لسان الميزان: أثنى ~~عليه أبو حيان التوحيدي، وقال الخطيب البغدادي، صنف في الكلام كتب كثيرة ~~وانتشرت كتبه ببغداد وقال السمعاني: من مقالته: أن الله تعالى ليس له إرادة ~~وجميع أفعاله واقعة منه بغير إرادة ولا مشيئة منه لها. # راجع تاريخ بغداد 9: 384 والمقريزي 2: 348 ووفيات الأعيان 1: 352 ولسان ~~الميزان 3: 255 وهدية العارفين 1: 444 # [15] سورة الرعد آية رقم 39 # [ PageV01P095 16] رواه في مسند الفردوس عن جابر في حرف الهمزة، ورواه ~~في حرف النون عنه بلفظ نفث في روعي روح القدس أن نفسا لن تخرج من الدنيا ~~حتى تستكمل رزقها، الحديث ورواه أبو نعيم والطبراني عن أبي أمامة والبزار ~~عن حذيفة وأخرجه أيضا ابن أبي الدنيا وصححه الحاكم عن ابن مسعود كذا في فتح ~~الباري. # [17] سورة العنكبوت آية رقم 60 # [18] سورة هود آية رقم 6 # [19] سورة العنكبوت آية رقم 60 # [20] سورة هود آية رقم 6 # [21] هو عمر بن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد، إمام الدين أبو القاسم ~~الكرخي التميمي القزويني الشافعي: فقيه من العلماء ينعت بقاضي القضاة، ولد ~~بتبريز قال ابن العماد: أنجفل إلى مصر فتألم في الطريق وتوفي بالقاهرة عام ~~699 ه وكان تام الشكل متواضعا لم يتكهل. قلت: له مختصر شعب الإيمان في ~~شسترين 3682. # راجع شذرات 5: 451 وهدية العارفين 1: 788 # [22] الحديث رواه البخاري في كتاب الأدب 80 باب قول النبي صلى الله عليه ~~وسلم يسروا ولا تعسروا 6124 عن سعيد بن أبي برده عن أبيه عن جده قال لما ~~بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذ ابن جبل قال لهما: يسرا ولا تعسرا ~~وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا قال أبو موسى يا رسول الله، أنا بأرض يصنع فيها ~~شراب من العسل يقال له البتع، وشراب من الشعير يقال له المزر قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم وذكره. ورواه الإمام مسلم في الأشربة 73 - 75، 64، 69، ~~وأبو داود في الأشربة 5، 7 والترمذي = في الأشربة 1، 2 والنسائي في الأشربة ~~53، 40، 49 وابن ماجة في الأشربة 9، 13، 14 وصاحب الموطأ في الضحايا 8 ~~وأحمد ms075 بن حنبل في المسند 1: 274، 289، 350، 2: 16، 29، 31، 91، 98، 105 ~~(حلبي). # [23] سورة هود آية رقم 6 # الكلام في عذاب القبر # (ثم عذاب القبر مما جاء به= # تواتر الأخبار معنا فانتبه) # (واعتقدنا صدقه ولا تحل= # تعذيب ميت لوجوه يحتمل) # ( PageV01P096 قوله ثم عاب القبر الخ) عطف بثم المقتضية للتراخي، وذلك ~~أنه لما استطرد في بيان الرزق وأخذ بالكلام عليه كان بين ذكر الموت وذكر ~~عذاب القبر مهلة فناسب عطفه بثم، وذكر القبر تغليبا لما عليه العادة لأنه ~~هو الغالب في أحوال الموتى، وإلا فكل ميت أراد الله تعذيبه فكذلك حكمة سواء ~~قبر أو أكلته السباع أو حرق وذري في الريح، ولا يمنع منه تفرق الأجزاء، لأن ~~الله على كل شيء قدير، وكذلك أيضا نعيم القبر واقتصاره على ذكر العذاب دون ~~النعيم لكثرة التعبير به عن المقام. # (اعلم) إن العلماء اختلفوا في ثبوت عذاب القبر فذهب جابر بن زيد([1]) رضي ~~الله عنه، والجمهور إلى ثبوته لما ورد من الآيات والأحاديث الدالة على ذلك ~~حتى قال في المعالم إنها متواترة معنى، فمن الآيات قوله تعالى ((النار ~~يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد ~~العذاب))([2]) ولقد تكلف ابن أبي نبهان وهو ممن ينكر عذاب القبر تأويل هذه ~~الآية حتى خرج بها عن أسلوب النظم الشريف فقال: فيها تقديم وتأخير والأصل ~~ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب النار يعرضون عليها غدوا ~~وعشيا (ومنها) قوله تعالى ((سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم))([3]) ~~فإنه ذكر يعذبون ثلاث مرات فالأول بإقامة الحدود، والثانية في القبر ~~والثالثة بعد البعث كذا قيل (ومنها) قوله تعالى حكاية عن الكفار ((ربنا ~~أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين))([4]) فذكروا أنهم أميتوا اثنتين كما إنهم ~~أحيوا اثنتين. # ( PageV01P097 ورد) بأن الحياة الأولى هي الحياة الدنيوية، والثانية ~~الأخروية، وإن الإماتة الأولى هي عبارة عن عدمهم قبل الوجود والإماتة ~~الثانية هي التي فارقوا بها الدنيا. (وأما) الأحاديث فمنها ما أخرجه ابن ~~شيبة وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يقول ((يسلط الله على ms076 الكافر في قبره تسعة وتسعين تنينا تنهشه وتلدغه حتى ~~تقوم الساعة لو أن تنينا منها نفخ على الأرض ما انبتت خضراء))([5]) قال ~~الباجوري: والتنين بكسر المثناة الفوقية وتشديد النون وهو أكبر الثعابين ~~قيل وحكمة هذا العدد أنه كفر بأسماء لله الحسنى وهي تسعة وتسعين ا. ه. # والأحاديث في هذا المعنى كثيرة تراجع من محلها (واحتج) النافون بقوله ~~تعالى ((يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا))([6]) قالوا: لو كانوا معذبين في ~~القبر ما سموه مرقدا وأجيب بأنهم سموه بلك نظرا إلى ما شاهدوا من هول ~~الموقف حتى صار القبر بالنسبة إليهم كالمرقد، فبقوله تعالى ((يقسم المجرمون ~~ما لبثوا غير ساعة))([7]) قالوا: لو كانوا معذبين لاستطالوا المدة ولما ~~أقسموا أنهم لم يلبثوا إلا ساعة. # (وأجيب) عنه بأنهم إنما سموا تلك المدة ساعة بالنسبة إلى ما كشف لهم من ~~التأبيد الذي لا انقطاع له فمدة البرزخ بالإضافة إلى ما بعدها من الأبد أقل ~~من ساعة (وبقوله) تعالى: ((لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى))([8]) # (قالوا) لو عذبوا في القبر لزم إحيائهم فيه ثم إماتتهم بعد التعذيب، ~~ويجاب بأن الخطاب لأهل الجنة فإذا أحياهم الله في القبر لما أراده منهم فلا ~~يسمى ما بعد تلك الحياة موتا بالإضافة إليهم، كيف وقد ورد في الحديث أن ~~المؤمن يرى منزله في النار أن لو عصى ومنزله في الجنة لما أطاع فيريد أن ~~ينهض إليه فيقال له: لم يأت أوان ذلك نم سعيدا نومة العروس وليس النوم بموت ~~فلا يذوقون إلا الموتة الأولى. # ( PageV01P098 قوله تواتر الأخبار معنا) أي تواتر معنى الأخبار النبوية ~~فمعنى تمييز محول عن مضاف، والمتواتر في إصلاحهم: هو خبر جماعة عن جماعة لا ~~يمكن تواطي مثلهم على الكذب عادة مسندين الخبر إلى الحسن فإن رووا الخبر ~~بلفظه سمي تواترا لفظيا، وإن روى كل منهم بلفظ يخالف لفظ الآخر واتفقوا في ~~المعنى سمي التواتر معنويا، لاشتراك جميع الرواة في ذلك المعنى بنفسه وإن ~~اختلفت عباراتهم. # (قوله فانتبه) أي فاستيقظ من غفلتك تكملة للبيت وفائدته التنبيه للسامع ms077 ~~من غفلته، والمعنى إذا عرفت أن عذاب القبر جاء به التواتر المعنوي فلا تكن ~~ذا غفلة عن أخذ الحذر منه ولا ذا تماد في الجهل به فإن حق ما جاءت به ~~الأخبار المتواترة أن يكون معلوما لك. # (قوله واعتقدن صدقه) أي مطابقة التواتر المعنوي للواقع أي انتبه للعلم به ~~واعتقد صدقه، فالتواتر مما يقطع بصدقه وكذلك يقطع بصدق كل خبر عرف بالضرورة ~~وبصدق كل خبر عرف بالاستدلال، وبصدق خبر الله تعالى وبصدق خبر رسوله وبصدق ~~من أخبر الصادق بصدقه وبصدق الإجماع وبصدق خبر أخبر به عن قائله وهو حاضر ~~يسمع الخبر ولا ينكره، ولم يمنعه من الإنكار مانع وبصدق الخبر المستفيض ~~المتلقى بالقبول لكن وجوب تصديق ما ذكر من التواتر إنما هو متوقف على من ~~بلغه ذلك أما في زماننا فقد تعذر إدراك التواتر من غيره، وصارت الأخبار ~~كلها منزلة الآحاد لانقطاع الرواة إلا ما اجتمعت عليه الأمة أن هذا متواتر ~~أو أنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فحينئذ يجب تصديق الإجماع والقطع ~~بصدق الخبر، ولذا قال صاحب المرآة: المعتبر في تصحيح الأخبار وفي كونها ~~تواترا أو آحادا هو ما عليه السلف في الثلاثة القرون لا يوجب القطع به على ~~من هو في زماننا لأن كلا متعبد بعلمه ثم إن رواية أنه متواتر في تلك القرون ~~لا تكون غالبا إلا أحادية فينقلب المتواتر أحاديا فيكون مظنون الصدق، ~~والعقائد لا تنبني على ظن فلذا صح الخلاف في عذاب القبر. # ( PageV01P099 فإن قيل) فما وجه كلام الناظم في قوله واعتقدن صدقه؟ # (قلنا): إنه مبني على غير الوجوب أو على إرادة من بلغه ذلك التواتر ~~الموجب للصدق فلا إشكال. # (قوله ولا تحل) بضم المثناة الفوقية أي ولا تقل بإحالة تعذيب ميت ردا على ~~من قال إن تعذيب الميت خارج عن المعقول قالوا: إن قدرنا إمكانه في القبر ~~لإعادة الروح فيه فلا يمكن ذلك في كل ميت فأنا نشاهد من قتل فصلب بعد القتل ~~مدة طويلة حتى تنفى أجزاؤه فلا نرى أنها حدثت ms078 حياة يدرك بها العذاب، وكذلك ~~من أكلته السباع أو أحرق بالنار وأذري في الرياح، أنا نعلم ضرورة أن أجزاؤه ~~تفرقت وحياته مع تفرق أجزاؤه تعذرت. # (وأجيب) عن الأول: بأنه يحتمل أن يخلق فيه حياة لا ندركها نحن وعن ~~الثاني: أنه مبني على انه يشترط في الحياة وجود البنية بتمامها ونحن لا ~~نقول به لإمكان أن يخلق الله لكل جزء انفرد حياة يحس بها ألم العذاب (قوله ~~لوجوه يحتمل) أي يحتملها التعذيب وتلك الوجوه هي ما في الأجوبة التي ~~ذكرناها. # ---------------------------------------------------------------------- ~~------- # [1] هو جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي أبو عبدالله تابعي من فقهاء ~~الشيعة من أهل الكوفة، أثنى عليه بعض رجال الحديث واتهمه آخرون بالقول ~~بالرجعة، وكان واسع الرواية غزير العلم بالدين مات بالكوفة عام 128 ه. # راجه تهذيب التهذيب 2: 46 وفهرست الطوسي 45 وميزان الاعتدال 1: 176 وذيل ~~المذيل 98 # [2] سورة غافر آية رقم 46 # [3] سورة التوبة آية رقم 101 وقد جاءت الآية محرفة في المطبوعة حيث قال ~~(غليظ) بدلا من (عظيم) # [4] سورة غافر آية رقم 11 وتكملة الآية (فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج ~~من سبيل). # [5] الحديث رواه الإمام أحمد بن حنبل في المسند 3: 38 - حدثني أبي، ثنا ~~أبو عبد الرحمن، ثنا سعيد بن أبي أيوب. قال سمعت أبا السمح يقول سمعت أبا ~~الهيثم يقول، سمعت أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره. PageV01P100 # ورواه الدارمي في الرقاق 94، ورواه الترمذي في القيامة 36. # [6] سورة يس آية رقم 52 وتكملة الآية (هذا ما وعد الرحمن وصدق ~~المرسلون). # [7] سورة الروم آية رقم 55. # [8] سورة الدخان آية رقم 65 وتكملة الآية (ووقاهم عذاب الجحيم). # الكلام في الحساب # (أما الحساب فهو تمييز العمل= # خيرا وشرا ليراه من فعل) # (خص به مصر ليعلما = # أو فاسق ليكثر التندما) # (وما عداهما إلى الجنان= # بلى حساب أو إلى النيران) # (قوله أما الحساب) الخ هو لغة: العدد وفي الاصطلاح: ما أشار إليه المصنف ~~بقوله: هو تمييز العمل خيرا وشرا أي تبيين عمل الخير لصاحبه وتبيين المقبول ~~منه والمردود وتبيين مقدار ثوابه وتبيين عمل الشر لصاحبه وتبيين أنه مردود ~~عليه وتبيين ms079 مقدار عقابه. وعرف بعضهم بأنه: توقيف الله الناس على أعمالهم ~~خيرا كانت أو شرا قولا كانت أو فعلا تفصيلا بعد أخذهم كتبها. قال الباجوري: ~~وقد اختلف في المراد بتوقيف الله الناس على أعماهم فقيل المراد به إن يخلق ~~الله في قلوبهم علوما ضرورية بمقادير أعمالهم من الثواب والعقاب، وقيل ~~المراد به أن يوقفهم بين يديه ويؤتيهم كتب أعمالهم فيها سيئاتهم وحسناتهم ~~فيقول: هذه سيئاتكم وقد تجاوزت عنها، وهذه حسناتكم وقد ضاعفتها لكم، وهذا ~~القول نقل عن ابن عباس قال الباجوري: وفيه قصور لأن الحساب غير قاصر على ~~هذا المقدار وقد ورد أن الكافر ينكر فتشهد جوارحه وقيل المراد به أن يكلمهم ~~في شأن أعمالهم وكيفية ما لها من الثواب وما عليها من العقاب فيسمعهم كلامه ~~القديم. قال: وهذا هو الذي تشهد له الأحاديث الصحيحة ا. ه. # ( PageV01P101 أقول): وهذا الذي يرده النقل والعقل لأن القدم مختص به عز ~~وجل وكلامه الذاتي إنما هو وصفة توجب عدم الخرس لا حروف وأصوات مسموعة، فلو ~~قدرنا أن كلامه الذاتي كذلك للزم أن يكون مشابها لخلقه في وصفتهم بالكلامية ~~وهذا خلاف قوله تعالى ((ليس كمثله شيء))([1]) وقد تقدم في بيان الكلام ما ~~فيه غنى عن الإعادة، وأما القول المروي عن ابن عباس فمحتمل للإيقاف بين يدي ~~ملك من ملائكته يحاسبهم أو بين قدرته ونعمته، وما جاء به الكتاب من قوله ~~تعالى ((اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا ~~يكسبون))([2]) دليل على أن الحساب غير مقصور على نفس التبيين فقط بل معه ~~مكالمة ومخاطبة وشهادة، فيحمل على أن المحاسب للخلق هو خلق من خلق الله ~~تعالى خلقه لذلك وجعل له قدرة على محاسبة الخلق كلهم جنهم وإنسهم مؤمنهم ~~وكافرهم إلا من استثنى كما سيأتي، ويحتمل أن يخلق الله صوتا يسمعونه يكلمهم ~~به فيسألهم عن أعمالهم فيحاسب هذا حسابا يسيرا وهذا عسيرا، وهذا سرا وهذا ~~جهرا، هذا هو الذي ظهر لي بعد ما نظمت هذه القصيدة ولا بأس به على مذهب ~~أصحابنا فإنهم إنما ms080 فيسرون الحساب بالتبيين فقط فرارا عن التشبيه ولا تشبيه ~~في هذا. # (قوله خيرا وشرا) منصوبان على التمييز المحول عن مضاف تقديره تمييز خير ~~العمل وشره، أو على الحال من المضاف إليه لاقتضاء المضاف العمل أي تمييز ~~العمل في حال كونه خيرا وفي حال كونه شرا. # (قوله ليراه من فعل) أي ليعلمه من فعله (وفائدة) الحساب بيان مراتب ~~الكمال والنقصان، فيعلم المؤمن ما كتب له وما محي عنه فيشكر ويرى الفاسق ما ~~أثبت عليه فيفتضح. # (قوله خص به مقصر) الخ في القواعد أن الناس بالنسبة إلى الحساب ثلاثة ~~أقسام: قسم يحاسب وهو مؤمن مقصر وفاسق غير جاحد. وقسم يدخلون الجنة بغير ~~حساب وهم الموفون من المؤمنين. PageV01P102 # وقسم يدخلون النار بغير حساب وهم المشركون. فبنيت النظم على ما هنالك ثم ~~ظهر لي بعد ذلك خلافه بظاهر قوله تعالى ((زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل ~~بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم))([3]) فهذا صريح بأن منكري البعث ~~ينبؤن بأعمالهم وقوله تعالى ((وقفوهم إنهم مسؤولون))([4]) وفي السنة عن صلى ~~الله عليه وسلم ((يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا ليس عليهم حساب فقيل هلا ~~استزدت ربك فقال استزدت فزادني كل واحد من السبعين ألفا سبعين ألفا فقيل له ~~هلا استزدت ربك فقال استزدته فزادني ثلاث حثيات بيده الكريمة))([5]) أي ~~برحمته والثلاث الحثيات ثلاث دفعات قال القطب رحمه الله: وحيث ورد نفي ~~الحساب عن المؤمن فالمراد نفي المناقشة بعد أن قال ولا يسأل نبي أو مشرك ~~عمله شيئا فشيئا، وقيل يسأل المشرك ثم قال بعد ذلك هذا تحقيق المقام فدع ما ~~سواه، وتلخيصه أن سؤال شيئا فشيئا كائن لما عدا الأنبياء من مؤمن وفاسق، ~~والخلاف في المشرك (قوله ليعلما) إشارة إلى حكمة حساب المؤمن المقصر أي ~~ليعلم نعمة الله عليه حيث محا عنه سيئاته وأثبت له حسناته مضاعفة. # (قوله أو فاسق) أي فسق غير شرك على ما القواعد. # (قوله ليكثر التندما) أي التأسف على ما فرط في جنب الله وهي الحكمة في ~~حسابه (قوله وما ms081 عداهما) أي المؤمن المقصر والفاسق الغير المشرك. # (قوله إلى الجنان بلا حساب) وهم المؤمنون الموفون والجنان جمع جنة وهي ~~دار الثواب فيجب اعتقاد وجودها في الآخرة وأنها غير فانية وان أهلها غير ~~منتقلين عنها بفناء ونحوه، وأن لهم ما تشتهي أنفسهم وتلذ أعينهم. # ( PageV01P103 قوله أو إلى النيران) أي بلا حساب ففيه اكتفاء وهم ~~المشركون على ما في القواعد، والنيران جمع نار وهي دار العذاب في الآخرة ~~فيجب اعتقاد وجودها هنالك وأن أهلها العصاة أهل الكبائر الذين لم يتوبوا ~~منها وإنها لا تنفي، وإن أهلها مخلدون فيها فمن دخلها لا يخرج منها وإنما ~~جمع الجنان والنيران نظرا إلى تعددهما فالجنان ثمان، والنيران سبع أعلاها ~~جهنم، وتحتها لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية وباب كل ~~من داخل الأخرى على الاستواء وبين أعلاها وأسفلها خمس أو سبع مائة سنة، ~~وحرها هواء محرق ولا جمر لها سوى بني آدم، والأحجار المتخذة آلهة من دون ~~الله تعالى، والشياطين أيضا، وهذه النار التي في الدنيا ما أخرجها الله عز ~~وجل للناس من جهنم حتى غسلت في البحر مرتين ولولا ذلك لم يحصل الانتفاع بها ~~لأحد من شدة حرها، وكفى بها زاجرا عن عصيان الله تعالى الموجه غليها ا. ه. ~~من شرح الرائية للشيخ عبد العزيز([6]) رحمه الله تعالى. # ---------------------------------------------------------------------- ----- # [1] سورة الشورى آية رقم 11 وصدر الآية (فاطر السماوات والأرض وجعل لكم ~~من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه) # [2] سورة يس آية رقم 65 # قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبدالله بن أبي شيبة، حدثنا ~~منجاب بن الحارث التميمي حدثنا أبو عامر الأزدي حدثنا سفيان عن عبيد المكتب ~~عن الفضل بن عمرو عن الشعبي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه قال: كنا عند ~~النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه ثم قال: صلى الله عليه وسلم ~~أتدرون مما اضحك..؟ # قلنا: الله ورسوله أعلم؟؟ PageV01P104 # قال: صلى الله عليه وسلم من مجادلة العبد ربه يوم القيامة يقول رب ألم ~~تجرني ms082 من الظلم..؟ فيقول بلى، فيقول: لا أجيز علي إلا شاهدا من نفسي فيقول: ~~كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا، وبالكرام الكاتبين شهودا فيختم على فيه، ويقول ~~لأركانه أنطقي بعمله ثم يخلي بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكن وسحقا فعنكن ~~كنت أناضل وقد رواه مسلم والنسائي كلاهما عن أبي بكر أبي النضر عن أبي ~~النضر عن عبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي عن سفيان هو الثوري ثم قال ~~النسائي لا أعلم أحدا روى هذا الحديث عن سفيان غير الأشجعي وهو حديث غريب ~~والله تعالى اعلم. # [3] سورة التغابن آية رقم 7 # [4] سورة الصافات آية رقم 24 # [5] الحديث رواه ابن ماجة في الزهد 34 باب صفة امة محمد صلى الله عليه وسلم # 4286 - حدثنا هشام بن عمار، ثنا إسماعيل بن عياش ثنا محمد بن زياد ~~الألهاني قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم يقول وذكره. # ولفظه (وعدني ربي سبحانه أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ~~ولا عذاب مع كل ألف سبعون ألفا وثلاث حثيات من حثيات ربي عز وجل) # [6] هو الشيخ عبد العزيز بن الحاج بن إبراهيم الثميني ولد في يسجن بجنوب ~~الجزائر عام 1130 ه كان أحد أقطاب علماء الأباضية وإليه انتهت رئاسة العلم ~~له مؤلفات كثيرة توفي عام 1220 ه من مقدمة كتاب معالم الدين. # الكلام في خلق الجنة والنار # (والخلف هل قد خلقا وهو الأصح= # أو يخلقان بعد ما الفنا اتضح) # (والوقف عن تعييننا ذاك المحل= # أولى بنا إذ لا دليل ثم دل) # (وعدم التعيين ليس يقدح = # في قولنا أن الوجود أرجح) # (قوله والخلف هل قد خلقا) أي الآن والضمير عائد إلى الجنان والنيران وكان ~~مقتضى الظاهر أن يقول خلقتنا بتاء التأنيث فعدل عنه باعتبار كونهما محلين. # ( PageV01P105 اعلم) أن الأمة اختلفت في وجود الجنة والنار الآن فذهب ~~جمهورنا والأشاعرة وبعض المعتزلة إلى أنهما موجودان الآن، واستدلوا بقصة ~~آدم وحواء عليهما السلام وإسكانهما الجنة وإخراجهما منها بالزلة، وهذا دليل ~~لا يمكن الجواب عنه لنص محكم الكتاب به ولتواتره ms083 ضرورة حتى عند من جحد ~~النبوة، والقول بأن الجنة التي كانا فيها غير الجنة الموعود بها في الآخرة ~~تحكم من قائله إذ لا دليل عليه، والأخبار الصحيحة سالكة هذا المسلك فإن ~~كثيرا منها ما يدل على وجودهما الآن. # (واستدلوا) أيضا بقوله تعالى ((أعدت للمتقين))([1]) ((أعدت ~~للكافرين))([2]) بصيغة الماضي لكن يبحث فيه بأنه لا دلالة فيه على المطلوب ~~فقد قال تعالى ((ونفخ في الصور))([3]) ((وسيرت الجبال))([4]) ونحو ذلك. # (وذهب) جمهور المعتزلة وبعض أصحابنا كأبي المؤثر، وأبي سهل وابن أبي ~~نبهان إلى أنهما غير مخلوقين الآن، وإنما يخلقان يوم الجزاء (واستدلوا) ~~بقوله تعالى في حق الجنة ((أكلها دائم))([5]) بمعنى مأكولها دائم أي لا ~~ينقطع، مع قوله تعالى ((كل شيء هالك إلا وجهه))([6]) ((ويبقى وجه ربك ~~والجلال والإكرام))([7]) (قالوا): فلو كانت الجنة مخلوقة الآن لزم فناؤها ~~وهلاكها فلا تكون دائمة والنار مثلها إذ لا قائل بالفرق. # (وأجيب) عنه بأن دوام مأكولها إنما هو على سبيل البدل بمعنى أنه إذا فني ~~واحد جيء بآخر أي لا يتصور دوام مأكول واحد بعينه فلا تنافي (أو نقول): إن ~~فناءهما أن تتفرق أجزاؤهما وتبقى واتهما على ما هي فتكونان فانيتين صورة ~~باقيتين ذاتا (أو نقول): أن كون ذاتيهما قابلتين للفناء كاف في كونهما فان ~~ما أمكن فيه الفناء لذاته فان على الحقيقة ورفع الفناء عنه فعلا لعارض عرض ~~عليه من خارج لا يدفع ذلك الإمكان الذاتي. # ( PageV01P106 أقول): وهذا هو الجواب لأن الأول والثاني وإن أمكنا فهما ~~محتاجان إلى دليل يدل على أن ذات الجنة والنار فانية فعلا على الأول وأن ~~صورتهما دون ذاتهما فانية فعلا أيضا على الثاني (وبقوله) تعالى ((وجنة ~~عرضها السماوات والأرض))([8]) (قالوا) فلو كانتا موجودتين لزم تداخل ~~الأجسام لأن الآية صريحة في أن عرض الجنة هو عرض السماوات والأرض. # (والجواب) أن في الآية تشبيه العرض بالعرض مع حذف أداة التشبيه وهو من ~~أبلغ وجوه التشبيه ويدل عليه التصريح بها في آية أخرى كعرض السماوات والأرض ~~أيضا فلو كان العرض عين العرض لزم قيام العرض ms084 محلين مختلفين وهو باطل. # (قوله وهو الأصح) أي القول بخلقهما الآن هو الأصح لما في قصة آدم وحواء ~~وقد عرفت أنه لا يمكن الجواب عنها. # (قوله أو يخلفان) أي أو سيوجدان بعدما يقع الفناء لئلا يلزم فناؤهما ~~(قوله بعدما الفناء أتضح) أي بعد ما وقع وظهر وعبر بالاتضاح مكان الوقوع ~~نظرا للجاحدين للمعاد والتعريض بهم على أنهم في شك مريب وإنه سيتضح وينكشف ~~صدق الرسل بما وعدوا به واوعدوا (قوله والوقف عن تعييننا ذاك المحل الخ) أي ~~ووقوفنا عن تبيين محل الجنة والنار بعينه أي أنه في مكان كذا أو مكان كذا ~~أحق بنا لأنه محتاج إلى دليل ولا دليل يدل على ذلك ولا نعلم إلا ما أطلعنا ~~على علمه وأتى بالإشارة مع إمكان أن يأتي باين مكان ذاك لما في الإشارة من ~~إشارة لبعد المحل وتعظيمه وخفائه علينا إلا بالإشارة ممن أطلع عليه. # ( PageV01P107 اعلم) أن بعض العلماء القائلين بوجود الجنة والنار أخذوا ~~في تعيين محلهما فقال جمهورهم إن الجنة فوق السماء السابعة عند سدرة ~~المنتهى، وإن النار تحت الأرض السفلى وقال البيضاوي([9]) في قوله تعالى ~~((وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين))([10]): بمعنى هيئت لهم وفيه ~~دليل على أنها خارج هذا العلم ا. ه. ورأى السعد([11]) التوقف وحققه شارح ~~الرائية وهو الحق كما في النظم (قوله أولى بنا) أي أحق بنا لجهلنا بما غاب ~~عنا إلا إذا أطلعنا على علمه. # (قوله إذ لا دليل ثم دل) أي ليس هنالك دليل دل على تعيين المحل من كتاب ~~وسنة (لا يقال) أنه يلزم على هذا أي على كون الدليل معدوما أن يكون ~~القائلون بتعيينه قد تكلموا بلا علم فيكون طعنا عليهم. # (لأنا نقول): إن نفي الدليل إنما هو بحسب ما ظهر للناظم لا بالنظر إلى ما ~~في نفس الأمر، فإنه يحتمل أن يكون لهم دليل لن نطلع عليه نحن فهم محمولون ~~على حسن الظن وعلينا الوقوف عما لا نعلم. # (قوله وعد التعيين الخ) هذا جواب اعتراض مقدر وصورته يلزمكم على القول ~~بوجودهما ms085 الآن أن تعينوا محلهما كما عينه جمهور القائلين بذلك. # (وجوابه): لا يلزمنا ذلك لأنه لا علم لنا إلا بما علمنا وقد علمنا بأنهما ~~موجودتان وأبهم علينا محلهما. # (قوله ليس يقدح) القدح في النسب لغة: تنقيصه وعيبه وفي الاصطلاح: هو منع ~~الدليل أو إحدى مقدمتيه (قوله في قولنا) أي مقولنا بمعنى مذهبنا في ترجيح ~~الوجود (قوله إن الوجود) أي وجودهما الآن فأل عوض عن المضاف إليه (قوله ~~أرجح) أي أقوى عن القول بأنهما غير موجودتين الآن. # ---------------------------------------------------------------------- ~~-------- # [1] سورة آل عمران آية رقم 133 # [2] سورة البقرة آية رقم 24 وسورة أل عمران آية رقم 131 # [3] سورة الكهف آية رقم 99 # [4] سورة النبأ آية رقم 20 # [5] سورة الرعد آية رقم 35 # [6] سورة القصص آية رقم 88 # [7] سورة الرحمن آية رقم 27 # [ PageV01P108 8] سورة آل عمران آية رقم133 # [9] هو عبد الله بن عمر بن محمد بن علي الشيرازي أبو سعيد أو أبو الخير ~~ناصر الدين البيضاوي قاض، مفسر علامة، ولد في المدينة البيضاء بفارس قرب ~~شيراز، وولي قضاء شيراز مدة، وصرف على القضاء فرحل إلى تبريز فتوفي بها عام 685 ه. # من تصانيفه (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) يعرف بتفسير البيضاوي وطوالع ~~الأنوار، ومنهاج الوصول إلى علم الأصول، ولب اللباب في علم الأعراب، ونظام ~~التواريخ وغير ذلك كثير. # راجع البداية والنهاية 13: 309 والفهرس التمهيدي 205 و561 وبروكلمان في ~~دائرة المعارف الإسلامية 4: 418 وبغية الوعاة 286 ومفتاح السعادة 1: 436 ~~وطبقات السبكي 5: 59 # [10] سورة آل عمران آية رقم133 # [11] سبقت الترجمة له في كلمة وافية في الجزء الأول # الكلام في الكتب والحوض # (والكتب صحف حوت الأعمال = والحوض حق فاترك الجدال) # (يرده من أمة الرسول = من قد وفى بعهده المسؤول) # ( PageV01P109 قوله والكتب صحف حوت الأعمال) أي والكتب التي ذكرها الله ~~عز وجل في كتابه العزيز وعلى لسان نبيه الكريم، كالتي في قوله تعالى ((فأما ~~من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه)) إلى قوله ((وأما من أوتي ~~كتابه بشماله))([1]) ونحوها من الآيات كقوله ((ونخرج له يوم القيامة كتابا ~~يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا))([2]) هي صحف حاوية ~~لأعمال العباد خيرها وشرها لأمور عبر ms086 بها عن علم المرء عمله بدليل قوله ~~تعالى ((يلقاه منشورا))([3]) وقوله تعالى ((وإذا الصحف نشرت))([4]) فلا يصح ~~تأويلها بالمعاني الاعتبارية التي لا وجود لها في الخارج، والإيمان بوجودها ~~في الخارج واجب، ولا يلزمنا تعيين الصحف ما هي بل يكفي الإيمان بها إجمالا ~~كما ذكرها الله عز وجل وفي الحديث ((ما من مؤمن إلا وله كل يوم صحيفة فإذا ~~طويت وليس فيها استغفار طويت وهي سوداء مظلمة وإذا طويت وفيها استغفار طويت ~~ولها نور يتلألأ))([5]) قال الباجوري: والأحاديث صريحة الظواهر في أن كل ~~مكلف له صحيفة واحدة يوم القيامة، مع أنها كانت متعددة في الدنيا. PageV01P110 # وقد اختلف فقيل توصل صحف الأيام والليالي وقيل ينسخ م في جميعها في صحيفة ~~واحدة إلى أن قال: وظواهر الآيات والأحاديث شاهدة بعمومه لجميع الأمم نعم ~~الأنبياء لا يأخذون صحفا وكذا الملائكة لعصمتهم، ومن يدخل الجنة بغير حساب، ~~وقد ورد أن الريح تطيرها من خزانة تحت العرش فلا تخطي صحيفة عنق صاحبها، ~~وورد أيضا أن كل أحد يدعى فيعطى كتابه، فحصل التعارض بين الروايتين وجمع ~~بينهما أن الريح تطيرها أولا من الخزانة فتتعلق كل صحيفة بعمل صاحبها، ثم ~~تناديهم الملائكة فتأخذها من أعناقهم وتعطيها لهم في أيديهم والمؤمن المطيع ~~يأخذ كتابه بيمينه، والكافر يأخذه بشماله، من وراء ظهره ا. ه كلامه بتصرف ~~وجميع ما فيه محتمل للحق لكن لا يجب الإيمان به في حقنا تفصيلا هكذا، فإنها ~~وإن كانت فيه أحاديث فهي أحادية لا تواترية، نعم يجب الإيمان بأن المؤمن ~~يؤتى كتابه بيمينه وأن الفاسق يؤتى كتابه بشماله أو من وراء ظهره، لأنه ثبت ~~بنص الكتاب. (قوله والحوض حق) أي إعطاء الحوض لسيد المرسلين صلى الله عليه ~~وسلم في الآخرة حق وردت به الأحاديث المتواترة قال بعضهم أقول: وقد تلقتها ~~الأمة بالقبول قال ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ((حوضي ~~مسيرة شهر وزواياه سواء، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك وكيزانه ~~أكثر من نجوم السماء من شرب منه فلا يظمأ ms087 أبدا))([6]). PageV01P111 # وقد ورد تحديده بجهات مختلفة، ففي رواية لأحمد أن الحوض كما بين عدن ~~وعمان، وذلك نحو شهر وفي رواية للصحيحين ما بين صنعاء والمدينة وذلك نحو ~~شهرين، وفي رواية ما بين مكة وأيلة وذلك نحو شهر كالأولى وفي رواية لابن ~~ماجة ما بين المدينة إلى بيت القدس، وهو كالذي قبله قد تحدث المصطفى بحديث ~~الحوض مرات وذكر فيه تلك الألفاظ المختلفة، فكان يخاطب كل قوم بالجهة التي ~~يعرفونها، ولا تنافي من حيث تقدير المسافة بنحو شهر في بعض الروايات وبنحو ~~شهرين في بعض آخر لأن الله سبحانه وتعالى تفضل عليه باتساعه شيئا فشيئا، ~~فأخبر صلى الله عليه وسلم بالمسافة القصيرة أولا ثم أخبر بالمسافة الطويلة ~~والاعتماد على ما يدل على أطولها مسافة كم أشار إليه النووي([7]) ا. ه كلامه. # وهذه المسألة مما يسه جهله لمن لم يبلغه تواتر الأخبار، ويجوز التصديق ~~بخبر الواحد فيها لأنها من زيادة الفضائل لنبينا عليه الصلاة والسلام، ~~فالتصديق بها تصديق بمزيد فضيلة له ولذا قال المصنف: والحوض حق ولم يقل ~~والإيمان به واجب ولم يذكره مع المسائل التي يجب اعتقادها في أول الفصل. # (قوله فاترك الجدال) أي في حقيقته فإن الأخبار واردة به كما رأيت فإن ~~أنكرتها وهي في نفس الأمر مطابقة للواقع كنت منكرا لما هو حق في نفس الأمر ~~فالوقوف عن لم تصدق أولى من الإنكار وأسلم فإنها وإن كانت لا تقوم بها حجة ~~عليك فلا يصح تكذيبك لراويها، وهكذا يجب في كل حديث ورد وفيه محتمل للحق أن ~~لا يرد فإن قامت به حجة فذاك وإلا فأمر راويه إلى الله. # (قوله يرده) أي الحوض من أمة الرسول أي محمد صلى الله عليه وسلم. # ( PageV01P112 قوله من قد وفى بعهده المسؤول) أي عنه أي يرد الحوض من أمة ~~محمد صلى الله عليه وسلم من جاء موفيا بعهده الذي أخذه الله ورسوله، وهو ~~الطاعة فمن أوفى بها ورد الحوض ودخل الجنة بفضل الله تعالى ومن لا فلا ~~والمراد بالموفى بالعهد هو من مات على ms088 الطاعة مطلقا، أي سواء كان مطيعا ~~فيما مضى من عمره أم عاصيا وفي البيت تخصيص ورود الحوض بالموفين من أمة ~~محمد صلى الله عليه وسلم لما روي عنه عليه الصلاة والسلام ((ترد علي أمتي ~~الحوض وأنا أذود الناس عنه كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله فقال رجل: يا ~~نبي الله تعرفنا، قال: نعم لكم سيما ليست لأحد غيركم تردون علي غرا محجلين ~~من إثارة الوضوء وليصدن عني طائفة منكم فلا يصلون إلي فأقول يا رب هؤلاء من ~~أصحابي فيجيبني مالك فيقول وهل تدري ما أحثه بعدك..؟ ))([8]) الحديث وفي ~~رواية عنه عليه الصلاة والسلام: ((إني لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة ~~فبينما أنا قائم على الحوض إذا زمرة حتى إذا عرفتم خرج رجل بيني وبينهم ~~فقال: هلم فقلت: إلى أين..؟ فقال على النار والله فقلت ما شأنهم فقال: إنهم ~~ارتدوا على أدبارهم القهقرى ثم إذا زمرة أخرى حتى إذا عرفتم خرج رجل بيني ~~وبينهم فقال لهم: هلم قلت إلى أين..؟ قال: إلى النار والله قلت ما شأنهم..؟ ~~فقال إنهم ارتدوا على أدبارهم فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم))([9]) ~~يعني أن الناجي منهم قليل كضالة النعم بالنسبة إلى جملتهم، وقد ورد أن لكل ~~نبي حوضا ترده أمته، فعن الحسن مرفوعا ((إن لكل نبي حوضا وهو قائم على حوضه ~~وبيده عصا يدعو من عرفه من أمته إلا وأنهم يتباهون أيهم أكثر تبعا وإني ~~لأرجو أن أكون أكثرهم تبعا))([10]) وفي أثر حوضه صلى الله عليه وسلم أعرض ~~الحيضان وأكثرها واردا. # ---------------------------------------------------------------------- ----- # [1] سورة الحاقة آية رقم 19 و25 وتكملة الآية (_ فيقول يا ليتني لم أوت ~~كتابيه) # [ PageV01P113 2] سورة الإسراء آية رقم 13 # [3] سورة الإسراء آية رقم 13 # [4] سورة التكوير آية رقم 10 # [5] الحديث رواه ابن ماجة في كتاب الأدب 57 باب الاستغفار 3818 ثنا أبي ~~ثنا محمد بن عبد الرحمن بن عرف سمعت عبد الله بن بسر يقول قال النبيصلى ~~الله عليه وسلم وذكره # ولفظه (طوبي لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا) # وفي الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات. # [6] الحديث رواه الإمام ms089 البخاري في كتاب الرقاق 53 باب في الحوض وقول ~~الله تعالى (إن أعطيناك الكوثر) # 6579 - حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا نافع عن ابن عمر عن ابن أبي مليكة ~~قال: قال عبد الله بن عمرو قال النبي صلى الله عليه وسلم وذكره ورواه ~~الإمام مسلم في الطهارة 36، 38 والفضائل 27، 34، 35، 39، 41 ورواه الترمذي ~~في القيامة 14، 15 # ورواه ابن ماجة في كتاب الزهد 36 باب ذكر الحوض وعنده زيادة (وأول من ~~يرده فقراء المهاجرين الدنسي ثيابا والشعث رؤوسا الذين لا ينكحون المنعمات ~~ولا يفتح لهم السدد) # قال: (فبكى عمر حتى اخضلت لحيته ثم قال: لكني قد نكحت المنعمات وفتحت لي ~~السدد لا جرم إني لا أغسل ثوبي الذي على جسدي حتى يتسخ ولا أدهن راسي حتى يشعث) # [7] هو يحيى بن شرف بم مري بن حسن الخزامي الحوراني، النووي الشافعي أبو ~~زكريا، محيي الدين، علامة بالفقه والحديث مولده عام 631 ه في نوى من قرى ~~حوران بسورية وإليها نسبته وتوفي بها عام676 ه تعلم في دمشق وأقام بها زمنا طويلا # من كتبه: تهذيب الأسماء واللغات، ومنهاج الطالبين، والمنهاج في شرح صحيح ~~مسلم وغير ذلك كثير. # راجع طبقات الشافعية للسبكي 5: 165 والنجوم الزاهرة 7: 278 ومفتاح ~~السعادة 1: 398 التيمورية 3: 307. # [ PageV01P114 8] الحديث رواه ابن ماجة في كتاب الزهد 36 باب ذكر الحوض ~~4302 ثنا علي بن مسهر عن أبي مالك، سعد بن طارق عن ربعي عن حذيفة قال: قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره ورواه الإمام البخاري في كتاب الرقاق ~~53 باب ذكر الحوض وقول الله تعالى: (إنا أعطيناك الكوثر). # 6584، 6583 حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا محمد بن مطرف حدثني أبو حازم ~~عن سهل بن سعد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم وذكره. # [9] الحديث رواه البخاري في كتاب الرقاق 53 باب في الحوض وقول الله ~~تعالى: (إنا أعطيناك الكوثر) 6587 حدثنا محمد بن فليح حدثنا أبي قال: حدثني ~~هلال عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكره. # [10] الحديث رواه الإمام مسلم في كتاب الإيمان باب قول النبي صلى الله ~~عليه وسلم أنا أول ms090 الناس يشفع في الجنة وأنا أكثر الأنبياء تبعا # حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن مختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال: قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة الخ # ورواه ابن ماجة في كتاب الزهد 36 باب ذكر الحوض 4301 - ثنا زكريا ثنا ~~عطية عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وذكره ورواه ~~الإمام أحمد في المسند 2: 341، 451 (حلبي). # (الفصل الثاني: في الميزان والصراط) # (وإنما الميزان في الحسبان = # عدل وإنصاف من الرحمن) # (لا مثل قول ذي الخلاف إذ غدا= # يؤولنه كفة وأعمدا) # (وقوله الصراط فهو الحق لا= # جسر كما بعضهم تأولا) # (قوله وإنما الميزان) إلى آخره (اعلم) أنه ورد ذكر الوزن والميزان في ~~الكتاب والسنة فقال تعالى ((ونضع الموازين القسط ليوم القيامة))([1]) وقال ~~((فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا ~~أنفسهم في جهنم خالدين))([2]) وقال ((والوزن يومئذ الحق))([3]). # ( PageV01P115 واختلفت) الأمة في تأويله فذهب أصحابنا وجمهور المعتزلة ~~إلى أنه عبارة عن ثبوت السعادة لقوم والشقاوة لآخرين على سبيل الاستعارة ~~التمثيلية، حيث شبه ثبوت العمل الصالح بثقل الموازين والعمل السيئ بخفتها ~~على وجه لا يظلم أحد فيه شيئا، وهو معنى قول الناظم عدل وإنصاف، فإن من ثبت ~~له العمل الصالح لا ينقص منه شيئا ومن ثبت له العمل السيئ لا يزداد عليه ~~شيئا وذلك هو العدل والإنصاف، وهو معنى قوله تعالى ((والوزن يومئذ ~~الحق))([4]) ففسر الوزن بأنه الحق ونضع الموازين القسط فالقسط بدل من ~~الموازين لا صفة لها ويعضده قوله تعالى ((فلا نقيم لهم يوم القيامة ~~وزنا))([5]) فإنه دل على أن الكافر لا يقام له وزن يوم القيامة، فيلزم ~~القائل بثبوت الوزن الحقيقي أن يقول: أنه خاص بما عدا الكافر وهم لا يقولون بذلك. # (وذهبت) الأشاعرة إلى أن الميزان هو قصبة عمود وكتفان كل واحدة منهما ~~أوسع من طباق السماوات والأرض وجبريل آخذ بعموده ناظر إلى لسانه وميكائيل ~~أمين عليه ومحله عندهم بعد الحساب (ثم) اضطربت أقوالهم في ms091 الموزون فقال ~~بعضهم: هي الكتب بناء على أن الحسنات مميزة بكتاب والسيئات كذلك ويرد بأنكم ~~تزعمون أن الموزون أعمالهم والكتب محل بيان الأعمال لا عينها، ولا محلها. # (وذهب) آخرون إلى أن الموزون أجسام حسنة وقبيحة وذلك أن الأعمال الحسنة ~~تنقلب أجساما حسنة والأعمال القبيحة تنقلب أجساما قبيحة، ورد بأن هذا من ~~باب قلب الحقائق وهو ممتنع عقلا فمن المحال قلب الأعراض أجساما وأجيب بأن ~~المحال في ذلك متوقف على القسمة العقلية، فلا ينقلب الواجب مستحيلا ولا ~~العكس، وأما في ما عدا ذلك فلا استحالة والجواب أنه لم يصح أنه ستقلب ~~الأعراض أعيانا، والقول في ذلك بلا دليل تحكم. # (وذهب) آخرون إلى أن الموزون هي أنوار وظلمات ورد بأن النور والظلمة ليسا ~~بعمل العامل وهم يزعمون أن الموزون أعمالهم. # ( PageV01P116 وذهب) آخرون إلى أن الموزون العامل نفسه ويرد بأنه يحتاج ~~إلى شيء يوازنه في الكفة الأخرى فما هو؟ وبالجملة فهذه المسألة ليست من ~~المسائل الدينية التي لا يجوز الخلاف فيها فلا يخطي في دينه من قال بشيء في ~~لك مع تمسكه وأن بشبهة إذ لا دليل قاطع على رد قولهم اللهم إلا أن يخطئ من ~~خالفه فيها فيجب تضليله حينئذ لا بالخلاف فيها بل بتضليله من خالفه وهكذا ~~كل مسألة تحتمل الحق والباطل وعدم الدليل القاطع فيها، وإنما قلنا أن هذه ~~المسألة ليست دينية لقولهم برجحان العمل الصالح على السيئ في حق السعيد ~~وعكسه في حق الشقي، فيحتمل على قولهم أن يرجح العمل الواحد المختوم به سائر ~~الأعمال المتقدمة فليس هي من مسائل الإحباط الآتي بيانها آخر الكتاب. # (قوله في الحسبان) أي في الحساب يوم القيامة وفي بمعنى مع. # (قوله عدل وإنصاف) العدل: هو وضع الشيء في موضعه من غير اعتراض على فاعل، ~~والإنصاف معاملة الغير بالعدل والقسط، فهو تعالى يعامل خلقه بالعدل والقسط ~~ويضع لهم يوم القيامة موجب أعمالهم وضعا لا يظلم فيه أحدا فيعترض عليه ~~(قوله من الرحمن) متعلق بقوله عدل أو بقوله إنصاف على ما قيل في التنازع ~~(قوله ms092 لا مثل قول) خبر لمحذوف تقديره قولي لا مثل قول ذي الخلاف الخ أو صفة ~~لمصدر محذوف مع فعله تقديره لا أقول قولا مثل قول ذي الخلاف. # (قوله ذي الخلاف) بكسر الخاء المعجمة بمعنى المخالفة وذي بمعنى صاحب وفي ~~العبارة بذي الخلاف إشارة إلى أن المسألة ليست مما لا يسع جهله كما قدمنا ~~فلو كانت من مسائل الدين لعبر بالضلال مكان الخلاف. # ( PageV01P117 قوله إذ غدا) أي حين صار متعلق بقوله يؤولونه بنون التوكيد ~~الخفيفة خبر غدا لأنه بمعنى صار أي لا أقول مثل قول المخالف حيث صار يقول ~~كان الميزان كفتين وعمودا وأفرد الكفة وجمع الأعمدا مع أنهما كفتان وعمود ~~واحد تعبير بالمفرد عن المثنى وبالجمع عن المفرد على سبيل التجوز، وفائدته ~~بيان تعظيم العمود حيث جمعه وبيان تشابه الكفتين حتى كأنهما كفة واحدة ~~(قوله وقوله الصراط فهو الحق) أي الصراط المذكور في قوله تعالى ((أفمن يمشي ~~مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم))([6]) وفي الروايات ~~المروية عنه صلى الله عليه وسلم كالمروية عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: ~~((يوضع الصراط على سواء جهنم مثل الحد السيف المرهف مدحضة مزلة عليه كلاليب ~~من نار يختطف بها فمسك يهوي فيها ومصروع ومنهم من يمر كالبرق فلا ينشب ذلك ~~أن ينجو([7]) ثم يكون آخرهم إنسانا رجل قد لوحته النار ولقي فيها شرا ثم ~~يدخله الله الجنة بفضله وكرمه ورحمته))([8]) هو عبارة عن الحق المشروع وذكر ~~أصناف السالكين فيه تمثيل لرتب المكلفين كما صرح به الغزالي([9]) في ~~المضنون به على غير أهله وبين هنالك إنما بين الحق والباطل أحد من السيف ~~وأدق من الشعرة فالأشياء إما حق أو باطل. # ( PageV01P118 قوله لا جسر) بفتح الجيم وكسرها هو ما يعبر عليه (اعلم) أن ~~الأشعرية قالوا: إن الصراط جسر ممدود على متن جهنم أي ظهرها يرده الأولون ~~والآخرون حتى الكفار، وفيه طريقان يمنى ويسرى فأهل السعادة يسلك بهم ذات ~~اليمين، وأهل الشقاوة يسلك بهم ذات الشمال، وفيه طاقات كل طاقة تنفذ إلى ms093 ~~طبقة من طبقات جهنم، وطوله ثلاثة آلاف سنة ألف صعود، وألف هبوط، وألف ~~استواء، وهذا كله ممكن وليست المسألة من باب الدين فقد ذهب إلى مثل ما ~~ذهبوا إليه بعض أصحابنا منهم الشيخ هود بن محكم القاسم البرادي([10]) ~~والشيخ إسماعيل([11]) في القناطر وقطب الأئمة في الهيميان وجامع([12]) ~~الشمل ومعول الاستدلال القائلين بجسريته قوله تعالى ((فاستبقوا الصراط فأنى ~~يبصرون))([13])وقوله تعالى ((فأهدوهم إلى صراط الجحيم وقفوهم إنهم ~~مسؤولون))([14]) وأجيب بأن الصراط في الآيتين بمعنى الطريق ولا دلالة فيهما ~~على الجسر المذكور واستدلوا على ثبوت الجسرية بالأحاديث المروية وأجيب إنها ~~أحاديث آحادية لا توجب الأمور الإعتقادية والذي يظهر لي إبقاء الأحاديث على ~~أصلها من غير تعرض لردها على راويها وتفويض أمره إلى الله فمن صدقها من غير ~~قطع بفكر من خالفه فيها فقد أحسن ظنه بالراوي ولا بأس عليه إن شاء الله. # (قوله كما بعضهم تأولا) عبر بالبعض مع إن القائلين بالجسرية كثيرون نظرا ~~إلى القائل بها من أصحابنا فإنهم قليلون وعبر بالتأويل لأنه فيه صرف الصراط ~~عن ظاهره. # ---------------------------------------------------------------------- ~~--------- # [1] سورة الأنبياء آية رقم 47 # [2] سورة المؤمنون آية رقم 102 # [3] سورة الأعراف آية رقم 8 # [4] سورة الأعراف آية رقم 8 # [5] سورة الكهف آية رقم 105 # [6] سورة الملك آية رقم 22 # [7] ثم كالريح فلا ينشب ذلك أن ينجو ثم كجري الفرس ثم كسعي الرجل ثم ~~كرسل الرجل ثم كمشي الرجل # [ PageV01P119 8] هذا من كلام ابن مسعود رضي الله عنه كما قال ابن مسعود ~~وقد جاء عن البخاري 52 باب الصراط جسر جهنم 6573 بسنده عن أبي هريرة وهو ~~حديث طويل وفيه (ويضرب جسر جهنم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأكون ~~أول من يجيز) # [9] الغزالي: سبق الترجمة له في كلمة وافيه في الجزء الأول # [10] لم نعثر عليه على كثرة البحث والتقصي ونرجو الله أن يوفقنا إليه. # [11] هو الشيخ أبو طاهر إسماعيل بن موسى الجيطالي النفوسي الإمام البارع ~~أحد أعلام الفكر العربي وأكبر فطاحل الفقه في الإسلام، وأكبر الأئمة ~~الأعلام في زمانه قال في الطبقات: وهو حجة الإسلام الإمام أبو طاهر إسماعيل ~~بم ms094 موسى الجيطالي النفوسي. # كان من علماء الخمسين الثانية للقرن السابع والأول من القرن الثاني وأخذ ~~العلم عن أكبر علماء وقته أبي موسى عيسى بن عيسى الطربيسي المتوفي في سنة 722 ه. # راجع مقدمة قناطر الخيرات # [12] كتاب جامع الشمل في حديث خاتم الرسل تأليف العلامة الشيخ محمد بن ~~الحاجر يوسف أطفيش. # [13] سورة يس آية رقم 66 # [14] سورة الصافات آية رقم 23 - 24 وقد جاءت الآية الأولى محرفة في ~~المطبوعة حيث قال: إهدوهم بدلا من (فاهدوهم) # (الفصل الثالث: في الشفاعة) # وهي لغة الوسيلة والطلب وعرفا سؤال الخير من الغير للغير وشرعا طلب تعجيل ~~دخول الجنة أو زيادة درجة فيها من الرب عز وجل لعباده المؤمنين فتكون ~~للأنبياء وغيرهم ويختص نبينا عليه السلام منها بخصلة هي تقدمه إليها قبل كل ~~شافع فلا يفتح بابها إلا له ثم من بعده يشفع من شاء الله أن يشفع. قيل وهو ~~المحمود الذي في قوله تعالى ((عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا))([1]) أي ~~يحمدك فيه الأولون والآخرون حيث لم يجدوا قبلك شافعا. # ---------------------------------------------------------------------- ~~---------- # [1] سورة الإسراء آية رقم 79 # شفاعة الرسول للأتقياء من أمته # (شفاعة الرسول للتقي= # من الورى وليس للشقي) # ( PageV01P120 ومن يقل يغير ذا فقد كفر= # كفر نعيم إن تأول ظهر) # (وإن يكن بغير ذا تأول= # فذاك شرك أي أشد منزل) # (لأنه مخالف الكتاب = # وسنة الرسول والألباب) # (كليس للظلام من حميم= # ولا شفيع من لظى الجحيم) # (قوله شفاعة الرسول للتقي) أي شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ~~مقصورة على التقي من المكلفين، والتقي: هو من جانب المحرمات وأدى الواجبات ~~فلا شفاعة لغيره من الأشقياء لقوله تعالى ((ولا يشفعون إلا لمن ~~ارتضى))([1]) وقوله ((واتقوا يوم لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها ~~شفاعة))([2]) وقوله ((فما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع))([3]) وهذه ~~الآيات عامة كما رأيت ففي الأولى تصريح بأن الشفاعة مقصورة على من ارتضاه ~~الله، وفي الثالثة دليل على نفيها عن الظالم وهو اسم لكل من ظلم نفسه أو ~~ظلم غيره، فلا تخص المشركين كما زعموا، فإنها وإن كان سبب ms095 نزولها فيهم فلا ~~عبرة بخصوص السبب مع عموم اللفظ، ويعضد هذه الآيات ما سيأتي من الأدلة ~~القاطعة في تخليد أهل الكبائر فإنهم متى ما ثبت تخليدهم في النار بالقطعيات ~~الآتية انتفت عنهم الشفاعة في الموقف ضرورة، فإن من ثبتت له الشفاعة في ~~دخول الجنة لا يدخل النار فضلا من أن يخلد فيها، وخالفت الأشاعرة فيها ~~فأثبتوها لأهل الكبائر تعويلا على حديث رووه ((شفاعتي لأهل الكبائر من ~~أمتي))([4]) ويجاب بوجوه. # (أحداهما): إنه خبر واحد لا يعارض القطعي. # (وثانيها): إنه عارضته رواية مثلها ونصها ((لا تنال شفاعتي أهل الكبائر ~~من أمتي))([5]) فهذه بتلك على أن هذه قد عضدها الكتاب وتلك قد خالفته فوجب. ~~أما القول بوضع تلك الرواية كما ذهب إليه المحقق الخليلي رحمه الله قائلا ~~إنه لو كانت الشفاعة لأهل الكبائر لتقرب إليه المتقربون بالكبائر. # ( PageV01P121 وأما) القول بأنها معلقة بشرط دل عليه الكتاب وهو ما إذا ~~تابوا فإن من فعل كبيرة وتاب منها كان مستحقا لأن يشفع له غيره ولا يلزم من ~~هذا تخصيص الشفاعة بمن أتى الكبيرة ثم تاب منها دون من أوفى ي طول عمره ~~لتغليب من عصا فتاب على من لم يعص قط، والفائدة من تخصيصه بالذكر دفع ~~اياسهم من رحمة الله وتسهيل الطريق لهم ((قل يا عبادي الذين أسرفوا على ~~أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله))([6]). # (قوله من الورى) أي الخلق والمراد به المكلفون (قوله وليس للشقي) أي وليس ~~المذكور من الشفاعة للشقي: وهو من مات مصرا على كبيرة، وهذه الجملة تصريح ~~بالمفهوم من قوله شفاعة الرسول إلى آخره وإنما خص شفاعة الرسول صلى الله ~~عليه وسلم بالذكر دون شفاعة غيره لأن من لم تنفعه شفاعته لم تنفعه شفاعة ~~غيره بطريق الأولى. # (قوله ومن يقل بغير ذا) أي بغير القول الذي ذكرناه إنه كافر كفر نعمة إذا ~~كان متأولا في قوله لأن تأويله عاد إلى إبطال ما أثبته الله في كتابه، ~~والمتأول إنما يتأول قوله تعالى ((عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا))([7]) ~~وقوله تعالى ((ولسوف يعطيك ربك ms096 فترضى))([8]) والجواب أنه ليس في الآيتين ~~دليل على ثبوت الشفاعة أصلا فضلا عن أن يقال إنها ثابتة لأهل الكبائر، أما ~~الأولى ففيها ذكر البعث إنه في مقام محمود فلخصم هذا المتأول أن يتأول ذلك ~~المقام بغير الشفاعة تأوله هو بالشفاعة فيصار إلى الأدلة الخارجية، وكذلك ~~الآية الثانية وأيضا فالشفاعة معنى ولا يوصف المعنى بالإعطاء وإنما يوصف ~~بالجعل، بان يقال جعلت لك الشفاعة أو جعلت لك أن تشفع لمن شئت، وأيضا فسياق ~~الآية غير دال على أن المعطى هو الشفاعة لقوله ((وللآخرة خير لك من ~~الأولى))([9]) هذا على أنا لا ننكر ثبوت الشفاعة له صلى الله عليه وسلم ~~لإجماع الأمة على ثبوتها له، فنسأل الله أن يجزل لنا حظنا منها، وإنما قلنا ~~في الآيتين ذلك لتعلم أنه لا تعلق للقوم فيهما. # ( PageV01P122 فإن قيل) ليس للخلق أن يتكلموا فيما لا يعلمون ولا للأمة ~~أن يجتمعوا على مغيب عنهم. # (قلنا): أردنا بإجماعهم اتفاقهم على ثبوتها من لسان الرسول عليه السلام ~~فكل موافق وكل مخالف مقر بذلك لا لأنهم قالوا فيها من تلقاء أنفسهم (قوله ~~إن تأويل ظهر) أي إن ظهر تأول منه فتأول فاعل للفعل المحذوف يفسره الفعل ~~الظاهر ومتعلقه محذوف (قوله وإن يكن بغير ما تأول) أي وإن يكن القول بغير ~~تأول للكتاب العزيز فحكمه الشرك فما زائدة، واسم كان ضمير يعود إلى القول ~~المأخوذ من قوله، ومن يقل على حد قوله: # ولقد نزلت فلا تظني غيره= # مني بمنزلة المحب المكرم # أي فلا تظني غير نزولك واقعا مني الخ (قوله فذاك شرك) أي فذلك الكفر ~~المحكوم به عن القائل هنالك هو شرك هنا، لأن فيه مصادمة الكتاب العزيز، ~~وذلك إن اجتماع الآيات الدالة على نفي الشفاعة عن الظالم وقصرها على المرضي ~~مع الآيات الدالة على تعذيب أهل الكبائر قاطعة على نفي الشفاعة لأهل ~~الكبائر، فمن أثبتها لهم من غير تأويل كان رادا لهذه القواطع والراد لشيء ~~من الكتاب العزيز مشرك اتفاقا. # (قوله أي أشد منزل) هذا تفسير الشرك إن منزلة عند الله ms097 وعند العباد أشد ~~شرا من كفر النعمة وذلك إشارة لما فيه من الأحكام الآتي بيانها في الباب ~~السادس من الركن الثالث. # (قوله لأنه مخالف الكتاب) أي لأن ذلك القول مخالف للكتاب الذي هو القرآن ~~العظيم، والكتاب في الأصل، اسم لكل مكتوب، فصار بالتغليب علما على القرآن ~~والمراد بخلاف القرآن هنا خلاف بعضه، وهي الآيات الدالة على نفي الشفاعة عن ~~صاحب الكبيرة وعبر بالكل عن البعض تجوزا تنبيها على إن المراد للبعض من ~~القرآن في حكم الراد للكل وهكذا القول في رد السنة المتواترة. # ( PageV01P123 قوله وسنة الرسول) أي ومخالف لسنة الرسول فإنه صلى الله ~~عليه وسلم قال: ((لا تنال شفاعتي أهل الكبائر من أمتي)). وقال: ((ليست ~~الشفاعة لأهل الكبائر من أمتي)) وفي رواية جابر([10]) بن زيد رضي الله عنه ~~أنه لما نزلت ((وانذر عشيرتك الأقربين))([11]) جعل رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم يفخذ أفخاذ قريش فخذا فخذا حتى أتى على بني عبد المطلب فقال يا بني ~~عبد المطلب إن الله أمرني أن أنذركم ألا وإني لا أغني عنكم من الله شيئا ~~إلا وإن أوليائي منكم المتقون ألا لأعرفن ما جاء الناس غدا بالدين وجئتم ~~بالدنيا تحملونها على رقابكم يا فاطمة بنت محمد، ويا صفية عمة محمد، اشتريا ~~أنفسكما من الله فإني لا أغني عنكما([12]) من الله شيئا. # (قوله والألباب) أي العقول أي ذلك القول مخالف لأهل الألباب كما انه ~~مخالف للكتاب والسنة وذلك لأنهم مجمعون على نفي الشفاعة عن أهل الكبائر ولا ~~عبرة من خلاف من خالفهم في ذلك، وعبر بالألباب والمراد أهلها تنبيها على أن ~~لهم ألبابا كاملة حتى كأن جميع أجسادهم ألباب، ومن كان هذا شأنه في كمال ~~عقله فلا يخالف نصا صح معه. # (قوله كليس للظالم من حميم) أي قريب ينفعه، والظالم لغة من وضع الشيء في ~~غير موضعه، كمن وضع العبادة لغير مستحقها، أو استعمل جوارحه التي جعلها ~~الله له في غير ما خلقت لأجله أو أنفذ عمره الذي أمده الله به ليقدم فيه ~~لآخرته في غير ms098 طاعة الله تعالى، وشرعا: هو المتعدي عن الحق إلى الباطل، ~~وعلى كل الاصطلاحين فهو شامل للمشرك والفاسق (قوله ولا شفيع) أي يطاع كما ~~في الآية الكريمة والشفيع: هو طالب الخير من الغير للغير (قوله من لظى ~~الجحيم) أي من لهيبها متعلق بمحذوف أي يجيزه من ذلك. # ---------------------------------------------------------------------- ~~--------- # [1] سورة الأنبياء آية رقم 28 وتكملة الآية (وهم من خشيته مشفقون) # [2] سورة البقرة آية رقم 48 # [ PageV01P124 3] سورة غافر آية رقم 18 وقد جاءت الآية في المطبوعة ~~محرفة حيث قال (فمال الظالمين) وصوابها (مال) بدون الفاء # [4] الحديث رواه ابن ماجة في كتاب الزهد 37 باب ذكر الشفاعة 4310 ثنا ~~الوليد بن مسلم، ثنا زهير بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال: ~~سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره ورواه أبو داود في السنة 21، ~~والترمذي في القيامة 11 وأحمد بن حنبل في المسند 3: 213. # [5] لعل هذا الحديث ذكره الربيع بن حبيب في وسنده، والذي عند ابن ماجة ~~عن نعيم بن أبي هند، عن ربعي بن حراش عن أبي موسى الأشعري قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم (خيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة فاخترت ~~الشفاعة لأنها أعم وأكفى أترونها للمتقين..؟ لا. ولكنها للمذنبين والخطائين ~~المتلوثين) # في الوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات ورقمه عند ابن ماجة 4311 في كتاب ~~الزهد (37) باب ذكر الشفاعة. # [6] سورة الزمر آية رقم 53 # [7] سورة الإسراء آية رقم 79 # [8] سورة الضحى آية رقم 5 # [9] سورة الضحى آية رقم 4 # [10] هو جابر بن زيد الأزدي البصري، أبو الشعثاء، تابعي فقيه من الأئمة ~~من أهل البصرة، أصله من عمان، صحب ابن عباس، وكان من بحور العلم، وصفه ~~الشماخي (وهو من علماء الأباضية) بأنه أصل المذهب وأسه الذي قامت عليه ~~آطامه، نفاه الحجاج على عمان، وفي كتاب الزهد للإمام أحمد بن حنبل: لما مات ~~جابر بن زيد عام 93 ه قال قتادة: اليوم مات أعلم أهل العراق. # راجح السير للشماخي، 70 - 77 وذكره الحافظ 1: 67 وتهذيب التهذيب 2: 38 ~~وحلية الأولياء 3: 85 وحاشية الجامع الصحيح للسالمي 1: 7 والبداية والنهاية ~~9: 93 - 95. # [11] سورة الشعراء آية رقم 214 # [12] قال الإمام أحمد - حدثنا وكيع ms099، حدثنا هشام عن أبيه، عن عائشة قالت: ~~لما نزلت (وانذر عشيرتك الأقربين) قام رسوا الله صلى الله عليه وسلم فقال: وذكره. PageV01P125 # انفرد بإخراجه مسلم، ورواه أيضا مسلم والترمذي من حديث عبد الملك بن عمير ~~به وقال الترمذي: غريب من هذا الوجه، ورواه النسائي من حديث موسى بن طلحة ~~مرسلا ولم يذكر فيه أبت هريرة، والموصول هو الصحيح وأخرجاه في الصحيحين من ~~حديث الزهري عن سعيد ابن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة. # الفصل الرابع في الخلود في الجنة والنار # والناس فيه على مذاهب إحداها([1]) وهو قول الأشعرية أن أهل الشرك مخلدون ~~في النار. وأهل الكبائر مما عدا الشرك # إما أن يعفى عنهم فلا يدخلونها، وإما أن يعذبوا بقدر أعمالهم ثم يخرجون منها. # (المذهب الثاني): أن أهل النار مشركهم وفاسقهم غير مخلدين فيها ونسب هذا ~~إلى طائفة خرجت عن الإسلام. # (المذهب الثالث): إن أهل الكبائر غير معذبين قطعا وإنما العذاب لأهل ~~الشرك خاصة ونسب هذا إلى مقاتل([2]) وبعض المفسرين. # (المذهب الرابع): أن الجنة والنار فانيتان بعد دخول أهل كل واحد منهما ~~فيها ونسب هذا القول إلى جهم([3]) بن صفوان. # (المذهب الخامس): وهو مذهب أهل الاستقامة والمعتزلة أن أهل الكبائر من ~~معاصي الله كانوا مشركين أو فاسقين مخلدون في النار دائما وأهل الطاعة ~~مخلدون في الجنة دائما، لكن أهل الاستقامة يقولون إن التعذيب بعدل الله ~~والثواب بفضله، والمعتزلة يقولون بوجوب ذلك عليه تعالى عن ذلك بناء على ~~أصلهم الفاسد في التحسين والتقبيح العقليين، وقد تقدم الجواب عنه فها نحن ~~نشرع الآن في بيان مذهب أهل الاستقامة وبيان حكم من خالفهم في ذلك من أهل ~~تلك المذاهب كلها. # (ومن عصى ولم يتب يخلد= # في النار دائما بهذا نشهد) # ( PageV01P126 قوله ومن عصى ولم يتب) الخ هذا بيان مذهب أهل الاستقامة، ~~أي من عصى بكبيرة ولم يتب منها حتى مات عليها فهو مخلد في النار دائما نشهد ~~بذلك لأخبار الله إيانا به، كما في قوله تعالى ((ومن يعص الله ورسوله فإن ~~له ms100 نار جهنم خالدين فيها أبدا))([4])واعترض بأن المراد من عصى الله ورسوله ~~في التوحيد، وأجيب: بأن اللفظ عام ولا مخصص وقوله تعالى ((بلى من كسب سيئة ~~وأحاطت به خطيئة فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون))([5]). # (واعترض) بأننا لا نسلم أن صاحب الكبيرة أحاطت به خطيئة من كل جانب، لأن ~~له حسنات لا يظلم إياها (ويجاب) بأنه أحبط حسناته بإصراره على الكبيرة فلم ~~يظلم شيئا، لأنه قد أخبر إنما يتقبل الله من المتقين ولا شك أن صاحب ~~الكبيرة ليس بمتق فلم يتقبل شيئا من حسناته مع إصراره على الكبيرة، ولا ~~قبله إذا مات عليه. # (وقوله) تعالى: ((وما يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها))([6]) ~~(واعترض) بأن المراد من قتل مؤمنا على إيمانه ولا يقتل مؤمنا على إيمانه ~~إلا مشرك. # (ويجاب) أن سياق هذه الآية ينفي هذا التعليل لأنه ذكر أولا حكم قاتل ~~المؤمن خطأ ثم ذكر حكم قاتله عمدا، والمحكوم عليه في كلا الموضوعين واحد ~~(وقوله) تعالى ((إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم ~~الدين وما هم عنها بغائبين))([7]) فلو كانوا يخرجون منها لزم أن يغيبوا ~~عنها والفجور شامل للشرك وغيره. # (وأعترض) بأن المراد بالفجار هنا الكاملون في الفجور كما في ((أولئك هم ~~الكفرة الفجرة))([8]). # (ويجاب) بأنه خلاف ظاهر من غير دليل (وقوله) تعالى ((أم حسب الذين ~~أجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين عملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ~~ما يحكمون))([9]). # (واعترض) عليه بوجهين. # (إحداهما): إن المراد بمجترحي السيئات هم المشركون. # (ويجاب): إنه لا عبرة بخصوص السبب مع عموم اللفظ. # ( PageV01P127 وثانيهما): إنه ليس في الآية دليل إلا على نفي مساواتهم ~~للمؤمنين في المحيا والممات ونحن نقول إن من عذب وأخرج ليس كما لم يعذب أصلا. # (ويجاب): بأن التسوية بينهما منفية مطلقا فمن دخل الجنة من مكتسبي ~~السيئات كان يومئذ كالذين آمنوا (وقوله) ((والذين لا يدعون مع الله إلها ~~آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق ~~آثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ms101 ويخلد فيه مهانا إلا من تاب))([10]) ففي ~~هذه الآية التصريح بأن قتل النفس المحرم قتلها بغير حق يوجب التخليد، ~~والزنا كذلك، كما أن منت يدعو مع الله إلها آخر يخلد (ويعترض) عليه بوجهين. # (إحداهما): إنه قال ومن يفعل ذلك ولم يقل ومن يفعل شيئا من ذلك فظاهرها ~~من فعل الشرك والقتل الزنا يخلد. # (ويجاب): بأنه قد أجمعت الأمة وأنتم معهم بأن الشرك بالله تعالى موجب ~~للتخليد في النار، واعتراضكم هذا يبطل ذلك الإجماع لأنه يستلزم إن المشرك ~~لا يخلد إلا إذا قتل النفس الحرام وزنا، وإذا ثبت أن المشرك مخلد ولو لم ~~يقتل ويزني فما فائدة ذكر القتل والزنا في الآية إلا ليبني عليهما حكم ~~التخلد..؟ كما أن الشرك لو انفرد صاحبه مخلد كذلك القتل المحرم والزنا فلو ~~انفرد كل واحد منهما خلد فاعله في النار إلا إن تاب (وثانيهما): لا دليل ~~لكم في الآية على التخليد الأبدي فلم لا يجوز أن يطلق التخليد على طول ~~المكث من غير تأبيد. # ( PageV01P128 ويجاب) بأن هذا الخلاف الظاهر بغير دليل وأيضا فهذا ~~التخليد المذكور شامل للمشرك أيضا فيلزم أن يكون تخليده أيضا غير أبدي (لا ~~يقال) إن اللفظ الواحدة تستعمل ويراد بها معنياها الحقيقيان إن كانت مشركا ~~أو الحقيقي والمجازي إن كانت غير مشترك، أو المجازيان فنحمل الخلود هنا على ~~الخلود الأبدي في حق المشرك، وعلى طول المكث في حق القاتل والزاني (لأنا ~~نقول) لا نسلم جواز استعمال الكلمة في معنييها المذكورين مع إرادتهما معا ~~في حال واحد، ولو سلمنا ذلك لقلنا إن ذلك الجواز ليس بلغوي والرب تعالى ~~خاطبنا بلغتنا ولو سلمنا إنه لغوي لقلنا إن استعمالها في معنييها مجاز ~~محتاج إلى قرينة ولا قرينة. # (فإن قيل) إن القرينة قوله تعالى في حق المشركين ((ومن يعص الله ورسوله ~~فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا))([11]) # (قلنا) إن هذه الآية عامة للمعاصي مطلقا فلا تخص المشرك دون الفاسق، وقد ~~اجتمعت الأمة قبل ظهور المخالف وبعده على الأخذ بهذه النصوص القرآنية مع ما ~~يعضدها ms102 من الأحاديث النبوية التي بلغت في تعدد طرقها مبلغ التواتر، وإن لم ~~يتواتر لفظها فالقدر الذي تواطت عليه متواتر وقد تلقنها الأمة كلها ~~بالقبول، كحديث: ((من قتل نفسه بحديده))([12]) وحديث ((لا يجد ريح ~~الجنة))([13]) ونحوهما لكن تأولوها بمن فعل ذلك مستحلا لفعله فيكون ~~باستحلاله ما حرم الله مشركا، وهذا التأويل صارف لتلك الأحاديث عن نصوصها ~~وزائد فيها ما لم يكن منها وليت شعري ما الذي حملهم على الدخول في هذا ~~المضيق..؟ PageV01P129 # فإن خبر الخروج من النار إنما هو خبر أحاد لا يعارض القطعيات ولا يثبت به ~~العلم في الأمور الاعتقاديات وربما وقع في رجاله جهالة، والخبر المجهول ~~راويه لا يعمل به في الظنيات فضلا من أن يعول عليه في القطعيان وسيأتي ~~قريبا بطلان تعلقهم بقوله تعالى ((إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ~~ذلك لمن يشاء))([14]) (قوله يخلد في النار دائما) أي يقيم فيها إقامة لا ~~انقطاع لها وجملة يخلد خبر من أن قلنا أنها موصولة وفعل بخلد جواب الشرط إن ~~قلنا إنها شرطية، ورفع لكون فعل الشرط ماضيا لم تؤثر فيه أداة الشرط وإذا ~~لم تؤثر في فعل الشرط الذي هو قريب منها فأولى أن لا تؤثر في فعل الجزاء ~~الذي هو بعيد عنها، وذهب قوم إلى أنه خبر لمبتدأ محذوف مع الفاء الرابطة ~~تقديره فهو يخلد. وذهب آخرون إلى أن الجزاء محذوف وهذا دليله على حد ما قيل ~~في قول الشاعر: # وإن أتاه خليل يوم مسغبة = # يقول لا غائب مالي ولا حرم # (لا يقال) إن في كلام المصنف شمول حكم التخليد لكل من فعل معصية ولم يتب ~~منها، فيدخل تحته فاعل الصغيرة، والكتاب العزيز مصرح بأنها تغفر باجتناب ~~الكبائر من غير توبة تخصها (لأنا نقول) إن كلام المصنف محمول على فاعل ~~الكبيرة خاصة لأنه سيأتي له في باب الصغائر والكبائر ما نصه: # والحكم للراكب ذنبا صغرا= # إسلامه حتى يرى مستكبرا # فاجعل هذا البيت قيدا لما هنا فيندفع الإشكال (قوله بهذا نشهد) أي نعلمه ~~ونقطع به ms103 إنه كذلك. # (وكافر بنعمة من فرقنا = ما بين ذي شرك ومن قد فسقا) # (أعني لدى الخلود والفرق نشا = # لدى منازل العذاب وفشا) # ( PageV01P130 قوله وكافر بنعمة من فرقنا) الخ هذا بيان حكم من نفى ~~العذاب عن الفاسق مطلقا وحكم من نفى عنه التخليد، أي من فرق بين المشرك ~~والفاسق في الخلود في النار بأن قال: يخلد أحدهما دون الآخر فهو كافر كفر ~~نعمة وهو المخصوص باسم الفسق عند المعتزلة، ويدخل تحته حكم من قال إن صاحب ~~الكبيرة لا يعذب لا يدخل الجنة مع السعداء، وفيه إغراء بمعصية الله تعالى ~~فإن من علم أنه أتى الكبيرة لا يعذب سارع في إتيانها وفيه أيضا تعطيل للحكم ~~الشرعي، وهو تحريم الكبيرة فإن ما لا يعاقب على فعلبه ليس بمحرم فأين هو من ~~قوله تعالى ((ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا إن الذين ~~يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون ~~سعيرا))([15]) وقوله: ((ومن يقتل مؤمنا متعمدا))([16]) الآية وأمثالها ~~وإنما قلنا إن هذا كافر نعمة ولم نحكم بشركه مع ما خالف من تلك النصوص لأنه ~~يتأولها بنحو قوله تعالى ((فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي ~~كذب وتولى))([17]) قال فقد قصر الرب تعالى النار على من كذب وتولى والفاسق ~~لم يكذب. # (وجوابه): إن هذا القصر إضافي لا حقيقي فإنه إنما قصرها على من كذب وتولى ~~بالنظر إلى انقسام الناس يوم نزولها إلى مكذب ومصدق ليفيد الترغيب في ~~التصديق والترهيب في التكذيب. # (وجواب) آخر إن قصر اصلاء النار إنما هو على الشقي، وهو اسم شامل للمشرك ~~والفاسق وما بعد الشقي فهو وصف له لم يتناوله القصر لكن فهم منه على سبيل ~~مفهوم الصفة، وقد عرفت أن مفهوم الصفة دليل ظني اختلف في وجوب العمل به ~~فضلا من أن يثبت به العلن الاعتقادي. # ( PageV01P131 وجواب) آخر لأبي طاهر إن النار أبواب فالقصر إنما هو لباب ~~منها فلا ينافي تعذيبهم في باب آخر وإذا ثبتت هذه الاحتمالات قطعنا أن ~~المراد بالآية غير ظاهرها ms104 لثبوت القاطع بخلافه (وقوله تعالى) ((إنا قد أوحي ~~إلينا أن العذاب على من كذب وتولى))([18]) (وجوابه) ليس في الآية قصر ~~العذاب على المكذب المتولي وإنما فيه إخبار عنه أنه معذب وخص بالذكر في ~~الآية لاقتضاء المقام ذلك فإنه في خطاب فرعون لعنه الله فلو قال إن العذاب ~~على من كذب أو فعل كبيرة مع التصديق لم يناسب المقام (وقوله تعالى) ~~((فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين))([19]) وصح ~~استدلاله بها لأنه يخص اسم الكافر بالمشرك (وجوابه) لا نسلم تخصيصه به فإن ~~الفاسق كافر كفر نعمة كما سيأتي بيانه إن شاء الله في محله. ولو سلمنا ~~اختصاص اسم الكافر بالمشرك لقلنا إن جوابها كجواب التي قبلها. # (أما القائلون) بأن صاحب الكبيرة غير مخلد وإن عذب فإنهم يقولون هو في ~~مشيئة الله إن شاء غفر له وعفا عنه بلا تعذيب وإن شاء شفع فيه من شاء وإن ~~شاء عذبه في ناره بقدر عمله أو إلى ما شاء الله من المدة، ثم يقطعون بخروجه ~~منها ويتأولون في ذلك آيات (منها) قوله تعالى ((لابثين فيها أحقابا))([20]) ~~والأحقاب جمع حقب وهو ثمانون سنة وأكثر جمع القلة عشرة فتكون الثمانون عشر مرات. # (وجوابه) أن الآية في المشركين خاصة لقوله تعالى ((إنهم كانوا لا يرجون ~~حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا))([21]) فيلزمكم عدم تخليد أهل الشرك وأنتم لا ~~تقولون به والكتاب يرده فوجب حمل الأحقاب على عدم الغاية، أي مدة غير ~~متناهية (ومنها) قوله ((فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة ~~شرا يره))([22]) (قالوا) فالآية دالة على أن من عمل خيرا رآه ومن عمل شرا رآه. # ( PageV01P132 قلنا): إن حملتموها على ظاهرها لم تفد إلا العلم بعلمهم ى ~~الجزاء عليه فالله عز وجل يري الكافر عمله لا لينتفع به بل ليكون حسرة عليه ~~كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار وإن حملتموها ~~على رؤية جزاء الأعمال وجب دخول المشرك فيهم وأنتم لا تقولون به (فإن قيل) ~~إن المشرك خرج بدليل آخر دل ms105 على إحباط عمله (قلنا) وكذلك الفاسق دل الدليل ~~على أن عمله غير مقبول إنما يتقبل الله من المتقين فوجب حمل الرؤية في ~~الآية على العلم بالأعمال لا علو وجود جزائها. # (ومنها) قوله تعالى ((من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة ~~فلا يجزى إلا مثلها))([23]) مع قوله تعالى ((وما ربك بظلام للعبيد))([24]) ~~((لا أضيع عمل عامل منكم))([25]). # (وجوابه) أن الحسنة المضاعفة هي حسنة المؤمن لقوله تعالى ((من جاء ~~بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون))([26]) ولا شك أنه لا يأمن ~~من فزع ذلك اليوم إلا المؤمن ومن لا تقبل حسناته لفسقه فهو الظالم لنفسه، ~~والمضيع لعمله فلم يظلمه الله ولم يضيع عمله (ومنها) قوله تعالى ((إن الله ~~لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء))([27]) مع قوله تعالى ((قل ~~يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر ~~الذنوب جميعا))([28]) (قالوا) ففي هذه الآية دليل على أن جميع الذنوب ~~مغفورة ثم أخرج من جميعها الشرك بقوله لا يغفر أن يشرك به فبقي ما عدا ~~الشرك من الكبائر في المشيئة لقوله ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. # ( PageV01P133 قلنا): عن في الآية الثانية غفران الذنوب كلها فأخرج الشرك ~~على زعمكم فوجب أن تقولوا إن ما عدا الشرك مغفور فصاحب الكبيرة مغفور له ~~قطعا فينتقض مذهبكم ولا ينفعكم. قوله لمن يشاء فإنه قد علق بالمشيئة أشياء ~~قطعتم بثبوتها فقد قال تعالى ((ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب ~~عليهم))([29]) وأنتم تخصون اسم المنافق بمن أخفى الشرك وأظهر الإسلام ~~وجزمتم بتعذيبهم وتخليدهم في النار وقال تعالى ((وقالت اليهود والنصارى نحن ~~أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن ~~يشاء ويعذب من يشاء))([30]) وقد قطعتم بتعذيب اليهود والنصارى وتخليدهم فما ~~بالكم لا تعلقون تعذيبهم على المشيئة (فإن قيل) إن الله أخبرنا بقوله (إن ~~الله لا يغفر أن يشرك به) أن المشركين لا يغفر لهم فبقي من عداهم في ~~المشيئة ms106. # (قلنا): إن أردتم بالشرك اللغوي فلا يشمل جميع اليهود والنصارى فإن منهم ~~الموحد لغة والقرآن نزل على لغة العرب لا على الاصطلاح الثاني. (وإن قلتم) ~~إن اسم الشرك وضعه الشرع لكل من أشرك أو كذب رسولا أو أنكر كتابا، والآية ~~على هذا الوضع فخرج اليهود والنصارى من المشركين مع من خرج. # (قلنا) وكذلك أيضا الفاسق قد خص بآيات أخر تدل على القطع بتعذيبه كما في ~~آكل مال اليتيم ظلما وقاتل المؤمن عمدا ونحوهما، فظهر أن المغفور له وهو ~~التائب وهو الذي شاء الله أن يغفر له، لخروج المشركين بأدلة وأهل الكبائر ~~بأدلة أخرى (فإن قيل) إن المشرك والفاسق مغفور لهما بالتوبة أيضا فما فائدة ~~قوله ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء..؟ # (قلنا): فائدته التنبيه على أن ليس كل تائب مقبولة توبته، وإنما يقبل ~~الله توبة من يشاء أن يغفر له (وإن قيل) وعد الغفران بوجود التوبة فمهما ~~وجدت وجب قبولها لأن وعده الحق. # ( PageV01P134 قلنا) نعم إن وعده حق وإن التوبة النصوح مقبولة عنده لا ~~بوجوب عليه بل بتفضيل منه فإن نفس الوعد بها تفضل وقطعنا باستحال كذبه لكن ~~للتوبة المقبولة شروط فمن شاء أن يغفر له وقفه على تلك الشروط فوفى بها ~~فهذه فائدة التعليق بالمشيئة لا ما زعمتموه، وأما فائدة الإطلاق في نفي ~~غفران الشرك في الآية مع أنه مغفور بالتوبة في آيات أخر فهي لتعظين كبيرة ~~الشرك على كبائر الفسق، وتهويل شأنه حتى ينفر عنه السامع فلا يحوم حول حماه. # (ومنها) قوله تعالى في أهل النار ((وأما الذي شقوا ففي النار خالدين فيها ~~ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك))([31]) قالوا: فالاستثناء في ~~الآية دليل على أن الخلود غير أبدي وإلا فما معناه..؟ (أجيب) بأنه لا دلالة ~~في الاستثناء على الخروج منها فإنه يصح أن تكون المدة المستثناة هي ما بين ~~خروج أرواحهم إلى وقت دخولهم فيها، كما نقول نقعد غدا كلها مع زيد إلا مدة ~~نصنع فيها كذا، فيصح أن تكون تلك المدة المستثناة قبل القعود ms107 مع زيد وذلك ~~أن الله أوعد الأشقياء بالخلود في النار في الدار الآخرة، وأن من مات فقد ~~حضرت آخرته وقامت قيامته بناء على القول بأنه ليس بين الدنيا والآخرة مدة، ~~فصح استثناء وقت ما قبل الدخول ويحتمل أن يكون الاستثناء لوقت أراده الله ~~فيه تعذيبهم بغير النار كالزمهرير وهو زاد في النار إذا أدخل فيه الشقي ~~استغاث منه إلى النار، وفائدة إدخالهم فيه تنويع عذابهم فهم خالدون فيها ~~بالنظر إلى أنه وارد فيها وجزء منها ومخرجون منها بالنظر إلى أن نوع عذابه ~~يخالف نوع عذابها، أيضا فلو قيل أن الاستثناء دال على خروجهم منها للزم عدم ~~تخليد الفاسق والمشرك فإن اسم الشقي شامل لهم والاستثناء وارد على خلودهم ~~جميعا، وأيضا فهذا الاستثناء بعينه حاء في تخليد السعداء فيلزمكم أيضا عدم ~~تخليدهم في الجنة. # ( PageV01P135 لا يقال): إنه قال في حق أهل الجنة ((عطاء غير ~~مجذوذ))([32]) أي غير مقطوع ولم يكر في آية الأشقياء ما يدل على عدم انقطاع ~~تعذيبهم فيدل ذلك على تخليد أهل الجنة دونهم (لأنا نقول) إن كلامنا في ~~الاستثناء لأنكم استدللتم به على خروج أهل النار فبينا لكم أنه لا تعلق لكم ~~به فلو كان لكم به تعلق للزم تناقض آية السعداء حيث كان الاستثناء فيها ~~دالا على خروجهم، وقوله: عطاء غير مجذوذ دال على غير ذلك أو تقولوا ما قلناه. # (ومنها) قوله تعالى ((وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ~~عسى الله أن يتوب عليهم))([33]) # (قالوا): فعسى من الله واجب إجماعا. # (وأجيب) بأنه وعد المعترفين بأن يتوب عليهم والمعترفون هم التائبون فإنهم ~~إن فعلوا عملا صالحا ثم سيئا ثم اعترفوا بسيئتهم كانوا تائبين، فغن لم ~~يرجعوا عنها فليسوا بمعترفين فلو قدرنا أنهم لم يتوبوا منها وجاريناكم على ~~ما أنتم عليه للزم أن تقطعوا بالغفران لهم لأن عسى من الله واجب إذ لا يصدر ~~منه الشك وأنتم تزعمون أنهم في المشيئة وترجون لهم الغفران (وإن قيل) إن ~~عسى في الآية للرجاء كما هي في أصل اللغة وإن ms108 الرب تعالى خاطب الناس على ~~لغتهم مع علمه بما يؤول إليه أمرهم وأبهم الأمر عليهم لنكتة. # (قلنا): وعلى هذا المعنى فلا تعلق بكم بها أيضا فإنه متى كانت عسى للرجاء ~~علمنا أنهم لم يوعدوا بل رجوا فنقول إن ذلك الرجاء معلق بما إذا تابوا ~~(قوله مابين ذي شرك ومن قد فسقا) أي كافر بنعمة من فرق بين ي شرك أي صاحب ~~شرك ومن فسق، فما زائدة وبين ظرف مبهم لا يتبين معناه إلا بإضافته إلى ~~اثنين فصاعدا أو ما يقوم مقام ذلك كقوله تعالى ((عوان بين ذلك))([34]) ~~PageV01P136 والمشهور في العطف بعدها أن يكون بالواو لأنها للجمع المطلق، ~~نحو المال بين زيد وعمرو، وأجاز بعضهم بالفاء مستدلا بقول امرئ ~~القيس([35]): (بين الدخول فحومل) وأجيب بأن الدخول اسم لمواضع شتى فهو ~~لمنزلة قولك المال بين القوم وبها يتم المعنى ا. ه مصباح (قوله أعني لدى ~~الخلود) أي أقصد بذلك الحكم من فرق بين المشرك والفاسق في الخلود لا في ~~منازل العذاب فإنهم متفاوتون في ذلك وفي الخلود مشتركون وللمفرقين بينهم في ~~الخلود أعاجيب. # (منها) أن قالوا إن العصاة إذا دخلوا النار يموتون بعد الدخول بساعة علم ~~الله مقدارها ثم اختلفوا في كيفية ذلك الموت فقال بعضهم: إنهم يفقدون ألم ~~العذاب ولا يحسون بشيء أصلا حتى يخرجوا منها واختار آخرون إنهم يموتون موتا ~~حقيقيا بزهق أرواحهم (قل هل عندكم من سلطان بهذا أم تقولون على الله ما لا ~~تعلمون..؟ ولهم حديث يطول ذكره ويشهد الكتاب برده فلا حاجة لذكره هنا على ~~أنه آحادي الإسناد فعلى تقدير صحته لا يثبت به الاعتقاد فكيف لهؤلاء أن ~~يعولوا عليه دينا يجعلوه علما يقينا ((قل الله أذن لكم أم على الله ~~تفترون..؟ ))([36]). # ( PageV01P137 قوله والفرق نشا) أي الفرق بين المشرك والفاسق ثبت عند ~~منازل العذاب ونشا بمعنى حدث وتجدد، وهو نوع من الوجود أطلقه هنا علو مطلق ~~الوجود على تقدير أن الكلام في وجود الفرق بينهما موجود عن الشارع، فهو ~~مجاز مرسل لعلاقة التقييد والإطلاق وفائدة التجوز التنبيه ms109 على أن بيان ذلك ~~الفرق موجود كثيرا فلكثرته كان بمنزلة المتجدد حتى كأنك إذا سمعت بيانا آخر ~~ظننت أنه حدث ذلك اليوم فمن ذلك البيان ما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه ~~كان يقول: ((إن أهون أهل النار عذابا رجل في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما ~~دماغه كما يغلي المرجل بالقمقم ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا وأنه لأهونهم ~~عذابا ومنهم من هو في النار إلى كعبيه مع أجزاء العذاب ومنهم من هو في ~~النار إلى ركبتيه مع أجزاء العذاب ومنهم من قد اغتمر)) وفي رواية ((إن أدنى ~~أهل النار عذابا لرجل عليه نعلان يغلي منهما دماغه مسامعه جمر وأضراسه جمر ~~واشفاره لهب النار وإن منهم من يغلي كحبات قليل في الماء)) وقال سويد بن ~~غفلة([37]) إذا أراد الله تعالى أن يكسو أهل النار جعل للرجل منهم صندوقا ~~على قدره من نار لا ينبض منهم عرق إلا وفيه مسمار من نار، ثم تضرم فيه ~~النار ثم يقفل بقفل من نار ثم يجعل ذلك الصندوق في صندوق من نار ثم يضرم ~~بينهما نار ثم يقفل ثم يلقى أو يطرح في النار فذلك قوله تعالى ((من فوقهم ~~ظلل من النار ومن تحتهم ظلل))([38]) فإذا يئس القوم فما هو إلا الزفير ~~والشهيق تشبه أصواتهم أصوات الحمير أولها شهيق وآخرها زفير، وكان صلى الله ~~عليه وسلم يقول ((يرسل البكاء على أهل النار فيبكون حتى تنقطع الدموع ثم ~~يبكون الدم حتى يصير في وجوههم كهيئة الأخدود ولو أرسلت فيها السفن ~~لجرت))([39]) نسأل الله تعالى العافية (قوله وفشا) أي ظهر وانتشر. # (كذاك من قال بأنه يجيء= # وقت على النار بلى تأجج) # ( PageV01P138 قوله كذلك من قال بأنه يجيء الخ) هذا بيان حكم أهل القول ~~بأن أهل النيران جميعا مشركهم وفاسقهم ينقطع تعذيبهم، وجعله كحكم القائلين ~~بأن أهل الكبائر يخرجون من النار أنهم يتأولون في ذلك قوله صلى الله عليه ~~وسلم ((حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط أي كفاني))([40]) ورووا أيضا ~~أنه ينبت فيها شجر ms110 الجرير وعن # عبد الله([41]) بن عمرو بن العاص ((ليأتين علي النار يوم تصفق فيها ~~أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا)) وتأولوا أيضا: # قوله تعالى ((وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين))([42]) (قالوا): فاللعنة ~~محصورة في الدار الدنيا لمل يقتضيه من طبع الفساد فيها وأما يوم القيامة ~~فتنكشف له الحقائق فلا عناد فيعود إلى قربه، وهذا الاستدلال كما ترى ينفي ~~دخوله النار أصلا فيؤول إلى إنكار تعذيب أهل المعاصي وليس في الآية قصر ~~اللعنة في دار الدنيا، لأن لفظ إلى غاية لا قصر ومقتضاه تأبيد اللعن فلا ~~مفهوم له. # (وأما) الحديثان فلا تعلق لهم بهما أيضا لأن قولها قط قط أي حسبي حسبي لا ~~يدل على انقطاع عذابهم وإنما يدل على أن أهلها يكفونها ((يوم نقول لجهنم هل ~~امتلأت وتقول هل من مزيد))([43]) وكذلك حديث ابن عمرو فإنه لا يدل على أن ~~عذابهم منقطع فعلى تقدير صحته فيحتمل أنهم أخرجوا إلى الزمهرير لتنويع ~~العذاب لهم (واستدلوا) أيضا بأدلة عقلية. # (الأول): إن القوة الجسمانية متناهية فلا بد من فنائها (الجواب) منع ~~تناهيها. # (الثاني): دوام الإحراق مع بقاء الحياة خروج عن قضية العقل الجواب هذا ~~بناء على شرط البنية واعتدال المزاج ولا تقول بدليل الحياة بخلق الله تعالى ~~وقد يخلقها دائما أبدا أو يخلق في الحي قوة لا تخرب معها بنيته بالنار كما ~~خلقها في السمندر وهو حيوان مأواه النار. # (الثالث): النار يجب إفناؤها الرطوبة بالتجربة قليلا قليلا فتنتهي ~~بالآخرة إلى عدمها وتتفتت الأجزاء فلا تبقى الحياة. # ( PageV01P139 الجواب): فناء الرطوبة بالنار غير واجب عندنا بل هو بإفناء ~~الله تعالى أو يفنيها ويخلق بدلها مثلها ا. ه عضد مع بعض تصرف (ثم طهر لي) ~~في حكم هذه الفرقة أن يقال إنهم مشركون كما صرح السيد بخروجهم عن الإسلام ~~لقوله تعالى ((لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين))([44]) ولأن تأويلهم ~~هذا ليس بالتأويل القوي حتى يرفع عنهم حكم الشرك واستدلالهم العقلي إنما هو ~~أمر فلسفي لا يثبت لقائله الحكم الإسلامي وهذا الحكم أيضا ms111 شامل لمن عذر ~~المشرك إذا اجتهد فأخطأ بخلاف ما إذا لم يجتهد، ونسب هذا القول إلى ~~الجاحظ([45]) والعنبري([46]) لأن هذا التفصيل لم يدل عليه دليل فهو راد ~~للكتاب ومصادم له ولا ينفعهم كل مجتهد مصيب، لأنه خاص فيما يجوز فيه ~~الاجتهاد، وإلا لزم تعارض الأصول القطعية وتضادها على أنه لا يقاومها فإن ~~خبر الآحاد لا يوجب علما، على تقدير أنه موجب للعلم فلا يوجب العلم القطعي ~~بل الظن فقط ويلزم أرباب هذا القول أن يعذروا بعض من قاتل محمدا صلى الله ~~عليه وسلم فإن منهم المجتهدين وليس كلهم معاندين، وإذا سلموا هذا لزمهم بأن ~~إرسال الرسل عبث لأن من اجتهد فهو سالم، وإن خالف نبيه وقاتله وهذا ظاهر ~~البطلان كما ترى. # (قوله وقت على النار بلا تأجج) أي بلا توقد أي زعموا أن النار يأتي عليها ~~وقت أي مدة ينطفي لهبها فلا توقد فيها فلا عذاب على أحد هنالك. # (وهكذا من قال كل يدخل= # فيها سعيد وشقي مبطل) # (ومن يقل دار الخلود فانية= # أو أهلها ففاسق علانية) # ( PageV01P140 قوله وهكذا من قال كل يدخل فيها) الخ أي وهكذا حكم من زعم ~~أن السعداء والأشقياء يدخلون النار معا، ثم ينجي الذين آمنوا ويذر الكافرين ~~مستدلين بقوله تعالى ((وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي ~~الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا))([47]) ولا دليل لهم فيها لأن قوله ~~وإن منكم خطاب لمنكري البعث لقوله تعالى ((ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف ~~أخرج حيا أو لا يذكر الإنسان إنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا فوربك لنحشرنهم ~~والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على ~~الرحمن عتيا ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا))([48]). ثم قال على ~~سبيل الالتفات ((وإن منكم إلا واردها))([49]) أي يا معشر منكري البعث ثم ~~قال ((ثم ننجي الذين اتقوا))([50]) والنجاة من الشيء لا تكون إلا قبل ~~الوقوع فيه ((فلما جاء أمرنا نجينا هودا))([51]) فلم يكن هود ومن معه ~~داخلين ms112 معهم في العذاب. # (واعلم): أن أصحابنا جعلوا الخطاب في آية الورود عاما للمؤمنين والكافرين ~~وفسروا الورود في حق الكافرين بالدخول وفي حق المؤمنين بالإشراف، فيلزم ~~عليه إطلاق الكلمة على معنييها الحقيقيين إن قلنا الورود مشترك بين الدخول ~~والإشراف أو الحقيقي والمجازي إن قلنا بأنه حقيقة في أحدهما فتلخص أن ~~مذهبهم جواز ذلك (وإنما حكم) عليهم بكفر النعمة لأن تأويلهم هذا مخالف ~~لآيات الكتاب. # (ومنها) قوله تعالى ((إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا ~~يسمعون حسيسها))([52]) (ويعترض) عليه من وجوه. # (أحدها): إن الآية عامة مراد بها الخصوص فهي في ناس مخصوصين ويجاب بأن ~~الأصل عدم المخصص ولا يثبت التخصيص إلا بدليل وليس في آية الورود دليل يخصص به. # ( PageV01P141 وثانيها): أن قوله أولئك عنها مبعدون يحتمل أن يكون ~~الإبعاد بعد الدخول فيها (ويجاب) بأنه يلزم عليه أن يكون الإبعاد غير حقيقي ~~بل مجازي ولا يصح العدول به عن حقيقته إلا بدليل أو نقول إن الإبعاد مطلق ~~ولا يصح تقييده بوقت دون وقت إلا بدليل (وأيضا) فلو كانوا قربوا منها ثم ~~ابعدوا عنها يلزم أن يكونوا مقربين منها مبعدين عنها. # (وثالثها): إن الآية دلت على أنهم لا يسمعون حسيسها ولم تدل على نفي ~~الدخول فيها فيحتمل أنهم يدخلونها ولا يسمعون لها حسا (ويجاب): بأنه كناية ~~عن عدم قربهم إياها فيستلزم عدم دخولهم فيها. # (ورابعها): يحتمل أن يكونوا لا يسمعون حسيسها بعد أن يخرجوا منها لا وقت ~~دخولهم فيها ولا قبل ذلك (ويجاب): بأنه تقييد للمطلق بلا قيد (ومنها) قوله ~~تعالى ((لا يحزنهم الفزع الأكبر))([53])وقوله ((وهم من فزع يومئذ ~~آمنون))([54]) فلو كانوا يدخلون النار لأحزنهم ذلك ولما أمنوا من فزع ذلك ~~اليوم (ويعترض) عليه من وجهين. # (أحدهما): أنه يحتمل أن الموصوفين بذلك ناس مخصوصون من المؤمنين (ويجاب) ~~بأنه تخصيص بلا مخصص. # (وثانيهما): إنه لا يستلزم دخولهم والنار الحزن والخوف لإمكان أن يخلق ~~الله ألا من في قلوبهم ويرفع الحزن عنهم (ويجاب) أما أولا: فإن رفع حزن من ~~يرى أنه معذب ms113 وخلق الأمن في قلبه خلاف الظاهر وأما ثانيا: فإنه وإن أمكن ~~ذلك فيحتاج ثبوته إلى دليل وما من دليل ومنها قوله تعالى ((فريق في الجنة ~~وفريق في السعير))([55]) فلو دخلوها جميعا لزم بطلان هذا التقسيم لأنهم ~~يكونون فريقا واحدا (ويعترض) عليه بأن محل التقسيم بعد خروجهم من النار ~~(ويجاب) بأنه دعوى تحتاج إلى دليل. # ( PageV01P142 واعلم) إن حكم كفر النعمة إنما كان على هؤلاء لما أدى إليه ~~مذهبهم من تعذيب المؤمنين كما زعم بعضهم أن هذه الأمة لا يصلحون لسكون ~~الجنة إلا بعد تصفيتهم بالنار، فتزيل الغش عنهم أما من زعم أنهم يدخلونها ~~وهي خامدة لا يسمعون لها حسا ولا يجدون منها ألما ولا يعلمون أين هي ولا ~~متى مروا عليها يفضي بهم قولهم هذا إلى تفسيق لأنهم لم يخالفوا فيه قطعيا ~~لاحتمال أن يؤول قوله تعالى ((أولئك عنها مبعدون))([56]) أي عن عذابها وإن ~~كان محتاجا إلى دليل. # (قوله سعيد أو شقي مبطل) بدل تفصيلي من قوله كل يدخل والمراد سعيد أي محق ~~ليقابل وصف الشقي بالمبطل كما قابل السعيد بالشقي ففيه مع المطابقة اكتفاء ~~(قوله ومن يقل دار الخلود فانية أو أهلها الخ) هذا بيان حكم أهل القول بأن ~~الجنة والنار يفنيان بعد دخول أهل كل فيها ويفني أهلهما فيبقى الله وحده ~~فحكم هؤلاء أنهم فاسقون لتأولهم نحو قوله تعالى ((كل شيء هالك إلا ~~وجهه))([57]) وتأولهم الخلود في آيات الخلود بالمكث الطويل مثلا وتأولهم ~~الأبد بالمبالغة في طول المكث مثلا (ثم ظهر لي) بعد ذلك أنهم مشركون لأن ~~شبهتهم هذه لا ترفع عنهم حكم الشرك، لأن تأويلهم ليس بتأويل يقبل لإبطاله ~~تلك القواطع. # (قوله ففاسق علانية) أي فهو فاسق جهرة بمعنى أن فسقه شاهد لا يشك فيه أحد. # (هذا إذا ما كان بالتأويل= # والشرك في الرد على التنزيل) # (قوله هذا إذا ما كان بالتأويل) أي هذا الحكم الذي ذكرناه ثابت على أهل ~~هذه المذاهب إذا كان قولهم ناشئا عن تأويل للكتاب والسنة، أما إذا كان ~~ناشئا عن رد له أو ms114 للسنة المتواترة فحكمهم الشرك، كما سيأتي إن رد الكتاب ~~نوع من الشرك وتكذيب الرسول نوع منه أيضا (قوله والشرك في الرد) أي بسبب ~~الرد على التنزيل ومفعول الرد محذوف أي في الرد على التنزيل حكمه. # ~~------------------------------------------------------------------------ ~~PageV01P143 1- مسألة الخلود في النار من مسائل الاعتقاد المهمة التي ~~اصطدمت فيها الآراء وكثر فيها الكر والفر والأخذ والرد والذي يطلق لنظرة ~~العنان ويقف إمام كل مذهب من مذاهب العلماء فيها بتجرد وإمعان لا يتحيز إلا ~~للدليل ولا يتعصب إلا للحق يجد إن ما ذهب إليه القائلون بخلود أهل النار - ~~والعياذ بالله - فيها خلودا أبديا لا فرق في ذلك بين المشرك وغيره هو الحق ~~الذي لا حوم حوله ريب وناهيك أن غالب آيات والوعيد نصت على الخلود في النار ~~ولم يفرق بين المشرك وغيره كما كشف عن ذلك الغطاء المصنف رحمه الله في هذا ~~الشرح الحافل ولا تجد بجانب ذلك في القرآن ما يشير إلى عدم خلود أحد ولو من ~~بعيد ولقد أوضح القرآن أن فكرة الخروج من النار نشأت عند اليهود فدفعت بهم ~~إلى الموبقات وأغرقتهم في بحار الشهوات فلم يستطيعوا خلاصا مما وقعوا فيه ~~فقد كانوا يمنون أنفسهم إنهم لن يعذبوا - على جرائمهم الخطير ة - إلا زمنا ~~محدودا فما عليهم أن أشبعوا رغباتهم وانهمكوا في شهواتهم (وقالوا لن تمسنا ~~النار إلا أياما معدودة) ولكن يا ترى هل سكت القرآن عن هذا المدعى بعد ~~حكايته أم قرر الحقيقة الناصعة التي لم تترك مجالا لأحد في الطمع فيما ~~طمعوا فيه أو في تحديث النفس بمثل هذه الأماني الفارغة التي ألهت اليهود عن ~~الواجب وأردتهم في مهاوي الموبقات إننا نجد الرد الصريح بعد حكاية هذه ~~الفرية عنهم مباشرة بحيث لم يدع لقائل مقالا ولا لشاك مجالا (قل اتخذتم عند ~~الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون بلى من كسب ~~سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) أي رد أصرح من ~~هذا الرد. PageV01P144 # وأي تقريع أبلغ من هذا التقريع ms115 على التمني ما لم يجعل الله سبيلا إليه ~~ولكن رغبات النفوس وأمانيها الباطلة لا يكاد يقف في سبيلها شيء ما لم تسيطر ~~على صاحبها عقيدة مكنية في قلبه مهيمنة على أحاسيسه فكم من عالم فتح لنفسه ~~باب التأويل في الآية فادعى أن المراد بالسيئة الشرك أو إن المراد بالخلود ~~طول المكث جاهلا أو متجاهلا إن الآية جاءت مجتثة لمطامع اليهود في تحديد ~~مدة مسيس النار مقررة المصير الذي ينتظر كل من ارتكب سيئة ولم يتب منها قبل ~~فوات الفرصة ولا عبرة بخصوص سببها مع عموم لفظها وستسمع إن شاء الله ما ~~قاله فيها بعض من طلب الحقيقة فأدركها من محققي المتأخرين هذا وإذا نظرت ~~إلى تقسيم القرآن مصائر البشر يوم الدين لم تعثر في هذا التقسيم إلا على ~~مصيرين مصير إلى الجنة ومصير إلى النار وكلا المصيرين خالد وإن شئت معرفة ~~أصحاب كل منهما فاسمع إلى قول العزيز الحكيم في سورة يونس (للذين أحسنوا ~~الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم لفترة ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها ~~خالدون والذين كسبوا السيئات جزاء السيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من ~~الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم ~~فيها خالدون) فإن الآية الكريمة واضحة كل الوضوح في إن أهل الجنة وهم أصحاب ~~المصير السعيد - لا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة وهؤلاء هم الذين أحسنوا ~~فاستحقوا الحسنى وزيادة ومما لا يمكن بحال أن يصلى أحد النار ولو فترة ~~قصيرة وهو لا يرهق وجهه قتر ولا ذلة فأي ذلة أفظع من ذلة العذاب وكيف لا ~~يرهق القتر وجه من يتقلب في الجحيم وبعد حصر أصحاب السعادة في هذا الصنف ~~أتبع بيان أصحاب المصير الآخر مصير الشقاء والويل وأوضح إنهم كسبوا السيئات ~~ولم يقيد هذه السيئات بل أطلقها وبين سبحانه جزائهم المحتوم وأنهم لا ~~ينفكون عن هذا الجزاء بل هم فيه خالدون. ( PageV01P145 والذين كسبوا ~~السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت ms116 ~~وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) أي أشكال ~~بعد هذا الإيضاح وأي غموض بعد هذا البيان وهل بعد هذا كله مساق للدعوى بأن ~~ثم طريقا ثالثا يشارك كلا الفريقين في مصيرهما ويأخذ حضه في جزاء كل منهما ~~فيصلى أولا النار ثم يتقلب إلى النعيم المقيم وبالجملة فإن الآيات القرآنية ~~ليس فيها ما يشير ولو من بعيد إلى الخروج من النار وإنما جاء كثير منها في ~~الخلود لمطلق أهل الكبائر وقد أدرك هذه الحقيقة التي لا غبار عليها جماعة ~~من أهل التحقيق من المتأخرين يحضرني منهم الإمامان الكبيران محمد عبده ~~ومحمد رشيد رضا وذلك صريح في غير موضع من كلاهما في تفسيرهما القيم ~~(المنار) ومن ذلك ما قالا في تفسير قول الله تعالى (بلى من كسب سيئة وأحاطت ~~به خطيئة فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) فقد قال الإمام للسيئة هنا ~~إطلاقها وخصها مفسرا - الجلال - وبعض المفسرين بالشرك ولو صح هذا لما ~~كانلقوله تعالى (وأحاطت به خطيئة) معنى فإن الشرك أكبر السيئات وهو يستحق ~~هذا الوعد لذاته كيفما كان والمعنى أحاطت الخطيئة هو حصرها لصاحبها وأخذها ~~بجوانب إحساسه ووجدانه كأنه محبوس فيها لا يجد لنفسه مخرجا منها يرى نفسه ~~حرا مطلقا وهو أسير الشهوات وسجين الموبقات ورهين الظلمات وأن تكون الإحاطة ~~بالاسترسال في الذنوب والتمادي على الإصرار قال تعالى (كلا بل ران على ~~قلوبهم ما كانوا يكسبون) أي من الخطايا والسيئات ففي كلمة (يكسبون) معنى ~~الاسترسال والاستمرار وران عليه غطاه وستره أي أن قلوبهم أصبحت في غلف من ~~الظلمات المعاصي حتى لا يبق منفذ للنور يدخل إليها منه ومن أحدث لكل سيئة ~~يقع فيها توبة نصوحا وإقلاعا صحيحا لا تحيط به الخطايا ولا يعين على قلبه ~~السيئات روى أحمد والترمذي والحكم وصححاه والنسائي وابن ماجة وابن حبان ~~وغيرهم من حديث أبي هريرة أن النبي PageV01P146 صلى الله عليه وسلم قال (إن ~~العبد إذا أذنب نكتت في قلبه نكتة سوداء فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه وإن ~~عاد ms117 زادت حتى تعلوا قلبه فذلك الران الذي ذكره الله في القرآن (بل ران على ~~قلوبهم ما كانوا يكسبون) لمثل هذا كان السلف يقولون المعاصي بريد الكفر. ~~وجاء عقب هذا الكلام الأستاذ الإمام في المنار ما نصه قوله (فأولئك أصحاب ~~النار هم فيها خالدون) خبر (من كسب سيئة وأحاطت به خطيئة) أي هم أصحاب دار ~~العذاب في الآخرة الأحقاء بها دوم من لم يصل إلى درجتهم في الدنيا وهو من ~~في قلبه شيء من نور الإيمان وتوحيد الله تعالى وما يتبعه من الخير قال ~~الأستاذ الإمام: ومن المفسرين من ترك السيئة في الآية على إطلاقها ولم ~~يؤولها بالشرك ولكنهم أولوا أجزائها فقالوا إن المراد بالخلود طول مدة ~~المكث لأن المؤمن لا يخلد في النار وإن استغرقت المعاصي عمره وأحاطت ~~الخطايا بنفسه فانهمك فيها طول حياته. أولوا هذا التأويل هروبا من قول ~~المعتزلة: إن أصحاب الكبائر مخلدون في النار. وتأييدا لمذهبهم نفسهم ~~المخالف للمعتزلة PageV01P147 = والقرآن فوق المذهب يرشد إلى أن من تحيط به ~~خطيئته لا يكون أو لا يبقى مؤمنا ا. ه وقد تعقبه السيد محمد رشيد بما أوضح ~~به عواقب تأويل الخلود فقال إن فتح باب تأويل الخلود يجرئ أصحاب استقلال ~~الفكر في هذا الزمان على الدخول فيه والقول بأن معنى خلود الكافرين في ~~العذاب طول مكثهم فيه لأن الرحمن الرحيم الذي سبقت رحمته غضبه ما كان ليعذب ~~بعض خلقه عذابا لا نهاية له لأنهم لم يهتدوا بالدين الذي شرعه لمنفعتهم لا ~~لمنفعته ولكنهم لم يفقهوا المنفعة وإذا كان التقليد مقبولا هند الله - كما ~~يرى فاتحو الباب - فقد وضح عذر الأكثرين لأنهم مقلدون لعلمائهم - الخ ما ~~يتكلم به الناس ولا سيما في هذا العصر فأن هذه المسألة قديمة وهي أكبر ~~مشكلات الدين. نعم إن العلماء محتجون عليهم بالإجماع ولو سكوتيا ولكن ~~التأويل باب لا يكاد يسده متى فتح شيء ا. PageV01P148 # ه وكلام هذين العالمين الجليلين واضح في إن عقيدة الخلود في النار لأهل ~~الكبائر هي الموافقة لنصوص الكتاب وإن تأويل شيء ms118 من هذه النصوص لموافقة ~~مذهب معين أمر يترتب عليه ما بعد إذ لا يستقر معه مدلول نص من النصوص وأوضح ~~من كلامهما - هنا - في تفسير قول الله سبحانه (فمن جاءه موعظة من ربه ~~فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها ~~خالدون) ونص كلامهما في الآية كما في المنار أي ومن عاد إلى ما كان يأكل من ~~الربى المحرم بعد تحريمه فأولئك البعداء عن الاتعاظ بموعظة ربهم الذي لا ~~ينهاهم إلا عما يضر بهم في أفرادهم أو جميعهم هم أهل النار الذين يلازمونها ~~كما يلازم الصاحب صاحبه فيكونون خالدين فيها وقد أول الخلود المفسرون لتتفق ~~الآية مع المقرر في العقائد والفقه من كون المعاصي لا توجب الخلود في النار ~~فقال أكثرهم إن المراد ومن عاد إلى تحليل الربى واستباحته اعتقادا ورد ~~بعضهم بأن الكلام في أكل الربا وما ذكر عنهم من جعله كالبيع هو بيان لرأيهم ~~فيه قبل التحريم فهو ليس بمعنى استباحة المحرم فإذا كان الوعيد قاصرا على ~~الاعتقاد بحله لا يكون هناك على أكله بالفعل والحق إن القرآن فوق ما كتب ~~المتكلمون والفقهاء يجب إرجاع كل قول في الدين إليه ولا يجوز تأويل شيء منه ~~ليوافق كلام الناس وما الوعيد بالخلود هنا إلا كالوعيد بالخلود في آية قتل ~~العمد وليس هناك شبهة في اللفظ على إرادة الاستحلال ومن الغريب أن جعل ~~الرازي الآية هنا حجة على القائلين بخلود مرتكب الكبيرة في النار انتصارا ~~لأصحابه الأشاعرة وخير من هذا التأويل تأويل بعضهم الخلود بطول المكث أما ~~نحن فنقول ما كل ما يسمى إيمانا يعصم صاحبه من الخلود في النار الإيمان ~~إيمانا ن إيمان لا يعدو التسليم الإيماني بالدين الذي نشأ فيه المرء أو نسب ~~إليه ومجاراة أهله ولو بعدم معارضتهم فيما هم عليه وإيمان هو عبارة عن ~~معرفة صحيحة بالدين على يقين بالإيمان متمكنة PageV01P149 في العقل للبرهان ~~مؤثرة في النفس بمقتضى الإذعان حاكمة على الإرادة المعرفة للجوارح في ~~الأعمال بحيث يكون صاحبها خاضعا ms119 لسلطانها في كل حال إلا ما لا يخلو عنه ~~الإنسان من غلبة جهالة أو نسيان وليس الربا من المعاصي التي تنسى أو تغلب ~~النفس عليها خفة الجهالة والطيش كالحدة وثورة شهوة أن يقع صاحبها منها في ~~غمرة النسيان كالغيبة والنظرة فهذا هو الإيمان الذي يعصم صاحبه بإذن الله ~~من الخلود في سخط الله ولكنه لا يجتمع مع الإقدام على كبائر الإثم والفواحش ~~عمدا إيثارا لحب المال واللذة على دين الله وما فيه من الحكم والنصائح. ~~وأما الإيمان الأول فهو صوري فقط فلا قيمة له عند الله تعالى لأنه تعالى لا ~~ينظر إلى الصور والأقوال ولكنه ينظر إلى القلوب والأعمال كما ورد في الحديث ~~والشواهد على هذا الذي قررناه في كتاب الله كثيرة جدا وهو مذهب السلف ~~الصالح وإن جهله كثير ممن يدعون إتباع السنة حتى جرأوا الناس على هدم الدين ~~بناء على أن مدار السعادة على الإعتراف بالدين وإن لم يعمل به حتى صار ~~الناس يتبجحون بارتكاب الموبقات مع الاعتراف بأنها من كبائر ما حرم كما ~~بلغنا عن بعض كبرائنا أنه قال إنني لا أنكر إنني آكل الربا ولكنني مسلم ~~أعترف بأنه حرام وقد فاته أنه يلزمه بهذا القول الاعتراف بأنه من أهل هذا ~~الوعيد وبأنه يرضى بأن يكون محاربا لله ولرسوله وظالما لنفسه وللناس كما ~~سيأتي في آية أخرى - فهل يعترف بالملزوم أن ينكر الوعيد المنصوص فيؤمن ببعض ~~الكتاب ويكفر ببعض نعوذ بالله من الخذلان ا. PageV01P150 # ه ومن كلام هذين الإمامين الجليلين المنصفين يتضح لكل من طلب الحقيقة أن ~~مذهب القائلين بخلود أهل الكبائر في النار هو مذهب السلف الصالح وأن القول ~~بخلافه يتعارض مع النصوص القرآنية القاطعة والمنصف يدرك أنه لا متعلق ~~للقائلين بالخروج من النار في الآيات الكريمة إذ لا إشارة في القرآن على ~~الخروج فضلا من الدلالة البينة عليه أما الروايات التي يتعلقون بها فهي - ~~مع مخالفتها لمدلول الكتاب - معارضة بأحاديث لا تقل عنها كثرة ولا تضعف ~~عنها قوة وإلى القارئ الكريم أمثلة منها: # 1- روى أحمد ms120 البزار والحاكم والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي ~~صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يدخل الجنة عاق ولا مدمن خمر) وفي رواية ~~(ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة مدمن الخمر والعاق لوالديه والديوث وهو ~~الذي يقر السوء في أهله). # 2 - روى الشيخان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (من شرب الخمر في ~~الدنيا يحرمها في الآخرة). # 3 - روى البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (من استرعاه ~~الله رعية ثم لم يحطها بنصحه إلا حرم الله عليه الجنة). # 4 - روى الإمام الربيع عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن أنس بن مالك رضي ~~الله عنهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (من اقتطع حق مسلم ~~بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار) فقال رجل وإن كان شيئا قليلا ~~يسيرا يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وإن كان قضيبا من ~~أراك) والحديث رواه أيضا الإمام مالك في الموطأ ومسلم والنسائي وآخرون من ~~حديث أبي أمامة رضي الله عنه. # 5 - روى الشيخان وغيرهما عن طريق أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم (من قتل نفسه بحديده فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه ~~في نار جهنم خالدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار ~~جهنم خالدا فيها أبدا ومن نزل من جبل فقتل نفسه فهو ينزل في نار جهنم خالدا ~~مخلدا فيها أبدا). PageV01P151 # 6 - روى مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (صنفان من أهل ~~النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات ~~عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ~~ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) وبالجملة فإن الروايات الدالة ~~على الخلود في النار لمرتكبي الكبائر أكثر من أن تحصى تدل تارة على الخلود ~~بصريح اللفظ وتعبر تارة عنه بحرمان الجنة أو عدم شم ms121 ريحها ومحصلها واحد ~~وإذا كانت الروايات في الخلود متعارضة فحسبنا أن نتمسك بما اعتضد بالكتاب ~~العزيز ونسكت عما تعارض معه والله وراء القصد وهو تعالى ولي التوفيق. ~~(سماحة المفتي). # [2] هو مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي بالولاء، البلخي أبو الحسن من ~~أعلام المفسرين، أصله من بلخ انتقل إلى البصرة، ودخل بغداد فحدث بها وتوفي ~~بالبصرة، كان متروك الحديث. # من كتبه (التفسير الكبير) و(نوادر التفسير)، والرد على القدرية ومتشابه ~~القرآن، والناسخ والمنسوخ، والوجوه والنظائر، توفي عام 150 ه. # راجع وفيات الأعيان 2: 12 وتهذيب 10: 279 والأزهرية 1: 207 وميزان ~~الاعتدال 3: 196 وتاريخ بغداد 13: 160. # [3] هو جهم بن صفوان السمرقندي أبن محرز، من موالي بني راسب رأس الجهمية ~~قال الذهبي: الضال المبدع هلك في زمان صغار التابعين وقد زرع شرا عظيما، ~~كان يقضي في عسكر الحارث بن سريج الخارج على أمراء خراسان فقبض على نصر بن ~~سيار فطلب جهم استبقاءه قال نصر: لا تقوم علينا مع اليمانية أكثر مما قمت ~~وأمر بقتله فقتل عام 102 ه. # راجع ميزان الاعتدال 1: 197 ولسان الميزان 2: 142 وخطط المقريزي 2: 349، 351. # [4] سورة الجن آية رقم 23. # [5] سورة البقرة آية رقم 81. # [6] سورة النساء آية رقم 93. # [7] سورة الانفطار آية رقم 14. # [8] سورة عبس آية رقم 42. # [9] سورة الجاثية آية رقم 21. # [10] سورة الفرقان آية رقم 68. # [ PageV01P152 11] سورة الجن آية رقم 23. # [12] الحديث رواه الإمام البخاري في كتاب الجنائز 83 باب من جاء في قاتل ~~النفس 1363 - حدثنا يزيد بن زريع حدثنا خالد عن قلابة عن ثابت بن الضحاك ~~رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بملة غير الإسلام ~~كاذبا متعمدا فهو كما قال. ومن قتل نفسه بحديده عذب بها في نار جهنم) ورواه ~~الإمام مسلم في كتاب الإيمان 175 والترمذي في الطب 7 والنسائي في الجنائز ~~68 والدارمي في الديات 10 وأحمد بن حنبل في المسند 2: 254، 478، 488 ~~(حلبي). # [13] الحديث رواه الإمام البخاري في كتاب الجنائز 83 باب ما جاء في قاتل ~~النفس 1364 - قال حجاج بن منهال حدثنا جرير بن حازم عن الحسن (حدثنا جندب - ~~رضي الله عنه - في هذا المسجد فما نسينا وما نخاف أن يكذب جندب على النبي ms122 ~~صلى الله عليه وسلم قال: كان برجل جراح فقتل نفسه فقال الله: بدرني عبدي ~~بنفسه حرمت عليه الجنة. # [14] سورة النساء آية رقم 48، 116. # [15] سورة النساء آية رقم 10. # [16] سورة النساء آية رقم 93 # [17] سورة الليل آية رقم 14 - 16 # [18] سورة طه آية رقم 48 # [19] سورة البقرة آية رقم 24 وقد جاءت هذه الآية محرفة في المطبوعة حيث ~~قال (واتقوا) بدلا من (فاتقوا). # [20] سورة النبأ آية رقم 23. # [21] سورة النبأ آية رقم 27. # [22] سورة الزلزلة آية رقم 7، 8. # [23] سورة الأنعام آية رقم 160. # [24] سورة فصلت آية رقم 46. # [25] سورة آل عمران آية رقم 195. # [26] سورة القصص آية رقم 84. # [27] سورة النساء آية رقم 48. # [28] سورة الزمر آية رقم 53. # [29] سورة الأحزاب آية رقم 24 # [30] سورة المائدة آية رقم 18. # [31] سورة هود آية رقم 107. # [32] سورة هود آية رقم 8 وصدر الآية (وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين ~~فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ). # [33] سورة التوبة آية رقم 2. # [ PageV01P153 34] سورة البقرة آية رقم 68 والآية تقول (قالوا ادع لنا ~~ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك ~~فافعلوا ما تأمرون). # [35] هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي من بني آكل المرار أشهر ~~شعراء العرب على الإطلاق يماني الأصل موله بنجد نحو 130 ق ه اختلف المؤرخون ~~في اسمه. وكان أبوه ملك أسد وغطفان، وأمه أخت المهلهل الشاعر، فلقنه ~~المهلهل الشعر وهو غلام وجعل يشيب ويلهو ويعاشر صعاليك العرب فبلغ ذلك أباه ~~فنهاه عن سيرته فلم ينته فأبعده إلى (مون) بحضرموت موطن آبائه وعشيرته وهو ~~في نحو العشرين من عمره فأقام زهاء خمس سنين ثم جعل ينتقل مع أصحابه في ~~أحياء العرب يشرب ويطرب ويغزو ويلهو إلى أن ثار بنو أسد على أبيه وقتلوه، ~~فبلغ ذلك امرأ القيس وهو جالس للشراب فقال: رحم الله أبي ضيعني صغيرا ~~وحملني دمه كبيرا لا صحو اليوم ولا سكر غدا اليوم خمر وغدا أمر. # ونهض في غده فلم يزل حتى ثأر لأبيه من بني أسد، وقال في ذلك شعرا كثيرا ~~توفي عام 80 ق ه ms123. # راجع الأغاني ط دار الكتب 9: 77 وتهذيب ابن عساكر 3: 104 وابن قتيبة في ~~الشعر والشعراء 31 وخزانة البغدادي 1: 160. # [36] سورة يونس آية رقم 59. # [37] هو سويد بن غفلة بن عوسجة الجعفي معمر كان شريكا لعمر بن الخطاب في ~~الجاهلية، وعاش في البادية، وأسلم، ودخل المدينة يوم وفاة النبي صلى الله ~~عليه وسلم وشهد القادسية ثم كان مع علي في حرب صفين، وسكن الكوفة، ومات بها ~~في زمن الحجاج وكان شديد الساعد سمع الناس يوم القادسية يصيحون الأسد ~~الأسد، فضرب الأسد على رأسه، فمر سيفه في فقار ظهره، وخرج من عكوة ذنبه، ~~وكان فقيها إماما مات وهو ابن 125 سنة عام 81 ه. راجع الاستيعاب بهامش ~~الإصابة 2: 116 والإصابة 2: 118 والذهبي في العبر 1: 93. # [38] سورة الزمر آية رقم 16 وتكملة الآية (ذلك يخوف الله بها عباده يا ~~عباد فاتقون). # [ PageV01P154 39] الحديث رواه ابن ماجة في الزهد 38 باب صفة النار 4324 ~~حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير، ثنا محمد بن عبيد عن الأعمش عن يزيد الرقاش ~~عن أنس بن مالك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره في الزوائد: في ~~إسناده يزيد بن ابان الرقاش وهو ضعيف. # [40] الحديث رواه البخاري في كتاب التفسير 50 سورة ق 1 باب (وتقول هل من ~~مزيد) 4848 حدثنا عبد الله بن أبي الأسود حدثنا حرمى بن عمارة، حدثنا شعبة ~~عن قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وذكره. # ورواه أيضا بسنده عن أبي هريرة رفعه وأكثر ما كان يوافقه أبو سفيان بلفظ ~~(يقال لجهنم هل امتلأت وتقول: هل من مزيد..؟ فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه ~~عليها فتقول: قط قط) ورواه الترمذي في تفسير سورة 50. # [41] هو عبدالله بن عمرو بن العاص، من قريش صحابي من النساك من أهل مكة، ~~كان يكتب في الجاهلية، ويحسن السريانية وأسلم قبل أبيه فاستأذن رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم في أن يكتب ما يسمع منه فإذن له، وكان كثير العبادة حتى ~~قال له النبي صلى الله عليه وسلم (إن لجسدك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا، ~~وإن لعينيك عليك حقا ms124) وكان يشهد الحروب والغزوات ويضرب بسيفين له في كتب ~~الحديث 700 حديث توفي عام 65 ه. # راجع الإصابة ت 4838 وحلية الأولياء 1: 283 وصفة الصفوة 1: 270. # [42] سورة ص آية رقم 78. # [43] سورة ق آية رقم 30. # [44] سورة ص آية رقم 85. # [45] هو عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء الليثي أبو عثمان الشهير ~~بالجاحظ كبير أئمة الأدب ورئيس الفرقة الجاحظية من المعتزلة موله عام 163 ه ~~ووفاته في البصرة عام 255 ه مات والكتاب على صدره له تصانيف كثيرة: ~~(الحيوان) و(البيان والتبيين) و(البخلاء) و(المحاسن والأضداد) و(الجد ~~والهزل) وغير ذلك كثير. # راجع إرشاد الأريب 6: والوفيات 1: 388 وتاريخ بغداد 12: 212 ونزهة الألبا 254. # [ PageV01P155 46] هو سوار بن عبد الله بن سوار بن عبد الله بن قدامة من ~~بني العنبر من تميم أبو عبد الله العنبري: قاض، له شعر رقيق، وعلن بالفقه ~~والحديث من أهل البصرة سكن بغداد، وولي القضاء بالرصافة وكف بصره في أواخر ~~أعوامه، وتوفي ببغداد عام 245 ه. # راجع تاريخ بغداد 9: 210. # [47] سورة مريم آية رقم 71 - 72. # [48] سورة مريم آية رقم 66 - 70. # [49] سورة مريم آية رقم 71. # [50] سورة مريم آية رقم 72 وتكملة الآية (ونذر الظالمين فيها جثيا). # [51] سورة هود آية رقم 58 وتكملة الآية (والذين آمنوا معه برحمة منا ~~ونجيناهم من عذاب غليظ). # [52] سورة الأنبياء آية رقم 101 - 102 وتكملة الآية (وهم في ما اشتهت ~~أنفسهم خالدون) # [53] سورة الأنبياء آية رقم 103 وتكملة الآية (وتتلقاهم الملائكة هذا ~~يومكم الذي كنتم توعدون). # [54] سورة الشورى آية رقم 7 وصدر الآية (وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا ~~لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه). # [55] سورة الأنبياء آية رقم 101. # [56] سورة النمل آية رقم 89. # [57] سورة القصص آية رقم 88. # الباب الخامس من الركن الثاني) (في القضاء والقدر....... # (الباب الخامس من الركن الثاني) (في القضاء والقدر) # أي في الإيمان بهما وفي حكم الخوض فيهما وحكم من خاض فيهما والرد عليه. # (وبالقضا نؤمن أيضا والقدر = # ولم يجز إغراقنا فيه النظر) # ( PageV01P156 قوله وبالقضا نؤمن أيضا والقدر) أي نصدق على وجه الإذعان ~~والتسليم بالقضاء والقدر كما صدقنا بالرسل والكتب والملائكة واليوم الآخر، ~~عملا بقوله صلى الله عليه ms125 وسلم لعبادة بن الصامت([1]) إنك لن تجد ولن تبلغ ~~حقيقة الإيمان حتى تؤمن بالقدر خيره وشره أنه من الله تعالى قال: يا رسول ~~الله وكيف لي أن أعلم خير القدر وشره..؟ قال: تعلم أن ما أصابك لم يكن ~~ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك فإن مت على غير ذلك دخلت النار))([2]) ~~وبقوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن الإيمان ((أن تؤمن بالله وملائكته ~~وكتبه ولقائه واليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر خيره وشره أنه من الله ~~تعالى))([3]) (والقضاء) بالقصر والمد إلا في البيت فإنه يتعين فيه القصر، ~~قال أبو البقاء: ([4]) وقد أكثر أئمة اللغة في معناه وآلت أقوالهم إلى أنه ~~تمام الشيء قولا وفعلا (والقدر) بفتح الدال وسكونها يرد في اللغة علو وجوه # سبعة نظمتها في قولي: # معاني القدر سبع هالك نظمها= # حواها وهي خلق فيه يحلو # وتقدير وتصوير وجود = # قضاء ثن تضييق ومثل # وفي المصباح القدر بفتح لا غير: هو ما يقدره الله من القضاء (والفرق) ~~بينهما في الاصطلاح هو أن (القضاء) عبارة عن ثبوت صور جميع الأشياء في ~~العلم الأعلى على الوجه الكلي، وهو الذي تسميه الحكماء العقل الأول. # (والقدر) حصول صور جميع الموجودات في اللوح المحفوظ الذي تسميه الحكماء ~~بالنفس الكلية، (وقيل القضاء) عبارة عن وجود جميع الموجودات في العالم ~~العقلي مجتمعة ومجملة على سبيل الإبداع. # ( PageV01P157 والقدر) عبارة عن وجود جميع الموجودات في موادها الخارجية ~~أو بعد حصول شرائطها واحدا بعد واحد (وقيل) إن (القضاء) هو الحكم الكلي ~~الإجمالي على أعيان الموجودات بأحوالها من الأزل إلى الأبد مثل الحكم بأن ~~كل نفس ذائقة الموت (والقدر) هو تفصيل هذا الحكم بتعيين الأسباب وتخصيص ~~إيجاد الأعيان بأوقات وأزمان بحسب قابليتها واستعدادها المقتضية للوقوع ~~منها، وتعليق كل حال من أحوالها بزمان معين وسبب مخصوص مثل الحكم بموت زيد ~~في اليوم الفلاني بالمرض الفلاني (وقد) يطلق (القضاء) على الشيء المقتضي ~~نفسه وهو في قوله عليه الصلاة والسلام ((اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء ~~ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء والرضى ms126 به لا يجب))([5]) على هذا ~~المعنى ولذلك استعاذ منه والواجب والرضا بالقضاء أي بحكم الله وتصرفه وأما ~~المقضي فلا إلا إذا كان مطلوبا شرعا كالإيمان ونحوه، وقد ورد أن الله تعالى ~~يقول من لم يرض بقضائي ولم يشكر نعمائي ولم يصبر على بلائي فليتخذ إلها سوائي. # (والقدر) مرضي لأن التقدير فعل الله لا المقدر إذ يمكن أن يكون في تقدير ~~القبيح حكمة بالغة (وسر القدر) هو أنه يمتنع أن تظهر عين من الأعيان إلا ~~حسب ما يقتضيه استعدادها ا. ه من الكليات مع تصرف. # ( PageV01P158 قوله ولم يجز إغراقنا فيه النظر) أي ولم يجوز لنا الشرع أن ~~نمعن الفكر ونستقصيه في القدر لقوله صلى الله عليه وسلم ((إذا ذكر القدر ~~فأمسكوا وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا))([6]) وفي الحديث الرباني: ((القدر سري ~~ولا ينبغي لأحد أن يطلع على سري)) وقوله صلى الله عليه وسلم ((لكل أمة مجوس ~~ومجوس هذه الأمة القدرية))([7]) وقوله صلى الله عليه وسلم ((المرجئة يهود ~~هذه الأمة والقدرية مجوسها))([8]) وقوله صلى الله عليه وسلم ((لعنت القدرية ~~على لسان سبعين نبيا قبلي))([9]) والمراد بالقدرية الخائضون في القدر ~~والمتكلمون فيه بما لا يحل، وهم (صنفان): صنف منهم أنكروا أن تكون أفعالهم ~~خلقا لله تعالى ونسبوا خلقها لأنفسهم وهو مذهب المعتزلة بجميع فرقهم. # (وصنف) نفوا الكسب عنهم وأضافوا جميع أفعالهم إلى الله عز وجل على سبيل ~~الجبر منه لهم على فعلها ورفع الاختيار عنهم فيها، وجعلوا أنفسهم كالميت في ~~يد المغسل وكالخيط في الهواء تقلبه الرياح لا يستطيع امتناعا. وسيأتي بيان ~~شبه الصنفين ورد قولهم عليهم. # (وذهب) أهل الاستقامة والأشعرية إلى التوسط بين الحالين فقالوا: إن ~~أفعالنا خلق لله عز وجل وهي لنا اكتساب فنثاب ونعاقب على اكتسابنا لا على ~~خلق الله أفعالنا بدليل قوله تعالى ((لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت))([10]) ~~فالآية صريحة في إثبات الكسب والاكتساب لها وهي مبطلة لمذهب الجبرية ولقوله ~~تعالى ((وأنه هو أضحك وأبكى))([11]) فالآية صريحة على أن الله تعالى هو ~~خالق الضحك والبكاء فيهم وهو فعل لهم ms127 وهذا مبطل لمذهب المعتزلة. # ( PageV01P159 واعترض) عليه بان إسناد الفعل إليه مجاز عقلي والمراد أنه ~~فاعل سبب الضحك والبكاء لأنفسهما (والجواب) أن الأصل عدم المجاز ولا يصار ~~إليه إلا بقرينة مانعة من إرادة الحقيقة وليس هنا قرينة فإذا جمعت بين ~~الآيتين أعني قوله تعالى ((وأنه هو أضحك وأبكى))([12]) وقوله تعالى ((لها ~~ما كسبت وعليها ما اكتسبت))([13]) حصل لك طريق إثبات خلق الأفعال لله ~~وكسبها للخلق (وعن) عكرمة([14]) عن ابن عباس رضي الله عنه سئل عن القدر ~~فقال: الناس فيه على ثلاث منازل، من قال إن في الأمر المشيئة إلى العباد ~~وإن الأعمال مفوضة إليهم ولا قدر فقد ضاد الله في أمره، ومن أضاف إلى الله ~~شيئا مما ينزه عنه فقد افترى عظيما على الله عز وجل، ورجل قال: إن رحمت ~~فبفضل الله فذلك الذي سلم له دينه ودنياه. # ---------------------------------------------------------------------- ------ # [1] هو عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري الخزرجي أبو الوليد صحابي من ~~الموصوفين بالورع، شهد العقبة، وكان أحد النقباء وبدرا وسائر المشاهد ثم ~~حضر فتح مصر، وهو أول من ولي القضاء بفلسطين ومات بالرملة عام 34 ه. # روى 181 حديثا اتفق البخاري ومسلم على ستة منها وكان من سادات الصحابة. # راجع حسن المحاضرة 1: 89 وتهذيب التهذيب 5: 111 والإصابة 4488 وتهذيب ابن ~~عساكر 7: 206. # [ PageV01P160 2] الحديث رواه الإمام أحمد بن حنبل في المسند 5: 189 ~~حدثني أبي ثنا قران بن تمام عن أبي سنان الشيباني عن وهب الحمصي عن ابن ~~الديلي قال أتيت أبي بن كعب فقلت له إنه قد وقع في نفسي من القدر شيء فأحب ~~أن تحدثني بحديث لعل الله أن يذهب عني ما أجد قال لو أن الله عز وجل عذب ~~أهل السماوات، وأهل الأرض عذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته ~~لهم خيرا من أعمالهم ولو كان أحد لك ذهبا فأنفقته في سبيل الله ثم لم تؤمن ~~بالقدر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وإن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ما ~~تقبل منك ولو مت على غير ذلك دخلت النار (وفيه زيادة) ولا عليك أن تلقى ms128 أخي ~~عبد الله بن مسعود فتسأله، فلقي عبد الله فقال له مثل ذلك ثم لقي حذيفة بن ~~اليمان فقال له مثل ذلك ثم لقي زيد بن ثابت فقال له مثل ذلك إلا أنه حدثه ~~عن نبي الله صلى الله عليه وسلم # [3] الحديث رواه الإمام مسلم في الإيمان 1، 7 وأبو داود في السنة 16 ~~والترمذي في القدر 10 وإيمان 4 والنسائي في الإيمان 5، 6 وابن ماجة في ~~المقدمة 9، 10 وأحمد بن حنبل في المسند 1: 17، 28، 52، 97، 133، 319 ~~(حلبي). # [4] سبقت الترجمة له في الجزء الأول من هذا الكتاب. # [5] الحديث رواه البخاري في كتاب القدر 13 باب تعوذ بالله من درك الشقاء ~~وسوء القضاء، 6616 - حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن سمي عن أبي صالح عن أبي ~~هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكره. # ورواه الإمام مسلم في الذكر 53 والنسائي في الاستعاذة 24، 31، 33، 34، ~~35، ورواه الإمام أحمد في المسند 2: 173، 246. # [6] لم نعثر على هذا الحديث ولعل الله يوفقنا إليه. # [ PageV01P161 7] الحديث رواه أبو داود في باب القدر 4692 حدثنا محمد بن ~~أبي كثير أخبرنا سفيان عن عمر بن محمد عن عمر مولى غفرة عن رجل من الأنصار ~~عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره وفيه زيادة (من مات ~~منهم فلا تشهدوا جنازته ومن مرض منهم فلا تعودوهم، وهم شيعة الدجال، وحق ~~على الله أن يلحقهم بالدجال. # وروا الإمام أحمد في المسند 2: 86، 5: 407 (حلبي). # [8] الحديث رواه ابن ماجة في المقدمة 9 باب في الإيمان 73 بسنده عن جابر ~~بن عبد الله بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صنفان من أمتي ليس ~~لهما في الإسلام نصيب: أهل الإرجاء وأهل القدر). # [9] لم نعثر على هذا الحديث. # [10] سورة البقرة آية رقم 134. # [11] سورة النجم آية رقم 43. # [12] سورة النجم آية رقم 43. # [13] سورة البقرة آية رقم 134. # [14] هو عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام المخزومي القرشي من صناديد قريش ~~في الجاهلية والإسلام كان هو وأبوه من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه ~~وسلم وأسلم عكرمة بعد فتح مكة وحسن إسلامه فشهد الوقائع وولي الأعمال لأبي ~~بكر واستشهد في اليرموك أو يوم مرج ms129 الصفر وعمره 62 سنة وفي الحديث (لا ~~تؤذوا الأحياء بسبب الموتى) قال المبرد: فنهى عن سب أبي جهل من أجل عكرمة. # راجع تهذيب الأسماء 1: 338 والإصابة ت 5640 وتاريخ الإسلام للذهبي 1: 380. # أفعال العباد خلق لله وكسب لهم # (ومن يقل الهنا لم يخلق= # أفعالنا بعدا له من أحمق) # (لقوله لكل شيء خالق= # سبحانه الرب المليك الرازق) # (لو كان خالقا سواه لزما = # تعدد الإله قطعا حتما) # (ولو تعدد الإله لظهر = # فساد هذا العالم الذي بهر) # (لكن لنا في فعلنا اكتساب= # به الثواب وبه العقاب) # من ثم قد نيل به أعلى المراتب= # إلا النبوات فليس تكتسب) # ( PageV01P162 قوله ومن يقل الهنا لم يخلق أفعالنا الخ) أي من اعتقد ~~اعتقادا جازما أن الله عز وجل لم يخلق أفعال العباد فهو فاسق منافق أحمق ~~بعدا له، وإنما قلنا اعتقادا جازما ليخرج من اعتقد لقصور عقله إن ريح ~~المروحة ونحوها خلق له من غير أن يخطئ من خالقه في ذلك، فإنه لا يفسق لأنه ~~من الخطأ المرفوع عنا كذا في الذهب الخالص، وعزاه إلى بعض محققي أصحابنا، ~~وفي عدم تفسيق هذا المعتقد إشارة إلى أن المعتزلة إنما كان فسقهم هي هذه ~~المسألة من باب اعتقادها دينا وتخطئة من خالفهم في ذلك لكن المعتزلة أنكروا ~~إيجاد الله لأفعالنا وجهلوها موجودة لنا فهم فاسقون بذلك أيضا، وأول من قرر ~~هذا المذهب الفاسد واصل بن عطاء([1]) وقد تلمذ للحسن البصري([2]) ومكث في ~~مجالسته عشرين سنة، وهو المقدر لقواعد القول بقدرة العبد وخلقه الفعل، ~~وقال: إن الباري عادل حكيم لا يجوز أن يضاف إليه شين ولا ظلم ولا يجوز عليه ~~أي يريد من العباد خلاف ما يأمرهم به ولا يجوز عليه أن يخلق للعباد شيئا ~~فيجازيهم عليه والعبد هو الفاعل للخير والشر والطاعة والمعصية، والله ~~سبحانه وتعالى مجازيه بفعله وقال: ليس من الحكمة أن يكون الله سبحانه ~~وتعالى يخلق الكفر للكافرين به وهو مبغض للكفر معاد للكافرين فيكون ذلك كمن ~~أعان على شتم نفسه ا. ه وهذا مبني على جعل العقل حاكما على الشرع ms130 لا يجوز ~~عندهم أن يرد الشرع بخلافه وحاصل ما عول عليه ها هنا ثلاثة أشياء. # (أحدها): أنه لا يجوز أن يضاف إلى الله شين ولا قبح لأنه عدل ولا شك أن ~~أفعال المعاصي قبح وشين فلا تصح إضافتها إليه. # (وجوابه) أن الشين والقبح في اكتسابهما لا في خلقهما (وبيان) ذلك أن ~~القبح عندنا معشر الأباضية، وعند الأشعرية، وعند من وافقنا على ذلك ما نهى ~~عنه الشرع لا ما قبحه العقل فقط، لأن الحسن والقبح شرعيان عندنا وأما ~~المعتزلة فعندهم أنهما عقليان، وقد تقدم فساد مذهبهم. # ( PageV01P163 الثاني): أنه لا يجوز عليه تعالى أن يريد من العباد خلاف ~~ما يأمرهم به فعنده أن الإرادة ملازمة للأمر. # (وجوابه) أن المعاصي قد صدرت من فاعلها فإذا كان الله لم يرد صدورها منه ~~فيكون مغلوبا حيث كان من المعاصي شيء لم يرد الله وقوعه فيكون مكرها مقهورا ~~مغلوبا، ومن كان كذلك فليس بإله، وقد وقع هذا الجواب من أبي عبيدة رضي الله ~~عنه لواصل بن عطاء، روى أن واصلا كان يتمنى لقاء أبي عبيدة وكانا أعميين ~~فقال قائد واصل: هذا أبو عبيدة فقال واصل لأبي عبيدة: أنت الذي تقول إن ~~الله يعذب على القدر فقال لا ولكني أقول: إن الله يعذب على المقدور أأنت ~~الذي تزعم أن الله يعصي باستكراه فانقطع واصل ثم قيل له سألته فتخلص وسألك ~~فوقفت فقال: بنيت له بنيانا منذ أربعين سنة فهدمه وهو واقف (والفرق) بين ~~القدر والمقدور في كلام أبي عبيدة أن القدر فعل الله والمقدور كسب العباد. # (الثالث): أتنه لا يجوز أن يخلق الله للعباد فعلا فيجازيهم عليه وحاصله ~~أنه لو كانت أفعالنا خلقا لله تعالى لم يجز أن يجازينا عليها. # (وجوابه): إن الجزاء على اكتسابنا لها لا على خلقه إياها ((لها ما كسبت ~~وعليها ما اكتسبت))([3]) ((تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما ~~كسبتم))([4]) ((أولئك لهم نصيب مما كسبوا))([5]) ونحوها من الآيات. ~~(وبيانه) أن للفعل جهتين جهة خلق أي إيجاد واختراع، وهي لله تعالى وبها ms131 ~~تعلقت قدرته، وجهة كسب وهي للعبد وبها تعلقت قدرته وليس فيما يفعله الحكيم ~~قبح وإنما القبح في أفعالنا إذا خالفت أوامره. (وتشبثوا) من الكتاب العزيز ~~بآيات قال السيد والعضد: وهي أنواع. # (الأول): ما فيه إضافة الفعل إلى العبد نحو ((فويل للذين يكتبون الكتاب ~~بأيديهم))([6]) ((ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ~~ما بأنفسهم))([7]). # (الثاني): ما فيه مدح وذم نحو ((وإبراهيم الذي وفى))([8]) ((وكيف تكفرون ~~بالله))([9]) وما فيه وعد ووعيد كقوله # (( PageV01P164 من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها))([10]) ((ومن يعص الله ~~ورسوله فإن له نار جهنم))([11]) وهو أكثر من أن يحصى. # (الثالث): الآيات الدالة على أن أفعال الله تعالى منزهة عما يتصف به فعل ~~العبد من تفاوت واختلاف قبح وظلم كقوله تعالى ((ما ترى في خلق الرحمن من ~~تفاوت))([12]) ((ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا))([13]) ~~((الذي أحسن كل شيء خلقه))([14]) ((وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم ~~يظلمون))([15]). # (والرابع): تعليق أفعال العباد بمشيئتهم أي الآيات الدالة عليه نحو ((فمن ~~شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر))([16]). # (الخامس): الأمر بالاستعانة نحو ((إياك نستعين))([17]) ((استعينوا)) ولا ~~معنى للاستعانة فيما يوجده الله في العبد بل فيما يوجده العبد بإعانة من ربه. # (السادس): اعتراف الأنبياء بذنوبهم كقول آدم عليه السلام ((ربنا ظلمنا ~~أنفسنا))([18]) وقول يونس عليه السلام ((سبحانك إني كنت من ~~الظالمين))([19]). # (السابع): ما يوجد في الآخرة من الكفار والفسقة من التحسر وطلب الرجعة ~~نحو((ارجعون لعلي أعمل صالحا))([20]) ((لو أن لي كرة فأكون من ~~المحسنين))([21]) ا. ه. # (والجواب): حمل الآيات التي فيها إضافة الأفعال إلى العبد وجزاؤه عليها ~~على كسبه لها وحمل آيات الاستعانة على طلب التوفيق لكسبهم أفعال الخير ~~وإعانتهم على ذلك إذ ليس في كل هذا تصريح بأن العبد خالق لفعله وإضافة ~~الفعل إليه تكفي لوجه ما ولو بأدنى ملابسة، كيف ولا يخفى أن كسب الفعل ~~ملابسة قوية فيصح أن يضاف الفعل إلى كاسبه وأن يستعين العبد بغيره على ~~كسبه، وكذلك الآيات التي فيها حكاية تأسف المجرمين وتحسرهم ms132 يوم القيامة ~~وطلبهم الرجوع ليعملوا، فإنما كان ذلك منهم لتفريطهم في الكسب لا في الخلق. # ( PageV01P165 وأما الآيات) الدالة على تنزيه أفعاله تعالى عن القبح ~~والشين والظلم فليس فيها دلالة على أن أفعالهم مخلوقة لهم وإنما تدل على أن ~~خلق الله حسن وليس في خلقه قبح ولا يظلم أحدا، ونحن نقول: إن جميع الأفعال ~~بالنسبة إليه تعالى حسنة ولا قبح فيها ولا ظلم وإنما القبح والظلم في ~~اكتسابنا لها إذا خالفنا فيها المشروع وبهذا الجواب تنحل جميع شبههم إن شاء ~~الله وستأتي فيها أدلة نقلية وعقلية لا يمكنهم الجواب عنها إن شاء الله ~~تعالى فانتظرها. (قوله بعدا له من أحمق) مصدر بعد عن رحمة الله بعدا ناب عن ~~فعله فأقيم مقامه كقبحا وسحقا والأحمق فاسد العقل وإنما وصفه بذلك لما في ~~قوله من ادعاء ما ليس له فكان ذلك القول دليلا على فساد وعقله (قوله لقوله ~~لكل شيء خالق) أي حكمنا بتفسيق ذلك القائل حيث دعونا عليه بالإبعاد عن رحمة ~~الله ووصفناه بالحمق الذي هو فساد العقل لأدلة (منها) قوله تعالى ((خالق كل ~~شيء))([22]) الآية (واعترض) عليه بثلاثة أوجه. # (أحدها): أن الآية عامة لكل ما أطلق عليه الشيء فإن حكمتم بعمومها لزمكم ~~أن يكون الله مخلوقا وأن يكون المعدوم مخلوقا لأنه شيء. # (وجوابه): إن دليل العقل قد خصص ما ذكرتم من عموم تلك الآية لأن العقل ~~قاض أنه لو كان الله مخلوقا للزم أن يكون له خالق هو غيره فيتسلسل أو يدور ~~وإن الخلق لا يتعلق بالمعدوم لأنه ليس بشيء في ذاته حتى يكون مخلوقا لغيره ~~وإطلاق اسم الشيء عليه لا يستلزم أنة يكون مخلوقا فصح استثناء ما ذكرتم من ~~عموم الآية وبقي ما عدا لك داخلا تحتها. # (الثاني): إن الخلق حقيقة بمعنى التقدير وعلى هذا فنحن نقول بعموم الآية ~~لأن الله تعالى مقدر كل شيء. # ( PageV01P166 وجوابه): إن للشرع وضعا نقل فيه بعض العربية إلى معان أخر ~~فكانت حقيقة شرعية فيها من ذلك الصلاة في العبادة المعروفة والصوم في ~~الإمساك المخصوص ms133 والزكاة في النصيب المحدود وهكذا فإن هذه الألفاظ وما ~~أشبهها لها معان في اللغة هي حقائق فيها غير الشرعية ثم صارت باستعمال ~~الشرع لها فيما ذكرنا حقيقة شرعية وكذلك الخلق أن أضيف إليه تعالى فإن ~~الشرع لم يستعمله مضافا إليه تعالى إلا وهو بمعنى الإيجاد والاختراع. # (الثالث): إن الآية عامة وأنتم تقولون إن دلالة العام ظنية فما بالكم ~~قطعتم بها هنا. # (وجوابه): إن القطع بها حيث قضى العقل بمقتضاها وأجمعت الأمة على أن ~~المراد منها عمومها وكلا الوجهين قطعي ولا عبرة بخلاف المعتزلة فيها فإن ~~خلافهم جاء بعد انعقاد الاجتماع، ولأن خلافهم خالف العقل المؤيد بالنقل ولو ~~لم يكن ثمة إجماع ما التفت إليه (ومها) قوله تعالى ((هل من خالق غير ~~الله))([23]) فإن في الآية نفيا أن يكون خالق غيره (واعترض) عليه بأن النفي ~~متوجه على منفي مقيد بقيد هو قوله تعالى ((يرزقكم من السماء ~~والأرض))([24]). بيانه أن الآية نفت أن يكون خالق يرزقنا غير الله تعالى ~~ونحن نقول لا خالق يرزقنا إلا الله. # (وجوابه): أنا لا نسلم أن النفي متوجه إلى القيد المذكور وهو الاتصاف ~~بالرزق لأنه لو كان متوجها إليه وخصوصا به ما كان لذكر الخالق فائدة ولقال ~~هل من رازق الخ فذكر الخالق حينئذ عبث يتعالى عنه نظم القرآن (ومنها) قوله ~~تعالى ((وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى))([25]) فإنه تصريح بإسناد الرمي ~~إليه تعالى ولا شك إنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم (واعترض) بأن الرمي في ~~الآية بمعنى الإصابة أي وما أصبتم إذ رميتم ولكن الله أصابهم. # ( PageV01P167 وجوابه): إن إطلاق الرمي على الإصابة مجاز محتاج إلى قرينة ~~ولا قرينة ثمة (ومنها) قوله تعالى ((والله خلقكم وما تعملون))([26]) أي ~~وعملكم (واعترض) عليه بأن ما موصولة والتقدير والله خلقكم والذي تعملون به ~~والمراد الآلة التي بها العمل. # قالوا: لو لم تكن الآية على هذا المنوال للزم إخلال النظم القرآني فإنها ~~صدرت من إبراهيم عليه السلام على سبيل التوبيخ لهم على عبادة الأصنام التي ~~ينحتونها بأيديهم، فلو أراد ms134 والله خلقكم وعملكم للزم أن يكون عذرا لهم لا ~~توبيخا وبيانه أنه لو قال لهم إن الله خلقكم وعملكم فما بالكم تعبدون ~~الأصنام التي تنحتونها لحسن أن يكون جوابهم له إذا كان الله خلق عملنا فينا ~~فعلام نلام على حد قول المشركين ولو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا. ~~(وجوابه): إنه يلزم ما ذكرت أن لو كانوا مجبورين على إتيان ذلك العمل الذي ~~خلقه الله فيهم ونحن لا نقول به بل نقول إن الله خالق أعمالهم وجاعل لهم ~~اختيارا فيها واكتسابا فالتوبيخ على اختيارهم ما نهوا عنه واكتسابهم. لخلاف ~~ما طلب منهم مع أنه تعالى خلقهم وخلق فعلهم وجعل لهم قدرة على اكتساب ذلك ~~الفعل فأمرهم ببعضه ونهاهم عن بعضه. # (ومنها) قوله تعالى ((فعال لما يريد))([27]) ولا شك أنه يريد الإيمان ~~إجماعا فهو فاعله وكذا الكفر إذ لا قائل بالفرق بينهما (ويعترض) عليه بأن ~~الآية عامة لكل ما يريد فتحتمل التخصيص فيكون بعض ما يريده فاعلا له والبعض ~~الآخر فاعله غيره. # ( PageV01P168 وجوابه): أن التخصيص بلا مخصص لا يصح وما ذكرتموه من ~~الآيات الدالة على إضافة الفعل إلى العبد تقدم جوابها فلا يصح أن تكون ~~مخصصة لهذه الآية وأيضا فلو كان غيره فاعلا لبعض ما يريده لزم أن تكون ~~قدرته تعالى قاصرة وغيره تعالى هو المتمم لمراده (لا يقال) أنه متى أراد ~~شيئا وانفعل ذلك الشيء لم يلزم أن تكون قدرته قاصرة (لا نقول) إن هذا صحيح ~~أن لو كان ذلك الانفعال بقدرة الله تعالى أما إذا كان بقدرة الغير إيجاده ~~فغير مسلم لأنه وإن كان مراد له تعالى فهو مخلوق لغيره فلزم أن تكون قدرته ~~تعالى لم ينفعل لها ما أراده وإنما انفعل بقدرة الغير. # (قوله سبحانه) أي من أن يكون خالقا سواه (قوله الرب) أي المالك لنا ~~والمصلح لشأننا (قوله المليك) أي المتصرف في الأشياء تصرفا لا راد له (قوله ~~الرازق) أي المعطي لخلقه ما ينتفعون به وفي ذكر هذه الصفات في هذا المقام ~~إشارة إلى نقض استدلال تعلقت ms135 به المعتزلة (من قوله) تعالى ((فتبارك الله ~~أحسن الخالقين))([28]). # (قالوا) ففي الآية دليل على تعدد الخالقين لأنه لو لم يكن الخالق إلا ~~واحدا لما كان للجميع معنى فأشار المصنف إلى نقضه بقوله تعالى ((وهو خير ~~الرازقين))([29]) (وحاصل) الجواب أنه يلزمكم أن تقولوا بتعدد الرازقين كما ~~قلتم بتعدد الخالقين لأن تعلقكم بالآية إنما هو بوجود الجمع فيها وهو موجود ~~في الرازقين فوجب حمل الآيتين على غير الحقيقة فالمراد بأحسن الخالقين أي ~~أحسن الصانعين صنعا وخير الرازقين أي خير المعطين عطاء. # ( PageV01P169 قوله لو كان خالقا سواه لزما) الخ هذا هو الدليل العقلي ~~المبطل لتعدد الخالقين، وصورة البرهان أنه لو كان غيره تعالى خالقا للزم أن ~~يكون ذلك الخالق إلها لما خلق، فتتعدد الآلهة، وبيان الملازمة أنه تعالى ~~أشار إلى أن الخلق صفة يختص بها الإله في قوله ((إذا لذهب كل إله بما ~~خلق))([30]) وإذا كانت صفة الخلق وهي الإيجاد والاختراع مختصة بالإله لزم ~~من تعددها تعدد الإله إذ لا يتصف بها إلا من كان لها والعقل قاض بذلك أما ~~قوله تعالى ((وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير))([31]) وقوله ((وتخلقون ~~أفكا))([32]) فالخلق فيها مجاز وكذلك ما أشبههما والمراد تصور من الطين ~~وتجعلون الأفك حديثا لكم (قوله تعدد الإله) أي كونه أكثر من واحد (قوله ~~قطعا حتما) أي قطع به والمراد تعدد الإله وقطعا مصدر انتصب بفعل يفسره ما ~~بعده (قوله ولو تعدد الإله لظهر) هذا برهان للبرهان الأول فهو تدقيق ~~(وصورته) أنه لو تعدد الإله لظهر فساد هذا العالم الذي بهر الخلق صنعه ونحن ~~نشاهد أنه لم يفسد ونعلم ذلك ضرورة فلا تعدد وإلى هذا أشار قوله تعالى ((لو ~~كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا))([33]) وقد تقدم بسط هذا المقام في محله ~~(قوله فساد هذا العالم) المراد بالفساد ها هنا تلاشيه وذهابه وخروجه عن سلك ~~الحكمة والعالم بالفتح الخلق سمي بذلك لأنه يستدل به على وجود الصانع، ~~وعرفه بعضهم بأنه عبارة عن أجسام في ظروف مكان وزمان والأول أعم لدخول ~~الأعراض تحته فإنها ms136 مما يستدل بها أيضا على وجود الصانع المختار، وأشار ~~إليه بذا المختصة بالقريب مع ها التنبيه أشار إلى أن بديع صنعه تعالى موجود ~~جدا لا يخلو منه مكان فلو استغرق الإنسان فكره في صنع نفسه التي هي أقرب ~~الأشياء إليه ما استقصى غرائب ما فيها وعجائب صنعها وفي ها التنبيه على ~~غفلة غالب الخلق عن التفكير في هذا الصنع العجيب. # ( PageV01P170 قوله الذي بهر) الذي غلب أهل العقول الثاقبة في استنباط ~~الحكم واستخراج العجائب حيث لم يستطيعوا على الإتيان بمثل أحقر شيء فيه ولم ~~يطلعوا على السر الذي كن فيه وإنما خصصنا أهل العقول بذلك لأنهم هم أرباب ~~الحكم فإن عجزوا عن شيء من ذلك فغيرهم أعجز. # (قوله لكن لنا في فعلنا اكتساب) اعلم أنه لما صرح بإبعاد من قال أن الله ~~لم يخلق أفعالنا واحتج عليهم بالعقل والنقل خاف أن يتوهم من كلامه إسناد ~~الأفعال إليه تعالى جبرا كما هو مذهب الجبرية الآتي بيان بطلانه استدرك ~~عليه بهذا البيت قائلا إن لنا في أفعالنا اكتسابا ترتب عليه الثواب والعقاب ~~والمدح والذم لا كما زعمت الجبرية ((لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت))([34]). # (قوله يه الثواب) أي بسبب ذلك الاكتساب يكون جزاء الخير في الآخرة (قوله ~~وبه العقاب) أي بسبب ذلك الاكتساب يكون الجزاء بالشر في الآخرة فلا جبر ولا ~~تعذيب على ما خلق الله (قوله من ثم قد نيل به أعلا المراتب) أي من هنالك ~~نال من نال بالاكتساب في الدنيا أعلا الرتب وهذا دليل على أن الاكتساب يصح ~~أن يثاب ويعاقب عليه أي كما أعطانا الله بسبب اجتهادنا واكتسابنا في الدنيا ~~أعلى الرتب فيها كذلك يصح أن يثنينا في الآخرة باكتسابنا الخير في الدنيا ~~ونيل أعلا الرتب في الدنيا مشاهد أكثر من أن يذكر فمنه تحصيل العلم لطالبه ~~ونيل العز للمجد فيه وكرامات الأولياء التي لا تكاد تحصر فإنا نعلم أن هذه ~~الأشياء إنما حصلت بسبب اكتساب طالبها لأسبابها وجده في استعمالها لا بخلقه ~~طلبها والجد في تحصيلها تلك سنة ms137 الله ولن تجد لسنة الله تبديلا. # (قوله إلا النبوات) جمع نبوة بمعنى الرفعة وفي الاصطلاح عبارة عن إيحاء ~~الله لمن شاء من خلقه بشرع قوله فليس تكتسب أي فلا تحصل بالكسب لمستعمل ~~أسباب تحصيلها لأنها شيء خص الله به من يشاء من عباده من غير اكتساب منهم ~~لها فتأتيهم على وجه الاضطرار لا الاختيار وهذا مذهب لبعضهم قال صاحب ~~الجوهرة: PageV01P171 # ولم تكن نبوة مكتسبة= # ولو رقي في الخير أعلا عقبه # وكذلك الرسالة نظرا إلى الكون عند الله رسولا وذهب بعض إلى أن النبوة ~~والرسالة اكتسابيتان نظرا إلى جانب القبول للوحي في النبوة إلى جانبه مع ~~التبليغ في الرسالة وقيل بل نظرا إلى جانب استعمال الأسباب الموصلة إليها ~~وهو مذهب الفلاسفة قال الباجوري: وهي من المسائل التي كفروا بها لاستلزامها ~~جواز وجود نبي بعد نبينا عليه الصلاة والسلام أو في زمانه مع قوله تعالى ~~((وخاتم النبيين))([35])وقوله صلى الله عليه وسلم ((لا نبي بعدي))([36]) ~~وقد أجمعت الأمة على إبقائهما على ظاهرهما (وقيل) النبوة ضرورية نظرا إلى ~~جانب الكون عند الله نبيا والرسالة اكتسابية نظرا إلى جانب التبليغ، ~~فالخلاف بين المسلمين في كونهما ضروريتين أو اكتسابيتين لفظي. # ---------------------------------------------------------------------- ~~-------- # [1] هو واصل بن عطاء الغزال أبو حذيفة من موالي بني ضبة أو بني مخروم ~~رأس المعتزلة ومن أئمة البلغاء والمتكلمين، سمي أصحابه بالمعتزلة لاعتزاله ~~درس الحسن البصري، ومنهم طائفة تنسب إليه تسمى (الواصلية) وهو الذي نشر ~~مذهب الاعتزال. # ولد بالمدينة عام 80 ه ونشأ بالبصرة، وكان ممن بايع لمحمد بن عبد الله بن ~~الحسن في قيامه على أهل الجور ولم يكن غزالا وإنما لقب به لتردده على سوق ~~الغزالين بالبصرة له تصانيف منها # (أصناف المرجئة) و(المنزلة بين المنزلتين) و(معاني القرآن) وغير ذلك كثير ~~توفي عام 131 ه. # راجع وفيات الأعيان 2: 170 ومروج الذهب 2: 298 وتاريخ الإسلام الذهبي 5: ~~311 والنجوم الزاهرة 1: 313 - 314. # [ PageV01P172 2] هو الحسن بن يسار البصري أبو سعيد تابعي، كان إمام أهل ~~البصرة وحبر الأمة في زمنه، وهو أحد علماء الفقهاء الفصحاء الشجعان النساك ~~ولد بالمدينة، وشب في كنف ms138 علي بن أبي طالب واستكتبه الربيع بن زياد والي ~~خراسان في عهد معاوية، وسكن البصرة وعظمت هيبته في القلوب فكان يدخل على ~~الولاة فيأمرهم وينهاهم لا يخاف في الحق لومة لائم وكان أبوه من أهل ميسان ~~مولى لبعض الأنصار. قال الغزالي: كان الحسن البصري أشبه كلاما بكلام ~~الأنبياء توفي عام 110 ه. # راجع تهذيب التهذيب ووفيات الأعيان وميزان الاعتدال 1: 254 وحلية ~~الأولياء 2: 131. # [3] سورة البقرة آية رقم 246. # [4] سورة البقرة آية رقم 134 - 141. # [5] سورة البقرة آية رقم 202. # [6] سورة البقرة آية رقم 79. # [7] سورة الأنفال آية رقم 53. # [8] سورة النجم آية رقم 37. # [9] سورة البقرة آية رقم 28. # [10] سورة الأنعام آية رقم 160. # [11] سورة الجن آية رقم 23. # [12] سورة الملك آية رقم 3. # [13] سورة النساء آية رقم 82. # [14] سورة السجدة آية رقم 7. # [15] سورة النحل آية رقم 33. # [16] سورة الكهف آية رقم 29. # [17] سورة الفاتحة آية رقم 5. # [18] سورة الأعراف آية رقم 23 وتكملة الآية (وإن لم تغفر لنا وترحمنا ~~لنكونن من الخاسرين). # [19] سورة الأنبياء آية رقم 87. # [20] سورة المؤمنون آية رقم 99، 100 وتكملة الآية (فيما تركت كلا إنها ~~كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) وقد جاءت الآية محرفة في ~~المطبوعة حيث ذكر (ارجعوني) بدلا من (ارجعون). # [21] سورة الزمر آية رقم 58. # [22] سورة الرعد آية رقم 16 وسورة الزمر آية رقم 62 وسورة غافر آية رقم 62. # [23] سورة فاطر آية رقم 3. # [24] سورة فاطر آية رقم 3. # [25] سورة الأنفال آية رقم 17 وتكملة الآية (وليبلي المؤمنين منه بلاء ~~حسنا إن الله سميع عليم). # [26] سورة الصافات آية رقم 96. # [ PageV01P173 27] سورة البرج آية رقم 16. # [28] سورة المؤمنون آية رقم 14 وصدر الآية (ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا ~~العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر ~~فتبارك الله أحسن الخالقين). # [29] سورة المؤمنون آية رقم 72 وسورة سبأ آية رقم 39. # [30] سورة المؤمنون آية رقم 91وتكملة الآية (ولعلا بعضهم على بعض سبحان ~~الله عما يصفون). # [31] سورة المائدة آية رقم 11وتكملة الآية (بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا ~~بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج من الموتى بإذني وإذ كففت بني ~~إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا ms139 إلا سحر مبين). # [32] سورة العنكبوت آية رقم 17 وتكملة الآية (إن الذين تعبدون من دون ~~الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ~~ترجعون). # [33] سورة الأنبياء آية رقم 22. # [34] سورة البقرة آية رقم 286 # [35] سورة الأحزاب آية رقم 40 # [36] قال الإمام احمد، حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن عبد الله ~~بن هبيرة عن عبد الرحمن بن جبير قال سمعت عبد الله بن عمر يقول: # خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما كالمودع فقال: أنا محمد ~~النبي الأمي ثلاثا ولا نبي بعدي، أوتيت فواتح الكلم وجوامعه وخواتمه وعلمت ~~كم خزنة النار، وحملة العرش، وتجوز بي وعرفت وعرفت أمني فاسمعوا وأطيعوا ما ~~دمت فيكم فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله تعالى أحلوا حلاله وحرموا حرامه) # تفرد به الإمام أحمد. # ورواه الإمام أحمد أيضا عن أحمد بن إسحاق عن ابن لهيعة عن عبد الله بن ~~هبيرة ابن شريح الخولاني عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عبد اله بن عمرو ~~رضي الله عنهما فذكر مثله سواء والأحاديث في هذا كثيرة. # القائلون بالجبر فساق # (وفاسق من قال إن الله جل= # قد جبر الإنسان فيما قد فعل) # (وإنه لم يجعل استطاعه= # له لكفر شاءه أو طاعة) # (لأنه لو كان هذا بطلا= PageV01P174 أمر ونهي مع وعد جعلا) # (وبطل الوعيد مع بعث الرسل= # وجاء تكليف الجماد كالنبل) # (وخلقه أفعالنا وعلمه = # بهن لا يوجب جبرا حكمه) # (كذاك كونها لها مرادا= # لأنه قد خير العبادا) # (قوله وفاسق من قال إن الله جل قد جبر الإنسان) الخ أي من قال إن الله - ~~عظم شأنه - قد جبر المكلف على فعله الحسن والقبيح وإنه لم يجعل له اختيار ~~في شيء من ذلك ولا كسبا له ولا استطاعة على إتيانه، فهو فاسق لأنه حمل ~~أفعاله جميعا على الله تعالى ويبطل بمذهبه هذا إرسال الرسل وإنزال الكتب ~~والوعد والوعيد والمواعظ والحكم والمدح والذم لأن من كان مجبورا على فعل من ~~الأفعال مضطرا إليه لا يستطيع عنه محولا كان ms140 إرسال الرسل إليه ووعده إن ~~امتثل ووعيده عن لم يمتثل مع أن لا يستطيع شيئا من ذلك عبث لا يليق بشأن ~~الحكيم ولا يستحق المدح على امتثاله ولا الذم على عدمه. # (أجابوا): بأنه استحق المدح والذم لما خلق الله فيه ذلك الممدوح أو ~~المذموم كما يقال في الألوان هذا حسن وهذا قبيح فيمدحان بفعل الغير إذ من ~~المعلوم أنها لم تكتسب بنفسها الحسن والقبيح وإرسال الرسل وإنزال الكتب ~~والوعد والوعيد، علامة لأهل السعادة وأهل الشقاوة. # ( PageV01P175 قلنا) عن (الأول): إن المدح والذم في الألوان ليس كالمدح ~~والذم في الأفعال الاختيارية، فإن الحسن من الألوان حسن في أي محل كان ~~وكذلك القبيح منها والحسن من الأفعال تختلف باختلاف أمر الشرع ونهيه فيكون ~~في حق هذا حسنا إذا أمر به وفي حق هذا قبيحا إذا نهى عنه فرأينا الحسن ~~والقبيح تابعا لأمر الشارع ونهيه، لا لمحلهما كالألوان (وعن الثاني): إنا ~~لا نسلم أن إرسال الرسل وإنزال الكتب للتعريف بأن هذا سعيد وهذا شقي، إذ لو ~~كان كذلك لما كان للمواعظ والزجر والتهديد فائدة، وكذلك الترغيب والترهيب ~~ولكان يكفي في التعريف بالسعيد والشقي أن يقال من فعل كذا فهو سعيد ومن فعل ~~كذا فهو شقي، من غير تطويل بتكثير أوامر ونواهي وتفصيل عبادات ونحو ذلك، ~~على أنا لا نقطع بأن من مات مصرا على معصية من معاصي الله تعالى إنه في ~~النار قطعا لاحتمال أن يكون تاب توبة لا نعلمها وكذلك لا نقطع بمن مات على ~~طاعة الله في حكم الظاهر أنه في الجنة قطعا لاحتمال أن يكون أصر على معصية ~~غاب عنا علمها، وإنما نقول: إن كان فلان مات على ما ظهر منه فهو كذا فأين ~~فائدة التعريف..؟ (وإنما) قلنا بفسق هؤلاء القائلين بالجبر على الأفعال ~~الاختيارية ولم نقل بتشريكهم مثلا في هذه المسألة لتعلقهم فيها بظواهر ~~آيات، كما في قوله تعالى ((وأنه هو أضحك وأبكى وإنه هو أمات وأحيا))([1]). # (قالوا) فقد أخبرنا في هذه الآية عن أفعالنا الاختيارية وهي الضحك ~~والبكاء، والاضطرارية ms141 وهي الإماتة والإحياء، وأضاف الكل إلى نفسه ولم يفرق ~~بين اختياري واضطراري. # (قلنا) الإضافة إليه بالنظر إلى أنه خالق ذلك لا لأنه المجبر عليه فأين ~~دليل الجبر..؟ (ولا يقال) إن خلقه لها جبر عليها لما سيأتي أن خلق غير ~~الجبر لا عينه، وبالجملة فجميع ما استدللنا به من الآيات الدالة على أن ~~الله خالق أفعال العباد استدل به هؤلاء على ثبوت الجبر في الأفعال ~~الاختيارية. # ( PageV01P176 وجوابهم): إجمالا أن تلك الآيات لم تدل إلا على ثبوت خلق ~~الفعل من الله تعالى لا على ثبوت الجبر، فلو دلت على ثبوت الجبر للزم تناقض ~~القرآن لأنه صرح بأن الجزاء إنما هو بأعمالنا ((أصلوها اليوم بما كنتم ~~تكفرون))([2]) ((ذلك بما قدمت أيديكم))([3]) إلى ما لا يحصى عددا فأين مقام ~~الجبر..؟ # (واعلم) إنه لا يمكن الجمع بين الآيات الدالة على ثبوت الفعل من الله ~~وبين الآيات الدالة على ثبوته من العبد إلا بجعلنا للفعل جهتين إحداهما ~~تضاف إليه تعالى وهي الخلق، والأخرى تضاف إلى العبد وهي الاكتساب، والجمع ~~على هذا الطريق يستلزم صرف جملة من القرآن إلى خلاف الظاهر من غير دليل ~~(قوله فيما عدا قد فعل) أي على فعله ففي بمعنى على وما مصدرية أو موصولة. # ( PageV01P177 قوله وإنه لم يجعل استطاعة له الخ) هذا تمام قول الجبرية ~~وذلك أنهم قالوا إن الله جبر الإنسان على فعله ولم يجعل له استطاعة توصله ~~إلى كفره إن شاء كفرا أو طاعة، والاستطاعة عرض يخلقه الله في الحيوان يفعل ~~به الأفعال الاختيارية، وهي عندنا وعند الأشعرية مقارنة للفعل، وعند ~~المعتزلة موجودة قبل الفعل، والخلاف فيها مبني على الخلاف في خلق الأفعال ~~ولا حجة عليهم في قوله تعالى ((إنك لن تستطيع معي صبرا))([4]) ولا في قوله ~~تعالى ((انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا))([5]) إذ لا ~~دليل فيهما على نفيها قبل الفعل فقط بل نفيها محتمل للإطلاق وإنما الحجة ~~عليهم هي الحجة في أن الأفعال خلق لله تعالى، لأن استطاعة العبد أي قدرته ~~لا تصلح لإيجاد شيء ms142 لم يوجد وإنما تصلح لاكتساب موجود فقط وهي حادثة، فلا ~~يخلو إما أن تكون حادثة قبل الفعل أو بعد الفعل أو حال الفعل، والقول بأنها ~~محدثة بعد الفعل مخالف للضرورة فينتقل الكلام إلى وجودها قبل الفعل فنقول: ~~إن وجودها قبل الفعل لا يخلو إما أن يكون حال وجود العبد وهذا باطل، لأنا ~~نشاهد بالضرورة أن المولود لا يستطيع على شيء وإما أن يكون حدوثها حال ~~صلاحيته للفعل قبل تمكنه منهن وانفعاله له هذا أيضا باطل، لأنا نشاهد من ~~كان في قوة من يستطيع فعل شيء يحاول فعل ذلك الشيء ولا ينفعل له فلو كانت ~~له قدرة على فعله لفعله ومتى ما بطا هذان الاحتمالان ثبت قولنا وهو ~~مقارنتها للفعل. # (لا يقال) إن عدم انفعال الفعل للقادر على مثله إنما هو لوجود مانع من ~~نفوذ قدرته إليه لا لعدم وجودها أصلا (لأنا نقول) إن ذلك المانع هو الذي ~~دلنا على عدم وجودها إذ لو كانت ثمة قدرة ما منعها شيء وبالجملة فالمسألة ~~ليست من باب الدين وإن تفرعت عن مسألة خلق الأفعال لاحتمال أن تفارقها فيصح ~~لقائل أن يقول بها من غير أن يقول بخلق الأفعال. # ( PageV01P178 قوله لكفر شاءه) أي العبد (قوله أو طاعة) المراد بها هنا ~~ما يقابل الكفر فتشمل الواجب والمندوب والمباح والمكروه كراهة تنزيه (قوله ~~لأنه) أي لأن الشأن المحذور من صحة هذا المذهب هو لم صح هذا المذهب يلزم ~~عليه إبطال الأمر والنهي والوعد والوعيد وإرسال الرسل، لأنها تكون حينئذ ~~عبثا لا فائدة فيها كما تقدم ولجاز تكليف الجمادات إذ لا فرق حينئذ بينها ~~وبين العقلاء لأن الاختيار مرفوع عن الكل. # (قوله لو كان) أي لو صح (قوله هذا) أي مذهب الجبر (قوله بطل أمر ونهي) أي ~~بطل الكلام الذي فيه الأمر والنهي إذ لا فائدة فيه (قولا مع معد جعلا) وبطل ~~الوعيد أي لزم بطلان الكلام الذي فيه الوعد والوعيد والمراد بالبطلان ها ~~هنا مخلفة الحكمة. # (قوله مع بعث الرسل) أي إذ لا فائدة في ذلك ms143 وكذلك إنزال الكتب (قوله وجاز ~~تكليف الجماد كالنبل) أي لو ثبت مذهب الجبر لجوز العقل تكليف الجمادات ~~لأنها كالنبل أي العقلاء لا اختيار لكل واحد منهما فمتى ما صح تكليف ~~العقلاء مع عدم الاستطاعة لإتيان ما أمروا به جاز تكليف الجمادات عبث ~~يتعالى الحكيم عنه. # (فإن قيل) إن العبثية إنما هي من خطاب ما لا يسمع ولا يعقل لا من تكليفه ~~(قلنا): وجود السماع والعقل كعدمهما على مذهبكم لأن السمع والعقل إذا لم ~~ينفعا فوجودهما كعدمهما، على أنه يحتمل أن يكون تكليف الجمادات من غير خطاب ~~بوجه شاء الله تكليفها منه فما بالكم تمنعونه..؟ # ( PageV01P179 فإن قيل) لا نمنع جوازه وإنما نمنع وقوعه فلو وقع لصح في ~~العقل أن يجعل الله للجماد حالة يكون فيها من المكلفين (قلنا) هذا من باب ~~قلب الحقائق والله على كل شيء قدير، وكلامنا في الجماد الذي نشاهده نحن على ~~حالته التي نشاهده عليها فإن جوزوا تكليف هذا المذكور خرجوا عن حيز العقلاء ~~فلا يخاطبون (قوله وخلقه أفعالنا وعلمه بهن الخ) أي خلق الله تعالى ~~لأفعالنا وعلمه بهن لا يستلزمان الجبر على إتيانهن لأن خلقه لهن وعلمه بهن ~~لا ينافيان الاكتساب والاختيار الصادرين منا، فإنه وإن خلقها لنا فلا يكون ~~مجبرا لنا على فعلها، لأنها كانت باختيارنا وكسبنا وكذلك علمه بهن فإنه علم ~~بجميع ما كان وما يكون، وكما أن علمه تعالى بأفعالنا لا يستلزم الجبر بهن ~~كذلك لا يستلزم خلقه لهن فلا حجة على المعتزلة على خلقهن بعلمه تعالى بهن ~~خلافا لمن توهم ذلك. # (قوله لا يوجب جبرا حكمه) أي لا يستلزم ذلك أي ثبوت خلقه لأفعالنا وعلمه ~~بهن لا يثبت جبرا على إتيانهن (قوله كذاك كونها له مرادا) أي وكذلك لا يوجب ~~جبرا إرادة الله تعالى لأفعالنا لأنه قد خيرنا بين فعلها وتركها وهو مريد ~~لأحد الطرفين، ونحن نقطع أنه لا يكون إلا ما يريد لكن لا على جهة الجبر ~~وإنما قلنا إنه لا يكون إلا ما يريد لئلا يلزم أن يكون مغلوبا. # (قوله ms144 لأنه قد خير العبادا) أي خيرهم بين أن يفعلوا فيثيبهم أو يتركوا ~~فيعاقبهم ونحو ذلك وذلك التخيير مناف للجبر فلو كنا مجبورين على ذلك ما كان ~~في تخييره إيانا حكمة. # ---------------------------------------------------------------------- ~~---------- # [1] سورة النجم آية رقم 43 # [2] سورة يس آية رقم 64 # [3] سورة آل عمران آية رقم 182 وتكملة الآية (وإن الله ليس بظلام ~~للعبيد) # [4] سورة الكهف آية رقم 76، 72 # [5] سورة الإسراء آية رقم 48 # إثبات خلق الأفعال لله تعالى # (لو لم يكن يعلمه لجهله= # لو لم يكن خالقه من جعله) # (لو لم يرد وقوعه ووقعا= PageV01P180 لكان مكرها على ما صنعا) # (لكن لدا التخيير واكتسابنا= # قد انتفى الإجبار عن رقابنا) # (قوله لو لم يكن يعلمه لجهله) أي لو لم يكن إلهنا يعلم المذكور من ~~أفعالنا للزم أن يكون جاهلا به، ومن كان جاهلا فلا يكون إلها، وهذا وما ~~بعده استدلال على ثبوت العلم لله بأفعالنا وعلى خلقه وإرادته لهن وبيان أن ~~هذه الصفات لا تستلزم الجبر للعبد على الفعل. # (قوله لو لم يكن خالقه) أي المذكور من أفعالنا (قوله من جعله) أي من ~~خلقه..؟ أي إذ لم يكن الله خالقا لفعلنا فمن ذا الذي خلقه يا قد ترى هل من ~~خالق غير الله..؟ أيكون غيره مشاركا له في خلقه أم يخلق الغير شيئا غير ما ~~خلق الله..؟ وقد عرفت من الأدلة المتقدمة أنه لا خالق غيره وهذا الإنكار في ~~غاية الحسن والاختصار. # (قوله لو لم يرد وقوعه ووقعا) أي لو لم يرد ربنا عز وجل وقوع المذكور من ~~أفعالنا ووقع ذلك الفعل الذي لم يرد وقوعه للزم أن يكون مكرها على وقوع ذلك ~~الفعل مغلوبا حيث وقع خلاف ما يريد، قال بعض المعتزلة: لم يلزمني أحد مثل ~~ما ألزمني مجوسي ركب معنا في سفينة فقلت له: لم لم تسلم..؟ فقال: لم يرد ~~الله إسلامي فقلت بل أراد الله إسلامك ولكن شياطينك لا يدعونك فقال: إذا ~~أكون مع الشريك الأغلب يعني إذا كان الشيطان لم يرد إسلامه والله عز وجل ~~أراده فلم يسلم لزم نفاذ إرادة الشيطان، ومن ms145 نفذت إرادته فهو الغالب على من ~~لم تنفذ إرادته، ويلزم أن يكون الشيطان شريكا لله تعالى حيث كان له نفوذ ~~إرادة في كثير من الأشياء بل في غالبها، فإنه يريد الكفر وهو أكثر وقوعا من ~~الإيمان، ومن هذا الباب قصة أبي عبيدة مع واصل وقد تقدم ذكرها. # ( PageV01P181 واعلم) أن المعتزلة قصروا الإرادة على الأمر، وقالوا: لا ~~يصح أن ينهي عن شيء وهو يريد وقوعه أو يأمر بشيء وهو لا يريد وقوعه، إذ ليس ~~من الحكمة ذلك فلو فعله عاقل عد عابثا ونحن نقول: إن الإرادة لا تلازم ~~الأمر بل يجوز أن يأمر بشيء وهو لا يريد وقوعه، وينهى عن شيء وهو يريد ~~وقوعه، وليس ذلك عبثا بل فيه حكمة هي ابتلاء العب واختبارهم ((ليبلوكم أيكم ~~أحسن عملا))([1]) وابتلاؤهم واختبارهم لا لجهل بما يصنعون بل لإظهاره للخلق ~~ما علم أنه صادر منهم وإلزام الحجة لهم لئلا يكون للناس على الله حجة فلو ~~شاء أن يعذبهم بغير ذلك لكان منه عدلا، لأنه هو المالك لهم من غير معارض، ~~والمالك الذي لا معارض له متصرف في مملوكه كيف شاء والظلم يصدر من المالك ~~المعارض في ملكه، (أما قولهم) ليس من الحكمة أن يأمر بشيء وهو يريد خلافه، ~~(فجوابه) أن ذلك من الحكمة إذا كان لمعنى آخر ألا ترى أن السيد إذا كان له ~~عبد يعصيه في أمره وهو يعلم ذلك منه ويريد أن يظهر عصيانه مع غيره فإذا حضر ~~مع جماعة قال له: افعل كذا وكذا وهو لا يريد فعل ذلك الشيء وإنما أراد ~~إطلاع الحاضرين على عصيانه هل يعد هذا السيد عابثا في أمره..؟ # ( PageV01P182 قوله لكان مكرها) أي مقهورا مغلوبا من أكرهته على الشيء ~~إذا حملته عليه قهرا (قوله على ما صنعا) بضم المهملة مبنيا للمجهول أي لو ~~لم يرد وقوع ذلك الشيء وصنعه صانع لوم أن يكون الله مقهورا على صنع ذلك ~~الصانع حين كان وهو لم يرده (لا يقال) إن القهر لا يكون إلا إذا كان من لم ~~يرد الفعل ms146 هو المحمول على فعله، أما إذا كان فاعله غيره فلا يكون مقهورا ~~عليه (لأنا نقول) إن هذا الاعتراض لو سلم فإنما يتصور في حق من لم يملك كل ~~الأشياء، أما في حق المالك للأشياء كلها فعدم نفوذ إرادته في جميع ممالكه ~~قهرا له وغلبة عليه، مع أنا لا نسلم أنه إذا فعل الفعل أحد غير الذي لم ~~يرده ليس بقهر في بعض المواضع بل هو قهر مطلقا، فإنه لا يتصور من أحد أن ~~يتأخر عن نفوذ ما يريد إلا لمعنى يحاذره أو غرض يرجوه ومن كان كذلك فهو ~~مقهور على خلاف ما يريد عاجز عن نفوذ إرادته. # (قوله لكن لذا التخيير واكتسابنا) الخ هذا استدراك على ما أمر لأنه قد ~~يتوهم منه أنة كان الله مريدا لكفر الكافر وإرادته نافذة وهو خالق لفعله أن ~~يكون العبد مجبورا على فعله, فدفع ذلك التوهم بهذا الاستدراك 0 # (وحاصله) أنه تعالى خيرنا في فعل الخير والشر وبين لنا عاقبة الأمرين ~~((فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين))([2]) الآية وجعل ~~لنا قدرة على اكتساب أيهما شئنا لا على خلقه, فإنه هو الذي يخلقها فينا حال ~~اكتسابنا له, وبهذا التخير وهذا الاكتساب ارتفع الاتصاف بالجبر فلا نقول ~~إنه مجبر لنا على فعلنا وفوق ما ذكرنا إنا قد أمرنا بالكف عنه وترك الخوض ~~فيه ((لا يسأل عما يفعل وهم يسألون))([3]) على أنا نعلم أنه هو الخالق ~~لفعلنا والخالق لقدرتنا التي نكتسب بها والخالق لاختيارنا الذي اخترنا به ~~سلوك إحدى الطريقين، ومع هذا كله فلا نقول إنه جبرنا على فعلنا, وإنما نقول ~~إنه نشأ باختيار منا واكتساب لنا فإن رحمنا فبفضله وإن عذبنا فبدله. # ( PageV01P183 قوله قد انتفى الإجبار عن رقابنا) أي لذلك التخيير ~~والاكتساب قد ارتفع الجبر عنا، فالإجبار بكسر الهمزة مصدر أجبره بمعنى جبره ~~وعبر بالرقاب وهي الأعناق عن النفس كلها مع محلها الذي هو الجسد تعبيرا ~~بالبعض عن الكل، وفيه نوع لطافة وتنبيه على أن صورة الجبر عند الناس هو جعل ~~حبل أو نحوه ms147 في رقبة المجبور فيجر قهرا إلى خلاف ما يريد وفي التعبير ~~بالانتفاء حسن اختتام للباب والله الهادي إلى طريق الصواب. # ---------------------------------------------------------------------- ~~---------- # [1] سورة هود آية رقم 7وسورة الملك آية رقم 2. # [2] سورة الكهف آية رقم 29 # [3] سورة الأنبياء آية رقم 23 # الباب السادس (في الإيمان والإسلام وبه يتم الكلام.... # الباب السادس (في الإيمان والإسلام وبه يتم الكلام على الركن الثاني إن ~~شاء الله) # (إيماننا التصديق والإسلام= # إذعاننا لما دعا الأحكام) # (ولهما في الشرع معنى ملتزم= # تصديق قول عملا إذا لزم) # (ومن يكن مضيعا لواحد= # منها استحق هلكة المعاند) # (قوله إيماننا التصديق) الخ أعلم أن للإيمان والإسلام استعمالين أحدهما ~~لغوي والآخر شفوي، وكل منهما حقيقية في موضعه، أما الإيمان والإسلام ~~الشرعيان فسيأتي بيانهما وأما الإيمان اللغوي: فهو التصديق بالقلب قال ~~تعالى ((قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا))([1]) أي لم ~~تصدقوا، وأضاف الناظم الإيمان إلى ضمير المتكلم لأنه من العرب أي إيماننا ~~معشر العرب، مع قطع النظر عن استعمال الشرع هو التصديق بالقلب. # ( PageV01P184 وأما) الإسلام اللغوي فهو الانقياد والإذعان وترك العناد. ~~ولذا قال: ((ولكن قولوا أسلمنا))([2]) (قوله والإسلام إذعاننا) أي وإسلامنا ~~اللغوي هو إذعاننا أي انقيادنا وترك تمردنا على من طلب منا الانقياد ~~والإذعان (قوله لما دعاء الأحكام) أي لما دعتنا أحكام من طلب منا ذلك ~~والأحكام: جمع حكم وهو هنا ثبوت نسبة أو نفيها كانت على حق أو باطل، لان ~~العرب كانت تسمي الانقياد مطلقا إسلاما (قوله ولهما في الشرع معنى ملتزم ~~الخ) أعلم إن للإيمان والإسلام في الشرع استعمالا غير الاستعمال اللغوي ~~وذلك أن الشرع نقلهما عن معناهما اللغوي فأستعملهما مترادفين في مطلق ~~الواجب كان ذلك الواجب تصديقا باللسان فقط، أو تصديقا بالجنان مع قول ~~باللسان، أو كان معهما عمل لازم إتيانه فمن أدى جميع ما وجب عليه كان مؤمنا ~~مسلما عندنا، ومن أخل بشيء من الواجبات لا يسمى مؤمنا عندنا، بل يخص باسم ~~المنافق والفاسق والعاصي والكافر ونحو ذلك على ما سيأتي في آخر الركن ~~الثالث ونعني بمنع تسميته مسلما مؤمنا ms148 أو مسلما فقط التسمية التي ينبني ~~عليها حكم المؤمنين من الولاية وأتباعها، أما إطلاق التسمية من غير ترتب ~~حكمها عليها فجائز، لأنا نقول في حق المخل بالفرائض العمليات هذا مسلم ولا ~~نريد به أنه ولي لكن أطلقنا عليه اسم مسلم. # إما باعتبار المعنى اللغوي وهو الانقياد، فإنه وإن كان غير منقاد في الكل ~~فهو منقاد في البعض وإما أن يكون استعمالا عرفيا عاما حيث أطلقناه في ~~مقابلة المشرك. # ( PageV01P185 واعلم) أن المعتزلة وافقونا على ترادف الإيمان والإسلام ~~الشرعيين وأن الشرع نقلهما إلى الإتيان بالواجبات، ولنا على صحة قولنا قوله ~~تعالى ((وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ~~ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة))([3]) فسمى إتيان المأمور به دينا والدين ~~هو الإسلام لقوله تعالى ((إن الدين عند الله الإسلام))([4]) وما ليس بإسلام ~~فليس بدين فعلم أن الإيمان إسلام وقوله تعالى ((فأخرجنا من كان فيها من ~~المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين))([5]) واعترض على الاستدلال ~~الأول بأن الإشارة في الآية عائدة إلى الإخلاص أي وذلك الإخلاص هو الدين ~~القيمة وعلى الاستدلال الثاني بأن الآية دالة على إنه لا دين سوى الإسلام ~~فتبطل سائر الأديان والإيمان بعض الإسلام وليس هو بدين آخر وعلى الثالث بأن ~~الآية دالة على صدق إطلاق المؤمن على المسلم، والمسلم على المؤمن على ترادف ~~المسلم والمؤمن، فضلا من أن تدل على ترادف الإيمان والإسلام. # ( PageV01P186 أقول): وهذه الاعتراضات قوية فالأولى الاستدلال بقوله صلى ~~الله عليه وسلم ((لا يزني الزاني هو مؤمن))([6]) ((لا إيمان لما لا أمانة ~~له)) ونحوهما من الأحاديث فإنها لا اعتراض عليها وما قيل إنها مبالغة على ~~معنى أن هذه الأفعال ليست من شأن المؤمن فدعوى لم يقم عليها دليل مع ما ~~فيهم من ارتكاب صرف الأحاديث عن ظاهرها والعدول بها عن مقتضاها، حملهم على ~~ذلك الفرار عن نقل الإيمان من معناه اللغوي إلى معنى آخر، وقد وقعوا فيما ~~فروا عنه من النقل فإنهم جعلوا الإيمان في الشرع التصديق بأمور تعرف من ~~الدين بالضرورة ms149 إجمالا في موضع الإجمال، وتفصيلا في موضع التفصيل، ولا يخفى ~~أن إطلاق الإيمان على هذا التصديق المخصوص غير إطلاقه على أصله اللغوي، ~~فإنه في اللغة مطلق التصديق (واستدلوا) على ثبوت قولهم هذا بأشياء منها ~~الآيات الدالة على محلية القلب للإيمان، نحو ((أولئك كتب في قلوبهم ~~الإيمان))([7]) ((ولما يدخل الإيمان في قلوبكم))([8]) ((وقلبه مطمئن ~~بالإيمان))([9]) والآيات الدالة على الختم والطبع على القلوب وقالوا: ~~ويؤيده دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ((اللهم ثبت قلبي على دينك))([10]) ~~وقوله لأسامة وقد قتل من قال لا إله إلا الله ((هلا شققت قلبه))([11]) ~~(ومنها) أنه جاء الإيمان مقرونا بالعمل الصالح في عير موضع من الكتاب نحو ~~((الذين آمنوا وعملوا الصالحات))([12]) فدل على التغاير. # (ومنها) أنه قرن بضد العمل الصالح نحو ((وإن طائفتان من المؤمنين ~~اقتتلوا))([13]) ونحو مفهوم قوله # ((الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم))([14]). # (والجواب) عن جميعها أن الإيمان في هذه المواضع كلها بمعنى التصديق وهو ~~المعنى اللغوي لا بمعنى الإيمان الشرعي والشارع تارة يعبر بهذا وتارة بهذا ~~فقد قال في الصلاة الشرعية ((وأقيموا الصلاة))([15]) ونحوها في الصلاة ~~اللغوية ((صلوا عليه وسلوا تسليما))([16]) ونحوها. # ( PageV01P187 وذهبت) الكرامية إلى أن الإيمان هو التلفظ بالشهادتين وإن ~~لم يكن معه تصديق ولا عمل واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ~~والتابعين كانوا يكتفون ممن جاء مسلما بالتلفظ بالشهادتين من غير أن ~~ينتظروا بهم الأعمال ومن المعلوم أنهم لم يطلعوا على ما في قلوبهم من ~~التصديق. ورد بأنهم يكتفون بذلك في الأحكام الظاهرية لأنهم قد تعبدوا بذلك، ~~والكلام فيما بين العبد وبين ربه، والإجماع على أن من أسر الشرك مشرك عند ~~الله وإن أظهر الإسلام وأما عدم انتظارهم للأعمال فلأنه لم يرد بها تعبد ~~بعد ولكل نازلة حكم. # (وذهب) قوم إلى أن الإيمان هو المعرفة ولو لم يكن معها تصديق ولا عمل، ~~وهذا باطل لاستلزامه أن يكون من عرف محمدا صلى الله عليه وسلم من اليهود ~~ونحوهم مؤمنا فقد قال فيهم ((يعرفونه كما يعرفون أبنائهم))([17]). # (وذهب) آخرون وهم سلف الأشعرية ms150 وأهل الحديث إلى أن الإيمان تصديق ~~بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان. # (أقول): وهذا هو عين مذهب الأصحاب لكنهم لم يعمموا هذا التعميم بل فصلوا ~~وجعلوا من الإيمان التصديق بالجنان، والقول باللسان، إذا لزم القول، والعمل ~~بالأركان إذا لزم العمل، وربما وقع في آثارهم مجملا هكذا ففصلهم أهل ~~التحقيق منهم كالإمام أبي سعيد رضوان الله تعالى عليه في معتبره وقطب ~~الأئمة في هيميانه. # (وذهب) آخرون إلى أن جميع الطاعات إيمان أعني فرضها ونفيها مستدلين بقوله ~~صلى الله عليه وسلم ((الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله ~~وأدناها إماطة الأذى عن الطريق))([18]) ورد بأن في الحديث إطلاق الإيمان ~~على مطلق الطاعة تجوزا لا حقيقة لثبوته حقيقة في فعل الواجبات. # (قوله تصديق قوم) مفعول لقوله والتزم يعني أن معنى الإيمان والإسلام في ~~الشرع ملتزم لتصديق القول وملتزم للعمل. # ( PageV01P188 واعلم) أن المراد بالقول هو التلفظ بشهادتين وتصديقه شامل ~~لتصديقه الباطني، وهو التصديق بالجنان ولتصديقه الظاهري وهو فعل العمليات ~~الواجبة لكن ذكر العمل دفعا لتوهم مذهب الأشعرية القائلين إن الأعمال ليست ~~من الإيمان. # (واعلم) أن فائدة التعبد بالقول إنما هي إظهار ما في الجنان من التصديق ~~وفائدة التعبد بالقول تصديق القول الذي قال به (لا يقال) إن ظاهر كلام ~~المصنف قصر الإيمان على التصديق والعمل دون القول باللسان (لأنا نقول) إن ~~القول مستلزم له قوله تصديق قول إذ لا تصديق لمعدوم مع إنه لو اقتصر على ~~التصديق والعمل ولم يذكر القول تصريحا ولا التزاما لقلنا إن القول داخل تحت ~~العمل لأن العمل حركة البدن واللسان جزؤه. # (قوله عملا إذا لزم) أي إذا وجب معطوف على قوله تصديق قول بحذف العاطف ~~وإنما قيد بقوله إذا لم ليعلم أن العمل لا يكون من الإيمان إلا إذا كان ~~لازما فيخرج القول بأن جميع الطاعات إيمان، وفيه تنبيه على إنه يأتي على ~~المكلف حال وليس عليه من الأعمال البدنية مفترض كما إذا لم تبلغه الحجة ~~بشيء من السمعيات أو كان لم يأت عليه وقت يجب فيه ms151 عليه عمل (قوله ومن يكن ~~مضيعا لواحد منها) أي التصديق والقول والعمل أي من ضيع واحدا من هذه ~~الثلاثة بعد لزومه فهو هالك استوجب بتضييعه ما افترض الله عليه هلاك ~~المعاند لأنه حينئذ يكون كافرا إما كفر شرك أو كفلا نعمة كما سيأتي فهو إما ~~شاكرا وإما كفورا، ولا منزلة بين الإيمان والكفر معنا. # ( PageV01P189 وذهبت) المعتزلة إلى جعل منزلة الفسق بين منزلتي الإيمان ~~والكفر قالوا: لا يسمى الفاسق مؤمنا ولا كافرا فهو بين بين، لأن له في ~~الدنيا أحكام المؤمنين وفي الآخرة أحكام الكافرين، والخلاف بيننا لفظي ~~لأنهم خصوا اسم الكفر بالمشرك ومنعوا إطلاقه على الفاسق، ونحن نطلقه عليه ~~لكنا نقيده بكفر النعمة، لا نجري عليه أحكام المشركين بل نقول فيه إن ~~أحكامه في الدنيا أحكام المؤمنين إلا في الولاية وقبول الشهادة ونحوهما من ~~الأحكام المختصة بالعدول، وليست التسمية بنفسها موجبة خلافا معنويا بين ~~الفرق، وإنما الموجب لذلك الخلاف بناء الأحكام على الأسماء كما ذهبت ~~الأزارقة([19]) والصفرية([20]) والنجدية([21]) إلى تسمية صاحب الكبيرة ~~كافرا وأجروا حكم المشركين عليه وزادت الأزارقة على الطائفتين بتسمية صاحب ~~الصغيرة كافرا وإجراء حكم المشركين عليه. # (قوله استحق) أي استوجب يذلك التضييع وفيه إشارة إلى أن العبد إنما يعذب ~~باستحقاقه العذاب (لا ظلم اليوم) (قوله هلكت) وزن قصبة بمعنى الهلاك كذا في ~~المصباح (قوله المعاند) أي التارك للانقياد وهو اسم شامل لأهل الكبائر لا ~~خاص بالمشركين الجاحدين كما قد يتوهم وإنما قلنا بعمومه لأن صاحب الكبيرة ~~معاند معنى وإن لم يعاند لفظا. # (في وجهه الشرعي ليس ينقص= # لكن يزيد هكذا قد خصصوا) # (لأنه إن هدم البعض إنهدم = # جميعه وذا هو القول الأتم) # ( PageV01P190 قوله في وجهه الشرعي ليس بنقص) ([22]) الخ أي الإيمان ~~بالمعنى الشرعي الذي هو أداء الواجبات مطلقا ليس ينقص نظرا إلى إيمان كل ~~مؤمن, فإنه في ذاته غير متفاوت وإن تفاوت بالنسبة إلى إيمان غيره (بيانه) ~~أن إيمان زيد مثلا التصديق والقول لوجوبهما عليه بقيام الحجة عليه فيهما ~~ولم تقم عليه حجة العمل فإنه يجب عليه ms152 أن يأتي بما قامت عليه به الحجة, ولا ~~يجوز له أن يترك القول مثلا اعتمادا على التصديق ولا ينقص عنه بمعنى انه لا ~~ينحط عنه فرض القول فإن قامت عليه حجة شيء من العمليات وجب عليه الإتيان ~~وزاد عليه إيمانه حيث زاد عليه واجب عملي فإن زاد عمله آخر زاد الإيمان ~~أيضا وهكذا ولا ينقص الإيمان بالنسبة على الشخص الواحد, فإنه وإن إنحط عنه ~~فرضه يصير معه في حكم النفل, وهكذا ونقصان الإيمان الذي نفاه أصحابنا هو ~~الإخلال بشيء من الواجبات لا رفع بعض المفترضات ولا يعتبرون نفس الإيمان من ~~حيث هو هو أي مع قطع النظر عن محله الذي هو المكلف وعن عوارضه التي هي ~~زيادة الفرائض ورفعها فإنه لا شك أن الإيمان بهذا الاعتبار متفاوت فإن ~~إيمان زيد مثلا ناقص بالنسبة إلى إيمان عمرو إذا كان زيد كلف بفرائض دون ~~فرائض عمرو, وهكذا إيمان عمرو زائد بالنسبة إلى إيمان زيد. # (واختلفت) الأشعرية في زيادة الإيمان ونقصانه مع اتفاقهم على أن الإيمان ~~هو التصديق بأمور تعلم من الدين بالضرورة كما قدمنا. # ( PageV01P191 فذهب) الفخر الرازي([23]) وكثير من المتكلمين إلى أن ~~الإيمان لا يزيد ولا ينقص لأن نقصانه هو أن تحتمل النقيض ولا شك أن احتمال ~~النقيض في الإيمان شك ومن كان شاكا في تصديقه فليس بمؤمن وورد بأن نقصان ~~الإيمان ليس هو باحتمال نقيضه الشك فيه, وإنما هو باعتبار ضعفه وقوته ~~والالزم أن يكون إيمان النبي عليه الصلاة والسلام كإيمان واحد من العوام, ~~وهذا باطل وللزم أيضا أن يكون ثواب المؤمن بالأمور الدينية إجمالا كثواب ~~المؤمن بها تفصيلا بعد قيام الحجة بذلك وهذا باطل أيضا. # (قوله لكن يزيد) أي الأيمان الشرعي لا ينقص لكن يزيد لأنه عندنا هو نفس ~~فعل الواجبات، فهي تزيد على المكلف ولا تنقص بمعنى أنها إذا وجبت لا يصح ~~تنقيص شيء منها لا بمعنى أنه إذا وجبت على العبد لا يرفع فإن سمى رفع بعض ~~الواجبات عن بعض المكلفين نقصانا في الإيمان فلا ضير فإنه خلاف ms153 لفضي وقد ~~صرح حديث ذم النساء بذلك في قوله عليه الصلاة والسلام ((ناقصات عقل ودين)) ~~([24]) وبين نقصان الدين بترك الصلاة شطر دهرها بسبب الحيض (قوله هكذا قد ~~خصصوا) أي أصحابنا رحمهم الله تعالى (قوله لأنه إن هدم البعض إنهدم جميعه) ~~ها تعليل لتخصيص أصحابنا بأن الإيمان يزيد ولا ينقص، وصورة التعليل أن هدم ~~بعض الإيمان الذي هو مطلق الواجبات هدم لجميعه لأنه يخرج من الإيمان إلى ~~الكفر إما شركا وإما نفاقا فهما منزلتان وهذا معنى هدم جميعه لأنه يخرج من ~~الإيمان إلى الشرك، كما ذهبت إليه الأزارقة (قوله وذا هو القول الأتم) ~~الإشارة إلى تخصيص الأصحاب بزيادة الإيمان دون نقصانه قائلا إن هذا هو ~~القول الأتم أو إلى التعليل أي هذا التعليل هو القول التام لكن الأول أظهر ~~وفي ذكر معنى التمام هنا حسن اختتام للباب والركن معا والحمد لله رب ~~العالمين. # ~~------------------------------------------------------------------------ # [1] سورة الحجرات آية رقم 14. # [ PageV01P192 2] سورة الحجرات آية رقم 14 وصدر الآية (قالت الأعراب ~~آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم...... ). # [3] سورة البينة آية رقم 5. # [4] سورة آل عمران آية رقم 19وتكملة الآية (وما اختلف الذين أوتوا ~~الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله ~~سريع الحساب). # [5] سورة الداريات آية رقم 36. # [6] الحديث رواه ابن ماجة 3 باب النهي عن النهبة 3936 أنبأنا الليث بن ~~سعد عن عقيل عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن أبي ~~هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وذكره، وفيه ~~زيادة (ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو ~~مؤمن، ولا ينتهب نهبة ير فع الناس إليه أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن) # [7] سورة المجادلة آية رقم 22 # [8] سورة الحجرات آية رقم 14 # [9] سورة النحل آية رقم 106 # [10] الحديث رواه ابن ماجة في المقدمة 13 باب فيما أنكرت الجهمية 199 ~~بسنده عن النواس ابن سمعان الكلابي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~يقول: (ما ms154 من قلب إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أقامه وإن شاء ~~أزاغه). وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يا مثبت القلوب ثبت ~~قلوبنا على دينك). في الزوائد: إسناده صحيح. رواه الترمذي في القدر 7 ~~والإمام أحمد بن حنبل في المسند 2: 7، 8 (حلبي). # [11] هذا جزء من حديث طويل رواه ابن ماجة في كتاب الفتن 1 باب الكف عمن ~~قال: لا إله إلا الله 3930 عن الصميت بن السمير عن عمران بن الحصين وذكره. ~~في الزوائد: هذا إسناد صحيح والصميت وثقة العجلي، وروى له مسلم في صحيحه ~~وعاصم هو الأحوال. ويروي له مسلم أيضا في صحيحه، وذكره ابن حبان في الثقات، ~~وسويد بن سعيد مختلف فيه. ورواه الإمام مسلم في إيمان 158 وأبو داود في ~~الجهاد 95 وأحمد بن حنبل في المسند 4: 439، 207 (حلبي). # [ PageV01P193 12] سورة البقرة آية رقم 25 # [13] سورة الحجرات آية رقم 9 # [14] سورة الأنعام آية رقم 82 # [15] سورة البقرة آية رقم 43، 110 # [16] سورة الأحزاب آية رقم 56 # [17] سورة البقرة آية رقم 146 # [18] الحديث رواه ابن ماجة في المقدمة 9 باب في الإيمان 57 حدثنا علي بن ~~محمد الطنافسي ثنا وكيع ثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن ~~دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم وذكره. وفيه زيادة (والحياء شعبة من الإيمان). ورواه أبو داود في ~~السنة 14 والنسائي في الإيمان 16. # [19] الأزارقة: أتباع نافع بن الأزرق الحنفي المكنى بأبي راشد ولم تكن ~~للخوارج قط فرقة أكثر عددا ولا أشد منهم شوكة. وزعم نافع وأتباعه أن دار ~~مخالفيهم دار كفر ويجوز فيها قتل الأطفال والنساء وأنكرت الأزارقة الرجم ~~واستحلوا كفر الأمانة التي أمر الله تعالى بأدائها وقالوا: إن مخالفينا ~~مشركون فلا يلزمنا أداء أمانتنا إليهم ولم يقيموا الحد على قاذف الرجل ~~المحصن، وأقاموه على قاذف المحصنات من النساء وقطعوا يد السارق في القليل ~~والكثير. ولم يعتبروا في السرقة نصابا. # [20] الصفرية: هم أتباع زياد بن الأصفر وقولهم في الجملة كقول الأزارقة ~~في أن أصحاب الذنوب مشركون غير أن الصفرية لا ms155 يرون قتل أطفال مخالفيهم ~~ونسائهم وافترقت الصفرية ثلاث فرق: # 1 فرقة تزعم أن صاحب كل ذنب مشرك كما قالت الأزارقة. # 2 والثانية تزعم أن اسم الكفر واقع على صاحب ذنب ليس فيه حد. # 3 الثالثة تزعم أن اسم الكفر يقع على صاحب الذنب إذا حده الوالي على ذنبه. # [ PageV01P194 21] النجدات أتباع نجدة بن عامر الحنفي، وكان السبب في ~~رياسته وزعامته أن نافع بن الأزرق لما أظهر البراءة من القعدة عنه بعد أن ~~كانوا على رأيه وسماهم مشركين واستحل قتل أطفال مخالفيه ونسائهم وفارقه أبو ~~فديك وعطية الحنفي وراشد الطويل ومقلاص وغيرهم وذهبوا إلى اليمامة ~~فاستقبلهم نجدة بن عامر في جند من الخوارج يريدون اللحاق بعسكر نافع ~~فأخبروهم بأحداث نافع وردوهم إلى اليمامة وبايعوا بها نجدة بن عامر واكفروا ~~من قال بإكفار القعدة منهم عن الهجرة إليهم. # أنظر في شأن هذه الفرقة مقالات الإسلاميين 1: 162 وما بعدها والتبصير 30 ~~والملل والنحل للشهرستاني 1: 122 وخطط المقريزي 2: 254. # [ PageV01P195 22] - ذهب أصحابنا رحمهم الله إلى أن الإيمان يزيد ولا ~~ينقص وهذا المذهب إذا تؤمل له أصالته في العقيدة سواء حملنا الإيمان على ~~حقيقته اللغوية أو حقيقته الشرعية فإن حمل على حقيقته اللغوية وهو التصديق ~~الذي هو قاعدة الإيمان تجلت صحة هذا المذهب من حيث أن أول واجب يخاطب به ~~الإنسان الإتيان بالجملة التي كان يدعوا إليها رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم وهي تتألف من ثلاث كليات تنطوي تحتها جزئيات الإيمان الإعتقادي ولا ~~يلزمهم أن يعتقد شيئا من تفاصيلها التي لم تقم بها الحجة عليه فإذا قامت ~~عليه بشيء من هذه الجزئيات وجب اعتقاده وتصبح بلك دائرة الإيمان أوسع من ذي ~~قبل فإن معرفة الشيء إجمالا تختلف عن معرفته تفصيلا ولا يمكن أن يرجع ~~الإنسان من العلم إلى الجهل وعليه فإن إنكار شيء ما قامت به الحجة في ~~تفسيرها إما أن يؤدي إلى الشرك وإما إلى كفر النعمة وكل منهما مناف للإيمان ~~وإن حمل على معناه الشرعي الذي يشمل الاعتقاد والقول والعمل تجلت صحة هذا ~~المذهب من حيث أن أول ما يتعبد به ms156 الإنسان الاعتقاد وإذا أعتقد ما لزمه ~~اعتقاده ولم يحظره فرض قولي أو عملي كان مؤمنا كامل الإيمان وإذا وجب عليه ~~شيء من الأقوال أو الأفعال وأده كما وجب عليه ازداد لإيمانه وإذا أخل به ~~بهذا الواجب إنهدم إيمانه كله والله أعلم. سماحة المفتي. # [23]- سبقت الترجمة له في الجزء الأول في كلمة وافيه. # [24] الحديث رواه ابن ماجة في كتاب الفتن 19 باب فتنة النساء 4003 عن ~~ابن الهاد عن عبدالله ابن دينار عن عبدالله بن عمر عن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم أنه قال: يا معشر النساء تصدقن وأكثرن من الاستغفار فإني رأيتكن ~~أكثر أهل النار. PageV01P196 # فقالت امرأة منهن جزلة: (يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال تكثرن وتكفرن ~~العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن قالت: يا رسول الله ~~وما نقصان العقل والدين؟ قال: أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة ~~رجل فهذا من نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي، وتفطر في رمضان فهذا من ~~نقصان الدين). ورواه الإمام مسلم في الإيمان 132 وأبو داود في السنة 15 ~~وأحمد بن حنبل في المسند 2: 67 (حلبي). # الركن الثالث(في الولاية والبراءة وما يشتملان عليه وما يتولدان منه ~~PageV01P197 أي يتسببان منه كالوفاء بالطاعة سبب للولاية، وارتكاب الكبيرة ~~سبب للبراءة، والمراد بقوله وما يشتملان عليه كأقسامهما وأحكامهما وأحكام ~~الولي والعدو، والوقوف عمن لم يعلم منه خير ولا شر فإنهما مشتملتان عليه، ~~وبيان اشتمالهما على الوقوف أن الولي من علم منه الوفاء، والعدو من علم منه ~~الإخلال بشيء من الواجبات الدينية، فالأول محل للولاية والثاني محل ~~للبراءة، فبقي الكلام هل هما نقيضان لا يرتفع أحدهما إلا بوجود الآخر أو ~~ضدان يرتفعان ولا يجتمعان؟ فذكر الوقوف في ركنهما إشعار بأنهما ضدان ~~يرتفعان عن شخص لا تعلم حاله فيجب فيه الوقوف، ولا يجتمعان في شخص واحد في ~~حال واحد، وإنما قلنا في حال واحد لأن الشخص قد يكون وليا في حال عدوا في ~~حال آخر، فعلم من هنا أم محل الولاية والبراءة أحوال المكلف، فهي موضوع ms157 هذا ~~العلم أي فأحوال المكلف هي موضوع علم الولاية والبراءة وحده هو العلم ~~بأحوال المكلف التي يعلق بها الخطاب الشارع، فخرج بأحوال المكلف أحوال غيره ~~كالبهائم ونحوها، ولا يخرج بالقيد بالمكلف الملائكة فإنهم مأمورون منهيون ~~فهم مكلفون بمعنى أنهم ملزمون للأوامر والنواهي، وهو معنى التكليف فإنه وإن ~~فسر بإلزام الله العبد ما على النفس فيه مشقة فلا يستلزم وجود تلك المشقة ~~في كل مكلف بل يكفي اعتبارها في جملة المكلفين ولا الصبيان فإن ولايتهم ~~تبعية أي بالتبع لآبائهم فأحوال آبائهم هي المعتبرة، ولا شك أن آباءهم ~~مكلفون هذا على القول المشهور، أما على القول بأن جميع الأطفال في الولاية ~~فإنما هو بالنظر إلى حالهم حيث أنهم لم ينقضوا الميثاق الذي أخذه الله ~~عليهم، ولا المجانين فإن العلم بحالهم قبل الجنون وهو المعتبر هنا، فهم ~~أولياء وأعداء باعتبار حالهم الأول وخرج بالأحوال التي تعلق بها خطاب ~~الشارع الأحوال التي لم يتعلق بها ذلك، كالأعراض والألوان من أحوال ~~المكلفين أيضا لكن لم يتعلق بها خطاب الشارع فانطبق الحد على المحدود. # ( PageV01P198 وثمرته) التوصل إلى رضوان الله في موالاة أوليائه ومعاداة ~~أعدائه وهو الفوز الأكبر والمقام الأفخر. # (ومن) ثمرته ائتلاف المؤمنين واجتماع شملهم، فينتظم أمرهم ومجانبة الفساق ~~واعتزالهم والسلامة من مخالطتهم. # (واعلم) إن علماءنا رحمهم الله تعالى قد جعلوا علم الولاية والبراءة علما ~~قائما بنفسه وأفردوا فيه مصنفات عديدة ما بين مطول ومختصر وآخذ بأقصى غايته ~~ومقتصر وقد وضعنا له من هذه المنظومة هذا الركن لعلمنا أنه نوع من علن ~~الاعتقاد، وما في هذا الركن إن شاء الله تعالى واف بالمراد وفيه أيضا ستة أبواب. # الباب الأول(في وجوب الولاية والبراءة وأقسامها) # (ولاية المؤمن فرض حققا = # وهكذا براءة الذي فسقا) # أي في بيان ذلك (قوله ولاية المؤمن فرض حققا) هذا شروع في بيان أحكام ~~الولاية والبراءة ولم يتكلم المصنف على تعريفهما، فأما الولاية فهي لغة: ~~القرب والقيام للغير بالأمر والنصر والاهتمام بالمصالح والحفظ والاتصال، ~~يقال فلان موال لفلان إذا كان مقربا له وقائما بأمره ms158 ونصره ومهتما بمصالحه، ~~وحافظا لغيبته ومتصلا به في مواضع الاتصال. # قال القطب رمه الله: وعلى هذا تبنى الولاية الشرعية أي وعلى ما ذكر من ~~بيان تعريف الولاية اللغوية ينبني تعريف الولاية الشرعية فجميع ما ذكر ~~هنالك من فصول التعريف هو موجود هنا، لكن الولاية الشرعية شاملة لولاية ~~العباد بعضهم لبعض، ولولاية الله فلا يصح أن تعرف الولاية الشرعية بذلك ~~التعريف لأنه غير جامع لها. # ( PageV01P199 بيان): أن من بعض قيوده الاهتمام بمصالح الغير والاتصال به ~~والله عز وجل يتعالى عن ذلك التعريف المذكور خاص بولاية العباد بعضهم لبعض ~~أما ولاية الله لعباده فهي توفيقه إياهم لطاعته وإعانتهم عليها ونصرته لهم ~~على أعدائهم الذين من جملتهم أنفسهم وشياطينهم. وأصل الولاية الموافقة في ~~الدين فكل من وافقك في الدين فهو وليك، سواء علمت بموافقته أو جهلتها أو ~~برئت منه بالظاهر لحدث عرفته منه، وهو قد تاب ورجع عنه فالملائكة عليهم ~~السلام أولياؤنا، لأنهم موافقونا في أصل الامتثال وكذلك أهل الطاعة من ~~الأمم السالفة فإنه وإن اختلفت الأوامر بالنظر إلى اختلاف الشرائع فالدين ~~عند الله الإسلام أي الانقياد لأحكامه مطلقا، لكن فرق بين ولايتنا وولاية ~~الملائكة فإن الملائكة لا يصح أن يستغفر لهم، لأنه لا ذنب لهم ول لا يعصون ~~الله ما أمرهم ويجب الاستغفار من بعضنا معشر المؤمنين لبعض وجائز في حق ~~الأنبياء لقوله تعالى ((ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر))([1]) ~~فطالب الغفران للأنبياء إنما يطلب غفران ذلك الذنب الذي ذكره الله، والأولى ~~رفع منصبهم العالي عن درجة الاستغفار إلى درجة التحية، وسلام على المرسلين ~~وإلى درجة الصلاة مع التحية المخصوصة برتبتهم ((يا أيها الذين آمنوا صلوا ~~عليه وسلموا تسليما))([2]). # (وأما حكم): الولاية فهو الوجوب لمن اتصف بصفة الإيمان، ولذا قال المصنف ~~فرض حققا أي ولاية من اتصف بالإيمان فرض واجب ثبت وجوبه بأدلة قاطعة. # (منها) قوله تعالى((فاعلم أنه لا اله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين ~~والمؤمنات))([3]) PageV01P200 فقرن الأمر بالاستغفار للمؤمنين والمؤمنات ~~بالأمر بمعرفة الوحدانية، والاستغفار ثمرة الولاية، وفي ms159 اقتران الأمرين ~~تنبيهان أحدهما بيان وجوب الأمرين إذ لا معنى لوجوب الأمر الأول وندبية ~~الأمر الثاني مع عدم قرينة تدل على صرفه عن حقيقته، وثانيها بيان وجوب ~~الولاية على جميع المكلفين، كما أن معرفة الوحدانية واجبة عليهم جميعا وكفى ~~بها دليلا لمن ألقى السمع وهو شهيد. # (ومنها) قوله تعالى ((فبايعهن واستغفر لهن الله))([4]) في الأمر ~~بالاستغفار لهن أمر بولايتهن وإذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام بأمر شمل ~~الأمة شرعا إلا بدليل يخصه ولا دليل هنا على التخصيص. # (ومنها) قوله تعالى ((إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ~~في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أوليا بعض والذين آمنوا ولم ~~يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين ~~فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير. ~~والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد ~~كبير))([5]). # والاستدلال بهذه الآية على وجوب الولاية من وجهين أحدهما قوله تعالى ~~((وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر)) فقد ألزمهم النصر في الدين والنصر ~~في الدين هو عين الولاية الشرعية. # وثانيهما قوله تعالى ((إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)) أي إن ~~لم تفعلوا ما فرض عليكم من موالاة المؤمنين ومناصرتهم ومعاداة الكافرين ~~ومباعدتهم تكن فتنة في الأرض باستيلاء الكفار على المسلمين، وفساد كبير ~~بظهور الشرك على الإسلام وقد كلفوا درء المفاسد ما استطاعوا وألزموا قمع ~~الشرك ما قدروا، ومجاهدة الكفار ما أمكنهم وبإيجاب ما ذكرنا ثبت وجوب ~~المولاة والمناصرة للمؤمنين والمعاداة والمباعدة للكافرين، ففي الآية مع ~~الاستدلال على وجوب الولاية الاستدلال على وجوب البراءة أيضا. # ( PageV01P201 قوله وهكذا براءة الذي فسقا) أي ومثل الولاية في ثبوت ~~الفرضية البراءة من الفاسقين مطلقا أي كانوا مشركين أو أهل كفر نعمة ~~فالبراءة منهم واجبة بنص الكتاب العزيز وإجماع المحمدية، والبراءة: هي لغة ~~البعد عن الشيء والتخلص، يقال فلان بريء من كذا إذا بعد عنه أو تخلص منه ~~قال القطب رحمه الله: وعلى ذلك تنبني البراءة ms160 الشرعية، ثم عرف الشرعية بما ~~نصه وشرعا البغض والشتم واللعن للكافر لكفره قوله للكافر لكفره أي لأجل ~~كفره أي يكون البغض والشتم واللعن للكافر إثم هو بسبب كفره لا بسبب شيء آخر ~~غير الكفر فإن ذلك لا يسمى براءة في الشرع ويدل على وجوبها آيات. # (منها) قوله تعالى ((لقد كان لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ ~~قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا ~~وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده))([6]) مع قوله تعالى ~~((لقد كان فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن ~~الله هو الغني الحميد))([7]) فإنه تعالى أوجب التأسي بإبراهيم عليه السلام ~~والذين معه بقوله ((لمن كان يرجو الله واليوم الآخر)) وبقوله ((ومن يتول ~~فإن الله هو الغني الحميد))([8]). # (ووجه) الاستدلال الأول جعل التأسي لمن كان يرجو الله واليوم الآخر فمن ~~لم يرج الله واليوم الآخر فلا يتأسى بإبراهيم والذين معه في هذه الصفات ~~المذكورة وهو وعيد على ترك التأسي. # (ووجه) الاستدلال الثاني إنما هو حيث بين أنه تعالى غني حميد عمن تولى عن ~~التأسي بهم وهذا الكلام لا يرد إلا في ترك الواجبات كما في قوله تعالى ~~((ومن كفر فإن الله غني عن العالمين))([9]) (ومنها) الآيات التي فيها ترتب ~~اللعن على الكفر والظلم كما في قوله تعالى ((أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة ~~الله والملائكة والناس أجمعين))([10]) ((ألا لعنة الله على ~~الظالمين))([11]) ونحوهما من الآيات. # ( PageV01P202 أما) قوله تعالى ((ومن يتولهم منكم فإنه منهم))([12]) ~~وقوله تعالى ((لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ~~ورسوله))([13]) الآية ونحوها من الآيات فليس فيها دلالة على وجوب البراءة ~~نعم تدل على تحريم ولايتهم وليس كل ما دل على تحريم ولاية أحد يدل على وجوب ~~البراءة منه، لأن هنالك أمرا ثالثا هو الوقوف. # (واعلم) أن الأمة مجمعة على وجوب البراءة من أعداء الله جملة لكن اختلفوا ~~في ثبوتها تفصيلا في الأشخاص فمذهب الأصحاب ثبوتها في الأشخاص ms161 مستدلين أن ~~العلة التي لأجلها وجبت البراءة في الجملة إنما هي الإخلال بشيء من أوامر ~~الله تعالى، أو ارتكاب شيء من مناهيه، فإذا وجدنا هذه العلة في شخص بعينه ~~وجب علينا أن نجري عليه الحكم الذي أوجبته هذه العلة، فثبت القياس قطعيا ~~للقطع بأن علة الحكم في الأصل هي ما ذكرنا، وهي مقطوع بوجودها في الفرع ~~فثبت الحكم قطعا. # ---------------------------------------------------------------------- ~~--------- # [1] سورة الفتح آية رقم 2. # [2] سورة الأحزاب آية رقم 56. # [3] سورة محمد آية رقم 19. # [4] سورة الممتحنة آية رقم 12. # [5] سورة الأنفال آية رقم 72 - 73. # [6] سورة الممتحنة آية رقم 4. # [7] سورة الممتحنة آية رقم 6 وقد جاءت هذه الآية محرفة في المطبوعة حيث ~~قال(لقد كان فيهم) بدلا من قوله(لقد كان لكم فيهم) # [8] سورة الحديد آية رقم 24. # [9] سورة آل عمران آية رقم 97. # [10] سورة آل عمران آية رقم 87. # [11] سورة هود آية رقم 18. # [12] سورة المائدة آية رقم 51. # [13] سورة المجادلة آية رقم 22. # أقسام الولاية والبراءة # (والكل من ذين على أقسام= # ثلاثة تأتي على تمام) # (حقيقة وهي التي قد نطقا= # بها كتاب أو رسول حققا) # (والحكم بالظاهر فهو الثاني= # ثالثهما عقيدة الإنسان) # ( PageV01P203 قوله والكل من ذين) أي الولاية والبراءة وذكر الإشارة ~~باعتبار أنهما فرضان أي وكل واحد من هذين الفرضين على أقسام ثلاثة. # (قوله على أقسام) متعلق بمحذوف أي يكون على أقسام. # (قوله ثلاثة) بدل من أقسام (قوله تأتي على تمام) الجملة نعت لثلاثة. # (اعلم) أن كل واحد من الولاية والبراءة على ثلاثة أقسام. # (الأول): ولاية الحقيقة وبراءة الحقيقة ولهذا القسم طريقان أحدهما أن يرد ~~الكتاب بما يوجب ولاية أحد أو البراءة منه، وهذا الطريق على وجوه أحدها من ~~صرح باسمه كالأنبياء المخصوصين بأسمائهم في الولاية وكإبليس، وفرعون، ~~وهامان، في البراءة. # (الثاني): من كني عنه كأم موسى، وامرأة فرعون في الولاية، وكأبي لهب([1]) ~~في البراءة. # (الثالث): من جاء مبهما لم يخص باسم ولا بكنية كمؤمن آل فرعون المذكور في ~~قوله تعالى ((وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى))([2]) من أهل الولاية وكالذي ~~حاج إبراهيم في ربه من أهل البراءة. # ( PageV01P204 الطريق الثاني): ما ms162 نطق فيه رسول من رسل الله أن فلانا من ~~أهل السعادة أو من أهل الشقاوة، وفيه الوجوه المتقدمة وشرطوا في هذا الطريق ~~أن يسمع السامع من لسان الرسول ذلك الكلام حين نطقه به، وأن يكون السامع ~~ينظر إلى شفتي الرسول عند النطق، أما إذا نقل له العدول أن الرسول قال في ~~فلان كذا بما يقتضي السعادة أو الشقاوة فليسوا عليه بحجة في الحقيقة، بل ~~ولا يجوز له أن يقطع بحقيقة قولهم لاحتمال الكذب إلا إذا بلغوا رتبة لا ~~يمكن تواطؤ مثلهم على الكذب عادة، فإن الخبر يكون حينئذ من باب المتواتر ~~والمتواتر مقطوع بصدقه. PageV01P205 # أما إذا لم يكونوا بتلك المنزلة بأن كانوا اثنين أو ثلاثة أو نحو ذلك ~~فرفعوا عن الرسول ما يقتضي الولاية بالحقيقة في شخص بعينه فإن على من نقل ~~إليه من يتولى ذلك الشخص بولاية حكم الظاهر، وحكمه عنده في جميع أحواله حكم ~~الولي بالظاهر، أما إذا نقلوا ما يقتضي البراءة في شخص معين فليسوا بحجة ~~على المنقول إليه إلا إذا جاؤوا بذلك النقل على سبيل الشهادة، كأن قالوا: ~~نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في فلان كذا فإنه يلزم المشهود ~~معه أن يبرأ بشهادتهم براءة حكم الظاهر، وإنما قلنا أنهم ليسوا بحجة في نقل ~~ما يقتضي البراءة بخلاف ما يقتضي الولاية، لأن أمر البراءة أشد من أمر ~~الولاية لأنه خلع مسلم من الدين، والولاية هي إبقاء مسلم على إسلامه، ~~فالاعتقاد في الولاية حاصل لنا قبل وجود هذا الخبر أما في ذلك الشخص بعينه ~~كأن نعلم أنه مسلم لكن لم ينكشف لنا تصديق إسلامه فخبر الاحاد إنما كشف لنا ~~له صدق بإسلامه ووفى بما عليه، وأما في الجملة فإنا نعلم أن كل مولود يولد ~~على الفطرة فالفطرة أصل لكل المولودين، ثم نحن نجهل حالهم بعد البلوغ لكثرة ~~الأحداث فكشف لنا هذا الخبر على لسان هؤلاء العدول أو العدل الواحد على قول ~~سيأتي أن فلانا مثلا باق على الفطرة التي ولد عليها فبهذا تعرف فرق ms163 ما بين ~~الولاية والبراءة بخبر الاحاد، وإنما قلنا إن شهادتهم بأن الرسول قال في ~~فلان ما يقتضي البراءة حجة على المشهود معه لأن شهادتهم عن لسان الرسول ~~ليست بأدنى قوة من شهادتهم على إقرار الفاعل بالكبيرة، فإنهم متى ما شهدوا ~~بإقراره على نفسه بكبيرة لزم قبول شهادتهم. # ( PageV01P206 فإن قيل) إن شهادة العدول إذا لم يبلغوا حد التواتر لا ~~توجب علما كخبرهم فما بالكم أوجبتم البراءة.؟ قلنا: إنما أوجبناها بشهادتهم ~~دون خبرهم لتنزيلها منزلة العمليات فإنا نعتقد البراءة منه بثبوت تلك ~~الشهادة عندنا لتعبده تعالى إيانا بقبول شهادة العدلين في العمليات، فنحن ~~نحكم عليه بالبراءة بتلك الشهادة مع احتمالنا أن يكون خلاف ما شهدوا به ~~وعدم قطعنا بصدق شهادتهم كما نحكم عليه بقطع يده إذا شهد العدول أنه سارق ~~دينارا من حرز مثلا، وكما نحكم عليه بقطع رقبته قصاصا إذا شهد عليه العدلان ~~بقتل إنسان حر فليس خلعه عن الإسلام بأشد من قطع رقبته بالسيف، ومحصل ما ~~ذكرناه أن لكل من الولاية والبراءة جهتين إحداهما: جارية مجرى العبادات ~~الاعتقادية وهي كون اعتقادهما عبادة الله، والثانية: جارية مجرى المعاملات ~~وتلك الجهة هي كونهما من حقوق العباد فاعتبرنا في ثبوتهما بشهادة العدلين ~~الجهة الثانية لأن بشهادة العدلين تثبت الحقوق وتسقط. # (القسم الثاني): الولاية بحكم الظاهر والبراءة بحكم الظاهر ومحلها مكلف ~~ظهر منه موافقة أو مخالفة دينية، ولها طرق يأتي الكلام عليها في الباب ~~الثاني من هذا الركن إن شاء الله تعالى. # ( PageV01P207 القسم الثالث): ولاية الجملة وبراءة الجملة وصورتها أن ~~يعتقد المكلف ولاية أهل طاعة الله من الأولين والآخرين إلى يوم الدين انسهم ~~وجنهم وملائكتهم، وأن يعتقد البراءة من جميع أهل معصية الله من الأولين ~~والآخرين انسهم وجنهم إلى يوم الدين، وهذا القسم لابد منه الذي عبرنا عنه ~~بعقيدة الإنسان، وإنما عبرنا عنه بذلك لأنه لا بد لكل مكلف أن يعتقده دينا، ~~وقسما الحقيقة والظاهر وإن وجبتا فوجوبهما لا على عموم المكلفين بل على من ~~وصل إليه علم ذلك فهذه ستة أقسام بالنظر إلى ms164 كل قسم من أقسام الولاية ~~والبراءة، ولاية الحقيقة، وولاية الحكم بالظاهر، وولاية الجملة فتلك ثلاثة ~~أقسام للولاية، والقسم الرابع براءة الحقيقة. والخامس براءة الحكم بالظاهر. ~~والسادس براءة الجملة. PageV01P208 # أما ولاية الجملة وولاية الحقيقة فلا يصح أن يفترقا لأن من أخبر الصادق ~~بولايته عند الله تعالى هو الذي اعتقدت أنت ولايته في الجملة، وكذلك براءة ~~الحقيقة وبراءة الجملة فعلم من هذا أن ولاية الحقيقة لا تكون في شخص متبرأ ~~منه في الجملة وكذا العكس، وكذا ولاية الحقيقة وبراءة الحقيقة لا يصح ~~اجتماعهما في شخص بعينه لئلا يلزم كذب الصادق، وكذا الولاية بحكم الظاهر لا ~~يجتمعان في حال واحد لتضاد أسبابهما، لكن الولاية بالظاهر قد توافق ولاية ~~الحقيقة وقد تخالفها، وبراءة الظاهر قد توافق الحقيقة وقد تخالفها، وذلك ~~فيما إذا كان ولاية الولي بالحقيقة وبراءة العدو بالحقيقة لم تبلغ هذا ~~المتولي والمتبرئ بحكم الظاهر، أما إذا بلغته وجب عليه الأخذ بالحقيقة وترك ~~الظاهر لما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى وكذا كل واحد من الولاية ~~والبراءة بحكم الظاهر قد توافق الولاية في الجملة وقد تخالفها فيصح أن يكون ~~الشخص الواحد في الحال الواحد وليا بالحقيقة عند فلان عدوا في الظاهر عند ~~غيره وأن يكون عدوا في الحقيقة وليا في الظاهر بهذا الاعتبار، وكذا يصح أن ~~يكون وليا في الظاهر عدوا في الجملة وبالعكس ولا يصح أن يكون وليا عدوا في ~~الحقيقة ولا وليا في الحقيقة عدوا في الجملة، وهكذا. # ( PageV01P209 واعلم) أن هنا مسألة أحببت أن أسمعك إياها وإن تعذرت ~~صورتها في زماننا لكن لتنبه بها على أصل حكم السلف الصالح، وهي ما إذا كان ~~لك ولي في الحقيقة ففعل ما يوجب حدا أو ارتد والعياذ بالله وجب عليك إقامة ~~الحد عليه وقتاله على ارتداده إن كنت ممن يقوم بذلك وأنت تقطع أنه ولي لله ~~في الحقيقة بأن تعلم أنه لا يموت إلا على حالة يرضاها ربه لوجوب القطع بصدق ~~خبر الشارع وإجراء الأحكام الظاهرية عليه، إنما هي بحسب إتيانه لموجباتها ~~فهي نافذة ms165 حكما ظاهريا على جميع من فعل أسبابها المناطة بها فإذا مات على ~~حال شرك في الظاهر مثلا لزم تنزيله حيث نزل نفسه في أحكام الظاهر كترك ~~الصلاة عليه وعدم دفنه في مقابر المسلمين، وعدم ميراثه كذا قالوا وعندي فيه ~~خلاف ذلك فإنه متى ما فارقت روحه الدنيا لزمنا القطع أنه مات على توبة ~~مقبولة وإن لم نطلع عليها لأن الله لا يغفر أن يشرك به، وقد أخبرنا أن هذا ~~من أهل الجنة فبضم كل واحد من الخبرين إلى الآخر يحصل القطع بأنه مات على ~~توبة من شركه وإذا قطعنا بذلك لزمنا تنزيله منزلة المسلمين فتجب الصلاة ~~عليه ويجوز ميراثه لورثته المسلمين ودفنه في مقابر المسلمين، والأصحاب ~~رحمهم الله تعالى جعلوا هذه الأشياء من جملة الأحكام الظاهرية التي سبب ~~نفوذها وجود الشرك في الظاهر، وأنت خبير بأن الشرك منحسم عن هذا الولي حين ~~موته فهو مسلم قطعا فإذا عرفت هذه القاعدة فاعلم أن بقية أصحابنا من أهل ~~النهر رضي الله تعالى عنهم إنما حكموا بقتل من قتل أصحابهم لفعله بحكم ~~الظاهر ما يستوجب به القتل، وهو قتل المسلمين فقتله لهم لا ينافي كونه ~~سعيدا عند الله تعالى وإن صح خبر سعادته مع قاتله فإجراء حكم القتل عليه ~~إنما هو بحسب الظاهر أما إذا لم يصح خبر سعادته عند قاتله أو عند أحد من ~~المسلمين وجب أن يبرأ من بحكم الظاهر لما ارتكبه من موجب البراءة، وهو قتل ~~المسلمين حتى تعلم له توبة من ذلك. # ( PageV01P210 تنبيه) الولي بالحقيقة لا يصح أن يبرأ منه أصلا ولو فعل ~~موجب البراءة في الظاهر، وإنما تبغض منه تلك الأفعال التي توجب البراءة ~~الظاهرية لا ذاته، وكذا العدو بالحقيقة فإنه وإن فعل موجبات الولاية ~~بالظاهر فإنما تحب منه تلك الأفعال لا ذاته لعلمنا بما سيصيران إليه، ولا ~~يصح لنا الرجوع عن علمنا فإذا عرفت هذا فاعلم أن الولي لله تعالى ولي دائما ~~أبدا وإن أشرك، وأن العدو لله تعالى عدو دائما وإن أطاع لاستحالة تغير علمه ~~تعالى ms166، فسقط قول النكار إن المرء عدو لله في حالة معصيته، ولي لله في حالة ~~طاعته وهكذا. # (قوله حقيقة) إنما سمي هذا القسم حقيقة لموافقته ما في نفس الأمر أو ~~لثبوته بعدم التغير والانتقال في قسم الظاهر مأخوذ على التوجيه الثاني من ~~حق الشيء إذا ثبت. # (قوله قد نطقا بها كتاب) نكر الكتاب ليفيد التعميم، لأن المراد كل كتاب ~~من كتب الله أو رسول من رسله حجة في ذلك على السواء لوجوب الصدق في الكل، ~~وإسناد النطق إلى الكتاب مجاز عقلي أو نجعل النطق استعارة عن الإبانة بجامع ~~الظهور في كل منهما، فنقول نطق بمعنى أبان أي أظهر والباء في بها ترشيح ~~للاستعارة، أو تقول شبه الكتاب بناطق حقيقة وحذف المشبه به وذكر من لوازمه ~~النطق فهي استعارة بالكناية وذلك اللازم استعارة تخييلية. # (قوله أو رسول حققا) أي ثبت (قوله والحكم بالظاهر فهو الثاني) أي فثبوت ~~الولاية بحكم الظاهر وثبوت البراءة بحكم الظاهر هو القسم الثاني من الأقسام ~~الثلاثة الجامعة للولاية والبراءة. # (قوله ثالثها) أي الأقسام (قوله عقيدة الإنسان) أي المكلف والعقيدة فعلية ~~بمعنى مفعولة أي معتقدة وهي ما ينطوي عليها ضمير الإنسان كانت صحيحة أو ~~فاسدة، والمراد بها ها هنا ولاية الجملة وبراءة الجملة. # ---------------------------------------------------------------------- --- # [ PageV01P211 1] هو عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم من قريش، عم ~~الرسول صلى الله عليه وسلم وأحد الأشراف الشجعان في الجاهلية، ومن أشد ~~الناس عداوة للمسلمين في الإسلام، كان غنيا عتيا كبر عليه أن يتبع دينا جاء ~~به ابن أخيه فآذى أنصاره وحرض عليهم وقاتلهم وفيه نزلت الآية ((تبت يدا أبي ~~لهب وتب، ما أغنى عنه ماله وما كسب)) وكان أحمر الوجه، مشرقا فلقب في ~~الجاهلية بأبي لهب، مات بعد وقعة بدر بأيام ولم يشهدها عام 2ه. # راجع ابن الأثير 2: 25 والديار بكري 1: 169 ودائرة المعارف الإسلامية 1: ~~393 - 396 وتاريخ الإسلام للذهبي 1: 84 و169 والروض الأنف 1: 265. # [2] سورة القصص آية رقم 20 وتكملة الآية ((قال يا موسى إن الملا يأتمرون ~~بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين)). # الباب الثاني (من الركن الثالث...... # الباب ms167 الثاني (من الركن الثالث) # (في الولاية والبراءة بحكم الظاهر) PageV01P212 أي في بيان طرقهما التي ~~يتأديان منها وفي أحوال الولي وأحكام ذلك. (اعلم) أن موجب الولاية هو ~~الموافقة في القول والعمل، وأن موجب البراءة هو المخالفة فيهما أو في ~~أحدهما، هذا مما اتفق عليه أصحابنا واختلفوا في الموافقة بالقول قبل معرفة ~~العمل، فأوجب بعضهم الولاية به ومنعها آخرون، والأول أصح لقوله تعالى ((يا ~~أيها النبي إذا جاءك المؤمنات)) إلى قوله ((فبايعهن واستغفر لهن ~~الله))([1]) فأمره بالاستغفار لهن على نفس تلك المتابعة ولم يأمره ~~بالانتظار في أمرهن فإذا صح معنا لأن فلانا موافق لنا في الاعتقاد ألزمنا ~~أنفسنا ولايته من غير أن ننتظر به العمل لتلك الآية وهذا شامل لمن خرج عن ~~الشرك إلى الإسلام، ولمن رجع عن مذهب أهل الضلال إلى مذهب أهل الحق، ولمن ~~كان مختفيا علينا حقيقة اعتقاده فظهرت لنا بعد لكن بشرط أن لا تظهر منه ~~إمارة تدل على مخالفته لحديث ((استفت نفسك))([2]) ((ودع ما يريبك))([3]) ~~فإذا جمعنا بين هذين الخبرين وبين تلك الآية حصل لنا المطلوب وهو أنه لا ~~يتولى بنفس القول إذا اتهم ولكل واحد من موجبات الولاية والبراءة طرق فأما ~~طرق البراءة فهي أربع كلها متفق عليها. # (أحدهما): العيان أي المشاهدة وذلك أن تشاهد مكلفا يرتكب كبيرة لا يحتمل ~~له فيها عذر فالواجب عليك البراءة منه وسيأتي لهذا الطريق زيادة بسط في ~~الباب الرابع من هذا الركن. # (الطريق الثاني): الإقرار وهو أن يقر المكلف بأنه فعل كبيرة ولم يتب منها ~~أو أقر بذلك على سبيل السرور بها أو على سبيل الافتخار بها فإنه يجب على من ~~سمعه أن يبرأ منه لا إذا أقر بها على سبيل الندم والتحسر على ارتكابها فإن ~~هذا تائب منها. # (الطريق الثالث): شهادة العدلين بأن فلانا فعل كبيرة وسيأتي بسطه. # ( PageV01P213 الطريق الرابع): الشهرة التي لا دافع لها على أن فلانا فعل ~~كذا وسيأتي بيانها (وأما طرق الولاية) فهي أربعة أيضا ثلاثة منها متفق ~~عليها وواحد مختلف فيه فالمتفق عليها هي العيان ms168 أي مشاهدة الوفاء بدين الله ~~ورفيعة العدلين للوفاء والشهرة بالوفاء (وأما المختلف فيه) فهي رفيعة العدل ~~الواحد للوفاء بدين الله وسيأتي بسطه إن شاء الله تعالى. # (براءة الظاهر حكما تجب= # بواحد من أربع تعتقب) # (عيان أو إقرار أو شهادة= # عدلين أو حق أتى بشهرة # واستثن الإقرار لدى الولاية= # وإنما الواجب بالثلاثة) # (قوله براءة الظاهر حكما) أي براءة حكم الظاهر فحكما تمييز محول عن مضاف ~~إليه وفي إضافة البراءة إلى الحكم إضافة المسبب إلى سببه لأن حكم الظاهر ~~سبب لوجود البراءة. # (قوله تجب) أي تلزم أو تثبت (قوله بواحد) أي بسبب طريق واحد أو من طريق ~~واحد (قوله من أربع) أي من أربع طرق. # (قوله تعتقب) أي تأتي عقب هذا البيت ويجوز بناء الفعل للمجهول والمعنى ~~يؤتى بها عقب هذا البيت وعلى الوجهين فالجملة نعت لأربع. # (قوله عيان) بالجر وهو وما بعده بدل من أربع والمراد بالعيان المشاهدة ~~كما مر وعبر بعضهم عن هذا الطريق بالخبرة أي العلم بحال التولي وكلا ~~التعبيرين إما حقيقة عرفية أو مجاز مشهور علاقته الإطلاق والتقيد وذلك أن ~~العيان حقيقة لغة في الرؤية والمراد بها هاهنا علم الرجل بأحوال رجل آخر ~~سواء كانت تلك الأحوال مبصرة أو مسموعة فهي مقيدة لغة بالمبصرة مطلقة عرفا ~~على المبصر والمسموع، لكن المعنى اللغوي أعم من وجه آخر لأن المراد بالمبصر ~~هنا هي الأحوال التي يتعلق بها حكم الولاية والبراءة، وفي اللغة هي عامة ~~لكل معاين، والخبر بضم المعجمة هي لغة العلم من أي طريق كان والمراد به ~~هاهنا العلم من طريق السمع والنظر. # (قوله أو إقرار) بكسر الهمزة مصدر أقر على نفسه بكذا إذا قال بقول يثبت ~~عليه حقا، والمراد به هاهنا ما إذا أقر بكبيرة لم يتب منها. # ( PageV01P214 قوله أو شهادة) عدلين اثنين كل منهما يشهد بما يشهد له ~~الآخر فخرج بقولنا كل منهما يشهد بما يشهد به الآخر ما إذا شهد أحدهما إن ~~فلانا ارتكب كبيرة هي كذا وشهد الآخر بأنه ارتكب كبيرة غير الكبيرة التي ~~سماها ms169 الأول فإنه لا يبرأ بشهادتهما حينئذ أما إذا أجملا في شهادتهما كأن ~~قالا أن فلانا فعل كبيرة ولم يسمياها فتجب البراءة بشهادتهما إذا كانوا ~~علماء بالكبائر الصغائر لأن شهادتهم حينئذ متفقة وللعدلين أن يشهدا بذلك ~~الإجمال ولو علم كل واحد منهما منه بكبيرة غير التي علم بها الآخر منه وقيل ~~يبرأ بقول العدل الواحد إذا كان ذكرا وقيل وإن كان أنثى كما قيل بذلك في ~~الولاية صرح به القطب رحمه الله في البراءة بالسماع قولين أقول وهؤلاء ~~القائلون بثبوت البراءة بقول العدل الواحد وبالسماع نظروا إلى أن البراءة ~~عبادة لا إسقاط حق للغير وكثير من العبادات يثبت بالظن ويحصل بخبر العدل ~~وبالسماع ظن قوي تترتب عليه عبادات كثيرة والمراد بالعدل هو الموافق في ~~الدين الملازم للتقوى والمروءة فخرج بقولنا في الدين المبتدع في دينه ~~المعتقد خلاف الحق وبقولنا الملازم للتقوى تارك الفرض وفاعل الكبيرة لأن ~~التقوى هي تأدية الواجبات واجتناب المحرمات والمراد بالمروءة هنا اجتناب ~~الرذائل من المباحات كالحرف الردية من نحو الحجامة وكمخالطة الأراذل ~~ومجالسة السفل (قوله أو حق أتى بشهرة) المراد بالشهرة هنا التواتر فهما ~~عبارتان لمعنى واحد كذا عندنا وعند الشافعية أما الحنفية ففرقوا بينهما ~~وجعلوا للشهرة منزلة دون منزلة التواتر والخلاف لفظي وفي قول الناظم أو حق ~~أتى بشهرة إشارة إلى أن الموجب للبراءة من طريق الشهرة إنما هو الحق الذي ~~جاءت به الشهرة لا الشهرة نفسها فخرج به الشهرة الغير المحقة كشهرة الشيع ~~بالبراءة من التصديق والفاروق وعائشة وأهل النهى رضي الله عنهم. PageV01P215 # وسئل الإمام أبو سعيد رضي الله عنه عن الشهرة المحقة فقال: معي إنها تكون ~~على معان كثيرة في وجوه كثيرة ومبلغ ثبوتها ووجوبها وورود علمها على ~~الممتحن فيها من المبتلي بها من تظاهر صحة الإخبار بها على غير تناكر من ~~أهلها الذين تقوم بهم الحجة فيها ولو كثر التناكر والاختلاف من غير أهلها ~~على سبيل الدعاوى وإنكار اليقين ا. ه وحاصله أن لشهرة الحق شرطين أحدهما أن ~~تكون صادرة عن أهلها وثانيهما ms170 أن لا يعارضها من أهلها معارض مثل ذلك أن ~~يصدر من بعض المحقين خبر ويصدر من البعض الآخر خبر يخالفه كل واحد من ~~الخبرين المتعارضين آحادي ليس بشهرة أما إذا كان الإنكار صادرا من غير ~~أهلها فلا يعبأ به وذلك كإنكار أهل الخلاف للشهرة القاضية بحقية أهل النهر ~~فإنه إنكار صادر على سبيل الدعوى منهم وها أنا أبين أهل الشهرة فأقول هم ~~جماعة لا يمكن تواطؤ مثلهم على الكذب عادة بأن كانوا من جهات شتى فلا يشترط ~~فيهم تعيين عدد خلافا لمن قال بتعيين العدد فيهم فمنهم من ذهب إلى أنهم من ~~الخمسة فصاعدا محتجين بأن أكثر الشهود أربعة لا يصح القطع بخبرهم فإن كانوا ~~خمسة ازدادوا قوة على الأربعة فكانوا شهرة قلنا هذا التعليل عليل فإنه لا ~~يدل على أن الخمسة يجب القطع بخبرهم وإنما يدل على عكس ذلك فإنه لما لم يصح ~~القطع بالخبر في شهادة الأربعة علم أن زيادة الواحد لا تفيد صحة القطع لأن ~~العلة التي منعت من القطع بخبر أولئك الأربعة هي احتمال الكذب عادة وذلك ~~الاحتمال موجود في الخمسة. # ( PageV01P216 ومنها): من ذهب إلى أن جماعة الشهرة من العشرة فصاعدا على ~~عدد المبشرين بالجنة عندهم وحجتهم في ذلك قوله تعالى ((وكان في المدينة ~~تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون))([4]) (قالوا) فأكثر عدد يفسدون في ~~الأرض تسعة فإذا كانوا عشرة فهم يصلحون ولا يفسدون (قلنا): في الآية إخبار ~~عن الواقع لا حصر لمنتهى عدد أهل الفساد (ومنهم) من ذهب أنهم إذا كانوا ~~عشرين فصاعدا لقوله تعالى ((إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين))([5]) ~~ووجه أن أقل عدد اعتبر في هذا المقام هم العشرون قلنا ذكر العشرين في الآية ~~لا يفيد اعتبارهم في الأخبار المتواترة وغيرها. # (ومنهم): من ذهب إلى أنهم إذا كانوا أربعين فصاعدا عدد من تجب عليه ~~الجمعة (قلنا): اعتبار ذلك العدد في الجمعة لا يوجب اعتباره في غيرها على ~~أنا لا نسلم اعتبار ذلك العدد في صلاة الجمعة وعندنا أنها إن كملت شروطها ms171 ~~وجبت وإن بأقل من الأربعين. # (ومنهم): من ذهب إلى أنهم إن كانوا أربعين فصاعدا وفيهم ثقة. # (قلنا): يرد على هذا ما يرد على الذي قبله واشترط وجود الثقة فيه لا ~~يزيده يقينا نعم أقوى بخبره الظن وكلامنا في الخبر الموجب للعلم القطعي. # (ومنهم) من ذهب إلى أنهم إن كانوا سبعين فصاعدا عدد من اختار موسى عليه ~~السلام من قومه ووجهه أن موسى عليه السلام إنما اختار السبعين ليبلغوا عنه ~~قومهم ما يسمعون من كلام الله عز وجل فلولا أن خبر السبعين حجة على قومهم ~~يحصل به العلم اليقيني معهم لما خص ذلك العدد. # (قلنا): قيام الحجة عليهم لا يتوقف على ذلك العدد بل هي قائمة عليهم ~~بكلام موسى عليه السلام وحده والعلم القطعي حاصل لهم من كلامه أيضا لوجوب ~~صدقه بإظهار المعجزة على يده. # (ومنهم) من ذهب إلى أنهم إن كانوا ثلاث مائة وثلاثة عشر على عدد الرسل ~~وأهل بدر وأصحاب طالوت. # ( PageV01P217 قلنا): موافقة الأعداد لا تفيد ثبوت العلم القطعي فلا عبرة ~~بموافقة شيء من ذلك وعلى كل واحد من هذه الأقوال اختلاف في وجوب العلم ~~القطعي بذلك العدد المخصوص عند أهل كل قول من هذه الأقوال أي اختلف ~~القائلون بتعيين العدد في ثبوت الشهرة (فمنهم) من ذهب إلى أن مقدار العدد ~~بيان لوجوب القطع بالعلم الذي أداه ذلك العدد. # (ومنهم) من ذهب إلى أنه بيان لعدم جواز القطع بخبر ما دون ذلك العدد فإن ~~وجد العدد المخصوص جاز أن يقطع بصدق خبره وجاز أن لا يقطع (ويبحث) فيه أن ~~التواتر مقطوع بصدقه ضرورة وجواز أن يقطع وأن لا يقطع مناف لتلك الضرورة ~~(ومن شروط) التواتر أن يكون مستندا إلى حس أي شرط خبر التواتر أن يكون ~~المخبر عنه محسوسا بأحد الحواس الخمس كالسمع والبصر والشم والذوق واللمس، ~~كأن يقال قال فلان كذا أو العاج أبيض أو المسك طيب الرائحة أو الشهد حلو أو ~~الحرير لين فخرج بهذا الشرط الأمور العقلية كقدم الله تعالى، وحدوث العالم، ~~فإنها مقطوع بها من ms172 مجرد العقل (وشرط) بعضهم أن يتساوى عدد الناقلين وعدد ~~المنقول بها من مجرد العقل (وشرط) بعضهم أن يتساوى عدد الناقلين وعدد ~~المنقول عنهم وليس هذا بشيء فإنه متى ما كان كلا الطرفين لا يمكن تواطؤ ~~مثلهم على الكذب عادة وجب القطع بصدق ما أخبروا به ولو كان أحدهما أقل عددا ~~من الآخر. # ( PageV01P218 قوله واستثن الإقرار لدى الولاية الخ) هذا بيان للطرق ~~المؤدية للولاية وهي ثلاثة متفق عليها وواحد مختلف فيه فالثلاثة المتفق ~~عليها هي المشاهدة وشهادة العدلين والشهرة الحقية وهذا معنى قوله واستثن ~~الإقرار أي استثن من طرق البراءة المتقدم ذكرها الإقرار فإنه لا يثبت للمقر ~~ولاية لأن المقر بالوفاء لنفسه مدع لنفسه فلا يثبت له إقراره حكم الولاية ~~على الغير والمراد بالإقرار هنا هو ادعاء الوفاء بدين الله لا الإقرار بما ~~يجب الإقرار به كالتلفظ بالجملة فإنه قد تقدم أن الخارج من الشرك إلى ~~الإسلام تجب ولايته من حين ما أقر بالإسلام فإقراره بالإسلام إتيان بما وجب ~~عليه من الإقرار لا ادعاء فلا يرد على المصنف ذلك نعم يرد عليه ثبوت ~~الولاية لطفله بإقراره أنه ولده على مذهب من يقول أولاد الأولياء أولياء ~~والوقوف عن غير أولاد الأولياء، وهذا المذهب هو المشهور عندنا ولنا فيهم ~~قول ثان وهو بولاية جميع الأطفال ما كانوا أطفالا وصححه القطب رحمه الله في ~~ذهنه وصرح بأن الحديث الذي فيه تعذب أولاد المشركين موضوع، وكذا الحديث ~~الذي فيه يوقد لأولاد المشركين والمنافقين يوم القيامة نار يقتحمونها فمن ~~اقتحمها نجا ومن وقع فيها هلك، إذ لا تكليف يومئذ. # ( PageV01P219 وقيل) لا يجزي إقراره بولده حتى يخبر معه بذلك أمين واحد، ~~وقيل أمينان، وفي إطلاق الإقرار على دعوى الوفاء بدين الله مجاز علاقته ~~المشاكلة وذلك أنه لما أطلق الإقرار في البيت الأول على حقيقته أطلقه هنا ~~على سبيل التجوز مشاكلة لما هنالك على حد ((ومكروا ومكر الله)) ويبحث فيه ~~بأن الإقرار الثاني عين الإقرار الأول لأن القاعدة أن النكرة إذا أعيدت ~~معرفة فالثانية عين الأولى وجوابه أن ms173 تلك القاعدة إنما هي ثابتة إذا لم يقم ~~دليل على عدم إرادتها، أما إذا قام الدليل على عدم إرادتها كما هنا تركت ~~القاعدة وصير إلى ما يقتضيه الدليل، ومن قواعدهم ولا يعدل عن الأصل إلا ~~بدليل، وبهذا الجواب تنحل شبه كثيرة أوردت على تلك القاعدة حتى أن بعضهم ~~قال: إن تلك القاعدة أغلبية لا دائمة ونحن نقول إنها دائمة ونخرج ما خالفها ~~بالدليل. # ( PageV01P220 فأما المشاهدة) وهي المعبر عنها في النظم بالعيان فهي أن ~~تشاهد من المكلف الإتيان بالواجبات والمسارعة إلى المندوبات واجتناب ~~المحرمات والتجافي عن المكروهات فتتولاه على ذلك ونحسن به الظن في تأدية ~~الفرائض التي لا تشاهد منه كحق الزوجة وكذا نحسن به الظن في اجتناب ~~المحرمات في الحال التي نفارقه فيها، هذا كله إذا رضيت منه جميعا أفعاله ~~المسموعة والمبصرة، ووافق القلب على قبول ذلك وإنما شرطنا موافقة القلب على ~~قبول ذلك لأن من ظهرت منه إمارات الكبر أو الحسد أو الرياء أو شيء من ~~المحرمات لا يتولى على ذلك، وهذا معنى قول الأصحاب رحمهم الله: الولاية ~~اصطفاء ودليله قوله صلى الله عليه وسلم ((استفت نفسك يا وابصة وإن ~~أفتوك))([6]) ولأعمى البصر أن يتولى من سمع منه أقوال الخير وظن بما لا يرى ~~خيرا واصطفاه قلبه على ذلك، لأن الولاية تصح بمجرد الظن. ألا ترى أن بعض ~~أصحابنا قال بوجوبها بخبر الواحد وهو الصحيح كما سيأتي إن شاء الله فقول ~~العلامة الصبحي رحمه الله تعالى لولا أن ما بي من عمى البصر لتوليت رجالا ~~يستحقون للولاية وسمى منهم رجالا محمول على أن ذلك الشيخ لا يرى وجوب ~~الولاية إلا إذا كملت شروط طرقها ومن شرط طريق المشاهدة عنده وجود البصر ~~ونحن نشترط ذلك إذ لم يزده وجود البصر إلا قوة ظن، والظن لا يتفاوت بالنظر ~~إلى العبادات وما علق منها بالظن ثبت عند وجوده من غير نظر إلى تفاوت ~~درجاته قوة وضعفا. # (وأما شهادة) العدلين فهي أن يشهد أن فلانا ولي وكذلك خبرهما بولايته وفي ~~حكم الشاهدين رجل ms174 وامرأتان وقد عرفت أن الحرية شرط في قبول الشهادة فلا ~~تقبل شهادة العبد عند بعض وقيل هنا (وأما شهرة) الحق فهي أن تتواطأ الأخبار ~~من جماعة لا يمكن تواطؤ مثلهم على الكذب عادة. # ( PageV01P221 واعلم) أن الشهرة هنا أوسع منه في البراءة لأنها في ~~البراءة لا تثبت إلا شهرة الحق وفي الولاية تثبت بمجرد الظن أنها حق فشهرة ~~نسبة النونية التي فيها قدم القرآن عن الإمام ابن النظر رحمة الله تعالى ~~شهرة دعوى لأن فيها نسبة الكبائر إليه، وتلك الكبائر هي تفسيق أهل الحق وهو ~~أحدهم والقول بأن القرآن المتلو بالألسن قديم فشهرتها عنه كشهرة البراءة ~~عند الشيع من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. # (قوله وإنما الوجوب بالثلاثة) أراد بالوجوب المتفق عليه وبالثلاثة هي ~~العيان وشهادة العدلين والشهرة فالقصر في البيت إضافي أي قصر الوجوب على ~~الثلاثة المذكورة إنما هو بالنظر إلى الوجوب المتفق عليه. # (والخلف في رفيعة الولاية= # من واحد عدل بلا عناية) # (وإن تكن عنيته فألزم= # وقيل لا لزوم ثم يعلم) # (لكن على العدول ليس العلما= # تفصيل ما جاؤوا به ليعلما) # (قوله والخلف في رفيعة الولاية) الخ هذا هو الطريق المختلف في وجوب ~~الولاية به وهو خبر الواحد العدل بولاية أحد. # ( PageV01P222 فذهب) آخرون إلى أنها تجب إذا كان المخبر عالما وهؤلاء ~~زادوا على شرط الذكورية والحرية وجود العلم بالولاية والبراءة، وبعضهم ذهب ~~إلى عدم اشتراط جميع ذلك فأوجبها برفيعة المرأة والعبد وبعضهم فصل بما إذا ~~سئل الرافع وإذا لم يسأل فقال: إن سئل عن الولاية فأخبر بها لزمت السائل ~~وإن أخبر بها ابتداء لم تلزم، وبعضهم قال بالتخبير في خبر الواحد العدل، ~~فمن شاء تولى بخبره ومن شاء ترك وبحث القطب رحمه الله في هذا بأن الولاية ~~ليست على التخيير، لأنها إن ثبتت وجبت وإن لم تثبت امتنعت، والصحيح أن خبر ~~الواحد العدل بالولاية موجب لها سواء كان ذكرا أو أنثى عالما أو كان غير ~~عالم لكن لا تجب برفيعة غير العالم إلا إذا فسر السبب الذي استحق ms175 به ذلك ~~المتولي الولاية أو رفع الولاية عن عالم بالولاية والبراءة، وذلك كما إذا ~~قال العدل الضعيف أن الشيخ فلانا ولي وإنما قلنا أن الصحيح وجوبها بخبر ~~العدل الواحد لأن خبر العدل الواحد يفيد الظن والولاية مبنية على ظن الخير، ~~وإنما قلنا بالتفصيل بين خبر العدل العالم وغيره فلم نوجبها بخبر غير ~~العالم إلا إذا فسر السبب لما سيأتي بيانه عند قول الناظم لكن على العدول الخ. # (قوله من واحد عدل) إنما قيد بالعدل لأن خبره مظنون الصدق فخرج به غير ~~العدل سواء كان فاسقا أو مجهول الحال، فأما الفاسق فللظن بكذب خبره وأما ~~مجهول الحال فلاستواء الأمرين فيه أعني لا يظن بصدقه ولا يظن بكذبه. # (قوله بلا عناية) أي بلا قصد وأراد به السؤال فإطلاق العناية عليه مجاز ~~مرسل علاقته اللزوم وذلك أن السؤال ملازم للقصد (قوله وإن تكن عنيته) أي ~~سألته وفيه التجوز المذكور (قوله فألزم) أي فأشد لزوما عند بعض. # (قوله وقيل لا لزوم) أي برفيعة الواحد للولاية بل أنت مخير في قبولها وعدمه. # ( PageV01P223 قوله ثم يعلم) بفتح المثلثة بمعنى هنالك والإشارة إلى مكان ~~رفيعة الواحد العدل (قوله لكن على العدول) المتحملين للولاية أو البراءة ~~لأن الاستدراك من قوله أو شهادة عدلين. # (اعلم) أن المتحملين للولاية أو البراءة إما أن يكونوا علماء بالولاية أو ~~البراءة، وإما أن يكونوا غير علماء فإن كانوا علماء بها وجب قبول قولهم، ~~وإن كانوا غير علماء لا يجب قبول قولهم حتى يفصلوا أي يبينوا السبب الذي ~~استوجب به ذلك الولي الولاية أو السبب الذي استحق به العدو البراءة، والفرق ~~بين العلماء والضعفاء أن الضعفاء وإن كانوا عدولا فلا يؤمن منهم أن يرفعوا ~~البراءة في موضع ليس هو محل البراءة أو الولاية في موضع ليس هو محلا ~~للولاية على ظن منهم إنما رفعوه كذلك فإذا فسروا السبب نظر فيه المرفوع له ~~فإن رآه موجبا لشيء من ذلك حكم به وإلا تركه، وقيل قول العدول مطلقا سواء ~~كانوا علماء أو ضعفاء فسروا أو لم ms176 يفسروا لأنهم إذا كانوا عدولا فلا يقولون ~~بما لا يعلمون ولا يخفى أن هذا التعليل اشتراط للعلم، لأن من لم يكن عالما ~~بالشيء فتكلم فيه لا يؤمن أن يقول فيه بما لا يعلم ظنا منه أنه كذلك. # (قوله ليس العلماء) أي إلا العلماء (قوله تفصيل ما جاؤوا به) أي تبيين ~~لما جاؤوا به من الأخبار أو الشهادة (قوله ليعلما) تعليل لقوله تفصيل ما ~~جاؤوا به. # ---------------------------------------------------------------------- ---- # [1] سورة الممتحنة آية رقم 12. # [2] الحديث رواه الإمام أحمد في المسند 4: 227 بلفظ (البر ما انشرح له ~~صدرك، والإثم ما حاك في صدرك وأن أمثال الناس وأفتوك) ورواه الدارمي في ~~البيوع 2. # [3] الحديث رواه الإمام أحمد في المسند 3: 153 بلفظ: دع ما يريبك إلى ما ~~لا يريبك، ورواه البخاري في البيوع 3 والترمذي في القيامة 60. # [4] سورة النمل آية رقم 48. # [5] سورة الأنفال آية رقم 65. # [ PageV01P224 6] الحديث رواه الأمام أحمد بن حمبل في المسند 4: 228 - ~~حدثني أبي ثنا يزيد بن هارون، ثنا حماد بن سلمة، الزبير أبي عبد السلام عن ~~أيوب بن عبدالله بن مكرز عن وابصة ابن معبد قال: أتيت رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم وأنا أريد أن لا أدع شيئا من البر والإثم إلا سألته عنه وإذا ~~عنده جمع فذهبت أتخطى الناس فقالوا إليك يا وابصة عن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم إليك يا وابصة. # فقلت: أنا وابصة دعوني أدنو منه فإنه من أحب الناس إلي أن أدنو منه فقال ~~لي: أدن يا وابصة أدن يا وابصة فدنوت منه حتى مست ركبتي ركبته. # فقال يا وابصة: أخبرك ما جئت تسألني عنه أو تسألني..؟ # فقلت يا رسول الله: فأخبرني، قال: جئت تسألني عن البر والإثم، قلت: نعم ~~فجمع أصابعه الثلاثة فجعل ينكث بها في صدري ويقول: (يا وابصة استفت نفسك. ~~البر ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في القلب ~~وتردد في الصدر- وإن أفتاك الناس). # قال سفيان (وأفتوك) ورواه الدارمي في البيوع 2. # (فصل في أحوال الولي بحكم الظاهر) # والمراد بأحواله هنا كونه ممن تجب ولايته على العامة ms177 أو على الخاصة فقط، ~~وكونه مرتكبا لمحجور في الظاهر مع احتمال حقه فيه وكونه تاركا لفرض لزمه. # ( PageV01P225 اعلم) أن الأولياء صنفان: صنف تجب ولايتهم على جميع أهل ~~مصرهم وجميع من بلغه خبرهم وهم أئمة العدل الآمرون بالمعروف الناهون عن ~~المنكر، كأبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعبدالله بن يحيى الكندي والجلنداء ~~بن مسعود الولي وعزان بن قيس بن عزان رضي الله عنهم (وأئمة الدين) الذابون ~~عنه بالأدلة والبراهين الكاشفون لشبه الملحدين الملزمون للمعاندين كعبدالله ~~بن إباض([1])، وأبي الشعثاء جابر بن زيد([2]) رضي الله عنهما، فأهل هذا ~~الصنف كلهم تجب ولايتهم على أهل مصرهم ومن بلغه خبرهم ويسع جهلهم من لم ~~يبلغه خبرهم، ولا يحل لأحد ولو اطلع على كبيرة منهم أن يبرأ منهم مع من لم ~~يعلم كعلمه فيهم لئلا يبيح من نفسه البراءة نعم يبدأ منهم في نفسه من غير ~~أن يطلع أحد على ذلك ويتولى ممن يتولاهم من أوليائه، لأن كلا مخصوص بعمله. # حكي أن الإمامين ابن محبوب وموسى بن علي رضي الله عنهما كانا يبران من ~~المهنا بن جيفر في السريرة لعلم خصمهما فيه وفي هذه الحكاية نظر لأنهما ~~كانا يبرآن في أنفسهما فمن الرافع ذلك نهما إذ لا يحل لهما أن يبدياها مع ~~أحد لم يعلم موجب البراءة من المهنا، فإن كانا أبدياها مع أحد يعلم من ~~المهنا كعلمهما فيه فحكم ذلك الذي أبديا معه كحكمهما لا يحل له أن يبدي ذلك ~~إلا مع من علم كعلمه في المهنا، وهكذا حتى ينقطع الخبر ولم يكن المهنا رضي ~~الله عنه من أئمة الجور حتى يكون ممن تجوز منه البراءة جهرا هذا وما حكي أن ~~رجلا أتى إلى الإمام ابن محبوب رضي الله عنهفقال: أنا أبرأ من المهنا فقال ~~ابن محبوب: أنا براء منك فوجهه ظاهر على عدم صحة تلك الحكاية أن ابن محبوب ~~لم يبرأ من المهنا سرا أما على تقدير صحتها فوجهه أن ذلك الرجل أظهر ~~البراءة من المهنا مع من لم يعلم أنه يعلم كعلمه فيه ms178 وهو بإبدائه البراءة ~~ممن تجب على العمة ولايته مع من لم يعلم أنه اطلع على ما اطلع عليه مبيح من ~~نفسه البراءة. # ( PageV01P226 الصنف الثاني): لم تجب ولايتهم على العامة وإنما تجب على ~~من بلغه موجب ولايتهم بإحدى الطرق المتقدم ذكرها، فمن علم بكبيرة من أهل ~~هذا الصنف لا يحل له أن يبديها مع من علم أنه يتولاه لئلا يبيح من نفسه ~~البراءة معه. # (واختلفوا) في جواز إبدائها عند من لم يعلم أنه يتولاه فذهب بعضهم إلى ~~جواز ذلك لأنه لم تجب له ولاية على الكل والأشياء على إباحتها ما لم يمنعها ~~مانع، وبعض يمتنع من ذلك لئلا يصادف وليا له فيكون قد أباح من نفسه البراءة ~~مع من يتولاه وقال آخرون: إن فعل ذلك صغيرة من الذنوب ورده الإمام رضي الله ~~عنه أما إذا كان فسقه مشتهرا بين الأنام فلا بأس بإبداء البراءة منه ~~وإشهارها لقوله عليه الصلاة والسلام ((أذيعوا بخبر الفاسق ليحذر الناس شره ~~ما لكم وللمنافق قولوا فيه ما فيه)) ويدخل تحت هذا الصنف البراءة من أئمة ~~الضلال المتدينين والجبابرة المعتدين، فإن إشهار البراءة في مثلهم مما يندب ~~إليه لئلا يغتر جاهل بما هم عليه أو يظن ظان بسكوت المسلمين عن الإنكار ~~عليهم رضي بفعلهم وربما وجب الإنكار عليهم وذلك كما إذا كان المسلمون في ~~حيز القدرة في الإنكار عليهم، ويسقط الوجوب مع عدم القدرة على الإنكار ~~وتبقى الفضيلة لمن أنكر فإن قتل على ذلك كان من أفضل الشهداء (أفضل الجهاد ~~عند الله كلمة حق عند سلطان جائر يقتل عليها صاحبها). # (وفي ولي وجبت ولايته= # على الورى سريرة براءته) # (إن وجبت عليك والذي نطق= # بها جهارا للبراءة استحق) # (قوله وفي ولي) أي والقول في ولي أو الحكم في ولي وجبت ولايته على الخلق ~~إذا اطلعت على موجب البراءة منه فحكمه أن تبرأ منه سريرة ولا تبدي ذلك مع ~~غيرك لئلا تبيح من نفسك البراءة معه. # (قوله على الورى) أي الخلق المكلفين الذين بلغتهم أخبار الولي ففي إطلاق ~~الورى ms179 على ما ذكرنا مجاز مرسل علاقته العموم والخصوص. # ( PageV01P227 قوله سريرة براءته) أي براءته مسرورة فسريرة فعلية بمعنى ~~مرفوعة ورفع على أنه خبر المبتدأ المحذوف أول البيت وهو القول أو الحكم على ~~التقديرين المتقدمين ورفع براءته على أنه فاعل لسريرة. # (قوله إن وجبت عليك) شرط حذف جوابه بدلالة ما قبله. # (قوله والذي نطق بها جهارا) أي والذي يظهر علمه بالبراءة ممن وجبت ولايته ~~على العامة مع من لم يعلم كعلمه في ذلك الولي فقد استحق للبراءة منه، لأنه ~~لا يحل له أن يبدي ذلك مع من لم يعلم أنه يعلم كعلمه لأن ولايته ذلك الولي ~~واجبة على الكل ولا يجوز لأحد أن يبدي البراءة من أحد مع من يتولاه ذلك ~~المتولي (بالكسر) يجب عليه نصرة المتولى (بالفتح) والذب عنه وعن عرضه وعن ~~دينه، فإذا قدح فيه قادح عنده صار مبيحا من نفسه البراءة على أنه يجب عليه ~~أن لا يبيحها من نفسه وأن لا يظهر حكم الشريعة وإن كان محقا في السريرة. # (ومن يبح براءة من نفسه= # فهالك وهو حر بخسه) # (وإن يكن من الألى لم تلزم= # لهم ولاية على الكل اعلم) # (فبعضهم رخص ما لم تعلم= # ولاية والبعض من ذا يحتمي) # (قوله ومن يبح براءة من نفسه فهالك) أي ومن يظهر ما يوجب البراءة من نفسه ~~فهو هالك لوجوب إتباع حكم الشريعة في الظاهر (قوله وهو حر بخسه) أي وهو ~~حقيق بحقارته فحر بمعنى حقيق حكي لغة النقص فيه صاحب المصباح عن التهذيب ~~والمشهور فيه تشديد الياء وخس بفتح المعجمة مصدر خس كضرب وتعب وزنا بمعنى ~~حقر (قوله وإن يكن) أي الولي (قوله من الألى لم تلزم لهم ولاية على الكل) ~~أي إذا كان الولي من الذين لم تجب ولايتهم على كل من بلغه خبرهم فاطلع أحد ~~على ما يوجب البراءة منهم هل يجوز أن يبدي ذلك العلم عند من لم يعلم أنه ~~يتولاهم..؟ قولان إشارة إليهما بقوله فبعضهم الخ. # ( PageV01P228 قوله اعلم) تكملة للبيت وفيه تنبيه السامع على الجواب ~~الأتي ms180 (قوله فبعضهم) أي بعض العلماء (قوله رخص ما لم تعلم ولاية) أي قال ~~بجواز ذلك عند من لم يعلم أنه يتولى المتبرأ منه وفي إطلاق الرخصة على ~~القول مجاز استعاري بجامع السهولة في كل منهما، لأن الرخصة شرعا هي ما شرع ~~ثانيا لأعذار العباد كالفطر في رمضان للمريض، والمسافر فإنه شرع أولا الصوم ~~في رمضان وشرع ثانيا الإفطار لذلك العذر فالشرع الأول يسمى عزيمة، والشرع ~~الثاني يسمى رخصة، وكذلك أكل الميتة للمضطر فإنه شرع أولا تحريمها وهو ~~العزيمة، وشرع ثانيا إباحتها للمضطر وهو الرخصة (قوله والبعض من ذا يحتمي) ~~أي يمتنع. # (وإن يكن كفرانه مشتهرا= # لا بأس إن بكفره قد جهرا) # (قوله وإن يكن) أي من اطلعت على كبيرة منه (قوله كفرانه) مصدر كفر الشيء ~~بمعنى غطاه لغة وهو في الشرع بمعنى الفسق أي شامل لكفر الشرك وكفر النعمة ~~كما سيأتي (قوله مشتهرا) المراد بالاشتهار هنا أن لا يقول فيه من يعرفه إلا ~~شرا ومن لا يقول فيه شيئا. # (قوله لا بأس إن بكفره قد جهرا) أي فإذا كان من أهل هذا القبيل فليس على ~~من أظهر البراءة بأس لأن المحذور هنا مأمون والمحذور مصادفة من يتولاه فإنه ~~وإن أمكن مصادفة ذلك المحذور فهو إمكان بعيد لا يلتفت إليه حتى قال الأمام ~~رضوان الله علي إن من تاب معه هذا المشهور بالفسق أو علم منه التوبة بوجه ~~ما إنما يتولاه سرا والدليل على جميع ذلك قوله عليه الصلاة والسلام ((من ~~ألقى جلباب الحياء على وجهه فلا غيبة له)) وقوله صلى الله عليه وسلم ((ما ~~لكم وللمنافق قولوا فيه ما فيه)). # (ومتبر من ولي لك قل= # يكفره إن لم يتب عما فعل) # ( PageV01P229 قوله ومتبر من ولي لك قل) الخ الواو للاستئناف ومتبر مبتدأ ~~مسوغه العمل في الجار والمجرور بعده وخبره الجملة الإنشائية في قوله قل ~~بكفره إلى آخره بناء على مذهب من أجاز أن يكون خبر المبتدأ جملة إنشائية، ~~والمعنى أنه إذا كان لك ولي فلا يجوز لأحد أن يبرأ منه ms181 عندك ولو اطلع على ~~ما يوجب البراءة منه، فإن برئ منه متبر عندك فاستتبه فإن تاب فذاك المطلوب ~~وإن أبى عن التوبة فابرأ منه، قال الشيخ ابن أبي نبهان: إن لم يتب فنبهه أن ~~التوبة عليه واجبة فإن أبى فابرأ منه وكذلك حكم من قذف وليك بكبيرة أو قال ~~برئ مني فلان الولي بلا موجب استحق به البراءة لأنه إذا قال بذلك فقد رماه ~~بكبيرة ويستثنى من هذه القاعدة أربع مسائل. # (أحدهما): ما إذا فعل وليك فعلا لا تدري أنت ما حكم ذلك الفعل مع علمك ~~بوقوع الفعل منه فبرئ منه متبرئ على ذلك الفعل فلا يحل لك أن تبرأ من ذلك ~~المتبرئ مخافة أن يكون ذلك الفعل مما يستوجب فاعله البراءة، هذا إذا لم ~~يعلم أنك قد اطلعت على ذلك الحدث فبرئ منه عندك، وعلمت أنت أنه لم يطلع على ~~علمك بذلك الحدث فعليك أن تبرأ من المتبرئ ولو كنت قد اطلعت على الحدث الذي ~~برئ هو بسببه إذ لا يحل له أن يبدي البراءة من أحد مع من يتولاه إلا إذا ~~علم أنه اطلع على حدثه. # (الثانية): إذا قال وليك لواحد من أهل الجملة وأنت تسمعه يا فاسق أو يا ~~ضال أو يا منافق فرد عليه بشيء من هذه الأسماء العامة فلا يبرأ من ذلك ~~الراد لاحتمال أن يكون غير فاسق ولا ضال ولا منافق، وإنما رماه الولي فإنه ~~إن كان الولي قد رماه بذلك فذلك الولي هو الضال المنافق أما إذا قال له يا ~~سارق أو يا آكل الربا أو نحو ذلك من الأمور الخاصة فرد عليه بشيء مما قاله ~~له فإنه يبرأ منه بذلك في الحين، لأن الولي إما أن يكون محقا في ذلك القول ~~أو مبطلا، فإن كان مبطلا فليس كل مبطل سارقا أو آكلا للربا أو نحو ذلك فظهر ~~أنه قد رماه بكبيرة لم يكن مستحقا لها. # ( PageV01P230 الثالثة): ما يقوله الخصم للولي المدعى عليه قد دعيت على ~~ما ليس علي أو يقول للشهود المتولين ms182 شهدتهم علي بالزور أو يقول للحاكم ~~المتولي حكمت علي بالجور ونحو ذلك في مقام الخصومة فإنه لا يبرأ منه كذا في ~~القواعد ومختصره، ودليلهم على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ((إن لصاحب الحق ~~مقالا))([3]) أما إذا قال للولي المدعي أنت ظالم أو تظلم الناس أو للشهود ~~أنتم شهود الزور أو للحاكم أنت حاكم الجور فإنه يبرأ منه بذلك الإطلاق. # (الرابعة): ما إذا كان المشهور بالفسق والضلال قد اطلعت على توبته من ~~فسقه وضلاله ولم يطلع عليها غيرك مثلا فإنه تجب عليك ولايته لما علمت منه ~~ولا تبرأ ممن برئ منه معك على ما مر. # (تنبيهان): الأول: من ادعى ولاية أحد فليحتمل أن يكون صادقا في دعواه فله ~~الحجة على من سواه أي فلا يجوز لأحد أن يبرأ منه معه أما إذا لم يحتمل أنه ~~تولاه بحق فهو مبطل ولا حجة له. # (الثاني): من رمى أحدا من أهل الوقوف بكبيرة ما عدا الزنا والشرك فليس ~~عليك منه شيء إلا إذا علمت أنه مبطل في قذفه أما إذا رماه بالزنا فهو فاسق ~~وكذا إن رماه بالشرك عند أهل المغرب وإن كان فيما بينه وبين الله صادقا حتى ~~يأتي بأربعة شهود في الزنا وشاهدين في الشرك، وقيل يجري ثلاثة شهود في ~~الزنا وهو رابعهم إذا كان عدلا وشاهد آخر معه في الشرك إذا كان هو عدلا، ~~وسيأتي الكلام مبسوطا في القذف بالزنا إن شاء الله تعالى. # (وفي ولي ترك الفرض اقتف= # عذرا له إن لم تجد عنه قف) # (ثم استتبه إن يكن منك قبل= # ولتبر إن لم يرجعن عما عمل) # ( PageV01P231 قوله وفي ولي ترك الفرض) الخ (اعلم) أنه إذا أحدث الولي ~~حدثا لا يحل فعله فلا يخلو ذلك الحدث من أحد أمرين: إما أن يكون من الأشياء ~~التي لم تتعلق بها حقوق العباد ولم يكن فيها حق إلا لله وإما أن يكون من ~~الأشياء التي للعباد فيها حق وسيأتي بيان هذا النوع أما إذا كان حدثه من ~~الأشياء التي لا حق للعباد ms183 فيها وذلك كترك الفرض الواجب عليه فعله من نحو ~~الصلوات الخمس وصوم رمضان فحكم هذا الولي أن يلتمس له عذر في ذلك الترك ولا ~~يبرأ منه في الحال، لاحتمال أن يكون ترك الصلوات أو أكل ناسيا فإن احتمل ~~ذلك العذر بقي على ولايته وإن لم يحتمل كما إذا نبه على ترك الصلاة وتضييعه ~~الصوم فلم يزدجر أو أقر أنه فعل ذلك بغير نسيان فإنه يوقف عن ولايته حتى ~~يستتاب فإن تاب رجع إلى ولايته وإن أصر برئ منه ومثل هذا ما إذا رأى وليه ~~يصلي بلا وضوء أو يصلي قاعدا ويراه صحيح الجسم يذهب ويجيء وهكذا أما إذا ~~رآه مرتكبا لمحجور بالدين فسيأتي حكمه في الباب الرابع من هذا الركن إن شاء ~~الله تعالى. # (قوله اقتف عذرا له) أي استتبع له عذرا في تركه ذلك الفرض وفيه إشارة إلى ~~المبالغة في طلب العذر للولي إذا كان بينك وبين أخيك المؤمن مثل نسج ~~العنكبوت فلا تهتك ستره. # (قوله عنه قف) أي عن ولايته أي قف عن ولايته إذا لم تجد له عذرا بترك ذلك ~~الفرض ثم استتبه كذا في الأثر، وفيه التفرقة بين ما إذا ترك الولي فرضا بلا ~~عذر وبين ما إذا ارتكب محجورا بلا عذر، فإنه سيأتي أنه إذا ارتكب كبيرة ~~يستتاب فإن أبى برئ منه وقيل يبرأ منه ثم يستتاب وليس فيه قول بالوقوف حتى ~~يستتاب والظاهر أن ترك الفرض بلا عذر وارتكاب الكبيرة سواء لأن الكل كبيرة ~~ولا ينفعه وجود كثرة الاحتمالات في تركه الفرض بخلاف ارتكاب الكبيرة فإن ~~الكلام مفروض عند ارتفاع العذر وبارتفاعه ترتفع الاحتمالات فلا فرق. # ( PageV01P232 قوله ثم استتبه) ثم هنا لمطلق الترتيب أي ليست على حقيقتها ~~التي هي التراخي بقرينة المقام لأنه لا يشترط المهملة بين الاستتابة ~~والوقوف فهي فيه مجاز مرسل لعلاقة الإطلاق والتقييد (قوله إن يكن منك قبل) ~~شرط حذف جوابه تقديره إن قبل منك فأرجعه إلى ولايته (قوله ولتبر) أي وابرأ ~~منه فاللام للطلب (قوله لم يرجعن عما عمل) شرط ms184 حذف جوابه لدلالة ما قبله ~~عليه وسمى ترك الفرض عملا بناء على أن الترك فعل كما مر في نظيره. # (وإن أتى الولي ما لله به= # حق وللعباد كالقتل انتبه) # (توله والبعض منهم يقف= # عنه وفي البراة منه ضعف) # (قوله وإن أتى الولي الخ) هذا بيان حكم النوع الثاني من حكم الولي المحدث ~~وهو ما إذا أحدث حدثا للعباد فيه حق كما لله فيه حق كقتل النفس فإنه فيه ~~حقا لله تعالى من حيث النهي عن قتلها بلا حق وفيه حق للعباد لما جعل الله ~~لولي المقتول من السلطان على القاتل فإذا أتى الولي بحدث هذه صورته فإما أن ~~يتبن حقه في ذلك الفعل فلا ينتقل عن حكمه الأول من الولاية وما أن يتبن ~~باطله فلا قول فيه إلا البراءة منه بعد أن يستتاب فلم يتب وفي قول آخر قبل ~~أن يستتاب وإما أن يحتمل حقه وباطله أي لم يقم الدليل على أنه محق في قتله، ~~ولا على أنه مبطل فيه فإنه احتمل كذلك ففيه للائمة ثلاثة مذاهب. # (المذهب الأول): للإمام أبي علي موسى بن علي واختاره الإمام أبو سعيد رضي ~~الله عنه وهو إبقاؤه على ولايته ما دام محتملا أن يكون فعله حقا لأن ولايته ~~ثبتت بيقين ولا يزيل اليقين إلا يقين مثله وهذا المذهب هو الصحيح عندنا ~~والمطابق للقواعد الأصولية لما فيه من استصحاب حال الأصل حتى يتيقن زواله ~~وفي الرجوع عن الولاية إلى ما سيأتي من مذهبي الوقوف والبراءة رجوع عن ~~العلم إلى الشك. # ( PageV01P233 المذهب الثاني): لبعض الأئمة الوقوف عن الفاعل لما في فعله ~~من الإشكال حيث احتمل أن يكون حقا وأن يكون باطلا وقد قال الله تعالى ((ولا ~~تقف ما ليس لك به علم))([4]) وقال صلى الله عليه وسلم ((وأمر أشكل عليك فقف ~~عنه))([5]) وفي رواية ((فكله إلى الله)). # (قلنا) ليس في هذا إتباع لما ليس له علم فإنه قد تقدم له العلم بأن ~~الفاعل ولي فهو مقتف لعلمه الأول لا لما لا يعلم وليس مع العلم ms185 إشكال فلا وقوف. # (المذهب الثالث): البراءة من الفاعل لما يقتضيه الحكم الظاهر فإن الظاهر ~~في القتل الحجر وهو الأصل ولا يحل إلا بعارض ففي البراءة منه عمل بحكم ~~الأصل ونسب هذا المذهب للإمام أبي جابر موسى ابن أبي جابر رضي الله عنه ~~وضعفه جدا الإمام أبو سعيد رضي الله عنه ووجه تضعيفه له أن فيه تركا للأصل ~~الأول الذي هو الولاية الثابتة بيقين والانتقال عنه إلى أصل آخر لم يتيقن باطل. # (قوله ما لله به حق) أي ما لله حق فيه وحق الله في الأشياء حكمه الذي ~~شرعه على عباده. # (قوله وللعباد) أي فيه حق فهو اكتفاء وحق العباد في الأشياء هو السبيل ~~الذي جعله الله لهم. # (قوله كالقتل) لأن فيه حقا لله وهو النهي عن فعله وحقا للعباد وهو ~~السلطان لوليه (قوله انتبه) أي استيقظ لما سيأتي من الجواب (قوله توله) أي ~~على أصل ما كنت عليه (قوله والبعض منهم يقف) عنه لما فيه من الأشكال عندهم ~~(قوله وفي البراة) بإسقاط الهمزة وكسر الهاء أو بإثباتها وسكون الهاء ضرورة ~~(قوله منه ضعف) أي من الولي وضعف بفتحتين أما الأولى فاصلية على لغة تميم ~~وأما الثانية فتابعة وهو خلاف القوة وقريش تضم أوله وقال بعضهم الضعف ~~بالفتح في الرأي وبالضم في الجسم كذا في المصباح. # (كذا إذا أتى بفعل حجرا= # في الأصل والحل بعارض يرى) # (هذا إذا ما كان فعله احتمل= # حقا وباطلا وإلا حيث حل) # ( PageV01P234 قوله كذا إذا أتى بفعل حجرا في الأصل) الخ أي حكم الولي ~~إذا أتى بفعل محجور في الأصل لكن يحتمل أن يكون فعله بحق كحكمه إذا أتى ~~فعلا فيه حق لله وللعباد وذلك كما إذا رأيت الولي يأكل لحما من يد مجوسي ~~فإن ذبيحة المجوسي حرام وحكم ما في يده من اللحم حرام كذلك حتى يعلم أنه ~~ذبح تلك الذبيحة غيره ممن تجوز ذبيحته فإذا رأيت وليك يفعل ذلك ففيه ~~المذاهب المتقدم ذكرها وهي الولاية لاحتمال أن يكون قد علم أن ذلك اللحم ~~حلال ms186 والوقوف لما أشكل من أمره والبراءة بما ارتكبه لأن فعله محجور في الأصل. # (قوله والحل بعارض يرى) أي يحتمل ذلك الفعل أن يكون حلالا لعارض عرض عليه ~~وذلك العارض مثلا في لحم المجوسي هو احتمال أن يكون ذبحه من تجوز ذبيحته. # (قوله هذا إذا ما كان فعله احتمل) الخ أي هذا حكمه إن احتمل فعله أن يكون ~~حقا وأن يكون باطلا. # (قوله وإلا حيث حل) أي وإن لم يحتمل فعله إلا أحد الأمرين أم الحق ~~والباطل فأنزله حيث حل المنازل فمثاله إذا لم يحتمل إلا الحق في قتله للنفس ~~كأن ترى إنسانا يعدو إليه يطلب قتله فسبقه فقتله فإن قتله هذا حق لا يزيده ~~في منزلة الولاية إلا علو درجة ومثاله إذا لم يحتمل قتله إلا بالباطل كأن ~~تراه يقتل رجلا وذلك الرجل يستغيث بالله والمسلمين وهو لا ينفك عنه أو ترى ~~المقتول مذعنا بما عليه ينادي إن كان لك علي حق فأنا أؤديه على يد المسلمين ~~وهو لا ينفك عن قتله، فإنه من حين ما أذعن بما عليه أو استغاث بالله أو ~~بالمسلمين وجب الكف عن قتله فالقادم على قتله بعد ذلك قادم على محجور، ~~ومثاله إذا لم يحتمل أكله اللحم من يد المجوسي إلا الحق كأن تعلم أن ذلك ~~اللحم ذكاه من تجوز ذبيحته ومثاله إذا لم يحتمل إلا الباطل كأن تعلم أن ذلك ~~اللحم بعينه ذبحه من لا تحل ذبيحته. # (وفي وليين تخالفا بما= # يوجب كفر واحد فأنبهما) # (تولى بالرأي وإن شئت فقف= # وقوف رأي أن يكونا في ضعف) # (وأن يكونا عالمين تلزم= # ولاية المحق فيما نعلم) # ( PageV01P235 قوله وفي وليين) أي والقول في وليين أو الحكم في وليين إلى ~~آخره، فالمحذوف مبتدأ خبره تول بالرأي الخ على مذهب من أجاز الأخبار ~~بالجملة الطلبية. # (اعلم) أنه إذا اختلف المختلفان في الدين فلا يجوز أن يكون كلاهما محقين ~~ويجوز أن يكون كلاهما مبطلين، وأن يكون أحدهما محقا والآخر مبطلا فإذا وقع ~~ذلك في حضرتك أو بلغك علمه من حيث ms187 لا تشك فيه فلا يخلو هذان المختلفان من ~~أحد أمرين إما أن يكونا وليين لك فيما تقدم أو غير وليين فإن كانا غير ~~وليين فيما تقدم فأنت في سلامة من أمرهما، اللهم إلا أن يكون المحق منهما ~~عالما فيقيم الحجة عليك ببطلان من خالفه، فحينئذ يلزمك أن تبرأ من المبطل ~~على المذهب المختار، أو يكون الحدث في الجملة فلا يسعك الجهل بضلال المضل ~~أو يكون الحدث في تفسيرها فأنت على ما تقدم من الاختلاف، وإن كانا وليين لك ~~فيما تقدم فلا يخلوان من أحد أربعة أمور: إما أن يكونا ضعيفين معا أو ~~عالمين معا أو المحق عالما والمبطل ضعيفا أو العكس: فإن كانا ضعيفين معا ~~فلك في أمرهما طريقان. الطريق الأول: تنزيلهما من ولاية الدين إلى ولاية ~~الرأي ومعنى ولاية الرأي على ما صرح به العلامة الصبحي وغيره أن تعتقد أنك ~~تتولى المحق منهما وتبرأ من المبطل. PageV01P236 # الطريق الثاني: أن تقف عنهما وقوف رأي ومعنى وقوف الرأي أن تعتقد أنك ~~واقف عنهما لما عن لك من الأمر المشكل بحيث لا يجوز أن يكون فيه كلاهما ~~محقا وتعتقد مع ذلك أنك تتولى المحق منهما وتبرأ من المبطل فتلخص مما ذكرنا ~~أنك إذا توليتهما برأي يجوز لك أن تدعو لهما كما كان للولي بشريطة وإذا ~~وقفت عنهما بالرأي فلا يجوز لك أن تدعو لهما بما يستحقه الولي حتى يتبن لك ~~المحق منهما فتواليه والمبطل فتعاديه، وإن كان كلاهما عالما فلا يجوز لك ~~إلا أن تتولى المحق منهما على ما كان عليه من ولاية الدين وتبرأ من المبطل ~~بدين وهذه إحدى طريقتين فيه والطريقة الثانية لا يلزمك البراءة من المبطل ~~منهما إذا لم يتبن لك ضلاله بل يجوز لك أن تتولاه برأي وأن تقف عنه برأي، ~~وهذه الطريقة موقوفة على شرطين أحدهما: أن لا تجمع المختلفين في ولاية ~~الدين وثانيهما: أن لا تبرأ من المحق منهما لأجل قوله بالحق وأن لا تقف عنه ~~برأي ولا دين وإن كان المحق عالما والمبطل ضعيفا فهما ms188 بمنزلة أن لو كانا ~~عالمين وإن كان المبطل عالما والمحق ضعيفا فهما بمنزلة أن لو كانا ضعيفين. # (قوله مما يوجب كفر واحد) أي منهما والمراد بالكفر ما هو أعم من الشرك ~~وكفر النعمة، واحترز بالخلاف الموجب لكفر واحد منهما عن الخلاف الذي لم ~~يوجب كفرا كما إذا اختلفا في شيء من المسائل الاجتهادية ولم يضلل بعضهم بعضا. # ( PageV01P237 قوله فأنبهما) أي فخفي حكمه على السامع والألف للإطلاق ~~(قوله تولى بالرأي) أي تولاهما ولاية رأي وولاية الرأي هنا هي أن تبقيهما ~~على ولايتهما الأصلية مع اعتقاد البراءة من المبطل منهما وفي غير هذا ~~الموضع (وهي) أن تتولى وليك على أصل ما كان عليه من الولاية مع اعتقاد ~~البراءة منه إن كان حدثه يخرجه من الولاية إلى البراءة (وولاية) الرأي هي ~~ولاية الشريطة وبعضهم يعبر بولاية الشريطة عن الولاية في الجملة (وأما) ~~براءة الشريطة فهي أن تبرأ من الفاعل إن كان حدثه يفضي به إلى البراءة ~~وبراءة الشريطة ملازمة لولاية الرأي، أي لا تكون ولاية الرأي في أحد لا ~~وتلازمها فيه براءة الشريطة. (واعلم) أن التعبير بولاية الرأي وبراءة ~~الشريطة عما ذكرنا إنما هو اصطلاح لأئمتنا أهل المشرق أما أئمتنا من أهل ~~المغرب فليس معهم هذا الاصطلاح، وإنما يجعلون الولي على ولايته لكن يلزمون ~~المكلف اعتقاد البراءة من كل عدو لله فهم متفقون معنى هذا المقام وليس في ~~الاصطلاح مشاحة. # (قوله وإن شئت فقف وقوف رأي) أي وإن شئت فقف عنهما وقوف رأي لا وقوف دين ~~(ووقوف) الرأي هو أن تعتقد أنك واقف عنهما لما أشكل عليك من أمرهما حتى ~~يتبن لك حق واحد منهما فترده إلى ولايته وبطلان الآخر فتبرأ منه وهذا ~~المذهب لبعض أئمتنا من أهل عمان، ومثلوا لذلك بالآنية النجسة إذا اختلطت ~~بالأواني الطاهرة وبلحم الميتة إذا اختلطت بالمذكى وبالزوجة إذا اختلطت ~~بغيرها من النساء ولم تعلم فإنه يجب الوقوف في جميع هذه الأمثلة حتى يتبن ~~المباح من غيره. # (واعلم) أن الفرق بين وقوف الرأي ووقوف الدين هو أن وقوف ms189 الرأي إنما تقف ~~عن الولي أو عن الوليين حتى يتبن لك أن ذلك الحدث الذي وقفت لأجله لا يكفر ~~به صاحبه فترجعه إلى الولاية ووقوف الدين إنما تقف عن المكلف لما جهلت من ~~حاله ولا ينقله عن هذا الوقوف إلا موجب الولاية أو موجب البراءة. # ( PageV01P238 والفرق) بين وقوف الرأي وولاية الرأي أن ولاية الرأي إبقاء ~~الولي على ولايته مع اعتقاد البراءة منه إن كان حدثه يفضي به إلى البراءة ~~ووقوف الرأي هو خروج عن حيز الولاية وثمرة الخلاف فيهما أن المتولي بولاية ~~الرأي يصح أن يدعى له بخير الآخرة ولا يصح في الموقوف عنه برأي كما تقدم ~~(قوله أن يكونا في ضعف) بفتحتين على ما مر أي إن كان الوليان المختلفان في ~~ضعف من قبل العلم فلك فيهما هذان الطريقان وإنما جاز الوقوف بالرأي في ~~الوليين الضعيفين إذا اختلفا دينا لما أشكل من أمرهما ولم يجز ذلك في ~~العالمين المختلفين بالدين لأن المحق منهما حجة بنفسه لما في يده من الحق، ~~فلا يصح أن تترك ولايته مع نطقه بالحق الذي هو حجة فيه بنفسه، والضعيف لا ~~يكون حجة في شيء من ذلك فهو على ما أشكل من أمره (قوله وإن يكونا) أي ~~الوليان المختلفان بالدين (قوله عالمين) أي بالكتاب والسنة والإجماع ~~وبكيفية استنباط الأحكام من هذه الثلاثة (قوله تلزم ولاية المحق) أي يجب ~~إبقاء المحق منهما على ولايته ولا يصح نقله منها إلى غيرها لأن في نقله عن ~~ولايته ظلما لحقه وجهلا لحجته (قوله فيما نعلم) أي لأنا لم نجد خلافا في ذلك. # (وأوجبن براءة من المصر= # وقيل من لم يتوله عذر) # (ومن تولى محدثا لفعله= # قالوا فذاك هالك كمثله) # (قوله وأوجبن براءة من المصر) أي واحكم بوجوب البراءة من المخطئ منهما ~~لأن قول العالم المحق حجة في ذلك أي إذا قال العالم المحق إن فلانا هذا ~~خالفني في ديني وهو مبطل بذلك القول حجة منه على السامع تجب البراءة من ~~المبطل هذا كله على المذهب المختار من أن العالم ms190 الواحد حجة في ما يسع جهله ~~من الدين. # (قوله وقيل من لم يتوله عذر) أي وفي قول ثان أن من لم يتول المبطل فهو ~~معذور وذلك كما إذا أخرجه من ولاية الدين إلى ولاية الرأي أو إلى وقوف ~~الرأي فإنه واسع له على هذا القول وهذا القول مبني على القول بأن العالم ~~الواحد ليس بحجة فيما يسع جهله من الدين. PageV01P239 # قوله ومن تولى محدثا لفعله) الخ أي ومن تولى محدثا لحدث لا يحل دينا عن ~~حدثه ذلك فهو هالك كهلاك فاعل الحدث لأنهما فيه سواء قال الله تعالى ((ومن ~~يتولهم منكم فإنه منهم))([6]) وقال تعالى ((قل فل تقتلون أنبياء الله من ~~قبل))([7]) وليس المخاطبون هم القاتلين وإنما القاتل آبائهم لكنهم كانوا ~~يتولونهم فسمي الرب تعالى متولي القاتل قاتلا وقال صلى الله عليه وسلم ((من ~~أحب قوما فهو منهم))([8]) ولهذه الدلالة حرم ولاية الناس كلهم لأن فيهم ~~المشرك والمنافق فمن تولاهم كلهم فهو فاسق لأن من تولى المشرك ضال وقيل ~~مشرك ومن يتولهم منكم فإنه منهم ولهذه الأدلة أيضا حرم البراءة من الناس ~~كلهم لأن فيهم الأنبياء والأولياء أيضا وحرم الوقوف عن الناس كلهم لأن فيهم ~~من تجب عليه ولايته وفيهم من تجب عليه البراءة منه وقطع عذر المتولي لهم ~~كلهم والمتبرئ منهم كلهم والواقف عنهم كلهم خلافا لمن قال يعذر في الولاية ~~لهم كلهم لاحتمال أن يكون أراد البعض منهم وعبر عنه بالكل والقرينة الصارفة ~~عن الكل كونه موحدا لأنا نقول: إن هذا الاحتمال موجود في الثلاثة المواضع ~~فإن عذر في جانب الولاية لذلك الاحتمال وجب عذره في جانبي البراءة والوقوف ~~لأن ذلك الاحتمال موجود فيهما أيضا كذا قال القطب رحمه الله في المذهب ~~(قوله قالوا) أي المسلمون جميعا ففيه إشارة إلى الإجماع (قوله فذاك هالك) ~~أي فذلك المتولي للمحدث هالك مثل المحدث والفاء رابطة لجواب الشرط وحملة ~~القول معترضة بين الشرط وجوابه. # (قوله كمثله) أي مثل هلاك المحدث فالكاف زائدة والمضاف محذوف. # ---------------------------------------------------------------------- ~~---------- # [ PageV01P240 1] هو عبدالله بن إباض المقاعسي المري التميمي ms191 من بني مرة ~~بن عبيد بن مقاعس رأس الإباضية وإليه نسبتهم اضطرب المؤرخون في سيرته ~~وتاريخ وفاته وكان معاصرا لمعاوية، وعاش إلى أواخر أيام عبد الملك بن مروان ~~عده الشماخي في التابعين وقال: كان على ما حفظت ممن خرج إلى مكة لمنع حرم ~~الله من مسلم (بن عقبة المري) عامل يزيد بن معاوية، وكان كثيرا ما يبدي ~~النصائح لعبد الملك بن مروان، وفي حفظي أنه يصدر في أمره عن راي جابر بن زيد. # نشا في زمان معاوية بن أبي سفيان وعاش إلى زمان عبد الملك بن مروان وكتب ~~إليه بالسيرة المشهورة وأراد بالسيرة رسالة بعث بها عبدالله بن إباض إلى ~~عبد الملك بن مروان يقول فيها بعد البسملة والمقدمة: جاءني كتابك مع سنان ~~بن عاصم الخ ويذكر فيها أنه أدرك معاوية ورأى عمله وسيرته ونقل نشوان ~~الحموي عن أبي القاسم البلخي المعتزلي حكى أصحابنا يعني المعتزلة أن ~~عبدالله لم يمت حتى ترك قوله أجمع ورجع إلى الإعتزال) الخ توفي عام 86 ه. # راجع في دائرة المعارف الإسلامية الأباضية. # [2] سبقت الترجمة له في هذا الجزء. # [3] الحديث رواه الأمام البخاري في كتاب الاستقراض الإبل 2390- حدثنا ~~شعبة أخبرنا سلمة بن كهيل قال سمعت أبا سلمة عن أبي هريرة- رضي الله عنه: ~~أن رجلا تقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأغلظ له، فهم به أصحابه فقال: ~~دعوه فإن لصاحب الحق مقالا واشتروا له بعيرا فأعطوه إياه. # ورواه أيضا 13 باب لصاحب الحق مقال 3401 عن سلمة عن أبي سلمة عن أبي ~~هريرة -رضي الله عنه وذكره. # ورواه الأمام مسلم في المساقاة 120 وأحمد بن حنبل في المسند 4: 268، 416، ~~456 (حلبي). # [4] سورة الإسراء آية رقم 36. # [ PageV01P241 5] الحديث رواه ابن ماجه في المقدمة 8 باب اجتناب الرأي ~~والقياس 55 حدثنا الحسن بن حماد، سجادة، ثنا يحيى بن سعيد الأموي، عن محمد ~~بن سعيد بن حسان عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم، ثنا معاذ بن جبل ~~قال: لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال: لا تقضين ولا ~~تفصلن ms192 إلا بما تعلم وإن أشكل عليك أمر فقف حتى تبينه أو تكتب إلي فيه)). # [6] سورة المائدة آية رقم 51 وتكملة الآية: ] إن الله لا يهدي القوم ~~الظالمين [. # [7] سورة البقرة آية رقم 91 وصدر الآية (وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل ~~الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه، وهو الحق مصدقا لما معهم). # [8] الحديث رواه البخاري في كتاب الأدب 96 باب علامة الحب في الله لقوله ~~تعالى (إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله). # 6169 حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي وائل قال: قال عبد الله بن مسعود رضي ~~الله عنه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، كيف ~~تقول في رجل أحب قوما ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~(المرء مع من أحب). # الباب الثالث(من الركن الثالث(في أقسام الوقوف وأحكامه) # أراد بأقسامه أنواعه الخمسة الآتي بيانها، وبأحكامه أحكام كل نوع منها ~~وآخر هذا الباب عن الذين قبله لأن المصير إليه عند تعذر موجبات الولاية ~~والبراءة، وقدمه على الذي يليه لأنه ضد الولاية والبراءة فناسب أن يذكر ~~عقبهما. # ( PageV01P242 والوقوف) لغة: انتصاب القامة واصطلاحا: هو الكف عن القدوم ~~في أحد بولاية أو براءة وهو في موضعه واجب لقوله تعالى ((ولا تقف ما ليس لك ~~به علم))([1]) ولقوله صلى الله عليه وسلم ((وأمر أشكل عليك فقف عنه))([2]) ~~وقوله عليه الصلاة والسلام ((المؤمن وقاف والمنافق وثاب)) وعلى هذا اجتمعت ~~الأمة المحمدية فوجوبه ثابت بالكتاب والسنة والإجماع وله أقسام خمسة كلها ~~مختلف فيها إلا الأول فإنه محل الإجماع الذي ذكرناه وكلها يجوز الأخذ به ~~على خلاف في بعضها إلا الخامس الذي هو وقوف الشك. # (القسم الأول): وهو المجتمع عليه وقوف الدين وسماه بعض وقوف السلامة ~~ومحله في مكلف لم تعلم حاله بصلاح ولا فساد، فإنه يجب عليك الوقوف عن ~~ولايته وعن البراءة منه دينا وفي الكفاية وقوف السلامة هو أن يقف عن الفتيا ~~بجهله بعدلها ويتولى العالم المفتي بها أو يقف عن المحدث ويتولى من ms193 برئ منه ~~من العلماء أو يقف عن المحق ويتولى من تولاه من العلماء فإن وقف عن المفتي ~~والمتولي والمتبرئ فقد دخل فيما لا يسعه جهله لأنه قد وقف وقوف الشك المهلك ~~لأهله وعلى هذا فأقسام الوقوف ستة. # (القسم الثاني): وقوف الرأي ومحله فيما إذا كان لك ولي أحدث حدثا لا تدري ~~أنت حكمه فإنه يجوز لك عند بعض أن تقف عنه حتى تعلم حكم حدثه فترده إلى ~~الولاية إن كان حدثه له يخرجه منها. # (القسم الثالث): وقوف السؤال وهو وقوف الرأي بعينه لكن بعض القائلين ~~بوقوف الرأي أوجبوا على الواقف وقوف الرأي السؤال عن حكم حدث وليه فسموا ~~الوقوف مع اعتقاد السؤال عن حكم الولي وقوف سؤال فهو مع من قال به ملازم ~~لوقوف الرأي. # (القسم الرابع): وقوف الإشكال ومحله في الوليين إذا تلاعنا أو تقاتلا ولم ~~يعلم المبطل منهما من المحق فإن بعض الأصحاب جوز الوقوف عنهما لما أشكل من ~~أمرهما حتى يعلم المحق منهما فيتولى والمبطل فيبرأ منه وسموا هذا الوقوف ~~وقوف إشكال لا يخفى أنه نوع من وقوف الرأي. # ( PageV01P243 القسم الخامس): وقوف الشك وهو أن يقف الواقف عن ولاية جميع ~~الناس فلا يتولى أحدا منهم إلا من شك مثل شكه وهذا الوقوف محرم لا يجوز ~~الأخذ به لما فيه من ترك ولاية المحق بعد وجوبها ولما فيه من الولاية لمن ~~ترك ولاية المحق بعد وجوبها أيضا. # (وقوف دين رأي أو سؤال= # إشكال أو شك على ضلال) # (قوله وقوف دين) أي منهما وقوف دين فهو مبتدأ محذوف الخبر وقدم وقوف ~~الدين على سائر الأقسام لأنه محل الإجماع كما تقدم (قوله رأي) أي ومنها ~~وقوف رأي فحذف المبتدأ لدلالة ما قبله عليه وحذف الخبر للعلم به من المقام ~~فهو على حد قوله تعالى ((واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم ~~فعدتهن ثلاثة أشهر))([3]) واللائي لم يحضن أي فعدتهن كذلك وحذف العاطف ~~لجواز حذفه وكذا القول في نظيره وقدم وقوف الرأي على ما يليه لأنه أعم ~~منهما فبعض القائلين ms194 بوقوف الرأي لم يقولوا بوقوف السؤال. # (قوله أو سؤال) أي أو وقوف سؤال وأو بمعنى الواو أي ومنها وقوف سؤال ~~(قوله بكسرة الهمزة) أي ومنها وقوف إشكال والإشكال لغة الالتباس فهذه ~~الوقفات كلها مختلف فيها ما عدا الأول والمختار عندي وفاقا لجمهور أهل ~~المغرب عدم جوازها لما فيها من الرجوع عن اليقين إلى الشك ومن العلم إلى الجهل. # (بيان) ذلك: أنه إذا كان لك ولي فأنت على يقين من ولايته فإذا أحدث حدثا ~~لا تعرفه وتركت ولايته لذلك كنت راجعا عن يقينك فيه إلى الشك وربما كان ذلك ~~الحدث الذي جهلته أنت فعل طاعة فتترك ولايته لأجلها فالواجب عليك في وليك ~~أن تبقيه على ولايته حتى تعلم ضلالته واعتقاد البراءة في الجملة من كل ضال ~~مجز لك إن كان حدثه قد أخرجه عن حد البراءة تتولاه على ما عندك من العلم ~~السابق، وتبرأ منه في الجملة إن كان عدوا لله (قوله على ضلال) أي ومنها ~~وقوف على ضلال أي ملتبس بضلال. # (فالدين في كل فتى لم تعهد= # خيرا وشرا منه كيما تقتدي) # (والرأي في الولي إن تسنما= # أمرا عليك حكمه قد أبهما) # ( PageV01P244 وقيل والسؤال مع ذا يلزم= # فهو حليف الرأي مع من الزموا) # (قوله فالدين) أي فإذا أردت أن تعرف محل كل واحد من الوقفات على سبيل ~~اللف والنشر فوقوف الدين كذا الخ (قوله في كل فتى لم تعهد الخ) أي فمحل ~~وقوف الدين كل مكلف لم يتقدم له عندك ما يوجب الولاية ولا ما يوجب البراءة ~~وعبر بالفتى عن المكلف على سبيل المجاز الإرسالي لعلاقة الإطلاق والتقييد ~~وفائدة التجوز الإشارة إلى أن جميع الصبيان في الولاية كما هو المذهب ~~المختار. # (بيان): أخذ هذه الفائدة من ذلك التجوز أن لفظ فتى لا يطلق بموجب ولاية ~~ولا بموجب براءة (قوله خيرا وشرا) المراد بالخير هنا موجب الولاية وبالشر ~~موجب البراءة ففي التعبير بهما مجاز إرسالي لعلاقة الإطلاق والتقييد وفائدة ~~التجوز بهما التنبيه على أن موجب الولاية لا يكون إلا خيرا وموجب ms195 البراءة ~~لا يكون إلا شرا. # (قوله كيما تقتدي) أي كي تقتدي بواحد من الخير أو الشر المذكورين فما ~~زائدة كافة لكي عن نصب الفعل (قوله والرأي في الولي الخ) أي وحل وقوف الرأي ~~الولي إذا أتى بحدث لا تدري أنت حكمه (قوله إن تسنما أمرا) أي إن ركب فعلا ~~ففي إطلاق الأمر على الفعل مجاز عند بعض، وفي البيت تشبيه الأمر بمركوب له ~~سنام لأن التسنم ركوب على السنام والمشبه به محذوف ذكر من لوازمه التسنم ~~فالمحذوف استعارة بالكناية واللازم استعارة تخييلية (قوله قد أبهما) ~~بالبناء للمفعول أخفي، والمراد أنه لم يفتح الله لك معرفة حكم ذلك الحدث ~~الذي ارتكبه وليك. # (قوله وقيل والسؤال مع ذا يلزم) أي وذهب بعض من قال بوقوف الرأي مع ~~اعتقاد السؤال وقوف سؤال (قوله فهو حليف الرأي) أي فوقوف السؤال ملازم ~~لوقوف الرأي مع من قال بوجوب السؤال على الصبي حقيقة ومعنى لم تعد أي لم ~~يتقدم في وجودك فيه والقائلون بوجوبه في وقف الرأي قالوا بوجوبه في وقوف ~~الإشكال لكن وقوف الإشكال نوع من وقوف الرأي. # ( PageV01P245 قوله مع من ألزموا) أي مع الذين قالوا إن السؤال لازم ~~(قوله وفي وليين الخ) أي لعن كل منهما الآخر أو برئ كل واحد منهما من الآخر ~~ولم يعلم أيهما البادي أما إذا علم أيهما البادي فيحكم عليه بالظلم كما في ~~الحديث ((إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما))([4]) إن كان ~~الذي قيل له كافرا فهو كافر وإلا رجع على من قال. # (قوله أحكم وقوف إشكال) أي أحكم فيهما بوقوف الإشكال لما أشكل من أمرهما ~~(قوله إذا لم يعلم بطلان كل منهما) أي أو أحدهما والمعنى أن وقوف الإشكال ~~في الوليين إذا تلاعنا محله إذا لم يعلم أنهما مبطلان معان في لعن بعضهما ~~بعضا أو أن المبطل واحد بعينه وفيه إشارة إلى أنه يمكن أن يكونا مبطلين معا ~~وأن يكون المبطل واحدا منهما دون الآخر وعدم إمكان حقيقتهما معا (قوله ~~والشك أن لا تولي ms196 غير من يشك) أي ووقوف الشك صورته أن لا تتولى غير من يشك ~~مثل شكك وهو حرام لما تقدم من أنه فيه تعطيل الولاية لمن وجبت ولايته. # ---------------------------------------------------------------------- ~~------- # [1] سورة الإسراء آية رقم 36 وتكملة الآية (إن السمع والبصر والفؤاد كل ~~أولئك كان عنه مسئولا). # [2] الحديث رواه ابن ماجة في المقدمة 8 باب اجتناب الرأي والقياس 55 ~~حدثنا الحسن بن حماد سجادة، ثنا يحيى بن سعيد الأموي عن محمد بن سعيد بن ~~حسان عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم، ثنا معاذ بن جبل قال: لما ~~بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال: وذكره. # [3] سورة الطلاق آية رقم 4. # [4] الحديث رواه الإمام البخاري في كتاب الأدب 73 باب من أكفر أخاه بغير ~~تأويل فهو كما قال. 6103 حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا علي بن المبارك عن يحيى ~~بن أبي كثير عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم قال: وذكره. PageV01P246 # وقال عكرمة بن عمار عن يحيى بن عبدالله بن يزيد سمع أبا سلمة سمع أبا ~~هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم # ورواه أيضا بسنده عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم قال: وذكره. # ورواه الإمام مسلم في إيمان 111 وصاحب الموطأ في الكلام 1 وأحمد بن حنبل ~~في المسند 2: 18، 44، 60، 77، 105، 113 (حلبي). # الباب الرابع (من الركن الثالث)(في الصغائر والكبائر..... # الباب الرابع (من الركن الثالث)(في الصغائر والكبائر من الذنوب وأحكام ذلك) # ناسب ذكره في هذا الركن لأن ارتكاب الكبائر موجب للبراءة وارتكاب الصغائر ~~له أحكام تناسب المقام أيضا ثم إنه لا بد للعالم بالولاية والبراءة من أن ~~يكون عالما بالصغائر والكبائر من الذنوب، والمراد من علمه بالصغائر ~~والكبائر تمييزه بين الأحوال التي يكفر بها المكلف والأحوال التي لا يكفر ~~بها، فيحتاج أولا إلى معرفة حدودهما ليميز بينهما إجمالا ثم يحتاج إلى ~~معرفة أحكام كل واحد منهما. وبدأ المصنف بذكر حد الكبائر ثم ضبط الصغائر ~~بأنها عكس الكبائر والمراد أن ما ms197 عدا الكبير من الذنوب فهو صغير وقد ذكر ~~ابن حجر([1]) للكبائر حدودا أحدهما: أنهما ما لحق صاحبها عليها بخصوصها ~~وعيد بنص كتاب أو سنة، فخرج بالخصوص ما اندرج تحت عموم فلا يكفي ذلك في ~~كونه كبيرة بخصوصه. # (ثانيها): أنها كل معصية أوجبت الحدود بأنهم نصوا على كبائر كثيرة ولا حد ~~فيها كأكل الربا ومال اليتيم والعقوق وقطع الرحم والسحر والنميمة وشهادة ~~الزور والسعاية والقيادة والرياسة وغيرها. # (ثالثها): أنها كل ما نص الكتاب على تحريمه أو وجب في جنسه حدا وترك ~~فريضة تجب فورا والكذب في الشهادة والرواية واليمين وزاد الهروي([2]) ~~وشريح([3]) وكل قول خالف الإجماع العام. # (رابعها): كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين رقة الديانة مبطلة ~~للعدالة وكل جريمة لا تؤذن بذلك بل يبقى حسن الظن ظاهرا بصاحبها لا تحبط ~~العدالة. PageV01P247 # قال الأذرعي([4]) وإذا تأملت بعض ما عد من الصغائر توقفت فيما أطلقه أ. ه ~~واعتذر عنه ابن حجر بما حاصله وإذا تأملت كلام الإمام الأول ظهر لك أنه لم ~~يجعل ذلك حدا للكبيرة خلافا لمن فهم منه ذلك، لأنه يشمل صغائر الخسة وليست ~~بكبائر، وإنما ضبط به ما يبطل العدالة من المعاصي الشامل لصغائر الخسة نعم ~~هذا الحد أشمل من التعريفين الأولين لصدقه على سائر مفردات الكبائر ولكنه ~~غير مانع لما علمت أنه يشمل صغائر الخسة ونحوها. # (خامسها): أنها ما أوجب الحد أو توجه إليه الوعيد والصغيرة ما قال فيه الإثم. # (سادسها): أنها كل محرم لعينه منهي عنه لمعنى في نفسه فإن فعله على وجه ~~يجمع وجهين أو وجوها من التحريم كان فاحشة فالزنا كبيرة وبحليلة الجار ~~فاحشة والصغيرة تعاطي ما تنقص رتبته عن رتبة المنصوص عليه أو تعاطيه على ~~وجه دون المنصوص عليه، فإن تعاطاه على وجه يجمع وجهين أو وجوها من التحريم ~~كان كبيرة فالقبلة واللمس والمفاخذة صغيرة ومع حليلة الجار كبيرة، كذا نقل ~~عن الحليمي وفيه نظر. # (سابعها): أنها كل فعل نص الكتاب على تحريمه أي بلفظ التحريم وهو أربعة ~~أشياء أكل لحم الميتة والخنزير ms198 ومال اليتيم ونحوه والفرار من الزحف ورد ~~بمنع الحصر في الأربعة. # ( PageV01P248 ثامنها): أنه لا حد يحصرها يعرفه العباد واعتمده ~~الواحدي([5]) من الشافعية وبعض أصحابنا قالوا: لو أن للكبيرة حدا يحصرها ~~يعرفه العباد لاقتحم الناس الصغائر واستباحوها ولكن الله عز وجل أخفى ذلك ~~عن العباد ليجتهدوا في اجتناب المنهي عنه رجاء أن تجتنب الكبائر، ونظائره ~~إخفاء الصلاة الوسطى وليلة القدر وساعة الإجابة ونحو ذلك أ. ه وقال ~~الغزالي([6]): ولا مطمع في معرفة الكبائر مع الحصر إذ لا يعرف ذلك إلا ~~بالسمع ولم يرد وقال مرة أخرى: كل معصية يقدم المرء عليها من غير استشعار ~~خوف ووجدان ندم تهاونا واستجراء عليها فهي كبيرة وما يحمل على فلتات النفس ~~ولا ينفك عن ندم يمتزج بها وينقص التلذذ بها فليس بكبيرة. واعترض العلامي ~~ما قاله هنا بأنه إن كان ضابطا للكبيرة من حيث هي فهو مشكل جدا إذ يرد عليه ~~من ارتكب نحو الزنا نادما عليه فقضيته أنه لا تنخرم به عدالته ولا يسمى ~~كبيرة حينئذ، وليس كذلك اتفاقا وإن ضابطا لما عدا المنصوص عليه فهو قريب أ. ~~ه بتصرف. ولما كان الحد الخامس من هذه الحدود هو الذي عول عليه الإمام رضي ~~الله عنه وجمهور الأصحاب - رحمهم الله - وكان ما عداه من الحدود مدخولا عول ~~عليه الناظم أيضا. # (والذنب قسمان كبير وجبا= # حد به والباري منه غضبا) # (فأوجب اللعن عليه أو سخط= # أو قبح الرسول من به سقط) # ( PageV01P249 قوله الذنب قسمان) المراد بالذنب ما يشمل الإثم والزلة ~~ونحوهما ولذا صح له تقسيمه إلى صغير وكبير (قوله كبير) أي القسم الأول كبير ~~(قوله وجبا حد به) أي الكبير ما وجب بسببه حد في الدنيا على فاعله كالسرقة ~~فإنها موجبة للقطع وكشرب الخمر فإنه موجب للجلد (قوله منه غضبا) أي ومن ~~الكبيرة ما ذكره الله تعالى مقرونا بالغضب (قوله فأوجب اللعن) عليه مرتب ~~على قوله والباري منه غضبا والمراد بغضب الله تعالى عقوبته وبلعنه الطرد عن ~~رحمته (قوله أو سخط) معطوف على غضب والسخط والغضب ms199 من الله بمعنى (قوله أو ~~قبح الرسول) بضم اللام فاعل قبح أي ومن الكبير ما قال فيه الرسول صلى الله ~~عليه وسلم ((قبح الله فاعل كذا)) وحاصل ما ذكره أن الكبير من الذنوب هو ما ~~ثبت فيه حد في الدنيا أو عذاب في الآخرة (قوله من به سقط) أي من وقع فيه. # (وعكسه الصغير مثل الكذب= # إن خف والرقص ومثل اللعب) # (ومن أصر لصغير فكمن= # أتى الكبير في الكتاب والسنن) # (قوله وعكسه الصغير) أي عكس الكبير من الذنوب هو الصغير والمراد بالعكس ~~هنا مطلق المخالفة أي ما عدا الكبير من الذنوب فهو صغير بناء على المذهب ~~المشرقي أن الصغائر موجودة في الخارج وأنها معلومة للعلماء وهو مذهب النكار ~~وجمهور قومنا وذهب أصحابنا من أهل المغرب وبعض أهل المشرق إلى أنها موجودة ~~لكنها غير معينة إذ ليس في تعيينها حكمة لأنها لو عينت وهي مغفورة كان ~~تعيينها إغراء بارتكابها والغرض أنها حرام منهي عنها فيناقض تعيينها النهي عنها. # (قلنا): غفرانها موقوف على اجتناب الكبائر ولا يدري المرء أنه يموت على ~~كبيرة أم لا فليس في تعيينها إغراء وفي قول ثالث ونسب إلى ابن عباس رضي ~~الله عنه أن الصغائر لا وجود لها في الخارج أخذا من قوله كل معصية يعصى بها ~~الله فهي كبيرة إذ ليس النظر إلى المعصية وإنما النظر إلى من يعصى. # ( PageV01P250 وذهب) مالك([7]): إلى أن الكبائر معاصي أهل البدع والصغائر ~~معاصي أهل السنة وهو باطل لأن في معاصي أهل السنة الزنا وشرب لخمر وقتل ~~النفس، إلى غيرها من الكبائر التي جاء النص بأنها موبقات. # (وقيل) إن الكبائر معاصي إبليس والصغائر معاصي من سواه وهو باطل أيضا ~~لأنه إما أن يريد بمعصية إبليس الاستكبار والوسوسة للناس وبغض الحق وأهله ~~فالكبائر غير منحصرة فيما ذكر، وإما أن يريد بها أن المعاصي التي تصدر من ~~غير إبليس صغائر مطلقا ولا تصدر الكبيرة إلا من إبليس فيلزمه جعل الشرك ~~وقتل النفس والزنا وشرب الخمر ونحوهما من غير إبليس صغائر ولا يشك عاقل ms200 في ~~بطلانه. # (قوله مثل الكذب إن خف) هذا وما بعده مثال للصغير من الذنوب بناء على ~~مذهب المشارقة للقائلين بتعيينها فمن ذلك الكذب الخفيف والمراد بالكذب ~~الخفيف هو الذي لم يكن كذبا على الله أو رسوله ولا يسفك به دم ولا يتلف به مال. # (وقيل) هو كبيرة مطلقا أي كان خفيفا أو ثقيلا (وقيل) إن كان الكذب على ~~غير الله تعالى وغير رسوله صلى الله عليه وسلم فهو صغيرة (ومن ذلك) اللطمة ~~إذا لم تؤثر. # (وقيل) هي كبيرة مطلقا وصححه القطب رحمه الله تعالى قيل (ومن ذلك) التعري ~~نهارا حيث لا يراه أحد (قيل) ومن ذلك التعري ليلا أيضا (ومن ذلك) دخول ~~الحمام في ظلمة بلا ثوب (ومن ذلك) الدخول بلا إذن والغيبة وقيل هما كبيرتان ~~قال القطب رحمه الله وهو الصحيح. # (قوله والرقص) أي ومثل الرقص أي ومن الصغائر الرقص (ومنها) أيضا ضرب الدف ~~بلا غناء ولا اجتماع (وقيل) كبيرة ما لم يغن عليه فهو صغيرة وقيل ما لم ~~يجتمع عليه فهو صغيرة قال القطب رحمه الله تعالى وليس ضرب الطبل لحاجة غير ~~لهو معصية كضربه لجمع الناس أو لإنفارهم أو لإشهار نكاح وكضربه عند ملدوغ ~~حية لئلا يغشى عليه بلا صوت يلتذ به. # ( PageV01P251 ومنها) أيضا المزمار (ومنها) أيضا ضرب الطنبور (ومنها) ~~أيضا آلات اللهو (قوله ومثل اللعب) المراد باللعب الغير المقرون باللعن ~~كلعب الشطرنج ونحوه وغير المقرون بالإباحة كملاعبة الرجل عرسه وفرسه ورميه قوسه. # (قوله ومن أصر لصغير) أي على صغير الخ هذا بيان حكم الصغائر (اعلم) أن ~~للصغائر حكمين. # (أحدهما) أنها مغفورة بفعل الحسنات بشرط اجتناب الكبائر قال تعالى ((إن ~~الحسنات يذهبن السيئات))([8]) وقال تعالى ((إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ~~نكفر عنكم سيئاتكم))([9]) والمراد بالسيئات هنا الصغائر وقال تعالى ~~((والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع ~~المغفرة))([10]) والمراد باللمم الصغائر من الذنوب (والحكم الثاني): أن ~~الإصرار عليها كبيرة قال تعالى ((ولم يصروا على ما فعلوا وهم ~~يعلمون))([11]) فمدحهم بعدم الإصرار على المعصية وفي ms201 مدحه تعالى بعدم ~~الإصرار ذم للإصرار وما ذمه الله تعالى فهو كبير. # (بيانه) أنه تعالى لا يذم شيئا وهو يرضاه لعباده وقد قال تعالى ((ولا ~~يرضى لعباده الكفر))([12]) فاستنتج من الآيتين أن الإصرار كفر نعمة وفي هذا ~~الاستدلال ما لا يخفى فينبغي التعويل على صريح ما يأتي من أحاديث لشهرتها ~~وتلقي الناس لها بالقبول قال صلى الله عليه وسلم ((الإصرار على الصغائر ~~كبيرة)) وقال ((هلك المصرون قدما إلى النار))([13]) (قوله فكمن أتى الكبير) ~~أي في حكم الولاية والبراءة في أحكام الآخرة ويبحث فيه الإصرار على الصغيرة ~~كبيرة وفاعل الإصرار فاعل الكبيرة، فيلزم المصنف تشبيه الشيء بنفسه، ويجاب ~~بأن في كلام المصنف بيان أن فاعل الإصرار آت لكبيرة لكن لما كان كون ~~الإصرار على الصغيرة كبيرة يخفى على كثير من العوام فيعتقدون الإصرار عليها ~~بجهلهم صغيرة أيضا خاطبهم بما وقع في أذهانهم فشبه لهم المصر بفاعل الكبيرة ~~هذا ما اقتضاه الحال ومقتضى الحال مراعى في البلاغة. # ( PageV01P252 قوله في الكتاب) أي القرآن العظيم أي هذا الحكم في الكتاب ~~إلى آخره (وقوله السنن) جمع سنة وهي أقواله وتقريراته عليه الصلاة والسلام ~~وعبر بالجمع مكان المفرد تجوزا على حد: شابت مفارقه وما له إلا مفرق واحد ~~أو تقول جمعها باعتبار أن كل حديث من الأحاديث سنة أو باعتبار تعدد سنن ~~الأنبياء فإنه مما انطبقت على تحريمه سنن الأنبياء إذ لا يجوز لنبي أن يحله. # (وراكب الكبير توبه فان= # أبى إلى الله ببعضه فدن) # (وبعضهم ضلله وتوبا= # ثم استمر أن عن التوب أبى) # (قوله وراكب الكبير توبه الخ) هذا بيان حكم راكب الكبير من الذنوب بالنظر ~~إلى الخلق، أما حكم الكبير على نفسه فيؤخذ من تعريفه الكبائر بأنها ما وجب ~~عليها حد في الدنيا أو عذاب في الآخرة فوجوب الحد في الدنيا ووجوب العذاب ~~في الآخرة حكمان للكبير من الذنوب. # (اعلم) أن لراكب الكبير حكمين أحدهما: بالنظر إلى ما بينه وبين ربه وهو ~~ما أوعده الله به من العذاب في الدارين بالحد والعقوبة، أو بالعذاب ms202 في ~~الآخرة إلا إذا تاب من ذنبه. # وثانيهما: بالنظر إلى الخلق وهو البراءة منه والمعاداة له فيجب على كل ~~مكلف علم فسقه أن يبرأ منه ويضلله لكن اختلفت الأئمة في القدوم على البراءة ~~منه قبل الاستتابة فبض ذهب إلى أنه لا يبرأ منه حتى يستتاب فإن تاب قبل منه ~~وإن أبى برئ منه وهو اختيار الإمام رحمه الله تعالى مستدلا عليه بأنه لا ~~يحكم على أحد بشيء إلا بعد الاحتجاج عليه إن أمكن إجماعا واستدل عليه غيره ~~بقوله تعالى لإبليس ((ما منعك أن تسجد إذ أمرتك))([14]) فلم يعاجله بالطرد ~~حتى استخبره، والله عالم بكل شيء وإنما هو تعليم لعباده وإظهار لما في ~~حكمته فيستفاد من الآية ثبوت إقامة الحجة. PageV01P253 # وذهب آخرون إلى أنه يبرأ منه قبل أن يستتاب وصححه القطب رحمه الله تعالى ~~فإن تاب قبل منه وإن أبى بقي على حكم البراءة، ولأهل هذا القول أنه من حين ~~ما ركب الكبيرة صار عدوا لله ووجبت علينا معاداته فالوقوف عنه بعد وجوب ~~المعاداة وقوف عن الواجب، وإهمال عن إنفاذ الحكم لا احتجاج عليه فيما لا ~~يحتل إلا باطلا وموضع الاحتجاج على المحكوم عليه إنما هو في شيء يكون له ~~فيه مخرج عن الباطل ولا مخرج لراكب الكبيرة أصلا فإنها لا تقع بخطأ. (وأما) ~~الآية فليس فيها إلا أنه تعالى استخبره عما منعه عن السجود إظهارا لحجته ~~عليه فهي دليل على حلمه تعالى وعفوه ولا يجب علينا الإقتداء في مثل ذلك ~~فكثير مما عفا عنه بحلمه أوجب علينا نحن أن نعاجله بالإتلاف، فالكفار أخر ~~الله عنهم العذاب في الدنيا وأعطاهم الأموال والخول، وألزمنا عند القدرة أن ~~نقتلهم ونسبي # ذراريهم ونغنم أموالهم وغاية ما في الآية الإخبار عن اتصافه تعالى بالحلم ~~لا إيجاب ذلك علينا. # (قوله توبه) أي إذا قدرت على ذلك وظاهر كلام الجامع أن التتويب واجب ~~عليك، وجعله الإمام من باب الأمر بالمعروف فأوجبه عند القدرة. # ( PageV01P254 قوله فإن أبى) أي امتنع (قوله إلى الله) متعلق بدن إلى ~~بمعنى اللام أي ms203 اعتقد الدينونة لله ببغضه والبغض محله القلب وهو أصل ~~البراءة ثم يترتب عليه الشتم باللسان في مواضعه والزجر باليد في مواضعه ~~أيضا (قوله وبعضهم ضلله) أي اعتقد تضليله (قوله وتوبا) أي بعد أن ضلله أخذ ~~يتوبه لئلا يكون معطلا للأمر بالمعروف (قوله ثم استمر) أي ذلك البعض يعني ~~أنه بقي على تضليله إذا امتنع من التوبة وفيه إشارة إلى أنه إن أحدث أحد ~~حدثا يستوجب به البراءة فبرئ منه لذلك ثم أحدث مرة أخرى حدثا يستوجب به ~~البراءة أيضا أنه لا يلزم تكرار البراءة منه بتكرار أحداثه الموجبة لها بل ~~يكفي فيه اعتقاد أنه مضل بأي حدث كان وذلك أن الامتناع عن التوبة كبيرة ~~أخرى، فحكى المصنف عن ذلك البعض الاستمرار على تضليله الأول ولم يحك لهم ~~تضليلا ثانيا بالامتناع عن التوبة وهذا ظاهر (قوله إن عن التوب أبى) أي إن ~~امتنع عن التوبة فحكمه ما مر عندهم. # (والحكم للراكب ذنبا صغرا= # إسلامه حتى يرى مستكبرا) # (قوله والحكم للراكب ذنبا صغرا) الخ أي والحكم فيمن ركب ذنبا صغيرا أنه ~~مسلم حتى يصر عليه لعفو الله تعالى عن الصغائر باجتناب الكبائر ((إن ~~تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما))([15]) ~~ولا شك أن كمنم عفا الله عنه فهو مسلم مؤمن أما إذا أصر على ذنبه الصغير ~~فقد تقدم حكمه أن الإصرار على الصغير كبيرة وقد تقدم أيضا حكم فاعل ~~الكبيرة. # ( PageV01P255 واختلفوا) في صفة الإصرار الذي يصير به الصغير من الذنوب ~~كبيرة فعن أبي عبيدة([16]) رضي الله عنه وقد سأل عن المصر فقال: الذي لا ~~يندم ولا يرجع ولا يتوب وعن بشير رحمه الله تعالى وقد عن من أصاب صغيرا من ~~الذنوب ونيته أن يتوب منه غدا أو بعد ذلك ومن دينه التوبة من ذلك إلا أنه ~~لم يتب حين مواقعة الذنب فقال: إن عزم على ترك التوبة ومات قبل أن يتوب ~~هلك، وإن تاب قبل الموت سلم وقول علي أن يتوب من حين ما واقع المعصية ~~الصغيرة ولا ms204 يؤخر ذلك وإن أخر فقد أصر، وهو أشد القولين والآخر أفسح ثم ~~قال: من أذنب ذنبا ثم ندم عليه فهو إقلاع عنه وتوبة لأن الندم توبة فكل من ~~أكثر الندم على ذنبه إجلالا لله تعالى وتعظيما له كان أرجى لقبول توبته ~~والله أعلم. PageV01P256 # أقول: ويبحث في أقول الذي حكاه بشير لا فرق إذا بين الصغير والكبير من ~~الذنوب، لأن كلا منهما تلزم منه توبة في حال المعصية ويجاب بأنه مبني على ~~مذهب من رأى أن جميع ما يعصى به الله فهو كبير وعن السدي: إن الإصرار على ~~الذنب هو السكوت عن التوبة والتمادي في الذنب وعن الحسن أن إتيان الذنب ~~عمدا إصرار وقيل لا يكون صاحب الصغيرة من الذنوب مصرا هالكا حتى يكون أتى ~~بها مستخفا لنهي الله فيها ومستحقرا لها، فإن الذنب كلما استعظمه العبد من ~~نفسه صغر عند الله تعالى وكلما استصغره كبر عند الله تعالى لأن استعظامه ~~يصدر عن نفور القلب وكراهيته له، وذلك النفور يمنع من شدة تأثره به ~~واستصغاره يصدر عن الإلف به، وذلك يوجب شدة الثر في القلب والقلب هو ~~المطلوب تنويره بالطاعات والمحذور تسويده بالسيئات ولذلك لا يؤاخذ بما يجري ~~عليه في الغفلة فإن القلب لا يتأثر بما يجري في الغفلة وقد جاء في الخبر ~~((المؤمن يرى ذنبه كالجبل فوقه يخاف أن يقع عليه، والمنافق يرى ذنبه كذباب ~~مر على أنفه فأطاره))([17]) وقال بعضهم: الذنب الذي لا يغفر قول العبد ليت ~~كل ذنب عملته مثل هذا وإنما يعظم الذنب في قلب المؤمن بعلمه لجلال الله ~~فإذا نظر إلى عظم من عصى به رأى الصغيرة كبيرة أ. ه. # أقول: وقد حرر القطب رحمه الله هذا المقام فجعل الإصرار بأشياء منها ~~الإقامة على الذنب ومنها الإعراض عن التوبة ومنها اعتقاد المعاودة إلى ~~الذنب ومنها اعتقاد عدم التوبة ثم ذكر بعد ذلك أنه لا يحكم عليه بالإصرار، ~~وإن سكت عن التوبة مثلا كما إذا قيل له تب فسكت حتى يقول أنه لا يتوب أو ~~نحو ذلك ms205. # (والخلف في الإصرار للصغير هل= # إذا مضى ولم يتب من العمل) # (أو إن يكن أتاه باستخفاف= # والثاني عندهم بلا خلاف) # ( PageV01P257 قوله والخلف في الإصرار للصغير الخ) أي اختلف العلماء في ~~صفة الإصرار على الذنب فقيل: هو الاستمرار على عدم التوبة منه ولو لم يعتقد ~~عدم التوبة وذلك كما إذا أذنب ومضى ولم يتب من ذلك الذنب ولم يعتقد الإقامة ~~عليه لكنه استرسل في أمر كذلك وقيل الإصرار هو أن يأتي بالذنب ثم يعزم على ~~ترك التوبة من ذلك أو يتهاون ويستخف بالعقوبة على ذلك من الله ويستصغر ~~المعصية لله بذلك أو يدين بحلال إنه حرام وإذا لم يكن منه شيء من هذا أو ما ~~أشبهه فلا يلزمه حكم الإصرار كذا قال الإمام. # قال: ويعجبني في الحكم بين العباد إن لا يحكم عليه بحكم المصر حتى يستتاب ~~من ذلك فلا يتوب قال: وأما فيما أخاف عليه من الله في أحكام دينه فما لم ~~يكن له اعتقاد يبريه من الإصرار بالتوبة من جميع ما ركب من معاصي الله في ~~جملته يبني عليه ويعتقدها أو كلما ذكرها جددها أو كلما أبطأ منها عاودها ~~وتعاهدها فإني أخاف عليه إن لم يكن هذا لا يسلم بالإقامة على شيء من معاصي ~~الله حتى يتوب منها بعينها وباعتقاده يدخل في جلتها ما قد عصى الله به أ. ه. # (قوله هل إذا مضى) أي هل الإصرار إذا مضى العاصي بعد مقارفة الذنب ولم ~~يتب من عمله..؟ (قوله أو إن يكن أتاه باستخفاف) أي أو الإصرار أن يأتي ~~العاصي بالذنب مستخفا لنهي الله فيه ومستحقرا لذنبه..؟ قولان كما مر ~~بيانهما. # (قوله والثاني عندهم) أي والقول الثاني وهو أن يأتي الذنب على سبيل ~~الاستخفاف إصرار بلا خلاف عند العلماء، يعني أن الخلاف في أول الوجهين هل ~~هو إصرار أو لا؟ وأما الوجه الثاني فأجمعوا على أنه إصرار. # ---------------------------------------------------------------------- ~~------- # [ PageV01P258 1] هو أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني أبو الفضل ~~شهاب الدين بن حجر من أئمة العلم والتاريخ أصله من عسقلان (بفلسطين) ومولده ms206 ~~عام 773ه بالقاهرة. ولع بالأدب والشعر ثم أقبل على الحديث ورحل إلى اليمن ~~والحجاز وغيرهما لسماع الشيوخ وعلت له شهرة فقصده الناس للأخذ منه وأصبح ~~حافظ الإسلام في عصره، قال السخاوي انتشرت مؤلفاته في حياته وتهادتها ~~الملوك وكتبها الأكابر، وكان فصيح اللسان راية للشعر عارفا بأيام المتقدمين ~~والمتأخرين، ولي قضاء مصر مرات ثم اعتزل من كتبه (لسان الميزان) و(الأحكام ~~لبيان ما في القرآن من الأحكام) و(تقريب التهذيب) وغير ذلك كثير توفي عام 852ه. # راجع التبر المسبوك 230 وخطط مبارك 6: 37 ولسان الميزان 6 خاتمة. # [2] هو عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري الهروي أب إسماعيل، شيخ خرسان ~~في عصره من كبار الحنابلة من ذرية أبي أيوب الأنصاري كان بارعا في اللغة ~~حافظا للحديث عارفا بالتاريخ والأنساب مظهرا للسنة داعيا إليها امتحن ~~وأوذي. من كتبه (ذم الكلام وأهله، والفاروق في الصفات) وكتاب الأربعين في ~~التوحيد، منازل السائرين وغير ذلك توفي عام 481ه. # راجع الذيل على طبقات الحنابلة 1: 64. # [3] هو شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي أبو أمية من أشهر القضاة ~~في الإسلام، أصله من اليمن ولي قضاء الكوفة في زمن عمر وعثمان وعلي ومعاوية ~~واستعفى في أيام الحجاج فأعفاه سنة 77ه وكان ثقة في الحديث مأمونا في ~~القضاء، له باع طويل في الأدب والشعر، وعمر طويلا ومات بالكوفة عام 78ه. # راجع طبقات ابن سعد 6: 90 - 100 ووفيات الأعيان 1: 224 وحلية الأولياء 4: 132. # [ PageV01P259 4] هو أحمد بن حمدان بن أحمد بن عبد الواحد، أبو العباس ~~شهاب الدين الأذرعي، فقيه شافعي، ولد بأذرعات الشام وتفقه بالقاهرة وولي ~~نيابة القضاء بحلب وراسل السبكي بالمسائل (الحلبيات) وهي في مجلد، وجمعت ~~فتاويه في رسالة، عاد إلى القاهرة سنة 772ه ثم استقر في حلب إلى أن توفي ~~عام 783ه وكان لطيف العشرة كثير الإنشاد، وله نظم قليل. # راجع الدرر الكامنة 1: 125 وأعلام النبلاء 5: 86 وهدية العارفين 1: 115 ~~ودار الكتب 1: 527 والبدر الطالع 1: 35. # [5] هو علي بن أحمد بن محمد بن علي بن متويه أبو الحسن الواحدي: مفسر ~~عالم بالأدب، نعته الذهبي بإمام علماء التأويل، كان من أولاد ms207 التجار أصله ~~من ساوة (بين الري وهمذان) ومولده ووفاته عام 468ه بنيسابور. # له البسيط، والوسيط، والوجيز كلها في التفسير، وقد أخذ الغزالي هذه ~~الأسماء وسمى بها تصانيفه، وشرح ديوان المتنبي، وأسباب النزول، والواحدي ~~نسبة إلى الواحد بن الديل بن مهرة. # [6] سبقت الترجمة له في الجزء الأول في كلمة وافية. # [7] هو مالك بن أنس بن مالك الأصبحي الحميري، أبو عبد لله إمام دار ~~الهجرة، وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه تنسب المالكية مولده عام ~~93 ه في المدينة ووفاته بها عام 179ه كان صلبا في دينه بعيدا عن الأمراء ~~والملوك، وشي به إلى جعفر عم المنصور العباسي فضربه سياطا انخلعت لها كتفه ~~ووجه إليه الرشيد العباسي ليأتيه فيحدثه فقال: العلم يؤتى، فقصد الرشيد ~~منزله واستند إلى الجدار فقال مالك: " يا أمير المؤمنين من إجلال رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم إجلال العلم - فجلس بين يديه فحدثه. # وسأل المنصور أن يضع كتابا للناس يحملهم على العمل به فصنف الموطأ وله ~~رسالة في الوعظ، وكتاب في المسائل، ورسالة في الرد على القدرية وكتاب في ~~النجوم. وتفسير غريب القرآن وغير ذلك كثير. # راجع الديباج المذهب 17 - 30 والوفيات 1: 439، وتهذيب التهذيب 10: 5 وصفة ~~الصفوة 2: 99. # [ PageV01P260 8] سورة هود آية رقم 114 وتكملة الآية (ذلك ذكرى ~~للذاكرين). # [9] سورة النساء آية رقم 31. # [10] سورة النجم آية رقم 32 وتكملة الآية (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من ~~الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى). # [11] سورة آل عمران آية رقم 135. # [12] سورة الزمر آية رقم 7. # [13] الحديث رواه الإمام أخمد في المسند 2: 165 (حدثني أبي ثنا يزيد أنا ~~جرير ثنا حيان الشرعي عن عبد الله عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه ~~وسلم أنه قال وهو على المنبر: ارحموا ترحموا واغفروا يغفر لكم ويل لأقماع ~~القول، ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون). # [14] سورة الأعراف آية رقم 12. # [15] سورة النساء آية رقم 31.. # [16] هو أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي نسبة إلى تميم قبيلة عظيمة ~~من نزار قال البدر الشماخي: كان ms208 مولى فيهم توفي في ولاية أبي جعفر بعد وفاة ~~حاجب رضي الله عنهما، تعلم العلوم وعلمها ورتب روايات الحديث وأحكامها، وهو ~~الذي يشار إليه بالأصابع بين أقرانه. # قال أبو عبد الله: كان أبو عبيدة أفقه من ضمام وأبي نوح، وكان المقدم ~~عليهما وعلى جعفر بن السماك، ولكن جعفر كان أوضع للأنى من أبي عبيدة وكان ~~هو الحجة في الدين، وكانوا كلهم أهل شرف وفضل. # راجع الجزء الأول من حاشية مسند الإمام الكامل الربيع بن حبيب ص 6، 7. # [17] الحديث رواه الإمام أحمد في المسند بسنده عن عبد الله بن مسعود 1: ~~383 ورواه الإمام الترمذي في كتاب القيامة 49 ورواه الإمام البخاري في كتاب ~~الدعوات 4. # (أقوال العلماء في الولي المرتكب للذنب) # (والخلف في الولي إن أتاه= # فبعضهم في حكمه رآه) # (ولم يتوبه وبعض ذهبا= # إلى الوقوف قبل أن يتوبا) # (وبعضهم أحسن ظنه به= # وبعد ذا استتابه من ذنبه) # (قوله والخلف في الولي إن أتاه الخ) أي اختلف العلماء في حكم الولي إن ~~ارتكب الذنب الصغير على ثلاثة مذاهب. # ( PageV01P261 المذهب الأول): وهو الصحيح أنه باق على حكم ولايته لأن ~~الله قد عفا عن الصغير من الذنوب لمن اجتنب الكبائر ولا شك أن المعفو عنه ~~مؤمن وكل مؤمن ولي. # (المذهب الثاني): الوقوف عنه لأنه أتى بذنب وهو بفعله عاص ولا يكون ~~العاصي وليا ولأنه يحتمل أن يكون قد أصر على ذلك الذنب فأسلم ما يكون من ~~الأحوال أن فيه أن يوقف عنه ثم يستتاب فإن تاب رجع إلى ولايته وإن أصر برئ منه. # (قلنا): أما الوقوف عنه لكونه عاصيا بعد أن ثبتت ولايته فليس بمسلم لأن ~~عصيانه مغفور باجتناب الكبائر ومن غفر له معصيته فهو كمن لم يعص حكما شرعيا ~~وأما الاحتمال أن يكون أصر على ذنبه أنه يحتمل أن يكون لم يصر أيضا وهو ~~أمين في دينه، فالأصل عدم الإصرار وأسلم الأحوال فيه أن يحكم فيه بما كان ~~عليه من الحال لا أن ينتقل فيه من حكم ثبت بيقين إلى حكم آخر لم يثبت إلا ~~بمحض ms209 تهمه، مع ما فيه من إساءة الظن بالولي. # (المذهب الثالث): حسن الظن بالولي وإبقاؤه على ولايته كما في المذهب ~~الأول لكنه يستتاب من ذنبه فإن تاب فذاك المطلوب منه وإن أصر برئ منه، وكأن ~~اشتراك الاستتابة هنا مقصود به اختبار الولي هل تغير عن حاله الأول أم هو ~~باق على حالته؟ وفائدة اختباره هو التحرز من أن يتولى مصر وطلب ما فيه ~~السلامة والاختبار بهذا المعنى جائز وليس هو بتجسس ونحن (نقول) أن هذا ~~التعليل كله لا يفيد وجوب الاستتابة وإنما يفيد الندب إليها، فإن أراد هذا ~~المذهب باشتراط الاستتابة له شرطا واجبا وغير مسلم وإن أرادوا به التنبيه ~~على طاعة الله والندب إليها فهو حسن لكنه راجع إلى أول المذاهب لأنه ما من ~~أحد إلا ويحسن الاستتابة في مثل هذا المقام لأنها من باب الأمر بالمعروف. # (قوله فبعضهم): أي فبعض المسلمين (قوله في حكمه) أي وهو الولاية (قوله ~~رآه) أي ظهر له في رأيه (قوله ولم يتوبه) أي ولم يطلب التوبة منه لعلمه أن ~~الصغير من الذنوب معفو باجتناب الكبير. # ( PageV01P262 قوله وبعض ذهب إلى الوقوف) أي وبعض المسلمين رأى الوقوف ~~أسلم فذهب إليه حتى يستتيبه. # (قوله قبل أن يتوبا): أي قبل أن تطلب منه التوبة فيتوب فيرجع إلى ولايته ~~أو يصر فيبرأ منه وفي قوله: يتوبا بالبناء للمفعول إشارة إلى أنه لا يشترط ~~أن تكون الاستتابة من الواقف فقط بل يكفي في طلبها من المحدث شكل من طلبها ~~منه إذا علم بذلك هذا الواقف عن ولايته لأن المقصود من الاستتابة اختبار ~~حالة أهو مصر على ذنبه أم لا؟ # (قوله وبعضهم): أي بعض المسلمين (قوله أحسن ظنه به) فأبقاه على ولايته ~~(قوله وبعد ذا استتابة من ذنبه) أي بعد ما أحسن الظن به طلب منه التوبة من ~~ذنبه الصغير # الباب الخامس(من الركن الثالث)..... # الباب الخامس(من الركن الثالث) # (في ذكر شيء من الكبائر وفي أحكام القاذف) # أي في بيان حكم شيء من الكبائر وهي الغيبة، والتجسس، والقذف، وفي أحكام ms210 ~~القاذف بالزنا وأما القاذف بغير الزنا فقد تقدم حكمه وخص من الكبائر ~~الظاهرية هذه الثلاث مع أنها كثيرة ليتوصل بذكرها إلى بيان أحكام القاذف، ~~فإن ذلك هو مقصودة فأما التوصل بذكر القذف إلى أحكام القاذف فظاهر وأما ذكر ~~الغيبة والتجسس فلمناسبتهما للقذف في المحل والصورة والحكم فأما مناسبة ~~المحل فلأن كل واحدة من الكبائر الثلاث محله اللسان وأما المناسبة في ~~الصورة فلأن كل واحدة منهن ثلم في عرض الغير، وأما المناسبة في الحكم فلأن ~~كل واحدة منهن حرام بنص الكتاب. # (وغيبة المؤمن والتجسس = # والقذف في الكل حرام أسسوا) # ( PageV01P263 قوله وغيبة المؤمن) أي حرام مبتدأ حذف خبره بدلالة ما بعده ~~عليه والغيبة بكسر المعجمة: هي أن تذكر أخاك في غيبته بما يكرهه على قصد ~~التنقيص له لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ((هل تدرون ما الغيبة؟ ~~قالوا الله ورسوله أعلم قال: ذكرك أخاك بما يكرهه قيل أرأيت إن كان في أخي ~~ما أقول قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد ~~بهته))([1]) ومن طريق معاذ أنه قال: ((ذكر رجل عند رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم فقالوا: ما أعجزه فقال صلى الله عليه وسلم اغتبتم أخاكم قالوا يا رسول ~~الله قلنا ما فيه قال: إن قلتم ما ليس فيه فقد بهتموه)) ([2]) وعن حذيفة عن ~~عائشة رضي الله عنها أنها ذكرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة ~~فقالت أنها قصيرة فقال صلى الله عليه وسلم ((اغتبتها)) ([3]) فهذه الأحاديث ~~دالة على أن الغيبة هي ذكر المؤمن بما يكره أما قولنا على قصد التنقيص ~~فمأخوذ من الأحاديث الآتي ذكرها في بيان ما لا يكون غيبة فخرج بالتقييد ~~بالمؤمن الفاسق، لأنه لا غيبة له لقوله صلى الله عليه وسلم ((أذيعوا بخبر ~~الفاسق ليحذر الناس شره)). PageV01P264 # وقوله صلى الله عليه وسلم ((ما لكم وللمنافق قولوا فيه ما فيه)). وقوله ~~صلى الله عليه وسلم ((من ألقى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له))ودخل تحت ~~قوله بما ms211 يكرهه كلما كان يكرهه أن لو بلغه سواء كان نقصا في بدنه أو نسبه ~~أو في خلقه أو في فعله أو في خلقه أو في فعله أو في قوله أو في دينه أو في ~~دنياه، فمثال الغيبة في البدن فهو كذكر العمش والحول والقصر والطول والسواد ~~والصفرة، وجميع ما يتصور أن يوصف به مما يكرهه كيفما كان، ومثال الغيبة في ~~النسب فكأن تقول: أبوه زطي أو هندي أو زبال. ومثال الغيبة في الخلق فكأن ~~تقول: هو بخيل ضعيف عاجز جبان وما يجري مجراه. ومثال الغيبة في الفعل فهو ~~كأن تقول: إنه قليل الأدب متهاون بالناس أو لا يرى لأحد على نفسه حقا أو ~~يرى لنفسه الحق على الناس أو أنه كثير الكلام كثير الأكل نؤوم ينام في غير ~~وقت النوم ويجلس في غير موضعه، وكأن تقول: طويل الذيل دنس الثياب، وخرج في ~~غير بقولنا على قصد التنقيص ما إذا لم يقصد بذكر المؤمن بما يكرهه تنقيص ~~وذلك أشياء. # (أحدها): التظلم فإن من ذكر قاضيا بالظلم والخيانة وأخذ الرشوة كان ~~مغتابا عاصيا إن لم يكن مظلوما، أما المظلوم من جهة القاضي فله أن يتظلم ~~إلى الإمام وينسبه إلى الظلم إذ لا يمكنه استيفاء حقه إلا به قال صلى الله ~~عليه وسلم ((إن لصاحب الحق مقالا)) ([4]) وقال عليه السلام ((لي الواجد يحل ~~عقوبته وعرضه)). # (ثانيها): أن يكون الإنسان معروفا بلقب يعرب عن عيبه كالأعرج والأعمش ~~والأعور والأصم فلا إثم على من يقول روى أبو الزناد عن الأعرج وسلمان عن ~~الأعمش وما يجري مجراه فقد فعل العلماء ذلك لضرورة التعريف لأن ذلك قد صار ~~بحيث لا يكرهه صاحبه لو علمه بعد أن قد صار مشهورا به. نعم إن وجد عنه ~~معدلا وأمكنه التعريف بعبارة أخرى فهو أولى. # ( PageV01P265 ثالثا): تحذير المسلم من الشر وذلك كمن اشترى مملوكا وقد ~~عرفت المملوك بعيب في بدنه أو خلقه فلك أن تذكر ذلك لمشتريه المسلم إن كان ~~العبد وليا وكذلك المزكي إذا سئل عن الشاهد فله أن يقول ms212 مثلا هو بقال أو ~~دباغ أو حجام أو حياك وإن كان الشاهد وليا وكذلك المستشار في التزويج له أن ~~يقول إن هذه المرأة غير جميلة ونحو ذلك وهذا الرجل ليس هو من حسب ونحو ذلك ~~وإن كان المستشار فيه وليا. # (رابعها): الاستفتاء كأن يقول للمفتي ظلمني أبي أو زوجتي أو أخي فكيف ~~طريقي في الخلاص لما روي عن هند بن عتبة([5]) أنها قالت للنبي صلى الله ~~عليه وسلم إن أبا سفيان([6]) رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني أنا وولدي فآخذ ~~من غير علمه فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف([7]). # فذكرت الشح والظلم لها ولولدها ولم يزجرها صلى الله عليه وسلم إذ كان ~~قصدها الاستفتاء. # (خامسها): الاستعانة على تغيير المنكر ورد المعاصي إلى منهج الصلاح فلك ~~أن تقول فلان فعل كذا من المنكرات عند من يعنيك على ردعه عن منكره وإن كان ~~فاعل المنكر وليا عند المستعان به كما روي أن عمر رضي الله عنه مر على ~~عثمان وقيل طلحة فسلم عليه فلم يرد عليه السلام فذهب إلى أبي بكر رضي الله ~~عنه فذكر له ذلك فجاء أبو بكر إليه ليصلح ذلك ولم يكن ذلك غيبة عندهم وكذلك ~~لما بلغ عمر رضي الله عنه أن أبا جندل قد عاقر الخمر بالشام، كتب إليه (بسم ~~الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب ~~وقابل التوب شديد العقاب) الآية. فتاب ولم يرد ذلك سيدنا عمر ممن أبلغه ~~غيبة إذ كان قصده أن ينكر عليه ذلك فينفعه نصحه ما لا ينفعه نصح غيره أ. ه ~~مختصرا من الأحياء([8]) وقد نظم هذه الخمسة مع غيبة الفاسق بعضهم فقال: # القدح ليس بغيبة في ستة= # متظلم ومعرف ومحذر # ولمظهر فسقا ومستفت ومن= # طلب الإعانة في إزالة منكر # ( PageV01P266 قوله والتجسس) أي حرام في الكل ومعنى التجسس المحرم هو ~~السؤال عن عورات الناس لقصد الإطلاع عليها، عن معاوية قال: سمعت رسول الله ~~صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت ms213 ~~تفسدهم))([9]) فدخل تحت قولنا عن عورات الناس عورة المسلم والفاسق والمشرك ~~لأن السؤال عن جميع ما ذكر حرام وهو معنى قولنا في تفسير النظم حرام في ~~الكل بخلاف الغيبة فإنها إنما تحرم في المؤمن كما قيدنا به، وخرج بقولنا ~~على قصد الإطلاع عليها ما إذا سئل عن العورات لقصد سترها وإصلاح العالم ~~كسؤال الإمام عن أحوال رعيته وفحصه عن أخبارهم فإن هذا وإن كان سؤال عن ~~العورات لكنه ليس بالتجسس المحجور. # لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه مر بامرأة حامل على باب فسطاط فسأل ~~عنها فقالوا: هذه أمة لفلان فقال: ألم بها..؟ فقالوا: نعم فقال صلى الله ~~عليه وسلم ((لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره كيف يورثه وهو لا يحل له ~~كيف يستخدمه وهو لا يحل له))([10]) وقد سأل صلى الله عليه وسلم أم علقمة عن ~~حال علقمة لما لم ينطق لسانه بالتلفظ بالشهادة عند موته ما نصه: يا أم ~~علقمه أصدقيني وإن كذبتني جاء الوحي من الله تعالى كيف كان حال ولدك ~~علقمه..؟ قالت يا رسول الله كان كثير الصلاة كثير الصوم كثير الصدقة قال ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم فما حالك..؟ قالت يا رسول الله: أنا عليه ~~ساخطة قال: لم..؟ قالت يا رسول الله كان يؤثر زوجته ويعصيني الخ والخلفاء ~~الراشدون والأئمة المهتدون كانوا يتفحصون عن أخبار الرعية ويسألون عن ~~أحوالهم السارة والضارة ولم يعد ذلك منهم إلا حزما في المملكة ونظرا في ~~السياسة وكفى ما جرى من مثل هذا النوع لسيدنا عمر رضي الله عنه مع عماله ~~فإنه كثيرا ما يمتحنهم وقد كان يجعل عليهم عيونا ويجعل على العيون عيونا. # ( PageV01P267 قوله والقذف في الكل حرام أسسوا) أي أصلوا أي جعلوا في ~~أصولهم إن غيبة المؤمن حرام وإن التجسس والقذف حرام في الكل أي في كل أحد ~~بارا كان أو فاجرا، للإطلاق النهي في التجسس والقذف وتقييده في الغيبة أما ~~الإطلاق في التجسس فقوله تعالى الخبر ((ولا تجسسوا))([11]) وأما الإطلاق في ~~القذف فهو ms214 قوله تعالى ((والذين يرمون أزواجهم))([12]) ولم يقيد الزوج بصف ~~إيمان ونحوه ((إن الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا))([13]) الآية. وأما ~~تقييده في الغيبة فهو قوله تعالى ((ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل ~~لحم أخيه ميتا))([14]) (والقذف): هو رمي الغير بالفاحشة سواء كانت تلك ~~الفاحشة زنا أو غير زنا كذا في اصطلاحه لكن غلب في عرفنا إطلاقه على القذف ~~بالزنا خاصة وهو حرام مطلقا ولذا شرع على فاعله الحد وهو أن يجلد ثمانين ~~جلدة جلدا متوسطا كما قال الشيخ هود رحمه الله تعالى صونا للأعراض لكنهم ~~شرطوا في ثبوت الحد في القذف شروطا منها ما هو القاذف ومنها في المقذوف ~~فأما شروط القاذف. # (فأحدها): أن يكون القاذف بالغا إذ لا حد على الصبي. # (وثانيها): أن يكون عاقلا إذ لا حد على المجنون. # (وثالثها): أن يكون مسلما فلا حد على اليهودي والنصراني إن قذف المسلم ~~عند بعضهم والصحيح إن عليه الحد لدخوله تحت قوله تعالى ((إن الذين يرمون ~~المحصنات)) الآية. # (ورابعها): الحرية فلا حد على العبد إذا قذف المسلم عند بعضهم وقيل يحد ~~أربعين (وأما شروط) المقذوف: # (فإحداها): البلوغ فلا حد على قاذف الصبي. # (وثانيها): العقل فلا حد على قاذف المجنون وقيل يحد قاذفها. # (وثالثها): الحرية فلا حد على قاذف المملوك ولا المدبر. # (ورابعها): الإسلام فلا حد على قاذف الذمي. # (وخامسها): الإحصان فيعزر قاذف غير المحصن ولا يحد. # ( PageV01P268 وسادسها): العفة فلا يحد قاذف من عرف بما قذف به عند بعض ~~ولا يحد قاذف محدود بما حد عليه أما إذا قذفه بما لم يحد عليه ففيه الحد ~~وسيأتي لهذا المقام تتمه في آخر الباب فاعطفها على ما هنا. # ---------------------------------------------------------------------- ~~------- # [1] الحديث رواه الترمذي في كتاب البر 23 باب ما جاء في الغيبة 1934 ~~حدثنا قتيبة، حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن ~~أبي هريرة قال: قيل يا رسول الله ما الغيبة؟ وذكره. # قال الترمذي: وفي الباب عن أبي برزة وابن عمر، وعبد الله بن عمرو وقال: ~~هذا الحديث حسن ms215 صحيح. # ورواه في الموطأ في الكلام 1 وأحمد بن حنبل في المسند 2: 384، 386 ~~(حلبي). # [2] الحديث رواه الإمام مسلم في كتاب البر والصلة والآداب 20 باب تحريمه ~~الغيبة 70 (2589) حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر قالوا حدثنا إسماعيل ~~عن العلاء عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وذكره. # ورواه أبو داود في كتاب البر 35 والترمذي في البر 23 والدارمي في الرقاق ~~6 وأحمد ابن حنبل في المسند 2: 230، 384 (حلبي). # [3] الحديث رواه الإمام أحمد في المسند 6: 206 ثنا وكيع قال: ثنا سفيان ~~عن علي بن الأقر عن أبي حذيفة عن عائشة أنها: وذكره وفيه زيادة (ما أحب أني ~~حكيت أحدا وأن لي كذا وكذا). # [4] الحديث رواه الإمام مسلم في كتاب المساقاة 22 باب من استلف شيئا ~~فقضي خيرا منه، وخيركم أحسنكم قضاء 120 (1601) حدثنا محمد بن بشار بن عثمان ~~العبدي، حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل عن أبي سلمة عن أبي ~~هريرة قال كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حق فأغلظ له فهم به ~~أصحابه فقال النبي صلى الله عليه وسلم وذكره. # ورواه الإمام البخاري في الاستقصاء 4 والوكالة 6 ورواه الإمام أحمد بن ~~حنبل في المسند 4: 268، 416، 456 (حلبي). # [ PageV01P269 5] هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف: ~~صحابية قرشية عالية الشهرة، وهي أم الخليفة الأموي (معاوية) بن أبي سفيان ~~تزوجت أباه بعد مفارقتها لزوجها الأول: الفاكهة بن المغيرة المخزومي في خبر ~~طويل من طرائف الجاهلية، وكانت فصيحة جريئة، صاحبة رأي وحزم ونفس وأنفة. # تقول الشعر الجيد. كانت ممن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمائهم يوم ~~فتح مكة، وأمر بقتلهم ولو وجدوا تحت أستار الكعبة فجاءته مع بعض النسوة ~~فأعلنت إسلامها، ورحب بها وأخذ البيعة عليهن. من كلام عتبة: المرأة غل لا ~~بد للعنق منه، فانظر من تضعه في عنقك، شهدت اليرموك وحرضت على قتال الروم ~~توفيت عام 14ه. # راجع طبقات ابن سعد 8: 170 وخزانة البغدادي 1: 556 والروض الأنف 2: 277 ~~وأسد الغابة 5: 562. # [6] هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد ms216 شمس بن عبد مناف: صحابي من سادات قريش ~~في الجاهلية، وهو والد معاوية رأس الدولة الأموية كان من رؤساء المشركين في ~~حرب الإسلام عند ظهوره قاد قريشا وكنانة يوم أحد، ويوم الخندق لقتال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم. وأسلم يوم فتح مكة سنة 8ه وأبلى بعد إسلامه ~~البلاء الحسن، وشهد حنينا والطائف ففقئت عينه يوم الطائف ثم فقئت الأخرى ~~يوم اليرموك، وكان من الشجعان الأبطال. قال المسيب: فقد الأصوات يوم ~~اليرموك إلا صوت رجل يقول: " يا نصر الله اقترب " قال: فنظرت فإذا أبو ~~سفيان، تحت راية ابنه يزيد توفي بالمدينة عام 31ه. # راجع الأغاني 6: 89 والإصابة ت 4041 وابن عساكر 6: 388. # [7] الحديث رواه ابن ماجه في كتاب التجارات 65 باب للمرأة من مال زوجها ~~2293 ثنا وكيع، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: جاءت هند إلى ~~النبيصلى الله عليه وسلم فقالت: وذكره. # ورواه البخاري في البيوع 95 والنسائي في القضاء 31 والدارمي في النكاح 54. # [ PageV01P270 8] الكتاب وضعه الإمام حجة الإسلام الغزالي في أربع ~~مجلدات وتبارى العلماء في شرحه وتخريج أحاديثه ويعد من أنفس الكتب في الوعظ ~~والإرشاد والتعرف على أمراض القلب والنفس. # [9] الحديث رواه أبو داود في كتاب الأدب باب النهي عن التجسس 4888- ~~حدثنا عيسى بن محمد الرملي، وابن عوف، وهذا بلفظه قالا: ثنا الفريابي، عن ~~سفيان، عن ثور، عن راشد ابن سعد، عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم يقول: وذكره وفيه: قال أبو الدرداء: كلمة سمعها معاوية من رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله تعالى بها. # [10] الحديث رواه أبو داود في كتاب النكاح باب في وطئ السبايا 2156 ~~حدثنا النفيلي، ثنا مكسين، ثنا شعبة عن يزيد بن خمير عن عبد الرحمن بن جبير ~~بن نفير عن أبيه عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ق=في ~~غزوة فرأى امرأة مجحن (أي قربت ولادتها- فقال لعل صاحبها ألم بها..؟ قالوا: ~~نعم وذكره. # ورواه الإمام في اللباس 120 والنكاح 139 والدارمي في السير 37 وأحمد بن ~~حنبل في المسند ms217 5: 195) 6: 446 (حلبي). # [11] سورة الحجرات آية رقم 12 وتكملة الآية (ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب ~~أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم). # [12] سورة النور آية رقم 6 وتكملة الآية (ولم يكن لهم شهدا إلا أنفسهم ~~فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله أنه من الصادقين). # [13] سورة النور آية رقم 4 وتكملة الآية (بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين ~~جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا أولئك هم الفاسقون). # [14] سورة الحجرات لآية رقم 12. # (حكم قاذف الولي) # (وقاذف الولي إن حرا وإن= # عبدا وإن صبي كفره زكن) # (وإن يكن حرا ولم يكن ولي= # وبالغا كان فمثل الأول) # ( PageV01P271 قوله وقاذف الولي إلى آخره) هذا بيان الحكم الإعتقادي في ~~القاذف (اعلم): أنه إن قذف أحد أحدا بالزنا فلا يخلو إما أن يكون المقذوف ~~مجهول الحال أي لا يدري هل هو من أهل الإسلام أم من أهل الشرط؟ أو هو حر أم ~~عبد؟ أو هو صبي أم بالغ؟ وإما أن يكون حاله معروفا فإن كان حاله مجهولا فلا ~~شيء على من سمع القاذف أي يسعه السكوت عنه ولا يلزمه تتويب ولا غيره، وإن ~~كان المقذوف معلوم الحال فلا يخلو إما أن يكون حرا بالغا مسلما وإما أن ~~يكون غير ذلك..؟ فإن كان حرا بالغا مسلما فيبرأ من قاذفه اتفاقا سواء كان ~~المقذوف وليا أو غي ولي وإن كان صبيا أو عبدا فإما أن يكونا وليين أو غير ~~وليين..؟ فإن كانا وليين برئ من قاذفهما اتفاقا وإن كانا غير وليين أو كان ~~المقذوف مشركا فالخلاف في حكم قاذفهم فقيل: يبرأ منه لحينه وقيل يستتاب فإن ~~أصر برئ منه هذا كله إذا كان السامع للقذف ممن تعبد بتحريمه في أصل دينه، ~~أما إذا كان السامع مشركا يستحل القذف أو صبيا لم يتعبد بعد بحكمه فلا شيء ~~على القاذف إذا كان صادقا في قوله أما إذا كان كاذبا فعليه التوبة من ~~بهتانه. # (قوله إن حرا) أي إن كان الولي حرا (قوله وإن عبدا) أي وإن كان الولي ~~عبدا (قوله وإن صبي) أي ms218 وإن كان الولي صبيا ولم ينون صبيا في النظم لضرورة ~~الوزن لأنه لو نونه مثلا لزم عليه زيادة ساكن بين حركتي الوتد المجموع من ~~مستفعل (قوله كفره زكن) أي علم والمراد بالكفر هاهنا كفر النعمة. # (قوله وإن يكن حرا) أي وإن يكن المقذوف حرا إلى آخره. # (قوله ولم يكن ولي) أي والحال أنه لم يبلغ درجة الولاية لكنه من أهل ~~الإقرار بالشهادتين (قوله وبالغا كان) أي وكان ذلك المقذوف بالغ الحلم بأن ~~كان فيه إحدى علامات البلوغ وهي الإنبات والإستحلام أو انتهاء خمسة عشرة ~~سنة أو سبع عشرة على قول وهذه العلامات تكون في الرجال والنساء ومن ~~العلامات ما يختص بالنساء دون الرجال وهي الحيض وظهور الحمل وتكعب الثديين. # ( PageV01P272 قوله فمثل الأول): أي في حكم قذفه والمراد الأول هو الولي ~~أي فحكم قاذف الحر البالغ المسلم الغير الولي مثل حكم قاذف الولي لأن ~~القاذف فيهما كاذب لا محالة لتكذيب الله إياه في قوله ((فإذ لم يأتوا ~~بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون))([1]) # أي وإن كانوا صادقين في سريرتهم فهم كاذبون في حكم الله عليهم، لأن ~~الشارع عز وجل شرع في حكمه أن من قذف المحصنة ولم يأتي بأربعة شهداء فهو كاذب. # (وإن يك المقذوف عبدا أو صبي= # غير وليين ومشرك أبي) # (فالخلف في تكفيره من قبل= # تتويبه عما أتى من فعل) # (قوله وإن يكن المقذوف عبدا) الخ أي إذا كان المقذوف عبدا مملوكا غير ~~وليا أو صبيا غير ولي أو مشرك ممتنعا عن قبول الحق فالخلاف في حكم قاذفهم ~~هل يبرأ منه قبل الامتناع من التوبة أو لا؟ استدل القائلون بالبراءة من ~~قاذف العبد بقوله صلى الله عليه وسلم ((من قذف مملوكه وهو بريء مما قال جلد ~~يوم القيامة حدا إلا أن يكون كما قال)) ([2]). # أقول: وليس في الحديث دلالة على المطلوب لقوله وهو بريء مما قال وقوله ~~إلا أن يكون كما قال فالوعيد في الحديث متوجه على الإفك في المملوك لا على ~~قذفه وقاس الإمام رضوان الله عليه قذف ms219 العبيد في حكم البراءة على اختلاس ~~المال، وعلى لمس فرج الأجنبية قائلا: إن اختلس أربعة دراهم اختلاسا لا يجب ~~عليه حد القطع وتجب منه البراءة ومن لمس فرج أجنبية بذكره مثلا ولم يطأها ~~لا يجب عليه حد الزاني، وتجب منه البراءة وكذلك قاذف العبد لا يجب عليه ~~الحد وتجب منه البراءة أي فهذه الصور الثلاث كلها رفع منها الحد لعدم كمال ~~شروطه، وبقيت البراءة لعدم المانع لها. # ( PageV01P273 واستدل) على البراءة من قاذف المشرك بقوله صلى الله عليه ~~وسلم ((من قذف ذميا حد له يوم القيامة بسياط من نار)) ([3]) ولم أجد دليلا ~~على البراءة من قاذف الصبي وأقول إنه لا تحل البراءة من قاذفه لأن الصبي ~~غير مكلف بشيء من الأحكام الشرعية فلم يكن قاذفه راميا له بكبيرة في حقه، ~~لأنه لو ارتكب الكبائر كلها مثلا ما كان ارتكابه ذلك في حقه فسقا فكيف يفسق ~~من قال إنه ارتكب كذا..؟ وهذا التعليل كما ترى شامل للصبي المتولى وغير ~~المتولى فإنه وإن كان المتولى له حرمة فوق ما لغيره فلا تبلغ به حرمته إلى ~~تكفير من قذفه وتفسيقه لأن التضليل لا يكون إلا بقطعي ولا قطعي هنا هذا ما ~~ظهر لي ولم أرد بذلك خلافا لأصحابنا رحمهم الله. # (قوله أو صبي) بالسكون على لغة ربيعة فإنهم يقفون في المنصوب على السكون. # (قوله غير وليين) حال من العبد والصبي ساغ مجيء الحال منهما مع أنهما ~~نكرتان لوجود التنويع فيهما (قوله ومشركا أبي) بالسكون على لغة ربيعة أيضا ~~ومعنى أبي ممتنع أي أو كان المقذوف مشركا أبيا أي ممتنعا من قبول الحق. # (قوله فالخلف في تكفيره) أي في الحكم بأن قاذفهم كافر أي كفر نعمة (قوله ~~من قبل تتويبه) أي من قبل مطالبته بالتوبة أما إذا طولب بها فلم يتب فهو ~~مصر يبرأ منه معهم (ويبحث) هل طلب التوبة من قاذف هؤلاء واجب أم لا؟ ~~(ويجاب) بأنه لا يجب لأنه إما أن يكون قذفهم كبيرة فيبرأ من فاعله قبل ~~الاستتابة كما هو رأي بعضهم ms220 وإما أن يكون صغيرة وليس على من شاهد راكب ~~صغيرة استتابة (قوله عما أتى من فعل) متعلق بتتويب والمراد بالفعل هنا القذف. # (وإن يك المقذوف مجهولا فلا= # تحكم بكفر قاذف مستعجلا) # (قوله وإن يك المقذوف مجهولا) الخ أي وإن كان المقذوف ممن لا يدري حاله ~~أي ممن جهله السامع فلا يدري أهو مسلم أم مشرك أم بالغ أم صبي؟ # ( PageV01P274 قوله فلا تحكم بكفر قاذف مستعجلا) أي فلا تتعجل في الحكم ~~على القاذف بأنه كافر كفر نعمة لوجود تلك الاحتمالات وهذا على مذهب من لم ~~ير البراءة من قاذف العبد الولي والصبي الغير الولي والمشرك المعاند أما ~~على مذهب من يرى البراءة من قاذف هؤلاء أيضا فلا محل للتوقف معه لأن حكم ~~البراءة معه مرتب على وجود القذف فمهما وجد من أحد في أي كان برئ منه. # (والقذف عند مشرك لم يوجب= # كفران آتيه إذا لم يكذب) # (كذاك مع من لم يكن مكلفا= # بحكمه مثل صبي فاعرفا) # (هذا إذا ما القذف كان بالزنا= # أو يحضر الشهود في ذا معلنا) # (قوله والقذف عند مشرك الخ) أي إذا وقع القذف من فاعله بحضرة مشرك يستحل ~~القذف أو بحضرة صبي لم يكلف بشيء من التكاليف فلا يخلو إما أن يكون القاذف ~~صادقا في قذفه أو كاذبا..؟ فإن كان كاذبا هلك بكذبه وإفكه، وإن كان صادقا ~~في مقاله فلا شيء عليه بخلاف ما إذا قذف عند من تعبد بتحريم القذف أو عند ~~من لا يستحل ذلك فإنه يكون بقذفه فاسقا سواء كان المقذوف معه ممن لم يعلم ~~أن دينه تحريم القذف أم ممن لا يعلم ذلك وعليه التوبة من قذفه كذا قال ~~الإمام رضوان الله عليه. # (قوله لم يوجب كفران آتيه) أي لم يثبت القذف فسق فاعله (قوله إذا لم ~~يكذب) أي في قوله إن فلانا زان مثلا فإن كذب فهو فاسق بكذبه. # (قوله كذاك مع من) أي كذلك حكم القاذف مع من لم يكن مكلفا بحكم القذف ~~(قوله مثل صبي) حال من اسم يكن ms221 (قوله فاعرفا) تتمة للبيت وفائدتها تنبيه ~~السامع على معرفة ما بينه. # ( PageV01P275 قوله هذا إذا ما القذف كان بالزنا) أي هذا حكم القاذف إذا ~~كان قذفه بالزنا وذلك كأن يقول البالغ العاقل لمحصن أو محصنة: يا زاني أو ~~يا زانية أو يا ابن الزاني أو يا ابن الزانية أو يا بنت الزنا أو يا بنت ~~الزانية أو يا ولد الزنا لست لأبيك، وإن قال معرضا أما أنا فما زنيت أو ~~ليست امرأتي زانية فليس بقذف على الصحيح وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وقال ~~مالك: يجب الحد أي لأنه قذف، وقلا أحمد، يجب إن قال ذلك في حال الغضب أما ~~إذا كان القذف بغير لفظ الزنا كأن يقول يا فاسق أو يا فاجر أو يا خبيث أو ~~يا من لا يرد يد لامس أو امرأته لا ترد يد لامس فليس على سامع ذلك شيء من ~~قبل القاذف إلا أن يكون المقذوف وليا للسامع فقد تقدم أن عليه أن يبرأ من ~~رامي وليه بالكبيرة. # ( PageV01P276 قوله أن يحضر الشهود) بنصب يحضر أي إلا أن يحضر الشهود ~~الذين يشهدون على صدق مقالته ويبرئونه من حكم القذف ولا يبريه من ذلك إلا ~~أربعة شهود عدول لقوله تعالى ((ثم لم يأتوا بأربعة شهداء))([4]) ولا تكفي ~~فيهم شهادة امرأتين مكان شاهد منهم وسواء شهدوا مجتمعين أو متفرقين وقال ~~أبو حنيفة إن شهدوا مفترقين فهم قذفة ولا يكون الزوج أحد الأربعة عندنا ~~وعند الشافعي ويكون عند أبي حنيفة وإن شهد اثنان أو ثلاثة أم المقذوف زان ~~أو زنى برئوا منهم وحدوا لأنهم قذفة ولا يبرأ من المقذوف ولا يحد وزعم بعض ~~أنه يبرأ منه ولا يحد وفي قوله أو يحضر الشهود نكتة وهي أن على القاذف أن ~~يحضر الشهود لا على الحاكم كما يرشد إليه ظاهر قوله تعالى ((ثم لم يأتوا ~~بأربعة شهداء)) وهل على الشهود أن يحضروا لأداء الشهادة إذا استحضروا لذلك؟ ~~نعم عليهم ذلك قال ابن حجر([5]) ويسن للشاهد الستر بأن يترك الشهادة بها إن ~~رآه مصلحة ms222 فإن رأى المصلحة في الشهادة بها شهد فإن لم ير مصلحة في شيء ~~فالأقرب أنه لا يشهد وعلى هذا التفصيل حمل إطلاقهم في موضع آخر عدم ندب ترك ~~الشهادة ثم محل ندب تركها إذا لم يتعلق بتركها إيجاب حد على الغير فإن تعلق ~~به ذلك كأن شهد ثلاثة بالزنا فيأثم الرابع بالتوقف ويلزمه الأداء (قوله في ~~ذا) أي على هذا المذكور وهو القذف (قولنا معلنا) أي مظهرا من أعلن القول ~~إذا أظهره حال من فاعل يحضر. # ---------------------------------------------------------------------- --- # [1] سورة النور آية رقم 13 وقد جاءت الآية محرفة في المطبوعة حيث قال: ~~(فإن) بدلا من فإذ وقال (بأربعة) وليست في الآية وقال (شهداء) والصواب ~~(بالشهداء). # [ PageV01P277 2] الحديث رواه الإمام البخاري في كتاب الحدود 45 باب قذف ~~6858 حدثنا يحيى ابن سعيد عن فضيل بن غزوان عن ابن أبي معن، عن أبي هريرة ~~رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره وروا الإمام ~~مسلم في إيمان 37: وأبة داود في الأدب 124، والترمذي في البر 30 وأحمد بن ~~حنبل في السند 2: 431، 500 (حلبي). # [3] الحديث رواه الإمام أحمد في المسند 5: 155 ثنا قتيبة بن سعيد ثنا ~~ليث بن سعد عن عبيد الله بن أبي جعفر الحمصي عن أبي طالب عن أبي ذر قال ~~سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وذكره. # ولفظه في المسند (من زنى أمة لم يرها تزني جلده الله يوم القيامة بسوط من نار). # [4] سورة النور آية رقم 4 وتكملة الآية (فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا ~~تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون). # [5] سبقت الترجمة له في كلمة وافية في هذا الجزء. # الباب السادس (من الركن الثالث) في انقسام الكبائر..... # الباب السادس (من الركن الثالث) # (في انقسام الكبائر إلى كفر جحود وكفر نعمة) # (وبه يتم الكلام على الركن الثالث إن شاء الله تعالى) PageV01P278 وفي ~~حصر المصنف الكبائر في ذينك القسمين أعني كفر الجحود وكفر النعمة نفي ~~للمنزلة بين المنزلتين، أي لا منزلة عندنا بين منزلتي الإيمان والكفر لأن ~~المكلف إما مؤمن وإما كافر، وقد تقدم لك في باب ms223 الإيمان أن الإيمان عندنا ~~فعل الواجبات فالكفر مقابله أي فالكفر هو ترك شيء من الواجبات، أو فعل شيء ~~من المحرمات من الكبائر وقيدنا الكفر بالكبائر لأنه قد تقدم لك أن فاعل ~~الصغيرة مسلم ما لم يصر على فعله وزعمت المعتزلة أن فاعل الكبيرة التي هي ~~ليست بشرك لا يسمى كافرا لكن يخص باسم الفاسق، فالفسق عندهم منزلة بين ~~منزلتي الإيمان والكفر وذلك أنهم قالوا: إنا رأينا أحكام الفاسق في الدنيا ~~موافقة لأحكام المؤمن من جواز مناكحته وموارثته وذبائحه ودفنه في مقابر ~~المؤمنين، وأحكامه في الآخرة موافقة لأحكام الكافر أي المشرك من إدخاله ~~النار وتخليده فيها والعياذ بالله فالخلاف بيننا وبينهم على هذا لفظي. # (بيانه): أن فاعل الكبيرة من غير الشرك لا يسمى مؤمنا ولا كافرا عندهم بل ~~يخص باسم الفاسق لقصرهم اسم الكافر على المشرك ونحن نطلق عليه اسم الكافر ~~دون المؤمن لعموم الكفر عندنا للفاسق والمشرك كما ستعرفه إن شاء الله تعالى. # (وذهب) الأزارقة([1]) إلى أن المعاصي كلها كفر وشرك مستدلين بقوله تعالى ~~((ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا بينا))([2]) والضلال البعيد هو الشرك. # (قلنا): عموم الآية مخصوص بقوله تعالى ((إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ~~نكفر سيئاتكم))([3]) الآية فمجتنب الكبيرة غير ضال ضلالا بعيدا وإن أتى ~~الصغيرة وأيضا فلا نسلم أن الضلال البعيد مقصور على الشرك بل يطلق عليه ~~وعلى النفاق أيضا. # ( PageV01P279 وقالت) النجدية([4]): الكبائر كلها شرك وأما الصغائر فلا ~~مستدلين على ذلك بأشياء (أحدها): قوله تعالى للمؤمنين لما جادلهم الكفار في ~~تحليل الميتة ((وإن أطعتموهم إنكم لمشركون))([5]) (قلنا) معنى الآية وإن ~~أطعتموهم في استحلال الميتة لا في أكلها ولا شك أن المستحل لما حرم الله ~~مجاهرة مشرك. # (وثانيها): قوله تعالى ((وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم ~~أوت كتابيه)) إلى قوله ((إنه كان لا يؤمن بالله العظيم))([6]) والفاسق لا ~~يؤتى كتابه بيمينه وهو ظاهر بل بشماله إذ لا ثالث هناك فيكون كافرا أي مشركا. # (قلنا): إن قوله ((إنه كان لا يؤمن بالله العظيم))([7]) ليس ms224 عاما لكل من ~~يؤتى كتابه بشماله لأن فساق أهل القبلة مصدقون بالله فلا يندرجون في قوله ~~(إنه كان لا يؤمن) # (وثالثها): الفاسق ظالم لغيره أو لنفسه وكل ظالم كافر أي مشرك لقوله ~~تعالى ((ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها ~~عوجا وهم بالآخرة هم كافرون))([8]). # (قلنا): يلزم مما ذكرتم تشريك الأنبياء حيث اعترفوا بظلمهم فإنه قال آدم ~~وحواء ((ربنا ظلمنا أنفسنا))([9]) وقال موسى ((إني ظلمت نفسي))([10]) وقال ~~يونس ((إني كنت من الظالمين))([11]) وحاله أن يقال ما ذكر بعد الظالمين صفة ~~مخصصة فلا يلزم تشريك كل ظالم أ. ه. # (ورابعها): قوله تعالى ((وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن ~~يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون)) ~~([12]) فإنه يدل على أن كل فاسق مشرك (قلنا) ليس قوله وأما الذين فسقوا ~~باقيا على عمومه الظاهر لأنه يقتضي أن كل فاسق مكذب بيوم القيامة وأنه باطل ~~قطعا أ. ه. # ( PageV01P280 وخامسها): قوله تعالى ((يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في ~~سقر))([13]) إلى قوله ((وكنا نكذب بيوم الدين))([14]) فثبت بذلك أن كل مجرم ~~داخل في النار مشرك ولا شبهة أن الفاسق مجرم يدخل النار (قلنا) إن الآية ~~على غير ظاهرها وإلا لزم كون كل مجرم مكذبا بيوم القيامة وهو باطل قطعا اه. # (سادسها): قوله تعالى حكاية عن موسى وهارون ((إنا قد أوحي إلينا أن ~~العذاب على من كذب وتولى))([15]) فإنه يدل على انحصار العذاب في المكذب وهو ~~مشرك ولا شك أن الفاسق معذب لما ورد فيه من الوعيد. # (قلنا): هو بخلاف الظاهر للاتفاق على عذاب شارب الخمر والزاني مع أنه غير ~~مكذب لله تعالى بل اليهود والنصارى لا يكذبون الله تعالى. اه. # (سابعها): قوله تعالى ((فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي ~~كذب وتولى))([16]) فإنه يدل على أن كل من يصلى النار فهو مشرك والفاسق ~~يصلاها للآيات العامة الموعدة بدخولها. # (قلنا): لعل ذلك نار خاصة يعني أن الضمير في يصلاها عائد إلى نار منكرة ~~فلعل ms225 تنكيرها للوحدة النوعية فتكون نارا مخصوصة لا يصلاها إلا المشرك. اه. # (ثامنها): قوله تعالى في حق من خفت موازينه ((ألم تكن آياتي تتلى عليكم ~~فكنتم بها تكذبون))([17]) والفاسق من خفت موازينه وكل من خفت موازينه فهو ~~مكذب بالآية المذكوره وكل مكذب مشرك (قلنا) قوله تعالى ((ألم تكن آياتي ~~تتلى عليكم)) الآية خطاب خاص لمن كذب بالآيات وأما الفساق فمسكوت عنهم في ~~الآية ولا يلزم من كونهم ممن خفت موازينه كونهم داخلين تحت هذا الخطاب ~~لاحتمال أن يقدر محذوفا أي فيقال لبعضهم، وهذا وإن كان خلاف الظاهر فهو ~~ثابت بأدلة قطعية كما ستعرفه إن شاء الله تعالى. # (وذهبت) الأشعرية إلى أن فاعل الكبيرة مؤمن واستدلوا بأدلة تقدم الكلام ~~عليها في باب الإيمان والإسلام والحاصل أن كل فرقة جعلت الكفر مقابلا ~~للإيمان فعلى حسب اختلافهم في الإيمان يكون اختلافهم في الكفر. PageV01P281 # (ولنا) على أن الكفر شامل للشرك والفسق أدلة منها قوله تعالى ((ومن لم ~~يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون))([18]) فإن كلمة من عامة في كل من ~~لم يحكم بما أنزل فيدخل فيه الفاسق المصدق وأيضا فقد علل كفرهم بعدم الحكم ~~فكل ما لم يحكم بما أنزل كان كافرا والفاسق لم يحكم بما أنزل الله أ. ه. # (ومنها): قوله تعالى ((وهل نجازي إلا الكفور))([19]) فإنه يدل على أم كل ~~من يجازى فهو كافر وصاحب الكبيرة ممن يجازى لقوله ((ومن يقتل مؤمنا متعمدا ~~فجزاؤه جهنم))([20]) فيكون كافرا. # (واعترض) عليه بأنه خلاف الظاهر لأن ظاهره حصر الجزاء في الكفور وهو ~~متروك قطعا إذ يجازى غير الكفور وهو المثاب لأن الجزاء يعم الثواب والعقاب. # (قلنا): لا نسلم أنه متروك الظاهر بل هو على ظاهره والمجازاة محصورة على ~~الكفور الشامل للمشرك والفاسق ولا تطلق على الثواب والذي يشمل الثواب ~~والعقاب هو الجزاء لا المجازاة. # (ومنها): قوله تعالى بعد إيجاب الحج ومن كفر أي لم يحج فإن الله غني عن ~~العالمين فقد جعل ترك الحج كفرا (واعترض) بأن المراد من جحد وجوبه ولا شك ~~في كفره ms226. # (قلنا): لا نسلم أن المراد ذلك لأن حمل الآية عليه خلاف الظاهر بغير دليل ~~وبحملها عليه يختل نظم القرآن وذلك أنه لو قال مكان ومن كفر ومن جحد وجوبه ~~فإن الله غني عن العالمين لما كان مناسبا بل المناسب حينئذ أن يقول ومن جحد ~~وجوبه فإن الله شديد العقاب. # (ومنها): قوله تعالى ((يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم ~~أكفرتم بعد إيمانكم))([21]) والفاسق ممن وجهه مسود بالمعصية فيكون كافرا ~~(واعترض) بأنا لا نسلم أن كل فاسق كذلك أي مسود الوجه يوم القيامة فإن ~~الآية لا تقتضي ذلك بل هي واردة في بعض الكفار الذين كفروا بعد إيمانهم ~~لقوله ((أكفرتم بعد إيمانكم))([22]). # ( PageV01P282 قلنا): الآية واردة في أحوال الناس يوم القيامة فدلت على ~~أنهم صنفان شقي وسعيد كما ترشد إليه سائر الآيات فالسعداء مبيضة وجوههم ~~والأشقياء مسودة وجوههم ووجود صنف ثالث أشقياء لم تسود وجوههم مما لم يدل ~~عليه دليل وإن أمكن عقلا فحمل الآية على التخصيص بغير مخصص تحكم. # (ومنها): قوله تعالى ((إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم ~~الكافرون))([23]) والفاسق يائس من روح الله أي ثوابه (واعترض) بأن كونه ~~يائسا ممنوع للرجاء الحاصل له بسبب إيمانه (قلنا) لا نسلم أنه راج لأن صاحب ~~الكبيرة مخلد في النار والعياذ بالله كما تقدم بالبرهان القاطع فلا رجاء له أصلا # (ومنها): قوله تعالى ((إنك من تدخل النار فقد أخزيته))([24]) مع قوله إن ~~الخزي اليوم والسوء على الكافرين وتقديره أن الفاسق يدخل النار للآيات ~~العامة الموعدة وكل من يدخل النار فهو مخزي للآية الأولى وكل مخزي كافر ~~للآية الثانية. # (واعترض) بأن المفرد المحلى باللام وهو الخزي هاهنا لا عموم له عندنا فلا ~~يلزم انحصار الخزي مطلقا في الكافر أو بأن المراد به على تقدير عمومه الخزي ~~الكامل فيلزم حينئذ انحصار أفراده في الكافر لا انحصار أفراد الخزي مطلقا ~~فيه (قلنا) المفرد المحلى باللام عام عندنا وحمل الآية على الخزي الكامل ~~خلاف الظاهر فظهر انحصار جميع أفراد الخزي في الكافر. # (ومنها): قوله ms227 تعالى ((وسيق الذين كفروا))([25]) إلى قوله ((وسيق الذين ~~اتقوا))([26]) إذ يعلم منه أن الإنسان إما متق يساق إلى الجنة أو كافر يساق ~~إلى النار. # (واعترض) بأن ذكر قسمين لا يدل على عدم قسم ثالث (قلنا) ثبوت قسم ثالث ~~غير متق ولا كافر خلاف ظاهر الآية سلمنا أنها لا تدل على عدمه لكن لا يجوز ~~ثبوته إلا بدليل ولا دليل هنا (ومنها) قوله عليه السلام ((من ترك صلاة ~~متعمدا فقد كفر في أمثاله))([27]) (واعترض) بأن الآحاد لا تعارض الإجماع ~~المنعقد قبل حدوث المخالفين. # ( PageV01P283 قلنا): لا نسلم انعقاد الإجماع على مدعاه وأنى له بدعوى ~~الإجماع وهذا الكتاب العزيز وهذه السنة المطهرة يناديان على خلاف مدعاه ~~أينعقد إجماع على خلاف نص؟ أيكون إجماعا بلا مستند من كتاب أو سنة؟ ألهم أن ~~يشرعوا من تلقاء أنفسهم؟. # ---------------------------------------------------------------------- ------ # [1] سبق الحديث عنها في كلمة وافية. # [2] سورة الأحزاب آية رقم 36 وقد جاءت هذه الآية محرفة في المطبوعة حيث ~~قال (بعيدا) بدلا من (مبينا). # [3] سورة النساء آية رقم 31. # [4] سبق الحديث عنها في كلمة وافية. # [5] سورة الأنعام آية رقم 121. # [6] سورة الحاقة آية رقم 25. # [7] سورة الحاقة آية رقم 33. # [8] سورة الأعراف آية رقم 45. # [9] سورة الأعراف آية رقم 23. # [10] سورة القصص آية رقم 16. # [11] سورة الأنبياء آية رقم 87. # [12] سورة السجدة آية رقم 20. # [13] سورة المدثر آية رقم 42. # [14] سورة المدثر آية رقم 46. # [15] سورة طه آية رقم 48. # [16] سورة الليل آية رقم 16. # [17] سورة المؤمنون لآية رقم 105. # [18] سورة المائدة آية رقم 44 وصدر الآية (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ~~ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما ~~استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا ~~تشتروا بآياتي ثمنا قليلا). # [19] سورة سبأ آية رقم 17 وقد جاءت هذه الآية محرفة في المطبوعة حيث ~~قال: يجازي بدلا من (نجازي). # [20] سورة النساء لآية رقم 93. # [21] سورة آل عمران آية رقم 106. # [22] سورة آل عمران آية رقم 106 وتكملة الآية (فذوقوا العذاب بما كنتم ~~تكفرون). # [23] سورة يوسف آية رقم 87. # [24] سورة آل عمران آية رقم 192. # [25] سورة الزمر آية رقم 71. # [26] سورة الزمر آية رقم ms228 73. # [27] الحديث رواه ابن ماجة في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها 77 باب ما ~~جاء فيمن ترك الصلاة. PageV01P284 # 1078 - حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، ثنا سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر ~~بن عبد الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره ولفظه (بين العبد ~~وبين الكفر ترك الصلاة). # ورواه النسائي في الصلاة 8 والترمذي في الإيمان 9 ورواه ابن ماجة في ~~الفتن 23، وأحمد ابن حنبل في المسند 5: 346، 355، (حلبي). # أقسام الكفر # (والكفر قسمان جحود ونعم= # وبالنفاق الثاني منهما وسم) # (وامنعه في الأول حتما وهو ما= # لرد تنزيل ومرسل نما) # (قوله والكفر قسمان) ترجم هنالك عن انقسام الكبائر إلى كفر جحود وكفر ~~نعمة وعبارته هنا تقتضي انقسام الكفر إلى كفر جحود وكفر نعمة وجوابه أن ~~الكبائر هي الكفر لا غير ففي عبارته تفنن. # (قوله جحود) أي كفر جحود والمراد به هاهنا مطلق النفي سواء كان نفيا ~~للصانع ككفر من جحد وجود الصانع المختار أو نفيا لوحدانيته ككفر من عبد مع ~~الله غيره أو نفيا لصفاته ككفر من وصف الله عز وجل بشيء من صفات غيره أو ~~أنكر شيئا من كمالاته أو أنكر شيئا من أفعاله الثابتة بالبرهان القاطع كبعث ~~الرسل وإنزال الكتب فلا يرد على المصنف أن عبارته غير شاملة إلا لكفر ~~الجحود ويفوته كفر المساواة على أن الأئمة قسموا الشرك إلى جحود ومساواة ~~فشرك الجحود هو جحدانية الصانع المختار وكفر المساواة هو أن يصف الصانع ~~بصفات المصنوع أو يصف المصنوع بالصفات المختصة بالصانع ولنا في غاية ~~المراد: # والشرك لا بد من أن تعرفنه لكي = # تكون في مقعد عن غيه اعتزلا # وهو المساواة بين الله جل وبين= # الخلق أو جحده سبحانه وعلا # (تنبيه) ما كان من ألفاظ الصفات يوصف به الصانع المختار والمصنوع كعليم، ~~وقدير، وسميع، وبصير، فمعناها في حق الصانع غير معناها في جانب المصنوع على ~~أن المراد بالصفات معانيها لا ألفاظها فلا يشكل عليك. # ( PageV01P285 قوله ونعم): أي كفر نعم وهو ما نشأ عن تأويل الخطأ ~~كاستحلال ما حرمه الله تعالى بتأويل الخطأ من ms229 فاعله أو قائله كخلاف جميع من ~~خالف المسلمين وبرأتهم منهم بتأويل الخطأ وما فعل انتهاكا كمقارنة شيء مما ~~أوعد الله على فعله النكال في الدنيا والعذاب في الآخرة أو عذاب به أمة من ~~الأمم الماضية كالقتل والزنا والربا والسرقة وبخس المكيال، والميزان، ~~وإتيان الرجال، وعقر الناقة والاعتداء في السبت، لأهل ذلك الزمان وغير ذلك ~~أ. ه فهو قسمان: # (أحدهما): ما فعل باستحلال وهو ما دان به المتدين بتأويل الخطأ ويسمى ~~مستحلا بالتأويل أما المستحل بلا تأويل فهو مشرك كما سيأتي. # (وثانيهما): ما فعل بانتهاك وهو ما يفعله المتدين والحال أنه محرم له في ~~دينه أي يعتقد في دينه أن ذلك الشيء حرام فيأتيه ولكل واحد منهما حكم سيأتي ~~بعضه في ركن التوبة إن شاء الله تعالى ونذكر هنا بعضه الآخر. # (اعلم) أن حكم المستحلين بالتأويل أن يدعوهم الإمام للدخول في دين الحق ~~وولاية المسلمين والخروج من دين الضلال والبراءة من أئمة الضلال فإن أجابوا ~~إلى ذلك كان لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين وإن أبوا دعاهم إلى ~~الإذعان لحكمه والتسليم له فإن أذعنوا أجي فيهم حكم المسلمين وأخذ الزكاة ~~من أغنيائهم ووضعها في فقرائهم وإن امتنعوا من ذلك ناصبهم الحرب ولا يحل ~~منهم غير دمائهم فلا تغنم أموالهم ولا تسبى ذراريهم ولا يتبع مدبرهم ولا ~~يجهز على جريحهم، إلا إذا كان لهم مأوى يأوون إليه أو فئة ينحازون إليها ~~فإنه حينئذ يجهز على جريحهم ويتبع مدبرهم إن ظن أنهم يصلون ذلك المأوى وتلك ~~الفئة أما إذا ظن أنهم لا يبلغون إليها فحكمهم كما لو لم يكن لهم مأوى ولا ~~فئة، وتحل ذبائحهم ومناكحتهم وموارثتهم في السلم والحرب وحكم المنتهكين ~~كحكم هؤلاء المستحلين في جميع ما مر إلا أنهم لا يدعون إلى براءة من أئمة ~~الضلال فإنهم يدينون بها ولا إلى ولاية لأهل العدل فإنها معتقدهم. # ( PageV01P286 قوله وبالنفاق الثاني منهما وسم) أي سمي كفر النعمة وهو ~~القسم الثاني من قسمي الكفر بالنفاق يعني أن الكافر كفر نعمة يسمى منافقا ~~لقوله ms230 صلى الله عليه وسلم ((آية النافق ثلاث إذا وعد أخلف وإذا حدث كذب ~~وإذا ائتمن خان))([1]) # (واعلم): أن النفاق عندنا نوعان (أحدهما): التكذيب بالقلب مع الإيمان ~~باللسان وهذا النوع هو الذي نزل في أهله القرآن كقوله تعالى ((إن المنافقين ~~في الدرك الأسفل من النار))([2]). # (وثانيهما): هو ارتكاب شيء من الكبائر كما يرشد إليه الحديث فالمنافق ~~يطلق على من كذب بقلبه وآمن بلسانه وعلى من ارتكب شيئا من الكبائر. # (قوله وامنعه في الأول حتما) أي وامنع اسم النفاق في القسم الأول وهو ~~الشرك منعا وجوبا أي لا يسمى الشرك نفاقا ولا المشرك منافقا. # (واعلم): أن الأسماء على صنفين صنف منها مختص بأهل الطاعة الموفين بدين ~~الله وهي مؤمن ومسلم ومهتدي ومتقي وطائع وصالح وصنف مختص بأهل الكبائر وهذا ~~أيضا نوعان يطلق على أهل الكبائر كلهم وهي ضال وظالم وفاسق وفاجر وعاص ~~وكافر والنوع الثاني مختص فلا يطلق إلا على أهل صفة مخصوصة كالمشرك فإنه لا ~~يطلق إلا على صاحب الشرك كالنافق فإنه لا يطلق إلا على صاحب النفاق، ~~وكالسارق فإنه لا يطلق إلا على صاحب السرقة وهكذا. # ( PageV01P287 قوله وهو ما لرد تنزيل ومرسل نما) أي والشرك ما زاد في ~~الكفر حتى انتهى إلى رد تنزيل من عند الله أو رسول من رسل الله، فيشمل ~~التنزيل جميع الكتب السماوية مجموعة وآية آية فإن كل آية منها تنزيل فالراد ~~لشيء منها كالراد لجميعها، ويشمل المرسل جميع الرسل على سبيل البدلية لأن ~~الراد لرسول من رسل الله كالراد لجميعهم، وإذا عرفت أن الراد للتنزيل مشرك ~~والراد للرسل مشرك، عرفت بطريق الأولى أن منكر الصانع ومنكر بعض صفاته ~~الواجبة له مشرك لأنه إن ثبت الشرك برد شيء من أفعاله الجائزة عليه وهي ~~إنزال الكتب وإرسال الرسل كان برد ما هو واجب في حقه أثبت، وللشرك وجوه قال ~~في القواعد (منها) أن ينكر وجود الله سبحانه البتة، كالدهرية الزاعمة أن ~~الأشياء لا محدث لها. # (ومنها): أن يقيم غير الله مقامه في الخلق والإنشاء والاختراع ~~كالمنانية([3]) والديصانية ms231([4]) الذين يدعون أن الأشياء تكونت من أصلين ~~قديمين وهما النور والظلمة، وكالمجوس الزاعمة أن الأشياء القبيحة مخلوقة ~~للشيطان وما أشبه هذا من مذاهب الملحدة. # (ومنها) أن يقيم الخلق في العبادة مقام الله تعالى كمشركي العرب الذين ~~يعبدون الأصنام ويقولون هي شفعاؤنا عند الله مع إقرارهم بأن الخلق والرزق ~~والإحياء والإماتة لله وحده. # (ومنها): أن يكذب الله تعالى بإنكار حرف من كلامه أو نبي من أنبيائه أو ~~رسله أو ملك من ملائكته وجهلة البعث والمعاد وشكه في وجه من وجوه التوحيد ~~وما أشبه ذلك من جميع ما لا يسع جهله. # ( PageV01P288 ومنها): أن يصف ربه بصفات الخلق ومعاني النقص من الجهل، ~~والعجز، والحدوث، والعدم، والجور، والظلم، والهيئة، والجسم، والسهو، ~~والنوم، والأكل، والشرب، والتعب، والنصب، والحركة، والسكون، والأشكال، ~~والأضداد، والصاحبة، والأولاد في جميع ما لا يليق به سبحانه، أو يصف الخلق ~~بصفاته عز وجل من العلم، والقدرة، والقدم، على الحقيقة، والإحياء، ~~والإماتة، والخلق، والاختراع من العدم، إلى الوجود، والإرسال، والإنزال، من ~~جميع صفاته التي لا يليق الخلق بها. # (ومنها): أن يتقرب العبد إلى الله سبحانه وتعالى بمعاصيه أي لا على وجه ~~الاستحلال بالتأويل ليخرج هؤلاء المتدينون فإنهم يتقربون إلى الله بالبراءة ~~من أهل الحق وهي معصية وليسوا بذلك مشركين لتأولهم. # (ومنها): أن يزعم العبد أن الله نهى عن طاعته من التوحيد وغيره مما لا ~~يحتمل التأويل في التنزيل (وجعل منها) في موضع آخر أن يستحل ما حرم الله ~~نصا أو يحرم ما أحله من غير تأويل أ. ه. # ---------------------------------------------------------------------- ----- # [1] الحديث رواه الإمام البخاري في كتاب الأدب 69 باب قول الله تعالى ~~(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين). # 6095 حدثنا ابن سلام، حدثنا إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل نافع بن مالك بن ~~أبي عامر عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم قال: وذكره ورواخ أيضا في الإيمان 24، ورواه الإمام مسلم في إيمان ~~107- 109 والترمذي في إيمان 14. # [2] سورة النساء آية رقم 145. # [ PageV01P289 3] هم أتباع ماني وكان في الأصل ms232 مجوسيا فأحدث دينا ودعا ~~إليه وزعم أن صانع العالم اثنان أحدهما فاعل الخير وهو نور وثانيهما فاعل ~~الشر وهو ظلمة وهما قديمان لم يزالا ولن يزالا وهما مختلفان في النفس ~~والصورة متضادان في الفعل والتدبير، وقد ظهر في أيام سابور ابن أردشير ~~وتبعه خلق عظيم من المجوس وادعوا له النبوة ومازال إلى أن قتل في زمان ~~سابور ابن بهرام (راجع سرح العيون ص 155 والملل والنحل 1: 244). # [4] الديصانية: أصحاب ديصان أثبتوا أصلين: نورا وظلاما فالنور يفعل ~~الخير قصدا واختيارا والظلام يفعل الشر طبعا واضطرارا. # فما كان من خير ونفع وطيب، وحسن فمن النور، وما كان من شر وضرر وفتن وقبح ~~فمن الظلام وزعموا أن النور: حي عالم قادر، حساس دراك، ومنه تكون الحركة ~~والحياة. والظلام: ميت جاهل عاجز جماد موات لا فعل له ولا تمييز الخ. # راجع الملل والنحل للشهرستاني 2: 55. # (أحكام المشركين) # (واحكم برجس أهله على الأبد= # واغتنمن في الحرب منهم السبد) # (واسب ذراريهم وحرم ذبحهم= # تناكحا توارثا منالهم) # (وهكذا منهم لنا سواء = # في الحرب أو بجزية هم جاؤوا) # (قوله واحكم برجس أهله الخ) هذا شروع في بيان أحكام المشركين. # ( PageV01P290 اعلم) أن المشركين أصناف منهم أهل كتاب ومنهم ليسوا أهل ~~كتاب، فأهل الكتاب منهم اليهود وهم أهل ملة موسى عليه السلام، والنصارى، ~~وهم ملة عيسى عليه السلام، والصابئون([1]) على خلاف فيهم هل هم أهل كتاب أم ~~لا؟ وقيل: هم قوم اختاروا مطائب التوراة ومطائب الإنجيل وقالوا قد أصبنا ~~دينا، وأما غير أهل الكتاب فهم مجوس والمشركون الذين يعبدون الأوثان وغيرهم ~~من أصناف المشركين ولهم أحكام عامة لجميعهم وخاصة في بعضهم دون بعض فأما ~~أحكامهم العامة (فمنها): الحكم عليهم بأن جميعهم نجس لقوله تعالى ((إنما ~~المشركون نجس)) ([2]) الآية وهو مذهب ابن عباس وعن الحسن أن من صافح مشركا ~~وهو متوضئ انتقض وضوءه وعليه جمهور أصحابنا وذهب آخرون منا ومن غيرنا إلى ~~أن ذواتهم ليست نجسة وإنما وصفوا بالنجس لمباشرتهم له وقلة تنزههم عنه. # ( PageV01P291 ومنها): أن يدعوهم الإمام إلى الدخول في الإسلام فإن كانوا ms233 ~~أهل قرى ومدائن دعي كبراؤهم وإن كانوا أهل بادية دعاهم واحدا واحدا وقيل ~~يدعو المنظور إليه منهم فإن كانوا لا يعرفون لغته ترجم لهم وقيل يجزى بأمين ~~واحد ولا بد من الدعوة إلى الجملة التي كان يدعو إليها رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم لما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه بعث سرية فقال: يا علي لا ~~تقاتل القوم([3]) حتى تدعوهم وتنذرهم وبذلك أمرت فإن أخذوا بغير دعوة ردوا ~~إلى مأمنهم. لما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه جيء بأسارى من حي من ~~أحياء العرب قالوا يا رسول الله ما دعانا أحد ولا بلغنا قال: الله..؟ ~~فقالوا: الله، فقال: خلوا سبيلهم حتى تصل إليهم الدعوة فإن دعوتي تامة لا ~~تنقطع إلى يوم القيامة فإن أبوا عن الدخول في الإسلام قاتلهم الإمام وحل ~~غنيمة أموالهم وسبى ذراريهم أينما كانوا ومن أي صنف كانوا إلا قريشا فإنهم ~~تغنم أموالهم ولا تسبى ذراريهم لحرمة النبي عليه الصلاة والسلام أي لئلا ~~تكون أنسابه صلى الله عليه وسلم خدما، والدليل على ذلك أنه كان عليه الصلاة ~~والسلام لم يسب من ذراريهم شيئا أو أن قتاله لهم فعلينا الإقتداء به، وفي ~~قول آخر إن جميع العرب لا تسبى ذراريهم لحرمة النبي عليه الصلاة والسلام ~~لأنه منهم، ولا يخفى أن هذا القول مخالف لفعله صلى الله عليه وسلم فيهم ~~فإنه سبى بني المصطلق وهم من العرب، وسبى هوازن وهم منهم أيضا. # (وأما): أحكامهم الخاصة فلليهود والنصارى والصابئين والمجوس حكم يخصهم مع ~~المشركين من العرب وهو تحريم ذبائحهم ونكاح نسائهم فحكم المجوس في قبول ~~الجزية حكم اليهود والنصارى والصابئين وفي الذبايح والنكاح حكم مشركي العرب ~~من أهل الأوثان والليل على أن المجوس تقبل منهم الجزية ولا تحل ذبائحهم ولا ~~نكاح PageV01P292 نسائهم ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من طريق عبد الرحمن ~~بن عوف([4]) رضي الله عنه أنه قال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير آكلي ~~ذبائحهم ولا ناكحي نسائهم. # (وأما) الحكم الخاص بمشركي العرب من أهل الأوثان ms234 فهو أنه لا يقبل منهم ~~صلح ولا تقبل منهم جزية، ولا تحل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم ولكن يقاتلون ~~ويناصبون الحرب حتى يسلموا، والدليل على ذلك أنه تعالى خص قبول الجزية بأهل ~~الكتاب فقال تعالى ((حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون))([5]) وقال في حق ~~المشركين ((وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله))([6]) والدليل ~~على تحريم ذبائحهم ونكاح نسائهم أنه تعالى خص أهل الكتاب بجواز ذلك منهم ~~فقال ((وطعام الذين أتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم))([7]) (الآية) ~~والدليل على تحريم مناكحة المشركين من العرب قوله تعالى ((ولا تنكحوا ~~المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا ~~المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم))([8]) وقوله تعالى ~~((فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن))([9]) وأما تزويج ~~بناته صلى الله عليه وسلم ببعض المشركين فقبل نزول التحريم. # ( PageV01P293 تنبيه) إذا أسلمت المرأة قبل زوجها ثم أسلم بعدها قبل أن ~~تنكح زوجا غيره فإنها ترد إليه بالنكاح الأول لقوله صلى الله عليه وسلم ~~لرجل أسلم على أختين ((أمسك أيتهما شئت))([10]) ولا يخفى أن الإمساك إنما ~~هو على النكاح الذي كانوا عليه قبل الإسلام ولقوله صلى الله عليه وسلم لمن ~~أسلم على عشر نسوة ((أمسك أربعا وفارق سائرهن))([11]) فلو لم يكن النكاح ~~الأول ثابتا لم يقل صلى الله عليه وسلم وفارق سائرهن ولأنه صلى الله عليه ~~وسلم رد زينب([12]) لأبي العاص وقد أسلمت قبله بسنة ورد زوجة عكرمة بن أبي ~~جهل([13]) له وقد أسلمت قبله وكل ذلك لم يكن بتجديد نكاح فإذا عرفت هذا ~~فاعلم أنه من كان مسلما ثم ارتد والعياذ بالله ثم أسلم وكانت له زوجة في ~~إسلامه الأول ولم تتزوج بعده غيره فإنه يرد إليها بذلك النكاح الأول لأنه ~~إذا ثبت البناء على النكاح الواقع في الشرك فثبوت النكاح الواقع في الإسلام ~~أولى لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه وكذلك إذا ارتدت هي ثم أسلمت وهو باق ~~على إسلامه ms235 (قوله على الأبد) أي مصاحبا له أي يكون حكمك برجسهم مصاحبا ~~للأبد الذي هو عدم الغاية في المستقبل ولا يخفى أن تأبيد كل شيء بحسبه ~~فتأبيد حكم الرجس على المشركين إلى أن يتوبوا أو تضمحل دار التكليف. # (قوله واغتنمن) بنون التوكيد الخفيفة أي خذ الغنيمة منهم وهي في اللغة: ~~ما يناله الرجل أو الجماعة بسعي وفي الشرع ما ناله المسلمون من المشركين ~~بالقتال أو بالقهر كائنا ما كان واستثنى بعضهم الأصول فلا تسمى غنيمة بل ~~تسمى فيئا. PageV01P294 # قال القطب رحمه الله: وليس كذلك فإن الفيء ما جاء بلا قتال وقهر كالعشر، ~~والجزية، وأموال الصلح، والمهادنة، ومال من مات منهم في دار الإسلام، ولا ~~وارث له، وخراج الأصول قيل: وخمس الغنيمة ونحو ذلك ولا خمس فيه قال: وهذا ~~هو الصحيح وهو قول الثوري([14]) وعطاء قال قتادة كل ذلك يسمى غنيمة ويسمى ~~فيئا والغنيمة والفيء شيء واحد وفيه الخمس وكذا حكى ابن المنذر([15]) عن ~~الشافعي أن في الفيء الخمس قال القطب رحمه الله أيضا والأكثرون على أنه لا ~~يخمس الفيء وأنه يقسم على المسلمين مطلقا بحسب المصلحة فيعطى الرجل بالنظر ~~إلى قومه والرجل بالنظر إلى عياله والرجل بالنظر إلى حاجته وكان الفيء في ~~زمان النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما ذكروا عن عمر خاصا به يتصرف فيه كما ~~شاء ينفق منه نفقة على عياله والباقي في السلاح والكرائم ويصرف بعده ~~للمقاتلة لأن بهم إرهاب العدو كالنبي صلى الله عليه وسلم وقيل هو للإمام ~~وكذا الأرض وسائر الأصول فإن شاء الإمام قسمها كسائر الغنيمة وإن شاء تركها ~~في أيدي غيرها بجزء من غلتها أو بخراج يضربه عليها وإن شاء فعل غير ذلك ~~بحسب المصلحة مثل أن يرى أنه لو قسمها لاشتغلوا بها عن الجهاد فلا يقسمها. # (أما): سائر الغنائم من نحو الذهب والفضة والإبل والغنم وجميع أنواع ~~الأموال فتجب قسمته على خمسة أقسام قسم منها هو الخمس وهو لمن ذكره الله في ~~قوله عز وجل قائلا ((واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله ms236 خمسه وللرسول ولذي ~~القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل))([16]). PageV01P295 # قال القطب رحمه الله تعالى: والمراد بذكر الله تعظيمه وافتتاح الجملة به ~~للتبرك وأن من حق الخمس أن يتقرب به إليه كما قال مالك([17]) وأنه هو ~~الحاكم في الخمس يقسمه كيف شاء وليس المراد أن له سهما من الخمس فالدنيا ~~والآخرة كلها لله وإنما يقسم الخمس على الخمسة المذكورة بعده أو سهمه سهم ~~الرسول فليقسم أيضا الخمس المذكور على الخمسة المذكورة وقال مالك ~~والزجاج([18]): قسمه على الخمسة تمثيل بأهم من يدفع إليه لا حصر فيجوز ~~إعطاء الغير منه بقوله سبحانه ((قل ما أنفتم من خير فاللوالدين))([19]) الخ ~~وقد اجمعوا على جواز إنفاق الخير على غير من ذكر الله والصحيح الأول وبه ~~أقول وهو قول الشافعي وأبي حنيفة ومالك وابن عباس والحسن بن محمد وعطاء ~~وقتادة والنخعي([20]) وهو ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله وذكر ~~الطبري([21]) عن ابن عباس أن الخمس مقسوم على أربعة وسهم الرسول لقرابته ~~وليس له ولا لله شيء. PageV01P296 # وقال أبو العالية المراد بذكر الله أن له سهما فيقسم الخمس على ستة وسهم ~~الله يصرف للكعبة قيل قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الخمس ~~فيقرب يده فيه فيأخذ قبضة يجعلها للكعبة وهو سهم الله ثم يقسم الباقي على ~~خمسة وقيل سهم الله لبيت المال وقيل يضم إلى سهم الرسول وقال منذر بن ~~سعيد([22]): قالت فرقة لفقراء المسلمين أو لبيت المال ورد عليه أي على هذا ~~القول بظاهر قوله تعالى ((وللرسول))([23]) قال: وسهمه صلى الله عليه وسلم ~~بعد موته لمصالح المسلمين وما فيه قوة الإسلام عن الشافعي وأحمد وقال فلرقة ~~للكراع والسلاح وقال الأعمش والنخعي هو الذي كان أبو بكر وعمر يفعلانه قال ~~علي وقتادة والحسن للإمام قال: وهو حسن وقال أبو حنيفة للأربعة المذكورة ~~بعد وقالت فرقة: هو لأصحاب أربعة الأخماس الباقية وهو الجيش، وقال قوم: ~~لقرابته صلى الله عليه وسلم وقال مالك إلى رأي الإمام وقال أصحاب الرأي هو ~~لليتامى والمساكين وابن ms237 السبيل دون القرابة لأنه صلى الله عليه وسلم لا ~~يورث وذوو القربى هم بنو هاشم وبنو المطلب يعطى منه غنيهم وفقيرهم للذكر ~~مثل حظ الأنثيين وذهب قوم إلى أنه ليس لأغنيائهم منه شيء وإنما هو لفقرائهم ~~وصحح القطب رحمه الله الأول مستدلا عليه بإعطاء رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم عمه العباس وهو من الأغنياء فإذا لم يوجد أحد من ذوي القربى فأمر ~~سهمهم إلى الإمام يضعه حيث شاء من مصالح الإسلام. # ( PageV01P297 أما): أربعة أخماس الغنيمة وهي ما عدا الخمس المذكور فيقسم ~~على المقاتلة للفارس منهم سهمان وللراجل سهم وليس لأحد منهم أن يأخذ شيئا ~~من الغنيمة قبل القسمة لأنهم شركاء في ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم وقد ~~أخذ من بعير وبرة فقال ما لي ولا لكم منها أي من الغنيمة مثل هذه إلا الخمس ~~ثم هو رد عليكم فأدوا الخياط والمخيط فإن([24]) الغلول عار وشنار على الغلة ~~يوم القيامة ولكم الأكل والركوب والعلف ولي أحدكم أحق بالغنيمة من الآخر ~~ولو بالسهم وقيل يا رسول الله استشهد فلان فقال كلا إني رأيته يجر إلى ~~النار بعباءة غلها([25]). وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفي وهو ما ~~يختاره لنفسه قبل القسمة وتركه إكراما لأمته وادخارا لأجره وكتب به إلى بني ~~زهرة وقيس أنه له فيما غنموه أي إن آمنوا وبكلمة الإخلاص والزكاة والصلاة ~~وأن لكم حظا في الخمس ولا صفي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجماع إلا ~~ما قاله أبو ثور([26]) أنه باق للإمام وهو قول شاذ. # (قوله في الحرب) فيه أنه لا يجوز أخذ أموالهم في غير الحرب كما هو أصل ~~المسألة فلا يجوز لمن دخل معهم بأمان أن يأخذ شيئا من أموالهم ولا لمن ~~دخلوا معه بأمان أن يأخذ شيئا أيضا وهنا مسألة وهو ما إذا دخل المسلم دار ~~المشرك بأمان هل يحل له أن يشتري مما غنم المشركون أو سبوا من بعضهم بعض؟ ~~في الأثر أنه لا يحل ذلك لأنه خيانة لهم وعن المحقق ms238 الخليلي رحمه الله جواز ~~ذلك وعنده أنها ليس بخيانة لهم. # (قوله السبد) أي المال مطلقا وحقيقة السبد هو المال ما كان من ذهب وفضة ~~وفي إطلاق اسم البعض على الكل. # ( PageV01P298 قوله واسب ذراريهم) أي أولادهم الصغار والمراد به هاهنا ~~الأولاد ما كانوا دون البلوغ من النساء فإنهن يسبين أيضا وأما من بلغ من ~~رجالهم فإنهم يقتلون بدليل أن سعد بن معاذ([27]) حكم على بني قريظة بقتل ~~مقاتليهم فأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك وقال له حكمت بحكم ~~الله إلى آخر الحديث والحكمة في سبي أولادهم ثلاثة أشياء: # (أحدها): ليجروهم إلى الإسلام فيكون ذلك سببا لدخولهم فيه وذلك انفع لهم. # (والثاني): شفقة بهم حين قتل آبائهم لئلا يموتوا عطشا وجوعا. # (والثالث): تقوية لبيت المال. # (قوله وحرم ذبحهم) أي ما ذبحوه من الحيوانات التي يحل أكلها (قوله ~~تناكحا) مصدر تناكحوا إذا تزاوجوا أي حرم التزاوج منهم لنا ومنا لهم (قوله ~~توارثا) مصدر توارثوا إذا ورث كل منهم الآخر وانتصب تناكحا وتوارثا عطفا ~~على ذبحهم بحذف العاطف وهي الواو. # (قوله منالهم) أي كان النكاح والميراث من قبلنا لهم لو من قبلهم لنا ~~(قوله سواء) أي سواء حكمهم فيما ذكرناه كانوا في حرب أو جاؤوا بجزية ومعنى ~~سواء هنا مستو وارتفع على أنه مبتدأ خبره الجملة التي بعده. # ( PageV01P299 قوله أو بجزية هم جاؤوا) قد تقدم أن بعض المشركين لا تقبل ~~منهم الجزية أصلا وهم أهل الأوثان من العرب وبعضهم تقبل منهم وهم أهل ~~الكتاب من اليهود، والنصارى، والصابئين، ومثلهم المجوس، ولا جزية على امرأة ~~أو عبد، أو طفل، أو شيخ، أو حبر، أو مجنون، أو راهب، أو مفلس، وعن بعض ~~قومنا يعطيها أيضا جميع من ذكر هو ضعيف كيف يطالب بها المجنون وقال بعض ~~العلماء يعطيها رهبان الكنائس الذين لم ينقطعوا ومن ضربت عليه ثم انقطع لم ~~تسقط عنه وقيل يعطيها الراهب مطلقا ولا يأخذ الجزية إلا الإمام العادل ~~بنفسه أو بأمره وإذا لم يكن إمام أو كان ولم يقدر على ms239 منع الظلم عنهم لم ~~تؤخذ منهم ومن أخذها بدون الإمام لم يعامل فيها وقيل يأخذها منهم كل من منع ~~الظلم عنهم ولو في الكتمان وقيل تؤخذ من الفقير الذي لا شيء له وقيل إذا ~~كان له ما يكتسب منه وشدد بعضهم فقال يطلى بلبن أو عسل أو نحو ذلك مما ~~يتأذى منه بالذباب أو النمل أو نحوها ويحبس في الشمس حتى يعطيها لأنه ترك ~~التوحيد باختياره. PageV01P300 # والجزية بحسب ما يرى الإمام من قوة المشرك وضعفه وكثرة المال وقلته وشدة ~~بغض الإسلام وعدمها، وغير ذلك، حتى لو رأى الصلاح في تسويتهم لفعل وقيل ~~دينار على كل واحد في السنة وإن رضوا بالزيادة فعلى التوسط ديناران وعلى ~~الفقير دينار وإن شاءوا أعطوا الدراهم بدل الدينار فيحسب باثني عشر درهما ~~كدينار الديات، والأرش، وجماع الحيض، وغير ذلك، أما دينار الزكاة فعشرة ~~دراهم، ودينار المعاملات يزيد وينقص، وإن شاء الإمام أخذ في كل شهر دراهم ~~فيكون على الغني في الشهر أربعة دراهم وعلى المتوسط درهمان وعلى الفقير ~~درهم وقيل على اليهودي عشرة دراهم في كل سنة، وعلى النصراني اثني عشر، وقيل ~~خمسة عشر ولم يذكر صاحب هذا القول الصابئين والمجوس ولعله يقول الأمر فيهم ~~على ما يراه الإمام وعلى من تؤخذ عنه الجزية ضيافة المسلمين ثلاثة أيام ~~وقيل الضيافة على النصارى والمبيت على اليهود بعد أكل العشاء عند النصارى ~~وعن عمر أنه ضرب على أهل الكتاب أيضا كسوة للمسلمين وعن عمر أنه ضرب الجزية ~~دينارا على كل واحد في السنة وبه قال الشافعي وبه أمر صلى الله عليه وسلم ~~معاذا حين أرسله إلى اليمن وقال له أو خذ قيمة الدنانير مغافر وهي ثياب وقد ~~عمل به عمر في بعض القرى وروي عنه أنه كتب إلى عامله عثمان بن حنيف([28]) ~~في الكوفة بأن على الغني أربعة دنانير وعلى المتوسط دينارين وعلى الفقير ~~دينارا وروي عنه غير ذلك فدل على أنها ليست محدودة وفعل النبي صلى الله ~~عليه وسلم ليس حدا لها وأنها برأي الإمام وقال ms240 ابن القاسم([29]) من ~~المالكية: أربعة دنانير على كل غني أو فقير لا ينقص عنها وهو قول أصبغ منهم ~~لكن قال: يحط على الفقير بقدر حاله وقال ابن الماجشون([30]) منهم: لا جزية ~~على الفقير ويؤخذ من نصارى العرب ضعف ما يلزم المسلم في الزكاة على أموالهم ~~فيعطي منهم من له مائتا درهم عشرة دراهم ومن له مائة درهم خمسة دراهم ولو ~~كان لا زكاة على المسلم في ما دون المائتين PageV01P301 وكذلك في الذهب ~~والغلة والماشية، وكذا فعل خالد بن الوليد بنصارى تغلب في الشام فأجازه عمر ~~وتؤخذ على تمام السنة من حين قهرهم الإمام وضربها عليهم وبهذا قال الشافعي ~~وقال أبو حنيفة من حينه وهو ضعيف وكل ما صالحهم أعني أهل الكتاب الإمام ~~عليه قبل القتال أو بعد القتال إن لم يكن غالبا فجائز عليهم أ. ه من ~~الهيميان للقطب رحمه الله تعالى. # ---------------------------------------------------------------------- ----- # [1] في اللغة: صبأ الرجل إذا مال وزاغ فبحكم ميل هؤلاء عن سنن الحق، ~~وزيغهم عن نهج الأنبياء قيل لهم الصابئة وقد يقال: صبأ الرجل إذا عشق وهوى. ~~وهم يقولون الصبوة هي الانحلال عن قيد الرجال. # وإنما مدار مذهبهم على التعصب للروحانيين كما أن مدار مذهب الحنفاء هو ~~التعصب للبشر الجسمانيين. # والصابئة: تدعي مذهبها الاكتساب، والحنفاء تدعي أن مذهبها هو الفطرة. # فدعوة الصابئة إلى الاكتساب، ودعوة الحنفاء إلى الفطرة. # راجع الملل والنحل 2: 63. # [2] سورة التوبة آية رقم 28 وتكملة الآية (فلا يقربوا المسجد الحرام بعد ~~عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم). # [3] عند الإمام أحمد في المسند 1: 231 - ثنا حفص بن غياث ثنا حجاج بن ~~أرطاة عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن ابن عباس قال: ما قاتل رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم قوما حتى يدعوهم. # [4] هو عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث، أبو محمد الزهري ~~القرشي صحابي من أكابرهم، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة ~~أصحاب الشورى الذي جعل عمر الخلافة فيهم، وأحد السابقين إلى الإسلام ms241 وكان ~~من الأجواد الشجعان العقلاء. ولد بعد عام الفيل بعشر سنين 44ق. ه وأسلم ~~وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها، وجرح يوم أحد 21 جرحا، وأعتق في يوم واحد ~~ثلاثين عبدا، وكان يحترف التجارة والبيع توفي عام 32ه. PageV01P302 # راجع صفة الصفوة 1: 135 وحلية الأولياء 1: 98، وتاريخ الخميس 2: 257، ~~والبدء والتاريخ 5: 86 والرياض النضرة 2: 281-291 # [5] سورة التوبة آية رقم 29. # [6] سورة الأنفال آية رقم 39 وقد جاءت الآية محرفة في المطبوعة حيث قال ~~ويكون الدين لله بدلا: ويكون الدين كله لله. # [7] سورة المائدة آية رقم 5. # [8] البقرة آية رقم 221 وتكملة الآية (أولئك يدعون إلى النار والله يدعو ~~إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون). # [9] سورة الممتحنة آية رقم 10. # [10] الحديث رواه ابن ماجة في كتاب النكاح 39 باب الرجل يسلم وعنده ~~أختان، 1951- حدثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن ~~أبي وهب الجيشاني حدثه أنه سمع الضحاك بن فيروز الديلمي يحدث عن أبيه قال: ~~أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: وذكره. # [11] الحديث رواه صاحب الموطأ في كتاب الطلاق29 باب جامع الطلاق 76- ~~وحدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب أنه قال بلغني أن رسول الله -صلى الله ~~عليه وسلم قال: وذكره، ووصله الترمذي في كتاب النكاح 33 باب ما جاء في ~~الرجل يسلم وعنده عشر نسوة. # [12] هي زينب بنت سيد البشر محمد بن عبد الله بن عبد المطلب القرشية ~~الهاشمية كبرى بناته. تزوج بها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع، وولدت له ~~عليا وأمامة فمات علي صغيرا وبقيت أمامة فتزوجها أمير المؤمنين علي بن أبي ~~طالب بعد موت فاطمة الزهراء- رضي الله عنها توفيت عام 8ه. # راجع الإصابة كتاب النساء ت 464 وتاريخ الخميس 1: 273 والسمط الثمين 157 ~~وطبقات ابن سعد 8: 20. # [ PageV01P303 13] هو عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام المخزومي القرشي، ~~من صناديد قريش في الجاهلية والإسلام، كان أبوه من أشد الناس عدواة للنبي ~~-صلى الله عليه وسلم- وأسلم عكرمة بعد فتح مكة، وحسن إسلامه، فشهد الوقائع ~~وولي الأعمال لأبي بكر واستشهد في اليرموك أو يوم مرج الصفر وعمره 62 سنة ~~عام ms242 13ه. وفي الحديث: لا تؤذوا الأحياء بسبب الموتى، قال المبرد: فنهى عن ~~سب أبي جهل من أجل عكرمة. # راجع تهذيب الأسماء 1: 338 وخلاصة التهذيب 228 والإصابة ت 5640 وتاريخ ~~الإسلام للذهبي 1: 380. # [14] هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري من بني ثور بن عبد مناة من مضر ~~أبو عبد الله أمير المؤمنين في الحديث، كان سيد أهل زمانه في علوم الدين ~~والتقوى. ولد عام 97ه ونشأ في الكوفة وراوده المنصور العباسي على أن يلي ~~الحكم فأبى. وخرج من الكوفة سنة 144ه فسكن مكة والمدينة ثم طلبه المهدي ~~فتوارى وانتقل إلى البصرة فمات فيها مستخفيا له من الكتب (الجامع الكبير) ~~و(الجامع الصغير) كلاهما في الحديث وكتاب الفرائض وفاته عام 161ه. # راجع دول الإسلام 1: 84 وابن النديم 1: 225 وابن خلكان 1: 210 وطبقات ابن ~~سعد 6: 257. # [15] هو محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري أبو بكر: فقيه مجتهد من ~~الحفاظ كان شيخ الحرم بمكة قال الذهبي: ابن المنذر صاحب الكتب التي لم يصنف ~~مثلها منها (المبسوط) في الفقه والأوسط في السنن والإجماع والاختلاف ~~والإشراف على مذاهب أهل العلم، وتفسير القرآن وغير ذلك بشيء توفي عام 319ه. # راجع تذكر الحفاظ 3: 4 والوفيات 1: 461 وطبقات الشافعية 2: 126 ولسان ~~الميزان 5: 27 والوافي بالوفيات 1: 336 ودار الكتب 1: 85 و497. # [16] سورة الأنفال آية رقم 41. # [17] سبقت الترجمة له في هذا الجزء. # [18] سبقت الترجمة له في هذا الجزء. # [ PageV01P304 19] سورة البقرة آية رقم 215 وتكملة الآية (فاللوالدين ~~والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم). # [20] هو حفص بن غياث بن طلق بن معاوية النخعي الأزدي الكوفي، أبو عمر: ~~قاض من أهل الكوفة ولي القضاء ببغداد الشرقية لهارون الرشيد ثم ولاه قضاء ~~الكوفة ومات فيها 149ه. كان من الفقهاء حفاظ الحديث الثقات حدث بثلاثة أو ~~أربعة آلاف حديث من حفظه وله كتاب فيه 170 حديثا من روايته، وهو صاحب أبي ~~حنيفة ويذكره الأمامية في رجالهم. # راجع تذكرة الحفاظ تهذيب التهذيب وميزان الاعتدال 1: 266 وتاريخ بغداد 8: 188. # [21] هو محمد بن جرير بن يزيد الطبري أبو جعفر المؤرخ المفسر الإمام ولد ~~في آمل طبرستان عام 224ه واستوكن ms243 بغداد وتوفي بها وعرض عليه القضاء فامتنع ~~والمظالم فأبى، له أخبار الرسل والملوك، وجامع البيان في تفسير القرآن، ~~واختلاف الفقهاء، والمسترشد في علوم الدين وغير ذلك، وهو من ثقات المؤرخين ~~قال ابن الأثير أبو جعفر أوثق من نقل التاريخ وفي تفسيره ما يدل على علم ~~غزير وتحقيق توفي عام 310ه. # راجع إرشاد الأريب 6: 423 وتذكرة الحفاظ 2: 351 والوفيات 1: 456 وطبقات ~~السبكي 2: 135 -140 ومفتاح السعادة 1- 205 و415. # [ PageV01P305 22] هو منذر بن سعيد بن عبد الله بن عبد الرحمن النفزي ~~القرطببي أبو الحكم البلوطي: قاضي قضاة الأندلس في عصره. كان فقيها خطيبا ~~شاعرا فصيحا. نسبته إلى (فحص البلوط) بقرب قرطبة ويقال له (الكزني) نسبة ~~إلى فخذ من البربر يسمى (كزنة) رحل حاجا سنة 308ه فأقام في رحلته 40 شهرا، ~~أخذ بها عن بعض علماء مكة ومصر. قال ابن الفرضي كان بصيرا بالجدل منحرفا ~~إلى مذاهب أصحاب الكلام لهجا بالاحتجاج ولي قضاء (ماردة) وما والاها ثم ~~قضاء الثغور الشرقية فقضاء الجماعة بقرطبة سنة 339ه واستمر إلى أن توفي بها ~~عام 355ه له كتب في القرآن والسنة على أهل الأهواء منها (الأنباء على ~~استنباط الأحكام من كتاب الله)ويسمى أحكام القرآن، والإبانة عن حقائق أصول ~~الديانة، والناسخ والمنسوخ. # راجع تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي 2: 17 ونفح الطيب 1: 353 وقضاة ~~الأندلس 66 وبغية الملتمس 450 وبغية الوعاة 398 والكامل لابن الأثير 8: 223. # [23] سورة الأنفال آية رقم 24 وتكملة الآية (إذا دعاكم لما يحييكم ~~واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون). # [24] الحديث رواه كتاب الجهاد 34 باب الغلول 2850 ثنا أبو أسامة عن أبي ~~سنان عيسى بن سنان عن يعلى بن شداد عن عبادة بن الصامت قال: صلى بنا رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين إلى جنب بعير من المقاسم ثم تناول شيئا ~~من البعير وذكره. # في الزوائد: في إسناده عيسى بن سنان واختلف فيه كلام ابن معين قال: لين ~~الحديث، وليس بالقوي، قيل: لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات، وباقي رجال ~~الإسناد ثقات. ورواه أبو داود في الجهاد 121، والنسائي في الهبة 1 والدارمي ~~في السير ms244 45 وصاحب الموطأ في الجهاد 22، وأحمد بن حنبل في المسند 2: 184 4: ~~128، 5: 317، 326، 330 (حلبي). # [ PageV01P306 25] الحديث رواه ابن ماجد في كتاب الجهاد 34 باب الغلول ~~2849 حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان بن عيينه عن عمرو بن دينار عن سالم بن ~~أبي الجعد عن عبد الله بن عمرو. قال: كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم ~~رجل يقال له كركرة فمات. فقال النبي صلى الله عليه وسلم (هو في النار) ~~فذهبوا ينظرون فوجدوا عليه كساء أو عباءة قد غلها. # [26] هو إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي البغدادي أبو ثور: الفقيه ~~صاحب الإمام الشافعي. قال ابن حبان: كان أحد أئمة الدنيا فقها وعلما وورعا ~~وفضلا، صنف الكتب وفرع على السنن وذب عنها يتكلم في الرأي فيخطئ ويصيب. مات ~~عام 240ه وقال ابن عبد البر له مصنفات كثيرة منها كتاب ذكر فيه اختلاف مالك ~~والشافعي، وذكر مذهبه في ذلك وهو أكثر ميلا إلى الشافعي في هذا الكتاب وفي ~~كتبه كلها. # راجع تذكرة الحفاظ 2: 87 وميزان الاعتدال 1: 15 وتاريخ بغداد 6: 65 ~~والانتقاء 107. # [27] هو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس الأوسي الأنصاري صحابي من ~~الأبطال، من أهل المدينة، كانت له سيادة الأوس، وحمل لواءهم في بدر، وشهد ~~أحدا فكان ممن ثبت فيها، وكان من أطول الناس وأعظمهم جسما. ورمي بسهم يوم ~~الخندق فمات من أثر جرحه، ودفن بالبقيع، وعمره 37 سنة، وحزن عليه النبي صلى ~~الله عليه وسلم وفي الحديث (اهتز عرس الرحمن لموت سعد بن معاذ). # راجع صفة الصفوة 1: 180 وطبقات ابن سعد 3: 2 القسم الثاني، والإصابة ت 3197. # [28] هو عثمان بن حنيف بن وهب الأنصاري الأوسي أبو عمر، وال من الصحابة ~~شهد أحدا وما بعدها، وولاه عمر السواد، ثم ولاه البصرة، ولما نشبت فتنة ~~الجمل بين عائشة رضي الله عنها وعلي كرم الله وجهه دعاه أنصار عائشة إلى ~~الخروج معهم على علي فامتنع فنتفوا شعر رأسه ولحيته وحاجبيه واستأذنوا به ~~عائشة فأمرتهم بإطلاقه فلحق بعلي وحضر معه الوقعة ثم سكن الكوفة، وتوفي في ~~خلافة معاوية عام 41ه. PageV01P307 # راجع الكامل لابن الأثير وإصابة ms245 ت 5437 والاستيعاب بهامش الإصابة 3: 89 ~~وتهذيب التهذيب 7: 112. # [29] هو عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة العتقي المصري أبو عبد ~~الله، ويعرف بابن القاسم فقيه جمع بين الزهد والعلم تفقه بالإمام مالك ~~ونظرائه مولده عام 132ه ووفاته بمصر عام 191ه له (المدونة) وهي من أجل كتب ~~المالكية. # راجع وفيات الأعيان 1: 276 وحسن المحاضرة 1: 121 والمكتبة الأزهرية 1: 403. # [30] هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة التميمي، مولاهم المدني أبو ~~عبد الله فقيه من حفاظ الحديث الثقات له تصانيف كان وقورا عاقلا ثقة أصله ~~من أصبهان نزل المدينة ثم قصد بغداد فتوفي بها عام 164ه وصلى عليه الخليفة ~~المهدي ودفن في مقابر قريش، وهو يعد من فقهاء المدينة. # راجع تذكرة الحفاظ 1: 206 وتهذيب 6: 343 وتاريخ بغداد 10: 436. # (تحليل ذبيحة أهل الكتاب وجواز مناكحتهم) # (والذبح من أهل الكتاب جوزا= # مع النكاح دون حرب جوزا) # (ويرفع الحرب لجزية أتت= # منهم وفي المجوس حكمهم ثبت) # (ألا الذباح والنكاح فهما= # محرمان في المجوس فاعلما) # ( PageV01P308 قوله والذبح من أهل الكتاب) وهم اليهود والنصارى بالاتفاق ~~والصابئون على المعتمد عليه عند أصحابنا، وسمي هؤلاء أهل كتاب لأن اليهود ~~في أيديهم التوراة، وفي أيدي النصارى الإنجيل، والصابئون قوم اختاروا مطايب ~~التوراة، ومطايب الإنجيل وهذا الحكم شامل لجميع أهل الكتاب كانوا عربا أو ~~عجما، لأن المعتبر هاهنا هو الدين لا النسب وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى ~~تخصيص العجمي بهذا الحكم دون العربي سواء كان العربي أو العجمي كتابيا أو ~~غير كتابي، وذهب مالك والأوزاعي([1]) إلى تعميم هذا الحكم فيما عدا المرتد ~~وليس الجميع بشيء لمخالفته ظاهر الكتاب والسنة، ومن دخل في دين أهل الكتاب ~~بعد نسخه فلا تقبل عنه الجزية قال بعضهم: وكذلك إن دخل فيه بعد نسخه ولم ~~يبدل فيه والذبيحة والنكاح تابعان للجزية وإن وقع الشك في دخولهم قبله أو ~~بعده قبلت منه الجزية ولا يتزوج منهم ولا تؤكل ذبائحهم حوطة، وعن علي ولا ~~تؤكل ذبيحة نصارى العرب فإنهم لن يبلغوا من النصرانية إلا شرب الخمر، ~~واختار بعض أصحابنا من دخل من العرب ms246 في دين النصارى قبل نزول الآية فهو ~~منهم ومن دخل بعد نزولها قتل أ. ه. # (قوله جوازا) بفتح الجيم أمر من جوز الشيء يجوزه إذا أذن في فعله والمراد ~~جوزه لتجويز الله له (قوله مع النكاح) أي منهم أي جوز الذبح مع النكاح من ~~أهل الكتاب بشرط أن لا يكونوا حربا للمسلمين قيل ويشترط المسلم على ~~الكتابية إذا أرد تزويجها خمس خصال، أن تغسل من الحيض، وأن تغتسل من ~~الجنابة، وأن تحلق العانة، وأن لا تشرب الخمر، وأن لا تعلق الصليب. # ( PageV01P309 قوله دون حرب): أي إنما تحل ذبائحهم ونكاح نسائهم إذا ~~صالحوا المسلمين وتركوا الحرب، أما إذا حاربوا فلا يحل شيء من ذلك منهم ~~وهذا هو الذي صححه أصحابنا قال بعضهم: لأنهم حين حاربوا لم تكن لهم حرمة ~~تحل بها ذبائحهم ولا نسائهم ألا ترى أنه لا يحل في امرأة واحدة أن تحل ~~لرجلين مسلمين هذا بنكاح وهذا بسباء وملك أعني لو كانت حلالا لرجل مسلم ~~فتزوجها ليس لغيره من المسلمين أن يسبيها حين حاربوا ولا يجوز أن تحل لهذا ~~بنكاح ولهذا بسباء وملك انتهى. أقول: وهذا التعليل لا يفيد تحريم تزويج ~~نسائهم في الحرب لأنه لقائل أن يقول إن من حل سبيه منهن إنما هو من لم يكن ~~منهن زوجة لمسلم أما التي كانت زوجة المسلم فلا تحل سبيها لحرمة ذلك ~~المسلم، وقال الشيخ عامر رحمه الله في إيضاحه في كتاب الذبائح: ولا بأس ~~بذبائح أهل الحرب من أهل الكتاب ولا نكاح نسائهم، ولا صيد كلابهم، أقول ~~وهذا هو الظاهر من إطلاق الكتاب والتقييد في حل ذلك منهم بما إذا كانوا غير ~~حرب للمسلمين محتاج إلى دليل. # (قوله جوازا) بضم الجيم فعل ماض مبني للمفعول حذف فاعله للعلم به لأن ~~فاعل الجواز هو الشارع (قوله ويرفع الحرب لجزية) أي يرفع الحرب عن اليهود ~~والنصارى ومن كان في حكمهم بسبب جزية أتت منهم وإنما قبلت منهم الجزية حرمة ~~لآبائهم الذين انقرضوا على الدين الذي هو من الله قبل نسخه، ولأن ms247 في أيديهم ~~كتبا قديمة ولعلهم يتفكرون فيها فيعرفوا صدق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ~~مع ما ينضم إلى ذلك من مشاهدتهم محاسنه وقوته وكثرة الداخلين فيه، وسميت ~~جزية لأنها تجزي عن قتلهم أو لأنها طائفة مما على أهل الذمة أن يجيزوه أي ~~يقضوه ويقال جزا دينه بمعنى قصاه أو لأنها مكافأة للمسلمين على إبقائهم أ. ه. # ( PageV01P310 قوله أتت منهم) فيأتون بها صاغرين كما ذكر عز وجل قيل ~~الصغر أن يأتي بها ماشيا غير راكب ويسلمها قائما والقابض قاعد، ويحرك ويزعج ~~بإقلال ويؤخذ بمجامع ثيابه ويقال له أد الجزية وإن كان يؤديها ويضرب في ~~قفاه، وفسره عكرمة بإعطائه قائما والقابض جالس وابن عباس بأن الضرب باليد ~~عنقه والكلبي بأن الضرب باليد مبسوطة في قفاه، وقيل هو أن يؤخذ بلحيته ~~ويضرب في لحميته تحت الأذن ويقال له أد حق الله يا عدو الله والضرب في ذلك ~~كله خفيف. (قوله وفي المجوس حكمهم ثبت) أي وثبت حكم أهل الكتاب من رفع ~~الحرب عنهم بإتيان الجزية بالشرط المتقدم في المجوس، وهم قوم لا كتاب لهم ~~فمنهم من يعبد النيران ومنهم من يعبد الكواكب إلى غير ذلك. # (قوله إلا الذباح والنكاح فهما) الخ أي يستثني من حكم أهل الكتاب في ~~المجوس شيئان هما تحريم ذبحهم وتحريم نكاح نسائهم، ن فإن حكمهم فيهما حكم ~~عبدة الأوثان لقوله عليه السلام ((سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي ~~نسائهم ولا آكلي ذبائحهم))([2]). هذا مذهبنا ومذهب الجمهور وعليه مالك، ~~وابن حبيب([3]) وغيره من أصحاب مالك إلا قليلا منهم وظاهر ما روي عن علي ~~أنه تحل ذبائح المجوس وحرائرهم بالجزية، وبه فسر بعضهم حديث عبد الرحمن ~~المذكور حيث لم يثبت عندهم زيادة غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم فقالوا ~~في معناه: سنوا بهم سنة أهل الكتاب في كل شيء كالجزية والذبيحة ونكاح الحرة ~~منهم وسواء في ذلك مجوس العرب وغيرهم وقيل لا يقبل من مجوس العرب إلا ~~الإسلام أو القتل ولا تحل ذبيحتهم ولا حرائرهم وقيل يؤخذ منهم الجزية ms248 ولا ~~تحل ذبيحتهم وحرتهم وهذا الخلاف أيضا في السامرة ونسب القول بأنهم ~~والصابئين من أهل الكتاب وأحكامهم واحدة إلى الجمهور أ. ه (قوله فاعلما) ~~أمر من علم الشيء إذا أدركه وهو تتمة للبيت وفائدتها تنبيه السامع لحكم ~~المجوس المستثنى م جملة أحكام أهل الكتاب، وألفه بدل عن نون التأكيد ~~الخفيفة. PageV01P311 # ---------------------------------------------------------------------- ----- # [1] هو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي من قبيلة الأوزاع أبو عمرو ~~إمام الديار الشامية في الفقه والزهد، وأحد الكتاب المسترسلين، ولد في ~~بعلبك، ونشأ في البقاع وسكن بيروت وتوفي بها، وعرض عليه القضاء فامتنع. له ~~كتاب (السنن) في الفقه، والمسائل ويقدر ما سئل عنه بسبعين ألف مسألة أجاب ~~عليها كلها وكانت الفتيا تدور بالأندلس على رأيه إلى زمن الحكم بن هشام ~~ولأحد العلماء كتاب (محاسن المساعي في مناقب الإمام أبي عمرو الأوزاعي) ~~توفي عام 157ه. = # راجع ابن النديم 1: 227 والوفيات 1: 275 وتاريخ بيروت 15 وحلية الأولياء ~~6: 135. # [2] الحديث رواه صاحب الموطأ في كتاب الزكاة 24 باب جزية أهل الكتاب ~~والمجوس، 42 وحدثني عن مالك عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه أن عمر بن ~~الخطاب ذكر المجوس فقال: ما أدري كيف أصنع في أمرهم فقال عبد الرحمن بن عوف ~~-رضي الله عنه- أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره. # [3] هو عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون السلمي القرطبي أبو مروان ~~عالم بالأندلس وفقيه في عصره أصله من طليطلة من بني سليم أو من مواليهم ولد ~~في إلبيرة عام 174ه وسكن قرطبة وزار مصر ثم عاد إلى الأندلس فتوفي بقرطبة، ~~كان عالما بالأدب والتاريخ رأسا في فقه المالكية له تصانيف قيل تزيد على ~~الألف. منها (حروب الإسلام) وطبقات الفقهاء والتابعين وتفسير موطأ مالك، ~~ومصابيح الهدى، ومكارم الأخلاق وغير ذلك كثير توفي عام 238هز # راجع معجم البلدان 1: 323 وتاريخ علماء الأندلس لأبن الفرضي 1: 225 ~~وتذكرة 2: 107 وميزان الاعتدال 2: 148 ولسان الميزان 4: 59 ونفح الطيب 1: 331. # (حكم المشركين عبدة الأوثان) # (والمشركون من ذوي الأوثان= # ليس لهم واق سوى الإيمان) # (كذاك حكم راجع عن دينه= # وآخذ بالشك عن يقينه ms249) # ( PageV01P312 قوله والمشركون من ذوي الأوثان) أي من أصحاب الأصنام وهم ~~أهل اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ونحوها من الأصنام سواء كانت العبدة ~~لها من العرب كمشركي قريش ونحوهم أو من العجم أو من البربر أو السودان ~~خلافا لمن خصهم بالعرب كأبي حنيفة حيث قال تؤخذ الجزية أيضا ممن كان من ~~العجم مشركا غير كتابي ولا تؤخذ من عربي مشرك غير كتابي ولأبي يوسف حيث قال ~~تؤخذ الجزية من المشرك العجمي كتابيا كان أو غيره ولا تؤخذ من العربي ولو ~~كتابيا ولمالك والأزاعي حيث قالا تؤخذ من جميع الكفار إلا المرتد وإنما ~~قلنا بذلك لأن المعتبر عندنا الديانة لا النسب (قوله ليس لهم واق سوى ~~الإيمان) أي ليس لهؤلاء المذكورين من المشركين حافظ يحفظهم من سيوف ~~المسلمين ومن غنم أموالهم وسبي ذراريهم غير التصديق بالله وأنه لا شريك له ~~في ذلك من كمالاته ولا يشابه شيء من مخلوقاته والتصديق بينه والشهادة له ~~بأنه رسول الله وأن ما جاء به هو الحق مجملا ومفصلا. # ( PageV01P313 قوله كذاك حكم راجع عن دينه) وهو المرتد فحكمه حكم عبدة ~~الأوثان في أنه لا يقبل منه جزية ولا صلح ولا تحل ذبيحته ولا مناكحته ولا ~~موارثته وليس له شيء يحفظه من سيوف المسلمين إلا الإسلام سواء رجع عن دين ~~الإسلام إلى عبادة الأوثان أو إلى دين اليهودية أو النصرانية أو المجوسية ~~أو نحو ذلك بحديث ((من بدل دينه فاقتلوه)) ويكفي في دخوله في الإسلام أن ~~يقر بالجملة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إليها وفي الأثر ~~ما نصه: والراجع إلى الإسلام كالمبتدئ ودخولهما فيه سواء لا فرق بينهما وهو ~~أن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وأن ما جاء به ~~محمد من عند الله هو الحق كذلك قال علماؤنا: فإن لم يقر بما جاء به من عند ~~الله لم يكن مؤمنا حتى يقول ذلك قال أبو محمد: ويعجبني أم لا يعذر من قول ~~,انه بريء من كل دين ms250 يخالف الدين الذي دعا إليه محمد صلى الله عليه وسلم ~~فإن من الكفار من يقول أن محمدا رسول الله إلى العرب دون غيره. انتهى. # (قوله وآخذ بالشك عن يقينه) بيان لحكم من أشرك بالشك في وجود الله تعالى ~~أو في شيء من كلامه أو في تصديق نبي من أنبيائه أو في قبول شيء من كتبه فإن ~~الشاك في شيء من ذلك مشرك وحكمه إذا تبين بشكه حكم عبدة الأوثان والمرتد ~~فيدعى أولا للتصديق بما تردد فيه فإن أبى قوتل حتى يصدق ويرجع عن شكه ولا ~~يقبل منه صلح وكذلك حكم من أشرك بجهله لوجود الله تعالى بعد قيام الحجة ~~عليه أو بجهله بشيء من كمالاته بعد قيام الحجة عليه بذلك والله أعلم. # (الركن الرابع)(في التوبة وأحكامها وما يشتمل عليها وفيه أربعة أبواب) # ختم بهذا الركن سائر الأركان تفاؤلا بحسن الخاتمة، فإن من ظفر بالتوبة ~~لعلمه فقد ظفر. # الباب الأول # (في التوبة وأقسامها وأحكامها) # الباب الأول # (في التوبة وأقسامها وأحكامها) PageV01P314 أي في بيان حقيقة التوبة ما ~~هي؟.. وفي بيان انقسامها إلى واجب وغير واجب وإلى سر وجهر، وفي بيان ~~أحكامها متى تكون مقبولة ومتى لا تكون مقبولة وممن تقبل وممن لا تقبل...؟ # أقسام التوبة # (توبتنا قسمان فرض وجبا= # لمن عصى والثاني نفل ندبا) # (قوله توبتنا) أي معشر الأمة المحمدية (قوله قسمان) أي بالنظر إلى حكم ~~الشارع فيها فهي إما واجبة وإما مندوبة فالفرض الواجب منها هو ما إذا عصى ~~المكلف فإنه يجب عليه أن يرجع عن عصيانه في الفور فأما وجوبها فمأخوذ من ~~قوله تعالى ((وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون))([1]) وأما وجوب ~~الفورية فيها فلما في تأخيرها من الإصرار المحرم قطعا وأما المندوب منها ~~فهي تكرار توبة من عصى فتاب إذا تذكر ذنبه الذي تاب من فإنه يندب له أن ~~يعيد توبته، ولا يجب عليه إعادتها خلافا لبعضهم لأن الصحابة ومن أسلم بعد ~~كفره يتذاكرون ما كان في الجاهلية من الكفر ولا يجدون له توبة. # (قوله لمن عصى) أي ms251 على من عصى سواء كانت المعصية كبيرة أم صغيرة، فإن ~~التوبة واجبة على فاعل شيء منهما على الفور لتحريم الإصرار مطلقا وذهب ~~الجبائي([2]) من المعتزلة إلى أنه لا تجب التوبة من الذنب الصغير لأن ~~الصغائر تكفر باجتناب الكبائر قلنا تكفيرها باجتناب الكبائر لا ينافي وجوب ~~التوبة منها على الإجمال فإن العاصي متى ما عصى وجب عليه أن لا يقيم على ~~معصية وذلك الإقلاع هو عين التوبة منها فإن لم يقم عليها ولم يندم على فعله ~~لكنه استرسل كذلك أي مهملا لا مسترا بها ولا نادما عليها ثم مات على ذلك ~~مجتنبا للكبائر غفر الله له تلك المعصية وعدم التوبة منها أي فتركه التوبة ~~من الصغيرة مع عدم الإصرار عليها صغيرة أيضا فهي مكفرة باجتناب الكبائر، ~~وفعل الطاعات أما إذا أصر عليها فلا تكفرها إلا التوبة. # (قوله والثاني) أي والقسم الثاني من التوبة (قوله نفل)([3])، أي زيادة ~~على الواجب (قوله ندبا) أي طلب فعله طلبا غير جازم. PageV01P315 # ---------------------------------------------------------------------- ----- # [1] سورة النور آية رقم 31. # [2] هو محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي أبو علي: من أئمة المعتزلة ~~ورئيس علماء الكلام في عصره، وإليه نسبة الطائفة الجبائية، له مقالات وآراء ~~انفرد بها في المذهب نسبته إلى جبى (من قرى البصرة) اشتهر في البصرة ودفن ~~بجبى عام 303ه له تفسير حافل مطول، رد عليه الأشعري. # راجع المقريزي 2: 348 ووفيات الأعيان 1: 480 والبداية والنهاية 11: 125 ~~واللباب 1: 208 ومفتاح السعادة 2: 35 وانظر دائرة المعارف الإسلامية 6: 270 - 274. # [3] النفل: أي الزيادة على الواجب ويقال له النافلة قال تعالى(ومن الليل ~~فتجديه نافلة لك) وعلى هذا قوله (ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة) ويقال ~~نفلته كذا أي أعطيته نفلا. # أي في بيان حقيقة التوبة ما هي؟.. وفي بيان انقسامها إلى واجب وغير واجب ~~وإلى سر وجهر، وفي بيان أحكامها متى تكون مقبولة ومتى لا تكون مقبولة وممن ~~تقبل وممن لا تقبل...؟ # أركان التوبة # (أركانها ندم مع استغفار= # والعزم والرجوع بانكسار) # (قوله أركانها) الخ أي أركان التوبة الشرعية أربعة كما روي عن ابن عباس ~~رضي الله عنه أنه قال ms252: التوبة النصوح الندم بالقلب، والاستغفار باللسان، ~~والإقلاع بالبدن، والإضمار على أن لا يعود، وبعضهم جعل هذه الأشياء ما عدا ~~الرجوع عن الذنب شروطا للتوبة لا أركانا لها وجعل بعضهم الخلاف في كونها ~~أركانا أو شروطا لفظيا وبين وجه الخلاف بأن من اعتبر معنى التوبة في اللغة ~~جعل تلك الأشياء شروطا ومن لم ينظر إلى معناها اللغوي جعلها أركانا. # ( PageV01P316 قوله ندم) بسكون الدال للوزن وهو غم يصيب الإنسان ويتمنى ~~أن ما وقع منه لم يقع وإنما يعتد به إن كان على ما فاته من رعاية حق الله ~~تعالى ووقوعه في الذنب حياء من الله وأسفا على عدم رعاية حقه فلو ندم لحظ ~~دنيوي كعار أو ضياع مال أو تعب بدن أو يكون مقتوله ولده لم يعتبر كما ذكره ~~بعضهم وذكر أبو نصر القشيري عن والده الإمام أبي القاسم: أن من شرط التوبة ~~أن يذكر ما مضى من الزلة ويندم فلو أسلف ذنبا ونسيه فتوبته من ذنوبه على ~~الجملة وعزمه على أن لا يعود على ذنب على ما يكون توبة مما نسيه وما دام ~~ناسيا لا يكون مطالبا بالتوبة عما نسيه ا. ه. # المراد منه وقال القاضي أبو بكر([1]): إن لم يتذكر تفصيل الذنب فليقل إن ~~كان لي ذنب لم أعلمه فإني تائب إلى الله تعالى ولعله إنما قال هذا فيما إذا ~~علم لنفسه ذنوبا لكنه لا يتذكرها فأما إذا لم يعلم لنفسه ذنبا فالندم على ~~ما لم يكن محال إن علم له ذنبا لكنه لم يتعين له في التذكر فيمكن أن يندم ~~على ما ارتكب من المخالفة على الجملة ثم العزم على أن لا يعود إلى المخالفة ~~أصلا ا. ه. # (قوله مع استغفار) أي مع طلب الغفران لذنبه سواء كان ذلك الطلب بالقول ~~والقلب أو بالقلب فقط لقوله تعالى ((والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا ~~أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم))([2]) ولا يشترط فيه التلفظ به مطلقا ~~لما سيأتي من أن توبة كل ذنب مثله سرا وإعلانا وقال بعضهم: إن كانت المعصية ms253 ~~قوليه كالقذف والغيبة اشترط في التوبة الاستغفار لفظا وإن كانت غير قوليه ~~لم يشترط وتجزى فيه التوبة بالسريرة. # ( PageV01P317 قوله والعزم) أي على أن لا يعود في المستقبل إليه أو إلى ~~مثله وهذا إنما يتصور اشتراطه في من يتمكن من مثل الذي قدمه أما من جب بعد ~~الزنا أو قطع لسانه بعد نحو القذف فالشرط في حقه عزمه على الترك لو عادت ~~إليه قدرته على الذنب وبهذا علم أن توبة العاجز عن العود صحيحة ولم يخالف ~~فيها إلا ابن الجبائي([3]) قال لأنه ملجأ إلى الترك وردوا عليه بما تقرر في ~~نحو المجبوب ا. ه. # (قوله والرجوع بانكسار) أي ومن أركان التوبة الإقلاع عن الذنب بتذلل ~~وانكسار نفس وذلك كما إذا كان ملتبسا بالذنب أو مصرا عليه فإنه يجب عليه ~~ترك ما تلبس به حالا وإن لم يتركه فلا توبة له، قال ابن حجر واعترض بأن ~~الجمهور لم يتعرضوا لهذا الشرط قال وأجيب بأن من أهمله نظر إلى غير الملتبس ~~والمصر إذ لا يتصور منه الإقلاع ومن ذكره نظر إلى الملتبس والمصر فلا بد من ~~إقلاعهما قطعا أو يستحيل حصول الندم الحقيقي على شيء وهو ملازم له في الحال ~~أو مع العزم على معاودته إذ من لازم الندم الحزن على ما فرط من الزلة، ولا ~~يوجد ذلك إلا بتركها مع العزم على عدم معاودتها ما بقي وإنما قال الناظم: ~~الرجوع بانكسار ليخرج نحو ما إذا كان الرجوع بغير ذلك كالراجع عن معصية خوف ~~تعزير من الإمام وتنكيل السلطان فإن هذا وإن رجع عن الفعل فهو عاص بالقصد ~~لأنه مصر وكالراجع عن الزنا مخافة أن يظفر به أهل المرأة أو بعد ما جبت ~~آلته وفي نفسه لو يستطيع لفعل (واعلم) أنهم قد ذكروا للتوبة شروطا فوق ما ~~ذكرنا راجعة إلى ما ذكرنا. # (ومنها): أن يفارق مكان المعصية على ما ذكره الزمخشري([4]) قال ابن حجر: ~~وهو شاذ قال وجعل صاحب التنبيه ذلك مستحبا (ومنها) أن لا يعود للذنب على ما ~~زعمه الباقلاني([5])أقول وعدم ms254 العود ليس بشرط في التوبة وإنما الشرط العزم ~~على أن لا يعود واشتراط عدم العود بعيد جدا. # ( PageV01P318 ومنها): أن يمكن من إقامة حد ثبت عليه عند الحاكم فتتوقف ~~التوبة على التمكين من استيفائه لا على استيفائه فلو مكن فلم يجده الإمام ~~ولا نائبه إثما دونه أقول وهذا الشرط أذا وجب داخل تحت الرجوع بالتذلل ~~والخضوع فإنه إذا كان راجعا بذلك استلزم أن لا يترك واجبا عليه لله تعالى ~~فإن ترك الواجب معصية أخرى إذا ارتكبها دل على أن رجوعه عن المعصية لم يكن ~~لكونها معصية. # (ومنها) ما اشترطته المعتزلة من رد المظالم أقول وهذا الشرط أيضا داخل ~~تحت الرجوع فإنه يجب كما تقدم أن يكون الرجوع عن المعصية لكونها معصية ~~فيستلزم أن لا يبقى مظلمة يقدر التائب على ردها فإن لم يفعل كان مصرا ورد ~~المظالم معتبر في صحة التوبة عند أصحابنا أيضا فلا عبرة بمن لا يعتبره ~~وأجيب عنه بأنه واجب آخر لا مدخل له في صحة التوبة سلمنا أنه واجب آخر لكنا ~~لا نسلم أنه لا مدخل له في صحة التوبة فإن التوبة الصحيحة منافية للإصرار ~~وترك رد المظالم مع القدرة على ردها ترك للواجب وتارك الواجب عمدا عاص ~~أيكون عاصيا تائبا؟ فظهر اشتراطه. # (واصلها امتثال أمر الباري= # ومنتهاها الحط للأوزار) # (قوله وأصلها) أي أصل التوبة أي سببها الحامل على فعلها هو امتثال العبد ~~لأمر مولاه، فإن العبد متى ما سمع قوله تعالى ((وتوبوا إلى الله ~~جميعا))([6]) الآية فسارع في فعل التوبة كان امتثال الأمر الذي سمعه من ~~الآية سببا لفعل تلك التوبة فصح أي يعبر عنه بالأصل. # (قوله امتثال أمر الباري) أي الخالق في المصباح امتثلت أمره إذا أطعته. # (قوله ومنتهاها): أي غايتها التي ينتهي إليها العبد بسبب فعلها أي ثمرتها ~~وفائدتها فغاية الشيء وثمرته وفائدته شيء واحد لكن اختلفت العبارات لاختلاف ~~الاعتبارات فسمي غاية باعتبار أنه طرف الفعل وثمرة باعتبار أنه مترتب على ~~الفعل كترتب ثمرة الشجرة عليها وتسمى فائدة باعتبار عود نفعه إلى الفاعل. # ( PageV01P319 قوله ms255 الحط للأوزار): أي منتهى التوبة وثمرتها حط الأوزار ~~بمعنى إزالة الآثام عن المذنب وتلك الثمرة إنما هي بمحض تفضل منه تعالى لا ~~بوجوب عليه خلافا للمعتزلة الزاعمين أنه يجب على الله قبول التائب عقلا ~~ونقلا واستدلوا على ذلك من طريق النقل بقوله تعالى ((إنما التوبة على الله ~~للذين يعملون السوء))([7]) الآية واستدلالهم بهذه الآية على مطلوبهم من ~~وجهين الأول أن كلمة على للوجوب فقوله إنما التوبة على الله للذين يدل على ~~أنه يجب على الله عقلا قبولها. # الثاني: لو حملنا قوله: إنما التوبة على الله على مجرد القبول لم يبق ~~بينه وبين قوله فأولئك يتوب الله عليهم فرق لأن هذا أيضا إخبار عن الوقوع ~~أما إذا حملنا ذلك على وجوب القبول وهذا على الوقوع يظهر الفرق بين الآيتين ~~ولا يلزم التكرار ورد هذا المذهب الفخر([8]) الرازي بوجوه الأول: # أن لازمه الوجوب استحقاق الذم عند الترك فهذه الأزمة إما أن تكون ممتنعة ~~الثبوت في حق الله تعالى أو غير ممتنعة في حقه والأول باطل لأن ترك ذلك ~~الواجب لما كان مستلزما لهذا الذم وهذا الذم محال الثبوت في حق الله تعالى ~~وجب أن يكون ذلك الترك ممتنع الثبوت في حق الله، وإذا كان الترك ممتنع ~~الثبوت عقلا كان الفعل واجب الثبوت فحينئذ يكون الله تعالى موجبا بالذات لا ~~فاعلا بالاختيار وذلك باطل وأما إن كان من استحقاق الذم غير ممتنع الحصول ~~في حق الله تعالى فكل ما كان ممكنا لا يلزم من فرض وقوعه محال فيلزم جواز ~~أن يكون الإله مع كونه إلها يكون موصوفا باستحقاق الذم، وذلك محال لا بقوله ~~عاقل ولما بطل هذان القسمان ثبت أن القول بالوجوب على الله تعالى باطل. # ( PageV01P320 الحجة الثانية): أن قادرية العبد بالنسبة إلى فعل التوبة ~~وتركها إما أن يكون على السوية أو لا يكون على السوية فإن كان على السوية ~~لم يترجح فعل التوبة على تركه إلا لمرجح ثم ذلك المرجح إن حدث لا عن محدث ~~لزم نفي الصانع وإن حدث عن العبد ms256 عاد التقسيم وإن حدث عن الله فحينئذ العبد ~~إنما أقدم على التوبة بمعونة الله وتقويته فتكون تلك التوبة إنعاما من الله ~~تعالى على عبده وإنعام المولى على عبده لا يوجب عليه أن ينعم عليه مرة أخرى ~~فثبت أن صدور التوبة عن العبد لا يوجب على الله القبول وأما إن كانت قادرية ~~العبد لا تصلح للترك والفعل فحينئذ يكون الجبر ألزم وإذا كان كذلك كان ~~القول بالوجوب أظهر بطلانا وفسادا. # (الحجة الثالثة): التوبة عبارة عن الندم على ما مضى والعزم على الترك في ~~المستقبل والندم والعزم من باب الكراهات والإرادات، والكراهة والإرادة لا ~~تحصلان باختيار العبد وإلا افتقر في تحصيلهما إلى إرادة أخرى ولزم التسلسل ~~وإذا كان كذلك كان حصول هذا الندم وهذا العزم بمحض تخليق الله تعالى وفعل ~~الله لا يوجب على الله فعلا آخر فثبت أن القول بالوجوب باطل. # ( PageV01P321 الحجة الرابعة): إن التوبة فعل يصل باختيار العبد على ~~قولهم فلو صار ذلك علة الوجوب على الله لصار فعل العبد مؤثرا في ذات الله ~~وفي صفاته وذلك لا يقوله عاقل فأما الجواب عما احتجوا به فهو أنه تعالى وعد ~~قبول التوبة من المؤمنين فإذا وعد الله بشيء وكان الخلف في وعده محالا كان ~~ذلك شبيها بالواجب، فبهذا التأويل صح إطلاق كلمة على وبهذا الطريق ظهر ~~الفرق بين قوله ((إنما التوبة على الله))([9]) وبين قوله ((فأولئك يتوب ~~الله عليهم))([10]) إن قيل فلما أخبر عن قبول التوبة وكل ما أخبر الله عن ~~وقوعه كان واجب الوقوع فيلزمكم أن لا يكون فاعلا مختارا قلنا الإخبار عن ~~الوقوع تبع للوقوع والوقوع تبع للإيقاع والتبع لا غير الأصل، فكان فاعلا ~~مختارا في ذلك الإيقاع أما أنتم فتقولون بأن وقوع التوبة من حيث أنها هي ~~المؤثر في وجوب القبول على الله تعالى وذلك لا يقوله عاقل فظهر الفرق ا. ه. بلفظه. # (والتوب مثل الذنب عن نبينا= # سرا وجهرا هكذا قد بينا) # ( PageV01P322 قوله والتوب مثل الذنب) اعلم أن من الذنوب ما هو ظاهر ~~كالزنا، وشرب الخمر، وأكل ms257 الخنزير، وأكل الربا، وشهادة الزور، إلى غير ذلك ~~ومنها ما هو باطن كالعجب والكبر والرياء والحسد والعزم على الفسق ونحو ذلك، ~~وتجب التوبة من جميعها لكن توبة كل ذنب بما يناسبه فالتوبة من الذنوب ~~الظاهرة يجب أن تكون ظاهرة على اللسان بطلب الغفران من المنان، وأما التوبة ~~من الذنوب الباطنة يكفي أن تكون باطنة من غير إظهار على اللسان فإن أظهرها ~~مظهر كان ذلك فضلا له، وقد فعل فوق ما يجب نفلا، والدليل على هذا التفصيل ~~قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ ((إذا عملت سيئة فاحدث بها توبة السر بالسر ~~والعلانية بالعلانية)) والجهر في المعاصي هو أن يعمل معصية بدنية والسر ~~فيها هي المعاصي القلبية والجهر في التوبة هي إجراء الاستغفار على اللسان ~~مع الندم والانكسار في الجنان، والسر منها هو الاقتصار على ما عدا ~~الاستغفار باللسان من الأركان فإذا عمل المكلف معصية من المعاصي البدنية ~~وجبت التوبة عليه جهرا ثم اختلفوا في حد الجهر فقال قوم: هو ما سمعته أذنان ~~فصاعدا وقال آخرون: هو ما سمعه من يليك فصاعدا وجعل أرباب هذا القول ما ~~سمعته الأذنان من السر وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا عمل رجل شيئا من المعاصي ~~البدنية وقد اطلع عليه غيره هل عليه أن يظهر التوبة عند من علم بمعصيته أم ~~لا..؟ قولان للفقهاء صحح الإمام رضوان الله عليه أن ليس عليه إظهار ذلك عند ~~من علم بمعصيته، ونوقش في ذلك بأن من اطلع على معصيته مستصحب للبراءة منه ~~حتى يعلم رجوعه وتوبته فأجاب بما حاصله أن المتبرئ منه إنما برئ منه بحق ~~فيجوز له أن يقيم على حقه في البراءة منه ولا شيء عليه. PageV01P323 # أقول: وهذا الجواب لا يدفع تلك المناقشة فإنها مبنية على قاعدة مشهورة ~~صرح بها هذا الإمام وغيره هي أنه ليس لأحد أن يبيح البراءة من نفسه، ومن ~~أباح البراءة من نفسه فهو هالك عند الله أنه صادق واستدل عليها الإمام ~~بقوله تعالى ((فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم ~~الكاذبون))([11])قائلا ms258 أنه تعالى حكم على القذفة بالكذب إن لم يأتوا ~~بالشهداء ولو كانوا صادقين في نفس الأمر كذلك من أباح من نفسه البراءة في ~~الظاهر يبرأ منه، وإن كان محقا في السريرة لكن للإمام أن يقول هذا التائب ~~إنما أباح من نفسه البراءة حين مباشرة المعصية فتوبته جب لما قبلها مطلقا، ~~وقد يجاب بأن إبقاء من علم أنه يبرأ منه بموجب البراءة على البراءة منه مع ~~القدرة على نقله من البراءة منه إباحة للبراءة من نفسه، أما القائلون بأن ~~الجهر هو ما سمعه من يليك فصاعدا فقد أوجبوا على من عمل المعصية وأطلع ~~عليها غيره أن يبلغ توبته من أطلع على معصيته ووجهه أنه لما كان الجهر هو ~~ما سمعه الغير وكان بعض الغير مطلعا على المعصية والبعض لم يطلع كان لا ~~معنى لإيجاب إظهار التوبة عند من لم يطلع على معصيته، فتعين أن الواجب هو ~~إظهارها عند من اطلع على معصيته نعم يستثنى من ذلك إذا كان هذا العاصي ~~مشهور الفسق في جميع النواحي أو كان فقد اطلع على معصيته من لا يصل إلى ~~أخباره فإنه ليس عليه في الأول إلا إشهار التوبة كما شهرت معصيته وفسقه ~~لتعذر إظهارها على كل فرد ممن اشتهر معه فسقه، وكذلك ليس عليه في الحال ~~الثاني شيء لأنه إذا لم يكن من اطلع على معصيته بمحل يصل إليه خيره ولو ~~بالكتابة فقد تعذر إخباره، والتكليف بما هو متعذر الوجود تكليف بما لا يطاق ~~وهو ممنوع. # (قوله عن نبينا) أي محمد صلى الله عليه وسلم والإشارة إلى تلك الرواية ~~والإضافة لتشريف المضاف إليه. # ( PageV01P324 قوله سرا وجهرا) انتصبا على التمييز المفسر لإجمال ~~المماثلة في قوله: والتوب مثل الذنب فإن المماثلة هنالك مجملة فسرت بهذا ~~التمييز هنا. # (قوله هكذا قد بينا) الإشارة إلى هذا التمييز أي هكذا قد بين المذكور من ~~تلك المماثلة. # (فالعجب والكبر معا والحسد= # كذا الريا توبتها أن تفقد) # (وهكذا العزم على الكفران = # فالحق أنه من العصيان) # (قوله العجب) تفريع على قوله والتوب مثل ms259 الذنب والعجب بضم المعجمة: هو ~~استعظام النعمة والركون إليها مع قطع النظر أنها من الله عز وجل، أما إذا ~~استعظمها بالنظر إلى صدورها من الله تفضيلا عليه وأستر بها لذلك فليس هذا ~~بعجب ((قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير ما يجمعون))([12]) ~~(سببه) صفة كمال في النفس من علم أو جمال أو حسب أو نحو ذلك وهو كبيرة لما ~~في ذلك الحديث الصحيح ((لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر منه))([13]) ~~(العجب) وفي الحديث الرباني قال الله عز وجل ((لولا أن الذنب خير لعبدي ~~المؤمن من العجب ما خليت بين عبدي المؤمن وبين الذنب))([14]) وفي حديث ~~الديلمي: لولا أن المؤمن يعجب بعلمه لعصم من الذنب حتى لا يهم به ولكن ~~الذنب خير له من العجب، وروى الدارقطني ليس بالخير أن يقضي العبد القول ~~بلسانه والعجب في قلبه، وروى أبو الشيخ: شرار أمتي العجب بدينه المرائي ~~بعلمه المخاصم بحجته والرياء شرك. # (وعلاجه) أن يعلم أن تلك النعمة إنما تفضل بها عليه مولاه وأنه هو محلها ~~لا موجدها وليس للمحل شيء من التأثير في الحال، فأنى له أن يعجب بشيء ليس ~~هو من فعله فإن قال: إنه كان هو السبب لوجودها قيل له جعلك سببا لها نعمة ~~أخرى تفضل بها عليك غيرك فليس لك من الأمر شيء، فالواجب عليك شكر المنعم ~~بها لا كفرانه. # ( PageV01P325 قوله والكبر): بكسر الكاف وسكون المعجمة هو رد الحق ودفعه ~~واحتقار الناس وازدراؤهم وهو من أعظم الكبائر لقوله تعالى ((سأصرف عن آياتي ~~الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق))([15]) ((واستفتحوا وخاب كل جبار ~~عنيد))([16]) ((كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار))([17])((إنه لا يحب ~~المستكبرين))([18]) ((إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم ~~داخرين))([19]) أي صاغرين والآيات في ذم الكبر كثيرة وفي الحديث ((اجتنبوا ~~الكبر فإن العبد لا يزال يتكبر حتى يقول الله تعالى اكتبوا عبدي هذا في ~~الجبارين)) وفي حديث حسنه الترمذي ((لا يزال العبد يذهب بنفسه أي يرتفع ~~ويتكبر حتى يكتب في الجبارين فيصيبه ما ms260 أصابهم)) وفي الحديث الرباني يقول ~~الله تعالى ((الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منها قذفته في ~~النار)) وعبر بالرداء والإزار هنا عن الخصوصية أي الكبرياء والعظمة مختصان ~~بي ليس لأحد أن ينازعني في شيء منهما كما يختص الواحد منكم بردائه وإزاره ~~فلا ينازعه فيهما منازع وفي حديث النسائي والترمذي ((يحشر المتكبرون يوم ~~القيامة أمثال الذر في صورة الرجال يغشاهم الذل من كل مكان يساقون إلى سجن ~~في جهنم يسمى بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النار طينة ~~الخبال)). # وفي حديث مسلم وأبي داود والترمذي وابن ماجة لا يدخل النار من كان في ~~قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ولا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة من ~~خردل من كبر وفي حديث مسلم ((أن الله لا ينظر إلى من يجر إزاره بطرا لا ~~يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قيل إن الرجل يجب أن يكون ثوبه ~~حسنا ونعله حسنة قال: إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحب وغمط ~~الناس)). # ( PageV01P326 والكبر أنواع) لأنه (إما) على الله تعالى وهو أفحش أنواع ~~الكبر كتكبر فرعون ونمرود حيث استنكفا أن يكونا له عبدين تعالى وادعيا ~~الربوبية قال تعالى ((إن الذين يستكبرون هن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)) ~~أي صاغرين لن يستنكف المسيح الآية (وإما) على رسوله بأن يمتنع من الانقياد ~~له تكبرا جهلا وعنادا كما حكى الله ذلك عن كفار مكة وغيرهم من الأمم. # ( PageV01P327 وإما) على العباد يستعظم نفسه ويحتقر غيره ويزدريه فيأبى ~~عن الانقياد له أو يرتفع عليه ويأنف من مساواته وهذا وإن كان دون الأولين ~~إلا أنه عظيم إثمه أيضا لأن الكبرياء والعظمة إنما يلقيان بالملك القادر ~~القوي المتين دون العبد العاجز الضعيف فتكبره فيه منازعة لله في صفة لا ~~تليق إلا بجلاله فهو كعبد أخذ تاج ملك وجلس على سريره فما أعظم استحقاقه ~~للمقت وأقرب استعجاله للخزي ومن ثم قال تعالى كما مر في أحاديث أن من نازعه ~~العظمة والكبرياء أهلكه أي لأنهما ms261 من صفاته الخاصة به تعالى فالمنازع منازع ~~في بعض صفاته تعالى وأيضا فالتكبر على عباده لا يليق إلا به تبارك وتعالى ~~فمن تكبر عليهم فقد جنى عليه إذ من استذل خواص غلمان الملك منازع له في بعض ~~أمره وإن لم يبلغ قبح من أراد الجلوس على سريره ومن لازم هذا الكبر بنوعيه ~~مخالفة أوامر الحق لأن المتكبر ومنه المتجادلون في مسائل الدين بالهوى ~~والتعصب تأبى نفسه من قبول ما سمعه من غيره وإن اتضح سيله بل يدعوه كبره ~~إلى المبالغة في تزييفه وإظهار إبطاله فهو على حد قوله تعالى ((وقال الذين ~~كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون))([20]) ((وإذا قيل ~~له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد))([21]) وقال ابن ~~مسعود كفى بالرجل إثما إذا قيل له اتق الله أن يقول عليك بنفسك وقال صلى ~~الله عليه وسلم لرجل يأكل بشماله كل بيمينك فقال([22]) متكبرا لا أستطيع ~~فشلت يده فلم يرفعها بعد فإذن التكبر على الخلق يدعو إلى التكبر على الخالق ~~ألا ترى أن إبليس لما تكبر على آدم وحسده بقوله ((أنا خير منه))([23]) جره ~~ذلك إلى التكبر على الله لمخالفة أمره فهلك هلاكا مؤبدا ا. PageV01P328 # ه (وعلاجه) بجميع أنواعه أن ينظر في مبدئه ومنتهاه وفي حقيقة أحواله فإنه ~~متى ما استغرق نظره في ذلك عرف ماهيته وتبين له عجزه وانكسرت عند ذلك نفسه ~~وإلى هذا يشير قوله تعالى ((قتل الإنسان ما أكفره من أي شيء خلقه من نطفة ~~خلقه فقدره ثم السبيل يسره ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره))([24]) وقوله ~~تعالى ((هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا))([25]) ~~الآيات. # (قوله معا) أي جميعا انتصب على الحال وصاحبه توبتها والعامل فيه تفقد ~~والمعنى فالعجب والكبر وما بعدهما توبتها جميعا أن تفقد. # ( PageV01P329 قوله والحسد): هو التمني زوال نعمة الغير بلا حق فخرج ~~بقولنا بلا حق هو ما إذا كان التمني بحق وذلك كأن يكون المنعم عليه باغيا ~~مثلا فإنه يحل شرعا إضاعة ms262 ماله، وكل ما حل إضاعته جاز تمني زواله ضرورة ~~وبقولنا تمنى إزالة النعمة ما إذا لم يتمن زوالها لكن تمنى أن يكون له ~~مثلها، فإن هذا ليس بحسد وإنما هو غبطة وفي الحديث ((المؤمن يغبط والمنافق ~~يحسد))([26]) وللحسد مراتب أعلاها تمني زوال نعمة الغير من غير أن يكون ~~للحاسد نفع في زوالها (ثانيها) تمني زوالها مع رجاء أن تنتقل إليه أو ينتقل ~~إليه مثلها (ثالثها) تمني زوالها ليساويا في المنزلة فلا يكون المحسود ~~زائدا عليه بشيء وهو بجميع أنواعه حرا قال تعالى ((أم يحسدون الناس على ما ~~آتاهم الله من فضله))([27]) وقال تعالى ((ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون ~~سواء))([28]) وقال صلى الله عليه وسلم ((الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار ~~الحطب والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار والصلاة نور المؤمن ~~والصيام جنة))([29]) أي ساتر ووقاية وفي رواية الديلمي الحسد يفسد الإيمان ~~كما يفسد الصبر العسل في رواية أبي داود ((إياكم والحسد فإن الحسد يأكل ~~الحسنات كما تأكل النار الحطب)) وفي حديث آخر ((دب إليكم داء الأمم قبلكم ~~الحسد والبغضاء هي الحالقة حالقة الدين لا حالقة الشعر والذي نفس محمد بيده ~~لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أنبئكم بشيء إذا ~~فعلتموه تحابيتم افشوا السلام بينكم))([30]). PageV01P330 # وفي حديث الطبراني ليس مني ذو حسد ولا نميمة ولا كهانة ولا أنا منة وفي ~~حديث الحاكم والديلمي أن إبليس يقول: ابغوا من بني آدم البغي والحسد فإنهما ~~يعدلان عند الله الشرك فهذه الأحاديث كلها دالة على أن الحسد من الكبائر ~~أما قوله صلى الله عليه وسلم ((الحسد في اثنين رجل آتاه الله القرآن فقام ~~به وأحل حلاله وحرم حرامه ورجل آتاه الله مالا فوصل به أقرباءه ورحمه وعمل ~~بطاعة الله تمنى أن يكون مثله))([31]) ففيه إطلاق الحسد على الغبطة تجوزا ~~ألا ترى إلى قوله في آخر الحديث ((تمنى أن يكون مثله)) ولم يقل تمنى أن ~~تزول نعمته وأما قوله عليه الصلاة والسلام ((كل ابن آدم حسود لا يضر حاسدا ms263 ~~حسده ما لم يتكلم باللسان أو يعمل باليد)) ففيه بيان الحسد المعفو عنه وهو ~~ما يجده الإنسان في نفسه اضطرارا فإنه لا يؤاخذ به حتى يحققه بالأفعال ~~الاختيارية ومن (آفات) الحسد أن فيه تسخطا لقضاء الله إذا أنعم على الغير ~~بما لا مضرة عليك فيه وشماتة بأخيك المسلم قال تعالى ((إن تمسسكم حسنة ~~تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها))([32]) (وعلاجه) أن تعرف أنه يضر الحاسد ~~دينا ودنيا ولا يضر الحسود لا دينا ولا دنيا إذ لا تزول نعمة بحسد قط، وإلا ~~لم تبق لله نعمة على أحد حتى إيمان لأن الكفار يحبون زواله عن أهله بل ~~المحسود منتفع بحسدك دنيا لأنه مظلوم من جهتك سيما إن أبرزت حسدك إلى ~~الخارج بالغيبة وهتك الستر وغيرهما من أنواع الإيذاء، فهذه هدايا تهدي إليه ~~حسناتك بسببها حتى تلقى الله يوم القيامة مفلسا محروما من النعم كما حرمت ~~منها في الدنيا ودينا لسلامته من غمك وحزنك وغيرهما ا. ه. # (قوله كذا الرياء) ويسمى الشرك الأصغر وهو إرادة العامل بعبادته غير وجه ~~الله كأن يقصد اطلاع الناس على عبادته وكماله حتى يحصل له منهم مال أو جاه ~~أو ثناء. # ( PageV01P331 إما) بإظهار نحول وصفرة وجه ونحو تشعث شعر وبذاذة هيئة ~~وخفض صوت وغمض جفن إيهاما لشدة اجتهاده في العبادة وحزنه وقلة أكله وعدم ~~مبالاته بأمر نفسه لاشتغاله عنها بالأهم، وتوالى صومه وسهره وإعراضه عن ~~الدنيا وأهلها. # (وإما) بإظهار زي الصالحين كإطراق الرأس في المشي والهدوء في الحركة ~~وإبقاء أثر السجود على الوجه ولبس الصوف وخشن الثياب وتقصيره وغير ذلك ~~و(إما) بالوعظ والتذكير وإظهار حفظ السنن ولقاء المشايخ وإتقان العلوم وغير ~~ذلك من الطرق الكثيرة. # (وإما) بنحو تطويل أركان الصلاة وتحسينها وإظهار التخشع فيها وكذا الصوم ~~والحج وغيرهما من العبادات (وإما) بالاصطحاب والزائرين والمخالطين كمن يطلب ~~من عالم أو أمير أو صالح أن يأتي إليه لزيارته إيهاما لرفعته وتبرك الأكابر ~~به وكمن يذكر أنه لقي شيوخا كثيرين افتخارا بهم وترفعا بذلك على غيره وهو ~~بجميع أنواعه ms264 حرام بشهادة الكتاب والسنة وإجماع الأمة قال تعالى ((الذين هم ~~يراءون ويمنعون الماعون))([33]) وقال تعالى ((ولا يشرك بعبادة ربه ~~أحدا))([34]) أي لا يرائي بعمله، ومن ثم نزلت فيمن يطلب الأجر والحمد ~~بعبادته وأعماله قال صلى الله عليه وسلم ((إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك ~~الأصغر الرياء يقول الله يوم القيامة إذا جزي الناس بأعمالهم اذهبوا إلى ~~الذين كنتم تراؤون في الدنيا انظروا هل تجدون عندهم جزاء..؟ ))([35]) وفي ~~حديث آخر إن أدنى الرياء شرك ((وأحب العبيد إلى الله الأتقياء الأسخياء ~~الأخفياء))([36]) أي المبالغون في ستر عباداتهم وتنزيهها عن شوائب الأغراض ~~الفانية والأخلاق الدنيئة وفي حديث آخر ((إن أخوف ما أخاف على أمتي الإشراك ~~بالله أما أني لست أقول يعبدون شمسا ولا قمرا ولا وثنا ولكن أعمالا لغير ~~الله وشهوة خفية))([37]). PageV01P332 # وفي حديث آخر ((إن الله إذا كان يوم القامة ينزل إلى العباد أي ينزل ~~إليهم أمره ليقضي بينهم وكل أمة جاثية فأول من يدعي به رجل جمع القرآن ورجل ~~قتل في سبيل الله ورجل كثير المال فيقول الله للقارئ ألم أعلمك ما أنزلت ~~على رسولي قال: بلى يا رب قال: فماذا عملت فيما عملت..؟ قال: كنت أقوم آناء ~~الليل وآناء النهار فيقول الله له: كذبت بل أردت أن يقال فلان قارئ فقد قيل ~~ذلك ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى ~~أحد..؟ قال: بلى يا رب قال: فما عملت فيما أتيتك قال: كنت أصل الرحم وأتصدق ~~فيقول الله له: بل أردت أن يقال فلان جواد فقد قيل ذلك ويؤتى بالذي قتل في ~~سبيل الله فيقول الله له: فيما ذا قتلت..؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك ~~فقاتلت حتى قتلت فيقول الله له: كذبت ويقول الله له بل أردت أن يقال فلان ~~جريء أي شجاع فقد قيل ذلك يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر ~~بهم النار يوم القيامة))([38]) (وعلاجه) هو أن يعرض عن رغبته في كل ذلك لما ~~فيه من المضرة وفوات صلاح ms265 القلب وحرمان التوفيق في الحال والمنزلة الرفيعة ~~في الآخرة والعقاب العظيم والمقت الشديد والخزي الظاهر حيث ينادى على رؤوس ~~الخلائق ويقال للمرائي: يا فاجر يا غادر يا مرائي أما استحييت إذ اشتريت ~~بطاعة الله تعالى عرض الحياة الدنيا راقبت قلوب العباد واستهزأت بنظر الله ~~تعالى وطاعته وتحببت إلى العباد بالتبغض إلى الله تعالى وتزينت لهم بالشين ~~عند الله تعالى وتقربت إليهم بالعبد من الله تعالى ولو لم يكن في الرياء ~~إلا إحباط عبادة واحدة لكفى في شؤمه وضرره ا. ه. # (قوله توبتها أن تفقد) أي توبة هذه الأربع كبائر هي فقدانها أصلا من ~~القلب وانعدامها حتى لا يبقى لها ثمرة ولا تأثير مع الندم على وجودها، ورفع ~~(تفقد) على إهمال أن حملا على ما المصدرية قال في الخلاصة: # (وبعضهم أهمل أن حملا على= # ما أختها حيث استحقت عملا) # ( PageV01P333 قوله وهكذا العزم على الكفران) أي ومثل هذه الكبائر الأربع ~~في صورة التوبة العزم على الكفر لأنه من الكبائر القلبية فالتوبة منه ~~إعدامه وردع النفس عنه فلا يشترط فيه إظهار التوبة على اللسان، وقد عرفت ~~مما مر أن الكفر نوعان كفر نعمة وكفر شرك فالعزم على كفر النعمة فسق على ~~الصحيح، وأما العزم على الشرك فقد صرح ابن حجر بأنه شرك ووجهه أنه لا يكون ~~عازما على الشرك إلا وهو شاك في الإسلام أو جاهل بحقيقته أو معاند له وجميع ~~الأوجه شرك. # (قوله فالحق أنه من العصيان) أي فالحق أن العزم على الكفران هو من جملة ~~العصيان، وأنه لم يدخل تحت الأشياء المعفو عنها بحديث ((إن الله تعالى ~~تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به))([39]) لحديث ~~((إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قالوا يا رسول ~~الله هذا القاتل فما بال المقتول قال إنه كان حريصا على قتل صاحبه))([40]) ~~فعلل بالحرص وللإجماع على المؤاخذة بأعمال القلوب كالحسد ونحوه ولقوله ~~تعالى ((ومن يرد فيه بإلحاد بظلم))([41])الآية على تفسير الإلحاد بالمعصية ~~ولقوله تعالى ((إن السمع والبصر ms266 والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا))([42]) ~~وللسبكي([43]) في تفصيل حديث النفس كلام أحسن فيه جدا فقال ما نصه الذي يقع ~~في النفس من قصد المعصية على خمس مراتب. PageV01P334 # الأولى: الهاجس وهو ما يلقى فيها ثم جريانه فيها وهو الخاطر ثم حديث ~~النفس وهو ما يقع فيها من التردد هل يفعل أو لا؟ ثم الهم وهو ترجيح قصد ~~الفعل، ثم العزم وهو قوة ذلك القصد والجزم به بالهاجس لا يؤاخذ به إجماعا ~~لأنه ليس من فعله وإنما هو شيء ورد عليه لا قدرة له عليه ولا صنع، والخاطر ~~الذي بعده كان قادرا على دفعه بصرف الهاجس أول وروده ولكن هو وما بعده حديث ~~النفس مرفوعان بالحديث الصحيح وإذا ارتفع حديث النفس ارتفع ما قبله بطريق ~~الأولى، وهذه المراتب الثلاث أيضا لو كانت في الحسنات لم يكتب له بها أجر ~~أما الأول فظاهر وأما الثني والثالث فلعدم القصد، وأما الهم فقد بين الحديث ~~الصحيح أن الهم بالحسنة يكتب حسنة والهم بالسيئة لا يكتب سيئة وينتظر فإن ~~تركها لله كتبت حسنة، إن فعلها كتبت سيئة واحدة، والأصح في معناه أنه يكتب ~~عليه الفعل وحده وهو معنى قوله واحدة وإن الهم مرفوع ومن هذا يعلم أن قوله ~~في حديث النفس ما لم تتكلم به أو تمل به ليس له مفهوم حتى يقال إنها تكلمت ~~أو عملت يكتب عليها حديث النفس، لأنه إذا كان الهم لا يكتب فحديث النفس ~~أولى، وأما العزم فالمحققون على أنه يؤاخذ به وخالف بعضهم وقال: إنه من ~~الهم المرفوع وربما تمسك بقول أهل اللغة هم بالشيء عزم عليه، والتمسك بهذا ~~غير سديد لأن اللغوي لا يتنزل على هذه الدقائق ا. ه كلامه. PageV01P335 # لكن ذكر في شرح المنهاج ما يخالف ما هنا في الهم حيث قال: إني ظهر لي ~~الآن المؤاخذة من إطلاق قوله صلى الله عليه وسلم وتعمل ولم يقل أو تعمله ~~قال فيؤخذ منه تحريم المشي إلى المعصية وإن كان المشي في نفسه مباحا لكن ~~الانضمام قصد الحرام إليه ms267 فكل واحد من المشي والقصد لا يحرم عند انفراده ~~أما إذا اجتمعنا فإن كان مع الهم عمل لما هو من أسباب المهموم به فاقتضى ~~إطلاق أو تعمل المؤاخذة به، وعلى هذا مشى ابنه في جمعه ومنعه فقال ما نصه: ~~إن عدم المؤاخذة بحديث النفس والهم ليس مطلقا بل بشرط عدم التكلم والعمل ~~حتى إذا عمل يؤاخذ بشيئين همه وعمله ولا يكون همه مغفورا وحديث نفسه إلا ~~إذا لم يتعقبه العمل كما هو ظاهر الحديث ا. ه. # ---------------------------------------------------------------------- ----- # [1] هو محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر أبو بكر قاض من كبار علماء الكلام ~~انتهت إليه الرياسة في مذهب الأشاعرة، ولد بالبصرة عام 338 ه وسكن بغداد ~~فتوفي بها وكان جيد الاستنباط سريع الجواب من كتبه (إعجاز القرآن، ~~والإنصاف، ومناقب الأئمة، والملل والنحل، والفرق بين المعجزة والكرامة، ~~وكشف أسرار الباطنية توفي عام 403 ه # راجع وفيات الأعيان 1: 481 وقضاة الأندلس 37 - 40 وتاريخ بغداد 5: 379 ~~ودائرة المعارف الإسلامية 3: 294. # [2] سورة آل عمران آية رقم 135 # [3] هو عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي من أبناء أبان مولى ~~عثمان عالم بالكلام من كبار المعتزلة له آراء انفرد بها، وتبعته فرقة سميت ~~البهشمية، نسبة إلى كنيته (أبي هشام) وله مصنفات في (الشامل) في الفقه، ~~وتذكرة العالم، والعدة في أصول الفقه توفي عام 321 ه # راجع المقريزي 2: 348 ووفيات الأعيان 1: 292 والبداية والنهاية 11: 176 ~~وميزان الاعتدال 2: 131 وتاريخ بغداد 11: 55 # [4] سبقت الترجمة له في الجزء الأول في كلمة وافية # [5] سبقت الترجمة له في كلمة وافية في هذا الجزء # [ PageV01P336 6] سورة النور آية رقم 31. # [7] سورة النساء آية رقم 17 # [8] سبقت الترجمة له في الجزء الأول في كلمة وافية. # [9] سورة النساء آية رقم 17 # [10] سورة النساء آية رقم 17 # [11] سورة النور آية رقم 12 وقد جاءت الآية محرفة في المطبوعة حيث قال ~~(فإن لم يأتوا بأربعة شهداء) وصوابها ما ذكر. # [12] سورة يونس آية رقم 58 # [13] الحديث رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة بلفظ (لو لم تذنبوا لذب الله ~~بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم) # ورواه أيضا عن أبي أيوب رفعه بلفظ (لولا أنكم تذنبون لخلق ms268 الله خلقا ~~يذنبون يغفر لهم). وللقضاعي عن ابن عمر مرفوعا لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم ~~يذنبون فيغفر لهم ويدخلهم الجنة، وله أيضا عن أنس رفعه أو لم تذنبوا لخشيت ~~عليكم ما هو أشد من ذلك: العجب العجب. وقال الدريني: إنما كان العجب أشد ~~لأن العاصي معترف بذنبه فترجى له التوبة، والمعجب مغرور بعلمه فتوبته بعيدة ~~ويشير إليه قوله تعالى (وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا). # [14] لم عثر على هذا الحديث على كثرة بحثنا عليه ونرجو أن يوفقنا الله ~~سبحانه وتعالى إليه. # [15] سورة الأعراف آية رقم 146 # [16] سورة إبراهيم آية رقم 15 # [17] سورة غافر آية رقم 35 # [18] سورة النحل آية رقم 23 # [19] سورة غافر آية رقم 60 # [20] سورة فصلت آية رقم 26 # [21] سورة البقرة آية رقم 206 # [22] لم نعثر على هذا الحديث # [23] سورة الأعراف آية رقم 12 والآية (قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ~~قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين). وسورة ص آية رقم 76 # [24] سورة عبس آية رقم 17- 22 # [25] سورة الدهر آية رقم 1 # [26] لم نعثر على هذا الحديث على كثرة البحث والتقصي # [27] سورة النساء آية رقم 54 وتكملة الآية (فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب ~~والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما). # [28] سورة النساء آية رقم 89 # [ PageV01P337 29] الحديث رواه ابن ماجة في كتاب الزهد 22 باب في الحسد ~~4210 حدثنا هارون ابن عبد الله الحمال وأحمد ابن الأزهر. قالا: ثنا ابن أبي ~~فديك عن عيسى ابن أبي الحناط عن أبي الزناد عن أنس أن الرسول صلى الله عليه ~~وسلم وذكره # وفي زيادة (والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، والصلاة نور ~~المؤمن، والصيام جنة من النار) # وفي الزوائد: الجملة الأولى رواها أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة ~~وإسناد حديث أنس بن مالك فيه عيسى بن أبي عيسى، وهو ضعيف. # [30] الحديث رواه ابن ماجة في المقدمة 9 باب في الإيمان 68 ثنا وكيع ~~وأبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قل: قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم وذكره # ورواه الإمام مسلم في الإيمان 93 وأبو داود في الأدب 131 والترمذي في ~~الاستئذان ms269 1 وأحمد بن حنبل في المسند 1: 165، 167، 2: 391، 442، 477، 495، ~~512، (حلبي) # [31] الحديث رواه الإمام البخاري في كتاب العلم 15 باب الاختباط في العلم ~~والحكمة، وقال عمر: تفقهوا قبل أن تسودوا 73 - حدثنا سفيان قال: حدثني ~~إسماعيل بن أبي خالد على غير ما حدثناه الزهري قال: سمعت قيس بن أبي حازم ~~قال: سمعت عبد الله بن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم وذكره. # ورواه الإمام مسلم في المساقاة 29 والنسائي في الزكاة 20 وأحمد بن حنبل ~~في المسند 2: 9، 88، 152. # [32] سورة آل عمران آية رقم 120 # [33] سورة الماعون آية رقم 6 - 7 وقد جاءت الآية محرفة في المطبوعة حيث ~~قال: والذين بزيادة (الواو). # [34] سورة الكهف آية رقم 110 # [35] الحديث رواه الإمام أحمد بن حنبل في المسند 5: 428 ثنا يونس ثنا ~~ليث عن يزيد يعني ابن الهادي عن عمرو عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم قال: وذكره. # [ PageV01P338 36] الحديث رواه ابن ماجة في كتاب الفتن 3989 عن زيد بن ~~أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خرج يوما إلى مسجد رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم فوجد معاذ بن جبل قاعدا عند قبر النبي صلى الله ~~عليه وسلم يبكي فقال ما يبكيك؟ قال يبكيني شيء سمعته من رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن يسير الرياء شرك، ~~وإن من عادى لله وليا فقد بارز الله بالمحاربة وذكره. وفي الزوائد: في ~~إسناده عبد الله ابن لهيعة وهو ضعيف. # [37] الحديث رواه الإمام أحمد في المسند 4: 124 ثنا زيد بن الحباب قال ~~حدثني عبد الواحد ابن زيد أخبرنا عبادة بن نسي عن شداد بن أوس أنه بكى فقيل ~~له ما يبكيك قال شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله فذكرته ~~فأبكاني. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وذكره. وفيه زيادة (ولكن ~~يراؤون بأعمالهم، والشهوة الخفية أن يصبح أحدهم صائما فتعرض له شهوة من ~~شهواته فيترك صومه) # [38] زهد ت 48 # [39] الحديث رواه ابن ماجة في الطلاق 16 باب طلاق المكره والناس 2044 ~~ثنا سفيان ms270 بن عيينة، عن مسعر، عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة قال: ~~قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره وروا الإمام البخاري في العتق 6 ~~والطلاق 11 وإيمان 15 , ورواه الإمام مسلم في إيمان 201، 202، وأبو داود في ~~الطلاق 15 والترمذي في الطلاق 8 والنسائي في الطلاق 22، والإمام أحمد بن ~~حنبل في المسند 2: 398، 425، 474، 481، 491، (حلبي) # [ PageV01P339 40] الحديث رواه الإمام البخاري في كتاب الفتن 10 باب إذا ~~التقى المسلمان بسيفيهما 7083 حدثنا حماد عن رجل لم يسمه عن الحسن قال: ~~خرجت بسلاحي ليالي الفتنة فاستقبلني أبو بكر فقال: أين تريد؟ قلت: أريد ~~نصرة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار، قيل: فهذا ~~القاتل فما بال المقتول..؟ قال: إنه أراد قتل صاحبه) قال حماد بن زيد فذكرت ~~ذلك لأيوب ويونس بن عبيد وأنا أريد أن يحدثاني به فقال: إنما روى هذا ~~الحديث الحسن عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة، حدثنا سليمان، حدثنا حماد بهذا ~~وقال مؤمل: حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب ويونس وهشام ومعلى بن زياد عن ~~الحسن عن الأحنف عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه معمر عن ~~أيوب ورواه بكار بن عبد العزيز عن أبيه عن أبي بكرة، وقال غندر حدثنا شعبة ~~عن ربعي بن حراش عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرفعه سفيان ~~عن منصور. ورواه أيضا في إيمان 22 وديات 2 والقسامة 33، وأبو داود في الفتن ~~5، والنسائي في التحريم 29، والقسامة 7 وابن ماجة في الفتن 11 وأحمد بن ~~حنبل في المسند 4: 401، 418، 5: 43، 47، 48، (حلبي) # [41] سورة الحج آية رقم 25 # [42] سورة الإسراء آية رقم 36 # [43] هو علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام االسبكي الأنصاري الخزرجي أبو ~~الحسن تقي الدين: شيخ الإسلام في عصره، وأحد الحفاظ المفسرين الناظرين وهو ~~والد التاج السبكي صاحب الطبقات ولد في سبك من أعمال المنوفية عام 683 ه ~~وانتقل إلى القاهرة ثم إلى الشام وولي قضاء الشام سنة 739 ه واعتل فعاد إلى ~~القاهرة ms271 فتوفي فيها عام 756 ه من كتبه الدر العظيم في التفسير، ومختصر ~~طبقات الفقهاء، وإحياء النفوس في صنعة إلقاء الدروس. وغير ذلك كثير توفي ~~عام 756 ه # راجع طبقات الشافعية 6: 146 - 326 وخطط مبارك 12: 7 وحسن المحاضرة 1: 177. PageV01P340 # قبول وقت التوبة # (ولم يرد تائب من ذنبه = # حتى يرى الموت دنا من قربه) # (أو تطلع الشمس من المغرب قد = # أتى عن المختار فيما قد ورد) # (قوله ولم يرد تائب عن ذنبه) الخ هذا بيان لوقت قبول التوبة اعلم أن توبة ~~التائب مقبولة ما لم يغرغر بالموت أو تطلع الشمس من مغربها فإذا كان أحد ~~الأمرين لم تقبل التوبة لقوله تعالى ((وليست التوبة للذين يعملون السيئات ~~حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن))([1]) ولقوله تعالى في صفة ~~فرعون ((فلما أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو ~~إسرائيل وأنا من المسلمين الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين))([2]) فلم ~~يقبل الله توبته عند مشاهدة العذاب ولو أنه أتى بذلك الإيمان قبل تلك ~~الساعة بلحظة لكان مقبولا ولقوله تعالى ((حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ~~ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها))([3]). PageV01P341 # ولقوله تعالى ((وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب ~~لولا أخرتني إلى أجل قريب فاصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا إذا ~~جاء أجله))([4]) ولقوله تعالى ((فلم يكن ينفعهم إيمانهم لما رأوا ~~بأسنا))([5]) ولما روى أبو أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أن الله ~~تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)) ([6]) أي ما لم تتردد الروح في حلقه ~~وعن عطاء ولو قبل موته بفواق ناقة وعن الحسن أن إبليس قال حين أهبط إلى ~~الأرض وعزتك لا أفارق ابن آدم ما دام روحه في جسده فقال وعزتي لا أغلق عليه ~~باب التوبة ما لم يغرغر ولقوله صلى الله عليه وسلم ((التوبة مقبولة حتى ~~تطلع الشمس عن مغربها))([7]) ولقوله صلى الله عليه وسلم ((للتوبة باب ~~بالمغرب مسيرة سبعين عاما لا يزال كذلك ms272 حتى يأتي بعض آيات ربك طلوع الشمس ~~من مغربها))([8]) ولقوله صلى الله عليه وسلم ((أن الله تعالى يبسط يده ~~بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع ~~الشمس من مغربها))([9]) وفي هذه الآيات والأحاديث تنبيه على أمرين. # ( PageV01P342 أحدهما): أن الإيمان عند الغرغرة وعند معينة عذاب ~~الاستئصال لا ينفع وهو مجمع عليه لأنه إنما كان بإلجاء لا باختيار إلا قوم ~~يونس فإنه إنما نفعهم إيمانهم عند معاينة عذاب الاستئصال كرامة لنبيهم ~~وخصوصية لهم، وخالف هذا الإجماع ابن العربي([10]) وحكاه بعضهم عن الصوفية ~~أيضا فزعموا أن إيمان الملجى نافع. وبالغ ابن العربي فزعم أن فرعون مؤمن ~~شهيد حيث قال ما حاصله لما حال الغرق بين فرعون وبين أطماعه لجأ إلى الله ~~تعالى وإلى ما أعطاه باطنه مما كان عليه من الذلة والافتقار فقال ((آمنت ~~أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل))([11]) لرفع الإشكال كما قالت ~~السحرة لما آمنت: آمنا برب العالمين رب موسى وهارون لرفع الارتياب وإزاحة ~~الإشكال ثم قال وأنا من المسلمين فخاطبه بلسان العتب الآن أظهرت ما كنت قبل ~~علمته وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين في اتباعك فاليوم ننجيك فبشره قبل قبض ~~روحه لتكون لمن خلفك آية أي لتكون النجاة علامة له إذا قال ما قلته كانت له ~~النجاة مثل ما كانت لك إذ العذاب ما يتعلق إلا بظاهرك وقد أريت الخلق نجاته ~~من العذاب. PageV01P343 # فكان ابتداء الغرق عذابا وصار الموت فيه شهادة خالصة كل ذلك حتى لا ييأس ~~أحد من رحمة الله تعالى فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، ~~والأعمال بالخواتيم أما قوله تعالى ((سنة الله التي قد خلت))([12]) (في ~~عباده) يعني الإيمان عند رؤية اليأس وإنما قبض فرعون ولم يؤخر في أجله في ~~حال إيمانه لئلا يرجع إلى ما كان عليه من الدعوى، وأما قوله تعالى ~~((فأوردهم النار))([13]) فما فيه نص أنه يدخلها معهم بل قال الله تعالى ~~((أدخلوا آل فرعون))([14]) ولم يقل أدخلوا فرعون ورحمة الله أوسع ms273 من حيث أن ~~لا يقبل إيمان المضطر، وأي اضطرار أعظم من اضطرار فرعون في حال الغرق والله ~~تعالى يقول ((أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء))([15]) فقرن للمضطر ~~إذا دعاه الإجابة كشف السوء عنه فلم يكن عذابه أكثر من الغرق في الماء ~~انتهى كلامه قال ابن حجر: فهل هذا الكلام مقرر أو مردود فما وجه رده..؟ قلت ~~ليس هذا الكلام مقررا وإن كنا نعتقد جلالة قائله فإن العصمة ليست إلا ~~للأنبياء. # ثم أطال في الرد عليه بما يغني المسترشد وسكت عن حكم هذا القائل وحكمه ~~أنه مشرك لمعارضة قوله هذا لنصوص الكتاب منها قوله تعالى ((فلم يكن ينفعهم ~~إيمانهم لما رأوا بأسنا))([16]) وتأويل هذه الآية بما قالوه إن النافع هو ~~الله لا الإيمان بها عن مقتضاها وعدول عن الظاهر من غير دليل وإلغاء لمعنى ~~الآية إذ لا يخفى أن النافع في الحقيقة هو الله عز وجل لكنه سبحانه رتب ~~النفع على الأسباب فأثبت ترتب النفع على الإيمان قبل رؤية البأس ونفاه عنه ~~حين رؤيته، ومنها قوله تعالى في حق فرعون ((فأخذه الله نكال الآخرة ~~والأولى))([17]) فهذه الآية نص في إنه في نكال الدنيا والآخرة. # ( PageV01P344 والأمر الثاني): أنه إذا تاب أحد من ذنب ثم رجع إليه ثم ~~تاب منه وهكذا يقبل إذا تاب ويترك إذا عصى ومن هنا قال حيان([18]) الأعرج ~~في رجل في ولاية المسلمين ويكون منه ما يكره المسلمون فيستتاب فيتوب ويعطي ~~الرضا ثم يرجع فيدعى فيجيب ويطيع وهذه حالته أنه يدعى إذا أدبر ويقبل إذا ~~أقبل وقال أبو عبيدة رضي الله عنه: في مثل هذا توبة حتى يكون الشيطان هو ~~الخاسر. # (قوله حتى يرى الموت) أي إلى أن يرى أسباب الموت وعلامات الخروج من دار ~~الفناء. # (قوله دنا من قربه) أي قرب منه وهو كناية عن الحال التي يغرغر فيها. # (قوله من المغرب) أي محل بنصب تطلع عطفا على مدخول حتى (قوله من المغرب) ~~أي محل الغروب لأن ذلك من علامات الساعة ((يوم يأتي بعض آيات ربك لا ms274 ينفع ~~نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا))([19]) # وإنما لم يك ينفعها إيمانها حينئذ لأنها لم تكن آمنت اختيارا بل إلجاء ~~واضطرارا فلا فرق بين من شاهد بعض الآيات القاطعة على حضور نقله من دار ~~التكليف وبين من كان في الموقف أو في النار أعاذنا الله منها (قوله قد أتى ~~عن المختار الخ) إشارة إلى تلك الأحاديث المروية عنه عليه الصلاة والسلام. # ---------------------------------------------------------------------- --- # [1] سورة النساء آية رقم 18 # [2] سورة يونس آية رقم 90- 91 # [3] سورة المؤمنون آية رقم 99 # [4] سورة المنافقون آية رقم 10 وتكملة الآية (والله خبير بما تعملون) آية 11 # [5] سورة غافر آية رقم 85 # [6] الحديث رواه ابن ماجة في كتاب الزهد 30 باب ذكر التوبة 4253 أنبأنا ~~الوليد بن مسلم، عن ابن ثوبان، عن أبيه عن مكحول، عن جبير بن نفير عن عبد ~~الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وذكره # في الزوائد: في إسناده الوليد بن مسلم - وهو مدلس، وقد عنعنه، وكذلك ~~مكحول الدمشقي ورواه الإمام مسلم في الدعوات 98، وأحمد بن حنبل 2: 132، ~~153، 3: 425 (حلبي) # [ PageV01P345 7] الحديث رواه الإمام أحمد بن حنبل في المسند 4: 240، ~~241 ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال أتيت ~~صفوان بن عسال المرادي فقال ما جاء بك فقلت جئت أطلب العلم قال فإني سمعت ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره. ورواه الترمذي في كتاب الدعوات 99 باب ~~في فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله لعباده، 3535 بسنده عن زر ~~بن حبيش وذكره قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. # [8] الحديث رواه الترمذي في كتاب الدعوات 3536 حدثنا أحمد بن عبدة ~~الضبي، حدثنا حماد ابن زيد عن عاصم عن زر بن حبيش قال أتيت صفوان بن عسال ~~المرادي فقال: ما جاء بك قلت ابتغاء العلم وذكره. # [9] الحديث رواه الإمام مسلم في كتاب التوبة 5 باب قبول التوبة من ~~الذنوب وإن تكررت من الذنوب والتوبة 31 (2759) حثنا محمد بن المثنى حدثنا ~~محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت أبا عبيدة يحدث ms275 عن موسى ~~عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وذكره. ورواه الإمام أحمد في المسند 4: ~~395، 404 (حلبي) بسنده عن أبي عبيدة، عن أبي موسى الأشعري. # [10] سبقت الترجمة له في كلمة وافية في الجزء الأول # [11] سورة يونس آية رقم 90 # [12] سورة غافر آية رقم 85 وتكملة الآية (وخسر هنالك الكافرون) # [13] سورة هود آية رقم 98 وتكملة الآية (وبئس الورد المورود) # [14] سورة غافر آية رقم 46 # [15] سورة النمل آية رقم 62 # [16] سورة غافر آية رقم 85 # [17] سورة النازعات آية رقم 25 # [18] لعله حيان بن خلف بن حسين بن حيان الأموي بالولاء أبو مروان مؤرخ ~~بحاث من أهل قرطبة، كان صاحب لواء التاريخ في الأندلس أفصح الناس بالتكلم ~~فيه، وأحسنهم تنسيقا له من كتبه (المقتبس) في تاريخ الأندلس، والمبين في ~~تاريخ الأندلس أيضا وكتاب في تراجم الصحابة توفي عام 469 ه # راجع وفيات الأعيان 1: 168 ودائرة المعارف الإسلامية 1: 146 وجذوة ~~المقتبس 188 # [ PageV01P346 19] سورة الأنعام آية رقم 158 وقد جاءت هذه الآية محرفة ~~في المطبوعة حيث قال: (إن كسبت) بدلا من (أو كسبت) # كل العصاة تقبل توبتهم بمشيئة الله # (فقاتل المؤمن عمدا تقبل = # توبته وهكذا المضلل) # (من بعد موت من أضل وإذا= # آلا ليبطلن حقا فكذا) # (وقيل أن لا توبة له وفي = # قول أبي نبهان أن ليس اصطفي) # (لكن على المضل أن يبلغ من= # أضله بما دعى ومن فتن) # (إن كان في مقدرو وإلا = # فهو حري بمتاب المولى) # (قوله فقاتل المؤمن الخ) هذا تفريع على قوله ولم يرد التائب الخ أي إذا ~~كان التائب من الذنب لا ترد توبته حتى يغرغر أو تطلع الشمس من المغرب، ~~فاعلم أن من أتى جرما صغيرا كان أو كبيرا داخل تحت هذا العموم فتوبته قاتل ~~المؤمن عمدا وتوبة من أضل غيره بمعصيته وتوبة من حلف ليبطلن حقا أثبته الله ~~مقبولة لدخول الثلاثة تحت ما مر وخص هؤلاء الثلاثة بالذكر ليبين اختلاف ~~الفقهاء في قبول توبتهم فإنهم اختلفوا في قبولها منهم وفي قبول توبة ~~الملحقة بزوجها ولدا من غيره وفي قبول توبة من قتل نبيا أو قتله نبي لحديث ~~يروى في ذلك ms276 إجمالا ولأحاديث وردت في بعض ما ذكر تفصيلا فأما توبة من قتل ~~نبيا أو قتله نبي فلم يرو فيها غير الحديث العام لجميع المذكورات، وقد ~~استدل به القائلون بعدم التوبة لهؤلاء وكأنه صحيح عندهم وعلى تقدير صحته ~~فنحمله على عدم التوفيق لأسباب التوبة غالبا لا على عدم قبولها إذا أتى بها ~~كما وجب عليه شرعا وعبر عن عدم التوفيق بما ذكر للزجر والتنفير عن هذه ~~الكبائر جمعا بينه وبين تلك الأدلة، أو نقول إنه إخبار عن عدم قبول توبة ~~هؤلاء في أول الإسلام مثلا ثم نسخ بقبولها بعد بما ورد من الأدلة على قبول ~~توبة كل تائب بل وبما ورد من الأحاديث على قبول توبة قاتل المؤمن عمدا ونحو ~~ذلك وبالجملة فلم تثبت معنا صحة ذلك الحديث. PageV01P347 # أما قوله تعالى ((ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها))([1]) ~~الآية فمقيد بما إذا لم يتب وأما قوله صلى الله عليه وسلم ((أبى الله أن ~~يجعل لقاتل المؤمن توبة))([2]) وقوله صلى الله عليه وسلم أن الله أبى علي ~~فيمن قتل مؤمنا ثلاثا فأخبار آحاد لا تعارض القطعية وعلى تقدير صحتها يحتمل ~~أن المراد منها عدم التوفيق للتوبة غالبا لا عدم قبولها ليحصل الزجر ~~والتنفير عن قتل المؤمن أو تحمل على قاتل مخصوص كما روي فيمن قتل قائل لا ~~إله إلا الله ظنا أنه التجئ بها عن السيف وأما قوله صلى الله عليه وسلم ~~((أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله شيء ولن يدخلها الله ~~جنته))([3]) فمعناه إذا لم تتب وأما قوله عليه الصلاة والسلام ((ومن سن في ~~الإسلام سنة سيئة كان عليها وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من ~~أوزارهم شيء))([4]) وفي رواية أخرى صحيحة ومن سن شرا فاستن به كان عليه ~~وزرة ومثل من تبعه غير منتقص من أوزارهم شيئا فمعناه أيضا إذا لم يتب وكذا ~~القول في قوله تعالى: ((إن الذين يشترون بعهد الله وإيمانه ثمنا قليلا ~~أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ms277 ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ~~ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم))([5]) وكذا القول في أمثالها من أحاديث (قوله ~~عمدا) أخرج قاتل المؤمن خطأ فإنه لا إثم عليه فضلا من أن لا تقبل توبته وقد ~~فرض الله على قاتل المؤمن خطأ تسليم الدية إلى أهل المقتول إن كانوا مؤمنين ~~أو بيننا وبينهم ميثاق وتحرير رقبة مؤمنة، وإن كان من قوم عدو لنا وهو مؤمن ~~فتحرير رقبة مؤمنة لا غير فمن لم يجد تحرير رقبة مؤمنة فصيام شهرين ~~متتابعين، وما فرضا الله تعالى عليه هنا لا يدل على ثبوت الإثم بقتل الخطأ ~~لأنه إيجاب لما ذكر من تسليم الدية وتحرير الرقبة وإن كان إنما كان ذلك ~~الإيجاب بسبب صدر منه فليس كل سبب أوجب فرضا بإثم صاحبه. # ( PageV01P348 قوله تقبل توبته) بشرط أن يتخلص إلى أولياء المقتول فإما ~~العفو عنه أو قبول الدية منه أو القصاص النفس بالنفس فإن قتل نحو عشرة مثلا ~~ولم يقبل أوليائهم شيئا دون القصاص وكلوا جميعا من يقتله، وما بقي فهو ديات ~~في ماله وأما كفارة بتحرير رقبة مؤمنة أو صيام شهرين إذا لم يجد فقد اختلف ~~في ثبوتها بقتل العمد (قوله وهكذا المضلل من بعد موت من أضل) أي ومثل قاتل ~~المؤمن عمدا في قبول التوبة هو من دعا غيره لضلالة فأجابه إليها ثم مات ~~المجيب على تلك الضلالة فإنه إن تاب هذا المضل قبلت توبته أما إذا لم يمت ~~من أضله على تلك الضلالة فتوبته مقبولة قولا واحد لكن يشترط في توبته أن ~~يدعو إلى ترك الضلالة كما دعي إلى الدخول فيها. # (قوله وإذا إلا ليبطلن حقا فكذا) أي وكذلك إذا حلف ليبطل حقا أثبته الله ~~شرعا فإنه إن تاب قبلت توبته سواء كان الحق الذي حلف على لإبطاله لله كأن ~~يحلف أنه تعالى لم يفرض الصلوات الخمس أو لم يوجب كفارة اليمين أو لم يحلل ~~النكاح أو لم يحرم الخمر أو للعباد كأن يحلف على أن هذا المال لي ليس لفلان ~~منه شيء ms278 وذلك الحق للمحلوف عنه فإن كان الحق الذي حلف على إبطاله لله ~~سبحانه فهو مشرك لرده ما أنزل الله مصادمة من غير تأويل فتوبته منه رجوعه ~~إلى الإسلام، والإسلام جب لما قبله وإن كان الحق لأحد من العباد فشرط توبته ~~منه أن يتخلص إلى صاحبه برد ذلك الحق إليه إن كان باقيا بعينه ويرد مثله إن ~~كان لم يبق بعينه، وإن يكفر عن يمينه هذا كله إذا كان غير مستحل للمال الذي ~~حلف عليه أما إذا كان مستحلا فلا شيء عند الأكثر سوى الرجوع إلى الحق ~~والإقرار ببطلان ما كان عليه. # ( PageV01P349 قوله وقيا أن لا توبة لهم) أي ما ورد من تلك الأحاديث ~~(قوله وفي قول أبي نبهان) هو الشيخ جاعد بن خميس الخليلي الخروصي رضوان ~~الله عليه فإنه ضعف هذا القول جدا (قوله أن ليس اصطفى) أي أنه غير مختار ~~(قوله لكن على المضل الخ) هذا استدراك على مفهوم قوله وهكذا المضلل الخ ~~اعلم أن من دعا إلى ضلالة ثم أراد التوبة منها عليه أن يدعو إلى الخروج ~~منها كما دعا إلى الدخول فيها، فعليه أن يبلغ توبته كل من أجابه إلى ضلالته ~~وأن يبين لهم أنها ضلال هذا كله إذا كان قادرا على ذلك فإن كان غير قادر ~~كما إذا مات المدعو إليها أو كان بمكان باعد لا يستطيع الوصول إليه، ولا ~~يصل إيه كتابه فإنه يعذر لعجزه عن ذلك لأن الله لم يكلف العباد فوق طاقتهم. # (قوله أن يبلغ من أضله) أي أن ينهي إليهم بيان ضلالته. # (قوله بما دعى) أي إليه (قوله ومن فتن) أي ومن فتنهم بضلالته (قوله إن ~~كان في مقدرة) أي على ذلك والمقدرة بمعنى القدرة وأدخل عليها في مع إمكان ~~أن يقول إن كان ذا مقدرة مبالغة حيث جعل القدرة ظرفا للقادر وفي هذه ~~المبالغة إشارة إلى قوله تعالى ((يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم ~~العسر))([6]) ولقوله صلى الله عليه وسلم ((يسروا ولا تعسروا))([7]). # (قوله وإلا فهو حري) أي وإن لم ms279 يكن في مقدرة فهو حقيق بتوبة الله عليه. # ---------------------------------------------------------------------- ~~------- # [1] سورة النساء آية رقم 93 # [2] الحديث رواه الإمام البخاري في كتاب التفسير 2 باب والذين لا يدعون ~~مع الله إلها آخر 4763 - حدثني محمد بن بشار حدثنا غندور شعبة. عن المغيرة ~~بن النعمان عن سعيد ابن جبير قال اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن، فدخلت ~~فيه إلى ابن عباس فقال: نزلت في آخر ما نزل ولم ينسخها شيء وفي رواية ~~(قتال: لا توبة له) # ورواه ابن ماجة في كتاب الديات 3 باب هل لقاتل مؤمن توبة عن ابن عباس ~~أيضا ورواه الإمام مسلم في كتاب التحريم 2 والقسامة 49. # [ PageV01P350 3] أبو داود في الطلاق 29 والدرامي في النكاح 42 # [4] الحديث رواه ابن ماجة في المقدمة 14 باب من سن سنة حسنة أو سيئة 203 ~~- ثنا أبو عوانة، ثنا عبد الملك بن عمير عن المنذر بن جرير، عن أبه قال: ~~قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره. # ورواه في الصيام 45 وفي التجارات 65، ورواه صاحب الموطأ في القرآن 41، ~~وأحمد بن حنبل في المسند 2: 380، 397، 505، 521 (حلبي) ورواه الإمام مسلم ~~في العلم 15، 16 وأبو داود في الصلاة 51 والسنة 6، والترمذي في العلم 15. # [5] سورة آل عمران آية رقم 77 # [6] سورة البقرة آية رقم 185 # [7] هذا جزء من حديث رواه الإمام البخاري في كتاب العلم 11 باب ما كان ~~النبي صلى الله عليه وسلم ينحو لهم بالموعظة والعلم مي لا ينفروا 69 - ~~حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا شعبه قال: حدثني ~~أبو النياح عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكره وفيه زيادة (وبشروا ~~ولا تنفروا) # ورواه في المغازي 60 والأدب 80 ورواه الإمام مسلم في الجهاد 4 وأبو داود ~~في الأدب 17 وأحمد بن حنبل في المسند 1: 239، 283، 365، 3: 131، 209 (حلبي) # الباب الثاني (من الركن الرابع) (في حالات التائب) # ويبحث فيه عن أمرين أحدهما: إذا كان تائبا مضيعا لحق من حقوق الله عز وجل ~~ماذا عليه..؟ وثانيهما: ما إذا كان عمل الطاعة في حال إصراره هل يعطي ثواب ~~تلك الطاعة إذا تاب من تلك المعصية..؟ # (وتارك فرضا لمولاه مضى= # كفارة وتوبة قد فرضا) # (عليه مع ms280 إبداله وقيل لا = # شيء سوى التوبة في ذا جعلا) # (وذا كمثل الصوم والصلاة= # في حكم من حرم للحرمات) # ( PageV01P351 قوله وتارك) مبتدأ سوغه العمل في فرضا، وقوله لمولاه متعلق ~~بفرضا (قوله كفارة) مبتدأ ثان وتوبة معطوفة عليه (وقوله قد فرضا عليه) الخ ~~خبر للمبتدأ الثاني وخبره خبر للمبتدأ الأول الذي هو تارك. (اعلم) أن ~~العاصي لربه إما أن يكون في عصيانه مستحلا أو محرما فإن كان مستحلا فلا شيء ~~عليه عند الأكثر سوى الرجوع إلى الحق والدينونة ببطلان ما كان عليه وإن كان ~~محرما لفعله ففعله انتهاكا فإما أن يكون في فعله ذلك مضيعا لشيء من حقوق ~~الله كالصوم والصلاة أو من حقوق العباد، كإتلاف مال أو قتل أو ارتكاب فرج ~~غضبا أو غير مضيع شيئا من ذلك فإن كان غير مضيع شيئا من هذه الحقوق فليس ~~عليه شيء سوى التوبة من عصيانه، وإن كان مضيعا شيئا من حقوق العباد فعليه ~~الخروج منها بالخلاص إلى أربابها كما سيأتي وإن كان مضيها لشيء من حقوق ~~الله كما إذا ترك فرضا حاضرا ففات وقته فإنه تجب عليه التوبة عن ذلك ~~التضييع واستدراكه بالقضاء وستره بالكفارة وهي تحرير رقبة أو إطعام ستين ~~مسكينا أو صيام شهرين متتاليين، فأما وجوب التوبة فظاهر مما مر وأما وجوب ~~القضاء فلما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بقضاء الفوائت فرضا ونفلا. PageV01P352 # وأما وجوب الكفارة في تضييع الصيام فلما ورد عن أبي هريرة أنه قال: ((جاء ~~رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة فقال: يا رسول الله أفطرت في ~~رمضان فقال: أعتق رقبة أو صم شهرين متتابعين أو أطعم ستين مسكينا))([1]) ~~وقيس عليه تضييع الصلاة بجامع إن كلا منهما فرض مؤقت فأوجبوا في تضييعها ~~الكفارة كما وجبت في تضييعه وقال آخرون لا شيء عليه سوى التوبة واستقبال ما ~~يأتي عليه بالأداء واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم ((التائب من ~~الذنب كمن لا ذنب له))([2]) قلنا ومن شرط التوبة من ذلك الذنب قضاء ms281 ما فات ~~والكفارة عنه بما ذكر قالوا قال صلى الله عليه وسلم (الإسلام جب لما قبله) ~~[3] قلنا ذلك في المشركين فإن له حكما آخر يخلف ما هنا (قوله وذا كمثل) الخ ~~وهذا الفرض المذكور فيه هذا الحكم هو مثل الصوم والصلاة فالكاف زائدة وإنما ~~خص الصوم والصلاة بالتمثيل لأن لكل واحد منهما وقتا محدودا فعله بعد ذلك ~~الوقت قضاء لا أداء أما الزكاة وإن كانت حقا لله عز وجل فلا تدخل تحت هذا ~~الخلاف لأن أداءها غير مؤقت فمن ضيعها وجب عليه غرمها وما قيل في الأثر من ~~أنها مثل الصوم والصلاة في هذا الخلاف فمحمول على ما إذا ضيعها وهو مؤسر ثم ~~تاب وهو معسر لا يجد ما يغرمها به فإنه على هذا القول لا شيء عليه سوى ~~التوبة وعلى قول آخر تلزمه الوصية بها كسائر الحقوق هذا ما ظهر لي في حمل ~~ذلك الإطلاق فليحرر. # (قوله في حكم من حرم للحرمات) أي هذا الحكم ثابت في حكم من اعتقد حرمة ما ~~فعله من المحرمات أما المستحل فليس عليه قضاء ولا كفارة عند الجمهور وقد ~~روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه أوجب القضاء على المرتد وبه قال أبو حنيفة. # ---------------------------------------------------------- # [ PageV01P353 1] الحديث رواه ابن ماجة في كتاب الصوم 14 باب ما جاء في ~~كفارة من أفطر يوما من رمضان 1671 - ثنا سفيان بن عينة عن الزهري، عن حميد ~~بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: ~~هلكت قال: وما أهلكك..؟ # قال: وعت على امرأتي في رمضان فقال النبي صلى الله عليه وسلم وذكره ورواه ~~البخاري في كتاب الأدب 68، 95، وأبو داود في الصوم 37 والطلاق 17 والترمذي ~~في الطلاق 20 والدارمي في الصوم 19، 33، وأحمد بن حنبل في المسند 2: 208، ~~241 281 (حلبي). # [2] الحديث رواه ابن ماجة في كتاب الزهد 30 باب ذكر التوبة 4250 ثنا ~~محمد بن عبد الله الرقاش ثنا وهب بن خالد ثنا معمر بن عبد الكريم عن أبي ~~عبيدة بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله ms282 عليه وسلم وذكره # قال السندي: الحديث ذكره صاحب الزوائد وقال: إسناده صحيح ورجاله ثقات. ثم ~~ضرب على ما قال: # وأبقى الحال على الحال، وفي المقاصد الحسنة. رواه ابن ماجة الطبراني في ~~الكبير والبيهقي في الشعب من طريق أبي عبد الله بن عبد الله بن مسعود عن ~~أبيه رفعه، ورجاله ثقات بل حسنة شيخنا بعين لشواهده وإلا فأبو عبيدة: جزم ~~غير واحد بأنه لم يسمع من أبيه. # [3] هذا جزء من حديث طويل رواه الإمام أحمد بن حنبل في المسند 4: 198 عن ~~أبي إسحاق قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب عن راشد مولى حبيب بن أبي أوس ~~الثقفي عن أبي حبيب ابن أوس قال حدثني عمرو بن العاص من فيه وذكره. # (حكم المصر على المعصية إذا فعل الطاعة) # (وفي مصر قد أتى الطاعة هل = # له ثوابها إذا الغفران حل) # (أو لا أو التفصيل أولى إن عصى= # من غير أن شرك أتى محصحصا) # (قوله وفي مصر قد أتى الطاعة) الخ اختلف في المصر على المعصية إذا فعل ~~شيئا من الطاعات كالصلاة والزكاة والصوم ونحو ذلك ثم تاب من ذنبه وأناب إلى ~~ربه هل يعطى ثواب تلك الطاعة؟ ففيه ثلاثة مذاهب. # ( PageV01P354 المذهب الأول): وهو لأبي عبدا لله محمد بن محبوب رضي الله ~~تعالى عنهما واختار ابن أبي نبهان أنه يعطى له ثواب وظاهر كلامهما عدم ~~التفصيل بين المشرك والمنافق في الإصرار. # (المذهب الثاني): لبشير واختاره الزاملي أنه إذا كان هذا المصر حين فعله ~~للطاعة مشركا فلا ثواب له وإن كان غير مشرك فله الثواب بعد التوبة. # (المذهب الثالث): للفضل بن الحواري أنه لا يعطي ثوابها كان حين فعله ~~إياها مشركا أو منافقا مستدلا بقوله تعالى ((إنما يتقبل الله من ~~المتقين))([1]) ففي المسألة إطلاقان وتفصيل وعندي فيها تفصيل آخر هو الحق ~~إن شاء الله تعالى وهو ما إذا كانت تلك الطاعة التي فعلها المصر مشروطا في ~~صحتها الإسلام كالصلاة والصوم والحج ونحو ذلك من العبادات فلا يثاب عليها ~~بعد التوبة إذا فعلها وهو مشرك، لأن الثواب ms283 ثمرة الصحة والصحة مشروطة ~~بالإسلام وما هنالك إسلام فلا صحة ولا ثواب ويثاب عليها إذا فعلها هو مصر ~~غير شرك لأنها تكون حينئذ صحيحة فيصح ترتب الثواب عليها أما قوله تعالى ~~((إنما يتقبل الله من المتقين))([2]) فلا يعارض ما قررناه لأنا لا نقول ~~بقبول العمل من المصر حال إصراره وإنما نقول بقبوله منه بعد توبته وإن كانت ~~تلك الطاعة غير مشروط في صحتها الإسلام كرفع المنكر ورفع الظلم ونفع الضعيف ~~وإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم وفك العاني وصلة الرحم وإقراء الضيف، ونحو ~~ذلك فإنه يثاب عليها بعد التوبة كل من فعلها وإن كان مشركا لقوله تعالى ~~((فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات))([3]). PageV01P355 # ولقوله صلى الله عليه وسلم ((التائب من الذنب كمن لا ذنب له))([4]) ومن ~~لا ذنب له يعطى ثواب صلى الله عليه وسلم فكذا من ماثله ولقوله صلى الله ~~عليه وسلم ((أسلم على ما أسلفت من خير))([5]) أما قوله صلى الله عليه وسلم ~~((من أشرك ساعة حبط عمله))([6]) فإن تاب جدد له العمل فليس فيه دليل على ~~المطلوب هذا كله إذا فعل الطاعة حال الإصرار ثم تاب، أما إذا فعلها قبل ~~الإصرار ثم أشرك أو فسق ثم تاب أو أسلم فإنه يرد إليه الثواب ذلك العمل لأن ~~الإحباط مشروط عندنا بالموت على الإصرار لقوله تعالى ((ومن يرتد منكم عن ~~دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب ~~النار هم فيها خالدون))([7]) وعلى هذا التقييد يحمل الإطلاق في قوله تعالى ~~((ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون))([8]) والإطلاق الذي في قوله ~~تعالى ((ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله))([9]) والإطلاق الذي في قوله ~~تعالى ((يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا ~~له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون))([10]) ~~والإطلاق الذي في قوله صلى الله عليه وسلم ستة أشياء تحبط الأعمال الاشتغال ~~بعيوب الخلق وقسوة القلب وحب الدنيا وقلة الحياء وطول الأمر، وظالم لا ~~ينتهي وفي هذا الحديث وفي الآية التي ms284 قبله دليل على إحباط العمل بالكبائر ~~الغير الشرك أما الحديث فصريح في ذلك وأما الآية فلما فيها من ترتيب ~~الإحباط على رفع الصوت على صوته صلى الله عليه وسلم وعلى الجهر معه بالقول ~~كجهر بعضنا لبعض، ولا شك أن هاتين الخصلتين ليستا بشرك. # ( PageV01P356 اعلم) أن مسألة الإحباط مبنية على مسألة القطع بتعذيب ~~الفساق فذهب أصحابنا والمعتزلة إلى إحباط صالح الأعمال بمطلق الفسق إذا لم ~~يتب منه، وذهب القائلون بعدم القطع بوعيد الفساق إلى أن الأعمال إنما تحبط ~~بالشرك لا بشيء غيره من أنواع الفسق وهي كأصلها من المسائل الدينية فما ورد ~~في الأثر مما نصه قال جابر بن النعمان رحمه الله: اختلف المسلون من أهل ~~صحار في الذي يعمل الحسنات والسيئات فقال قائلون منهم إنها تحصى عليه حتى ~~يموت ثم ينظر في حسناته وسيئاته أيهما أكثر جري به وقال آخرون: إذا عمل ~~حسنة ثم عمل سيئة محت السيئة الحسنة قال جابر: فخرجنا من صحار إلى سمائل ~~فسألت هاشم بن غيلان رحمه الله عن ذلك فقال: كفوا عن هذا فقد وقع هذا بصحار ~~وكتبوا إلينا فلم نجبهم وعند هذا ومثله تقع الفرقة وبالله التوفيق. هل هذا ~~الخلاف مقرر أم مردود..؟ فالجواب فيه أن هذا المقام ليس محلا للخلاف وإن ~~القائل إن السيئة تمحو الحسنة إذا جاءت بعدها هو المصيب لكن بشرطين أحدهما ~~أن تكون السيئة كبيرة لأن الصغائر مغفورة باجتناب الكبائر وثانيهما: أن ~~يموت عليها لأنه إذا تاب منها رد إليه ثواب حسنته. وناهيك بسكوت هاشم عن ~~الجواب عليها وبقوله: «وعند هذا ومثله تقع الفرقة» تنبيها على أنها من ~~مسائل الدين. # (فإن قيل) لو كانت المسألة من مسائل الدين ما وسع هاشما السكوت عنها ~~لحديث: إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه فإن لم يفعل فعليه لعنة الله. PageV01P357 # (قلت) فهم هاشم أن المراد من الحديث شيئان أحدهما: إلزام المبتدع الحجة، ~~وثانيهما: إنقاذ المسلمين من هلكة البدعة فعلم أن الحجة قد لزمت هذا ~~المبتدع بظهور العلم على لسان خصمه ولا يلزم ms285 تكرار إظهار العلم ورأى أن ~~المصلحة في إنقاذ المسلمين من تلك البدعة هي السكوت عن الخوض في تلك ~~المسألة أصلا فإنها لو طال الكلام فيها لاتسع الخرق واستطارت الفتنة فيعم ~~ضررها الأمصار ومتى ما كف عن الخوض فيها خمدت نارها ولم يتعد صاحبها ضررها ~~فلله در هاشم ما أغزر علمه وأثقب فهمه. # (قوله هل له ثوابها) الخ خبر للمبتدأ المحذوف عند قوله وفي مصر إذ ~~التقدير والقول في مصر الخ بناء على مذهب من أجاز الإخبار عن المبتدأ ~~بالجملة الإنشائية (قوله إذا الغفران حل) أي وجب أي هل يعطى ثوابها إذا وجب ~~له الغفران أما إذا لم يغفر له فلا ثواب له قد حبط عمله بما فعل..؟ (قوله ~~أو لا) أي أو ليس له (قوله أو التفصيل أولى) أي أحق (قوله إن عصى من غير ما ~~شرك) أي من غير شرك فما زائدة والجملة تفسير للتفصيل المذكور (قوله أتى ~~محصحصا) أي أتى الخلاف موضحا. # ---------------------------------------------------------------------- ~~------- # [1] سورة المائدة آية رقم 27 # [2] سورة المائدة آية رقم 27 # [3] سورة الفرقان آية رقم 70 وقد جاءت هذه الآية محرفة في المطبوعة حيث ~~قال: (أولئك) بدلا من (فأولئك) # [4] سبق تخريج هذا الحديث في هذا الجزء # [5] الحديث رواه الإمام البخاري في كتاب الزكاة 24 باب من تصدق في الشرك ~~ثم أسلم 1436 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا هشام، حدثنا معمر عن الزهري عن ~~عروة عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أرأيت أشياء كنت ~~أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة ومن صلة رحم فهل فيها من أجر..؟ ~~فقال النبي صلى الله عليه وسلم وذكره PageV01P358 ورواه في الأدب 16 ~~والبيوع 100 والعتق 12، ورواه الإمام مسلم في إيمان 194، 195، 196 والإمام ~~أحمد في المسند 3: 402 (حلبي). # [6] لم نعثر على هذا الحديث على كثرة البحث والتقصي. # [7] سورة القرة آية رقم 217 # [8] سورة الأنعام آية رقم 88 # [9] سورة المائدة آية رقم 5 # [10] سورة الحجرات آية رقم 2 # الباب الثالث (من الركن الرابع)(في توبة المحرم والمستحل) # ويبحث فيه عن أمرين أحدهما: كيفية توبة كل واحد من المستحل ms286 والمحرم ~~إجمالا وتفصيلا. # وثانيهما: في التبعات والضمانات المتعلقة بالمنتهك لما حرمه في دينه ~~وبالمستحل لما فعله. # (اعلم) أن المحرم المنتهك هو من يأتي الأشياء المحرمة في دينه على غير ~~اعتقاد لها باستحلال، والمستحل هو الذي يأتي الأشياء المحرمة في دين الله ~~تعالى اعتقادا منه أنها حلال متمسكا على ذلك بشبهة من كتاب أو سنة أو ~~إجماع، فهو جازم بتلك الشبهة ومعتقد أنها الدليل القاطع ويلتزم بها تخطئة ~~من خالفه في ذلك دينا أما إذا لم يكن بهذه المثابة فليس هو بالمستحل، وإن ~~اعتقد حل ذلك المحرم أو تحريم ذلك المحلل وإنما هذا جاهل بقواعد الدين الذي ~~هو عليه. # (ومجمل توبة من يحرم = # والمستحل عكس هذا يلزم) # (قوله ومجمل توبة من يحرم) أي من يأتي ذنبا حرم الله ارتكابه على وجه ~~يعتقد أن ذلك الذنب حرام فأن توبته منه مجملا مجزية فلا يطالب بالتفصيل ~~ذنبا ذنبا بل إذا قال: أنا تائب إلى الله من جميع ذنوبي قبل منه. PageV01P359 # قوله والمستحل عكس هذا يلزم) أي ويلزم المستحل للذنب الذي ارتكبه أن يتوب ~~منه تفصيلا أي إذا كان له عدة ذنوب كلها يدين باستحلالها فإنه لا يجزيه في ~~التوبة منها إلا أن يتوب عنها ذنبا ذنبا لأنه يعتقدها دينا وتوبة، فإذا قال ~~أنا تائب من جميع ذنوبي لم يدخل ما استحله تحت هذا اللفظ إذ ليس ذلك ذنبا ~~عنده وهذا فيما بينه وبين الناس أما فيما بينه وبين الله فإذا اعترف بخطأ ~~ما كان عليه وضلالته فندم على استحلاله لذلك وارتكابه له وعزم أن لا يعود ~~إلى شيء منه وطلب الغفران من ربه لمجمل ذنبه فإنه يجزيه ذلك وقيل تجزيه ~~التوبة مجملا حتى عند الناس ويقبل منه إن عرف إنه راجع عن ذلك الذي يستحله ~~وهو قول أفتى به الإمام محمد بن محبوب، في حق محمد بن عباد، وقد استحل ~~أشياء فتاب منها عند المسلمين مجملا فطلبوا منه التفصيل فبقي كالمجمل ~~المحرنجم إن تقدم نحر وإن تأخر عقر فأفتى ذلك الإمام حينئذ بذلك ms287 القول ~~وقبلوا منه إجمالا وفي الأثر ما نصه وسألته عمن يتوب فقال استغفر الله من ~~كل ما دنت بشيء من الباطل ومن جميع ما خالفت فيه الحق أيجزيه ذلك إذا كان ~~قد دان بشيء من الباطل أو تولى عدوا أو عادى وليا..؟ قال: يجزيه ذلك إذا ~~كان تدينه من جهة خطأ أو قذف وقال من قال لا يجزيه في هذا وإن كان تدينه ~~بشيء من البدع والضلال فذلك لا يجزيه حتى يتوب من ضلالته تلك بعينها إلا أن ~~يكون نسيه وقد تاب من جميع ذلك فإن ذلك يجزيه فيما بينه وبين الله ا. ه ففي ~~هذا الأثر تفصيل بين المستحل من إحدى الفرق الضالة المعتقدة لاستحلال ما ~~حرمه الله كالأزارقة([1]) وبين ما إذا كان أصله من أهل الاستقامة([2]) ~~فاستحل شيئا في دين الله حرام بدليل في زعمه فاجتزى بالإجمال في حق هذا ~~الآخر بعض ولم يجتز آخرون وأما المستحل الأول فلم يحك فيه إلا عدم الاجتزاء ~~بإجمال قولا واحدا. # ---------------------------------------------------------------------- ~~--------- # [ PageV01P360 1] سبق الترجمة لهم في كلمة وافية # [2] هم فرقة الأباضية # (حكم ارتكاب المعاصي) # (ومن أتى شيئا على التحريم= # لم يجزه التوب بلا تغريم) # (وإن يكن أتاه باستحلال= # بعكسه في أعدل الأقوال) # (وإن يكن في يده ما قد كسب = # عليه أن يرده لمن سلب) # (وحكمه محرم حين فعل = # حتى يصح أنه قد استحل) # (قوله ومن أتى شيئا) من الأشياء التي فيها حقوق العباد كأخذ مال الغير ~~وارتكاب فرج محرما غصبا أو تأثير في نفس بما لا يحل ونحو ذلك فأما أن يأتيه ~~الفاعل وهو معتقد لحرمته وإما أم يأتيه وهو معتقد لحله فإن أتاه وهو يعتقد ~~حرمته فعليه مع التوبة أن يغرمه لصاحبه ولا تجزيه التوبة بدون ذلك إن كان ~~قادرا على ذلك أما إذا كان غير قادر كما إذا تعذر عليه وجوب صاحبه، أو تعذر ~~عليه ما يتخلص به فإنه يجب عليه حينئذ أن يعتقد الخلاص عند القدرة عليه فإن ~~حضره الموت ولم يجد سبيلا إلى الخلاص وجبت عليه الوصية ولا شيء ms288 عليه فوق ~~ذلك، وإن كان أتاه وهو يعتقد حله فسيأتي حكمه إن شاء الله قريبا. # (قوله على التحريم) حال من فاعل أتى (قوله لم يجزه التوب بلا تغريم) أي ~~إلا أن يعفو عنه من له الحق فيحله منه فإن لم يحله منه حكم عليه بتغريمه إن ~~تحاكما، ويلزمه فيما بينه وبين الله أن يغرمه لأن شرط توبته التخلص من حقوق ~~العباد. # ( PageV01P361 قوله وإن يكن أتاه باستحلال عكسه) أي أن يأتي الآتي ذلك ~~الشيء الذي فيه حق للعباد والحال أنه مستحل لإتيانه فحكمه بعكس من أتاه وهو ~~يعتقد حرمته أي فتجزيه التوبة من ذلك الشيء دون غرمه سواء كان قائما في يده ~~أو كان قد أتلفه وهذا الحكم ظاهر في المشركين لقوله تعالى ((قل للذين كفروا ~~إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف))([1]) ولقوله صلى الله عليه وسلم إنما قيل ~~للجاهلية جاهلية لجهالة أهلها وضعف علمها، فمن أسلم على شيء وهو في يده فهو ~~له ولحديث سلمان رضي الله عنه حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ~~يستكتب وهو على دين فباعه المشركون لليهود فأمره عليه الصلاة والسلام أن ~~يستكتب فاستكتب ولحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في دور مكة ورباعها وقد ~~دخلها على أهل مكة عنوة فهي لهم فسوغ لهم جميع ما في أيديهم من كسب أو غصب ~~وكان للمسلمين المهاجرين فيها دور فخالف عليها المشركون من بعدهم واغتصبوها ~~فهنأها رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ولم يرد على أحد من المهاجرين ~~داره ولا انتزعها من أيدي المشركين وقد اغتصب عقيل بن أبي طالب([2]) دور ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولده ودور بني عبد المطلب وصارت دار خديجة ~~زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فردها إلى داره واغتصب أيضا أبو سفيان ~~دار أبي أحمد بن جحش فاستدعى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعده ~~فقال يا رسول الله دار أبي اغتصبها أبو سفيان فأعرض عنه رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم فأتاه ms289 من على يمينه فأعرض عنه من قبل شماله فأعرض عنه ثم مضى ~~وتركه وقال: أي أحمد بن جحش يعرض بأبي سفيان: # دار ابن عمك بعتها= # تنفي بها عنك الغرامة # اذهب بها اذهب بها = # طوقتها طوق الحمامة PageV01P362 وابتاعت تلك الدور بعد ذلك في غلاء دور ~~مكة بمائة ألف دينار اشتراها أبان بن عثمان([3]) في دور كثيرة على هذا ~~النعت وقال أسامة ابن زيد([4]) في يوم الفتح لرسول الله صلى الله عليه وسلم ~~وكان رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أين تنزل غدا يا رسول الله ~~فقال عليه الصلاة والسلام وهل ترك لنا عقيل من منزل أنزل بالأبطح وقال عمر ~~بن الخطاب رضي الله عنه ولسنا بنازعين شيئا من يد أحد إذا أسلم عليه وعلى ~~هذا اجتمعت الأمة المحمدية لكن الخلاف من وراء ذلك في أربعة أشياء: # (أحدها): المرتد إذا أخذ شيئا من أموال المسلمين بعد ارتداده هل عليه رده ~~إذا أسلم..؟ ذهب أبو حنيفة إلى أنه عليه ذلك والمذهب أنه ليس عليه إ لا فرق ~~بينه وبين سائر المشركين. # (الثاني): الذمي إذا أخذ شيئا من أموال المسلمين حال إعطائه الذمة هل ~~عليه رده إذا أسلم..؟ فمذهب الزمخشري وصححه القطب رحمه الله أن عليه ذلك ~~والمذهب عندنا أن ليس عليه إذ لا فرق بينه وبين سائر المشركين أيضا وإخراج ~~المرتد والذمي من العمومات المتقدمة في المشركين يحتاج إلى دليل. # (الثالث): ما اغتصبه المشركون من المسلمين هل يكون لهم قبل أن يسلموا ~~وليس لصاحبه أن يأخذه منهم وتجوز معاملتهم فيه أم لا..؟ ذهب إلى الثاني ابن ~~بركة وصاحب السؤالات والإمام أفلح والمحقق الخليلي وحجتهم قوله تعالى # ((ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا))([5]) وقوله صلى الله عليه ~~وسلم ((لا حق لعرق ظالم ولا ثواء على PageV01P363 مال امرئ مسلم))([6]) وما ~~روى نافع عن ابن عمر أنه قال: ذهب فرس له فأخذه العدو فظهر عليه المسلمون ~~فرده عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبق عبد له فلحق بالروم ~~فظهر عليه ms290 المسلمون فرده عليه خالد بن الوليد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ~~وذلك في زمان أبي بكر رضي الله عنه والصحابة متوافرون من غير نكير منهم على ~~ذلك وذهب إلى الأول جماعة منهم الربيع([7]) بن حبيب وأبو يعقوب يوسف بن ~~إبراهيم والمحققون من أهل المغرب وصححه القطب رحمه الله وحجتهم في ذلك ما ~~مر من إبقائه عليه الصلاة والسلام ما أخذه المشركون في أيديهم يوم الفتح ~~وقد طلبه أربابه فلم ينزعه من يد المشركين وبأمره صلى الله عليه وسلم سلمان ~~أن يستكتب من اليهودي وسلمان ذو دين ويبحث في الاستدلال الثاني بأن سلمان ~~إنما أخذه المشركون قبل أن يظهر الإسلام وهو يومئذ نصراني ولا يخفى ما في ~~تلك النصرانية من جعل عيسى ولدا وجعل الآلهة ثلاثة والكل شرك وأيضا ~~فاليهودي الذي استكتب منه سلمان لم يغتصب سلمان بنفسه وإنما اشتراه من غيره ~~فلما لم تقم بينة أنه مغتصب فهو ملك لليهودي وعند وجود هذه الاحتمالات لا ~~يتم ذلك الاستدلال فظهر أن الصحيح ما عليه الأولون والأبحاث التي وجهت على ~~استدلالاتهم يمكن الجواب عنها بلا تكلف. # ( PageV01P364 (الرابع): الموحد المقر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ~~الداين بحقيقة ما جاء به عليه الصلاة والسلام إذا استحل بتأويل الخطأ ما ~~كان حراما في دين الله عز وجل كالأزارقة والصفرية في حكمهم على أهل القبلة ~~بحكم المشركين هل يكون حكمهم فيما استحلوا كحكم المشركين ليس عليهم إلا ~~التوبة منه أم لا؟. ذهب البعض إلى أن حكمهم في ذلك حكم المشركين قياسا ~~عليهم بجامع الاستحلال وجعلوا من هذا الباب خروج عائشة رضي الله عنها على ~~المسلمين فسفكت بسبب خروجها الدماء فلما تابت قبل المسلمون منها ولم ~~يلزموها شيئا من الحقوق وجعلوا منه أيضا قتل علي لأهل النهر رضي الله عنهم ~~حتى قالوا لو تاب علي ما كان عليه إلا ذلك قال ابن محبوب رضي الله عنه ~~وزعمت البهشمية([8]) أن عليا قد تاب من ذلك ثم اختلفوا في هذا المستحل حسب ~~اختلافهم فيما اغتصبه المشركون من ms291 المسلمين هل يكون لهم قبل أن يسلموا عليه ~~أم لا؟ فمنهم من ذهب إلى أن ما أخذه المغتصب على وجه الاستحلال كان له وليس ~~لربه أن يأخذه منه وتجوز معاملته فيه ولو لم يتب من استحلاله. ومنهم من ذهب ~~إلى أن ذلك ليس للمستحل إلا إذا تاب عليه ولا تحل معاملته فيه قبل التوبة ~~ولصاحبه أن يأخذه إن قدر عليه. # (وذهب) آخرون إلى أن هذا الحكم مخصوص بالمشركين وإن الموحد المستحل لا ~~يشابههم في ذلك الحكم فعليه أن يرد جميع ما اغتصبه أو ضمانه إن كان قد ~~أتلفه قبل التوبة من استحلاله وبعدها وكأن أرباب هذا القول يرون أن علة ~~الحكم ها هنا هي الشرك لا الاستحلال فلم توجد العلة في الموحد عندهم فلم ~~يثبت القياس. # ( PageV01P365 (وذهب) آخرون إلى التفصيل فقالوا: إن تاب هذا المستحل وفي ~~يده شيء من المغتصبات قائم العين لزمه رده إلى أربابه وإن تاب وليس في يده ~~ما هو قائم العين فلا غرم عليه وكأن هؤلاء نظروا إلى قوله تعالى ((يريد ~~الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر))([9]) وإلى قوله تعالى ((وما جعل لكم ~~في الدين من حرج))([10]) وجه الاستدلال بهاتين الآيتين إن من كان مستحلا ~~لشيء لا يكاد يتوقف عنه عند القدرة عليه فهو منهمك فيه ومتهور منه فإن ظهر ~~له خطأه وأراد التوبة منه لا يكاد أن يتيسر له الخلاص منه لعظم ما أتلفه ~~فحصلت له المشقة والحرج ولا مشقة ولا حرج عليه في رد ما كان في يده فظهر ~~الفرق عند هؤلاء، وعلى هذا المذهب عولت في النظم ثم ظهر لي بعد ذلك ضعف هذا ~~القول ووجه ضعفه أن علته هذه غير مطردة لأن من تهور من شيء وهو منتهك له ~~لزمه غرمه اتفاقا سواء شق عليه ذلك أم لا، فلو كان شدة العسر ووجود المشقة ~~رافعين للضمان لرفعاه عن هذا المنتهك المتهور أيضا؛ فظهر أن العلة الرافعة ~~للضمان إنما هي الاستحلال مطلقا أو مقيدا بالتوبة، كما هو عند أهل القول ~~الأول أو ms292 الشرك مطلقا أو مقيدا بالإسلام كما هو عند أرباب القول الثاني، ~~وإذا دار الأمر بين ترجيح المذهب الأول والثاني قلنا: إن الراجح أن العلة ~~الرافعة للضمان هي الشرك بقيد الإسلام فلا يكون ما اغتصبه المشرك ملكا له ~~حتى يسلم عليه لما مر، ولا يشترط في المشرك أن يكون مستحلا لما اغتصبه لما ~~صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حط ضمان ذلك عن جميع المشركين من ~~أهل الكتاب أو غيرهم ولا شك أن أهل الكتاب يعرفون حقيقة محمد صلى الله عليه ~~وسلم لقوله تعالى: ((الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ~~أبناءهم))([11]) ومن عرف الحق لا يعتقد حل معاندته ولا قتال أهله ولا يستحل ~~أموالهم فظهر بحمد الله أن العلة في ذلك هي الشرك بقيد الإسلام. ولا يعترض ~~علينا بحط المسلمين للضمان عن عائشة فيمن قتل يوم الجمل وبقولهم إن ~~PageV01P366 عليا لو تاب لم يكن عليه غرم ولا قود في أهل النهر لأنه ليس ~~بالمجتمع عليه لوجود الخلاف في المسألة. (قوله في أعدل الأقوال) إشارة إلى ~~الخلاف المذكور آنفا، وترجيح لعدم التغريم في هذه الصورة، وهذا الترجيح هو ~~المشهور، وقد عرفت ما فيه (قوله وإن يكن في يده) أي في ملكه (قوله ما قد ~~كسب) أي من الشيء الذي كان قد استحل كسبه (قوله عليه أن يرده) أي على أحد ~~قولين فيه. # (قوله لمن سلب) إي لمن سلبه منه ومعنى سلبه اختلسه فالواجب أن يرده إلى ~~أن من أخذه من يده سواء كان ذلك المأخوذ من يده صاحب الحق أم كان أمينه أو ~~نحو ذلك فيه إشارة إلى جواز رد الشيء إلى اليد التي أخذ منها ولو لم يكن ~~لها إذا كان الشيء باقيا بعينه، أما إذا أتلف فلا يرد إليها ضمانه إلا إذا ~~كان ربه. # (قوله وحكمه محرم حين فعل) أي والحكم في فاعل الشيء يجب فيه الضمان أنه ~~محرم لفعله فيحكم عليه الحاكم بغرمه، وإن قال إنه مستحل لفعله فلا يقبل منه ~~لأنه مدع لرفع الضمان عنه ms293 حتى يأتي بحجة أنه كان مستحلا حال فعله هذا كله ~~فيما إذا طلب منه مع الحاكم ضمان ما أتلفه أما إذا لم يطلب منه مع الحاكم ~~ذلك فهو أعرف بنفسه فإن كان يعلم منها أنه غير مستحل فعليه غرم ذلك وإن لم ~~يطلب منه وإن كان يعلم منها أنه مستحل فلا غرم عليه على ما في النظم. (قوله ~~حتى يصح) أي بوجه من وجوه الصحة كالشهرة أو شهادة العدلين (قوله أنه قد ~~استحل) أي لفعله ذلك ويكفي في ثبوت الصحة أن يقول العدلان مثلا إن فلانا ~~هذا كان على دين كذا إلى وقت كذا. # ------------------------------------------------------------------ # [1] سورة الأنفال آية رقم 36 # [ PageV01P367 2] هو عقيل بن عبد مناف (أبي طالب) الهاشمي القرشي وكنيته ~~أبو يزيد أعلم قريش بأيامها ومآثرها ومثالبها وأنسابها صحابي فصيح اللسان، ~~شديد الجواب، وهوة أخو (علي) و(جعفر) لأبيهما وكان أسن منهما برز اسمه في ~~الجاهلية، وكان في قريش أربعة نفر يتحاكم الناس إليهم في المنافرات: عقيل ~~صاحب الترجمة، ومخرمة، وحويطب، وأبو جهم وبقي عقيل على الشرك إلى أن كانت ~~وقعت بدر فأخرجت قريش للقتال كرها فشهدها معهم وأسره المسلمون ففداه العباس ~~بن عبد المطلب فرجع إلى مكة ثم أسلم بعد الحديبية وهاجر إلى المدينة سنة 8 ~~ه وشهد غزوة مؤتة ولم يسمع له بخبر في فتح مكة ولا الطائف وثبت يوم حنين ~~وتوفي عام 60 ه # راجع الإصابة ت 5630 وطبقات ابن سعد 4: 28 # [3] هو أبان بن عثمان الأموي القرشي، أول من كتب في السيرة النبوية وهو ~~ابن الخليفة عثمان مولده بالمدينة ووفاته بها عام 105 ه شارك في وقعة الجمل ~~مع عائشة وتقدم عند خلفاء بني أمية فولي إمارة المدينة سنة 76 إلى 83 وكان ~~من رواة الأحاديث الثقات، ومن فقهاء المدينة أهل الفتوى، ودون ما سمع من ~~أخبار السيرة النبوية والمغازي وسلمها إلى سليمان ابن عبد الملك في حجه سنة ~~82 فأتلفها سليمان وكانت فيه دعابة أورد صاحب الأغاني حكايات منها. # راجع العبر 1: 129 والأغاني 2: 4 وطبقات ابن سعد - التابعين. # [4] هو أسامة بن زيد بن حارثة من كنانة عوف ms294 أبو محمد: صحابي جليل ولد ~~بمكة، ونشأ على الإسلام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه حبا جما ~~وينظر إليه نظره إلى سبطيه الحسن والحسين، وهاجر مع النبي صلى الله عليه ~~وسلم إلى المدينة وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبلغ العشرين ~~من عمره فكان مظفرا موفقا انتقل إلى دمشق بعد وفاة الرسول صلى الله عليه ~~وسلم فسكن المزة، وعاد إلى المدينة فأقام إلى أن مات بالجرف عام 54 ه له في ~~كتب الحديث 128 حديثا PageV01P368 راجع طبقات ابن سعد 4: 42 وتهذيب ابن ~~عساكر 2: 391 - 399 والإصابة 1: 29 # [5] سورة النساء آية رقم 141 # [6] الحديث روا البخاري في كتاب الحرث والمزارعة 15 باب من أحيا أرضا ~~مواتا ورأى ذلك علي في أرض الخراب بالكوفة موات، وقال عمر من أحيا أرضا ~~ميتة فهي له، ويروى عن عمر وابن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال في ~~غير حق المسلم، وليس لعرق ظالم فيه حق، ويروى عن جابر عن النبي صلى الله ~~عليه وسلم # ورواه أبو داود في الإمارة 37 والترمذي في الأحكام 38 والموطأ في الأقضية ~~26 وأحمد ابن حنبل في المسند 5: 327. # [7] هو الربيع بن حبيب بن عمرو الفراهيدي عالم بالحديث إباضي من أعيان ~~المئة الثانية للهجرة من أهل البصرة له كتاب في الحديث سما يوسف بن إبراهيم ~~الرجاني (الجامع الصحيح) راجع حاشية الصحيح للسالمي 1: 3. # [8] هؤلاء أتباع أبي هاشم بن الجبائي وأكثر معتزلة القرن الخامس الهجري ~~على مذهبه لدعوة ابن عباد وزير آل بويه ويقال لهم الذمية، لقولهم باستحقاق ~~الذم لا على الفعل، وقد شاركوا المعتزلة في أكثر ضلالاتها وانفردوا عنهم ~~بفضائح لم يسبقوا إليها. # وانظر في شأن هذه الفرقة التبصير ص 53 وقد أدمجها الشهرستاني في الملل ~~والنحل مع الجبائية 1 / 78 لكون أبي هاشم صاحب هذه الفرقة ابن أبي علي صاحب ~~الفرقة السابقة. # [9] سورة البقرة آية رقم 185 # [10] سورة الحج آية رقم 78 وقد جاءت هذه الآية محرفة حيث قال: (ما) بدون ~~الواو وزاد لفظ (الله) ولا يوجد في الآية. # وتكملة الآية (ملة أبيكم إبراهيم هم سماكم المسلمين من قبل وفي ms295 هذا ليكون ~~الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ~~واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير). # [11] سورة البقرة آية رقم 146 # الباب الرابع (من الركن الرابع) (في الأمور التي لا تجب توبة منها) ~~PageV01P369 لعفو الله تعالى بمنه وكرمه عنها على لسان رسوله عليه الصلاة ~~والسلام حيث قال ((إن الله تعالى تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما ~~استكرهوا عليه))([1]) وفي حديث آخر ((إن الله تعالى تجاوز لأمتي عما حدثت ~~به أنفسها ما لم تتكلم به([2]) أو تعمل به)) فدل هذان الحديثان على أن ~~العفو والتجاوز منه تعالى إنما هو لأربعة أمور: الخطأ والنسيان والاستكراه ~~وحديث النفس. فعقد المصنف لكل واحد من الاستكراه والخطأ فصلا وعقد النسيان ~~وحديث النفس فصلا واحدا ولذا قال (وفيه ثلاثة فصول). # ---------------------------------------------------------------------- ------ # [1] الحديث رواه ابن ماجة في كتاب الطلاق 16 باب طلاق المكره والناسي ~~2043 - حدثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف الفرياني ثنا أيوب بن سويد ثنا أبو ~~بكر الهذلي عن شهر بن حوشب عن أبي ذر الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم وذكره. # في الزوائد إسناده ضعيف لاتفاقهم على ضعف أبي بكر الهذلي والرواية الأخرى ~~عن الوليد ابن مسلم ثنا الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس عن النبي. # [2] سبق تخريج هذا الحديث في المجلد # الفصل الأول في التقية PageV01P370 وهي اسم للفعل الذي يتقي به عن النفس ~~سواء كان قولا أو غير قول وهو المستكره عليه لا بد من أن نبين أولا حد ~~الإكراه ثم نشرع ثانيا في بيان المكره عليه فنقول: قال العلقمي: وحده ~~الإكراه أن يهدد قادر على الإكراه يعاجل من أنواع العقوبات يؤثر العاقل ~~لأجله الإقدام على ما أكره عليه وقد غلب على ظنه إنه يفعل به ما هدده به أن ~~أمتنع مما أكره عليه وعجز عن الهرب والمقاومة والاستغاثة بنحوه وغيرهما من ~~أنواع الدفع ويختلف الإكراه باختلاف الأشخاص والأسباب المكرهة عليها قال ~~مجاهد: أول من أظهر الإسلام سبعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ~~وخباب([1]) وصهيب ms296([2]) وبلال([3]) وعمار([4]) وسمية أما الرسول عليه الصلاة ~~والسلام فحماه أبو طالب وأما أبو بكر فحماه قومه وأخذ الآخرون وألبسوا دروع ~~الحديد ثم جلسوا في الشمس فبلغ منهم الجهد بحر الحديد والشمس وأتاهم أبو ~~جهل يشتمهم ويوبخهم ويشتم سمية ثم طعن الحربة في فرجها وقال ا لآخرون ما ~~نالوا منهم غير بلال فإنهم جعلوا يعذبونه فيقول أحد أحد حتى ملوا فكتفوه ~~وجعلوا في عنقه حبلا من ليف ورفعوه إلى صبيانهم يلعبون به حتى ملوه فتركوه ~~قال عمار: كلنا تكلم بالذي أرادوا غير بلال فهانت عليه نفسه فتركوه قال ~~خباب: لقد أوقدوا لي نارا ما أطفأها إلا ودك ظهري وإنما ذكرت لك هذه النبذة ~~هنا لتعرف بها كيفية الإكراه التي وقعت لأولئك السادة. # (أما بيان) أنواع التقية فهي إما أن تتنوع باعتبار ذاتها أي باعتبار ذلك ~~الفعل المكره عليه وإما أن يكون تنويعها باعتبار حكم الشارع فيها. # (أما) تنويعها باعتبار ذاتها فلان من الأفعال ما يقبل الإكراه عليه ~~كالقتل والتكلم بكلمة الكفر ومنه ما لا يقبل الإكراه عليه قيل وهو الزنا ~~لأن الإكراه يوجب الخوف الشديد وذلك يمنع من انتشار الألة فحيث دخل الزنا ~~في الوجود علم أنه وقع بالاختبار على سبيل الإكراه. # (وأما) تنويعها باعتبار حكم الشارع فيها فهي أنواع. # ( PageV01P371 النوع الأول): مباح وذلك كما إذا أكرهه على التلفظ بكلمة ~~الكفر فها هنا يباح له ولكنه لا يجب لوجوه. # (أحدهما): أنا روينا أن بلال صبر على ذلك العذاب وكان يقول أحد أحد ولم ~~يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس ما صنعت بل عضمه عليه فدل ذلك على ~~أنه لا يجب التكلم بكلمة الكفر. # (وثانيها): ما روي أ مسيلمة الكذاب أخذ رجلين فقال لأحدهما.. ما تقول في ~~محمد فقال رسول الله فقال ما تقول في قال: أنت أيضا فخلاه وقال للآخر ما ~~تقول في محمد قال رسول الله قال ما تقول في قال: أنا أصم فأعاد عليه ثلاثة ~~فأعاد جوابه فقتله فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ms297: أما الأول ~~فقد أخذ برخصة الله وأما الثاني فقد صدع بالحق فهنيئا له والاستدلال بهذا ~~الخبر من وجهين. # (الأول): أنه سمى التلفظ بكلمة الكفر رخصة. # (الثاني): أنه عظم حال من أمسك عنه حتى قتل. # (وثالثهما): أن بذل النفس في تقرير الحق أشق فوجب أن يكون أكثر ثوابا ~~لقوله عليه الصلاة والسلام أفضل العبادات أحمزها([5]) أي أشقها. # (ورابعها): أن الذي أمسك عن كلمة الكفر طهر قبله ولسانه عن الكفر. أما ~~الذي تلفظ بها فهب أن قلبه طاهر عنه إلا أن لسانه في الظاهر قد تلطخ بتلك ~~الكلمة الخبيثة فوجب أن يكون حال الأول أفضل والله أعلم ا. ه. # (والنوع الثاني): يحرم فعله وذلك كما إذا أكرهه إنسان على قتل إنسان آخر ~~أو على قطع عضو من أعضائه فها هنا يبقى الفعل على الحرمة الأصلية وهل يسقط ~~القصاص عن المكره أم لا قولان. # ( PageV01P372 النوع الثالث): ما ذهب السيد الفخر الرازي وابن بركة ~~العماني من أنه يجب فعل ما أكره عليه إذا كان الفعل المكره عليه مما يباح ~~عند الضرورة وذلك كما إذا أكرهه على شرب الخمر وأكل الخنزير وأكل الميتة ~~فإذا أكرهه عليه بالسيف فها هنا يجب الأكل عندهما وذلك لأن صون الروح عن ~~الفوات واجب ولا سبيل إليه في هذه الصورة إلا بهذا الأكل وليس في هذا الأكل ~~ضرر على حيوان ولا فيه إهانة لحق الله تعالى فوجب أن يجب لقوله تعالى ((ولا ~~تلقوا بأيديكم إلى التهلكة))([6]) وذهب غيرهما إلى إباحة هذا النوع وعدم ~~وجوبه وهو الصحيح لما تقدم من الأدلة على إباحة التقية بكلمة الكفر وعدم ~~وجوبها هنالك فإنه متى لم تجب التقية بالقول فمن الأولى أن لا تجب بالفعل ~~وليس هنا إلقاء بالنفس إلى التهلكة حتى يجب فإنه وإن وجب إحياؤها بهذه ~~الأمور فيما إذا اضطر إليها من غير إكراه كما إذا اضطره الجوع فلا يقاس ~~عليه ما هنا كيف يقاس وهو لا يصدق عليه في هذا الموضع أنه قاتل نفسه، وإنما ~~يقال إنه قتل بخلاف ما اضطره الجوع ms298 إلى ذلك، والحال أن الله قد أباحه له ~~فإنه إذا أمسك عنه حينئذ حتى مات صح أن يقال أنه قتل نفسه فيدخل فعله تحت ~~قوله تعالى ((ولا تقتلوا أنفسكم))([7]) وفي السنة النبوية وفي آثار الصلحاء ~~من هذه الأمة وغيرها ما يدل على عدم وجوب ذلك. # (أجز تقية بقول أن خلص= # من نيل ضر من به القول يخص) # (وامنعها في إتلاف نفس أن جنى= # والخلف في إتلاف مال ضمنا) # ( PageV01P373 قوله أجز تقية بقول) الخ اعلم أن التقية وهي الفعل المكره ~~عليه إما أن يكون قولا أو فعلا غير القول فإن كان قولا فقد أبيحت التقية به ~~إلا إذا جر ضررا بإنسان أو أتلف نفسا، أما إذا أتلف مالا لغيره فيه خلاف ~~يأتي فمثال التقية بالقول إذا لم يكن في القول ضرر على أحد هي كإجراء كلمة ~~الكفر على اللسان والقلب مطمئن بالإيمان، وكولاية المبطل وعداوة المحق ~~باللسان إذا كان القلب مضمرا خلاف ذلك، وكالعتاق والطلاق وهل يثبت الطلاق ~~بذلك القول الناشئ عن الإكراه..؟ قولان ومثالها إذا كان في القول ضرر على ~~أحد كما إذا كان في القول دلالة على إنسان أريد ظلمه بنحو جرح أو قتل أو ~~نحو ذلك فإن هذا لا يحل لأحد لأنته إنما اتقى بغيره عن نفسه وليست نفسه ~~أولى بالبقاء من نفس غيره، ومثاله إذا أتلف مالا كما إذا دلهم على مال غيره ~~وخاف أنه إن لم يدلهم عليه قتل أو نحو ذلك وإن دلهم على المال أتلفوه. # (قوله إن خلص من نيل ضر) أي جواز التقية بالقول مشروط أن يخلص القول من ~~أصابه ضرر لمن فيه القول (قوله به القول يخص) أي يقصد على الخصوص. # (قوله وامنعها) أي التقية في إتلاف نفس أن جنى أي أمنع التقية بالقول أن ~~جنى القول إتلاف نفس. # (قوله والخلف في إتلاف مال ضمنا) أي الخلف واقع في التقية بالقول إذا جنى ~~القول إتلاف مال للغير اعتقد المكره ضمانه والصحيح أن ذلك جائز. # (ولم تجز تقية بالفعل = # كالحرق والغرق ومثل القتل ms299) # (لكن جواز ما أبيح في الضرر= # كالأكل لميتة والدم اشتهر) # ( PageV01P374 ولم تجز تقية بالفعل) أي إذا كان الفعل غير قول بقرينة ما ~~مر من بيان التقية وبقرينة ما سيأتي من التمثيل اعلم أن الفعل إذا لم يكن ~~قولا فأما أن يكون من الأفعال التي أباحها الله للمضطر كأكل الميتة وأكل ~~لحم الخنزير وأكل الدم ونحو ذلك وإما أن يكون من الأفعال التي لم يبحها ~~الله للمضطر كحرق نفس وغرقها والقتل بغير الحق ونحو ذلك فإن كان من الأفعال ~~التي أباحها الله للمضطر فقد اختلف في جواز التقية بها على ثلاثة أقوال ~~تقدم منها قريبا منها قولان الأول: الوجوب والثاني: # الإباحة والقول الثالث: الحظر واستدل القائلون به بقصر إباحة هذه الأشياء ~~على المضطر بالجوع فإن النص إنما أباحها في ذلك المحل لا مطلقا والقائلون ~~بإباحتها في التقية لم يعتبروا المعتاد وإن كان الفعل من غير المباح للمضطر ~~فلا يجوز في التقية قولا واحدا. # (قوله كالحرق) وهو إلقاء إنسان في النار أو إلقاء النار عليه (قوله ~~والغرق) هو إلقاء إنسان في ماء يبلغ إلى أعلى من منخريه أو إلقاء ماء كذلك ~~عليه (قوله ومثل القتل) هو إزهاق روح إنسان وإنما قيدنا في الثلاثة ~~بالإنسان إشارة إلى أن غير الإنسان من الحيوانات ليس في حكم الإنسان بل ~~يجوز للمكره أن يفدي بها نفسه (قوله لكن جواز ما أبيح من في الضرر) الخ ~~استدراك على قوله ولم تجز تقية بالفعل أي يستدرك على منع التقية بفعل ~~جوازها في الأشياء التي أبيحت للمضطر كأكل الميتة والدم فإن جواز ذلك قد ~~اشتهر بين العلماء (قوله كالأكل للميتة والدم) تمثيل للذي أبيح في الضرر ~~(قوله اشتهر) خبر جواز في أول البيت. # ---------------------------------------------------------------------- ----- # [1] هو خباب الأرت بن جندلة بن سعد التميمي أبو يحيى أبو عبد الله صحابي ~~من السابقين كان في الجاهلية يعمل السيوف بمكة. شهد المشاهد كلها ونزل ~~الكوفة فمات فيها وهو ابن 73 سنة. راجع الإصابة 1: 416 وحلية الأولياء 1: 143 # [ PageV01P375 2] هو صهيب بن سنان بن مالك، من بتي النمر بن ms300 قاسط: صحابي ~~من أرمى العرب سهما وله بأس، وهو أحد السابقين إلى الإسلام كان أبوه من ~~أشراف الجاهليين ولاه كسرى على الأبلة (البصرة) ولد عام 32 ق. ه قال له ~~النبي صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة وترك ماله لقريش (ربح ~~صهيب ربح صهيب) شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها 307 أحاديث توفي عام 38 ه # راجع طبقات ابن سعد 3: 161 وابن عساكر 6: 446 وصفة الصفوة 1: 169. # [3] هو بلال بن رباح الحبشي أبو عبد الله مؤذن الرسول صلى الله عليه ~~وسلم وخازن على بيت ماله من مولدي السراة وأحد السابقين للإسلام وفي الحديث ~~بلال سابق الحبشة، وكان شديد السمرة وشهد المشاهد مع رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم توفي عام 20 ه # [4] هو عمار بن ياسر بن عامر الكناني المذحجي أبو اليقضان صحابي من ~~الولاة الشجعان ذوي الرأي وهو أحد السابقين إلى الإسلام والجهر به هاجر إلى ~~المدينة وشهد بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان وولاه عمر الكوفة وشهد ~~الجمل وصفين له 62 حديثا توفي عام 37 ه. # [5] الحديث رواه ابن عباس وفي الصحاح (أحمزها) أي أمتنها وأقواها. # [6] سورة البقرة آية رقم 195 # [7] سورة النساء آية رقم 29 # حكم المكره على فعل يقام عليه الحد # (ومكره جاء بما الحد يجب= # عليه في أن لا يحد نستحب) # ( PageV01P376 قوله ومكره) مبتدأ خبر جملة قوله في أن لا يحد نستحب سوغ ~~كونه مبتدأ وصفه بالجملة بعده اعلم أنه إذا أكره احد على فعل شئ يجب فيه ~~الحد أو القصاص ففعل هل يقام علية الحد ويقتص منه ام لا 00؟ قولان هب قول ~~إلى وجوب إقامة الحد عليه والقصاص منه لأنه إنما فعل ذلك على قصد منه في ~~حال لا يحل له فعله ولأنه إنما قتل أو جرح عمدا عدوانا فيجب عليه القصاص ~~لقوله تعالى ((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى))([1]) ~~ولقوله تعالى ((والجروح قصاص))([2]) ولأنهم أجمعوا على أنه لو قصد المكروه ~~قتله أو جرحه حل لمن تقصد أن يدفعه عن نفسه حال قصده إياه فلما كان توهم ~~إقدامه على القتل يوجب إهدار ms301 دمه فلان يكون عند صدور القتل منه حقيقة يصير ~~دمه مهدرا كان أولى، وذهب آخرون إلى عدم وجوب ذلك لما فيه من الشبهة ~~بالإكراه وقد قال صلى الله عليه وسلم ((إدرأوا الحدود عن المسامين ما ~~استطعتم فإن وجدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيله فإن الإمام لئن يخطئ في العفو ~~خير من أن يخطئ في العقوبة))([3]) وقال صلى الله عليه وسلم ((إدرأوا الحدود ~~بالشبهات وأقيلوا الكرام عثراتهم إلا في حد من حدود الله))([4]). PageV01P377 # وقال صلى الله عليه وسلم: إدرأوا الحدود ولا ينبغي للإمام تعطيل الحدود ~~وقال صلى الله عليه وسلم: ادفعوا الحدود عن عباد الله ما وجدتم له مدفعا ~~(قوله جاء بما الحد يجب عليه) أي بسببه والذي يجب بسببه الحد أمور منها ~~الزنا وحده مائة جلده إن كان الزاني بكرا والرجم إن كان محصنا ومنها القذف ~~بالزنا على ما مر من بيانه وحده أن يجلد القاذف ثمانين جلدة ومنها شرب ~~الخمر وحده ثمانون جلده ومنها السرقة لنحو أربعة دراهم فما فوق من حرز وحد ~~السارق على هذه الصفة قطع يده اليمنى من الرسغ ومنها قطع الطريق وحده أن ~~يقتل القاطع أو تقطع يده ورجله من خلاف أو ينفى من الأرض على حسب ما بين في ~~محله ومنها القتل المعمد العدواني وحده القتل بالسيف وقيل إن القتل ليس بحد ~~وإنما هو حق لولي المقتول بدليل جواز العفو عن القاتل وشأن الحدود أنه لا ~~يجوز العفو عنها. # ---------------------------------------------------------------------- ~~-------- # [1] سورة البقرة آية رقم 178 وتكملة الآية (الحر بالحر والعبد بالعبد ~~والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فإتباع بالمعروف وأدا إليه الإحسان ~~ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم). # [2] سورة المائدة آية رقم 45 وتكملة الآية (فمن تصدق به فهو كفارة له ~~ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون). # [3] الحديث رواه الترمذي في كتاب الحدود 2 باب ما جاء في درء الحدود ~~1424- حدثنا عبد الرحمن بن الأسود أبو عمرو البصري حدثنا محمد بن ربيعة ~~حدثنا يزيد بن زياد الدمشقي عن ms302 الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم وذكره. # [4] الحديث رواه ابن ماجة في كتاب الحدود 5 باب الستر على المؤمن ودفع ~~الحدود بالشبهات 2545 حدثنا عبد الله بن الجراح حدثنا وكيع عن إبراهيم بن ~~الفضل عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم وذكره. PageV01P378 # الفصل الثاني في الخطأ # وهو القصد لفعل شيء يجوز فعله فيخطأ من غيره، كما إذا قصد أن يضرب طيرا ~~مباحا فأصابت الضربة إنسانا مثلا أو يقصد أن يقول لزوجته أنت بارة أو جالس ~~فيقول لها أنت طالق مثلا أو يقصد أن يقول لعبده أنت صالح يقول له: أنت حر ~~ونحو ذلك أو يقصد أن يقول: اللهم ارحمني فيقول: اللهم عذبني كما جرى ذلك ~~لبعض الصحابة أراد أن يقول اللهم أدخلني الجنة فيقال اللهم أدخلني النار ~~فاشتد ذلك عليه حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا بأس عليك لك ما ~~نويت))([1]) فإذا يظهر لك أن في الخطأ نوعا من القصد ولذا صلح أن يكون سببا ~~لبعض الأحكام كتسليم الدية وتحرير الرقبة ونحو ذلك لكن لما كان القصد فيه ~~غير تام صلح أن يكون مخففا فتجب الدية على العاقلة ويرتفع القصاص بسببه ~~ونحو ذلك. # (ورفع الإثم لدى الخطأ ومن= # ألزمه الظاهر حكما يسلمن) # (كالقاتل النفس وكالمطلق= # زوجته خطأ ومثل المعتق) # (قوله ورفع الإثم لدى الخطأ) أي رفع الله إثم الخطأ عن صاحبه على لسان ~~نبيه صلى الله عليه وسلم وسكت المصنف عن رفع الأحكام بالخطأ لأن المذهب ~~المشهور بيننا إنما هو رفع الإثم بالخطأ لا غيره من الأحكام من نحو ~~الضمانات وذهب قوم إلى رفع الأحكام أيضا فلا ضمان عندهم على من أخطأ فأتلف ~~بخطئه مالا أو نحو ذلك. وفي الجزء الثامن عشر من المصنف من المسائل ما هو ~~مبني على هذا المذهب فراجعه. وهل يجوز على الله المؤاخذة أم لا..؟ ذهبت ~~المعتزلة إلى منع ذلك وأجازته الأشعرية وفي ظاهر قوله تعالى ((لا تؤاخذنا ms303 ~~إن نسينا أو أخطأنا))([2]) قالوا لم تجز المؤاخذة به ما طلبوا رفعها ~~والاتفاق على عدم وقوع المؤاخذة به. # ( PageV01P379 قوله ومن ألزمه الظاهر حكما) أي والذي ألزمه الحكم الظاهر ~~حكما من الأحكام يجب عليه أن ينقاد له وإن كان فيما بينه وبين الله مخطئ ~~(قوله يسلمن) بنون التوكيد الخفيفة أي ينقاد ويذعن إذ لا يصح له أن يكابر ~~الحكم الظاهر (قوله كالقاتل النفس) أي مثال ذلك كقاتل نفس خطأ فإنه إذا ~~حولكم ولم تكن له بينة على أنه مخطئ فحكم عليه الحاكم بالقود فإنه يجب عليه ~~أن يذعن وينقاد لذلك (قوله وكالمطلق زوجته خطأ) أي ومثال ذلك أيضا كمن طلق ~~زوجته خطأ كما إذا أراد أن يقول لها أنت بارة فقال: أنت طالق فإنها لا تطلق ~~فيما بينه وبين الله فإن حاكمته وحكم الحاكم بوقوع الطلاق وجب عليه ~~الانقياد والإذعان لحكم الحاكم. # (قوله ومثل المعتق) أي ومثال ذلك أيضا كمن اعتق عبده على خطأ فحاكمه عبده ~~فحكم له بالعتق فإنه يعتق. # ---------------------------------------------------------------------- ~~---------- # [1] لم يعثر على هذا الحديث على كثرة البحث والتقصي # [2] سورة البقرة آية رقم 286 وتكملة الآية (ربنا ولا تحمل علينا إصرا ~~كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به واعف عنا ~~واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين). # الفصل الثالث في النسيان والوسوسة # أي في بيان عدم المؤاخذة بهما (فأما) النسيان إما نسيان ذهول وهو ما ~~يتنبه له بأدنى منبه كنسيان الرجل بعض أعضائه وهذا لا بأس به، وأما نسيان ~~جهل وهو ما لا ينبه صاحبه لمل نسيه بتنبيه عليه وهذا هو المراد المصنف. # (وأما) الوسوسة: فهي القول الخفي لقصد الإضلال من وسوس إليه ووسوس له أي ~~فعل الوسوسة لأجله وهي حديث النفس والشيطان بما لا نفع فيه ولا خير ~~كالوسواس بالكسر والاسم بالفتح يقال لما يقع في النفس من عمل الشر وما لا ~~خير فيه وسواس. ولما يقع من عمل الخير الهام. ولما يقع من الخوف إيجاس. ~~ولما يقع من تقدير نيل الخير ms304 أمل. ولما يقع من تقدير لا على إنسان ولا له خاطر. PageV01P380 # أقسام النسيان # (ورفض الوزر لدى النسيان= # وهكذا وسوسة الشيطان) # (من بعد أن جاهده بما قدر= # إذا لم تكن أشد من رؤيا البصر) # (قوله ورفض الوزر) أي وترك الإثم لدى أي عند النسيان وعند الوسوسة الخ ~~(اعلم) إن النسيان إما أن يكون في الأشياء التي لا يلزم العمل بها ولا ~~العلم وصاحبه معذور اتفاقا وإما أن يكون في الأشياء التي يلزم العلم بها ~~كمعرفة الله تعالى ومعرفة رسوله ومعرفة ما جاء به رسوله فصاحبه هالك اتفاقا ~~لأنه بمنزلة من جهل هذه الأشياء بعد قيام حجة العلم بها أما إذا كان المنسي ~~نبيا غير محمد صلى الله عليه وسلم أو ملكا غير جبريل عليه السلام ففي عذره ~~قولان وأما أن لا يكون في الأشياء التي يلزم العلم بها. PageV01P381 # وهذا نوعان: لأنه إما أن يكون من حقوق الله تعالى خاصة كالصلاة والصوم ~~ونحوهما فناسي هذه الأشياء معذور اتفاقا وإما أن يكون من حقوق العباد وهذا ~~أيضا نوعان أحدهما: ما تعلق بالذمة كالدين والوديعة والأمانة ونحوها ~~فناسيها معذور أيضا ولو كان متعديا في أول أمره ثم تاب منه ونسي ضمانه ~~وثانيها: ما كان قائم العين كزوجه طلقها وعبد اعتقه فنسي الطلاق والعقاد ~~فاستمر على الاستمتاع والتملك ففي عذر هذا الناسي مع إقامته على ذلك الشيء ~~قولان من المسلمين من عذره لعموم الحديث ومنهم من لم يعذره وجعله بمنزلة من ~~ارتكب الحرام جهلا بأنه حرام (قوله وهكذا وسوسة الشيطان) أضاف الوسوسة إليه ~~لأنه هو المحدث بها والمزين لها (قوله من بعد أن جاهده) أي من بعد جاهده أي ~~من بعد جهاده الشيطان في إزالة الوسوسة من الجنان (قوله بما قدر) كتعلق ~~بقوله جاهده أي رفع الإثم عن الإنسان بوسوسة النفس إنما هو بعد اجتهاده في ~~دفعها حسب طاقته فيجب عليه أن لا يحب ذلك الخاطر ولا يقرره في نفسه (قوله ~~إذ لم تكن) إي تلك الوسوسة (قوله أشد من رؤيا البصر) أي ليست تلك ms305 الوسوسة ~~أشد من التكليف من رؤيا البصر فإن البصر إذا أمسك عن المحرمات ثم وقع في ~~محرم فإنه معفو عنه، وكذلك الوسوسة وهذا تمثيل لما خفي في الصدور بما ظهر ~~على الحس تقريبا للإفهام لا قياس للوسوسة على رؤيا البصر فإن كلا منهما ~~إنما ثبت حكمه بدليل يخصه وما ثبت فيه دليل خاص فلا يثبت في القياس. # خاتمة الكتاب # نذكر فيها بيان تمام هذه القصيدة والثناء على الله تعالى على تمامها ~~والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه تبركا بذلك ورجاء أن تقبل. # (تم بحمد الله أنوار العقول = # حاوية أهم شي ء في الأصول) # (عارية عن وصمة الإخلال = # سالكة طريقة الكمال) # (أهديتها صرفا لكل طالب = # تصونه من كل قول كاذب) # ( PageV01P382 قوله تم بحمد الله أنوار العقول) أي تمت أنوار العقول ~~ملتبسة بالثناء الجميل على الجميل الاختياري ووجه تسمية هذه المنظومة ~~بأنوار العقول هو أن موضوعها أصول الديانات وفيها معرفة الاعتقادات وهي ~~عبادة محلها العقل فإذا اعتقدها الإنسان على الوجه الذي ينبغي نار عقله ~~واتضح له الحق وصار من المؤمنين الكاملين في الإيمان. # (قوله حاوية) أي جامعة حال من أنوار العقول ومعنى حاوية أي محيطة من حوى ~~الشيء إذا أحاط به (قوله أهم شيء) أي الشيء المهم هو الذي يحق أن يعنى به. # (قوله في الأصول) أي في علم الأصول والمراد به هنا أصول الديانات وإنما ~~سمي أصول الديانات أصولا لإبتناء سائر العبادات عليها صحة وفسادا (قوله ~~عارية) أي مجردة (قوله من وصمة الإخلال) أي من عيب الإخلال من أخل بالشيء ~~إذا لم يف بالمراد منه (قوله سالكة طريقة الكمال) أي آخذه في قصدها بأكمل ~~الأحوال من فنها شبه الكمال بقصر عال له طريق ثم حذف المشبه به وأبقى من ~~لوازمه الطريق ورشح بذكر السلوك (قوله أهديتها صرفا) أي صيرتها هدية خالصة ~~من شائبة الزيغ في الاعتقاد ومضلات البدع (قوله لكل طالب) للحق قاصد للرشاد ~~(قوله تصونه) أي تحفظه (قوله من كل قول كاذب) أي من كل اعتقاد مخالف لما ms306 في ~~نفس الأمر ففي إطلاق القول على الاعتقاد تجوز إرسالي. # (واحمد الله على التيسير في = أتم ما قد رمته من شرف) # (ثم الصلاة مع تسليم على= محمد المبعوث من خير ملا) # (وآله وصحبه ومن قفا = منهاجهم على التمام والوفا) # ( PageV01P383 قوله واحمد الله) ختمها بالحمدلة كما ابتدأ بها تفاؤلا ~~بحسن الاختتام وشكرا لنعمة التمام ورجاء للقبول وأتى بجملة الحمدلة هنا ~~مضارعية لتفيد تجدد الحمد وحدوثه وقد أتى بها أول القصيدة اسمية لتنفيذ ~~الثبوت والدوام فبالجمع بينهما يحصل تجدد دائما وفيه تأس بحديث الحمد لله ~~أحمده (قوله على التيسير) أي لأجل التسهيل (قوله في أتم ما قد رمته) أي ~~قصدته أي وحمد لله لأجل تسهيله لأتم ما قد قصدته أي لتمام مقصودي (قوله من ~~شرف) معمول لرمته وأطلق الشرف على هذا الحال وهو مقام التأليف لأنه لا شيء ~~بعد الإسلام أشرف منه فهو من نعم الله العظمى على عباده العلماء فيجب أداء ~~الشكر عليها والوفاء بالحمد لديها (قوله ثم الصلاة مع التسليم) أي ثم ~~الرحمة المقرونة بالتعظيم مع التحية الخاصة على محمد الخ (قوله وآله وصحبه) ~~أي على آله وصحبه (قوله ومن قفا منهاجهم) أي ومن تبعهم من منهاجهم أي ~~طريقهم وهو التقوى وفي إطلاق المنهاج على أهله تجوز إرسالي (قوله على ~~التمام والوفا) حال من فاعل قفا أي والصلاة والتسليم على من تبعهم ملتبسا ~~بالتمام لما وجب عليه والوفاء بدين الله وفي ذكر التمام والوفا حسن ~~الاختتام على حد ما مر وهو أن يذكر المتكلم آخر كلامه ما يشعر باختتامه ~~ولشاعر زمانه في هذا المقام قوله: # منطقي في ابتدأ المديح قصير= # فيك فاسمح يا منتهى الإحسان # هذا آخر ما يسر الله تعليقه على هذه المنظومة والحمد لله حمدا يوافي نعمه ~~ويكافي المزيد والصلاة والسلام على من بوجوده جددت معالم التوحيد وعلى آله ~~وصحبه آمين ذوي الرأي السديد والمنهج الرشيد على تابعيهم وتابعي تابعيهم في ~~أتم خلق وأكمل تفريد. قد استراح القلم من الجولان على تسويد هذه الطروس في ~~عصر لأربعاء لسبع ms307 بقين من محرم سنة 1313 ثلاث عشر وثلاث مائة وألف من ~~الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأكمل التسليم. # العنوان: http: //ibadhiyah. net/maktabah/showthread. ~~php?threadid=216قوله واحمد الله) ختمها بالحمدلة كما ابتدأ بها تفاؤلا ~~بحسن الاختتام وشكرا لنعمة التمام ورجاء للقبول وأتى بجملة الحمدلة هنا ~~مضارعية لتفيد تجدد الحمد وحدوثه وقد أتى بها أول القصيدة اسمية لتنفيذ ~~الثبوت والدوام فبالجمع بينهما يحصل تجدد دائما وفيه تأس بحديث الحمد لله ~~أحمده (قوله على التيسير) أي لأجل التسهيل (قوله في أتم ما قد رمته) أي ~~قصدته أي وحمد لله لأجل تسهيله لأتم ما قد قصدته أي لتمام مقصودي (قوله من ~~شرف) معمول لرمته وأطلق الشرف على هذا الحال وهو مقام التأليف لأنه لا شيء ~~بعد الإسلام أشرف منه فهو من نعم الله العظمى على عباده العلماء فيجب أداء ~~الشكر عليها والوفاء بالحمد لديها (قوله ثم الصلاة مع التسليم) أي ثم ~~الرحمة المقرونة بالتعظيم مع التحية الخاصة على محمد الخ (قوله وآله وصحبه) ~~أي على آله وصحبه (قوله ومن قفا منهاجهم) أي ومن تبعهم من منهاجهم أي ~~طريقهم وهو التقوى وفي إطلاق المنهاج على أهله تجوز إرسالي (قوله على ~~التمام والوفا) حال من فاعل قفا أي والصلاة والتسليم على من تبعهم ملتبسا ~~بالتمام لما وجب عليه والوفاء بدين الله وفي ذكر التمام والوفا حسن ~~الاختتام على حد ما مر وهو أن يذكر المتكلم آخر كلامه ما يشعر باختتامه ~~ولشاعر زمانه في هذا المقام قوله: # منطقي في ابتدأ المديح قصير= # فيك فاسمح يا منتهى الإحسان # هذا آخر ما يسر الله تعليقه على هذه المنظومة والحمد لله حمدا يوافي نعمه ~~ويكافي المزيد والصلاة والسلام على من بوجوده جددت معالم التوحيد وعلى آله ~~وصحبه آمين ذوي الرأي السديد والمنهج الرشيد على تابعيهم وتابعي تابعيهم في ~~أتم خلق وأكمل تفريد. قد استراح القلم من الجولان على تسويد هذه الطروس في ~~عصر لأربعاء لسبع بقين من محرم سنة 1313 ثلاث عشر وثلاث مائة وألف من ~~الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأكمل التسليم. # العنوان: http: //ibadhiyah. net/maktabah/showthread. php?threadid=216 # ----NO PAGE NO------ ms308