######OpenITI# #META# max: 622 #META# higrid: 1332ه/1914م #META# المؤلف: أبو محمد عبد الله بن حميد السالمي #META# authno: 512 #META# التاريخ: د. ت. #META# authinf: نور الدين أبو محمد عبد الله بن حميد السالمي العماني ¶ مجدد أمة ومحيي إمامة #META# Shamela_short_metadata_record: #META# الكتاب: شرح طلعة الشمس على الألفية ¶ المسماة بشمس الأصول ¶ المؤلف: أبو محمد عبد الله بن حميد السالمي ¶ طبع على نفقة: الشيخ سالم بن سلطان الريامي ¶ طبع: مطبعة الموسوعات ¶ المكان: مصر ¶ التاريخ: د. ت. #META# comments: المسماة بشمس الأصول #META# comp: 1 #META# طبع على نفقة: الشيخ سالم بن سلطان الريامي #META# ad: 1332 #META# المكان: مصر #META# archive: 1 #META# bkord: 197 #META# Lng: نور الدين أبو محمد عبد الله بن حميد السالمي #META# auth: نور الدين أبو محمد عبد الله بن حميد السالمي #META# الكتاب: شرح طلعة الشمس على الألفية #META# طبع: مطبعة الموسوعات #META# iso: طلعه الشمس لنور الدين السالمي موافق للمطبوع #META# cat: أصول الفقه والقواعد الفقهية #META# bk: طلعة الشمس لنور الدين السالمي - موافق للمطبوع #META# bkid: 150 #META# ScrapeDate: 13-03-2020 #META# ScrapedFrom: ShamelaIbadiyya #META#Header#End# # بسم الله الرحمن الرحيم # نحمدك اللهم يا من أطلع شمس الأصول في سماء قلوب العارفين وأظهر بها ~~حقائق الأدلة لإفهام الناظرين، وأبرز بها أسرار الأحكام الشرعية لفحول ~~العلماء المجتهدين، حتى أفضي بهم الحال من ضيق التقليد إلى فضاء اليقين، ~~ونصلي ونسلم على محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه الهادين ~~المهتدين وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد فهذه منظومة جليلة ~~القدر عظيمة الخطر، في علم أصول الفقه من بها على ربي عز وجل سميتها (شمس ~~الأصول) وقد أخذت في شرحها على وجه يروق للناظر ويبهج الخاطر، موضحا لمعاني ~~أبياتها، ومبينا لغالب نكاتها آخذا من طرق الشروح أوسطها، ومن العبارات ~~أحسنها وأضبطها، ولئن من الله علي بإتمام على هذا الجنس لأسمينه إن شاء ~~الله (بطلعة الشمس) والله سبحانه وتعالى المأمول، أن يتلقاه وسائر أعمالي ~~الصالحة بالقبول وأن يغفر لي ولإخواني ولجميع المسلمين سيئاتنا، وأن يقينا ~~عثراتنا، فهو تعالى حسبنا ونعم الوكيل، وهذا أوان الشروع في شرح النظم ~~المشار إليه . # قال المصنف مبتدئا بالبسملة: # بسم الله الرحمن الرحيم # الحمد لله الذي قد أنزلا كتابه مفصلا ومجملا. # بحسب الحكمة في إنزاله فاستبق الأذهان في إجماله. PageV01P002 # الحمد لله لغة الثناء باللسان على الجميل الاختياري على جهة التبجيل سواء ~~تعلق بالفضائل أم بالفواضل والشكر فعل ينبئ عن تعظيم المنعم من حيث أنه ~~منعم على الشاكر سواء كان ذاكرا باللسان أم اعتقادا ومحبة بالجنان أم عملا ~~وخدمة بالأركان فمورد الحمد هو اللسان وغيره ومتعلقه النعمة وحدها فالحمد ~~أعم متعلق وأخص مورد والشكر بالعكس والحمد عرفا فعل ينبئ عن تعظيم المنعم ~~من حيث أنه منعم على الحامد أو غيره والشكر عرفا صرف العبد جميع ما أنعم ~~الله به عليه من السمع وغيره إلى ما خلق لأجله فهو أخص مطلقا من الثلاثة ~~قبله لاختصاص متعلقه بالله تعالى ولاعتبار شمول الآلات فيه والشكر اللغوي ~~مساو للحمد العرفي وبين الحمدين عموم من وجه انهي غاية البيان، وال في ~~الحمد أما للعهد وأما للجنس وأما للاستغراق، فالوجوه الثلاثة كلها ms001 محتملة ~~هاهنا وكونها للاستغراق أوجه من الاحتمالين الأولين لأن المراد الثناء على ~~الله تعالى على كل فرد من آثار الصفات وإذا جعلت للعهد فالمراد بها حمدا ~~لله تعالى نفسه أو الحمد الذي أمر به تعالى خلقه أن يحمدوه به، وكونها ~~للجنس ظاهر لأن المراد منه أن جملة الحمدلة لله تعالى فالفرق بين الاستغراق ~~هو الحكم على الشيء مع النظر إلى فرد من أفراده وأن الجنس هو الحكم على ~~الشيء مع قطع النظر عن فرد من أفراده (واختار) الزمخشري كون ال في الحمد ~~للجنس ليتأتى له حمله على قاعدة مذهبه الفاسد وهو أنه للعباد حمدا حقيقيا ~~على أفعالهم الخيرية، ونحن نقول أن خالق ذلك هو الله تعالى وأن الحمد عليه ~~هو لله تعالى حقيقة وإنما يحمد العبد على اكتسابه لذلك وامتثاله فيه لأمر ~~الشارع فالحمد للعبد حينئذ إنما هو لما جعل الله له من الثناء عليه بسبب ~~امتثاله الأوامر فالحمد بجميع أفراده لله تعالى، وما بكم من نعمة فمن الله ~~(فإن قيل) أنكم قد أثبتم للعبد حمدا PageV01P003 على اكتسابه الخير ~~وامتثاله الأوامر كما أن المعتزلة أثبتوا له حمدا على خلقه فعله الخيري ~~فيلزمكم جعل ال في الحمد للجنس وهو الذي اختاره الزمخشري بعينه فما وجه ~~النقد عليه (قلنا) أما أولا فلا يلزمان ظان تكون ال في الحمد للجنس لأنا*** ~~نقول أن كل فعل في يستحق عليه الحمد فهو إنما كان بخلق الله وإرادته فالحمد ~~عليه في الحقيقة إنما هو لله تعالى والزمخشري يأبى ذلك ويزعم أن الحمد الذي ~~يستحقه العبد على خلقه فعله فلا يكون لله تعالى وإنما هو للعبد من دون ربه ~~هذا على قاعدة مذهبه، وأما(ثانيا) فأنا لا نمنع أن تكون ال في الحمد للجنس ~~بل نقول أنها محتملة له ولغيره وإنما اخترنا جعلها للاستغراق لما تقدم، ~~وأما (ثالثا) فأنا لم نعب على الزمخشري نفس اختياره كون ال للجنس وإنما ~~عبنا عليه الأمر الذي حمله على اختياره ذلك واللام في لله، إما للملك وإما ~~للاختصاص وإما للاستحقاق، احتمالات ms002 ثلاث وجعلها للاختصاص هاهنا أظهر ويليه ~~في الظهور الاستحقاق، وأضعفها الملكية لأن الغرض من هذا السياق إنما هو ~~الثناء عليه تعالى بأنه مالك للحمد، والملكية أشد اختصاصا من الاختصاصية ~~والاستحقاقية، فيكون جعلها للملك أولى من جعلها للاختصاص والاستحقاق، ~~(قلنا) لا نسلم أن كون الملكية أشد اختصاصا من الآخرين يثبت أولوية حمل ~~اللام على الملك هاهنا فإن الاختصاص والاستحقاق أظهر في مقام المدح من ~~الملكية لأن الاختصاصية والاستحقاقية إنما يكونان لشيء في ذات المختص ~~والمستحق، والملكية إنما تنصرف إلى الأفعال. وقوله: (الذي أنزلا إلخ) تقييد ~~لحمل الناظم فإنه يومي إلى أن النعمة التي لأجلها كان هذا الحمد منه لمولاه ~~هي إنزال الكتاب على هذه الهيئة المخصوصة فحمد الناظم في البيت إنما هو حمد ~~مقيد وهو أفضل عندهم PageV01P004 من الحمد المطلق، لأن الحمد المقيد في ~~مقابلة النعمة فهو واجب والمطلق (خال) من تلك المقابلة فهو نفل(والإنزال) ~~هو تحويل الشيء من أعلى إلى أسفل، والمراد بكتابه الله تعالى هو القرآن ~~العظيم، وسيأتي تعريفه والمراد بإنزاله هو تحويله من اللوح المحفوظ أو مما ~~أراد الله تعالى إلى بيت العزة إلى قلب نبينا عليه الصلاة والسلام، (قال ~~السيوطي) اختلف في كيفية إنزاله من اللوح المحفوظ على ثلاثة أقوال (أحدهما) ~~وهو الأصح والأشهر أنه أنزل إلى سماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة ثم نزل ~~بعد ذلك منجما في عشرين سنة أو ثلاثة وعشرين أو خمسة وعشرين على حسب الخلاف ~~في مدة إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة، (القول الثاني) أنه نزل ~~إلى سماء الدنيا في عشرين ليلة قدر أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين في كل ~~ليلة ما يقدر الله إنزاله في كل السنة ثم نزل بعد ذلك منجما في جميع السنة، ~~(القول الثالث) أنه ابتدئ إنزاله في ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك منجما في ~~أوقات مختلفة من سائر الأوقات وبه قال الشعبي، قال ابن حجر في شرح البخاري: ~~والأول هو الصحيح المعتمد قال وقد حكى الماوردي قولا رابعا، أنه نزل من ms003 ~~اللوح المحفوظ جملة وأن الحفظة نجمته على جبريل في عشرين ليلة وأن جبريل ~~نجمه على النبي صلى الله عليه في عشرين سنة، وهذا أيضا غريب، وقيل أن السر ~~في إنزاله جملة إلى السماء تفخيم أمر وأمر من انزل عليه وذلك بإعلام سكان ~~السماوات السبع أن هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم ا لرسل لأشرف الأمم قد ~~قرناه إليهم لننزله عليهم، (أقول) وينضم إلى هذه الحكمة حكمة أخرى وهي ~~التخفيف من الله على هذه الأمة، حيث جعل تكليفهم شيئا فشيئا ولم يجعله جملة ~~واحدة، وأنزل كتابهم منجما آية بعد آية، وسورة بعد سورة، ولم ينزله جملة ~~واحدة كما كان ذلك في التوراة وأشباها من الكتب السماوية والسر في ذلك أن ~~PageV01P005 العبد إذا درج في مسالك الطاعة وعرج في مراقي التكليف شيئا بعد ~~شيء كان ذلك أهون عليه تتوطن نفسه بالأسبق فالأسبق بخلاف ما لو حمل ذلك ~~دفعة واحدة (والمفصل) المبين وهو ما اتضحت دلالته من خاص وعام وغي ذلك ~~(والمجمل) هو الذي لم تتضح دلالته ولخفاء دلالته أسباب يأتي ذكرها في محله ~~(وقوله بحسب الحكمة) أي بمقدار الحكمة التي اقتضت إجماله وتفصيله فإن الرب ~~عز وجل حكيم فتقتضي حكمته تارة إنزال القرآن مجملا وتارة إنزاله مفصلا، ~~ومعنى الحكمة ههنا نفي العبث عنه تعالى أي جميع أفعاله عز وجل إنما هي ~~استعداد المكلف للامتثال فيثاب بنفس الاستعداد إن لم ينزل البيان والعمل به ~~ويثاب عليهما عند ذلك، (وقوله فاستبق الأذهان) أي جهد كل واحد من أذهان ~~العلماء أن يسبق صاحبه في معاني إجمال القرآن فتفاوتت في بيان إجماله ~~بتفاوت مراتب المستبقين في ذلك فهذا يسبق ذهنه في إلى كذا، وسبب ذلك ~~التفاوت إنما هو باعتبار ظهور البيان وخفائه فنهم من لا يعرف المجمل إلا ~~بالبيان الظاهر ومنهم من يدرك معناه بالبيان الخفي على مراتب، وهناك يقع ~~التفاوت فالأذهان جمع ذهن وهو الاستعداد التام لإدراك العلوم والمعارف ~~بالفكر، وفي ذكر إنزال الكتاب وكونه مفصلا ومجملا إلخ براعة استهلال وهي أن ~~يذكر المتكلم في ms004 طالعة كلامه ما يشعر بمقصوده، ولما أشار المصنف بتسابق ~~الأذهان إلى تفاوت درجات المفسرين للقرآن واختلاف مذاهبهم في ذلك أخذ في ~~تقسيمهم إلى محق بذلك التأويل وإلى مبطل فقال: # فسلكت عقول أهل الصدق بصادق الفكر سبيل الحق. # وسقطت إفهام أهل الجهل بوجهها على مهاوي البطل. PageV01P006 # العقول جمع عقل وهو قوة يدرك بها الإنسان حقائق الأشياء، (قيل) محله ~~الرأس، (وقيل) محله القلب سمي بذلك لأنه يعقل النفس عن شهواتها أي يمنعها ~~من ذلك كما يمنع الناقة عقالها عن الذهاب حيث شاءت، (وأهل الصدق) هم أهل ~~الحكم المطابق لما في الواقع من الأدلة الشرعية، (والصادق) من الفكر هو ~~الذي يؤدي إلى الحكم المطابق لما في الواقع من الأدلة الشرعية، (والفكر) هو ~~حركة النفس في المعقولات، وحركتها في المحسوسات تخييل، وفي إضافة صادق إلى ~~الفكر، إضافة الصفة إلى موصوفها، والمعنى بالفكر الصادق، (وسبيل الحق) هو ~~طريق الحكم هو في نفس الأمر أنه كذلك، (والسقوط) الوقوع من أعلى إلى أسفل، ~~والسقوط على الشيء الوقوع عليه، (والإفهام) جمع فهم وهو تصور المعني من لفظ ~~المخاطب، (والجهل) إما بسيط وهو عدم إدراك الشيء ممن من شأنه الإدراك، وإما ~~مركب وهو إدراك الشيء على خلاف ما هو عليه وهذا المعنى هو المراد في البيت، ~~(والوهم) هو ما يقع في القلب ويسبق مع إرادة غيره، (والمهاوي) جمع مهواة، ~~وهي ما بين الجبلين وقيل الحفرة، (والبطل) بضم الموحد، بمعنى البطلان، وهو ~~الحكم المخالف لما في الواقع، (والمعنى) أن عقول أهل الصدق سلكت طريق الحق ~~بالفكر الصادق، فانتهى بهم ذلك الطريق إلى أن أصابوا محل أوامر الله تعالى ~~ونواهيه وأن أهل ا لجهل قد تصور لهم بسبب ما سبق إلى أفهامهم أشياء سقطوا ~~بها في الباطل الذي هو كالمهاوي بجامع أن كلا منهما يهلك الواقع فيه، ~~فالمهاوي تهلك جسمه وتفوته عاجلته، والباطل يهلك عقله ويفوته آجلته والله ~~أعلم، ثم إن الناظم أخذ في بيان الشكر لما من الله عليه به، حيث جعله من ~~الفريق الأول وهم من أهل الصدق فقال ms005: # أحمده على الهدى مع نعمه وأستمد شكره من كرمه. PageV01P007 # فقد تقدم معنى الحمد والشكر لغة واصطلاحا، والبحث هاهنا ه\عن كون الجملة ~~في الحمد مضارعية وكونها فيما تقدم اسمية، فنقول إنما جئنا بنوعي الجملة ~~لنحرز فائدتيهما، فإن الجملة الاسمية إنما تفيد الثبوت والدوام، والجملة ~~المضارعية تفيد التجدد والحدوث فيكون في الجمع بين الجملتين، جمع بين ~~الفائدتين وفيه التأسي بحديث الحمد لله أحمده، (والهدي) يطلق ويراد به ~~التوحيد والتقديس، ويطلق على ما لا يعرف إلا من لسان الأنبياء من فعل أو م ~~ترك، (والنعم) بكسر ا لنون جمع نعمة وهي الحالة التي يستلذ بها الإنسان، ~~وهي إما دنيوية أو أخروية والأولى إما وهبية أو كسبية، والوهبية إما ~~روحانية كنفخ الروح وما يتبعه، أو جسمانية كتخليق البدن وما يتبعه، ~~والكسبية إما تخلية أو تحلية، واما الأخروية فهي مغفرة وما فرط منه وإثابته ~~في مقعد صدق، (ومعنى استمد) أي أستزيد، أي أطلب زيادة شكره تعالى من كرمه، ~~(والكرم) إفادة ما ينبغي لا لغرض فمن يهب المال لغرض جلبا للنفع وخلاصا عن ~~الذم فليس بكريم، (والمعنى) أحمده سبحانه وتعالى على حصول الهدي لي مع تلك ~~النعم التي صدرت منه إلى وأطلب منه زيادة شكره، أي أرغب أن ييسر لي الأسباب ~~التي تعينني على أن أشكره على حصول ذلك الهدي وتلك النعم شكرا كثيرا، ~~(واعلم) أن المصنف حمد الله تعالى هاهنا على حصول نعم له هي غير النعمة ~~التي حمده عليها في أول الكلام، فيكون قد أدى بذلك فرضين، حيث أحدث لكل ~~نعمة حمدا وهنا أبحاث، (أحدها) أن الهدي وإن كان من جملة النعم فهو أخص ~~منها رتبة وأعلاها درجة، فكيف قال مع نعمة والظاهر أن ما بعد مع أشرف مما ~~قبلها فإنك تقول الوزير مع السلطان ولا تعكس إلا لعارض فما وجه كلامه، ~~(والجواب) عنه أنه لما كان الهدي من جنس النعم أعم منه، وأراد أن يخص الهدي ~~بالذكر من بين سائر أفراد النعم ولم يتيسر له العطف، أضاف مع إلى النعم، ~~PageV01P008 وجعل النعم ms006 في حكم المقدم والهدي في حكم المؤخر، وإن تقدم ~~فيكون ذلك كمن عطف خاصا على عام، فلا يستلزم أشر فيه النعم على الهدى، ~~(وثانيها) لم عبر عن قوله وأشكره بقوله وأستمد شكره، (وجوابه) أن قوله ~~وأستمد شكره من كرمه أبلغ من قوله وأشكره، لما فيه من طلب زيادة أساب الشكر ~~منه تعالى، فكأنه نبه بذلك على عظم هذه النعم وكثرتها وعجز نفسه عن القيام ~~بشكر بعضها فكيف بشكر جملتها، وفيه أيضا تنبيه على أن أفعال العبد كلها خلق ~~الله تعالى، (ثالثها) ما وجه المناسبة بين قوله واستمد شكره وبين قوله من ~~كرمه، (وجوابه) أن وجه المناسبة في ذلك ظاهر وهو ان الكرم صفة منها تستفاد ~~المنافع، وزيادة الشكر من أكبر المنافع فناسب أن تضاف إلى الكرم ثم أنه لما ~~فرغ من الثناء على الله تعالى بما هو له أهل له على تلك النعم التي بينها ~~أخذ يؤدي ما أمر به في حق نبيه عليه الصلاة والسلام فقال: # مصليا على الرسول أحمدا أزكى صلاة وسلام أبدا. # مصليا حال من فاعل أحمد، أي ومسلما لكن حذف المعطوف بقرينة قوله أزكى ~~صلاة وسلام، ففي البيت اكتفاء عل حد قوله تعالى: (سرابيل تقيكم الحر) أي ~~والبرد، والصلاة إن نسبت إلى الله تعالى فهي رحمة مقرونة بتعظيم، وإن نسبت ~~إلى الملائكة فهي الاستغفار، وإن نسبت إلى المكلفين من سائر الخلق فهي ~~الدعاء، وهي شعار الأنبياء، فلا تقال لغيرهم إلا على سبيل التبعية، وقيل ~~يدعى لغيرهم على سبيل الاستقلال أيضا، وقيل بالكراهية لغيرهم إلا على جهة ~~التبعية، وهو الأوجه عندي، لأن التحريم محتاج إلى دليل ولا دليل على ذلك ~~فبقيت الإجازة، لكن لما أمر سبحانه وتعالى ظان يصلى على نبيه أخذا من هذه ~~الأمر أن في الصلاة تعظيما ينبغي أن لا يشارك فيه نبيه إلا على جهة التبعية ~~له، فأخذنا من ذلك الكراهية، وأيضا فلو كانت الصلاة PageV01P009 غير جائزة ~~لغير الأنبياء على جهة الاستقلال لما جازت لغيرهم على التبعية، وجوازها على ~~جهة التبعية ثابت بالسنة والإجماع ms007، فلا وجه لإنكاره فثبت المدعي، وأيضا ~~الملازمة بين جوازها لغير الأنبياء على جهة التبعية وبين جوازها لهم على ~~جهة الاستقلال هي أنه لو كانت الصلاة من خصوصيات الأنبياء لما صح أن يشرك ~~معهم فيها غيرهم، فلما أشرك فيها غيرهم بالسنة والإجماع، علمنا أنها جائزة ~~لغيرهم مطلقا لكن كرهنا استقلال الغير بها لما تقدم، والصحيح الذي لا مرية ~~فيه أنه صلى الله عليهم وسلم ينتفع بالدعاء له والصلاة عليه لقوله تعالى ~~(وقل ربي زدني علما) ولحديث مسلم أنه كان صلى الله عليه وسلم يقول في ~~دعائه: (واجعل الحياة لي زيادة في كل خير) فلا عبرة من قال أنه لا ينتفع ~~بذلك لأنه قد بلغ حد الكمال وملاحظة الانتفاع له تؤذن بنقصان كماله ونحن ~~نقول أن كمال غيره تعالى قابل للزيادة، وطلب الزيادة لذلك الكمال لا يفيد ~~نقصانه وإنما يفيد طلب انضمام كمال إلى كمال، فلم يزل كماله صلى الله عليه ~~وسلم يترقى إلى غاية لا يعلمها إلا الله، (والسلام) التحية الإسلامية ويطلق ~~على تجرد النفس من أحن الدارين، وقرن المصنف بين الصلاة والسلام ليمتثل ~~الأمرين لا خروجا من الكراهية التي صرح بهما المتأخرون في أفراد أحدهما عن ~~الآخر، حتى أن بعضهم استظهر حرمة أفراد أحدهما عن الآخر، والذي يظهر لي أنه ~~لا تحريم ولا كراهية، وعطف التسليم على الصلاة في الآية لا يقتضي وجوب ~~اقترانهما ولا كراهية أفراد أحدهما عن الآخر، وإنما يقتضي ثبوت الأمر بلا ~~النوعين فالصلاة مأمور بها، والتسليم مأمور به، وعطف الأمر على الأمر لا ~~يستلزم اقتران، ففعلهما في الامتثال فالمصلي بلا تسليم ممتثل للأمر ~~بالصلاة، والمسلم بلا صلاة ممتثل للأمر بالتسليم والتراخي بين الامتثالين ~~جائز، فظهر ما قررناه والله أعلم، (والرسول) إنسان أوحي إليه يشرع وأمر ~~بتبليغه، ويسمى نبيا أيضا فإن لم يؤمر بتبليغه PageV01P010 فهو نبي فقط، ~~فكل رسول نبي ولا عكس، واختار التعبير بالرسول على التعبير بالنبي لما في ~~الرسول من الخصوصية التي لم تكن في النبي، فالرسول أفضل من النبي اتفاقا ~~وعبر في هذا الكتاب ms008 بالنبي لكثرة استعماله، وللإشارة بأنه يستحق الصلاة ~~والسلام بصفة النبوة كما يستحقها بصفة الرسالة، (وأحمدا) عطف بيان للرسول ~~أو بدل منه وهو علم على خاتم النبيين وسيد المرسلين لقوله تعالى: (ومبشر ~~برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) ويسمى محمدا أيضا لقوله تعالى: (محمد رسول ~~الله) وبه اشتهر في أهل الأرض، واشتهر في أهل السماء باسم أحمد، فهو صلى ~~الله عليه وسلم أحد الأربعة الذين لهم اسمان، والثاني إدريس ويسمى أخنوخ، ~~والثالث يعقوب ويسمى إسرائيل ومعناه صفي الله، والرابع عيسى ويسمى المسيح ~~على نبينا وعليهم الصلاة والسلام، وإنما سمي بمحمد لكثرة حمد الناس له ~~لكثرة خصاله المحمودة، كما روي في السير أنه قيل لجده عبد المطلب وقد سماه ~~في سابع ولادته محمدا لم سميت ابنك محمدا وليس من أسماء آبائك ولا قومك، ~~قال: رجوت أن يحمد في السماء والأرض، وقد حقق الله رجاءه كما سبق في علمه، ~~وإنما آثر التعبير باسم أحمد مع ما ذكر في اسم محمد تنبيها على أن الاعتناء ~~بما اعتنى به أهل السماء أهم (قوله أزكى صلاة وسلام) أي صلاة وسلاما زكيين، ~~فأزكى اسم فاعل وهو صفة للصلاة ففيه إضافة الصفة إلى موصوفها، وانتصب أزكى ~~على النيابة عن المصدر، وعنى كون الصلاة والسلام زكيين كونهما كثيرين إذ ~~الزكاة لغة هي الزيادة والنمو، (وأبدا) ظرف لما يستقبل من الزكاة، والمراد ~~به الدوام. # آله وصحبه ما استخرجا فكر من الدليل حكما أبلجا. # وآل الرجل عشيرته وآله صلى الله عليه وسلم، في مقام الدعاء كل مؤمن، وفي ~~مقام تحريم الصدقة مؤمنوا بني هاشم وبني المطلب، (والصحب) اسم جمع لصاحب ~~كركب وراكب، والصاحب بمعنى الصحابي هو من PageV01P011 لقي النبي بعد البعثة ~~مؤمنا به، وقيل من أطال الصحبة، وقيل مع الرواية عنه، فمن لقيه صلى الله ~~عليه وسلم قبل البعثة، أو لقيه بعدها غير مؤمن به فليس بصحابي اتفاقا، ~~والخلاف فيمن لقيه بعد البعثة وهو مؤمن به إذا لم تطل صبته أو طالت ولم ~~يرو، (وقوله ما استخرجا إلخ) تأكيد للصلاة والسلام ms009 بما يناسب المقام، ~~(والاستخراج) هو الاستنباط، (والفكر) حركة النفس في المعقولات، وعرفه بعضهم ~~بأنه ترتيب أمور معلومة للتأدي إلى مجهول، والدليل لغة: المرشد ويطلق على ~~العلامة التي يتوصل بها إلى الشيء، وفي الاصطلاح: هو كل ما يعرف به المدلول ~~حسيا كان أو شرعيا قطعيا كان أو غير قطعي، حتى سمي الحس والعقل والنص ~~والقياس وخبر الواحد وظواهر النصوص كلها أدلة، والدليل والمرجح إن كان ~~قطعيا كان تفسيرا، وإن كان ظنيا كان تأويلا، والحكم في اللغة: المنع ~~والإتقان والفصل، وفي العرف إسناد أمر إلى آخر إيجابا أو سلبا وإدراك وقوع ~~النسبة، أولا: وقوها وهو الحكم النطقي، وفي اصطلاح أصحاب الأصول: أثر خطاب ~~الله المتعلق بأفعال العباد بالاقتضاء والتخيير أو الوضع، وأبلجا اسم فاعل ~~من بلج كتعب ومعناه الواضح مأخوذ من بلج الصبح إذا أسفر والله أعلم. # وبعد فالعلم بفن الفقه ... مندرج تحت أصول الفقه. # (وبعد) الواو إما عاطفة والمعطوف حينئذ قصة على قصة، وإما نائبة عن إما، ~~وإما بمعنى مهما يكن عند سيبويه، والمعنى مهما يكن من شيء بعد حمد الله ~~والثناء عليه، والصلاة والسلام على رسوله فهو كذا وكذا، وبعد نقيض قبل وهي ~~ظرف زمان كثيرا، ومكان قليلا، وقد يؤتى بها والواو التي قبلها أو مع إما ~~للانتقال من أسلوب إلى أسلوب آخر، أي من غرض إلى آخر فلا تقع بين كلامين ~~متحدين ولا أول الكلام ولا آخره، ويستحب الإتيان بها عند الانتقال، لما روي ~~عنه صلى الله عليه PageV01P012 وسلم أنه كان يقول في خطبه ومكاتباته: أما ~~بعد، وروى ذلك عنه صلى الله عليه وسلم جمع كثير من الصحابة، وفي أول من ~~تكلم بأما بعد أقوال جمعها فقال: # جرى الخلف أما بعد من كان بادئا بها خمس أقوال وداود أقرب. # وكانت له فصل الخطاب وبعده فقس فسبحان فكعب فيعرب. # (وقوله فاعلم) أي فأقول أن العلم إلخ، فالفاء زائدة لتوهم أما أن قلنا أن ~~الواو في وبعد عاطفة وجواب لأما إن قلنا أن الواو نائبة عنها والعلم إدراك ~~الشيء على ما ms010 هو عليه، ويطلق على الملكة وهي ا لكيفية الحاصلة في النفس من ~~ممارسة القواعد، ويطلق على نفس القواعد وهو حقيقة في الإدراك ومجاز مشهور ~~في الآخرين، أو حقيقة عرفية فيهما، وفن الفقه هو النوع المخصوص من العلوم ~~وسيأتي تعريفه، وفي إضافة الفن إلى الفقه إضافة المسمى إلى اسمه، لأن الفقه ~~اسم للفن المخصوص بما سيأتي ومندرج، أي منطو، وأصول الفقه علم على هذا الفن ~~وسيأتي تعريفه أيضا، والمراد باندراج الفقه تحته هو: أن معرفة الفقه متوقفة ~~على معرفة أصول الفقه فلا يتوصل أحد إلى معرفة الففه حتى يكون عارفا بأصول ~~الفقه، ولذا قال صاحب الإيضاح رحمه ا لله تعالى: من لم يتحكم على الأصول ~~قلما تتحصل عنده الفصول، وقال بعضهم: إنما منعهم من الوصول تضييع الأصول، ~~فلما بطلوا تعطلوا، فإن قيل أن أصول الفقه إنما وضع في القرن الثالث وهو ~~زمان تابعي التابعين، فالصدر الأول من الصحابة والتابعين كانوا أفقه ممن ~~بعدهم فأين ذلك التوقف، (قلنا) إن الذي وضع في القرن الثالث إنما هو ~~اصطلاحات الفن، فإنه كان معلوما للصحابة ومن بعدهم، فهم يقدمون الخاص على ~~العام ويريدون المتشابه إلى المحكم وهكذا، وهذه الكيفية هي نفس أصول الفقه ~~فاندف الإشكال، (نعم) وعلى طريقة الصدر الأول من الصحابة والتابعين قد جرى ~~جل سلفنا من أهل عمان، PageV01P013 فتراهم يحكمون بالخاص في موضع الخصوص ~~وبالعام في موضع العموم وبالمطلق في موضع الإطلاق وبالمقيد في موضع ~~التقييد، وهكذا من غير أن يذكروا نفس العبارات التي اصطلح عليها أهل الفن ~~وربما ذكرها بعضهم كابن بركة، لكن لما كان الذكاء القوي والفطنة الواقدة ~~للذين توصلوا بهما إلى وضع الأشياء في مواضعها معدومين في أهل زمانا تعذر ~~عليهم الوصول إلى استنباط الأحكام من أدلتها إلا بعد معرفة اصطلاحات الفن ~~وممارسته وقواعده وضبط علله وقوادحه إجمالا وتفصيلا، وقد رغب عن ذلك كثير ~~من أهل زماننا لجهلهم بما فيه من التحقيق وصعوبة ما فيه من التدقيق، فقصارى ~~متفقهم حفظ أقوال الفقهاء وغاية نباهة أحدهم رواية ما قاله النبهاء، لا ms011 ~~يدرون غث الأقوال من ثمينها ولا خفيفها من رزينها، قد حسبوا في التقليد ~~المضيق عن فضاء التحقيق وليتهم لما وقعوا هنالك، عرفوا منزلتهم بذلك ولم ~~يدع أحدهم منزلة ابن عباس ويقول: هلموا أيها الناس فإنا لله وإنا إليه ~~راجعون ذهب العلم وأهلوه وبقي الجهل وبنوه. # لأنه قواعد منضبطة ... بها معاني أصله مرتبطة. # هذا تعليل لقوله مندرج تحت أصول الفقه، (والقواعد) جمع قاعدة وهي قضية ~~كلية منطبقة على جزئيات موضوعها وتسمى تلك الجزئيات فروعا واستخراجها منها ~~تفريعا، كقولنا كل جماع فرق بينهما وبين الضابط أن القاعدة تجمع فروعا من ~~أبواب شتى، والضابط يجمع فروعا من باب واحد، وقوله (منضبطة)أي محكمة في ~~نفسها لا يتطرق عليها خلل فلا يخرج عنها شيء من جزئياتها إلا بدليل يخرجه ~~عن حكمها، والضبط في اللغة هو الحفظ بحزم، (وقوله بها معاني إلخ) أي مرتبطة ~~معاني أصل الفقه بهذه القواعد التي هي أصول الفقه فيها، متعلق بمرتبطة اسم ~~فاعل من ارتبط المطاوع لربط يقال ربطته إذا شددته بالحبل ونحوه فارتبط أي ~~طاوع لذلك، (والمعاني) هي الصور PageV01P014 الذهنية من حيث أنه وضع ~~بأزائها، الألفاظ والصور الحاصلة في العقل، فمن حيث أنها تقصد باللفظ سميت ~~معنى، ومن حيث أنها تحصل من اللفظ في العقل سميت مفهوما، ومن حيث أنها مقول ~~في جواب ما هو سميت ماهية، ومن حيث ثبوتها في الخارج سميت حقيقة، ومن حيث ~~امتيازها الأغيار سميت هوية (انتهى) والضمير من أصله عائد إلى فن الفقه، ~~(والأصل) في اللغة عبارة عن عما يفتقر إلى غيره، وفي الشرع عبارة عما ينبني ~~عليه غيره، والمراد به هاهنا الأدلة الشرعية التي يستنبط منها الحكم ويبنى ~~عليها الفقه، فإن معانيها متوقفة على معرفة القواعد التي يتوصل بها إلى ~~استنباط الحكم منها فلا يحل لأحد أن يقضي بكل دليل منها على مدلوله حتى ~~يعرف ناسخ الأدلة من منسوخها ومحكمها من متشابهها وخاصها وعامها ومطلقها من ~~مقيدها وهكذا والله أعلم. # ولم أجد في فنه مع شرفه ... نظما يريك دره من صدفه. # (فنه) أي ms012 نوعه، (وشرفه) فضله، (والنظم) في اللغة جمع اللؤلؤ في السلك، ~~وفي الاصطلاح: تأليف الكلمات والجمل مترتبة، وفي اصطلاح أهل العروض: كلام ~~موزون بوزن مخصوص على جهة مخصوصة، وهو المراد في البيت، (والدر) جمع درة ~~وهي اللؤلؤة العظيمة، (والصدف) غشاؤها استعار الدر لقواعد الأصول، ورشح ~~الاستعارة بذكر الصدف بعد أن استعاره للحالة التي صار بها أصول الفقه في ~~حين الخفاء عن أفهام العوام، (والمعنى) أن هذا النوع من المعلوم وهو أصول ~~الفقه مع فضله لم أجد فيه كلاما موزونا يبرز للناظر قواعده التي هي كالدر ~~في حسنها وصفائها واشتهاء النفوس لها من حيز الخفاء الذي هو كالصدف الحاوي ~~على الدرة فلا ترى إلا بعد كشفه، ولا يخفى أن في كلام الناظم نفي الشيء ~~بإيجابه، فإنه لم يجد في هذا الفن نظما أصلا، لا أنه لم يجد نظما على تلك ~~الهيئة المخصوصة فهو على حد قوله تعالى: (لا يسألون الناس PageV01P015 ~~إلحافا) والمراد نفي السؤال عنهم لا نفي الإلحاف الذي هو الإلحاح، (واعلم) ~~أني بعدما شرعت في نظم هذه المنظومة سمعت بوجود منظومة في الفن فحرصت على ~~تحصيلها، فوردت علي بعد أن انتهى بي النظم إلى ركن الاستدلال فنظرت فيها ~~متأملا فإذا هي جامعة لمعان مفيدة وقواعد عديدة، أخذت من التطويل حظها قد ~~ركب على مضاجع السهولة لفظها، سماها صاحبها: فائقة الفصول في نظم جوهر ~~الأصول، لكن في بعض أبياتها أشياء تمجها الأسماع وتميل عنها الطباع، فأخذت ~~في إتمام هذه المنظومة لخلوها عن تلك الخصلة المذمومة، ولما انفردت به ~~دونها من الاختصار المفيد ولكونها على قواعد المذهب السديد والله أعلم وبه ~~التوفيق. # وطالما قدمت رجلا طالبا ... نظامه ثم فررت هاربا. # ثم كررت بعد ما فررت ... وبمرادي فيه قد ظفرت. # (طال) بمعنى امتد، (وما) زائدة كافة لطال عن طلب الفاعل، وكذا قل وكثر ~~فتقول قلما وكثر ما، ولا يحتاج الكل إلى فاعل، (وقدمت رجلا) تمثيل لحالة ~~القدوم على الشيء، (وطالبا) بمعنى قاصدا، (والنظام) بمعنى النظم، (وفررت) ~~بمعنى أسرعت الرجوع عن ذلك المطلوب لما رأيت ms013 من صعوبته مأخوذ من فر الفرس ~~إذا أوسع الجولان للانعطاف، (وهاربا) حال مؤكدة لعاملها على حد (ولا تعثوا ~~في الأرض مفسدين)، (وكررت) بمعنى رجعت إلى محاولة المطلوب، مأخوذ من كر ~~الفارس إذا انعطف ثم عاد، (وظفرت) أي فزت به، (وحاصل) ما في البيتين أنه ~~مثل حالته في قدومه على هذه النظم بحالة فارس جري الجنان قدم على أمر عظيم ~~فاستعصب القدوم عليه ففر راجعا عنه لما رأى من صعوبته ثم حركته تلك ~~الجراءة، وما تذكر من العواقب المحمودة في الإقدام، فكر بعد فراره فظفر ~~بمطلوبه والكل تمثيل والله أعلم. PageV01P016 # فهاكه من منن الرحمن ... نظما حوى جواهر المعاني. # (فهاكه) أي خذه والضمير عائد إلى المراد في قوله وبمرادي فيه قد ظفرت، ~~(والمنن) جمع منة بالكسر وهي النعمة، (ونظما) حال من الضمير المتصل بهاكه، ~~وأما الكاف الذي فيه فهو للخطاب، (وحوى) بمعنى أحاط وجواهر المعاني حقائقها ~~وما ينتفع به منها، (والمعنى) خذ هذا المراد الذي فزت بحصوله بعد إقدام ~~وإحجام حال كونه كلاما موزونا قد انطوى على حقائق المعاني النافعة وذلك من ~~نعم الموصل إلى خلقه أنواع النعم سبحانه وتعالى والله اعلم. # منطويا على طريقة السلف ... منقحا من كل نقد وزيف. # يقال انطوى على الشيء إذا احتوى عليه، (وطرقة السلف) هو مذهبهم الذي ~~درجوا عليهم، وسلفك هو كل من تقمك من آبائك وقرابتك والمراد هاهنا أئمة ~~الدين ومعنى (منقحا) مصفى، (والنقد) هو محل النظر في الشيء، مأخوذ من انتقد ~~الدراهم إذا نظر إليها ليعرف جيدها من رديها، (والزيف) من الدراهم رديها ~~والمراد به هاهنا المعنى الردي الذي لا يقبله أهل الفن شبهه الزيف من ~~الدراهم بجامع الرد في كل منهما ثم استعار له اسمه ورشح الاستعارة بذكر ~~النقد، (والمعنى) خذ هذا المراد الذي ظفرت به حال كونه نظما حاويا لحقائق ~~المعاني ومنطويا على مذهب الأئمة، ومصفي من المواضع التي للأصوليين فيها ~~النظر بالانتقاد، ومن الأشياء التي لا يقبلونها لرداءتها والله أعلم. # وقد رجوت الله أن يجعله وباقي أعمالي خالصا له. # (الرجاء) في ms014 اللغة: الأمل، وفي الاصطلاح: تعلق القلب بحصول محبوب في ~~المستقبل، والفرق بينه وبين الطمع أن الرجاء يكون بعد الأخذ في الأسباب، ~~والمع أمل بلا سبب، أما قوله تعلى حكاية عن الخليل صلوات الله عليه: (والذي ~~أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين) ففيه إطلاق PageV01P017 الطمع على ~~الرجاء تجوزا، وذلك أن الخليل عليه السلام قطع النظر عن حصول الأسباب ~~الصادرة منه وجعل أمله الذي يؤمله أملا بلا تقدم سبب منه، (وقوله أن يجعله) ~~أي يصيره، المراد (بباقي أعمالي) وهو ماعدا هذا النظم من أعماله الصالحة، ~~(ومعنى خالصا له) خاليا من القصد به إلى غير رضاه، (والمعنى) أرجو من الله ~~وتعالى أن يصير هذا النظم مع سائر أعمالي الصالحات خاليا من القصد به إلى ~~غير رضاه، حقق الله رجاءه وأعطاه مناه إنه ولي كريم، وفي ذكر باقي براعة ~~حسن الاختتام، وفي ذكر خالصا براعة حسن التخلص، فأما البراعة الأولى فمشعرة ~~بتمام الخطبة، وأن هذا البيت هو باقي أبياتها، وأما البراعة الثانية ففيها ~~الإشارة إلى الانتقال من الخطبة إلى المقصود، (مقدمة) نذكر فيها حد أصول ~~الفقه وموضوعه وغايته فهي مقدمة للفن، أما مقدمة الكتاب فهي التي يذكر فيها ~~أشياء يتوقف الفن عليها وأشياء لا يتوقف عليها، كمقدمة مختصر العدل للبدر ~~الشماخي رحمه الله تعالى، (اعلم) أن لكل فن حدا يتصوره به طالبه وموضوعا ~~يمتاز به عن سائر الفنون، وغاية وهي الثمرة التي يطلب لأجلها، (فأما) حد ~~أصول الفقه فأشار إلى بيانه فقال: # حد أصول الفقه علم يقتدر على استنباط أحكام السور. # وسنة الرسول والإجماع كذلك القياس مع نزاع. # ومذهب الجمهور أهل العلم أن القياس مثبت للحكم. # وهو الصحيح لورود النص منبها عليه أو مستقصي. # (اعلم) أن لأصول الفقه اعتبارين أحدهما علمي، والآخر إضافي وله بكل ~~اعتبار تعريف، فأما تعريفه بالاعتبار الإضافي فسيأتي، وأما تعريفه ~~بالاعتبار العلمي فهو ما ذكره المصنف بقوله: (حد أصول الفقه إلخ) وحاصله أن ~~أصول الفقه في الاصطلاح: علم يقتدر به على استنباط الأحكام الشرعية من ~~أدلتها، فالمراد (بالعلم) هاهنا ms015 القواعد وهي أدلة الفقه الإجمالية كقولنا ~~PageV01P018 الخاص يفيد القطع في مدلوله، والعام يفيد الظن في مدلوله، ~~والأمر للوجوب، والنهي للتحريم، وهكذا فخرج بذلك الأدلة التفصيلية نحو: ~~أقيموا الصلاة، ولا تقروا الزنا، فإن هذه الأدلة أعني التفصيلية لا تسمى في ~~الاصطلاح أصول الفقه، وإطلاق العلم على القواعد مجاز مشهور لا بأس بذكره في ~~التعريف بل صرح بعضهم بأنه حقيقة شك البدر في كونه مجازا مشهورا، أو حقيقة ~~عرفية، وعلى كل حال فلا بأس في أخذه في التعريف، ولما كان العلم بمعنى ~~القواعد شاملا لكثير من الفنون احتيج إلى أن يميز العلم المطلوب بفصل لا ~~يشاركه فيه غيره فقال: (يقتدر به على استنباط أحكام السور) إلخ، وهو معنى ~~قولهم علم يقتدر به على استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها فخرجت العلوم ~~التي لا يقتدر بها على ذلك والمراد (بالأحكام الشرعية) هي الأحكام ~~التكليفية، كالوجوب والندب والتحريم والكراهية والإباحة، وثمراتها كالصحة ~~والفساد، والأحكام الوضعية كالرنية والعلية والشرطية، (والمراد) بأدلتها هي ~~الكتاب والسنة والإجماع والقياس والاستدلال، فأما الكتاب والسنة والإجماع ~~فلا خلاف بين أحد من المسلمين في أنها تفيد الأحكام الشرعية إما قطعا وإما ~~ظنا، إلا من شد من بعض مخالفينا في إنكار الإجماع أو إنكار حجيته على سيأتي ~~بيانه في محله، وأما القياس والاستدلال فقد اختلف في ثبوت الحكم الشرعي ~~بهما، اعلم أن الناس اختلفوا في ثبوت التعبد بالقياس على مذاهب الأصح منها ~~ما عليه الجمهور من العلماء أن القياس الصحيح مثبت للحكم الشرعي فيما لم ~~يرد فيه نص من كتاب أو سنة، فالقياس على هذا أحد أدلة الشرع، والدليل على ~~أنه أحد أدلة الشرع وأنه مثبت للحكم الشرعي ما ورد من النص عنه صلى الله ~~عليه وسلم في الإشارة إلى قياس شيء مجهول الحكم على معلوم الحكم، وذلك كما ~~في حديث الخثعمية وقد سألته صلى الله عليه وسلم عن حجها عن أبيها فقال ~~أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان PageV01P019 ذلك مجزيا عنه فقد أشار ~~صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ms016 إلى قياس دين الله تعالى على دين العباد، ~~وذلك لما كان دين العباد عند المخاطب معلوم الحكم في هذه القضية، ودين الله ~~غير معلوم الحكم في هذه القضية عند المخاطب، فأشار إليها بأن حكم الدينين ~~واحد لاشتراكها في علة الحكم والله أعلم، ومن ذلك أيضا قوله صلى الله عليه ~~وسلم وقد سئل عن قبلة الصائم هل تفسد الصوم، أرأيت لو تمضمضت بالماء ثم ~~مججته أكان ذلك مفسدا للصوم، فقد أشار صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ~~إلى قياس قبلة الصائم لزوجته على تمضمضه بالماء، ومن ذلك أيضا قوله عليه ~~الصلاة والسلام، وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر، أينقص الرطب إذا جف؟ قالوا: ~~نعم، قال: فلا، في هذا الحديث الإشارة إلى أن العلة المانعة من بيع الرطب ~~بالتمر إنما هي نقصان الرطب إذا جف فتحصل الزيادة في التمر، فيحمل على ~~الرطب كلما كان مثله قياسا أخذا من إشارة الحديث إلى ذلك، والظاهر من هذا ~~الحديث أن الزيادة في أحد الجنسين المبيعين مطلقا من الربا وهو مذهب قومنا، ~~أما أصحابنا فلا يرون ذلك من الربا، إذا كان ذلك يدا بيد، ولعلهم يقيدون ~~إطلاق هذا الحديث بإشارة قوله تعالى: (وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم إلى قوله ~~وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) ففي هذه الآية الإشارة إلى أن الربا في ~~النسيئة وبيان ذلك أنه لو لم يكن الربا في النسيئة لما احتيج إلى بيان حكم ~~المفسر ببيع الربا وبقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الربا في النسيئة) ~~والمسألة اجتهادية أشار إلى ذلك صاحب الإيضاح رحمه الله تعالى، وإن شدد ~~فيها الإمام الكدمي رضوان الله عليه حتى عدها من أصولهم الفاسدة والله ~~أعلم، فهذه الأحاديث كلها دالة على ثبوت الحكم بالقياس فيكون القياس بها ~~دليلا شرعيا على أن الإجماع من الصحابة ورد في ثبوت القياس، وذلك أن ~~الصحابة ما بين قائس وساكت، والساكت لا يسكت في مثل هذا الموضع إلا عن ~~PageV01P020 رضى، لأن القياس إذا لم يكن ثابتا بالشرع فإحداثه بدعة بها ms017 ~~زيادة حكم شرعي والسكوت عن تغيير مثلها من غير تقية حرام قطعا، وما هنالك ~~تقية فقطعنا أن السكوت عن الإنكار رضى فثبت المدعي والله أعلم، ولما فرغ من ~~بيان حد أصول الفقه بالاعتبار العلمي شرع في بيان تعريفه بالمعنى الإضافي فقال: # فالأصل ما عليه غيره ابتنى ... وأصل وضعه لحسي البنا. # ونقلوه للدليل الواضح ... واستعملوه في المقال الراجح. # والفقه وضعا فهم ما به خفا ... واستعملوه علما وعرفا. # فقيل علم النفس ما لها وما ... يلزمها فعلا وتركا فاعلما. # فالعلم بالأخلاق والتوحيد ... قد خرجا عنه بذا التقييد. # أصول الفقه من حيث المعنى الإضافي مركب من كلمتين أصول والثانية الفقه، ~~فأما الأصول فهو جمع أصل، وهو في اللغة ما يبتني عليه غيره وأصله في ~~المحسوسات، كأصل الجدار بمعنى أساسه، وأصل الشجرة أي جدارها، ثم نقل في ~~الاصطلاح إلى الأدلة التي تبنى عليها الأحكام، كما يقال أن الأصل في كذا ~~قوله تعالى أو قوله صلى الله عليه وسلم كذا، ويطلق الأصل أيضا على أصل ~~القياس كما تقول أصل وفرع، وعلى مذهب العالم في بعض القواعد فإنهم يقولون ~~أن فلانا بنى على أصله في مسألة كذا، أي على مذهبه فيها، وعلى ما يكون أصلا ~~من أصول الشريعة، كالصلاة والزكاة فإنه يسمى أصلا في الاصطلاح، وكل هذه ~~المعاني مشبهة بالمعنى اللغوي، (وأما الفقه) فهو في اللغة فهم الخطاب الذي ~~فيه غموض، تقول فقهت معنى قولك زيد بليغ ولا تقول فقهت معنى قولك زيد بن ~~عمرو، وذلك أن في الاتصاف بالبلاغة شروطا خفيفة، فصح أن يقال معها فقهت ~~ذلك، ثم نقل من هذا المعنى واستعملوه علما على نوع مخصوص من العلم وعرفوا ~~ذلك النوع بأنه علم النفس ما لها وما عليها فعلا وتركا فالمراد بالعلم ~~PageV01P021 هاهنا الملكة من ممارسة القواعد حتى صار المتصف بها متمكنا من ~~معرفة ما للعبد وما عليه فعلا وتركا مستحضر الحكمة في الحال أو غافلا عنه، ~~لكن إذا وردت عليه من ذلك الباب مسألة تمكن الجواب عنها، وصاحب هذه الصفة ~~يسمى فقيها فيخرج بذلك ms018 من يعرف الأحكام بالتلقين ومن كان مقلدا لغيره، ~~والمراد بقوله مالها هو ما أبيح ما أبيح لها فعلا، أو ندبت إلى فعله أو إلى ~~تركه، والمراد بقوله ما عليها فعلا وتركا هو ما يلزمها فعله من نحو الصلوات ~~الخمس والزكاة والصوم والحج إلى غير ذلك من الأفعال الواجبة وما يلزمها من ~~تركه، من نحو أكل الميتة ولحم الخنزير وشرب الخمر إلى غير ذلك مما يجب على ~~العبد تركه وحاصله، إن الفقه هو العلم بأحكام فعل العبد عملا وتركا وإباحة ~~ووجوبا، فيخرج العلم بالأحكام العلمية، كمسائل التوحيد، وهو علم يبحث فيه ~~عن صفات الله تعالى الواجبة والجائزة في حقه والمستحيلة عليه، وعن أفعاله ~~تعالى في الدنيا، كخلق العالم وفنائه وفي الآخرة كبعث الأجسام وتأبيد ~~المكلف فيها، وعن حكمه فيها، كبعث الرسل وإنزال الكتب ومثوبة الطائع وعقوبة ~~العاصي، ويخرج عنه أيضا العلم بالأخلاق، وهو علم يبحث فيه عن صفات العبد ~~المحمود منها، كالإخلاص، والمذموم كالرياء، (فقول المصنف قد خرجا عنه بذا ~~التقييد) أي علم التوحيد وعلم الأخلاق خرجا عن حد الفقه، حيث كان علما بحكم ~~فعل العبد، وهذان العلمان كل منهما علم بغير حكم فعله، أما التوحيد فعلم ~~بما ذكر من صفات الله تعالى وأفعاله، وقد كلفنا بعلم ما قامت به الحجة ~~علينا من ذلك، فهو علم بحكم اعتقادنا، وأما العلم بالأخلاق فهو علم بما ذكر ~~من صفات العبد، وقد أمرنا بالتحلي بالمحمود منها وبالتخلي عن المذموم منها، ~~فهو علم بحكم صفات في العبد هي غير فعله، أما ما ترى من العلامات الظاهرة ~~على المرائي والمتكبر والمعجب بنفسه، فهي ثمرات الصفات التي يبحث عنها علم ~~الأخلاق لا نفس الصفات، والعلم بحكم هذه الثمرات داخل في الفقه، ~~PageV01P022 لأنهما أفعال، وهذا التعريف الذي ذكره المصنف مأخوذ من تعريف ~~بعضهم الفقه بأنه معرفة النفس ما لها وما عليها عملا، وعرف غيره الفقه بأنه ~~العلم الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية، وعرفه بعضهم بغير ذلك، ~~وقد أوردت على تعاريفهم هذه إيرادات وأجيب عنها بأجوبة نعرض عن ms019 ذكرها ~~اختصارا والله أعلم، ثم إنه لما ذكر أصول الفقه باعتباريه العلمي والإضافي ~~شرع في بيان موضوع أصول الفقه فقال: # وبحثه حيث الدليل أثبتا ... حكما وحيث الحكم منه ثبتا. # أي محل بحث أصول الفقه، بمعنى موضوعه هو الأدلة الشرعية من حيث إثباتها ~~الأحكام الشرعية، والأحكام الشرعية من حيث ثبوتها بالأدلة الشرعية، فالدليل ~~في قول المصنف إنما هو الدليل الشرعي، وال فيه للعهد الذهني، وكذا القول في ~~الحكم، ولا بد من مراعاة حيثيته، إثبات الدليل للحكم وحيثية ثبوت الحكم من ~~الدليل لأن البحث في هذا الفن إنما هو في أحوال الأدلة التي يثبت بها ~~الحكم، وفي أحوال الأحكام التي تثبت بالأدلة لا في نفس الأدلة والأحكام كما ~~هو ظاهر كلام صاحب الأحكام، حيث جعل موضوع أصول الفقه الأدلة والأحكام، ولا ~~الأدلة نفسها كما هو ظاهر كلام بعضهم، حيث جعل موضوع أصول الفقه الأدلة ~~الكلية السمعية، أما صاحب الأحكام فقد فاته قيد حيثيته الإثبات والثبوت، ~~ولابد من اعتبارها لما علمت، وأما الآخر فقد فاته مع تلك الحيثية الركن ~~الآخر من موضوع أصول الفقه، وهو أحوال الأحكام الشرعية، وأدخل في موضوع ~~الأصول ما ليس منه وهو بعض الأدلة الإجمالية الكلية السمعية، فإن بعض ~~الأدلة الإجمالية الكلية السمعية داخل في موضوع أصول الفقه لا جميعها، وذلك ~~الداخل هو الأدلة هو الأدلة الشرعية، وبقيت أدلة سمعية غير شرعية كأدلة ~~العربية في جميع فنونها، وإذا ظهر لك أن موضوع أصول الفقه هو ما ذكرناه من ~~أنه PageV01P023 الأدلة الشرعية من حيث إثباتها الأحكام الشرعية، والأحكام ~~الشرعية من حيث ثبوتها بالأدلة الشرعية، فاعلم أنا قد وضعنا كتابنا هذا على ~~قسمين، كل قسم منهما في ركن من أركان الموضوع، القسم الأول: الأدلة الشرعية ~~باعتبار حيثية الإثبات، والقسم الثاني: في الحكام الشرعية باعتبار حيثية ~~الثبوت أيضا، ولما كان بعض الأمور يتوقف عليها معرفة الفن، وبعضها يتوقف ~~عليها معرفة الإثبات والثبوت، وضعنا للأول هذه المقدمة، ووضعنا للثاني ~~خاتمة الكتاب، ولما كان كل مطلوب إنما يطلب لحصول فائدته، وهي غايته التي ~~ينتهي ms020 الطالب إليها علمنا أنه لا بد من بيان فائدة هذا الفن ترغيبا للطالب ~~فلذلك قلنا: # ومنتهاه من له قد علما ... يعرف حكم الله فيما حكما. # فينتهي إلى سعادة الأبد ... إلى مقام ليس بعده أمد. # أي غاية أصول الفقه التي ينتهي إليها العارف به هي أن من عرفه وأتقن ~~قواعده، عرف حكم الله تعالى الذي حكم به على العباد من وجوب وندب وحظر ~~وكراهية وإباحة، ويعرف محل كل واحد من هذه الخمسة، فيؤدي الواجب كما أمر، ~~به ويسارع إلى المندوب حسب إمكانه، ويجتنب المحرم والمكروه، ويأتي ما احتاج ~~إليه من المباحات ويرشد إلى ذلك من أمكنه إرشاد، فينتهي بذلك إلى سعادة ~~الأبد وهي السعادة الأخروية، والمراد بها الفوز بنعيم ا لجنة المرتب على ~~مغفرة الله تعالى، وفوق ذلك رضوان من الله أكبر، وهذا المقام مقام ليس بعه ~~غاية لطالب الهداية، وبما ذكرته هاهنا من فائدة أصول الفقه، يظهر لك ~~أشرفيته على غيره وأفضليته على ما عداه، أما الكلام فإنه وإن كان أفضل ~~العلوم بلا خلاف، لأنه إنما يبحث عن صفات الله تعالى، وشرف العلم إنما هو ~~بشرف الموضوع، فأفضليته على سائر الفنون إنما هي فضيلة باعتبار ما ذكر، ~~وهذا أفضليته باعتبارات كثيرة، وكثير من العلوم PageV01P024 كعلم العربية ~~والنحو والصرف إنما هي طرق إلى معرفة هذا الفن، فنسبته إليها بهذا الاعتبار ~~إنما هي كنسبة الثمر إلى الشجرة، لأنها إنما تطلب لأجله كما أن الشجرة إنما ~~تغرس لأجل ثمرتها ولربما لم يحصل منها المطلوب فتجذ من أصلها، وأما نسبته ~~إلى غير تلك الفنون كالمنطق والهندسة والحساب فهو أنه مباين لها ويستمد من ~~ثلاثة فنون وهي: علم الكلام وعلم العربية وعلم الأحكام، أم الكلام فلتوقف ~~الأدلة الكلية الشرعية على معرفة الباري تعالى وصدق المبلغ وذلك يتوقف على ~~دلالة المعجزة، وأما العربية فلأن الأدلة من الكتاب والسنة عربية، وأما ~~الأحكام فالمراد تصورها ليمكن إثباتها ونفيها وإلا لزم الدور؟؟؟ (وحكم ~~الله) تعالى فيه أن يندب تعلمه وتعليمه لدخوله تحت حديث (ما تصدق الناس من ~~صدقة علم ms021 ينشر) وتحت حديث (وأجودكم بعدي رجل علم علما فنشر علمه يبعث يوم ~~القيامة أمة وحده) وبتوقف معرفة أحكام الله تعالى عليه يزداد دينه ~~وأفضليته، ولما ربما كان فرض كفاية فإنه يجب على كل أهل ناحية من الأرض أن ~~يكون فيهم من يعلمهم أمر دينهم ويرجعون إليه في حل مشكلاتهم، ولا يكون بهذه ~~الصفة إلا عالما بهذا الفن، ولا يشترط في كونه عالما به أن يكون عالما ~~باصطلاحاته الجديدة وإنما يكفي في كونه عالما به أن يكون ذا ملكة يقتدر بها ~~على استنباط الأحكام من أدلتها سواء عرف اسم ذلك الدليل أنه عام مثلا أم لم ~~يعرفه، إذا كانت ملكته قوية على وضع الأدلة مواضعها وترجيح الراجح منها عند ~~التعارض، (وقيل) أن أول من مهد قواعده على هذه الجهة المخصوصة الشافعي، كذا ~~في حصول المأمول وغيره، وقد عرفت مما تقدم أن الصحابة ومن بعدهم من ~~التابعين كانوا عالمين بكيفية الاستنباط، فيكون الواضع إنما مهد القواعد ~~التي كانت معلومة عندهم فخيف عليها التشتت فضبطها الواضع بذلك التمهيد صونا ~~لها من ذلك المحذور، (ومثال ذلك) أن العرب كانوا PageV01P025 عالمين بوضع ~~عربيتهم في مواضعها فلا يتطرق أحد من قبلها لحن إلا عابه عليه كثيرون، فلما ~~ظهر الإسلام اختلط العرب بالعجم لما جعل الله من الألفة الإسلامية بينهم، ~~فخيف على العربية أن تتلاشى بسبب ذلك، فوضع على بن أبي طالب بعض قواعدها ~~ودفعه إلى الأسود الدؤلي وقال له انح هذا النحو، فوضع أبو الأسود علم النحو ~~ضبطا للغة العرب، فكذلك فن الأصول والله أعلم. # {القسم الأول من الكتاب في الأدلة الشرعية وفيه خمسة أركان } لأن الأدلة ~~الشرعية خمسة (أحدهما) الكتاب (ثانيها) السنة (ثالثها) الإجماع، (رابعها) ~~القياس، (خامسها) الاستدلال وإن أنكر بعضهم كونه من الأدلة الشرعية فهو ~~منها في غالب أنواعه، وإن كان بعضها ليس بدليل أصلا كما ستعرفه إن شاء الله ~~تعالى، فوضع المصنف لكل واحد من هذه الأدلة ركنا يبحث فيه عن أحواله الخاصة ~~به والمشتركة بينه وبين ما عداه، لما كان الكتاب هو ms022 الركن الأعظم في هذا ~~الباب وأن مباحثه داخلة في غالب الفن وجب أن نقدمه على سائر الأركان فلذلك قلنا: # { الركن الأول في مباحث الكتاب } # أما المباحث فهي جمع مبحث وهو محل البحث ويفسر بالقضايا إذ هي محل البحث ~~الذي هو إثبات المحمول للموضوع، فمعنى مباحث: أدلة الفقه، القضايا المشتملة ~~على إثبات أحوال أدلة الفقه لتلك الأدلة، وأما الكتاب فهو القرآن العظيم، ~~وأصل الكتاب إنما هو اسم لكل مكتوب ثم نقل في عرف أهل الشرع إلى كتاب الله ~~تعالى وغلب إطلاقه عليه فيما بينهم، كما غلب إطلاق الكتاب عند النحاة على ~~كتاب سيبويه، وأصل القرآن مصدر قرأ الشيء إذا جمعه، ثم نقل إلى المجموع ~~المعين من كلام الله تعالى، ولما كان القرآن أكثر استعمالا في كلام الله من ~~الكتاب وأشهر إطلاقا وأكثر تداولا عرفوا الكتاب به فهو من التعريف اللفظي، ~~PageV01P026 وعرفوه بما يميزه في خاصة نفسه بأمور ذكر منها المصنف أشياء ~~حيث قال: # أما الكتاب فهو نظم نزلا ... على نبينا وعنه نقلا. # تواترا وكان في إنزاله ... إعجاز من ناواه في أحواله. # عرف الكتاب والمراد به كتاب الله تعالى بأنه النظم المنزل على نبينا محمد ~~صلى الله عليه وسلم المنقول عنه تواترا، والحال أن (في إنزاله) إعجاز من ~~أراد معارضته في شيء من أحواله، من نحو بلاغته الباهرة وتراكيبه الظاهرة ~~وبراهينه القاهرة، فالمراد هو الكلام المؤلف وآثر التعبير به عن اللفظ لما ~~في أصل النظم من الحسن ولما في أصل اللفظ معنى الطرح، وهو أي النظم جنس ~~يشمل القرآن وغيره من كل كلام مؤلف، وما بعده فصل مخرج لغير الكتاب من هذا ~~التعريف، فخرج بالمنزل على نبينا الأحاديث الغير المنزلة عليه صلى الله ~~عليه وسلم، فإنها لم تنزل نظما هكذا، وإنما أنزل عليه صلى الله عليه وسلم ~~معانيها، والكتب المنزلة على غيره صلى الله عليه وسلم كالتوراة والإنجيل، ~~وخرج بالمنقول عنه تواترا، منسوخ التلاوة وما نقل عنه صلى الله عليه وسلم ~~آحاد، فإنه ليس بقرآن ولا يعطى له حكم القرآن، وخرج بالقيد ms023 الأخير وهو ~~الإعجاز الأحاديث الربانية على فرض نقلها تواترا، (واعلم) أن غرض الأصوليين ~~من الكتاب إنما هو متعلق بالآية منه والآيتين وبالحرف الواحد ونحو ذلك لأن ~~غرضهم منه هو إنما استنباط الحكم الشرعي من الدليل، ويكون ذلك الدليل آية ~~ويكون حرفا، فهم يطلقون اسم الكتاب على المجموع من كتاب الله تعالى وعلى ~~الآية وعلى الحرف منه، فاحتاجوا لتعريف منطبق على غرض الأصوليين فجمع بعضهم ~~الإعجاز والإنزال على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والكتبة في المصاحف ~~والنقل بالتواتر، واعتبر بعضهم الإنزال والإعجاز، لأن الكتابة والنقل ليس ~~من اللوازم لتحقيق القرآن بدونهما في زمن النبي عليه السلام، واعتبر بعضهم ~~الكتابة والإنزال PageV01P027 والنقل، لأن المقصود تعريف القرآن لمن لم ~~يشاهد الوحي ولم يدرك زمن النبوة وهم إنما يعرفونه بالنقل والكتابة في ~~المصاحف ولا ينفك عنهما في زمانهم، فهما بالنسبة إليهم من بين اللوازم ~~البينة وأوضحها دلالة على المقصود، ولما ألزم بعضهم الدور في تعريف الكتاب ~~بالكتابة في المصاحف عدل المصنف عن ذكرها في تعريفه، فبقي تعريفه خاليا من ~~الاعتراض، جامعا لصفات القرآن المختصة به الحاصلة في جميعه وفي بعضه، فحصل ~~المقصود من ذلك، وهنا تنبيهات، (الأول) أن العادة قضت بتواتر القرآن جملة ~~وتفصيلا، وقد أجمعت المحمدية على أن نقله كذلك تواترا، فالزائد فيه ما ليس ~~منه، والناقص منه ما هو منه كافر لتضمنه تكذيب النبي فيما جاء به، حيث أخبر ~~أن هذا من القرآن والنبي يقول بخلاف ذلك وأن هذا ليس من القرآن، والنبي ~~يقول منه على أن القرآن محفوظ من الزيادة والنقصان لقوله تعالى: (إنا نحن ~~نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) والمراد بالحفظ إنما هو الحفظ عن الزيادة فيه ~~والنقصان منه، إذ لا يعقل للحفظ في العربية إلا معنيان (أحدهما) حفظه من ~~التفويت بالنسيان، (وثانيهما) حفظه من الزيادة فيه والنقصان ولا يصح أن ~~يكون المعنى الأول هو المراد من الآية، لأن القرآن غير محفوظ عنه ضرورة ~~فتعين إرادة المعنى الثاني، لكن قد يمنع من الحكم بالاكفار على من زاد أو ~~نقص ms024 فيه قوة شبهة الزائد أو الناقص، ومن هنا لم تكفر كل واحدة من الطائفتين ~~الحنفية والشافعية الأخرى حيث أنكرت الحنفية أن تكون البسملة آية من كل ~~سورة من القرآن، وأثبت ذلك الشافعية، والحق معنا معشر الإباضية أنها آية من ~~كل سورة كتبت في أولها، لأنها من جملة الآيات المنقولة بالتواتر المكتوبة ~~في المصاحف، (قال) صاحب المنهاج (فإن قلت) وكيف يحكم على بكفر من زاد في ~~القرآن غير ما تواتر منه وأنكر كون بعض المتواتر قرآنا، وقد وردت الزيادة ~~عن ابن مسعود في آية الكفارة، وروي عنه أن المعوذتين ليستا قرآنا ~~PageV01P028 وإنما هما معوذتان أنزلتا، وعن غيره أن الفاتحة ليست من ~~القرآن، وعن حفصة أنه كان من القرآن (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ~~صلاة العصر) وعن ابن عمر أنه كان من القرآن (الشيخ والشيخة إذا زنيا ~~فارجموهما) والظاهر من روى عنه ذلك كان يعتقد صحة ذلك ولم يسمع من أحد ~~العلماء أكفار هؤلاء من الصحابة، فكيف قطعت بكفر من زاد ونقص، وهؤلاء زادوا ~~ونقصوا ولم يكفروا، (قلت لا شك أن هذه لروايات عنهم أحادية وقد قطع بعض ~~العلماء بإكذابها، وبعضهم تأولها وهي محتملة للتأويل، فكيف يحسن القطع ~~بإكفار من رويت عنه مع ذلك، (التنبيه الثاني) قال ابن الحاجب وغيره: أن ~~القراآت السبع متواترة قطعا، وقال آخرون بتواتر العشر أيضا واستثنوا من ذلك ~~ما كان من قبيل الآداء كالمد والإمالة وتحقيق الهمزة وكالرفع والنصب والخفض ~~والجزم، (قالوا) فإن هذه الأمور ونحوها يجوز أن تكون غير متواترة، أي لأنه ~~لا يلزم من كونها آحادية عدم تواتر القرآن، (قال) صاحب المنهاج لكن الأقرب ~~أنها في السبع والعشر متواترة لأنا إذا علمنا تواتر الألفاظ التي نقولها ~~على التفصيل لزم تواتر كيفية تأديتهم تلك الألفاظ، لأن الحركات ونحوها ~~بمنزلة الهيئات للألفاظ فلا يصح تواتر الألفاظ دون الهيئات ما لم يحصل من ~~الناقل أمارة تقتضي أنه متيقن للفظ دون هيئته والله أعلم انتهى، (وأقول) ~~أنه لا يلزم من تواتر اللفظ تواتر كيفية أدائه لجواز أن يحفظ بعض ms025 الناقلين ~~اللفظ دون هيئة الأداء، وإذا احتمل وجود هذا المعنى في أحد من الناقلين ~~احتمل وجوده في جميعهم فما لم يبين الناقل اللفظ وكيفية الأداء، فالمنقول ~~المتحقق إنما هو اللفظ وكيفية الأداء أمر مظنون والله أعلم، وقال الزمخشري ~~وغيره أن القراآت كلها أحادية (ورد) هذا القول بما حاصله أنه يلزم على جعل ~~القراآت أحادية، أن يكون بعض القرآن أحاديا وهو PageV01P029 باطل، لاقتضاء ~~العادة وجوب التواتر في تفاصيل مثله، (وبيان ذلك) أنه يلزم في نحو قوله ~~تعالى: (ملك ومالك يوم الدين) ونحو قوله تعالى: (فأبوا أن يضيفوهما) بتشديد ~~الياء وتخفيفها إما أن يكون كلا القراءتين متواتر وهو المطلوب، وإما أن ~~يكون كلاهما أحدهما متواتر دون الآخر، فالمتواتر منهما هو القرآن، وإما أن ~~يكون كلاهما غير متواتر فليزم المحذور وهو كون بعض القرآن أحاديا (التنبيه ~~الثالث) أجمع المسلمون أن من الأدلة السمعية ما هو قطعي الدلالة كالمحكم ~~الذي لا يحتمل تأويلا ولا تخصيصا، ومنهما ما هو ظني الدلالة كالعام وخبر ~~الآحاد ونحو ذلك، ثم نقض الفخر الرازي هذا الإجماع وزعم أنه ليس من الأدلة ~~السمعية ما هو قطعي الدلالة، واحتج لذلك بأن هذه الأدلة للفظية متوقفة على ~~معرفة على معرفة اللغة والنحو ورواية كل واحد من هذه الأشياء إنما هي رواية ~~آحاد فلا تفيد إلا ظنا، والمتوقف على الظني أولى أن يكون ظنيا وهذا الزعم ~~باطل، فأما أولا فأنا لا نسلم أن جميع ألفاظ الأدلة السمعية متوقفة على ~~معرفة ما ذكره وإنما المتوقف على ذلك بعض ألفاظ الأدلة، وأما البعض الآخر ~~فإنه إنما يعرف معناه بنفس سماع خطابه الخاص والعام، وأما ثانيا: فأنا لا ~~نسلم أن رواية اللغة والنحو والصرف جميعها أحادية، بل نقول أن رواية كثير ~~منها متواتر وذلك كالألفاظ التي لا تقبل التشكيك كالسماء والأرض والماء ~~والنار ونحو ذلك، وأما ثالثا: فأن نقلة تلك العلوم عدد كثير لا يمكن تواطؤ ~~مثلهم على الكذب عادة، فإذا اتفقت روايتهم في شيء من المواضع وجب أن يعطى ~~ذلك الشيء حكم المتواتر، وقد اتفقت ms026 رواياتهم في كثير من ألفاظ القرآن، فلا ~~يتم للفخر مطلوبه والله أعلم، ثم أن المصنف بعد ما ذكر أن المنقول بالتواتر ~~على تلك الصفة المخصوصة هو القرآن شرع في بيان حكم المنقول بلا تواتر فقال: # فكل منقول بلا تواتر ... لم يعط حكمه بلا تناكر. PageV01P030 # وإن يكن عملنا بما ندر ... من القراءات جوازه اشتهر . # فذاك مثل خبر الآحاد ... لأنه عن النبي الهادي. # أي فكل منقول عنه صلى الله عليه وسلم نقلا لم يبلغ حد التواتر ولم يعط ~~حكم ما نقل بالتواتر، فلا يسمى قرآنا ولا تثبت له أحكام القرآنية، من جواز ~~قراءته في الصلاة وحرمة مس الجنب له ونحو ذلك، بلا خلاف بين المسلمين في ~~ذلك، لكن يجب علينا العمل بالمنقول للغير المتواتر في المواضع التي لم ~~يعارض فيها المتواتر، يوجب العمل دون العلم، فيجوز لنا العمل بالشاذ من ~~القراءات بل يجب علينا ذلك في مواضع، وجواز عملنا بالشاذ من القراءات لا ~~يستلزم أن يعطي لغير المتواتر حكم المتواتر، لأنا إنما ننزل الشاذ من ~~القراءات منزلة خبر الآحاد، لأن كلا منهما مروي عن النبي صلى الله عليه ~~وسلم، فكما أن خبر الآحاد يوجب عندنا العمل ولا يلزم أن يعطى له حكم ~~المتواتر، فكذلك الشاذ من القراءات، وقال عطاء ومالك والشافعي والمحاملي ~~وابن الحاجب: لا يجوز العمل بالشاذ من القراءات بخلاف خبر الآحاد (مثل ذلك) ~~قراء ابن مسعود فصيام ثلاثة أيام متتابعات، (قلنا) أن العدالة توجب القبول ~~فيتعين أن يكون المنقول خبر آحاد وقرآنا وإلا لزم تكذيب الناقل ولا قائل ~~بكذب ابن مسعود، (قالوا) بجواز أن يكون مذهبا (قلنا) فيلزم إلا كفار وهو ~~أعظم (قالوا) يصير خبرا مقطوعا بخطئه إذ روايته قرآنا خطأ فلا يعمل به ~~(قلنا) مهما لم نظنه مكذوبا، وجب العمل بمقتضاه وإن أخطأ الناقل بوصفه ~~بالقرآنية، (واعلم) أن الشاذ من القراءات ما هو وراء السبعة، وقال البغوي ~~هو ما وراء العشرة فالسبعة هم نافع وأبو عمرو والكسائي وابن كثير وابن عامر ~~وعاصم وحمزة فهؤلاء السبعة، وأما الثلاثة الذين زادهم ms027 البغوي، فقال صاحب ~~المنهاج هم: أبو يعقوب الخضري وأبو جعفر الطبري وأبي ابن خلف الجمحي، ~~واعترضه غيره بأن القارئ المشهور الذي هو أحد PageV01P031 العشرة هو أبو ~~محمد بن هشام البزاز، قال وأما أبي بن خلف فهو الذي قتله محمد صلى الله ~~عليه وسلم يوم أحد، (قال) صاحب المنهاج وكذلك عد بعض الناس من المتواتر ~~قراءة ابن المرزبان خلف بن أحمد وقراءة هبة الله بن أحمد الطبري انتهى، ~~(واعلم) أن اللفظ الدال على المعنى اعتبارات أربعة، الاعتبار الأول: من جهة ~~وضع اللغة، الاعتبار الثاني: من حيث فهم المعنى منه ظهورا وخفاء، وذلك ~~كالمجمل والمبين والمتشابه والمحكم، الاعتبار الثالث: من حيث استعمال اللفظ ~~فيما وضع له وفي غير ما وضع له، وذلك الحقيقة والمجاز، الاعتبار الرابع: من ~~حيث أخذ الحكم منه، وذلك هو الدال بعبارته والدال بإشارته والدال باقتضائه ~~والدال بدلالته، لما كان الاعتبار الأول وهو الاعتبار الوضعي مشتملا على ~~الخاص والعام والجمع المنكر والمشترك، وكان الخاص أخص الأربعة وضعا وأوضحها ~~بيانا وأتمها فائدة وأقواها برهانا، قدم مبحثه على سائر مباحث هذا النوع فقال: # مبحث الخاص وأحكامه. # الخاص ما دل لمعنى مفرد ... كرجل ومائة في العدد. # ونحو زيد علما عيني ... ونحو إنسان وذا نوعي. # عرف الخاص بأنه ما دل على معنى مفرد كرجل إلى آخره، فقوله ما دل على معنى ~~مفرد، أي لفظ دل على معنى واحد جنس شامل لما عدا الخاص من ألفاظ أيضا، ~~(وقوله كرجل إلخ) مخرج لما عدا الخاص وقد يكون ذلك المعنى في الخاص حقيقيا، ~~كزيد ورجل وإنسان، وقد يكون اعتباريا كمائة وألف ونح ذك من ألفاظ الأعداد ~~فإنها موضوعة لمعان كثيرة في ذاتها، لكن اعتبر منها ذلك القدر الذي هو مائة ~~وألف أو نحو ذلك، فوضع له هذه اللفظ علما عليه، فهو باعتبار المجموع معنى ~~واحد خال من شمول التعدد، وباعتبار الجميع متعدد لكثرة أفراده، فدخل في ~~الخاص PageV01P032 باعتبار كونه علما لذلك المجموع فهذا معنى كونه ~~اعتباريا، ثم الخاص الحقيقي يكون اسما وفعلا وحرفا، وينقسم الاسمي منه ms028 إلى ~~عيني وهو الجزء الحقيقي عند المناطقة والعلم المعنوي عند النحاة كزيد ~~وعمرو، (فيعني في قول الناظم) خبر لقوله فنحو زيد، (وعلما حال من زيد) ~~والمعنى أن الذي يشبه زيدا حال كونه علما فهو الخاص العيني، وإلى نوعي كرجل ~~وامرأة وعبد وأمة، وإلى جنسي وهو ما كان أكثر شيوعا في معناه من النوعي ~~كإنسان وفرس ونحوهما، وظاهر عبارة التوضيح أن النوعي والجنسي شيء واحد، ~~وسمي الجميع نوعيا وأقره على ذلك التفتازاني في التلويح وتبعتهما في النظم، ~~(واعلم) أن المراد بالنوعي والجنسي هاهنا غير النوعي والجنسي عند المناطقة، ~~لأن النوعي هاهنا قد يكون جنسيا عندهم كرجل، والجنسي هاهنا قد يكون نوعيا ~~عندهم كإنسان، وعلى ظاهر عبارة التوضيح قد يكون نوعا منطقيا كالفرس وقد لا ~~يكون كالرجل، فإن الشرع يجعل الرجل والمرأة نوعين مختلفين نظرا إلى اختصاص ~~الرجل بأحكام، مثل النبوة والإمامة والشهادة في الحد والقصاص ونحو ذلك، ثم ~~أنه أخذ في بيان ما يتناوله الخاص فقال: # ويشمل المطلق والمقيدا ... والأمر والنهي إذا تجردا. # يشمل الخاص المطلق والمقيد والأمر والنهي، بمعنى أن هذه الأشياء من أقسام ~~الخاص، فأما الأمر والنهي فلا خلاف في أنهما منه، وإنما الخلاف في المطلق ~~والمقيد، فبعض جعلهما قسمين خارجيين من الخاص ومن العام فهما قسمان ~~برأسهما، وجعل بعضهم المطلق من العام، واختار آخرون أن يكونا من باب الخاص، ~~وهو المختار عندي، لأنهم قالوا اللفظ الموضوع لمعنى إما أن يكون وضعه لكثير ~~أو لواحد، والأول إما أن يكون وضعه لكثير بوضع كثير أولا، فإن كان بوضع ~~كثير فهو المشترك، وإلا فإما أن يكون الكثير محصورا في عدد معين، أولا، فإن ~~لم يكن محصورا، PageV01P033 فإن كان اللفظ مستغرقا فهو العام، وإلا فهو ~~الجمع المنكر، وإن كان محصورا فهو من أقسام الخاص، والثاني: وهو ما يكون ~~وضعه لواحد شخصي، أو نوعي، أو جنسي، فهو من أقسام الخاص، فظهر أن المطلق ~~والمقيد من أقسام الخاص؛ لأن الخاص ما وضع للواحد النوعي، والمقيد للواحد ~~الشخصي بتشخص القيد، (والمراد) بقول المصنف إذا تجرد ms029 أي حين تجردا، فإذا ~~ظرفية خالية من معنى الشرط، والألف في تجردا عائد إلى الأمر والنهي، ~~(والمعنى) أن الخاص يشتمل الأمر والنهي حين تجردا عن العموم وغيره، أي لأجل ~~تجردهما من ذلك والله أعلم، ثم إنه لما فرغ من بيان تعريف الخاص وذكر ~~أقسامه، شرع في بيان حكمه فقال: # وحكمه القطع بما عليه دل ... إلا إذا كان لعارض نزل. # أي حكم الخاص، القطع بما دل عليه لفظه، إلا إذا عرض عليه عارض، أو منعه ~~عن ذلك مانع، وذلك كالقرينة المانعة من إرادة حقيقة اللفظ، من نحو قولنا: ~~رأيت أسدا يرمي، فإن قول القائل: رأيت أسدا يدل على المرئي إنما هو الحيوان ~~المفترس قطعا، وذكر الرمي مانع من إرادة أصله، فيدل على غير ما وضع له، ~~دلالة ظنية، ونحو قوله تعالى: { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } فإن ~~اشتراك القرء بين الحيض والطهر، مانع من القطع بإرادة أحدهما دون الآخر، ~~ولولا ذلك الاشتراك، لكان العدد مفيدا للقطع؛ لكونه من الخاص كما مر، ونحو ~~قوله تعالى: { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ~~} المرتب على قوله تعالى: { الطلاق مرتان ...} الآية فإن الفاء في قوله ~~تعالى: (فإن خفتم) للتعقيب، وهي من لفظ الخاص، فمدلولها أن الفدية أحد طرق ~~الطلاق، لا فسخ للنكاح، لكن لما احتمل أن تكون هذه الجملة معترضة بين ما ~~قبلها وبين قوله تعالى: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد) كان هذا الاحتمال ~~مانعا من القطع، بمدلول الخاص الذي هو الفاء، ولذا ذهب الشافعي وبعض ~~أصحابنا إلى PageV01P034 جعل الخلع فسخا، وذهب بعض أصحابنا والحنفية إلى ~~أنه طلاق، ولما فرغ من تعريف الخاص، وبيان حكمه إجمالا، شرع في بيان أقسامه ~~وبيان أحكامه تفصيلا فقال: # ** ذكر الأمر ** # قدمه على النهي؛ لأنه وجودي، والنهي عدمي، والوجود أشرف من العدم، ~~وقدمهما على غيرهما؛ لأن عليهما يترتب غالب الأحكام، وعليهما مدار الإسلام، ~~وبمعرفتهما يمتاز الحلال من الحرام، والأمر يطلق على أشياء منها: القول ~~الخصوص المعبر عنه بأفعل ونحوه، نحو (أقيموا الصلاة ms030 وآتوا الزكاة) ومنها ~~الفعل نحو، قوله تعالى: { وشاورهم في الأمر } أي الفعل الذي تعزم عليه، ~~ومنها الشأن نحو {إنما أمرنا لشيء إذا أردناه} أي شأننا، ومنها الصفة، نحو ~~لأمر ما يسود من يسود، أي لصفة من صفات الكمال، ومنها الشيء، نحو: لأمر ما ~~جدع قصير أنفه، أي لشيء، ومنها الغرض، نحو: فعلت هذا لأمر، أي لغرض، واتفق ~~الكل على أنه حقيقة في القول المخصوص، واختلفوا فيما عدا ذلك، فقال قوم: هو ~~حقيقة في الكل على طريق الاشتراك، وقال آخرون: هو مجاز فيما عدا القول ~~المخصوص، وقال آخرون: هو حقيقة في بعض هذه الأشياء، وجاز في البعض الآخر، ~~ثم أنه أخذ في تعريف الأمر الذي يدور غرض الأصوليين فقال: # طلب فعل غير كف لا على ... وجه الدعاء فهو أمر حصلا. # بالقول والفعل وبالإشارة ... إن فهمت وقد تجيء العبارة . # حقيقة نحو افعلن ولتفعل ... وغيرها نحو أمرت فأقبل. # فمن هنا المندوب مأمور به ... وقيل لا والخلف لفظي به. # عرف الأمر بأنه: طلب فعل غير كف لا على وجه الدعاء، فدخل في قوله: طلب ~~فعل النهي، على مذهب من جعل الترك فعلا، لكن خرج بقوله غير كف؛ لأن النهي ~~إنما هو: طلب فعل كف، وبعض يرى PageV01P035 الترك ليس بفعل، فلم يذكر هذا ~~القيد؛ لحصول التحرز عن النهي بقوله: طلب فعل، وخل أيضا الدعاء وهو: طلب ~~العبد من ربه الهداية أو نحوها، لكنه خرج بقوله: لا على وجه الدعاء، فإن ~~الطلب الجاري على وجه الدعاء، لا يسمى أمرا، وزاد بعضهم قيدا آخر هو: أن ~~يكون على جهة الاستعلاء، وفسروه بأنه: طلب العلو، سواء كان ذلك موجودا في ~~الآمر في نفس الأمر، أو غي موجود، واحترزوا بهذا القيد، من قول الرجل لمن ~~يساويه مرتبة، افعل كذا، وهو غير مستعل عليه، فإن هذا عندهم يخص باسم ~~الالتماس، وأسقط هذا القيد المصنف؛ لعدم احتياج الأمر إليه، فإن الطلب ~~المخصوص يسمى أمرا، سواء حصل في الأمر صفة الاستعلاء، أو لم تحصل، وتخصيص ~~الأمر للمساوي بالالتماس لا يمنع من تسميته ms031 أمرا حقيقيا، وهذا الطلب ~~المخصوص بكونه أمرا، يكون بالقول المخصوص والموضوع للأمر حقيقة، نحو: ~~(أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) وبالقول الذي لم يوضع لذلك، مع القرينة ~~الدالة على المراد، نحو: (كتب عليكم الصيام) وقد يجيء بالفعل، لقوله صلى ~~الله عليه وسلم لأبي بكر -رضي الله عنه- لما قضيت الصلاة: (ما منعك أن تصلي ~~بالناس إذ أمرتك) ولم يكن هناك لفظ، بل دفعه، وقد يكون بالإشارة، كالإشارة ~~إلى لجلوس والضرب ونحوها، ويستدل على كون ثبوت الإشارة أمرا، بالحديث ~~السابق في الفعل، وبقوله تعالى: { فأوحى إليهم أن سبحوه بكرة وعشيا } مع ~~قوله تعالى: { آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا } وأيضا فالغرض من ~~القول المخصوص، إنما هو فهم الخطاب منه، فإذا حصل ذلك الفهم بغير القول، ~~وجب أن يعطى حكمه في الطلب وغيره، وتنقسم العبارة التي هي: اللفظ الدال على ~~طلب فعل غير كف لا على وجه الدعاء إلى قسمين: (أحدهما) حقيقة في ذلك الطلب، ~~وهو ما كان على وزن افعل، نحو: (أقيموا الصلاة) وما كان على وزن ليفعل، ~~بلام الأمر نحو: (لينفق ذو سعة من سعته) ونحو: PageV01P036 # (فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف) (والقسم الثاني) ~~مجاز، وهو الأمر الوارد بصيغة الخبر، نحو: (كتب عليكم الصيام، كتب عليكم ~~القتال، أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء، إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات ~~إلى أهلها) ونحو: (فكفارته إطعام عشرة مساكين، فتحرير رقبة) وإنما كان ~~الأمر بهذه الصيغة مجازا؛ لأن هذه الصيغة موضوعة للإخبار، فاستعمالها في ~~الأمر، استعمالها في غير ما وضعت له، ومن تعرفنا الأمر بالطلب المذكور، ~~تعرف أن المندوب مأمور به، بمعنى أنه مطلوب فعله، كما هو مذهب أبي الربيع، ~~والبدر الشماخي، وقال عمروس، والشيخ أبو يعقوب، والكرخي، والرازي، أنه غير ~~مأمور به، قال البدر الشماخي -رحمه الله تعالى-: والجمع بين قول عمروس وأبي ~~الربيع، أن عمروسا وأبا يعقوب، حملا الأمر على الوجوب، والشيخ أبو الربيع ~~حمله على معناه الثاني، أي وهو الطلب الغير الجازم، (وهذا) معنى قول ~~الناظم، والخلف لفظي ms032 به، أي فيه، أي الخلف في أن المندوب مأمور به، عائد ~~إلى اللفظ دون المعنى، فإن كل واحد من الفريقين يسلم أن المندوب مطلوب ~~شرعا، لكن منهم من خص الأمر بالوجوب، فمنع تسمية المندوب به، ومنهم من ~~أطلقه على الوجوب وعلى غيره بطريق الاشتراك، وقيل في غير الوجوب مجاز، فجوز ~~تسمية المندوب مأمورا به، وزاد الباقلاني، والأستاذ الأسفرائيني، فسموا ~~المندوب مكلفا به، وزاد الأسفرائيني أيضا فسمى المباح مكلفا به، قال البدر ~~الشماخي بعد حكاية قول الأستاذ: بأن المندوب مكلف به، وهو خطأ، أي قول ~~الأستاذ بذلك خطأ، وأقول أن تسمية الأستاذ والباقلاني المندوب مكلفا به، ~~وتسمية الأستاذ المباح مكلفا به، أمر غير خارج عن الصواب، على المعنى الذي ~~بنيا عليه، فإن التكليف عندهما هو طلب ما فيه كلفة، لا إلزام ما فيه كلفة، ~~فيدخل تحت الطلب الواجب والمندوب، وأما وجه تسمية الأستاذ المباح مكلفا به، ~~فهو أنه إنما اعتبر فيه طلب اعتقاد PageV01P037 أنه مباح، فعلى هذا فالخلاف ~~في ذلك لفظي أيضا والله أعلم. # ولما فرغ من تعريف الأمر، وبيان صيغته، شرع في بيان حكمه فقال: # وحكمه الوجوب ما لم تصرف ... قرينة له عن المعنى الوفي. # فإنه وإن يكن يشمل ما ... سوى الوجوب فالوجوب انحتما. # لخارج عن ذاته وذلكما ... مالك لا تسجد إذا أمرتكا. # ونحوها وشاع الاستدلال ... به على الوجوب فيما قالوا. # ولم يكن ينكر والشياع ... من غير إنكار له إجماع. # وقيل للندب وقيل مشترك ... بينهما ووقف البعض وشك. # وحكمه أن جاء بعد الحظر ... والندب حكم ما مضى فلتدر. # أي حكم الأمر المعرف بأنه: طلب فعل غير كف لا على وجه الدعاء، هو الوجوب ~~وضعا وشرعا ما لم تصرفه عن معنى الوجوب قرينة، فإنه وإن كان شاملا في ذاته ~~للوجوب والندب، لأن كلا منهما مطلوب، فالوجوب إنما تعين بأدلة خارجة عن ذات ~~الطلب، منها قوله تعالى لإبليس حين امتنع من السجود: { مالك ألا تسجد إذ ~~أمرتك } وكان الأمر مطلقا عن القرائن، وهو قوله تعالى: { إذ قلنا للملائكة ~~اسجدوا لآدم فسجدوا إلا ms033 إبليس } فأنكر عليه ربنا عز وجل ترك السجود، ولو لم ~~يكن الأمر للوجوب عند عدم القرائن، لكان لإبليس العذر في ترك السجود؛ لجواز ~~أن يقول في جوابه أن هذا الأمر ندب وتاركه لا يعصي، لكنه لم يكن له عذر ~~بتركه، بدليل الإنكار عليه، وتعقيب ذلك بالطرد واللعن، فدل على أن الأمر ~~للوجوب ما لم تصرفه قرينة، ومنها قوله تعالى: { فليحذر الذين يخالفون عن ~~أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } ووجه الاستدلال من الآية، أنه ~~تعالى هدد تاركي الأمر، بإصابة الفتنة والعذاب الأليم، ولا يكون هذا ~~التهديد إلا عن ترك الواجب، ومنها قوله تعالى: { وإذا قيل لهم اركعوا لا ~~يركعون } وجه الاستدلال منها، أنه تعالى ذمهم وسماهم مجرمين، بترك الركوع ~~المأمورين به، والأمر في PageV01P038 الآية مطلق عن القرائن كما ترى، فثبت ~~المطلوب، ومنها أن تارك المأمور به عاص، بدليل: {أفعصيت أمري}، {لا يعصون ~~الله ما أمرهم} والعاصي يستحق العذاب، بدليل: {ومن يعص الله ورسوله يدخله ~~نارا خالدا فيها} قال البدر رحمه الله: (فإن قلت) أن الآية خاصة بالكفار، ~~قلت النص عام يختص بالكفار انتهى، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام لأبي ~~سعيد الخدري، وقد دعاه وهو في الصلاة: (ما منعك أن لا تستجيب وقد قال الله ~~تعالى: يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم) ووجه ~~الاستدلال من الحديث أنه صلى الله عليه وسلم، أنكر على أبي سعيد ترك ~~الاستجابة مع ذلك الأمر الوارد في الآية، ولا ينكر عليه إلا لتركه ما يجب ~~عليه، لاسيما وهو يصلي، مع قوله تعالى: { ولا تبطلوا أعمالكم } فلو لم تكن ~~الاستجابة لله وللرسول أوجب من الصلاة التي فيها أبو سعيد، لما أمره صلى ~~الله عليه وسلم أن يتركها ويستجيب، ومنها أنه شاع الاستلال بالأمر على ~~الوجوب من الصحابة ومن بعدهم، ولم يظهر من أحدهم إنكار ذلك، والشياع من غير ~~إنكار، ممن يعتد به إجماع قولي إن قالوا به جميعا، أو سكوتي إن قاله البعض ~~وسكت الباقون والكل حجة، فثبت المطلوب، وهو ظان الأمر ms034 المطلق للوجوب ~~بالكتاب والسنة والإجماع، قال البدر الشماخي بعد ما ذكر هذه الأدلة: ليس ~~خاصا بصيغة أفعل، بل يجري في أمرتكم وغيرها انتهى، وهو الذي قررته سابقا ~~والحمد لله، (فإن قامت) قرينة تمنع الأمر من إرادة الوجوب، صرف إلى الندب ~~ما تقتضيه القرينة من المعاني مجازا، كما صرف إلى الندب في قوله تعالى: { ~~فكاتبوهن إن علمتم فيهم خيرا } وكما صرف إلى الإباحة، في قوله تعالى: { ~~كلوا من الطيبات } وكما صرف إلى الإرشاد، في قوله تعالى: { وأشهدوا إذا ~~تبايعتم } والفرق بين الإرشاد والندب، أن المصلحة في الندب أخروية، وفي ~~الإرشاد دنيوية، وكما صرف لإرادة الامتثال، في قولك لآخر عند العطش، اسقني ~~ماء، وكما صرف إلى PageV01P039 الإذن، في قولك لمن طرق الباب أدخل، وكما ~~صرف إلى التأديب، في قوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي مسلمة، وهو دون ~~البلوغ، ويده تطيش في الصحفة كل مما يليك، وكما صرف الامتنان في قوله ~~تعالى: { كلوا مما رزقكم الله } وكما صرف للتهديد في قوله تعالى: { اعملوا ~~ما شئتم } والقرائن في الكل ظاهرة، وأما العلاقة فقال البناني: هي بين ~~الوجوب والندب والإرشاد، المشابهة المعنوية لاشتراكهما في الطلب، وبينه ~~وبين الإباحة الإذن، وهي مشابهة معنوية أيضا، وكذا بينه وبين الامتنان، ~~وبينه وبين إرادة الامتثال، وأما بينه وبين التهديد فالمضادة؛ لأن المهدد ~~عليه حرام أو مكروه انتهى، وعزاه لابن القاسم، وقال ابن السبكي: وعندي أن ~~المهدد عليه لا يكون إلا حراما، كيف وهو مقترن بذكر الوعيد انتهى، قال ~~البناني: والظاهر ما قاله ابن السبكي، فإن المكروه لا يستحق تهديدا انتهى، ~~وما قدمت لك من أن الأمر حقيقة في الوجوب، مجازا في غيره، هو ما عليه ~~الجمهور، (وقال) أبو علي وأبو هاشم والقاضي عبد الجبار: لا يقتضي الوجوب ~~إلا لقرينة تقتضي ذلك، وإنما هو حقيقة في الندب، (وقال) أبو القاسم البلخي، ~~والشيخ أبو عبد الله البصري، وأكثر فقهاء قومنا: بأنه للوجوب شرعا فقط، لا ~~من جهة اللغة، فأصل وضعه عندهم للندب، وقيل: بل موضوع في اللغة للطلب ~~المشترك ms035 بين الوجوب والندب، وهو الطلب المفيد استحقاق الثواب، من دون النظر ~~إلى استحقاق العقاب بتركه، وعدم الاستحقاق، فهذا هو المشترك بينهما، وأما ~~مع معرفة أن لا عقاب بتركه، فهو الطيب المختص بالندب، ومع معرفة استحقاقه، ~~هو المختص بالوجوب، وقيل: بل مشترك بين الوجوب والندب، وتوقف الأشعري، وأبو ~~بكر الباقلاني في كونه للطلب المشترك، أو مشتركا بين الوجوب والندب، وهذا ~~معنى قول الناظم، وقيل: للندب إلى آخره، وفيه أقوال أخر لم يذكرها المصنف، ~~أحدها: أنه مشترك بين الندب والوجوب والإباحة، وثانيها: PageV01P040 # أنه للإذن المشترك بين الثلاثة، التي هي الوجوب والندب والإباحة، ~~وثالثها: أنه مشترك بين هذه الثلاثة وبين التهديد، ونسب إلى الإمامية من ~~الشيعة، (وأما قوله وحكمه إن جاء إلخ) أي حكمه الأمر إن ورد بعد الحظر أو ~~بعد الندب، هو كحكمه إن ورد ابتداء، أي إذا حرم الله سبحانه شيئا، ثم أمر ~~به، فذلك الأمر للوجوب، إلا لقرينة تصرفه عن حقيقته، وكذا إذا ندب لشيء، ثم ~~أمر به، فالأمر به للوجوب، إلا لقرينة، كما كان ذلك في الأمر ابتداء، وكون ~~الأمر للوجوب بعد التحريم، هو قول القاضي أبي الطيب، وأبي إسحاق الشيرازي، ~~وأبي المظفر السمعاني، والفخر الرازي، وغيرهم وقيل: هو الإباحة حقيقة، ونسب ~~إلى الأكثر، وإلى الفخر الرازي، وقال الغزالي: إن كان الحظر عارضا لعلة، ~~وعلفت صيغة أفعل بزوالها، فيبقى موجب الصيغة كما كان قبل النهي، وقيل فيه ~~بالتوقف، وظاهر كلام البدر -رحمه الله تعالى- في مختصره أنه للإباحة حقيقة، ~~وصرح في شرحه؛ بأن ورود الأمر بعد الحظر، قرينة صارفة له عن الإيجاب إلى ~~الإباحة، فظاهر كلامه في شرحه؛ أن كون الأمر عبد الحظر للإباحة مجازا، لا ~~حقيقة، (احتج القائلون) بالوجوب، بما تقرر من الأدلة القاطعة، على أن الأمر ~~للوجوب، ولا دليل يعدل به عن حقيقته، التي تثبت له بالدليل القاطع، (واحتج) ~~القائلون بالإباحة، بأن الأمر بعد الحظر لا يرد غالبا إلا للإباحة، ولا ~~يتبادر منه إلى الذهن، إلا ذلك، والتبادر علامة الحقيقة، (قلنا) أما ~~الاستدلال بالأغلبية فهو أمر ظني ms036، يثبت عند عدم الذي هو أقوى منه، أما عند ~~الدليل القاطع، فإنه يرد إليه، فما قامت فيه قرينة أنه للإباحة، فهو لها، ~~وما لم تقم في قرينة، رد إلى أصله المعلوم قطعا، مثال ما ورد بعد الحظر ~~وليس له قرينة تصرفه عن حقيقته، قوله تعالى: { فإذا انسلخ الأشهر الحرم ~~فاقتلوا المشركين الآية } بيان ذلك أنه تعالى حرم قتال المشركين في الأشهر ~~الحرم، وأمر به بعد PageV01P041 انسلاخها، وهذا الأمر واجب على الكفاية، ~~بلا خلاف بينهم، ومثال ما ورد بعد الحظر، وله قرينة تصرفه عن الحقيقة، قوله ~~تعالى: { فإذا حللتم فاصطادوا } { فإذا تطهرن فأتوهن } { فإذا قضيت الصلاة ~~فانتشروا } والقرينة في الكل، هي أن المأمور به منفعة دنيوية، ولم يوجب ~~الشرع شيئا من المنافع الدنيوية، إلا التي يدفع بها الضرر، فإنها واجبة ~~ووجوبها إنما هو لغيرها، وهو دفع الضرر لا لذاتها، فثبت ما قلناه والله ~~أعلم، ولما فرغ من بيان حقيقة الأمر وحكمه، شرع في بيان تقسيمه إلى مقيد ~~ومطلق عن القيد فقال: # والأمر قد يأتي مقيدا وقد ... يأتي بلا قيد فإن قيد ورد. # ففعله في وقت قيده لزم ... ومن يفوته بلا عذر أثم. # ينقسم الأمر إلى: مقيد، و إلى مطلق من القيد، فأما المطلق فسيأتي حكمه، ~~وأما المقيد فهو على أنواع، أحدهما: أن يكون القيد وقتا، وثانيها: ما القيد ~~فيه عدد، وثالثها: ما القيد فيه الدوام، ورابعها: ما القيد فيه وصف، وسيأتي ~~أحكام هذه الأنواع كلها، عند ذكر المصنف لها، إن شاء الله تعالى، (فأما ~~المقيد) بوقت، فهذا موضع ذكره، ونقول في بيانه: أن الفعل المأمور به في وقت ~~من الأوقات بعينه، فأما أن يستغرق الوقت كله، كالصوم مستغرق للنهار، ويسمى ~~مضيقا، وإما أن لا يستغرقه كله، بل يجزي فيه بعض الوقت، ويسمى موسعا، ~~كالصلاة المأمور بها في الأوقات المخصوصة، ولا يصح أن يكون الوقت لا يسع ~~الفعل، أي ليس من الحكمة أن يأمرنا سبحانه وتعالى أن نفعل شيئا في وقت ~~بعينه، وذلك الوقت لا يسع ذلك الفعل؛ لأنه من التكليف بما ms037 لا يطاق، وهو في ~~حكمته تعالى محال، فأما الفعل المضيق فلا خلاف، في إن ذلك الوقت كله وقت ~~كله وقت وجوبه، لكن الخلاف في الموسع، وهو الذي يكون فيه الوقت أوسع من ~~الفعل، اختلفت الأمة في وقت وجوبه على ثلاثة مذاهب، أحدهما: أن وقت وجوبه ~~هو أول الوقت فقط، ونسب هذا القول إلى الشافعي وأصحابه، قال صاحب المنهاج: ~~ثم اختلفوا في آخره، PageV01P042 ما فائدة التوقيت به، فقيل: ضرب للقضاء، ~~أي لم يذكر في الموقت، إلا ليقضى فيه ما فات غي وقت الوجوب، وهو أول الوقت، ~~ولا يقضى بعده أصلا، فإذا فات الظهر مثلا في أول وقته، قضاه المكلف، ما لم ~~يدخل في وقت العصر، فمتى دخل في وقت العصر، فقد فات الأداء والقضاء عند ~~هؤلاء، فلا يقضي بدع ذلك أبدا، وقيل: هؤلاء قد انقرض خلافهم، ولم يبق أحد ~~منهم، وقيل: بل آخر الوقت ضرب ليدل على تخييره، بين أن يفعل في أوله أو في ~~آخره، فهؤلاء جعلوا الوجوب متعلقا بأول الوقت، لكن المكلف مخير بين أن ~~يفعله فيه، أو يؤخره عن وقت وجوبه، وإذا فعله بعده، فلم يؤده في وقت وجوبه، ~~لكن الشرع أباح له تأخير فعله عن وقت وجوبه أوقاتا معلومة، إذا فعل في أيها ~~لم يأثم بالتأخير، فهو أداء لا قضاء، فإن أخره عن تلك الأوقات أثم، وكان ~~فعله بعدها قضاء، فضرب ما عدا أو الوقت، ليدل على أن المكلف مخير بين أن ~~يفعله في وقت وجوبه، وهو أول الوقت، وبين أن يؤخره عن وقت وجوبه إلى أي ~~الأوقات المضروبة لذلك الفرض، وأنه يجزيه فعله في أيها، فلا يأثم حتى يفوت ~~جميعها، قال: هذا تحقيق مذهب هؤلاء، (المذهب الثاني) أن وقت الوجوب هو آخر ~~الوقت، ونسب هذا القول إلى أبي حنيفة وأصحابه، قال صاحب المنهاج: واختلفوا ~~فيما فعل في أوله، فقيل: نفل يسقط به الفرض، وقيل: موقوف إن بلغ المكلف آخر ~~الوقت، وهو على صفة المكلفين، ففرض وإن مات، أو سقط تكليفه قبله فنفل، وهذا ~~القول، مروي عن ms038 الشيخ أبي الحسن الكرخي أيضا، وحكى أبو بكر الرازي عن أبي ~~الحسن الكرخي أنه يقول: أن الواجب الموسع يتعين فرضا بأحد أمرين، إما ~~بدخوله في الصلاة المفروضة في أول وقتها، أو بلوغه آخر الوقت، وهو بصفة ~~المكلفين، وإن لم يفعل، قال: فهذا تحقيق مذاهب من جعل الوجوب متعلقا بآخر ~~الوقت، (المذهب الثالث) أن الوجوب متعلق بجميع الوقت، كله وقت أداء، ~~PageV01P043 وصححه البدر الشماخي -رحمه الله تعالى- وقال عقب ذكره: ووافقنا ~~على ذلك جمهور المخالفين، ومعنى كون الوجوب متعلقا بجميع الوقت، هو أن ~~العبد مخير بين الفعل والترك في أول الوقت ووسطه، حتى إذا لم يبق من الوقت ~~إلا مقدار ما يسع الفعل، تعين الأداء، كيلا يفوت الفرض، فإن التفويت بغير ~~عذر، حرام قطعا، (لا يقال) فإذا كان له أن يترك في أول الوقت ووسطه، فلا ~~وجوب في ذلك الوقت، (لأنا نقول) أنه لا معنى لكونه واجبا، إلا لكونه، أثر ~~خطاب الله تعالى، المترتب على تركه العقاب، ومن الواجبات، ما يكون موسعا في ~~فعله، فلا يهلك المخاطب به، إلا بتركه أصلا، ومنها ما هو مضيق، فيهلك ~~المخاطب به بنفس تأخيره، فبهذا تعرف، أنه ليس كل واجب يلزم فعله فورا والله ~~أعلم، (وأوجب) أبو علي وأبو هاشم، وهما من غير الأصحاب، العزم على الفعل، ~~في أول الوقت ووسطه، وجعلاه بدلا من تعجيل الفعل، والصحيح عدم وجوب العزم، ~~وأن الوجوب متناول لجميع الوقت على السواء، كما مر، وحجتنا على ذلك وجهان، ~~(أحدهما) أن الأمر بوجوب ذلك الفعل، متناول لأول الوقت وآخره ووسطه على ~~سواء، فقوله تعالى: { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل } # متناول لمل بين الدلوك والغسق، تناولا واحدا، فتخصيص تناوله بأحد طرفي ~~الوقت، دون الآخر، بلا دليل تحكم، (والوجه الثاني) أنه لو كان الوجوب ~~متعلقا بآخره فقط، للزم العصيان بالتأخير إلى آخره، ولو كان متعلقا بآخر ~~الوقت فقط، للزم من تقديم الفعل في أوله، تقديم الواجب قبل وقته، فلا يصح ~~أداؤه، كتقديم الظهر قبل الزوال، والأمة مجتمعة على خلاف ذلك والله ms039 أعلم، ~~فثبت بما قررناه، أن الوجوب متناول لجميع الوقت، (وهذا معنى قول المصنف) ~~ففعله في وقت قيده لزم، وأما معنى قوله: زمن يفوته بلا عذر أثم فهو: أن ~~المأمور به، المقيد بوقت، إنما يجب فعله في ذلك الوقت، ولا يصح تأخيره بلا ~~عذر، حتى يفوت الوقت، ومن أخره بلا عذر حتى PageV01P044 فات الوقت، فهو آثم ~~بتأخيره، وهالك بتفويته، لمخالفة أمر ربه، وذلك أن الرب عز وجل، أمر العبد ~~أن يفعل ذلك الشيء في ذلك الوقت المحدود، فإذا فعله قبل وقته أو بعده، فقد ~~خالف أمر ربه، فيجب عليه التوبة من ذنبه، والتلافي لقضائه وجوبا شرعيا، ~~لكنهم اختلفوا في الدليل الموجب للقضاء، هل هو الأمر الذي أوجب به الأداء، ~~أو أمر آخر، فلذا قال: # ووجب القضاء بأمر ثاني ... إن فات أو فوته التواني. # وقبل بالأمر الذي تقدما ... والأول الصحيح عندي فافهما. # أي إذا فات وقت الفرض المؤقت بعذر، كان في تأخير الفعل، أو المكلف بلا ~~عذر منه، فإنه يجب عليه تداركه بالقضاء اتفاقا، واختلفوا في الدليل الذي ~~وجب به القضاء، فذهب أكثر العلماء والبدر الشماخي -رحمه الله تعالى- إلى أن ~~الدليل الذي وجب به القضاء هو: شيء غير الدليل الذي وجب به الأداء، وذلك ~~نحو قوله تعالى: { فعدة من أيام أخر } وقوله صلى الله عليه وسلم: (من نام ~~عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فذلك وقتها) فقوله تعالى، فعدة من أيام ~~أخر، دليل لوجوب القضاء، وهو غير الدليل الذي وجب به الصوم ابتداء، فإن ~~وجوبه الصوم ابتداء إنما وجب بقوله تعالى: { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } ~~وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: فليصلها إذا ذكرها الحديث، فإن هذا الأمر ~~دليل، لوجوب القضاء للصلاة، وهو غير الأمر الذي وجب به أداء الصلاة، فإن ~~أداءها وجب بقوله تعالى: { أقيموا الصلاة } ونحوه، فظهر أن الأمر الذي وجب ~~به القضاء، هو غير الأمر وجب به الأداء، ولذا قلت في النظم: ووجب القضاء ~~بأمر ثاني، والمراد بقوله أمر ثاني، أي أمر غير الأمر الذي وجب ms040 به الأداء ~~أولا، وقيل: أن وجوب القضاء، إنما هو، بالأمر الأول الذي وجب به الأداء، ~~ونسب هذا القول، إلى القاضي عبد الجبار، والشيرازي، وابن الخطيب، والرازي، ~~(ويبحث فيه) بأن الأمر المحدود بزمان، لا يتناول ما بعد ذلك الزمان، فإذا ~~PageV01P045 قيل: أضرب زيدا يوم الجمعة، فلا يكون الأمر شاملا للضرب يوم ~~السبت مثلا، (وأيضا) فلو كان الأمر متناولا للأداء والقضاء، للزم أن يكون ~~كلا الفعلين أداء، (قالوا) الزمان عرض، لا يؤثر في الواجب حكما، كالدين ~~المؤقت لا يسقط بمضي وقته، وإنما يسقط بنفس الأداء، (قلنا) كلامنا في مقيد، ~~لا يصح تقديمه عن وقته، والين ليس كذلك، (قالوا) لو وجب بأمر ثان، لكان ~~أداء، لا قضاء، (قلنا) سمي قضاء، لكونه استدراكا لما فات، ولما فرغ من بيان ~~حكم الأمر، المقيد بوقت، ومن بيان وجوب قضائه، أخذ في بيان حكمه، الأمر ~~المطلق عن القيد بالوقت فقال: # وإن يكن غير مؤقت فلا ... فور ولا تراخي منذ حصلا. # وقيل بالفور وبعض وقفا ... وصحح الأول منها فاعرفا. # أي إذا كان الأمر، غير مؤقت بوقت، يكون فعله بعده قضاء، لا أداء، فذلك ~~الأمر، أمر لا يقتضي فورا ولا تراخيا، والمراد بالفور هنا، هو تعجيل إنفاذ ~~الواجب، بحيث يلحق من آخره لذم، والراد بالتراخي، ما يقابل ذلك، وإنما قلنا ~~أنه لا يقتضي فورا ولا تراخيا؛ لأن كل واحد من هذين إنما يعلم بدليل غير ~~الأمر، أما الأمر نفسه، فلا يدل على طلي الفعل، فمهما أتى به المكلف عد ~~متمثلا، سواء كان إتيانه له فورا، أو متراخيا، وذلك كالأمر بالزكاة، والأمر ~~بالحج، فإن الأمر بهما غير مقيد بوقت، يكون فعلهما بعده قضاء أداء، فمتى ما ~~فعلهما المكلف على الوجه المشروع أجزاه، ويصير بذلك متمثلا، (وقيل) أن ~~الأمر المطلق عن المقيد بالوقت، يقتضي الفور، فيجب الامتثال عند الإمكان، ~~ويعصي بالتأخير، ونسب هذا القول إلى كثير من فقهاء وقونا، وكثير من ~~متكلميهم، وهو ظاهر كلام ابن بركة، حيث أوجب تعجيل الحج عند الإمكان، ~~(وقال) الباقلاني من الأشعرية: يقتضي الفور، إما الفعل ms041 في الحال، أو العزم ~~في ثاني الحال، وتوقف الجويني، لكن قال: فإن بادر فقد امتثل، وقال بعض ~~القائلين بالوقف، إنه إذا بادر، لم يعلم أنه PageV01P046 امتثل لجواز أن ~~يكون منه التراخي، (وقيل) هو موضوع للتراخي، أي يقتضي الوجوب غير مخصص بوقت ~~وقت، فنسب هذا القول إلى أبي هاشم والشافعي وأصحابه، (وقالوا) لو أراد ~~الحكم وقتا بينه، وإلا كان مكلفا بما هو غير معلوم لنا، (وأجيب) بأنه لو ~~كان للتراخي لالتحق الواجب بالنفل، لأنه لا يستحق الذم بالإخلال به في كل ~~وقت، حتى ينقضي عمر المكلف، إذ لا وقت أخص من آخر، فليلحق بالنوافل، ~~(واعترض) هذا الجواب بأن المأمور به، إنما يصح تأخيره، ما دام في العمر ~~مهل، ويتعين فعله آخر العمر، فإن ظهرت له أسباب الوفاة، أو ظن الموت، فضيع ~~المأمور به، استحق الذم بذلك، وصار به آثما، والنوافل ليس كذلك، فإنها لا ~~يأتي عليها حال يصير تاركها فيه آثما، (وتنبيه) اختلف القائلون بالفور في ~~الأمر المطلق، إذا لم يفعل فورا، فقال بعضهم: لا يجب فعله بعد ذلك، إلا ~~بدليل آخر، أي أن الأمر الأول، لا يدل على وجوب فعله بعد التراخي عن فله، ~~فيحتاج عندهم في وجوب فعله إلى دليل آخر، كما كان ذلك في قضاء الموقت، ~~(وقال) الرازي يجب فعله بالأمر الأول، وإن كان للفور؛ لأن تقديره، أفعل في ~~الوقت الأول، فإن لم تفعل فيه، ففي الوقت الثاني، فإن لم تفعل ففي الوقت ~~الثالث، وهكذا إلى أن تأتي حالة لا يمكن انتقال الفعل إلى غيرها، وأنت خبير ~~بأن كلا القولين محتاج إلى دليل، ولا دليل على شيء منهما، فلو قالوا أن ~~الأمر المطلق، لا يدل على فور ولا تراخ، كما قررناه آنفا، لسلموا عن ذلك ~~التكليف، واحتجاجهم على أن الأمر للفور، بما أبدوه من الحجج غير مسلم، وذلك ~~أنهم قالوا: أن السيد لو قال لعبده اسقني ماء فتراخى، عد عاصيا، (وأجيب) ~~بأن ذلك إنما هو لقرينة الحال التي عليها السيد، وهي إرادة الماء حالا، ~~وليس ذلك من الأمر ms042، (وقالوا) يجب أن يكون الأمر للفور، كما يجب ذلك في ~~نقيضه، وهو النهي، (وأجيب) بأن المطلوب من النهي، هو عدم PageV01P047 وجود ~~الفعل، فلو لم يقتض الفور لفات المطلوب منه، والمطلوب من الأمر، هو وجود ~~الفعل، فإذا حصل في أي وقت، حصل في الامتثال، وهاتان الحجتان، أقوى مما ~~عولوا عليه، وقد رأيت ما فيهما والحمد لله، ثم إنه أخذ في بيان حكم المقيد ~~بالعدد والمدة فقال: # وإن يكن مقيدا بعدد ... كمدة أو بدوام الأبد. # فاعتبر القيد الذي عليه دل ... واحكم عليه بالذي فيه نزل. # أي إذا كان الأمر مقيدا بعدد، كصل ركعة، أو صل ركعتين، أو صل ثلاث ركعات، ~~أو نحو ذلك، أو مقيدا بتأبيد، نحو صوموا أبدا، وصلوا دائما، أو نحو ذلك، ~~فاعتبر ذلك القيد، الذي قيد به الأمر، من عدد أو تأبيد، واحكم على الأمر ~~بما يقتضيه ذلك القيد، فيحكم على قول القائل، صل ركعة، بان المأمور به إنما ~~هو ركعة واحدة، وكذلك القول في صل ركعتين، أو ثلاث ركعات، ونحو ذلك، كثر ~~العدد، أو قل، فيحكم على الأمر بما يقتضيه العدد، وكذلك يحكم على قول ~~القائل، صوموا أبدا، وصلوا دائما، بأن المراد من هذا الأمر، دوام الفعل ~~المأمور به، وكذا يحكم على الأمر المقيد، بكونه إلى غاية، نحو (ثم أتموا ~~الصيام إلى الليل) فإنه يحكم عليه، بدوام الصيام في تلك المدة إلى الغاية ~~التي قيد بها الأمر، وهذا الذي ذكرته من اعتبار القيد العددي، والأبدي، ~~والحكم على الأمر بما يقتضيه وضع الأمر، ومنهاج اللغة، وهو ثابت في المقيد ~~بالعدد بلا خلاف، وفي الأمر المقيد بالأبد على الصحيح، وذهب أبوا عبد الله ~~البصري، إلى أن الأمر المقيد بالتأبيد، واحتج بما روته اليهود عن موسى عليه ~~السلام، قال لهم: تمسكوا بالسبت أبدا، فإنه لم يقتض الدوام، بل نسخ بشريعة ~~محمد صلى الله عليه وسلم، وبقوله تعالى: { ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم ~~} ثم حكي عن أهل النار، أنهم يتمنون الموت، في قوله تعالىحاكيا عنهم: { ~~ليقض علينا ربك } فلم يقتض الدوام ms043، (قلنا) عن الأول: أن صاحب المعالم -رحمه ~~الله تعالى- صرح بأن هذا الحديث، الذي روته اليهود عن موسى PageV01P048 ~~عليه السلام، هو من الشبهات، التي لقنهم إياهم ابن الراوندي، فمقتضى كلامه ~~-رحمه الله- أنه كذب، والكذب لا يحتج به، وعلى تقدير صحته عن موسى عليه ~~السلام، (فجوابه) أنا لا نمنع من جواز نسخ المؤبد، وإن قلنا بأنه يقتضي ~~التأبيد، فمرادنا، أنه يقتضي ذلك، ما لم يدل دليل على نسخه، ولا يلزم من ~~اقتضائه الأبد استحالة نسخه، والله أعلم، (وعن الثاني) أن # تأبيد كل شيء، إنما هو بحسب ما يقتضيه حال ذلك الشيء، فقوله تعالى: { ولن ~~يمنوه أبدا } إنما هو تأبيد في الحياة الدنيوية، وبزوالها يزول تأبيدها، ~~والدليل على أن التأبيد في الآية للحياة الدنيوية، هو قوله تعالى حكاية عن ~~أهل النار: { قالوا يا مالك ليقض علينا ربك } فظهر من هنا أن قوله تعالى: { ~~ولن يتمنوه أبدا } أي ما داموا في الدنيا، وقد انقرضت الدنيا، فانقرض ~~تأبيدها، على أنا لو شئنا لقلنا: أن مرادنا باقتضاء المفيد بالتأبيد الأبد، ~~إنما هو عند عدم الدليل المانع من اقتضاء ذلك، وههنا قد قام الدليل على عدم ~~اقتضاء التأبيد، وبنفي ما وراء ذلك على قاعدته، وهو اقتضاء التأبيد والله ~~أعلم، ثم أنه أخذ في بيان حكم المقيد بالوصف فقال: # وهكذا مقيد بوصف يعتبر القيد بحسب العرف. # فإن يكن من ثابت الأوصاف أفاد تكرارا بلا خلاف. # وإن يكن من غيره يفد ذلك إلا بدليل قد قصد. # أي إذا علق الأمر على وصف، اعتبر ذلك الوصف الذي علق عليه الأمر، فإن كان ~~من الأوصاف المؤثرة في الحكم، الثابتة بالدليل، فإن الأمر يتكرر بتكرارها، ~~وذلك كما في قوله تعالى: { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } وكما في ~~قوله تعالى { وإن كنتم جنبا فاطهروا } فإن عرف أهل الشرع قد اقتضى تكرار ~~الأمر المعلق، بنحو ما ذكر في الآيتين، لقيام الدليل على طلب تكراره، وإن ~~كان من الأوصاف الغير الثابتة PageV01P049 بالدليل، فلا يفيد الأمر المعلق ~~بها تكرارا، إلا بدليل آخر، يقتضي التكرار، وذلك ms044 نحو: حج بيت الله راكبا، ~~وأصعد السطح إن كان السلم مركوزا، فإن الحج لا يتكرر بتكرار الركوب، وصعود ~~السطح لا يتكرر بتكرر ركوز السلم، أما المعلق على صفة ثابتة بالدليل، ~~فالأكثر على أنه لا يتكرر، وهو اختيار البدر -رحمه الله تعالى- وقال ~~الأسفرايني: بل يجب تكرره وحجته في ذلك قوله تعالى: { إذا قمتم إلى الصلاة ~~فاغسلوا وجوهكم الآية } قال هو ومن تابعه على ذلك: أنه يجب الوضوء، على من ~~أراد القيام للصلاة، وهو محدث (وأجيب) بأن تكرره في قوله تعالى: { إذا قمتم ~~للصلاة } بدليل خاص، لا بمجرد الأمر، ولا بنفس تعلقه بذلك الوصف، وهو على ~~هذا داخل تحت ما علق على صفة ثابتة بالدليل، وكلامنا في ما علق على غير ~~الثابت بالدليل، (واحتجوا) أيضا بقوله تعالى: { والزانية والزاني فاجلدوا ~~كل واحد منهما مائة جلدة } يتكرر وجوب الجلد بوقوع الزنا، (قلنا): هو من ~~القبيل الأول أيضا، وكلامنا في غيره، (ولنا) عليهم أن أهل العربية لا يفهمون # تكرار الطلاق من قول أحد أن دخلت الدار فطلقها، وإنما يفهمون منه الأمر ~~بالطلاق بعد دخول الدار، والله أعلم، نعم إذا اقتضت القرينة تكرار مثل هذا ~~المعلق، فإنه يحكم بتكراره، وذلك كما إذا قال لعبده: كلما دخلت السوق فاشتر ~~اللحم، فإنه يحكم على هذا العبد، أن يشتري اللحم في كل مرة دخل السوق، وهذا ~~معنى قول الناظم: إلا لدليل قد قصد، فالمراد بالدليل ما هو أعم من القرينة، ~~فيشملها وغيرها، فالمراد بقوله قد قصد: هو أن يكون ذلك الدليل مقصودا في ~~كونه مقتضيا تكرار الأمر، فيخرج بذلك النائم والساهي والمجنون، فإنه لا ~~يعتبر بأمرهم، فكيف بقرائنه، ولك أن تخرج به أيضا، ما قامت القرينة الحالية ~~أو المقالية على تخصيصه من ذلك، فإن قول القائل: كلما دخلت السوق فاشتر ~~اللحم، يعلم من حاله، أنه إذا PageV01P050 دخل كل ساعة، أوفي أوقات لا يوجد ~~فيها اللحم مثلا، أو في أوقات ليست محلا لشراء اللحم، إن هذا كله غير مراد ~~للقائل، فيثبت تكراره بحسب ما قصد من دليل التكرار ms045، والله أعلم، ولما فرغ ~~من بيان حكم الأمر المقيد، شرع في بيان حكم المطلق، فقال: # وإن عرى الأمر عن القيود دل على حقيقة المقصود. # من غير تكرار وغير وقت وغير فور وتراخ يأتي. # أي إذا تجرد الأمر عن القيود والقرائن، دل على طلب حقيقة الفعل المأمور ~~به، ولا يدل على طلب إيقاعه مرة واحدة، ولا على طلبه متكررا، ولا على طلب ~~إيقاعه فورا، أي في أقرب ما يمكن من الوقت، ولا على طلب إيقاعه متراخيا، أي ~~في أي وقت يكون، لكن يدل على طلب حقيقة المأمور به فقط، وهذه الأشياء إنما ~~تستفاد من القيود والقرائن، واحتج البدر الشماخي -رحمه الله تعالى- على أن ~~الأمر المجرد عن القيود والقرائن، لا يدل إلا على طلب الحقيقة، بأن مدلولات ~~الفعل أجناس، والأجناس لا تشعر بالوحدة ولا بالكثرة، ومن ثم لم تثن ولم ~~تجمع، وحسن استعمالها في القليل والكثير بلفظ واحد انتهى. # وهذا المذهب الذي عول عليه المصنف، كالبدر، هو قول كثير من أهل التحقيق، ~~وقد تقدم أن بعضا جعله مقتضيا للفور، وقال بعض أنه مقتض للتراخي، وأزيدك ~~ههنا أقوالا أخر، (أحدهما): أنه يقتضي المرة، إذ بها يعد ممتثلا، (قلنا) ~~إنما عد ممتثلا لفعله، ما أمر به، لا لاقتصاره على المرة الواحدة، ~~(وثانيها) أنه يقتضي التكرار لأمور، أحدها: أن حمله على التكرار أحوط، ~~(قلنا) الكلام فيما هو مدلول الأمر عند تجرده، لا في حمله على الأحوطية ~~وغيرها، (وثانيها) أن الأوامر التي تعلقت بالصوم والصلاة والزكاة ونحوها، ~~المراد بها التكرار فيلزم في كل أمر (قلنا) لا نسلم التكرار الوارد فيها ~~مأخوذ من نفس الأمر، وإنما هو مأخوذ من أدلة أخر، ولو سلمنا أنه مستفاد من ~~نفس الأمر، لقلنا هو معارض PageV01P051 بالأمر بالحج، فإنه لا يجب إلا مرة ~~واحدة، (وثالثها) أن سراقة سأل النبي (ص) عن الحج، أهو واجب في كل عام، ولو ~~لم يكن الأمر للتكرار، لما التبس على سراقة ذلك، وهو عربي اللسان، (قلنا) ~~التبس عليه ذلك لما رأى كثيرا من العبادات متكررا بأدلة ms046 وقررائن كالصلاة ~~والصيام، فاشتبه عليه ذلك في الحج حتى سأل عنه، ولو كان الأمر يقتضي ~~التكرار، لما سأل عنه سراقة، لكونه عربي اللسان، (ورابعها) أنه لااختصاص ~~للأمر في إيقاعه بزمن دون زمن، فوجب إيقاعه في جميع الوقت، فحصل التكرار، ~~(قلنا) إن الأمر وضع لطلب إيقاع الفعل من دون نظر إلى صفة من تكرار وغيره، ~~كما قدمنا، والزمان من صفاته، فلا دلالة عليه، إذ الموصوف لا يدل على ~~الصفة، سلمنا، فإنه وضع لطلب فعل في وقت يتسع له، فمتى فعل ذلك، عد ممتثلا ~~لا محالة، سواء قدمه أو أخره، (وخامسها) أنه: لو لم يفد التكرار، لم يصح ~~النسخ عليه، ولا استثناء وقت، (قلنا) إنما يصحان على ما قامت دلالة على ~~وجوب تكريره لا غير، فلا يلزم ما ذكرتم، (وسادسها) أن الأمر نقيض النهي، ~~والنهي يقتضي التكرار، فكذلك في نقيضه (قلنا) إنما اقتضى النهي التكرار لدليل # آخر، هو أن المطلوب من النهي، ترك الفعل، فلو لم يقتضي النهي تكرار ~~الترك، لفات المطلوب، وهو الامتثال، إذ لا يحصل بدون التكرار، والأمر ليس ~~كذلك، (القول الثالث) الوقف على كون الأمر يقتضي المرة، أو التكرار؛ لأنه ~~لو ثبت للمرة أو التكرار، لثبت بدليل، ولا دليل يقتضي واحدا منهما، فوجب ~~الوقف، (قلنا) قد قامت الدلالة بأنه إنما وضع لطلب الحقيقة المجردة عن ~~الاتصاف بالمرة أو التكرار، وإنما يثبت كل واحد منهما بدليل آخر، فوجب عند ~~عدم الدليل الدال على أحدهما، حمل الأمر على ما وضع له، فانتفى التوقف ~~والله أعلم. # ولما فرغ من بيان ما يدل عليه الأمر صريحا، وما لا يدل، أخذ في بيان ما ~~يدل عليه التزاما وما لا يدل، فقال: PageV01P052 # لكنه يدل باستلزامه ... على اجتزاء فاعلي أحكامه. # إن كان ذا قيد وإن منه خلا ... وقول بعض لا يدل أبطلا . # أي يدل الأمر دلالة التزام على أن فاعل المأمور به يجزئه ذلك الفعل، ~~ويكون به ممتثلا، ويتحقق بفعله ذلك أن ليس عليه قضاء بعد ذلك، سواء في هذه ~~الدلالة كان الأمر مقيدا بأحد القيود ms047 المتقدم ذكرها، أو خاليا عنها؛ لأن ~~الأجزاء، إنما هو ثمرة الأمر ونتيجته، مع قطع النظر عن كونه مطلقا أو ~~مقيدا، هذا مذهب الأكثر من العلماء، وصححه البدر -رحمه الله تعالى -، وقال ~~بعده وهو مبني على قول من قال: إن القضاء بأمر مجدد، أي: أن القول بأن ~~الأمر يستلزم سقوط القضاء، مبني على أن القضاء بأمر ثان هو غير الأمر الذي ~~وجب به الأداء، كما حققناه آنفا، وأقول أن في كونه مبنيا على ذلك، نظرا لا ~~يخفى على متأمل، ووجهه أن القول بأن الأمر يستلزم سقوط القضاء، معناه: أن ~~العبد إذا امتثل ما أمر به على الوجه المطلوب منه، علم بذلك الامتثال، أن ~~ليس عليه بعده قضاء، وأن وجوب القضاء؛ إنما هو مترتب على عدم امتثال الأمر ~~الأول، سواء كان عدم الامتثال بعذر أو بغير عذر، فوجوب القضاء؛ إنما هو ~~مترتب على ذلك عند القائلين بأنه وجب بأمر ثان، وعند القائلين بأن وجوبه ~~بالأمر الأول، فأما وجه ترتب القضاء على القول بأنه وجب بالأمر الأول ~~فظاهر، وأما وجه ترتبه على القول بأنه وجب بأمر ثان، فهو أن القائلين بأن ~~القضاء وجب بأمر ثان، معترفون بأن القضاء، إنما هو فعل الفرض بعد وقته ~~المقدر له، استدراكا لما فات أو فوت في الوقت، فذلك الفائت أو المفوت، سبب ~~لوجوب هذا القضاء، وإن كان القضاء بأمر ثان والله أعلم. # وذهب القاضي عبد الجبار: إلى أن الأمر لا يستلزم الإجزاء، ونسب البدر ~~-رحمه الله - هذا القول إلى بعض المتكلمين، وهو قول ضعيف جدا، كما سنوقفك ~~على ضعفه إن شاء الله تعالى، ولذا قلت في النظم: وقول بعض لا يدل ~~PageV01P053 أبطلا، أي وأبطل قول بعض المتكلمين، با # ن الأمر لا يدل استلزاما على أجزاء المأمور به، ولا بأس أن نبين أولا ~~معنى الإجزاء؛ لتعم ماهيته، ثم نتعقبه بحجج القولين فيه، وتضعيف ما أشرنا ~~إلى تضعيفه، فنقول (أما) حقيقة الإجزاء، فقال أبو الحسين: هو التخلص من ~~عهدة الأمر، بمعناه ما قيل أنه سقوط الأمر، وبمعناه قال ابن ms048 الحاجب: أن ~~الإجزاء هو الامتثال، وقال القاضي عبد الجبار: أن الإجزاء هو سقوط القضاء، ~~قال البدر الشماخي -رحمه الله - وفيه نظر، وعلى تفسير الإجزاء بالمعنى ~~المتقدم عن أبي الحسين: فلا خلاف في أن الأمر يدل عليه التزاما؛ لأن ~~المأمور إذا فعل ما أمر به، علم أن ذلك مجز له، بمعنى أنه إذا خرج من عهدة ~~الأمر الذي أمر به، فيقطع بأنه ممتثل للأمر، وإنما الخلاف في استلزام الأمر ~~الإجزاء، إذا فسر الإجزاء بسقوط القضاء، ولذا فسرت الإجزاء فيما تقدم بهذا ~~المعنى، تنبيها على أن الخلاف، إنما هو في هذا المعنى دون غيره، حجة من قال ~~أن الأمر لا يستلزم الإجزاء، هي أن الحج الفاسد مأمور بإتمامه، والمضي على ~~الإمساك في الصيام الفاسد مأموربه، ولا يسقط ذلك على من فعله، قضاء الحج ~~ولا الصوم، (وأجيب) بأن القضاء في ذلك الحج وذلك الصيام، إنما هو استدراك ~~الأمر الأول، الذي أعقبه الفساد لا للأمر الثاني، الذي هو الإتمام للحج ~~والإمساك عن المفطر، فإن الأمر بإتمام الحج الفاسد، وبالإمساك عن المفطر في ~~الصوم الفاسد، أمر آخر غير الذي ترتب عليه القضاء، (واحتجوا) أيضا بأنه لو ~~استلزم الإمساك سقوط القضاء، لزم فيمن صلى مع ظن كمال الطهارة، أن تكون ~~الصلاة إما غير مجزئة له، فيكون آثما إذا لم يمتثل، والمعلوم أنه غير آثم، ~~أو مجزئة له، فيكون القضاء عنه ساقطا؛ لأنه قد امتثل، والمعلوم أنه غير ~~ساقط مع تيقن الحدث، فلزم ذلك أن الامتثال لا يستلزم سقوط القضاء، (وأجيب) ~~بأنه قد امتثل بالنظر إلى أنه أمر، بأن يصلي مع ظن كمال الطهارة، ولا قضاء ~~عليه، أعني بالنظر إلى PageV01P054 هذا الأمر، أعني أمره بأن يأتي بها مع ~~ظن الكمال، وإنما القضاء واجب، بالنظر إلى أنه أمر بأن يأتي بمثلها على ~~الوجه الصحيح، عند انكشاف خللها، فكان الأمر بها واردا، على وجهين: # أحدهما: أن يأتي بها حيث يظن كمال الطهارة، فيعد ممتثلا، ولا قضاء عليه ~~بالنظر إلى هذا الأمر. # والوجه الثاني: أن يأتي بها على الوجه الصحيح ms049، حيث انكشف خلاف ما ظن، ~~فإذا لم يأتي بها، فهو غير ممتثل للأمر الآخر انتهى. # حاصل الجواب: أنه لو لم ينكشف له أنه صلى على غير طهارة كاملة، واستمر ~~على ذلك؛ فإنه غير آثم، ولا قضاء عليه، لامتثاله ما أمر به، وهو الصلاة على ~~ظن كمال الطهارة، وإن انكشف له أنه صلى على غير كمال الطهارة، فهنالك توجه ~~إليه أمر آخر، هو: وجوب الإعادة، أو القضاء، فالقضاء إنما وجب باعتبار ~~الوجه الأخير، والله أعلم. ونحن نقول لو لم يستلزم الأمر سقوط القضاء، لما ~~علم امتثال قط، بيان ذلك؛ أنه لو امتثل المأمور ما أمر به على الوجه الذي ~~طلب منه، والحال أنه لم يعلم من الأمر، أن ذلك الفعل الذي جاء به، مسقط عنه ~~القضاء، لما علم أنه ممتثل، حتى يقول الآمر أنك قد امتثلت، والمعلوم من ~~اللغة والشرع، أنه يعد ممتثلا، ولو لم يقل الآمر ذلك، (وأيضا) فلا خلاف أن ~~القضاء إنما يقع استدراكا لما فات من الأداء، فلو أن المأمور فعل ما أمر ~~به، على الوجه الذي أمر به، ولم يستلزم ذلك سقوط القضاء، كان لزوم القضاء ~~بعد تحصيلا للحاصل؛ لأنه إنما يفعل استدراكا للغائب، أما لكون الغائب لم ~~يفعل، أو لكونه فعل على غير الوجه الذي أمر به، فصار كأنه لم يفعل أصلا، ~~فإذا أوتي به على الوجه المشروع، ولم يحصل به سقوط القضاء، كان القضاء ~~حينئذ تحصيلا للحاصل، وهو المأمور به الذي قد فعل، والقضاء استدراك له، ~~فإذا استدرك ما قد أوتي به على الوجه التام، كان الاستدراك تحصيلا للحاصل ~~من غير شك، ولما فرغ من بيان دلالة الأمر على الإجزاء الذي هو ثمرة الأمر، ~~شرع في بيان دلالته على النهي عن PageV01P055 ضد المأمور به، فقال: # ولا يدل الأمر بالشيء على ... نهي عن الضد الذي تحصلا. # وإن يكن مستلزما للكف ... فجعله نهيا بذا لا يكفي. # لا يدل الأمر بالشيء على النهي عن ضد ذلك الشيء المأمور به، فلا يكون ~~الأمر بالشيء نهيا عن ضده، خلافا لم ms050 اذهب إليه قوم، منهم: الباقلاني، من أن ~~الأمر بالشيء نهي عن ضده، ثم اختلف هؤلاء على مذاهب، منهم من ذهب إلى أن ~~الأمر يدل على النهي عن ضده، دلالة مطابقة، فعند هؤلاء، أن قول القائل: قم، ~~دال بطريق الدلالة المطابقية على شيئين: # أحدهما: طلب القيام، ثانيهما: طلب ترك القعود، ودلالته على كل واحد من ~~هذين الشيئين، دلالة مطابقة، ومنهم من ذهب إلى أن الأمر بالشيء؛ إنما يدل ~~على النهي عن ضده، دلالة تضمن، فعند هؤلاء، أن طلب ترك القعود، جزء من ~~مدلول قولك قم، والجزء الآخر، هو طلب القيام، فدلالته عليهما معا، دلالة ~~مطابقة، ودلالته على كل واحد منهما، دلالة تضمن، ومنهم من ذهب إلى أن الأمر ~~بالشيء، يدل على النهي عن ضده دلالة التزام، فعند هؤلاء أن قول القائل قم، ~~دال بطرق المطابقة على نفس طلب إيقاع القيام لا غير، لكن طلب إيقاع القيام، ~~مستلزم لطلب ترك القعود، وهذا المذهب هو الذي استحسنه البدر الشماخي -رحمه ~~الله تعالى- واعتمد عليه في مختصره، وحمل عليه كلام الإمامين، أبي الربيع، ~~وأبي يعقوب صاحب العدل، وهما من أئمة المذهب، وذهب قوم إلى أن الأمر بالشيء ~~يدل على النهي عن ضده، إنما هو في موضع الإيجاب دون الندب، واختاره البدر ~~في شرح مختصره، والظاهر من كلامه؛ أن هذا المذهب، هو مذهب أبي الربيع، ولما ~~كان شبهة القائلين بأن الأمر يدل على النهي عن ضده، دلالة التزام، أقوى من ~~شبهة سائر المذاهب، أشار إلى بيان دفعها، بقوله: وإن يكن مستلزما إلخ، ~~ومعناه أن الأمر بالشيء، وإن كان مستلزما للكف PageV01P056 عن ضده، فلا ~~يكفي هذا الاستلزام لجعل الأمر بالشيء نهيا عن ضده، وبيان ذلك: أن النهي عن ~~الشيء؛ إنما هو طلب الكف عنه، والأمر بالشيء لم يستلزم طلب الكف عن ضده، ~~وإنما يستلزم الكف عن ضده، والفرق بين استلزام الأمر بالشيء الكف عن ضده، ~~وبين استلزامه، طلب الكف عنه ظاهر، فإذا قال القائل قم؛ فإن هذا الأمر، ~~إنما يستلزم الكف عن القعود، بمعنى أنه لا ms051 يمكن الممتثل امتثال هذا الأمر، ~~إلا بالكف عن ضده، فسقط القول بأن الأمر بالشيء، يستلزم النهي عن ضده، ~~ولابد أن نسمعك ما تستدل به على صحة المذهب الذي اخترناه، وعلى ضعف ما ~~عداه، فاعلم أولا: أن المذهب الذي اخترناه، هو مذهب كثير # من الأصوليين، ونسب إلى الغزالي والجويني، واعلم ثانيا: أن قول من قال، ~~أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، لا يخلو قولهم هذا من أحد أمرين؛ لأنهم إما أن ~~يريدوا به أن الأمر نهي عن ضده من طريق اللفظ، وهو باطل؛ لاتفاق أهل اللغة، ~~على أن الأمر بالشيء، لا يسمى نهيا عن ضده، فإن العرب وضعوا الكل واحد، من ~~الأمر والنهي صيغا، ولم يرد عنهم مطلقا، اسم كل واحد منهما على معنى الآخر، ~~وإما أن يريدوا به أن الأمر بالشيء نهي عن ضده في المعنى، بحيث يكون ضد ~~المأمور به مكروها للآمر وقبيحا عنده، وهذا باطل أيضا؛لأن النوافل مأمور ~~بها، وضدها وهو ترك النوافل، ليس بمنهي عنه، فإن قيل أن الأمر بالنوافل، ~~أمر مجاز لا حقيقة، والكلام في الأمر الحقيقي، قلنا لا نسلم أن الأمر ~~بالنوافل مجاز، بل هو حقيقة أيضا، كما قدمنا لك في حد الأمر، وإنما قلنا أن ~~حكم الأمر الوجوب، ما لم تصرفه قرينة إلى غيره، لما قدمناه من الأدلة ~~الخارجة عن الأمر، حاصل الجواب أن الأمر حقيقة في طلب إيقاع الفعل، لا على ~~جهة الدعاء، وهذا القدر يشترك فيه الوجوب وغيره، وصرفناه إلى الوجوب، عند ~~عدم القرينة؛ للدلالة المتقدم ذكرها، فكون حكم الأمر حقيقة في PageV01P057 ~~الوجوب، غير كون الأمر حقيقة للوجوب، فتفطن له، سلمنا أن الأمر في النفل ~~مجاز، فأدنى مراتبه الندبية، فليزم على قولكم، أن يكون ضد النفل المأمور به ~~مكروها، فيلزم أن لا يكون مباحا أصلا، والأدلة القطعية على خلاف ذلك، ~~(تنبيه) اعلم أن القائلين: أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، اختلفوا في النهي ~~عن الشيء، هل هو أمر بضده، فقال قوم: أن النهي عن الشيء ليس أمرا بضده، ~~وفرقوا بين الأمر ms052 بالشيء والنهي عنه، فهو مذهب أبي الربيع، وأبي يعقوب صاحب ~~العدل، وهو أيضا ظاهر كلام البدر في مختصره، وقال قوم منهم الباقلاني: أن ~~النهي عن الشيء أمر بضده، واحتجوا على ذلك بحجج منها: أن النهي هو طلب ترك ~~فعل، والترك هو فعل الضد، فيكون النهي عن الفعل أمرا # بضده، انتهى، (وأجيب) بأنه يلزم على هذا القول، أن يكون الزنى واجبا، من ~~حيث أنه ترك لواط، والعكس وهو باطل قطعا، ويستلزم أيضا أنه لا يوجد مباح، ~~إذ كلها حينئذ مأمور بها حتما، لكونها ترك محظور، وهو باطل قطعا والله أعلم. # وأما نحن فقد عرفت مذهبنا في أن الأمر بالشيء لا يدل على النهي عن ضده، ~~فيستلزم قولنا أن النهي عن الشيء، لا يدل على الأمر بضده، وهو لازم جلي ~~والله أعلم. ولما ذكر ما يدل عليه الأمر دلالة مطابقة، وما يدل عليه ~~التزاما، أخذ في تميم ما يدل عليه التزاما، فقال: # والأمر بالأمر بشيء أمر ... بذلك الشيء وقال البدر. # ليس بأمر وهو القول الأصح ... لما عليه من دليل اتضح. # لأنه يصح نهي من أمر ... بأمره بلا تناقض ذكر. # وأنه يلزم أن يأثم من ... يقول للسيد مر عبدك أن. # اختلف في الأمر بشيء، هل هو أمر بذلك الشيء أم لا؟ فقيل إنه أمر بذلك ~~الشيء، وقال البدر الشماخي -رحمه الله تعالى - وجمهور العلماء: إنه ليس ~~بأمر بذلك الشيء، وهذا القول هو القول الأصح؛ لأن الدليل عليه PageV01P058 ~~واضح، وذلك أنه لو كان الأمر بالأمر بالشيء أمرا بذلك الشيء، للزم التناقض، ~~فيما إذا قلت لأحد مر فلانا أن يفعل كذا، وقلت لفلان لا تفعل ذلك، ونحن ~~نقطع أنه لا تناقض هنالك، وهذا معنى قول الناظم؛ لأنه يصح نهي من أمر بأمره ~~إلخ، ولما صح أن نهي من أمرنا بأمره، ولم يكن في نهينا له مناقضة لأمرنا ~~بأمره، علمنا أن أمرنا بأمره بشيء ليس أمرا بذلك الشيء، ولو كان ذلك أمرا ~~له لناقض نهينا له، (وأيضا) فلو كان الأمر بالأمر بالشيء أمرا بذلك الشيء، ~~للزم ms053 عليه أن يأثم من قال لسيد العبد مر عبدك أن يفعل كذا؛ لأنه بذلك آمرا ~~للعبد، فيلزم عليه التعدي، فيترتب عليه الإثم، وهذا اللازم باطل قطعا، فكذا ~~الملزوم، استدل القائلون بأن الأمر بالأمر بالشيء أمر بذلك الشيء، بأمر ~~الله تعالى لنبيه أن يأمر العباد بالانقياد وترك العناد ونحو ذلك من ~~الأوامر، وبأمر السلطان وزيره، أن يأمر الرعية بشيء، للقطع بأن من خالف أمر ~~النبي مخالف لأمر الله، وكذا من خالف أمر الوزير الصادر عن أمر السلطان، ~~فهو مخالف للسلطان، قلنا إنما وجب ذلك بقرينة لا لنفس الأمر، فأما القرينة ~~في الأول، فقوله تعالى: { ومن يطع الرسول فقد أطاع الله } { يا أيها الرسول ~~بلغ ما أنزل إليك من ربك } ونحوهما من الآيات، وأما القرينة في الثاني، فهو ~~أن عادة الملوك، جرت بينهم بجعل الواسطة بينهم وبين الرعايا في أوامرهم، ~~ولذا يعاقبون على ترك أمر واسطتهم، ويحسنون إلى من تبع أمرها، فعلم من هذه ~~العادة؛ أن تلك الواسطة مبلغ لأمر السلطان، فالمأمور ابتداء هم الرعية، لا ~~الواسطة، والواسطة في تبليغ الأمر، كأدلة للشيء، وكالكتاب المترجم ما بين ~~المتكاتبين، حاصل المقام؛ أن لا نمنع من أن يكون # الأمر بالأمر بالشيء، أمرا بذلك الشيء، إذا دلت القرينة على ذلك، وإنما ~~نمنع ذلك عند عدم القرائن، لما تقدم من الأدلة والله أعلم. ولما فرغ من ~~بيان مدلول الأمر المفرد، أخذ في بيان الأمر المكرر، فقال: PageV01P059 # وإن أتى الأمر وقد تكررا ... واتفق المعنى فلا تكررا . # وقال قوم أنه مكرر ... ما لم تكن قرينة تغير. # وقيل إن كان هناك نسق ... كرر والأضعف منها الأسبق. # إذ أصله الوجوب في الحالين ... ولا دليل لسوى هذين. # وإن يكن محتمل التأكيد ... فإنه مخالف التعقيد. # وإن يكن مقترنا بعطف ... يزداد ضعفا فوق ذاك الضعف. # إذا تكرر الأمر، فإما أن يتفق المأمور به، كصل ركعتين، صل ركعتين، وأما ~~أن يختلف المأمور به نحو: صل ركعتين، صل أربع ركعات، فإن اختلف المأمور به، ~~فكلا الأمرين واجب اتفاقا، وإن اتفق المأمور به، ففي وجوبهما معا ms054 مذاهب: # أحدهما: أن الواجب هو الأمر الأول، وأن الثاني تأكيدا له وهذا معنى قول ~~الناظم واتفق المعنى فلا تكرار، والمراد بالمعنى في قوله هو متعلق الأمر، ~~والمراد بنفي التكرار في قوله: هو نفي تكرر الوجوب، وذلك أنه لما كان ~~الوجوب بالأمر الأول، وكان الثاني تأكيدا له، نزله منزلته فنفى عنه ~~التكرار، والمراد نفي حكمه. # المذهب الثاني: أن كلا الأمرين واجب، فيجب الامتثال لكل واحد منهما، ~~فالواجب في قول القائل: صل ركعتين، صل ركعتين، أربع ركعات، وجوب كل ركعتين ~~بالأمر، إلا إذا صرفته عن ذلك قرينة، والقرينة إما عقلية كاقتل زيدا، أقتل ~~زيدا، فإن العقل يأبى تكرار القتل، فهو قرينة في أن الثاني تأكيد للأول، ~~وإما شرعية نحو: صم اليوم صم اليوم، واعتق عبدك، أعتق عبدك، فإن الشرع لم ~~يجعل في اليوم الواحد صومين، ولم يجعل للرقبة الواحدة عتقين، وإما عادية، ~~وذلك أن يعلم من أحد عادة في تكرير الكلام، فإن تكراره يحمل على عادته، ~~وإما حالية نحو قول السيد لعبده اسقني ماء، اسقني ماء، فإن المعلوم من حال ~~الآمر؛ أنه لم يرد تكرر السقي، وإنما كرر الأمر تأكيدا لتعجيل الامتثال، ~~وإما أن تكون القرينة تعريفا، وذلك أن يعاد الأمر الثاني لتفهم المأمور، ~~PageV01P060 وتبيين المطلوب منه، مخافة أن لا يكون فهمه من الأمر الأول، ~~وقد تجيء القرينة لفظية وذلك نحو: صل ركعتين، صل الركعتين، إذ المعلوم؛ أن ~~الركعتين الأخيرتين، هما الركعتان الأوليان بقرينة أل، وهي لفظ كما ترى. # المذهب الثالث: الوقف عن حمل الثاني على التأكيد، وعن حمله على التأسيس، ~~قالوا: تكرار الأمر يحتملهما معا، ولا مرجح لأحدهما على الآخر، فوجب ~~التوقف. # المذهب الرابع: أنه إذا أعيد الأمر الثاني بالعطف، فالأمر الثاني غير ~~الأول، فيجب امتثالهما معا، لما بين المتعاطفين من التغاير، ولأن التأكيد ~~مع العطف، أمر لم يعهد، فوجب حمله على التأسيس، قال المصنف: والأضعف من هذه ~~المذاهب، الأول، وهو القول، بأن المأمور به لا يتكرر مع تكرار الأمر، وحمل ~~الأمر الثاني على التأكيد للأمر الأول، واعتلوا؛ بأن الأصل، براءة ms055 الذمة، ~~والتأكيد محتمل، والتأسيس محتمل أيضا، فأسقطنا الوجوب بالأمر الثاني؛ ~~لاستصحاب براءة الذمة، فحملناه على التأكيد، وأشار إلى الرد عليهم بقوله: ~~إذ أصله الوجوب إلخ، (وحاصل) الرد عليهم أن حكم الأمر هو الوجوب حقيقة، لما ~~تقدم من الأدلة، وأن هذا الحكم لا يفارقه، كان مفردا أو مكررا إلا بدليل، ~~ولا دليل لغير الوجوب في الحالين، أي في الأمر الأول والثاني، إذ ليس ~~تكراره دليلا على انتقاله عن حكمه الأصلي، الثابت بالدليل القطعي، وكون ~~التكرار محتملا للتأكيد، فهو احتمال لا يكفي أن نترك الحقائق لأجله، وأيضا ~~فالتأكيد اللفظي قليل الدوران في كلام العرب، فقلما يؤكدون زيدا بلفظه، فإن ~~أرادوا تأكيده أكدوه بالنفس أو العين، وبقلة دورانه في ألسنة العرب، يغلب ~~في الظن أنه غير مراد، فإن وجد بين الأمرين عطف، نحو صل ركعتين، وصل ~~ركعتين، ازداد الحمل على التأكيد ضعفا فوق ضعفه لأول؛ لأن ما بعد العاطف ~~مغاير لما قبله، إذ لا يصح أن يعطف الشيء على نفسه، فلا تقول جاء زيد، ~~وزيدا، إلا إذا كان زيد الثاني غير الأول، نعم إذا اختلف اللفظان جاز ~~العطف، PageV01P061 وإن اتحد المعنى، تنزيلا للثاني منزلة التفسير للأول، ~~نحو: { وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان } وإذا لحظت ما بين المتعاطفين، هنا ~~رأيت المغايرة موجودة فيهما قطعا، فإن المفسر غير المفسر، واللفظ الثاني ~~غير الأول، وباعتبار هذه المغايرة جاز العطف، وما نحن بصدده هو شيء غير ~~هذا، لا يقال أن الخاص بعض العام وشيء منه، وصح عطفه عليه، ولا مغايرة # بينهما، نحو قوله تعالى: { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } لا نقول ~~أن الخاص الذي عطف على العام، هو غير العام المعطوف عليه، وذلك أن خصوصيته ~~بالذكر وعطفه على ما قبله، دليل على أن المراد بالعام هو ما عدا هذا ~~المعطوف، فصح التغاير بهذا الاعتبار، وبهذا كله تعرف ضعف القول بالوقف أيضا ~~إذ لا محل للتوقف مع هذه الأدلة، وبه أيضا تعرف أن المختار عند المصنف، ~~إنما هو القول الثاني، وهو أيضا الحكم يتكرر بتكرر الأمر، إلا مع ms056 قرينة ~~تصرفه عن ذلك والله أعلم. ولما فرغ من بيان أحكام الأمر ختم مبحثه بخاتمة ~~فيها بيان عدم صحة تعاقب الأمر والنهي على شيء واحد، فقال # خاتمة # والشيء لا يصح أن يعلقا ... أمر ونهي فيه حيث اتفقا. # لكن إذا ما اختلف المحل ... فإنه حينئذ يحل. # أي لا يصح أن يكون الشيء الواحد مأمورا به منهيا عنه من جهة واحدة، فلا ~~يصح أن يقال صل الظهر، لا تصل الظهر، لما فيه من التناقض، ولما يترتب عليه ~~من عبث الآمر، لكن إذا كان للشيء الواحد جهتان صح أن يتعلق به الأمر، ~~والنهي تعلق كل واحد منهما بجهة، فيرتفع المحذور من التناقض والعبث، ~~لاختلاف الجهتين، وهذا معنى قوله: لكن إذا ما اختلف المحل إلخ، أي لكن يصح ~~تعلق الأمر والنهي إذا اختلفا محلهما باختلاف جهتي التعلق، وذلك نحو: ~~الصلاة في الأرض المغصوبة، فإنها مأمور بها، من حيث أنها صلاة منهي عنها، ~~من حيث أنها في الأرض PageV01P062 المغصوبة، وإذا ورد عن الشارع ما هو ~~كذلك، فهل يكون فاعله ممتثلا بفعل ما أمر به؟ ويسقط عنه القضاء بذلك؟ وإن ~~كان عاصيا في ارتكاب ما نهي عنه، في أدلتها قال الجمهور من الأشعرية، ~~والنظام من المعتزلة، وبعض أصحابنا: أنه يكون بفعل ذلك ممتثلا وهو مثاب على ~~امتثاله ما أمر به، ومعاقب على استعماله ملك الغير، وقال أحمد، وأكثر ~~المتكلمين، والزيدية والظاهرية وبعض أصحابنا، لا يكون بذلك الفعل ممتثلا، ~~وأن عليه إعادة ما أمر به، وقال الباقلاني: أنه ل يكون بذلك ممتثلا، ويسقط ~~به التكليف، أي إذا فعل ما أمر به من جهة، ونهي عنه من جهة، فلا يكون بذلك ~~الأمر ممتثلا، حيث صحبته المعصية، لكن يسقط به التكليف عنه، فلا يلزمه ~~قضاء، واحتج على أنه غير ممتثل بما سيأتي من الحجج، لقول أحمد ومن معه، ~~واحتج على سقوط التكليف عنه بذلك بإجماع المسلمين، على ترك أمرهم الظلمة، ~~بإعادة الصلاة التي صلوها في الأمكنة المغصوبة، حال مطالبتهم برد المظالم، ~~قلنا: إجماع المسلمين على ترك مطالبتهم بالإعادة لما ms057 صلوه في الدور ~~المغصوبة، لكون الصلاة أمرا خاصا بالمصلي في نفسه، وهو المخاطب بها، وعليه ~~أن يسأل عن صحتها وفسادها، على أن المسلمين لا يلزمهم تغيير ما لم يصح معهم ~~من المناكر، وغصب الظلمة للدور لا يلزم أن يكونوا قد صلوا فيها الفرائض، فلذلك # تركوا الأمر بإعادتهم لها، ومطالبتهم برد المظالم، أمر جلي لا يلتبس بهذا ~~والله أعلم. واحتج أهل القول الأول، وهم القائلون بالصحة والامتثال من ~~الجهة التي تعلق بها الأمر والعصيان من الجهة الأخرى؛ بأنه يقطع بطاعة ~~العبد وعصيانه، حيث أمره سيده بالخياطة، ونهاه أن يفعلها في مكان مخصوص، ~~لأجل الجهتين، وأجيب: بأنه لا نسلم ما قطعتم به، من أن العبد يوصف بأنه ~~مطيع وعاصي، إلا حيث قال له سيده: خط هذا الثوب وامتنع من الإقامة في ~~المكان الفلاني، فإنه إذا كان طالبا منه الخياطة من دون أن يقيدها بمكان ~~دون آخر، وطالبا للامتناع من المكان المخصوص، فإذا لم PageV01P063 يمتنع من ~~ذلك المكان، وخاط فيه الثوب، فلا إشكال أنه قد أطاع بفعل الخياطة؛ لأن سيده ~~لم يقيد فعلها بمكان دون آخر، وعصى بدخوله ذلك المكان، فيوصف هاهنا بأنه ~~مطيع من وجه، عاص من وجه، وأما لو أمره سيده بخياطة الثوب، ونهاه أن يخيطه ~~في مكان مخصوص؛ فإنه إذا خاطه في ذلك المكان، لم يكن مطيعا بتلك ا لخياطة، ~~بل تكون معصية محضة بلا إشكال، وهذه الصورة هي نظير مسألتنا؛ لأن الله ~~تعالى أمر بالصلاة، ونهانا أن نفعلها في تلك الأمكنة المغصوبة، فإذا ~~فعلناها فيها، كانت معصية محضة بلا إشكال، بخلاف ما لو أمرنا بالصلاة على ~~الإطلاق، ولم ينهنا عن تأديتها في المكان المغصوب، لكن نهانا عن دخوله، ~~والإقامة فيه على الإطلاق، فكان يلزم أن نكون مطيعين بالصلاة؛ لأنا قد ~~أديناها كما أمرنا، عاصين بالإقامة، انتهى. واحتج أحمد ومن قال بقوله، بأن ~~الأكوان في الدار المغصوبة معاص، ومن المحال أن يكون العبد مطيعا بنفس ما ~~هو به عاص؛ لأن ذلك كاجتماع الضدين، قال صاحب المنهاج: وهذا القول هو ~~الصحيح ms058 عند أهل البيت، لما ذكروه؛ ولأنها لو صحت الصلاة في الدار المغصوبة ~~لأجل الجهتين المذكورتين؛ لصح صوم يوم النحر؛ لأنه يكون طاعة من حيث كونه ~~صوما، ومعصية من حيث كان في يوم النحر، والإجماع على أنه لا يصح، انتهى. # وهنا تفريعات على هذه المسألة: # أحدها: أن بعض الأصوليين، ذهب إلى أن صلاة المطالب للدين كالصلاة في ~~الأرض المغصوبة، وذلك إذا كان وقت الصلاة متسعا بعد؛ لأنه مأمور بقضاء ~~الدين، ومنهي عن التمادي به، وعن الاشتغال بغيره، إلا بفرض يقاومه تضييقا، ~~فصلاته مع سعة وقتها، مأمور بها من حيث كونها صلاة منهي عنها، من حيث أنها ~~مانعة من قضاء الدين، قال صاحب المنهاج: ولنا عليه سؤال، وهو أن نقول أنه ~~يمكن الفرق بين المسألتين، بأن يقال: إنا لا نسلم أنه في حكم المنهي عن ~~إفعالها هنا؛ لأنها ليست متعينة في المنع من قضاء؛ لأنه ينفك من قضاء ~~الدين، لا إلى فعل، أو PageV01P064 إلى فعل غيرها، فلا وجه للحكم، بأن ~~أفعالها معصية. # ثانيها: أن من توسط زرع غيره تعديا، أو دخل في الدار المغصوبة، وأولج ~~فرجة في محرم، أو نحو ذلك، فلا شك أنه مأمور بالخروج مما دخل فيه، ومنهي عن ~~الإقامة عليه، فعليه أن يتحرى للخروج أسهل الطرق، ولا شيء عليه فوق ذلك، ~~إذا تاب هنالك، لكن عليه غرم ما أتلف، وإنما نفينا عنه الإثم، مع أن مروره ~~في الأرض المغصوبة ونحوها، منهي عنه؛ لتعذر امتثال الأمر، إلا بارتكاب ذلك، ~~فأبحنا له ذلك الارتكاب، دفعا للضرورة، وعملا بسهولة الحنفية السمحة، هذا ~~كله إذا كان خروجه عن توبة، وذهب أبو هاشم إلى أنه عاص في حال خروجه؛ لأنه ~~فيه متصرف في ملك الغير، قال صاحب المنهاج: وخطأه الأصوليون في ذلك، قال ~~الجويني: لقد أكثر الأصوليون من الكلام في تخطئته، والرجل ممن لا يقعقع ~~خلفه بالشنان، وتأول له بأنه يعني، أن حكم المعصية مستصحب حتى ينفذ، قال ~~صاحب المنهاج: ولعل أبا هاشم في ذلك يقول بأنه بدخوله ألجأ نفسه إلى التصرف ~~في ملك ms059 الغير، في حال توبته، فعليه عقاب ذلك الإلجاء، مع عقاب المعصية، ~~يعني فلم يخلص في حال خروجه عن عقوبة بسبب تصرفه، وهي عقوبة ألجأ نفسه في ~~الابتداء إلى التصرف في الغضب عند التوبة، انتهى، وهو توجيه حسن، ولا يخرج ~~عن دائرة الرأي، وإن كان ما قدمت لك هو الصحيح والله أعلم. # ثالثها: أن من توجه عليه أمران مستويان في التضييق، فله في الامتثال أن ~~يبدأ بأيهما شاء، ولا يكون في فعل أحدهما منهيا بسبب وجوب الآخر عليه، وذلك ~~كما إذا طالبه خصمان برد ودائعهما، وكانت الودائع في مكانين مستويين في ~~القرب، ولا ضرر في تأخير أحدهما دون الآخر، فله أن يبدأ بأيهما شاء، أما لو ~~كان وديعة أحدهما أقرب من وديعة الآخر، أو على أحدهما ضررا في التأخير دون ~~الآخر، فعليه أن يبدأ بالأقرب، وبصاحب الضرر؛ لأن فرض الرد إليهما أضيق، ~~وهو معنى كلام أصحابنا -رحمهم الله تعالى-: PageV01P065 # "لا تترك فريضة حاضرة لفريضة غائبة"، فإن اشتغل بالأوسع وترك الأضيق توجه ~~إليه في فعله، ذلك ما قيل في التفريع الأول، والله أعلم. # **ذكر النهي** # وهو في اللغة: المنع، وعرفوه في الاصطلاح بتعاريف، منها صحيح ومنها مزيف، ~~واختار المصنف تعريفا موافقا لغرضه، فقال: # $ والنهي أن يطلب كف من سوى خالقنا ولفظ ذا الحد احتوى # فدخلت فيه حقائق الصيغ كذا مجازها ومن نقد فرغ # فنحو لا تفعل حقيقة وما نحو نهيتكم مجاز علما # عرف النهي بأنه طلب كف عن الفعل، وذلك الطلب متوجه إلى غير خالقنا - عز ~~وجل -، فإن طلب الكف من خالقنا - عز وجل - دعاء لا نهي، وذلك نحو: { لا تزغ ~~قلوبنا } (آل عمران: 8)، { لا تؤاخذنا إن نسينا } (البقرة: 286)، ولا يشترط ~~في تسمية النهي نهيا أن يكون الناهي مستعليا على الأصح، كما لا يشترط ذلك ~~في تسمية الأمر أمرا على الأصح أيضا، فلذا أسقطه المصنف، والمراد بالطلب في ~~تعريفه هو: ما يشمل الطلب الجازم غيره، والمراد بالكف: هو الإمساك عن ~~الفعل، وهذا الحد الذي ذكره الناظم أحاط بجميع معاني النهي، ودخلت فيه ms060 صيغ ~~النهي حقائقها ومجازها، وسلم من النقود الواردة على سائر الحدود. # فأما حقائق الصيغ في النهي فهي: نحو لا تفعل، { ولا تقربوا الزنى } ~~(الإسراء: 32)، لا تشرب الخمر، وإنما كانت هذه الصيغة؛ لأنها موضوعة له، ~~واستعمالها فيما وضعت له حقيقة، وأما الصيغة المجازية: فنحو: نهيتكم عن ~~كذا، { حرمت عليكم أمهاتكم } (النساء: 23)، { حرمت عليكم الميتة } ~~(المائدة: 3)، ونحو ذلك، وإنما كانت هذه الصيغ مجازا في النهي؛ لأنها ~~موضوعة للاختبار، واستعمالها في النهي استعمال لها في غير ما وضعت له، وهذا ~~شأن المجاز، وقد يرد النهي بالإشارة إلى ترك الفعل، وبالإعراض عن الفعل، ~~ونحو ذلك، حاصل ما في المقام أن طلب الكف عن الفعل قد يحصل بصيغته الموضوعة ~~له وبغيرها، وذلك الغير قد يكون لفظا، وقد PageV01P066 يكون غير لفظ، ويسمى ~~الكل نهيا، والله أعلم. # ولما فرغ من بيان حقيقة النهي شرع في بيان حكمه، فقال: # $ وحكمه التحريم والدوام والفور كي لا يفعل الحرام # ما لم يكن ثم دليل اقتضى خلاف ما ذكرته فيما مضى # وقال قوم هو للتكريه حقيقة كراهة التنزيه # ووقف البعض عن التعيين بزعمهم لعدم التبيين # وقيل باشتراكه بينهما وأرجح الأقوال ما تقدما # حكم النهي: تحريم لمنهي عنه، والدوام عن الكف عنه، ووجوب تعجيل الامتثال، ~~إلا إذا دل دليل على إرادة غير ذلك، فإنه يصرف إلى ما اقتضاه الدليل، فأما ~~التحريم فإن ما ثبت له بأدلة خارجة عن حقيقته، إما حقيقية فتحمل التحريم ~~وغيره، وتلك الأدلة هي الأدلة المذكورة في باب الأمر، الدالة على أن حكم ~~الأمر الوجوب حقيقة، فإن النهي هو أمر بالكف عن الفعل، لكنه زاد عن الأمر ~~باقتضائه الفور والدوام، واقتضاؤه ذلك لا يخرجه عن كون الامتثال فيه واجبا ~~لتلك الأدلة، وأما الدوام فهو الاستمرار على ترك الفعل، وإنما كان النهي ~~يقتضي ذلك؛ لأن فاعل المنهي عنه في أي وقت من الأوقات من بعد ورود النهي ~~فاعل لما طلب منه الكف، وفاعل ذلك لا يكون ممتثلا، وعلى ذلك جمهور ~~الأصوليين، وخالفهم الفخر الرازي، وجعله كالأمر في أنه لا يجب ms061 فيه تكرار ~~الانتهاء عنه في كل وقت، بل إذا تركه في الوقت الذي يلي النطق بالنهي فقد ~~امتثل، وإن فعله بعد ذلك الوقت لم يخرج عن الامتثال بفعله بعد أن كف عنه ~~مرة، وحجه أن القائل إذا قال: لا تفعل كذا، فكأنه قال: كف عن هذا الفعل، ~~فالمطلوب إنما هو الكف فإذا كف عنه عقيب الأمر بالكف فقد فعل الكف، وهو ~~المطلوب، ومن فعل المطلوب فقد امتثل على ما يقتضيه إطلاق اللفظ، فلا يجب كف ~~آخر في الوقت الثالث والرابع إلا لقرينة PageV01P067 تقتضيه، ولأن النهي عن ~~الفعل أمر بفعل ضده، فكما أن الأمر المطلق لا يقتضي تكرار الفعل، كذلك النهي. # وأجيب: بأنه لا شك بأنه المطلوب من النهي مع الإطلاق أن لا يكون للمنهي ~~عنه حالة وجود، فمتى أوجده فقد خالف الناهي حيث نهاه ألا يجعل له حالة ~~وجود، فجعل له حالة وجود، وهذه مخالفة لما طلب الناهي بلا إشكال؛ فلا ~~امتثال، والمطلوب في لفظ الأمر ثبوتها، أي ثبوت حالة وجود للمأمور به، فمتى ~~ثبتت فقد امتثل، وإن لم يتكرر فقد ظهر الفرق بين الأمر والنهي؛ فبطل ما ~~زعمه الرازي من الجمع بينهما، وأما اقتضاء النهي الفور فهو أنه لو لم يقتضي ~~الفور؛ لجاز أن يرتكب ما نهي عنه بعد النهي؛ وهو باطل؛ لأن فاعل ذلك النهي ~~لا يكون ممتثلا، وهذا معنى قوله: "كي لا يفعل الحرام". # واعلم أن جميع ما ذكرته من أحكام النهي إنما هي ثابتة له عند عدم الدليل ~~الصارف عن إرادتها أو إرادة بعضها، فإن دل الدليل على شيء من ذلك صرف النهي ~~إليه، ولذا ورد النهي لغير التحريم، فمن ذلك التكريه، نحو: { ولا تيمموا ~~الخبيث منه تنفقون } (البقرة: 267)، والمراد بالخبيث الرديء، والمراد ~~بالإنفاق التصدق والإرشاد، نحو: { لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } ~~(المائدة: 101)، والفرق بينه وبين الكراهية هو أن المفسدة المطلوب درؤها في ~~الإفساد دنيوية، وفي الكراهية أخروية، نظير ما مر في الفرق بين الإرشاد ~~والندب في الأمر والدعاء، نحو: { لا تزغ قلوبنا ms062 } (آل عمران: 8)، وبيان ~~العاقبة نحو: { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء } (آل ~~عمران: 169)، أي عاقبة الجهاد الحياة، لا الموت، والتقليل والاحتقار، ومثل ~~لهما بقوله تعالى: { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم } (طه: ~~131)، أي فهو قليل وحقير، بخلاف ما عند الله، والإياس% نحو: { لا تعتذروا ~~اليوم } (التحريم: 7)، قال البدر رحمه الله تعالى: " واختلف في نهي الله ~~تعالى، هل فيه تأديب؟ أم كله زجر؟ والأصح قول ابن عباس: أنه زجر كله، وزعم ~~بعض أنه كالأمر، وأما نهي الرسول - صلى الله عليه وسلم - ففيه التأديب ~~والزجر"، انتهى، وإذا تأملت PageV01P068 المقام مع ما مر من تمثيلها للنهي ~~في الإشارة وغيره عرفت أن نهي الله يرد لغير الزجر أيضا، ثم إن البدر عفا ~~الله عنه قد مثل لمجيء صيغة النهي للإرشاد وغيره بآيات قرآنية، فلينظر ~~الجمع بين ما صححه هاهنا وبين ما مثل به هنالك، والله أعلم. # ويرد النهي لغير الدوام إذا دل دليل على ذلك، وذلك نحو قول القائل: لا ~~تخرج فإن الأسد على الباب، فالتعليل بكون الأسد على الباب دليل قاض بأن ~~النهي عن الخروج إنما هو لأجل هذه العلة، وأنه إذا زالت العلة ارتفع النهي، ~~ومنه نهي الحائض عن الصلاة، حاصل ما في المقام أن النهي هاهنا اقتضى الدوام ~~بحسب التعليل ليس إلا، وكذا القول في النهي المقيد بشرط، نحو: لا تصعد ~~السطح إن كان فيه فلان، أو وقت نحو: لا تصم يوم النحر، فإن النهي في ~~الصورتين يقتضي تكرار الكف عن المهني عنه عند حصول القيد، ولا يقتضيه عند ~~عدمه، هذا مذهب الجمهور، واحتجوا بأن النهي يقتضي بوضعه الدوام؛ فالتقييد ~~بالشرط لا يخرجه عن وضعه الأصلي، أي لا يكفي أن يكون دليلا يصرف النهي عما ~~وضع له إلى غيره، وذهب أبو عبد الله البصري، وصححه الحاكم إلى أن النهي ~~المقيد يفيد المرة الواحدة، ولا يفيد الدوام، فإذا قال القائل: لا تصعد ~~السطح إن كان فلان فيه، لم يفد ذلك في كل مرة يكون ذلك ms063 الفلان فيه، بل إذا ~~ترك مرة فقد امتثل. # قال صاحب المنهاج: " لكن الأقرب أن أبا عبد الله يجعل تلك المرة متعينة ~~في أول مرة يكون ذلك الفلان على السطح، فإذا تجنب الصعود في تلك الحال فقد ~~امتثل، ولا يلزمه بعد تلك المرة أن يترك الصعود؛ لأنه قد امتثل، وأما لو ~~صعد أول مرة وهو فيه؛ فقد خالف ما نهي عنه حينئذ"، واحتج أبو عبد الله ~~البصري بأن السيد إذا قال لعبده: لا تخرج من بغداد إذا جاء زيد، أفاد مرة ~~واحدة، وإذا قال: لا تخرج من بغداد وأطلق القول أفاد المنع من الخروج على ~~التأبيد، قلنا: لا فرق بين الصورتين في اقتضاء الدوام على حسب ما مر، ~~PageV01P069 لكن النهي المطلق يقتضيه دائما، والمقيد يقتضيه بحسب ما قيد ~~به، قال صاحب المنهاج: " والأقرب أن الشرط إن تضمن التعليل اقتضى الدوام، ~~نحو: لا تدخل الحمام إن لم يكن معك مستر، فإنا نفهم أن العلة فيه كراهة كشف ~~العورة، فيستمر ذلك مهما حصلت العلة، وإن لم يفهم منه معنى التعليل، كلا ~~تدخل المسجد إن كان زيد في الدار، اعتمد على ما فهم من مقصد الشارط، فإن لم ~~يفهم شيئا فالظاهر الدوام كالمطلق، إذ تقديره: لا يكون لدخول المسجد وجود ~~زيد في الدار، فهذا يقتضي عموم الأوقات، فكذلك ما هو في معناه"، قال: " ~~وهذا التفصيل عائد إلى تصحيح ما قاله الأكثر من أنه للدوام إلا لقرينة"، انتهى. # وقد يقتضي النهي عدم الفورية أيضا بدليل على ذلك، نحو: لا تصم يوم النحر؛ ~~فإن النهي عن الصوم لا يكون قبل يوم النحر، فيجوز الصيام إلى حضوره، أو مثل ~~هذا كثير. # ثم اعلم أنما قدمته لك من أن حكم النهي: التحريم إلا لدليل يصرفه عن ذلك ~~هو مذهب الجمهور، وقال قوم: هو حقيقة في التكريه عند الإطلاق، ولا يدل على ~~غيره إلا بقرينة، والمراد بالتكريه هاهنا كراهة التنزيه لا كراهة التحريم، ~~فقوله في النظم: "كراهة التنزيه" احتراز مما قد يتوهم من اصطلاح الحنفية في ~~المكروه، من أنه ms064 مشترك بين المكروه كراهة تحريم، وبين المكروه كراهة تنزيه ~~على حسب ما يأتي في الحكم. قال صاحب المنهاج: "وأظن أهل هذا القول-أي بأن ~~النهي حقيقة في التكريه- هم القائلون بأن صيغة الأمر في أصل وضعه للندب ~~فقط، ولا يفيد الوجوب إلا لقرينة، وقال قوم بالوقف" قال صاحب المنهاج: "وهم ~~المتوقفون في لفظ الأمر"، أقول: وسبب توقفهم هو أنهم زعموا أن النهي محتمل ~~للتحريم وللتكريه ولغيرهما، ولا دليل يعين واحدا من هذه الاحتمالات دون ~~الآخر؛ فوجب التوقف، وقال قوم: هو مشترك بين التحريم والتكريه، بمعنى أنه ~~وضع لكل واحد منهما على حدة؛ فاستعماله PageV01P070 في كل واحدة منهما ~~حقيقة، ولا يحمل على واحد منهما حقيقة، ولا يحمل على واحد منهما على ~~الإطلاق إلا بقرينة، فإن وردت قرينة تدل على إرادة أحد الحكمين حكم عليه و ~~إلا فالوقف، وأرجح الأقوال كلها هو ما قدمته لك آنفا، وبما ذكرته من الأدلة ~~عليه، تعرف تضعيف ما عداه من الأقوال، والله أعلم. # ولما فرغ من بيان حقيقة النهي، وبيان حكمه، أخذ في بيان ما يدل عليه ~~النهي التزاما فقال: # والنهي ليس يستدل منه على فساد ما نهينا عنه # وقيل يستدل والبعض يدل أن كان ذا النهي لذاته جعل # وإن يكن لصفة فيه فلا له بوطء حائض قد مثلا # اختاف في دلالة النهي على فساد المنهي عنه على مذاهب سنذكرها إن شاء الله ~~تعالى، وهذا الخلاف إنما هو في الأمور الشرعية إذا نهي عنها، وذلك نحو: ~~الواجب إذا نهي عنه في بعض المواضع، كصلاة الحائض، والمندوب كصوم يوم ~~النحر، فإن الصوم في الجملة مندوب إليه، ونهي عنه في نحو ذلك اليوم، ~~والمباح كبيع الحاضر البادي، فإن البيع في الجملة مباح، ونهي عنه في مثل ~~هذه الصورة، وليس الخلاف في النهي عن الأمور الغير الشرعية، كالنهي عن ~~الزنا وشرب الخمر وأكل الميتة ونحو ذلك، فإن هذه الأمور قبل النهي لم يرد ~~فيها شرع، فحالته قبل التحريم ليست بشرعية، وكذا ليس الخلاف في أن النهي لا ~~يستفاد منه ms065 فساد المنهي عنه أصلا، فإن القائلين بأن النهي لا يدل على فساد ~~المنهي عنه يعترفون بأنه يدل على ذلك في بعض الصور، وأن القائلين يدل على ~~فساد المنهي عنه؛ يسلمون أنه في بعض الصور لا يدل على ذلك، وإنما الخلاف في ~~أنه: هل الأصل هو الدلالة على فساد المنهي عنه؟ أم لا؟، حاصل المقام أن ~~القائلين بأن النهي لا يدل على فساد المنهي عنه إنما ينفون دلالة على ذلك ~~عند عدم القرينة الدالة على ذلك، فأما إذا قامت PageV01P071 قرينة على شيء ~~من أفراد النهي أنه يدل على فساد ذلك المنهي عنه؛ فإنهم يسلمون دلالته على ~~ذلك لتلك القرينة، ويجعلونه كالمستثنى من قاعدة النهي، وكذا القائلون بأن ~~النهي يدل على فساد المنهي عنه؛ فإنه يقولون بذلك عند عدم المانع عن دلالته ~~على ما ذكر، فإن وجد المانع لذلك في شيء من أفراد النهي سلموا أن ذلك الفرد ~~بعينه لا يدل على فساد المنهي عنه، لذلك المانع، وجعلوه كحكم المستثنى من ~~قاعدتهم في النهي، هذا تحرير المقام، فاشدد به يدك، فإنه مهم جدا، ولا تكاد ~~تجده، فإن قيل: إن جعل النهي عن الزنا لا يدل على فساد المنهي عنه لكون ~~الزنا لم يرد فيه قبل النهي شرع غير مسلم لأمرين: # ? أحدهما: أن أصحابنا رحمهم الله تعالى يحرمون تزويج المزني بها لمن زنى ~~بها، وما ذلك إلا لأنه نهي عن الزنا بها؛ ففسد عليه. # ? وثانيهما: أن الزنا محرم في جميع الشرائع؛ فهو أمر شرعي، فالنهي عنه في ~~شريعتنا نهي عن أمر مشروع. # قلنا عن الأول: إن أصحابنا رحمهم الله تعالى إنما حرموا نكاح المزنية على ~~من زنا بها لدلة غير النهي عن الزنا، كحديث عائشة والبراء بن عازب وغيرها. # وعن الثاني: إن تحريم الزنا في الشرائع لا ينافي أنه قبل وجود الشرائع ~~ليس فيه حكم شرعي، حاصل الجواب أن مرادنا بقولنا: أن النهي عن الزنا نهي عن ~~أمر غير شرعي، هو أن الزنا لم يرد فيه قبل النهي عن حكم شرعين سواء كان ms066 ~~النهي عنه في شرعنا فقط، أو في جميع الشرائع، فظهر أن الزنا قبل إنزال ~~الشرائع ليس فيه حكم شرعي كغيره من سائر الأشياء، وهذا القول فيما أشبه ~~الزنا من المناهي، وإذا تحرر لك المقام كما ترى؛ فارجع إلى استماع حكاية ~~المذاهب التي وعدنا بذكرها آنفا. # فاعلم أن الناس اختلفوا في دلالة النهي على فساد المنهي عنه، فذهب ابو ~~حنيفة والقاضي وأبو عبد الله البصري وأبو الحسن الكرخي وبعض أصحابنا إلى أن ~~النهي لا يدل على فساد المنهي عنه، بمعنى: أنه إذا نهينا عن فعل شيء؛ فلا ~~يدل هذا النهي على أن ذلك المنهي عنه لا يعتد به أصلا، PageV01P072 وزاد ~~أبو حنيفة من بين هؤلاء القائلين أن النهي عن الشيء يدل على صحته قائلا: ~~"إنه لا يتصور النهي عن الشيء إلا بعد وجود ماهيته صحيحة هكذا"، ومثل له: ~~بصوم يوم النحر، فعنده أن صومها صحيح، لكنه غير مقبول لما فيه من النهي ~~عنه، وبنى على كون صومه صحيحا الاجتزاء بصومه للنذر. # قلنا: لا يلزم من النهي وجود ماهيته صحيحة على وفق ما ذكرتم، وإنما يكفي ~~في النهي عن تصور وجوده، وبذلك يصح الكف عنه، وبالكف عنه يحصل الامتثال؛ ~~فبطل ما زعموه من دلالة النهي على صحة المنهي عنه، وبهذا البطلان يسقط ~~القول بالاجتزاء بصوم يوم النحر للوفاء بالنذر، وذهب أحمد والشافعية ~~والظاهرية وكثر من أصحابنا إلى أن النهي يدل على فساد المنهي، وسوغ أبو ~~يعقوب رحمه الله تعالى كلا المذهبين، واحتج هؤلاء بأن العلماء لم تزل على ~~الفساد بالنهي عن الربويات والأنكحة وغيرها، وبأن الأمر يقتضي الإجزاء، ~~والنهي نقيضه يقتضي نقيض الاجزاء، وهو الفساد. # وأجيب عن الأول: بأنه لا نسلم الإجماع، وما استدل به فهو بان على مذهبه. ~~وعن الثاني: بأنه لا نسلم كون النهي نقيض الأمر لأنه يقتضي القبح، ونقيض ~~القبح الحسن، والأمر يقتضي الوجوب لا مجرد الحسن، سلمنا فلا يلزم في ~~النقيضين أن تتناقض أحكامها من كل وجه سلمنا أن الأمر يقتضي الصحة، فنقيض ~~ذلك أن لا يكون النهي ms067 للصحة، لا أنه يقتضي الفساد، انتهى. وذهب الغزالي ~~والفحر الرازي وأبو الحسين إلى أن النهي يدل على فساد المنهي عنه في ~~العبادات دون المعاملات، ودلالهت على ذلك شرعية لا لغوية؛ لأن الفساد حكم ~~شرعي، لا تعقله العرب، فلا يصح أن يكون مقصودا لها في وضع النهي، وأما في ~~الشرع فلا إشكال في صحة قصده، ويستدل على وقوع ذلك شرعا بأن العلماء ما ~~زالوا يستدلون بالنهي على فساد المنهي عنه. # وأجيب: بأنه إنما يصح هذا دليلا حيث صح أنه ما أجمعوا على ذلك، ولم ينقل ~~إجماع، واستدلال بعضهم لا يفيد لجواز PageV01P073 كونه مذهبا له، أعني: أن ~~النهي يقتضي الفساد، ومع هذا الاحتمال لا يستقيم الاحتجاج، وأيضا فإن هذا ~~الاستدلال لو سلم دال على اقتضاء النهي الفساد مطلقا، فأين دليل اقتضائه ~~الفساد في العبادات دون المعاملات؟!، فإن قالوا: إن النهي عن العبادات لا ~~يكون إلا لاختلال شرط من شروطها وركن من أركانها، ولا كذلك النهي عن ~~المعاملات، قلنا: إن الفساد حينئذ باختلال الشرط أو الركن؛ لا باقتضاء نفس ~~النهي له، وذهب قوم إلى أنه إن كان النهي عن الشيء لعين ذلك الشيء؛ فالنهي ~~يقتضي فساده، وإن كان إنما نهي عنه لصفة فيه؛ فلا يقتضي النهي فساده، فمثال ~~ما نهي عنه لذاته: الكفر وبيع الحر، ومثال ما نهي عنه لصفة فيهك كوطء ~~الحائض والصلاة في الأرض المغصوبة والوضوء بالماء المغصوب وفي الإناء ~~المغصوب ونحو ذلك، وهذا معنى قول الناظم: "يدل إن كان ذا النهي" إلى آخره، ~~أي: وقال البعض أن النهي يدل على فساد المنهي عنه إذا كان النهي إنما شرع ~~لذات المنهي عنه لا لصفة فيه، وإن كان إنما نهي عنه لصفة فيه فلا يدل على ~~ذلك، ولا أعلم لهؤلاء حجة على هذا التفصيل، وقيل: إن نهي عن الشيء لكون ذلك ~~الشيء ملكا للغير لم يقتضي النهي الفساد، كما إذا باع ملك الغير فأذن ~~المالك ورضي بالبيع؛ لم يفسد البيع، وإن كان إنما نهي عنه لأجل اختلال شرط، ~~كبيع الغرر اقتضى الفساد ms068. # وأجيب: بأنه قد ينهى عن الشيء لأجل ملك الغير، والنهي مع ذلك يقتضي ~~الفساد، كما إذا باع ملك الغير، ولم يجز المالك، وقيل: إن كان في المنهي ~~عنه توصل إلى إباحة محظور، كبيع الخمر والميتة ونحوهما؛ اقتضى النهي ~~الفساد، وإن كان ليس فيه توصل إلى ذلك فلا يقتضي الفساد. # وأجيب: بأنه إن أردتم بالتوصل إلى تحليل الحرام، أن ذلك العقد يترتب عليه ~~تحليل محرم؛ فهذا غير مسلم، ولو سلم لكان ذلك العقد صحيحا لا فاسدا، فأين ~~قولكم باقتضائه الفساد؟! وإن أردتم بأن ذلك العقد لا يترتب عليه إباحة ما ~~حرم فهو متناقض، إذ قلتم بأن فيه PageV01P074 توصلا إلى إباحة المحرم، ثم ~~إن قلتم أن ليس فيه توصل، وإذا تأملت هذه الأقول كلها وطلبت الأرجح منه؛ ~~رأيت أن الأرجح هو المذهب الأول، وهو أن النهي لا يقتضي الفساد مطلقأ، وأن ~~اقتضاؤه في بعض المواضع؛ فذلك إنما هو بدليل خارج عن النهي لا لنفس النهي، ~~والحجة لنا على صحته ورجحانه على سائر المذاهب هي أن معنا كون الشيء فاسدا ~~أنه لم يقع موقع الصحيح في سقوط القضاء، واقتضاء التمليك والمعلوم أن ~~المنهي عنه قد يقع صحيحا كطلاق البدعة والبيع وقت النداء، فلا يكفي النهي ~~في اقتضاء الفساد؛ بل لا بد من دليل، إذ لفظ النهي لا يفيده لما ذكرنا من ~~أن المنهي عنه قد يصح. # ولما فرغ من بيان أحكام النهي وكان المطلق والمقيد نوعا من الخاص، أخذ في ~~بيانهما وبيان أحكامهما، فقال: # # ذكر المطلق والمقيد # $ ومطلق ما دل بالشيوع ... في جنسه لبدل موضوع # فمن هنا فارقه العموم ... إذ ليس فيه بدل معلوم # فإن يقيد فهو المقيد ... مثله كجاء شيخ أمجد # عرف المطلق: بأنه مادل بالشيوع في جنسه، فما أي: لفظ جنس شامل لجميع ~~الألفاظ، وقوله بالشيوع في جنسه: فصل مخرج لما على المطلق من الألفاظ، وأما ~~قوله: ببدل موضوع: أي: باعتبار بدل المعنى الذي وضع له اللفظ، تفسير لقوله ~~بالشيوع في جنسه، وذلك أن لفظ رجل مثلا: دال على كل فرد ms069 من أفراد الرجال، ~~بمعنى أنه صادق على كل واحد منها وصالح لأن يطلق عليه، وليس دلالته على ~~جميع الأفراد دفعة واحدة، وإنما دلالته على ذلك باعتبار شيوع لفظه في جميع ~~الأفراد، وبهذا الاعتبار قد خالف المطلق العموم، والمراد به العام؛ لأن ~~العام إن لم يتناول أفراد الموضوع دفعة واحدة على سبيل الجمع والاستغراق ~~لها، وأما المقيد فهو ما خرج عن ذلك الشيوع، إما بقيد: كجاء شيخ أمجد، فإن ~~لفظ شيخ مطلق لشيوعه في ذلك PageV01P075 الجنس، ولصدقه على كل فرد من ~~أفراده، لكن قوله: أمجد، قيد مخرج للفظ الشيخ عن ذلك الشيوع، وأما بحسب ~~وضعه الأصلي كالعلم فإنه لا يسمى مطلقا وإنما هو مقيد بحسب الوضع الذي وضع ~~له، لأنه وضع لمعين، وإن كان علم جنس مثلا فإنه لا يكون علما إلا باعتبار ~~ذلك التعيين المذكور، ويكتفى في العلم الجنس بالتعيين الذهني، ومثل العلم ~~سائر المعارف، إذ ليس من المعارف ما هو مطلق أصلا، اللهم إلا أن يقال أن ~~المعرف بأل المشار إليها إلى الحقيقة باعتبار وجودها في بعض الأفراد غير ~~معينين، كقولك: ادخل السوق حيث لا عهد في الخارج، ومنه قوله تعالى: { وأخاف ~~أن يأكله الذئب } (يوسف: 13)، من قبيل المطلق، فإن المعرف بأل كالنكرة في ~~المعنى ولذا أعطي بعض أحكام النكرة، كالنعت بالجملة، في نحو: { وآية لهم ~~الليل نسلخ منه النهار } (يس: 37)، ونحو: ولقد أمر على اللئيم يسبني، وأن ~~فرق بين النكرة وبين المعرف المذكور لما حاصله أن النكرة معناه بعض غير ~~معين من جملة الحقيقة، وهذا معناه نفس الحقيقة، وإنما تستفاد # البعضية من القرينة كالدخول في نحو: ادخل السوق، والأكل في نحو: { أن ~~يأكله الذئب } (يوسف: 13)، فالمجرد وذو اللام بالنظر إلى القرينة سواء، ~~وبالنظر إلى أنفسهما مختلفان، واعلم أن ما ذكره المصنف من تعريف الطلق هو ~~ما مشى عليه ابن الحاجب وتبعه البدر الشماخي رحمه الله تعالى، حيث عرفا ~~المطلق بأنه: "ما دل على شائع في جنسه"، وعلى ذلك مشى صاحب المنهاج، وهو ~~معنى ما ذهب إليه الآمدي حيث ms070 عرف المطلق بأنه: "النكرة في سياق الإثبات"، ~~وهذه التعاريف قاضية بأن النكرة والمطلق شيء واحد، وفرق بينهما ابن السبكي، ~~فعرف المطلق بأنه: "الدال على الماهية بلا قيد"، ثم قال: "وعلى الفرق بين ~~المطلق والنكرة أسلوب المنطقيين والأصوليين وكذا الفقهاء حيث اختلفوا فيمن ~~قال لامرأته: إن كان حملك ذكرا فأنت طالق، وكان ذكرين، قيل: لا تطلق؛ نظرا ~~للتنكير المشعر بالتوحيد، وقيل: تطلق حملا على الجنس" انتهى، قال المحلى: ~~"ومن هنا يعلم أن اللفظ في المطلق والنكرة PageV01P076 واحد، وأن الفرق ~~بينهما بالاعتبار إن اعتبر في اللفظ دلالته على الماهية سمي مطلقا، واسم ~~جنس أيضا، أو مع قيد الوحدة الشائعة سمي نكرة، وتعقب هذا التفريق الكمال ~~فقال: "وما جرى عليه ابن الحاجب كالآمدي في تعريف المطلق هو الموافق لأسلوب ~~الأصوليين؛ لأن كلامهم في قواعد أحكام أفعال المكلفين، والتكليف متعلق ~~بالأفراد دون المفهومات الكلية التي هي أمور عقلية بل ويوافق أسلوب ~~المناطقة أيضا فإن المطلق عندهم هو موضوع القضية المهملة؛ لأنه مطلق عن ~~التقييد بالكلية والجزئية، والنكرة قد تكون موضوع الجزئية، وقد تكون موضوع ~~الكلية، والحكم في الجميع متعلق بالأفراد، وأما القضايا الطبيعية التي ~~الحكم فيها على الماهية من حيث هي، فقد صرح المناطقة بأنها لا اعتبار لها ~~في العلوم" انتهى، وبهذا التحقيق الذي ذكره الكمال هاهنا تعرف صحة ما مشى ~~عليه المصنف في النظم تبعا لمن ذكر من # المحققين ولا عبرة بما تعقب به ابن القاسم كلام شيخه في الكمال، فقد قال ~~البناني في آخر كلام تعقب به كلام ابن القاسم ما نصه: "ولا تغتر بما ~~للعلامة اسم، مما أبداه هنا من التمويهات وأطال به مما لا طائل تحته من ~~التأويلات"، وإنما قال البناني ذلك بعد أن كشف الغطاء عما احتوى عليه كلام ~~ابن القاسم من التمويهات، والله - سبحانه وتعالى - أعلم. # ولما فرغ من بيان حقيقة المطلق والمقيد شرع في بيان حكم كل واحد منهما، فقال: # حكمهما أن يجري كل واحد ... مجراه في مواضع التباعد # وحيثما يتحدان في السبب ... والحكم فالحمل هناك قد ms071 وجب # فيحمل المطلق منهما على ... ذي القيد من غير خلاف حصلا # وإن يكن حكمهما متحدا ... واختلف الموجب فالخلف بدا # فبعضنا والشافعي حملا ... وبعضنا والحنفي قال لا PageV01P077 وقيل إن كان ~~هناك جامع ... يحمل أولا فالصواب المانع # حكم المطلق والمقيد أن يجري كل واحد في موضعه إذا اختلفا سببا وحكما، ~~فالمطلق يجري في إطلاقه والمقيد في موضع تقييده، ولا يصح أن يحمل أحدهما ~~على الآخر بلا خلاف بين الأصوليين؛ لم بين المطلق والمقيد من التنافي، وذلك ~~نحو قوله تعالى في كفارة الظهار: { فصيام شهرين متتابعين } (المجادلة: 4)، ~~وقوله في صيام الكفارة: { فصيام ثلاثة أيام } (المائدة: 89)، فإن السبب ~~الموجب للصيام في آية اليمين هو الحنث، والسبب الموجب للصيام في آية الظهار ~~هو الظهار، والحكم فيهما مختلف ايضا، فلا يصح حمل مطلق الصيام في آية ~~اليمين على مقيدة بالتتابع في آية الظهار، وإنما قال أصحابنا بتتابع الصيام ~~في آية اليمين لقراءة ابن مسعود، فإنه قرأ: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات" لا ~~لنفس الحمل على ما في الظهار، وقد جعل البدر رحمه الله تعالى الآيتين مثالا ~~لما إذا اختلف موجب المطلق والمقيد، واتفق حكمهما؛ نظرا إلى ان الحكم في ~~الوضعين الصيام، فأجرى فيه الخلاف الآتي فيما إذا اتفق حكم المطلق و ~~المقيد، واختلف سببهما، ونحن إذا قلنا باختلاف حكمهما لختلاف نوعي الصيام، ~~فالصيام في آية اليمين محدود بالثلاثة الأيام، وفي آية الظهار محدود ~~بالشهرين، وباختلاف نوعيه اختلف حكمه تشديدا وتخفيفا، فلا يصح حمل مطلقه في ~~التخفيف على مطلقه في التشديد؛ لما يترتب هذا التشديد في التكاليف المطلوبة ~~في التخفيف، وإن اتحد حكم المطلق والمقيد واتفق سببهما؛ وجب حمل المطلق على ~~المقيد بيانا، سواء تقدم أحدهما على الآخر أو تقارنا في الوجود ما لم يتأخر ~~المقيد، حتى يعمل بالمطلق فإنه يكون حينئذ يكون المقيد ناسخا لبعض أحكام ~~المطلق، وقيل: إن المقيد إذا تأخر عن المطلق فهو ناسخ له بحسب ما يتناوله ~~وإن لم يقع العمل بالمطلق، قال البدر: "وهذا ليس بشيء لأن التقييد بيان، ~~وأيضا لو كان نسخا ms072؛ لكان التخصيص نسخا، لأنه نوع PageV01P078 <1/79> من ~~المجاز مثله، ويلزمهم أن يكون تأخير المطلق نسخا؛ لأن التنافي إنما يتصور ~~على الطرفين". انتهى. PageV01P079 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P080 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P081 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P082 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P083 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P084 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P085 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P086 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P087 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P088 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P089 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P090 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P091 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P092 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P093 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P094 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P095 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في ms073 المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P096 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P097 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P098 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P099 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P100 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P101 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P102 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P103 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P104 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P105 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P106 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P107 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P108 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P109 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P110 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P111 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P112 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P113 # ........................هنا ms074 خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P114 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P115 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P116 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P117 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P118 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P119 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P120 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P121 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P122 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P123 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P124 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P125 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P126 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P127 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P128 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P129 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P130 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى ms075 أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P131 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P132 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P133 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P134 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P135 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P136 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P137 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P138 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P139 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P140 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P141 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P142 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P143 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P144 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P145 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P146 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P147 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P148 # ........................هنا خرم في النص المرقون، يوافقه ms076 في المطبوع من ~~أول صفحة 79 إلى أول صفحة 150 من الجزء الأول ....................... PageV01P149 # <1/150> العدد هنا صريحا، لكن الجواز في المساوي، والأكثر هو المستمد ~~عليه عند الأصوليين؛ لصحته، والحجة لنا على جوازه أنه لم تمنعه لغة ولا ~~شرع؛ ولأنه قد وقع والوقوع فرع على الصحة، بيان أنه قد وقع قوله تعالى: { ~~إلا من اتبعك من الغاوين } (الحجر: 42)، والمعلوم أن العاصين أكثر من ~~المطيعين، وقد ورد أيضا في قوله تعالى: { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ~~ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما } إلى آخر الآية ~~(الأنعام: 146)، فخرج بهذا الاستثناء أكثر الشحوم كما ترى، ونحو قوله - صلى ~~الله عليه وسلم - : حاكيا عن الله تعالى: "كلكم جائع إلا من أطعمته"، وأيضا ~~فإن فقهاء الأمصار مجمعون على أنه لو قال: علي له عشرة إلا تسعة، لم يلزمه ~~إلا درهم، ولولا ظهوره لما اتفقوا عليه عادة، احتج المخالف بحجتين: # - أحدهما: أن القياس منع الاستثناء مطلقا؛ لأنه يقتضي تكذيب الجملة ~~الأولى، ووجه ذلك أنك إذا قلت علي له عشرة، ثم قلت إلا درهما، كان إطلاقك ~~لفظ العشرة على التسعة كذبا، أو مخالفة للوضع، فالقياس منع الاستثناء رأسا؛ ~~لتأديته إما إلى تكذيب الجملة الأولى، أو إلى مخالفة الوضع العربي، فإذا ~~كان ذلك هو القياس لم يصح منه إلا ما قام الدليل القاطع على جوازه، ولا ~~دليل على جوازه إلا الإجماع، ولا إجماع إلا على استثناء الأقل فوجب ~~الاقتصار عليه. # - وثانيهما: أن قول القائل عشرة إلا تسعة ونصف وثلث درهم مستسمج في ~~اللغة، ركيك جدا. # - وأجيب عن الاحتجاج الأول: بأنا لا نسلم أن القياس منع الاستثناء رأسا؛ ~~لأن الإخراج إنما وقع قبل الإسناد لا بعده، فلا كذب، فإذا قلت علي له عشرة ~~إلا خمسة فكأنك قلت عشرة إلا خمسة علي له، فأخرجت الخمسة قبل ثبوت الإسناد، ~~فلا كذب إلا بعد حصول الإسناد، سلمنا أن القياس منع الاستثناء، فالدليل ~~جوزه وهو استعمال العرب إياه في مجاري لغتهم، وإذا جاز استثناء الأقل جاز ~~استثناء الأكثر؛ لأن المانع من ms077 الأكثر بعينه حاصل في الأقل فإذا لم يمنعه ~~لم يمنع الأكثر PageV01P150 قياسا، ثم إن وروده في القرءان والسنة أوفي؟ ~~دليل على صحته. # - وأجيب عن الاحتجاج الثاني بأن استسماج ما ذكر لا يمنع صحته كعشرة إلا دانقا. # ثم أخذ في بيان: حكم الاستثناء الواقع بعد جمل معطوف بعضها على بعض فقال: # واحكم به للكلي إن تلا جمل ... معطوفة إلا لمانع حصل # كا كرم بني مخزوم واعط السائلا ... إلا فتى رأيته مجادلا # وقال قوم هو للأخيرة ... وهاهنا مذاهب كثيرة # أصح ذين أول القولين ... وسائر الأقوال دون ذين # إذا وقع الاستثناء بعد جمل معطوف بعضها على بعض نحو أكرم بني مخزوم، وأعط ~~السائل إلا فتى مجادلا، فاحكم بأنه عائد لجميعها، إلا إذا قام دليل يمنع من ~~ذلك فقوله: إلا فتى مجادلا مستثنى من السائل ومن بني مخزوم أيضا؛ أي فمن ~~رأيته متصفا بالجدال من بني مخزوم، وممن سألك فلا تدخله في الإكرام، ولا في ~~الإعطاء، هذا قول القاضي، والشافعي، وغيرهم، وقال قوم منهم أبو عبد الله ~~البصري، والحنفية، هو عائد إلى الجملة الأخيرة، وهي التي يليها الاستثناء، ~~وهاهنا مذاهب كثيرة أحدها للغزالي، والباقلاني، وهو التوقف عن الجزم بأنه ~~عائد إلى جميعها، أو إلى بعضها، وثانيها: للشريف المرتضى من الإمامية أنه ~~مشترك، وثالثها: لأبي الحسين: وهو أنه إذا لم يقع تناف بين الجمل ولا إضراب ~~عن أولها فإليها أجمع و إلا فإلى التي تليه، والتنافي نحو أن يختلفا في ~~النوع، أوفي الاسم، وليس الثاني ضميره أوفي الحكم، وهما غير مشتركين في ~~غرض، مثال الاختلاف في النوع، قولك: اضرب بني تميم: والفقهاء هم أصحاب أبي ~~حنيفة، إلا أهل البلد الفلاني، فالاستثناء هنا يرجع إلى ما يليه؛ لأن ~~الجملة الأولى في نوع مخالف للجملة الثانية لما كانت مستقلة بنفسها لا تعلق ~~لها بالأولى، ومثال الاختلاف في الاسم قولك: اضرب بني تميم، وأكرم ~~PageV01P151 ربيعة إلا الطوال، فإنه يرجع أيضا إلى ما يليه لاستقلال كل ~~واحد من الكلامين باسم، وحكم، ومثال الاختلاف في الحكم ولا يجمعهما غرض: ~~سلم ms078 على بني تميم، واستأجر بني تميم، إلا الطوال فيرجع إلى ما يليه لعدم ~~موافقته ما قبله في الغرض، قال صاحب المنهاج: فهذا تحقيق مذهب أبي الحسين، ~~ورابعها: لابن الحاجب، وهو أنه إن ظهر انقطاع الجملة عن الأولى عاد إلى ~~الجميع، وإن لم يظهر أي الأمرين فالوقف، فمجموع الأقوال ستة هذه الأربعة ~~والقولان اللذان ذكرهما المصنف، وهذه الأقوال كلها دون القولين اللذين ~~ذكرهما المصنف؛ أي فذلك القولان أصح من هذه الأقوال كلها، والأصح من # القولين أولهما، وهو أن الاستثناء عائد لجميع الجمل إلا لقرينة تصرفه عن ~~ذلك، وهو القول الذي صححه البدر الشماخي -رحمه الله تعالى- وحكاه عكرمة عن ~~ابن عباس، وهو قول أبي عبيدة، والعامة من فقهائنا، واعلم أنه لا خلاف في ~~رجوعه إلى الأخيرة، ولا إلى الجميع مع القرينة، وإنما الخلاف في الظهور عند ~~عدم القرينة، وثمرة الخلاف تظهر في آية القذف، وهي قوله تعالى: { والذين ~~يرمون المحصنات } إلى قوله: { ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم ~~الفاسقون إلا الذين تابوا } (النور: 4)، هل يعود الاستثناء إلى قوله: { ~~وأولئك هم الفاسقون } فقط، فلا تقبل شهادة القاذف وإن تاب؟ أم يعود إلى ~~الجميع فتقبل شهادة من تاب؟ والحجة لنا على من منع رجوع الاستثناء إلى جميع ~~الجمل المتقدمة أن التشريك بالعطف صيرها كالجملة الواحدة ولأن العطف رابط، ~~وأيضا فالاستثناء في ذلك كالشرط وكالاستثناء بمشيئة الله تعالى، وقد ثبت ~~أنه إذا قال قائل: والله لا أكلت، ولا شربت، ولا ضربت -إن شاء الله- أو إلا ~~أن يشاء الله تعالى عاد إلى الجميع اتفاقا، وأيضا فقد ذكر سعيد بن المسيب ~~أن عمر-رضي الله عنه- قال للذين شهدوا على المغيرة حين جلدهم: "من رجع منكم ~~أجزنا شهادته"، ثم تلا الآية، وأيضا لو استثنى عقيب كل جملة لعد ~~PageV01P152 عيبا واستهجانا من الكلام احتج القائلون بأنه عائد إلى الجملة ~~الأخيرة فقط بأمور: أحدهما: لو رجع إلى كل الجمل المعطوف عليها لرجع قوله ~~تعالى: { إلا الذين تابوا } (النور: 4)، إلى الجلد كما رجع إلى الشهادة، ~~والإجماع واقع ms079 على أن التوبة لا تسقط حد القذف. # وثانيهما: أن المعلوم من الاستثناء في نحو على عشرة إلا أربعة، إلا ~~اثنين، عائد إلى الأخيرة فكذلك غيره. # وثالثها: أن الجملة الثانية مثلا حائلة بين المستثنى والمستثنى منه فكانت ~~كالسكوت بينهما. # ??وأجيب عن الاحتجاج الأول: بأن الحد خرج عن ذلك بدليل خاص به، وهو أن ~~القذف حق الآدمي فلا يسقط بالتوبة كغيره من الحقوق، فوجب لهذا القياس قصره ~~على ما بعده، ونحن إنما نقول بعوده إلى الجميع مع عدم الدليل الصارف له عن ذلك. # ?? وأجيب عن الاحتجاج الثاني: بأنه إنما كان ذلك الاستثناء وهو الاثنين ~~عائد إلى ما قبله فقط لعدم العطف الجامع، ثم أن رده إلى الكل متعذر، فكان ~~الأقرب أولى كما أنه إذا تعذر رده إلى الأقرب كان الأول أولى نحو قوله: على ~~العشرة إلا اثنين، فإنه عائد إلى العشرة، وقال بعضهم في الجواب عن ذلك ~~الاحتجاج أن إجماع الصحابة خص رجوعه بالأخيرة، وهو مسلم إن صح ثبوت الإجماع ~~على ذلك. # ?? وأجيب عن الاحتجاج الثالث: بأن العطف صير جميع الجمل المتعاطفة بمنزلة ~~الجملة الواحدة فلم تكن المتوسطة كالسكوت قالوا حكم الأول متيقن، والدفع ~~مشكوك فيه. # وأجيب بأنه يجوز أن يكون وضعه للجميع، كما لو قام دليل واحتج القائل ~~بالاشتراك بوجهين: # - أحدهما: أنه يحسن الاستفهام عما يرجع إليه الاستثناء بعد الجمل. # وأجيب: بأنه يسأل عنه للجهل بحقيقته، أو لرفع الاحتمال فلا يكون حسن ~~السؤال عنه دليلا على اشتراكه. # - وثانيهما: أن صحة إطلاقه بعد الجمل لغير قرينة تبين ما يعود إليه دليل ~~على اشتراكه PageV01P153 بينهما إذ الأصل في الاستعمال الحقيقة لا المجاز. # وأجيب: بأن الأصل عدم الاشتراك، أيضا احتج المتوقفون بتعارض الأدلة، قال ~~صاحب المنهاج: ومذهب أبي الحسين موافق لما اخترناه؛ أعني أنه حيث لا يمنع ~~مانع من رجوعه إلى الجميع، ولا قرينة تفيد رجوعه إلى ما يليه، فإنه يوافق ~~في رجوعه إلى الجميع، والحجة واحدة، والله أعلم ثم قال: # والشرط والغاية والوصف لها ... أحكام الاستثنا خلا أولها # أي يعطى الشرط، والغاية، والوصف ms080 جميع ما للاستثناء من الأحكام المتقدم ~~ذكرها في هذا الباب، ما خلا الحكم الأول منها وهو المذكور في قول المصنف؛ ~~لأن الاستثناء من مثبت نفي، وبالعكس إذا لم يثبت فالشرط، والغاية، والوصف، ~~أحكامها أحكام الاستثناء فيما عدا تلك القاعدة، وهي أن الاستثناء من ~~الإثبات نفي، وبالعكس، فلا يصح عندنا تراخي الشرط عن المشروط، ولا تراخي ~~الغاية عن ... ولا الصفة عن الموصوف إلا قدر تنفس، أو عطس، أو بلع ريق، ~~وكذلك لا يصح أن يكون كل واحد من الشرط، والغاية، والصفة مستغرقا لأصله، ~~ويصح أن يكون أكثر منه، أو مساويا، وحكم هذه الثلاثة إن وقعت بعد جمل معطوف ~~بعضها على بعض حكم الاستثناء، فهي عائدة عندنا إلى الجميع عند التجرد عن ~~القرينة، وإلى الأخيرة عند قوم آخرين، وتجري فيها المذاهب المتقدم ذكرها ~~هنالك فمثال الشرط الواقع بعد جمل نحو: هذا حر، وأنت طالق إن جاء زيد مثلا، ~~فقوله: إن جاء زيد، قيد للتحرير، وللإطلاق، فهو عائد إلى الجملتين، ومثال ~~الغاية نحو: علم القرآن، وأفت السائل، وأمر بالمعروف حتى أرجع إليك، فقوله: ~~حتى أرجع إليك، حد ينتهي إليه كل واحد من التعليم، والإفتاء، والأمر فهو ~~عائد إلى جميعها، ومثال الصفة نحو: أكرم الرجال، وأعط الزيدين القادمين ~~إليك، فصفة القادمين إليك عائدة إلى الرجال، وإلى الزيدين، لا يقال أن ~~الصاحبة $لم يحملوا قوله تعالى: PageV01P154 # { اللاتي دخلتم بهن } على الجملتين قبلها، وهي قوله تعالى: { وأمهات ~~نسآئكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسآئكم اللاتي دخلتم بهن } (النساء: ~~23)، فلم يعتبروا الدخول في تحريم أم الزوجة، بل قالوا أبهموا ما أبهمه ~~الله، لأنا نقول أن في الآية قرينة مانعة من عودها إلى الجملتين، وكلامنا ~~مع التجرد عن القرائن، فبقي أمهات نسائكم مبهما؛ أي لم يوصف بوصف يقيده، ~~فأجراه الصحابة على إبهامه، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان التخصيص بالمخصص المنفصل فقال: # وغيره منفصل كآية ... بآية أخري وبالرواية # والخلف في التخصيص بالآحاد ... والفعل أي فعل النبي الهادي # كذاك بالتقرير نحو أن نظر ... من خالف العموم فعلا فأقر ms081 # كذاك بالمفهوم والقياس ... وخصص الإجماع عند الناس # أي غير المخصص المنفصل، وهو أنواع: # - النوع الأول: تخصيص الكتاب بالكتاب: # أي تخصيص آية أخرى أخص منها، وذلك كتخصيص قوله تعالى: { والمطلقات يتربصن ~~بأنفسهن ثلاثة قروء } (البقرة: 228)، والآية شاملة لأولات الأحمال بقوله ~~تعالى: { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } (الطلاق: 4). # وقيل لا يخصص الكتاب بالكتاب لقوله تعالى: { وأنزلنا إليك الذكر لتبين ~~للناس ما نزل إليهم } (النحل: 44)، قالوا ففوض البيان إلى رسوله، والتخصيص ~~بيان فلا يحصل إلا بقوله، قلنا بيان الرسول يكون تارة بقوله، وتارة بما ~~أنزل إليه، ووقوع التخصيص للكتاب بالكتاب كما قدمنا، مثاله دليل قاطع بصحة ~~ذلك، فإن قال المانع يمكن أن يكون إنما خصصت تلك الآية ببيان من الرسول، ~~قلنا الأصل عدمه، والتخصيص بالكتاب له موجود فلا يمكن دفعه. # - النوع الثاني: تخصيص الكتاب بالسنة: # وهي إما أن تكون متواترة أو آحاد، فإن كانت متواترة، فإما أن تكون قولية ~~أو فعلية، فإن كانت قولية خصصت الكتاب اتفاقا، وإن كانت فعلية PageV01P155 ~~أو آحادية ففي تخصيصها للكتاب الخلاف الآتي ذكره. # - النوع الثالث: التخصيص بخبر الآحاد: # وذلك كتخصيص آية المواريث بقوله صلى الله عليه وسلم: "القاتل عمدا لا ~~يرث"، وكتخصيص عموم الخبر المتواتر وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - : ~~"فيما سقت السماء العشر" بقوله: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة"، وقيل لا ~~يكون خبر الآحاد مخصصا للكتاب ولا للمتواتر من السنة، وقد تقدم الكلام على ~~ذلك، وبيان حجتنا فيه في باب العموم عند الكلام على تخصيص العام بالدليل الظني. # - النوع الرابع: التخصيص بفعله - صلى الله عليه وسلم - : # وذلك كما لو قال: الوصال حرام، ثم واصل، أو قال استقبال القبلة بالبول ~~حرام، ثم استقبل، فإن فعله - صلى الله عليه وسلم - يكون تخصيصا لهذا ~~العموم، ونسب هذا القول إلى الشافعي، والقاضي، وأبي طالب، وأبي الحسين، ~~ومعنى تخصيصه على هذا القول هو أن النهي عن الوصال شامل لجميع أنواع ~~الصيام، والنهي عن استقبال القبلة بالبول شامل لجميع حالات المستقبل، ~~فوصاله - صلى الله عليه وسلم - يخصص ذلك العموم في ms082 الموضعين، توضيحه أنه ~~إذا نهى عن الوصال فواصل بصوم النافلة فإنه يخصص من ذلك العموم صوم ~~النافلة، وكذلك إذا استقبل من وراء حائط فيكون الاستقبال من وراء الحائط ~~خارجا من عموم ذلك النهي، وقال أبو الحسن الكرخي، لا يكون مخصصا على ذلك ~~المعنى المذكور بل يدل على تخصيصه وحده إذا فعله - صلى الله عليه وسلم - لا ~~يتعداه إلا لدليل، والحجة لنا على ذلك قوله تعالى: { واتبعوه } (الأعراف: ~~158)، وقوله تعالى: { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } (الأحزاب: 21)، ~~فلما أمرنا باتباعه والتأسي به في أفعاله، كانت أفعاله كالخطاب لنا، وأيضا ~~فقد ثبت أنه وأمته في الشرع سواء إلا ما خص به. # - النوع الخامس: التخصيص بالتقرير: # وذلك نحو أن نظر - صلى الله عليه وسلم - من يفعل فعلا مخالفا لحكم ~~العموم، فأقره عليه - صلى الله عليه وسلم -، بمعنى أنه لم ينكر عليه ذلك، ~~وكان قادرا على PageV01P156 الإنكار، وذلك نحو أن ينهى - صلى الله عليه ~~وسلم - عن استقبال القبلة ببول، أو غائط، ثم يرى من يستقبلها فلا ينهاه ~~فإنه يكون مخصصا لذلك الفاعل من عموم هذا النهي، فإن تبينت علته حمل عليه ~~موافقة بالقياس، أو بقوله - صلى الله عليه وسلم - : "حكمي على الواحد حكمي ~~على الجماعة"، وإن لم تتبين علته قال ابن الحاجب، وتبعه البدر الشماخي: ~~"فالمختار أنه لا يتعدى لتعذر دليله، وقيل: بل يتعدى إذ لا دليل على ~~الفرق"، قال صاحب المنهاج: "وهذا قول الجمهور، وبعضهم لا يجيز التخصيص ~~بالتقرير؛ إذ لا ظاهر له". # وأجيب: بأن سكوته - صلى الله عليه وسلم - دليل الجواز، إذ لا يجوز منه ~~السكوت على محظور، ولكون تقريره - صلى الله عليه وسلم - حجة شروط نذكرها في ~~آخر ركن السنة. # - النوع السادس: التخصيص بالمفهوم: # مثاله: أن يقول صلى الله عليه وسلم في الأنعام زكاة، ثم يقول في الغنم ~~السائمة زكاة، فيخصص به جمعا بين الدليلين، فإن قيل العام أقوى فلا يعارضه ~~المفهوم، قلنا إذا كان مأخوذا به فالجمع بين الدليلين أولى كغيره. # - النوع السابع: تخصيص العموم بالقياس: # قال صاحب ms083 المنهاج: "مثال ذلك أن يقول الشارع: لا تبيعوا الموزون بالموزون ~~متفاضلا، ثم يقول: بيعوا الحديد كيف شئتم، فيقاس النحاس والرصاص عليه بجامع ~~الانطباع وذلك يحصل به التخصيص لعموم اللفظ الأول"، وقد تقدم ذكر الخلاف ~~فيه وذكر الحجة لنا وللمخالفين في ذلك في باب العموم عند تخصيص العام ~~بالظني فراجعه. # - النوع الثامن: التخصيص بالإجماع: # قال صاحب المنهاج: "ولا أحفظ فيه خلافا إلا لمن لا يجعل الإجماع حجة، ~~وأما الجمهور فيثبتون التخصيص به لأنه دليل قطعي تارة وظني أخرى، وإذا ثبت ~~التخصيص بالدليل الظني لما تقدم فالتخصيص بالإجماع ثابت قطعا، أما حيث كان ~~قطعيا فظاهر، وأما حيث كان ظنيا فليس هو بأدنى حجة من التقرير، ومن خبر ~~الآحاد، ومثال التخصيص بالإجماع، تخصيص آية القذف بإجماعهم على أن العبد ~~PageV01P157 القاذف يجلد أربعين". # فهذه ثمانية أنواع من المخصصات المنفصلة، وستأتي أنواع أخرى هي أضعف من ~~هذه الأنواع، ولما كانت تلك الأنواع الأخرى في الضعف عند المصنف بمنزلة ~~مالا يكون مخصصا أفرد ذكرها عن هذه الأنواع، ثم إن هذه الأنواع الثمانية، ~~منها ما ذكر المصنف الخلاف فيها وهي خمسة: التخصيص بالخبر الآحادي، وبفعله ~~- صلى الله عليه وسلم - ؛ أي وإن كان متواترا، وبتقريره - صلى الله عليه ~~وسلم - كذلك، وبالمفهوم من الكتاب والحديث، والقياس، والصحيح أنها مخصصة ~~لما تقدم، ومنها مالم يذكر فيها خلافا وهي ثلاثة أشياء: التخصيص بالكتاب، ~~وبالرواية، ويريد بها المتواترة، وبالإجماع، ثم اعلم أن هذه الأنواع كلها ~~تكون مخصصة للكتاب، وللسنة معا، فيخصص الكتاب بالكتاب وبالسنة، والسنة ~~بالسنة وبالكتاب، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان أنواع التخصيص بالمخصصات الضعيفة، وهي أشياء: # - أحدها التخصيص بمذهب الراوي # - وثانيها التخصيص بالعادة # - وثالثها التخصيص بعود الضمير إلى بعض العام # - ورابعها التخصيص بمحذوف مقدر في المعطوف على العموم # - وخامسها التخصيص بحكم العام إذا اقترن ببعض أفراد العام # فمجموع أنواع التخصيص المنفصل اللفظي القوي منها، والضعيف ثلاثة عشر ~~نوعا، وبعضهم اعتبر تخصيص العام بسببه الخاص وبه، فتكون الأنواع أربعة عشر ~~نوعا بدأ ببيان التخصيص بمذهب الصحابي فقال: # ومذهب الراوي ms084 فلا يخص ما ... روى وإن رآه بعض العلما # أي إذا روى الصحابي حديثا يقتضي العموم في شيء ومذهبه في ذلك الشيء يقتضي ~~تخصيص العام الذي رواه، فإن مذهبه في ذلك لا يكون عندنا مخصصا لذلك الحديث، ~~هذا قول الجمهور، ونسب إلى أبي طالب وأبي الحسين من المعتزلة، وإلى الكرخي ~~من الحنفية، وإلى الشافعي في أخير قوليه، وقالت الحنفية، والحنابلة، بل ~~يخصص به وهو مقتضى مذهب PageV01P158 بعض أصحابنا كأبي إسحاق -رضي الله ~~عنه-، ومثال ذلك ما روى عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ~~بدل دينه فاقتلوه"، وكان يرى ذلك في حق الرجال دون النساء، فعند الجمهور أن ~~العموم لا يخصص بمذهب راويه، بل يبقى على عمومه، فتقتل المرأة المرتدة ~~بأمرين: # أحدهما: قوله صلى الله عليه وسلم: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم ~~اهتديتم". # وثانيهما: أن الصحابي إذا قال بقول استلزم أن يكون له دليل في ظنه، وإلا ~~لزم فسقه، وإذا قطعنا بالدليل كان مخصصا. # - وأجيب عن الأول: بأنه أراد - صلى الله عليه وسلم - بذلك بأن أصحابه ~~كالنجوم في الفتوى إذ كل مجتهد مصيب و إلا لزم أن لا يصح اختلافهم، ولكان ~~من سبق إلى قول حجة على الباقين، والمعلوم أنهم اختلفوا، وتناظروا حتى قال ~~ابن عباس: "ومن باهلني باهلته". # - وأجيب عن الثاني: بأنه إنما يستلزم دليلا في ظنه فلا يجوز لغيره ممن ~~كان مجتهدا مثله اتباعه على ذلك إلا إذا رأي ما رأى من الدليل، قالوا: لو ~~كان ما يذهب إليه في تخصيص الحديث ظنيا لبينه، قلنا: ولو كان قطعيا لبينه، ~~وإذا لم يجب على غيره اتباعه، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان التخصيص بالعادة فقال: # كذلك العادة لا تخصص ... وقال قوم إنها تخصص # أي إذا ورد الدليل الشرعي عاما فلا يصح تخصيصه بعادة المخاطبين مثال ذلك: ~~أن يقول الشارع حرمت الربا في الطعام، وكان عادة المخاطبين تناول البر ~~مثلا، فلا يكون ذلك العام محمولا على البر خاصة، بل يكون شاملا لكل ما يسمى ~~طعاما، فهذا مذهبنا ms085، ومذهب الجمهور من المعتزلة، والأشعرية، وذهبت الحنفية ~~إلى أنه يصح التخصيص بذلك، فزعموا أن الربو في نحو المثال السابق، إنما ~~يحرم في البر خاصة؛ لأنه الذي تناوله لفظ الطعام؛ لأجل عادتهم. # وأجيب: بأنه إن صار لفظ الطعام حقيقة في PageV01P159 البر فلا عموم ~~حينئذ، وإن لم يصر حقيقة فيه وحده بل مع غيره، فلا يخصص باعتيادهم أكله ~~قالوا لو قال لعبده اشتر لحما، والعادة تناول لحم الضأن لم يفهم سواء. # وأجيب: بأن تلك الحالة قرينة في المطلق، وكلامنا إنما هو في العموم. # ثم أخذ في بيان التخصيص بالمقدر المحذوف فيما هو معطوف على العموم فقال: # كذلك المقدر المحذوف ... فيما على عمومه معطوف # [...................... خرم في الرقن مقدار نصف صفحة] PageV01P160 مدة ~~العهد قد انقضت [...................... خرم في الرقن مقدار نصف صفحة] # والقول في الضمير إن عاد إلى ... بعض العموم لا يخص عدلا # اعلم أنه إذا ورد عموم ثم جاء من بعده ضمير يعود إلى بعض أفراد ذلك ~~العام، فقد اختلف في تخصيص العام فقد اختلف في تخصيص العام به، والقول بأنه ~~لا يخصصه هو الذي عدله المحققون من الأصوليين، وذهب إليه البدر الشماخي من ~~أصحابنا، والجمهور من المعتزلة، وقال الجويني: "بل يقتضي تخصيص ما عاد ~~إليه"، وتوقف أبو الحسين، وذلك نحو قوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم ~~النساء } (البقرة: 236)، إلى قوله: { إلا أن يعفون } (البقرة: 237) ملك ~~العفو من النساء وهن البالغات، العاقلات، فلا يقتضي أن المراد بالنساء ~~PageV01P161 في أولها من يملك العفو فقط دون الصغيرة والمجنونة، بل هو على ~~عمومه، ومثل هذه الآية قوله تعالى: { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ~~فطلقوهن لعدتهن } (الطلاق: 1)، ثم قال: { لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك ~~أمرا } (الطلاق: 1)، يعني الرغبة في مراجعتهن، ومعلوم أن ذلك لا يتأتى في ~~البائنة، فهل يقتضي أن المراد بالنساء في أولها الرجعيات دون البوائن، فيه ~~خلاف، وكذلك قوله تعالى: { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } (البقرة: ~~228)، ثم قال: { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } (البقرة: 228)، فالضمير من ~~قوله وبعولتهن عائد إلى بعض المطلقات ms086 وهن الرجعيات، ولا يصح أن يعود إلى ~~جميع المطلقات؛ لأن منهن البوائن، وحكم المراجعة مختص بالمطلقات الرجعيات، ~~فالضمير عائد إليهن خاصة، ولا يكون بعوده إليهن خاصة مخصصا لعموم المطلقات ~~عندنا، بل عموم المطلقات باق على حاله عندنا خلافا للجويني، وضابط ذلك أن ~~يتعقب العموم تقييد باستثناء أوصفة أو شر، لا يتأتى ذلك التقييد إلا في بعض ~~ما تناوله ذلك العموم لا جميعه، فهل يقتضي تخصيص ذلك العموم؛ أي يكشف عن ~~كون المراد بالعموم ذلك المقيد فقط لا غيره$ فيه الأقوال # الثلاثة. # وحجتنا على ذلك أنه لا يلزم أن يحمل على التخصيص إلا إذا كان بينهما ~~تناف، أو ما يجري مجراه، ولا تنافي بين هذه العمومات المذكورة، وبين ~~التقييد لبعض مدلولها لجواز أن يختص بعض مدلول العموم بحكم يخصه دون البعض ~~الآخر، ولا تنافي في ذلك، احتج الجويني بأن الضمير عائد إلى العموم حتى ~~كأنه قال: إلا أن يعفو النساء والمعلوم أنه لو أظهر ذلك، كان المقصود ~~بالنساء البوالغ العاقلات، فكذلك مع الإضمار إذ الضمير كناية عن المظهر ~~المتقدم. # أجيب: بأنه لا نسلم أنه لو أظهر ذلك كان لفظ النساء فيه لفظ النساء ~~المتقدم بعينه بل غيره فلا يكون ذلك تخصيصا له إذ يكون تقديره إلا أن يعفو ~~النساء البوالغ العاقلات من النساء المتقدم ذكرهن، فكما أن إظهار هذا لا ~~يقتضي تخصيص العموم المتقدم، كذلك الضمير فهذا واضح كما PageV01P162 ترى ~~احتج أبو الحسين بأن الظاهر في اللفظ المتقدم العموم، والظاهر في الضمير ~~العائد إليه الخصوص، ولا ترجيح للأخذ بأحد الظاهرين دون الآخر فوجب الوقف. # وأجيب: بأن في إبقاء العموم على عمومه، والخصوص على خصوصه، إقامة لمجموع ~~الدليلين، وتجنبا لإبطال العموم فكان أولى والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان التخصيص بحكم العام إذا أسند لبعض أفراد العام فقال: # كذاك أيضا لا يخص حكمه ... بذكره لبعض ما يعيبه # يعني إذا أسند للعموم ... ثم أتى لبعضه المعلوم # فلا يخص ذكره للبعض ... وقال بعض بالخصوص يقضي # أي كذلك لا يخصص العام إذا ذكر حكمه ms087 لبعض أفراده؛ يعني أنه إذا ضم حكم ~~العموم ثم أتى ذلك الحكم مذكورا لبعض ذلك العموم فلا يكون ذكر ذلك الحكم ~~لبعض مخصصا لعمومه وهذا معنى قولهم إن ذكر حكم لجملة لا يخصصه ذكره لبعضها، ~~فالضمير من قوله لا يخص حكمه عائد إلى العموم؛ أي لا يخص العموم ذكر حكمه ~~لبعض أفراده هذا قول الأكثر من الأصوليين، وقال أبو ثور بل يخصصه مثال ذلك ~~قوله تعالى: { وللمطلقات متاع بالمعروف } (البقرة: 241)، قال أبو ثور: ~~"أراد به النبي لم يسم لها"، ولم تمس لقوله في آية أخرى: { ومتعوهن } ~~(البقرة: 236)، فالضمير عائد على المطلقات، والمتعة إنما هي مفروضة للتي لم ~~يسم لها مهر، ولم يدخل بها الزوج فلما كانت مفروضة للتي لم يسم لها ولم ~~تمس، والضمير عائد إلى المطلقات جملة للممسوسة، والمسمى لها وغيرها، وكان ~~الحكم المنسوب إلى الضمير وهو المتعة يختص بالتي لم يسم لها، ولم تمس، ~~علمنا أن العموم الذي عاد إليه الضمير لم يرد به ظاهره بل يتناول ما تناوله ~~الضمير، والضمير إنما تناول من لم يسم لها، ولم تمس، فصار لفظ العموم مخصصا ~~لذكر الحكم لبعضه على هذا التحقيق قال صاحب المنهاج: "هذا تلخيص ما ذهب ~~إليه أبو ثور في هذه PageV01P163 المسألة"، قال: "والصحيح قول الجمهور"، ~~واحتج عليه بأن ذكر الحكم في آخر الجملة لبعض من نسب إليه في أولها تخصيص ~~عموم أولها$ وأن المراد بالعموم ذلك البعض إذ لا يمتنع تعليق الحكم ~~بالجملة، ثم يذكر لبعضها تأكيدا لا تخصيصا قال فنقول أن قوله تعالى: { ~~وللمطلقات متاع بالمعروف } (البقرة: 241)، يقتضي وجوب متعة مجملة لكل مطلقة ~~ممسوسة أو غير ممسوسة مسمى لها، وقوله تعالى بعد ذلك: { ومتعوهن } (البقرة: ~~236)، يختص بالتي لم يسم لها، ولم تمس، تأكيدا لما ثبت في أول الجملة من ~~إيجاب المتعة، فلا يوجب تخصيص العموم المتقدم إذ لا تنافي بين ذكر الحكم ~~للجميع، ثم ذكره للبعض تأكيدا # لثبوته لذلك، والتخصيص إنما يلزم مع التنافي قال وكذلك ذكر أبو ثور في ~~قوله صلى الله عليه وسلم في ms088 شاة ميمونة: "دباغها طهورها"، أنه مخصص لقوله - ~~صلى الله عليه وسلم - : "أيما إهاب دبغ فقد طهر"، جعله مخصوصا بشاة ميمونة ~~دون غيرها من الميتات؛ لكون الضمير في قوله - صلى الله عليه وسلم - : ~~"دباغها طهورها" عائدا إلى شاة ميمونة فقط، قال: "هذا عندنا لا يصح لما ~~قدمنا لفقد التنافي، والتخصيص متفرع على التنافي"، وضابط ذلك ما ذكره ابن ~~حاجب من أنه إذا وافق حكم الخاص حكم العام فهو محل خلاف بيننا، وأبي ثور هل ~~يكون ذلك تخصيصا للعام، أم لا، وحجة أبي ثور أنه قد ثبت أن المفهوم يخصص به ~~العام كالمنطوق، ومفهوم الخاص أن ما عداه بخلافه فقوله - صلى الله عليه ~~وسلم - في شاة ميمونة: "دباغها طهورها" يقتضي أن ما عدا شاة ميمونة فدباغها ~~لا يطهرها، كما أن قوله: "في السائمة من الغنم زكاة" يقتضي أن ما عدا ~~السائمة لا زكاة فيها، وإذا اقتضى ذلك لزم تخصيصه لقوله - صلى الله عليه ~~وسلم - : "أيما إهاب دبغ فقد طهر"، والجواب أن هذا من باب مفهوم اللقب، ~~ومفهوم اللقب لا يؤخذ به بوجه من الوجوه كما سيأتي تحقيقه في باب مفهوم ~~الخطاب. # ثم إنه أخذ في بيان تخصيص العام بسببه الخاص فقال: PageV01P164 # وقد مضى تخصيصه بسببه ... في بابه فليكتف الطالب به # أي تخصيص العام بسببه الخاص قد مضى ذكره في باب العام عند الكلام على ~~العام الجاري على سبب خاص، هل يكون خاصا لخصوص السبب، أم يبقى على عمومه، ~~وقد تقدم ما هو المختار فيه عند المصنف بأنه إذا كان العام مستقلا بنفسه عن ~~سببه فلا عبرة بخصوص السبب وهو معنى قولهم لا عبرة بخصوص السبب مع عموم ~~اللفظ، وإن كان العموم غير مستقل بنفسه عن سببه فإنه يكون جاريا مجرى سببه ~~عموما، وخصوصا، فليكتف الطالب بذكره هنالك عن إعادته هاهنا والله أعلم. ثم ~~أخذ في بيان التخصيص بالعقل فقال: # وغير ما مر هو العقلي ... تخصيصه للشرع أولي # كخالق لكل شيء فخرج ... بالعقل ذاته وغيرها اندرج # أي غير ما مر ذكره من المخصصات ms089 المتصلة والمنفصلة هو المخصص العقلي، ~~والمراد أن العقل مخصص للكتاب والسنة تخصيصا أوليا؛ بمعنى أن تخصيصه منسوب ~~إلى الأول، والمراد أن فهم التخصيص للشرع بالعقل يدرك من أول وهلة؛ أي لا ~~يحتاج إلى طلب، وشدة بحث كما يحتاج إليه في المخصصات السمعية، وذلك نحو ~~قوله تعالى: { خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل } (الزمر: 62)، { ولله على ~~الناس حج البيت } (آل عمران: 97)، { وأقيموا الصلاة }، فإن العقل يمنع من ~~دخول ذاته تعالى تحت قوله: { خالق كل شيء }، ويحيل أن تتعلق القدرة بذاته ~~عز وجل، ويخرج الصبي، والمجنون عن الدخول تحت التكليف بالحج، والصلاة لأن ~~الصبي، والمجنون، لا قدرة لهم على فهم الخطاب، وطلب الفهم ممن لا يمكنه ~~الفهم محال عقلا، وقال قوم منهم الشافعي: بمنع تخصيص العقل مطلقا؛ أي ~~للكتاب والسنة، وقيل: للكتاب فقط، واحتجوا على ذلك بأمرين: # - أحدهما: أن العقل متقدم، والشرع متأخر، ولا يصح تخصيص المتأخر ~~بالمتقدم. # - وثانيهما: أن التخصيص إخراج ما يمكن دخوله تحت العام، PageV01P165 ~~وخلاف المعقول لا يمكن دخوله تحته. # * وأجيب عن الأول: بأن العقل له ذات، وهي المتقدمة، وله صفة المخصصة، ~~والمبينة؛ لأنها موجودة عند نزول اللفظ لأن العقل هو الذي بين لنا أن الرب ~~تعالى ما أراد بقوله خالق كل شيء ذاته، هذا على تسليم منع تخصيص المتأخر ~~بالمتقدم، ونحن لا نمنعه، والله أعلم. # * وأجيب عن الثاني: بأنه لا يمتنع دخوله لغة في الكلام، لكن يكذب قائله ~~لو أراده ولما وجب الصدق في كلام الله تعالى تبين أنه يمتنع دخوله تحت ~~الإرادة مع شمول اللفظ له، والقاضي بعدم إرادته هو العقل ثم إنه أخذ في ~~بيان التخصيص بالحس، وفي إبطال قول من منع تخصيص الخبر فقال: # كذاك أيضا خصص المحسوس ... من كل شيء أوتيت بلقيس # وريح عاد كل شيء ما تذر ... فسقط المانع منه في الخبر # قالوا ولو خصص نفس الخبر ... لكان موجبا لكذب المخبر # قلنا إذا خصصه بمتصل ... ونحوه جاز خلاف المنفصل # لأنه لم يقطع الكلاما ... إلا ومنعاه يرى تماما # وبعد أن تم يكون ms090 مخبرا ... لا قبله حتى يعد مفترا # أي كما أن العقل يكون مخصصا للكتاب والسنة، كذلك الحس يكون مخصصا لهما ~~أيضا، فقد خصص الحس آية بلقيس، وهي قوله تعالى: { وأوتيت من كل شيء }، ~~والحس يدرك أنها لم تؤت شيئا من السماوات ولا من الشمس، ولا من القمر، ~~وكذلك خصص الحس آية ريح عاد، وهي قوله تعالى: { تدمر كل شيء }، والحس يشاهد ~~أنها لم تدمر السماوات، ولا الجبال، ولا الأرضين، وغير ذلك، ومعنى تخصيص ~~الحس للآية هو أن حس الباصرة يرى أن هذه الأشياء باقية على حالها، وأن ~~الشمس والقمر، ونحوهما لم تعطى منها بلقيس شيئا، وعند التحقق تعلم أن ~~المخصص في مثل هذا المقام إنما هو العقل، وأن الحس واسطة الإدراك، فنسب ~~التخصيص PageV01P166 إليه تقريبا للأفهام، قال الزركشي: إن التخصيص بالحس ~~لا نعلم فيه خلافا، نعم ينبغي أن يطرقه خلاف من المنكرين لاستناد العلم، ~~إلى الحواس؛ لأنها عرضة الآفات، والتخيلات انتهى. # أقول وقد قدمت لك أن التحقيق في التخصيص بالحس إنما هو تخصيص بالعقل، وأن ~~الحس واسطة لإدراكه فيلزم القائلين بمنع التخصيص بالعقل أن يمنعوا التخصيص ~~بالحس أيضا؛ لأنه فرع عنه، بل هو نفس التخصيص بالعقل فإذا عرفت أن قوله ~~تعالى: { وأوتيت من كل شيء }، وقوله: تدمر كل شيء مخصصتان بالحس، أو بالعقل ~~عند التحقق، وهو خبران إن ظهر لك بطلان قول من قال أن التخصيص لا يكون في ~~الخير بخلاف الأوامر، والنواهي، قالوا ولو وقع التخصيص في نفس الخبر لكان ~~ذلك موجبا لكذب المخبر، فيمتنع تخصيصه لذلك، قلنا أن تخصيص الخبر واقع كما ~~في آيتي بلقيس، وريح عاد، والوقوع أخص من الجواز، ولا يوجب كذب المخبر؛ ~~لأنه إذا خصصه بمتصل كجاء المسلمون إلا زيدا، أو بما كان في حكم المتصل، ~~كالعقل، والحس، جاز ذلك؛ لأن المخبرلم يقطع كلامه إلا وقد علم مقصوده من ~~الإخبار وبتمام الكلام يكون مخبرا، لا قبل تمامه، حتى يعد قوله كذبا وإطلاق ~~العام على بعض أفراده جائز اتفاقا فلا وجه لمنع التخصيص في الخبر، نعم إذا ms091 ~~كان المخصص منفصلا؛ أي لم يكن بمتصل ولا هو في حكم المتصل فيتوجه المنع ~~حينئذ؛ لأنه يكون كلامه الأول منقطعا عن الكلام الآخر ويعد مخبرا فتخصيصه ~~بمخصص منفصل يستلزم الرجوع عن الإخبار الأول، فيلزم الكذب في أحد الخبرين ~~وهذا معنى قوله بخلاف المنفصل. # واعلم أن الآيتين إذا تقارنتا نزولا، والحديثين إذا تقارنا ورودا، وكان ~~أحدهما مخصصا للآخر، كان بمنزلة الكلام المتصل في صحة تخصيص خبر أحدهما ~~بالآخر، وكذا إذا تقدم الدليل المخصص ثم ورد بعده الدليل العام فإنه يحمل ~~ذلك العام، وإن كان خبرا على ذلك الخاص كما في آيات الوعيد فإن غالبها ~~مخصصا PageV01P167 بدليل غير متصل به لكنه في حكم المتصل والله أعلم وبه ~~التوفيق. # ثم إنه أخذ في بيان أقسام وجه اللفظ الذي هو باعتبار فهم المعنى منه فقال: # مبحث المحكم والمتشابه # أي والمجمل والمبين، لكن لما كان المبين من بعض أنواع المحكم، والمجمل من ~~بعض أنواع المتشابه اقتصر في الترجمة على المحكم والمتشابه، ثم أخذ في ~~تعريف المحكم وتقسيمه فقال: # واللفظ باعتبار معناه انقسم ... لمحكم ومتشابه انبهم # فالمحكم الذي به المعنى اتضح ... كان بنص أو بظاهر رجح # النص مالم يحتمل معنى سوى ... معناه والظاهر ما له احتوى # ينقسم اللفظ باعتبار فهم المراد منه إلى محكم ومتشابه، فأما المحكم فهو ~~الذي اتضح المعنى منه سواء كان الاتضاح قويا بحيث لا يحتمل اللفظ غير ذلك ~~المعنى، ويسمى نصا، أو يحتمل غيره احتمالا مرجوحا، ويسمى ظاهرا وهذا معنى ~~قوله: "فالنص ما لم يحتمل معنى سوى معناه"، وذلك نحو: "لا إله إلا الله"، ~~ومعنى قوله: "والظاهر ما له احتوى"؛ أي والظاهر هو الذي يحتوي احتمال معنى ~~غير معناه، والحاصل أن النص والظاهر نوعان للمحكم، والمحكم جنس لهما، وهو ~~مأخوذ من إحكام البناء، يقال أحكمت البناء؛ إذا أتقنت وضعه بحيث لا يتطرق ~~عليه الخلل، سمي الكلام المتضح المعنى بذلك لرفع احتمال غير المعنى الواضح ~~منه، وأما النص المأخوذ من نصت الظبية إذا رفعت رأسها، وأظهرته قال البدر ~~الشماخي -رحمه الله تعالى- : وقد ms092 يطلق النص على الظاهر لغة، قال: ولا مانع ~~منه شرعا، وقال غيره وقد يطلق النص على مطلق اللفظ، لاشتمال المقال على ~~زيادة إيضاح بالنسبة إلى الحال، قال ويطلق على لفظ القرآن والحديث؛ لأن ~~أكثرهما نصوص، قال: ويحتمل أن يكون من قبيل المطلق في مقابلة الإجماع ~~والقياس، قال: وهذا أقرب، وأما الظاهر فهو في اللغة الواضح، وقد تقدم ~~PageV01P168 في الاصطلاح أنه هو الذي ظهر معناه مع احتمال غيره، فيكون بين ~~المعنى الاصطلاحي والمعنى اللغوي نوع مشابهة، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان حكم كل واحد من النص والظاهر فقال: # فالقطع حكم النص مالم يحتمل ... محتملا والظن حين يحتمل # والظن بالمراد حكم الظاهر ... كذاك إلا بدليل ظاهر # وأن يرجح الدليل الباطنا ... فالباطن الأولى فكن لي فاطنا # وصرفه إليه بالدليل ... هو الذي يعرف بالتأويل # وقد يكون غير مقبول كما ... تأويل أمهاتنا بالعلما # يأتي قريبا وبعيدا بحسب ... ظهور ذلك الدليل المنتخب # أي حكم النص القطع، بأن المتكلم أراد منه مدلوله الذي دل عليه لفظه، ~~فينبني على ذلك وجوب اعتقاد، وتفسيق من خالفه؛ لأنه رافع لمادة الاحتمال ~~وقاطع لمحل الاجتهاد، فلا يصح معه قول بقياس، ولا تشبث بظني، هذا كله إذا ~~لم يحتمل غير ذلك المعنى الذي دل عليه لفظه، أما إذا احتمل غير ذلك المعنى ~~فإنه نظن بأن المراد المتكلم هو ما ظهر من اللفظ حال إطلاقه، ويكون حينئذ ~~ظاهرا لا نصا، فيؤخذ الظاهر الذي ظننا مراد المتكلم، ولا يجوز تركه إلا ~~بدليل واضح يعلم به أن المراد المتكلم هو المعنى المقابل للظاهر، وهو ~~المسمى عندهم بالباطن، وهذا معنى قوله لا بدليل ظاهر، وأن يرجح الدليل ~~الباطن الخ؛ أي إذا رجح الدليل الشرعي المعنى الباطن من اللفظ فالأخذ ~~بالمعنى الباطن أولى، كذلك إلا لدليل وصرف الظاهر إلى المعنى الباطن ~~بالدليل هو المسمى عندهم بالتأويل، وهو في اللغة مصدر أول، وأصله من آل، ~~يؤل، إذا رجع كذا في المنهاج، قال: وأما في الاصطلاح فهو صرف اللفظ عن ~~حقيقته إلى مجازه؛ لقرينة اقتضت ذلك الصرف ms093، قال: وله شبه باللغوي، كأنه رد ~~اللفظ من ذهابه على الظاهر حتى يرجع إلى ما أريد به، أقول والمراد بصرف ~~PageV01P169 اللفظ عن حقيقته هو أن يكون اللفظ موضوعا في شيء، فيصرف عنه في ~~الاستعمال بدليل، ويشمل ذلك المفرد إذا استعمل في غير ما وضع له كالأسد في ~~الشجاع، وكالمطلق في المقيد، والعام إذا قصر على إفراده ونحو ذلك، فاستعمال ~~اللفظ من مفرد وغيره فيما وضع له هو الظاهر، وصرفه إلى غيره هو التأويل، ~~والمراد بالقرينة هو الدليل الذي يصرف به الظاهر عن ظاهره، وهي إما عقلية ~~كما في قوله تعالى: { ولتصنع على عيني }، فالعين حقيقة في الحاسة، لكن لما ~~منع العقل في الآية غير # حقيقتها، قلنا أنه أراد بالعين العلم، أو الحفظ على سبيل التجوز، وأما أن ~~تكون القرينة مقالية، كما في قوله تعالى: { ليس كمثله شيء }، فإن هذه الآية ~~قرينة صارفة للآيات التي ظاهرها التجسيم عن ظاهرها، وقد يكون التأويل قريبا ~~فيكفي في صحته وجوب قبوله أدنى مرجح كما ذكرناه في تأويل العين بالعلم، أو ~~الحفظ، لكونها طريقا إليهما، فإن هذا التأويل مجازي قريب لقوة العلاقة، وقد ~~يكون بعيدا، وبعده بحسب غموض العلاقة التي سوغت التجوز به، وبحسب ضعف ~~القرينة التي لأجلها صرف اللفظ عن ظاهره، فيحتاج إلى مرجح أقوى مما ترجح به ~~التأويل القريب، وسيأتي مثال البعيد، وقد يكون التأويل خارجا عن التجوزات ~~الدائرة في سن العرب فلا يقبل بل يرد على قائله، ويكذب بسبب ذلك، وذلك كما ~~في تأويلات الباطنية -أخزاهم الله تعالى- ثعبان موسى صلوات الله عليه ~~بحجته، ونبع الماء من بين الأصابع بكثرة العلم، وتأويلهم قوله تعالى: { ~~حرمت عليكم أمهاتكم }، أن المراد بالأمهات العلماء، وتحريم مخالفتهم، ~~وانتهاك حرمهم، ونحو ذلك من تقولاتهم كثير، ومثال التأويل البعيد قول ~~الحنفية في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن ~~وليها فنكاحها باطل باطل باطل" قالوا أراد صلى الله عليه وسلم بذلك الصبية، ~~والأمة، وإنما صاروا إلى هذا التأويل PageV01P170 محافظة على القياس؛ لأنها ~~مالكة ms094 لبعضها عندهم فكان تزويجها كبيع سلعتها، وإنما حكمنا ببعد هذا ~~التأويل لما فيه من إبطال ظاهر الحديث بلا دليل يقتضي إبطاله لظاهر الحديث، ~~هو أن الظاهر من سياقه أنه أراد إبقاء عموم؛ أي حيث أكد عمومها بزيادة ما، ~~ثم كرر لفظ البطلان ثلاثا، فالظاهر من ذلك التأكيد، ومن هذا التأكيد$ أنه ~~صلى الله عليه وسلم أراد من الحديث عمومه وحمله على خلاف ذلك يكون من ~~الألغاز التي ينزه الشارع من الخطاب بها على أنه يمكن أن يفرق بين بضع ~~المرأة، وسلعتها، فتمنع من تزويج نفسها، ويجعل ذلك إلى # وليها؛ محافظة على مكارم الأخلاق، بخلاف بيع سلعتها، ومن التأويلات ~~البعيدة ما قاله الحنفية أيضا في تأويل قوله تعالى: { فإطعام ستين مسكينا ~~}، قالوا أن المراد منه إطعام طعام يكفي لستين مسكينا فجعلوا الستين ~~المسكين مقدارا لحد الطعام، وأجازوا إطعامه مسكينا واحدا؛ لأن المقصود ~~عندهم سد الحاجة، وحاجة واحد كحاجة ستين، ووجه بعده أنهم جعلوا المعدوم من ~~لفظ الآية وهو طعام موجودا وجعلوا الموجود فيها وهو ستين مسكينا معدوما، مع ~~إمكان أن يريد الشارع حصول الجماعة المذكورين لحصول البركة باجتماعهم، ~~ولتظافر قلوبهم على الدعاء لمطعمهم، ومن التأويلات البعيدة تأويل الحنفية ~~أيضا قوله: صلى الله عليه وسلم "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل" ~~بصيام القضاء، والنذر المطلق، والكفارات، ووجه كونه بعيدا هو أنه لو لم ~~يقصد صلى الله عليه وسلم بهذا الخطاب إلا هذه الأشياء كان الكلام كاللغز، ~~ومنها تأويل الحنفية أيضا ذي القربى في قوله تعالى: { فإن لله خمسه وللرسول ~~ولذي القربى }، بالفقراء من ذوي القربى؛ لأن المقصود سد الخلة، ولا خلة مع ~~الغنى، ووجه بعده أنهم عطلوا لفظ العموم مع ظهوره في الآية، ومع عدم المانع ~~من إرادته إذ يمكن أن تكون القرابة بنفسها سببا لاستحقاق ذلك النصيب من ~~الخمس فغنى المستحق PageV01P171 لا يمنع من استحقاقه لما ثبت له بعلة ~~القرابة على أنه صلى الله عليه وسلم كان يعطي عمه العباس من الفيء، وهو ~~غني، ومنها تأويل الحنفية أيضا قوله ms095 صلى الله عليه وسلم: "في أربعين شاة ~~شاة" قالوا المراد به قيمة شاة؛ لأن المقصود سد حاجة الفقير بقدر من ذلك ~~المال، وذكر الشاة بيان للقدر ووجه بعده هو أنهم ألغوا بعض لفظ الحديث وهو ~~شاة، وقدروا فيه ما ليس منه وهو قيمة شاة من غير سبب يقتضي هذا التقدير، ~~وبلا علة توجب ذلك الإلغاء، مع أنه يمكن أن يكون المقصود نفس الشاة؛ لأجل ~~البركة والنمو في المال، نعم وقد قال بعض أصحابنا بجواز إخراج قيمة الشاة # عن الشاة نفسها في الزكاة، ولعلهم إنما ذهبوا إلى ذلك من باب قياس القيمة ~~على الشاة بجامع أن كلا منهما دافع لحاجة الفقير، لا بحملهم الشاة في ~~الحديث على قيمتها كما ذهبت إليه الحنفية والله أعلم. # ولما فرغ من بيان المحكم وأحكام أنواعه في بيان المتشابه وأنواعه فقال: # أما ذو الاشتباه فهو ما اختفى ... معناه والحكم له أن تقفا # وذا لإجمال يكون فيه ... أو كان فيه ظاهر التشبيه # وحكمه الرد إلى محكمه ... ومجمل يأتيك في مبهمه # هذا هو القسم الثاني من قسمي اللفظ باعتبار ظهور المعنى وخفائه، وهو ~~المتشابه وعرفه بأنه ما اختفى معناه أي المراد به، وسبب ذلك الخفاء أحد ~~أمرين: لأنه إما أن يكون لإجمال في لفظه كالقرء فإنه لا يدري هل المراد منه ~~الطهر أو الحيض، وإما لأن الظاهر منه تشبيه الباري بخلقه، تعالى ربنا عن ~~ذلك، وذلك كآية الاستواء فالمتشابه حينئذ مجمل، وغير مجمل، فأما غير ~~المجمل: وهو ما كان ظاهره التشبيه فحكمه أن يرد إلى المحكم لقوله تعالى: { ~~منه آيات محكمات هن أم الكتاب }، والمراد بأم الكتاب أصله، وأصل الشيء هو ~~الذي يرجع إليه سائره فالمحكم أصل لسائر الكتاب، وأما المجمل فحكمه الوقوف ~~عن القول فيه وعن الحكم بالمراد منه إلا بدليل يظهر PageV01P172 المراد ~~منه، فقوله: والحكم له أن تقفا عائد إلى نوع من المتشابه وهو المجمل، ومالا ~~يطلع على معناه سيأتي قريبا، ثم إن من المجمل وهو أحد أنواع المتشابه، ما ~~قد يدرك المراد به كالإجمالات الآتي ms096 ذكرها في الأبيات الآتية فإن جميع ما ~~هنالك قد يدرك معناه بالتماس البيان له، وحصول القرائن معه، ومنه مالا يدرك ~~معناه إلا بتوقيف من الشارع، وذلك كمقطعات أوائل السور كقوله تعالى: { ~~المص، الر، المر، ... # }، ونحو ذلك، وكالأشياء التي لم يطلع الله تعالى عليها أحدا من خلقه إلا ~~من اصطفى من رسول، وذلك كوقت الساعة، وكمقادير الثواب، ومقادير العقاب، ~~وكالأعداد المبهمة في نحو قوله تعالى: { عليها تسعة عشر }، { يحمل عرش ربك ~~فوقهم يومئذ ثمانية }، فإن مدلول العددين خفي لم يطلع عليه العباد وهذا ~~النوع وهو مالا يطلع على معناه، إلا بتوقيف من الشارع وهو المراد بقوله ~~تعالى: { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة ~~وابتغاء تأويله }، فلا تكون جميع أنواع المتشابه غير معلومة للعباد، وحكم ~~هذا النوع التوقف عن القول فيه بلا علم، والإيمان بحقيقته، والجزم بأنه منه ~~تعالى، أما سائر أنواع المتشابه فإنها قد تكون معلومة للعباد بنصب الأدلة ~~على المراد منها، وقول المصنف ومجمل يأتيك في مبهمه أي أن المجمل الذي هو ~~أحد نوعي المتشابه، هو ما ورد ومعناه مبهم أي خفي، وقد ذكر أنواع المجمل فقال: # يكون في الفعل كصلى حيث لم ... تعلم حقيقته الصلاة فانبهم # وجاء في اللفظ كمثل المشترك ... وفي مركب إذا المعنى ارتبك # وفي المجازات إذا تعذرت ... حقيقة اللفظ كذا إن هجرت # ومرجع الضمير والنعت وفي ... مخصص وصفة لم تعرف # ونسق والابتدا والوقف ... والراسخون مثل للعطف # يكون الإجمال في أشياء أحدها أن يكون في الفعل كصلى PageV01P173 رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - داخل الكعبة فإن الصلاة تكون فرضا، وتكون ~~نفلا، وتكون بمعنى الدعاء، فإذا لم تعلم حقيقة الصلاة التي أرادها الراوي ~~كان اللفظ مجملا ومعناه منبهما، وكذلك أيضا تسليمه - صلى الله عليه وسلم - ~~عن ركعتين، وقيامه إلى الركعة الخامسة، فإنه محتمل أن يكون فعله في ~~الموضعين سهوا، وأن يكون شرعا، ولذا قيل له أقصرت الصلاة؟ أم سهوت يارسول ~~الله؟ وثانيها: أنه يكون في المفرد إما بالأصالة كالمشترك بين معانيه، ~~والمتواطئ بين ms097 أفراده، فالأول كالعين للباصرة، والذهب، والشمس، وغيرها، ~~$والجون للأسود والأبيض، والثاني كشيء $موجود فإن لهما أفرادا كثيرة، وأما ~~بالإعلال كمختار، ومنقاد، ومحتاج، ونحوها، فإن هذه الألفاظ ونحوها إنما ~~صارت مجملة بين الفاعل والمفعول؛ بسبب الإعلال الذي فيها؛ لأن أصل مختار ~~مختير بكسر الياء في الفاعل، وبفتحها في المفعول وبقلب اليا ألفا، حصل ~~الاشتراك فيها بين الفاعل والمفعول، وكذا القول في نظائرها، فيتبين المراد ~~منها بقرينة وهي دليل البيان. # وثالثها: أنه يكون في المركب إذا ارتبك معناه، بمعنى أنه لم يعلم المراد ~~منه بسبب تركيبه، وذلك كما في قوله تعالى: { أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ~~}، فإنه متردد بين زيادة المهر وإسقاطه، فإن أريد بالذي في يده عقدة ~~النكاح: الزوج، كان المراد بالعفو الزيادة على الواجب في المهر، وإن أريد ~~به الولي كان المراد بالعفو: إسقاط ما وجب من الصداق، والمعنيان محتملان، ~~وبسبب التركيب في الآية حصل الإجمال. # ورابعها: أنه يكون في المجازات إذا تعذرت حقيقتها أو هجرت أي إذا لم يكن ~~إرادة الحقيقة في اللفظ، أو كانت الحقيقة مهجورة لم يجر لها ذكر في ~~الاستعمالات بين المتخاطبين، وكان لذلك اللفظ بعد تعذر إرادة حقيقته، أو ~~بعد هجرانها استعمالات مجازية ولم يقم دليل على إرادة شيء منها دون الآخر ~~فإن ذلك اللفظ يكون مترددا بين تلك المجازات لصلاحيته لها كلها، ولعدم ~~PageV01P174 المانع من إرادة شيء منها، فهنالك يكون الإجمال في اللفظ بين ~~مجازاته، وذلك نحو قوله تعالى: { بل يداه مبسوطتان }، فإن اليد حقيقة في ~~الجارحة المخصوصة، وهي في الآية متعذرة؛ لاستحالة التشبيه واحتمال أن يكون ~~المراد بيداه نعمته وقدرته، واليد فيهما مجاز، لكن القدرة واحدة لا يصح ~~تعددها، فيظهر حمل الآية على النعمة فلا تكون مثالا للمقام فينبغي أن يمثل ~~للمقام القائل ظهرت يد فلان على الناس إذ تتعذر إرادة جارحته المخصوصة ~~فتردد بين نعمته وقدرته. # وخامسها: أنه يكون في مرجع الضمير كما إذا ذكر اسمان ثم تعقب بضمير يصلح ~~أن يعود إلى كل واحد منهما، فإنه في صلاحية عوده لكل ms098 واحد منهما مثلا إجمال ~~وذلك نحو قولك ضرب زيد عمرا فضربته، فإن الهاء من ضربته يصلح أن تعود إلى ~~زيد وإلى عمرو ومثله ما يحكى عن بعض خطباء معاوية أنه قال أن معاوية يأمركم ~~أن تلعنوا عليا فالعنوه، فيحتمل أنه أراد بالضمير معاوية، ويحتمل أنه أراد ~~عليا، ومثل بعضهم للمقام بقوله تعالى: { أو لحم خنزير فإنه رجس }، لأن ~~الضمير في فإنه رجس يحتمل أن يكون عائدا إلى المضاف من قوله لحم خنزير، أو ~~أن يكون عائدا إلى المضاف إليه. # أقول وقد تقدم لنا في بعض المسائل أن هذا الضمير كناية عن جميع المذكور ~~من الميتة، والدم المسفوح، ولحم الخنزير، وجعلنا الآية هنالك دليلا على ~~نجاسة الأشياء المذكورة وهو وجه حسن جدا، وعليه فلا يكون في هذا الضمير ~~مثال للمقام الله أعلم. # وسادسها: أنه يكون في مرجع النعت، وذلك أن يذكر اسمان مثلا ثم يؤتى من ~~بعدهما بنعت يصلح أن يكون الفاضل نعتا لغلام، وأن يكون نعتا لزيد، ومثل ~~بعضهم للمقام بقولهم زيد طبيب ماهر، إذ يحتمل أن يكون ماهرا مطلقا، أي في ~~صناعة الطب وغيره، ويحتمل أن يكون ماهرا في الطب خاصة، قال صاحب المنهاج ~~وفيه نظر؛ أي PageV01P175 لأن هذا المثال ليس إجماله من جهة مرجع النعت، ~~وإنما هو من جهة احتمال المقدر المحذوف فيصح أن يكون مثالا لإجمال الصفة ~~الآتي ذكره قريبا. # وسابعها: أن يكون في مخصص مجهول أي يكون الإجمال بسبب جهالة المخصص ~~فمثاله في الاستثناء نحو قوله تعالى: { أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى ~~عليكم }، فما يتلى علينا بالمراد منه، ولذا بين بقوله تعالى: { حرمت عليكم ~~الميتة }، إلى آخر الآية فذلك المجمل بين بهذه الآية، ومثاله في الشرط نحو ~~أكرم كل واحد من تميم إن دخل الدار حيث لا عهد فالدار مجهولة وبسبب جهلها ~~الإجمال. # وثامنها: أنه يكون في الصفة المجهولة نحو والمحصنات من النساء فالمحصنة ~~صفة شاملة لذوات الأزواج من النساء، وتزويج ذوات الأزواج حرام كن مملوكات ~~أو غير مملوكات، وفي الآية استثناء المملوكات بقوله ms099 تعالى: { إلا ما ملكت ~~أيمانكم }، فبقي الإجمال في المحصنات اللواتي استثنى منهن تحليل المملوكات ~~هذا تحرير هذا المثال، والظاهر أن الإجمال إنما هو في المستثنى لا في ~~المستثنى منه، أو في حرف الاستثناء، ولذا اختلفوا في بيان معناه حتى أن ~~الإمام الكدمي رضوان الله عليه، جعل إلا في الآية بمعنى الواو فيكون المعني ~~معه وما ملكت أيمانكم؛ أي ذوات الأزواج حرام، وإن كن مما ملكت أيمانكم، ~~وقال بعضهم أن المراد بما ملكت أيمانكم السبايا من نساء المشركين، يكون لهن ~~السبي أزواج، فلا يمنع ذلك من استمتاع المسلمين بهن، أما بالتسري أو ~~بالتزويج، ويحسن أن يمثل لهذا المعني بقولهم: طبيب ماهر؛ لأن ماهر صفة ~~يحتمل أن يكون المراد بها الإطلاق؛ أي ماهر في كل شيء أو التقييد وهو كونه ~~ماهرا في الطب، خاصة وقد يقال أنه لا إجمال فيه إذ الظاهر منه هذا التقييد ~~بقرينة المقام وسياق الكلام. # والتاسع والعاشر، والحادي عشر، هو أنه يكون في النسق وفي الابتداء، ~~والوقف، والمراد بالنسق العطف بالحرف، والمراد بالإجمال فيه خفاء المقصود ~~منه PageV01P176 حتى لا يعلم أنه عطف أو غير عطف، والمراد بالابتداء ~~استئناف الكلام، والمراد بالإجمال فيه حتى لا يدري أهو مستأنف أم لا؟ ~~والمراد بالوقف السكوت بعد تمام الكلام، والمراد بالإجمال فيه خفاء المعنى ~~عنده حتى لا يدري أهو محل الوقف أم لا؟ ومثل البدر للثلاثة بقوله تعالى: { ~~وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم }، الآية ووجه التمثيل بها هو ~~أن الواو من الراسخون يحتمل أن يكون للعطف وإن تكون للاستئناف فإن جعلت ~~للعطف كره الوقف على اسم الجلالة قبلها، وإن جعلت للاستئناف وجب الوقف على ~~ما قبلها عند قوم، وجاز عند آخرين، فالآية مثال للعطف، وما بعده قال البدر: ~~-رحمه الله تعالى- وهذه الوجوه راجعة إلى التركيب، يعني أن الإجمال فيها ~~عائد إلى الإجمال في التركيب فتكون هذه الأشياء أفرادا لذلك النوع وهو ظاهر ~~جلي، ولذا لم يذكرها صاحب المنهاج، والله أعلم. # ثم أنه أخذ في بيان أشياء اختلف فيها ms100 الأصوليون فقال: # والخلف في إجمال نحو حرمت ... ونحولا صلاة لا صياما # وهكذا الأعمال بالنيات ... ولا تصوموا يوم النحر # وصوب البدر كغيره عدم ... إذ المراد حرمة النكاح # عليكم أمهاتكم إذ أبهمت ... لا حج لا نكاح لا إحراما # ورفع الخطأ من الزلات ... ونحو إني صائم فلتدر # إجمالها لعلمنا المراد ثم ... وفي البواقي عدم الصحاح # وفي الخطأ المراد رفع إثمه ... والصوم في الشرع أتى بحكمه # اختلف العلماء بالأصول في إجمال أشياء قال بعضهم: أنها من المجمل، وقال ~~آخرون إنها ليست منه. # - أحدها: قوله تعالى: { حرمت عليكم الميتة } (المائدة: 3)، ونحو ذلك ~~وضابطه أن يكون التحريم مسندا إلى اسم عين، قال أبو علي، وأبو هاشم، ~~والقاضي، وغيرهم ونقطع أنه غير مجمل؛ لظهور المراد منه PageV01P177 وهو في ~~الآية الأولى تحريم النكاح، وفي الآية الثانية تحريم الأكل، وقال أبو عبد ~~الله البصري، وأبو الحسن الكرخي، وبعض الحنفية، بل هو مجمل لتردده بين ~~تحريم المنافع، احتج القائلون بعدم الإجمال في هذا النوع بأن الصحابة، ~~والتابعين استدلوا بهذه الآيات على التحريم ولو كانت مجملة لم يستدل بها ~~على شيء، احتج القائلون بالإجمال بأن لفظ التحريم محتمل لتحريم لمسها، أو ~~رؤيتها، أو أكلها، وغير ذلك من الوجوه المحتملة، أو لجميها، وقد أبيح البعض ~~للضرورة فلا تصح إرادة جميعها، والبعض الآخر غير معين فلزم الإجمال. # وأجيب: بأنه يحمل على المعتاد من الانتفاع دون غيره، فتحريم الميتة ~~يتناول أكلها إذ هو المعتاد، وتحريم الأم يتناول الاستمتاع لذلك. # - وثانيها: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة إلا بطهور" وقوله: "لا ~~صيام لمن لم يبت الصيام من الليل"، وقوله: "لا نكاح إلا بولي" ونحو ذلك ~~ومثله: "لا إحرام لمن لم يلب"، ذهب الباقلاني إلى أنه مجمل؛ لأن المنفي فيه ~~الفعل، والمراد نفي صفة وهي غير معنية، قال البدر الشماخي: "والصحيح أن ~~العرف الشرعي بين المقصود منه وهو نفي الصحة؛ أي لا يكون الصيام صحيحا، أو ~~الصلاة صحيحة"، احتج المخالف بأن مثل هذا اللفظ لم يطرد في نفي الصحة، بل ~~قد ورد نفي الفضل، والكمال ms101 فقط، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا صلاة ~~لجار المسجد"، فتردد بين نفي الفضل، ونفي الصحة، فلزم الإجمال. # وأجيب: بأنه لا نسلم أن استعماله في نفي الفضل في الاطراد كاستعماله في ~~نفي الصحة، بل هو حقيقة عرفا في نفي الصحة، ويستعمل في نفي الفضل مجازا، إذ ~~لا يصار إليه إلا بقرينة. # - وثالثها: قوله - صلى الله عليه وسلم - : "الأعمال بالنيات"، قالت ~~المعتزلة وبعض أصحاب الشافعي، وصححه البدر الشماخي: أنه غير مجمل، فصلح ~~دليلا على وجوب النية في أعمال الطاعة، وقال الكرخي وأبو الحسين: بل هو ~~مجمل لاحتماله نفي الكمال ونفي الصحة، حيث لا نية؛ أي: لأن معنى قوله ~~الأعمال بالنيات كمعنى قوله لا عمل إلا PageV01P178 بنية. # وأجيب: بأن المراد بهذا اللفظ في العرف أنه لا يثبت حكم الأعمال في الفضل ~~والصحة إلا بنية، وليس المراد أن أعيان الأعمال موقوفة على النية والله أعلم. # - ورابعها: قوله - صلى الله عليه وسلم - : "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان"، ~~فعند الجمهور أنه ليس بمجمل للقطع بأنه لم يرد رفع الخطأ، والنسيان عن ~~الأمة، لأن نفس الخطأ، والنسيان موجودان في الأمة، فعلمنا قطعا أنه أراد ~~برفع ذلك رفع إثمهما، ولم يسقط الضمان، أما أنه ليس بعقاب، وثبت بخبر خصص ~~هذا الخبر فلا إجمال فيه، عند أبي عبد الله، وأبي الحسين، أنه مجمل لتردده ~~بين الأحكام التي هي العقاب، والضمان، وغير ذلك احتج أبو الحسين بما حاصله ~~أن سياق الحديث في بيان ما تختص به أمته من بين سائر الأمم، ورفع العقاب عن ~~المخطئ، والناس غير مختص بهذه الأمة؛ بل يكون لها ولغيرها، فثبت أن المراد ~~من الحديث غير معلوم، فكان مجملا. # وأجيب: بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقتصر في الحديث على ذلك، بل قال ~~فيه وما استكرهوا عليه من خصوصيات هذه الأمة، وأقول يمكن أن يجاب عن احتجاج ~~أبي الحسين بأنا لا نسلم أن سياق الحديث لبيان خصوصيات هذه الأمة فقط، بل ~~يحتمل أن يكون مسوقا لذلك، وأن يكون مسوقا لبيان الأحكام المترتبة على ~~الخطأ والنسيان ms102. # - وخامسها: نحو قوله - صلى الله عليه وسلم - : لا تصوموا يوم النحر إني ~~إذا صائم، وضابطه أن يكون اللفظ الواحد مسمى لغوي، ومسمى شرعي: كالصوم في ~~اللغة بمعنى الإمساك مطلقا، وفي الشرع الإمساك عن المفطرات في الوقت ~~المعروف، وكالوضوء فإنه في اللغة بمعنى التنظيف مطلقا، وفي الشرع اسم ~~لأعمال مخصوصة، وكالصلاة فإنها في اللغة بمعنى الدعاء، وفي الشرع اسم ~~للعبادة المخصوصة فإذا ورد من لسان الشارع مثل هذه الألفاظ فقد اختلف فيها ~~على أربعة أقوال: # القول الأول: للأكثر، وصححه البدر أنه ليس بمجمل بل يحمل على الوضع ~~الطارئ وهو الشرعي، PageV01P179 فقد صار حقيقة فيه مجازا في اللغوي، قال ~~صاحب المنهاج: "ولا بد لهؤلاء من أن يقولوا بأنه في ابتداء نقله مجمل ~~كالصلاة في أول إطلاقها على الأعمال، والوضوء، في أول إطلاقه على غسل ~~الأعضاء المخصوصة حتى يستمر فيصير حقيقة شرعية"، وحاصله أن النقل لا يستقر ~~إلا بعد طول استمرار الاستعمال، وقبل ذلك بتردد الذهن في المراد منه لقرب ~~العهد بالمعنى اللغوي مثلا. # القول الثاني: لبعضهم أن ذلك مجمل مطلقا فلا يصح الاستدلال به. # القول الثالث: للغزالي أنه في الإثبات الشرعي نحو إني إذا صائم ليس ~~بمجمل، وفي النهي الشرعي نحو: لا تصوموا يوم النحر. # القول الرابع: أنه في النهي اللغوي مبين، وفي غيره مجمل والمعنى؛ أنه ~~يحمل في النهي عند عدم القرائن على المعنى اللغوي لأنه الظاهر فيه، وفي غير ~~ذلك فهو مجمل، احتج أرباب القول الأول بما تقدم من أنه يصير بنقل الشرع ~~حقيقة في المعنى الشرعي لأنه هو الذي يسبق الفهم إليه عند إطلاقه، وهو ~~احتجاج قوي لكنه يكون بعد الاستمرار الاستعمال كما تقدم، احتج القائلون ~~بأنه مجمل في جميع أحواله بأنه لفظ يصلح للمعنيين جميعا لو غلب في أحدهما ~~فلا قطع بأنه المراد فلزم الإجمال. # وأجيب: بأنه لا نسلم أنه بعد نقله يصلح للمعنى اللغوي إلا مجازا، والمجاز ~~إنما يصير إليه عند تعذر إرادة الحقيقة، احتج الغزالي بأنه في النهي يتعذر ~~المعنى الشرعي فيتردد الفهم في قصد الناهي ms103 بينه وبين المعنى اللغوي مثاله: ~~لا تصوموا يوم النحر، فإنه يتردد الذهن عنده بين المعنى الشرعي، والمعنى ~~اللغوي، قال لأنا إذا علقنا النهي بالمعنى الشرعي حينئذ لزمت صحته في ~~المنهي فضعفت إمارة تعلق قصد الناهي به، فيتردد بينه وبين اللغوي، فلزم ~~الإجمال مع النهي خاصة دون الإثبات. # وأجيب: بأنه لا نسلم أن النهي يتناول المعنى الشرعي الصحيح، وإنما معناه ~~صورة الأعمال المخصوصة صحت أم لم تصح، وإذا كان كذلك تعلق النهي بالشرعي ~~كالإثبات إذ لو كان المراد PageV01P180 بالشرعي الصحيح فقط لزم أن يكون لفظ ~~الصلاة في قوله صلى الله عليه وسلم دعي الصلاة أيام إقرائك مجملا، فلا يفهم ~~منه أنها منهية عن الصلاة الشرعية، والإلزام صحتها منها، والإجماع منعقد ~~على أنه ليس بمجمل في الخبر بل مبين؛ أعني أنه للصلاة الشرعية فثبت أنه لا ~~لإجمال فيه مع النهي كالإثبات، وسقط ما زعمه الغزالي، احتج القائلون بأنه ~~مبين في النهي اللغوي دون الشرعي ودون الإثبات بأنه في النهي اللغوي يتعذر ~~الشرعي لما تقدم من استلزام صحته عندهم، فتضعف قرينة إرادته فتعين اللغوي ~~فلا إجمال، مثاله: النهي عن بيع الخمر، والحر، فإنه لو أريد به البيع ~~الشرعي لزمت صحته إذا فعل. # وأجيب: بما تقدم في الجواب عن احتجاج الغزالي وأنه يلزم لأجل ذلك أن يكون ~~قوله صلى الله عليه وسلم دعي الصلاة أيام إقرائك للمعني اللغوي وهو باطل ~~بالاتفاق، والله أعلم. # # تنبيه # فرع البدر الشماخي -رحمه الله تعالى-، على هذه القاعدة قول القائل: والله ~~لا أبيع الخمر، فباعها، قال إن حمل على البيع الشرعي لم يحنث لعدم ثبوت ~~عقدة البيع، وإن حمل على اللغوي حنث، أقول: والظاهر أن هذه المسألة ليست من ~~فروع تلك القاعدة فإن تلك القاعدة إنما هي في بيان خطاب الشارع، لا في بيان ~~كلام العوام، فالظاهر أن الحنث له لازم قولا واحدا حملا على المعنى اللغوي، ~~وأيضا لا يعقل من بيع الخمر إلا المعنى اللغوي؛ لأن المعنى الشرعي متعذر ~~فيه أي لا وجود له هنالك حتى يحلف عنه ms104 والله أعلم، وبهذه التحقيقات التي ~~ذكرناها يظهر لك معنى قول المصنف، وصوب البدر الخ، صوب بدر العلماء أبو ~~العباس أحمد بن سعيد الشماخي كغيره من المحققين أنه لا إجمال في تلك ~~الأشياء المذكورة؛ لأن المراد منها معلوم إذ المراد من قوله تعالى: { حرمت ~~عليكم أمهاتكم }، حرمة النكاح عقدا ومسا، والمراد من البواقي وهي لا صلاة، ~~لا صيام، إلى آخرها عدم الصحاح اسم بمعنى الصحة أي المراد بنفيها نفي صحتها ~~حقيقة عرفية فيها كما PageV01P181 تقدم، والمراد برفع الخطأ رفع إثمه؛ أي ~~المؤاخذة عليه كما تقدم أيضا، ومثله رفع النسيان، والصوم معلوم من الشرع ~~اسما، وحكما، فيحمل ما خاطبنا الشارع به على ما عرفنا من عرفه فلا وجه ~~للعدول عنه، ولا للتوقف في بيان المراد منه، وكذا كل ما كان له مسمى في ~~الشرع كما قدمنا ذكره مفصلا، محررا، والله أعلم. # ثم أخذ في بيان أن المجمل واقع في القرآن والحديث على الصحيح فقال: # وصحوا وقوع هذا الباب ... في سنة الرسول والكتاب # صحح جمهور العلماء أن المجمل واقع في الكتاب والسنة، فمنه في الكتاب قوله ~~تعالى: { أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح }، { أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ~~ما يتلى عليكم }، { وآتوا حقه يوم حصاده }، لتردد معنى الآية الأولى بين ~~الولي، والزوج، ولا إبهام ما يتلى علينا قبل نزول البيان في الآية الثانية، ~~ولتردد الحق بين الزكاة، وغيرها في الآية الثالثة، وفي الحديث قوله صلى ~~الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إلاه إلا الله فإذا ~~قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها"، فإن الحق مجهول الجنس، ~~والقدر، ونفي داوود الظاهري وقوعه فيها محتجا بأنه إن وقع مبينا فتطويل بلا ~~فائدة، وإن وقع غير مبين فتكليف بما لا يطاق، وجوابه أنه وقع مبينا، وغير ~~مبين، وفائدته إما بحسب الوضع العربي فهي تشويق النفس إلى البيان، وتشوفها ~~إلى الإطلاع على المقصود فيرد البيان على ذهن السامع بعد التهيؤ؛ لقبوله ~~والتشوق لوروده فيكون ذلك أدعى لقبوله، وإما بحسب الحكم الشرعي فإن سامعه ms105 ~~يستعد للامتثال عند البيان إذا بين فيؤجر، وأيضا فإن العمل بالمجمل لم يطلب ~~منا إلا بعد بيان معناه وزوال إجماله، فلا يكون وقوعه في الكتاب والسنة ~~تكليفا بما لا يطاق والله أعلم. # ثم أنه أخذ في بيان حكم المجمل وحكم بيانه فقال: # وحكمه نلتمس البيانا ... فنجري فيه حكمه إعلانا PageV01P182 أي حكم ~~المجمل إذا ورد في خطاب الشارع أن نلتمس له الدليل الذي يبين معناه، ويظهر ~~المراد منه، فإذا وجدنا البيان حملنا عليه المجمل وفسرناه به، والمراد ~~بالبيان هاهنا هو المعنى الأخص وهو ما يبين المراد بالخطاب المجمل من قول، ~~أو فعل، وللعلماء في تفسيره أقوال شتى منها: قول الصيرفي البيان إخراج ~~الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي، والوضوح، قال صاحب المنهاج: وهذا ~~معترض بأنه يخرج عنه البيان الأصلي الذي لم يتقدمه إجمال، حاصله أن تعريف ~~الصيرفي غير جامع لأنواع البيان وإنما هو تعريف لنوع منه وهو ما ورد بعد إجمال. # وأجيب: بأنه إنما أراد تعريف البيان بالمعنى الأخص لا تعريفه بالمعنى ~~الأعم، ومنها قول أبي علي، وأبي هاشم، والباقلاني، أن البيان هو الدليل قال ~~صاحب المنهاج: "ولعلهم أرادوا المعنى الأعم"، وبيان ذلك أن للبيان معنيين: ~~أخص، وأعم، فأما المعنى الأخص فهو ما ذكرناه آنفا، وأما المعنى الأعم فهو ~~خلق العلوم الضرورية، ونصب الأدلة العقلية، والسمعية، ويصدق على كل واحد من ~~هذه الأشياء أنه دليل، والغرض تعريف المعنى الأخص والله أعلم، ومنها قول ~~أبي عبد الله البصري: "أن البيان هو العلم الحاصل عن الدليل"، قال صاحب ~~المنهاج: "وهذا وما قبله من تعريف أبي علي أنهما قاصران"، أقول: ووجه ~~قصورهما أن التعريف الأول غير مانع من دخول غير المقصود، وأن التعريف ~~الثاني مقتصر على بيان ثمرة البيان، والكلام في تعريف البيان نفسه فتقسيم ~~البيان إلى أعم، وأخص، ثم تعر يف كل واحد منهما بما قدمنا ذكره أولى والله أعلم. # ثم أنه أخذ في بيان جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة فقال: # وجائز تأخيره من قبل ... حاجتنا له بفرض الفعل # وبعدها فلا ms106 يجوز قطعا ... إذ لم نكلف المحال شرعا # أي ليس من حكمة ذي الجلال ... تكليفه العباد بالمحال # أي يجوز تأخير البيان عن وقت ورود المجمل إلى وقت الحاجة إليه. PageV01P183 # ووقت الحاجة إليه هو الذي يطلب منا العمل به، فإذا طلب منا العمل بالمجمل ~~احتجنا إلى البيان، فحينئذ يمتنع تأخير البيان بعد الحاجة إليه قطعا؛ لأن ~~في تأخيره مع طلب العمل تكليفا بما لا يطاق؛ لأن العمل بما لا يعلم كننه، ~~ولا كيفيته محال، وربنا تعالى لم يكلف العباد بالمحال؛ أي ليس من حكمته ~~تعالى ذلك، ومنع تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه، اتفق عليه من منع ~~التكليف بما لا يطاق، وأما جواز تأخيره قبل الحاجة إليه فذهب إليه الشريف ~~المرتضى من الإمامية، وبعض الحنفية، والشافعية، وأبو الحسن الكرخي، ووافقهم ~~ابن الحاجب، وصححه البدر الشماخي، وقال أبو طالب، وأبو علي، وأبو هاشم، ~~والقاضي عبد الجبار، لا يجوز تأخير البيان عن وقت الخطاب، وقيل يجوز تأخيره ~~في الأوامر، والنواهي، دون الإخبار، وقال أبو الحسين إن تقدم إشعار بأنه ~~مبين جاز تأخير البيان، وإلا امتنع، والقول المختار هو جواز التأخير إلى ~~وقت الحاجة، والحجة لنا على ذلك قوله تعالى: { ثم إن علينا بيانه }، وثم ~~للتراخي، وقوله تعالى: { فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى }، فأعطى النبي ~~بني المطلب، وبني هاشم، ومنع بني نوفل، وبني أمية، فسئل فقال: أنا وبني ~~المطلب لم نفترق في الجاهلية، ولا الإسلام، وأيضا فإن عمر -رضي الله عنه- ~~سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلالة فقال: تكفيك آية الصيف، فكان عمر ~~يقول اللهم مهما بينت فإن عمر لم يتبين، ووجهه الاستدلال بهذا الحديث هو أن ~~عمر لم يفهم البيان من الآية بعد نزولها ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم ~~يبين له ذلك، بل وكله على فهمه منها، ولو لم يكن تأخيرا للبيان قبل الحاجة ~~إليه جائز لبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر معنى الكلالة، لا ~~يقال إن هذا تأخير للبيان بعد الحاجة إليه؛ لأنا نقول أن المراد ms107 بالحاجة ~~إلى البيان التكليف بالعمل به، وعمر لم يكلف عند # السؤال في الكلالة بشيء والله أعلم، وأيضا فإن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم أنفذ معاذا رضي الله عنه إلى اليمن يعلمهم الزكاة، وغيرها، فسألوه عن ~~الوقص فقال: ما سمعت PageV01P184 فيه شيئا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~حتى أرجع إليه فأسأله، فعلم أن بيان ذلك قد تأخر، وأيضا فإنه قد وردت أخبار ~~مستفيضة عنه صلى الله عليه وسلم في بيان آيات من القرآن، والمستفيض إنما ~~يستفيض بعد مدة، وفي ذلك تأخير بيانها عنها، احتج القائلون بمنع تأخير ~~البيان مطلقا بأن تأخير البيان يؤدي إلى العبث حيث أن مجمل خطاب بما لا ~~يفهم، احتج المجوزون للتأخير في الأوامر، والنواهي، دون الإخبار بأن ~~الأوامر والنواهي إنشاءات لا تحمل سامعها على اعتقاد جهل، فجاز الخطاب بها، ~~وإن لم تبين بخلاف الإخبار، فإن السامع إذا أخبر بعموم مثلا اعتقد شموله ~~فيكون ذلك إغراء بالجهل، والجواب عن حجة الأولين إنا لا نسلم أن الخطاب ~~بالمجمل غير مبين عبث، وقد قدمنا وجه فائدة الخطاب به وعن حجة الآخرين أن ~~المجمل في الإنشاآت والأخبار سواء وليس في وروده في شيء منها إغراء بالجهل، ~~ولا تساوي بين التخصيص في الإخبار، والبيان في المجمل لما قدمنا أن الخبر ~~لا يخصص إلا بمتصل أو بما هو في حكم المتصل. # واعلم أن أكثر القائلين بجواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة جوزوا تأخير ~~المخصص إلى وقتها أيضا، وهو الذي ذهب إليه البدر رحمه الله تعالى، وإن ~~المانعين من تأخير البيان مطلقا قالوا بمنع تأخير التخصيص، قالوا لأن ~~العموم إذا ورد غير مخصص، وكان المراد منه التخصيص أفضى ذلك إلى التلبيس ~~على السامع، والشرع على خلاف ذلك وذهب أبو الحسن الكرخي، وبعض الشافعية، ~~إلى الفرق بين تأخير البيان، وتأخير التخصيص، فجوزوا تأخير البيان دون ~~تأخير التخصيص واختاره صاحب المنهاج، وحجتهم في منع تأخير التخصيص هي حجة ~~الأولين في حصول التلبيس على السامع ونحن لا نسلم أنه تلبيس بل نقول: إنه ~~مأمور ms108 بمقتضى العموم بحسب الظاهر فإن كان المراد من العموم بعضه فلا يشرع ~~المكلف في العمل إلا والمخصص وارد عليه، فإن تأخر المخصص حتى عمل بالعموم ~~PageV01P185 صار المخصص ناسخا لبعض العموم لا مخصصا له والحجة لنا على جواز ~~تأخير التخصيص أيضا قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم } الآية، ولم تسمع ~~فاطمة: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث"، فطلبت ميراثها من أبيها، وقوله ~~تعالى: { اقتلوا المشركين كافة }، ولم يسمع أكثر الصحابة قوله عليه الصلاة ~~والسلام في المجوس: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب"، لا يقال إن الذي يشترط ~~وجوده هو اقتران المخصص بالعام لا فهم المخاطب التخصيص ولا علمه به، لأنا ~~نقول أن من يمنع من تأخير التخصيص إنما يمنعه فرارا من حصول التلبيس على ~~السامع من ذكر العموم أولا، ثم سماع بعض المخاطبين لذلك، وأيضا فلو لم يصح ~~تأخير المخصص إلى وقت الحاجة إليه لما نقلت الآية العامة المراد بها ~~الخصوص، أو الحديث العام المراد به الخصوص أيضا، إلا وهو مقترن بمخصصه، ومن ~~المعلوم أن الآيات العامة والأحاديث العامة أيضا قد نقلتها الصحابة ~~والتابعون ممن بعدهم، ولم يقرنوها بمخصصها غالبا بل ربما ينقل العام من ~~الصحابة من التابعين، وتابع التابعين إلى زمامنا هذا فكان ذلك كالإجماع على ~~جواز تأخير المخصص، وأيضا فإن المشاهدة في زمامنا أن أكثر الناس بل وأكابر ~~العلماء يسمعون خطاب الشرع وغالبها مخصص، ولا يطلعون على مخصصها غالبا إلا ~~بعد شدة البحث عن الاطلاع عليه، وإغراق النظر في طلب الوقوف لديه، ولو لم ~~يكن تأخير مخصص جائزا ما احتيج إلى هذا الحال في طلب الوقوف عليه، وأيضا ~~فإن تأخير البيان جائز بما تقدم من الأدلة، فتأخير المخصص مثله إن لم يكن ~~أول منه بالجواز، قال البدر الشماخي: -رحمه الله تعالى- وجائز تأخير بعض ~~المخصصات عن بعض نحو: اقتلوا المشركين، ثم PageV01P186 أخرجت أهل الذمة، ثم ~~المرأة، ثم العبد على التدريج، ومنعه بعض؛ يعني إنه إذا كان للعام الواحد ~~جملة مخصصات فيصح أن تتعاقب تلك المخصصات، ولا يجب أن ترد جملة واحدة ms109 كما ~~في الآية التي ذكرها، وكما في آية الميراث، أخرج منها: القاتل، والكافر ~~بتدريج، ومنعه بعض القائلين بجواز تأخير التخصيص؛ لأن فعله في البعض يوهم ~~وجوب الباقي من العام # بعد التخصيص الأول. # وأجيب: بأنه إذا لم يمنع إيهام الوجوب بمقتضى العام من تأخير التخصيص فمن ~~الأولى أن لا يمنع إيهام وجوب الباقي بعد التخصيص؛ لأنه بعض ذلك والله أعلم ~~ثم قال: # وهكذا يجوز للرسول ... تأخيره عن زمن النزول # أي كما أن تأخير البيان إلى وقت الحاجة إليه جائز فكذلك أيضا يجوز للرسول ~~عليه الصلاة والسلام تأخيره عن وقت نزوله إلى وقت الحاجة إليه وهو أحد ~~الأشياء التي أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بتبليغها، وتأخير التبليغ من ~~وقت إلى وقت، نظرا للمصلحة جائز مثل: أن يأمر الرسول عليه السلام أن يبلغ ~~أقيموا الصلاة فيقتضي نظره تأخير هذا التبليغ إلى?وقت وجوب إقامتها لمصلحة ~~يراها فذلك جائز له مالم يؤمر بالتبليغ فورا، وقيل لا يجوز له ذلك، لأن ~~الله تعالى يقول: { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل ~~فما بلغت رسالته } (المائدة: 67)، قالوا والأمر موضوع للفور مع ما في الآية ~~من التهديد على ترك التبليغ، قلنا: لا نسلم إن الأمر موضوع للفور كما قدمنا ~~تحقيقه، والتهديد في الآية إنما هو على ترك التبليغ رأسا لا على تأخيره ~~فقط، وأيضا فإن القصد بأمره في التبليغ هو مطابقة المصلحة، فكأنه قال: ~~تعالى بلغه على ما تقتضيه المصلحة في التأخير، والتقديم، وإنما قلنا ذلك ~~لأنا نعلم أن القصد بالشرائع المصالح، فإذا كان المقصود بها المصالح ~~فتبليغها أيضا يكون على وفق المصلحة في التقديم، والتأخير، ولا بد من ذلك؛ ~~لأن الفرع تابع للأصل، ولا يلزم من هذا موافقة المعتزلة في القول ~~PageV01P187 بوجوب مراعاة الصلاحية والأصلحية على الله سبحانه وتعالى؛ لأنا ~~نقول أن الصلاحية والأصلحية قد كانتا منه تعالى لخلقه منا منه تعالى، وفضلا ~~فإن قيل إذا صح تأخير التبليغ عن وقت النزول فما الفائدة في إنزاله على ~~الرسول قبل وقت الحاجة ms110 إليه. # أجيب: بأنه يمكن أن تكون فيه فائدة الواجب الموسع وهي الثواب على اعتقاد ~~الامتثال والتهيؤ للامتثال والاستعداد له، وغير ذلك من الفوائد الظاهرة ~~والله أعلم. # ثم أنه أخذ في بيان أن البيان يكون بالعقل فقال: # وقد يجي البيان بالمعقول ... وقد يجي من جانب المنقول # يكون بالكتاب والسنة من ... قول وفعل وبإجماع ركن # يكون البيان بالعقل، ويكون بالنقل: # ? فأما البيان العقلي فنحو قوله تعالى: { أفمن يخلق كمن لا يخلق } ~~(النحل: 17)، قال البدر الشماخي: "وجميع حجج الله على الكفار بل جميع الحجج ~~مطلقا إنما بيانها بالعقل"، يعني أن الرب تعالى ألزم المشركين في احتجاجه ~~عليهم أمورا لا يمكنهم إنكارها عقلا، فالعقل قاض ببيان تلك الأمور فهو بيان عقلي. # ? وأما البيان النقلي فيكون بالكتاب للكتاب وللسنة نحو قوله تعالى: { ~~يوصيكم الله في أولادكم } (النساء: 11)، الآية بيان للنصيب المفروض في قوله ~~تعالى: { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك ~~الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا } (النساء: 7)، وما ~~أشبهها، ونحو قوله تعالى: { يا نساء النبي لستن كأحد من النساء } (الأحزاب: ~~32)، إلى قوله تعالى: { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم ~~تطهيرا } (الأحزاب: 3)، الآية بيان للأهل في قوله - صلى الله عليه وسلم - ~~أذكركم الله في أهل بيتي قال البدر: فبين الله تعالى أن أهل بيته هن نساؤه ~~خاصة، ونحو قوله تعالى: { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة } ~~(التوبة: 11)، الآية بيان لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "أمرت أن أقاتل ~~الناس حتى يقولوا لا إله الله" الحديث، ويكون البيان بالسنة قولا، وفعلا، ~~وتقريرا، لقوله تعالى: { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل ~~PageV01P188 إليهم } (النحل: 44)، ولقوله تعالى: { وما آتاكم الرسول فخذوه ~~وما نهاكم عنه فانتهوا } (الحشر: 7)، فأما البيان بالقول فلا خلاف فيه نحو ~~قوله - صلى الله عليه وسلم - : "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة"، بيان لقوله ~~تعالى: { وآتوا حقه يوم حصاده } : وهو كثير؛ لأن أكثر العبادات وردت في ~~القرآن مجملة فبينها - صلى الله عليه وسلم -، وأما البيان بفعله، وتقريره ~~صلى ms111 الله عليه وسلم فالجمهور على وقوعه وهو الصحيح لعلمنا برجوع الصحابة ~~إليهما كالرجوع إلى قوله وقد بين صلى الله عليه وسلم الصلاة بفعله وقال: ~~"صلوا كما رأيتموني أصلي"، وكذلك الحج وقال: "خذوا عني # مناسككم"؛ ولأن المشاهدة أدل، وليس الخبر كالعيان؛ ولأن السكوت على ~~المنكر لا يجوز عليه فسكوته عنه كالإباحة له، وخالف الدقاق في البيان ~~بالفعل وقال: إنه لا يصح البيان به لأنه لا ظاهر له، وإنما البيان بما ~~يصحبه من القول الذي يؤخذ منه وجهه وخالف أبو عبد الله البصري في البيان ~~بالتقرير فقال: لا يصح البيان به لاحتماله ونفي البيان بالتقرير هو لازم ~~مذهب الدقاق أيضا؛ لأنه إذا لم يثبت عنده البيان بالفعل فعدم ثبوته ~~بالتقرير أولى، احتج الدقاق بأن الفعل يطول فيؤدي إلى تأخير البيان، وهولا ~~يجوز كما مر، قلنا قد يطول البيان بالقول أيضا، وأيضا فطوله لمزيد الفائدة، ~~ولكونه أوضح من القول، وأدل على المطلوب، لا بأس به، وأيضا فالمبين المشروع ~~إنما يكون عقب البيان، وقبل تمامه لا يكون لازما، والممنوع من تأخير البيان ~~إنما هو عند الحاجة إليه، أما قبلها فلا يمنع كما قدمناه آنفا، احتج أبو ~~عبد الله البصري بأن سكوته عليه الصلاة والسلام محتمل للرضى بالفعل، ومحتمل ~~لغير ذلك، فلا يكون بيانا، قلنا سكوته مع القدرة على إنكاره غير جائز عليه ~~صلى الله عليه وسلم؛ لأنه سكوت على منكر، فعلمنا أن المسكوت عنه مباح كما ~~مر والله أعلم، ويكون البيان بالإجماع اتفاقا ممن أثبت حجة الإجماع، وذلك ~~نحو ما أجمعوا عليه من قول أبي بكر الصديق رضوان الله عليه: وأيم الله ~~لأقتلن PageV01P189 من فرق بين الصلاة والزكاة، بيان لقوله صلى الله عليه ~~وسلم: فإذا قالوها فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها فبين إجماعهم ~~على قول الصديق أن من حقها ألا يفرق بين الصلاة، والزكاة، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان حكم البيان قوة وضعفا فقال: # وقد يجيء أقوى من المبين ... ومثله في متنه المعين # وقد يجيء أدنى ومنع أحمد ... كغيره لذين ms112 غير جيد # اعلم أن البيان قد يكون أقوى من المبين، وقد يكون مثله في القوة، وقد ~~يكون أدنى منه قوة، فلا يجب إذا كان المبين متواترا أو مشهورا أن يكون ~~البيان مثله، بل يجوز أن يكون بيان المتواتر أحاديا، ومنع بدر العلماء أبو ~~العباس أحمد بن سعيد الشماخي -رحمه الله تعالى- أن يكون البيان مساويا ~~للمبين، أو أدنى منه قوة، وقد سبقه إلى هذا المنع بن الحاجب، ومنعهما من ~~ذلك ليس بجيد، واحتجاج البدر-رحمه الله تعالى- على ذلك بما حاصله إنه إذا ~~كان البيان أضعف لزم إلغاء الأقوى، وإن تساويا فليس أحدهما أولى بالبطلان ~~من الآخر؛ لأن إبطاله من غير دليل تحكم فممنوع، أما أولا فإن هذا الإلزام ~~إنما يتوجه على تخصيص العموم، وتقييد المطلق، والعدول عن الظاهر إلى المعنى ~~الباطن، كلامنا إنما هو في بيان المجمل، وبيان المجمل إنما يكتفي فيه بأدنى ~~إشارة، وأوهى قرينة، وأما ثانيا: فقد وردت الأدلة في تخصيص العموم بخبر ~~الآحاد، والقياس، ونحوهما، ولا شك أن عموم الكتاب أقوى منها متنا وإن ~~تساويا في الدلالة، ثم إنه بعد ما جرى القلم بما ها هنا رأيت في كلام البدر ~~في شرح مختصره ما يدل صريحا على المراد بالبيان الذي اشترط فيه أن يكون ~~أقوى من المبين، إنما هو في تخصيص العموم، وتقييد المطلق، والعدول عن ~~الظاهر خاصة حيث قال هذا في الظاهر، وأما المجمل فيكفي في بيانه أدنى دلالة ~~ولو مرجحا؛ لعدم التعارض وهو أهون حال مما يقتضيه إطلاقه الأول، ~~PageV01P190 ويبقى الاعتراض الثاني متوجها عليه بتمامه مع أنه صح العموم ~~بخصوص خبر الآحاد، وإن خبر الواحد مقدم على الظاهر وأنت خبير أن العموم، ~~والظاهر، قد يكونان متواترين فهما أقوى من خبر الواحد متنا، وإن تساويا معه ~~دلالة، على أن البدر يمنع البيان في ذلك بالمساوي. # وأما بن الحاجب فلم ينقل عنه هذا التفصيل الذي ذكره البدر بل الذي نقل ~~عنه قاض بعدم هذا التفصيل الصريح، وصريح في اشتراط ذلك في بيان المجمل وهذا ~~نص المنقول ms113 عنه، وقال بن الحاجب: بل يجب أن يكون البيان أقوى في الشهرة من ~~المجمل، حيث يتفاوتان، فأما حيث يتساويان في المتواتر؛ فلا سبيل إلى كونه أقوى. # قال صاحب المنهاج: والعجب من بن الحاجب حيث جوز تخصيص القطعي بالظني، ~~ومنع من بيان المجمل بالظني، وفي التخصيص عدول من أقوى إلى أضعف، وليس في ~~المجمل ذلك، فإن المجمل لا يفهم منه شيء يعمل به؛ فوروده، وعدمه على سواء، ~~فإذا ورد في بيانه خبر آحاد كان كورود الآحاد ابتداء من دون أن يتقدمه ~~مجمل، فوروده في بيان المجمل كوروده ابتداء لاشتراكهما في أنه لم يحصل به ~~العدول من أقوى إلى أضعف، فكما يجب العمل بالآحاد الوارد ابتداء كذلك ما ~~ورد في بيان المجمل لما ذكرنا، قال: وهذا واضح كما ترى، وقال في موضع آخر: ~~وأما بن الحاجب فلم أقف له على حجة؛ أي في اشتراطه أن يكون البيان أقوى من ~~المبين، قال: ولعله يحتج بأن البيان هو المقصود، ومن البعيد أن يكون غير ~~المقصود أقوى نقلا، والداعي إلى نقل بيانه أقوى، والجواب أن دليل وجوب ~~العمل بالآحاد لم يفصل بين وروده بيانا، أو غير بيان، ولا نسلم استواء ~~الداعي في كل حال، أقول: والظاهر من كلام بن الحاجب أنه لم يرد ما ذكره، ~~وإنما يريد أنه لا يعدل إلى البيان إلا إذا كان أقوى، واحتجاج البدر ~~المتقدم؛ ذكره هو المناسب لمقصود بن الحاجب، ولعلها حجته بعينها والله ~~أعلم، وأوجب أبو الحسن الكرخي، أن يكون البيان PageV01P191 مساويا في قوته ~~للمبين، ومن ههنا لم يقبل خبر الأوساق المبين لقوله صلى الله عليه وسلم: ~~"في سقت السماء العشر". لأن حديث الأوساق آحاد وهذا الحديث متواتر، وحجته ~~على ذلك هو ما تقدم من حجته على منع تخصيص القطعي بالظني، والجواب واحد ~~فتحصل في المسئلة ثلاثة أقوال: # ((الأول)): للأكثر وهو قول أبي الحسين، والقاضي، وغيرهما؛ إنه يصح كون ~~البيان أضعف نقلا. # ((والقول الثاني)): للكرخي أنه يجب استوائهما. # ((والقول الثالث)): لابن الحاجب، أنه يجب أن يكون البيان أقوى حيث ms114 ~~يتفاوتان. # وزاد البدر الشماخي: # ((قولا رابعا)): وكأنه لنفسه وهو أنه إذا كان البيان لظاهر كالعموم، ~~والمطلق؛ فيجب أن يكون البيان أقوى من المبين، وإن كان البيان لمجمل فلا ~~يجب فيه ذلك لعدم التعارض ههنا، بخلاف الصورة الأولى وهو تفصيل حسن، وتفريق ~~جيد، ولأن تأملت استدلالات المانعين أن يكون البيان أضعف من المبين وجدت ~~جميعها مقصورا على بيان الظاهر دون بيان المجمل، وعلى كل حال فأقوى ~~المذاهب، وأرجحها وأحسن الأقوال، وأصحها هو ما قدمته لك آنفا، ولذا اقتصرت ~~عليه في النظم وأشرت إلى غيره بالتضعيف والله أعلم: # ثم أخذ في بيان ما إذا تكرر البيان فقال: # وإن تكرر البيان حكما ... بأنه هو الذي تقدما # والثاني تأكيد له وعينا ... بعضهم المرجوح حين بينا # وإن تعارضا فقد تساقطا ... وبقي الإجمال ليس ساقطا # وإن تفاوتا فبالأقوى عمل ... وغيره وإن يعارضه همل # كما إذا طاف طوافين ولم ... يأمر إلا بطواف ملتزم # فقوله البيان مطلقا وما ... يفله يندب أن يلتزما # إذا ورد البيان متكررا بعد ورود المجمل فإما أن يتفق البيانان في المعنى ~~المشروع، وإما أن يختلفا بأن يكون مدلول أحدهما مخالفا لمدلول PageV01P192 ~~الآخر، فإن اتفقا فالأول من البيانين هو البيان، وإن جهلنا التاريخ مثل$، ~~والثاني منها تأكيد الأول وإن كان أوهى دلالة مثلا، وقال بعض الأصوليين إن ~~أوهى البيانين وأضعفهما هو بيان المجمل، وإن أقوى منهما هو المؤكد، واحتجوا ~~على ذلك بأن الأقوى لا يؤكد بالأضعف. # وأجيب: بأن هذا في التأكيد الغير المستقل، أما المستقل فلا يلزم فيه ذلك، ~~ألا ترى أن الجملة تؤكد بجملة دونها نحو: إن زيدا قائم، وإن اختلف البيانان ~~فأما أن يتقاوما في القوة تساقطا إذ لا دليل يرجح الأخذ بأحدهما دون الآخر، ~~ويبقى الإجمال على حاله، وإن تفاوتا في القوة كما إذا كان أحدهما فعلا، ~~والآخر قولا فإنه يكون الأقوى منها هو البيان، ويلغى الأضعف وذلك كما إذا ~~أمرنا صلى الله عليه وسلم بطواف واحد وطاف هو طوافين، وكان هذا بعد نزول ~~آية الحج المشتملة على الأمر بالطواف، فإن القول ms115 عندنا هو البيان لمجمل ~~الآية، وإن فعله صلى الله عليه وسلم خاص به نعم يندب أن يطاف طوافين تأسيا ~~به صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في حكم فعله عليه الصلاة والسلام، أما إذا ~~طاف طوافا واحدا وأمرنا بطوافين فالواجب علينا ما أمرنا به وليس لنا أن ~~نترك منه شيئا؛ لأنه مختص بذلك من دوننا وهذا كله تقدم القول على الفعل، أو ~~تأخر، وقال أبو الحسين البصري البيان هو المتقدم منهما كما في قسم ~~اتفاقهما؛ أي فإن كان المتقدم القول فحكم الفعل كما سبق أو الفعل، فالقول ~~ناسخ للزائد منه، قلنا عدم النسخ بما قدمناه أولى والله أعلم. # { مبحث الحقيقة والمجاز } # الحقيقة مأخوذة من حقيقة الشيء إذا ثبت سميت بها الكلمة المستعلمة فيما ~~وضعت له لثبوتها في موضعها فهي فعيلة بمعنى فاعل على سبيل التجوز في إسناد ~~الحقيقة إليها، والمجاز مأخوذ من جاز بالمكان إذا تعداه سميت به الكلمة ~~المستعملة في غير ما وضعت له لمجاوزتها الموضع الذي وضعتها له العرب. PageV01P193 # ثم إنه أخذ في تعريف الحقيقة وبيان ماهيتها فقال: # إن لفظ استعمل في موضوعه ... فهو حقيقة على تنويعه # لأنه إما بوضع الشرع ... أو عرفهم أو لغوي الوضع # الحقيقة هي اللفظ المستعمل فيما وضع له شرعا أو عرفا أو لغة، فخرج ~~بالمستعمل اللفظ قبل الاستعمال، فإنه لا يسمي حقيقة ولا مجازا، وخرج ~~بالمستعمل فيما وضع له لعلاقة بقرينة، فانطبق الحد على المحدود، وباقي ~~التعريف إنما هو توضيح فقط، وفيه إشارة إلى أن الحقيقة تنقسم إلى ثلاثة أقسام. # أحدهما: الحقيقة الشرعية، وهي لفظ استعمله الشارع في معنى من المعاني، ~~وغلب عليه، سواء كان له معنى في أصل الوضع فنقله عنه إلى معنى ثان، أولم ~~يكن له معنى في الأصل مثلا وذلك كالوضوء فإنه في أصل وضعه إنما هو للنظافة ~~مطلقا، ثم استعمله الشارع في غسل الأعضاء المخصوصة على الوجه المخصوص، ~~وكالصلاة فإنها في أصل وضعها للدعاء، ثم استعملها الشارع في العبادة ~~المشتملة على الأذكار، والأفعال على الوجه المخصوص، وكذلك الزكاة والصيام ms116، ~~والحج، ونحوها، فهذه الأشياء استعملها الشارع في معان غير ما وضعت له فصارت ~~لا يتبادر منها عند الإطلاق إلا ما استعملها فيه الشارع، فهي حقيقة، شرعية. # النوع الثاني: حقيقة عرفية، وهي ما إذا استعمل أهل العربية شيئا من ~~الألفاظ في غير ما وضع له لغة، ثم يغلب استعماله عليه حتى يكون هو المتبادر ~~عند الإطلاق، كالدابة مثلا فإنها في أصل الوضع لكل ما يدب على الأرض كما في ~~قوله تعالى: { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها }، ثم غلب عليها، ~~ولا يتبادر عند الإطلاق منها إلا ذلك كالغائظ فإنه في الأصل للمكان ~~المنخفض، ثم نقله العرف إلى زبل مخصوص، وكالحائض فإنه في الأصل لكل فائض، ~~يقال حاض الوادي إذا فاض، PageV01P194 ثم نقل إلى فيض الدم المخصوص، وقد ~~يكون العرف خاصا بقوم دون آخرين فيسمى اصطلاحا، وعرفا خاصا، وذلك كالفعل ~~فإنه في اصطلاح أهل النحو اسم لنحو: ضرب وأخبر وأضرب، وهو عرف خاص بهم؛ ~~لأنه في أصل الوضع اسم للحدث مطلقا وكذلك أيضا في عرف العامة، وكالفاعل ~~والمفعول، والتمييز، والحال، والظرف، وغير ذلك فإن لأهل النحو في كل واحد ~~من هذه الأشياء استعمالا مخصوصا لا يتبادر من إطلاقه فيما بينهم غيره، فهو ~~حقيقة، عرفية، في حقهم وتسمى اصطلاحية أيضا، فإن أرادوا به غيره قيدوه ~~بالإضافة فهي حقيقة في عرفهم لكنها خاصة بهم. # النوع الثالث: الحقيقة اللغوية وهي اللفظ المستعمل في أصل ما وضعته له ~~العرب كالإنسان لابن آدم، والدابة لكل ما يدب والأسد للحيوان المخصوص، ~~والحجر للجماد المعروف، وغير ذلك، فهذه الأشياء، ونحوها، قد استعملتها ~~العرب فيما وضعت له في الأصل فهي حقيقة لغوية، وهي أصل الحقائق، فحقها ~~التقديم في الوضع، ثم تعقب بالشرعية، ثم العرفية كما صنع ذلك كثير من ~~المؤلفين، لكن عدل عن هذا الصنيع إلى ما ترى مراعاة لترتيب النظم، وإنما ~~كان ترتيب النظم على ما ترى إشارة إلى أنه إذا تعارضت الحقائق الثلاث بمعنى ~~أنه إذا ورد في كلام الشارع ما هو حقيقة في الشرع ms117 لمعنى، وفي كل واحد من ~~العرف، واللغة لمعنى آخر، فإنه يقدم المعنى الشرعي، وكذلك إذا تعارضت ~~الحقيقة العرفية، والحقيقة اللغوية، فالمقدم منهما الحقيقة العرفية مثال ~~ذلك إذا حالف حالف لا يأكل اللحم، فأكل السمك، فإن الراجح عندنا أنه لا ~~يحنث؛ لأن عرفنا خصص اسم اللحم باللحم البري دون البحري، وإن كان في اللغة ~~اسم اللحم شاملا لهما جميعا، وزاد قوم الحقيقة الدينية كالفاسق فإنه عندنا ~~اسم لمرتكب الكبيرة مطلقا، وعند المعتزلة اسم لمرتكب كبيرة غير الشرك، فهو ~~حقيقة عند كل واحدة من PageV01P195 الطائفتين في المعنى الذي جعلوه له، ~~وكذلك المؤمن فإنه حقيقة عندنا وعند المعتزلة فيمن أوفى بالواجبات عليه ~~دينا، وهكذا وعند التحقيق يرجع هذا القسم إلى الحقيقة العرفية فإنه نوع ~~منها، وأنكر بعضهم إمكان الحقيقة الشرعية، قال المنهاج: ولا أظن أن هؤلاء ~~القوم إلا الذين زعموا أن بين الاسماء ومسمياتها مناسبة ذاتية، وأنكر ~~القاضي أبو بكر الباقلاني، والقشيري، وقوعها فقط، وقد صححا أنها ممكنة، ~~وتوقف الآمدي في وقوعها لتعارض الأدلة، وسبب إنكار من أنكر إمكان الحقيقة ~~الشرعية، ومن أنكر وقوعها فقط إنما هو إنكار النقل للفظ عن معناه الأصلي ~~إلى معنى آخر؛ لأنه يقبح عندهم ذلك، ولا مصلحة فيه على زعمهم، ونحن نقول إن ~~النقل إذا # كان لغرض فلا قبح فيه كالغائظ لما نقل إلى الشيء المعروف، وكان أصله ~~للمكان المنخفض، والغرض في نقله هو استسماج النطق باسم ذلك الشيء فعدلوا ~~إلى ما هو أحسن منه لفظا مع ما بينهما من المناسبة لكون المكان المنخفض ~~ظرفا لذلك الحدث، وكالدابة لما نقلت الأربع، خاصة لكثرة الدبيب فيها دون ~~غيرها من الحيوانات، وأن الفائدة في نحو هذا غير مجهولة، وأيضا فالشرع قد ~~شرع أشياء حسن أن يضع لها أسماء، إما مرتجلة، وإما منقولة، كالصلاة ~~للعبادات المخصوصة، والحجة لنا على صحة النقل ووقوعه هو ما تقدم ذكره من ~~الصلاة ونحوها، وأنها كانت لمعان غير ما نقلت إليه، والوقوع دليل الصحة، ~~احتج المنكرون لإمكانها بأنه لو سلب الاسم عن معناه وعوض غيره انقلبت ms118 ~~الحقائق. # وأجيب: بأنه إنما يلزم ذلك لو استحال خلو الاسم عن المعنى قبل المواضعة، ~~فإنا نعلم ضرورة أنه كان يجوز أن يسمي المعنى بغير الاسم الذي يسمي به، ~~وأنه يجوز أن يسمى السواد بياضا، ونحو ذلك، واحتج المنكرون لوقوعها بأن ~~معانيها الأصلية PageV01P196 باقية لم تنقل عنها، والزيادات شروط ألا ترى ~~أن الصلاة اسم للدعاء، والدعاء في الصلاة الشرعية باق، وكذلك الصوم في ~~الأصل للإمساك، وفي الشرع هو إمساك عن المفطرات فلم ينتقل كل واحد من ~~الصلاة، والصوم، عن معناه الأصلي، لكن زادت فيه بعض الشروط في الشرع قلنا ~~لما كانت هذه الألفاظ لم تطلق في الشرع على معناه اللغوي بل زاد فيها ~~الشارع قيودا أو شروطا، علمنا أنه نقلها من معناها الأصلي إلى هذا المعنى ~~المذكور، وأيضا فإن المصلي لم يقصد بصلاته الدعاء، وإنما يقصد أداء المشروع ~~وهو مصل إجماعا، فعلمنا أن الصلاة شرعا غير الصلاة لغة، وكذا نظائرها فثبتت ~~الحقيقة الشرعية، واعلم أن الاسم الواحد قد يكون حقيقة في أشياء كثيرة ~~مختلفة الحقائق ليس بعضها أولى به وضعا من بعض، كالعين للباصرة، وللذهب، ~~وللشمس، ولأحد الحروف، و كالجون للأسود، والأبيض، وكالناهل للريان، ~~وللعطشان، ويسمى مشتركا، وقد تقدم بيان ماهيته، وذكر حكمه، وقد يكون حقيقة ~~لشيء واحد فقط وهو الأكثر من أحواله، وذلك الشيء الواحد إما أن يكون متشخصا ~~وهو العلم العيني كزيد مثلا، ويسمى عند المناطقة الجزء الحقيقي، وإما أن ~~يكون غير متشخص فهو إما أن تكون أفراده الذهنية والخارجية متساويا فيه لا ~~أحد يفضل صاحبه كزيد، وعمر، وخالد، بالنسبة للإنسان والفرس، والطائر، ~~والسابح، بالنسبة للحيوان، ويسمى متواطئا أي متفق الأفراد، وأما أن يكون ~~حصول بعض أفراده أولى من بعض كالبياض بالنسبة إلى العاج، وللثلج، أو أقدم ~~كالوجود بالنسبة للوجه، والممكن فيسمى مشككا، وقد يكون للشيء الواحد اسمان ~~فصاعدا كالآدمي، والبشر، والإنسان لأولاد آدم: كالكتاب، والقرءان للكلام # المنزل على نبينا عليه الصلاة والسلام، وكالبر، والقمح للطعام المخصوص، ~~ويسمى هذا النوع مترادفا والله أعلم. # ثم إنه لما فرغ من بيان ms119 ماهية الحقيقة، وذكر تنويعها شرع في بيان حكمها فقال: PageV01P197 # وحكمها إثبات ما بها ثبت ... ولا يصح نفي ما له أتت # ورجحت على المجاز ورجح ... على ذي الاشتراك منها إذ وضح # وإن تعين المراد منه ... فليس ذا المجاز أولى منه # للحقيقة أحكام منها إثبات المعنى الذي وضعت له حقيقة، كان عاما، أو خاصا ~~أو أمرا أو نهيا، فيثبت حكم العموم في العام نوي أولم ينوو، كذا الأمر ~~والنهي، وثبوت ذلك المعنى إما قطعا في حكم المنصوص، وإما ظنا كما في ~~الظواهر على حسب ما تقدم ما ذكره. # ومنها أنه لا يصح نفي المعنى الذي وضعت له الحقيقة بخلاف المجاز فلا يقال ~~في الأب ليس أبا، ويقال في الجد ليس أبا، أما قوله تعالى: { ما هذا بشرا }، ~~فليس المراد منه نفي الحقيقة إنما المراد منه المبالغة في تشريف يوسف، ~~وتعظيمه، والكلام في نفي الحقيقة رأسا على سبيل التجوز. # ومنها أن الحقيقة ترجح على المجاز إذا أدار الكلام بين الحقيقة، والمجاز، ~~فالحقيقة هي الراجحة فيه؛ لأنها لا تحتاج إلى قرينة خارجية، تهدي إلى ~~المراد منها بنفس إطلاقها، والمجاز يحتاج إلى القرينة. # اعلم أن اللفظ إذا دار بين أن يكون مجازا، ومشتركا، نحو النكاح فإنه ~~يحتمل أنه حقيقة في الوطء، مجاز في العقل، وأنه مشترك بينهما، فالمجاز ~~أقرب؛ لأن الاشتراك يخل بالتفاهم عند خفاء القرينة بخلاف المجاز لأن ~~القرينة الهادية إلى المراد منه لا تفرق، ولأن المجاز أغلب من المشترك ~~بالاستقراء، فاللائق إلحاق الفرد بالأعم الأغلب ولأن المشترك قد يؤدي إلى ~~مستبعد كما إذا كان حقيقة في ضدين فإن إعطاء الضديين حكما واحدا مستبعدا إذ ~~المعهود من الأضداد تعاكسهما في الأحكام، أما إذا ظهر المراد من المشترك ~~بنصب القرينة الدالة عليه فهو أولى من المجاز لأن العلة التي رجح بها ~~المجاز عليه وهي إخلال المشترك بالتفاهم معدومة حينئذ. # واعلم أن ابن الحاجب جعل فوائد PageV01P198 المجاز الآتي ذكرها في موضعه ~~من مرجحات المجاز على المشترك وهو ليس بشيء، أما أولا فإن للمشترك فوائد ~~أيضا وقد ms120 قوبل بفوائد المجاز، أما ثانيا فإن الفوائد لا مدخل لها في ~~الترجيح هاهنا، فإنها وإن كانت موجودة في الجملة فالكلام إنما هو في فرد من ~~أفراد اللغة، احتمل أن يكون مشتركا، وأن يكون مجازا، وكثرة فوائد المجاز في ~~الجملة لا ترجح كون ذلك الفرد مجازا لأنها لم تكن فيه بنفسه، نعم قد يكون ~~فيه بعضها فعند وجود ذلك البعض ينظر في كونه مرجحا، أو غير مرجح، وكلامنا ~~إنما هو مع قطع النظر عن وجود شيء من تلك الفوائد في ذلك الفرد، وعن عدم ~~وجوده فلا تعد الفوائد في الجملة مرجحا والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان المجاز فقال: # وإن يكن في غير ما له وضع ... مستعملا فهو المجاز المتسع # وشرطه قرينة تصرفه ... عن أصله وعلقة تكشفه # من نحو تشبيه وكون أول ... وسبب شرط وجزء كل # كذلك الحلول واستعداد ... ونوعها ينقل لا الإفراد # وسمه استعارة إن شبها ... ومرسلا إن كان غيره بها # المجاز هو: اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة مع قرينة فخرج ~~بالمستعمل في غير ما وضع له إلى آخر الحقيقة، فإنها لفظ مستعمل فيما وضع له ~~كما مر، والعلاقة والقرينة شرطان للمجاز لأنه لو لم تكن القرينة هادية إلى ~~معناه المراد به لما صرف عن أصله الذي وضع له، ولو لم تكن هنالك علاقة لما ~~صح التجوز، والعلاقة اتصال ما بين المعنى الذي وضع له اللفظ، والمعنى الذي ~~استعمل فيه، وذلك الاتصال هو الذي يعرف عند علماء البيان بوجه الاستعارة، ~~وبعلاقة المجاز، وهو إما تشبيه كإطلاق الأسد على الرجل الشجاع من قولنا ~~رأيت أسدا على فرس، فالأسد في الرجل مجاز، والعلاقة بينهما المشابهة في ~~الشجاعة، وقولنا على فرس قرينة صارفة للفظ الأسد PageV01P199 عن معناه ~~الحقيقي؛ لأن الأسد الذي هو الحيوان المخصوص لا يرى عادة على فرس، وقد يكون ~~التشبيه اعتباريا بأن ينزل التقابل منزلة التناسب بواسطة تملي أو تهكم كما ~~في إطلاق الشجاع على الجبان، أو التفاؤل كما في إطلاق البصير على الأعمى، ~~والمفازة على المهلكة ms121، أو مشاكلة كما في إطلاق السيئة على جزائها، وما أشبه ~~ذلك، ووجه ذلك أن المتكلم بمثل هذا ادعى أن هذه الأشياء المتضادة متشابهة ~~ليحصل له غرضه المذكور، من نحو تهكم فكانت العلاقة في نحو إطلاق الشجاع على ~~الجبان المشابهة في ادعاء المتكلم، وهي معدومة، حقيقة فأثبتها المتكلم ~~اعتبارا، وكذا يقال فيما بعده هذا حيث يكون الوصف ظاهرا، والغرض حاصلا لأن ~~الوصف الخفي لا يكون علاقة للمجاز، فلا يطلق على أبخر الفم أنه أسد لخفاء ~~هذه الصفة في الأسد؛ ولأنه اشتهر بصفة الشجاعة، وهي المتبادرة عند التشبيه ~~به، وكذلك لا يطلق المسك على أسود اللون لأن الوصف الذي اشتهر في المسك ~~إنما هو طيب الرائحة لا سواد لونه، وقد تكون العلاقة الكون الأول، فهو ~~عبارة عن تسمية الشيء باسم ما كان عليه كتسمية البالغين باليتامى في قوله ~~تعالى: { وآتوا اليتامى أموالهم } # فإنهم لا يؤتون أموالهم إلا وهم بالغون، فتسميتهم يتامى مجاز، والعلاقة ~~فيه تسمية الشيء باسم ما كان عليه، وكإطلاق العبد على الحر في قوله صلى ~~الله عليه وسلم: "من أعتق شقصا من عبد قوم عليه الباقي"، فتسميته عبدا وأما ~~الأول فهو تسمية الشيء باسم ما كان عليه؛ لأنه كان قبل العتق عبدا، وأما ~~الأول فهو تسمية الشيء بما يؤل إليه أي بما يصير إليه يقينا كإطلاق اسم ~~الميت على الحي في قوله تعالى: { إنك ميت وإنهم ميتون }، فأطلق اسم الميت ~~عليه، وعليهم، وهم جميعا أحياء في حال ذلك الإطلاق تجوزا، والعلاقة فيه ~~تسميهم بما سيؤولون إليه يقينا، أو ظنا كما في إطلاق الخمر على العصير، في ~~نحو قوله حكاية عن أحد صاحبي السجن: { إني أراني أعصر خمرا }، والمعنى أعصر ~~عصير يؤول PageV01P200 إلى الخمر أي يصير كذلك في الظن فإطلاق اسم الخمر ~~على العصير مجاز، علاقته تسمية الشيء باسم ما يؤول إليه ظنا، أما إذا كان ~~محتملا أن يؤول إليه، وأن لا يؤول فلا يصح التجوز، فلا يطلق اسم الحر على ~~العبد لاحتمال أنه يصير حرا، نعم إذا قويت الأسباب، وتوفرت ms122 الدواعي ~~المقتضية لحريته، جاز إطلاق اسم الحر عليه تجوزا إذ في الظن أنه يصير كذلك، ~~لكن هذا الإطلاق مشروط أن يكون من غير سيده، وعند من يعلم حاله؛ لأن صدوره ~~من سيده يوجب عتقه، وعند الجاهل بحاله تخفى عليه علاقة المجاز فيه فيظنه ~~حرا حقيقة وشرط العلاقة الظهور كما مر آنفا، فيكون إطلاق اسم الحر على ~~العبد عند توفر الدواعي لعتقه مخصوصا ببعض المواضيع دون بعض، وقد يكون ~~العلاقة السبب، والمراد به إطلاق اسم السبب على مسببه كإطلاق اليد على ~~القدرة، نحو: للأمير يد أي قدرة، فإطلاق اسم اليد على القدرة مجاز، علاقته ~~تسمية الشيء باسم سببه، فإن اليد سبب للقدرة، وإطلاق اسم المسبب على السبب ~~كإطلاق اسم الموت على المرض الشديد؛ لأن المرض الشديد سبب للموت غالبا، وقد ~~تكون العلاقة شرطا، والمراد به إطلاق اسم الشرط على المشروط أو # العكس، سواء كان الشرط شرعيا كإطلاق اسم الإيمان على الصلاة في قوله ~~تعالى: { وما كان الله ليضع إيمانكم }، أي صلاتكم التي استقبلتم بها البيت ~~المقدس؛ فإطلاق اسم الإيمان على الصلاة مجاز علاقته تسمية الشيء باسم شرطه؛ ~~لأن الإيمان شرط لصحة الصلاة شرعا، أو عقلا كإطلاق اسم المتعلق على المتعلق ~~به نحو: { هذا خلق الله }، والقرآن علم الله؛ أي هذا مخلوق الله، والقرآن ~~معلوم الله فإطلاق اسم الخلق على المخلوق، والعلم على المعلوم مجاز علاقته ~~تسمية الشيء باسم متعلقه بالكسر، ووجه ذلك أن الخلق، والعلم شرط عقلي لحصول ~~المخلوق والمعلوم، ومنه أيضا؛ تسمية الفاعل بالمصدر: كقولنا: زيد عدل أي ~~عادل، ومن تسمية الشرط باسم المشروط إطلاق PageV01P201 اسم المتعلق به على ~~اسم المفتون على الفتنة في قوله تعالى: { بأيكم المفتون } أي الفتنة فتسمية ~~الفتنة بالمفتون، مجاز علاقته تسمية الشيء باسم ما يتعلق به، ومنه إطلاق ~~اسم الفاعل على المصدر من نحو قولنا: قم قائما أي قياما، ومن الشرط العقلي ~~تسمية الشيء باسم آلته كإطلاق اللسان على الذكر في قوله تعالى حكاية عن ~~خليل الرحمان عليه السلام: { واجعل لي لسان صدق في الآخرين ms123 }، ووجه ذلك أن ~~آلة الشيء شرط لوجوده؛ فالذكر لا يوجد إلا باللسان، وقد تكون العلاقة تسمية ~~الشيء باسم جزءه نحو: عندي ألف رأس من غنم، والمراد الرؤوس مع جثتها قائمة ~~بتمام خلقها، ويشترط في هذا الجزء أن يكون له من بين سائر الأجزاء مزيد ~~ارتباط بالكل؛ بحيث يكون المعنى المقصود من الكل إنما يحصل به كإطلاق العين ~~على الجاسوس، فإن المعنى المقصود منه إنما يوجد بالعين، وقد تكون العلاقة ~~إطلاق اسم الكل على الجزء، كإطلاق الأصابع على الأنامل، وهي جزؤها في قوله ~~تعالى: { يجعلون أصابعهم في آذانهم } وهم إنما يجعلون أناملهم؛ وهي أطراف ~~الأصابع، وقد تكون العلاقة الحلول والمراد به تسمية الشيء باسم محله كقولك: ~~شربت قدحا، والمراد شربت ماء ملأ قدح، # فإطلاق اسم القدح على الماء الحال فيه مجاز علاقته تسمية الشيء باسم ~~محله، أو تسمية الشيء باسم ما يجعل فيه، كإطلاق الرحمة على الجنة في قوله ~~تعالى: { ففي رحمة الله هم فيها خالدون } ؛ لأن الجنة مستقر الرحمة، وقد ~~تكون العلاقة الاستعداد، وعبر عنها بعضهم بتسمية ما بالفعل على ما بالقوة ~~كإطلاق اسم المسكر على الخمر في الدن؛ لأنها لم تكن في دنها مسكرة لكنها ~~مستعدة لذلك، وهي قوة ما يسكر بالفعل حال الشرب، وأورد عليه أن هذه العلاقة ~~يغني عنها ما مر من تسمية الشيء باسم ما يؤول إليه. # وأجيب بأن الفرق بينهما أن النظر هنالك فيما سبق إلى مجرد الأول وهنا إلى ~~مجرد الاستعداد وعلى هذا فالفرق بينهما اعتباري، وقد PageV01P202 تكون ~~العلاقة المجاورة كالطلاق الراوية على مزودة الماء، وإطلاق الجري للميزاب ~~من قولهم جرى الميزاب. وقول المصنف: ونوعها ينقل لا الأفراد يعني أن ~~المعتبر في المجازات إنما هو # نقل نوع العلاقة لا نقل أفراد المجازات، وبيان ذلك أنه إذا نقل عن العرب ~~إطلاق الأسد مثلا على الرجل الشجاع لأجل المشابهة بينهما صح لنا أن نطلق ~~اسم الشيء على ما يشابهه من سائر الاسماء، وكذلك سائر العلاقات، ولهذا لم ~~يدونوا المجازات تدوينهم الحقائق. وأيضا فقد أجمعوا على أن ms124 اختراع ~~الاستعارات الغريبة التي لم تسمع بأعيانها عن أهل اللسان إنما هو من طرق ~~البلاغة، هذا قول أكثر العلماء، وقال عبد القاهر الجرجاني إنه لا يستعمل من ~~المجازات إلا ما قد استعملته العرب من ذلك فهو يشترط نقل أفراد المجازات، ~~ولا يكتفي بنقل نوع العلاقة، وتمسك في ذلك بأنه لو جاز التجوز بمجرد وجود ~~العلاقة لجاز إطلاق نخلة لطويل غير إنسان للمشابهة، وشبكة للصيد للمجاورة، ~~وأب للابن للسببية واللازم باطل بالاتفاق، وأيضا فلو جاز التجوز بمجرد ~~العلاقة لكان الوضع ابتداء فلا يكون عربيا، أو قياسا في اللغة لا تثبت ~~بالقياس، والترجيح كما سيأتي. # - وأجيب عن الأول: بأنا لا نسلم أن العلاقة بين الإنسان والنخلة مجرد ~~الطول بل مع الاستقامة، والدقة، ونحو ذلك مما يطول، وكذا القول في نحو ~~الشبكة مع الصيد، والأب مع الابن فيمكن أن نقول أن نفس المجاورة، ونفس ~~السببية لا يكفيان علاقة إلا مع نوع يسوغ إطلاق اسم أحدهما على الآخر كما ~~في الميزاب مع الماء، فإنه جمع مع المجاورة والسببية هما العلاقة فنقول أن ~~العلاقة مقتضية للصحة، والتخلف عن المقتضى ليس بقادح لجواز أن يكون لمانع ~~مخصوص، فإن عدم المانع PageV01P203 ليس جزءا من المقتضى. # -وأجيب عن الثاني: بأن القياس في اللغة بممنوع أصلا بل يثبت فيها فيما ~~علم ثبوته بالاستقراء كرفع الفاعل، ونصب المفعول، ونحو ذلك، وكذلك المجاز ~~يثبت باستقراء العلاقة المصححة له. # واعلم أنه إذا كانت علاقة المجاز المشابهة كإطلاق الأسد على الرجل ~~الشجاع، فالمجاز يسمى استعارة مأخوذة من استعار الشيء إذا أخذه عارية، فكأن ~~اسم الأسد استعير للرجل الشجاع فسمي به، وللاستعارة أنواع محل ذكرها علم ~~البيان إذ لا تعلق للأحكام الشرعية بأنواع الاستعارة، وإنما يتعلق بعضها ~~بأصل المجاز، فلذا يبحث عنه في هذا الفن، وإن كانت العلاقة غير المشابهة من ~~نحو السببية، والشرطية، والكون والأول إلى غير ذلك، فالمجاز يسمى مرسلا سمي ~~بذلك لعدم تقييده بعلامة واحدة إذ المرسل في اللغة المطلق، وهذا معنى قول ~~المصنف وسمه استعارة الخ؛ أي سم المجاز استعارة ms125 أن شبه المستعار له بغيره، ~~ويسمى مرسلا إن كان العلاقة غير التشبيه، ثم إنه أخذ في بيان قرينة المجاز فقال: # عقلية حسية عادية قرينة المجاز أو حالية # اعلم أن شرط المجاز قرينة تصرف اللفظ عن معناه الحقيقي إلى المعنى ~~المجازي كما مر وليست هي جزء من مفهوم المجاز كما ذهب إليه البيانيون لكنها ~~شرط لصحة المجاز كما عليه أئمة الأصول وهي إما عقلية كما في قوله تعالى: { ~~واستفزز من استطعت منهم بصوتك }، فإن العقل يمنع من حمل هذا الأمر على ~~حقيقته، ويصرفه إلى بيان الأقدار له، والتهديد، فإن الحكيم تعالى لا يأمر ~~بالفساد، وإما حسية نسبة لها إلى الحس وهي إما لفظية نحو: رأيت أسدا يرمي، ~~فإن يرمي قرينة لفظية صارفة للفظ الأسد عن معناه الحقيقي؛ لأن الرمي لا ~~يصدر من الحيوان المخصوص الذي وضع له اسم الأسد، وإما غير لفظية نحو: لا ~~آكل من هذه النخلة، فإن الحس الذي هو اللمس مثلا يمنع من أكل أصل النخلة، ~~ويصرف هذا اللفظ إلى ثمرها، PageV01P204 وأما عادية ومثل له بعضهم بيمين ~~الفور، وهي ما إذا حلف رجل على امرأته، وقد أرادت الخروج فقال: إن خرجت ~~فأنت طالق قال ذلك البعض أن هذا اليمين يحمل على الفور لاقتضاء العادة ذلك ~~فلا تطلق إن خرجت بعد ذلك الوقت عنده، ومثل علماء البيان لهذا المقام ~~بقولهم: هزم الأمير الجند، إذ العادة قاضية بأن الأمير لا يباشر القتال ~~بنفسه لكن مع أنصاره، وأعوانه، وإما حالية وهي أن يكون حال المتكلم مقتضيا ~~لصرف اللفظ عن حقيقته إلى مجازه كما في قول المسلم أشابني الدهر، وغيرهم ~~صروف الأيام ونحو ذلك فإن حال المسلم يقضي بصرف هذا اللفظ عن حقيقته إذ ~~اعتقاده يوجب أن فاعل ذلك هو الله تعالى، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في ذكر الخلاف في وقوع المجاز وصحته فقال: # وهو على الصحيح واقع وفي ... آي الكتاب منه مالا يختفي # وإن نفي وقوعه ومنعه ... قوم فإن منعهم لن نسمعه # اعلم أن الصحيح الذي عليه جمهور العلماء، أن ms126 المجاز واقع في اللغة ~~العربية وفي القرآن العظيم، وقد نفي وقوعه في اللغة العربية الأستاذ أبو ~~إسحاق الإسفرايني، وأبو علي الفارسي، قالا: وما يظن مجازا نحو: رأيت أسدا ~~يرمي فهو حقيقة، قال أبو الحسن: وهذا باطل؛ لأنا كما نعلم باضطرار أنهم ~~يستعملون لفظ الحمار للبليد، ولفظ الأسد للرجل الشجاع، نعلم ضرورة أنهم ~~قصدوا التجوز، والتنبيه، وإن استحقاق البليد للفظ الحمار ليس كاستحقاق ~~البهيمة، ولذلك سبق إلى الأفهام من قول القائل: رأيت الحمار البهيمة دون ~~البليد قال: وأما تسمية الخصم مجموع الاسم والقرينة حقيقة فإنه لو صح ذلك ~~لم يقدح في تسمية أهل اللغة للاسم بانفراده مجازا على ما حكمناه عنهم؛ أي ~~لأن الخلاف يكون بيننا وبينهم لفظيا؛ لأنه يرجع إلى نفس التسمية خاصة. # قال صاحب المنهاج: لكن ما زعموه باطل؛ لأن الوصف بالحقيقة، والمجاز، إنما ~~يجري على الألفاظ فقط؛ لأنها هي المستعملة دون القرائن، PageV01P205 ~~والقرائن لا تختص بالألفاظ إذ قد تكون شاهد حال، وغير ذلك مما ليس من فعل ~~المتكلم، ومنعت الظاهرية وقوع المجاز في القرآن لوجهي: # أحدهما: أنهم قالوا بقبح وقوعه في القرآن؛ لأنه كذب بدليل أنه يصح نفي ~~مثبتة فيصدق النفي ألا ترى أنه يصدق قولك لمن قال: إن زيدا حمار، إنه ليس ~~بحمار، فلو كانت الجملة الأولى صادقة لم يصدق نفيها. # وثانيهما: إنهم قالوا: لو وقع المجاز في القرآن لزم أن يوصف الباري ~~سبحانه بأنه متجوز. # - وأجيب عن الوجه الأول: بأن المجاز يمتاز عن الكذب بالقرينة المنصوبة ~~على المعنى المراد منه، والكذب لا قرينة معه، فالمجاز صدق لا قبح فيه، ~~وإنما يكذب نفي المثبتة حيث توجه النفي والإثبات إلى معنى واحد والنفي في ~~هذه الصورة لم يتوجه إلى المثبت بل إلى غيره فهو صدق، فالمنفي هو غير ~~المعنى الذي أثبته في المجاز. # - وأجيب عن الوجه الثاني: بأن أسماء الله تعالى متوقفة على الأذن السمع؛ ~~ولأنه يوهم أنه يتهاون بفعل قبيح، أو صغير، كما في الشاهد؛ إذا قلنا: فلان ~~يتجوز في الأمور، وما أوهم الخطأ امتنع إطلاقه على ms127 الله حقيقة كان أو ~~مجازا، وأيضا فنحن نقطع أن المجاز وقع في القرآن وذلك نحو: قوله تعالى: { ~~واسأل القرية التي كنا فيها } والمراد أهلها، وقوله تعالى: { فوجد فيها ~~جدارا يريد أن ينقض }، وليس بجدار إرادة، لكن شبهت حالته بحالة من يفعل ~~الشيء عن إرادة، وقوله تعالى حكاية عن قول فرعون: { يا هامان ابن لي صرح }، ~~وليس هامان هو الباني حقيقة، لكن بأمره يكون البناء، وقوله تعالى: { واخفض ~~لهما جناح الذل }، وليس للذل جناح لكن شبه الولد بطائر له جناحان، جناح ذل، ~~وجناح تعزز، فأمر بخفض جناح الذل لهما، ومما روي أن رجلا من منكري المجاز ~~في اللغة اعترض أبا تمام لما قال في شعره: # لا تسقني ماء الكآبة إنني ... صب قد استعذبت ماء بكائي # قاله المعترض: فأعطني في هذا الكوز ماء من ماء كآبتك العذب، قال ~~PageV01P206 أبو تمام: خذ هذا المقراض، واقصص لي ريشتين من جناح الذل ~~تنبيها للمعترض على أنه إذا حسن في القرآن ففي الشعر أولى، وأيضا فلا يخلو ~~منكر المجاز في القرآن من أحد أمرين: # إما أن يقول: هذه الألفاظ التي وقعت مجازا في القرآن، هي حقيقة في اللغة ~~العربية، فيجاب بما مر عن أبي الحسين من أن العرب: لا يستعملون مثل هذه ~~الألفاظ في مثل تلك المعاني إلا على جهة التجوز، والتوسع في الاستعمال مع ~~نصب القرينة على المراد، وليس هو كاستعمالهم الحقيقة في موضوعها. # وأما أن يقول: إن هذه الألفاظ في هذه المعاني حقيقة شرعية فيجاب بأنه لو ~~كانت حقيقة شرعية لسبق إلى أذهان أهل الشرع معانيها المذكورة كما سبق إلى ~~أذهانهم من لفظ الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، معانيها الشرعية، والحال ~~أن هذه الألفاظ التي وقعت في القرآن لا يدرك فهمها إلا بالقرينة والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان علامات المجاز فقال: # يعرف بالنقل وإن لا يطرد ... وفهمه بعد القرينة يرد # فما إلى الذهن من المعنى سبق ... فهو حقيقة به اللفظ أحق # وبالتزام قيده للفصل ... بعكسها مثل جناح الذل # وبتوقف على سواء ... لكونه في ms128 لفظه ضاهاه # مثاله تسمية الجزاء ... بالمكر، والجهاد، باعتداء # للمجاز علامات يعرف بها أحدها: نقل أئمة اللغة له بأن يقولوا: أن لفظ ~~الأسد مثلا مجاز في الرجل الشجاع، وإن الخمر مجاز في العصير، وإن العين ~~مجاز في الجاسوس، ونحو ذلك. # وثانيها: عدم الاطراد اعلم أن من حق الحقيقة؛ الاطراد أي إذا وضع لفظ ~~لشيء من لأشياء فحق ذلك اللفظ أن يطرد في جميع أفراد ذلك الشيء؛ كالإنسان ~~فإنه حقيقة في بني آدم، وهو مطرد في جميع أفرادهم بمعنى أنه يصح إطلاقه على ~~كل فرد من أفراد هذا الجنس ونحو ذلك، وأما المجاز فلا يصح اطراده في كل ما ~~PageV01P207 وجدت فيه تلك الصفة التي تجوز باللفظ لأجلها، ألا ترى أن الأسد ~~لما كان موضوعا للسبع الشجاع، وكان إطلاقه على الشجاع من غير هذا الجنس ~~مجازا، لم يطرد بل صح وصف الرجل الشجاع بأنه أسد، ولا يصح وصف كل مشجع من ~~الحيوان، بأنه أسد، ولا غيره من الحيوانات، وكذلك يوصف الرجل الطويل بأنه ~~نخلة، ولا يوصف كل طويل بذلك، وكذلك لا يصح أن يقال: واسأل البساط؛ والمراد ~~أهله هذا حاصل ما في المنهاج، وغيره من كتب الأصول، وذكر بعضهم أن عدم ~~الاطراد في المجاز يكون تارة واجبا، أي لا يصح اطراده أصلا نحو: { واسأل ~~القرية }، فلا يصح أن يقال: واسأل البساط، ويكون تارة جائزا أي يصح اطراده ~~لكن لا يجب ذلك فيه لثبوت التعبير عن أفراد المجاز للفظ بالحقيقي بخلاف ~~الحقيقة فإنها يجب اطرادها عنده لاحتياج المتكلم إليها إذ لا خلف عنها، ~~وجميع ذلك مشكل، أما ما ذكره صاحب المنهاج، وغيره فإشكاله متوجه من قبل ~~اعتبار نوع العلاقة لا شخصها، وصاحب المنهاج وغيره، يرون اعتبار نوع ~~العلاقة، وعدم صحة اطراد المجاز مبني على اعتبار شخص العلاقة لا نوعها، ~~وأما ما ذكره ذلك البعض فإنه مشكل من حيث أن الكلام في جواز الاطراد لا في ~~وجوبه، وأيضا فإن النحاة قد ذكروا ما يدل على صحة نحو: اسأل البساط فقد ذكر ~~ابن مالك في تسهيله ms129 أنه يجوز حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه في ~~إعرابه، وقسم ذلك إلى قياسي، وغير قياسي، وذكر أن ضابط ذلك أنه إن امتنع ~~استقلال المضاف إليه بالحكم فهو قياسي نحو: { واسأل القرية }، { وأشربوا في ~~قلوبهم العجل }، إذ القرية لا تسأل، والعجل لا يشرب، وإن لم # يمتنع ذلك فهو سماعي انتهى. وهو مصرح بجواز ما منعه الأصوليون، وحاصل ~~المقام أن عدم الاطراد في المجاز مبيني على اشتراط نقل أفراد المجازات، ~~واعتبار شخص العلاقة لا نوعها، والصحيح ما قدمت لك من اعتبار نوع العلاقة ~~PageV01P208 فقط فلا يكون عدم الاطراد على هذا علامة للمجاز، وقد جريت ~~بذكره في النظم مجرى جمهور الأصوليين، والصواب عدم ذكره، والله أعلم. # وثالثها: إن فهم المعنى من المجاز إنما يحصل بعد الوقوف على القرينة، ~~فإذا قال قائل: رأيت أسدا تبادر إذ المراد الحيوان المخصوص فإذا قال قائل: ~~رأيت أسدا على فرس، علمنا أن المرد به الرجل الشجاع، فما سبق إلى الذهن من ~~معنى اللفظ فهو حقيقة اللفظ؛ فالتبادر علامة للمجاز. # ورابعها: أن المجاز يلتزم تقييده للفرق بينه وبين الحقيقة، مثل جناح ~~الذل؛ أي لين الجانب، ونار الحرب أي شدتها، بعكس الحقيقة فإن الحقيقة لا ~~يلتزم تقييدها، وإن كانت مشتركة مثلا كعين جارية، وحاصل ما في المقام أن ~~الفرق بين المجاز والحقيقة المشتركة؛ هو التزام التقييد بالقرينة في ~~المجاز، وعدم التزامه في الحقيقة المشتركة. # وخامسها: أن بعض المجاز يتوقف صحة إطلاقه على ذكر الحقيقة؛ لكون للفظ ~~المجاز الحقيقة، فأطلق عليه لتلك المشابهة، وهذا يسمى بالمشاكل: وهي ~~التعبير عن الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته، تحقيقا نحو: { ومكروا ومكر ~~الله } فجازاهم الله على مكرهم، ونحو: { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه }، ~~أي فجاهدوه فأطلق المكر على المجازاة، وإطلاق الاعتداء على الجهاد؛ مجاز ~~لوقوع المجازاة في صحبة المكر، والجهاد في صحبة الاعتداء، وأما تقديرا نحو ~~قوله تعالى: { فأمنوا مكر الله }، فالمعنى والله أعلم: أفأمنوا حين مكروا ~~مكر الله؛ أي مجازاته على مكرهم فعبر عن المجازاة على المكر بالله لوقوعه ~~في صحبته تقديرا ms130 والله أعلم. # ثم إنه أخذ في تقسيم المجاز إلى لغوي وغيره فقال: # يكون في استعماله شرعيا ... ولغويا وأتى عرفا # من ثم قال بعضهم وهبتكا ... تجري لدى التزويج عن أنكحا # ينقسم المجاز إلى شرعي كالصلاة في الدعاء، والصيام في مطلق الإمساك، ~~PageV01P209 والحج في نفس القصد، فإن هذه الألفاظ قد نقلها الشرع عن معناها ~~اللغوي، وصارت وحقيقة شرعية في الأشياء التي سماها بها الشرع، فهي في ~~مسمياتها الأصلية مجاز شرعي، وإلى لغوي كإطلاق الصلاة، والصيام، والحج على ~~العبادات المخصوصة، فإن مسمياتها هذه الألفاظ في اللغة هي غير هذه العبادات ~~فإطلاقها على هذه العبادات مجاز لغوي، وإن صارت حقيقة شرعية فهذه الاسماء، ~~ونحوها تكون حقيقة لغوية في معناها اللغوي، وحقيقة شرعية في معناها الشرعي، ~~ومجازا شرعيا في موضوعها اللغوي، ومجازا لغويا في مسماها الشرعي، وإلى مجاز ~~عرفي كإطلاق الدابة على كل ما يدب من ذوات الأربع، وغيرها، فإن العرف خصص ~~اسم الدابة بذوات الأربع فإطلاقه عليها وعلى غيرها استعمال له في غير ما ~~وضع له عرفا، وهكذا في جميع ما نقله العرف إلى شيء مخصوص، ثم استعمل في غير ~~ذلك الشيء لعلاقة، وإنما صح لنا هذا التقسيم في المجاز بناء على أن المعتبر ~~في المجاز نوع العلاقة لا شخصها، ومن ها هنا قال بعض أصحابنا؛ وهو موسى بن ~~علي في رجل أنكح رجلا امرأة فقال: اشهدوا أن فلانا أدى إلى فلانة كذا، ~~وكذا، وعلى ظهره كذا، وكذا، وقد أعطيناه فلانة، أوقد وهبنا له فلانة اسم ~~المرأة، قال موسى وهو جائز، وقال أبو عبد الله محمد بن محبوب -رضي الله ~~عنه- أن قال المزوج قد زوجتك، أو ملكتك، أو أخطبتك، أو أنكحتك، فكل ذلك ~~جائز، وقال أبو المؤثر: أما قوله أنكحت، أو أملكت فثابت، وأما قوله أخطبت ~~فإن جاز بها لم أفرق بينها، وإن لم يكن جاز بها فأحب إلى أن يجدد النكاح، ~~فهذا أبو موسى بن علي -رضي الله عنه- أجاز في التزويج أملكتك، وأخطبتك، ~~وأجاز أبو المؤثر في التزويج أملكتك، وتوقف في ms131 أخطبتك، وجميع هذه الألفاظ ~~مجاز عن لفظ أنكحتك، وذلك أن لفظ الهبة، والعطية، والتمليك، إنما وضعت لملك ~~PageV01P210 الرقبة، ووضع النكاح لملك المتعة، وملك الرقبة سبب لملك ~~المتعة، ولما كان ملك الرقبة متعذرا في الحرة صرفت هذه الألفاظ إلى ملك ~~المتعة فهي من إطلاق اسم السبب على المسبب، وأما أخطبتك فموضوع للكلام ~~المقدم على التزويج المؤذن بإجابة ولي المرأة للزوج يقال خطبت فلانة من ~~فلان فأخطبنيها فهو سبب أيضا للتزويج وإطلاقه على النكاح من إطلاق السبب ~~على المسبب، لكن السببية هنا أضعف منها في الألفاظ، الأول: فلهذا توقف فيه ~~أبو المؤثر -رحمه الله- ولم يتوقف في أملكتك، لما تقدم وعلى هذا المذهب ~~الحنفية، وذهب بعض أصحابنا، والشافعية، إلى منع التجوز في عقد النكاح، قال ~~في الضياء: ومن وهب ابنته، أو ابنة عمه، أو من يلي نكاحه لرجل وقبل الرجل ~~المرأة، ودخل بها فليس هذا بنكاح ولو شهد الشهود على الهبة فالزوج لا يوهب ~~ويفرق بينهما، ولا تحل له أبدا، ولها صداق نسائها إذا دخل بها، وإنما كانت ~~الهبة للنبي -صلى الله عليه وسلم- خالصة وحاصل المقام أن مانع التجوز في ~~عقد النكاح من أصحابنا وغيرهم لم يمنعوا التجوز رأسا لكن منعوه في التزويج ~~لشيئين أحدهما قوله تعالى في امرأة وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ~~خالصة لك من دون المؤمنين ووجه استدلالهم من هذه الآية أن الهبة جعلها ربنا ~~تعالى خالصة لنبيه عليه الصلاة والسلام ومنعها من سائر المؤمنين وثانيهما ~~أن النكاح عقد شرع لمصالح مشتركة كالنسب وعدم انقطاع النسل والاجتناب عن ~~الزنا وتحصيل الإحصان واستمداد كل منهما في المعيشة بالآخر ووجوب النفقة ~~والمهر وحرمة المصاهرة وجريان التوارث ولفظ النكاح والتزويج واف بالدلالة ~~على هذه المقاصد لكونه منبئا عن الضم والاتحاد بينهما. # - وأجيب عن الأول: بأن خلوص المجاز واختصاصه بحضرة الرسول عليه الصلاة ~~والسلام في غاية البعد فالمراد إما الخلوص PageV01P211 في الحكم وهو عدم ~~وجوب المهر، وهو لا ينافي صحة العقد في حق غيره عليه الصلاة والسلام لأحد ~~غيره كما ms132 قال تعالى: { وأزواجه أمهاتهم } . # - وأجيب عن الثاني: بأنا لا نسلم أن شرعه لتلك المصالح بل للملك له ~~عليها، وإنما هي ثمرات تترتب على الملك بدليل لزوم المهر عليه عوضا عن ~~الملك، وكون الطلاق بيده؛ لأن مزيل الملك ليس إلا المالك، وإلا صح النكاح ~~بلفظين لا يدلان على الملك لغة وهما أنكحتك، وزوجتك فلان، يصح بما يدل عليه ~~أولى فإن قيل فينبغي أن لا يصح النكاح بهما لعدم دلالتهما على الملك. # أجيب: بأنه إنما يصح بهما؛ لأنهما صار بمنزلة العلم لهذا العقد فلا يضر ~~عدم دلالتهما على الملك، والله أعلم. # في بيان حكم المجاز فقال: # وحكمه إثبات ما قد قصدا ... به عموما أو خصوصا وردا # وصح نفيه وجاز أخذنا ... به إذا الأخذ به تعينا # وإن تكن قد أمكنت حقيقته ... لأنه مسلوكة طريقته # وأنه أولى من الإضمار ... والنقل في مقام الاعتبار # للمجاز أحكام منها ثبوت الحكم الذي قصد به من التجوز، سواء كان ذلك الحكم ~~خاصا نحو رأيت أسدا أو عاما نحو: لا أدخل دار فلان، حيث يتناول داره ~~بالملك، وبالإجارة، وبالعارية، اعلم أن بعض الشافعية ذهبوا إلى أن المجاز ~~لا عموم له؛ لأنه ضروري كالمقتضى والضروري لا عموم له؛ لأن ما ثبت ضرورة ~~تقدر بقدرها، والضرورة تندفع بلا عموم، وذهب الحنفية إلى ثبوت العموم ~~للمجاز كالحقيقة، وعلى ذلك أصحابنا -رحمهم الله تعالى- واستدلوا عليه بوجوه منها: # أن الصيغ المقترنة بأدلة العموم تفيد العموم مطلقا حقيقة كانت أو مجازا، ~~ومنها: أن المجاز أحد نوعي الكلام فكان مثل النوع الآخر في إفادة العموم، ~~والخصوص، ومنها: أن العموم للفظ ليس إلا لما يلحق به من دليل العموم لا ~~لكونه حقيقة، وإلا لكان PageV01P212 كل حقيقة عاما، واللازم باطل، فكذا ~~الملزوم، وأجابوا عن احتجاج بعض الشافعية بأن المجاز ضروري كالمقتضى بما ~~حاصله أنه إن أريد الضرورة من جهة المتكلم في الاستعمال بمعنى أنه لم يجد ~~طريقا لتأدية المعنى إلا بالتجوز إليه، فممنوع لجواز أن يترك الحقيقة مع ~~القدرة عليها، ويعدل إلى المجاز لأغراض بينت في فن ms133 البلاغة، لا لضرورة ~~ألجأته إلى ذلك، ولأن للمتكلم في أداء المعنى طريقين: # أحدهما: حقيقة، والآخر: مجاز، يختار أيهما شاء، وفي المجاز اعتبار لطيف، ~~لم يكن في الحقيقة، فيكون ذلك داعيا إلى اختيار التعبير به، ولأن المجاز ~~واقع في كلام الله تعالى علة الصحيح والعجز عليه تعالى عن التعبير بالحقيقة ~~وعن غيرها محال، وإن أريد الضرورة من جهة الكلام والسامع بمعنى أنه لما ~~تعذر العمل بالحقيقة، وجب الحمل على المجاز ضرورة لئلا يلزم إلغاء الكلام ~~فلا نسلم أن الضرورة بهذا المعنى تنافي العموم، فإنه يتعلق بدلالة اللفظ ~~وإرادة المتكلم، فعند الضرورة إلى حمل اللفظ على المجاز يجب أن يحمل على ما ~~قصده المتكلم، واحتمله اللفظ بحسب القرينة إن عاما فعام، وإن خاصا فخاص، ~~بخلاف المقتضى فإنه لازم عقلي غير ملفوظ، فيقتصر منه على ما يحصل به صحة ~~الكلام، ومن غير إثبات العموم الذي هو من صفات اللفظ مطلقا، ومن أحكام ~~المجاز أيضا صحة نفي المعنى الحقيقي عنه، فيصح أن يقال للجد ليس أب أي في ~~الحقيقة، لكنه أب مجازا، وكذا يصح أن يقال للشجاع ليس بأسد باعتبار أنه ليس ~~هو من أفراد جنس الحيوان المسمى بذلك، اعلم أنهم قالوا أن صحة نفي المعنى ~~الحقيقي عند العقل، وفي نفس الأمر عن المعنى المستعمل فيه علامة كون اللفظ ~~مجازا، وعدم صحته علامة كونه حقيقة، وقيدوا بنفس الأمر؛ لأن النفي ربما يصح ~~لغة، واللفظ حقيقة كما إذا أردت المبالغة في ذم زيد مثلا فتقول ليس زيد ~~بإنسان، واستشكل ما قالوه هنا بما إذا استعمل اللفظ الموضوع للعام في الخاص ~~بخصوصه، فإنه مجاز مع امتناع سلب معناه PageV01P213 الحقيقي عن الخاص. # وأجيب عن هذا الاستشكال: بأن الخاص من حيث هو خاص مقيد، ومعناه الحقيقي ~~مطلق، ولا امتناع في سلب المطلق عن المقيد بمعنى أنه ليس عين المقيد، ومن ~~أحكام المجاز أيضا أنه يجوز التمسك به، ويصح الأخذ بمدلوله، بل يجب ذلك إذا ~~قامت على إرادته، وإن كانت الحقيقة في اللفظ ممكنة أي إذا دلت القرينة على ms134 ~~أن المراد من هذا اللفظ معناه المجازي، وجب التمسك به في ذلك المعنى، وإن ~~كان المعنى الحقيقي ممكنا في ذلك اللفظ؛ لأن القرينة هي التي صرفت اللفظ عن ~~معناه الحقيقي إلى المعنى المجازي، وأيضا فإن المجاز أحد طريقي أدلة المعنى ~~كالحقيقة، وهو طريق مسلوك، والتعبير به كثير، فإذا قام الدليل على أنه ~~المراد من اللفظ فلا معنى للعدول عنه إلى غيره، وإن كان غيره هو الأصل، ولا ~~خلا في هذا المعنى بين الأصوليين، كما أنه لا خلاف بينهم في رد اللفظ إلى ~~معناه الحقيقي عند عدم الدليل الصارف له عن ذلك، لكن الخلاف فيما إذا دار ~~اللفظ بين الحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح فذهب أبو حنيفة إلى أنه يحمل ~~على الحقيقة؛ لأنها الأصل، والأصل لا يترك إلا لضرورة أي لضرورة تلجىء ~~السامع إلى تركه بحيث لم يجد سبيلا إلى الأخذ به، قلنا يكفي في العدول عن ~~الأصل دليل يترجح معه الظن بأن المراد غيره كما كان ذلك في كثير من الأدلة ~~الظنية، وذهب أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، إلى أنه يحمل على المجاز؛ لأن ~~المرجوح في مقابلة الراجح ساقط بمنزلة الحقيقة المهجورة، وقال البدر ~~الشماخي -رحمه الله تعالى- أنه لا يحمل على أحدهما إلا بقرينة لأن كل واحد ~~منهما له مرجح، ومراده بالقرينة ههنا القرينة التي تتعذر معها إرادة ~~الحقيقة رأسا، فأما إذا لم تكن تلك القرينة مانعة لإرادة الحقيقة أصلا، ~~وإنما كانت مرجحة للمجاز فقط، فمذهبه التوقف عن ترجيح واحد منهما على ~~الآخر، فأقول إن رجحانية المجاز بالقرينة الدالة على إرادته ولو لم تكن ~~مانعة من إرادة الحقيقة ظاهر، PageV01P214 فإنه وإن كانت الحقيقة هي الأصل، ~~فقد يترك الأصل بدليل والله أعلم، ومن أحكام المجاز أيضا أنه يرجح على ~~الإضمار، وعلى النقل في مقام التعارض. اعلم أنه إذا احتمل اللفظ الواحد أن ~~يكون مجازا، وأن يكون فيه إضمار؛ أي: تقدير محذوف، فحمله على المجاز أولى؛ ~~لأن المجاز أكثر استعمالا لا يصح الكلام معه إلا بتقدير، وكذا إذا احتمل ~~اللفظ الواحد أن ms135 يكون مجازا، وأن يكون منقولا، فحمله على المجاز أولى؛ لأن ~~النقل على استعمال ذلك اللفظ في معنى آخر، وهذا عسير، ومن ههنا منع النقل ~~من منع كما تقدم ذكره، أما المجاز فإن القرينة كافية فيه، وحصول العلاقة ~~مصحة لاستعماله هذا، وقيل الإضمار أولى من المجاز؛ لأن قرينته متصلة، وصحح ~~البدر الشماخي، وغيره، تساوي المجاز والإضمار، أي فلا يرجح أحدهما على ~~الآخر لاحتياج كل واحد منهما للقرينة، وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا قال ~~السيد لعبده: يا ولدي، فمن حمله على المجاز أوجب العتق حيث أطلق اسم ~~الملزوم الذي هو الولد على اللازم الذي هو الحرفان الحرية لازمة لبنوة ~~المالك، فكأنما قال له يا حر، ومن حمله على الإضمار لم يوجب العتق؛ لأن ~~المعنى معه يا من هو كولدي، وإذا احتمل اللفظ أن يكون من باب الإضمار، وأن ~~يكون منقولا فحمله على الإضمار أولى؛ لأنه أكثر استعمالا من النقل، وأيسر ~~وجودا، ولأنه سالم من نسخ المعنى الأصلي بخلاف النقل، وقيل إن حمله على ~~النقل أولى؛ لأنه لا يحتاج إلى قرينة بخلاف الإضمار، والأول أكثر، وأصح، ~~وإذا احتمل اللفظ أن يكون منقولا، وأن يكون مشتركا، فحمله على النقل أولى؛ ~~لأنه لا يحتاج إلى قرينة لتعيين معناه بخلاف الاشتراك فإنه لا يتعين المعنى ~~المراد منه إلا بقرينة تدفع مزاحمة الغير، فالنقل أولى من النقل، والمجاز ~~أولى PageV01P215 من الإضمار، وقد تقدم بيان رجحانية المجاز على الاشتراك ~~عند الكلام على حكم الحقيقة، وهذه الأربعة أعني: المجاز، والإضمار، والنقل، ~~والاشتراك، هي التي يقع باحتمالها في اللفظ التعارض بين # معانيه، وقد بينت لك وجه الترجيح فيها، قيل وقد يحتمل اللفظ مع هذه ~~الاحتمالات الأربعة احتمالا خامسا وهو: التخصيص أولى، والصحيح أنه نوع من ~~المجاز؛ لأنه قصر اللفظ عن جميع مدلولاته إلى بعض أفراده، وهو خلاف الوضع ~~الأصلي كما تقدم والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الحكمة في استعمال المجاز فقال: # والداعي لاستعماله بلاغته ... ونوعه البديع واستقامته # تلفظ زيادة البيان ... وحسن الاختراع للمعاني # من ذلك التعظيم والتحقير ... وإن ms136 نشا الترغيب والتنفير # اعلم أنه لما كانت الحقيقة هي الأصل، والمجاز خلفا عنها كانت أولى ~~بالاستعمال من المجاز، ولم يصح العدول عنها إلا لداع يرجح التعبير بالمجاز، ~~وذلك الداعي هو الحكمة التي لأجلها وقع التجوز، وهي أمور كثيرة منها أن ~~المجاز أبلغ من الحقيقة؛ أي أكثر بلاغة في الوصف وأوجز لفظا في العبارة، ~~فإن قولك رأيت أسدا يرمي أبلغ وصفا من قولك رأيت رجلا يرمي، وأوجز لفظا من ~~قولك رأيت رجلا بالغا في الشجاعة مبلغ الأسد، ومنها أن المجاز يتوصل به إلى ~~المحسنات البديعية من نحو السجع والمطابقة، والمجانسة، أما السجع فنحو لقيت ~~أسدا شاكي السلاح، فتعاطينا الرماح، وأما المطابقة وهي الجمع بين شيئين ~~متضادين، نحو: فليضحكوا قليلا، وليبكوا كثيرا وأما المجانسة، وهي تشابه ~~الكلمتين في اللفظ مع اختلاف المعنى فكقول الشاعر: # إلى حتفي سعى قدمي ... أرى قدمي أراق دمي PageV01P216 وجميع أنواع البديع ~~إنما تتيسر غالبا بالمجاز دون الحقيقة، وهذا معنى قول المصنف، ونوعه البديع ~~واستقامته، فالهاء من استقامته عائدة إلى نوعه البديع إذ المعنى أن الداعي ~~إلى استعمال المجاز بلاغته، وحصول نوعه البديع في الكلام بخلاف الحقيقة، ~~وذلك نحو استعارة بحر من المسك موجه الذهب لفحم فيه جمر موقد فيفيد لذة ~~تخييلية، وزيادة شوق إلى إدراك معناه فيوجب سرعة التفهم، بخلاف قولك فحم ~~عليه جمر، ومنها أن التعبير بالمجاز يكون فيه زيادة بيان عن التعبير ~~بالحقيقة، فإن قولك رأيت أسدا بين في الدلالة على الشجاعة من قولك رأيت ~~شجاعا؛ لأن ذكر الملزوم بينة على وجود اللازم وفي المجاز أطلق اسم الملزوم ~~على اللازم، فاستعمال المجاز يكون دعوي بالبينة، واستعمال الحقيقة يكون ~~دعوى بلا بينة، وأيضا فمطابقة اللفظ لتأدية تمام المراد إنما يحصل بالمجاز ~~دون الحقيقة؛ لأن الألفاظ الحقيقية متساوية في الدلالة عند العلم بالوضع؛ ~~وعدمها عند عدمه؛ وإنما يمكن بالدلالات العقلية؛ والألفاظ المجازية؛ ~~لاختلاف مراتب اللزوم في الوضوح، والخفاء، فإذا قصد مطابقة تمام المراد، ~~وتأدية المعنى بالعبارات المختلفة في الوضوح يعدل عن الحقيقة إلى المجاز ~~ليتيسر ذلك، ومنها أن ms137 المجاز يتيسر به اختراع المعاني اللطيفة، والنكت ~~البديعة الظريفة، فمن ذلك التعظيم كاستعارة أبي سعيد لرجل عالم فإنه يدل ~~على كثرة علمه، فيحصل تعظيمه بذلك، ومن ذلك أيضا التحقير كاستعارة الهمج، ~~وهو صغار الذباب للجهال من الناس، ومن ذلك أيضا ترغيب السامع كاستعارة ماء ~~الحياة لشيء من المشروبات، ومن ذلك أيضا تنفير السامع كاستعارة السم لشيء ~~من المطعومات، وهذه الأشياء التي ذكرها المصنف منها ما يكون راجعا إلى ~~اللفظ، كالتجنيس ونحوه، ومنها ما يكون راجعا إلى المعنى كالتعظيم وما بعده، ~~وبقي من دواعي استعمال PageV01P217 المجاز أشياء لم يذكرها المصنف، منها أن ~~الحقيقة قد تكون وحشية تمجها الاسماع كالخنفقيق، # فيعدل عنها إلى المجاز لنزاهته وذلك نحو قوله تعالى: { ما لم تمسوهن }، ~~نزاهة لم تكن في قول القائل مالم تولجوا الذكر في الفرج، ومنها غير ما ~~ذكرناه أيضا وبما ذكرناه والله أعلم. # { ذكر الحروف } # والمراد بها الحروف المعنوية، اعلم أنه قد جرت العادة بالبحث عن معاني ~~بعض الحروف، والظروف، وذكرها الحنفية في كتبهم عقيب بحث الحقيقة، والمجاز ~~لدلالتها على معان وبعضها مجاز يتوقف شطر من المسائل الفقهية عليها، وكثيرا ~~ما يسمي الجميع حروفا تغليبا، أو تشبيها، للظروف بالحروف في البناء، وعدم ~~الاستقلال، والأول أوجه لما في الثاني من الجمع بين الحقيقة، والمجاز، أو ~~إطلاقا للحروف على مطلق الكلمة. # وللمجاز وسواه تنقسم ... تلك الحروف مثل سائر الكلم # أي تنقسم الحروف المعنوية إلى مجاز، وإلى حقيقة كانقسام سائر الكلم ~~العربي إلى ذلك، أي فكما أن الألفاظ العربية غير الحروف تكون تارة في ~~استعمالها حقيقة، وأخرى مجازا فكذلك الحروف المعنوية؛ لأنها نوع منها، ~~وحكمها حكمها، أما حروف المباني فإنها لا تنقسم إلى ذلك؛ لأنها أجزاء كلمة ~~كحروف زيد لا نوع من الكلم كحروف المعاني مثال ذلك أن الواو مثلا حقيقة في ~~مطلق الجمع، مجاز في الحال، والفاء حقيقة في التعقيب، مجاز في التراخي، وفي ~~ملحق الجمع، وثم حقيقة في التراخي، مجاز في التعقيب، وفي مطلق الجمع أيضا، ~~وهكذا، وحاصل المقام أن المجاز الإفرادي ثابت في ms138 الحروف المعنوية، وفي ~~المشتقات أيضا بطريق الأصالة عند الأصوليين PageV01P218 وهو فيهما بطريق ~~التبعية عند البيانيين، فإن التجوز فيما ذكر عندهم إنما هو تبعية التجوز في ~~المصدر، والمتعلق، ومنع الرازي المجاز الإفرادي في الحرف فقال لا يكون فيه ~~مجاز إفراد لا بالذات، ولا بالتبع؛ لأنه لا يفيد إلا بضمه إلى غيره، فإن ضم ~~إلى ما ينبغي ضمه إليه فهو حقيقة، أو إلى ما ينبغي ضمه إليه، فمجاز تركيب، ~~قال النقشواني من أين إنه مجاز تركيب بل ذلك الضم عليها، ومنع الرازي أيضا ~~الفعل، والمشتق، كاسم الفاعل، فقال لا يكون فيهما مجاز إلا بالتبع للمصدر ~~الذي هو أصلهما، فإن كان المصدر حقيقة فلا مجاز فيهما وهو موافق للبيانيين ~~في ذلك، لكن اعترض عليه بالتجوز بالفعل الماضي عن المستقبل نحو: { ونادى ~~أصحاب الجنة }، أي ينادي والعكس نحو: { واتبعوا ما تتلوا الشياطين }، أي ~~تلته من غير تجوز في أصلهما، وبأن الاسم المشتق قد يراد به الماضي، ~~والمستقبل من غير تجوز في أصله أيضا، قال المحلى: وكان الإمام يعني الرازي ~~فيما قاله نظر إلى الحديث مجردا عن الزمان والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان تلك الحروف المشار إليها فقال: # { حروف العطف } # فالواو قل لمطلق الجمع بلا ... معية ودون ترتيب تلا # فيحنث الفاعل ما قد حلفا ... عليه إن كان بواو عطفا # إن أخر المعطوف أو قدمه ... أوقرن الفعلين فليعلمه # وتستعار الواو للحال كما ... في اعتق فلانا وعلي ما نما # فإنه يلزمه أن اعتقه ... جميع ما كان عليه أنفقه # الواو حقيقة في مطلق الجمع؛ أي جمع الأمرين فصاعدا وتشريكهما في الشيء ~~كان ذلك الشيء ثبوتا نحو قام زيد؛ وقعد عمرو؛ أو حكما نحو: قام زيد؛ وعمرو ~~أو ذاتا نحو قام وقعد عمرو؛ فالواو في جميع هذه الأمثلة إنما هي لمطلق ~~الجمع بين معطوفيها، وتشريكهما في ذلك الشيء من غير دلالة PageV01P219 على ~~معية أو ترتيب، بل إذا أريد واحد من المعية والترتيب جيء له بقرينة تدل ~~عليه، وعند الإطلاق فلا تفيد إلا مطلق الجمع على حسب ما ms139 مر، هذا قول ~~الجمهور، وقيل: إنها تفيد المعية أيضا، ونقل هذا القول عن مالك، ومعنى ~~المعية هي مقارنة المتعاطفين وجودا في الزمان، وقيل: إنها تفيد الترتيب ~~أيضا، ونقل هذا القول عن الشافعي، ونسب إلى أبي حنيفة، ومعنى الترتيب: هو ~~تأخر المعطوف عن المعطوف عليه في الزمان، قال الأزميري: "ولهذا قالوا: ~~الترتيب واجب في حق أعضاء الوضوء لاقتضاء الواو في آية الوضوء الترتيب"، ~~قال: "والمشهور أنهم استدلوا على وجوب الترتيب بالفاء المذكورة فيها"، ~~وأجاب عن استدلالهم بذلك أيضا بأن الواو لمطلق الجمع بلا دلالة على ~~الترتيب، والفاء دخل على الجملة التي لا ترتيب بين أجزائها؛ فيفيد تعقيب ~~هذه الجملة للقيام إلى الصلاة، ونحن نقول به، وكلامنا في ترتيب الأجزاء، ~~ولا دليل عليه، والحجة للجمهور على ذلك أمور، منها ما ذكره الرضي من أنه ~~يحتمل أن يكون الفعل من نحو قولك: جاء زيد وعمرو، حصل من كليهما في زمان ~~واحد، وأن يكون حصل من زيد أولا ومن عمرو ثانيا، فهذه احتمالات عقلية، لا ~~دليل في الواو على شيء منها، ومنها النقل عن أئمة اللغة، حتى ذكر عن أبي ~~علي دعوى الإجماع على ذلك، قيل: وقد نص عليه سيبويه في خمسة عشر موضعا من ~~كتابه، ومنها الاستقراء # فإنما نجد الواو مستعملة في مواضع لا يصح فيها الترتيب ولا المقارنة، ~~والأصل في الإطلاق الحقيقة، وذلك مثل: تشارك زيد وعمرو، واختصم بكر وخالد، ~~والمال بين زيد وعمرو، وجاءني زيد وعمرو قبله أو بعده وأمثالهما، ومنها ~~أنهم ذكروا أن الواو بين الاسمين المختلفين بمنزلة الألف بين الاسمين ~~المتحدين، فكما لا دلالة لمثل: جاءني رجلان على المقارنة والترتيب ~~بالإجماع، فكذا جاءني رجل وامرأة، وكذا الواو وكذا الواو بين الأسماء ~~المتحدة لا يدل على المقارنة والترتيب، PageV01P220 مثل: مسلمون، فكذا بين ~~الأسماء المختلفة، نحو جاءني زيد وعمرو وبكر، والمراد بالاتحاد هاهنا هو ~~الاتحاد الظاهري، فإذا ظهر لك مما ذكرناه أن الواو العاطفة لمطلق الجمع من ~~غير معية، ولا ترتيب؛ فاعلم أنه إذا حلف حالف بأنه لا يأكل التمر والزبيب ms140 ~~مثلا، فأكلهما؛ كان حانثا في يمينه سواء أكلهما معا في حال واحد أو أكل ~~التمر أولا والزبيب ثانيا على الترتيب، مع مهلة أو مع عدمها، أو أكل الزبيب ~~أولا والتمر ثانيا؛ ففي كل هذه الأحوال يكون حانثا إلا إذا قيد بمعية أو ~~ترتيب، كأن يقول: لا آكل التمر والزبيب معه أو بعده أو قبله؛ فإنه لا يحنث ~~إلا إذا فعل ما حلف عليه من ذلك، وكذلك لا يحنث أيضا إذا أكل التمر دون ~~الزبيب أو الزبيب دون التمر؛ لأنه إنما حلف على أن لا يشركهما في الأكل، ~~فإذا لم يشركهما في الأكل فلا حنث عليه، وكذلك لا يحنث أيضا إذا قال ~~لزوجته: إن قام زيد وقعد عمرو فأنت طالق، فقام زيد ولم يقعد عمرو أو قعد ~~عمرو، ولم يقم زيد فلا تطلق زوجته بذلك؛ لأنه إنما علق طلاقها بثبوت القيام ~~من زيد والقعود من عمرو، فإن ثبتا وقع الطلاق سواء قام زيد قبل قعود عمرو، ~~أو قعد عمرو قبل قيام زيد أو كان ذلك منهما في حال واحد، وكذلك يحنث أيضا ~~إن قال لها: إن قام وقعد زيد فأنت طالق، فقام زيد ولم يقعد أو قعد ولم يقم؛ ~~فإنها لا تطلق إلا إذا ثبت من زيد قيام وقعود بعد الحلف سواء # قدم القيام على القعود، أو القعود على القيام، فإن فعلهما معا طلقت، ~~والله أعلم. # وتستعار الواو للحال؛ لأن الواو لمطلق الجمع والاجتماع الذي بين الحال، ~~وصاحبها من محتملات ذلك الجمع. # اعلم أن الأصل أن لا تدخل الجملة الواقعة حالا لتعلقها بالجملة الأولى ~~معنى، والتعلق المعنوي يغني عن الرابط، كما في: اضرب زيدا راكبا إلا أنها ~~لما كانت لمطلق الجمع والاجتماع الذي بين الحال، وصاحبها من محتملات ذلك ~~الجمع المطلق جاز استعارتها لمعنى الحال، فاستعارتها له عند الاحتياج إلى ~~ذلك، PageV01P221 وذلك نحو قول القائل لصاحبه: اعتق غلامك فلانا وعلي ~~قيمته، فإنه يلزم القائل قيمة الغلام إن أعتقه سيده لأجل قوله ذلك؛ لأن ~~الواو في قوله: وعلي قيمته للحال، إذ لا ms141 وجه للعطف هاهنا؛ لأن الجملة ~~الأولى فعلية طلبية، والثانية اسمية خبرية، وبينهما كمال الانقطاع، ~~والأحوال شروط لكونها مقيدة كالشرط، فمعنى قولك: اعتق فلانا وعلي قيمته: ~~اعتقه حال كوني ضامنا لقيمته، قال الأزميري: "واختلفت مسائلهم" يعني ~~الحنفية "على هذا الأصل" أي كون الواو للعطف تارة وللحال لا غير اتفاقا، أي ~~من أبي حنيفة وصاحبيه، وقسم يحتمل الأمرين بالاتفاق، وقسم مختلف فيه بين ~~أبي حنيفة وصاحبيه، فعند أبي حنيفة ليست هي للحال، وعندهما هي فيه للحال، ~~قال: " أما الأول: فنحو: أد إلي ألفا وأنت حر"، قال: "فإنه لا ينعتق ما لم ~~يؤد الألف؛ لأن جواز العطف مشروط باتفاق الجملتين خبرا وطلبا، وقد عدم هنا؛ ~~لأن الجملة الأولى طلبية والثانية خبرية؛ فامتنع العطف، فيجعل الواو للحال ~~فرارا من الإلغاء، وإذا جعلت الواو للحال%، والأحوال شروط لكونها مقيدة، ~~كالشرط تعلقت الحرية بالأداء تعلق الطلاق بالدخول في قوله: إن دخلت الدار ~~فأنت طالق؛ فصار كأنه قال: إذا أديت إلي ألفا فأنت حر. # - وأما الثاني: فكقول من قال لامرأته: أنت طالق وأنت تصلين أو أنت مصلية، ~~فإنهم قالوا: أنه لعطف الجملة فيقع الطلاق في الحال؛ لأن كل واحدة من ~~الجملتين كلام تام بنفسه، والعمل بالحقيقة ممكن؛ فيكون للعطف، وحينئذ يتقيد ~~الطلاق بالصلاة لكن يحتمل أن تكون الواو للحال؛ لأن الصلاة تصلح ان تكون ~~شرط كالطلاق، فإذا نوي الحال صحت نيته ديانة، وصار كأنه قال: أنت طالق في ~~حال صلاتك، ولكن لا يصدق قضاء؛ لأنه خلاف الظاهر، وفيه تخفيف عليه. # - وأما الثالث: فكقول الرجل لآخر: خذ هذا المال، واعمل به مضاربة في ~~PageV01P222 البز، فإنهم قالوا: إن هذه الواو لعطف الجملة، ولا يحتمل ~~الحال؛ لأن العمل لا يكون إلا بعد الأخذ، فلا يمكن أن يتقيد الأخذ به، فلا ~~يصير العمل شرطا بل يصير مشورة، والمضاربة تبقى عامة. # - وأما الرابع: فمثل قول المرأة: طلقني ولك ألف درهم، فإنهم اختلفوا فيه؛ ~~فحمله أبو يوسف ومحمد على المعاوضة حتى إذا طلقها وجب الألف، وحمله أبو ~~حنيفة على عطف الجملة"، ناتهى المراد ms142 من كلام الأزميري مع اختصار، وبعض ~~تصرف، وجميع هذه الأقسام الأربعة التي ذكرها في هذا الباب غير خارجة عن ~~الصواب، ولا منافية لقواعد الأصحاب، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان حكم الفاء، فقال: # والفاء للتعقيب فالحنث انتفى ... إن فصلت أو قدمت ما عطفا # أو قرنا وقد أتت للعلة ... واستعملت في غير ذا لنكتة # الفاء حقيقة للتعقيب، وهو عبارة عن كون وجود معطوفها بعد وجود ما عطفت ~~عليه بعدية زمانية بغير مهلة، سواء كانت للعطف أو لربط جملة الجواب بالشرط، ~~وتكون تلك البعدية في كل شيء بحسبه، فيقال: تزوج فلان؛ فولد له، إذا لم يكن ~~بينهما إلا مدة الحمل، وإن كانت مدة طويلة، ويقال: دخلت البصرة فبغداد، إذا ~~لم يقم في البصرة ولا بين البلدين، ثم العاطفة إن عطفت مفردا على مفرد، ~~تفيد أن ملابسة المعطوف لمعنى الفعل المنسوب إليه حاصلة له بعد ملابسة ~~المعطوف عليه بلا مهلة، فمعنى قولك: قام زيد فعمرو: حصل قيام عمرو عقيب ~~قيام زيد بلا فصل، وإن دخل على الصفات المتتالية والوصوف واحد، فالترتيب ~~ليس في ملابستها لمدلول عاملها، كما كان في نحو قولك: قام زيد فعمرو، وإنما ~~هو في مصادر تلك الصفات، وذلك نحو قولك: جاءني زيد الآكل فالشارب فالنائم، ~~أي الذي يأكل فيشرب فينام، وإن لم يكن الموصوف واحدا فالترتيب في تعلق ~~مدلول العامل بموصوفاتها كما في الجوامد، وذلك نحو قولهم في صلاة الجماعة: ~~"يقدم الأقرء فالأفقه فالأقدم هجرة فالأسن، PageV01P223 وإن عطفت جملة على ~~جملة، أفادت كون مضمون الجملة التي بعدها عقيب مضمون الجملة التي قبلها بلا ~~فصل، وذلك نحو: قام زيد فقعد عمرو. # * وقد تفيد فاء العطف في الجمل كون المذكور بعدها كلاما مرتبا في الذكر ~~على ما قبلها، كقوله تعالى: { فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى ~~المتكبرين } (النحل: 29)، وهذا يسمى بالترتيب الذكري، ومن هذا القبيل عطف ~~المفصل على المجمل، فإذا عرفت أن الفاء للتعقيب، وظهر لك معنى التعقيب ما ~~هو، فاعلم أنه لا حنث على من حلف على زوجته مثلا ms143، فقال لها: إن كلمت زيدا ~~فعمرا فأنت طالق مثلا، إذا كلمت زيدا، ثم فصلت بزمان طويل، ثم كلمت بعد ذلك ~~عمرا فلا تطلق عليه بذلك لعدم التعقيب في فعلها، وهو إنما حلف على التعقيب، ~~وكذلك إن كلمت عمرا قبل زيد أو كلمتهما معا بكلام واحد في حال واحد؛ فلا ~~تطلق منه زوجته في جميع ذلك لعدم التعقيب في الصور كلها، وهذا معنى قول ~~المصنف: "فالحنث انتفى إن فصلت أو قدمت ما عطفا أو قرنا"، أي لا حنث عليه ~~إن حلف عليها أن تفعل شيئين معطوف أحدهما على الآخر بالفاء، ففصلت هي بين ~~المتعاطفين بمهلة، أو قدمت المعطوف على المعطوف عليه، أو قرنتهما معا، ~~وإنما يكون الحنث فيما لو فعلت المعطوف عليه أولا والمعطوف ثانيا من غير ~~مهلة وتراخ، وكذلك لا حنث عليه أيضا إن فعلت واحدا من المتعاطفين دون ~~الآخر؛ لأن الحلف إنما وقع على فعلهما معا متعاقبين، وقد عرفت مما مر أن ~~تعقيب كل شيء إنما يكون بحسبه، فلا يسمى بالفصل بما لا بد منه في أحد ~~المتعاطفين مهلة، فمدة الحمل بين التزويج والولادة لا تخل بالتعقيب، إذ لا ~~بد للولادة منها، ومدة المسير من البصرة إلى بغداد لا تخل بالتعقيب أيضا، ~~إذ لا يحصل دخول بغداد بعد دخول البصرة إلا بالمسير إليها. # * وقد تكون للتعليل، فتدخل تارة على حكم العلة، نحو دخل الشتاء فتأهب، ~~وتخص فيه باسم: السببية، PageV01P224 فيقال لها: فاء السببية، وتدخل تارة ~~على نفس العلة إذا دامت تلك العلة، كما يقال لمن هو في قيد ظالم: أبشر فقد ~~أتاك الغوث، فإن الغوث بعد ابتداء الإبشار باق، وهو علة للإبشار، وتسمى في ~~هذا المواضع: فاء التعليل، وهي في الحالين غير خارجة عن حكم التعقيب خلافا ~~لمن زعم أن فاء السببية لا تستلزم التعقيب، مستدلا بصحة قولك: إن يسلم فهو ~~يدخل الجنة، ومعلوم ما بينهما من المهلة. وأجيب: بأن الفاء في ذلك بمعنى: ~~ثم مجازا، كما في قوله تعالى: { ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة ~~فخلقنا المضغة ms144 عظاما فكسونا العظام لحما } (المؤمنون: 14). # وقد فرعت الحنفية على كل واحد من فاء السببية وفاء التعليل فروعا، فمن ~~تفريعهم على فاء السببية قول القائل: فهو حر، في جواب من قال: بعت منك هذا ~~العبد بكذا، قالوا: هو قبول للبيع وإعتاق للعبد؛ لأنه ذكر الحرية بحرف ~~الفاء عقيب الإيجاب، وهي للترتيب، ولا يترتب العتق على الإيجاب إلا بعد ~~ثبوت القبول؛ فيثبت ذلك بطريق الاقتضاء، بخلاف ما إذا قال: هو حر، بلا فاء، ~~أو هو حر، بالواو؛ فإن قوله بذلك لا يوجب قبولا للبيع لعدم ما يفيد ~~التعقيب، ومن ذلك أيضا ما قالوه فيمن قال لخياط: انظر إلى هذا الثوب ~~أيكفيني قميصا، فنظر، فقال: نعم، فقال: فاقطعه، فقطعه، فإذا هو لا يكفيه، ~~قالوا: إن الخياط يضمن ما نقص؛ لأن الفاء للتعقيب، فبذكره يتبين أنه شارط ~~للكفاية في القطع؛ لأنه أمره بقطع مرتب على الكفاية، فصار كأنه قال: إن ~~كفاني قميصا فاقطعه، والمعلق بالشرط معدوم قبل وجوده، فإذا لم يكفه كان ~~القطع بغير إذنه، فيكون ضامنا، بخلاف ما لو قال: اقطعه، فقطعه وهو لا ~~يكفيه؛ فإنه لا يضمن. # ومن تفريعهم على فاء التعليل ما قالوه فيمن قال لعبده: أد لي ألفا، فأنت ~~حر، أنه يعتق حالا، وتقديره عندهم: أد إلي ألفا لأنك حر. ومن ذلك أيضا ما ~~قالوه فيمن قال لحربي: انزل فأنت آمن، أنه آمن نزل أو لم ينزل، وتقديره ~~عندهم: انزل لأنك آمن، وهي تفريعات مطابقة للحق وموافقة للصدق، PageV01P225 ~~وقواعد الأصحاب شاهدة لها بذلك، والله أعلم. # وقد تخرج الفاء عن حقيقتها التي هي للتعقيب، فتستعمل مجازا، بمعنى الواو ~~في نحو: جاء زيد فعمرو قبله، أي: وجاء عمرو قبله، وبمعنى: ثم، كما في قوله ~~تعالى: { ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما ~~فكسونا العظام لحما } (المؤمنون: 14)، لأن بين خلق هذه الأشياء مدة من ~~الزمان. # ومن التفريع عليها، وهي بمعنى الواو قول القائل: لفلان علي درهم فدرهم، ~~قال بعض الحنفية: يلزمه درهمان؛ لأن الفاء للترتيب، ولا يمكن رعايته بين ~~العينين ms145، بل بين الفعلين، والدراهم في الذمة في حكم العين، فلا يتصور فيها ~~الترتيب، فتجعل الفاء مجازا عن الواو لمشاركتها في نفس العطف. وقال ~~الشافعي: "في هذه الصورة يلزمه درهم واحد؛ لأن الحقيقة قد تعذرت لا محالة، ~~فيحمل على جملة مبتدأة محذوفة المبتدأ؛ لتأكيد مضمون الجملة الأولى، كأنه ~~قال: فهو درهم"، والقول الأول من القولين هو الأصح؛ لأنه الظاهر من كلام ~~المقر، ولأنه مجاز، وفي قول الشافعي إضمار، والمجاز أولى من الإضمار على ~~حسب مامر في محله، والله أعلم. ومن التفريع على مجيئها بمعنى: ثم مجازا قول ~~القائل لزوجته: إن دخلت دار زيد فدار عمرو بعد شهر أو يوم فأنت طالق، فإنها ~~لا تطلق إذا دخلتها على التعقيب، وإنما تطلق إذا دخلت الدارين على الترتيب ~~الذي حده لها؛ لأن الفاء في كلامه بمعنى: ثم، لقرينة قوله: بعد شهر أو نحو ~~ذلك، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان حكم ثم، فقال: # وثم للمهلة والترتيب ... فالحنث لا يكون بالتعقيب # ولا بتقديم ولا قران ... واستعملت في غير ذي المعاني # اعلم أن ثم حقيقة في المهلة والترتيب المعبر عنها بالتراخي، والمراد ~~بالمهلة: بفتح الميم: التأني حتى يكون بين المتعاطفين مدة من الزمان لا ~~تعلق به لأحدهما، والملااد بالترتيب: هو كون التأني واقعا بعد الأول، فإذا ~~عرفت هذا، فاعلم أنه لا حنث على من حلف أن لا يأكل تمرا ثم خبزا، فأكلهما ~~PageV01P226 متعاقبين بلا مهلة بينهما، وكذلك إن أكل الخبز قبل التمر لعدم ~~الترتيب هنالك، وكذلك إن أكلهما معا في حال واحد؛ فلا حنث عليه في جميع هذه ~~الصور، وهو معنى قول المصنف: "فالحنث لا يكون بالتعقيب ولا بتقديم ولا ~~قران"، أي لا يحنث الحالف أن لا يفعل كذا ثم كذا بما إذا فعلهما متعاقبين، ~~ولا بما إذا قدم الثاني منهما، ولا بما إذا قرن بينهما في الفعل، وإنما ~~يحنث بما إذا فعلهما على التراخي مقدما الأول ثم الثاني على التريب، فقول ~~اقائل: وقفت هذه الضيعة على أولادي ثم أولاد أولادي بطنا بعد بطن، إنما ms146 ~~يكون الإيقاف على الترتيب، فيكون أولا لأولاده، فإذا انقرضوا يكون لأولاد ~~أولاده وهكذا، والمهلة هاهنا إنما هي بين كون المال لأولاده من أول الأمر، ~~وبين كونه لأولاد أولاده وهكذا، فإن بين الكونين زمانا، وقد يقال إن المهلة ~~هاهنا متعذرة؛ لأن الزمان الذي بين الكونين إنما هو كمدة الحمل في قولك: ~~تزوج زيد فولد له، فثم في المسألة بمعنى الفاء مجازا، لكن لا بد من رعاية ~~الترتيب فيها خلافا لما قاله بعض قومنا من إنها هنالك بمعنى الواو، قال ~~المخالف: إن قول القئل: بطنا بعد بطن، بمعنى ما تناسلوا، أي للتعميم، قلنا: ~~مسلم ذلك، لكن التعميم على الترتيب فيعم البطن الأول مادام لهم ثم البطن ~~الثاني وهكذا، وثمرة الخلاف: هل لأولاد أولاده نصيب في ذلك المال مع وجود ~~أولاده؟ فالمخالف # يقول: لهم ذلك، ونحن نقول: لا، وعليه كثير من قومنا، وكذلك إن قال ~~لزوجته: إن أكلت تمرا ثم خبزا ثم لحما، فأكلت الجميع على الترتيب من غير ~~مهلة بين الأكلين، أو قرنت الجميع في الأكل، أو قدمت المؤخر من ذلك، أو ~~أكلت شيئا دون شيء، فإنها لا تطلق في جميع ذلك ما لم ينو الطلاق بذلك، ~~وإنما تطلق بما إذا أكلت الأول ثم الثاني ثم الثالث على التراخي، كما هو ~~ظاهر الأثر، وبه أفتى القطب متعنا الله بحياته، فلا عبرة بخلاف من نازعنا ~~في ذلك، وإن كان غير خارج عن محل الاجتهاد، ولكن الصحيح في باب PageV01P227 ~~الحكم هو ما قدمته لك جريا على حقيقة ثم، إذ لا سبيل إلى العدول عن الحقيقة ~~إذا أمكنت إلا بقرينة تدل على أن المراد غيرها، كما مر تحقيقه، وتستعمل ثم ~~مجازا بمعنى الفاء، كما في قول الشاعر: # كهز الردينى تحت العجاج ... جرى في الأنابيب ثم اضطرب # إذ المعنى: فاضطرب، إذ ليس بين الجري في الأنابيب وبين اضطراب الرمح ~~مهلة، وتستعمل أيضا بمعنى الواو مجازا، كما في قوله تعالى: { خلقكم من نفس ~~واحدة ثم جعل منها زوجها } (الزمر: 6) (1)، والجعل قبل خلقنا، وكما قوله - ~~صلى الله عليه ms147 وسلم - : "من حلف على يمين، ورأى غيرها خيرا منها؛ فليكفر عن ~~يمينه، ثم ليأت بالذي هو خير"، وإنما حملناه على ذلك عملا بالرواية الأخرى، ~~"فليأت بالذي هو خير، ثم ليكفر عن يمينه"، فإن ثم في هذه الرواية على ~~حقيقتها، إذ الكفارة واجبة بعد الحنث إجماعا، وهذه الرواية هي المشهورة، ~~ولا تعارضها الرواية الأولى؛ لأنها غير مشهورة، وقد أشكل على بعض النحاة ~~وجه مجيء ثم بمعنى الفاء، فأنكر إفادتها المهلة لذلك، وأشكل على بعضهم وجه ~~مجيئها بمعنى الواو، فأنكر إفادتها الترتيب لذلك، والحق أن مجيئها للتراخي ~~هو حقيقة وضعها، وأن مجيئها لغير ذلك مجاز، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان حكم: بل، فقال: # وبل للإعراض عن المعطوف ... عليه مع تدارك المخوف # فيثبت الأخير إن قال علي ... فلس بل اثنان لذياك الفتي # وتثبت الثلاث إن طلقها ... واحدة بل اثنتين عقها # __________ # (1) - المؤلف كتب الآية بالشكل التالي: "هو الذي خلقكم من نفس واحدة ثم ~~جعل منها زوجها". وهو تصحيف، فليتأمل. # اعلم أن لفظ بل موضوع للإعراض عن المعطوف عليه مع تدارك الحكم، وثبوته ~~للمعطوف سواء كان في حيز الإثبات، كقام زيد بل عمرو، ولا تضرب زيدا بل ~~عمرا، أو في حيز النفي، كما جاء زيد بل عمرو، ولا تضرب زيدا بل عمرا، ~~فالمعطوف عليه في هذه الأمثلة ونحوها إنما هو في حكم المسكوت عنه، بمعنى ~~أنه لم يتعرض له بإثبات ولا نفي، وهذا معنى PageV01P228 الإضراب، وإن فسره ~~قوم بغير ذلك، وإذا وقع قبل بل لا كان نصا في نفي الأول، كجاء زيد لا بل ~~عمرو، ثم إن هذا الإضراب إنما يكون فيما يحتمل الرجوع عنه، كالأخبار وبعض ~~الإنشآت اللغوية، ولا يكون في الإنشآت الشرعية؛ لأنه لا يصح الرجوع عنها ~~بعد ثبوتها، فقول القائل لزوجته: أنت طالق واحدة بل اثنتين يثبت به ثلاث ~~طلقات؛ لأن قوله: أنت طالق واحدة إنشاء شرعي، لا يمكن الرجوع عنه، فهي ~~تطليقة واحدة، وقوله: بل اثنتين تطليقتان أخريان، فيصير الجميع ثلاثا، ~~وعليه ما في الأثر، فإن قال: أنت طالق ms148 غدا لا بل اليوم، فهي تطليقتان بخلاف ~~ما إذا قال: علي لفلان درهم بل درهمان، فإنه إنما يجب عليه درهمان فقط؛ لأن ~~المراد بمثل هذا الكلام عدة التدارك بنفي انفراد ما أقر به أولا، لا بنفي ~~أصله، كيف وأصله داخل في الثاني!، ومثاله قولهم: سني ستون بل سبعون، فإن ~~الستين داخلة في عدد السبعين، وهو إخبار يحتمل الرجوع عنه، وخالف زفر من ~~قومنا في المسألة، فأوجب عليه ثلاثة دراهم، لأن بل للإعراض عن الأول ~~وإبطاله، لكنه لا يملك إبطاله؛ فيلزمه ثلاثة، وكلامه مبني على قاعدة شهيرة ~~بين الأصحاب، وهي قولهم: "لا إنكار بعد إقرار"، وما قدمت ذكره مبني على ~~العرف و العادة، ولكل واحد منهما وجه في الحق، والله أعلم. # ثم إنما ذكرته في حكم بل إنما هو مختص بها فيما إذا عطفت مفردا على مفرد، ~~أما إذا وقع بعدها جملة؛ فهي إما للإبطال لما وليته، نحو: { أم يقولون به ~~جنة بل جاءهم بالحق } (المؤمنون: 70)، فالجائي بالحق لا جنون به، أو ~~للإنتقال من غرض إلى آخر، نحو: { ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون بل ~~قلوبهم في غمرة من هذا } (المؤمنون: 62-63)، فما قبل بل فيه على حاله، ~~والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان حكم لكن مخففة النون، فقال: # لكن لاستدراك ما توهما ... من الخطاب نفيه ملتزما # وإن أتت ما بين جملتين ... فواجب تغاير اللفظين PageV01P229 أو معنيهما ~~كسار عمرو ... لكن أبوه حاضر وبكر # واستؤنفت في نحو لا أجيز ذا ... لكن أجيزه بألف من كذا # اعلم أن لفظ لكن موضوع للاستدراك، أي التدارك، وهو رفع التوهم الناشئ من ~~الكلام السابق، مثل: ما جاءني زيد لكن عمرو، إذا توهم المخاطب عدم مجيء ~~عمرو أيضا لمخالطة وملازمة بينهما، فتفيد إثبات ما بعدها، فإن وقع بعدها ~~مفرد وجب أن يكون ما قبلها منفيا يحصل منه توهم نفي المستدرك، كما في ~~المثال السابق، فقول المصنف: "لاستدراك ما توهما من الخطاب نفيه"، معناه: ~~أن لكن لتدارك ما توهم السامع نفيه من الخطاب السابق، وفي قوله: "ملتزما ms149" ~~إشارة إلى أن ذلك التوهم إنما ينشأ عن ملازمة عادية ومخالطة عرفية بين ~~متعاطفي لكن، وتقع بين الجملتين؛ فيجب مغايرة ما بعدها لما قبلها، إما لفظا ~~نحو: جاء زيد لكن عمرو لم يجئ، أو معنى نحو: سافر زيد لكن عمرو حاضر؛ ليحصل ~~معنى الاستدراك، ثم إن الاستدراك إنما يستفاد من لكن بشرط اتساق الكلام أي ~~انتظامه، بأن يصلح ما بعد لكن تداركا لما قبلها، وذلك بأمرين: # - الأول: أن يتحقق بين أجزاء الكلام ارتباط معنوي ليحصل العطف. # - والثاني: أن يكون محل الإثبات غير محل النفي؛ ليمكن الجمع بينهما. # أما إذا فات أحد الأمرين؛ فإنها تحمل هنالك على الاستئناف، وذلك كما في ~~قول السيد لأمة تزوجت بغير إذنه: لا أجيز هذا النكاح لكن أجيزه بألف درهم، ~~لأنه نفى إجازة النكاح عن أصله، فلا معنى لإثباته بألف أو بألفين، وإنما ~~يكون متسقا لو قال: لا أجيزه بألف لكن أجيزه بألفين؛ ليكون التدارك في قدر ~~المهر، لا في أصل النكاح، وهذا معنى قول المصنف: "واستأنفت في نحو لا أجيز ~~ذا"، إلى آخره، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان حكم: أو، فقال: # واو أتت لأحد الشيئين ... فصاعدا كهذه أو تين # فتثمر التخيير في الإنشاء ... أو الإباحة على استواء PageV01P230 وتنتج ~~الشك لدى الأخبار ... كجاء زيد أو أبو عمار # اعلم أن لفظ: أو موضوع لأحد الشيئين فصاعدا بمعنى أنه إن وقع بين شيئين ~~أو أشياء، فهو دال بوضعه على ثبوت الحكم لأحد ذينك الشيئين أو تلك الأشياء، ~~فقول القائل: اعتق هذه الأمة أو هاتين الأمتين، إنما يكون إيقاع العتق لأحد ~~هذين الشيئين إما الأمة المشار إليها أولا أو الأمتان المشار إليهما ثانيا، ~~فإن أوقع المأمور العتق على الأمة الأولى؛ فليس له أن يوقعه على المتين ~~الأخريين، وكذا العكس، فإذا عرفت هذا فاعلم أنه إن وقعت أو في الإنشاء ~~يستفاد منها إما التخيير وإما لإباحة. # اعلم أن مثل قولنا: افعل هذا أو ذاك يستعمل تارة لطلب أحد الأمرين مع ~~جواز الجمع بينهما، ويسمى إباحة نحو: جالس الفقهاء ms150 والمحدثين، وتارة في ~~طلبه مع امتناع الجمع، ويسمى تخييرا، كقوله: بع عبدي هذا أو ذاك، وقد عرفت ~~أن أو لأحد الشيئين فصاعدا، فثبوت الإباحة والتخيير إنما هو بحسب القرائن، ~~ولذا قال المصنف: "فتثمر التخيير" إلى آخره، ولم يقل: للتخيير مثلا، وإنما ~~تعرف الإباحة من التخيير بحال تدل على أحدهما، ومن دلائل الإباحة أن يكون ~~الكلام بعد سبق الحظر، نحو: لا أكلم أحدا إلا فلانا أو فلانا، أو أن تعرف ~~الصفة المرغوبة في كل واحد منهما، فكان له الخيار في الجمع بينهما، كما ~~نحو: جالس الفقهاء أو المحدثين، أو يكون مقصوده إظهار السماحة، كما في نحو: ~~خذ مالي هذا أو هذا، قال الأزميري: "ومن هنا قالوا فيمن حلف لا يكلم أحدا ~~إلا فلانا أو فلانا: أن له أن يكلمهما جميعا، وكذلك لا أقربكن إلا فلانة أو ~~فلانة، فليس بمول، أي من المستثنين، وإنما يكون موليا ممن عداهما"، قال: ~~"ولو قال قد برء فلان من كل حق لي قبله إلا دراهم أو دنانير، أن له أن يدعي ~~المالين جميعا؛ لأن هذه مواضع إباحة، والإباحة من دلائل العموم، أما الأولى ~~فلأنه استثنى من الحظر، والاستثناء من الحظر إباحة، وأما الثانية: فلأن ~~الإباحة إطلاق، والإطلاق PageV01P231 يرفع المانع، وذلك يوجب التوسعة ~~والتعميم"، أقول: وهذه التفريعات كلها صحيحة، والله أعلم. # وقد استدلوا على ثبوت التخيير بآية الكفارة؛ لأنها وإن كان لفظها خبرا؛ ~~فهي إنشائية معنى، واستشكل استدلالهم بذلك؛ لأن خصال الكفارة لا يمتنع ~~الجمع بينهما. وأجيب: بأن المراد امتناع الجمع من حيث الامتثال بالأمر، ففي ~~أمر الوجوب لا يكون الامتثال إلا بأحدهما، وليس جمع الجامع بينهما من حيث ~~الامتثال به، بل بالإباحة الأصلية، حتى لو لم تكن لم يجز، كما إذا قال: بع ~~هذا العبد أو ذاك، وطلق هذه الزوجة أو تلك، وقد توجب أو المساواة في الحكم، ~~كما في قول القائل: أنت طالق غدا أو بعد غد، فإنهم قالوا فيه أنها تطلق في ~~الأقرب من ذلك؛ لأن معنى قوله: أنت طالق غدا أو بعد غد ms151: أنت طالق في غد أو ~~في ما بعدها على سواء، والله أعلم. # وليس من التخيير أو التي في قوله تعالى: { إنما جزاء الذين يحاربون الله ~~ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم ~~من خلاف أو ينفوا من الأرض } (المائدة: 33)، وإنما هي في الآية بمعنى بل، ~~كذا قيل، فهي عند هذا القائل كالتي في قوله تعالى: { فهي كالحجارة أو أشد ~~قسوة } (البقرة: 74)، فيكون المعنى: بل يصلبوا إذا وقعت المحاربة بقتل ~~النفس وأخذ المال، بل تقطع أيديهم إذا أخذوا المال فقط، بل ينفوا من الأرض ~~إذا خوفوا الطريق. # وقال مالك: "لما كانت أو في الإنشاء للتخيير ثبت التخيير في كل نوع من ~~أنواع قطع الطريق، بقول تعالى: { أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم ~~وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض } (المائدة: 33)"، وأجيب: بأنه تعالى ~~ذكر الأجزية مقابلة لأنواع الجناية، والجزاء مما يزداد بازدياد الجناية، ~~وينقص بانتقاصها، { وجزاء سيئة سيئة مثلها } (الشورى: 40)، فلا يليق مقابلة ~~أغلظ الجناية بأخف الجزاء ولا العكس، فلا يجوز العمل بالتخيير الظاهر من ~~الآية، فوزعت الجملة المذكورة في معرض الجزاء على أنواع الجناية المتفاوتة ~~المعلومة عادة حسب ما تقتضيه المناسبة، فالقتل جزاؤه PageV01P232 القتل، ~~والقتل والأخذ جزاؤه الصلب، والأخذ جزاؤه قطع اليد والرجل من خلاف، ~~والتخويف جزاؤه النفي، على أنه ورد في الحديث مبيضنا على هذا المثال، وذلك ~~أنه روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه ~~وادع أبو بردة هلال بن عويمر الأسلمي، فجاء اناس يريدون الإسلام، فقطع ~~الطريق عليهم أصحاب أبي بردة الطريق، فنزل جبريل عليه السلام على النبي ~~عليه الصلاة والسلام بالحد فيهم أن من قتل واخذ مالا صلب، ومن قتل ولم يأخذ ~~قتل، ومن أخذ مالا ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف، وفي رواية عن ابن ~~عباس: "ومن أخاف الطريق ولم يقتل ولم يأخذ نفي"، واستشكل معنى هذا الحديث؛ ~~لأن فيه إقامة الحد على من قطع السبيل على من أراد الإسلام، والحد لا ms152 يقام ~~على قاطع الطريق على حربي، وإرادة الإسلام ليس بإسلام. # وأجيب: بأن معناه يريدون إحكام الإسلام، فإنهم أسلموا وهاجروا لتعلم ~~أحكام الإسلام، وإن وقعت أو في الخبر؛ فتوجب الشك غالبا، كجاء زيد أو عمرو، ~~والتشكيك والإبهام والفرق بين الثلاثة أن الشك: هو إخبار المتكلم بأنه شاك ~~في إسناد الحكم إلى أحد الشيئين فصاعدا، والتشكيك: هو أن يقصد المتكلم حصول ~~الشك في ذهن السامع في إسناد الحكم لأحد الشيئين فصاعدا، والمتكلم يعلم ذلك ~~أو لا يعلمه، والإبهام: هو ان يقصد المتكلم خفاء من أسند إليه الحكم على ~~السامع لنكتة، كإظهار النصفة في قوله تعالى: { وإنا أو إياكم لعلى هدى أو ~~في ضلال مبين } (سبأ: 24)، فإذا عرفت هذا الفرق ظهر لك أن الشك والتشكيك ~~والإبهام إنما هي من الأحوال العارضة على اللفظ باعتبار قصد المتكلم، ويفرق ~~بينهما بالقرائن، وقد قدمت لك أن أو موضوع لأحد الشيئين فصاعدا، فهذه ~~الأحوال إنما هي من ثمرات أو التي توجبها بحسب القرائن، وقال بعض: إنها ~~موضوعة للشك، ورد بأن وضع الكلام للإفهام فلا يناسبه الشك والإبهام. قال ~~صاحب المرآة: "والظاهر أنه لا نزاع فيه لأنهم لم يريدوا PageV01P233 إلا ~~تبادر الذهن إليه عند الإطلاق، وما ذكروه من أن وضع الكلام للإفهام على ~~تقدير تمامه إنما يدل على أن أو لم يوضع للتشكيك، وإلا فالشك أيضا معنى ~~يقصد إفهامه بأن يخبر المتكلم المخاطب بأنه شاك في تعيين أحد الأمرين بخلاف ~~الإنشاء فإنه لا يحتمل الشك أو التشكيك؛ لأنه لإثبات الحكم ابتداء، ولهذا ~~يوجب أو التخيير في الإنشاء، وقد يفيد الإباحة والتسوية، وغير ذلك مما ~~يناسب المقام، وتفيد أو العموم إذا استعملت في سياق النفي، وما بمعناه ~~كالنهي لفظا أو معنى. # - فالأول: نحو: ما جاءني زيد أو عمرو، أي لا هذا ولا ذاك، ونحو قوله ~~تعالى: { ولا تطع منهم آثما أو كفورا } (الإنسان: 24)، أي لا هذا ولا ذاك، ~~فيمتثل بأن لا يطيعهما أصلا، لا بأن يطيع واحدا منهما فقط. # - والثاني: هو ان تقطع في اليمين المثبت، نحو: إن فعلت ms153 هذا أو هذا، ~~بمعنى: لا افعل شيئا منهما، أو في الاستفهام الإنكاري، نحو: أفعلت هذا أو ~~هذا، بمعنى: ما فعلت شيئا منهما، والسر في إفادتها العموم ههنا أنها لأحد ~~الأمرين من غير تعيين، وانتفاء الواحد المبهم لا يتصور إلا بانتفاء ~~المجموع، فقوله تعالى: { ولا تطع منهم آثما أو كفورا } (الإنسان: 24) ~~معناه: لا تطع أحدا منهما، وهو نكرة في سياق النفي، فيعم، وكذا: ما جاءني ~~زيد أو عمرو، فإن معناه: ما جاءني أحد منهما، بخلاف الواو فإنها لنفي ~~العموم، حتى إذا قال: لا أفعل هذا أو هذا يحنث بفعل أحدهما، وإذا قال: هذا ~~وهذا يحنث بفعلهما لا بفعل أحدهما؛ لأن المراد مجموع الفعلين، فلا يحنث ~~بالبعض إلا بقرينة حالية أو مقالية تمنع كلمة أو حملها على العموم، وتدل ~~على أنها لإيقاع أحد النفيين؛ فحينئذ تفيد عدم الشمول، والله أعلم. ثم قال: # وقد أتت بمعنى حتى وإلى ... ومعنى إلا أن مجازا قبلا # قد تخرج أو عن كونها عاطفة، فتستعمل بين الفعلين مجازا استعاريا، بمعنى ~~حتى، أو بمعنى إلى، أو بمعنى إلا أن؛ للمناسبة بين أو وبين هذه PageV01P234 ~~الحروف؛ لأن أو لأحد الشيئين فصاعدا كما مر، وتعيين كل واحد من الشيئين ~~باعتبار التخيير قاطع لاحتمال الآخر، كما أن الوصول إلى الغاية في حتى وإلى ~~قاطع للفعل الممتد إلى الغاية، وكما أن الفعل الأول ممتد في جميع الأوقات ~~إلا وقت وقوع الفعل الثاني، فعنده ينقطع امتداده في صورة الاستثناء، ومحل ~~مجيء أو بمعنى هذه الأحرف إنما هو فيما إذا وقع بعدها مضارع منصوب، ولم يكن ~~قبلها مضارع كذلك، وإنما وقع قبلها فعل ممتد، يكون كالعام في زمان، ويقصد ~~انقطاعه بالفعل الواقع بعد أو، والمانع من كونها للعطف إما لفظي أو معنوي، ~~فالمانع اللفظي نحو قوله تعالى: { ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم } (آل ~~عمران: 128)، # على أحد الأقاويل في تفسير الآية، أي ليس لك في عذابهم واستصلاحهم شيء ~~حتى تقع توبتهم أو تعذيبهم، فإن عطف الفعل على الاسم غير جائز، والنهي عن ~~الدعاء ms154 عليهم بالهلاك يحتمل الامتداد، فحمل على الغاية، وأما المانع ~~المعنوي فنحو قولك لغريمك: لألزمنك أو تعطيني حقي، فإن القمصود وهو كون ~~اللزوم لأجل الإعطاء لا يحصل مع العطف، فسقطت حقيقته، واستعير لما يحتمله ~~وهو الغاية أو الاستثناء؛ لأن تناول أحد المذكورين يقتضي تناهي احتمال كل ~~منهما وارتفاعه بوجود صاحبه، ويحتمله الكلام لاحتمال صدره الامتداد وشمول ~~الأوقات؛ فوجب إضماره إما لحرف الجر أو ليكون المستثنى مصدرا منزلا منزلة ~~الوقت المخرج عن الأوقات المشمولة لصدره، ومنه قول امرئ القيس: # بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه ... وأيقن أنا لاحقون بقيصرا # فقلت له لا تبك عينك إنما ... نحاول ملكا أو نموت فنعذرا # وقول آخر: # لاستسهلن الصعب أو أدرك المنى ... فما انقادت الآمال إلا لصابر # فأو في هذه الأمثلة كلها يحتمل أن تكون بمعنى حتى، وأن تكون PageV01P235 ~~بمعنى إلى، وأن تكون بمعنى إلا أن، وقد يترجح تأويلها بمعنى حتى في بعض ~~المواضع، كما في الآية، وقد يترجح تأويلها بمعنى إلى في مواضع أخر، كما في ~~البيت الأخير، وقد يكون فيها الأمران على سواء، كما في بيت امرئ القيس، وقد ~~يترجح تأويلها بمعنى إلا أن، كما في لألزمنك أو تعطيني حقي، وجميع ذلك إنما ~~هو بمناسبات يدل عليها المقام، وقرائن يقتضيها الحال، وقد تكون أو بمعنى ~~بل، كما تقدم ذكره آنفا في بيان قوله تعالى: { أن يقتلوا أو يصلبوا } ~~(المائدة: 33)"، ومنه قوله تعالى: { فهي كالحجارة أو أشد قسوة } (البقرة: ~~74)، لكن حمل أو في الآيتين على معنى بل إنما هو على مذهب الكوفيين الذين ~~لم يشترطوا في مجيئها لذلك شيئا، أما سيبويه فقد اشترط في مجيئها لذلك ~~امرين: أحدهما: أن يتقدمها نفي أو نهي، وثانيهما: إعادة العامل، نحو: ما ~~قام زيد أو ما قام عمرو، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان أحكام حروف الجر، فقال: # حروف الجر # وجه تسميتها بذلك: هو أنها تجر معنى الفعل وشبهه إلى ما يليها، أو أنها ~~تعمل عمل الجر، كما سميت بعض الحروف حروف الجزم وحروف النصب لعمل الجزم ~~والنصب، فقال ms155: # الباء للإلصاق تدخل المحل ... فلا تحيط بالذي دخل # من حروف الجر: الباء، وهي موضوعة للإلصاق الذي هو تعليق الشيء بالشيء ~~وإيصاله إليه، وهو على نوعين: حقيقي إن كان مفضيا إلى نفس المجرور، كأمسكت ~~بزيد، إذا قبضت على شيء من جسمه أو ثوبه الذي ببدنه، ومجازيك إن أفضى إلى ~~ما يقرب من المجرور، كمررت بزيد، فإذا عرفت ذلك فاعلم أن الباء قد تدخل على ~~الآلة، نحو: مسحت الحائط بيدي، فتكون لاستيعاب المحل، لا الآلة، وقد تدخل ~~على المحل، كما في قولك: مسحت يدي بالحائط؛ فتكون لاستيعاب الآلة لا المحل، ~~ومنه قوله تعالى: { وامسحوا برؤوسكم } (المائدة: 6)، فلا يجب استيعاب الرأس ~~بالمسح في الوضوء عند جمهورنا وعند الحنفية لهذه الآية، وذهب الشافعي إلى ~~أن المفروض PageV01P236 فيه أقل ما يطلق عليه المسح، ولو شعرة؛ لإطلاق قوله ~~تعالى: { وامسحوا برؤوسكم } (المائدة: 6)، والمطلق يسقط بأدنى ما يصدق عليه ~~اسمه، ورد بأنه لو كان كذلك لفعله عليه الصلاة والسلام ولو مرة في العمر ~~لإسقاط الواجب، لكنه لم يمسح ما دون الناصية قطعا، وليس في الشرع واجب أو ~~جائز لم يبينه الشارع بفعل أو بتعليم، بل الذي فعله - صلى الله عليه وسلم - ~~دائما مسح ربع الرأس مرة واستيعابه أخرى، كذا قيل، وأيضا لا يمكن المسح على ~~شعرة إلا بالزيادة عليها، وما لا يمكن الواجب إلا به فهو واجب، فالزيادة ~~واجبة، وذهب مالك إلى ان المفروض في مسح الرأس الاستيعاب مستدلا بأن الآية ~~مجملة بينها حديث عبد الله بن زيد أنه عليه الصلاة والسلام توضأ ومسح رأسه ~~واستوعب، والقياس على آية التيمم، وهي قوله تعالى: { فامسحوا بوجوهكم } ~~(النساء: 43). ورد بأن الحديث محمول على الاستحباب جمعا بين الدليلين، ~~والقياس ليس بشيء، إذ لا قياس بين الأصل والبدل، فإن قيل: لا يجوز ان تكون ~~الباء للتبعيض، كما روي عن الشافعي، فيفيد جواز الأقل من الربع، أو زائدة ~~كما روي عن مالك؛ فيكون المعنى: وامسحوا رؤسكم؛ فيفيد الاستيعاب. # أجيب عن الأول: بأن جعله للتبعيض يفضي إلى الترادف والاشتراك، أما ~~الترادف فبكلمة من ms156 لأنها موضوعة للتبعيض، وأما الاشتراك؛ فلأنها موضوعة ~~للإلصاق، فلو كانت حقيقة في التبعيض أيضا لزم الاشتراك؛ وكلاهما غير ثابت ~~في الباء لغة. # وأجيب عن الثاني: أن إلغاء الحقيقة مع إمكانها لا يجوز، وقد أمكنت ~~الحقيقة هاهنا؛ لأن حقيقة الباء للإلصاق، وهو حاصل في مسح الرأس، أما آية ~~التيمم؛ فالباء فيها زائدة عند من أوجب استيعاب مسح العضو في التيمم للحديث ~~المشهور، وهو قوله عليه الصلاة والسلام لعمار - رضي الله عنه - : " يكفيك ~~ضربتان، ضربة للوجه وضربة للذراعين"، فإن الوجه اسم للكل، فلولا الاستيعاب ~~لزم أن يراد به البعض، ولأن التيمم خلف عن الوضوء، والوضوء مستوعب؛ فكذا ~~PageV01P237 حكم خلفه؛ لأن الخلف لا يخالف الأصل أصلا، ولأن المسح بالصعيد ~~في العضوين قائم مقام الوضائف الأربع، وإنما نصفن للتخفيف، ولا شك أن كل ~~تنصيف يقتضي بقاء الباقي على ماكان عليه من الوصف، كصلاة المسافر وعدة ~~الإماء وحدود العبيد ونحو ذلك، وقيل: إن مسح الأكثر في التيمم يجزؤ أيضا ~~عملا بحقيقة الباء في: { فامسحوا بوجوهكم } (النساء: 43)، وقياسا على مسح ~~الرأس، والله أعلم، ثم قال: # ولاستعانة فتدخل الثمن ... نحو اشتريته بألف فافهمن # تكون الباء للاستعانة أيضا، وهي طلب المعونة بشيء على شيء، مثل: كتبت ~~بالقلم، وقيل: إنها راجعة إلى الإلصاق؛ لأن الإلصاق معنى لا يفارق الباء، ~~ولهذا اقتصر عليه سيبويه، فالاستعانة على هذا القول إنما هي مستفادة من ~~القرائن، وهو الصحيح عندي دفعا للاشتراك، ولظهور معنى افلصاق في جميع ~~مدخولات الباء ما لم تستعمل في غير ما وضعت له مجازا، وتفيد الاستعانة فيما ~~إذا دخلت على الوسائل والآلات، إذ بها يستعان على المقاصد، ومن الوسائل ~~الأثمان، كما في اشتريت هذا العبد بألف، فإن المقصود الأصلي من المبايعة هو ~~الانتفاع بالمملوك، وذلك في الشيء المبيع، والثمن وسيلة إليه؛ لأنه في ~~الغالب من النقود التي لا ينتفع بها بالذات بل بواسطة التوسل بها إلى ~~المقاصد بمنزلة الآلات، ولذا اشترط وجود المبيع لصحة البيع لا وجود الثمن، ~~والله أعلم، ثم قال: # وقد أتت على للاستعلاء ... حقيقة وحتم الاقتضاء # والشرط ms157 نحو طالق على كذا ... وعوض كبعته على كذا # لفظ على موضوع حقيقة للاستعلاء صورة، كركبت الفرس، ونحو: { وعليها وعلى ~~الفلك تحملون } (المؤمنون: 22)، وهو الغالب، أو معنى نحو: تأمر عليهم، ~~ونحو: { ولهم علي ذنب } (طه: 14)، ونحو: { فضلنا بعضهم على بعض } (الإسراء: ~~21)، والأول: استعلاء حقيقي، والثاني: مجازي، ثم وضعت على بالوضع الشرعي أو ~~العرف العام PageV01P238 لشيئين: # - أحدهما: الوجوب، نحو: له علي دين وعلي قضاء الصلاة، وعليه القصاص، فعلي ~~في هذه الأمثلة كلها بمعنى الوجوب عرفا لغويا، ووضعا شرعيا، وقد قدمت لك ~~أنها في أصل الوضع للاستعلاء، فهي في هذه المعاني مجاز لغوي؛ لحصول معنى ~~التشبيه فيها بالاستعلاء، فقول القائل: علي دين بمنزلة قولهم: ركبه دين، ~~فكأنه يحمل ثقل الدين على عنقه أو على ظهره، فمن أقر بأن لفلان عليه ألفا ~~يحكم عليه بأنه دين في ذمته إلا وصله بقوله وديعة؛ فإنه يحمل على أن معه ~~وديعة لما في حفظ الوديعة من الوجوب أيضا تصحيحا لكلام العاقل، فإنه لو حمل ~~على الدين لزم إلغاء لفظ الوديعة. # - وثانيهما: الشرط، نحو قول الرجل لامرأته: أنت طالق على تسليم ألف درهم، ~~فإن طلاقها مشروط بحصول الألف، فكأنه قال: أنت طالق إن سلمت لي ألف درهم، ~~ومن مجيئها للشرط قوله تعالى: { يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا } ~~(الممتحنة: 12)، أي على شرط أن لا يشركن مع الله شيئا في العبادة، كونها ~~للشرط حقيقة عرفية وشرعية، ومجاز لغوي؛ لأن في الشرط معنى اللزوم، وقد عرفت ~~ما في اللزوم من المشابهة لمعنى الاستعلاء، وتستعمل على مجازا بمعنى الباء، ~~فتكون للعوض، كما في المعوضات المحضة التي لا تحتمل معنى الاسقاط، كالبيع ~~والإجارة والنكاح، فقول القائل: بعتك هذا العبد على كذا، بمعنى بعتكه بكذا، ~~فيلزم العوض المذكور، وكذا ما بعده، فإن قالت المرأة لزوجها: طلقني ثلاثا ~~على ألف، فطلقها واحدة وقع الطلاق رجعيا، ولا شيء له عليها من الألف؛ لأن ~~على في هذه الصورة محتملة للشرط وللمعاوضة، فحملها على الشرط لكونها حقيقة ~~عرفية وشرعية أولى من حملها على المجاز الذي هو ms158 المعاوضة، والله أعلم، ثم قال: # ومن: لتبعيض ومبدى الغاية ... ولبيان الجنس وزيادة # اعلم أن لفظ: "من" موضوع لغة لابتداء الغاية مكانا كانت أو زمانا، كخرجت ~~من البصرة وصمت من أول الشهر، وفاقا للكوفيين، وذهب PageV01P239 البصريون ~~إلى أنها لابتداء الغاية في المكان دون الزمان، والأول أصح، وتستعمل ~~للتبعيض، وعليه المحققون، وقال المبرد والزمخشري: "إن أصل من التبعيضية ~~ابتداء الغاية؛ لأن الدراهم في قولك: أخذت من الدراهم مبدأ الأخذ"، وقال ~~صاحب المرآة: "وذهب بعض الفقهاء إلى أن أصل وضعها للتبعيض دفعا للإشتراك"، ~~ورد بإطباق أئمة اللغة على أنها حقيقة في ابتداء الغاية، قال: "ولو قيل: ~~إنها في العرف الغالب الفقهي للتبعيض مع رعاية معنى الابتداء لم يبعد، ~~والفرق بين "من" الابتدائية تعرف بأن يحسن في مقابلتها "إلى" أو ما يفيد ~~فائدتها، نحو: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن معنى أعوذ به: ألتجئ ~~إليه، فالباء ههنا أفادت معنى الانتهاء، والتبعيضية تعرف بأن يكون هناك شيء ~~ظاهر هو بعض المجرور بمن، نحو: { خذ من أموالهم صدقة } (التوبة103)، أو ~~مقدر نحو: أخذت من الدراهم، أي من الدراهم شيئا، وإنما قدم التبعيض على ~~الابتداء في النظم رعاية للوزن، وإلا فالحق بالتقديم الابتداء؛ لأنه ~~موضوعها الأصلي كما علمت، وتستعمل "من" لبيان الجنس، نحو: لفلان علي عشرة ~~من فضة، وتستعمل زائدة، وتكون في زيادتها على وجهين: # - أحدهما: زيادة يختل المعنى بإسقاطها، وهي الزائدة في نحو: ما جاءني من ~~رجل، فإن المعنى: ما جاءني أحد من هذا الجنس، فإن زيادتها في هذا الكلام ~~أفادت التنصيص في نفي العموم، فلو أسقطت منه لم يفد التنصيص المذكور. # - وثانيهما: زيادة لا يختل المعنى بإسقاطها معه، وهي الزائدة في نحو: ما ~~جاءني من أحد، فإن زيادة "من" في هذا الكلام ليس إلا لمحض التأكيد. # وتستعمل "من" بمعنى الباء، كما في قوله تعالى: { يحفظونه من أمر الله } ~~(الرعد: 11)، أي بأمر الله، والله أعلم، ثم قال: # لغاية إلى وحتى أتت ... عاطفة حتى ومعناها ثبت # فتعطف الغاية في العلو ... وهكذا الغاية في الدنو PageV01P240 وتدخل ~~الغاية في ms159 المغيا ... إن عطفت كالناس حتى يحي # وإن تكن مجرورة فتدخل ... طورا وطورا ليس فيه تدخل # وقد أتت حتى للابتداء ... وقد أتت لعلة كالفاء # من حروف الجر: إلى وحتى، وهما موضوعان للدلالة على انتهاء الغاية، مكانية ~~أو زمانية. # - فأما إلى: فإذا دخلت في الأزمنة قد تكون للتوقيت، وقد تكون للتأجيل ~~والتأخير، ومعنى التوقيت: أن يكون الشيء ثابتا في الحال، وينتهي بالوقت ~~المذكور، ولولا الغاية لكان ثابتا فيما وراءها، كقولك: والله لا أكلم فلانا ~~إلى شهر، كان ذلك الشهر لتوقيت اليمين، ولولاه لكانت مؤبدة، ونحو: آجرت هذه ~~الدار إلى شهر ونحوهما، وشرطه: أن يكون صدر الكلام قابلا للتوقيت، فعلى هذا ~~تكون "إلى" في نحو: بعت إلى شهر؛ لتوقيت التأجيل المقدر في الكلام، لا ~~لتأخير البيع المذكور، وإلا لفسد الكلام لعدم قابلية المذكور للتوقيت. # - فأما حتى: فهي على ثلاثة أوجه: # * أحدها: أن تكون جارة، وهي على نوعين: # - أحدها: أن تكون بمعنى "إلى" لانتهاء الغاية كما تقدم، وهذا الوجه هو ~~الأصل في موضوعها. # - وثانيهما: أن تكون بمعنى "كي"، كقولك للكافر: أسلم حتى تدخل الجنة، أي: ~~كي تدخلها، ولا تجر في هذا المعنى الأخير إلا الاسم المؤول المسبوك من أن ~~المضمرة، والفعل المنصوب بخلافها في المعنى الأول، فإنها تجر الصريح، كما: ~~{ حتى مطلع الفجر } (القدر: 5)، والمؤول نحو: أسير حتى أدخل البصرة، أي: ~~إلى أن أدخلها. # * الوجه الثاني: أن تكون عاطفة، وهي كالجارة في إفادة معنى الغاية، وهذا ~~معنى قول المصنف: "وأتت عاطفة حتى وعناها ثبت"، أي: والحال أن معناها الذي ~~هو الغاية ثابت لها في حال العطف، والفرق بين الجارة والعاطفة؛ أن الجارة ~~قد تكون بمعنى "كي" كما مر، والعاطفة لا تكون كذلك، وأن العاطفة يجب أن ~~يكون ما بعدها جزءا لما PageV01P241 قبلها، وداخلا في حكمه، نحو: ضربت ~~القوم حتى زيدا، أو كجزئه بسبب الاختلاط، نحو: ضربت السادة حتى عبيدهم، أو ~~كالجزء لما دل عليه ما قبلها، كما في قوله: # ألقى الصحيفة كي يخفف رحله ... والزاد حتى نعله ألقاها # عند من قال: إن نعله عطف ms160 على الصحيفة؛ لأن معنى ألقي الصحيفة؛ ألقى جميع ~~ما معه. # وأما الجارة فالأكثرون على تجويز كون ما بعدها متصلا بآخر أجزاء ما ~~قبلها، نحو: نمت البارحة حتى الصباح، وصمت رمضان حتى الفطر، كما يكون جزءا ~~منه أيضا، نحو: أكلت السمكة حتى رأسها، بالجر، وعند الصيرفي يجب أن يكون ما ~~بعدها جزءا لما قبلها كما في العاطفة، وإلى وجوب أن يكون ما بعد حتى ~~العاطفة جزءا لما قبلها، أو كالجزء منه؛ أشار بقوله: "فتعطف الغاية في ~~العلو" إلى آخره؛ لأنه إنما وجب أن يكون ما بعدها جزءا لما قبلها، أو ~~كالجزء منه من حيث إفادتها الغاية، لا من حيث العطف لاقتضاء العطف التغاير، ~~فما بعد "حتى" العاطفة غاية لما قبلها في العلو، كمات الناس حتى الأنبياء، ~~أو في الدنو: كجاء الناس حتى الحجامون، ولما وجب أن يكون ما بعد حتى ~~العاطفة جزءا لما قبلها؛ وجب دخول ما بعدها في حكم ما قبلها كما تقدم، وإلى ~~هذا أشار بقوله: "فتدخل الغاية في المغيا إن عطفت"، فيحي أحد الناس، وهو ~~داخل في حكم المجيء إن قلت: جاء الناس حتى يحي، ونحو: ذهبت السادة حتى ~~عبيدهم. # أما حتى الجارة فلا يجب دخول ما بعدها في حكم ما قبلها لعدم وجوب أن يكون ~~ما بعدها جزءا لما قبلها كما مر، لكن يدخل ما بعدها في حكم ما قبلها تارة، ~~وهو الغالب من استعمالها، ولا يدخل أخرى، وذلك بحسب القرائن، وهذا معنى ~~قوله: "وإن تكن مجرورة؛ فتدخل"، أي: وإن تكن الغاية مجرورة بحتى؛ فتدخل في ~~حكم ما قبلها، وطورا لا تدخل. # ومثل حتى الجارة في هذا الحكم "إلى"، فتدخل تارة معها الغاية في حكم ~~المغيا، كما في قوله تعالى: { فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى PageV01P242 ~~المرافق } (المائدة: 6)، فالمرافق داخلة في حكم الغسل، ومرة لا تدخل نحو ~~قوله تعالى: { ثم أتموا الصيام إلى الليل } (البقرة: 187)، فالليل غاية ~~للصيام، وهو داخل في حكمه، وإن تجردت "حتى" العاطفة عن معنى الغاية حملت ~~على معنى الفاء مجازا استعاريا، وذلك نحو: إن لم ms161 آتك حتى أتغد عندك، أي: ~~فأتغد عندك، فيجري فيها حكم الفاء العاطفة على ما تقدم. # الوجه الثالث: أن تكون حرف ابتداء يستأنف معه الكلام، وهي الداخلة على ~~الجمل الاستئنافية اسمية أو فعلية، فمثاله في الاسمية قول الشاعر: # فما زالت القتلى تمج دمائها ... بدجلة حتى ماء دجلة أشكل # ومثال دخولها على الجملة الفعلية: { حتى يقول الرسول } (البقرة: 214)، في ~~قراءة الرفع، وهي قراءة نافع، وقد اجتمعتا في قول امرئ القيس: # مطوت بهم حتى تكل غزيهم ... وحتى الجياد ما يقدن بأرسان # على رواية الرفع في تكل، ولا بد في حتى الابتدائية أن يكون ما قبلها سببا ~~لما بعدها، سواء دخلت على الفعل أو على الاسم؛ لأن الاتصال اللفظي لما زال ~~بسبب استئناف الكلام شرط فيها السببية التي هي موجبة للاتصال المعنوي، فإن ~~السبب متصل بالمسبب معنى، حتى يكون جبرا لما فات من الاتصال اللفظي، ففي ~~قول امرئ القيس أن سيره بهم سبب لكلال غزاتهم وعدم انقياد جيادهم ~~بالأرسلان، وهذا هو الوجه الثالث هو المشار إليه بقول المصنف: "وقد أتت حتى ~~للابتداء"، أما قوله: "وقد أتت لعلة"، فهو إشارة إلى وقوعها بمعنى كي، كما ~~في قولك: أسلم حتى تدخل الجنة، أي: كي تدخلها، فدخول الجنة علة تحمل ~~المخاطب على تجديد الإسلام، وقوله: "كالفاء" إشارة إلى أن الفاء تكون للعلة ~~أيضا، وذلك كما تقدم صريحا في نحو قولك: جاء الشتاء فأهب، فحاصل معاني حتى ~~أنها تكون للغاية، وهو الأصل فيها فإن جرت الاسم الصريح أو المؤول كانت ~~جارة، وإلا فهي العاطفة، فإن خلت الجارة عن معنى الغاية؛ فهي بمعنى كي، وإن ~~خلت العاطفة عن معنى الغاية؛ PageV01P243 فهي بمعنى الفاء مجازا استعاريا، ~~وإن استؤنف الكلام بعدها؛ فهي الابتدائية، وتحمل على الغاية فيما إذا احتمل ~~صدر الكلام الامتداد، وعجزه الانتهاء إليه، نحو: { حتى يعطوا الجزية } ~~(التوبة: 29)، فإن القتال الذي صدر به الكلام محتمل للامتداد والبقاء، ~~وإعطاء الجزية يحتمل أن تكون غاية ينتهي إليها القتال، وتحمل على معنى كي ~~إن صلح صدر الكلام أن يكون سببا لما بعد ms162 حتى، وكونها بمعنى كي مجاز ~~استعاري؛ فإن جزاء الشيء ومسببه يكون مقصودا منه بمنزلة الغاية من المغيا، ~~فيصح استعارتها لها، وتحمل على العطف المحض فيما إذا لم يحتمل ما قبلها ~~الامتداد والسببية، فلو قال: عبدي حر إن لم أضربك حتى تصيح، فحتى هنا تحمل ~~على الغاية؛ لأن الضرب يحتمل الامتداد بتجدد الأمثال، وصياح المضروب يصلح ~~منتهى له، فلو ترك الضرب # قبل الصياح عتق عبده؛ لانتفاء الضرب إلى الغاية المذكورة، ولو قال: عبدي ~~حر إن لم آتك حتى تغديني، فحتى للسببية لا للغاية؛ لأن آخر الكلام - وهو ~~التغدية - لا يصلح لانتهاء الإتيان إليه، بل هو داع إلى الإتيان، فإن أتى ~~بر و إلا حنث؛ لأن الإتيان هو سبب للإحسان، ولو قال: عبدي حر إن لم آتك حتى ~~أتغد عندك، كان هذا للعطف المحض؛ لأن هذا الفعل إحسان، فلا يصلح غاية ~~للإتيان، ولا يصلح إتيانه سببا لفعله، ولا فعله جزاء لإتيان نفسه، وإذا كان ~~كذلك حمل على العطف المحض؛ فصار كأنه قال: إن لم آتك فأتغد عندك، فإن أتاه ~~فتغدى معه بر و إلا حنث، والله أعلم، ثم قال: # # ذكر أسماء الظروف # للظرف في وحكمها إن أضمرت ... مع الزمان حكمها إن أظهرت # وهي مع المكان للتقييد ... مثاله في البيت أو في البيد # ومطلقا تفيده في الوقت ... كطالق يوم سعيد يأتي # وضعت لفظة: في للظرفية الزمانية والمكانية، كانت الظرفية حقيقية كالماء ~~في الكوز، أو مجازية كزيد في البلد، وحكمها إذا حذفت مع ظرف PageV01P244 ~~الزمان كحكمها إذا أظهرت معه، فإنهم سووا بين قول القائل: أنت طالق في ~~رمضان وبين قوله: أنت طالق غدا، ولا نية له في الصورتين، فقالوا: في الصورة ~~الأولى: هي طالق من أول يوم منه عند طلوع الفجر، وقالوا: في الصورة ~~الثانية: هي طالق في الليل؛ أنها تطلق إذا جاء الليل، لكن في بعض المواضع ~~من الأثر ما نصه: "وإذا قال لزوجته: إن بت هذه الليلة في هذا البيت فأنت ~~طالق، فباتت حتى كانت في بعض الليل وخرجت، فلا طلاق إلا ms163 أن تبيت الليلة ~~كلها في البيت، فإن قال: إن نمت في هذه الليلة، فإن نامت بعض الليل؛ فإنا ~~نخاف أن يقع الطلاق، ففي هذا الأثر إشارة إلى الفرق بين ما إذا ذكرت مع ~~الزمان وبنما إذا حذفت، فإنه أشار إلى أن حذفها يقتضي استيعاب الليل ~~بالمبيت، وذكرها لا يقتضي ذلك، وعلى هذه التفرقة أبو حنيفة مستدلا بأن ~~الظاهر من قول القائل: صمت هذه السنة استيعاب السنة بالصيام، بخلاف قوله: ~~صمت في هذه السنة، فإنه لا يقتضي ذلك، وإنما غاية ما فيه أنه يدل على أنه ~~وقع منه صيام في تلك السنة، وذهب صاحباه إلى القول الأول. # ثم إن "في" تفيد الحكم بما دخلت عليه مطلقا في ظرف الزمان، كطالق يوم ~~يقدم فلان أو في يوم يقدم فلان، فإن ذلك اليوم المذكور قيد لإيقاع الطلاق ~~فيه، وكذا أيضا تفيد التقييد مع المكان إذا صلحت مع ما بعدها أن تكون قيدا ~~لذلك الحكم، ككل هذا الشيء في البيت أو في البيد، فإن البيت أو البيد مثلا ~~قيل: لحكم الأمر، وعليه مسألة الضياء، ونصها: "إن قال: إن بت في هذا المنزل ~~فأنت طالق، فباتت إلى نصف الليل أقل أو أكثر، ثم خرجت أو دخلت المنزل بعد ~~النصف أقل أو أكثر حتى أصبحت طلقت، فإن قال: إن بت في هذا المنزل الليلة، ~~فحتى تكون في المنزل مذ تغرب الشمس حتى يطلع الفجر، ثم يحنث، فقد اعتبر في ~~الصورتين التقييد بالمكان المجرور بفي والزمان PageV01P245 المتضمن معنى: ~~في، يلغى ما لا يصلح أن يكون قيدا، كما ألغى ابن محبوب - رضي الله عنه - ~~لفظ يوم من قول القائل لزوجته: إذا حالت السنة فأنت طالق اليوم، فأجاب: ~~بأنها إذا حالت السنة طلقت، وقوله: اليوم حشو، قال أبو الحواري: "وكذلك إن ~~قال أنت طالق اليوم إن كلمت فلانا، فمضى اليوم ولم تكلمه، وقيل: إنه إذا ~~مضى اليوم ولو تكلمه لم تطلق اعتبارا للقيدين الزماني والفعلي، وهو الأصح؛ ~~لأن اعتبار كل واحد من القيدين ممكن، بخلافه في مسألة ابن محبوب ms164 فإنه لا ~~يمكن اعتبار القيدين أصلا، فالفرق بين المسألتين ظاهر، والله أعلم. # ولما كان بعض الظروف لازم الإضافة لا يفيد معناه إلا بانضمام الغير؛ جعله ~~من جنس حروف المعاني، وألحقه بها، فقال: # # ذكر أسماء الظروف # ولاقتران مع وللتقدم ... قبل وبعد عكس ذا المقدم # فبثلاث طلقت إن طلقا ... واحدة مع اثنتين مطلقا # كذاك قبلها وأما بعد ... فإن تكن موطوءة ذا يبدو # وإن يقل قبل اثنتين فكما ... لو قال بعدها اثنتان فاعلما # وعند للحضرة نحو عندي ... ألف وديعة لهذا الجندي # لفظ: "مع" موضوع للمقارنة، سواء وصف به ما قبله أو ما بعده، ويستعمل ~~مجازا بمعنى بعد، كما في قوله تعالى: { فإن مع العسر يسرا } (الشرح: 5)، ~~و"قبل": للتقدم، فتدل بوضعها على سبق ما وصف بها في المعنى، و"بعد": بعكس ~~قبل، فهي موضوعة للتأخر، فتدل بوضعها على تأخر ما هي له وصف في المعنى، ~~فقول القائل: أنت طالق واحدة مع اثنتين، أو قبلها اثنتين؛ يوجب الثلاث ~~التطليقات سواء كانت مدخولا بها أو غير مدخول بها؛ لأن قوله: أنت طالق ~~واحدة مع اثنتين أو قبلها اثنتان بمنزلة قوله: أنت طالق ثلاثا، أما إذا قال ~~لها: أنت طالق واحدة قبل واحدة، أو قبل اثنتين؛ فإنها لا تطلق إلا ~~PageV01P246 واحدة إذا كانت غير مدخول بها، وذلك لأن القبلية قائمة ~~بالواحدة السابقة؛ لأن فاعل الضمير عائد إليها، فلم يبق محل للآخر، وإلى ~~هذا أشار المصنف بقوله: "كذاك قبلها"، أي: كذاك تطلق ثلاثا مطلقا إن قال ~~لها: أنت طالق واحدة قبلها اثنتان، أما قوله: "وأما بعد" إلى آخره، فمعناه: ~~أنه إذا قال لها: أنت طالق واحدة بعدها اثنتان وهي غير موطوءة، أي غير ~~مدخول بها، فلا تطلق إلا واحدة، فإن كانت مدخولا بها طلقت ثلاثا، ولو قال ~~لها: أنت طالق واحدة بعد اثنتين طلقت ثلاثا مطلقا، كانت مدخولا بها أو غير ~~مدخول بها، فالحكم في بعد عكس الحكم في قبل. # ومعنى قوله: "وعند للحضرة" إلى آخره، أن لفظ: "عند" موضوع للحضور حقيقة، ~~نحو: عندي دراهم، أو حكما ms165 نحو: { إن الدين عند الله الإسلام } (آل عمرن: ~~19)، لأن المعنى: إن الدين في حكم الله الإسلام، فقول المقر: عندي ألف درهم ~~لهذا الجندي، إنما يدل على نفس حظورها معه، فيحمل الإقرار على الوديعة دون ~~الدين، سواء وصله بلفظ: وديعة أو لم يصله به، أما إذا قال: عندي له ألف ~~درهم دينا، فإنه يحمل على الدين؛ لأنه يحتمله في الجملة، والله أعلم. # # كلمات الشرط # للشرط إن ولو ولولا ولأن ... مستقبل ولو لماض قد زكن # واللام في جوابها لا الفاء ... ومثل لولا المنع الاستثناء # وعم قيد أين للمكان ... كذا متى يعم للزمان # فطالق أين تشائي أو متى ... فمطلقا طلاقها قد ثبتا # إن شاءت الطلاق في مجلسه ... أو بعده ولومه لنفسه # إذا الظرف وأتت ممتزجة ... بالشرط لا خالصة ومخرجة # من كلمات الشرط: "إن" وهي حرف موضوع لتعليق حصول مضمون جملة بحصول مضمون ~~جملة أخرى في المستقبل، كإن دخلت الدار فأنت جر، فالحرية له حاصلة بدخوله ~~الدار، وتدخل إن هذه الأمر PageV01P247 المعدوم المشكوك في وجوده وعدم، ولا ~~تستعمل فيما هو قطعي الوجود أو قطعي الانتفاء إلا على تنزيلها منزلة ~~المشكوك لنكتة، فمثال استعمالها فيما هو قطعي الوجود قولك لمن عتق أباه: إن ~~كان هذا أبوك فأحسن إليه، والنكتة فيه تنزيل المخاطب منزلة جاهل الأبوة، ~~حيث لم يراع حقها، ومثال دخولها على ما هو قطعي الامتناع قوله تعالى: { فإن ~~استقر مكانه فسوف تراني } (الأعراف: 143)، فإن استقرار الجبل مع تجلي تلك ~~الآية قطعي الامتناع، والنكتة فيه إظهار امتناع الرؤية واستحالتها لمن لم ~~يكفهم قول نبيهم أنها مستحيلة عليه تعالى حتى واجهوه بقولهم الشنيع: { لن ~~نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } (البقرة: 55). # ومنها: لو، وهي حرف موضوع لامتناع الشرط واستلزامه لامتناع جزائه، نحو: { ~~ولو شئنا لرفعناه بها } (الأعراف: 176)، فمشيئة الرفع له ممتنعة، واستلزمت ~~امتناع الرفع بالآيات، وذلك فيما إذا كان الشرط سببا مساويا للجزاء أو أعم ~~منه، أما إذا كان الجزاء أعم من الشرط، كما في: لو طلعت الشمس لكان الضياء ~~موجودا، فلا يستلزم امتناع الشرط امتناع ms166 الجزاء؛ لأن الضياء قد يوجد بغير ~~طلوع الشمس، فالممتنع بامتناع طلوع الشمس إنما هو نوع من الضياء لا جميعه، ~~فإذا عرفت هذا فاعلم أن قول القائل لعبده: لو دخلت الدار لعتقت، لا يقع به ~~عتق، قال صاحب المرآة: "ولكن الفقهاء استعاروه لأن، كما في قوله تعالى: { ~~ولو أعجبك } (المائدة: 100)، { ولو كره الكافرون } (غافر: 14)"، إلى أن ~~قال: "فإذا قال: أنت طالق لو دخلت الدار، لا يقع حتى تدخل"، أقول: والذي ~~تقتضيه القواعد العربية والأصولية أنه لا طلاق بهذا أصلا إلا إن نوى الطلاق ~~بذلك؛ لأن جعل لو بمعنى أن إنما هو مجاز استعاري، وقد تقرر أن المجاز لا ~~يصار إليه إلا مع قرينة تمنع من إرادة الحقيقة، أما إذا قال: لو دخلت الدار ~~فأنت طالق، فالفاء قرينة لاستعمال "لو" بمعنى "إن"؛ لأن اللام هي التي تدخل ~~جواب "لو"، والفاء تدخل في جواب "إن"، فيقع الطلاق بالدخول في مثل هذا ~~اللفظ، كما لو قال: إن دخلت الدار، وهذا معنى قوله: "واللام في جوابها لا ~~الفاء"، أي: اللام هي التي تكون في PageV01P248 جواب "لو" تارة، ولا تكون ~~تارة أخرى، لا الفاء؛ لأن الفاء يكون في جواب إن ونحوها من الأدوات ~~المقتضية للإستقبال. # ومنها: لولا: وهي حرف موضوع لامتناع الشيء لوجود غيره، جعل مانعا من وقوع ~~ما يترتب عليه، فصار كالاستثناء، فلا تطلق المرأة بقول الزوج لا: أنت طالق ~~لولا دخولك الدار؛ لأن معناه: إن عدم وقوع طلاقك لوجود دخولك الدار، فهو ~~بمنزلة قوله: أنت طالق إلا إن دخلت الدار، وهذا معنى قول المصنف: "ومثل ~~لولا المنع الاستثناء"، بجر المنع بإضافة لولا إليه، ولا يقال: إن الحروف ~~لا تضاف، لأنا نقول: إن المراد ههنا اسم الحرف لا ذاته، والمعنى: إن لولا ~~المفيدة للمنع مثل الاستثناء بجامع أن كلا منهما يمنع من وقوع الشيء لوجود ~~غيره، ففي البيت قلب، حيث جعل لولا مشبها به والاستثناء مشبها، والأصل العكس. # ومنها: متى، وهي للوقت اللازم المبهم، فقول الرجل لزوجته: أنت طالق متى ~~لم أطلقك، تطلق بما إذا ms167 سكت عن طلاقها في وقت يمكنه تطليقها، وإن قبل ذلك ~~الوقت، وقوله لها: أنت طالق متى شئت، تطلق متى شاءت الطلاق، سواء شاءت ~~الطلاق في مجلسه أو بعد انقطاع المجلس؛ لأن متى للوقت المبهم كما علمت، وهو ~~يتناول الزمان كله، كما أن أين تتناول المكان كله، فقوله: أنت طالق أين ~~شئت؛ لا يقصر على المجلس، بل تطلق في أي مكان شاءت الطلاق كما مر. # ومنها: إذا، وهي عند البصريين موضوعة للظرف، وتضاف إلى جملة فعلية في ~~معنى الاستقبال، وقد تستعمل لمجرد الظرفية من غير اعتبار شرط وتعليق، كقوله ~~تعالى: { والليل إذا يغشى } (الليل: 1)، أي: وقت غشيانه، على أنه بدل من ~~الليل، وتستعمل أيضا للشرط، بلا سقوط معنى الظرف، مثل: إذا خرجت خرجت، أي ~~أخرج وقت خروجك تعليقا لخروجك بخروجه بمنزلة PageV01P249 تعليق الجزاء ~~بالشرط، ولا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز؛ لأنها لم تستعمل إلا في معنى ~~الظرف، لكنها تضمنت معنى الشرط باعتبار إفادة الكلام تقييد حصول مضمون جملة ~~بمضمون جملة أخرى، بمنزلة المبتدأ المتضمن معنى الشرط، مثل: الذي يأتيني ~~فله كذا، ولم يلزم من ذلك استعمال اللفظ في غير ما وضع له أصلا، أما ~~الكوفيون فإنها معهم مشتركة لفظا بين الظرفية والشرطية، فإنها تستعمل عندهم ~~في الظرفية فقط، كقوله: # وإذا تكون كريهة ادعى لها ... وإذا يحاس الحيس يدعى جندب # وتستعمل في الشرط فقط، كقوله: # واستغن ما أغناك ربك بالغنى ... وإذا تصبك خصاصة فتحمل # وكلا الإستعمالين عندهم حقيقة، والذي جريت عليه في النظم هو مذهب ~~البصريين، والله أعلم. # #خاتمة # نذكر فيها معنى كيف وغير لتوقف بعض المسائل عليهما، قال: # وكيف للسؤال عن حال فإن ... أمكن والإلغاء إن لم يمكنن # اعلم أن كيف موضوعة في الأصل للسؤال عن الحال يقال: كيف زيد إذا أريد ~~البحث عن حاله، أصحيح أم مريض؟ إلى غير ذلك، واستعملت في معنى الشرط مع ~~ملاحظة الحال، نحو: كيف تجلس اجلس، واستعملت أيضا لمجرد الحال مع خلوها عن ~~السؤال والشرط، كاضرب زيدا كيف وجدته، فإن أمكن مراعاة الحال فيها مع ms168 ~~السؤال أو مع الشرط أو مجردا منهما حمل على الآخر، وإلا ألغي، فمثال ما ~~يمكن الحمل فيه على الشرط مع مراعاة الحال قول الرجل لامرأته: كيف تجلسين ~~تطلقين، فإنها تطلق بنفس الجلوس على أي حال حالة كان هذا على مذهب بعض أهل ~~العربية، واشترط آخرون في كونها للشرط: أن يكون فعل الشرط وفعل الجزاء من ~~جنس واحد، نحو: كيف تجلس اجلس، وعلى هذا المذهب فلا يستقيم PageV01P250 ~~كلام الزوج، بل يجب إلغاء كيف، ويقال في جوابه إنه إن كان نوى الطلاق؛ فيقع ~~بغير تعليق، ومثال ما يمكن فيه الحمل على مجرد الحال قول الرجل لامرأته: ~~أنت طالق كيف شئت، فإنها تطلق كيف شاءت واحدة أو اثنتين أو ثلاثا إذا شاءت ~~ذلك في المجلس، ومثال ما يتعين إلغاؤه، ولا يمكن اعتبار الحالية فيه قول ~~السيد لعبده: أنت حر كيف شئت، فإنه يعتق من حينه، ذلك لأن العتق لا كيفية ~~له، فإن قيل: لا نسلم إن لا كيفية له، كيف وأنه قد يكون منجزا، وقد يكون ~~معلقا، وبدون مال وبمال، ومقيدا بالزمان المستقبل ومطلقا، وكل منها كيفية. # أجيب: بأن هذه المعاني كيفيات للإعتاق لا للعتق؛ لأنه بعد وقوعه يثبت ~~بكيفية مخصوصة غير مختلفة، والله أعلم، ثم قال: # وغير تأتي صفة واستثنا ... فاختلف الحكمان حسب المعنى # فدرهم على غير ربع ... ثلاثة الأرباع إن لم ترفع # ولم تجر وإذا ما رفعا ... أو جر فالدرهم ثابت معا # لأن في انتصابها استثناؤه ... وأن في انجرارها إلغاؤه # لغير: استعمالان: # - أحدهما أن تستعمل صفة لنكرة، كجاء رجل غير زيد، ولا تتعرف بالإضافة ~~لشدة إبهامها. # - وثانيهما: أن تستعمل استثناء لمشابهة بينها وبين إلا؛ لأن ما بعد كل ~~واحد منهما مغاير لحكم ما قبله، نحو: جاء القوم غير زيد، والفرق بين ~~الاستعمالين بوجهين: # * الأول: أن استعمالها صفة مختص بالنكرة بخلاف الاستثناء. # * الثاني: أنه لو قال: جاءني رجل غير زيد؛ لم يكن فيه أن زيدا جاء أو لم ~~يجيء، بل كان خبرا أن غيره جاء، ولو قال: جاءني القوم غير زيد بالنصب ms169؛ فإنه ~~يفهم أن زيدا لم يجيء لغة وعرفا، فباختلاف الاستعمالين اختلف الحكم، فقول ~~المقر: علي درهم غير ربع، بنصب غير؛ يوجب عليه ثلاثة أرباع الدرهم؛ لأنه ~~بمنزلة أن لو قال: علي درهم إلا ربعا، ويجب عليه درهم تام فيما إذا رفع غير ~~أو جرها، أما الرفع فلأنها تكون صفة للدرهم، فهو بمنزلة PageV01P251 قوله: ~~علي درهم مغاير للربع، وأما الجر فلأنها تكون حينئذ لغوا لا معنى لها فيتم ~~الكلام بدونها، فيثبت الإقرار بالدرهم كاملا، والله أعلم. # ** مبحث الصريح والكناية ** # أما الصريح من مجاز كانا ... أو أصله منه المراد بانا # وحكمه ثبوت ما به وجب ... بغير نية قضاء مرتقب # وما اختفى مراده من ذين ... كناية واثبت لها حكمين # ثبوت ما بها أريد أن قصد ... ودفعه إذا بشبهة ترد # اعلم أن الصريح والكناية قسمان: للحقيقة والمجاز من حيث استعمال اللفظ في ~~معناه، وبينهما وبين الحقيقة والمجاز عموم وخصوص وجهي؛ لأن بعض الحقيقة ~~صريح، وبعضها كناية، وبعض الصريح حقيقة وبعضه مجاز، وبعض المجاز صريح وبعضه ~~كناية، وبعض الكناية مجاز وبعضها حقيقة، كما ستعرفه قريبا. # * أما الصريح: # فهو ما ظهر المراد منه ظهورا بينا، أي: انكشف انكشافا تاما من حيث كثرة ~~الاستعمال له كان ذلك اللفظ المستعمل حقيقة أو مجازا، وهو معنى قول المصنف ~~من مجاز كانا أو أصله، فإن أصل المجاز هي الحقيقة، وقوله: "منه المراد ~~بانا": صلة لموصول محذوف، تقديره: فالذي منه المراد بانا، أي: الصريح هو ~~الذي بان المراد منه، أي: ظهر ظهورا بينا. # - وحكمه: ثبوت ما وجب به بلا توقف على نية؛ لأنه لوضوحه قام مقام معناه ~~في إيجاب الحكم بحيث صار المنظور إليه نفس العبارة لا معناها، فصارت ~~العبارة بحيث يثبت الحكم بها، بأي وجه ذكرت من نداء أو وصف أو خبر، سواء ~~نوي أو لم ينو، وهذا معنى قوله: "ثبوت ما به وجب من غير نية"، أمأ قوله: ~~"قضاء مرتقب"، فمعناه: إن ثبوت ذلك إنما هو في القضاء المنتظر، أي: يقضي ~~بموجبه في الحكم الظاهر، وإن لم ينوه أما ms170 في الديانة فإنه يصدق في دينه إذا ~~قال: نويت غير موجب هذا اللفظ، إذا كان لكلامه محتمل، وذلك كما إذا نوى ~~بقوله: أنت طالق رفع القيد الحسي عنها؛ لإطلاقها منه، فإنه يصدق ديانة لا قضاء. # * وأما PageV01P252 الكناية: # فهي ما أشار إليه بقوله: "وما اختفى مراده" إلى آخره، وحاصله أن الكناية ~~لفظ استتر المراد منه كان حقيقة أو مجازا، فقوله: "من ذين" إشارة إلى أن ~~المجاز وأصله الذي هو الحقيقة. # - اعلم أن الكناية في اللغة: هي أن يتكلم بشيء يستدل به على المكنى عنه ~~كالرفث والغائط. # - وفي عرف البيانيين: أن يذكر لفظ، ويراد معناه لا لذاته بل لينتقل منه ~~إلى معنى ثان هو ملزوم للمعنى الأول ومتبوع له، والانتقال من التابع إلى ~~المتبوع مما لا خفاء فيه، ومناط الإثبات والنفي والصدق والكذب هو المعنى ~~الثاني لا الأول، فصح أن يقال: فلان طويل النجاد، قصدا به إلى طول القامة، ~~وإن لم يكن له نجاد أضلا، بل وإن استحال المعنى الحقيقي، كما في قوله ~~تعالى: والسماوات مطويات بيمينه سبحانه } (الزمر: 67)، { الرحمن على العرش ~~استوى } (طه: 5)، فإن هذه الأشياء كنايات عند المحققين من غير لزوم كذب؛ ~~لأن استعمال اللفظ في معناه الحقيقي، وطلب دلالته عليه إنما هو لقصد ~~الانتقال منه إلى ملزومه لا لكونه مقصودا لذاته، فلا يلزم الكذب باستحالة ~~المعنى الحقيقي ليس بشرط في الكناية، وإن كان مستعملا فيه، وإنما يشترط ذلك ~~لو كان استعماله فيه لكونه مقصودا لذاته. # - وفي عرف الأصوليين: ما استتر المراد به في نفسه حقيقة أو مجازا، ~~فالحقيقة التي لم تهجر، والتي هجرت، وغلب معناها المجازي في الاستعمال ~~كناية، والمجاز المتعارف صريح، وغير المتعارف كناية عندهم، وقد اشتهر بينهم ~~إطلاق لفظ الكناية على ألفاظ يقع بها الطلاق، وهي على ثلاثة أقسام، منها ما ~~يصلح جوابا وردا إلا سبا وشتما، نحو: اخرجي اذهبي اعزبي قومي، تقنعي استتري ~~تخمري، ومنها: ما يصلح جوابا وشتما، لا ردا نحو: خلية برية بائن بتة حرام، ~~ومنها ما يصلح جوابا لا ردا ولا شتما، نحو ms171: اعتدي واستبرئ رحمك. # وللكناية حكمان: أحدهما: ثبوت ما يراد بها مع النية والقصد، لذلك فإذا لم ~~ينو شيئا لم يقض بثبوت موجبها. وثانيهما: عدم إثباتها ما يندرئ بالشبهة؛ ~~PageV01P253 فيجب دفع موجبها إذا كان مما يدفع بالشبهات، كالحدود، فلا يحد ~~إذا أقر على نفسه بموجب الحد بطريق الكناية، كما إذا قال: جامعتها أو ~~واقعتها، أو نحو ذلك، وكذلك أيضا لا يحد بالتعريض كما إذا قال: لست أنا ~~بزان تعريضا بأن المخاطب زان، فإنه كناية أيضا، فإن قيل: لو قذف رجلا، فقال ~~آخر: هو كما قلت، يحد مع أنه ليس بصريح. # أجيب: بأن كاف التشبيه تفيد العموم عندهم في محل يقبله، وهذا المحل قابل؛ ~~فيكون نسبة له إلى الزنا بلا احتمال، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان أقسام الوجه الذي يكون به أخذ الحكم من اللفظ، فقال: # # مبحث دلالة اللفظ على الحكم # اعلم أن معنى الدلالة عند علماء الأصول والبيان: فهم المعنى من اللفظ إذا ~~أطلق بالنسبة إلى العالم بالوضع، فاللفظ هو الدليل، والمعنى هو المدلول ~~عليه، والعالم بالوضع الآخذ بالدليل هو المستدل، وفهم المعنى من اللفظ هي ~~الدلالة الوضعية اللفظية، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام: إلى مطابقة كلالة زيد ~~على الشخص المسمى بذلك، وكدلالة الأسد على الحيوان المفترس المخصوص، وإلى ~~تضمن كدلالة الحيوان على بعض أنواعه دون بعض، وكذلك كما إذا قلتك رأيت ~~حيوانا راكبا على فرس، فإن لفظ: حيوان ههنا دال على الإنسان من بين سائر ~~أنواعه بقرينة الركوب على الفرس، وإلى: التزام كدلالة اللفظ على لازم ~~معناه، نحو: قوله تعالى: { وأحل الله البيع وحرم الربا } (البقرة: 275)، ~~فإنه دال على التفرقة بين البيع والربا، وهي لازم المعنى، والمعتبر عندهم ~~في دلالة الالتزا مطلق اللزوم عقليا كان أو غيره، بينا كان أو غيره، ولهذا ~~يجري فيها الوضوح والخفاء، ثم إن اللفظ الدال على المعنى إما أن يدل عليه ~~بعبارته أو بإشارته أو باقتضائه أو بدلالته، وسيأتي بيان كل واحد من هذه ~~الأقسام قريبا. # ووجه حصر دلالة اللفظ على معناه في هذه ms172 الأربعة الأقسام هو أن الحكم ~~المستفاد من النظم إما أن يكون ثابتا PageV01P254 بنفس النظم أولا. # - والأول: إن كان النظم مسوقا له؛ فهو العبارة، و إلا فهو الإشارة. # - والثاني: إن كان الحكم مفهوما منه لغة فهي الدلالة، أو شرعا فهو ~~الاقتضاء، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان كل واحد من هذه الأقسام، فقال: # واللفظ قد يدل بالعبارة ... ومرة يدل بالإشارة # وباقتضائه وبالدلالة ... فأول ما سيق للإفادة # وإن يسق لغيرها فالثاني ... مدلول ذا وذاك مقصودان # والاقتضاء هو ما توقفا ... عليه صحة الكلام والوفا # ولا يعم إن بغيره اكتفى ... وعم أن يحتج إليه فاعرف # مثاله: عبدك عني أعتقه ... بمائة أي بعه مني وأطلقه # ورابع الأقسام أن يدلا ... لا من محل النطق حين دلا # اعلم أن اللفظ الذي له معنى: إما أن يدل على معناه بعبارته، وإما أن يدل ~~عليه بإشارته، وإما ان يدل عليه باقتضائه، وإما أن يدل عليه بدلالته. # ? * فأما الدال عليه بعبارته: فهو ما دل على ما سيق له بإحدى الدلالات ~~الثلاث التي هي: المطابقة والتضمن والالتزام، ومعنى ما سيق له: هو أن يكون ~~المعنى مقصودا أصليا، وليس المراد منه ما ذهب إليه بعض الأصوليين إلى أن ~~معنى المسوق له هاهنا كونه مقصودا في الجملة سواء كان أصليا كالعدد في آية ~~النكاح، وهي قوله تعالى: { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ~~} (النساء: 3)، أو غير أصلي كإباحة النكاح فيها، فمثال ما دل على المعنى ~~بعبارته دلالة مطابقة: ذكر العدد في آية النكاح المتقدم ذكرها، فإنها مسوقة ~~لبيان القدر الذي أبيح لنا من جمع النساء، وهي دالة على ذلك بطريق مطابقة ~~اللفظ لمعناه، وكذلك قوله تعالى: { للفقراء المهاجرين } (الحشر: 8)، فإنه ~~عبارة عن إيجاب السهم من الغنيمة لهم، وهو المعنى المطابق له، ومثاله: ما ~~دل بالتضمن: قول الرجل لزوجته وقد عابته على تزويجه عليها بأخرى: كل ~~PageV01P255 امرأة له فهي طالق، يريد بها المرأة الجديدة، فإن مقام العتاب ~~قصر هذا اللفظ عن معناه العام إلى بعض ما يتضمنه؛ فيدل على طلاق ms173 الجديدة ~~بطريق التضمن، وهو المعنى الذي ساق الكلام لأجله، فيكون عبارة فيه، وهو ~~مصدق في ذلك إن قال: نويت طلاق واحدة بعينها، ويحكم عليه بطلاق الكل عند ~~القضاء، ومثل ما دل بالالتزام قوله تعالى: { وأحل الله البيع وحرم الربا } ~~(البقرة: 275)، فإنه عبارة في التفرقة بين البيع والربا اللازمة للمعنى ~~المطابق؛ لأنه إنما سيق ردا على زعم الكفار أن البيع مثل الربا. # ? وأما الدال بإشارته: فهو ما دل على ما ليس له السياق بدلالة المطابقة ~~أو التضمن أو الالتزام، - مثال الدال بالمطابقة قوله تعالى: { وأحل الله ~~البيع وحرم الربا } (البقرة: 275)، فإنه إشارة في بيان الحل والحرمة، وهو ~~المعنى المطابق لها. # - ومثال الدال بالتضمن: قول الرجل لامرأته كل امرأة له طالق، إذا كان ~~إنما ساق هذا الكلام لطلاق غير المخاطبة؛ فإنه يحكم عليه بطلاق المخاطبة ~~أيضا؛ لأن كلامه يتضمن طلاقها أيضا، وإن كان عبارة في طلاق غيرها كما مر آنفا. # - ومثال الدال بالالتزام: نحو قوله تعالى: { وعلى المولود له } (البقرة: ~~233) الآية، فإنها إشارة في أن النسب إلى الآباء، وهو لازم للولادة لأجل ~~الأب، ومنه أيضا قوله تعالى: للفقراء المهاجرين } (الحشر: 8)، فإنه إشارة ~~في زوال ملكهم عما خلفوا في دار الحرب؛ فتكون الآية دليلا على أن ما اغتصبه ~~المشركون من المسلمين إنما هو للمشركين، وليس لأربابه المسلمين فيه ملك، ~~كما هو مذهب بعض أصحابنا والحنفية، وذهب آخرون منا إلى أنه لا يكون ملكا ~~للمشركين ما لم يسلموا عليه؛ لقوله تعالى: { ولن يجعل الله للكافرين على ~~المؤمنين سبيلا } (النساء: 141)، فإطلاق الفقراء في الآية على المهاجرين ~~إنما هو بطريق الاستعارة عند أهل هذا المذهب، وعليه الشافعي. # وأشار بقوله : "مدلول ذا وذاك مقصودان": إلى رد ما صرح به بعضهم من أن ~~المدلول عليه بالإشارة لا يكون مقصودا؛ وهو باطل؛ لأن الخواص والمزايا التي ~~بها تتم البلاغة، PageV01P256 ويظهر الإعجاز ثابتة بالإشارة كما صرح به ~~بعضهم، وقد قرر في كتب المعاني أن الخواص يجب أن تكون مقصودة للمتكلم حتى ~~أن ما لا يكون مقصودا أصلا لا يعتد به ms174 قطعا، على أن كثيرا من الأحكام يثبت ~~بالإشارة، والقول بثبوت الحكم الشرعي بما لا يقصد به الشارع ذلك الحكم ظاهر ~~الضعف، وقولهم: "كم من شيء يثبت ولا يقصد": ليس في مثل هذا المقام. # ? وأما الدال باقتضائه: فهو ما مضمر مقصود بتوقف عليه صدق الكلام أو صحته ~~العقلية أو الشرعية، ولا يكون إلا بطريق الالتزام. # - فمثال ما توقف عليه صدق الكلام لغة: قوله - صلى الله عليه وسلم - : ~~"رفع عن أمتي الخطأ والنسيان"، فإن صدق الكلام متوقف على مضمر محذوف ~~تقديره: رفع عن أمتي إثم الخطأ والنسيان، فلفظ الإثم هو المضمر المحذوف ~~الذي احتاج إليه الكلام واقتضاه؛ لأن الخطأ والنسيان موجودان في الأمة، ~~وقطعنا بصدق الشارع؛ فاحتاج كلامه إلى المضمر المحذوف. # - ومثال توقف عليه صحة الكلام عقلا: قوله تعالى: { واسأل القرية التي كنا ~~فيها } (يوسف: 82)، فإن العقل لا يجوز سؤال القرية نفسها؛ فتوقف صحة هذا ~~الكلام عقلا على إضمار لفظ: الأهل. # - ومثال ما توقفت عليه صحة الكلام شرعا: قوله - صلى الله عليه وسلم - : ~~"لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"، "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من ~~الليل"، ولولا تقدير الصحة في الحديث الثاني والكمال في الحديث الأول ما صح ~~هذا الكلام شرعا. ومنه مثال المتن وهو: أعتق عبدك عني بمائة، إذ التقدير: ~~بع مني عبدك وعتقه عني، ولولا هذا المضمر المحذوف لما صح هذا الكلام شرعا، ~~أي: لولا ذلك لما لزمه ثمن، ولا كان العتق مجزيا عنه، لكنه يجزي عن العتق، ~~ويلزمه الثمن بتقدير ذلك المحذوف، وأما الدال بدلالته، فهو ما دل عليه ~~اللفظ لا في محل النطق، أي يكون حكما لغير المذكور، وحالا من أحواله. # اعلم أن طائفة من الأصوليين قسموا باب دلالة اللفظ على معناه إلى قسمين: ~~منطوق ومفهوم: # ? وعرفوا المنطوق: بأنه PageV01P257 ما دل عليه اللفظ في محل النطق، أي ~~يكون حكما للمذكور، وحالا من أحواله، سواء نطق به أولا، وهو بهذا المعنى ~~متناول للدال بعبارته، والدال بإشارته، والدال باقتضائه. # ? وفسروا المفهوم بما تقدم في تفسيرنا للدال بدلالته، وهي ms175 طريقة ~~الأصوليين من أصحابنا والشافعية، وقسموا المفهوم إلى أقسام يأتي ذكرها ~~قريبا إن شاء الله تعالى. # ثم إن كل من الدال بعبارته والدال بإشارته يكون عاما ويكون خاصا بحسب ما ~~يقتضيه اللفظ في الأولين، وبحسب ما يقتضيه المعنى في الأخير. وأما الدال ~~باقتضائه فإن اكتفى في تقدير صحة الكلام وصدقه بما دون العموم فيه فلا عموم ~~له، وإن لم يكتف بدون العموم في استقامة الكلام صدقا أو صحة؛ فإنه يعم بحسب ~~ذلك المقدر المقتضى، وتوضيحه: أنه إذا لم يستقم الكلام إلا بتقدير محذوف، ~~وكان هنالك أمور منها عام ومنها خاص، وكل واحد منها يصلح لاستقامة الكلام؛ ~~فلا يصار إلى تقدير العام فيه بل يجب أن يكون المقدر هو الخاص؛ لأنه إنما ~~قدر لضرورة اقتضاء استقامة الكلام له، وإذا اندفعت الضرورة بشيء فلا يتجاوز ~~إلى غيره في باب التقديرات، وإذا لم يستقم الكلام إلا بتقدير العام تعين ~~حينئذ تقديره، وكان المقتضى عاما كما في: اعتقوا عبيدكم عني على كذا، حيث ~~يثبت بيع كل واحد من العبيد له إذا عتقوا بقوله؛ فيلزمه ثمن الجميع، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان تقسيم الدال بدلالته، وبيان حكمه، فقال: # وسمه فحوى الخطاب إن أتى ... موافقا منطوقه ما سكتا # وقد يجي مساويا المنطوق ... في الحكم أو أولى لدى التحقيق # وحكمه القطع إذا لم يعرض ... عليه عارض سواه يقتضي # ينقسم الدال بدلالته: - وهو الذي عبر عنه الأصوليون منا ومن الشافعية ~~وغيرهم بمفهوم الخطاب- إلى قسمين: مفهوم موافقة ومفهوم مخالفة، فأما مفهوم ~~المخالفة فسيأتي بيانه، وبيان حكمه. # وأما مفهوم الموافقة: فهو PageV01P258 ما وافق منه المسكوت عنه حكم ~~المنطوق به، وهو نوعان: # - لأنه إما أن يكون المسكوت عنه أولى بذلك الحكم من المنطوق به لأشديته ~~في المناسبة بذلك، وذلك كتحريم ضرب الوالدين وشتمهما المفهوم من قوله ~~تعالى: { فلا تقل لهمآ أف } (الإسراء: 23) الآية، فإن المقصود منها تحريم ~~إيذاء الوالدين، والضرب والشتم أشد إيذاء من التأفيف، ويسمى هذا النوع: ~~فحوى الخطاب، ووجه تسميته بذلك: هو أن فحوى الخطاب ما ms176 يفهم منه قطعا، وحرمة ~~ضرب الوالدين وشتمهما مأخوذة من تحريم التأفيف المقصود به تحريم الإيذاء. # - وأما أن يكون مساويا له، وذلك كتحريم حرق مال اليتيم المفهوم من قوله ~~تعالى: { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما } (النساء: 10) الآية، فإنها ~~صريح في تحريم أكل أموال اليتامى، وهي دالة بمفهومها على تحريم حرق أموالهم ~~وإتلافها بغير الأكل، والحكم ي جميع ذلك سواء، ويسمى هذا النوع: لحن ~~الخطاب، ووجه تسميته بذلك أن لحن الخطاب معناه، قال تعالى: { ولتعرفنهم في ~~لحن القول } (محمد - صلى الله عليه وسلم - : 30)، وما ذكر فيهذا النوع من ~~جملة معنى الخطاب، وحكم مفهوم الموافقة من حيث هو هو أنه يفيد القطع في ~~مدلوله، أي: إذا سمعنا من الشارع نحو قوله: { إن الذين يأكلون أموال ~~اليتامى ظلما } (النساء: 10) الآية، قطعنا بأن ما عدا الأكل من أنوع ~~الإتلافات داخل تحت هذا الحكم إلا لعارض يقتضي عدم القطع به، وذلك نحو: إذا ~~كان القتل الخطأ واليمين الغير الغموس يوجبان الكفارة، فالعمد والغموس ~~أولى، والمعنى المقصود من لك الزجر عن ارتكاب ما نهينا عنه من القتل، ~~وانتهاك حرمة اليمين، وهذا المعنى في قتل العمد وفي اليمين الغموس أشد منه ~~في الخطأ وفي غير الغموس، والعارض هنا هو إمكان أن يكون المعنى الذي قصد من ~~الكفارة في قتل الخطأ واليمين الغير الغموس هو غير الزجر المذكور، إذ يمكن ~~أن يكون المقصود بالكفارة هنالك التدارك والتلافي، والعمد والغموس لا ~~يقبلان ذلك؛ لشدتهما، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان PageV01P259 القسم الثاني من قسمي مفهوم الخطاب، فقال: # وإن يكن مخالفا لحكمه ... فبالدليل للخطاب سمه # أثبته قوم دليلا ونفى ... قوم ثبوت الحكم فاعرفا # وشرطه أن لا يكون مقتضى ... يمنع من تخصيص الحكم الرضى # وذاك مثل عادة للعرب ... في نحو أن يجري مجرى الأغلب # وكجواب للذي قد سألا ... ومثل تعليم لمن قد جهلا # القسم الثاني من قسمي مفهوم الخطاب: مفهوم المخالفة، وهو أن يخال المسكوت ~~عنه حكم المنطوق به نحو: "في الغنم السائمة زكاة"، مفهومه: أن غير السائمة ~~ليس فيها ms177 زكاة، فالسائمة منطوق به، وغير السائمة مسكوت عنه، وحكم المنطوق ~~به هنا إيجاب الزكاة فيه، وحكم المسكوت عنه عدم إيجابها فيه، ويسمى هذا ~~النوع: دليل الخطاب، وسماه بعضهم: لحن الخطاب أيضا، واختلفوا في كونه دليلا ~~وحجة، أثبته قوم دليلا لفظيا من حيث اللغة، وقوم من حيث الشرع، وقالت ~~الشافعية: هو حجة لغوية فيما عدا مفهوم اللقب؛ لأن مفهوم اللقب عندهم ليس ~~بشيء؛ لأن اللقب يذكر دليلا أصلا لاستقامة الكلام به واختلاله بتركه، وما ~~كان كذلك فلا مفهوم له، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى، وأنكر أبو ~~حنيفة كون مفهوم المخالفة دليلا أصلا، وأثبت كثيرا من الأحكام الثابتة عند ~~غيره بمفهوم المخالفة، وجعل ثبوتها من باب استصحاب حال الأصل في الإباحة ~~الأصلية، مثال ذلك: عدم وجوب الزكاة في الغنم المعلوفة، فإن هذا الحكم عنده ~~ثابت بالإباحة الأصلية، فإن الأصل عدم وجوب الزكاة رأسا، وحديث: "في الغنم ~~السائمة زكاة"، إنما أوجب الزكاة في الغنم السائمة دون غيرها، فبقي ما عدا ~~ذلك على أصله الأول، وكذلك عنده فيما عدا هذه الصورة، ووافقه على ذلك جماعة ~~من يغر أهل مذهبه، وأنكر بعضهم بعض أنواع مفهوم المخالفة دون بعض، كما ~~ستعرفه مما سيأتي إن شاء PageV01P260 الله تعالى، وأنكر قوم كون مفهوم ~~المخالفة حجة في الخبر دون الإنشاء، فإن الخبر له خارج لا ينتفي بذكر بعض ~~أفراده، والإنشاء لا خارج له، فقول القائل: في الشام الغنم السائمة، لا يدل ~~عندهم على نفي وجود غير السائمة هنالك، بخلاف قوله: "في الغنم السائمة ~~زكاة"، فإنه إنشاء معنى، ولا خارج له، واختار أصحابنا كونه حجة من حيث ~~اللغة؛ لقول كثير من أئمة اللغة # منهم أبو عبيدة وعبيد تلميذه قالا في حديث الصحيحين: "مطل الغني ظلم"، ~~أنه يدل على أن مطل غير الغني ليس بظلم، وهم إنما يقولون في مثل ذلكما ~~يعرفونه من لسان العرب، وقد فهم - صلى الله عليه وسلم - من قوله: { إن ~~تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } (التوبة: 80)، أن حكم ما زاد على ~~السبعين ms178 بخلاف حكمها، حيث قال: "خيرني الله، وسأزيده على السبعين"، وأن ~~يعلى بن منبه قال لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : ما بالنا نقصر وقد ~~أمنا، وقد قال تعالى: { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن ~~يفتنكم الذين كفروا } (النساء: 101)، فقال عمر - رضي الله عنه - : تعجبت ~~مما تعجبت منه، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "إنما هي ~~صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته"، ففهما نفي القصر حال عدم الخوف، ~~وأقره - صلى الله عليه وسلم -، وأيضا فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : ~~"طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبعا"، فلو لم يفهم أن ما دون ~~السبع لا يطهره بل يطهر بالثلاث لم تكن السبع مطهرة؛ لأن تحصيل الحاصل محال. # واستدل المنكرون لحجية مفهوم المخالفة بأمور منها: - أنهم قالوا: لوثبت ~~الأخذ بمفهوم احتاج في ثبوته إلى دليل، وهو إما عقلي، ولا مجال للعقل في ~~ذلك، أو نقلي، فإما توتري أو آحادي، والتواتري لم يكن، والآحادي لا يؤخذ به ~~في ذلك. # ورد: بأن المفهوم أمر لغوي يثبت بالآحادي، كنقل الأصمعي والخليل وأبي ~~عبيد وسيبويه. # - ومنها أنهم قالوا: لو صح كون الوصف موضوعا بيفيد التقييد لما صح أن يرد ~~لغير التقييد، والمعلوم أنه قد PageV01P261 ورد لغير التقييد. # ورد: بأن وروده لغير التقييد لا يمنع من كونه للتقييد، بل يحمل على عدم ~~التقييد إن قام الدليل على ذلك، وإن لم يقم دليل على ذلك حمل على التقييد، ~~وشرط وجود هذا النوع: أن لا يكون هنالك أمر يقتضي عدم تخصيص الحكم بذلك ~~المذكور. # اعلم أن المقتضي لعدم تخصيص الحكم بذلك المذكور أشياء منها: أن يكون ذلك ~~المذكور جاريا مجرى الأغلب المعتاد، فإن العرب قد تذكر الشيء، ولا تريد به ~~نفس التقييد، وإنما تذكره لكونه الأغلب وجودا من سائر الأحوال، كما في قوله ~~تعالى: { وربائبكم اللاتي في حجوركم } (النساء: 23)، فهذه الصفة جارية على ~~مجرى الأغلب من أحوال الربائب، فإن غالب الربائب يكن في حجورنا، أي: في ~~تربيتنا، فلا يختص ms179 تحريم الربيبة بالربائب اللاتي في حجورنا، بل المحرم ~~جميع الربائب عندنا، ومنه قوله تعالى: { فمن اضطر في مخمصة } (المائدة: 3)، ~~فالاضطرار إلى أكل الميتة وما بعدها مبيح لأكلها عندنا، ولو لم يكن في ~~مخمصة، وإنما ذكرت المخمصة هاهنا لأنها هي الحال الغالب من أحوال الضرورة ~~إلى أكل الميتة، فليس في الآيتين مفهوم، وخالف في هذا الشرط إمام الحرمين، ~~حيث قال: "إن المفهوم من مقتضيات اللفظ، فلا تسقطه موافقة الغالب". وأجيب ~~بأن المفهوم فائدة خفية لا تعتبر عند وجود فائدة ظاهرة يمكن حمل المذكور عليها. # - ومنها: أن يكون المذكور إنما ذكر جوابا لمن سأل عن حكم ذلك الشيء ~~بعينه، كما إذا قال السائل: هل في الغنم السائمة زكاة، فيجاب: "في الغنم ~~السائمة زكاة"، فإن ذكر السائمة في هذا الموضع لا مفهوم له لكونه ذكر جوابا فقط. # - ومنها: أن يكون المذكور إنما ذكر لكون السامع جاهلا بحكمه دون حكم ~~المسكوت عنه، فيعلم أن في الغنم السائمة زكاة مثلا، فلا مفهوم للسائمة ~~هاهنا أيضا. # - ومنها: أن يكون المسكوت عنه إنما سكت عنه لخوف من المتكلم أو جهل فيه، ~~وهذان الحالان لا يكونان في الشارع تعالى، فمثال ما سكت عنه لخوف، نحو: أن ~~يقول جديد العهد بالإسلام لعبده: أنفق هذا في المسلمين، وهو يريد المسلمين ~~وغيرهم، لكن سكت عن غيرهم مخالفة أن يتهم بالنفاق، ومثال ما سكت عنه لجهل: ~~كأن يقول المتكلم: في الغنم السائمة زكاة، إذا كان يجهل حكم غير السائمة ~~مثلا، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان أقسام مفهوم المخالفة، فقال: # وهو على سبعة أنواع ورد ... مفهوم غاية ومفهوم العدد # والحصر والشرط ومفهوم اللقب ... ووصفه استثناؤه إذ ينتخب # فالشرط والغاية والحصر معا ... أقوى مفاهيم وأجلى موقعا # ينقسم مفهوم المخالفة إلى سبعة أنواع: مفهوم الغاية ومفهوم العدد ومفهوم ~~الحصر ومفهوم الشرط ومفهوم اللقب ومفهوم الوصف ومفهوم الاستثناء، وزاد ~~بعضهم: مفهوم الزمان ومفهوم المكان، وهما على التحقيق داخلان تحت مفهوم ~~الصفة، إذ ليس المراد منها إلا ما يكون وصفا في المعنى، ولذا شملت مفهوم ms180 ~~الحال أيضا، من نحو: جاء زيد راكبا، إذ يفهم منه أن لم يجيء ماشيا. PageV01P262 # فأما مفهوم الغاية: فهو نحو قوله تعالى: { ثم أتموا الصيام إلى الليل } ~~(البقرة: 187)، وقوله تعالى: { فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } (الطلاق: ~~6)، ففهم من الآية الأولى ترك الصيام بالليل، ومن الآية الثانية: رفع وجوب ~~الإنفاق بعد الوضع، وخالف في مفهوم الغاية أبو رشيد، محتجا بأن اللفظ إنما ~~يفيد ما وضع له بمنطوقه، وليس في الغاية تصريح برفع الحكم عما بعدها، وإنما ~~المنطوق فيها أن الحكم ثابت إلى انتهائها، ومسكوت عنه فيما بعدها، فلا يحكم ~~له من لفظ بارتفاع ولا إيقاع إلا بقرينة أخرى غير لفظ الغاية. # والجواب: أما أولا: فلا نسلم أن اللفظ لا يفيد الحكم إلا بمنطوقه، بل ~~نقول إنه يفيد تارة بمنطوقه، وأخرى بمفهومه كما مر. وأما ثانيا: فإن ذكر ~~غاية الحكم كالمرادف للتصريح بالتوقيت المضروب للحكم؛ فاقتضى رفعه عما بعده ~~كما ذكر الجمهور. # وأما مفهوم العدد: فهو نحو قوله تعالى: { فاجلدوهم ثمانين جلدة } ~~(النور: 4)، يفهم منه: أن ما فوق الثمانين محظور، وخالف في هذا المفهوم بعض ~~PageV01P263 من قال بمفهوم الغاية وأبو الحسين، والمختار عند أصحابنا ~~والشافعية ثبوته؛ لأن الحكم لو ثبت فيما زاد على العدد المذكور لم يكن لذكر ~~العدد فائدة، وأيضا فهم - صلى الله عليه وسلم - من قوله تعالى: { إن تستغفر ~~لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } (التوبة: 80)، أن ما زاد على السبعين ~~مخالف لحكم السبعين، فقال: "لأزيدن على السبعين"، وأيضا فهمت الأمة من جعل ~~حد القاذف ثمانين حظر ما زاد عليه. # وأما مفهوم الحصر: فيكون تارة بإنما، كما في قوله تعالى: { إنما إلهكم ~~الله } (طه: 98)، { إنما الصدقات للفقراء } (التوبة: 60) الآية، وتارة يكون ~~بغيرها من ادوات الحصر، فمن ذلك: "ما" و "إلا"، نحو: ما زيد إلا قائم، ومن ~~ذلك: تقديم ماحقه التأخير، نحو: العالم زيد، أي: لا غيره، حيث لم يكن عهد، ~~ومن ذلك: ضمير الفصل، نحو: زيد هو القائم، أي لا غيره، حيث لم يكن عهد ~~أيضا، وغير ذلك مما ذكر ms181 في كتب المعاني، ولحصر بما وإلا أقوى من الحصر ~~بغيرهما، واختلفوا في إفادة الحصر من هذه الأدوات ما عدا ما وإلا، فقال ~~قوم: إن الحصر منه مستفاد من مفهومها المخالف لحكم منطوقها، وقال قوم: إنه ~~مستفاد من منطوقها، وقال آخرون: لا تفيد الحصر رأسا، والمختار أن الجميع ~~يفيد الحصر بمفهومه لا بمنطوقه؛ لأن اللفظ إنما يقيد بمنطوقه ما كان يفيده ~~ظاهر لفظه، والحصر ليس موجودا في لفظ إنما، وقد علمنا إفادته إياه ف قوله ~~تعالى: إنما إلهكم الله } (طه: 98)، وقوله تعالى: { إنما وليكم الله } ~~(المائدة: 55)، وقوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء } (التوبة: 60) وقطعنا ~~أنه من مفهومه لما لم يكن في منطوقه ما يفيده، وأيضا فلو لم يفد تقديم ~~الأعم الحصر من نحو قولك: العالم زيد؛ لكان قد أخبر عن الأعم بالأخص لعدم ~~الجنس فيه والعهد، والله أعلم. # وأما مفهوم الشرط: فنحو: أكرم زيدا إن دخل الدار، مفهومه ترك إكرامه ~~إذا لم يدخل الدار، وخالف في هذا المفهوم أبو علي وأبو هاشم والقاضي عبد ~~الجبار وأبو عبد الله البصري، واحتجوا على ذلك بأنه قد يرد لا للتقييد، ~~وذلك كقوله تعالى: { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا } ~~(النور: 33)، فإن مفهوم الشرط لا يعمل به هنا بالإجماع، ونظائر PageV01P264 ~~ذلك كثيرة. # والجواب عن ذلك: أن الآية ونظائرها جارية على مجرى الأغلب المعتاد عند ~~العرب، ولم يقصد بها التقييد، ونحن نسلم أنه لا مفهوم في مثل هذه الضورة، ~~وإنما المفهوم فيما إذا كملت شروطه المتقدمة آنفا. # وأما مفهوم اللقب: والمراد به ما عدا المشتق من الأسماء، كالعلم واسم ~~الجنس، فهو نحو قول القائل: أكرم الرجال، مفهومه عند من قال به: ترك إكرام ~~النساء، والقائل بهذا المفهوم الدقاق والصيرفي وبعض الحنابلة وبعض أصحابنا، ~~ومنعه الجمهور من قومنا، احتج القائلون به بأن الله تعالى إذا علق الحكم ~~على الاسم الخاص، ولم يعلقه على الاسم العام علمنا أنه غير متعلق به، إذ لو ~~كان متعلقا به لعلقه الله عليه، وذلك نحو أن يقول: في الغنم زكاة، فيعلم ms182 ~~أنها لو كانت الزكاة تجب في غير الغنم من الحيوان لعلق الزكاة به أيضا. # وأجيب: بأنه غنما علمنا أنه لا زكاة في غير الغنم لأنه لم يقم دليل على ~~وجوبها فيه، لا لأجل حكمه بوجوبها في الغنم، فلو لم تحصل الدلالة على ذلك ~~بذكرها للغنم بل يفقد الدليل فلا فائدة في ذكر الغنم إلا إيجاب الزكاة فيها ~~فقط، على أنه يجوز أن تكون المصلحة في أنه يبين لنا حكم الغنم في ذلك الوقت ~~بذلك الكلام، ويبين لنا حكم غيرها بكلام آخر في وقت آخر، وأيضا فلو أخذ ~~بمفهوم اللقب لكان قول القائل: محمد رسول الله كفرا؛ لتضمنه إنكار نبوة ~~الأنبياء، وكذلك: زيد موجود يكون كفرا؛ لتضمنه كون من عداه معدوما. # وأما مفهوم الصفة: والمراد بها ما كان صفة في المعنى، فنحو: أكرم ~~الرجال العلماء، مفهومه: ترك الإكرام لغير العلماء، وبه قال الشافعي وابن ~~حنبل وابي بشر الأشعري والجويني، ومن قال بمفهوم اللقب، وأنكر الاستدلال به ~~أبو العباس بن سريج وأكثر المعتزلة والحنفية والغزالي والباقلاني، وهم ~~المنكرون لمفهوم اللقب أيضا. # احتج المنكرون للاستدلال به بأن المعلوم من اللغة تعليق الحكم بالوصف لا ~~يفيد نفيه عما لم يتصف به، كتعليقه باللقب، إذ علمنا باستقراء اللغة ~~العربية أن وضع الصفة إنما كان للتوضيح، فإذا قلت: PageV01P265 # جاءني زيد العالم، فإنما جئت بالعالم لتوضيح الذي جاءك من الأشخاص ~~المشتركين في التسمية بزيد، ولم تقصد بذلك نفي مجيء من ليس بعالم. # وأجيب: بأن الصفة كما وردت للتوضيح وردت أيضا للتقييد اتفاقا بل التقييد ~~هو الغالب من أحوالها اتفاقا، وذلك كما في قوله تعالى: { قد أفلح المؤمنون ~~} (المؤمنون: 1) الآية، فإن جميع ما فيها من الصفات إنما وردت بيانا لتخصيص ~~الفلاح بمن كان من أهل تلك الصفات دون من عداهم. ومنه قوله - صلى الله عليه ~~وسلم - : "في الغنم السائمة زكاة"، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لو لم يرد ~~بالسائمة التقييد لما كان لذكرها فائدة. # وأما مفهوم الاستثناء: فهو نحو: قام القوم إلا زيدا، مفهومه: أن زيدا ~~لم يقم ms183، ولا خلاف في هذا المفهوم عند الموافقين وجمهور المخالفين إلا ما ~~تقدم ذكره عن الحنفية من قولهم: "إن الاستثناء من النفي ليس بإثبات، وكذا ~~العكس"، وقد مر الكلام في ذلك في باب التخصيص، وكثير من علماء الأدب يجعل ~~مفهوم الاستثناء من باب المنطوق، وأن الاستثناء عندهم موضوع لإثبات ما نفاه ~~المتكلم عن المستثنى منه، ولنفي ما أثبته للمستثنى، فذلك مدلوله الذي وضع ~~له عندهم. # ورد هذا المذهب بأنه لم يصرح في لفظه بنفي ولا إثبات، والمنطوق أن يقال: ~~قام القوم ولم يقم زيدا، و إلا زيدا فلم يقم، وكذلك ما قام القوم بل قام ~~زيدا، و إلا زيدا فإنه قام، فهذا هو المنطوق، بخلاف قول القائل: قام القوم ~~إلا زيدا، فإنه يفيد نفي قيام زيد بمفهومه لا بمنطوقه، وإلى قوة هذا ~~المفهوم، واعتماد الجمهور عليه أشار المصنف بقوله: "إذ ينتخب"، أي يختار، ~~وقوله: "فالشرط والغاية والحصر" إلى آخره: إشارة إلى قوة هذه المفاهيم على ~~غيرها مما عدا الاستثناء، حتى أن قوما زعموا أنها من المنطوق، والصحيح ما ~~قدمت لك أنها مفاهيم، وأضعف هذه المفاهيم كلها مفهوم اللقب، ولذا أنكره ~~كثير ممن أخذ بالمفهوم، ثم يليه في الضعف مفهوم الصفة، ولذا قال به بعض من ~~أنكر الأخذ بمفهوم اللقب، ثم مفهوم العدد، PageV01P266 وقيل: إن مفهوم ~~العدد من المنطوق أيضا، ثم مفهوم الحصر بغير إنما، وقيل: إنه من المنطوق ~~أيضا، ثم مفهوم الحصر بإنما، ثم مفهوم الحصر بما و إلا، ثم مفهوم الغاية، ~~ثم مفهوم الاستثناء، فهذا ترتيب المفاهيم في القوة والضعف، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الاستدلال بالمقارنة، فقال: # وبعضهم أعطى القرين مثل ما ... أعطى قرينه من الحكم أعلما # فحرم القرود حين عطفا ... لها الخنازير وبعض ضعفا # اعلم أنه إذا تقارن أمران في كلام واحد بطريق عطف الثاني على الأول، فإما ~~أن يكون الثاني ناقصا، أي لا يتم معناه إلا بملاحظة المعطوف عليه، كجاء زيد ~~وبكر، فالثاني كلاما تاما مستقلا بنفسه، كما في قوله تعالى: { وأقيموا ~~الصلاة وآتوا الزكاة ms184 } (البقرة: 83)، فقيل: إن الجملة الثانية لا تشارك ~~الجملة الأولى في جميع أحكامها؛ لأن المشاركة في الحكم إنما هي لنقصان ~~المعطوف لو لم يشارك الأول في ذلك، وهذا كلام تام لا نقصان فيه، فلا يلزم ~~منه التشريك في الحكم، ولا يدل عليه العطف، وقال بعض قومنا بوجوب التشريك ~~في الحكم مطلقا، واستدل بهذه الآية على رفع الزكاة عن الصبي كما رفعت ~~الصلاة عنه، وذهب بعض أصحابنا أيضا إلى إعطاء القرين حكم المقارن مطلقا، ~~أي: ما لم يقم دليل على تخصيص أحدهما بحكم دون الآخر، فاستدل على حرمة ~~القردة بعطف الخنازير عليها في قوله تعالى: { وجعل منهم القردة والخنازير } ~~(المائدة: 60)، وحاصل استدلاله أنه لو لم يكن القردة والخنازير في الحكم ~~سواء ما قرن بينهما ربنا تعالى، فلما قرن بينهما علمنا أنهما سواء في ~~أحكامهما، وأنت خبير بأنه لا يلزم من هذه المقارنة التشريك في جميع ~~الأحكام، وإنما يلزم التشريك في الحكم المذكور في تلك الجملة بعينها، وهي ~~هاهنا كون المخسوف بهم منهم من جعل قردة، ومنهم من جعل PageV01P267 خنازير، ~~لكن قد يستدل على تحريم القردة بجعلها في الخسة والخبث بمنزلة الخنازير، ~~بدليل مسخ الله قوما على صورتهما، والمسخ دليل الإهانة والنكال، ولو لم يكن ~~القردة والخنازير من أخس الأشياء وأخبثها ما كان المسخ على صورتهما إهانة ~~ونكالا، وقد حرم ربنا علينا الخبائث لقوله: { ويحرم عليهم الخبآئث } ~~(الأعراف: 157)، فالقردة حرام لمشاركتها الخنازير في الخبث، والدليل على ~~خبثها المقارنة في الآية الأولى، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان النسخ وأحكامه، فقال: # # مبحث النسخ # اعلم أن للنسخ استعمالين: أحدهما لغوي، والآخر شرعي. # ? فأما اللغوي: فهو أن للنسخ في لسان العرب: إزالة الأعيان، كما يقال: ~~نسخت الريح آثار بني فلان، أي أزالتها، وقال القفال: بل هو في اللغة: ~~النقل، لا الإزالة؛ لأن العرب إذا قالت: نسخ فلان الكتاب، إنما تقصد أنه ~~نقل الذي فيه إلى الكاغد الآخر، ولم تقصد أنه أزال ما نقل منه بالكلية، ~~وإذا قالت: نسخت الريح آثار بني فلان، فلم تقصد أنه ms185 أعدمتها، وإنما أرادت ~~إنها ذهبت بها عن تلك العرصة. # وأجيب: بأنه لا يمتنع أن يكون حقيقة في الإزالة، ثم استعمل ي النقل من ~~حيث كان النقل مزيلا للمنقول عن مكانه، وإن حصل في مكان آخر، ثم استعمل في ~~نسخ الكتاب من حيث أنه أشبه بالمنقول من الوجه الذي ذكره الخصم، فيكون ~~استعمالهم ذلك في الإزالة، ثم استعمل في النقل من حيث كان النقل مزيلا ~~للمنقول عن مكانه، وإن حصل في مكان آخر، ثم استعمل في نسخ الكتاب من حيث ~~أنه أشبه المنقول من الوجه الذي ذكره الخصم، فيكون استعمالهم ذلك في ~~الإزالة، ثم استعمل في النقل من حيث كان النقل مزيلا للمنقول عن في الكتاب ~~تشبيها بالمجال وهو النقل، والنقل مشبه بالحقيقة، وهي الإزالة، وقيل: بل ~~لفظ النسخ مشترك بين معنى الإزالة والنقل، وصححه البدر رحمه الله تعالى؛ ~~لأنه قد استعمل فيهما على سواء، ولم يغلب على أحدهما دون الآخر، فوجب ~~القضاء بالاشتراك. # وأجيب: بأنه إن أردتم إنه استعمل في نسخ الكتاب حقيقة فهو باطل بما ذكرنا ~~من أنه لم تحصل PageV01P268 فيه إزالة، ولا نقل حقيقي، وإن أردتم انه ~~استعمل في نسخت الريح الآثار، بمعنى النقل حقيقة، فليس بأن يكون حقيقة في ~~النقل من ذلك المكان أولى من أن يكون حقيقة في إزالتها من عرصاتها، والأصل ~~عدم الاشتراك، فلا وجه له، وقيل: إنه في اللغة موضوع لإزالته مطلقا، أي ~~لإزالة الأعيان والمعاني، وعلى هذا القول فيكون النسخ الشرعي داخلا تحت ~~النسخ اللغوي، أي يكون بعض مسمياته فردا من أفراده. # واستدل أرباب هذا القول بأنه يقال في اللغة: نسخت الشمس الظل، أي أزالته، ~~والمعلوم أن الظل ليس بشيء زائد، فكذلك رفع الأحكام نسخ، وإن لم يزل شيء، ~~لكن لما زال التكليف كان زواله كزوال الظل، فهو في اللغة ولشرع لمعنى واحد. # ورد: بأن العرب إنما يتضح لها من الإزالة إزالة الأعيان دون إزالة ~~المعاني، وإنما كانت تضع العبارات على ما يتضح لها من الإزالة، وتفتقر إلى ~~التعبير عنه، فوجب الحكم بأن ms186 الاسم في ابتداء وضعه إنما قصد به ما وضح لهم ~~دون ما غمض، لكن ربما عرض لهم التعبير الغامض بعد الوضع، وكان ذلك الغامض ~~شبه بالوضع، وعبرت عنه بتلك العبارة التي وضعتها لأجل ذلك الشبه، وحاصل ~~الرد أن العرب يبعد تصورها عند وضع النسخ للإزالة؛ كون الإزالة قد تكون ~~للمعاني كما تكون للأعيان، وإنما تتصور ما هو متضح لها من إزالة الأعيان ~~فقط، فإن عرضت لها من بعد إزالة المعاني سموها نسخا مجازا، ولما كان السابق ~~إلى الأفهام إلى أن عند إطلاق لفظ النسخ إنما هو إزالة الأحكام الشرعية دون ~~إزالة الأعيان؛ علمنا أن لفظ النسخ قد نقله الشارع إلى ذلك، وصار فيه حقيقة ~~شرعية، وإلى استعماله بالمعنى الشرعي أشار المصنف بقوله: # النسخ أن يرفع حكم الشرع ... بعد ثبوته بحكم شرعي # عرف النسخ الشرعي بأنه: رفع حكم شرعي بعد ثبوته بحكم شرعي آخر. # فخرج بالقيد الأول المباح في الأصل، ثم طرأ عليه حكم شرعي، كإيجاب ~~PageV01P269 الصلاة والزكاة والصيام ونحوها، فإن هذه الأشياء كانت قبل ورود ~~الشرع مباحا، فلا يسمى إيجابها نسخا لإباحة تركها، لأن إباحة تركها إنما هو ~~بالإباحة الأصلية، والإباحة الأصلية ليس بحكم شرعي. وخرج بالقيد الثاني - ~~وهو قولنا بعد ثبوته - التخصيص المتصل، فإنه يرد قبل ثبوت الحكم واستقراره. ~~وخرج بالقيد الآخر رفع الحكم بسبب العوارض العارضة على الأهلية، كالحيض ~~والسكر والجنون والمرض والموت. # وللعلماء في تعريف النسخ طرق كثيرة منها مقبول ومنها مردود، فلا حاجة إلى ~~ذكرها؛ لأن الغرض من تعريف الشيء إيضاح حقيقته، وكشف ماهيته، فإذا حصل تصور ~~ذلك في ذهن السامع كان كافيا، فلنرجع الآن إلى بيان حكم النسخ، ثم إلى بيان ~~محله وشروطه وأنواعه، وقال: # ولا خلاف في جوازه وقد ... صح وقوعه بنقل وسند # اعلم أن النسخ جائز عند جميع أهل الملل الإسلامية وغيرها، لا خلاف بينهم ~~في جوازه عقلا ونقلا، خلافا لأكثر اليهود وبعض من لا يعبأ بخلافه من ~~الإسلاميين، على ما سيأتي بيان ذلك قريبا إن شاء الله تعالى. # واحتج المتفقون على جوازه ms187 بالعقل والنقل. # * أما العقل: فلأن النسخ فعل من أفعال الله تعالى، وإذا كان فعلا من ~~أفعال الله تعالى، فأما أن تعتبر فيها المصالح العبادية تفضلا على ما عليه ~~الجمهور، أو لم تعتبر فإن فجوازه ظاهر؛ لأنه فاعل مختار يفعل ما يشاء، ~~ويحكم ما يريد، ولا يسأل عما يفعل، وإن اعتبرت المصالح تفضلا؛ فجوازه ظاهر؛ ~~لأنه فاعل مختار يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ولا يسأل عما يفعل، وإن ~~اعتبرت المصالح تفضلا، فجوازه ظاهر لجواز اختلاف المصالح باختلاف الأوقات ~~والأزمان؛ فيجوز أن تكون المصلحة في مشروعية الحكم المنسوخ في زمان، ثم ~~يكون مفسدة بعد الزمان، والله عالم به لأنه عليم خبير قدير، لا يغيب عنه ~~شيء، وإن كنا لم نعلمه نحن فينسخه لما علمه من المصلحة، كاستعمال الطبيب ~~الحاذق الأدوية بحسب الأمزجة والأزمان لعلمه وحذاقته، ففي ذلك حكمة بالغة ~~لا نعرفها لا بداء ولا جهل. # وأما النقل: فلأن الاستمتاع PageV01P270 بالأخوات كان حلالا في زمن آدم ~~عليه السلام، ثم نسخ في سائر الشرائع، ولأن الختان كان جائزا في شرع ~~إبراهيم عليه السلام، ثم وجب في شريعة موسى عليه السلام، ولأن الجمع بين ~~الأختين كان جائزا في شريعة يعقوب عليه السلام، ثم حرم في سائر الشرائع، ~~فإن قيل: كل منها رفع للإباحة الأصلية. # أجيب: بأن الإباحة فيها بالشريعة، فإن الناس لم يتركوا سدى في زمان كيف، ~~وسكوت الأنبياء عليهم السلام عند مشاهدتها تقرير منهم؛ فكانت أحكاما شرعية، ~~وزعمت اليهود إلا العيسوية منهم أن النسخ غير جائز، ثم افترقوا فرقتين، ~~فذهبت فرقة منهما إلى منع جوازه عقلا، ووافقهم على ذلك عبيد بن عمرو الليثي ~~وغيره ممن لا يعبأ به، ولعل أكثرهم من الشيعة وعبيد بن عمرو، قال أبو ~~يعقوب: % "هو تابعي على الأصح، وقيل: صحابي"، وذهبت الفرقة الأخرى إلى منع ~~جوازه نقلا. # احتج المانعون من جوازه عقلا بأنه إن كان الفعل المأمور به حسنا، فالنهي ~~عنه قبيح، وكذا العكس، وعلى التقديرين يلزم السفه أو الجهل وكلاهما باطل. # وأجيب: بأن الفعل يكون مصلحة في وقت ms188 ومفسدة كما مر بيانه، فلا بداء ولا جهل. # احتج المانع من جوازه نقلا بما نقلوه عن موسى عليه السلام أن لا نسخ ~~لشريعته وعن التوراة: "تمسكوا بالسبت ما دامت السموات والأرض". # وأجيب: بأنه لا نسلم بأن ذلك المنقول قول موسى عليه السلام، ولا نسلم أنه ~~متواتر؛ لأنه لو تواتر لم يختص به أحد منهم دون الآخر، ومن المعلوم أن بعض ~~أحبارهم كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار لم يقبلوا ذلك، فلو كان متواترا ~~لقبلوه، كيف وهو إنما قيل: إنه من وضع ابن الرواندي، ومن كذبه على موسى ~~عليه السلام، ولا نسلم أيضا أن ذلك ثابت في التوراة التي أنزلت على موسى ~~عليه السلام، وثبوته فيما في أيديهم من النسخ لا يكون حجة علينا؛ لأنها ~~محرفة لقوله تعالى: { يحرفون الكلم عن مواضعه } (النساء: 46)، وقوله تعالى: ~~{ ويقولون PageV01P271 هو من عند الله وما هو من عند الله } (آل عمران: ~~78)، وأيضا فلو ثبت ذلك في التوراة التي نزلت على موسى لاحتجوا به على ~~نبينا عليه الصلاة والسلام، ولو احتجوا به لاشتهر عادة، وهو لم يشتهر ~~فعلمنا أنهم لم يحتجوا بذلك، ولما كان خلاف اليهود ومن وافقهم في إنكار ~~جواز النسخ لا يعد خلافا لضعفه بالحجج القاهرة والبينة الظاهرة، قال ~~المصنف: "ولا خلاف في جوازه"، أما قوله: " وقد صح وقوعه بنقل"، فمعناه أن ~~وقوع النسخ، قد ثبت بالنقل الصحيح المتواتر؛ لأن شريعة نبينا قد نسخت ما ~~قبلها إجماعا، وكذلك ما سيق من الشرائع بعضها ناسخ لبعض إجماعا كما مر، ~~والوقوع دليل الجواز فلا ينبغي أن يخالف أحد من الإسلاميين في جوازه بعد ~~الإجماع على وقوعه، أما ما حكي عن أبي مسلم الأصفهاني من أنه أنكر وقوع ~~النسخ في شريعتنا وفي ما قبلها من الشرائع محتجا بقوله تعالى: { لا يأتيه ~~الباطل من بين يديه ولا من خلفه } (فصلت: 42)، فباطل لا يعد خلافا مخلا ~~بإجماع المسلمين وسائر الملل خلا أكثر اليهود على وقوع النسخ، وذلك أنه ~~يلزم عليه أمران باطلان: # - أحدهما: إنكار إطلاق لفظ النسخ، وهو مخالف ms189 للنص لقوله تعالى: { ما ننسخ ~~من آية أو ننسها } (البقرة: 106) الآية. # - وثانيهما: إنكار ارتفاع الشرائع السالفة بشريعة نبينا محمد - صلى الله ~~عليه وسلم -، وهو أيضا باطل، وما اعتذر به عنه من أن مراده بذلك أن الشريعة ~~المتقدمة مؤقتة إلى ورود الشريعة المتأخرة، إذ ثبت في القرآن أن موسى وعيسى ~~عليهما السلام بشرا بشريعة نبينا عليه الصلاة والسلام، وأوجبا الرجوع إليه ~~عند ظهوره، وإذا كان الأول مؤقتا لا يسمى الثاني ناسخا باطل أيضا؛ لأنه ~~يلزم عليه إنكار صور تسمية النسخ نسخا مع ثبوت النص بذلك، على أنا لا نسلم ~~أن البشارة والإيجاب يقتضيان توقيت أحكامها لاحتمال أن يكون الرجوع إليه ~~لكونه مفسرا أو مقررا أو مبدلا للبعض دون بعض، فمن أين يلزم التوقيت بل هي ~~مطلقة يفهم منها التأبيد، فتبديلها يكون ناسخا، ولو سلم، فمثل التوجه إلى ~~بيت المقدس والوصية للوالدين، PageV01P272 ووجوب ثبات العشرين للمائتين كان ~~مطلقا، فرفع إما ما احتج به من ظاهر قوله تعالى: { لا يأتيه الباطل من بين ~~يديه ولا من خلفه } (فصلت: 42)، فأجيب عنه بأن المراد لم يتقدمه من كتب ~~الله ما يبطله ولا يقع بعده ما يبطله، وحاصل الجواب أن الإبطال ليس هو عين ~~النسخ، بل الإبطال في الآية إنما هو بمعنى إظهار البطلان والإبطال بهذا ~~المعنى غير النسخ، قال البدر الشماخي رحمه الله تعالى: "وحمل أي النافي ~~للوقوع أكثر الآيات التي وقع فيها النسخ على التخصيص، والرد عليهم بالإجماع ~~على أن شريعتنا ناسخة لما قبلها، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان محل النسخ، فقال: # يكون في الأمر وفي النهي وإن ... بصيغة الإخبار جاء فاستبن # ما لم يكونا في صفات الباري ... ولا يصح النسخ للأخبار # وصح فيهما وإن تقيدا ... بمقتضى الدوام نحو أبدا # لأن ما فيه من التأبيد ... منحصر في ذلك التمديد # كنحو صوموا أبدا لأنما ... معناه حتى ينسخ الحكم أعلما # اعلم أن الأمر والنهي الشرعيين هما محل النسخ الشرعي، فيكون فيهما، وإن ~~وردا بصيغة الخبر، كأمرتكم بكذا، ونهيتكم عن كذا، ومنه: { أحلت لكم بهيمة ms190 ~~الأنعام } (المائدة: 1)، { حرمت عليكم الميتة } (المائدة: 3)، { ولله على ~~الناس حج البيت } (آل عمران: 97)، ونحو ذلك من الآيات؛ لأن المقصود منها ~~إنما هو إباحة الشيء أو تحريمه أو إيجابه، وهو معنى الأمر والنهي، وليس ~~المراد منها الإخبار عن الحل والتحريم، والإيجاب الواقع في الماضي، حيث لا ~~يمكن تغيير مدلول الأخبار عنها، لكن يشترط في صحة النسخ في الأمر والنهي ~~المذكورين أن يكونا فرعيين، فلا يصح نسخهما إذا وردا في معرفة الله تعالى، ~~أو معرفة صفاته، ك { فاعلم أنه لا إله إلا الله } (محمد - صلى الله عليه ~~وسلم - : 19)، ونحو ذلك، وكذلك لا يصح نسخهما في نحو: { وأطيعوا الله ~~وأطيعوا الرسول } (المائدة: 92)، { لا تعبدوا الشيطان } (يس: 60). # وجوز بعض الظاهرية نسخ التوحيد، وأجاز الأمر بالتثنية والتثليث، وبعبادة ~~غير الله تعالى، وبأن يكون التوحيد PageV01P273 يومئذ كفرا لو فعل، وتغالى ~~حتى قال: لو أراد أن يتخذ ولدا لفعل، قال البدر الشماخي: "والمجوز لذلك أبو ~~بكر الظاهري، وبطلان هذا القول لا يخفى على ذي بال لما فيه من عكس الحقائق، ~~وتجويز المستحيل عقلا وشرعا، تعالى الله عما يقول المبطلون علوا كبيرا، أما ~~قول المصنف: "ولا يصح النسخ للإخبار"، فمعناه: أن الأخبار التي لم تكن في ~~معنى الأمر والنهي لا يصح نسخها". # اعلم أن الأخبار إما عن الأحكام الشرعية الفرعية، ك { حرمت عليكم الميتة ~~} (المائدة: 3)، أو الأحكام العقلية: كالعالم حادث، أو عن الأحكام الحسية: ~~كالنار حارة والماء بارد، فالإخبار عن الأول مما يقبل النسخ، كالإخبار عن ~~حل الشيء أو حرمته؛ لأنهما في معنى الأمر والنهي، مثل: هذا حلال، ثم أخبر ~~عن حرمته، وذاك حرام، ثم أخبر عن حله، واختلفوا في صحة نسخ الأخبار عن ~~الأحكام الغير الشرعية الفرعية، قال بعض المعتزلة والأشعرية: يجوز النسخ في ~~الخبر مطلقا إذا كان مدلوله متكررا، وكان الأخبار عنه عاما كما لو قال: ~~عمرت زيدا ألف سنة، ثم بين أنه أراد تسعمائة، بخلاف ما إذا لم يكن متكررا، ~~نحو قوله: أهلك الله زيدا، ثم قال: ما أهلكه؛ لأن ذلك يقع دفعة واحدة، فلو ms191 ~~أخبر عن إعدامه وإيجاده جميعا كان تناقضا، وفصل بعضهم بين الماضي ~~والمستقبل؛ فمنعه في الماضي، وجوزه في المستقبل؛ لأن الوجود المتحقق لا ~~يمكن رفعه بخلاف المستقبل؛ لأنه منع من الثبوت، وذهب قوم منهم صاحب المنهاج ~~إلى أنه يصح دخول النسخ في الأخبار إذا جاز التغير في مضمونها، نحو أن يخبر ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - أن فلانا كافر؛ فيجوز لنا أن نخبر بذلك، ثم ~~يسلم، فيخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه مسلم، فيجوز لنا الإخبار ~~بذلك، ويحرم الإخبار بأنه كافر، قالوا: فقد نسخ الخبر بجواز التغير في ~~مدلوله، قالوا: ولا يصح فيما لا يتغير كالإخبار بأنه عمر نوح ألف سنة، ثم ~~يخبر بأنه عمره خمسمائة، وذهب الجمهور إلى عدم جوازه مطلقا، قال الأزميري: ~~"وهو الصحيح؛ لأن النسخ توقيت، وهو لا يستقيم في الخبر؛ PageV01P274 لأنه ~~لا يقال: اعتقدوا الصدق في هذا الخبر إلى وقت كذا، ثم اعتقدوا خلافه بعد ~~ذلك، فإنه بدء وجهل، وذلك على الله محال، قال البدر الشماخي: "وظاهر ميل ~~المصنف - يعني أبا يعقوب - إلى جواز نسخ الأخبار عن الثواب والعقاب تبعا ~~لنسخ الأمر # والنهي، كما إذا أخبر أن الثواب لمن صلى إلى بيت المقدس أولا، ثم أخبر أن ~~العقاب لمن صلى إليها بعد نسخ استقبالها"، قال: "وفيه: نظر؛ لأن الثواب لم ~~ينسخ لأنه كان متعلقا بثبوت الصلاة إلى بيت المقدس، والأخبار بالعقاب بعد ~~زوال الوجوب الأول، والخبران لا يتعارضان إلا إذا اتحدا وقتهما"، أقول: ~~وبمثل هذا الجواب ينبغي أن يقال على تمثيل المجوزين لنسخ الخبر إذا صح تغير ~~مدلوله، كالأخبار عن الكافر بالكفر، ثم الإخبار عنه بعد إسلامه بالإسلام؛ ~~لأن الخبر عن كل واحد من حاليه إنما هو باعتبار قيد الحالة التي هو عليها ~~لا خبر مطلقا، فقوله: فلان كافر، أي: ما دام على هذه الحالة، فلا يكون نسخا ~~للخبر بهذا الاعتبار، والله أعلم. # واعلم أنه يصحذ النسخ في إيقاع الخبر بأن يكلف الشارع أحدا بأن يأمره ~~بأمر، ثم ينهاه، قال البدر: "وهو راجع إلى الأمر والنهي ms192"، قال صاحب ~~المنهاج: "وذلك نحو أن نؤمر بأن نصف الله تعالى بأنه سميع بصير، ثم ننهى عن ~~ذلك أو عكس ذلك؛ فإنه يجوز تغير حكم النطق باللفظ، وإن كان المدلول لا ~~يتغير فقد يكون إطلاق اللفظ مفسدة، وإن كان صدقا، وقد يكون مصلحة؛ فيجوز ~~النهي عنه بعد الأمر، والأمر به بعد النهي بحسب المصلحة"، قال: "وهذا إشكال ~~فيه"، أقول: نعم إشكال فيه إذا اعتبرنا المصالح تفضلا منه تعالى، وإذا لم ~~نعتبرهما أيضا إذ لا محال فيه، وحكم الله كثيرة، ولا يلزم انحصارها في حصول ~~المصلحة، ودفع المفسدة، ولا يجب الاطلاع على جميعها بل يستحيل ذلك، والله أعلم. # وقول المصنف: "وصح فيهما وإن تقيدا" إلى آخره، معناه أن النسخ يصح في ~~الأمر والنهي، PageV01P275 وإن قيدا بقيد يقتضي أنهما مؤبدان، نحو: صوموا ~~أبدا؛ لأن ذلك التأبيد إنما هو منحصر في مدة التكليف بذلك الحكم، فمعنى ~~صوموا أبدا، أي: حتى ينسخ حكم الصيام؛ لأن تأييد كل شيء إنما يكون بحسبه. # اعلم أنه إذا أبد الحكم، فإما أن يؤبد بكلام محكم لا يصح أن يتطرق عليه ~~رفع في وقت من الأوقات، كما إذا قال الشارع: هذا الحكم دائم مستمر إلى يوم ~~القيامة أو صوموا شهر رمضان إلى يوم القيامة أو نحو ذلك، فهذا لا يجوز عليه ~~النسخ اتفاقا؛ لأن تأبيده بهذا اللفظ متضمن للإخبار بدوامه، فنسخه يكون من ~~باب نسخ مدلول الخبر الذي لا يصح نسخه اتفاقا، وإما أن يؤبد بكلام يحتمل ~~معه الرفع، كأبدا ودائما ونحوهما، فهذا يصح نسخه؛ لأن ذلك التأبيد يحمل بعد ~~ورود الناسخ على تلك المدة، فنحكم أن أبدا ونحوها في الكلام السابق مقصود ~~به إبقاء الحكم في مدة التكليف، وعلى ما ذكرته أكثر الأصوليين، وقيل: لا ~~يجوز نسخ المقيد بأبدا ونحوها؛ لأن فائدة التأبيد الدوام، قال صاحب ~~المنهاج: "والقائل بذلك هم بعض المسلمين وبعض اليهود"، احتجوا على ذلك: بأن ~~لفظ التأبيد إن لم يفد الدوام كان ذكره عبثا لا فائدة فيه، وكلام الحكيم لا ~~يدخله العبث. # وأجيب: بأن له ms193 فائدة، وهو دوامه إلى الموت، كما لو قلت لعبدك: افعل كذا ~~أبدا، فإن التأبيد يرتفع بالموت وارتفاع التكليف، ولنا على أن التأبيد لا ~~يقتضي الدوام المستمر قوله تعالى مخبرا عن اليهود: { ولن يتمنوه أبدا بما ~~قدمت أيديهم } (البقرة: 95)، فأخبر الله عنهم أنهم لا يتمنون الموت أبدا، ~~ثم قال سبحانه حاكيا عن أهل النار أنهم يتمنون الموت، حيث قال: { ونادوا يا ~~مالك ليقض علينا ربك } (الزخرف: 77)، فاقتضى ان اليهود يتمنون، ولا يقال لم ~~يخبر الله عن اليهود أنهم يتمنون، بل أخبر عن أهل النار جملة؛ فيجوز أن ~~المتمني غير اليهود. # لأنا نقول أن المعلوم من حالهم أن الأحب إلى أهل النار كلهم الموت في تلك ~~الحال، وقد أخبر الله تعالى عنهم جميعا، ولم يخص أحدا منهم دون أحد، فوجب ~~القضاء بعمومه، والله أعلم، قال: PageV01P276 # والنسخ في اللفظ وفي المعنى معا ... وفيه دون اللفظ وقعا # وهكذا في جزء معناه يصح ... كنسخ قيد أو كركن متضح # وليس نسخ القيد والشروط ... نسخا لدى التقييد والمشروط # كالنسخ للوضوء في العبادة ... والقيد بالإيمان في الكفارة # ولا يكون نسخ بعض الفرض ... نسخا له كذا مزيد البعض # مثاله لو زيد فرض الفجر ... بركعة أو نقصت في الظهر # يجوز نسخ نظم الكتاب والسنة مع معناهما المقصود المعبر عنه بالحكم، وبذلك ~~صرح البدر الشماخي رحمه الله تعالى، قال: "وتوقف فيه بعض أئمة عمان، وأجازه ~~المصنف"، يعني أبا يعقوب رحمة الله عليه، ويجوز أيضا نسخ التلاوة دون ~~الحكم، ووقع ذلك كقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : "كان فيما أنزل: ~~الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة"، ويجوز أيضا نسخ الحكم دون ~~التلاوة، كنسخ آية السيف لآيات كثيرة، وتلاوتها باقية، وكالاعتداد بالحول ~~نسخ بأربعة أشهر وعشرا، وتلاوتها باقية، وهي قوله تعالى: { متاعا إلى الحول ~~غير إخراج } (البقرة: 240)، ومثال ما إذا نسخ التلاوة والحكم معا: نحو ما ~~روي عن عائشة رضي الله عنها: "عشر رضعات يحرمن، ثم نسخن بخمس"، قال صاحب ~~المنهاج: "وهذه الرواية التي حكيناها عن عمر وعائشة إنما جئنا بها أمثلة ms194 ~~فقط لما ذكرنا من نسخ التلاوة دون الحكم، ونسخهما جميعا إذ لم نقطع بصحتها، ~~ولهذا خالفنا حكمها، ولأنا لو حكمنا بصحتها كناقد أثبتنا بعض القرآن ~~آحاديا؛ لأن نقل هذه ليس بمتواتر"، قال: "ويحتمل أن يقال: لا مانع من كونها ~~كانت قرآنا قبل نسخ تلاوتها، ولا يؤدي تجويز ذلك إلى تجويز أمر ممتنع، وبعد ~~نسخ تلاوتها لا نحكم بأنها قرآن لكن في ذلك بعد من جهة لفظها، فإنه يخالف ~~لفظ القرآن في البلاغة والفصاحة"، قال: "والأقرب أنها ليست من القرآن، ~~ويحتمل أن قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان فيما أنزل، PageV01P277 ~~أراد فيما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - من الشريعة؛ لأنه من ~~القرآن"، إلى أن قال: "وأما ابن الحاجب فقطع بأن هذه المنقولات كانت قرآنا، ~~ثم نسخت"، ثم قال: "والأشبه جواز مس المحدث للمنسوخ لفظه"، وما ذكرته من ~~جواز نسخ التلاوة والحكم معا، ونسخ أحدهما دون الآخر هو ما عليه جمهور ~~الأصوليين، وخالف بعضهم في نسخ التلاوة دون الحكم والعكس، فمنع من نسخ ~~أحدهما دون # الآخر، قال صاحب المنهاج: "وحكى ابن الحاجب هذا القول عن بعض المعتزلة"، ~~قال البدر: "ومنع نسخ التلاوة دون الحكم ظاهر كلام بعض أئمة عمان، وأجازه ~~المصنف" يعني أبا يعقوب، قال: "وهو الصواب". # واحتج المانعون لذلك بأمرين: # - أحدهما: أن التلاوة مع الحكم كالعلة مع المعلول والمفهوم مع المنطوق، ~~فلا يصح انفصال أحدهما عن الآخر. # - وثانيهما: أن بقاء التلاوة يوهم بقاء الحكم؛ فيوقع في الجهل، وتزول ~~فائدة القرآن. # وأجيب عن الأول: بأن التلاوة أمارة للحكم ابتداء لا دواما، فإذا نسخت ~~الأمارة لم ينتف مدلولها، فكذلك إذا نسخ الحكم وحده لم يلزم انتفاؤها. # وأجيب عن الثاني: بأنه إذا اعتقد بقاء الحكم؛ فهو إما مجتهد أو مقلد، إن ~~كان مجتهدا فأتي من تقصيره في البحث لا من جهة الله تعالى، وإن كان مقلدا ~~رجع إلى المجتهد، وفائدة بقاء التلاوة كونه معجزا، وفي مجرد التلاوة مصلحة ~~كسائر التعبدات. # وقول المصنف: "وهكذا في جزء معناه يصح" إلخ، إشارة إلى ms195 أن النسخ كما صح ~~في الحكم دون التلاوة لما تقدم كذلك يصح في جزء الحكم، وذلك كنسخ قيد ~~للأجزاء، وشرط في العبادة أو ركن منها، مثال ذلك: ما لو نسخ الوضوء من ~~الصلاة أو اشتراط الإيمان في عتق الرقبة من كفارة القتل، أو نسخت ركعة من ~~صلاة الظهر أو العصر أو نحو ذلك، فإن هذا كله جائز إن لو ثبت عن الشارع ~~لكنه لم يثبت عنه نسخ شيء من ذلك، فلو ثبت لوجب قبوله. # ثم اختلفوا فيما لو نسخ بعض العبادة أو شرطها على ثلاثة مذاهب: # ? أحدها: PageV01P278 # وهو الأصح، أن نسخ البعض ليس بنسخ للجميع مطلقا، سواء نسخ ركن أم شرط ~~متصل أم منفصل، وهذا القول منسوب لأبي رشيد وأبي عبد الله البصري وأبي ~~الحسن الكرخي. # ? المذهب الثاني: للغزالي، أن نسخ البعض نسخ للجميع كان ذلك المنسوخ ركنا ~~أم شرطا، قال ابن الحاجب: " وهذا مخالف للإجماع". # ? المذهب الثالث: لأبي طالب والقاضي عبد الجبار، أن العبادة إن نسخ منها ~~ركعة أو شرط يجري مجرى الركن لها، كالقبلة، وهو المتصل بها؛ فنسخ للجميع، ~~وإن كان منفصلا؛ فليس بنسخ، فنسخ ووجب الوضوء ليس نسخ الصلاة عندهما. # - واحتج أرباب القول الأول بأن نسخ البعض شرطا أو ركنا لا يكون مزيلا ~~للجميع، فلا يبطل بنسخ ذلك البعض حكم ما بقي بعد النسخ، فلا وجه للحكم ~~بنسخه، ولوكان ناسخا له لافتقرا إلى دليل ثان يدل على وجوبه. # - واحتج الغزالي بأنه قد ثبت بطريق شرعي تحريم الصلاة من غير وضوء، ~~وتحريم الاقتصار على ثلاث من أربع، ونسخ الوضوء والركعة لما رفع هذين ~~التحريمين كان نسخا بلا ريب. # وأجيب: بأن ذلك مسلم، ولكن نسخ هذا الحكم ليس نسخا لوجوب الصلاة، ولا ~~تجدد لها وجوب بأمر ثان، وما لم يبطل وجوبه كيف يكون منسوخا. # قال صاحب المنهاج: "والأقرب عندي أن الخلاف في هذه المسألة لفظي، وليس ~~بمعنوي، بيان ذلك أن أهل القول الأول لاينكرون أنه قد ارتفع بذلك التحريمان ~~المذكوران، والغزالي لا ينكر أن وجوب الصلاة والثلاث الركعات لم ms196 يرتفع ~~بارتفاع وجوب الوضوء والركعة؛ فحينئذ لم يبق الخلاف بينهم إلا في الوصف ~~للمنقوص عنه وجوبه، ولا أجزاؤهن ولا ثبت وجوبه بأمر غير الأمر الأول، وأما ~~زوال تحريم فعله؛ فذلك حكم هو كالأجنبي"، وحجة القائلين بالتفصيل هي عين ~~حجة الغزالي إلا أنهم لم يجعلوا الشرط والركن المنفصلين بمنزلة الشرط ~~PageV01P279 والركن المتصلين، فمعهم أن المتصل هو الذي يكون بنسخه الباقي، ~~والجواب عنه هو عين الجواب عن حجة الغزالي. # وقوله: "كذا مزيدا لبعض" إلخ، يعني أن زيادة بعض على الفرض لا يكون نسخا ~~لذلك الفرض الأول، كما أن نسخ بعض الفرض لا يكون نسخا للباقي سواء كان ذلك ~~الزائد ركنا أو شرطا، وسواء كان عبادة مستقلة بنفسها أو غير مستقلة. # اعلم أن العبادات المستقلة إذا زيدت على فرائض لم تكن نسخا لها عند ~~الأكثر، قال ابن الحاجب: "وعن بعضهم زيادة صلاة سادسة نسخ"، قال أبو ~~الحسين: "لم يختلف الناس في أن زيادة عبادة على العبادات لا تكن نسخا، ولا ~~زيادة صلاة على الصلاة"، قال: "وإنما جعل أهل العراق زيادة صلاة على ~~الصلوات الخمس نسخا لقوله - عز وجل - : { حافظوا على الصلوات والصلاة ~~الوسطى } (البقرة: 238)، لأنه جعل ما كان وسطا غير وسط"، وقد اعترض عليهم ~~بأنه يلزمهم ذلك في كل عبادة مستقلة زيدت على عبادات؛ لأنها صيرت الأخيرة ~~غير أخيرة، وذلك مخالف للإجماع، قال صاحب المنهاج: "ولا أدري ما يقول ~~العراقيون في نحو الزيادة على صوم رمضان صوم شوال أو غيره؟ هل يجعلونه نسخا ~~كالصلاة السادسة"، ظاهر ما حكاه أبو الحسين من اتفاق الناس على أن الزيادة ~~المستقلة ليست نسخا لما زيد عليه، وأن العراقيين إنما قالوا في الصلاة ~~السادسة أنه نسخ؛ لأجل النص على أن في الصلوات وسطى، وذلك يبطل أوسطيتها، ~~لولا ذلك لما جعلوه نسخا، وهذا يقتضي أنهم يوافقون في الزيادة على شهر ~~رمضان او نحوه أنها ليست نسخا له، وأما زيادة جزء مشترط؛ فاختلف فيه، فقال ~~القاضي عبد الجبار: " الزيادة في النص نسخ إن لم يجز المزيد عليه إلا بها، ~~كزيادة ms197 ركعة في الفجر، و إلا فلا، كزيادة عشرين في حد القاذف، وزيادة ~~التغريب على الحد"، وقال أبو عبد الله البصري وأبو الحسين الكرخي: "بل ~~الزيادة نسخ مطلقا"، أي سواء كان المزيد عليه يجزئ من دونها أم غير مجز، ~~لكنهما يقولان: PageV01P280 # إنما تكون نسخا إن تغير بها الحكم في المستقبل، وقال أبو علي وأبو هاشم ~~وأصحاب الشافعي: ليس الزيادة بنسخ مطلقا، أي سواء تغير بها الحكم أم لم ~~يتغير، وسواء أجزى المزيد عليه من دونها أم لم يجز، وهذا القول هو الذي ~~مشيت عليه في النظم، وهو الصحيح عندنا، وحجتنا على ذلك أن زيادة المزيد في # العبادة إنما يكون مأمورا بضمه إلى العبادة الأولى، فالدليل الذي أوجب ~~علينا تلك الزيادة ساكت عن حكم المزيد عليه؛ فظهر أن المزيد عليه ثابت ~~بالدليل السابق، وأن الزيادة إنما تثبت بالدليل الآخر، وإذا ثبت الأمران من ~~الدليلين وجب بقاء كل واحد من الدليلين على أصله، فلو قضينا بنسخ المزيد ~~عليه بتلك الزيادة للزم إلغاء الدليل الأول الذي وجب به ذلك الفرض، وبقي ~~المزيد عليه في حكم السقوط، وهذا ابطل قطعا، ولكل واحد من الأقوال المذكورة ~~حجج، لا نطيل بذكرها مخافة التطويل. # واعلم أن ثمرة الخلاف في كون الزيادة نسخا أم لا إنما تظهر حيث يكون ~~المزيد عليه قطعيا ثابتا بآية أو خبر متواتر، فالزيادة الواردة عند من ~~جعلها ناسخة لا يقبل فيها خبر الواحد، ولا يجوز إثباتها بقياس، فمن جعل ~~التغريب والحكم بالشاهد واليمين ناسخين لم يقبل الأخبار الواردة فيهما، ولا ~~يجيز العمل بهما، وكذلك ما أشبههما في ذلك، ومن لم يجعلهما ناسخين؛ قبل ~~فيهما خبر الواحد والقياس الظني، وعمل به، أقول: وإنما لم نعمل بالتغريب في ~~الزيادة على حد البكر والحكم بالشاهد واليمين لكون الخبرين لم يصحا معنا في ~~ذلك؛ لأجل أن ذلك نسخ لما تقرر من الحد بالجلد والحكم بالشاهدين، والله ~~أعلم، ثم قال: # والفحوى دون أصلها لا تنسخ ... وينسخ الأصل وقيل تنسخ # اعلم أنه يجوز نسخ الفحوى وأصلها معا، صرح بذلك الأصوليين ms198، قال صاحب ~~المنهاج: "ولا أعرف في ذلك خلافا"، مثاله: أن ينسخ قول الولد لوالديه: أف ~~وأن يضربهما، ويجوز أيضا نسخ أصلها دونها، نحو: أن ينسخ PageV01P281 تحريم ~~التأفيف بإباحته دون الضرب، فهذا جائز عندنا وعند المعتزلة، واختاره ابن ~~الحاجب، وصححه البدر الشماخي، وأما العكس وهو أن ينسخ الفحوى دون أصلها؛ ~~قال صاحب المنهاج: "ففيه تفصيل، وهو أنه لم يكن فيه معنى الأولى، أي إن لم ~~يكن حكم الفحوى أولى من حكم أصلها في كونه منهيا عنه أو مأمورا به؛ جاز نسخ ~~الفحوى دون أصلها، كما يجوز نسخ أصلها دونها، مثال ذلك قوله تعالى: { إن ~~يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين } (التوبة: 65)، فهاهنا أصل وفحوى، ~~فالأصل: وجوب ثبات عشرين لمائتين، فلما كان الفحوى وأصلهما مستويين في ~~الحكم، أي لا أولوية لأحدهما بالأمر دون الآخر؛ جاز نسخ أيهما دون الآخر، ~~إذ لا وجه يقتضي منع ذلك، وإن كانت الفحوى أولى من أصلها بالحكم؛ فلا يجوز ~~نسخ الفحوى، وهي أولى بالحكم، وذلك كنسخ الضرب ونحوه للوالدين دون التأفيف ~~بهما، وهو أخف حكما، فلا يصح نسخ الفحوى حيث يكون فيها معنى الأولى دون ~~أصلها؛ لأن فيه نوعا من المناقضة، قال صاحب المنهاج: "هذا هو الصحيح"، وأما ~~ابن الحاجب فقد اختار منع نسخ الفحوى حيث يكون فيه معنى الأولى دون أصلها ~~على الإطلاق، وتبعه على ذلك البدر الشماخي لكن احتجاجهما يقتضي أنهما ~~يوافقان صاحب المنهاج في أنه لا يمتنع نسخ الفحوى إلا حيث يكون فيه معنى ~~الأولى، وينبغي أن يحمل عليه إطلاق النظم أيضا، هذا إن جعلنا اسم الفحوى ~~شاملا لقسمي مفهوم الموافقة، أما إذا جعلناه خاصا بالأولى، فلا إطلاق في ~~النظم، ولا في كلامي ابن الحاجب والبدر الشماخي، وقيل: يجزو نسخ الأصل دون ~~الفحوى والعكس، وقيل: بمنعهما. # واحتج المجوزون لهما جميعا على الإطلاق بأنهما دلالتان؛ فجاز رفع كل واحد منهما. # وأجيب: بأن هذا إذا لم PageV01P282 يكن ثم استلزام، فأما إذا كان تحريم ~~الأصل يستلزم تحريم الفحوى فلا، واحتج المانعون على الإطلاق بأن ثبوت حكم ~~الفحوى ms199 تابع لثبوت حكم الأصل؛ لأنه لم يعلم تحريم الضرب إلا من تحريم ~~التأفيف، فإذا ارتفع تحريم التأفيف ارتفع تحريم الضرب. # وأجيب: بأنه لا نسلم أن ثبوت حكم الفحوى تابع لحكم الأصل في الثبوت، بل ~~يصح ثبوت حكم الفحوى ولو ارتفع حكم الأصل، وإنما هو تابع له في الاستدلال ~~فقط، فتحريم التأفيف دليل على تحريم الضرب، ورفع تحريم التأفيف لا يرتفع ~~الاستدلال به ولو نسخ، والله أعلم، ثم قال: # وينسخ المفهوم دون المتن ... ونسخوا به الدليل الظني # يجوز نسخ مفهوم المخالفة دون المتن، والمراد بالمتن الأصل الذي ثبت به ~~المفهوم، وكذلك أيضا يجوز نسخ الدليل الظني بمفهوم المخالفة إذا تأخر عنه، ~~وهذا الجواز إنما هو على مذهب من جعل مفهوم المخالفة دليلا شرعيا، أما على ~~مذهب من منع كونه دليلا؛ فلا يثبت النسخ فيه ولا به؛ لكونه عنده غير دليل، ~~ولا يكون النسخ بغير دليل مثبت للحكم، والنسخ إنما يكون لما ثبت من الحكم ~~الشرعي، فمثال نسخه ما وقع في نسخ وجوب ثبات المائة للألف، فإن وجوب ذلك ~~دال على وجوب ثبات العشرة للمائة بطريق المفهوم، وبنسخ وجوب ثبات المائة ~~للألف؛ نسخ وجب ثبات العشرة للمائة أيضا، أما نسخ المفهوم مع أصله فمما لا ~~إشكال فيه، والله أعلم، ثم قال: # وينسخ المقيس نسخ أصله ... إذ منه أخذ حرمه وحله # المراد بالمقيس هاهنا: حكم الفرع، والمراد بأصله: حكم الصورة التي ورد ~~فيها النص، والمعنى: أن نسخ أصل القياس نسخ لفرعه، ولا يصح بقاء حكم الفرع ~~مع نسخ الأصل؛ لأن الأصل هو الذي أخذ منه حكم الفرع من تحريم وتحليل وغير ~~ذلك، هذا قول أكثر الأصوليين، وصححه البدر PageV01P283 رحمه الله تعالى، ~~وقيل: يصح بقاء الفرع بعد نسخ أصله، والحجة لنا على عدم صحته: أن العلة ~~بنسخ حكمها خرجت عن كونها معتبرة، فلا فرع، وأيضا فلو صح بقاء الفرع مع نسخ ~~أصله لصح ثبوت حكم شرعي بلا دليل، وهو باطل قطعا. # واعترض عليه بأنه إنما حكمتم بانتفاء حكم الفرع بالقياس على انتفاء حكم ~~الأصل ms200 بغير علة، وأجيب: بأنه إنما حكمنا بانتفاء علته. # واحتج المجوزون لبقاء الفرع بعد نسخ أصله بأن الفرع تابع للدلالة لا ~~للحكم كالفحوى. # وأجيب: بأنه لا يلزم من زوال الحكم زوال الحكمة المعتبرة، فيزول الحكم ~~مطلقا لانتفاء الحكمة، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان شرط النسخ، فقال: # وصح نسخ الحكم قبل الفعل ... إن أمكن امتثاله في العقل # والحكمة اختباره هل يمتثل ... فيحرز الثواب أولا فيضل # اعلم أن للنسخ شروطا بعضها متفق عليه، وبعضها مختلف فيه، فأما الشروط ~~المتفق عليها، فمنها كون الناسخ والمنسوخ حكمين شرعيين، فإن العجز والموت ~~كل منهما يزيل التعبد الشرعي مع أنه لا يسمى ذلك نسخا، وكذلك إزالة الحكم ~~العقلي بالحكم الشرعي لا يسمى نسخا أيضا، ومنها كون الناسخ منفصلا ومتأخرا ~~عن المنسوخ، فإن الاستثناء والغاية لا يسميان نسخا أيضا، وهذه الشروط كلها ~~معلومة من تعريف النسخ ومحله، وأما الشروط المختلف فيها، فمنها كون الناسخ ~~والمنسوخ من جنس واحد من الكتاب والسنة، ومنها اشتراط البدل للمنسوخ، ومنها ~~اشتراط كون الناسخ أخف من المنسوخ أو مثله، فإنها شروط عند قوم دون آخرين، ~~ومن الشروط المختلف فيها أيضا ما أشار إليه المصنف بقوله: "وصح نسخ الحكم ~~قبل الفعل" إلخ؛ لأن المعنى أن نسخ الحكم قبل وقت الفعل أو قبل إيقاعه ~~جائز؛ لأن الشرط في جواز نسخه إنما هو إمكانه في العقل، أي إمكان اعتقاده ~~بالعقل لا إمكان وجوده بالفعل، والحكمة في ذلك PageV01P284 اختبار المكلف، ~~هل يتهيأ للامتثال ويصمم عزمه عليه؛ فيثاب على ذلك التهيء والعزم أو لا ~~يتهيأ لذلك بل يعزم على خلافه، ويصمم على عناده، فيحكم عليه بالظلال، ~~ويعاقب على ذلك، وهذا المعنى الذي ذكرته يتصور بوجهين: # - أحدهما: أن يرد الناسخ بعد دخول وقت الواجب قبل انقضاء زمن يسع الواجب، ~~كما إذا قيل: صم غدا، ثم شرع في الصوم، فقبل انقضاء اليوم الذي شرع في ~~صومه، قيل: لا تصم، وإلى هذا الاشتراط ذهب أكثر الفقهاء من قومنا وعامة أهل ~~الحديث، وأكثر المتأخرين والبزدوي، وذهب أبو منصور الماتوريدي وأبو ms201 زيد ~~والخصاف وبعض أصحاب الشافعي والمعتزلة إلى أن الشرط في صحة النسخ هو التمكن ~~من عقد القلب والفعل معا، بحيث يمضي بعد نزول الحكم زمان يسع الفعل ~~المشروع، ومنعوا صحة نسخه قبل ذلك قيل: وهذا الخلاف مبني على أن الأصل عند ~~الفرقة الأولى عمل القلب والنسخ بيان انتهاء مدته؛ لأنه يكون كافيا في ~~المقصود بالتشريع كما في المتشابه، فإن المقصود بإنزاله مجرد عقد القلب ~~بحقيقته، ولأنه اقوى من عمل الجوارح لتوقفه عليه قربة، ولأنه لا يحتمل ~~السقوط بوجه، بخلاف عمل الجوارح ألا ترى أن التصديق لا يحتمل السقوط بوجه، ~~والإقرار باللسان قد يسقط؛ فكان عمل القلب أصلا. # - وأن الأصل عند الفرقة الثانية: عمل البدن؛ لأنه المقصود بكل أمر ونهي ~~نصا، وكل ما هو مقصود بهما فهو المتصف بالحسن والقبح، والنسخ لبيان انتهاء ~~مدته، فلو نسخ قبل التمكن من الفعل يكون بداء وجهلا، وجمعا بين الحسن ~~والقبحفي حالة واحدة في شيء واحد، وهو الفعل الذي ورد الأمر به، ثم نسخ ~~بالنهي عنه قبل التمكن منه. # ويجاب بأن ما ذكر ن اللزوم مبني على تعليل أفعال الله بالأغراض، وعلى ~~وجوب مراعاة الأصلحية عليه تعالى، PageV01P285 وكلاهما باطل؛ لأنه تعالى لا ~~يجب عليه شيء، ولأنه الفاعل لما يريد، ولو سلم ذلك لقلنا أنه لا تثبت حقيقة ~~الحسن للفعل المأمور به بالتمكن من الفعل قبل وجوده؛ لأن الحسن صفة له، فلا ~~يتحقق قبل وجوده، وبهذا ينتفي ما ذكروه من لزوم اجتماع الضدين أيضا، ~~والفاعل المختار يفعل ما يريد بلا اعتراض عليه، فلا بداء ولا جهل. # احتج أرباب لاقول الأول بأمرين: # - أحدهما: قصة إبراهيم حين أمر بذبح ولده إسماعيل، ونسخ عنه قبل التمكن ~~لقوله: { افعل ما تؤمر } (الصافات: 102)، وقوله: { وفديناه بذبح عظيم } ~~(الصافات: 107)، ويعترض عليه بأن الواقع في قصة الذبح حصول زمان بين الناسخ ~~والمنسوخ يمكن إتيان الفعل فيه، كما ذكره في القصة. # ويجاب: بأن ذلك الزمان كله إنما هو تثبت في الأمر، وتتبين للحكم، وتتهيأ ~~للامتثال لا تهاون عن الفعل، فلو أتى على الخليل عليه ms202 السلام زمان يمكنه ~~امتثال الأمر فيه ما أخره إلى ما بعد ذلك الوقت. # والأمر الثاني: ما روي في حديث المعراج من أنه - صلى الله عليه وسلم - ~~أمر بخمسين صلاة، ثم نسخ ما زاد على الخمس قبل التمكن من الفعل لا قبل ~~التمكن من عقد قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - بل بعد عقد قلبه. واعترض ~~عليه بأن هذا الحديث غير ثابت، والمعتزلة ينكرون المعراج، ومن أقر به من ~~غيرهم ينكر نسخ خمسين صلاة بالخمس، ويجعله من زيادات القصاص والحاكين، ~~مستدلا بلزوم التمكن من الاعتقاد مع عدم هذا التمكن في حق الأمة لعدم علمهم ~~بذلك مع كونهم مأمورين به، فإن الأمر بخمسين صلاة لم يكن للنبي - صلى الله ~~عليه وسلم - خاصة بل له ولأمته. # وأجيب: بأن الحديث مشهور تلقته الأمة بالقبول، فلا وجه لإنكاره كالتواتر ~~والنقلة، كما رووا أصل المعراج رووا فرض خمسين صلاة، ونسخها على ما ثبت في ~~الصحيحين وغيرهما، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أصل هذه الأمة، وكان ~~مبتلى بالاعتقاد والقبول في حقه وحق أمته، ويجوز أن يبتلي بأمته لوفور ~~شفقته عليهم، كما ابتلى بنفسه، ومن الشروط المختلف فيها أيضا ما اشترطه ~~PageV01P286 أبو الحسين في صحة النسخ، حيث قال: "ولا يجوز من الله تعالى ~~نسخ حكم شرعي إلا مع الإشعار به"، أي بأنه سينسخ يشعر بذلك عند الابتداء ~~بالتكليف به، مثل قوله تعالى: { أو يجعل الله لهن سبيلا } (النساء: 15)، ~~لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } (الطلاق: 1)، واحتج بأنه إذا لم يقع إشعار ~~حمل المخاطب به على اعتقاد دوامه، وهو جهل قبيح؛ فلا يجوز من الله تعالى ~~الإغراء به. # وأجيب: بأن المعلوم أن لفظ الأمر لا يقتضي الدوام لغة وعرفا ولا شرعا، ~~فإذا اعتقد المكلف دوامه لغير دليل، فقد أتى من جهة نفسه لا من جهة الله ~~تعالى، فلا يجب الإشعار كما زعم أبو الحسين، والله أعلم، ثم قال: # ووقع النسخ بغير بدل ... وبالأخف وأتى بالأثقل # يجوز نسخ الآية أو الحكم إلى غير بدل، وبه قال أكثر الأصوليين، وخالف فيه ms203 ~~داود الظاهري فمنع من النسخ إلى غير بدل، وحكي هذا القول عن الشافعي أيضا، ~~والحجة لنا على جوازه وقوعه في الكتاب والسنة، فمن ذلك نسخ وجوب الإمساك عن ~~المفطرات للصائم بعد الفطر، فإنه كان يجب على الصائم إذا أفطر بعد المغرب ~~أن يمسك عن كل مفطر إلى آخر اليوم الثاني، ثم نسخ ولم يكن للإمساك بدل يجب ~~علينا بل إن شئنا أمسكنا وإن شئنا أفطرنا. ومن ذلك أيضا أنه كان محرما ~~علينا ادخار لحوم الأضاحي، ثم نسخ التحريم لا إلى بدل. ومن ذلك أيضا وجوب ~~تقديم الصدقة على مناجاة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ثم نسخت لا إلى ~~بدل. ومن ذلك أيضا الاعتداد بالحول قد نسخ بأربعة أشهر وعشر، فما زاد على ~~الأربعة والعشر، فقد نسخ لا إلى بدل. # واحتج المخالف بقوله تعالى: { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو ~~مثلها } (البقرة: 106)، قالوا: فأخبر أنه لا ينسخ آية إلا إلى بدل خير منها ~~أو مثلها. # وأجيب: بأنه متأول لما تقدم من الأدلة الدالة على وقوع المصير إلى ~~التأويل، فتأول بأن المراد إذا نسخت تلاوتها كما PageV01P287 يروى في قوله: ~~"الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما" أنه كان في القرآن ثم نسخت تلاوته دون ~~حكمه، والمعنى أنه تعالى إذا نسخ تلاوة آية يأتي بأفصح وأبلغ من المنسوخ أو ~~مثله، ولم يرد بها نسخ الأحكام، سلمنا أنه أراد نسخ الأحكام؛ فهو عموم مخصص ~~بما نسخ إلى غير بدل، وتخصيص العموم جائز كما مر، سلمنا أن الآية على ~~ظاهرها، فلعل الناسخ إلى غير بدل لم يقع أصلا، فأين الدليل على منع جوازه ~~رأسا؟! فسقط ما زعموه، والله أعلم. # وقول المصنف: "وبالأخف وأتى بالأثقل"، معناه: أن النسخ كما أتى إلى غير ~~بدل كذلك أتي ببدل هو أخف من المنسوخ، وببدل أثقل منه، أما نسخه إلى بدل ~~أخف منه فمتفق على جوازه ووقوعه، وأما إلى بدل أثقل منه في التكليف وأشق ~~على النفس، فذهب إلى جوازه أكثر الأصوليين، وخالف في جوازه الشافعي وداود ~~الظاهري ms204، فزعما أنه لا يجوز نسخ الأخف بالأشق، وجواز ذلك هو الصحيح، أما ~~إذا لم نعتبر المصلحة فظاهر، وأما إذا اعتبرناها فقد تكون المصلحة بالأخف ~~والأثقل، وأيضا فنسخ الأخف بالأثقل واقع، كما أشار إليه المصنف بقوله: ~~"وأتى بالأثقل"، فمن ذلك نسخ تخييرنا بين أن نصوم في رمضان أو نخرج الفدية ~~بحتم الصوم، فخيرنا في قوله: { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } ~~(البقرة: 184)، ثم نسخ بقوله: { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } (البقرة: ~~185)، فحتم الصوم، ومنع إجزاء الفدية عنه أشق من التخيير بينهما. ومن ذلك ~~أيضا نسخ وجوب صوم يوم عاشوراء بوجوب صوم شهر رمضان، وصوم يوم واحد أخف من ~~صوم شهر بتمامه. ومن ذلك أيضا نسخ حبس الزانيات في البيوت بالحد، وهو أشق. # واحتج المخالف بثلاثة أمور: # - أحدها: أن نسخ الأخف بالأثقل أبعد من المصلحة. # وأجيب: بأنه يلزمكم ذلك في ابتداء التكليف؛ لأن التكليف أشق من عدمه، ~~وأيضا فقد يكون الأصلح في الأثقل. # - وثانيهما: قوله تعالى: { يريد الله PageV01P288 بكم اليسر ولا يريد بكم ~~العسر } (البقرة: 185)، قالوا: فهذه الآية دليل على أن الله - سبحانه ~~وتعالى - إنما يريد بعباده اليسر، وليس نسخ الحكم إلى ما هو أثقل منه ~~باليسر، بل ذلك نوع من العسر. # وأجيب: بأنه إن سلم ذلك؛ فسياق الآية للمال في تخفيف الحساب تكثير ~~الثواب، وأيضا فيمكن حمل اليسر على معنى التخفيف في الحساب، وحمل العسر على ~~معنى التشديد فيه، فيكون من باب تسمية الشيء بما يؤول إليه؛ لأن التكليف ~~بالعسر يؤول إلى اليسر عند الإثابة عليه، كقول القائل: لدوا للموت وابنوا ~~للخراب، وإذا سلم بأن معنى الآية في التكليف كما هو ظاهر سياقها؛ فهي عموم ~~مخصص بذلك المقام الذي وردت فيه، لا في كل تكليف لما قدمناه لك آنفا من ذكر ~~الأدلة على وقوع النسخ بالأثقل والأشق، كما أنها مخصصة عند الجميع بما عدا ~~الابتداء في التكليف، فإن عدمه يسر لنا، ووجوده أشق علينا. # - وثالثها: قوله تعالى: { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو ~~مثلها } (البقرة: 106)، قالوا: والأشق ms205 ليس بخير من الأخف. # - وأجيب: بأن المراد بخير منها في الثواب، والله أعلم. # - ثم إنه أخذ في بيان جواز نسخ الكتاب بالكتاب والسنة، ونسخ السنة ~~بالكتاب، فقال: # وينسخ القرآن بالقرآن ... والسنة الثابتة الأركان # أعين بها التي تواترا أتت ... وينسخ القرآن ما بها ثبت # ولا يجوز النسخ للتواتر ... بغيره مع غير أهل الظاهر # ينسخ القرآن بالقرآن اتفاقا كما في قوله تعالى: { والذين يتوفون منكم ~~ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } (البقرة: 240) ~~الآية، نسخت بقوله تعالى: { يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } (البقرة: ~~234)، وكذا نسخ وجوب ثبات الواحد للعشرة بوجوب ثبات الواحد للاثنين، ومن ~~ذلك نسخ آية السيف لآيات كثيرة، كقوله تعالى: { وأعرض عن المشركين } ~~(الحجر: 94)، ونحوها، وهذا النوع مثير، ولم يخالف في جواز وقوعه أحد من ~~المسلمين PageV01P289 إلا ما يحكى عن أبي مسلم محمد بن بحر الأصفهاني من ~~منع جواز النسخ رأسا، فإن مذهبه متضمن لمنع نسخ القرآن بالقرآن أيضا، وقد ~~بينا بطلان مذهبه فيما تقدم، وأنه محجوج بقوله تعالى: { ما ننسخ من آية أو ~~ننسها نأت بخير منها أو مثلها } (البقرة: 106)، ومحجوج أيضا بالإجامع قبل ~~حدوث خلافه، فإنه لا خلاف بين أحد من الصحابة والتابعين في أن في القرآن ~~الناسخ والمنسوخ، وبالجملة فمثل خلافه لا يعتد به، وإنما ذكرناه لننبه على ~~خطئه في ذلك. # وينسخ أيضا القرآن بالسنة المتواترة أو المشهورة المتلقاة عند الأمة ~~بالقبول، وذلك كنسخ الوصية للوالدين من قوله تعالى: { إن ترك خيرا الوصية ~~للوالدين والأقربين } (البقرة: 180) بقوله عليه الصلاة والسلام: "لا وصية ~~لوارث"، وكحبس الزواني في البيوت الواجب بقوله تعالى: { فأمسكوهن في البيوت ~~حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا } (النساء: 15)، نسخ بقوله عليه ~~الصلاة والسلام: "قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب الرجم" الحديث، وإنما ~~صح نسخ القرآن بالسنة المشهورة؛ لأن السنة المشهورة المتلقاة بالقبول مقطوع ~~بصدقها كالمتواتر، فالنسخ بالمشهور المتلقا بالقبول نسخ بدليل قطعي، ومنع ~~الشافعي من جواز نسخ الكتاب العزيز بالمتواتر من السنة، واحتج على منع ذلك ~~بأمرين: # أحدهما: قوله تعالى ms206: { نأت بخير منها أو مثلها } (البقرة: 106)، قال: ~~"والسنة ليست خيرا من الكتاب ولا مثله". # وثانيهما: قوله تعالى: { قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع ~~إلا ما يوحى إلي } (يونس: 15). # وأجيب عن الأول: بأن المراد بخير منها هو ما كان خيرا للعباد، وإلا لزم ~~تفاضل القرآن، والقرآن لا تفاضل فيه من حيث ذاته، واعترض بأنه تعالى أضاف ~~الإتيان بالناسخ إلى نفسه، ولم يضفه إلى غيره، فهو دليل على أنه لا يكون ~~ناسخا إلا ما أتى من عنده، ورد بأن الرسول { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا ~~وحي يوحى } (النجم: 3-4)، فالجميع من عنده تعالى. # وأجيب عن الثاني: بأن ما جاء به الرسول وحي يوحى سواء كان قرآنا أو غير ~~قرآن، وليس هو من تلقاء نفسه. # والحجة لنا PageV01P290 على جواز نسخ القرآن بالسنة المتواترة ما قدمنا ~~ذكره من الأحاديث الناسخة لبعض القرآن، والوقوع دليل الجواز، وأيضا فالسنة ~~المتواترة حجة توجب العلم؛ فجاز نسخه بها كالكتاب، وأيضا فقوله تعالى: { ~~لتبين للناس ما نزل إليهم } (النحل: 44) دليل على جواز ذلك؛ لأن النسخ نوع ~~بيان، وتنسخ السنة بالقرآن كنسخ وجوب التوجه إلى بيت المقدس واستقباله ~~الثابت بالسنة بقوله تعالى: { فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم ~~فولوا وجوهكم شطره } (البقرة: 150)، وكنسخ صوم يوم عاشوراء، وكان واجبا ~~بالسنة، بقوله تعالى: { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } (البقرة: 185)، ومنع ~~الشافعي وغيره من جواز نسخ السنة بالكتاب، والحجة لنا على جوازه ما قدمنا ~~ذكره في الأمثلة من وقوع ذلك، والوقوع دليل الجواز، وأيضا فإن القرآن أقوى ~~من السنة، فيصح نسخها به، ووجه كونه أقوى منها هو أنه معجز بخلافها، وأيضا ~~فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقر معاذا في تقديمه الحكم بالكتاب على ~~الحكم بالسنة. # احتج المانعون من جواز ذلك بأمرين: # ? أحدهما: قوله تعالى: { لتبين للناس ما نزل إليهم } (النحل: 44)، فدلت ~~الآية على أن الكتاب يبين بالسنة، وأن البيان للرسول - صلى الله عليه وسلم ~~-، والنسخ نوع من البيان. # ? وثانيهما: أنه لو وقع نسخ الكتاب ms207 بالسنة لكان ذلك منفرا للسامع، حيث ~~خالف ما جاء به. # أجيب عن الأول: بأن المراد من قوله تعالى: { لتبين للناس ما نزل إليهم } ~~(النحل: 44)، أي لتليغهم ذلك، سلمنا أن البيان في الآية متوجه إلى الرسول؛ ~~فغاية ما فيه أن الرسول مبين، فأين المانع من صحة البيان بغيره؟!. # وأجيب عن الثاني: بأنه إذا علم أن جميع ما جاء به الرسول من الله، وأنه ~~وحي يوحى، فلا تنفير فيه، وتنسخ السنة بالسنة والمتواتر بالمتواتر والآحادي ~~بالآحادي، مثال ذلك: قوله - صلى الله عليه وسلم - : "كنت نهيتكم عن زيارة ~~القبور ألا فزوروها"، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في شارب الخمر: "فإن ~~شربها الرابعة فاقتلوه"، ثم أتي بمن شربها في الرابعة فلم يقتله، فنسخ قوله ~~PageV01P291 بتركه. # أما نسخ المتواتر من الكتاب والسنة بالآحادي فلا يصح؛ لأن المتواتر دليل ~~قطعي، والآحادي دليل ظني، والدليل الظني لا يعارض القطعي، ولإجماع الصحابة ~~على رد ما خالف القرآن من الآحاد، كقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في ~~خبر فاطمة بنت قيس: "لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لخبر امرأة، لا ندري ~~أصدقت أم كذبت"، وخالف في ذلك أهل الظاهر فجوزا نسخ المتواتر بالآحاد، قال ~~البدر: "وهو ظاهر كلام ابن بركة العماني"، واحتجوا على ذلك بأمور: # أحدها: أن أهل قباء سمعوا مناديه - صلى الله عليه وسلم - : "ألا إن ~~القبلة قد تحولت"، فاستداروا، ولم ينكر عليهم رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - . # وثانيها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرسل الآحاد بتبليغ ~~الأحكام مبتدأة وناسخة. # وثالثها: أنه قد نسخ قوله تعالى: { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على ~~طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة } (الأنعام: 145) الآية، بما ورد عنه - صلى ~~الله عليه وسلم - من النهي عن كل ذي ناب من السباع، والخبر آحادي. # وأجيب عن الأول: بأن أهل قباء علموا ذلك النسخ بالقرائن، فإن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - كان يقلب وجهه إلى السماء طالبا ربه أن يوليه إلى استقبال ~~الكعبة، والمسلمون يتوقعون ذلك، أو يقال: إن ms208 المنادي بمنزلة من أخبر عن ~~جماعة في حضرتهم أنه اتفق أمر عظيم في حضرتهم، ولم ينكروا خبره، فإن هذا ~~يفيد العلم اليقين كما سيأتي بيانه. # وأجيب عن الثاني: بأن ذلك مسلم فيما إذا قامت القرائن، توفرت الشواهد على ~~صدق ذلك المبلغ، أما إذا لم تقم القرائن على صدقه فغير مسلم أنه نسخ الحكم ~~به، أقول: وهذا الجواب لا يقاوم ذلك الاحتجاج، فإنه لم يبلغنا أن أحدا ممن ~~كان يرسله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الأمصار بالتبليغ وسع ~~للناس رد ما جاء به وترك قبوله، والمعلوم أن الواحد منهم كان يرسل إلى ~~المكان البعيد كمصر والشام وعمان، ولا قرائن هنالك تدل على صدق هذا القادم ~~ولا شواهد عليه، فلو كان لا يصح إلا مع القرائن والشواهد على PageV01P292 ~~[انتقال في ترقيم الصفحات في الأصل المطبوع مباشرة من 292 إلى ص297 من غير ~~خرم] PageV01P293 [انتقال في ترقيم الصفحات في الأصل المطبوع مباشرة من 292 ~~إلى ص297 من غير خرم] PageV01P294 [انتقال في ترقيم الصفحات في الأصل ~~المطبوع مباشرة من 292 إلى ص297 من غير خرم] PageV01P295 [انتقال في ترقيم ~~الصفحات في الأصل المطبوع مباشرة من 292 إلى ص297 من غير خرم] PageV01P296 ~~ذلك لوسع لمن رد شيئا مما جاء به هؤلاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم ~~-، واللازم باطل فكذا الملزوم. # وأجيب عن الثالث: بأن الحديث مخصص للآية لا ناسخ لها، لأن معنى قوله ~~تعالى: { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة ~~} (الأنعام: 145) الآية، أي: لا أجد في هذا الوقت، فقصر الحديث معنى الآية ~~على وقت نزولها؛ فهو تخصيص ببعض الزمان دون بعض، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في منع النسخ بالقياس والإجماع، فقال: # ولا يصح النسخ بالقياس ... ولا بإجماع جميع الناس # وإن يكن لهم هناك مستند ... من سنة أو من دليل يعتمد # لأنه إن كان عن دليل ... فذلك النسخ بذا الدليل # وإن يكن لا عن دليل فهما ... مع ورود النص بطل فاعلما # إذ لم يكن عند ورود الشرع ms209 ... قول لقائل بغير شرع # وقد يكونان مخصصين ... كما يكونان مبينين # اعلم أن كل واحد من لقياس والإجماع يكون مخصصا للعموم، ويكون مبينا ~~للمجمل، كما مرجع سابق بيان ذلك في محله، ولا يكون كل واحد منهما ناسخا ولا ~~منسوخا، أي: لا يصح ذلك، أما منع كونهما ناسخين؛ فلأنه إما أن يكون كل واحد ~~منهما مستند إلى دليل شرعي، فالنسخ حينئذ إنما هو بذلك الدليل الشرعي لا ~~بالقياس ولا بالإجماع، وإما أن يكون ناشئا عن غير مستند شرعي؛ فالقياس ~~والإجماع حينئذ باطلان لمعرضة النص لهما، إذ ليس لأحد من الخلق أن يقول عند ~~ورود النص بقول يخالف ذلك النص، لا عن دليل شرعي يعتمد عليه، ولا يلزم من ~~وقوعهما مبينين ومخصصين وقوعهما ناسخين؛ لأن كل واحد من البيان والتخصيص ~~إنما هو كشف عن حقيقة المراد من عموم الخطاب وإجماله، والنسخ تغيره لحكم ~~الخطاب، فافترق الحال في ذلك، وأما منع كونهما منسوخين؛ فلأن الإجماع لا ~~يصح نسخه بآية ولا بخير لتقدمها عليه ولا بقياس لما سيأتي، PageV01P297 ولا ~~بإجماع؛ لأنه لا طريق للأمة إلى معرفة المصالح والمفاسد، فلو قدرنا أنهم ~~أجمعوا على خلاف ما قد أجمع عليه؛ لم يخل إما أن يكون لهم مستند من الكتاب ~~والسنة والاجتهاد أولا، والثاني باطل لما سيأتي من أنهم غير مفوضين، وإن ~~كان لهم مستند من آية أو خبر؛ لم يصح من أهل الإجماع الأول مخالفته إلا ~~لمستند آخر معارض له؛ لأن القياس والاجتهاد لا يبطل بهما النصوص لما سيأتي، ~~وذلك يقتضي كون مستند الإجماع الأول ناسخا أو راجحا على مستند الثاني، ولا ~~يصح الإجماع على العمل بالمنسوخ، ولا بالأضعف؛ لأنه إجماع على خطأ، وأما ~~القياس فلا يصح نسخه أيضا؛ لأن صحته مشروطة بأن لا يعارضه قياس أقوى منه أو ~~مساو له؛ فبطل كونه منسوخا من جميع الوجوه، وخالف أبو عبد الله البصري؛ ~~فجوز أن يكون الإجماع منسوخا بإجماع آخر، وهو باطل لما قدمنا، وخالف ~~القاضي؛ فجوز أن يكون القياس منسوخا بقياس آخر أو نص، واشترط في جواز ms210 ذلك ~~أن يكون القياس معلوم # العلة من خطاب الشارع، وأن يكون نسخ في زمن النبوة، قال: "وأما القياس ~~المستفاد بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه يمتنع نسخه إذ لا ~~نصوص بعد وفاته"، وهو باطل أيضا لما قدمناه، وخالف ابن سريج؛ فجوز النسخ ~~بالقياس الجلي؛ لأنه جار مجرى النص لجلائه كقياس العبد على الأمة في تنصيف ~~الحد، ورد بأن المعلوم من إجماع الصحابة رفضه عند وجود النص؛ لأن النص مقدم ~~لخبر معاذ هذا إذا قيل أنه ينسخ النص، وأما إذا لم يظهر قياس هو أقوى منه، ~~فإذا ظهر الأقوى لم يكن نسخا، وإنما كان كاشفا عن بطلان القياس الأول، ~~وخالف عيسى بن أبان؛ فجوز نسخ النصوص بالإجماع، واحتج على ذلك بقول عثمان ~~لابن عباس حين قال له: كيف تحجب الأم بالأخوين؟ وقد قال تعالى: { فإن كان ~~له إخوة } (النساء: 11)، والأخوان ليسا إخوة؟ فقال عثمان: حجبها قومك يا ~~غلام، يعني أجمعوا على PageV01P298 حجبها. # وأجيب: بأنه إنما يكون ذلك نسخا إذا قلنا بالمفهوم، وثبت بدليل قاطع، وان ~~الأخوين ليسا أخوة بدليل قاطع أيضا، فإذا ثبت ما ادعاه عثمان من إجماعهم ~~وجب تقدير نص أجمعوا لأجله، و إلا كان الإجماع خطأ، وحاصل الجواب أنا لا ~~نسلم أن معنى الأخوة المذكور في الكتاب منسوخ بالإجماع على الحجب بالأخوين ~~لعدم الدليل المانع من إعطاء الأخوين حكم الأخوة، وإنما غاية ما فيه أن ~~الإجماع بين أن للأخوين حكم الأخوة، ولو سلمنا أن الأخوين ليسا كالأخوة في ~~هذا الباب، وأن معنى الآية منسوخ؛ لقلنا أنه منسوخ بدليل آخر علمه المسلمون ~~فاستندوا إليه فيما أجمعوا عليه، فالنسخ حينئذ إنما هو بذلك الدليل لا ~~بالإجماع نفسه، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان طريق معرفة النسخ، فقال: # ويعرف النسخ بعلم السابق ... من الدليلين وعلم اللاحق # وإن يكن قد جهل المقدم ... فالوقف إلا بدليل يعلم # كذا بقول صاحب الرسالة ... قد نسخ الحكم أو الدلالة # أما الصحابي فليس يقبل ... إخباره بأنه مبدل # اعلم أن طريق معرفة النسخ إنما تكون بأحد ms211 أمرين: # ? أحدهما: أن يعلم المتقدم من الدليلين المتعارضين، ويعلم المتأخر منهما، ~~فإنه يحكم هنالك بأن المتأخر منهما هو الناسخ للمتقدم، ومعرفة السابق منهما ~~من المتأخر إنما تكون بالإطلاع على نزول الآيات وورود الأحاديث، وتكون أيضا ~~بمعرفة التاريخ بأن يقال: نزل هذا في سنة كذا، وورد هذا في سنة كذا، أو ~~يقال: بأن هذا نزل في سنة كذا وورود هذا في سنة كذا، أو يقال: بأن هذا في ~~الغزوة الفلانية، وهذا في الغزوة الفلانية، ونحو ذلك، فإن لم يعلم المتقدم ~~منهما من المتأخر وجب التوقف، ومنع التمسك بأحد الدليلين إلا إذا كان هنالك ~~دليل يدل على أن أحدهما الناسخ والآخر المنسوخ، وقيل: نختار من الدليلين ~~واحدا فنعمل به، وهو ضعيف؛ لأنه إذا لم يكن لأحدهما مرجح على الآخر؛ فليس ~~أحدهما أولى بالتمسك PageV01P299 به من الآخر، واختار بعضهم أن يكون التوقف ~~مع تعارض الدليلين القطعيين، والاختيار مع الدليلين الظنيين، ووجه ذلك أن ~~المتخير مع تعارض القطعيين لا بد وأن يصادف اختياره دليلا قاطعا يمنعه من ~~ذلك، بخلافه مع الدليلين الظنيين، فإنه وإن صادف هنالك دليلا يمنعه من ذلك؛ ~~فذلك الدليل إنما هو ظني، وهذا الاختيار مع التمسك بذلك الدليل ظني أيضا، ~~والظني يعارض بالظني. # ? والأمر الثاني: نص الشارع على أن الحكم أو هذه الدلالة منسوخ بكذا، ~~وهذا أقوى طرق هذا النوع، ويليه في القوة أن يذكر ما يدل على النسخ دون ~~التصريح بلفظ النسخ، وذلك مثل قوله تعالى: { الآن خفف الله عنكم } (التوبة: ~~66) الآية، وقوله عليه الصلاة والسلام: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا ~~فزوروها"، و "كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي، ألا فادخروها"، أما قول ~~الصحابي بأن هذا الحكم منسوخ بكذا؛ فلا يقبل عند الأكثر إذا كان المنسوخ ~~قطعيا، أما إذا كان المنسوخ ظنيا فلا خلاف في قبوله، وذهب أبو عبد الله ~~البصري وأبو الحسن الكرخي إلى وجوب قبول قوله في ذلك مطلقا، وهو ظاهر مذهب ~~القاضي أيضا، وحجتهم على ذلك أن النسخ ليس بقول الصحابي، وإنما هو الدليل ~~الذي أخبر ms212 الصحابي أنه ناسخ، فقول الصحابي إنما هو معين للناسخ لا ناسخ ~~لأنه قد علم أن أحد الدليلين المتعارضين ناسخ والآخر منسوخ، واعترض بأن قول ~~الصحابي لما لم يصلح أن يكون ناسخا؛ فكذلك لا يصلح أن يكون دليلا معينا ~~للناسخ. # وأجيب: بأن الشيء قد لا يقبل ابتداء، ويقبل فيما إذا كان المآل إليه كما ~~لا يقبل الشاهدان في الرجم للزنا، ويقبلان في الإحصان الذي مآله إلى الرجم، ~~وكشهادة النساء لا تقبل في النسب، وتقبل في الولادة التي مآلها إلى النسب، ~~فكذا قول الصحابي لا يكون ناسخا لكنه يكون دليلا على تعيين الناسخ، ومآله ~~إلى الناسخ، قال صاحب المنهاج: "وهذا ضعيف عندي جدا في هذا الموضع خاصة؛ ~~لأن في العمل PageV01P300 بالظني إبطالا لحكم قطعي، والقطعي لا يبطل بالظن، ~~بيان ذلك: أن الخبرين إذا كانا متواترين كان الحكم الثابت بكل واحد منهما ~~قطعيا بلا ريب، فإذا عملت بالظني في أن أحدهما منسوخ؛ فقد أبطلت حكمه بالظن ~~مع كونه قطعيا، فلا يصح ذلك"، أقول: والظاهر أن هذا التضعيف إنما يتوجه على ~~ما إذا كان الناسخ الذي عينه الصحابي ظنيا، ولا يتوجه على ما إذا كان ذلك ~~قطعيا؛ لأن الإبطال إنما يكون بذلك القطع، لا بخبر الصحابي كما تقدم، والله أعلم. # تم الجزء الأول، ويليه الجزء الثاني إن شاء الله تعالى، وأوله: الركن ~~الثاني. # ********************* # فهرست الجزء الأول من كتاب طلعة الشمس # ? - مقدمة في تعريف أصول الفقه، وبيان موضوعه وثمرته. # ? - الركن الأول: في مباحث الكتاب. # ? - تعريف الكتاب، وهو القرآن العظيم. # ? - حكم القراآت الشاذة. # ? - مبحث الخاص وحكمه. # ? - ذكر الأمر وبيان حقيقة الأمر. # ? - حكم الأمر الوجوبي ما لم تصرفه قرينة إلى غيره. # ? - حكم الأمر المقيد بالوقت. # ? - وجوب القضاء بأمر ثان. # ? - الأمر الغير المؤقت لا يدل على فور ولا تراخ. # ? - حكم الأمر المقيد بعدد. # ? - حكم الأمر المقيد بالوصف. # ? - حكم الأمر العاري عن القيود. # ? - هل يدل الأمر على الأجزاء التزاما؟. # ? - الأمر بالشيء لا يدل على النهي عن ضده ذلك الشيء . # ? - الأمر بالأمر بالشيء أمر بذلك الشيء، وقيل: لا. # ? - حكم الأمر ms213 إذا تكرر لفظه PageV01P301 واتحد معناه. # ? - خاتمة: لا يصح تعلق الأمر والنهي بشيء واحد من جهة واحدة. # ? - ذكر النهي وبيان حقيقة النهي. # ? - حكم النهي التحريم والفور والدوام. # ? - النهي لا يدل على فساد المنهي عنه، وقيل: يدل. # ? - ذكر المطلق والمقيد، وبيان حقيقة المطلق والمقيد. # ? - حكم المطلق والمقيد. # ? - مبحث العام وبيان حقيقة العام. # ? - عموم الجمع واسم الجنس المعروفين بلام الجنس. # ? - حكم المعروف إذا احتمل العهديو والجنسية. # ? - يخصص الجمع المعروف إلى ثلاثة والجنس إلى واحد. # ? - عموم من وما والمؤمنين. # ? - لا تعم صيغة الذكور أحدا من الإناث إلا تغليبا، ولا تعم صيغة الإناث ~~أحدا من الذكور أبدا. # ? - ما موضوعة لوصف العقلاء وذات غيرهم. # ? - عموم جميع وعموم كل. # ? - عموم أين وحيث ومتى ومهما. # ? - عموم أي وعموم النكرة المنفية. # ? - حكم الكلمة إذا تكررت. # ? - حكم العام إدخال ما فيه دخل إلخ. # ? - يلزم البحث عن المخصص المعلوم قبل الأخذ بالعموم. # ? - حكم العام الجاري على سبب خاص. # ? - عموم الفعل المنفي دون المثبت. # ? - يدخل المخاطب تحت عموم خطابه إلا لمانع. # ? - لا يعم خطاب المفرد للجماعة إلا بدليل. # ? - لا يعم الخطاب الخاص للنبي عليه الصلاة والسلام غيره من الأمة إلا بدليل. # ? - عموم مفهوم الخطاب فيما عدا المنطوق. # ? - عموم العلة المعلق بها الحكم لجميع معلولاتها. PageV01P302 # ? - عموم ما رواه الراوي بلفظه العام. # ? - حكم لفظ العام بعد تخصيص. # ? - حجية العام في الباقي بعد التخصيص. # ? - يكون العموم في المعاني أيضا. # ? - ذكر المشترك. # ? - بيان حقيقة المشترك، وحكم المشترك. # ? - لا يصح إطلاق المشترك على معنييه حقيقة في إيراد واحد، وقيل: يصح إلخ. # ? - بيان تحرير النزاع في إطلاق المشترك على معنييه. # ? - بيان الخلاف في وجود المشترك والحق أنه موجود. # ? - ذكر الجمع المنكر. # ? - بيان حقيقة الجمع المنكر وحكمه. # ? - ذكر التخصيص. # ? - بيان حقيقة التخصيص وانقسامه إلى لفظي وغيره، واللفظي إلى متصل وغيره. # ? - المخصص المتصل وحكم استثناء المثبت من المنفي وبالعكس. # ? - لا يصح تراخي الاستثناء عن المستثنى منه اختيارا، وقيل: يصح الخ. # ? - لا يصح أن يستغرق الاستثناء المستثنى ويصح استثناء الأقل والأكثر. # ? - حكم الاستثناء بعد الجمل المتعاطفة. # ? - حكم الشرط والغاية والوصف حكم ms214 الاستثناء. # ? - التخصيص المنفصل وبيان حكم التخصيص بخبر الآحاد وبفعل النبي عليه ~~الصلاة والسلام بتقريره وبمفهوم الخطاب وبالقياس وبالإجماع. # ? - لا يخصص مذهب الراوي عموم ما رواه، وقيل: يخصص. # ? - لا تخصص العادة وقيل: تخصص. # ? - لا يخصص بالمقدر المحذوف فيما هو معطوف على العموم. # ? - لا يخصص الضمير العائد إلى PageV01P303 بعض العام. # ? - لا يخصص حكم العموم بذكره لبعض أفراد العام. # ? - تخصيص بالعقل والحس وحكم تخصيص الخبر. # ? - مبحث المحكم والمتشابه وفيه بيان المجمل والمبين والنص والظاهر وبيان ~~حقيقة كل واحد منه. # ? - حكم النص والظاهر والمؤول. # ? - حكم المتشابه والمجمل. # ? - بيان المواضع التي يكون فيها الإجمال. # ? - بيان أشياء اختلفت العلماء في إجمالها. # ? - بيان وقوع المجمل في الكتاب والسنة. # ? - حكم المجمل التماس البيان. # ? - حكم تأخير البيان إلى وقت الحاجة إليه. # ? - حكم تأخير تبليغ الرسول البيان إلى وقت الحاجة. # ? - حكم بل. # ? - حكم لكن. # ? - حكم أو. # ? - حروف الجر وحكم الباء. # ? - حكم على. # ? - حكم من. # ? - حكم إلى وحتى. # ? - حكم في. # ? - ذكر أسماء الظروف. # ? - كلمات الشرط. # ? - خاتمة الكلام على كيف وغير. # ? - مبحث الصريح والكناية. # ? - مبحث دلالة اللفظ على الحكم. # ? - مبحث فحوى الخطاب. # ? - مبحث مفهوم المخالفة. # ? - ذكر أقسام مفهوم المخالفة. # ? - بيان الاستدلال بالمقارنة. # ? - مبحث النسخ. # ? - تعريف النسخ. # ? - حكم النسخ أنه جائز واقع. # ? - محل النسخ الأمر والنهي إلخ. # ? - حكم نسخ التلاوة دون الحكم ونسخ الحكم دونها، ونسخهما معا، ونسخ بعض ~~المعنى كالقيد والشرط وفي زيادة بعض الحكم على المشروع وأحكام PageV01P304 ذلك. # ? - حكم نسخ الفحوى دون أصلها، ونسخه دونها. # ? - حكم نسخ المفهوم دون المتن. # ? - حكم الفرع بنسخ أصله. # ? - شرط صحة النسخ إمكان امتثاله بالعقل أو بالفعل. # ? - حكم النسخ إلى غير بدل وإلى بدل أخف و أشق. # ? - حكم نسخ القرآن للقرآن والسنة، ونسخ السنة لهما. # ? - لا يكون القياس والإجماع ناسخين ولا منسوخين. # ? - بيان الطريق إلى معرفة الناسخ والمنسوخ. # تمت فهرست الجزء الأول من كتاب شرح طلعة الشمس PageV01P305 ### | CHECK ج2 طلعة الشمس لنور الدين السالمي # الجزء الثاني من # كتاب # شرح طلعة الشمس على الألفية # المسماة بشمس الأصول # لناظمها: فخر المتأخرين ومرجع المناظرين، العالم العلامة # أبي محمد عبد الله ms215 بن حميد السالمي أطال الله بقاءه # طبع على نفقة حضرة الشيخ الفاضل سالم بن سلطان الريامي # طبع بمطبعة الموسوعات، بشارع باب الخلق بمصر # لصاحبها: إسماعيل حافظ الخبير بالمحاكم الأهلية # [د. ت] PageV02P001 الركن الثاني في مباحث السنة # أي في مباحث الأحوال المختصة بالسنة، والمراد بالمباحث المختصة بالسنة هي ~~البحث عن كيفية اتصالها بالنبي عليه الصلاة والسلام، وإنه بطريق التواتر أو ~~الشهرة أو الآحاد والقرآن لا طريق له غير التواتر فلا يشارك السنة في شيء ~~من ذلك، والبحث عن حال الراوي وأنه معروف أو مجهول أو مستور عادل أو مجروح، ~~والبحث عن حال الراوي من العقل والضبط والعدالة والإسلام وعن ضد الاتصال ~~وهو الانقطاع إلى غير ذلك مما يأتي في محله والله أعلم، ثم إنه أخذ في ~~تعريف السنة فقال: # السنة القول من الرسول ... والفعل والتقرير للمفعول # اعلم أن السنة في اللغة: الطريقة والعادة، وفي اصطلاح الفقهاء: بين ~~العبادات النافلة، وفي اصطلاح الأصوليين: ما صدر عن النبي عليه الصلاة ~~والسلام غير القرآن من قول أو تقرير والأول مختص باسم الحديث فإنه إذا أطلق ~~لا يفهم منه إلا السنة القولية والمراد بالتقرير هو أن يرى فعلا أو قولا ~~صدر من أمته أو من بعضهم فلم ينكره وسكت عليه مع القدرة على إنكاره والله ~~أعلم، ولما كان صدور السنة منه عليه الصلاة والسلام بطريق الوحي إليه احتيج ~~إلى بيان أنواع الوحي فقال: # والوحي منه باطن وظاهر ... والكل حجة فأما الآخر PageV02P002 أقواه أن ~~يسمع أو أن تتضح ... له إشارة فإلهام وضح # والباطل اجتهاده وإن منع ... وقوعه قوم فإنه وقع # والخلف في خطئه ولا يقر ... عليه إجماعا فإن به استمر # فهو من الله دليل امتنع ... خلافه لأنه مما شرع # اعلم أن الوحي الذي أوحاه الله إلى نبيه نوعان، أحدهما وحي باطن: وهو ~~اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - في الأشياء التي لم ينزل عليه فيها شيء، ~~وسيأتي الكلام عليه قريبا، الثاني وحي ظاهر: وذكر له خمس كيفيات، إحداها أن ~~يأتيه الملك في مثل صلصة الجرس، وهي أشد ms216 حالات الوحي، والثانية أو يأتيه في ~~صورة الرجل فيكلمه وهاتان الكيفيتان أقوى من سائر الكيفيات وإليهما أشار ~~المصنف بقوله: "أقواه أن يسمع"، فإن الوحي في كل واحدة من الكيفيتين مسموع، ~~والكيفية الثالثة: أن ينفث في روعه الكلام نفثا كما قال عليه الصلاة ~~والسلام: "إن روح القدس نفث في روعي"، وإلى هذه الكيفية أشار المصنف بقوله: ~~"أو أن تتضح له إشارة"، وهي في القوة دون ما قبلها من الكيفيات وفوق ما ~~بعدها حتى قيل إنها ترجع في الحقيقة إما إلى الأولى أو إلى الثانية؛ لأن ~~الملك يأتيه من إحدى الكيفيتين وينفث في روعه. # ورد أن الوحي في الكيفيتين المتقدمتين يكون بطريق السمع من الملك، وفي ~~هذه الكيفية يكون بطريق الإشارة، ولا يكون على هذه الكيفية شيء من وحي ~~القرآن؛ لأنه جميعه مسموع، والكيفية الرابعة: أن يلهمه الله ذلك المعنى ~~بغير واسطة الملك وهو المراد بقوله تعالى: { وما كان لبشر أن يكلمه الله ~~إلا وحيا }، أي إلا إلهاما، { أو من وراء حجاب } (الشورى: 51)، وإلى هذه ~~الكيفية أشار المصنف بقوله: "فإلهام وضح"، بكسر الضاد بمعنى واضح وهي في ~~القوة دون ما قبلها من الكيفيات، ولا يكون منها شيء من وحي القرآن أيضا، ~~الكيفية الخامسة أن يأتيه الملك في النوم بما يأمره الله به قيل ومن هذه ~~الكيفية الوحي بسورة الكوثر وجميع هذه الكيفيات PageV02P003 حق وهي حجة على ~~النبي وعلى سائر المكلفين بلا خلاف نعلمه بين أحد من المسلمين، وأما الوحي ~~الباطن وهو ما ينال بالاجتهاد والتأمل في حكم النص فمنعه الأشاعرة وأكثر ~~المعتزلة وجوزه أحمد وأبو يوسف والشافعي وجوزه بعض في الحروب دون أحكام ~~الدين، قال البدر رحمه الله تعالى: "والمختار وقوعه لقوله تعالى: { عفا ~~الله عنك لم أذنت لهم } (التوبة: 43) الآية، ولقوله عليه الصلاة والسلام: ~~"لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي""، واحتج المانعون بأنه لو ~~جاز ذلك لجازت مخالفته كسائر المجتهدين والإجماع على منع مخالفته وأيضا فلو ~~جوزنا صدور الأحكام عن رأي منه ونحن وهو على سواء في الآراء ms217 كان منفرا من ~~قبول كلامه لنه يلزم من تجويز ذلك تجويز الغلط عليه كما في المجتهدين، ~~وأجيب بأن الله سبحانه قد أوجب علينا اتباع قوله سواء صدر عن وحي أم عن ~~اجتهاد بخلاف غيره وحينئذ لا مخالفة ولا تنفير ولا غلط يخشى، وأيضا ~~فاجتهاده عليه الصلاة والسلام وحي باطن بمعنى أنه إلهام منه تعالى لقوله ~~تعالى: { وما ينطق عن # الهوى إن هو إلا وحي يوحى } (البقرة: 243)، احتج المانعون من وقوعه في ~~الأحكام دون الحروب بأنه لو وقع في شيء من الأحكام لجازت مراجعته فيه ~~وترجيح غير رأيه كما كان يقع من أصحابه في اجتهاده في الحروب فإنه يرى ~~الرأي ولا يرونه فيراجعونه فيرجع كحديث محطته في موضع يوم بدر عن رأيه ~~فروجع فانتقل وكذلك في صلح يوم الأحزاب حتى هم أن يصالحهم على ثلث ثمار ~~المدينة فروجع في ذلك فرجع وقد راجعوه في صلح يوم الحديبية حتى أخبرهم أنه ~~وحي، ونحو ذلك كثير وأجيب بأن اجتهاداته في الأحكام الشرعية يخالف ~~اجتهاداته في الآراء والحروب؛ لأنها تأدية أحكام فلم تجز مخالفته فيها ~~ولأنه في تأدية الأحكام معصوم عن الخطأ وإلا لم نثق بشيء منها بخلاف الآراء ~~والحروب فليست بهذه المنزلة، قال صاحب المنهاج: "ولنا أن نقول إنما لم ~~يراجعوه في الاجتهادات الدينية وإنما PageV02P004 راجعوه في الاجتهادات ~~الدنيوية لمعرفتهم أنه أعرف منهم بأحكام دينهم إذ لم يأخذوا الدين إلا عنه ~~فلا سبيل له إلى المعارضة لنظره فيها لجهلهم الشرائع أصولها وفروعها إلا ما ~~كان من جهته بخلاف الأحكام الدنيوية فلهم المجال الواسع في النظر فيها ~~لتقدم خبرتهم وتجربتهم بل ربما كان أحده فيها أقوى نظرا من الأنبياء ~~لممارستهم إياها واشتغالهم بها وتمكنهم من معرفة ما يبتنى عليه النظر فيها ~~من خبرة وتجربة ونحو ذلك"، أقول والمختار من هذه المذاهب كلها جواز تعبده - ~~صلى الله عليه وسلم - بالاجتهاد مطلقا في الأحكام الدينية والآراء السياسية ~~لكنه لم يقع منه - صلى الله عليه وسلم - في الأحكام الدينية وإنما وقع منه ~~في الأحكام السياسية في حروب ms218 الأعداء بمعنى أنه لم ينقل إلينا وقوع ذلك إلا ~~في الحروب والمختار أيضا أنه عليه الصلاة والسلام ينتظر في الحادثة الوحي ~~الظاهر فإذا جاءه فيها أمر من ربه عمل به وإن مضت المدة التي تعود فيها ~~نزول الوحي # اجتهد في تلك الحادثة برأيه فعمل بما يراه أقرب إلى الصواب واعلم أن ~~المجوزين لتعبده - صلى الله عليه وسلم - بالاجتهاد اختلفوا في خطئه فيه ~~فجوزه بعضهم لقوله تعالى: { عفا الله عنك لم أذنت لهم } (التوبة: 243)، ~~وقوله: { ما كان لنبي أن يكون له أسرى } الآية (الأنفال: 67)، حتى قال - ~~صلى الله عليه وسلم - : "لو نزل من السماء عذاب ما نجا منه إلا غير عمر"؛ ~~لأنه أشار بقتلهم ومنعه آخرون؛ لأمرين أحدهما أن الأمة معصومة عن الخطأ في ~~اجتهادها فالرسول أولى بالعصمة منهم، وثانيها أن الشك في إصابته منفر عن ~~قبول قوله فينتقض الغرض بالبعثة، وأجيب عن الأول بأنه دليل العصمة من الخطأ ~~في الاجتهاد موجود في حق الأمة دون حقه عليه الصلاة والسلام ولا يلزم من ~~ذلك سقوط رتبته عن رتبتها إذ لم يجب اتباع الأمة إلا امتثالا لأمره فمرتبته ~~أعلى، أقول: وفي تجويز خطئه - صلى الله عليه وسلم - نظر؛ لأنا إذا قلنا ~~بصحة تعبده بالاجتهاد وإن الاجتهاد منه وحي يوحى، فثبوت خطئه في ذلك بعيد جدا. # أما أولا: فلأن PageV02P005 المطلوب من المجتهد ما أداه إليه ظنه لا غير ~~ذلك فلا خطأ حينئذ مع توفية الاجتهاد حقه. # وأما ثانيا: فلقوله تعالى: { إن هو إلا وحي يوحى } (النجم: 4)، والوحي لا ~~يجوز عليه الخطأ أما ما نزل من عتاب الله له في بعض القضايا فلعله إنما ~~عاتبه على التعجيل في ذلك ولم ينتظر الوحي انتظاره المعتاد، قال صاحب ~~المنهاج: "ولعله لم يوف الاجتهاد حقه"، كما قد يعترض المجتهد في اجتهاده، ~~وليس في اعتراضه استلزام كون الحق متعينا وأجيب عن الوجه الثاني بأنه لا شك ~~مع قوله: { واتبعوه } (الأعراف: 158)، { لقد كان لكم في رسول الله أسوة ~~حسنة } (الأحزاب: 21)، ثم إن الشك في الاجتهاد لا يستلزم الشك في ms219 الرسالة ~~والوحي كما في الاجتهاد في الآراء والحروب بهذا أجيب والحق ما قدمت لك من ~~منع تجويز الخطأ عليه ثم أجمع المجوزون لخطئه في الاجتهاديات والمانعون من ~~ذلك على أنه عليه الصلاة والسلام لا يقر على خطأ فإن أخطأ عند من جوز عليه ~~الخطأ في ذلك نبه على خطئه حالا فإن استمر على اجتهاده وأقر عليه لم ينزل ~~عليه فيه عتاب علمنا أنه إلهام من الله سبحانه وتعالى فكان دليلا شرعيا يجب ~~على الأمة اتباعه قطعا، ولا يسع لأحد خلافه بلا خلاف بين أحد من المسلمين ~~في ذلك والله أعلم، ثم إنه أخذ في بيان الحديث وحكمه فقال: # مبحث الحديث # والمراد به السنة القولية كما تقدم وعبر عنه أكثر الأصوليين بالخبر نظرا ~~إلى حال من نقله من الناس عن النبي عليه الصلاة والسلام وإنما عدلنا عن ~~عبارة الأكثر نظرا إلى أن الحديث الوارد عنه - صلى الله عليه وسلم - يكون ~~تارة خبرا ومرة إنشاء، ولأن الخبر لا يختص بالمنقول عن الرسول - صلى الله ~~عليه وسلم - بخلاف الحديث فإنه يختص بالمنقول عنه اصطلاحا، ثم إنهم عرفوا ~~الخبر بتعاريف كثيرة منها صحيح ومنها مزيف فلا نطيل بذكرها هاهنا بل نقتصر ~~على تعريف يتميز به الخبر من الإنشاء فنقول أما الخبر: فهو لفظ أورده ~~المتكلم على قصد الإخبار به في طريقة PageV02P006 تحتمل الصدق والكذب ~~لذاتها، فقولنا: على قصد الإخبار به: مخرج لكلام الساهي والنائم ومن لا عقل ~~له فإنه لا يسمى خبرا بل يسمى هذيانا أو نحو ذلك، وقولنا: على طريقة تحتمل ~~الصدق والكذب: مخرج للإنشاء على ما سيأتي، ودخل بقولنا: لذاتها؛ أخبار الله ~~تعالى وأخبار أنبيائه فإنه لا يحتمل إلا الصدق لكن لا لذات الخبر بل لوجوب ~~صدق المخبر، وأما الإنشاء فهو ما لا يحتمل الصدق والكذب كالأمر والنهي ~~والاستفهام والتمني والترجي والعرض والتحضيض والقسم والنداء والعقود ~~الشرعية كزوجتك، وبعت لك...، فإنه لم يقصد بها الإخبار عن وقوع التزويج ~~والبيع، وإنما قصد بها انعقاد ذلك ومن هذا الباب: الحمد لله، والصلاة ~~والسلام على ms220 رسول الله...، فإنه لم يقصد بذلك نفس الإخبار عن الواقع وإنما ~~قصد به إنشاء الثناء على الله والدعاء بالرحمة المقرونة بالتعظيم لنبيه ~~عليه الصلاة والسلام وكذلك حكم كل لفظ قصد به الدعاء كرحمه الله وغفر له ~~ونحو ذلك...، # وإن كان بصيغة الخبر والله أعلم ثم إن الخبر ينقسم إلى مقطوع بصدقه وإلى ~~مقطوع بكذبه وإلى مظنون الصدق وإلى مظنون الكذب وإلى متردد فيه، فالمقطوع ~~بصدقه خبر الله تعالى وخبر أنبيائه عليهم الصلاة والسلام وخبر من أخبر الله ~~أو أحد من أنبيائه عن صدقه والخبر المعلوم بالضرورة والمنقول بالتواتر ~~والخبر المشهور المتلقى بالقبول على قول وخبر من أخبر عن جماعة بحضرتهم فلم ~~ينكروا عليه ولم يمنعهم من الإنكار مانع وكذا من أخبر عن الرسول بحضرته ولم ~~ينكر عليه مع العلم بأنه قد سمع ذلك الخبر والخبر المقطوع بكذبه هو ما خالف ~~واحدا من هذه الأشياء والمظنون بصدقه خبر العدل والمظنون بكذبه خبر الكاذب ~~والمتردد فيه خبر المجهول والله أعلم، ثم قال: # والقول في الحديث إما يتصل ... إسناده نقلا وإما ينفصل # وأول النوعين إما كامل ... وهو الذي رواه جمع ناقل PageV02P007 عن مثلهم ~~وتمنع العادة من ... تواطؤ مثلهم على مين زكن # فذا هو التواتر اللفظي ... أو نقل المعنى فمعنوي # اعلم أن الحديث المنقول عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إما أن يتصل ~~نقله به بحيث يرويه الراوي حتى ينهيه إليه - صلى الله عليه وسلم - وإما أن ~~ينفصل في روايته عنه فلا ينتهي إليه بل يقتصر به على الصحابي أو يكون في ~~إسناده إلى النبي واسطة بينه وبين الراوي ولم تذكر تلك الواسطة، أو تقع ~~واسطة بين بعض الرواة عن بعض ولم يذكرها الراوي أيضا على حسب ما سيأتي في محله. # أما المتصل إسناده بالنبي عليه الصلاة والسلام فهو نوعان: أحدهما ما اتصل ~~به اتصالا غير كامل وهو المعبر عنه بالمتصل والمستفيض، وسيأتي الكلام فيه ~~أيضا وإما أن يتصل إسناده به - صلى الله عليه وسلم - اتصالا كاملا وهو ~~المعبر عنه في اصطلاحهم بالتواتر وهو ms221 ما رواه جماعة لا يمكن تواطؤ مثلهم ~~على الكذب عادة عن جماعة مثلهم بحيث إنه لا يمكن تواطؤ مثلهم على الكذب ~~عادة أيضا حتى ينتهي به النقل كذلك إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن ~~نقل اللفظ بعينه يسمى تواترا لفظيا، وإن نقل المعنى فقط سمي تواترا معنويا، ~~هذا حاصل ما في النظم، ويتضح لك تحقيقه بأن نورد شروط التواتر التي ذكرها ~~الأصوليون وهي أربعة: # أحدها: أن ينقل الخبر فئة كثيرة فما نقله الأربعة فليس بمتواتر قطعا إذ ~~الأربعة ليست بكثرة، وإلى هذا الشرط أشار المصنف بقوله: "ما رواه جمع ~~ناقل"، إذ المراد بالجمع في كلامه الفئة الكثيرة لما سيأتي في كلامه من ~~القيود المخرجة لنحو الأربعة. # الشرط الثاني: أن يكون عدد الناقلين لا يمكن في العادة أن يتواطأ مثلهم ~~على الكذب لأجل أحوالهم من كثرة وغيرها، لا لمجرد كثرتهم فما من عدد إلى ~~ويمكن منهم التواطؤ، أي التوافق على حال من الأحوال، ألا ترى أن عائشة لما ~~مرت بالحوأب نبحتها كلابها في مخرجها على علي همت بالرجوع لأجل خبر ذكره ~~PageV02P008 لها - صلى الله عليه وسلم - فتمالأ عبد الله بن الزبير في ~~أربعين رجلا من خيار العسكر على الشهادة بأن الموضع ليس الحوأب وإنما هو ~~الجوأب بالجيم، وهي أول شهادة زور وقعت في الإسلام، ولا شك أن الأربعين عدد ~~كثير وأن خبرهم تواتري حيث لم يكونوا على حال يجوز في مثلها التواطؤ كما ~~ذكرناه وذلك الحال نحو أن يكونوا من جهات شتى ولم يجتمعوا قبل تأدية الخبر، ~~ومن ذلك أن يكون المخبرون لا غرض لهم فيما أخبروا عنه يدعوهم إلى الإخبار ~~بذلك مع كونهم جماعة لا يتصور في العادة أنه اتفق منهم الكذب من غير تواطؤ، ~~بل اتفق خبرهم اتفاقا لا لغرض حاصل مع كل واحد منهم في تعمد الكذب وإلى هذا ~~الشرط أشار المصنف بقوله: "وتمنع العادة من توطؤ مثلهم على مين زكن"، أي ~~كذب، فإن الجمع إذا أمكن في العادة اتفاقهم على الكذب لا يكون خبرهم ~~تواتريا في الاصطلاح ms222، وإذا أجمعوا قبل الإخبار أمكن اتفاقهم على حال ~~يتواطؤون عليه ما لم يكن هنالك حال يقتضي منع تواطئهم على شيء وكذلك إذا ~~كان غرضهم في الإخبار متفقا أمكن في العادة أي يحمل ذلك الغرض كل واحد منهم ~~على الإخبار بغير الواقع ولا يكون تواترا في الاصطلاح، قال صاحب المنهاج: ~~"وإذا عرفت أن ذلك هو المقصود بالحال التي لأجلهما نقطع أنهم لم يتواطؤوا ~~على الكذب فيما أخبروا به فلا شك أنه يجوز حصول هذه في العشرة على حد ~~حصولها في المائة بل في الستة والخمسة فحيث يحصل هذا الحال في عدد لا نقطع ~~بقلته كالأربعة وجب حصول العلم بخبرهم وجوبا اعتياديا"، قال: "فهذا تحقيق قول # أصحابنا لابد وأن يعلم أنه لا يتواطأ مثلهم على الكذب، فافهم هذه النكتة ~~فإنها تنبني عليها معرفة مسائل"، أقول: وبمثل ما حققه يتضح في التحقيق من ~~قول بشير رحمه الله تعالى بل هو الظاهر من قول أصحابنا، ولأجل مراعاة هذا ~~المعنى اختلفت أقوال العلماء من أصحابنا وغيرهم في عدد من يحصل بخبرهم ~~العلم فقيل: إذا كانوا خمسة فصاعدا PageV02P009 حصل بخبرهم العلم ووجب ~~القطع بصدقه، وقيل إذا كانوا عشرة فصاعدا، وقيل إذا كانوا اثني عشر واحدا ~~فصاعدا، وقيل إذا كانوا عشرين فصاعدا، وقيل إذا كانوا أربعين فصاعدا واشترط ~~بعض أصحابنا أن يكون في الأربعين ثقة، وقيل إذا كانوا سبعين فصاعدا إلى غير ~~ذلك...، فالظاهر أن أرباب هذه الأقوال إنما أرادوا أن يعينوا أقل عدد يحصل ~~بخبرهم العلم، فاختلفت أحوال المخبرين بالنظر إلى كل واحد من هؤلاء ~~القائلين، فاتضح لبعضهم حصول العلم من خبر خمسة مع حصول الشرط المذكور فقال ~~إنه أقل عدد يحصل به العلم واتضح للآخر حصوله من عشرة، وللآخر من عشرين ~~وهكذا وعلى هذا المعنى فلا تنافي بين هذه المذاهب وإن كان الظاهر تنافيها ~~لأنهم متفقون فيما يظهر على أن الخبر الذي يحصل به العلم هو خبر من يمتنع ~~كذلهم عادة وعلى هذا فتوجه احتجاجاتهم التي ذكروها على موافقة أحوالهم التي ~~ظهرت لهم والله أعلم ms223. # الشرط الثالث: أن يكونوا في خبرهم مستندين إلى المشاهدة نحو الإخبار عن ~~البلدان والملوك والأصوات والمطعومات والمشمومات، فيخرج بذلك الإخبار عن ~~الأمور العقلية كما لو أخبر جمع كثير من جهات مختلفة بأن العالم حادث، أو ~~إن القرآن مخلوق، فإنه لا يكون خبرهم بذلك تواترا في الاصطلاح لأن الأمور ~~العقلية مما يمكن النظر فيها لكل عاقل فليس لكثرة المخبرين فيها أثر، بل ~~المرجع فيها إلى الدليل العقلي، فما صدق الدليل العقلي من ذلك كان صادقا ~~وما كذبه الدليل العقلي كان كاذبا، ولم يذكر المصنف هذا الشرط تعويلا على ~~أخذه من المقام فإنه إنما يتكلم في الخبر المنقول عنا الرسول والخبر ~~المنقول عنه إنما يدركه الناقل بالمشاهدة التي هي شاملة للحواس الخمس، فغير ~~المحسوس، لا يكون الخبر به تواتريا في الاصطلاح وإن كان منقولا عنه - صلى ~~الله عليه وسلم - فإن شيئا من الأمور العقلية كوجود الله وثبوت الكمالات له ~~تعالى قد نقلت عنه - صلى الله PageV02P010 عليه وسلم - لكن لم تنظر العلماء ~~إلى حصول العلم في ذلك من جهة الناقلين، وإنما حصل لهم علم ذلك من جهة ~~الدليل العقلي وانضم إليه الدليل السمعي فزادة قوة إلى قوته والله أعلم. # الشرط الرابع: أن يكون عدد الناقل كعدد المنقول عنه أو مقاربا لعدده، قال ~~ابن الحاجب: "يتقاربون في الطرفين والوسط"، وإلى هذا الشرط أشار المصنف ~~بقوله: "عن مثلهم"، أي عن جمع مثلهم كثرة وعددا، لكن قال صاحب المنهاج: ~~"والأقرب عندي أن هذا الشرط غير معتبر بل الشروط المتقدمة كافية، وتحقيق ~~ذلك أنه لو نقل عشرة لا تتهيأ منهم المواطأة على الكذب لحالهم عليها، ولا ~~يقدر اتفاق الكذب منهم بغير مواطأة ونقلوا عن عشرين كذلك، والعشرون نقلوا ~~عن مائة إنهم شاهدوا الهلال أول الشهر كان ذلك تواتر لا محالة يوجب العلم ~~قطعا لحصول الحالة المقتضية لذلك وهو علم السامع الضروري بأن هؤلاء ~~المخبرين لا يتهيأ منهم الكذب لا تواطؤا ولا اتفاقا"، هذا كلامه في إلغاء ~~هذا الشرط وهو حق، فالصواب عدم اشتراطه فتبقى الشروط المعتبرة في ms224 صحة ~~التواتر ثلاثة وذكر بعضهم للتواتر شروطا غير التي ذكرناها، منها كونهم ~~عالمين بالمخبر عنه، شرطه بعضهم وهو فاسد؛ لعدم الحاجة إليه؛ لأنه إن أريد ~~وجوب علم الكل به فباطل لأنه لا يمتنع أن يكون بعض المخبرين مقلدا فيه أو ~~ظانا أو مجازفا، وإن أريد وجوب علم البعض به فهو لازم مما ذكرناه من الشروط ~~الثلاثة عادة لأن هذه الثلاثة لا تجتمع إلا والبعض علم قطعا، ومنها اشتراط ~~الإسلام والعدالة كما في الشهادة، شرطه بعضهم أيضا مستدلا بأنه لو لم يشترط ~~لأفاد إخبار اليهود بقتل عيسى - عليه السلام - العلم له وإنه باطل بالضرورة ~~وهو فاسد أيضا لأن أهل قسطنطينة مثلا لو أخبروا بقتل ملكهم يحصل لنا العلم ~~به وإن كانوا كفارا، وأما خبر اليهود بقتل عيسى - عليه السلام - فلاختلال ~~شرط التواتر فيه، إما في القرن الأول أو في القرن الأوسط، أي لقصور ~~الناقلين عن عدد PageV02P011 التواتر في إحدى المرتبتين والظاهر أن قصور ~~ذلك إنما وقع في القرن الأول منهم فلذلك لم يكن خبرهم تواترا لا لعدم ~~عدالتهم # وإسلامهم بعد ثبوت عدد التواتر ومنها تباعد أمكنتهم وتباين محلاتهم شرطه ~~بعضهم أيضا مستدلا بأنه أشد تأثيرا في إمكان التواطؤ على الكذب وهو فاسد ~~أيضا؛ لأن أهل بلدة واحدة لو أخبروا عن موت ملكهم يحصل لنا العلم مع اتحاد ~~مكانهم أقول وهذا الوجه الذي ذكر هاهنا وعد شرطا إنما هو حال من أحوال نقلة ~~التواتر الذين لا يمكن توطؤهم على الكذب عادة أي يكون تباعد الأمكنة وتباين ~~المحلات سببا مانعا من تواطئهم وليس هو بشرط لذلك أن الأحوال المانعة من ~~تواطئهم غير منحصرة في ذلك ومنها كونهم لا يحصى عدده شرطه بعضهم واشترطه ~~البزدوي وتبعه على ذلك صاحب التنقيح وأقره عليه التفتازاني مستدلين بأن ~~قوما محصورين مما يمكن تواطؤهم على الكذب وهو فاسد أيضا لأن الحجاج أو أهل ~~جمع مثلا إذا أخبروا عن واقعة منعتهم عن إقامة الحج والصلاة يحصل العلم ~~بخبرهم مع كونهم محصورين وذلك فيما إذا دلت حال تمنع من تواطئهم ms225 على الكذب ~~والله أعلم ثم إنه أخذ في بيان حكم الخبر المتواتر فقال: # واقطع بصدق هذه الأمور ... ودون ذاك رتبة المشهور # وهو الذي في أول القرون ... لم يتصف بشرطه المصون # لكنه استفاض فيهم وانتشر ... وقبلوه عند ذاك واستمر # أي اقطع بأن الخبر الوارد على هذه الأحوال صادق لأن الخبر المستكمل لهذه ~~الشروط يفيد العلم الضروري وكلما أفاد العلم الضروري يقطع بصدقة وتتفرع على ~~القطع بصدقة مسائل كثيرة منها: وجوب اعتقاده إن كان من المسائل الإعتقادية، ~~ومنها: وجوب اتباعه والأخذ بمدلوله إن كان من المسائل العملية، ومنها: ~~تفسيق من خالفه وإن كان PageV02P012 متأولا إلى غير ذلك من الفروع، وكون ~~العلم بمدلول الخبر المتواتر ضروريا هو قول أصحابنا وأكثر المعتزلة وحكاه ~~ابن الحاجب عن الجمهور وقال أبو الحسين والغزالي والجويني وغيرهم بل هو ~~نظري وتوقف الشريف المرتضى من الإمامية في كونه ضروريا أم نظريا لتعارض ~~الأدلة عنده والحجة لنا على أنه ضروري هي أنه لو كان نظريا لافتقر إلى ~~مقدمتين كسائر النظريات وإذا لاختلف العقلاء في العلم عنه والمعلوم أن جميع ~~العقلاء الذين تواترت إليهم أخبار البلدان كمكة ومصر وغيرهما لا يختلفون ~~فيها بل يتفقون على القطع بها كما يتفقون على القطع بما يشاهدونه. # احتج القائلون بأنه نظري بأنه يفتقر إلى مقدمتين وهما تقدم العلم بأن ~~المخبر عنه من المحسوسات وأن المخبرين عدد لا حامل لهم على الكذب ولا يصح ~~تواطؤهم عليه ولا اتفاقه لهم ومن كان كذلك امتنع وقوع الكذب في خبره فيعلم ~~أنه صدق وهذه محض الاستدلال وأجيب بالمنع من ذلك، بل يكفي أنه لا حامل لهم ~~على الكذب ولا يشترط سبق العلم بذلك، ثم صورة الترتيب على المقدمتين ممكن ~~في كل ضروري قال أبو الحسين: "وأقوى ما يذكره الذاهبون إلى أنه ضروري أن ~~أحدنا يجد العلم الضروري بوجود الصين مع كونه لا يعلم أن الذي أخبره به ~~كثرة"، قال: "وذلك باطل لأنه يعلم أنه قد أخبره به من لا داعي له إلى الكذب ~~فيستدل بذلك"، قال صاحب المنهاج: "وهذه ms226 الدعوى منه غير صحيحة؛ فإنه يجد ~~العلم بالبلدان من لا يخطر على باله كون المخبرين له بها لهم داع إلى الكذب ~~أم لا داعي لهم، وما لا يخطر بالبال كيف يصح الاستدلال به، فبطل ما زعمه"، ~~وقول المصنف: "ودون ذاك رتبة المشهور"، يعني أن رتبة الخبر المشهور في ~~القوة دون رتبة الخبر المتواتر، فإن الخبر المتواتر يوجب العلم القطعي ~~بإجماع المسلمين وإن اختلفوا في كونه ضروريا أم نظريا، وأما الخبر المشهور ~~فلم يجتمع على أنه يفيد العلم القطعي، وإن كان ظاهر كلام البدر الشماخي- ~~عفا الله عنه- أن PageV02P013 المستفيض المتلقى بالقبول مقطوع بصدقه ~~كالمتواتر وأراد بالمستفيض هو ما عبرنا عنه هاهنا بالمشهور، فإن بعضا ذهب ~~إلى أنه يفيد علم طمأنينة وهي زيادة توطين وتسكين يحصل للنفس على ما ~~أدركته، فإن ذلك المدرك يقينا كالحاصل بخبر التواتر فاطمئنانها زيادة ~~اليقين وكماله كما يحصل للمتيقن بوجود مكة بعدما يشاهدها وإليه الإشارة ~~بقوله تعالى حكاية عن خليله - عليه السلام - : { ولكن ليطمئن قلبي } ~~(البقرة: 260)، وإن كان ظنيا كالحاصل بالخبر المشهور فاطمئنانها رجحان جانب ~~الظن بحيث يكاد يدخل في حد # اليقين وحاصله سكون النفس عن الاضطراب بملاحظة كونه آحاد الأصل فالمتواتر ~~لا شبهة في اتصاله صورة ولا معنى، وخبر الآحاد في اتصاله شبهة صورة ومعنى ~~حيث لم تتلقاه الأمة بالقبول، والمشهور في اتصاله شبهة صورة لكونه آحاد ~~الأصل لا معنى لأن الأمة قد تلقته بالقبول، فأفاد حكما دون اليقين وفوق أصل ~~الظن هذا نص كلام بعضهم فيه وهو على هذا رتبة بين المتواتر والآحاد. # وقوله: "وهو الذي في أول القرون... إلخ"، بيان لتعريف المشهور من الأخبار ~~وحاصله أن المشهور من الأخبار هو الذي لم يتصف في القرن الأول -وهو قرن ~~الصحابة- بشرط التواتر، ومعنى ذلك أن شرط التواتر هو أن ترويه جماعة إلخ، ~~والخبر المشهور إنما رواه في أول القرون من يصح تواطؤهم عادة ثم اشتهر ذلك ~~الخبر في القرن الثاني والثالث فقبلوه واستمر معهم على القبول، فهذا هو ~~الخبر المشهور وعبر عنه بعضه بالمستفيض ms227 وعرفه البدر الشماخي بأنه ما زاد ~~نقله على ثلاثة وتلقته الأمة بالقبول، قال التفتازاني: "فإن قيل: هو في ~~الأصل خبر واحد ولم ينضم إليه في الاتصال بالنبي عليه الصلاة والسلام ما ~~يزيد على الظن فيجب أن يكون بمنزلة خبر الواحد، قلنا أصحاب النبي عليه ~~الصلاة والسلام تنزهوا عن وصمة الكذب أي الغالب الراجح من حالهم الصدق، ~~فيحصل الظن بمجرد أصل النقل عن النبي عليه الصلاة والسلام PageV02P014 ثم ~~يحصل زيادة رجحان بدخوله حد التواتر وتلقته الأمة بالقبول فيوجب علم ~~طمأنينة وليس المراد بتنزههم عن وصمة الكذب أن نقلهم صادق قطعا بحيث لا ~~يحتمل الكذب وإلا لكان المشهور موجبا علم اليقين لأن القرن الثاني والثالث ~~وإن لم يتنزها عن الكذب إلا أنه دخل في حد التواتر"، قال: "وأما بعد القرون ~~الثلاثة فأكثر أخبار الآحاد نقلت بطريق التواتر لتوفر الدواعي على نقل ~~الأحاديث وتدوينها". انتهى كلام التفتازاني والله أعلم، ثم إنه أخذ في بيان ~~خبر الآحاد فقال: # وإن يكن متصل الإسناد ... بلا كمال فهو الآحادي # ولا يفيد العلم لكن العمل ... وقيل لا وقيل كل قد حصل # فأثبتوا به أصول الدين ... مع أنها ثمرة اليقين # وقبلوه في خلاف القطعي ... فاختلطت أصولهم بالفرع # اعلم أنه إذا اتصل إسناد الخبر من الراوي إلى النبي اتصالا غير كامل ~~بمعنى أنه لم يستكمل الشروط التي تقدم ذكرها في نقل المتواتر فهو الخبر ~~الآحادي نسبة له إلى آحاد النقلة، وحكمه أنه لا يفيد العلم القطعي كما ~~أفاده التواتر ولا الاطمئنانية الحاصلة للنفس كما أفاده الخبر المشهور لكن ~~يفيد وجوب العمل به مع حصول الشرائط المذكورة في الراوي لحصول الظن بصدق ~~الخبر العدل، اعلم أنهم اختلفوا في جواز التعبد بخبر الآحاد فمنعه قوم ~~وجوزه آخرون ثم اختلف المجوزون له، فقال بعضهم: إن التعبد به غير واقع وإن ~~جاز عقلا، وقيل بل هو جائز وواقع، ثم اختلف هؤلاء فقال بعضهم: إنه يجب ~~العمل فقط وقيل: بل يوجب العلم والعمل معا والصحيح أنه يوجب العمل دون ~~العلم ووجوب العمل بخبر الواحد ثابت ms228 بالعقل والنقل، أما ثبوته بالعقل فهو ~~أن من أحضر إليه طعام وأخبره من يغلب في ظنه صدقه أن فيه سما فإنه إذا أقدم ~~عليه مع غلبة ظنه أنه مسموم استحق الذم قطعا وذلك هو معنى الوجوب ~~PageV02P015 وأما ثبوته من جهة النقل فإنه قد علم من تواتر الأخبار عن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قد يبعث السعاة والعمال إلى الجهات ~~النازحة ليرووا عنه ما يجب عليهم في أموالهم وألزمهم قبول أخبارهم وأيضا ~~فالصحابة والتابعون قد أجمعوا على الأخذ بخبر الآحاد وعلى العمل به، وبيان ~~ذلك أن الصحابة كانوا يرجعون إلى خبر الواحد فيحكمون به، كخبر عبد الرحمن ~~بن عوف في المجوس فإنهم تحيروا في حكمهم حتى قال عمر: "ما أدري ما أصنع في ~~أمر المجوس"، وكثر سؤاله عن ذلك حتى روى عبد الرحمن بن عوف عنه - صلى الله ~~عليه وسلم - أنه قال: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير آكلي ذبائحهم ولا ناكحي ~~نسائهم"، وقد كان عمر لا يسوي بين الأصابع في الدية فترك مذهبه في تفضيل ~~بعض الأصابع على بعض في الدية لأجل كتاب عمرو بن حزم، وكذلك # عمل بكتاب عمرو بن حزم في زكاة المواشي وتفاصيلها وكذلك اختلفوا في ~~الجنين فكان عمر يقول أنه لا شيء إذا خرج ميتا حتى ورد خبر حمل ابن مالك في ~~أن الجنين فيه الغرة فأطبقوا عليه وكذلك اختلفوا في توريث المرأة من دية ~~زوجها حتى روى الضحاك بن سفيان خبره الذي في توريث المرأة من دية زوجها ~~فعملوا به وأطبقوا عليه، وأيضا فقد روي عن أبي بكر - رضي الله عنه - أنه ~~كان يرجع إلى أخبار الصحابة وكذلك عثمان وكذلك علي وقد عمل بحديث عمر ~~والمقداد في حكم المذي وعملت الصحابة بخبر أبي بكر أن الأنبياء يدفنون في ~~المنزل الذي يموتون فيه فحفروا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في موضع ~~فراشه وعملوا بخبر عبد الرحمن في الطاعون وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - ~~نهى من كان خارجا عن ذلك البلد أن يدخله حتى ms229 يرتفع، ونهى من كان داخلا أن ~~يخرج فرارا منه وكان جميع ذلك من غير إنكار من بعضهم بل كان منهم العامل ~~بذلك ومنهم القابل له والمصوب عليه فكان إجماعا على وجوب العمل بخبر الواحد ~~وكذلك PageV02P016 أيضا قد أطبق التابعون وفقهاء الأمصار على قبول الأخبار ~~التي ترويها الآحاد فكان إجماعا من التابعين أيضا، فإن قيل إنه كما نقل ~~قبولهم للآحاد فقد نقل ردهم إياها كرد عمر خبر فاطمة بنت قيس ورد أبي بكر ~~خبر عثمان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن له في رد الحكم من مطرده ~~ورد علي خبر سيار الأشجعي في بروع بنت واشق فتعارض الرواية فتساقطت، أجيب ~~بأنه لا نسلم أن نقل الرد كنقل القبول بل الذي نقل أنه رد أخبار يسيرة ~~قليلة جدا ولم ترد لكونها آحادية، وإنما ردت لشك في روايتها ولهذا ردها ~~بعضهم دون بعض فإن خبر فاطمة قبله غير عمر، وخبر سيار قبله عبد الله بن مسعود. # احتج المانعون من جواز التعبد بخبر الآحاد ومن جواز الأخذ به بوجوه أحدها ~~قوله تعالى: { ولا تقف ما ليس لك به علم } (الإسراء: 36)، وقوله تعالى: { ~~إن يتبعون إلا الظن } (يونس: 66)، وقوله تعالى: { إن الظن لا يغني من الحق ~~شيئا } (يونس: 36)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "دع ما لا يريبك إلى ما ~~لا يريبك"، إلى غير ذلك، قالوا: قد نهينا عن اتباع الظن بالكتاب والسنة ~~وخبر الآحاد لا يفيد إلا ظنا فوجب اطراحه، وثانيها إن القول بوجوب العمل ~~بالآحاد يؤدي إلى العمل بالمتضادات لوقوع التعارض في الأحاديث، وثالثها إن ~~أصول الشريعة يجب أن تكون لها غاية تضبطها ليصح الاستنباط منها وليتأتى حمل ~~الفرع على الأصل والتعبد بخبر الواحد يمنع من ذلك لأن القائس على أصل يجوز ~~أن يكون ذلك الأصل معارضا بأصل آخر لم يبلغه. # وأجيب عن الأول: إن تلك الآيات الواردة في ذم اتباع الظن هي فيما يكن ~~المطلوب فيه العلم أي ذم اتباع الظن في الأمور القطعية الاعتقادية وكلامنا ~~في الأمور العملية الفرعية جمعا بين ms230 الأدلة. # وأجيب عن الثاني: بأنه لا تضاد في ذلك لأن من صوب جميع المجتهدين فهذا لا ~~يقدح عليه إذ حكم الله تعالى من كل واحد منهم ما أداه إليه ظنه فإذا تعارض ~~عليه الخبران ولم يعرف نسخ أحدهما للآخر رجع إلى الترجيح، فلإن عجز عن ~~الترجيح فعلى PageV02P017 الخلاف في العمل على الاطراح أو التخيير كما ~~سيأتي تحقيقه فلا يلزم ما ذكروه من التناقض. # وأجيب عن الثالث: بأنه لا نسلم أن ذلك يؤدي إلى عدم انضباط أصول الشريعة ~~لأن الأخبار الآحادية محصورة بالشرائط وإن لم تكن محصورة بالعدد فما لم ~~يستكمل شرائطه فليس بمعمول به، وتجويز المعارض للأصل يمنعه بحث المجتهد فلا ~~يلزم ذلك، واحتج القائلون بأن خبر الآحاد يوجب العلم والعمل معا وهم أهل ~~الحديث بأن قد وجب علينا العمل بخبر الآحاد لما تقدم م الأدلة ونهينا عن ~~اتباع الظن لما تقدم من الأدلة على ذلك أيضا فعلمنا أن خبر الآحاد يوجب ~~العلم والعمل معا؛ لأنه لو لم يوجب العلم ما جاز لنا العمل به وقد نهينا عن ~~اتباع الظن، وأجيب بأنه إنما نهينا عن اتباع الظن فيما يكون المطلوب فيه ~~العلم وهو المسائل الاعتقادية، لا فيما يكون المطلوب فيه العمل فقط يجوز ~~الأخذ فيه بما يفيد الظن وحاصل الجواب أن مسائل الاعتقاد مبنية على اليقين ~~فنهينا عن اتباع الظن فيها، ومسائل العمل غير مبنية على اليقين فقط بل تكون ~~تارة بالدليل القاطع وأخرى بالدليل الظني، واعلم أن أهل الحديث فرعوا على ~~مذهبهم بأن خبر الآحاد يوجب العلم والعمل قاعدتين عظيمتين ومن قواعد أصول ~~الدين فارقهم المسلمون عليها. # القاعدة الأولى: أنهم أثبتوا أصول الدين من المسائل الاعتقادية وغيرها ~~بخبر الآحاد وإلى هذا أشار المصنف بقوله: "فأثبتوا به أصول الدين" واحتجوا ~~على ثبوت قاعدتهم هذه بأن الأدلة الدالة على وجوب العمل بالخبر الآحادي لم ~~تفصل بين أصول وفروع وأجيب بأنه إنما دل على قبوله بشروط منها: أن لا يكون ~~مصادما لأقوى منه كما قدمنا، ولهذا قال بعضهم إنه مع تكامل شرائطه ms231 يجب عرضه ~~على كتاب الله لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "إنما ستكثر عني الأخبار فما ~~وافق كتاب الله فهو مني وما خالف فليس مني". # وقوله: "مع أنها ثمرة اليقين" إشارة إلى الرد على قاعدتهم PageV02P018 ~~المذكورة وحاصل الرد أن مسائل أصول الدين إنما يؤخذ فيها باليقين وخبر ~~الآحاد لا يثمر اليقين وإنما يثمر الظن فلا يجوز ترك ما يثمر العلم لأجل ما ~~يثمر الظن كما لا يقبل أخبار مخبر اقتضى خلاف ما نشاهده وأيضا فقد علمنا من ~~حال الصحابة رد ما كان كذلك ألا ترى إلى أن عائشة حين سألها السائل هل رأى ~~محمد ربه؟، قالت: "يا هذا لقد قف شعري مما قلت"، وتلت قوله تعالى: { لا ~~تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار } (البقرة: 243)، وفي ذلك رد الأخبار التي ~~نقلت في إثبات الرؤية وكلك ودت عائشة خبر أبي عثمان في تعذيب الميت ببكاء ~~أهله وتلت قوله تعالى: { ولا تزر وازرة وزر أخرى } (الأنعام: 164)، ووافقها ~~ابن عباس وفي ذلك رد للأخبار الواردة في تعذيب أطفال المشركين، ورد عمر خبر ~~فاطمة بيت قيس وعلل ذلك بأنه مخالف لمقتضى الكتاب العزيز فإذا عرفت رد هذه ~~القاعدة وأنها عن الحق بمعزل فاقض برد كل حديث أحادي اقتضى خلاف الدليل ~~القطعي. # القاعدة الثانية: وهي فرع على التي قبلها وذلك أنهم قضوا بوجوب قبول ~~الخبر الآحادي وإن خالف الدليل القطعي وإلى هذا أشار بقوله: "وقبلوه في ~~خلاف القطعي" أي قبلوا خبر الآحاد حتى في الأمور التي خالف فيها الكتاب ~~والسنة المتواترة وحجتهم على إثبات هذه القاعدة الفاسدة أنه لما كان كل ~~واحد من الأدلة الشرعية موجبا للعلم والعمل معا لم يكن بعضها أولى من بعض ~~في القبول، فوجب علينا قبول كل واحد من ذلك، وأجيب بأنه لا نسلم أن كل واحد ~~من الأدلة الشرعية يوجب العلم والعمل معا بل نقول أن بعضها موجب للعمل فقط ~~كأخبار الآحاد لأنه لا يشك عاقل في أن خبر الواحد يحتمل الصدق والكذب لكن ~~بعدالة الراوي ترجح الظن بصدق خبره فأين محل حصول ms232 العلم منه، ولو سلمنا ~~حصول العلم منه لوجب أن لا نساوي بين العلم الحاصل بالكتاب والمتواتر من ~~السنة وبين العلم الحاصل من الآحاد فيلزم رد الأضعف لمعارضة الأقوى ~~PageV02P019 له فتهدم قاعدتهم، وإلى هدمها أيضا أشار المصنف بقوله: " ~~فاختلطت أصولهم بالفرع" أي فيلزم على ثبوت قاعدتهم اختلاط أصولهم الدينية ~~بفروعهم العملية فلا يمكنهم التفرقة بين قطعي الأدلة وطنيها والمعلوم أن ~~الصحابة والتابعين قد فرقوا بين ذلك ففارقوا من خالف الدليل القطعي وضللوه ~~على ذلك وفسقوه، ولم يفارقوا من خالف الدليل الظني بتأويل بل صوبوه على ذلك ~~وتولوه، فلم يخطئوا عمر في رده خبر فاطمة بنت قيس، ولا عليا في رده لخبر ~~سيار ونحو ذلك وأيضا فإنه يلزم على القول بوجوب قبول خبر الواحد فيما خالف ~~الدليل القاطع ثبوت معارضته للقطع فيلزم به إسقاط العمل بالقطعي ووجه ذلك ~~أنه إذا أثبتنا معارضة الآحاد للقطعي وجب إسقاطهما معا إن لم يعلم المتأخر ~~منهما وإسقاط القطعي نفسه إن علمنا بتأخر الآحادي عنه وجميع ذلك باطل، فبطل ~~ما زعموه والله أعلم، ثم إنه # لما بين أن خبر الآحاد لا يعرض القطعي عند أهل الحق ريع يبين صحة معارضته ~~للقياس فقال: # أما إذا عارضه القياس ... فاختلفت هنالك الأكياس # فقدم القياس قوم والخبر ... قوم ومعنى الوصف قوم اعتبر # فقدموا ذا العلة القطعية ... وأخروا ذا العلة الظنية # اعلم أنه إذا عارض خبر الآحاد القياس ففي تقديم أيهما على الآخر مذاهب، ~~ذكر المصنف منها ثلاثة أحدها وهو قول الأكثر من أصحابنا والمتكلمين وهو قول ~~عامة الفقهاء من قومنا أنه يقدم الخبر على القياس، فيكون العمل به أولى من ~~العمل بالقياس فيبطل القياس المذهب الثاني لمالك وغيره أنه يقدم القياس على ~~الخبر فلا يقبل الخبر PageV02P020 المخالف للقياس عندهم، المذهب الثالث ~~لأبي الحسين وهو أنه إن كانت العلة ثابتة بطريق قاطع فالقياس أقدم، وإن كان ~~الأصل قطعيا والعلة ظنية فموضع اجتهاد، وقال ابن الحاجب: "إن كانت العلة ~~ثابتة بنص أرجح من الخبر المخالف للقياس فالقياس أقدم إن كان وجودها في ~~الفرع ms233 قطعيا، وإن كان وجودها فيه ظنيا فالوقف وإن كان خلاف ذلك فالخبر ~~أقدم"، احتج القائلون بتقدم الخبر على القياس مطلقا بوجوه: # الأول: إجماع الصحابة على تقديم الخبر على القياس، فإنهم كانوا إذا عرضت ~~لهم حادثة حاولوا الاجتهاد فيها ونظروا فيما ترد إليه من الأصول حتى يروي ~~بعضهم فيها خبرا فيتركوا التعويل على ما سوى ذلك للخبر، ألا ترى أن عمر ترك ~~القياس في دية الجنين حين روي له فيه الخبر، وقال: "لولا هذا لقضينا فيه ~~برأينا" وهذا نص صريح من عمر بأن الخبر أولى من القياس وكذلك عمر ترك رأيه ~~في المفاضلة بين الأصابع في الدية لأجل كتاب عمرو بن حزم، وكذلك تركوا ~~القياس في عدم توريث الزوجة من دية زوجها لخبر الواحد، وشاع ذلك فيهم فلم ~~ينكره أحد فكان إجماعا. # الوجه الثاني: إن الخبر دليل مستقل بنفسه بخلاف القياس فإنه يحتاج إلى ~~النص وإلا لم يصح، والمستقل أقوى من غير المستقل. # الوجه الثالث: إن معاذا قدم النص على القياس فصوبه رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - . # احتج المقدمون للقياس على الخبر بوجهين أحدهما: # إن الخبر يخله الغلط والكذب والنسخ والقياس سالم من ذلك فكان أقدم، ورد ~~بأن دليل العمل بخبر الواحد صيره كالمأمون غلطه ثم إنه لا يؤمن الغلط في ~~القياس أيضا عند تعارض العلل. # الوجه الثاني: إن عليا ترك خبر الأشجعي في قصة بروع بنت واشق لأجل ~~القياس، وكذلك ترك ابن عباس خبر أبي هريرة في الوضوء مما مسته النار لأجل ~~القياس، ورد بأن كل ذلك إنما كان لضعف في الراوي لا لأجل تقديم القياس على ~~الخبر، احتج أبو الحسين وابن الحاجب على ترجيح القياس حيث رجحاه بأن ذلك ~~يرجع إلى تعارض خبرين فعمل بالراجح، وأما الوقف عند ابن الحاجب فلتعارض ~~الترجيحين، ورد بأنه لو اتحد متعلق الخبرين لزم ما قالاه وأما مع تغاير ~~PageV02P021 متعلقهما فلا وجه لإبطال النص إذا لم يصادف نص الأصل في محله ~~بل في غيره في العمل بالخبر وفاء بامتثال الخبرين جميعا أعني خبر ms234 أصل ~~القياس والخبر المعارض للفرع والله أعلم، ثم إنه أخذ في بيان فساد شروط ~~شرطها بعض الأصوليين في قبول خبر الآحاد فقال: # وليس غير ما تعم البلوى ... شرط القبول لحديث يروى # ولا الذي تعددت روايته ... أو ليس في الحد أتت دلالته # أشار في هذين البيتين إلى رد شروط شرطها بعض الأصوليين في قبول خبر ~~الآحاد وهي ثلاثة شروط: # أحدها: أن بعضهم اشترط في قبول خبر الواحد أن يكون في غير ما تعم به ~~البلوى لأن ما تعم به البلوى لتوفر الدواعي إلى نقله فيستلزم كثرة الناقلين ~~فيشتهر بين الصحابة فلا يختص بنقله واحد دون الآخرين سواء كان ذلك المنقول ~~في أصول الدين أم في فروعه، ونحن نقول إن ذلك مسلم في أصول الدين لأنا لا ~~نقبل فيها خبر الواحد كما مر ذكره، وأما في فروعه الظنية فلا نسلم، اشترط ~~ذلك والمشترط لذلك أبو الحسن الكرخي وعيسى بن أبان وأبو عبد الله البصري ~~والحجة لنا في عدم اشتراطه وجهان، الأول: إنه لم يفصل دليل وجوب العمل بخبر ~~الواحد في العمليات بين ما تعم به البلوى وبين ما تخص، على أن الأغلب في ~~الأحكام الشرعية عموم التكليف بها، وقد أجمعت الصحابة على قبول الخبر ~~الآحادي في العمليات من غير تفصيل، الوجه الثاني: إنه يجب بيان ما علينا ~~فيه تكليف سواء عمت به البلوى أم لم تعم، فلا وجه للفرق بينهما في وجوب ~~البيان على وجه الظهور فيلزمهم وجوب اشتهار ما لن تعم به البلوى أيضا، ~~واحتج المشترطون لذلك بوجوه أحدها: # إن العبادة إذا كانت عامة فعموم فرضها يقتضي ظهور نقلها من حيث تدعو ~~الدواعي إلى ذلك كما جرت العادة بنقل الحوادث العظيمة التي يشترك الناس في ~~مشاهدتها على وجه يشيع ويظهر لقوة PageV02P022 الدواعي إلى ذلك. # الوجه الثاني: قالوا إن المنقول إذا كان فرضا عاما فلابد وأن يتبين لجميع ~~الأمة لن جميعها مدفوع إلى وجوب العمل به وإذا تبين لهم جميعا فلا يخلو إما ~~أن ينقلوا ذلك نقلا عاما أو لا ينقلوه إن ms235 لم ينقلوه كذلك كان إجماعا منهم ~~على الخطأ فكذا لو ترك بعضه نقله من غير نكير من الباقين ففيه إجماع أيضا ~~على الخطأ، وتوضيح ذلك أن بسرة بنت صفوان نقلت حديث نقض الوضوء بمس الذكر، ~~قالوا إذا كان جميع الصحابة مخاطبين به ويلزمهم العمل بمقتضاه ثم تفردت ~~بسرة بروايته فلابد من أحد باطلين، إما أنه لم يبين للصحابة مع حاجتهم إليه ~~بين لبسرة ولم تحتج إليه وكلاهم واضح الفساد. # الوجه الثالث: إنه نقل عن الصحابة رد خبر الواحد فيما تعم فيه البلوى، ~~فرد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خبر الاستئذان، وذلك أن أبا موسى ~~الأشعري أتى إلى منزل عمر فاستقام خارج عتبة الباب فقال: "السلام عليكم ~~أأدخل؟" كرره ثلاث مرات فاستنكر عمر فعله ذلك فقال: "إنه من السنة"، فلم ~~يقبل خبره حتى أتي بشاهد ورد أبو بكر حديث الجدة وهو أن - صلى الله عليه ~~وسلم - فرض لها السدس حين رواه المغيرة حتى كثر الراوي والجواب الأول أن ~~العادة تقضي بانتشار نقل ما يستعظم في النفوس وباستفاضة ما تستغربه ولا ~~تقضي باستفاضة ما عدا ذلك، فغير المستغرب من التكاليف وغير المستعظم من ~~الحوادث لا تقضي العادة باستفاضته كما هو معلوم بالمشاهدة، وإذا قضت العادة ~~باستفاضة شيء دون شيء فلا يحمل ما لم تقض باستفاضته وانتشاره على الذي قضت ~~فيه بذلك، والجواب عن الوجه الثاني أن بعض العمليات مشروع على جميع من بلغه ~~علم فرضه كالصلوات الخمس، فإن التكليف بها عام فتجب استفاضة مثلها لأن ~~الشارع خوطب بتبليغها إلى من أمكنه إبلاغها إليه وألزم السامعين تبليغها ~~أيضا ففي هذا النوع لا يقبل PageV02P023 خبر الواحد، فلو روى راو زيادة شيء ~~من الفروض على هذه الفروض المتواترة قطعنا بكذبه، ومن المشروعات العملية ما ~~يكون حكم الله تعالى من التكليف بها في ظن السامع صدقها فيلزمه العمل بها ~~فهي واجبة على من انتهت إليه ولو بدون استفاضة وانتشار، فلا يلزم الشارع ~~عليه الصلاة والسلام ولا أصحابة أن ينقلوا ذلك نقلا يحصل به التواتر ~~والاستفاضة ms236 فلا خطأ على الأمة حين لم ينقلوا الآحاديات نقلا مستفيضا ~~متواترا على أنه قد خفي على أكثرهم كثير من الأخبار حتى أن أكابرهم كانوا ~~يبحثون في الحوادث الطارئة عن الأخبار النبوية فلو لزمهم جميعا نقل ~~الأحاديث حتى تتواتر أو تستفيض ما خفي على أكابرهم شيء من ذلك وأيضا؛ فلو لزمهم # ذلك لخطؤوا من كان معه حديث ولم ينقله نقلا يكون به مستفيضا، فظهر أنه لا ~~خطأ على الأمة في شيء من ذلك، أما الحديث الذي نقلته بسرة فيحتمل أنها ~~سألته - صلى الله عليه وسلم - عن حكم ذلك تفقها أو أن غيرها أرسلها تسأل ~~عنه احتياجا غليه فنقلته فلا يلزم شيء من الإلزامين الباطلين، والجواب عن ~~الوجه الثالث أن عمر وأبا بكر لم يردا الحديثين قبل أن تكثر رواتهما من اجل ~~أن الحديثين مما تعم فيه البلوى لكن ردا ذلك شكا في الراوي لضعفه. # الشرط الثاني: لأبي علي الجبائي اشترط في قبول خبر الآحاد أن تتعدد ~~روايته بتعدد النقلة فقد روي عنه أنه قال: "لا يقبل خبر الواحد حتى يرويه ~~عدلان فصاعدا وكل واحد يروي عن عدلين حتى ينتهي إلى رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - "، فجعل الرواية في هذا الحكم كالشهادة فكما لا تقبل شهادة ~~الواحد ولا يعمل بها كذلك روايته، وروي عنه رواية أخرى وهي أنه لا يقبل في ~~أخبار الزنا دون أربعة وفي أخبار الأموال يقبل اثنان كل ذلك قياس على ~~الشهادة، والحجة لنا على عدم اشتراط ذلك أن الصحابة قد أطبقوا قولا وعملا ~~أو نحو ذلك على قبول خبر الواحد كما مر بيانه فكان إجماعا على قبوله من غير ~~شرط لتعدد PageV02P024 الرواة، احتج أبو علي الجبائي على اشتراط ذلك بأنه - ~~صلى الله عليه وسلم - سها في صلاته فأخبره ذو اليدين فلم يعمل به حتى سأل ~~أبا بكر وعم رضي الله عنهما وأن أبا بكر لم يقبل خبر المغيرة بن شعبة أن ~~النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى الجدة السدس حتى أخبره معه أبو سعيد ~~الخذري وجابر بن ms237 عبد الله وأن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قالا لعثمان حين ~~أخبرهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن له في رد الحكم: "إنما ~~أنت شاهد واحد ولم يقبلا منه"، قال: "ونظائر ذلك كثيرة كخبر الاستئذان ~~وغيره..."، # وأجيب بأنه لو دل رده - صلى الله عليه وسلم - لخبر ذي اليدين على أنه لا ~~يقبل خبر الواحد على أنه لا يقبل خبر الاثنين أيضا لأنه - صلى الله عليه ~~وسلم - لم يقتصر على سؤال أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بل سألهما وغيرهما ~~ثم أهنه أخبر عن أمر مشاهد حضره جماعة مشاهدون فلا يختص بمعرفته واحد دون ~~الباقين، فلذلك سأل الجماعة واما رد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما خبر عثمان ~~فليس لأجل ذلك وإنما هو نوع من الاحتياط وقد قيل إن عثمان كان كلفا بأقاربه ~~فتوقفا في خبره كما يتوقف الحاكم في شهادة الوالد لولده، وأما خبر ~~الاستئذان فقيل إنما رده عمر لتهمته في الراوي وقد راعى ضربا من الاحتياط ~~بدليل قوله لأبي موسى رددت خبرك وأردت أن لا تتسارع الناس في الرواية عن ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . # الشرط الثالث لأبي الحسن الكرخي وأبي عبد الله البصري في قديم قوليه ثم ~~قيل إنه رجع عنه يشترط في قبول الآحاد أن يكون في غير الحدود أما الحدود ~~فلا يقبل فيها ذلك لأن الحدود تدرء بالشبهات وتجويز الكذب في الآحاد شبهة ~~ورد بأن كونه آحاديا ليس بشبهة كالشهادة يثبت بها كون الحد مستحقا كما ثبت ~~ذلك بالخبر، ووجه الرد أن شهادة العدلين محتملة للكذب كاحتمال خبر الواحد ~~له وقد شرع لنا إقامة الحدود بشهادتهما مع درئها بالشبهات ولم يؤثر ~~PageV02P025 احتمال الكذب فيها شيئا، فكذلك خبر الآحاد قد شرع لنا الأخذ به ~~لما تقدم من الأدلة فاحتمال الكذب فيه ليس بشبهة تدرأ بها الحدود والله ~~أعلم، ثم إنه أخذ في بيان جواز نقل الحديث بالمعنى وبيان حذف بعضه فقال: # وجائز لعارف اللفظ ... رواية المعنى بدون اللفظ # وقيل لا وحذف بعضه يصح ms238 ... ما لم يكن قيدا كشرط متضح # وغاية ونحو الاستثناء ... وكاذب من زاد في الأنباء # وقبلت زيادة من ثقة ... إذا قام دليل الغفلة # المراد باللفظ الأول جنس الألفاظ العربية والمراد باللفظ الثاني لفظ ~~الحديث المخصوص فلا إيطاء في البيت ومعنى الأبيات الأربعة أنه يجوز لم كان ~~عالما بالألفاظ العربية نقل حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمعنى ~~دون لفظه، وقيل لا يجز ذلك بل يجب على الراوي أن ينقل الحديث باللفظ ~~والمعنى حتى يؤديه كما سمعه، وكذلك يجوز حذف بعض الحديث مع رواية البعض ~~الآخر ما لم كن ذلك المحذوف قيدا لذلك المذكور كالشرط والبدل وعطف البيان ~~والصفة المتصلة والغاية والاستئناف، فالشرط نحو: في الغنم إن بلغت أربعين ~~شاة شاة، والبدل نحو: في الغنم في أربعين منها شاة، وعطف البيان: في ~~السائمة الغنم زكاة، والصفة: في الغنم السائمة زكاة، والغاية نحو قوله - ~~صلى الله عليه وسلم - : "لا تبيعوا البر بالبر إلا سواء بسواء"، لأن حذف ~~مثل هذه الأمور مخل بالمعنى فلا يجوز حذفها، وكذلك لا تجوز الزيادة على ~~الخبر ما ليس منه لن الزيادة فيه كذب قطعا وقد حرم علينا الكذب على غيره - ~~صلى الله عليه وسلم - فكيف بالكذب عليه، على أنه قد ورد النص عنه عليه ~~الصلاة والسلام بالوعيد الشديد على من كذب عليه PageV02P026 متعمدا، لكن ~~تقبل الزيادة في الخبر إذا رواها الثقة بمعنى أنه إذا روى الحديث ثقة ورواه ~~ثقة آخر وفيه زيادة على رواية الثقة الأول فإن تلك الزيادة نم ذلك الثقة ~~مقبولة لأنها تكون بمنزلة أن لو روى خبرا مستقلا ما لم يقم عليه في روايته ~~في الزيادة دليل يدل على أنه غافل في رواية ذلك الحديث وذلك كما لو حضر ~~المجلس جماعة كثيرة لا تقضي العادة باجتماعهم في الغفلة عن تلك الزيادة ~~فيرويها واحد من بينهم فإن العادة تقضي بغفلة ذلك الواحد دون الجماعة، ~~فتحصل في الأبيات ثلاث مسائل. # المسألة الأولى في جواز نقل الحديث بالمعنى دون لفظه بعينه: وفيها مذاهب ~~كثيرة نقتصر منها على ms239 القولين اللذين ذكرهما المصنف وهما جواز ذلك لمن إن ~~عارفا بالألفاظ مطلقا، وعدم جوازه مطلقا، ذهب إلى جواز ذلك مطلقا أكثر ~~الأصوليين ونسب إلى الحسن البصري وإبراهيم النخعي واختاره البدر الشماخي ~~وعليه أصحابنا من أهل عمان وذهب إلى المنع مطلقا محمد بن سيرين وثعلب وبعض ~~المحدثين، والحجة لنا على جواز ذلك مطلقا إن المقصود من رواية أحاديثه عليه ~~الصلاة والسلام تأدية المعنى فقط، وإنه لا تعبد علينا في تلاوة لفظ السنة ~~بخلاف القرآن، ولا خلاف في ذلك بين الأمة وإذا عرفنا ذلك فيجوز لنا حينئذ ~~أن نؤدي المعنى الذي فهمناه من ألفاظ السنة بغير ألفاظها، لكن إنما يجوز ~~ذلك مع الضبط لمعانيها بحيث لا يخشى أن يحصل في العدول عنها زيادة ولا ~~نقصان في المعنى لأن ذلك هو المقصود من إيراد السنة وحفظ ألفاظها ليس ~~بمقصود بخلاف الكتاب العزيز، وأيضا فإن الصحابة نقلوا عنه عليه الصلاة ~~والسلام أحاديث في وقائع متحدة بألفاظ مختلفة شائعة ذائعة ولم ينكره أحد ~~فجرى مجرى الإجماع، وأيضا فقد وقع الإجماع على تفسيره بالعجمية فالعربية ~~أولى، لا يقال إنه وقع الإجماع على جواز تفسير القرآن بالعجمية ولم يكن ذلك ~~مجوزا لتلاوته بالعجمية لأنا نقول إنما PageV02P027 جوز في تفسير القرآن ~~تبيين معانيه بذلك لا نقله كذلك والمجوز في الحديث نقله وإن كان باللفظ ~~العجمي إذا علم أنه بغير اللفظ الذي نطق به - صلى الله عليه وسلم -، واحتج ~~المانعون من ذلك بوجوه: الأول قوله - صلى الله عليه وسلم - : "رحم الله -أو ~~نضر الله- امرأ سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها، ورب حامل فقه إلى من ~~هو أفقه منه"، وأجيب بأنه إنما دعا له لأن نقله بلفظه هو # الأولى، وليس فيه دلالة على منع الرواية بغير اللفظ. # الوجه الثاني: قوله تعالى: { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله ~~والحكمة } (الأحزاب: 34)، والآيات هي القرآن العزيز والحكمة هي السنة ~~بلفظها لهذه الآية، ولأن الجميع من عند الله تعالى وأجيب بأنه إن سلم ذلك ~~فالمراد بالذكر التذكر لمدلولات الكتاب والسنة ليعلمن ms240 ما عرفنه من معناه ~~وتخشع قلوبهن لتذكره لأن المراد النطق بلفظها، وذلك واضح. # الوجه الثالث: إن الحديث يتضمن العبادات فوجب أداؤه بلفظه كما أن القرآن ~~لما تضمن العبادات وجب أداؤه بلفظه، وأجيب بأنه إنما لزم في القرآن لدليل ~~خاص دل على أن تلاوة لفظه عبادة وإن لم يفهم تاليه المعنى بخلاف السنة ~~فتلاوة لفظها ليس بعبادة ولا ثوب عليه إلى أن يقصد تحفها لئلا ينساها فله ~~ذلك ثواب طلب العلم لا ثوب عابد بالتلاوة. # الوجه الرابع: إن في بعض ألفاظ السنة عبادات وجب علينا نقلها بألفاظها ~~كالآذان والإقامة والتوجيه والتحيات فعلمنا بذلك أن لفظ الحديث معتبر نقله ~~أيضا فلا يصح سلخ المعنى منه، وأجيب بأن ذلك إنما وقع في ألفاظ مخصوصة فلا ~~يحمل غيرها عليها لثبوت الخصوصية لها دون غيرها بالأدلة المنقولة فيها ~~والله أعلم. # المسألة الثانية في جواز حذف بعض الخبر مع ذكر الباقي إذا كان المحذوف ~~ليس بقيد للمذكور كالشرط والغاية والاستثناء ونحوها، أجازه أكثر الأصوليين ~~ومنعه بعض أهل PageV02P028 الحديث واحتجوا على ذلك بما احتج به من أوجب ~~تأدية الحديث بلفظه، والجواب عنها هو الجواب، قال صاحب المنهاج: "ولا يجوز ~~أن يحذف غير الغاية والاستثناء ونحوهما أيضا لأن حذفه استهانة بذكرها ولو ~~كان المحذوف مما لا يفيد فائدة زائدة على ما قد لفظ به نحو أن يكون مؤكدا ~~كأحد اللفظين من قوله: " باطل باطل" لأن الاستهانة بالمحافظة على ألفاظه ~~عليه الصلاة والسلام توهم التهاون بأمره وذلك مسقط للعدالة إن لم يكن كفرا ~~فأما إذا لم يتركها استهانة بل استغنى عنها بما قد لفظ به ولم ينقص بحذفها ~~شيء من الفائدة التي قصد تأديتها نحو أن يحذف آخر خبر الهرة فيقول: قال - ~~صلى الله عليه وسلم - : "إنها من الطوافين عليكم والطوافات" فقد قال الأكثر ~~بجواز ذلك، قال: "ويمكن أن يقال أن من البعيد أن يأتي - صلى الله عليه وسلم ~~- وهو أفصح من نطق بالضاد بلفظ لا تحصل به فائدة بحيث يكون ذكره وحذفه سواء ~~بل لابد فيه من فائدة ms241 ولو مجرد التأكيد، اللهم إلا أن يكون مجرد المحذوف ~~يفيد حكما مستقلا لا تعلق له بالحكم المستفاد من اللفظ المنطوق به، فإنه ~~حينئذ أعني المنطوق والمتروك من الخبر جار مجرى خبرين، روي أحدهما وترك ~~الآخر وذلك جائز بالاتفاق"، هذا كلامه مع قوله بجواز نقل الحديث بالمعنى ~~دون لفظه ففي كلاميه تدافع وتردد في تجويز حذف بعض الخبر مع رواية الباقي، ~~ومن المعلوم أن من أجاز ذلك من الأصوليين إنما أجازه مع غير الاستهانة ~~بألفاظه عليه الصلاة والسلام وفي غير ما لا يتم الكلام إلى به، فإنهم ~~أجاوزه في نحو ما ذكره من خبر الهرة والمانعون منه إنما منعوا جواز حذفه مع ~~ذلك فلا تتم له دعوى الاتفاق على جواز حذف المستقل من # الحديث. # المسألة الثالثة: في قبول الزيادة في الخبر إذا انفرد بها أحد الرواة دون ~~الآخرين: فقيل بقبولها انطلاقا إذا كان الراوي ثقة ونسب هذا القول إلى ~~الجمهور، وقيل PageV02P029 بعدم قبولها مطلقا ونسب إلى بعض أهل الحديث، قال ~~ابن الحاجب: "إن كان غيره لا يغفل مثلهم من مثلها عادة لم تقبل"، قال صاحب ~~المنهاج: "ومفهوم كلامه إن ذلك موضع اتفاق"، قال: "وذلك لا يكفي حتما حتى ~~يكون مجلس السماع منهم واحدا ولا شاغل لهم عن استماعها، وأما إذا جاز في ~~مثلهم أن يغفلوا عن مثلها وإن حضروا أو لم ينقل كون مجلسهم واحدا فهو موضع ~~الخلاف"، والحجة لنا على قبولها ما لم يقم دليل يقتضي غفلة الراوي هي أن ~~المعتبر في قبول الرواية العدالة فإذا كان العدل يجب قبول خبره لعدالته وجب ~~قبول زيادته أيضا لأن الزيادة مع المزيد عليه بمنزلة خبرين، ولو روى واحد ~~خبرين، وروى غيره أحدهما قبلت روايته الخبرين بالاتفاق كذلك هذه وأن ~~الزيادة يتعلق بها حكم ورواية الثقة كالخبر المبتدأ، احتج المانعون من ~~قبولها مطلقا بأن الحفاظ إذا شاركوا الراوي في النقل والقصة واحدة وانفرد ~~هو بالزيادة أورث التهمة في حقه، وأيضا فيجوز أنه سها في نقلها، وأجيب بأن ~~عدالته وضبطه واحتمال السهو في الآخرين ms242 يرفع التهمة عنه وأيضا فسهوه في أنه ~~سمع ما لم يسمع أبعد من احتمال سهوه عن عدم سماع ما سمع والله أعلم، ثم إنه ~~أخذ في بيان شروط الراوي الذي تقبل روايته فقال: # ذكر شروط الراوي # وشرط راويه بلوغ الحلم ... والعقل والضبط ووصف المسلم # وكان ذا مروءة تصونه ... عن فعل ما يرديه أو يشينه # فسقطت رواية الذي جهل ... ومن يكن بعكس ما يروي عمل # أو ترك الأخذ بها سواه ... فإنه طعن لما رواه # والوقف أن أولها راويها ... لأنما ذاك لشيء فيها # وسقطت رواية التدليس ... لأنها نوع من التلبيس # وهي التي الإيهام جاء فيها ... بأنها من غير من يرويها PageV02P030 أو ~~ذكر الراوي بغير ما شهر ... من اسمه لوصمة فيما ذكر # أو أنه سماه باسم عدل ... ولم يبينه بنوع فصل # إن كذب الأصل الرواة أبطلت ... أو قال لا أدري بهذا قبلت # لصحة الذهول والنسيان ... ونحوها من صفة الإنسان # يشترط في الراوي الذي تقبل روايته شروط أحدها: أن يكون بالغ الحلم، فلا ~~تقبل رواية الصبي اتفاقا وقيل روايته إن كان مميزا ضابطا والصحيح أنها لا ~~تقبل لأنه إذا علم اله لا إثم عليه في الكذب فلا يؤمن منه أن يجترئ عليه، ~~فيفيد ذلك الشك في صدقه، وأيضا فإن العدالة شرط في قبول الرواية وهي في ~~الصبي غير متحققة إما إذا تحملها وهو صبي ثم أداها بعد بلوغه ففي قبلو ~~روايته قولان، ونسب القول بقبولها إلى الأكثر قال البدر: "والصحيح قبول ~~روايته وشهادته ولو تحملها قبل البلوغ إذا كان ضابطا". # الشرط الثاني: أن يكن عاقلا فلا تقبل رواية المجنون والمعتوه اتفاقا؛ لأن ~~المعتبر من النوع الإنساني حصول العقل فعند عدمه ترتفع الأحكام عنه. # الشرط الثالث: أن يكون ضابطا والمراد بالضبط هاهنا إتقان المعنى عند ~~السماع والمحافظة على حفظه حتى يؤديه كما سمعه، ولا يشترط حفظ اللفظ لجواز ~~أن يؤديه بالمعنى إذا أتقنه إتقانا تاما ومن لم يجوز تأدية الحديث بمعناه ~~دون لفظه يشترط حفظ اللفظ أيضا فلا تقبل رواية من غلب سهوه على ضبطه ms243 اتفاقا ~~واختلفوا فيمن يعتريه السهو ولم تكن حالة ضبطه أغلب على حالة سهوه، فقيل ~~بقبول روايته وقيل بردها وقيل إنها موضع اجتهاد ومعناه أنه ينظر في روايته ~~فإن دل دليل على ترجيح صدقه فيها قبلت وإلا تركت، احتج القابلون لروايته ~~بإجماع الصحابة على قبول خبر من كثرت غفلته وذهوله فإنهم حين عثروا على ~~كثرة سهو أبي هريرة وغلطه هدده عمر وعائشة ونهوه عن تكثير الرواية، ومع ذلك ~~لم يمنعوا قبول خبره PageV02P031 ولا فرقوا بين ما فيه مطعن وبين ما لا ~~مطعن فيه، واحتج من قال بردها بأن شهادة من كثرت غفلته وسهوه لا تقبل ~~اتفاقا فكذلك روايته لأنهما باب واحد، قال صاحب المنهاج: "أما القول ~~بالقبول فهو تفريط لأن الواجب العمل بالظن ولا ظن مع استواء حالتيه في ~~الغفلة والتحفظ ولا نسلم قبول الصحابة من أي هريرة بعد اطلاعهم على كثرة ~~غفلته إلا مع قرينة أخرى تشهد بصحة روايته وأما القول بالرد فهو إفراط لأنه ~~إذا كان عدلا وغلب الظن في روايته حديثا بعينه أنها صدرت عن تحفظ لا عن ~~غفلة لقرينة اقتضت ذلك في الراوي العدل فلا وجه يوجب ودها حينئذ إذ قد كملت ~~شروط صحتها"، قال: "وأما الثالث فهو منهج التوسط بين الإفراط والتفريط وهو ~~المختار عندنا وهو الذي يظهر من أحوال الصحابة فإنهم كانوا مختلفين، ألا ~~ترى أن ابن عباس وعائشة ودا خبر أبي هريرة وقبله غيرهما، وردت عائشة قول ~~ابن عمر وقبل غيرها ولم ينكر أحد منهم على صاحبه ردا ولا قبولا، وهذا يقتضي ~~كونه موضع اجتهاد كما اخترنا"، انتهى كلامه والله # أعلم. # الشرط الرابع: أن يكون الراوي متصفا بصفات المسلم من الإقرار بالشهادتين ~~والتصديق بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - فلا تقبل رواية المشرك ~~إجماعا، واختلفوا فيمن يلحقه الشرك بالتأويل أعني إذا كان الراوي مؤمنا ~~بالله وبرسوله ومصدقا بما جاء به نبيه لكنه تأول شيئا من الكتاب والسنة ~~بتأويل يخرجه عنه الإسلام عند من شركه بذلك فقيل لا تقبل روايته مع ذلك، ~~وقيل ms244 تقبل وكذلك الخلاف في فاسق التأويل أيضا، أعني إذا كان الراوي عدلا في ~~دينه ضابطا في روايته لكنه متأول لشيء من الكتاب أو السنة بتأويل يخرجه عن ~~الحق فقيل تقبل روايته مع ذلك، وقيل لا تقبل، وحجة من رد قبول روايتهما في ~~أن قبول روايتهما ركون إليهما، وقد قال تعالى: { ولا تركنوا إلى الذين ~~ظلموا فتمسكم النار } (هود: 113)، وكافر التأويل وفاسقه كل منهما ظالم ~~لنفسه، وأيضا فلو صح ذلك PageV02P032 لأجل ظن صدقهم لصح قبول رواية كافر ~~التصريح وفاسقه حيث غلب في الظن صدقه وذلك لا يجوز بالإجماع، وكذلك فيمن ~~حكمه حكمه. # ورد بأنه لا نسلم أن ذلك ركون إليهم كما لا نقول لمن سأل ذميا أو حربيا ~~عن ضالته أو عن الطريق إلى مكان كذا أو هل الطريق خائف أو آمن فأخبره فعمل ~~بخبره لصدق فهذا ليس ركونا بالإجماع، كذلك من عمل بخبر كافر التأويل وفاسقه ~~مع قوة ظنه بصدقه لما قدمناه، ولا نسلم حصول الظن بصدق الكافر المصرح ~~والفاسق إلا لقرينة تقتضي كون ما أخبر به على ما أخبر لا نعتقد جراءته على ~~الكذب فلا نظن صدقه فيما أخبر إلا لأمر غير خبره فإذا غلب في ظننا لقرينة ~~أن ما أخبر به على ما ذكره فإنما مستند ظننا القرينة لا خبره فلا تأثير له ~~في حصول الظن بخلاف فاسق التأويل فإنا نعلم أنه يدين بالتحرز من الكذب كما ~~يدين المؤمنون الخلص فيحصل ظن صدقه من الطريق الذي حصل منه فيه ظن صدق ~~المؤمنين الخلص وهو التحرز من الكذب فوجب قبوله لاستواء حالهما في ذلك، ~~احتج القابلون لروايتهما بأن كفر التأويل وفسقه لا يمنع من حصول الظن بصدق ~~خبرهم فيجب قبوله لحصول الظن بصدقه، إذ من يعتقد الكذب شركا كالأزارقة ~~والصفرية، فإن الظن بصدقه يكون أقوى؛ لأنا نعلم من حال من يؤمن بالله ~~والثواب والعقاب أنه يكون تحرزه من الكفر أعظم من تحرزه مما دونه من ~~المعاصي، وأن من يعتقد الكذب كفرا أعظم تحرزا منه ممن يرى أن معصيته لا ms245 ~~تبلغ الكفر، فإذا كان الظن بصدق الأزرقي مثلا مساويا بالظن صدق المؤمن ~~والمطلوب إنما هو الظن لا العلم، فلا وجه لرد أحد من الخبرين دون الآخر ~~لاستوائهما في تحصيل الظن، هذا كله فيمن يعلم منه التدين بتحريم الكذب، أما ~~من علم منه التدين بتحليله في بعض المواضع كتجويز بعضهم الكذب على النبي ~~عليه الصلاة والسلام في مواضع الترغيب والترهيب ونحوهما فلا تقبل ~~PageV02P033 روايته، وهذا الوجه عندي ظاهر وإن نص ابن بركة على رد خبر فاسق ~~التأويل وقال البدر: "لم أحفظ فيها خلافا"، يعني في قبول # رواية المبتدع وقال في موضع آخر ومذهبنا رد الجميع فإن اختلافهم في قبول ~~شهادة المبتدع حتى إن الربيع أجازها في الأحكام يدل على ثبوت القول بالرأي ~~معهم في قبول روايته والله أعلم. # الشرط الخامس: أن يكون الراوي ذا مروءة تحفظه من فعل ما يهلكه من المعاصي ~~ومن فعل ما يشينه عند ذوي المروءات وهذه الحالة عندهم معروفة بالعدالة ~~واختلفت ضوابطهم لها وما ذكرته من الضابط كاف في ذلك فالمروءة عبارة عن ~~حالة تكون في الإنسان تحمله على الاتصاف بالكمالات الإنسانية وعلى التجنب ~~من الأحوال الردية ولما كان كمال المروءة ملازمة التقوى ومجانبة الهوى أشرت ~~إلى ذلك بقولي: "تصونه عن فعل ما يرديه أو يشينه" ومعنى تصونه: تحفظه، ~~ومعنى يرديه: يهلكه، ومعنى يشينه: يقبحه فخرج بذلك الفاسق الغير المتأول في ~~فسقه لنه لم يتجنب الفعل المهلك له، أما الفاسق المتأول إذا اجتنب ما يدين ~~بتحريمه فهو عدل في دينه وفي قبول روايته الخلاف المتقدم، وخرج أيضا من ~~يفعل الامور الدنية من الحرف الردية ومخالطة الأراذل ومجالسة السفهاء ونحو ~~ذل فإنه لا تقبل رواية من كان هذه صفته إذ لا مروءة له تمنعه من فعل ما ~~يشينه فلا يؤمن منه الكذب، وباشتراط العدالة في الراوي تسقط رواية من لا ~~تعرف حاله أهو عدل أم غير عدل؛ لأن المشروط في قبول خبر الواحد ظن صدقه ولا ~~يظن بصدق خبر المجهول بل يستوي في الحالان ظن صدقه وظن كذبه ms246، وأيضا فلو ظن ~~السامع صدقه مثلا مع جهالة حاله ما صح له قبول خبره لأن الأدلة السمعية ~~منعت من اتباع الظن كما في قوله تعالى: { إن يتبعون إلا الظن } (يونس: 66)، ~~{ ولا تقف ما ليس لك به علم } (الإسراء: 36)، ونحوهما من الآيات، فحرم ~~اتباع الظن عموما وخصص الإجماع من ذلك العموم قبول خبر العدل لظن صدقه ~~فيبقى ما عداه في حكم التحريم، PageV02P034 وذهب بعض قومنا إلى جواز قبول ~~خبر مجهول الحال واحتجوا على ذلك بوجوه: # - أحدها: إنا لم نؤمر بالتثبت في الرواية إلا حيث علمنا الفسق، فإذا لم ~~نعلم لم يجب التثبت لانتفاء سبب وجوبه، ورد بأنه لا نسلم أن سبب التثبت ~~تحقق الفسق بل نقول إن سبب التثبت ظن الفسق، وذلك لا يرتفع إلا بمعرفة ~~العدالة. # - الوجه الثاني: قوله - صلى الله عليه وسلم - : "نحن نحكم بالظاهر"، ورد ~~بأنه لا نسلم أن الظاهر في المجهول الصدق، ثم إن هذا الخبر معارض بقوله ~~تعالى: { ولا تقف ما ليس لك به علم } (الإسراء: 36). # الوجه الثالث: إن الشرع جوز قبول خبره في التذكية وملك ما يبيعه ونحو ذلك ~~فيجب قياس سائر أخباره على ذلك، ورد بأن الشارع جوز ذلك مع تيقن فسقه أيضا ~~ومنع من قبول روايته م تيقن الفسق فعلمنا التفرقة بينهما. # الشرط السادس: أن لا يكون الراوي عمل بخلاف ما روي، وهو المراد بقوله: ~~"ومن يكن بعكس ما يروي عمل"، فإنه من روى رواية ثم عمل بخلاف مدلولها كان ~~ذلك موجبا لتهمته إما في الرواية وإما في المساهلة في العمل وجميعها مخل ~~بقبول الرواية إن لم نحكم بسقوط عدالته حسن ظن به لاحتمال أن يكون قد اطلع ~~على ناسخ لها. # الشرط السابع: أن لا يترك الأخذ بروايته غيره من العلماء فإن ترك العلماء ~~للأخذ بروايته مع سماعهم منه إنما يكون لطعن في الراوي أو لطعن في الرواية ~~وإذا ثبتت عدالة الراوي دل ترك العمل بها على نسخها بدليل آخر ونحو ذلك؛ ~~لأن العلماء لا يطبقون على ترك حق سمعوه فيدخل الشك في ms247 تلك الرواية. # الشرط الثامن: أن يتأول الرواية راويها فإن تأولها وقف عن قبولها وعن ~~ردها لأن ذلك التأويل منه إنما يكون لشيء ف تلك الرواية كحديث معارض لها أو ~~نحو ذلك فنحسن الظن بالراوي ونقف عن قبول روايته. # الشرط التاسع: أن لا يكون ذلك الراوي مدلسا في روايته لن التدليس نوع من ~~التلبيس ولا تقبل رواية ملبس فكذا رواية المدلس وصفة PageV02P035 التدليس ~~أن يروي الراوي الرواية ويوهم أنها عن غير من أخذها عنه ليقبل السامع ما ~~روى كما إذا روى الرواية عن أي هريرة مثلا وأوهم السامع أنها عن ابن عباس ~~أو كان لمن روى عنه اسم مشهور يدل على نقصان فيه فيترك ذلك الاسم ويسميه ~~باسم آخر عن الاسم الذي شهر به أو كان من روي عنه مساميا لمن شهر بالفضل ~~والعدل، فيقول: روى فلان ولم يبينه بصفة تميزه عن ذلك الفاضل المشهور ليقبل ~~السامع الرواية، إذ المتبادر من ذلك الاسم هو الرجل المشهور الفاضل، فأنواع ~~التدليس ثلاثة كلها عيب في الرواية، وقد شدد أصحاب التدليس حتى قال شعبة: ~~"لأن أزني أحب إلي من أن أدلس"، أما التدليس الذي ذكره صاحب المنهاج وهو ~~حذف الراوي بعض الوسائط وإسناد الحديث إلى من قبله نحو أن يحدثه عكرمة عن ~~ابن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيحذف عكرمة ويقول حدث ابن ~~عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحو ذلك فهو المخصوص عند ~~المحدثين باسم المنقطع وقد اختلفوا في قبوله فمنهم من قال يقبل إذا قال ~~سمعت فقط وقال الشافعي: "يقبل إذا قال: سمعت عن فلان أو حدثني، فتزول بذلك ~~شبهة التدليس، ولا يقبل إذا قال: عن فلان، يعني من غير سمعت أو أخبرني ~~فلان"، ومنهم من لم يقبل حديثه أصلا، وصرح القسطلاني بجواز النوع الثالث من ~~أنواع التدليس لقصد تيقظ الطالب واختباره ليحث عن الرواة والصواب رد الجميع ~~إلا المنقطع فإنه نوع من المرسل وسيأتي أن الراجح قبوله. # الشرط العاشر: أن لا يكذب الراوي أصله الذي روى ms248 عنه كما إذا روي عن ابن ~~عباس مثلا، فقال ابن عباس: "ما رويت هذه الرواية ولا حدثت بها أحدا"، فإن ~~تلك الرواية لا تقبل وإن كان الراوي عدلا مثلا لحصول الشك فيها فيحصل ضعف ~~الظن في صدقه فلا تقبل رواية من شك في صدقه ولا يجرح في عدالتهما ما لم ~~يصرح أحدهما بتكذيب الآخر كأن يقول له: كذبت علي، فمن صرح منهما ~~PageV02P036 بالتكذيب ابتداء سقطت عدالته، وما ذكرته من رد قبول الرواية ~~إذا أنكرها من رويت عنه هو قول أبي الحسن الكرخي وبعض الحنفية وأبي عبد ~~الله البصري وذهب الشافعي وبعض الحنفية وغيرهم إلى قبولها مع ذلك محتجين ~~بان المعتبر العدالة في قبول الرواية وإنكار المروي عنه رواية الراوي لا ~~يقدح في عدالة الراوي لجواز كون المروي عنه نسي ما رواه، قلنا لا نسلم أن ~~المعتبر في قبول الرواية العدالة فقط بل المعتبر العدالة ومعها أمور أخر ~~منها أن يرجح الظن بصدق الراوي ولذا رد أبو بكر وعمر قول عثمان في أن رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - أذن له في رده الحكم ولذا أيضا لم يقبل أبو ~~بكر رواية المغيرة بن شعبة في ميراث الجدة حتى رواها غيره ونحو ذلك مما مر ~~ذكره على أن الصحابة في ذلك اليوم كانوا جميعا عدولا، وأيضا فالتدليس عيب ~~في الرواية اتفاقا وإن كان من عدل وإن اختلف في قبول بعض أنواعه على ما مر ~~فظهر اعتبار أمور غير العدالة في قبول الرواية فلا تقبل رواية أنكرها من ~~رويت عنه، أما إذا قال: لا أدري هذه الرواية أو لا أعلم أني رويتها أولا ~~أحفظ ذلك والراوي جازم بانها عنه قبلت اتفاقا لصحة الذهول والنسيان ونحو ~~ذلك فيحتمل أن يكون من رويت عنه نسي ذلك فتقبل من الراوي لكونه عدلا مظنون ~~الصدق، مثال ذلك إنكار سهيل ابن أبي صالح حديث القضاء بالشاهد واليمين وقد ~~رواه عنه ربيع ثم كان يرويه سهيل عن ربيعة ويقول # حدثني ربيعة عني ونحن لم نرد هذا الحديث لهذه العلة ms249 لكن لعدم صحة الحديث ~~معنى، والله أعلم، ثم إنه أخذ في بيان صفة العدل وحكم التعديل والتجريح فقال: # ذ ... كر صفة العدل وحكم التعديل # والعدل من يفعل كل ما يجب ... عليه والمحرمات يجتنب # ويجزي في التعديل نقل الواحد ... له وقيل فيه مثل الشاهد PageV02P037 ~~وقيل يجزي في رواية الخبر ... دون الشهادة لشرط معتبر # وهكذا قد قيل في التجريح ... لكنه باثنين في الصحيح # عرف العدل بأنه: هو الذي يفعل جميع ما يجب عليه من أوامر ربه ويتجنب جميع ~~المحرمات التي نهاه الله عنها فمن كان بهذه الصفة أعني مؤديا للواجبات ~~ومجتنبا للمحرمات سمي عدلا ونقيا، ووجب قبول روايته وشهادته، وفوق درجة ~~العدالة درجة الصلاح: وهي أن يفعل فوق الواجبات ما أمكنه من فعل المندوبات ~~ويترك فوق المحرمات ما لا بأس به مخافة الوقوع فيما فيه بأس به، وأعلى من ~~درجة الصلاح درجة الصديقية: وهي أن يسارع الرجل إلى فعل جميع الفضائل حسب ~~طاقته ويترك فوق المحرمات ما لا بأس به لا لمخافة شيء من الأمور وهاتان ~~الدرجتان زيادة فضل لصاحبهما، أما المشروط لغرضنا من قبول الرواية والشهادة ~~فهي درجة العدالة لا غير، نعم إذا تعارضت رواية العدل ورواية من فوقه من ~~الدرجات ولم يمكن الجمع بينهما بوجه من الوجوه قدمت رواية من فوق العدل؛ ~~لأن الظن بصدقه أقوى كما سيأتي في بيان الترجيح، فإذا علمت عدالة العدل ~~قبلت روايته وشهادته، وإذا لم تعلم أخذ بقول المعدل فيها ويجزي في نقل ~~التعديل قول الواحد العدل سواء كان ذلك في قبول الرواية أم الشهادة وكذلك ~~التجريح أيضا، وبه قال عبد المالك والباقلاني وجماعة من الأصوليين واختاره ~~صاحب المنهاج لأن كل واحد من التعديل والتجريح خبر لا شهادة والمعتبر في ~~قبول الخبر حصول الظن بصدقه إذ لا سبيل إلى اليقين والظن بالعدالة والجرح ~~يحصل بخبر العدل، وقال بعض المحدثين لا يثبت بخبر واحد في الرواية والشهادة ~~لأن التعديل والجرح شهادة على المعدل والمجروح فاعتبر العدد وهو معنى قول ~~المصنف: "وقيل فيه مثل الشاهد"، أي قيل ms250 إن المعدل مثل الشاهد فلا يجزي في ~~التعديل نقل الواحد كما لا يجزي في الشهادة قبول شهادة الواحد وكذلك ~~التجريح أيضا ورد هذا القول PageV02P038 بأنه لا نسلم أنه شهادة بل خبر، ~~ولا وجه للحكم عليهما بأنهما شهادة، إذ لا دليل على ذلك وليس من أخبر عن شخص # بكذا له حكم الشاهد إذ المطلوب الظن، وقال ابن الحاجب وغيره من الأصوليين ~~إن الواحد مقبول في التعديل والتجريح في الرواية دون الشهادة لأن التعديل ~~شرط فلا يزيد على مشروطه وقد قبل الواحد في الرواية فيجب أن يقبل الواحد في ~~تعديله وجرحه بخلاف الشهادة فلم يقبل فيها إلا اثنان فوجب أن يعتبر في ~~تعديلهما اثنان إذ لا يزيد الشرط عن المشروط كغيره من المشروطات ورد بأنه ~~إنما اعتبر الشرع ظن الحاكم لعدالة الشهود وجرحهم، ولا شك أن الظن يحصل ~~بالواحد كالاثنين فلا وجه لاعتبار الزيادة، واختار البدر الشماخي قبول قول ~~الواحد في التعديل دون الجرح وهو قول سعيد بن المبشر فإنه قال: "يجوز ~~التعديل بالواحد والتجريح باثنين"، كأنه نظر في ذلك إلى قبول الرواية بقول ~~العدل الواحد دون البراءة فإنها لا تقبل على الصحيح عندنا إلا بعدلين ~~والفرق بين باب الولاية والبراءة وبين التعديل والتجريح ظاهر إذ لا يلزم من ~~طرح رواية الرجل أو رد شهادته ثبوت البراءة منه، وكذلك لا يلزم من قبول ~~روايته أو شهادته ثبوت الولاية له على أن أصحابنا رحمهم الله تعالى لم ~~يشترطوا في تعديل الشهود وتجريحهم غير معدل واحد ومثله الراوي لأنه أيسر ~~حالا منه واشترطوا في البراءة عدلين على الصحيح فقولي في النظم لكنه باثنين ~~في الصحيح مبني على ما اختاره البدر تقليدا له مني في حال النظم وقد أظهر ~~لك أن الراجح خلافه والله أعلم، ثم إنه أخذ في بيان كيفية أداء التعديل ~~والتجريح فقال: # وقيل في أداء هذا الوصف ... إطلاق نفس القول فيه يكفي # وقيل من ذي العلم يكفي وذهب ... بعضهم يجزي إذا أبدى السبب # اختلف في كيفية تأدية وصف التعديل والتجريح، فقال الباقلاني ms251 يكفي الإطلاق ~~في التعديل والتجريح وذلك كقول المعدل هذا عدل PageV02P039 والجارح هذا ~~مجروح، وقال الغزالي والجويني إن كان عالما كفى الإطلاق والتعديل والتجريح ~~وإن لم يكن عالما فلابد من التفصيل وصححه أبو يعقوب - رضي الله عنه - ~~واختاره بعض أصحابنا المشارقة، وقيل لا يكفي في التعديل والتجريح الإطلاق ~~وإن كان من عالم بل لابد من بيان السبب في ذلك فهذه ثلاثة مذاهب، وفي ~~المسألة قولان آخران أحدهما للشافعي وهو إنما يكفي الإطلاق في التعديل دون ~~التجريح، والقول الثاني بعكسه وهو أنه إنما يقبل الإطلاق في التجريح دون ~~التعديل حجة من اكتفى بالإطلاق في التعديل أو التجريح هي أن المعدل مأمون ~~على دينه مكلف بأن لا ينقل غير الواقع فإذا نقل لنا أمرا من تعديل أو تجريح ~~أحسنا به الظن لعلمنا بأمانته وقبلنا منه ما نقل إلينا ولله ما غاب عنا ورد ~~بأن الناقل إذا كان غير عالم بصفة ما نقل كان ذل موجبا للشك في نقله ~~والمعتبر في قبول مثل هذا رجحان الظن بصدق الناقل ويدفع هذا الاعتراض بأن ~~الشك في الناقل بعد ثبوت العدالة والأمانة له شك مخالف لقانون؛ الشرع لأنه ~~إساءة ظن به وقد يقال إنه لا إساءة هاهنا ولا مخالفة للشرع؛ لأن للأشياء ~~أمارات وجهل هذا المعدل بصفة التعديل والتجريح أمارة تثمر الشك في صدقه مع ~~قوله - صلى الله عليه وسلم - : "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"، احتج ~~الغزالي والجويني ومن قال بقولهما بأن الجاهل لا يؤمن أن يعتقد في شيء أنه ~~جرح وليس بجرح أو يعتقد أن العدالة لا تسقط بأمر وهو يسقطها فاعتبر كون ~~المطلق عالما بالأحكام الشرعية ليؤمن ما ذكرنا، احتج القائلون بأنه لا يؤمن ~~من العالم أن يبني على اعتقاده كولا يعرف الخلاف فلا يرتفع الشك في تعديله ~~وجرحه ورد بأنه إذا كان عالما بوجوه التعديل والتجريح وإن التدليس لا يجوز ~~في مثل ذلك وهو عدل # مرضي ارتفع الشك لا محالة احتج الشافعي ومن وافقه بأن الجرح يفارق ~~التعديل بأنه يكون بأمر PageV02P040 مختلف ms252 فيه فقبول قول الجارح يؤدي إلى ~~تقليده في رده الخبر وذلك يؤدي إلى بطلان اجتهاد المجتهد فيما رواه المجروح ~~فلابد فيه من التفضيل بخلاف التعديل فلا خلاف فيه يستلزم ذلك ورد بأن ~~التعديل أيضا قد يدخله الاختلاف فلا وجه للفرق، احتج القائلون بالعكس بأن ~~العدالة يدخلها اللبس لكثرة التصنع والرياء والاحتراس مما ينكره الناس ~~فيحتاج إلى التفضيل بخلاف الجرح ورد بأن الجرح أيضا قد يدخله اللبس لكثرة ~~الاختلاف في كثير من الوجوه التي يجرح بها فلا وجه للفرق والله أعلم، ثم ~~إنه أخذ في بيان التعديل بحكم الحاكم وعمل العالم فقال: # وإن روى العدل عن المجهول ... فالخلف هل هذا من التعديل # كذاك حكمه به وعمله ... أن يشرط التعديل فيما يقبله # اعلم أنهم اختلفوا في رواية العدل عن مجهول الحال هل ذلك تعديل له أم لا ~~قال بعض تعديل لأن الظاهر من العدل لا يروي إلا عن عدل قال في المنهاج ولا ~~وجه لذلك إلا عند من يقبل المجاهيل وقيل: ليس بتعديل مطلقا لأن كثيرا من ~~الرواة يروي ولا يلتفت إلى ذلك، وقيل: إن علم من عادته أنه لا يروي إلا عن ~~عدل فهو تعديل وإلا فلا، واختاره صاحب المنهاج لأن العادة تدفع الشك وتقوي ~~الظن، قال البدر الشماخي: "ومثله عمل العامل برواية المجهول إذا كان يرى ~~العدالة شرطا في قبول الرواية فهو تعديل وإلا فلا، قال: "وكذا حكمه بشهادته ~~إذا كان يرى العدالة شرطا في قبول الشهادة، وأما إذا كان لا يرى العدالة ~~شرطا في قبول الرواية والشهادة والعمل فليس بتعديل"، وتوضيحه أنه إذا روى ~~الراوي العدل أو عمل العالم العدل أو حكم الحاكم بالعدل برواية رجل أو ~~امرأة أو حكم بشهادة واحد منهما وكانت عادة كل واحد منهم اشتراط العدالة في ~~قبول الرواية والشهادة فإن المروي عنه والمحكوم بشهادته يكونان في حكم ~~التعديل فلا يبحث بعد ذلك عن عدالتهما بل يصح أن يؤخذ عمن أخذ عنه الراوي ~~PageV02P041 وكذا يصح أن يحكم بشهادة ذلك الشاهد على قول من يرى أن ms253 ذلك ~~تعديل لهما ولا يصح على القول الآخر حتى بحث عن عدالتهما وظاهر كلام ابن ~~الحاجب وصاحب المنهاج وغيرهما ثبوت الخلاف في التعديل للمجهول برواية العدل ~~عنه فقط، أما العمل بروايته والحكم بشهادته إذا كان العامل والحاكم يشترطان ~~العدالة فلم يذكرا فيه إلا القول بالتعديل ومفهومه أن الخلاف إنما وقع في ~~الصورة الأولى فقط لكن البدر رحمه الله تعالى أجرى الخلاف بطريق الإلزام في ~~الصورتين الأخيرتين وهو ظاهر والله أعلم، ثم إنه أخذ في بيان حكم الصحابة ~~في العدالة فقال: # أما الصحابي فقيل عدل ... وقيل مثل غيره والفصل # بأنه عدل إلى حين الفتن ... وبعدها كغيره فليمتحن # من قومنا والمحدثين الصحابة فقال الأكثر من الأصوليين والفقهاء من قومنا ~~والمحدثين الصحابة كلهم عدول، ثم اختلف هؤلاء فقالت الأشعرية مطلقا ~~والمعتزلة إلا من ظهر فسقه منهم ولم يتب كمعاوية وأشياعه، وقيل بل هم في ~~العدالة كغيرهم لا يقبل إلا من ظهرت عدالته منهم أو من عدله عدل، وقيل بل ~~هم عدول إلى حين الفتن فلا يقبل الداخل فيها لأن الفاسق منهم غير معين قال ~~صاحب المنهاج وهذا القول يروى عن عمرو بن عبيد لأنه توقف في الفاسق من ~~المقتتلين يوم الجمل وعن النظام الجرح له وكذا عن الإمامية إلا من قدم عليا ~~في الخلافة وهذه الأقوال كلها للغير وبعضها باطل لا يقبل الحق أصلا وهو ~~القول بتجريح جميع الصحابة والقول بجرحهم إلا من قدم عليا في الخلافة فإن ~~هذين القولين أشنع أقوال المسألة وأبعدها من الحق لمضادتها قوله تعالى: { ~~لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } (الفتح: 18)، وقوله ~~تعالى: { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم } ~~(الفتح: 29)، وكثير من آي PageV02P042 الكتاب يقضي بثبوت الفضل لهم ~~والعدالة على الجملة ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : "أصحابي كالنجوم ~~بأيهم اقتديتم اهتديتم"، ونحو ذلك من الأحاديث الكثيرة ويليهما في البعد ~~قول الأشعرية بثبوت العدالة لهم مطلقا أي قبل الفتن وبعدها، قال ابن ~~الحاجب: "وأما الفتن فتحمل على اجتهادهم"، قال: "ولا إشكال بعد ms254 ذلك على قول ~~المصوبة وغيرهم"، قال صاحب المنهاج: "وذلك مبني على قاعدتين لهم باطلتين ~~إحداهما: مسألة الإمامة اجتهادية لا قطعية، والثانية: إنها تثبت بالغلبة ~~ولو لفاسق وجاهل"، قال: "وهذا القول يبطل به ثبوت البغي وفسق الباغي، وقد ~~صرح الكتاب العزيز بفسق البغاة حيث قال: تعالى: { وإن طائفتان من المؤمنين ~~اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما # على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } (الحجرات: 9)، ~~فأخبرنا أن الباغية خارجة عن أمر الله، وأن حدها القتل حتى ترجع عن بغيها، ~~وكل خارج عن أمر الله حده القتل فهو فاسق قطعا كالكافر فإنه خارج عن أمر ~~الله وحده القتل حتى يرجع، وفي هذا كفاية لمن أنصف ولم تجذبه أمراس التعصب ~~والهوى إلى التدهده في مهاوي الردى". انتهى # ويلي هذه الأقوال في البعد قول من قال بعدالتهم إلى حين الفتن إن قلنا ~~إنه مبني على ثبوت الشك في أحد المتقاتلين يوم الجمل على أنا نجزم بفسق من ~~خرج على علي ذلك اليوم وبفسق من خرج عليه إلى قبول التحكيم لأنه في تلك ~~المدة إمام عادل والمسلمون له موالون ومؤازرون، أما إن قلنا إن ذلك القول ~~مبني على غير الشك في الفاسق والوقوف عمن لم يعلم حاله بعد الفتنة مع ~~اختلاط الناس وخوض أكثرهم في الفتنة فذلك القول غير خارج عن الصواب، وأقرب ~~من هذه الأقوال كلها القول بأنهم كغيرهم محتاجون إلى التزكية والتعديل لنصب ~~عمر المزكين والمعدلين، ويليه في القرب قول المعتزلة بثبوت العدالة لهم إلا ~~من ظهر فسقه منهم، والقول الفاصل بين الخصوم في هذا المقام وهو المطابق ~~لظاهر الكتاب PageV02P043 والسنة أن نقول إنهم جميعا عدول إلا من ظهر فسقه ~~منهم قبل الفتن، أما بعد الفتن فمن علم منه البقاء على السيرة التي كان ~~عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو عدل مطلقا، وهي الجماعة التي ~~قامت على عثمان ونصبت عليا وفارقته يوم التحكيم طلبا لإقامة كتاب الله ~~تعالى ومن لم يعلم منه البقاء على تلك السيرة فلا يسارع إلى ms255 تعديله حتى ~~يمتحن ويختبر لكثرة المفتتنين واختلاط الموفين بغيرهم، وهذا المعنى هو ~~المراد من قول المصنف: "والفصل بأنه عدل إلى حين الفتن"، أي والقول الفصل: ~~بمعنى الفاصل، ومعنى قوله: "وبعدها كغيره"، أي وبعد الفتن فالصحابي كغيره ~~فيحتاج إلى امتحان أي اختبار لكن هذا فيمن لم يعلم بقاؤه على العدالة إذ لا ~~معنى لامتحان من علم منه البقاء على العدالة وحجتنا على ثبوت هذا القول ~~ظواهر الكتاب والسنة، أما الكتاب فكقوله تعالى: { محمد رسول الله والذين ~~معه أشداء على الكفار } (الفتح: 29) الآية، ونحو ذلك من الآيات المقتضية ~~لتعديلهم، وأما السنة فكقوله - صلى الله عليه وسلم - : "أصحابي كالنجوم # بأيهم اقتديتم اهتديتم" ونحو ذلك من الأحاديث ولأنه - صلى الله عليه وسلم ~~- كان يقضي بشهادة المسلمين من غير تعديل، وكذا أبو بكر في خلافته، وكذا ~~عمر في صدر خلافته، فلولا ثبوت العدالة لهم ما حكم بشهادتهم من غير تعديل ~~ثم نصب عمر المزكين بعد أن كثرت الخيانات في الناس وظهرت شهادات الزور أخذا ~~بالاحتياط وتمسكا بالحزم وتثبتا في أمر الله تعالى فعلمنا بذلك أن حكمهم ~~قبل الفتن مخالف لحكمهم من بعدها والله أعلم، ثم إنه أخذ في بيان المنقطع ~~من الحديث فقال: # ذكر الخبر الغير المتصل # والمراد به ما لم يتصل سنده برسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوء كان ~~مرسلا أو منقطعا أو متصلا بالصحابي فقط وهو الموقوف فقال: # ومرسل الأخبار فهو المنفصل ... فإن يكن من الصحابي قبل PageV02P044 بلا ~~خلاف والخلاف قد ورد ... في التابعي والصحيح لا يرد # كذاك من أئمة السرواة ... من كل من يروي عن الثقات # اختلف في حد المرسل على ثلاثة أقوال، القول الأول للأصوليين وهو ما سقط ~~من إسناده راو واحد فأكثر من أي موضع كان، القول الثاني للمحدثين وهو ما ~~رفعه التابعي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - سواء كان من كبار التابعين ~~كجابر بن زيد وسعيد بن المسيب والحسن البصري أو من صغار التابعين كالزهري ~~وأبي حازم ويحيى بن سعيد الأنصاري، القول الثالث لبعض أهل الحديث وهو ms256 ما ~~رفعه التابعي الكبير إلى النبي عليه الصلاة والسلام فعلى هذا القول يون ما ~~رفعه التابعي الصغير إلى النبي عليه الصلاة والسلام داخلا في المنقطع عند ~~أرباب هذا القول من المحدثين فهذه ثلاثة أقوال في تعريف المرسل جارية على ~~اختلاف الاصطلاحات فيه وليس في الاصطلاح مشاحة، ويدخل تحت كل تعريف منها ما ~~يتناوله أنواعه ويشتمل تعريف الأصوليين على المرسل في اصطلاح المحدثين وعلى ~~المنقطع وعلى المعضل وسيأتي بيان ذلك، وحكم المرسل إن كان من مراسيل ~~الصحابة قبل بلا خلاف؛ لأن رواية الصحابي محمولة على السماع إذ قد سمع منه؛ ~~لأنه أدركه ولأن الصحابة كلهم عدول قبل الفتن إلا من ظهر فسقه منهم، ~~والصحابي العدل يتحاشى عن أخذ الرواية من الفاسق فوجب الأخذ بمرسل الصحابي ~~إجماعا، وإن كان من مراسيل التابعين أو تابعي التابعين إلى من بعدهم فقد ~~اختلف في قبوله على مذاهب: # المذهب الأول: إنه يقبل مرسل العدل مطلقا، ونسبه صاحب المنهاج إلى ~~الجمهور. # المذهب الثاني: لا يقبل المرسل مطلقا، ونسبه صاحب المنهاج إلى بعض ~~المحدثين. # المذهب الثالث لعيسى بن أبان وابن الحاجب: إنه لا يقبل من الصحابي أو من ~~التابعين أم من إمام نقل. # المذهب الربع للشافعي: وهو PageV02P045 أنه لا يقبل إلا من يعضده ما ~~يقويه من ظاهر كنص أو عمل صحابي أو إرسال تابعي كمراسيل ابن المسيب أو سنده ~~غير المرسل وشيوخهما مختلفة في الإسناد والإرسال، أو عرف أنه: لا يرسل إلى ~~عن عدل، فحصل في المسألة إطلاقان وتفصيلان وحصر هذا الخلاف في مرسل في مرسل ~~من عدا الصحابي ظاهر أصول الحنفية فإنهم قد صرحوا بالإجماع على قبول مرسل ~~الصحابي وكلام المعتزلة والشافعية وغيرهم يقتضي إطلاق الخلاف في مرسل ~~الصحابي وغيره، لكن نقل الإجماع من الحنفية على قبول مرسل الصحابي ظاهر ~~الصواب فلا ينبغي الخلاف فيه لأن الصحابة قد أرسلوا ولم ينكره أحد منهم بل ~~كانوا بين عامل به ومصوب، ومنه قول البراء بن عازب: "ليس كل ما أحدثكم ~~سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ms257 أنا لا نكذب"، يعني أنه قد ~~يقول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمعه منه بل رواه من يثق ~~به فأرسل، وأرسل ابن عباس رواية إنما الربا في النسيئة"، فلما سئل هل سمعته ~~من رسول الله؟ قال: لا، بل رواه لي أسامة ولم ينكر عليه إرساله فكان إجماعا ~~على تصويبه، ومن ذلك أن ابن عباس روى: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ~~يقطع التلبية حتى رمى جمرة العقبة"، ثم أخبر أنه أخبره بذلك الفضل ابن عباس ~~ولم ينكر عليه، وكذلك روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ~~"من أصبح جنبا فلا صوم له"، فلما روجع فيه قال: سمعته من الفضل بن العباس، ~~ولم ينكر على أبي هريرة إرساله أولا، وكذلك روى ابن عمر أن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - قال: "من شيع جنازة فله قيراط ومن قعد حتى يدفن فله ~~قيراطان"، ثم قال بعد ذلك: سمعته من أبي هريرة ولم ينكر عليه إرساله أولا، ~~نعم وقد روى أن ابن عباس لم يسمع من الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا ~~القليل مع كثرة روايته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال عيسى بن أبان: # "والذي يصحح هذا أنهم لما لم يردوا خبرا لأنه خبر واحد كذلك لم يردوا ~~خبرا لأنه مرسل" PageV02P046 # أي فيكون الإجماع على قبول المرسل كالإجماع على قبول خبر الواحد العدل ~~الذي مر بيانه وبثبوت هذا الإجماع وصحته احتج القائلون بقبول مرسل الحديث ~~مطلقا وذلك أنه لما ثبت الإجماع من الصحابة على قبول الخبر المرسل لعدالة ~~الراوي وجب أن يقبل الإرسال في كل وقت إذا كان المرسل عدلا على أن الإجماع ~~من التابعين قد وقع على قبول المرسل أيضا فإنه لم يرو عن أحد منهم رد ~~المرسل وهم بين مرسل ومصوب فمن ذلك قول النخعي: "اعلموا أني إن سمعت الحديث ~~من واحد عن ابن مسعود قلت: حدثني فلان عن ابن مسعود، وإن سمعت من جماعة ~~قلت: قال ابن مسعود"، يعني أنه يرسل ms258 حيث يقوى ظنه، وروى ابن الحاجب الإرسال ~~عن ابن المسيب والشعبي والنخعي والحسن البصري وغيرهم من التابعين، وقد وقع ~~الإرسال أيضا في كثير من روايات جابر بن زيد - رضي الله عنه - فكان ذلك ~~إجماعا من التابعين على قبول المرسل فلا وجه لدفعه قال بعضهم: إن رد المرسل ~~بدعة حدثت بعد المئتين، واعترض بأنه يلزم على هذا أن يكون المخالف في قبول ~~المرسل خارقا للإجماع فيفسق وأنتم لا تفسقونه وأجاب ابن الحاجب عن ذلك بأن ~~خرق الإجماع الاستدلالي والظني لا يقدح، قال صاحب المنهاج: "يعني أن ~~الإجماع إذا لم يعلم انعقاده ضرورة بتواتر ومشاهدة لم يقدح في عدالة ~~مخالفه، وهذا الإجماع وإن قطعنا بوقوعه فليس بمتواتر بل باستدلال ونظر في ~~أحوال السلف مع الحديث المرسل فظهر لنا فيما نقل عنهم أنهم مجمعون على ~~قبوله بطريق اكتسابي لا ضروري، وذلك من الجهات التي قدمنا فجرى مجرى ~~التواتر المعنوي في إفادة العلم بأنهم كانوا بين قابل له وبين ساكت مصوب ~~غير منكر"، قال: "هذا مضمون جوابه وهو جواب جيد"، انتهى. # وهذا القول وهو أن مرسل العدل مقبول مطلقا هو الصحيح عندي لما ذكرته من ~~إجماع الصحابة والتابعين وإن كنت صححت في PageV02P047 النظم غيره فإن ظاهر ~~النظم مصحح لمذهب ابن أبان وابن الحاجب وهو قبول مرسل الصحابي والتابعي ومن ~~كان من أئمة النقل وحجتهم على ذلك أمران أحدهما: # إن غير الصحابي والتابعي وأئمة النقل يشك في إذا أرسل أنه لو سئل عن ~~التعديل لجاز أن لا يعدل ورد بأنه لا نسلم ذلك بل هم وغيرهم مع كمال ~~العدالة والتحفظ سواء في ذلك. # الأمر الثاني: إنه قد ثبت في الشهادة على الشهادة أنه لا يصح فيها ~~الإرسال بل يجب على الفروع أن يعينوا الأصول ما تدارجوا والناقل عن الناقل ~~في حكم الفرع في الشهادة فيلزمه السند كما يلزم الفرع في الشهادة، ورد بأن ~~الفروع في الشهادة وكلاء للأصول؛ بدليل أنه لا يجوز أن يشهدوا على شهادتهم ~~إلا إذا حملوهم كما لا يجوز للوكيل التصرف إلا ms259 بعد أن يوكله الأصل فلأجل ~~ذلك وجب ذكر الوسائط للإضافة إليهم بخلاف الأخبار فإن لمن سمعها أن ينقلها ~~وإن لم يحمله الراوي فرجب الفرق بينهما. # احتج المانعون من قبوله على الإطلاق بوجوه منها: أنهم قالوا إنا لا نعلم ~~أن المحدث إن لم يعلم عين الراوي ولم يعلم صفته في العدالة لم يجز له قبول ~~خبره فأولى وأحرى في أن السامع للمرسل لا يقبله لأنه لم يعرف عين روايه ولا ~~صفته، أعني الذي نقله للمرسل ومنها أنه يختلف الناظرون في كمال العدالة ~~فتثبت عند قوم ولا تثبت عند آخرين أما لاختلاف علمهم بحاله أو آرائهم في ~~أفعاله كما أن الشاهد قد يستعدله بعض الحكام دون بعض فكما لا يلزم من لم ~~يستعدل شخصا استعدله غيره أن يحكم بشهادته كذلك في الرواية فلا نأمن أن ~~المرسل استعدل من لا نستعدله نحن فيكون قبولنا لخبره قبولا مع الشك في صحته ~~وذلك لا يجوز باتفاق، وفي ذلك إبطال قبول المرسل، وأجيب عن الوجه الأول: ~~بأن معرفة عين المرسل وصفته مغنية عن معرفة من قبله إذا عرفنا أنه لا ينقل ~~إلا عن عدل ولا يرسل إلا ما صح له نقله، وأجيب عن الوجه الثاني: بأن ~~PageV02P048 اختلاف المجتهدين في التعديل لا يوجب ما ذكر مع اتفاقهم على أن ~~حقيقة العدالة هي ملازمة التقوى والمروءة جميعا ولا يضر اختلافهم في بعض ~~الأفعال أو التروك هل يقدح في العدالة أم لا ونحن نقول إن أجمعوا على أمر ~~على أنه يخرم العدالة لم يجز من المرسل العدل أن يروي عمن انخرمت عدالته، ~~ولا يجوز أنه لم يعلم مع إيجاب البحث عليه فنأمن ذلك من جانبه فلا يعترينا ~~الشك في صحة حديثه، وإن كان ذلك الأمر مما لم يجمعوا على أنه جرح، بل ~~اختلفوا في كونه جرحا أم لا، فإن ذلك لا يقدح في إرسال المرسل ولو جوزنا ~~أنه قبل مثل ذلك فإن مسائل الاجتهاد لا جرح فيها، لا يقال إنا إذا جوزنا أن ~~المرسل قبل رواية من ليس بمقبول ms260 عندنا وإن كان مقبولا عنده فقد قبلنا ~~الحديث مع الشك في صحته وذلك لا يجوز لأنا نقول إنا نمنع من حصول هذه ~~الصورة، ونقول إن كان ذلك الأمر خارما لحقيقة العدالة # بالإجماع فالعدل لا يقبله، وإن كان مختلفا فيه: فإن كان مذهب المرتكب له ~~جوازه فنحن لا نجرحه به، وإن لم يكن مذهبه جوازه وأقدم عليه عالما بتحريمه ~~وهو مما لا يتسامح بمثله فذلك مجمع عليه أنه جرح، والعدل لت يقبل فظهر أنه ~~لا يلزم من هذا قبول خبر المرسل مع الشك في عدالة من نقل عنه. # واحتج الشافعي على رد المرسل إلا إن تقوى بقرينة كما مر بما احتج به ~~المانعون من قبوله مطلقا، وقبله إن قوته قرينة؛ لأن الظن بصدقه مع القرينة ~~أقوى، وجوابه بعد تسليم أنه يزداد بالقرينة قوة إلى قوته هو الجواب عن ~~احتجاج المانعين، والله أعلم ثم قال: # وليس بالمقطوع والموقوف ... تقوم حجة ولا الضعيف # أما الضعيف فهو ما في سنده ... وهن كطعن في مستنده # وما عن الإسناد نقله انقطع ... فذلك المقطوع أخذه امتنع # وما على الصاحب يوما أوقفا ... يعرف بالموقوف اسما فاعرفا PageV02P049 ~~ومنكر الحديث ما لا يقبل ... وذو الشذوذ ما قليلا ينقل # وما استقر أنه ذو كذب ... فذلك الموضوع فليجتنب # المقطوع: ما جاء عن تابعي من قوله أو فعله موقوفا عليه وليس بحجة. # والموقوف: ما قصر على الصحابي قولا أو فعلا ولو منقطعا وهل يسمى أثرا؟ ~~نعم، ومنه قول الصحابي: "كنا نفعل"، ولم يضفه إلى النبي - صلى الله عليه ~~وسلم -، فإن أضافه إليه كقول جابر بن عبد الله: "كنا نعزل على عهد رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - "، فمن قبيل المرفوع، وإن كان لفظه موقوفا؛ ~~لأن غرض الراوي بيان الشرع وقيل لا يكون مرفوعا، وقول الصحابي من السنة كذا ~~أمرنا- بضم الهمزة- أو كنا نؤمر أو نهينا أو أبيح، فحكمه الرفع أيضا كقول ~~الصحابي: "أنا أشبهكم صلاة به - صلى الله عليه وسلم - "، وكتفسير تعلق بسبب ~~النزول، وحديث المغيرة: "كان أصحاب رسول الله - صلى الله ms261 عليه وسلم - ~~يقرعون بابه بالأظافير"، صوب ابن الصلاح رفعه، ولو قال تابعي: "كنا نفعل"، ~~فليس بمرفوع ولا موقوف إن لم يضفه لزمن الصحابة، بل مقطوع، فإن أضافه ~~لزمنهم احتمل الوقف؛ لأن الظاهر اطلاعهم عليه وتقريرهم واحتمل عدمه؛ لأن ~~تقرير الصحابي قد لا ينسب إليه تقريره - صلى الله عليه وسلم -، وإذا أتى ~~شيء عن صحابي موقوفا عليه مما لا مجال للاجتهاد فيه كقول ابن مسعود: "من ~~أتى ساحرا أو عرفا فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - "، ~~فحكمه الرفع تحسينا للظن بالصحابة قاله الحاكم. # والضعيف: ما قصر عن درجة الحسن بسبب وهن في سنده كالطعن في بعض رواته ~~وتفاوت درجاته في الضعف بحسب بعده من شروط الصحة. # والمضعف: ما لم يجمع على ضعفه بل في متنه أو سنده تضعيف لبعضهم وتقوية ~~للبعض الآخر وهو أعلى من الضعيف والمنكر الذي لا يعرف متنه من غير جهة ~~راويه، فلا متابع له ولا شاهد، مثاله حديث أبي ذكير يحيى بن محمد بن قيس عن ~~هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة PageV02P050 رضي الله عنها: "كلوا البلح ~~بالتمر". # والشاذ: ما قلت رواته وينقسم إلى غريب وعزيز وفرد، فالغريب: ما انفرد راو ~~بروايته أو برواية زيادة فيه عمن يجمع حديثة كالزهري أحد الحفاظ في المتن ~~أو السند، وينقسم إلى غريب صحيح كالأفراد المخرجة له في الصحيحين وإلى غريب ~~ضعيف وهو الغالب على الغرائب، وإلى غريب حسن قال القسطلاني: "وفي جامع ~~الترمذي منه كثير"، والعزيز: ما انفرد بروايته اثنان أو ثلاثة دون سائر ~~رواة الحفاظ المروي عنه والفرد يكون مطلقا بأن ينفرد الراوي الواحد عن كل ~~واحد من الثقات وغيرهم ويكون بالنسبة إلى صفة خاصة وهو أنواع: فمنه قول ~~القائل في حديث قراءته - صلى الله عليه وسلم - في الأضحى والفطر بقاف ~~واقتربت، لم يروه إلا ضمرة بن سعيد فقد تفرد به عبيد الله بن عبد الله عن ~~واقد الليثي ومنه ما قيد برا ومخصوص حيث لم يروه عن فلان إلا فلان كقول أبي ~~الفضل ms262 بن طاهر عقب الحديث المروي في السنن الأربع من طريق سفيان بن عيينة ~~عن وائل بن داود عن ولده بكر بن وائل عن الزهري عن أنس: "أن النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - أولم على صفية بسويق وتمر" لم يروه عن بكر إلا وائل ولم ~~يروه عن وائل غير ابن عيينة فهو غريب، وكذا قال الترمذي: "إنه حسن غريب"، ~~والحكم بالتفرد يكون بعد تتبع طرق الحديث الذي يظن أنه فرد هل شارك راويه ~~الآخر أم لا، فإن وجد بعد كونه فردا أن راويا آخر ممن يصلح أن يخرج حديثه ~~للاعتبار والاشتهار به وافقه فإن كان التوافق باللفظ سمي متابعا، وإن كان ~~بالمعنى سمي شاهدا، وإن لم يوجد من وجه بلفظه أو معناه فإنه يتحقق فيه ~~التفرد المطلق حينئذ، والموضوع هو الكذب على رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - ويسمى المختلق وتحرم روايته مع العلم به إلا مبينا ويحرم العمل به ~~مطلقا وسببه نسيان أن افتراء أو نحوهما، ويعرف بإقرار واضعه أو قرينة في ~~الراوي أو المروي فقد وضعت أحاديث يشهد بوضعها PageV02P051 ركاكة ألفاظها ~~ومعانيها، قال الربيع بن خيثم: "إن للحديث ضوءا كضوء النهار يعرف وظلمة ~~كظلمة الليل تنكر"، ومما يعرف به الموضوع أيضا أن تعارضه الأصول القاطعة ~~حيث لا يمكن الجمع بينها وبينه، كحديث الرؤية فإنه معارض لقوله تعالى: { لا ~~تدركه الأبصار } (الحجرات: 103)، وقوله تعالى: { ليس كمثله شيء } (الشورى: ~~11)، فإن هاتين الآيتين قاطعتان بنفي رؤيته تعالى وبنفي المشابهة له ولا ~~يمكن جمعه معها، وما حوول من الجمع في ذلك باطل قطعا، وقد بينا وجه بطلان ~~ذلك في مشارق الأنوار ويعرف أيضا بما إذا ورد في شيء تقتضي العادة استفاضة ~~ذلك الشيء ضرورة كزيادة فريضة على الصلوات المفروضة فإنا نقطع بكذب حديث ~~جاء بذلك لعلمنا أنه لو كانت فريضة غير ما نقل إلينا لأوجبت العادة نقلها ~~وانتشارها في المكلفين كما وقع ذلك في نظائرها فهذه الأنواع كلها لا تقوم ~~بها حجة على المخالف ويصح العمل ببعضها دون بعض. # أما المنقطع: وهو ما ms263 سقط من رواته واحد من مكان واحد أو من مكانين وأكثر ~~بحيث لا يزيد كلها سقط منها على راو واحد. # والمعضل وهو ما سقط من رواته اثنان فأكثر مع التوالي كقول مالك قال رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - فهما نوع من المرسل، والصحيح قبولهما كما مر ~~ولعدم التقبل بسقوط اثنين في المعضل، قال ابن الصلاح: "إن قول المصنفين قال ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبيل المعضل" والله أعلم، ثم إنه أخذ ~~في بيان فعله - صلى الله عليه وسلم - وهو النوع الثاني من السنة فقال: # مبحث فعله - صلى الله عليه وسلم - # وفعله منه جبلي وقد ... أتى بيانا ومخصصا ورد # ومنه ما يخصه من دوننا ... ومنه أيضا غير ذلك فافطنا # فأول الأقسام نحو الأكل ... والشرب والنوم ولمس الأهل # وحكمه الحل لكل مطلقا ... والثاني والثالث كل سبقا PageV02P052 وما به خص ~~فذاك منعا ... من غيره كتسع زوجات معا # وغيره قسمان قسم عرفا ... ما حكمه فهو على ما وصفا # والثاني لم يعرف وفيه اختلفا ... فقيل واجب وبعض وقفا # وقيل ندب وهو الصحيح ... وقيل لا، لكنه مبيح # وإنما صححت منها الندبا ... لكونه للحق أدنى قربا # أما الوجوب فهو شيء زائد ... لم يكف في إثباته ذا الوارد # اعلم أن فعله - صلى الله عليه وسلم - على أنواع أحدها جبلي منسوب إلى ~~الجبلة وهي الخلقة البشرية بمعنى أن الخلقة البشرية محتاجة إليه كالأكل ~~والشرب والنوم ومباشرة الزوجات والقيام والقعود ونحو ذلك، فإن الجبلة ~~البشرية مطبوعة على هذه الأحوال منها ما لا تقوم بدونها ومنها ما تحتاج ~~إليها حاجة شديدة، وحكم هذا النوع الإباحة لكل بشر اتفاقا. # النوع الثاني: ما ورد بيانا لشيء من الكتاب والسنة كصلاته عليه الصلاة ~~والسلام بيان لقوله تعالى: { وأقيموا الصلاة } (البقرة: 43)، بدليل قوله - ~~صلى الله عليه وسلم - : "صلوا كما رأيتموني أصلي"، وكحجه - صلى الله عليه ~~وسلم - بيان لقوله تعالى: { ولله على الناس حج البيت } (آل عمران: 67)، ~~لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "خذوا عني مناسككم"، ونحو ذلك. # النوع الثالث: ما ورد من فعله ms264 - صلى الله عليه وسلم - مخصصا لعموم الكتاب ~~أو السنة كما لو نهانا عليه الصلاة والسلام عن العمل في الصلاة ثم سوى ~~رداءه فيها فإن تسوية ردائه فعل مخصص لعموم النهي إذ لا تجوز عليه المعصية ~~وحكم هذا النوع والذي قبله حكم ما ورد بيانا له أو تخصيصا، فإنه إن كان ~~المبين واجبا كان الفعل واجبا أيضا وإن كان المخصص واجبا كان الفعل المخصص ~~واجبا أيضا وقد تقدم بيان كل واحد من ذلك في محله من بابي البيان والتخصيص. # النوع الرابع: ما دل الدليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - مخصوص به من ~~دون أمته كتزويج تسع زوجات معا وكوجوب الإضحاء والضحى وقيام الليل ونحو ~~ذلك، PageV02P053 فإن الدليل الشرعي قد بين خصوصيته - صلى الله عليه وسلم - ~~بهذه الأفعال فلا يحل لغيره اتباعه فيها على الجهة التي أوقعها عليه أما ~~منع تزوج ما فوق أربع معا فظاهر بنص الكتاب، وأما منع اتباعه في وجوب ~~الإضحاء والضحى وقيام الليل فوجهه أنه لا يحل لأحد أن يأتي هذه الطاعات على ~~جهة الإيجاب والإلزام أي لا يصح له أن يعتقد وجوبها على نفسه، وإن جاز له ~~فعلها ندبا. # النوع الخامس: ما ورد على غير هذه الأنواع الأربعة التي ذكرناها وهو ~~قسمان: القسم الأول ما علمت صفته من وجوب أو ندب أو إباحة فحكمه على ما علم ~~من ذلك وأمته عليه الصلاة والسلام مثله في ذلك وجوبا وندبا وإباحة ما لم ~~يقم دليل يمنع التأسي به في شيء من ذلك لعموم قوله تعالى: { لقد كان لكم في ~~رسول الله أسوة حسنة } (الأحزاب: 21)، وظاهرها وجوب التأسي به في إيجاب ما ~~وجب وندب ما ندب واستباحة ما استباح لقوله تعالى في آخرها: { لمن كان يرجو ~~الله واليوم الآخر } (الأحزاب: 21)، فإنه في معنى الوعيد على الإخلال ~~بالتأسي به وذلك يقتضي الوجوب، وقيل لا يلزمنا التأسي به في شيء من أفعاله ~~إلا فيما قامت دلالة شرعية على تكليفنا به إذ لا دليل يقتضي وجوب ذلك علينا ~~فيما فعله ولم يأمرنا ms265 أن نفعل كفعله كما قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، ~~وقوله: "خذوا عني مناسككم"، فأما قوله تعالى: { لقد كان لكم في رسول الله ~~أسوة حسنة } (الأحزاب: 21) الآية، فلا نسلم أنها تكفي في وجوب التأسي به ~~لأنها مجملة وبيان إجمالها أنا قد علمنا أن في أفعاله ما لا يلزمنا اتباعه ~~فيه وفيها ما يلزمنا اتباعه فيه، ولا يتميز لنا هذا من هذا إلا بدلالة تبين ~~لنا ما يجب علينا اتباعه فيه، ورد بأنه إنما يصح ما قلتم لو لم يكن قد تميز ~~لنا ما لا يجب علينا التأسي فيه، فأما وقد تميز لنا في الصورتين اللتين ~~قدمنا علمنا أن ما عداهما فهو المقصود في الآية الكريمة، فوجب امتثالها وهو ~~المطلوب، وقال أبو علي بن خلاد لا يلزمنا اتباعه في شيء من أفعاله إلا ~~بدليل خاص نحو أن يظهر لنا كونه بيانا لما خوطبنا به PageV02P054 كقوله - ~~صلى الله عليه وسلم - : "صلوا كما رأيتموني أصلي"، و"خذوا عني مناسككم"، ~~وكالغسل إلى المرفق أو حيث يكون فعله من # العبادات فإنه الذي يجب علينا التأسي به إذ الظاهر أن حكمنا حكمه فيها ~~وما سواها فلا وجه لوجوب اتباعه فيه من غير دليل، ورد بأنه لا نسلم أن ~~الظاهر فيما عدا العبادات سقوط وجوب التأسي والآية لم تفصل، وكذلك عموم ~~قوله تعالى: { واتبعوه } (الأعراف: 158)، يقتضي ذلك لا يقال إن الآيتين ~~الكريمتين إنما تدلان على وجوب التأسي مرة واحدة؛ لأنه أمر، والأمر لا ~~يقتضي الاستمرار ثم إنا ندعي الإجماع على وجوب التأسي به في غير العبادات ~~كما يجب فيه فإنهم رجعوا إلى أزواجه في قبلة الصائم وفيمن أصبح جنبا لم ~~يفسد صومه وفي تزوجه ميمونة وهو حلال أو حرام وغير ذلك. # القسم الثاني: ما لم يعلم صفته من وجوب أو نحوه، وإنما فعله - صلى الله ~~عليه وسلم - ولم تدلت قرينة على جهة إتيانه له أهو على جهة الوجوب أم غيره، ~~اختلف الأصوليون على ما يحمل فنوقعه نحن عليه، فقال أبو العباس ابن سريج ~~والأصطخري وغيرهما من أصحاب الشافعي ms266: "إنه يحمل على الوجوب فيلزمنا إيقاعه ~~لوجوبه"، وقال الشافعي: "بل يحمل على الندب فقط"، وقال مالك: "بل يحمل على ~~الإباحة"، وروي عنه القول بالوجوب أيضا، وقال ابن الحاجب: "إن ظهر منه - ~~صلى الله عليه وسلم - قصد القرية فندب وإلا فمباح"، وقيل بالوقف. # احتج القائلون بالوجوب بوجوه أحدها: ما قدمنا من عموم قوله تعالى: { لقد ~~كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } (الأحزاب: 21)، وقوله تعالى: { واتبعوه } ~~(الأعراف: 158)، وثانيها: عموم قوله تعالى: { وما آتاكم الرسول فخذوه وما ~~نهاكم عنه فانتهوا } (الحشر: 7)، وأيضا فقد خلع - صلى الله عليه وسلم - ~~نعله في الصلاة بأنه إنما يجب التأسي والاتباع على جهة الوجوب حيث علم أن ~~الفعل واجب، أما حيث لم يعلم ذلك فلا PageV02P055 دليل على أن الفعل واجب. # وأجيب عن الثاني بأن المراد من قوله تعالى: { وما آتاكم الرسول } (الحشر: ~~7)، أي ما أمركم به، بدليل: { وما نهاكم عنه } (الحشر: 7)، وأما خلع نعالهم ~~فلقوله - صلى الله عليه وسلم - : "صلوا كما رأيتموني أصلي"، وأما تمسكهم ~~بفعله في التمتع فلقوله - صلى الله عليه وسلم - : "خذوا عني مناسككم". # احتج القائلون بالندب بأنه لو كان واجبا استلزم التبليغ بالقول ولا ~~تبليغ، والإباحة منتفية لقوله تعالى: { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ~~} (الأحزاب: 21)، فصار مندوبا على كل حال، احتج القائلون بالإباحة بأن ~~الإباحة هي المتحققة حيث لا دليل على ما فوقها فوجب الوقوف عليها وأجيب بأن ~~الدليل على الندبية حاصل من قوله تعالى: { واتبعوه } (الأعراف: 158). # احتج القائلون بأنه إن ظهر قصد القربة فندب وإلا فمباح بأن فضل القربة ~~قرينة تثبت رجحان الفعل على تركه، فيستدل بها على الندبية، وعند عدم ~~القرينة فهو مباح لقوله تعالى: { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا ~~يكون على المؤمنين حرج } (الأحزاب: 37) الآية، وأجيب بأن ما ظهر فيه قصد ~~القربة فمسلم أنه مندوب، وليس ذلك محل النزاع لكن محله فيما إذا لم تقم ~~قرينة على جهة فعله، وأما الآية فلا تدل على إباحة كل فعل منه - صلى الله ~~عليه وسلم -، وإنما غاية ما ms267 فيها أنها تدل على إباحة تزويج المؤمنين بزوجات ~~أدعيائهم بعد ما قضوا منهن وطرا، نعم الآية دليل على التأسي به فيما علم ~~جهته من المباح، لكن الكلام فيما لا نعلم جهته. # أما القائلون بالوقف فإنما وقفوا لتعارض هذه الأدلة معهم ونحن نقول إن ~~حمله على الندبية هو الصحيح لأن أفعاله - صلى الله عليه وسلم - شرع له ~~ولغيره إلا ما قام الدليل بخصوصيته به فترفعنا به عن المباح لثبوت المزية ~~له على غيره، ولقوله تعالى: { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } ~~(الأحزاب: 21)، ولم نبلغ به درجة الوجوب؛ لأن الوجوب أمر إلزامي لا يثبت ~~إلا بدليل ولم يكف في إثباته هذا الفعل الوارد عنه - صلى الله عليه وسلم - ~~لثبوت هذه الاحتمالات فيه وأيضا فلو كان واجبا علينا لكان تبليغه لازما، ~~PageV02P056 فسقط الوجوب والله أعلم. # تنبيه # يعرف حكم فعله - صلى الله عليه وسلم - بالاضطرار الحاصل من قرائن أحواله ~~في مقصده، فإن الضروري قد يحصل عند الأمارات، فما عرفه المشاهدون له من ~~قصده ضرورة وجب عليهم اتباعه، وإذ نقلوه إلينا وجب علينا العمل به مع صحة ~~النقل بتواتر وغيره، ويعلم أيضا حكم فعله بما يصفه به - صلى الله عليه وسلم ~~- من وجوب أو ندب أو إباحة فيعمل بمقتضى وصفه إياه، ويعلم أيضا حكمه بكونه ~~فعله بيانا لخطاب مجمل فحكمه حكم المبين، كغسله الذراعين مع المرفقين بعد ~~نزول قوله تعالى: { وأيديكم إلى المرافق } (المائدة: 6)، وطريقنا إلى كونه ~~بيانا: إما قوله أو معرفتنا بقرينة حال أنه فعله امتثالا لذلك الخطاب وما ~~فعله - صلى الله عليه وسلم - من الأفعال في الصلاة بعد أن نهانا أن نفعل ~~فيها فعلا يخالفها اقتضى الإباحة، نحو أن يرمي النخاعة أو يسوي رداءه ونحو ~~ذلك؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا تجوز عليه المعصية، وقد أمرنا ~~بالاقتداء به في أفعاله وأوقواله فنقطع بأن فعله بعد النهي تخصيص لعموم ~~النهي حينئذ، وكذلك ما فعله - صلى الله عليه وسلم - ولم نعلم جهة حكمه ولا ~~دلالة على الوجوب فندب إذ امرنا بالتأسي به ms268 فإذا لم يكن واجبا تعين الندب ~~والله أعلم، ثم إنه أخذ في بيان تقريره عليه الصلاة والسلام وهو القسم ~~الثالث من السنة فقال: # مبحث تقريره - صلى الله عليه وسلم - # وإن رأى الفعل ولم ينكره ... وكان قادرا فقد قرره # لكن بشرط أن يكون ما فعل ... ليس بمعلوم الحرام فاحتفل # فليس في السكوت عن مرور ... من ضل للضلال من تقرير # وإن بدا استبشاره كان أدل ... على جواز ما أتاه من فعل # إذا رأى - صلى الله عليه وسلم - فعلا أو سمع قولا من أحد وكان عليه ~~الصلاة والسلام قادرا على الإنكار فلم ينكره كان ذلك تقريرا منه على ذلك ~~الفعل فيكون دليلا على جوازه اتفاقا لكن بشرط أن PageV02P057 يكون ذلك ~~الفعل والقول بمعلوم الحرام، أي ليس مما يقطع بتحريمه قطعا لا يكمن نسخه ~~ولا تغييره كالكفر ونحوه، وأن لا يكون مما تدل قرينة الحال على أن سكوته ~~ليس بتقرير، فإنه لو رأى - صلى الله عليه وسلم - مجوسيا مارا إلى الكنيسة ~~فلم ينكر عليه ما كان ذلك منه تقريرا على جواز المرور إلى الكنيسة، فقول ~~المصنف: "فليس في السكوت عن مرور من ضل"، معناه وليس في سكوته - صلى الله ~~عليه وسلم - عن مرور الكافر إلى كفره تقرير لكون الحال معلوما أنه حرام ~~ولأن حال المجوسي غير قابل للإنكار، اعلم أن لحجية تقريره عليه الصلاة ~~والسلام شروطا: # أحدها أن يعلم بذلك الفعل ولم ينكره: واشترط بعضهم أن يكون ذلك في حضرته ~~فيخرج ما فعل في غير حضرته ولم علم به، والصواب عدم اشتراط ذلك. # وثانيها أن يكون قادرا على الإنكار فلم ينكره: فيخرج ما لو سكت عن إنكار ~~فعل لا يستطيع إنكاره. # وثالثها أن يكون ذلك الفعل مما يحتمل النسخ: فيخرج نحو الكفر بالله تعالى ~~فليس في السكوت عنه تقرير. # ورابعها أن لا ينكره في حضرته غيره: مخافة أن يكون قد اكتفى بذلك ~~الإنكار. # وخامسها أن يعلم من حاله أنه متنبه لذلك الفعل غير غافل عنه: فاحتمل أنه ~~غافل فلا تقرير. # هذا كله إذا لم ms269 يظهر منه استبشار بالفعل، أما لو ظهر منه عليه الصلاة ~~والسلام استبشار بذلك الفعل أو ذلك القول كان ذلك أدل على جماوز ولا يكون ~~دليلا على التعبد به فلا وجه لتمسك الشافعي باستبشاره - صلى الله عليه وسلم ~~- بقول المدلجي: "وقد مدت له أقدام زيد وأسامة أن هذه الأقدام بعضها من بعض ~~في جعل القافة طريقا شرعيا يؤخذ به في النسب"، لأنا نقول إن استبشاره إنما ~~كان لموافقة الحق وإلزام الخصم ما يلزمه على أصله لأن المنافقين تعرضوا ~~لذلك، فإن قال: إن موافقة الحق لا تمنع الإنكار إذا كان منكرا، أجيب بأنه ~~ليس بمنكر في نفسه، لكن المنكر الأخذ بمجرد القافة وقد أنكر ذلك - صلى الله ~~عليه وسلم - PageV02P058 في قوله: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" فلا يلزم ~~ما ذكر والله أعلم، ثم قال: # وإن أتى تقريره مخصصا ... فغير من قرر أيضا خصصا # إن وافق الوصف الذي له أقر ... وإن خفي ففي محله قصر # اعلم أن حكم تقريره عليه الصلاة والسلام حكم فعله حيث إنه يكون ناسخا ~~ومنسوخا فإن سبق التحريم ثم رأى من فعل ذلك المحرم فلم ينكره عله كان ذلك ~~نسخا للتحريم بشرط أن يكون قادرا على الإنكار وأن لا تكون هنالك قرينة تدل ~~على أن سكوته عن غير رضا بالفعل وكذا يكون بيانا للمجمل وكذا يكون مخصصا ~~للعموم على الصحيح وقد تقدم ذلك كله، مثال التخصيص به أن ينهى - صلى الله ~~عليه وسلم - عن استقبال القبلة ببول أو غائط، ثم يرى من يستقبلها فلا ينهاه ~~فإنه يكون مخصصا لذلك الفاعل ونحو نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة ~~بعد الصبح فرأى إنسانا يصلي بعد الصبح ركعتي الفجر فأقره عليه الصلاة ~~والسلام فدل على جواز الركعتين دون غيرهما فإن تبينت علته حمل عليه من ~~يوافقه في ذلك بالقياس أو بقوله - صلى الله عليه وسلم - : "حكمي على الواحد ~~حكمي على الجماعة"، فإنه مختص بما علم فيه عدم الفارق كالزنا للرجم، وأما ~~ما لم يعلم فيه ذلك فلا نسلم أنه مجمع عليه، وقيل ms270 بل يتعدى إذ لا دليل على ~~الفرق وجوابه ما مر والقول بأن التقرير مخصص للعموم وهو مذهب الجمهور كما ~~مر وصوبه البدر الشماخي، وقيل لا يكون مخصصا إذ لا ظاهر له وجوابه: إن ~~ظاهره الجواز لأن الحال التي عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدل ~~على ذلك لأنه لا يسع السكوت على منكر مع القدرة على إنكاره من غير أن يعلم ~~منه عدم الرضا به والله أعلم، ثم إنه ألحق ركن ا لسنة بمباحث تتعلق به ~~وجعلها خاتمة له لأنها كالجزء منه فقال: # خاتمة PageV02P059 وشرع من مضى إذا لم يبدل ... شرع لنا على المقال الأعدل # إن قصه الله أو المختار ... شرعا لنا ولم يكن إنكار # اختلف في شرع من قبلنا من الرسل هل يكون ما لم ينسخ منه شرعا لنا أم لا ~~فيه ثلاثة مذاهب: # المذهب الأول لا يكون شرعا لنا مطلقا، المذهب الثاني يكون شرعا لنا مطلقا ~~لأنه إذا لم ينسخ علمنا بقاؤه، المذهب الثالث إنه يكون ما لم ينسخ منه شرعا ~~لنا بشرطين: أحدهما أن يقصه الله علينا أو نبيه من غير إنكار له، وثانيهما ~~أن يكون ذلك على جهة التشريع لنا كما في قوله تعالى حكاية عن شعيب - عليه ~~السلام - : { ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس ~~أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين } (هود: 58)، وكما في قوله تعالى حكاية ~~عن لوط - عليه السلام - : { أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من ~~العالمين } (الأعراف: 80) الآية، وكما في قوله تعالى حكاية عن التوراة: { ~~وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين } (المائدة: 45) الآية، ~~ونحو ذلك من الآيات، فإن هذه الآيات ونحوها قص الله تعالى علينا فيها أنه ~~قد شرع على من قبلنا حكمها، ولم ينكر شيئا من أحكامها وقد قصها على جهة ~~التشريع لنا فكان شرعا لنا، وهذا المذهب هو الذي اختاره المصنف وأشار إليه ~~بقوله: "على المقال الأعدل"، ومعنى قوله: "إذا لم يبدل"، أي إذا لم ينسخ، ~~وحجة هذا القول هي حجة القول بأن شرع ms271 من قبلنا شرع لنا إذا ينسخ، وستأتي ~~وأما الاشتراط بأن يقصه الله علينا أو نبيه فلارتفاع الوثوق بكتبهم ~~لتحريفهم إياها سواء نقل ذلك الكفار أو من أسلم منهم، وأما اشتراط أنه يكون ~~على جهة التشريع لنا فلولا ذلك لكان رسولنا رسول من قبلنا من الرسل سفيرا ~~بينهم وبين أمته كواحد من علماء عصرنا وفساده لا يخفى، كيف وقد قال عليه ~~الصلاة والسلام حين رأى صحيفة من التوراة في يد عمر - رضي الله عنه - : ~~"أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى، والله لو كان موسى حيا لما وسعه ~~إلا اتباعي" # ولقائل أن PageV02P060 يقول: إنه إذا قصه الله أو رسوله على جهة التشريع ~~لنا، فليس هو بشرع من قبلنا وإنما هو شرع نبينا؛ لأن محل النزاع فيما لم ~~يكن قد شرع لنا ولم ينسخ لا في ما شرع، فإنه لا يدعي أحد أن ما شرع لنا لا ~~يكون شرعا لنا إذا وافق شرع من قبلنا، بل هو شرع لنا إجماعا، ومحل النزاع ~~ما قدمنا فيكون ما اختاره المصنف هو نفس القول بأن شرع من قبلنا ليس بشرع ~~لنا، وهذا ظاهر فيكون الخلاف لفظيا، وزيادة القيود زيادة في التبيين ~~والتوضيح. # احتج القائلون بأنه ليس بشرع لنا ولو لم ينسخ بأن نبينا عليه الصلاة ~~والسلام كان أصلا في الشرائع بدليل قوله تعالى: { وإذ أخذ الله ميثاق ~~النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به } ~~(آل عمران: 81)، فإنه من أبين الدلائل على أنهم بمنزلة أمة من بعث آخرا في ~~وجوب اتباعه فلا يجوز أن يكون نبينا عليه الصلاة والسلام تابعا لشريعة من ~~تقدمه وإلا لزم أن يكون تابعا ومتبوعا وفيه حط مرتبته وبقوله تعالى: { ثم ~~أورثنا الكتاب } (فاطر: 32) الآية، فإن فيه إشارة إلى أن شرائع من قبلنا ~~إنما تلزمنا على أنها شريعة لنبينا إلا أنها بقيت شرائع لهم فإن الميراث ~~ينتقل من الموروث إلى الوارث على أنه يكون ملكا للوارث ومضافا إليه مختصا به. # احتج القائلون بأنه شرع لنا ما ms272 لم ينسخ بالنقل والعقل، أما النقل فقوله ~~تعالى: { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } (الأنعام: 90)، والهدى اسم ~~للإيمان والشرائع جميعا، فيجب على النبي عليه الصلاة والسلام اتباع شرعهم، ~~وبقوله تعالى: { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين ~~أسلموا } (المائدة: 44)، والنبي عليه الصلاة والسلام من جملتهم، فوجب عليه ~~الحكم بها، وبقوله تعالى: { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا } (الشورى: ~~13)، والدين اسم لما يدان لله تعالى به من الإيمان، وأما العقل فهو أن ~~الرسول الذي كانت الشريعة منسوبة إليه لم يخرج من أن يكون رسولا يبعث رسول ~~آخر PageV02P061 بعده، فكذا شريعته لا تخرج أن تكون معمولا بها ببعث رسول ~~آخر ما لم يقم دليل النسخ فيها، وأجيب بأنه لا نسلم ذلك لأن شريعة الرسول ~~السابق يصح نسخها ببعث الرسول الثاني بخلاف صفة الرسالة، فإنه لا يمكن ~~نسخها عن الرسول بعد ثبوتها له، وإن جوزنا أن ينهى عن التبليغ عند بعث ~~الرسول الثاني، فنهيه عن التبليغ لا يكون نسخا لرسالته التي ثبتت له فظهر ~~الفرق بين الرسالة والشريعة على أنا نقول إنه قد قام الدليل على نسخ ما سبق ~~من الشرائع بشرع نبينا عليه الصلاة والسلام لا ما قصه الله أو نبيه على ~~سبيل التشريع لنا، وذلك قوله تعالى: { يأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم ~~كافة } (البقرة: 208) الآية، وقوله - صلى الله عليه وسلم - حين رأى صحيفة ~~من التوراة في يد عمر - رضي الله عنه - : "أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود ~~والنصارى، والله لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي"، وأيضا فالمعلوم من ~~حال السحابة رجوعهم عند فقد النص منه - صلى الله عليه وسلم - إلى القياس ~~والاجتهاد # ولا يلتفتون في البحث عن الحادثة إلى الشرائع المتقدمة ولو كان شرعه - ~~صلى الله عليه وسلم - شرع من قبله لم يعملوا بقياس ولا اجتهاد حتى يبحثوا ~~عن النصوص المتقدمة، والمعلوم بالنقل التواتري أنهم لم يكونوا يعولون على ~~شيء منها فكان ذلك منهم إجماعا على أن شرع من قبلنا ليس بشرع لنا ولو ms273 لم ~~ينسخ ما لم يقصه الله علينا أو نبيه على سبيل التشريع لنا وقد عرفت أن هذا ~~المعنى مما يتفق عليه الخصمان أنه شرع لنا كما هو شرع لمن قبلنا، فهو مع ~~التحقيق شرع آخر وافق الشرع السابق، وأيضا فلو كان شرع من قبلنا شرع لنا ~~لكنا مأمورين بمطالعة الكتب السابقة وبقراءتها حفظا لما شرع لنا، والمعلوم ~~انا لم نؤمر بذلك بل نهينا عنه بالكتاب والسنة كما مر، فعلمنا من ذلك أن ~~شرع من قبلنا ليس بشرع لنا، وهذه المسألة متفرعة على مسألة صورتها هل كان ~~نبينا عليه الصلاة والسلام متعبدا بعد البعثة بشريعة من قبله أم لا وإنما ~~جاء PageV02P062 بشريعة مبتدأة؟ قولان، الثاني منهما هو الحق لما قدمنا من ~~الأدلة، ولأنه لو تعبد عليه الصلاة والسلام بشرع نبي قبله لأضيف إلى شارعه ~~وكان نبينا كالمؤدي عنه، لأن ما كان متعبدا فيه باتباع من قبله فهو في حكم ~~المؤدي فكما أن شريعته لا تضاف إلى من يؤدي عنه من الصحابة والعلماء وكذلك ~~ما أداه عن غيره لا يضاف إليه فظهر لك أن الحق أنه - صلى الله عليه وسلم - ~~إنما بعث بشريعة مبتدأة سواء وافق بعضها حكم الشرائع السابقة أو خالف، أما ~~قبل البعثة فقيل إنه متعبد بشرع من قبله من الأنبياء، وقيل إنه لم يتعبد ~~وتوقف آخرون وهو الحق، إذ لا علم لنا إلا بما انتهى إلينا علمه، وكلا ~~الحالين في حقه، ممكن والذي يقتضيه ظاهر سيرته عليه الصلاة والسلام أنه كان ~~قبل البعثة غير متعبد بشرع من قبله؛ لأنه لو كان متعبدا بشيء من الشرائع ~~السابقة لوجب عليه البحث عن أحكام تلك الشريعة وطلبها من أهلها والمعلوم من ~~سيرته أنه كان أميا لا يكتب الكتاب ولا يقرأه زيادة في معجزته بعد النبوة، ~~والمعلوم من حاله أيضا أنه لم يجالس راهبا، ولا خرج إلى حبر من الأحبار، ~~ولا سأل عن شيء من الأحكام التي قبله، ولم يكن الوحي يأتيه قبل البعثة حتى ~~يدله على شيء منها، فعلمنا من مجموع هذه ms274 الأحوال أنه لم يكن متعبدا بشيء من ~~أحكام الشرائع قبل البعثة أيضا، أما التوحيد وما تقوم به حجة العقل فقد كلف ~~به جميع العقلاء، وقد وفق عليه الصلاة والسلام قبل البعثة وبعدها، وقد كان ~~قبل البعثة أيضا محفوظا من قاذورات الجاهلية تسديدا من الله تعالى وحسن ~~توفيق له، فنشأ في كنف الله تعالى وحفظه مقرونا بالملائكة عليهم السلام حتى ~~انتهى إلى الوقت الذي أراد الله له فيه ظهور الكرامة العظمى، ذلك فضل الله ~~يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، والله أعلم، ثم إنه أخذ في بيان حكم مذهب # الصحابي فقال: # ومذهب الصحابي قيل يلزم ... اتباعه وقيل ليس يلزم PageV02P063 اختلف في ~~مذهب الصحابي هل يكون حجة على غيره ويلزمنا اتباعه أم لا، على ثلاثة مذاهب. # أحدها: إنه يلزمنا اتباعه سواء كان قوله مما يدرك بالقياس أو لا؛ لأن ~~قوله إن كان سماع فبها، وإن كان عن رأي فرأيهم أقوى من رأي غيرهم؛ لأنهم ~~شاهدوا طريق النبي عليه الصلاة والسلام في بيان الأحكام، وشاهدوا الأحوال ~~التي نزلت فيها النصوص والمحال التي تتغير باعتبارها الأحكام ولهم زيادة ~~احتياط في حفظ الأحاديث وضبط ذلك لغيرهم. # وثانيها: لا يجوز تقليده مطلقا؛ لأنه قد ظهر فيهم الفتوى بالرأي واحتمال ~~الخطأ في اجتهادهم ثابت لعدم عصمتهم من الخطأ كسائر المجتهدين، وإذا احتمل ~~الخطأ لم يجز لمجتهد آخر تقليده كما لا يجوز تقليد التابعي ومن بعدهم. # وثالثها: يجب تقليدهم فيما لا يدرك بالقياس إذ لا وجه له إلا السماع أو ~~الكذب، والكذب عنهم منتف، وأما إذا أدرك القياس فلا يجب؛ لأن القول بالرأي ~~منهم مشهور، والمجتهد يخطئ ويصيب، وهذه المسألة متفرعة عن مسألة أخرى ~~صورتها: هل مذهب الصحابي إلا لم يبين أنه اجتهاد منه محمول على أنه عن رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - في غير ما يدرك بالقياس دون ما يدرك به، فيه ~~أقوال ثلاثة، وتفرع على القول بأنه مسموع من رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - : القول بلزوم اتباعه، وتفرع عن عكسه: القول بعدم لزوم ms275 اتباعه، ~~وتفرع عن القول الثالث: لوزم اتباعه فيما لا يدرك بالقياس دون ما يدرك به، ~~ولكل حجة لا نطيل بذكرها مخافة التطويل. # والصحيح أن مذهب الصحابي لا يكون حجة على غيره؛ إذ لو كان حجة على أحد ~~لزم أن لا يقع بين الصحابة خلاف في مسألة أصلا، وبيان ذلك أن الخلاف قد وقع ~~من الصحابة في كثير من المسائل، فلو كان قول الصحابي حجة على غيره لزم أن ~~يكون من سبق منهم إلى قول حجة على غيره يلزم الباقين اتباعه فلا يسعهم ~~خلافه، والمعلوم أنهم قد اختلفوا ولم يجعلوا القول السابق PageV02P064 حجة ~~على غيره، وقد حكى بعض الأصوليين الإجماع على أن قول الصحابي لا يكون حجة ~~على صحابي مثله، وذكروا الخلاف في حجيته على من بعد الصحابة، وأقول: إن ~~الصحابي وغيره من المجتهدين سواء في ذلك فإذا لم يكن قول الصحابي حجة على ~~صحابي مثله، كذلك يجب أن لا يكون حجة على غير الصحابي؛ لأن الفرق بينهما ~~تحكم والله أعلم، ثم إنه أخذ في بيان الإجماع، وهو الدليل الثالث من الأدلة ~~الشرعية فقال: # الركن الثالث في الإجماع # وهو في اللغة: العزم، يقال أجمع فلان على كذا بمعنى عزم عليه، والاتفاق: ~~يقال أجمع القوم على كذا إذا اتفقوا، والفرق بين المعنيين أن المعنى الأول ~~يتصور من واحد بخلاف المعنى الثاني، فيقال أجمع فلان على كذا بمعنى عزم، ~~ولا يقال ذلك إذا أريد معنى الاتفاق، وفي الاصطلاح ما أشار إليه المصنف بقوله: # إجماعنا اتفاق أهل العلم ... منا على بيان نوع حكم # كما إذا ما اتفقت أقوالهم ... عليه أو تواطأت أفعالهم # وإن يقل بعضهم أو يعمل ... وسكت البعض فدون الأول # وسمه القطعي أعني السابقا ... وتارك القطعي صار فاسقا # وبالسكوتي فسم الثاني ... وأبق من خالف في الإيمان # لكنه يوجب نفس العمل ... ظنا كما في خبر المعدل # الإجماع في عرف الأصوليين والفقهاء وعامة المسلمين عبارة عن اتفاق علماء ~~الأمة على حكم في فصر وقبل اتفاق أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - في عصر ~~على أمر ms276 وزاد بعضهم ولم يسبقه خلاف مستمر فيخرج على التعريف الأول عوام ~~الأمة ممن لا علم له فلا يقدح خلافهم في انعقاد الإجماع ويدخلون على ~~التعريف الثاني فيعتبر وفاقهم في انعقاد الإجماع وله شروط ومحل يأتي بيان ~~كل واحد من ذلك في محله إن شاء PageV02P065 الله تعالى، وصورة الإجماع هي ~~أن ينطق كل وحد من المعتبرين بأنه يجب كذا أو يحرم أو يندب أو يكره أو ~~يباح، أو أن يفعل كل واحد من المعتبرين فعلا يواطئ في ذلك فعل صاحبه، نحو ~~أن يصلوا على الجنازة بأربع تكبيرات لا يزيد بعضهم عليها ولا ينقص، أو ~~يتفقوا على ترك شيء، نحو أن يتركوا الأذان في صلاة العيد أو نحو ذلك فيكون ~~إجماعا على أنه غير واجب فيها، أو يقول بعضهم قولا أو يعمل عملا ويسكت ~~الباقون بعد انتشار ذلك القول أو العمل فيهم، ومع القدرة على إنكاره فلا ~~ينكروه، بل يسكتون عليه كما إذا قال بعضهم صلاة الكسوف مشروعة فانتشر فيهم ~~هذا القول، فلم ينكره أحد منهم كان إجماعا على شرعيتها، فلو قال مثلا ~~مفروضة ولم ينكروه ثبت الإجماع على فرضيها، فالإجماع حينئذ نوعان: # أحدهما إجماع قولي: وهو ما فيه اتفاق أقوالهم أو تواطؤ أفعالهم على شيء واحد. # والنوع الثاني سكوتي: وهو ما فيه قول بعضهم أو عمله مع سكوت الباقين عليه ~~بعد انتشار ذلك فيهم ومع القدرة على إنكاره ولكل واحد من النوعين حكم يخالف ~~حكم الآخر. # أما حكم الإجماع القولي فهو أنه حجة قطعية يفسق من خالفها عند الجمهور ~~لكن كونها قطعية يعد كما شروطها الآتي ذكرها، وفي موضع لا يكون فيها خلاف، ~~هل ذلك الحال إجمال أم لا، فما وقع فيه الخلاف أنه إجماع أم غير إجماع فليس ~~بحجة قطعية اتفاقا، وخالف النظام والرافضة وبعض الخوارج، فزعموا أنه ليس ~~بحجة، قال صاحب المنهاج: "واختلف الرواة عنهم، فمنهم من زعم أنهم إنما ~~خالفوا في ثبوته لا في كونه حجة؛ لأن انتشار الأمة يحيل اطلاع كل واحد منهم ~~على الحكم"، قلت: وعلى ms277 هذه الحكاية عنهم مشيت في النظم كما ستعرفه مما ~~يأتي، قال: "ومنهم من حكى أنهم إنما منعوا كونه حجة ولو ثبت"، أقول: وكلا ~~الحالتين مخالفة للجمهور لكن الحكاية الثانية أيسر من الأولى ويحتمل الجمع ~~بينهما بأن يقال الجميع قد صدر منهم؛ لأن الثانية فرع الأولى، PageV02P066 ~~وللجمهور على أن الإجماع القولي بعد كمال شروطه حجة قطعية أدلة من الكتاب ~~والسنة والإجماع، فأما أدلتهم من الكتاب فمنها قوله تعالى: { وكذلك جعلناكم ~~أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } (البقرة: ~~143)، احتج به أبو علي الجبائي وبعض أصحابنا، قال الجبائي: "فجعلهم بمنزلة ~~الرسول في الشهادة تستلزم العدالة، فاقتضى ذلك عصمتهم، أي عصمة جماعتهم من ~~الخطأ فحرمت مخالفتهم"، واعترض أبو هاشم هذا الدليل قال: "إن الشاهد لا ~~تعتبر فيه العدالة عند تحمل الشهادة وإنما تعتبر عند أدائها، وأداء هذه ~~الشهادة إنما يكون في الآخرة فلا تدل على عدالتهم في الدنيا فبطل الاستدلال ~~بها، ثم لو سلمنا عدالة الشاهد فإن ذلك لا يوجب تحريم مخالفته في جميع ~~أفعاله وأقواله لجواز الصغائر عليه فلا نأمن أن نتابعه في خطأ، فلو قدرنا ~~أن الأمة عدول لأجل الشهادة لم يجب اتباعهم في جميع أفعالهم وأقوالهم ~~كالشاهد"، قال صاحب المنهاج: # "فهذه طريقة لا تفيد قطعا ولا ظنا قويا كما ترى"، ومنها قوله تعالى: { ~~فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } (النساء: 59)، احتج بها ~~القاضي عبد الجبار قال: "فاقتضى ظاهرها أنهم إذا لم يتنازعوا لم يرجعوا إلى ~~أحد، وهذا يستلزم كون ما أجمعوا عليه حقا لما لم يرجعوا إلى أحد غيرهم إلا ~~مع النزاع"، قال صاحب المنهاج: "وهذا الاستدلال ضعيف من وجهين: # أحدهما إنه أخذ بمفهوم الشرط لا بمنطوق، ولم يؤخذ بالمفهوم في الظنيات ~~عند المعتزلة فضلا عن القطعيات. # الوجه الثاني إنا لو سلمنا صحة هذا الاستدلال لزم منه كون إجماعهم حجة في ~~حياة الرسول والاتفاق منعقد على أن الإجماع إنما يصير حجة بعده - صلى الله ~~عليه وسلم - لا في حياته". # سلمنا فالإجماع مما تنازعوا فيه فيرد ms278 إلى دليل آخر غير هذه الآية وهذا ~~يبطل كونها دليلا عليه قطعا ومنها قوله تعالى: { ومن يشاقق الرسول من بعد ~~ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله PageV02P067 ما تولى ونصله ~~جهنم وساءت مصيرا } (النساء: 115)، قال صاحب المنهاج: "وأول من احتج بهذه ~~الآية عيسى بن أبان والشافعي ثم تابعهم في الاحتجاج خلق كثير ووجه الاحتجاج ~~بها أنه تعالى توعد اتباع غير سبيل المؤمنين كما توعد على مشاقة الرسول - ~~صلى الله عليه وسلم - فوجب كونه حجة"، وأورد على الاستدلال بهذه الآية ~~إيرادات: # أحدها: إنه تعالى إنما توعد على اتباع غير سبيلهم لا على ترك اتباع ~~سبيله، وفي ذلك إبطال الاستدلال على المقصود وأجيب بأن العرف قاض في هذه ~~العبارة أنها تناول الأمرين، ألا ترى أن قائلا لو قال: "لا تتبعوا غير سبيل ~~فلان فإنه حكيم صالح"، أفاد وجوب الاقتداء به في أفعاله؟، فكذلك هذه. # الإيراد الثاني: إن سبيل المؤمنين مجمل غير مبين؛ لأنه مجاز لأن حقيقته ~~إنما هو في الطرق المسلوكة على وجه الأرض فإذا كان مجازا فهو محتمل للنهي ~~عن مخالفة سبيلهم في الإيمان بالله ورسوله والتوحيد وذلك يبطل به الاستدلال ~~بها على المقصود، وأجيب بأنه لا شك في أنه مجاز لكنه يقتضي العموم، أعني أن ~~الوعيد متناول لمخالف سبيلهم، أية سبيل سلكوا، قال صاحب المنهاج: "وهذا ~~جواب جيد خلا أنه يستلزم كون دلالة الآية على تحريم مخالفة الإجماع ظنية لا ~~قطعية لأن دلالة العموم ظنية". # الإيراد الثالث: إن الظاهر يقتضي أن الوعيد إنما كان على مجموع مشاقة ~~الله ومشاقة رسوله ومخالفة المؤمنين وإذا كان متعلقا بالمجموع لم يصح ~~تعليقه بالأفراد إلا لدليل، وقد قام الدليل على تعليق الوعيد بمشاقة الله ~~ورسوله؛ لأنها كفر، ولم تقم دلالة على قيام وعيد على مجرد مخالفة المؤمنين، ~~وفي ذلك إبطال الاحتجاج بها على المقصود، وأجيب بأنه قد علمنا الوعيد على ~~مشاقة الله والرسول من غير قبح المخالفة في نفسها، إذ لو لم يقبح إلا حيث ~~انضمت إلى المشاقة لم يكن تحت ذكرها ms279 فائدة؛ لأن المباح PageV02P068 لا يصير ~~قبيحا بانضمامه إلى قبيح. # الإيراد الرابع: إن الإيراد إنما تناول تحريم المخالفة حيث علم أن ~~المجتمعين مؤمنون ولا طريق لأحد الناس إلى معرفة إيمان كل واحد من الأمة ~~على حياله فإيجاب اتباع المؤمنين واقف على شرط ممتنع فلا يجب بيانه، لا يجب ~~اتباعهم حتى نعلم إيمانهم، ولا سبيل لنا إلى معرفة إيمان كل واحد منهم فلا ~~يجب اتباعهم، قال صاحب المنهاج: "هذا سؤال جيد ولا مخلص عنه إلا إذا أراد ~~بالمؤمنين المصدقين بالرسول من العلماء والعوام والأبرار والفجار وذلك فيه ~~كلام سيأتي"، قلت: لكن المخلص منه أن يقال في جوابه: إن المراد بالمؤمنين ~~من ظهر منه الإيمان وإنهم في حكم الظاهر على حكم كتاب الله وسنة رسوله عليه ~~الصلاة والسلام ولا يلزم معرفة بواطنهم ولا معرفة حال كل فرد منهم على ~~حياله بل معرفة جملتهم، وإن ظاهرهم الإصابة وموافقة الحق كافية في معرفة ~~أنهم مؤمنون، وإلى من ذكرنا تتوجه خطابات القرآن نحو: يأيها الذين آمنوا، ~~إنما المؤمنون إخوة، ونحوهما من الآيات...، قال صاحب المنهاج: "والأقرب ~~عندي أن هذه الآية الكريمة لا توجب القطع بأن الإجماع حجة لما أوردناه من ~~الإشكالات على الاستدلال بها"، قلت: وما أوردنا من الجوابات على تلك ~~الإيرادات مزيل لتلك الإشكالات فتبقى الآية على ظاهرها العموم، فبانضمام ما ~~سيأتي من الأدلة إليها تفيد القطع الذي حاوله جمهور الأمة؛ لأن دلالة ~~العموم ظنية فيما إذا لم يساعدها القطع بإرادة المدلول دليل آخر والله أعلم. # وأما استدلالهم من السنة فهو قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تجتمع ~~أمتي على ضلالة"، وجزم بعضهم بتواتره، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا ~~تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين"، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ~~"يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف العالين وانتحال المبطلين ~~وتأويل الجاهلين"، PageV02P069 وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "من سرته ~~بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة"، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "من فارق ~~الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه"، وقوله ms280 - صلى الله عليه ~~وسلم - : "عليكم بملازمة الجماعة"، ونظائر ذلك كثير، فهذه ونحوها أخبار ~~متعددة من طرق مختلفة صحيحة متواترة على معنى واحد وإن اختلفت عباراتها، ~~فقد صح تواتر معناها، كتواتر شجاعة علي، وجود حاتم، قال أبو هاشم: "ولأن ~~هذه الأخبار واردة في أصل كبير وهو الإجماع، ووجوب الرجوع إليه كالرجوع إلى ~~كتاب الله، وما كان واردا في أصل كبير لم يجز إذا لم يعلم الساكت عن راويه ~~صحته أن يترك النكير عليه بل ينكره، كما لو روى راو أن ثم صلاة سادسة ~~مفروضة على حد فرض الخمس فإن من لم يعلم صحة ذلك لا يمكنه السكوت عن ~~إنكاره، فكذلك هذه الأخبار الواردة في تنزيل الإجماع منزلة الكتاب العزيز ~~والسنة المتواترة في وجوب الرجوع إليه لو لم يعلم الساكت عند روايتها صحتها ~~لأنكرها فعلمنا بهذه الطريقة صحة الأخبار المروية في وجوب اتباع الأمة فيما ~~اجتمعت عليه"، قال صحب المنهاج: "وهذه الطريقة أقوى من التي قبلها خلا أن ~~لقائل أن يقول: وبم عرفتهم أنها رويت في حضرة جامعة ولم ينكرها أحد وابن ~~السبيل إلى ذلك وهي في نفسها آحادية، فلابد وأن تكون صفة كيفية روايتها ~~آحادية وإلا تدافع الكلام؛ لأن ذلك بمنزلة # تواتر صفة الخبر دون متنه وذلك محال، وإذا لم تكن متواترا أعني روايتها ~~في حضرة جماعة، وأنها لم ينكره أحد فلا سبيل إلى القطع بصحتها حينئذ فلا ~~يفيد أبا هاشم هذا التدريج"، قال: "وكذلك قولهم: إن حصل تواتري معنوي هو ~~أقوى مسلكا خلا أنه لم يتم حتى يعلم يقينا أنه قد بلغ عدد الأحاديث الواردة ~~حدا يحصل به العلم الضروري بمعناها، وهو عدد التواتر المتفق عليه على كونه ~~PageV02P070 تواترا، وفي بلوغ الأخبار الواردة في هذا المعنى إلى هذا القدر ~~بعد جد والله أعلم"، قال: "فإن قدرنا حصوله فهي حجة قوية، لكنه بعيد ~~فالأقرب كونها ظنية والله أعلم" انتهى كلامه، وهو يميل إلى أن الإجماع حجة ~~ظنية لا قطعية لكون أدلة الإجماع ظنية عنده والله أعلم. # وأما دليلهم من الإجماع فهو ms281 ما قاله ابن الحاجب وتبعه عليه البدر الشماخي ~~وهو أن الصحابة أجمعت على تخطئة من خالف إجماعهم، قال ابن الحاجب: "والعادة ~~تقضي أن الجماعة العظمى لا تجمع على تخطئة أحد إلا عن دليل قطعي لا ظني ~~فاستلزم ذلك القطع بحصول اطلاعهم على دليل قطعي لأجله أجمعوا على القطع ~~بخطأ مخالفهم وإن لم نعلمه نحن"، قال صاحب المنهاج: "وهذا الدليل قوي إذا ~~سلمنا أن الجماعة الكثيرة لا تجمع على تخطئة أحد والقطع بذلك إلا عن علم ~~يقين، لكنا ننازع في هذا الدليل في طرفين: # أحدهما في صحة إجماعهم على تخطئة مخالفيهم وهل تواتر فلقائل أن يقول: لا ~~نسلم القطع بذلك، إذ لا سبيل إليه إلا التواتر، ولا تواتر يدلنا على ذلك. # الطرف الثاني قوله إن العادة تقتضي أن الطائفة العظيمة لا تجمع على أمر ~~إلا عن دليل قاطع، قلنا: بل نقول لا نسلم ذلك بل يجوز أن يجمعوا على أمر ~~لأجل أمارة اقتضته حصل لهم عنها ظن لا علم فإن ذلك مشاهد في كل جهة، أعني ~~أنهم قد يجمعون على أمر، ويدعون العلم به وليس عندهم أكثر من الظن إلى أن ~~قال: "ثم إنا لو سلمنا أن العادة تقضي بذلك، فهل علمنا ذلك ضرورة؟ فلا ~~ضرورة يمكن تقديرها في ذلك إلا البديهية، والبديهي يجب اشتراك العقلاء فيه ~~فكيف تدعون العلم الضروري بإجماع الصحابة على تخطئة من خالفهم ولم ينقل ذلك ~~عن كل واحد منهم نقلا تواتريا إذا لعلمه كل من يبحث عنه، سلمنا أنه قد ~~تواتر ذلك فلو كان امتناع تخطئة الجماعة لمن خالفهم إلا عن دليل معلوم ~~بالبديهة لزم أن لا يخالف في ذلك أحد من العلماء، والمعلوم إن في ~~PageV02P071 أكابر العلماء من أنكر كون الإجماع حجة قطعية بل ظنية، وفيهم ~~من أنكر كونه حجة رأسا لا قطعية ولا ظنية، فحينئذ لا تستقيم دعواكم الضرورة ~~إلى أن الصحابة خطؤوا مخالفيهم ولا الضرورة البديهية إلى أن الجماعة ~~الوافرة لا يصح إطباقها على تخطئة من خالفها إلا بدليل قاطع، وأنتم منازعون ~~في ms282 الطرفين جميعا، وإلا لشارككم العقلاء في ذلك ولم يخالفكم فيه أحد، ففي ~~ظهور الخلاف بطلان هذا الاحتجاج"، هذا كلامه هاهنا، ثم قال: "وهذا فرع ~~يتفرع على القول بأن الإجماع حجة وهو أن الأكثر يقولون وهو حجة قطعية، وقال ~~الفخر الرازي هو وابن الخطيب والآمدي بل ظنية مطلقا"، قال: "والحجة لنا على ~~أنه حجة قطعية ما مر من الأدلة القاطعة التي حكيناها وأقواها التواتر ~~المعنوي، واحتج هذان بما أوردناه على تلك الأدلة"، قال: "وكلامهما لا يبعد ~~عن الصواب والله أعلم"، انتهى. # وقد أوردت كلامه في هذا المقام على هذا الحال لينظر فيه من كانت له ملكة ~~يقتدر بها على بيان الحق، أما أنا فلم أجد مخلصا مما أورده. والله ولي ~~التوفيق، وبيده كل شيء. # وأما حكم الإجماع السكوتي فهو حجة ظنية توجب العمل ولا تفيد العلم مثل ~~خبر العدل، فمن خالف الإجماع السكوتي لا يحكم بفسقه على الصحيح، كما لا ~~يحكم بفسق من خالف خبر الآحاد؛ لأن التفسيق لا يكون إلا مع مخالفة الدليل ~~القاطع، وهذا المعنى قول المصنف: "وأبق من خالف في الإيمان إلخ"، ومعنى ~~أبقه في حكم الإيمان أي الإسلام، وإلى هذا القول وهو أن الإجماع السكوتي ~~كخبر الواحد ذهب أبو علي وأبو هاشم أبو الحسن الكرخي واختاره القاضي عبد ~~الجبار، قال صاحب المنهاج: "وهذا القول هو الأقرب عندي إذ العادة تقضي مع ~~عدم التقية أن ينكر المخالف ويظهر حجته، فيغلب في الظن أن سكوتهم سكوت رضا ~~فيكون كالإجماع الآحادي"، قال أبو هاشم: "كان فقهاء التابعين يحتجون بما ~~هذا حاله"، قال أبو عبد الله البصري: "إن صح PageV02P072 ما قاله فهو حجة"، ~~قال صاحب المنهاج: "وقال أكثر الفقهاء بل هو إجماع أي حجة قطعية"، يعني أن ~~أكثر الفقهاء قالوا إن الإجماع السكوتي حجة قطعية يقطع عندهم بفسق من خالفه ~~واحتجوا على ذلك بما ذكره صاحب المنهاج من القطع من جهة العادة بأنهم لا ~~يسكتون إذا لم يرضوا بالقول مع عدم التقية، وأجيب بعد التسليم لإصابة ~~المجتهدين بأنه لا نقطع بأنه ms283 سكوت رضا، وقيل إن الإجماع السكوتي ليس بحجة ~~رأسا، وإنما هو بمنزلة قول العالم الواحد، فيلزم المجتهد أن ينظر لنفسه ولو ~~خالف الإجماع السكوتي، والصحيح ما قدمت لك لما تقدم من الحجة على ذلك والله ~~أعلم، ثم إنه أخذ في بيان إمكان الإجماع فقال: # وممكن وقوعه وعلمه ... ونقله لمن نأى ورسمه # وإن نفى وجوده النظام ... وغيره فإنه ملام # اعلم أن وقوع الإجماع من أهل الإجماع ممكن وكذا بلوغ العلم بإجماعهم ~~إلينا ممكن وكذا نقل إجماعهم لمن بعد عنهم ممكن فلا استحالة في شيء من هذه ~~المقامات الثلاثة، وقد خالف بعض أهل العلم الأهواء في المقام الأول فزعم ~~النظام وبعض الروافض وبعض الخوارج امتناع وجود الإجماع ونقل عنهم أيضا نفي ~~حجيته كما مر، واحتجوا على امتناع وجوده بأن انتشار الأمة يمنع نقل الحكم ~~إلى كل واحد منهم كما في كثير من الحادثات، فيمتنع إجماعهم على حكم واحد، ~~وأجيب بأن المجتهدين عدد قليل، ولهم اجتهادات في البحث عن الأحكام فلا يلزم ~~مع ذلك امتناع اطلاع كل واحد منهم على ذلك الحكم، أما من اعتبر العوام من ~~العلماء فلم يرد إلا من له مسرح من النظر في الحادثة دون من لا نظر له في ~~ذلك، وهم أيضا له بحث وأخذ عن أهل البحث فيكونون في ذلك كالمجتهدين، قال ~~صاحب المنهاج: "أما من اعتبر كل الأمة فالحجة لازمة له، والله أعلم"، وخالف ~~بعضهم في المقام الثاني فزعموا أن الإجماع وإن صح في ذاته لكن العلم ~~PageV02P073 بأنه إجماع ممتنع، واحتجوا على ذلك بأنه لو صح الإجماع لكان ~~إما عن دليل قاطع، وإما عن دليل ظني، فإن كان عن دليل قاطع وجب أن ينتهي ~~نقله إلينا كما انتهى إليهم، وإن كان عن ظني منع الاتفاق على مضمونه ~~لاختلاف القرائح، وأجيب بأن ذلك ممنوع في الطرفين؛ إذ لا يستغنى بالظني عن ~~نقل القطعي وقد يكون الظني جليا، وخالف بعضهم في المقام الثالث فمنعوا من ~~صحة نقله إلينا بعد تجويزهم إمكان وجوده وإمكان الاطلاع عليه في زمانه، ~~واحتجوا ms284 على ذلك بأنه لو قدرنا حصول إجماع السلف على حكم، فإن العادة تقضي ~~بمنع نقله إلينا وحصول اليقين لتجويزنا خفاء بعض أهل ذلك العصر لحادث، إما ~~مرض أو أسر أو خمول أو كذبه أو رجوعه قبل قول الآخر، ولو سلم فنقله مستحيل ~~عادة، لأن الآحادي لا يفيد، والتواتر يفيد، وأجيب بأنه لا نسلم هذه الأمور ~~فإنا قاطعون بتواتر النقل بتقديم # النص القاطع على الظن، ولا نعتد بالنظام وبعض الخوارج وبعض الشيعة، هكذا ~~ذكره ابن الحاجب، ومعنى قوله: "ولا نعتد بالنظام"، أراد أنا لا نعتد ~~بإنكارهم لتواتر هذا الإجماع إلينا، فهم مخالفون للضرورة وحاصل الجواب أنه ~~قد نقل إلينا إجماع الصحابة على تقديم الدليل القطعي على الدليل الظني ~~فعلمنا من ذلك إمكان نقل الإجماع فلا وجه للقول باستحالة نقله، قال صاحب ~~المنهاج: "وللخصم أن يقول: لا نسلم لك أن قطعنا بالصحابة كانوا يقدمون النص ~~القاطع على الظني حاصل عن تواتر إجماعهم على ذلك، بل عن مقتضى العقل فإنه ~~إذا عارض النص الظني النص القاطع لم يحصل ظن رأسا حينئذ، بخلاف ما قد ~~علمناه يقينا نعلم ذلك عقلا لا عن إجماع" انتهى كلامه، وهو دفع للجواب الذي ~~ذكره ابن الحاجب من وقوع نقل الإجماع والله أعلم، ثم إنه أخذ في بيان أهل ~~الإجماع المعتبر إجماعهم في الأمة فقال: # وأهله المجتهد المتبع ... فيخرج الفاسق والمبتدع PageV02P074 ومن غدا ~~لغيره مقلدا ... فلا يحل خلفهم ما عقدا # يعتبر في انعقاد الإجماع وفاق كل مجتهد متبع، والمراد بالمجتهد: كل من ~~كانت له ملكة يقتدر بها على استنباط الأحكام الشرعية عن أدلتها والمراد ~~بالمتبع: كل من كان سالكا طريقة السلف الصالح، فيخرج بذلك الفاسق فإنه لا ~~يعتبر بخلافه لخروجه عن كمال الإيمان، وقد قال تعالى: { ومن يتبع غير سبيل ~~المؤمنين } (النساء: 115) الآية، وكذلك أيضا يخرج المبتدع وهو من حاد عن ~~طريق السلف الصالح بتأويل يفسق أو يشرك به عند من أثبت الشرك لبعض ~~المتأولين فإن خلاف هؤلاء لا ينقض إجماع المعتبرين من أهل الحق، وقال أبو ~~هاشم: "بل ms285 المعتبر المصدقون لنبينا عليه الصلاة والسلام من مؤمن وفاسق" ~~واحتج على ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تجتمع أمتي على ضلالة" ~~ونحوه من الأخبار، فظاهره عام لجميع أمته، والأمة تطلق على المصدق له من ~~مؤمن وفاسق، قلنا: عموم الحديث مخصص بالكتاب وذلك قوله تعالى: { لتكونوا ~~شهداء على الناس } (البقرة: 143) الآية، إذ لا يشترط في الشهادة العدالة ~~وقوله تعالى: { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل ~~المؤمنين } (النساء: 115) الآية، فإنها إنما حرمت خلاف من حرمت مشاقته ولا ~~إشكال أنها لا تحرم مشاقة الفاسق، ولأبي هاشم أن يقول: إن مشاقة الفاسق ~~إنما تحل فيما هو فيه فاسق لا فيما هو فيه محق، فإنه لا تصح مشاقته في الحق ~~لغيره، فيبقى لنا الاستدلال على تخصيص الأحاديث بالآية الأولى، وإذا صح ~~خروج الفاسق عن المعتبرين في صحة الإجماع عرفت أن فاسق إحدى الطائفتين يصير ~~قول الأخرى إجماعا، وقال أبو هاشم: "لا يصيره إجماعا"، بناء على مذهبه ~~السابق في اعتبار الفساق في انعقاد الإجماع، قال الحاكم: "وهذا الاختلاف ~~إنما هو حيث المسألة التي افترقوا فيها ثم فسقت إحدى الطائفتين قطعية فهذا ~~الخلاف فيها هل # تصير إجماعية بعد فسق إحداهما أم لا؟"، قال: "فأما الاجتهادية إذا ~~افترقوا فيها فريقين ثم فسق إحدى الطائفتين فلا خلاف أنها لا تصير ~~PageV02P075 إجماعية بذلك بل الخلاف باق لوجهين: # أحدهما: إن الفرقة التي فسقت يجب عليها البقاء على اجتهادها فلا تنتقل عنه. # الثاني: إن الفرقة التي لم تفسق يجوز لها التمسك بما أداها إليه اجتهادها ~~من بعد. # مثال القطعية إذا بايعت فرقة من الأمة إماما وبايعت غيرها آخر، فكل واحدة ~~تدعي نقصان إمام الأخرى، فإنها إذا فسقت إحدى الفرقتين صار الإمام الآخر ~~مجمعا عليه، وأما الاجتهادية: فمثالها واضح". # قلت وينبغي أن تكون المسألة القطعية التي ذكر الحاكم أنها محل الخلاف أنت ~~تكون قطعيتها مستفادة من حيث الإجماع فقط، لا من حيث الكتاب والسنة، وأيضا ~~فتمثيله للصورة القطعية بما ذكر غير مستقيم لأن النزاع إنما هو ms286 في انعقاد ~~الإجماع في صورة خالفت فيها فساق المجتهدين، أما خروج إحدى الطائفتين عن ~~طاعة الإمام فليس من هذا القبيل؛ لأن الإمام مجمع على وجوب طاعته والطائفة ~~الفاسقة تسلم ذلك الإجماع وخلافها إنما هو في طاعة ذلك الإمام بعينه لنقص ~~فيه على زعمها، فالمثال غير مستقيم كما ترى، وباشتراط المجتهد دون غيره في ~~صحة انعقاد الإجماع يخرج الفقهاء فقط، وهم المعروفون بتحصيل المسائل ~~الفرعية نقلا لا استنباطا، وإن كان عن تقليل فلا يعتبر خلافهم في صحة ~~الإجماع، وقيل بل يعتبر خلافهم ويعتد بإجماعهم دون إجماع غيرهم؛ لأنهم أهل ~~لتحصيل الأحكام والإقبال على حفظها ومن عداهم فهو مشتغل بغيرها وبغير النظر ~~فيها فلا يعتبر كلامه فيها، ورد بأن المجتهد لا إشكال في كونه أصح من ~~الفروعي نظر وأوقع، فيجب اعتباره؛ لأنه ذو الاقتدار على استنباط الأحكام من ~~أدلتها، ويخرج أيضا الأصولي، والمراد به من كان له معرفة بالأصول فقط دون ~~سائر الشريعة فلا يقدح خلافه في صحة الإجماع إذا أجمع المجتهدون في عصره ~~على حكم، بل يجب عليه اتباعهم، وقيل: بل يعتبر خلافه فلا ينعقد الإجماع إلا ~~مع وفاته، وقال بعضهم: بل يكون المعتبر إجماع الأصوليين دون غيرهم؛ لأن ~~الأصولي أزكى نظرا PageV02P076 وأكثر اهتداء إلى معرفة الحكم بعد أن قرر ~~النبوات والشرائع، ورد بأن من عدا الأصولي إن أمكنه الاجتهاد والاطلاع على ~~الأحكام فقد دخل تحت عموم الأدلة فيجب اعتباره ويخرج أيضا عوام الأمة الذين ~~لا نظر لهم في شيء من الشرعيات، وإنما يأخذون الأحكام عن علمائهم بطريق ~~الاتباع والتقليد، فلا يقدح خلافهم في صحة الإجماع؛ لأن دليل الإجماع لما ~~اقتضى بظاهره دخول # العوام، احتمل أنه لا يتم قول العلماء إجماعا إلا بانقياد العوام لهم ~~وإجابتهم إلى ذلك القول، ولو لم يكن عن اعتقاد لظاهر الأدلة، ولا مانع من ~~وقوف كون الإجماع حجة شرعية على إجابة العوام، إذ لا طريق للعقل إلى كونه ~~حجة، وإنما يقتضيه الشرع فقط ويجوز أن يكون في انقيادهم للعلماء تمام كون ~~قولهم حجة لوجه يعلمه الله ms287 تعالى ولا نعلمه في المصالح الشرعية ونقطع بذلك ~~لأجل ورود العموم، ولم يرد له مخصص فلو لم يكن على عمومه خصصه الشرع، ورد ~~بأنه لما علمنا أنه لا تأثير للإجماع إلا حيث يكون للمجمعين مستند من دليل ~~أو أمارة علمنا أنه لا تأثير لقول من لا مستند له إذ لا علة لإبطال ما لا ~~مستند له إذ لا طريق إلى علة ذلك فلم يعتد بانضمامه إليهم ولا بعدم انضمامه ~~وذلك يبطل به دعوى تجويز وجه لا نعلمه والله أعلم. # ? تنبيه: # اعلم أن ثمرة الخلاف في المقام إنما هي في كون الإجماع حجة على كل قول من ~~هذه الأقوال عند القائل به، فمن يعتبر أهل الاجتهاد فقط: كان إجماع ~~المجتهدين من الأمة حجة عنده وافقهم غيرهم على ذلك أم خالفهم، ومن يعتبر ~~المجتهدين الكاملين في الإيمان دون الفسقة والمبتدعين: كان إجماع المؤمنين ~~الكاملين حجة معه وإن خالفهم أهل الأهواء، ومن يعتبر الفقهاء من أهل الفروع ~~دون غيرهم: كان إجماعهم حجة عنده وإن خالفهم غيرهم في ذلك، وهكذا من يعتبر ~~الأصوليين ومن اعتبر جميع الأمة لم يكن إجماع بعضها PageV02P077 وإن كانوا ~~مجتهدين حجة معه وأهل هذه الأقوال لا يخطئ بعضهم بعضا؛ لأنه مقام اجتهاد ~~وحجية الإجماع على كل قول من الأقوال المذكورة إنما هي حجة ظنية عند من ~~أثبتها حجة هنالك، فيلزم العمل بها دون العلم ولا يكون الإجماع حجة قطعية ~~يحكم بتفسيق من خالفها إلا إذا أجمعت الأمة عالمها وجاهلها ومؤمنها وفاسقها ~~ومحقها ومبتدعها، فإذا اجتمعوا جميعا على حكم لم يسبقهم فيه خلاف وانقرضوا ~~على ذلك من غير أن يرجع أحدهم عن ذلك الحكم فهاهنا يكون الإجماع حجة قطعية ~~بإجماع جميع من اعتبر الإجماع، وذلك بعد كمال الشروط الآتي ذكرها، ومنها أن ~~لا يكون إجماعهم مخالفا للنص، وأن ينقل إجماعهم إلينا بالتواتر، إلى غير ~~ذلك من الشروط المعتبرة. ودون هذا فالإجماع حجة ظنية، ويكفي اعتبار ~~المجتهدين في كون الإجماع حجة ظنية على حسب ما اخترناه والله أعلم. # ثم إنه أخذ في ms288 بيان أن إجماع بعض الأمة وإن كثروا لا يكون إجماعا مع خلاف ~~البعض الآخر فقال: # وليس يجزي فيه بعض الأمة ... وإن يكونوا ألف ألف مائة # فليس إجماع ذوي المدينة ... عند خلاف غيرهم بحجة # كذاك أيضا أهل بيت المصطفى ... كذا الخليفتان أي والخلفا # والتابعي كالصحابي اعتبر ... وفاقه وخلفه مع من ذكر # وقال قوم هو في الصحابة ... لا غيرهم من سائر الجماعة # يعتبر في صحة الإجماع وفاق جميع المجتهدين من الأمة في ذلك العصر أو وفاق ~~جميع الأمة على ما مر من الخلاف وليس يجزي فيه بعض مجتهدي الأمة مع خلاف ~~البعض الآخر وإن بلغ المتفقون على ذلك عددا كثيرا ولو خالف من أهل الاجتهاد ~~واحد أو اثنان واتفق الباقون لم كن ذلك إجماعا يجب على من بعدهم اتباعه ~~وذهب الخياط وابن جرير وأبو بكر الرازي إلى أن خلاف الواحد والاثنين لا ~~يخرم الإجماع بل PageV02P078 يكون الإجماع حجة قاطعة لقوله - صلى الله عليه ~~وسلم - : "عليكم بالسواد الأعظم"، إلى غير ذلك من الأحاديث الموجبة لاتباع ~~الأكثر، وقيل إن أنكر المتفقون خلاف ذلك المخالف كان اتفاقهم إجماعا وإلا ~~فلا، ورد القولان بأن المعتبر الإجماع من الجميع وهو في هاتين الصورتين غير ~~موجود فلا إجماع ولا حجة وأيضا فلم تنكر الصحابة خلاف الواحد كابن عباس ~~وابن مسعود وعمر في المواريث وغيرها، أما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ~~"عليكم بالسواد الأعظم"، فإنه إنما أراد إذا تعارضت الأمارات الدالة على ~~الحكم، وعمل بإحدى الأمارتين أكثر الأمة وبالأخرى الأقل، كان عمل الأكثرية ~~مرجحا للأمارة، فيجب اتباع الأرجح، وهذا إنما يكون في من لا قدرة معه على ~~ترجيح الأقوال وفي حق من تعارضت معه الأدلة، أما القادر على الترجيح ~~والمتمكن من الاستنباط ففرضه هو ما أداه إليه اجتهاده وإن خالف بذلك الجم ~~الغفير والله أعلم، وقال سليمان بن جرير: "لا يخرم الإجماع خلاف عالم غلا ~~اتباع له"، يعني إذا اتفق المجتهدون ووافقهم على ذلك العوام وخالف من ~~المجتهدين عالم لم يتبعه على خلافه ذلك أحد من العوام، فلا يقدح ms289 خلافه في ~~صحة الإجماع بل يكون اتفاقهم دونه إجماعا، واحتج على ذلك بأنه إذا لم يكن ~~له أتباع صار قول من # عداه إجماعا بموته، وإذا لم يكن لقوله حكم بعد موته مع كون ذلك القول ~~باقيا لم يبطل بموت صاحبه فكذلك الا يكون له حكم مع بقاء صاحبه، بخلاف من ~~له أتباع، فإن قوله لا يبطل بموته فلا ينعقد دونه الإجماع في حياته، ورد ~~بأن الدليل لم يفصل بين من له أتباع وبين من لا أتباع له، وأيضا فقول من ~~عداه ليس قولا لكل الأمة فلا يكون حجة، إذ الحجة إنما هي قول جميع الأمة لا ~~بعضها على ما اقتضته الدلالة، وكذلك لا يكون إجماع أهل المدينة مع خلاف ~~غيرهم حجة؛ لأنهم بعض الأمة والمفروض إجماع جميع الأمة، إما جميع مجتهديهم ~~وعلمائهم، وإما جميع العلماء والعوام على ما مر، وقال مالك: PageV02P079 # "إن إجماع أهل المدينة حجة"، أي وإن خالفهم غيرهم في ذلك، قال الحاكم: ~~"والمشهور عن مالك أنه رد الخبر بفعل أهل المدينة"، حتى قال ابن ذؤيب: ~~"يستتاب مالك"، وكان إذا روي خبر لا يعمل به، فيسأل عن ذلك فيقول: "لأن أهل ~~بلدي لا يعملون به"، وحجتهم على ذلك قول - صلى الله عليه وسلم - : "المدينة ~~طيبة تنفي خبثها"، ورد بأنه دليل على فضلها وذلك لا يستلزم كون إجماع أهلها ~~حجة وإلا لزم ذلك في مكة ولا قائل بذلك، ورجح ابن الحاجب كون إجماعهم حجة، ~~واحتج على ذلك بأن العادة تقضي بأن الطائفة العظيمة من العلماء لا تجمع على ~~حكم إلا عن دليل راجح، فاقتضى أن إجماعهم حجة، وإن لم يكن قاطعا، قال صاحب ~~المنهاج: "وهذا ضعيف للزوم مثله في غيرها من الأمصار كبغداد ومصر وغيرهما، ~~ثم إن أكابر علماء الصحابة كانوا خارجين عنها، وهذا يستلزم أن لا يعتد ~~بخلافهم لأهل المدينة، وهذا من البعد في منزلة لا تخفى عن ذوي الألباب ~~بيانه، عليا وابن مسعود وأبا موسى وغيرهم كانوا في الكوفة، وأنس في البصرة، ~~وأبو الدرداء بالشام، وسلمان في المدائن ms290، وأبا ذر كان في الربذة، ومن ~~المحال أن لا يعتد بخلاف هؤلاء لأهل المدينة، فبطل ما زعموا"، هذا كلامه وهو # من الحسن بمنزلة لا تخفى والله أعلم، وكذلك أيضا لا يكون إجماع أهل بيت ~~النبي عليه الصلاة والسلام مع خلاف غيرهم إجماعا، أي إذا اتفق أهل بيته ~~عليه الصلاة والسلام مع قول وخالفهم غيرهم في ذلك الحكم فلا يكون اتفاقهم ~~حجة على غيرهم بمنزلة الإجماع؛ لأنهم بعض الأمة، والمعتبر إجماع جميع ~~مجتهدي الأمة على حسب ما مر، وقالت الزيدية كافة وأبو عبد الله البصري من ~~المعتزلة: "أن إجماعهم حجة"، واحتجوا على ذلك بأن جماعتهم معصومة عن الخطأ ~~لمخالفة حكم الله في قول أو فعل؛ فكان إجماعهم حجة كما كان إجماع الأمة، ~~ورد بأنه لا نسلم ثبوت العصمة له بل هم وغيرهم في ذلك سواء، فكما يجوز على ~~غيرهم الخطأ، كذلك أيضا يجوز عليهم، أما ما استدلوا به من الأدلة على ~~PageV02P080 ثبوت العصمة فلا نسلم أنه تفيد ذلك، بل ولا نسلم أن جميعها ~~صحيح، وإن سلمنا صحتها فلا نسلم أنها تفيد قطعا؛ لأنها أخبار آحادية وأدلة ~~ظنية فلا تمسك لهم بها والله أعلم. # وكذلك أيضا لا يكون اتفاق الخليفتين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما مع خلاف ~~غيرهما إجماعا؛ لأنهما بعض الأمة، قال البدر: "واعلم أن بعض الفقهاء جوز ~~انعقاد الإجماع بالخليفتين وحدهما"، قلت: وهو مردود بما تقدم. وكذلك أيضا ~~لا يكون اتفاق الخلفاء الأربعة إجماعا؛ لأنهم بعض الأمة، وزعم بعض الظاهرية ~~أن إجماع الخلفاء الأربعة حجة ولا يعتبر بإجماع غيرهم، واحتجوا على ذلك ~~بقوله - صلى الله عليه وسلم - : "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من ~~بعدي"، فالخلفاء الراشدون هم الأربعة فقط وهم المقصودون بأدلة الإجماع؛ ~~لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد عرفنا أن الرشاد ما أجمعوا عليه فهم حينئذ ~~المقصودون في الآية والخبر، ورد بأنه لا تصريح بذلك، وإنما الظاهر من ~~الحديث أن سنة الخلفاء الراشدين كسنته في وجوب الاتباع، ولم يخص - صلى الله ~~عليه وسلم - الخلفاء الأربعة، بل أراد كل ms291 خليفة حق، ولا شك أنه قد جاء من ~~بعدهم خلفة حق كطالب الحق، والجلندى بن مسعود والوارث بن كعب وغيرهم من ~~أئمة المسلمين رضوان الله عليهم، فلا وجه لتخصيص الأربعة، وإذا عرفت أن ~~وفاق جميع المجتهدين معتبر في صحة الإجماع وأن اتفاق بعضهم مع خلاف البعض ~~الآخر لا يكون إجماعا وإن كثر المتفقون، فاعلم أن التابعي إذا بلغ درجة ~~الاجتهاد في زمن الصحابة كجابر بن زيد - رضي الله عنه - وجب اعتباره مع من ~~أدرك الصحابة فيكون وفاقه وفاقا لهم، ولا ينعقد مع خلافه إجماعهم، وقيل لا ~~يعتبر معهم فإذا خالفهم لم يعتد بخلافه بل قد تم الإجماع دونه، وعلى هذا ~~ابن بركة، والخلاف في ذلك مع من لم يعتبر بإجماع من عدا الصحابة، فإنهم ~~زعموا أنه لا يعتد به، ورد بأن المعتبر بإجماع أهل العصر، ولا شك أنه قد ~~صار من أهل العصر؛ فاعتد به، وأيضا فإن PageV02P081 الصحابة لم ينكروا ~~فتاوى التابعين إذ قد كانوا يفتون في وقتهم كجابر وشريح والحسن وسعيد بن ~~المسيب وغيرهم. # وعن سلمة: "تذاكرت مع ابن عباس وأبي هريرة في عدة الحامل للوفاة، فقال ~~ابن عباس: أبعد الأجلين، وقلت: أنا بالوضع، فقال أبو هريرة: أنا مع ابن ~~أخي"، وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: "اسألوا جابرا بن زيد، فلو ~~سأله أهل المشرق والمغرب لوسعهم علمه"، وعن ابن حيان قال: " سمعت ابن عباس ~~في المسجد الحرام يقول: جابر بن زيد أعلم الناس بالطلاق"، وعن ابن عباس ~~أيضا قال: "جابر بن زيد أعلم الناس"، وعنه أيضا قال: "عجبا لأهل العراق ~~يحتاجون إلينا وعندهم جابر بن زيد، لو قصدوا نحوه لوسعهم علمه"، وأيضا ~~فالتابعي بعض الأمة، فإذا كان مما يعتبر بنظره؛ فكيف لا يعتد بخلافه؟!، فلا ~~يصح أن يقال: أجمعت الأمة، وهو مخالف لقولهم إذ لا إجماع ثمة، والله أعلم، ~~وكذلك أيضا لا يكون الإجماع موقوفا على أهل زمان دون غيره لأن الجميع أمة ~~محمد - صلى الله عليه وسلم - فيكون اتفاق أهل كل عصر إجماعا، فإجماع من ms292 بعد ~~الصحابة كإجماع الصحابة، وقالت الظاهرية وإحدى الروايتين عن أحمد: لا يعتد ~~بإجماع من بعد الصحابة، واحتجوا على ذلك بقوله تعالى: { كنتم خير أمة أخرجت ~~للناس } (آل عمران: 110)، وهم الذين خوطبوا في الآية دون من بعدهم؛ فلزم ~~كونهم المقصودين بأدلة الإجماع، ورد بأن الآية في مدحهم، فإما كون إجماعهم ~~حجة فلا سلمنا، فلا نسلم اختصاص المخاطبين بذلك، بل هو على حد قولك لواحد ~~من قبيلة قد مات الأكثر منهم: أنت أشرف القبائل، فكما لا يختص المدح ~~بالمخاطب هاهنا كذلك { كنتم خير أمة }، سلمنا، فدخل من بعدهم بدليل آخر ~~نحو: { لتكونوا شهداء } (البقرة: 143)، "ولا تجتمع أمتي على ظلالة"، ~~"لاتزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين"، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان محل الإجماع، فقال: # محله قضية ما وجدا ... فيها خلاف في زمان أبدا PageV02P082 اعلم أن محل ~~الإجماع قضية لم يرد فيها نص من كتاب أو سنة، ولم يوجد فيها خلاف لبعض من ~~تقدم في شيء من الأزمنة السابقة. أما النص فلكونه أقدم في الشرعيات. وأما ~~الخلاف في القضية فلأنا لا نجوز صحة الإجماع في مسألة ورد فيعا الخلاف ~~فيها؛ لأن الخلاف الأول يتضمن الإجماع على كون كل واحد من القولين حقا، فلا ~~يصح وقوع إجماع على أحدهما؛ إذ يصير إجماعا على أن ذلك المحق خطأ، وهذا لا ~~يصح، وذهب الكرخي وغيره إلى أن الإجماع بعد الخلاف يصير حجة قاطعة كما لو ~~لم يسبقه خلاف، وقال الشافعي وبعض أصحاب أبي حنيفة إن أجمع المختلفون فحجة؛ ~~إذ لا قول لغيره على خلافه، وإن أجمع غيرهم؛ فلا لما مر. # والقول الأول هو الصحيح لما قدمنا، وبه قال الصيرفي والغزالي والجويني ~~والأشعري وأحمد بن حنبل، وعورض ما قدناه من الحجة بأنه لا نسلم تضمن الخلاف ~~السابق للإجماع، على أن كل القولين حق بل ذلك مسكوت عنه، فإن قدرنا تضمنه ~~لذلك لم يقع إلا مشروطا بأن لا يقع إجماع على خلافه. ورد بأنه لو رفع الشرط ~~الذي ذكرتم كون الإجماع الأول حجة؛ لجوزنا في الإجماع ms293 المتأخر أنه إنما ~~يصير حجة بشرط أن لا يتقدمه خلاف، فلا يكون حجة، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان شروط الإجماع، فقال: # وشرطه مستند فإن علم ... فهو وإلا أحسن الظن بهم # وأنه ليس هناك نص واشترط البعض انقراض العصر ... مخالف لما به ينص # فراجع من أهله لا يعتبر ... وقيل: لا فهو خلاف يجري # بعد انعقاده وقيل: يعتبر # للإجماع شروط: # - الشرط الأول: # أن يكون للمجمعين مستند يستندون إليه من كتاب أو سنة او اجتهاد، سواء كان ~~ذلك الكستند قعيا أم ظنيا، فإن علمنا مستندهم كان ذلك زيادة لنا في ~~الأطمأنينية وتوسعا في العلم، وإن جهلناه مع حصول الإجماع منهم؛ وجب علينا ~~أن نحسن PageV02P083 بهم الظن، وأنهم لم يجمعوا على ذلك إلا وعندهم مستند ~~من قبل الشارع كإجماعهم على تعيين أمصار معينة لإقامة الجمعة فيها في خلافة ~~عمر - رضي الله عنه -، فإنه عين لها أمصارا ثمانية أو سبعة على اختلاف ~~الروايات، ولم ينقل من واحد منهم إنكار لذلك، وكاجتماعهم على حد شارب ~~الخمر، فإنه كان يحد أربعين جلدة، ثم اجتمعوا في خلافة عمر على أن أنه يحد ~~ثمانين جلدة، فنحن نقطع بأنه لم يكن فعلهم في هذه الأشياء ونحوها عن هوى بل ~~نقول إنه كان عن محض اجتهاد لدين الله تعالى، ونصح للأمة، وأنهم مستندون في ~~ذلك إلى دليل عندهم من قبل الشارع، ولا يجوز إجماعهم على المجازفة والهوى ~~خلافا لمن قال بذلك من أهل الأهواء، واحتج على ذلك بأنهم لو افتقروا على ~~الدليل ما كان للإجماع فائدة، وأجيب بأن فائدته سقوط البحث، وحرمة ~~المخالفة، سلمنا لزم أن يجب كونه عن غير حجة، ولا قائل بذلك، ثم إن كون ~~المستند دليلا قاطعا مما اتفق عليه القائلون بصحة الإجماع، وثبوت حجيته، ~~وأما المستند الظني من خبر آحادي أو أمارة فقد اختلف في صحة جعله مستندا ~~للإجماع، وكذلك أيضا اختلفوا في كون القياس والاجتهاد مستندا للإجماع، ~~والصحيح أنه يجوز أن يجمعوا عن قياس واجتهاد، وقال أكثر الظاهرية: لا يجوز ~~ذلك مطلقا سواء كان ms294 الاجتهاد أو لقياس جليا م خفيا، وقال بعض الشافعية: لا ~~يجوز في القياس الخفي فقط دون الجلي، ورد بأنه قد ثبت أن الاجتهاد حجة ~~شرعية كالخبر، ولم يفصل الدليل على أنه حجة بين المجتهد الواحد وبين الأمة ~~في صحة لاحتجاج به؛ فلا وجه لإنكار ذلك في الأمة، وقد أجمعت الصحابة عن ~~اجتهاد في قتال أهل الردة، وفي إمامة أبي # بكر، وفي الزيادة في حد شارب الخمر، ونحو ذلك، واعلم أن الخلاف في هذه ~~المسألة واقع في ثلاثة أطراف: # -الأول: أنه لا يصح انعقاد الإجماع عن اجتهاد بل يستحيل. # - الثاني: أنه غير مستحيل لكنه لم يقطع قط. # - الثالث: أنه جائز واقع لكن PageV02P084 ما وقع كذلك ليس بحجة. # وقد قال بكل طرف من هذه الثلاثة قائل، ولكل منهم حجة لا نطيل بذكرها ~~مخافة التطويل لكن لا بأس أن نذكر حجة المخالف الثالث لأنها أقوى في ~~الشبهة، ثم نجيب عنها: # احتج ذلك المخالف بأن الإجماع أينما وقع فهو حجة قطعية، والاجتهاد ليس ~~بقطعي؛ فإذا تفرع عنه الإجماع لم يكن حجة لأنه إنما يكون حجة حيث هو قطعي، ~~والصادر عن الاجتهاد ليس بقطعي، قلا يكون حجة. وأجيب بأن هذه قاعدة غير ~~مستمرة، فإن الفرع قد يكون أقوى من الأصل بدلالة خاصة، ألا ترى أنه لو حكم ~~الحاكم عن اجتهاد حرمت مخالفته، ولو ترتب حكمه على نفس الاجتهاد، وكذلك ~~الإجماع إذا صدر عن ظاهر آي أو خبر حرمت مخالفته، وإن جازت مخالفة ذلك ~~الظاهر لمعارض. # - الشرط الثاني: # يشترط في صحة القياس ألا يكون هناك نص من كتاب أو سنة أو إجماع يخالف ما ~~أجمعوا عليه، فإن الإجماع على خلاف نص الكتاب أو السنة ظلال، ولا تجتمع ~~الأمة على ظلال. # وأما الإجماع على خلاف إجماع قد تقدم فلأن الإجماع المتقدم حق بنص الأدلة ~~الشرعية، فيلزم أن يكون الإجماع الثاني ضلالا، وخالف أبو عبد الله البصري ~~من المعتزلة، فزعم أنه يصح الإجماع على خلاف إجماع تقدمه، قال: "لأن ~~الإجماع الأول مشروط بأن لا يطرأ إجماع يخالفه"، قال ms295: "إلا أن يجمعوا على ~~منع الإجماع بعد إجماعهم؛ فهذا لا يصح خلافه"، ورد بأن الدليل لم يفصل بين ~~ما أجمعوا على أنه لا يصح لمن بعدهم أن يجمعوا على خلافه وبين ما مل يجمعوا ~~فيه على ذلك، وأيضا فتقدير الشرط في صحة انعقاد الإجماع الأول مخالف لظاهر ~~الأدلة؛ لأن ظاهر الأدلة إنما يكون نفس اتفاقهم إجماعا، فلا وجه للتقدير ~~المذكور، وأيضا فتقدير ذلك الشرط لا دليل عليه، فظهر أن الإجماع الأول حجة، ~~وأنه لا يصح أن يجمعوا على خلافه، وأيضا فالمعتبر إجماع أهل كل عصر من ~~الأمة دون من سيأتي من بعدهم PageV02P085 فإن خلاف من جاء بعد انقراض العصر ~~الذي وقع فيه الإجماع لا يعتبر اتفاقا، وقيل: بل يعتبر خلافه؛ لأن المشروط ~~إنما هو اتفاق الأمة بحيث لايقع خلاف أحد في ذلك الحكم إلى انقضاء التكليف ~~بظهور أشراط الساعة التي يرتفع بها التكليف، فإن ظهر قبل ذلك خلاف كشف عن ~~كون الإجماع لم ينعقد، وتجوز مخالفة ما أجمع عليه أهل العصر الأول، والآخر ~~مهما لم يرتفع التكليف، ورد بأنه قد ثبت أن الإجماع حجة على الأحكام ~~التكليفية يلزمنا العمل بما اقتضاه، وفي اشتراط ذلك إبطاله لأنه لا يمكن ~~الأخذ به في حالة من الحالات حينئذ. # قال صاحب المنهاج: "وهذا القول حكاه أصحابنا في كتبهم، وظاهره الضعف ~~الكلي لما ذكرنا"، قال: "وحجته قوية جدا، والأدلة إنما تقتضي تحريم مخالفة ~~كل الأمة لا بعضها، ولا شك أن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - هي من صدقه ~~من مبعثه إلى انقضاء التكليف، وما دون ذلك فهو بعض الأمة؛ فلا تحرم ~~مخالفته، وهذا واضح"، قال: "ولا جواب إلا أن يستدل على تحريم مخالفة أهل كل ~~عصر بقوله - صلى الله عليه وسلم - : "عليكم بالسواد الأعظم"، "من فارق ~~الجماعة قيد شبر..."، ونحوه لكنه غير قاطع" قال. # وأما ابن الحاجب فادعى الإتفاق على أنه لا يعتبر من سيوجد من الأمة وهو ~~قريب على رأي من جعل الإجماع حجة شرعية. # - الشرط الثالث: # انقراض العصر، أعني عصر المجتمعين، قال ms296 به أبو علي وأحمد بن حنبل وابن ~~فورك وبعض أصحابنا، وقال الجمهور لا يشترط، ومعنى ذلك أن لا يظهر خلاف ممذن ~~قد كان يمكنه النظر في الحادثة المجمع على حكمها، وفي الحياة أحد من أهل ~~ذلك الإجماع، وقيل: يشترط في الإجماع السكوتي فقط. # وقال الجويني: يشترط في الذي يصدر عن قياس فقط، فمن رجع عن موافقة ~~الجماعة هل يعتبر رجوعه، ويكون قادحا في انعقاد الإجماع أم لا؟ فمن لم ~~يعتبر انقراض العصر في انعقاد الإجماع لم يعتبر رجوع من رجع بعد انعقاده، ~~ومعه أن الإجماع قد انعقد، ومن اشترط PageV02P086 انقراض العصر اعتبر رجوعه ~~بعد ذلك؛ لأن الإجماع معه لم ينعقد إلا بانقراض العصر، والصحيح أن انقراض ~~العصر ليس بشرط في انعقاد الإجماع؛ لأن الدليل لم يعتبره، وإنما اعتبر ~~اتفاق أهل العصر على قول واحد في الحكم. # احتج المشترطون لانقراض العصر بأن أبا بكر سوى بين الصحابة في العطاء، ~~وخالفه عمر في التفضيل بعد إجماعهم على رأي أبي بكر، فاقتضى كون انقراض ~~العصر شرطا، وكذلك اتفق رأي علي وعمر وغيرهما من الصحابة على تحريم بيع أم ~~الولد، ثم إن عليا خالفهم بعد ذلك، ورأى جواز بيعها فاقتضى أن انقراض العصر ~~شرط وإلا لم تجز مخالفته، يوضحه أن عمر لو رضي فعل أبي بكر في التسوية، وأن ~~رأيه في ذلك موافق لرأي أبي بكر لم يخالفه من بعد، فدل ذلك على أن فيهم من ~~سكت عن غير رضا وموافقة، وإنما كان سكوته لكون رأي الخليفة هو المقدم، ~~وكذلك لم يصح عنهم جميعا الجزم بتحريم بيع أم الولد قبل أن يخالفهم علي؛ إذ ~~لو أجمعوا ولم يبق أحد إلا رضي بذلك القول لم تجز المخالفة. # الشرط الرابع: قاله بعض الأصوليين، وهو أنه يشترط في المجمعين أن يكونوا ~~كعدد أهل التواتر حيث لا يمكن تواطؤ مثلهم على الكذب، والجمهور لا يشترطون ~~ذلك؛ لأن الدليل السمعي لم يفصل بين عدد وعدد بل اعتبر الأمة وإن قلت، فلو ~~لم يبق من الأمة إلا واحدا فقيل: يكون ms297 قوله حجة إذ هو الأمة حينئذ، وقيل: ~~لا يكون قوله حجة؛ إذ لا يسمى قوله إجماعا، والحجة إنما هي الإجماع، ورد ~~بأن الحجة قول الأمة، ولا عبرة بالتسمية، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان طريق نقل الإجماع وحكمه، فقال: # وإن أتى في نقله التواتر ... فذاك مقطوع به والآخر PageV02P087 ليس ~~بمقطوع به لأنما ... غايته ظن الوقوع فاعلما # اعلم أن السبيل إلى معرفة الإجماع أحد أمرين: إما المشاهدة، وإما النقل. # فأما المشاهدة: فهي أن يكون المشاهد معاصرا لأهل الإجماع، فيرى منهم ~~اتفاق القول بالقطع في قضية على حكم، أو يرى القطع من بعضهم، والسكوت من ~~الآخرين مع انتشار ذلك فيهم، وارتفاع التقية عنهم، وتحقق أن سكوتهم إنما ~~كان عن رضا بذلك القول، فإن هاتين الحالتين إجماع، ولكل منهما حكم تقدم ذكره. # وأما النقل: فهو نوعان: # - أحدهما: أن ينقل الإجماع إلينا التواتر، فهذا الإجماع مقطوع به ~~كالمشاهد إن كان في نفس أصل الأمر قطعيا، وفسقوا من خالفه لجعلهم الإجماع ~~دليلا قاطعا كالكتاب والسنة، ودليلهم على فسق المخالف للإجماع قوله تعالى: ~~{ نوله ما تولى ونصله جهنم } (النساء: 115)، بعد قوله: { ويتبع غير سبيل ~~المؤمنين } (النساء: 115)، وهذا إنما ينبني على جعل الآية دليلا قاطعا في ~~حجية الإجماع كما مر، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "من خالف الجماعة قيد ~~شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه". # - النوع الثاني: أن ينقل الإجماع إلينا خبر الآحاد، وحكم هذا النوع انه ~~يكون حجة في وجوب العمل دون العلم؛ لأنه ليس بمقطوع به، وإن كان في نفس ~~الأمر إجماعا كاملا؛ لأن نقل الآحاد له يصيره مظنون الوقوع كخبر الآحاد، ~~وخالف في ذلك الغزالي وأبو رشيد فزعما أن الإجماع المنقول بخبر الآحاد لا ~~يصح أن يكون حجة. # قال صاحب المنهاج: "ولا وجه للفرق مع كونهما جميعا حجة احتج المخالف ~~بوجهين: # - أحدهما: أن الإجماع حجة قطعية فلا يجوز أن يقبل فيه خبر الواحد. # - الوجه الثاني: قالوا إن في إثبات الإجماع بخبر الواحد إثباتا للأصل ~~بالظن، والأصول لا تثبت بالظن". # وأجيب عن الوجه ms298 الأول: بأن الإجماع إنما يكون حجة لكونه إخبار معصوم عن ~~الخطأ، فإن تواتر فقطعي وإلا فظني كأخبار الرسول - صلى الله عليه وسلم - . # وأجيب عن الوجه الثاني: بأن إثبات كون الإجماع حجة PageV02P088 بدليل ~~قاطع؛ فجاز ثبوته من بعد تقرير كونه حجة بالآحاد في الأخبار والقياس، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان حكم إحداث قول ثالث بعدما استقر الخلاف من الأمة على ~~قولين، فقال: # والخلف في إحداث قول بعدما ... جاؤوا بقولين فقوم حرما # وقيل لا يحرم وهو الأعدل ... إذ بالخلاف صح فيه المدخل # وقيل إن كان لما تقدما ... ليس برافع يجوز فاعلما # اختلفت الأمة في جواز إحداث قول ثالث بعد ما استقر الخلاف من الأمة على ~~قولين، فقيل: لا يجوز ذلك مطلقا، وقالت الظاهرية: بل يجوز مطلقا، وقيل: ~~يجوز فيما إذا لم يرفع القول الثالث القولين المتقدمين بأن يأخذ من كل واحد ~~منهما طرفا، بخلاف ما إذا رفعهما فإنه لا يجوز؛ لأن رفعهما خرق للإجماع، ~~فهو حرام، ونسب هذا القول إلى الجمهور. # ومثال ما إذا لم يرتفع به القولان السابقان: أن يقول بعض الأمة: إن ~~الطهارات كلها تفتقر إلى النية، ويقول باقي الأمة: بل كلها لا تفتقر إلى ~~نية، فيأتي من بعد من يقول بعضها يفتقر، وبعضها لا يفتقر، وكفسخ النكاح ~~بالعيوب الخمسة، قيل: يفسخ بها، وقيل: لا، فالقول بأن بعضها يفسخ دون بعض ~~قول ثالث لا يرفع القولين السابقين بل أخذ من كل واحد طرفا. # ومثال: ما رفعهما كوطء الأمة المشتراة البكر، قيل: يمنع الرد، وقيل: بل ~~ترد والأرش للوطء، فالرد مجانا قول ثالث يرفع القولين السابقين، وكالجد مع ~~الأخ، قيل: له المال كله، وقيل: يقاسم، فالقول بالحرمان قول ثالث يرفع ~~القولين المتقدمين. # احتج المانعون مطلقا بأن الثالث فصل، ولم يفصل أحد، فقد خالف الإجماع، ~~وأيضا فيلزم عليه تخطئة الأمة. # وأجيب بأنم القول بالتفصيل ليس قولا بنفي الخلاف المتقدم بل تقرير له، ~~ولا يلزم من ذلك تخطئة الأمة على مذهب من يرى تصويب المجتهدين في الفروع، ~~قالوا: المختلفون هم المؤمنون ms299. # الثالث: : { ويتبع غير سبيل المؤمنين } (النساء: 115)، قلنا المراد بسبيل ~~PageV02P089 المؤمنين في الآية ما أجمعوا عليه لا ما اختلفوا فيه، احتجت ~~الظاهرية بأنه قد وقع من التابعين إحداث القول الثالث، ولم ينكر عليهم أحد ~~من الأمة؛ فدل على جواز ذلك، بيان ذلك أن ابن سيرين قال في زوجة وأبوين، ~~للأم ثلث جميع المال، وقال في زوج وأبوين أن للأم ثلث ما بقي، ففصل بين ~~المسألتين، والصحابة لم تفصل بينهما بل قال بعضهم: لها ثلث ما يبقى في ~~الصورتين جميعا، وقال بعضهم: لها ثلث جميع المال فيهما جميعا، فقول ابن ~~سيرين قول ثالث، وكذلك قال سفيان الثوري: "من أكل ناسيا لم يفطر، ومن جامع ~~ناسيا أفطر"، والصحابة لم تفرق، بل قال بعضهم: يفطر فيهما، وبعضهم: لا يفطر ~~فيهما، واحتج القائلون بالتفصيل بما مر ذكره من أن القول الثالث إذا كان ~~رافعا للقولين السابقين كان مخالفا لإجماعهم، بخلاف ما إذا كان من كل واحد ~~طرفا، بيان ذلك ان اختلاف الأمة على قولين إجماع منهم على أنه ليس هناك قول ~~ثالث، والقائل بما يخالف القولين رأسا مخالف لهذا الإجماع. # قلنا: وكذلك أيضا يلزم على القول بالتفصيل فإنهم إنما أجمعوا في زعمكم ~~على القولين المذكورين، فالقول بغيرهما مخالف لذلك الإجماع الذي زعمتموه، ~~فلا وجه للتفصيل، والصحيح عندي من هذه الأقوال الثلاثة: القول بجواز إحداث ~~قول ثالث مطلقا، سواء رفع القولين السابقين، أو لم يرفعهما لأن المحرم ~~عندنا إنما هو خلاف الإجماع دون ماعداه من الخلاف، واختلاف الأمة على قولين ~~دليل على جواز الرأي في تلك القضية؛ فصح لغيرهم مثل ما صح لهم من الرأي ~~والاجتهاد، بل يلزم المجتهد أن يخالفهم إذا رأى أن الراجح خلافهم، ولا يصح ~~له تقليدهم عندي كما لا يصح له تقليد مجتهد مثله بع تمكنه من الاجتهاد، ~~وقدرته عليه، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في الكلام على مباحث القياس، وهو النوع الرابع من الأدلة ~~الشرعية، فقال: PageV02P090 # ** الركن الرابع في مباحث القياس ** # اعلم أن القياس في اللغة: هو التقدير، يقال: قاس الثوب ms300 هل يكمل قميصا ~~قياسا إذا قدره تقديرا، والمساواة يقال: هذا الشيء لهذا الشيء قياس، أي ~~مساويه، وفي الاصطلاح: ما أشار إليه بقوله: # أما القياس فهو حمل ما جهل ... حكما على معلوم حكم قد عقل # بجامع بينهما فالأول ... أصل وأما الثاني فرع فيحمل # والجامع الوصف الذي به وجد ... في الأصل حكمه فإن زال فقد # فهذه ثلاثة أركان ... والرابع الحكم له بيان # للأصوليين في تعريف القياس الاصطلاحي حدود وتعاريف أجودها ما ذكره ~~المصنف، وهو أن القياس حمل مجهول الحكم على معلوم الحكم بجامع بينهما ~~كالخمر فإن حكمه معلوم نبص الكتاب على تحريمه، ويسمى في اصطلاحهم أصلا، ~~ومجهول الحكم كالتتن ونحوه، فإنه لم ينص على حكمه كتاب ولا سنة ولا إجماع، ~~ويسمى فرعا، فقول المصنف: "فالأول أصل، وأما الثاني فرع" معناه أن الأول من ~~أركان القياس يسمى أصلا، والثاني من أركان القياس يسمى فرعا، وليس مراده ~~بالأول والثاني المقدم في اللفظ، والمؤخر عنه إذ المعلوم أن المتقدم في ~~لفظه إنما هو مجهول الحكم الذي هو الفرع لا معلومه الذي هو الأصل، والمراد ~~بالجامع الوصف الذي لأجله كان ذلك الحكم في ذلك الأصل كالإسكار في الخمر، ~~فإنه إنما حرمت الخمر لإسكارها، فإذا وجد ذلك الوصف في شيء من الصور وجب ~~حمله على تلك الصورة المعلومة الحكم، ووجب إعطاؤه ذلك الحكم، ولذا سمي ذلك ~~الوصف جامعا لأنه جمع بين الصورتين في حكم واحد؛ فهذه ثلاثة أركان من أركان ~~القياس، وهي الأصل، والمراد به الصورة التي نزل فيها الحكم كالخمر، والفرع، ~~والمراد به الصورة التي لم يرد فيها حكم بعينها كالتتن مثلا، والوصف ~~الجامع، والمراد به ما يكون الحكم في الأصل PageV02P091 لأجله؛ فإن زال ذلك ~~الوصف فقد ذلك الحكم، وبقي ركن رابع، وهو الحكم والمراد به الوجوب أو الندب ~~أو التحريم أو التكريه أو الإباحة مثاله: إذا قسنا النبيذ على الخمر فالحكم ~~فيه التحريم، والأصل الخمر لأنه المشبه به، والفرع النبيذ لأنه المشبه، ~~والوصف الجامع بينهما الإسكار، وهذا الوصف يسمى في اصطلاح الأصوليين: علة، ~~وسيأتي لكل ms301 واحد من هذه الأركان بسط كل شيء في موضعه، ولا بأس أن نسوق ~~هاهنا أمثلة لقياس الفرع على الأصل ليتضح المقام للأفهام فمن ذلك جلد قاذف ~~المحصن من الرجال قياسا على قاذف المحصنة فإن قوله تعالى: { والذين يرمون ~~المحصنات } (النور: 4) الآية نص # في قاذف المحصنات من النساء، فقاس عليه المسلمون قاذف المحصن من الرجال، ~~ومن ذلك قياس سريان عتق الأمة على سريان عتق العبد، فإن السنة وردت فيمن ~~أعتق حصته من عبد له فيه شرك عتق العبد كله، فقاس المسلمون الأمة على العبد ~~في هذا الحكم لاستوائهما في العلة، وهي كون كل واحد منهما مملوكا عتقه قربة. # ومن ذلك قياس مس فرج الرجل في نقض الوضوء على مس فرج المرأة، فإن السنة ~~وردت في امرأة مست فرجها وهي متوضئة، فقال - صلى الله عليه وسلم - : "تعيد ~~طهرها"، فقاس المسلمون عليه في هذا الحكم مس فرج الرجل لا ستوائهما في ~~العلة، وهي كون كل واحد منهما عورة مخصوصة بأحكام ليس في غيرها، وهذا ~~القياس إنما وه عند من لم يصح معه حديث نقض الوضوء بمس الذكر، فهذه الأشياء ~~كلها واضحة القياس لحصول العة في الأصل والفرع حصولا واضحا، فهي من قبيل ~~القياس الجلي، ويسمى أيضا قياس المعنى كما سيأتي. # وللقياس الخفي أمثلة منها ما قالوه في سؤر الفأر، فإنهم اختلفوا في ~~طهارته ونجاسته، فالقائلون بنجاسته قاسوه على السباع؛ لأن سؤر السباع عندهم ~~مفسد، قالوا: وكذلك الفأر، والقائلون بطهارته قاسوه على الوحوش الطاهر ~~سؤرها. ومنها قياس أقل الصداق على أقل نصاب PageV02P092 القطع في السرقة، ~~اعلم أنهم قالوا: لا تقطع يد السارق فيما دون أربعة دراهم، ثم قاسوا على ~~ذلك أقل الصداق، فقالوا: لا يكون الصداق أقل من أربعة دراهم، وذلك على رأي ~~بعض المسلمين لاستواء العلة عندهم في ذلك، وهي أن كل واحد من القطع والبضع ~~تأثير في جسد من وقع عليه؛ فوجب تساويهما في ذلك الحكم. ومنها قياس ميتة من ~~لا دم له من الدواب كالعقرب والذباب والذرة على ميتة الجراد، فإن ms302 السنة ~~وردت في حل ميتة الجراد، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الأصل والفرع، وكيفية حمل الفرع على الأصل، فقال: # مبحث الأصل والفرع وشروطهما # الأصل صورة بها النص ورد ... والفرع صورة على الأصل ترد # واشترطوا تساوي الأمرين ... وصفا وحكمة وغير ذين # فاعتبر الوصف الذي الحكم نزل ... له وأجر الحكم حينما دخل # مع اعتبار القيد والشروط ... أعني لدى التقييد والمشروط # ورفع مانع ولا يشترط ... عدم خلافه لمن يستنبط # أصل القياس هو الصورة التي نزل فيها الحكم، وهي التي عبر عنها الأصوليون ~~بمحل الحكم كالخمر؛ فإنه نزل فيها التحريم بالكتاب، فهي أصل في تحريم كل ~~مسكر إن لم نعتبر السنة في تحريم المسكرات مثلا، وكالبر فإنه ورد فيه حكم ~~الربا بنص السنة، فيقاس عليه الأرز، كل ما شابهه في ذلك بعد أن تستنبط علة ~~الربا فيه، ونحو ذلك، وقيل: إن أصل القياس هو دليل الحكم يعنى به الدليل ~~الذي ورد من جهة الله تعالى كآية من الكتاب أو سنة عن النبي - صلى الله ~~عليه وسلم -، فالأصل على هذا في المثالين السابقين إنما هو الآية التي حرمت ~~الخمر، والحديث الذي حرم الربا من الربويات، وقيل: إن الأصل حكم تلك الصورة ~~المقيس عليها، فعلى هذا فالأصل في المثالين السابقين إنما هو تحريم الشرب ~~في المثال الأول، PageV02P093 وتحريم الربا في المثال الثاني لكن المختار ~~القول الأول، وعليه جمهور الأصوليين، والفرع هو الصورة التي ترده في حكمها ~~إلى الأصل كالنبيذ فرع على الخمر في التحريم لأن الجميع مسكر، وكالأرز فرع ~~على البر في تحريم الربا فيه لكون الجميع مطعوما أو مكيلا أو مدخرا على ~~الخلاف في علة الربا في البر، وقيل إن الفرع هو حكم تلك الصورة المقيسة فهو ~~على هذا تحريم شرب النبيذ في المثال الأول، وكون الأرز ربويا كالبر في ~~المثال الثاني، والمختار القول الأول، وعليه الجمهور. # واعلم أنهم اشترطوا في قياس الفرع على الأصل شروطا لا يصح لقياس بدونها: # - الشرط الأول: مجمع عليه، وهو أن يساوي الفرع الأصل في وجود العلة فيه ms303، ~~بمعنى أن العلة الموجودة في الأصل تكون يجب أن تكون في الفرع، وإلا فسد ~~القياس إجماعا، وذلك كالإسكار فإنه موجود في الخمر وفي النبيذ مثلا؛ فصح ~~قياس النبيذ عليه، وكالطعم فإنه موجود في البر والأرز مثلا؛ فصح قياس الأرز ~~عليه في كونه ربويا. # - الشرط الثاني: أن يساوي الفرع الأصل في الحكمة فلا يقاس التيمم على ~~الوضوء في كون التثليث مسنونا فيه؛ لأن التيمم شرع على وجه التحقيق، وهو ~~المسح يصيب ما أصاب العضو، ويخطئ ما أخطأ منه، فلا يقاس على الوضوء في شرع ~~التثليث؛ لأن الوضوء مغلظ فيه والتيمم مخفف، فلا يثبت التثليث بمجرد القياس ~~بل إن دل عليه نص عمل به وإلا فلا يثبت بالقياس فقط. # - الشرط الثالث: أن يساوي الفرع الأصل في ثبوت الحكم بحيث أن العلة التي ~~أثبتت حكم الأصل توجب مثله في الفرع، فلو اقتضت في الفرع خلاف ذلك الحكم ~~فسد القياس، وذلك كقول بعضهم في صلاة الخسوف في الاستدلال على ركوعاتها ~~لزائدة صلاة شرع فيها الجماعة؛ فيشرع فيها ركوع زائد كالجمعة زيد فيها ~~الخطبة فأثبت بالعلة في الفرع حكما مخالفا لحكم الأصل لأن حكم الأصل زيادة ~~الخطبة، وحكم الفرع زيادة ركوع، وهذا لا يصح PageV02P094 عندنا لأنه لا وجه ~~يقتضيه؛ لأنا لو سلمنا كون اشتراط الجماعة في الجمعة يقتضي زيادة على بعده؛ ~~فهلا اقتضت مثله في صلاة الخسوف، فأما اقتضاؤها خلافه فلا وجه له؛ لأنه ليس ~~بأن يقتضي ركوعا زائدا أولى من أن يقتضي سجودا زائدا، أو ذكرا زائدا، وغير ~~ذلك لأنه أجنبي. # - الشرط الرابع: أن لا يتقدم شرع حكم الفرع على شرع حكم الأصل، وذلك ~~كقياس الوضوء على التيمم في وجوب النية فيه نحو أن يوق الشافعي للحنفي: ~~طهارة تراد للصلاة تجب فيها النية كالتيمم، فيقول الحنفي أن التيمم إنما ~~شرع بعد أن شرع الوضوء؛ فكيف نقيسه عليه، وهو متأخر عنه، وقيل: إن كان قد ~~قام دليل على وجوب النية في الوضوء غير هذا القياس صح الاستظهار بهذا ~~القياس مع ذلك الدليل، وكان قياسا صحيحا ms304، وإلا فلا. # - الشرط الخامس: لأبي هاشم، وخالفه فيه الجمهور، قال أبو هاشم: "يشترط في ~~الفرع أن ينتظمه نص في الجملة ثم يحصل بالقياس بالتفصيل". # مثاله: الأخ مع الجد لو لم يكن منصوصا عليه في الميراث لما صح إثبات ~~القياس فيه مع الجد عند أبي هاشم، ويصح ذلك عند الجمهور، والنص الجملي في ~~مثال أبي هاشم هو قوله تعالى: { وهو يرثهآ إن لم يكن لها ولد } (النساء: ~~176)؛ فدل على أنه يرث لكن لم يبين مع من يرث، هل مع الجد؟ أم مع غيره فقط؟ ~~فاستعمل القياس في تعيين ما يستحقه مع الجد مثلا، وكذلك قوله تعالى: { ولكل ~~جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون } (النساء: 33)؛ فدخل الأخ في ~~الأقربين لولا دخوله في هذه الآية جملة لما صح القياس في تفصيل نصيبه فعنده ~~أن حظ القياس إنما هو تفصيل ما أجملته النصوص، والصحيح ما عليه الجمهور إذ ~~لم يعتبر ذلك دليل التعبد بالقياس كحديث معاذ وغيره مما قرره الرسول - صلى ~~الله عليه وسلم - من دون شرط تقدم نص على الفرع، وأيضا فمعلوم من حال ~~الصحابة - رضي الله عنهم- أنهم استعملوا القياس في الكنايات في الطلاق ~~والحرام، وإن لم ينص عليها على وجه من الوجوه. # قال صاحب المنهاج: "ولأبي PageV02P095 هاشم أن يقول قد تناولها نص جملي، ~~نحو: { الطلاق مرتان } (البقرة: 229)، { والذين يظاهرون } (المجادلة: 3)، { ~~واحفظوا أيمانكم } (البقرة: 89)، ونحو ذلك، فالحرام والكنايات لا بد من ~~دخولها في الجملة في آي هذه الأحكام لكن إن أراد دخول الفرع تحت النص ~~الوارد في الأصل بمنطوقه أو مفهومه فغير مسلم؛ لأن لفظ الحرام لم ينتظمه ~~لفظ الطلاق، ولا الإيلاء ولا الظهار، وإن أراد دخول الفرع ولو من وجه بعيد ~~فلا يبعد أن ذلك حاصل في كل فرع، فإنه لا قياس إلا على منصوص، ولا بد من ~~تعلق الفرع بالنص على وجه، وإن بعد" انتهى كلامه. # وأشار المصنف بقوله: "فاعتبر الوصف..." إلخ إلى كيفية قياس الفرع على ~~الأصل، ووجه ذلك أن يعتبر الوصف الذي نزل لأجله الحكم في الأصل ثم ms305 تجرى ذلك ~~الحكم في جميع الصور التي وجدت فيها ذلك الوصف مع اعتبار القيد، والشرط إن ~~كان الوصف مقيدا أو مشروطا ومع رفع الموانع من إجراء ذلك الوصف في جميع ~~معلولاته. # اعلم أن الوصف الذي لأجله ثبت الحكم الشرعي، وهو المسمى بالعلة إما أن ~~يكون منصوصا عليه أو مستنبطا، وكل واحد منهما إما مطلق أو مقيد، فإن كان ~~الوصف مطلق وجب إجراء الحكم معه حيثما وجد ما لم يكن هنالك مانع، وإن كان ~~مقيدا فيجب اعتبار قيده في جميع الصور، وينبغي أن تعتبر أوصاف ذلك الأصل ~~الذي ورد فيه الحكم بأحد الطرق التي سيأتي ذكرها أيضا، فما وجدته من ذلك ~~الوصف صالحا PageV02P096 للتعليل على لشروط الآتي ذكرها في محله فاجعله علة ~~لذلك الحكم، واجر الحكم في جميع الصور التي وجدت فيها ذلك الوصف إن كان ~~الوصف مقيدا فاعتبره مع قيده، وإن كان غير مقيد فاعتبره كذلك. # مثاله: أن تقول جعل البر ربويا لوصف فيه، ثم تسبر ذلك الوصف ماهو، فتقول: ~~لكونه برا مثلا، أم لكونه مطعوما، أم لكونه مكيلا، أم لكونه مدخرا، أم ~~لكونه مزكى، أم لكونه من ثمار النباتات، فهذه الأوصاف جميعها موجود في البر ~~لكن بعضها لا يصلح للتعليل لكونه قاصرا، أو هو كونه برا، وبعضها لا يصلح ~~لعدم استكماله الشروط التي سيأتي ذكرها، فنختار كونه مطعوما، فنجري حكم ~~الربافي كل مطعوم قياسا عليه، كذلك إذا جعلنا العلة في هذا المثال كونه ~~مطعوما ومدخرا معا؛ فيجب أن نعتبر هذين الوصفين في جميع الصور، فحيث ~~افترقا؛ ارتفعت الربوية، وحيث اتفقا حكمنا بثبوتها، واعتبار الوصفين معا هو ~~الذي يسميه بعضهم: وصفا مركبا، والعلة المركبة، وبعض الأصوليون يجعل ~~التعليل بأحد الوصفين، ويجعل الآخر قيدا له وشرطا، والمراد بقوله: "مع ~~اعتبار القيد والشروط"، أي إذا كانت العلة مقيدة بقيود فإنه يجب مراعاة تلك ~~القيود مع وجود تلك العلة فلا تكون العلة بنفسها موجبة للحكم حتى تكون معها ~~قيودها المشروطة في ترتيب الحكم عليها، مثال ذلك القتل فإنه يشترط في ~~إيجابه القود بأن ms306 يكون على جهة العمد العدواني فالقتل الخطأ لا يوجب القود، ~~وكذلك القتل الغير العدواني، فإذا وجدنا هذا الوصف، وهو القتل مع قيديه، ~~وهما كونه عمدا وعدوانا، وجب هنالك إثبات القود ما لم يحصل مانع. # مثاله: إذا حصل مانع أن يكون القاتل أبا، فإن الأبوة مانعة من القود، فلا ~~يقاد الوالد بولده، وإن قتله عمدا وعدوانا، ولا يشترط عدم مخالفة الفرع ~~لمذهب العالم المستنبط، وإن كان ذلك المستنبط صحابيا على الصحيح، واشترط ~~بعضهم أن لا يخالف مذهب الصحابي، وهو مبني على القول بلزوم اتباع مذهب ~~الصحابي، وقد تقدم بيان ذلك، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان شروط حكم الأصل، فقال: # واشترطوا أيضا لحكم الأصل ... أن لا يعم أصله للفصل # وليس منسوخا ولا عقليا ... وأن يكون حكمه شرعيا # فاللغوي لا يقاس ويرى ... بعضهم قياسه معتبرا # فإنه جار على أساس ... لا خارج عن سنن القياس # اعلم أنهم اشترطوا لحكم الأصل المقيس عليه شروطا، لا يصح PageV02P097 ~~القياس بدونها: # - الشرط الأول: أن لا يكون دليل الحكم متنا، ولا بعمومه للفرع، فلا يصح ~~قياس النبيذ المسكر على الخمر، إذا جعلنا دليل التحريم في الخمر قوله - صلى ~~الله عليه وسلم - : "وكل مسكر حرام"؛ لأن هذا الحديث بعمومه متناول للنبيذ ~~كتناوله للخمر، فالنبيذ حينئذ إنما حرم بالنص لا بالقياس. # - الشرط الثاني: أن يكون ذلك الحكم ثابتا غير منسوخ، فإنه إذا كان منسوخا ~~لا يصح القياس عليه لأن الحكمة في القياس إنما هي إثبات حكم غير ثابت، فإذا ~~قيس على حكم غير ثابت لم تحصل تلك الفائدة. # - الشرط الثالث: أن يكون ذلك الحكم عقليا، فإن القياس في العقليات لا يصح ~~عند الجمهور، وقيل: بل يصح، وزعمت البهاشمة أنه لا طريق إفى إثبات الصانع، ~~وصفاته إلا القياس على الفاعل في الشاهد فمهما لم نعرف في الشاهد فاعلا ~~استدباب العلم بالصانع وصفاته. # قال صاحب المنهاج: "بيان ذلك أنه لا طريق إلى إثبات الصانع إلا حدوث ~~أفعال لا يقدر عليها، ومجرد الحدوث لا يدل على الصانع إلا إذا علمنا بطلان ~~حدوث ms307 لا محدث له، وإنما نعلم ذلك استدلالا، ولا طريق إلى احتياج الحادث إلى ~~محدث إلا احتياج أفعالنا إلينا، وإلا فلا سبيل إلى علم ذلك، فإذا علمنا ~~احتياجها، وأن علة الاحتياج إنما هي الحدوث قسنا على ذلك حدوث العالم، ~~فلهذا التدريج لا طريق إلى إثبات الصانع، وصفاته إلا القياس"، هذا كلامه، ~~وللمانعين عليه إيرادات ليس هذا المقام محل بسطها. # - الشرط الرابع: أن يكون ذلك الحكم حكما شرعيا كالوجوب والندب والتحريم ~~والكراهية والإباحة، فخرج بذلك الحكم اللغوي كالتسمية فإن للغوي لا يقاس ~~لأن اللغة لا تثبت بالقياس، وذلك نحو أن نقول في اللائط وطئ، وجب فيه الحد، ~~فيسمى فاعله زانيا كواطئ المرأة، فهذا لا يصح لأن إجراء الأسماء إنما يثبت ~~بوضع أهل اللغة، فلا يثبت مثل ذلك بالقياس، هذا قول جماعة منهم الباقلاني ~~وإمام الحرمين PageV02P098 والغزالي والآمدي، وذهب ابن سريج وابن أبي هريرة ~~وأبو إسحاق والشيرازي والرازي وأبومحمد بن بركة إلى أن اللغة تثبت بالقياس ~~من اللغات الحقيقة دون المجاز؛ لن المجاز أخفض رتبة من الحقيقة، والصحيح ~~الأول؛ لأن اللغة نقل محض، فلا يدخلها القياس، والله أعلم. # - الشرط الخامس: أن يكون ذلك الحكم غير خارج عن سنن القياس، أي عن ~~الطريقة المعهودة في القياس الشرعي كون ذلك الحكم معللا بعلة منصوصة أو ~~مستنبطة، وكنه موجودا في صور كثيرة لوجود علته فيها لا مقصورا على صورة ~~واحدة، وأن يكون ذلك الحكم غير مقصور على محل واحد مع وجود علته في غير ذلك ~~المحل، فالخارج عن سنن القياس ثلاثة أنواع، أشار إليها بقوله: # فخارج عنه أمور تذكر ... منها الذي تعليله لا يظهر # كركعات الصلوات الخمس ... في عدها ووصفها والجنس # ومنها ما يظهر والنظير ... منعدم مثاله التقصير # أي للصلاة لمشقة السفر ... والحكمة التخفيف عمن ائتمر # فهذه الحكمة والوصف معا ... قد عرفا ولا نظير يدعا # فإنه وإن وجدنا في الحضر ... مشقة لم تعط حكم ما غبر # لعدم انضباطها فانتقلوا ... منها إلى محلها فعللوا # ومنها ما يظهر وصفه وقد ... يخص حكمه بما فيه ورد # أي مع وجود ms308 شبهه وجعلا ... بيع العرايا للمقام مثلا # اعلم أن الأمور الخارجة عن سنن القياس المنحصرة في ثلاثة أنواع: # - النوع الأول: ما لا تدركه علة من الأحكام كأعداد الركعات في الصلوات، ~~ولم جعلت الظهر أربعا، والمغرب ثلاثا، والفجر ركعتين، وهكذا، ولم جعل ~~الركوع مفردا، والسجود مثنى، ونحو ذلك وكالقسامة والشفعة PageV02P099 ~~فإنهما مخالفان لما تقتضيه القياسات الشرعية، ألا ترى أن القسامة تجب على ~~من لم يدع عليه، ولي الدم القتل، ولا تسقط بها عنهم الدية، ووجبت على عدد ~~مخصوص، وجعل الخيار إفى ولي الدم فيمن يحلف، وكل ذلك مخالف للأصول. وكذلك ~~الشفعة مخالفة للقياس في وجوبها للشريك والمجاور، ولا سبب له من إرث، ولا ~~غيره كوجوب الدية على العاقلة في جناية الخطأ. # - النوع الثاني: أن يكون ذلك الحكم موجودا في صورة وله علة مفهومة، وحكمة ~~معلومة لكن لا نظير له في الشرعيات كقصر المسافر للصلاة في السفر دون ~~الحضر، فإن القصر حكم شرع لأجل مشقة السفر، والحكمة في ذلك التخفيف عن ~~المسافر، فهذه العلة، وهذه الحكمة قد عرفا في هذا الحكم لكن عدم نظيره، ~~ولما كان السفر مظنة لوجود المشقة خص حكم القصر به، وجعلوه علة للحكم، ~~وألغوا المشقة في غيره، فلذا لم يصح لمزاول الانتقال في الحضر إلى القصر، ~~وهذا معنى قوله: "فانتقلوا منها إلى محلها فعللوا"، أي انتقلوا عن التعليل ~~بالمشقة إلى محلها، وهو السفر، فعللوا به قصر الصلاة، فهو علة لذلك الحكم، ~~ولو لم توجد المشقة فيه. # - النوع الثالث: أن يكون ذلك الحكم مقصورا على بعض أفراد ذلك النوع مع ~~وجود النظير لكن قصر لدليل شرعي أوجب قصره عليه، وذلك كبيع العرايا، اعلم ~~أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص لصاحب العرايا أن يبيعها بخرصها ~~تمرا، قال الربيع: "العرايا نخل، يعطي الرجل ثمرتها للآخر، ثم يقول له بعد ~~ذلك لا طريق لك، ومثل ذلك اختصاص خزيمة من بين الناس بقبول شهادته وحده ~~بقوله عليه الصلاة والسلام: "من شهد له خزيمة فحسبه"، ومن ذلك قوله لأبي ~~بردة وقد ضحى بالجزع ms309 من المعز: "تجزيك، ولا تجزي أحدا بعدك". # فهذه الأنواع الثلاثة كلها خارج عن سنن القياس، فلا يصح أن يقاس عليهما ~~لما ذكرنا فجملة ما ذكر المصنف من شروط حكم الأصل خمسة، وبقيت شروط أخر قد ~~آن لنا أن نذكرها هاهنا، فنقول: # - الشرط السادس: أن PageV02P100 لا يثبت بالقياس عليه نص مصادم لنص قاطع، ~~فإن ذلك القياس لا يصح بالإتفاق، وأما إذا صادم نصا ظنيا ففيه خلاف قد تقدم ~~في ركن السنة، هل يرجح الأخذ به، أم بالنص المخالف للقياس. # - الشرط السابع: أن لا يكون حكم الأصل مأخوذا من أصل ثابت بقياس، فإن كان ~~ثابتا بقياس لم يصح القياس عليه عند الجمهور، وقال أبو عبد الله البصري ~~والحنابلة: بل يصح، وهو مذهب أصحابنا، واعترض بأنه إن كانت العلة فيهما ~~واحدة، فذكر الوسط ضائع، كقول بعض الشافعية في السفرجل مطعوم فيكون ربويا ~~كالتفاح، ثم يقيس التفاح على البر، وإن لم تكن العلة واحدة فسد القياس لأن ~~علة الفرع غير معتبرة في الأصل حينئذ، وعلة الأصل لم توجد في الفرع، وذلك ~~كقولك في الجذام عيب يفسخ به البيع؛ فيفسخ به النكاح كالقرن والرتق، ثم ~~نقيس القرن على الجب% بفوات الاستمتاع، فإن علة الفرع - وهو الجذام - وهي ~~كون عيبا لم تعتبر في الأصل، وهو القرن، وإنما اعتبر فيه فوات الاستمتاع ~~لقياسه على الجب، وعلة الأصل - وهو الاستمتاع مع القرن- غير موجودة في ~~الفرع فإن كان فرعا يخالف المستدل في أصله كقول الحنفي في الصوم بنية النفل ~~أتى بما أمر به فيصح كفريضة الحج؛ ففاسد لأنه متضمن اعترافه بالخطأ في ~~الأصل، ولأنه إذا قيس على مقيس فإما أن ينتهي إلى أصل منصوص عليه، أو لا، ~~انتهى إلى النص فالقياس للمتوسط إنما هو على ذلك النص إذا اتحدت العلة، وإن ~~لم تتحد لم يصح، وإن لم تنته الأصول إلى أصل منصوص عليه بل إلى مقيس، ~~والمقيس إلى مقيس، ثم كذلك تسلسل ذلك القياس إلى ما لا نهاية له من ~~المقيسات، وذلك يؤدي إلى بطلان الدلالة لإذ لا ms310 ينتهي إلى ما يقطع به في ~~الحكم لوقوفه على معرفة ما لا نهاية له من الأصول. # - الشرط الثامن: لابن بركة العماني وبشر المريسي، قالا: يشترط في الأصل ~~المقيس عليه أن يتفق عليه الخصمان، أي على حكمه، وذلك نحو أن نقول: الوضوء ~~عبادة؛ فتجب فيه النية كالصلاة فالخصمان PageV02P101 متفقان على أن الصلاة ~~عبادة، فلو لم يكن المنزع في وجوب نية الوضوء موافقا في أن الصلاة عبادة، ~~وأنها تجب فيها النية لكونها عبادة لم يصح القياس عندهما، احتج بشر على ذلك ~~بأن الأصل إن لم يكن مجمعا على تعليله، ولا ورد النص بتعليله، لم يأمن ~~القائس الخطأ فيه؛ إذ لا يعلم صحة ما علل به، قال: ولأنه لا يصح القياس على ~~الصلوات الخمس في إيجاب السادسة، ولا على شهر رمضان في إيجاب صوم شهر آخر، ~~ولا وجه يمنع القياس إلا لكونه لم يرد نص بتعليله، ولا أجمعوا عليه، وأجيب ~~بأنه إذا قامت الدلالة على أنا متعبدون بالقياس المثمر للظن صار ذلك ~~المظنون كالمعلوم؛ لأنا نعلم يقينا أنه حكم الله فينا حينئذ، فنأمن الخطأ ~~بعد حصول الظن، وإن لم يحصل نص ولا إجماع، كما يحصل من المعلوم، وأما ~~الصلوات الخمس ورمضان، فإنما يصح القياس عليها في إيجاب غيرهما لفقد الطريق ~~إلى حصول علة وجوبها في غيرها، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان العلة، فقال: # مبحث العلة # اختلف الأصوليون في تعريف العلة الشرعية على أقوال أجودها: # أن العلة هي المعرف (بكسر الراء)، بمعنى العلامة الدالة على وجود الحكم، ~~فكأنها هي التي أعلمت بوجود الحكم في صورة الأصل، واعترض عليه بأن هذا ~~التعريف يتناول العلامة أيضا، فإنها يصدق عليها أنها معرفة فلزم أن لا يبقى ~~فرق بين العلة والعلامة مع أن الفرق بينهما ثابت بالإتفاق؛ لأن الأحكام ~~الشرعية بالنسبة إلينا مضافة إلى العلل كالملك إلى الشراء، والقصاص إلى ~~القتل، لا إلى العلامات كالرجم، فإنه لا يضاف إلى الإحصان؛ لأنه علامة بل ~~يضاف إلى الزنا، وجوابه أنا لا نمنع من تسمية العلامة علة، بل نسلم ms311 ذلك، ~~فتعريف العلة متناول لها أيضا، لكنا تنوع العلة إلى مؤثر كالقتل للقود، ~~وإلى غير مؤثر كالإحصان للرجم، فإن المؤثر في الرجم إنما هو الزنا، ~~والإحصان علامة لوجوبه، فغير المؤثر منهما نخصه باسم العلامة، فسقط ~~PageV02P102 الاعتراض. # واعلم أنهم فرقوا بين العلة الشرعية والعلة العقلية بخمسة وجوه: # - الوجه الأول: أن العلة العقلية موجبة للحكم الذي علل بها، فإن الحركة ~~موجبة كون المحل متحركا، والعلة الشرعية غير موجبة لمعلولها، وإنما هي ~~أمارة تدل عليه، لإإن الزنا أمارة لوجوب إقامة الحد، ولا يقع الحد بمجرد ~~وجوده، كما ثبت كونه متحركا بمجرد وجود الحركة. # - الوجه الثاني: أن العلة العقلية لا يصح أن تعلم إلا بعد أن قد علم ~~الحكم الموجب عنها؛ لأنه هو الطريق إلى إثباتها، والدليل عليها ألا ترى أنا ~~لم نعلم الحركة إلا بعد علمنا بحصول الجسم متحركا، والعلة الشرعية قد تعلم ~~قبله، فإنا لا نعلم وجوب الحد على الزاني إلا بعد أن علمنا وقوع الزنا منه، ~~ونظائر ذلك كثيرة. # - الوجه الثالث: أن العلة العقلية لا تفارق المعلول، أي يكون وقت وجودها، ~~وثبوت معلولها واحدا لا يصح اختلاف الوقت إذ توجيه لما هي عليه في ذاتها، ~~بمعنى أنه تعالى جعل ذات العلة العقلية موجبة لمعلولها، فلو تراخى عنها ~~خرجت عما هي عليه في ذاتها. # - الوجه الرابع: أن العلة العقلية لا تقف في إيجابها المعلول على شرط سوى ~~وجودها، ووجودها ليس بشرط لإيجابها، وإنما هو شرط لحصولها على صفتها ~~المقتضاة التي لأجلها يوجب موجبها، فلو وقفت على شرط غير ذلك لم يكن ~~إيجابها له ذاتها، وفي ذلك قلب جنسها. # - الوجه الخامس: أن العلة القاصرة، وهي التي لا تتعدى إلى فرع، وتصح في ~~العقليات كتعليل كونه تعالى عالما لذاته، فيقال: هو عالم لذاته، فلا يصح في ~~غيره، وفي صحة العلة القاصرة في العلل الشرعية الخلاف الذي سيأتي إن شاء ~~الله تعالى، قال: # وقيل إن الأصل في الأحكام ... تعليلها بحسب المقام # وقال قوم عدم التعليل ... أصل فيحتاج إلى دليل # اختلف في الأحكام المنصوص عليها، فقال ms312 قوم: أنها في الأصل معللة، فما وجد ~~على علته نص، فذاك، وما لم يوجد فيلتمس له التعليل بحسب PageV02P103 ما ~~يقتضيه المقام، ثم اختلف هؤلاء فمنهم من أوجب تعليل الحكم بجميع أوصاف ~~الأصل الموجودة فيه ما لم يمتنع من التعليل بشيء منها مانع كمخالفة نص أو ~~إجماع أو نحو ذلك، ومنهم من ذهب إلى أنه إنما يعلل بالوصف المتميز الصالح ~~للتعليل دون ما عداه من الأوصاف، وهو الصحيح لأن تعليل الحكم بجميع أوصاف ~~الأصل يسد باب القياس، ويؤدي إلى تناقض في الأحكام، فمن وجد في الأصل أوصاف ~~كلها تصلح للتعليل بها اختير أرجحها، وقال قوم: إن الأصل في الأحكام عدم ~~تعليلها، فلا يعلل منها إلا ما ورد نص في تعليله، واحتجوا على ذلك بوجهين: # - أحد هما: أن التعليل بجميع الأوصاف يسد باب القياس؛ لأن جميع أوصاف ~~الأصل لا توجد إلا في المنصوص عليه، والتعليل بكل وصف يؤدي إلى التناقض، ~~والتعليل بواحد منها دون الآخر محتاج إلى دليل. # - والوجه الثاني: أن الحكم قبل التعليل مضاف إلى النص، وبعد التعليل ~~ينتقل إلى علته، فهو كالمجاز مع الحقيقة، فلا يصار إليه إلا بدليل. # وأجيب عن الوجه الأول بأن دليل رجحان بعض الوصاف للتعليل يعين ذلك الوصف ~~للتعليل، فلا احتمال لغيره من الأوصاف في ذلك، ولا نقول بثبوت التعليل ~~بالجميع، ولا بكل فرد، فلا ينسد باب القياس، ولا يؤدي إلى تناقض. # وأجيب عن الوجه الثاني بأن التعليل لحكم الفرع الذي لا يضاف إلى النص من ~~حيث الإظهار، لا لحكم الأصل الذي هو المضاف إلى النص. # واعلم أن القائلين بأن الأصل في الأحكام المنصوصة تعليلها اختلفوا في ~~جواز القياس على كل حكم من الأحكام الشرعية، أي ما لم يمنع من القياس عليه ~~مانع من نص أو إجماع، فمنهم من ذهب إلى أن جميع الأحكام الشرعية يصح القياس ~~عليها، ومنهم من ذهب إلى منع ذلك، وهو الصحيح؛ لأن في الأحكام الشرعية ما ~~لا يعقل معناه، أي علته كالدية، فإنا لا نعلم وجه فرضها على القدر المعلوم ~~من ms313 كل جنس، والصفة المحدودة، ومهما لم نعرف الوجه لم نعرف PageV02P104 ~~القياس، وكذلك أعداد الركعات والسجدات، واختصاصها بالأوقات، وصحة القياس ~~فرع على معرفة المعنى، وهو العلة، قال المخالف: إن هذه الأشياء أحكام ~~متماثلة، فيجب أن تتساوى فيما يجوز عليها، وأجيب بأن ذلك حيث اشترك المثلان ~~في عرفان وجوههما وعللهما، وأن كلا منهما يصح تعليله، وإلا لم يجب، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان صفة العلة وأنواعها، فقال: # وصفة العلة وصف ظاهر ... منضبط مجاوز لا قاصر # وقد يكون لازما وعارضا ... كذا جليا وخفيا وغامضا # ومفردا وقد يجي مركبا ... وقد يكون اسما وحكما رتبا # كذاك منصوصا عليه وأتى ... مستنبطا وحكم كل ثبتا # صفة العلة الشرعية وصف ظاهر منضبط مجاوز، هذا هو المتفق عليه عند جميع من ~~اعترف بالقياس، والخلاف فيما دون ذلك كما سيأتي بيانه، فالمراد بالوصف: ~~معنى قائم بالموصوف، ولذا ترى كثيرا من الأصوليين يطلقون المعنى على العلة، ~~فيقولون هذا معقول المعنى، وهذا غير معقول المعنى، والمراد بذلك معلوم ~~العلة، وغير معلومها، والمراد بالظاهر ما كان من أفعال الجوارح كالقتل علة ~~للقود، والجرح علة للقصاص، والزنا علة للحد، وشرب الخمر علة للجلد، والسرقة ~~علة للقطع، ونحو ذلك فيخرج بذلك الصفات الخفية، والمراد بها صفات القلب من ~~نحو الرضا والسخط، فإن في التعليل بها خلافا، والمراد بالمنضبط ما كان من ~~الأوصاف مستقرا على حالة، فيخرج ما ليس كذلك كالمشقة، فإنها غير منضبطة في ~~حالة واحدة بل تتخلف بتخلف الأحوال، فقد يكون في الحال الواحد مشقة على بعض ~~الناس دون بعض، ألا ترى أن السفر يكون مشقة على من راحلة معه، لا سيما مع ~~قلة الزاد، ويكون للملك راحة بكثرة الآلات، وتوفر أسباب الراحة إلى غير ~~ذلك، والمراد بالمجاوز ما كان من الأوصاف موجودا في محل الحكم كالإسكار ~~يوجد في غير الخمر، وكالكيل والطعم PageV02P105 يوجد في غير البر، ويسمى ~~هذا الوصف: "علة متعدية"، فيخرج ما ليس بمتعد كالنقدية في الذهب والفضة، ~~فإنه وصف لا يوجد في غيرهما، ويسمى: "علة قاصرة"، وفي التعليل بها ms314 خلاف، ~~قالت الشافعية بجواز التعليل بالقاصرة، وصححه البدر الشماخي، وقال أبو ~~حنيفة وأبو الحسن الكرخي من أصحابه: لا يصح التعليل بها، وقال أبو عبد الله ~~البصري وأبو طالب يصح التعليل بها في المنصوصة دون المستنبطة، والصحيح ~~الجواز مطلقا؛ لأن العلة الشرعية هي أمارة دالة على الحكم، ولصحة ذلك في ~~المنصوصة نحو قوله تعالى: { وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ~~} (العنكبوت: 45)، وهذه العلة لا تتعدى الصلاة، وإذا ثبت في المنصوصة، فلا ~~مانع منه في # المستنبطة، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - لو علل بعلة، ولم يتعبدنا الله ~~بالقياس لعلمناها علة، وإن لم تتعد احتج أبو حنيفة والكرخي بأن التعبير ~~بالقاصرة لا يفيد أكثر مما يفيده النص ليكون لغوا، ولأن الغرض بالتعليل رد ~~الفرع إليه، فإذا لم يحصل فلا وجه للتعليل، احتج أبو طالب وأبو عبد الله ~~البصري بأنه لا داعي إلى استنباط العلة، ولا ثمرة له إلا ليلحق بها فروعها، ~~فإن لم يكن ثم إلحاق فالاستنباط عبث بخلاف النصوصية، فالشارع حكيم لا ينص ~~عليها إلا لكون تبيين وجه المصلحة مصلحة ورد بأنه إذا ورد التعبد بالقياس ~~دعانا ذلك إلى النظر في علة كل حكم لنعلم هل يصح القياس عليها، أم لا، فإذا ~~أدانا النظر، وطريقة السير إلى أنه لا علة لذلك الحكم إلا الوصف الذي لم ~~يتعد عن محله حصل باستنباطه مصلحة، وهي معرفة كونه لا يقاس عليه، فلا يكون ~~استنباطها عبثا، وهذا كاف في صحتها، وقد يكون ذلك الوصف لازما، بمعنى أنه ~~لا ينفك عن محل الحكم كالثمينة للزكاة في المضروب عند الحنفية فإن الحجر من ~~الذهب والفضة خلقا خلقا ثمنا، وهذا الوصف، وهذا الثمينة لا ينفك عنهما كانا ~~مضروبين أو غير مضروبين حتى تجب الزكاة في الحلي لأجل هذا الوصف، وقد يكون ~~PageV02P106 ذلك الوصف عارضا، بمعنى أنه غير لازم لمحل الحكم بل قد ينفك ~~عنه إذ ليس ذلك من صفاته اللازمة له، وذلك كالكيل للربا، فإنه ليس بلازم ~~للحبوب، فإنها قد تباع وزنا، أعني أن الكيل ليس من ms315 الصفات اللازمة للحبوب، ~~فإنها قد تباع في بعض الموانع بالوزن، وفي بعضها جزافا، فيختلف باختلاف ~~العادات والأحوال، وقد يكون ذلك الوصف وصفا جليا كالطواف بمعنى الطوافة علة ~~لسقوط النجاسة من الهرة، وقد يكون ذلك الوصف خفيا غامضا، مثل: تعليل ثبوت ~~الحكم برضى العاقدين، وقيل: التعليل بالوصف الخفي لا يجوز لأن الوصف المعلل ~~به معرف للحكم الشرعي الذي هو خفي، فلا بد وأن يكون الوصف جليا إذ لا يعرف ~~الخفي بخفي # مثله، وأجيب بأن الوصف، وإن كان خفيا لكنه بدلالة الصيغ الظاهرة عليه ~~كدلالة الإيجاب والقبول على الرضى، أو بدلالة التأثير صار من الأوصاف ~~الظاهرة؛ فيجوز التعليل به، وقد يكون ذلك الوصف مفردا كالثمنية لوجوب ~~الزكاة في الذهب والفضة، وكالإسكار للتحريم في الخمر، وكالطعم للربا في ~~البر، وقد يكون وصفا مركبا من شيئين، أعني أن العلة قد تكون في الحكم مجموع ~~أمرين فصاعدا، أو يعتبر جميع ذلك علة واحدة، ويكون كل وصف منها جزءا للعلة، ~~وذلك كما إذا عللنا ثبوت الربا بوجود الكيل والجنس معا، فإن كل واحد من ~~الكيل والجنسية جزؤ العلة، وتكون العلة مجموع الأمرين مثلا. # اعلم أنهم اختلفوا في جواز أن يكون ما جعل علة على حكم شرعي مركبا من ~~أوصاف متعددة بمعنى أنه لا بد لثبوت الحكم من اجتماع تلك الأوصاف حتى لو ~~كان كل يعمل في الحكم بانفراده كاجتماع البول والغائط والمذي والرعاف، فإن ~~كل واحد إن لو انفرد ا ستقل بالحكم، فإذا اجتمعت كان مجموعها مثلا علة ~~لوجوب الطهارة، وكقتل العمد العدواني علة لثبوت القود، فذهب الجمهور لإلى ~~أن مجموع هذه الأوصاف علة مركبة توجب بمجموعها القود، وذهب بعض PageV02P107 ~~الأصوليين منهم الأشعري وبعض المعتزلة إلى منع كون العلة مركبة، بل أوجبوا ~~أن تكون مفردة، وجعلوا العلة من هذه الأوصاف أقواها، وجعلوا الباقي قيودا ~~لها فالعلة الموجبة للقود عندهم، هي القتل والعمدية والعدوانية شرطان لها، ~~واستدلوا عليه بوجهين: # - الوجه الأول: أنه لو صح تركب العلة من الأوصاف لكانت العلية صفة زائدة ~~على مجموع الأوصاف، واللازم باطل ms316، فكذا الملزوم، وأيضا فإنها لوقامت ~~بالمجموع لزم أن يثبت لكل واحد من الأوصاف جزء من تلك العلية، وهو فاسد. # - الوجه الثاني: أنه لوكانت العلة مركبة من أوصاف متعددة لزم أن يكون عدم ~~كل جزء علة لعدم صفة العلية لانتفائها بانتفاء كل جزء منه لكن اللازم باطل؛ ~~لأنه يلزم نقض علية عدم كل جزء لعدم صفة العلية لتحقق عدم الجزء بدون ~~عدمها؛ لأنه لوعدم جزؤ ثان بعد انعدام جزء أول لزم عدم العلية بانعدام ~~الجزء الأول، ولا تنعدم العلية بعدم الجزء الثاني لاستحالة تجدد عدم ~~المعدوم؛ لأنه لا ينعدم. # وأجيب عن الوجه الأول بأن ما ذكرتم لو صح لزم سد باب القياس، واللازم ~~باطل، فالملزوم مثله، أما الملازمة فلإنه يفضي إلى أن لا يكون الوصف المفرد ~~علة أيضا، لأنا نعقل الوصف المفرد، ولا نعقل كونه علة إلا بدليل من اطراد ~~أو تأثير أو غيرهما، والمعلوم غير المجهول، فما فرضناه علة لا يكون علة هذا ~~خلف، ولا يوجد القياس إلا بجعل الوصف علة، وأما بطلان اللازم فبالإتفاق، ~~وبأنه لا امتناع في حصول الصفة للمجموع من حيث هو مجموع من غير نظر إلى ~~الأفراد لأنه من حيث هو مجموع شيء واحد على أن ما ذكرتم ينتقض بالحكم على ~~المتعدد من الألفاظ والحروف بأنه خبر أو استخبار، وغير ذلك من أقسام ~~الكلام؛ لأن كونه خبرا زائدا عليه، ثم إما أن يقوم كونه خبرا بكل حرف أو ~~بمجموع الحروف إلى آخر ما ذكرتم في الدليل، والتحقيق في الجواب أن معنى ~~PageV02P108 كون مجموع الأوصاف علة هو أن الشارع قضى بالحكم عنده رعاية لما ~~اشتملت عليه الأوصاف من الحكمة، وليس ذلك صفة لها حقيقة فضلا عن كونها صفة ~~زائدة ليلزم ما ذكروه بل هو اعتباري يجوز التسلسل فيه. # وأجيب عن الوجه الثاني بأنا لا نسلم أنه لو كان المركب علة ندم أن يكون ~~عدم كل جزء منه علة لعدم صفة العلية، واستدل الجمهور على جواز كون العلة ~~وصفا مركبا بأن النبي علي الصلاة والسلام علل في المستحاضة ms317 بالمركب حيث ~~اعتبراسم الدم، وصفة الإنفجار، وبأن ما يثبت به كون الوصف الواحد علة، يثبت ~~به كون المركب أيضا علة من نص أو مناسبة أو سبر، فكما جاز ذلك جاز هذا ~~أيضا. قوله: "وقد تكون اسما وحكما رتبا" يعني أن العلة كما تكون وصفا كذلك ~~تكون اسما، وتكون حكما مرتبا على الدليل، فمثال التعليل بالاسم: قوله عليه ~~الصلاة والسلام لمستحاضة سألته عن الاستحاضة: "توضئي وصلي، وإن قطر الدم ~~على الحصير، فإنها دم عرق انفجر"، وهذا تعليل باسم، وهو الدم، ووصف عارض ~~وهو الانفجار، فهي علة مركبة. # اعلم ان الاسم إذا جعل علة فإن كان مشتقا من فعل كالضارب والقاتل يجوز أن ~~يجعل علة؛ لأن الأفعال يجوز أن تجعل عللا في الأحكام، وإن لم يكن مشتقا، ~~فإن كان علما كزيد، فلا يجوز التعليل به لعدم لزومه، وجواز انتقاله، وإنما ~~يوضع موضع الإشارة، وليست الإشارة بعلة، فكذا الاسم القائم مقامها، وإن كان ~~اسم جنس كالرجل والمرأة والبعير والفرس، فمهنم من جوز التعليل به كابن ~~بركة، وبعض الأصوليين، ومنهم من لم يجوزه، وهو الصحيح؛ لأن تعليل الأحكام ~~الشرعية بالألفاظ اللغوية مما لا يصح قطعا؛ لأن الشارع لم يعلق أحكام الشرع ~~بألفاظ اللغة، وإنما علقها بمعان أخر، وبهذا يظهر لك فساد ما عتل به ابن ~~بركة في ثبوت حكم الزاني اللائط، وللواطئ في الدبر حيث جعل ذلك كله زنا ~~معتلا بأن العرب تسمي الدخول في المضيق زنا، قال: وكل من دخل بفرجه في ~~PageV02P109 مضيق عليه فهو زان، وكل من استحق اسم الزاني فالحد واجب عليه ~~إلا ما قام دليله فقد جعل تسمية العرب علة لثبوت الحكم الشرعي حتى أنه أوجب ~~بها ثبوت الحد وفساده، لا يخفى، ويظهر لك أيضا فساد مذهب من قال بتحريم ~~القهوة البنية؛ لأنها تسمى قهوة كالخمر، ويظهر لك أيضا فساد مذهب من قال ~~بطهارة دم الباغي مستلا بأن سفك دم الباغي طهارة الأرض، فهذه المذاهب ~~وأمثالها مبنية على تعليل الحكم الشرعي بالأسماء اللغوية، وهو باطل لما ~~قدمنا، وبيان بطلانه أنه ms318 يلزم عليه ثبوت حرمة البيت الحرام لكل عمران يسمى ~~بيتا، وثبوت جواز الحج إليه كذلك، وثبوت حرمة حرمة رسول الله - صلى الله ~~عليه وسلم - لكل من يسمى محمدا، وكذلك إلى ما لا غاية له، وهو ظاهر ~~البطلان، أما نحن فإنا أجزنا التعليل بالاسم لأن مرادنا منه المعنى القائم ~~بذاته، لا لفظه، فالتعليل بالدم في الحديث إنما يراد منه معناه، لا لفظه، ~~والله أعلم. # ومثال التعليل بالحكم: حديث الخثعمية فإنه عليه الصلاة والسلامقاس إجزاء ~~الحج عن الأب على إجزاء قضاء دين العباد عنه، والعلة كونهما دينا، وهو حكم ~~شرعي؛ لأنه عبارة عن وصف في الذمة، وذلك حكم شرعي. # اعلم أنهم اختلفوا في تعليل الحكم الشرعي بالحكم الشرعي، فذهب جمهور ~~الأصوليين وأهل التحصيل من أصحابنا كأبي سعيد في تخريجاته وأبي نبهان ~~فيفتريعاته وغيرهما رحمهم الله إلى صحة ذلك، ومنعه بعض الأصوليين، احتج ~~الجمهور بما تقدم من جعله - صلى الله عليه وسلم - لدين علة إجزاء الحج عن ~~الغير في حديث الخثعمية، وأيضا فإن العلة إن جعلت بمعنى الأمارة فلا امتناع ~~في أن يجعل الشارع حكما علما على حكم آخر، بأن يقول: إذا حرمت كذا، أو ~~أوجبت كذا فاعلموا أني حرمت كذا وأوجبت كذا، وإن جعلت بمعنى الباعث فلا ~~امتناع أيضا في أن يكون ترتيب أحد الحكمين على الآخر مستلزما لحصول مصلحة ~~لا تحصل من أحدهما بانفراده. واحتج المانعون من ذلك PageV02P110 بوجهين: # - أحدهما: أن الحكم الذي فرض علة إن كان متقدما على الذي فرض معلولا لزم ~~أن تتخلف العلة عن المعلول؛ وهذا لا يجوز، وإن كان متأخرا عنه لزم تأخر ~~العلة عن المعلول؛ وهذا لا يجوز أيضا، وإن كان مقارنا معه، فليس أحدهما ~~أولى من الآخر بأن يكون علة، نعم لو دل دليل خارجي على كون أحدهما علة ~~للآخر لجاز ذلك، ولكن العبرة في الشرع للغالب، فلا يعتبر هذا الاحتمال في ~~مقابلة احتمالات عدم الجواز، أعني الاحتمالات الثلاثة. # - الوجه الثاني: أن شرط العلة التقدم على المعلول، وتقدم أحد الحكمين على ~~الآخر غير معلوم، فلا ms319 يجوز. # وأجيب عن جميع ما احتجوا به بأنه لا نسلم تخلف العلة عن المعلول على ~~تقدير التقديم؛ لأن الحكم لم يكن علة بذاته بل بجعل الشارع إياه علة بقران ~~الحكم الآخر به، ولا نسلم أيضا عدم صلاحية المؤخر علة؛ لأن المؤخر يصلح ان ~~يكون معرفا للمقدم، وعلامة عليه، ومعنى العلة هوالمعرف، ولا نسلم أيضا أن ~~التقدم شرط العلية على ما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى، ولا نسلم أيضا ~~عدم الأولوية على تقدير المقارنة، إذ الكلام فيما إذا كان أحد الحكمين ~~مناسبا للعلية للحكم الآخر من غير عكس. # واعلم أن ما جعل علة يكون تارة منصوصا عليه كالدم والانفجار في حديث ~~المستحاضة، وكونه دينا في حديث الخثعمية، والطواف في حديث الهرة إلى غير ~~ذلك مما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى، ويكون وصفا مستنبطا كالكيل أو ~~الوزن أو الادخار أو نحو ذلك في تعليل الربا، وسيأتي بيان ذلك أيضا إن شاء ~~الله تعالى. # فحاصل أنواع العلة إنها تكون وصفا ظاهرا منضبطا متعديا كالقتل والسرق، ~~وتكون وصفا لازما قاصرا كالثمنية في النقدين، وكالطعم في البر، وتكون وصفا ~~عارضا كالصفر في جعله علة لاحتياجه إلى الولاية، والقيام بأمره، والجنون في ~~جعله علة للقيام بأمر المجنون، فإن كل واحد من الوصفين عارض لصحة انتقاله، ~~ويكون وصفا خفيا كالرضا في صحة البيع والتزويج مثلا، ويكون كل واحد من هذه ~~PageV02P111 الأنواع منصوصا عليه، ومستنبطا، والله أعلم. # تنبيه # اعلم أن العلتين المختلفتين قد تؤثران في حكمين متماثلين كتحريم الوطء ~~بالحيض وبعده لعدم الغسل، والعلل المتماثلة قد تؤثر في أحكام مختلفة كقتل ~~الحر والعبد فهو متماثل، وأثرتا في القصاص والقيمة، وهما مختلفان، وقد يصدر ~~عن علة واحدة حكمان بشرطين، نحو ملك المبيع وملك الثمن بشرط كونهما مما يصح ~~تملكه، وقد يصدر بشرط واحد عن علة واحدة حكمان كوجوب الدية، ووجوب الكفارة ~~صدرا عن القتل بشرط الخطأ، وقد يصدران عن واحدة من غير شرط كوجوب الكفارة ~~والإثم عن الحنث، وقد تقتضي الأحكام لمحلها كالحيض يقتضي تحريم ms320 دخول ~~المسجد، والقراءة في الحائض وحدها، وقد تقتضيها في غير محلها كالقتل يوجب ~~القصاص على واحد أو جماعة، والله أعلم. # ثم إنه اخذ في بيان شروط العلة، فقال: # ذكر شروط العلة # وشرطوا وجودها في الأصل ... بلا خلاف وكذا في الفصل # وعدم مانع وعدم نص ... معارض وحكمها مستقص # وعدم إجماع بهذا الحال ... ولم تعد للأصل بالإبطال # ولم يكن وجودها مؤخرا ... عن حكمها أو عدما مقدرا # وجوزوا تعليلنا بالعدم ... لعدم لا لوجود فاعلم # وإنها لحكمة مشتمله ... والحكمة المصلحة المحصله # أو دفع ما يفسد والثاني أهم ... من جلب ما يصلح والكل انقسم # اعلم أنهم اشترطوا في العلة لصحة القياس بها شروطا: # - الشرط الأول: أن تكون العلة موجودة في الأصل، والمراد به محل الحكم، ~~فلا يصح التعليل بوصف ليس بموجود في محل الحكم، فلا يقال: حرمت الخمر ~~لكونها جامدة، إذ الجامدية غير موجودة في الخمر؛ لأنها من المائعات. # - وكذلك يشترط أيضا في صحة القياس أن تكون العلة الموجودة في الأصل ~~PageV02P112 موجودة في الفرع، فلا يصح قياس البطيخ على البر في الربوية إذا ~~جعلت علة الربا في البر الإدخار أو الكيل؛ لأن كلا الصفتين غير موجودة في ~~البطيخ، وأشار بقوله: "بلا خلاف" إلى ما ذكروه، وصرحوا بفساده من القياس ~~المركب، وهو أن يستغني المستدل بموافقة الخصم في ثبوت حكم الأصل، وإن كانت ~~العلة عنده غير التي علل بها الخصم، مثال ذلك: أن يقول الشافعي: عبد فلا ~~يقتل به الحر، كما لا يقتل بالمكاتب، فيقول الحنفي: إنما لم يقتل بالمكاتب ~~لجهالة المستحق للقصاص، هل السيد أم ورثته، فإن صح كون هذه هي العلة في ~~المكاتب وإلا منعت الحكم، وهو كون الحر لا يقتل بالمكاتب بل يقتل به، فلا ~~يخلو القياس من عدم العلة في الفرع أو منع حكم الأصل، فلا يصح. # قال صاحب المنهاج: "وإنما لم يصح؛ لأن القائس لم يقرر حكم الأصل ولا ~~علته"، ومثل ذلك قول الشافعي فيمن قال لأجنبية: إن دخلت الدار فأنت طالق، ~~ثم تزوجها، فدخلت طلاق معلق، فلا يصح قبل النكاح ms321، كما لو قال: زينب التي ~~أتزوجها طالق، فيقول الحنفي: العلة عندي مفقودة في الأصل؛ لأن قوله: "زينب ~~التي أتزوجها طالق" ليس بطلاق معلق قبل النكاح، فإن صح أنها مفقودة في ~~الأصل بطل الإلحاق لعدم الجامع، وإن لم يصح منعت حكم الأصل، وهو كون قوله: ~~"زينب التي أتزوجها طالق" لايوجب الطلاق بل يوجبه عندي، فلا يخلو هذا ~~القياس من منع العلة في الأصل، أو منع حكم الأصل المقيس عليه، فلا يصح. # قال صاحب المنهاج: "وإنما لم يصح لما قدمنا من أن القائس لم يقرر أولا ~~حكم الأصل، ولا علته، والأصوليون يعبرون عن الطرف الأول بمركب الأصل، وعن ~~الثاني بمركب الوصف، فيقولون: إذا كان القياس مركب الأصل أو مركب الوصف لم ~~يصح، وتفسيرهما ما ذكرنا، فأما لو سلم الخصم أنها العلة، وأنها موجودة، أو ~~ثبت أنها هي، وأنها موجودة بدليل صح القياس، وإن لم يسلم الخصم، إذ لو ~~اشترطنا قبول الخصم لم نقبل مقدمة PageV02P113 تقبل المنع"، قال: "وإنما ~~سمي الأول مركب الأصل؛ لأن الأصل فيه مركب من ثبوت الحكم في نفس الأمر، ~~وتسليم الخصم لذلك؛ لأن القائس استغنى بتسليمه عن إقامة الدليل عليه، فكان ~~مركبا من أمرين كما ترى، وسمي الثاني مركب الوصف؛ لأن العلة فيه مركبة من ~~وصف وتعليق وإلا لم يثبت الحكم". # - الشرط الثاني: أن لا يكون للعلة مانع يمنعها من الجريان في الصورة ~~المقيسة، فإنها إذا لم تجر في شيء من الصور لمانع لا يصح قياس تلك الصورة ~~على محل الحكم لتخلف العلة عنها بوجود المانع، وذلك كما لو قتل الوالد ولده ~~عمدا وعدوانا، فإنه لا يصح أن يقاس على القاتل الأجنبي في وجوب القود لوجود ~~المانع، وهو الأبوة. # - الشرط الثالث: أن لا يكون هنالك نص أو إجماع معارض لتلك العلة، فإنها ~~إذا عارضت نصا أو إجماعا بطلت، وفسد القياس، وهو المراد بقوله: "وعدم نص ~~معارض"، وبقوله: "كذاك إجماع بهذا الحال"، ومثال ذلك: أن يقول الشارع أو ~~يقع الإجماع أن كل سبع طاهر، فيقول القائس: الكلب نجس لأنه سبع ms322، ونحو ذلك، ~~فهذا مخالف لما اقتضاه ظاهر نص الشارع أو إجماع الأمة، فلا يقبل. # - الشرط الرابع: أن يكون حكمها مستقصيا، بمعنى أنه موجود في جميع الصور ~~التي تكون فيها تلك العلة، فلا يتخلف عنها إلا لمانع، وهذا الشرط هو المسمى ~~عندهم بالإطراد. # قال صاحب المنهاج: %"وهذا لا خلاف فيه"، أي في اشتراطه، قال: "ومعنى ~~الإطراد أن يثبت حكمها عند ثبوتها في كل موضع، فلو تخلف عنها لا لخلل بشرط، ~~ولا بحصول مانع بطلت عليتها اتفاقا، قيل: ولا بد أيضا أن تنعكس، وهي أن ~~ينتفي الحكم عند انتفائها، وقد وقع في ذلك خلاف من جوز تعليل الحكم الواحد ~~بعلتين. # قال ابن الحاجب: "وأما العكس، وهو انتفاء الحكم لانتفاء العلة فاشتراطه ~~مبني على منع تعليل الحكم بعلتين لانتفاء الحكم عند انتفاء دليله"، انتهى. # واعلم أنهم اختلفوا في جواز تخصيص العلة: وهو تخلف PageV02P114 حكمها ~~عنها في بعض الفروع على خمسة مذاهب: # - الأول: لابن الخطيب وبعض أصحاب الشافعي وبعض أصحاب أبي حنيفة وغيرهم، ~~وهو ظاهر كلام ابن بركة: لا يجوز تخصيصها سواء في ذلك عندهم المنصوصة ~~والمستنبطة؛ لأنها طريق عليتها اقتضاؤها الحكم، فإذا تخلف عنها؛ فلا عليه. # - المذهب الثاني: لمالك وأبي طالب وأبي عبد الله البصري وغيرهم: يجوز ~~تخصيصها مطلقا؛ لأنها أمارة للحكم، فجاز اقتضاؤها الحكم في موضع دون آخر. # - المذهب الثالث: لبعض الشافعية: يجوز في المنصوصة دون المستنبطة؛ لأنها ~~في المنصوصة بمنزلة اللفظ العام، فكما أنه يجوز تخصيص اللفظ العام من ~~النصوص، كذلك العلة المنصوص عليها. # - المذهب الرابع: يجوز التخصيص في العلة المستنبطة دون المنصوصة؛ لأن ~~المنصوصة دليلها نص عام لجميع مواضعها، فتخصيصها مناقضة، فلا يجوز، بخلاف ~~المستنبطة فلا مانع من تخصيصها، إذ هي أمارة. # - المذهب الخامس: يجوز في المستنبطة، حيث كان التخصيص لانتفاء شرط أو ~~حصول مانع، ولا يجوز لغير ذلك، وإن كانت منصوصة، فيظهر عام جاز تخصيصها ~~كعام وخاص، ووجب تقدير المانع وإلا فلا، إذ المستنبطة لا تثبت عليتها مع ~~تخلف حكمها إلا إذا تبين مانع أو اختلال شرط؛ لأنه إذا ms323 لم يتبين ذلك لم يكن ~~انتفاؤه إلا لعدم مقتضية، وهو العلة. # قال صاحب المنهاج: "والمختار عندنا هو المنع من التخصيص مطلقا"، قال: ~~"والحجة لنا على ذلك أن تخصيصها يمنع اطرادها، فيعود امتناع اطرادها على ~~كونها علة بالنقض؛ لأن اطرادها شرط في صحتها بلا خلاف، وإنما الخلاف في ~~الانعكاس هل يشترط أم لا، الوجه الثاني: أنه لوصح تخصيصها إذا لم يكن النقض ~~للعلة، وهو وجودها في محل غير مقتضية لذلك الحكم قدحا فيها، والنقض هو قدح ~~في العلة إجماعا"، أي لا مخالف فيه، إلى أن قال: "فأما ما احتج به المجوزون ~~من كونها أمارة، فجاز أن يتخلف حكمها، كما قد لا تستلزم الأمارة مدلولها، ~~فجوابنا أنها لم تكن أمارة إلا PageV02P115 لكشفها عن كونها الغرض الذي ~~لأجله شرع الحكم، لإغذا خصصت كشف التخصيص عن كون المذكور منها ليس بالغرض ~~وحده بل مع خروج ما أخرجه المخصص، فخروجه من تمام الغرض يكشف عن كونها ليست ~~الغرض بكماله بل بعضه، فهذا هو الفارق بين الأمارة التي هي علة، وبين سائر ~~الأمارات التي ليست بعلة، وأما قولهم في تصحيحها جمع بين الدليلين، فنقول: ~~الواجب الجمع حيث ما أمكن، وهنا لم يمكن؛ لأن في تخصيصها انكشاف نقصانها في ~~الأصل لما ذكرناه. # الشرط الخامس: أن لا تعود العلة إلى أصلها بالإبطال، أي لا تكون مبطلة ~~للأصل الذي ورد فيه الحكم، مثال: أن يقال في الهر سبع مفترس، فتجب نجاسته ~~كالكلب، فإن هذا التعليل يبطل حكم نجاسة الكلب؛ لأن الرسول - صلى الله عليه ~~وسلم - قد حكم بأن السبع طاهر، حيث قال وقد سئل عن دخوله بيتا فيه هر، ~~وامتنع من دخوله بيتا فيه كلب: أن الهر سبع، يعني فليس بنجس، فنقضت العلة ~~حكم الأصل. # - الشرط السادس: أن لا تكون العلة متأخرة عن حكم الأصل، إذ لو تأخرت لثبت ~~الحكم بغير باعث، وإن قدرت أمارة كانت تعريف المعرف، ومثال المتأخرة: ما مر ~~من قياس الوضوء على التيمم في وجوب النية، والصحيح عندي عدم اعتبار هذا ~~الشرط؛ لأنه إنما يكون ms324 شرطا في العلل العقلية الموجبة للحكم دون الشرعية، ~~فإنها علامة للحكم ومعرفة له، وإن كانت مؤثرة فيه في بعض المواطن، فلا يكون ~~تأثيرها في بعض الصور مانعا من كونها في غير تلك الصورة على أنا نقول: أنه ~~لا يمتنع أن يجعل الشارع وصفا متأخرا علة لحكم متقدم، فالأقرب عدم ذكر هذا ~~الشرط، والله أعلم. # - الشرط السابع: أن يكون ذلك الوصف عدما مقدرا، أي فلا تعلل أن أحكام ~~الشرعية بالوصف العدمي. # اعلم أنه يصح كون العلة أمرا موجودا في الحكم الوجودي، وفي الحكم العدمي ~~اتفاقا، مثال ذلك: الزنا علة في وجوب الحد، وطرو الجنون علة في انتفائه، ~~أما التعليل بالأمر العدمي PageV02P116 ففيه خلاف، فقيل: إنه يصح التعليل ~~به مطلقا، ونسب هذا القول إلى الجمهور، مثال ذلك: لم يصل؛ فوجب قتله، لم ~~يمتثل؛ فحسنت عقوبته، فهذه علة عدمية في حكم وجودي، ونحو قولنا: غير عاقل، ~~فلم يصح بيعه، فهذه علة عدمية في حكم عدمي أيضا، وقال ابن الحاجب وغيره: لا ~~يصح أن تكون العلة عدما في الحكم الثبوتي؛ لأنه لو جاز ذلك لم يكن بد من أن ~~يكون ذلك النفي مناسبا للحكم، أو مظنة للمناسب لأن التعليل بالعدم المطلق ~~باطل بالاتفاق، إذ ليس بمناسب، ولا مظنة لمناسب، فلم يكن بد من أن يكون عدم ~~أمر مخصوص لتمكن فيه المناسبة أو مقاربتها، وإذا عللنا حكما بانتفاء أمر لم ~~يخل ذلك الأمر المنفي إما أن يكون منشئا لمصلحة لم يجز أن يكون الغرض ~~بتحصيل مصلحة انتفاء مصلحة أخرى؛ لأن انتفاؤها مفسدة، فالمصلحة حينئذ قد ~~عارضها مفسدة، وإن كان ذلك الأمر منشئا مفسدة، فهو مانع، وعدم المانع ليس ~~بعلة في وجود الممنوع، وإنما العلة غيره، مثال ذلك: لم يسكر فحرمت عقوبته، ~~فعدم السكر انتفاء مفسدة، فلا يعلل به تحريم العقوبة؛ لأن انتفاؤها مانع من ~~العقوبة، وإنما العلة في تحريمها كونها ضررا غير مستحق، وأما إن كان وجود ~~ذلك المنتفى الذي تحصل به المصلحة بانتفائه ينافي وجود العلة المناسبة ~~للحكم لم يصح أن يكون عدمه مظنة ms325 لنقيضه وهو حصول المناسب؛ لأنه إذا كان ذلك ~~النقيض ظاهر المناسبة يعني بعد حصوله كان هو العلة في ذلك الحكم لانتفاء ~~نقيضه، نحو أن يعلل تعظيم من قد أحسن إليه بأنه لم يسئ إليه، فعدم الإساءة ~~لا يقتضي التعظيم بل الإحسان هو الذي يقتضي التعظيم، فلا يعلل بعدم ~~الإساءة، وإن كان خفي المناسبة؛ فنقيضه مثله في الخفاء لوجوب استواء ~~النقيضين في الخفاء والجلاء، وإذا كان خفيا لم # يصلح انتفاؤه مظنة لحصول مناسب خفي، وإن لك يكن ذلك الأمر الذي العلة ~~عدمه منشئا مصلحة ولا مفسدة؛ فوجوده كعدمه، فلا يصح التعليل PageV02P117 ~~بعدمه ولا وجوده رأسا"، قال: "وأيضا فإنه لم نسمع بأن أحدا قال العلة كذا ~~أو عدم كذا"، وأجيب بأنه إنما يصح التعليل به حيث هو انتفاء مصلحة كترك ~~الصلاة، وترك الإمتثال؛ لأن فوات المصلحة كحصول المفسدة، ولا يلزم مما ذكره ~~من تعليل وجوب تحصيل مصلحة بانتفاء خلل إذا كان محل المصلحتين متغايرا، فإن ~~تفويت زيد للمصلحة التي هي الصلاة هو الذي لأجله وجبت علينا تحصيل مصلحة ~~لنا، وهي قتل المفوت لتلك المصلحة، وهذا صحيح كما ترى، وأما قوله: "لم نسنع ~~أحدا قال العلة كذا، أو نفى كذا"، فهذا أضعف من الأول لأنه استدلال بكف عن ~~عبادة، وهذا لا يصح الاستدلال بمثله بحال، وأنت خبير أن ما في النظم مبني ~~على ما ذكره ابن الحاجب، وقد عرفت وجه بطلانه، فالصحيح ما ذهب إليه الجمهور ~~من أن الأمر العدمي يصح أن يكون علة مطلقا؛ لأن العل الشرعية إنما هي كاشفة ~~لا موجبة كالعلل العقلية، فالشرعية أمارة للحكم، أو باعثة، والأمارة ~~والباعث كما يصح أن يكون إثباتا [يصح] أن يكون نفيا، ألا ترى أن خلو الدار ~~من الخول والغلمان أمارة لكون الأمير ليس فيها، كما أن الاختلاف إليها، ~~وكثرة الداخل والخارج أمارة لكونه فيها، وكذلك إذا كان في إحدى الطريقين ~~مناهل ورفقة، والآخر خال منهما، كان خلوه باعثا على اختبار سلوك الآخر، ~~ونحو ذلك، وأيضا فلا خلاف بين أحد من المسلمين في أن ms326 المعجز إنما يثبت معجز ~~الانتفاء قدرتنا على مثله، فانتفاؤها علة في ثبوته معجزا. # - الشرط الثامن: أن تكون العلة مشتملة على حكمة مقصودة للشارع في شرع ~~الحكم، لأنها إن كانت مجرد أمارة مستنبطة من حكم الأصل كان دورا، كذا قال ~~ابن الحاجب، وتبعه في اشتراط ذلك البدر الشماخي. # قال صاحب المنهاج: "وفي هذا نظر؛ لأن النص قد دل على حكم الأصل، فإذا ~~استنبط علة ما اقتضاه النص من الأصل صح، وكانت أمارة على ثبوت الحكم في ~~الفروع، ولا يلزم الدور، PageV02P118 كما زعم ابن الحاجب، والمراد بالحكمة ~~تحصيل المصلحة، أو دفع المفسدة، والمراد بالمصلحة اللذة ووسيلتها، والمراد ~~بالمفسدة الألم ووسيلته، وكل منهما إما نفسي أو بدني، وديني أو دنيوي، فإن ~~تعارض دليلان أو علتان في أحدهما تحصيل مصلحة، وفي الآخر دفع مفسدة، ولم ~~يمكن الجمع بينهما بوجه قدم الدافع للمفسدة على الجالب للمصلحة؛ لأن دفع ~~المفسدة أهم من تحصيل المصلحة، وهذه معنى قوله: "والثاني أهم من جلب ما ~~يصلح"، أما قوله: "والكل انقسم"، فتمام معناه في الأبيات الآتية، وهي قوله: # إلى ضروري كحفظ العقل ... والدين والنفس معا والنسل # والمال أيضا وإلى الحاجي ... كالبيع والأجرة للصبي # وما بني منه على استحسان ... ثالثها وأصل ذا قسمان # إذ قد يجي موافق القياس ... مثل النظافات من الأنجاس # والزكوات صلة الأرحام ... مكارم الأخلاق في الكرام # والعبد لا يكون أهلا للقضا ... ولا إماما أو شهيدا مرتضى # وخارج عن القياس مثل أن ... يكاتب العبد فذا شيء حسن # لكنه تعويض مال السي ... بماله ومثل ذا لم يعهد # اعلم أن كل واحد من جلب المصلحة ودفع المفسدة منقسم إلى ثلاثة أقسام: إلى ~~ضروري وحاجي وتحسيني: # - أما الضروري فهو ما يفضي الحال فيه إلى الضرورة، وهو خمسة أشياء: # ? الأول حفظ العقل ولأجله شرع تحريم الخمر وسائر المسكرات، فالعلة في ~~تحريم المسكرات هي السكر، والحكم التحريم، والحكمة حفظ العقل. # ? الثاني: حفظ الدين ولأجله شرع الجهاد، وقتل الزنديق والمرتد والساحر، ~~وعقوبة أهل البدع، ونحو ذلك، فالعلة في الجهاد كفر الكافر أو بغي الباغي، ~~والحكم ms327 فيه وجوب الجهاد أو ندبيته، والعلة في قتل الزنديق والساحر زندقته ~~وسحره، والحكم وجوب قتله أو جوازه، والحكمة حفظ الدين، والعلة في قتل ~~المرتد اترداده، والحكم PageV02P119 فيه وجوب قتله أو جوازه، والحكمة حفظ الدين. # ? الثالث: حفظ النفس ولأجله شرع القصاص والدية والعقوبة على من اتهم ~~بالقتل، فإتلاف النفس في هذه الأشياء ونحوها هو العلة، والحكم فيها وجوب ~~ذلك المذكور من قود ودية وعقوبة، والحكمة حفظ النفس. # قال البدر: "ومنه أخذ المربية للصبي الذي لا أم له، وشراء مأكوله ومشربه، ~~أي لأن حياة الصبي متوقفة على ذلك، فأخذ ذلك له من حفظ نفسه من الهلكة. # ? الربع حفظ النسل من الاختلاط، وعبر عنه بعضهم بحفظ الأنساب، ولأجله حرم ~~الزنا، وشرع حد الزاني، إذ لو لم يحرم ذلك لما عرف نسل، وما ضبط نسب، ~~فالعلة في ذلك الزنا، والحكم فيه التحريم، ووجوب إقامة الحد، والحكمة حفظ النسل. # ? الخامس: حفظ المال ولأجله شرع حد السارق وقاطع الطريق ليأخذ المال، ~~وسائر أنواع الضمانات فالعلة في هذا النوع إتلاف مال الغير، أو أخذه، ~~والحكم وجوب إقامة الحد على السارق والقاطع وإلزام الضمان على المتلف. # فهذه الضروريات الخمس التي روعيت في كل ملة، فشرع حفظها في كل شريعة، ~~وزاد بعضهم نوعا سادسا، وهو حفظ العرض، ولأجله شرع حد القاذف وحكم اللعان، ~~فالوقوع في عرض الغير على الوجه المخصوص علة وجوب إقامة الحد حكم وحفظ ~~العرض هو الحكمة، ورمي الرجل امرأته بالزنا، حيث لا شهود معه علة اللعان، ~~والحكم الملاعنة، والحكمة حفظ عرض المرأة، وجعل البدر من هذا النوع قطع يد ~~السارق، قال: "لئلا يدنس عرضه برذيلة السرقة، وقد قدمنا لك أنه من حفظ ~~المال، ففيه جهتان جهة تتعلق بجانب السارق، وإياها اعتبر البدر، وجهة من ~~جانب المسروق، وقد اعتبرناها فيما تقدم، وهو الوجه الأظهر، فإنه ما من واحد ~~من هذه المشروعات إلا وله جهتان فأكثر، والاعتبار بأظهر الحالين، وأنسبهما، ~~PageV02P120 ويلحق بالضروري ما يتوقف الضروري عليه بمعنى أنه شرط لحصول ~~المصلحة الضرورية، أو شرط لدفع المفسدة الضرورية، وذلك ms328 كاعتبار البلوغ في ~~قتل المحارب، واعتبار التكافئ في القصاص، وتحريم الخلوة بالأجنبيات، وتحريم ~~شرب قليل المسكر، وتنحيسه عند من قال به مبالغة في إبعادها، وقليللها يدعو ~~إلى كثيرها، والخلوة تدعو إلى الزنا، وأما الحاجي، والمراد به الذي تمس ~~الحاجة إليه نسب إلى الحاجة لشدة حاجة الناس إليه، فهو نوعان: # - أحدهما: ما يحتاج إليه في نفسه، ولأجله شرع البيع والإجارة والنكاح ~~والمساقاة والمضاربة والولاية، وما أشبه ذلك من أنواع المعاملات، فإن هذه ~~الأشياء - وإن ظنت أنها ضرورة فبحسب الاحتياج إلى المعاوضة لا تؤدي إلى ~~فوات شيء من الضروريات الخمسة المتقدمة، وقد يكون بعضها ضروريا كشراء ~~المأكول، والإجارة في تربية الصغير الذي لا أم له فتمثيل المصنف بالأجرة ~~للصبي محمول على ما إذا كان للصبي أم أو نظرا لإلى أن أصل هذا النوع من ~~الحاجي لكن خرج عنه إلى الضروري بعارض. # - النوع الثاني: ما كان الحاجة إلى غيره لكنه وسيلة إلى حصوله، ولأجله ~~شرع ووجب الكفارة، ومهر المثل لأنه أشد لدوام لنكاح، وإن كان يتم دونه، ~~وكذلك الخيار والشرط والشفعة ورفع الغبن، ويسمى هذا النوع مكملا للحاجي. # ? وأما الاستحساني فهو ما قضت العادة باستحسانه عند أهل العقول الوافرة ~~والأخلاق الكاملة، وهو قسمان: قسم موافق للقياس، ومخالف له. # - فأما الموافق للقياس فحكمه النظافة من الأنجاس، وخصال إبراهيم عليه ~~السلام، والزكاة وصلة الأرحام، ومكارم الأخلاق كالتخلص من البخل والدناءة، ~~والرق والإتصاف بمقتضى المروءة من الكرم والحرية والبسالة، ونحو ذلك وكسلب ~~العبد أهلية القضاء والشهادة والخلافة، وإن كان ذا عقل ودين وعدل، لأنه ~~ناقض عن المناصب الشرعية، ولو جعل لها لحصل به مصلحة، مثل: ما يحصل في ~~الحر، PageV02P121 ولا مفسدة فيه، فإن هذه الأشياء ونحوها موافقة للقواعد، ~~وإلا جعل البدر عفى الله عنه العتق والصدقة والزكاة، وجميع ما يؤول إلى ~~مكارم الأخلاق من النوع المخالف للقياس، فالحق ما قدمناه لك، وأما المخالف ~~للقياس، فكمكاتبة السيد عبده، فإن المكاتبة شيء حسن لكونه موصلا إلى فك ~~الرقبة لكنه خارم للقاعدة لأنه تعويض مال السيد بماله، وبيان ذلك ms329 إنما يسعى ~~به العبد لسيده لو لم يكاتبه، وبيع الرجل ماله بماله، أمر لم يعهد في ~~القواعد الشرعية، فالمكاتبة وإن كانت شيئا حسنا، فهي مخالفة للقياس كما ~~ترى، فحاصل أنواع الحكمة ستة: أحدها الضروري، وثانيها: المكمل للضروري، ~~وثالثها: الحاجي، ورابعها: المكمل للحاجي، وخامسها: الاستحساني الموافق ~~للقياس، وسادسها: الاستحساني المخالف للقياس، وبقي نوع من الشرعيات لا يلوح ~~فيه تعليل جزئي، ولم يكن أن يلوح فيه تعليل كلي، وهو العبادات البدنية ~~كالصلاة والصوم؛لأن العقل لا يهتدي إلى معانيها، ولم يلح من الشارع إلا طرف ~~من مبادئها لكن فيها تذليل للنفس للعبادة، والتعظيم لخاقها، وتجديد العهد ~~بالإيمان، وتحقق الاستسلام والانقياد { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ~~} (العنكبوت: 45)، والله أعلم. # ولما فرغ من بيان الحكمة المقصودة للشارع أخذ في بيان وجه حصول ذلك ~~المقصود، فقال: # ذكر حصول المقصود من شرع الحكم # أي بيان وجه حصوله بالنظر إلى المكلفين، قال: # ويحصل المقصود باليقين ... وتارة بالظن والتخمين # وتارة مساويا وربما ... يكون فائتا فما تقدما # كالبيع للحل وأما الثاني ... كالحد للزجر عن العصيان # وما تساوى طرفاه فكمن ... تزوج الفتاة للنسل اعلمن # وناكح الآيس للنسل اجعلا ... لراجح ضد الحصول مثلا PageV02P122 والفائت ~~استبراء فرج الأمة ... لمشتر قد باعها في الحضرة # وهذه جميعها قد عللوا ... بها وفي الأخير خلف ينقل # حصول المقصود من شرع الحكم على أنواع: # - أحدها: أن يحصل يقينا كالبيع للملك ولحل التصرف والنكاح وحل الإستمتاع، ~~ونحو ذلك فإن المقصود من البيع والنكاح إباحة التصرف، وإباحة الاستمتاع، ~~وهما حاصلان يقينا. # - النوع الثاني: أن يحصل ظنا كالقصاص للإنزجار عن القتل، والحد للإنزجار ~~عن هذه الأشياء حاصل مع إقامة الحدود، وإنفاذ الأحكام؛ فمن ثم ترى ظهور ~~الطاعات، واختفاء المعاصي عند ظهور العدل، فلا وجه لجعل بعضهم الإنزجار عن ~~شرب الخمر مع حصول الحد مما يستوي فيه الطرفان. # - والنوع الثالث: أن يكون حصوله، وعدمه على سواء بمعنى أنه يستوي فيه ~~حصول المقصود، وعدم حصوله؛ فحصوله مشكوك فيه، وذلك كمن تزوج امرأة لأجل ~~حصول النسل، فإن المقصود من ذلك التزويج، وهو ms330 حصول النسل من تلك المرأة ~~مشكوك فيه، أي فحصوله، وعدم حصوله على سواء، وهذا معنى قولنا: تساوى طرفاه، ~~إذ المراد بالطرفين جانب الحصول، وجانب عدم الحصول. # - النوع الرابع: ما يكون عدم حصوله، لأن عدم حصول النسل من الآيسة أرجح ~~من حصوله منها. # - النوع الخامس: ما كان المقصود منه فائتا بمعنى أنه مقطوع بعدم حصوله ~~عادة كاستبراء فرج أمة اشتراها بائعها في المجلس، فإن المقصود وهو معرفة ~~براءة رحم الأمة فائت هاهنا أي مقطوع بأن رحمها غير مشغول بشيء من قبل ~~PageV02P123 بائعها، وكلحوق الولد برجل من عمان تزوج امرأة من المغرب مع ~~القطع بعدم تلاقيها في الظاهر، فهذه أنواع حصول المقصود بالنظر إلى ~~المكلفين، واختلوفا في جواز التعليل بهذه الأنواع فأجاز بعضهم تعليل الحكم ~~بها، ومنعه آخرون، وخلافهم هاهنا مبني على خلافهم في جواز تعليل الحكم بنفس ~~الحكمة؛ لأن نفس الحكمة هي عين المقصود هاهنا، وقد صححوا جوزا التعليل ~~بالحكمة إذا كانت ظاهرة منضبطة، ثم اختلف المجوزون للتعليل بها، مع ذلك في ~~صحة التعليل بالمقصود المستوى حصوله، وعدم حصوله، وبالمقصود الراجح عدم ~~حصوله، وذلك بعد اتفاقهم على صحة التعليل بالمقصود الحاصل يقينا، وبالمقصود ~~الحاصل ظنا؛ فذهب بعضهم واختاره البدر إلى جواز التعليل بهما نظرا إلى ~~حصولهما في الجملة، كجواز القصر للمترفة في سفره حيث لا مشقة حتى يطلب له ~~تخفيفها، وتخفيف المشقة هو حكمة الترخص في القصر؛ فصح التعليل بها نظرا إلى ~~حصولها في جملة المسافرين، وقيل: لا يجوز التعليل بهما، لأن الأول مشكوك ~~الحصول، والثاني مرجوحه، فإن كان المقصود من شرع الحكم فائتا قطعا في بعض ~~الصور، فالأصح أنه لا يعتبر فلا يجوز التعليل به، وذهب بعض أصحابنا ~~والحنفية والغزالي إلى اعتباره للمظنة، قلنا: لا عبرة للمظنة مع تحقق ~~الانتفاء، وذلك كلحوق ولد المغربية بزوجها المشرقي مع القطع بعدم تلاقيهما، ~~وكلحوق الولد الثاني، والثالث فمن بعدهما بالزوج الغائب حيث لم يمكن في ~~العادة وصوله إليها خفية بيان ذلك أنه إذا سافر رجل عن أهله زمانا، فجاءت ~~بعده بأولاد الحق به ms331 نسب الأول اتفاقا، ثم اختلفوا فيمن بعده، فمن جوز ~~التعليل بالمقصود الفائت حصوله ألحقهم به، ومن منع من ذلك لم يلحقهم به، ~~ومن ذلك # استبراء الجارية التي اشتراها بائعها في المجلس فأثبتت الحنفية وجوب ~~الاستبراء في هذه الصورة اعتبارا منهم لمظنة حصول المقصود، ولم يعتبره ~~غيرهم، فلم يثبتوا PageV02P124 اللحوق، ولا الاستبراء بهذا الاعتبار لكن ~~أثبتوا الاستبراء لكونه تعبدا فقط، وهو مذهب بعض أصحابنا فإنهم أوجبوا لكل ~~ملك استبراء، حتى قال محمد بن خالد: "يستبريها ولو أخذها من عند أمها"، ~~والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان أقسام كل واحد من الحكم والعلة، فقال: # ذكر أقسام كل واحد من الحكم والعلة إلى الجنس والعين: # والحكم والعلة كل ينقسم ... للجنس والعين وكل قد علم # وكل واحد من الوصفين ... مؤثر في ذينك الحكمين # فالجنس في الجنسي والعيني ... والعين في العيني والجنسي # ينقسم كل واحد من العلة والحكم المطلوب بالقياس إلى جنس، وإلى عين، ~~والمراد بالجنس هاهنا ما شمل أشياء سواء كانت تلك الأشياء متجانسة كما في ~~الجنس المنطقي، أم غير متجانسة، والمراد بالعين نوع من الأنواع لا مع ~~اعتبار المحل، فمثال الجنس في العلة العجز، فإن عجز الإنسان عن الإتيان بما ~~يحتاج إليه وصف هو علة الحكم فيه تخفيف بدلالة النصوص الدالة على عدم الحرج ~~والضرر، وهذا العجز عجز شامل لما ينشأ عن الفاعل، وعن محل الفعل وعن ~~الخارج، وتحت كل جنس منها جنس مثلا تحت العجز الناشئ عن الفاعل مطلقا أي عن ~~اختيار أو عن عدم اختيار حتى يشمل عجز المسافر والمحبوس، وغيره وتحته جنس ~~أيضا هو العجز بسبب القوي الظاهرة أو الباطنة على ما يشمل عجز المريض ~~وغيره، وتحته جنس، وهو عجز الصبي والمجنون، ويقابل كل واحد من هذه المراتب ~~حكم؛ فيتعلق بالعجز بسبب عدم العقل حكم هو سقوط PageV02P125 ما يحتاج إلى ~~النية كالعبادات، ويتعلق بالعجز بسبب ضعف القوي حكم هو سقوط وجوب الحج ~~والجهاد، ويتعلق بالعجز الانشء عن الفاعل بدون اختياره حكم هو سقوط ~~المطالبة في الحال، وهو وجوب الأداء ms332 في حق الصلاة، ويتعلق بالعجز الناشئ عن ~~الفاعل مطلقا حكم هو سقوط المطالبة في الحال في العبادات البدنية، والرخص ~~بقصر الصلاة، ويتعلق بمطلق العجز الشامل لما نشأ من الفاعل أو من المحل أو ~~من الخارج حكم فيه تخفيف في الجملة، ومثال العين في الوصف الإسكار، فإنه لا ~~إفراد له، وإنما هو وصف واحد، وإن وجد في محال كثيرة، فلا اعتبار بالمحل أو ~~من الخارج حكم فيه تخفيف في الجملة، ومثال العين في الوصف الإسكار، فإنه لا ~~إفراد له، وإنما هو وصف واحد، وإن وجد في محال كثيرة، فلا اعتبار بالمحل ~~هاهنا، وكالطعم في تحريم الربا، فإنه وصف لا إفراد له، وإن وجد في مواضع ~~كثيرة أيضا. # ومثال الجنس في الحكم الوجوب أو التحريم أو الإباحة مثلا، فإن كل واحد من ~~هذه الأحكام شامل جملة أنواع بحسب ما تضاف إليه. # ومثال العين في الحكم الوجوب أو التحريم أو الإباحة مثلا، فإن كل واحد من ~~هذه الأحكام شامل جملة أنواع بحسب ما تضاف إليه. # ومثال العين في الحكم ووجوب الوتر، ووجوب ركعتي الفجر، ووجوب الجمعة بلا ~~إمام، وجوازها في غير الأمصار الممصرة، ووجوب الزكاة في مال الصبي إلى غير ~~ذلك مما لا إفراد تحته إلا بالاعتبار مواضع الحكم، ولا يعتبر ذلك هاهنا، ~~وكل واحد من الوصفين المتقدم ذكرهما، والمراد بهما الوصف الجنسي والوصف ~~العيني مؤثر في كل واحد من الوصف من الحكم الجنسي والحكم العيني، فيؤثر جنس ~~الوصف في جنس الحكم. # فمثال تأثير جنس الوصف في جنس الحكم: سقوط الصلاة عن الصبي، فإن العجز ~~الذي هو سبب عدم العقل مؤثر في جنس سقوط ما يحتاج إلى النية من العبادات، ~~وكتأثير جنس المشقة في جنس التخفيف، فالحائض لا تقضي الصلاة، والمسافر يقصر ~~ويجمع، والمريض يجمع، وكتأثير جنس الجناية في جنس القصاص، وكتأثير جنس ما ~~يدعو إلى الحرام في جنس التحريم، كشرب قليل الخمر، والخلوة في الزنا. # ومثال تأثير جنس الوصف في عين الحكم تأثير جنس الحرج في جمع الصلاتين؛ ~~لأن الحرج جنس PageV02P126 يدخل ms333 تحته المشقة في السفر، والتأذي في الحضر. # ومثال تأثير عين الوصف في عين الحكم كتأثير عين السكر في تحريم عين ~~الشرب، وتأثير عين الحيض في تحريم عين الوطء، وتأثير عين العدة في تحريم ~~عين العقدة، وتأثير عين الردة في فسخ النكاح. # ومثال تأثير عين الوصف في جنس الحكم: تأثير الإخوة لأب والأم في جنس ~~الحق، كحق الإرث، وحق الولاية في النكاح، وكتأثير عين الصغر في جنس ~~الولاية، أي ولاية المال والنكاح، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الأمور التي يتوصل بها إلى معرفة العلة، ويعبر عنها ~~بطرق العلة، وبمسالك العلة، فقال: # ذكر طرق العلة المنصوصة # اعلم أنه لما كان الوصف المعلل به يكون تارة منصوصا على عليته، ومرة غير ~~منصوص عليها، جعل الأصوليون لبيان كل واحد من النوعين طرقا، فأما طرق العلة ~~المنصوص عليها فما ذكره المصنف بقوله: # وطرق العلة منها النص ... كذاك إجماع بها ينص # والنص يأتي تارة صريحا ... نحو لأجل وأتى تلويحا # وعندهم هذا هو الإيماء ... إذ فيه للعلية الإيماء # وذاك أن يذكر عند الحكم ... وصف يرى استبعاده ذو فهم # أو لم يكن لعلة قد ذكرا ... وهو على مراتب كما ترى # فمنه أن يذكر وصف ناسبا ... للحكم نحو لا نولي طالبا # والقاضي لا يقضي وفيه غضب ... وهذه أقواه ثم الرتب # ومنه تنظير كما هل ينقض ... يا سائلي صيامك التمضمض # ومنه نحو يخف الرطب ... إن جف فالتعليل فيه يدأب # ومنه فرق بين شيئين كما ... للفارس السهمان مما غنما # تعرف العلة المنصوص عليها بأحد أمرين: إما نص على عليتها، أو PageV02P127 ~~إجماع على ذلك. # - فأما الإجماع فهو اتفاق المجتهدين في عصر من الأعصار على كون وصف معين ~~علة للحكم المعين، مثاله: الصغر في ولاية مال الصغير، فإنه علة لها ~~بالإجماع، ثم يقاس عليه ولاية النكاح، فإن قيل: إن الإجماع على العلة ~~بمنزلة الإجماع على الفرع، فلا يتصور فيه خلاف ولا قياس. أجيب عنه بأن ~~الإجماع على العلة يجوز ان يكون ظنيا كالإجماع الثابت بخبر الواحد، ~~وكالإجماع السكوتي، فيكون ثبوت الوصف ms334 ظنيا أيضا، ويجوز أن يدعي الخصم ~~معارضا في الفرع، فكان للخلاف والقياس في الفرع مساغ. # - وأما النص: فهو أن ينص الشارع على وصف من الأوصاف بأنه علة لحكم من ~~الأحكام، وهو نوعان؛ لأنه إما صريح: وهو ما دل بأصل وضعه على العلية، وإما ~~إيماء: وهو ما لزم من مدلول اللفظ، ويسمى إيماء وإشارة، وتنبيه النص، وهو ~~نوع من الدال بإشارته، فالإيماء في قول المصنف: "وعندهم هذا هو الإيماء" ~~علم على هذا المعنى، والإيماء في آخر البيت بمعنى الإشارة، فلا إيطاء في ~~البيت، ولكل واحد من النص الصريح والإيماء مراتب. أما مراتب الصريح فمنها ~~وهي أقواها ما صرح فيه بالعلية، وذلك بأن يذكر بلفظ لا يستعمل في غير ~~العلة، مثل: أن يقول العلة كذا، أو لأجل كذا، أو كي يكون كذا، أو إذا يكون ~~كذا، كما في قوله تعالى: { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل } (المائدة: ~~32) الآية، وقوله تعالى: { كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم } (الحشر: ~~7)، ومنها ما ورد فيه حرف ظاهر في العلية، مثل: لكذا، أو بكذا، أو إن كان ~~كذا، وهذه المرتبة دون ما قبلها، فإن هذه الحروف وإن كانت ظاهرا في التعليل ~~لكن اللام يحتمل العاقبة، نحو: لدوا للموت، والباء يحتمل المصاحبة، وإن ~~يحتمل مجرد الشرطية، ومنها ما دخل فيه الفاء في كلام الشارع. أما في الوصف ~~مثل قوله عليه الصلاة والسلام: "زملوهم بكلومهم، فإنهم يحشرون بأوداجهم ~~تشخب دما". وأما في الحكم نحو قوله تعالى: { والسارق والسارقة فاقطعوا ~~أيديهما } (المائدة: 38)، والحكمة فيه أن PageV02P128 الفاء للترتيب، ~~والباعث مقدم في العقل متأخر في الخارج، فيجوز ملاحظة الأمرين دخول الفاء ~~على كل واحد منهما، وهذه المرتبة دون ما قبلها؛ لأن دلالة الفاء على ~~الترتيب في الأصل، ودلالتها على العلية استدلالية، ومنها ما دخل فيه الفاء ~~في لفظ الراوي، مثل: "سهى، فسجد"، و"زنا ماعز فرجم"، وهذه دون ما قبلها ~~لاحتمال الغلط، إلا أنه لا يتقى الظهور. # وأما مرتب الإيماء: وهو أن يذكر مع الحكم وصف لو لم يكن ذلك ms335 الوصف أو ~~نظيره علة لذلك الحكم لكان PageV02P129 ذكره هنالك بعيدا، بل يعده ذو الفهم ~~القوي والفطنة الوقادة من الهذيان، واللغو في الكلام، ومنصب الشرع يجل عن ~~ذلك، فمنها أن يذكر الشارع مع الحكم وصفا مناسبا له، نحو: "لا يقضي القاضي ~~وهو غضبان"، ففي هذا الحديث إشارة إلى أن وجود الغضب علة مانعة من صحة ~~القضاء، وهي مناسبة لذلك؛ لأن الغضب مشغل للقلب، والقضاء أمر عظيم يحتاج ~~معه إلى فراغ البال، ونحو قولنا: "لا نولي طالبا"، أي لا نعقد الولاية ~~لطالب الأمارة، فإن ذكر الطلب مقارنا لمنع الولاية يقضي بأنه علة له، وهو ~~مناسب لذلك؛ لأن طالب الأمارة لا يؤمن منه أن يكون قد طلبها لدنيا أو شيء ~~من الحظوظ النفسية، وإن أمن ذلك في بعض الأشخاص، فيخشى أن يوكل إلى نفسه، ~~وكفى بذلك مانعا، ونحو قوله تعالى: { فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ~~ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل } (البقرة: 282)، فنبه ~~على أن العلة في صحة نيابة الولي عنه هي السفه أو الضعف، كذا قيل، وجعل ابن ~~الحاجب وغيره نحو هذا من الصريح، ومن هذا النوع ما يذكر لأجل مدح أو ذم، ~~نحو أكرم العالم وأهن الجاهل، فإن كل واحد من العلم والجهل، ونحو قوله - ~~صلى الله عليه وسلم - : "لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، فإن ~~قوله: "اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" علة للعنهم، ولو لم يرد بع التعليل ~~لكان ذكره هنالك بعيدا، ومنها أن يذكر الشارع نظير المسألة، كقوله عليه ~~الصلاة والسلام لعمر، وقد سأله عن قبلة الصائم هل تنقض الصوم؟، فقال - صلى ~~الله عليه وسلم - : "أرأيت لو تمضمضت بماء، ثم مججته، أكان ذلك مفسدا ~~للصوم؟"، فقال: لا، فنبه على أن مقدمات الشيء لا تنزل منزلته، فجعل مقدمة ~~الجماع كمقدمة الواصل إلى البطن، وكذا قوله للخثعمية حين سألته عن قضاء ~~الحج عن أبيها: "أرأيت # لو كان على أبيك دين، فقضيته، أكان ينفعه؟"، فقالت: نعم، فقال: "دين الله ~~أحق أن يقضى"، فنبه على أن القضاء ms336 علة النفع في حق الآدمي، فحق الله أحرى ~~فائدة ونفعا لمن قضىعنه، ومنها أن ينبه بالسؤال عن الشيء على كونه علة لذلك ~~الحكم، كقوله عليه الصلاة والسلام، وقد سئل عن جواز بيع الرطب بالتمر، ~~فقال: أينقص الرطب إذا جف؟"، قالوا: نعم، فقال: "فلا إذا"، فنبه عليه ~~الصلاة والسلام أن النقصان علة منع البيع، لا يقال فهم التعليل من الفاء ~~وإذا؛ لأنا نقول لو قدر سقوطهما لما انتفى فهم التعليل، ومن هذا النوع حديث ~~الأعرابي الذي قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هلكت وأهلكت، فقال: ~~عليه الصلاة والسلام: "ماذا صنعت؟"، قال: واقعت أهلي في نهار رمضان، فقال ~~عليه الصلاة والسلام: "أعتق رقبة"، فإنه يدل على أن الواقعة علة للإعتاق، ~~وذلك أن ذكر الأعرابي حادثته مع النبي عليه الصلاة والسلام ليس إلا لبيان ~~حكمها، وذكر النبي عليه الصلاة والسلام حكمها بعد ذلك جواب للأعرابي ليحصل ~~غرضه لئلا يلزم إخلاء السؤال عن الجواب، وتأخير البيان عن وقت الحاجة، ~~ومنها التفرقة بين الحكمين بوصفين إما بصيغة صفة مع ذكر الوصفين، نحو: ~~"للفارس سهمان، وللراجل سهم"، أو مع ذكر أحدهما نحو "القاتل لا يرث"، ولم ~~يذكر غير القاتل، فذكر الفروسية مقرونا بتمليك السهمين، وذكر الرجولية ~~مقرونا بتمليك السهم، وصفان فرقا بين حكمي الفارس والراجل، فكان كل واحد ~~منهما علة للحكم المقرون به، ولولا ذلك لكان ذكره PageV02P130 لغوا، وذكر ~~قتل العمد مع منع الوارث من الإرث وصف يقتضي أنه علة المنع، ولولا ذلك لكان ~~ذكره لغوا، ولما ثبت بالدليل الشرعي توريث الوارث علمنا من هذا الحديث تميز ~~الحكم بين الوارث القاتل وبين الوارث الذي لم يقتل، وأما بصيغة الغاية نحو ~~قوله تعالى: { ولا تقربوهن حتى يطهرن } (البقرة: 222)، ففرق في الحكم بين ~~الحيض والطهر، وكذلك قوله تعالى: { # ثم أتموا الصيام إلى الليل } (البقرة: 187)، فإن كل واحدة من هذه الآيات ~~بيان أن حكم ما بعد الغاية مفارق لحكم ما قبلها، وأما بصيغة الاستثناء نحو ~~قوله تعالى: { فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون } (البقرة: 237)، ففي هذه الآية ~~تنبيه ms337 على أن حكم ما بعد الاستثناء مفارق لحكم ما قبله، فالعفو مسقط لنصف ~~المفروض، وعدمه موجب له، وأما بصيغة الشرط نحو: "إذا اختلف الجنسان؛ فبيعوا ~~كيف شئتم"، فاختلاف الجنسين علة للبيع المطلق، بخلاف ما إذا لم يختلفا، ~~ففيه فرق بين حكم الحالين، وأما بصيغة الإستدراك نحو قوله تعالى: { لا ~~يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } ~~(المائدة: 89)، ففيه فرق بين حكم يمين اللغو واليمين الصادرة عن قصد القلب ~~وتصميمه، وهاهنا تنبهات: # - التنبيه الأول: اعلم أنه إذ وقع النص على العلة، قال الفخر الرازي: " ~~قطعنا على أنه لا علة غيرها"، قال صاحب المنهاج: "وهو ظاهر قول أبي الحسن"، ~~وقال الغزالي: "النص على العلة لا يوجب القطع بأنها هي العلة؛ لاحتمال كون ~~المنصوص عليه هو ملازمها، إذ قد يقع التعليل بالملازم، كما يقع بها"، قال ~~صاحب المنهاج%: "وكلامه قريب، ومثاله: لو قال: لا تبيعوا البر بالبر ~~متفاضلا؛ لأنه مكيل، هل يقطع بأن العلة الكيل، أو لا؟. # - النتبيه الثاني: قال ابن الحاجب%: "فإذا ذكر الوصف صريحا، والحكم ~~مستنبط، مثل: { وأحل الله البيع } (البقرة: 275)، أو بالعكس، كتحريم ~~التفاضل، فالحكم صريح، والعلة مستنبطة، فقيل: كلاهما إيماء، وقيل: كلاهما ~~استنباط لا إيماء، وقيل: إن الأول تنبيه نص، والثاني استنباط، وهو المختار ~~عند ابن PageV02P131 الحاجب، والقول الأول مبني على أن الإيماء إنما هو ~~اقتران الوصف بالحكم، وإن قدر أحدهما، والقول الثاني: مبني على أنه لا بد ~~من ذكرهما وإلا لم يكن إيماء، والقول الثالث: مبني على أن ذكر المستلزم له ~~كذكره، والحل يستلزم الصحة. # - التنبيه الثالث: قال صاحب المنهاج: "%اعلم أن جميع ما ذكرناه من العلل ~~لا يخلو من أحد ثلاثة أقسام، ولا رابع لها، الأول أن تكون العلة مطابقة ~~للاسم لا تزيد عليه ولا تنقص، أو تكون العلة غير موافقة الاسم قاصرة عما ~~تناوله، الثالث: أن تكون غير موافقة له بل متناولة لأكثر ما تناوله، فهذه ~~ثلاثة أقسام لا رابع لها، مثال الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا ~~تبيعوا الطعام بالطعام إلا ms338 مثلا بمثل"، قال: "فإذا كانت العلة ما زعمه ~~الشافعي، وهي الطعمية، فالعلة مطابقة للاسم مساوية له فيما تناوله. ومثال ~~الثاني: أن يقول - صلى الله عليه وسلم - : "الحنطة بالحنطة كيلا بكيل لا ~~غيرها"، ويجعل العلة فيه كونه مكيلا، فاللفظ أعم من العلة؛ لأنه يقع على ~~القليل والكثير، والعلة لا تتناول الحبة والحبتين منه؛ لأن ذلك لا يكال، ~~فاللفظ أعم منها. ومثال الثالث: تعليل قوله: "الحنطة بالحنطة" بالكيل أيضا، ~~فالعلة أعم من اللفظ، إذ تتناول الحنطة وغيرها كالنورة، فيقاس على الحنطة ~~كل مكيل، فالعلة لا يخلو حالها من أي هذه الأقسام، فحيث تكون مساوية للفظ ~~يكون القياس في حكم الضائع؛ لأن الحكم مأخوذ من عموم اللفظ، وإنما تذكر ~~العلة تأكيدا، وأما الثاني: وهو حيث العلة قاصرة عما تناوله اللفظ، ففيه ~~الخلاف الذي قدمنا هل تفسد العلة بذلك أم لا؟، رجح الحاكم فساد القياس ~~حينئذ، وأما الثالث: وهو حيث العلة أعم، فهو الموضع الذي يتسع فيه القياس، ~~وتكثر فروعه، قال: "فهذه أقسام مفيدة كما ترى"، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان اشتراط المناسبة في صحة اعتبار الوصف المنبه على أنه ~~علة، فقال: # والشرط في صحة ذي المراتب ... حصولها في قالب المناسب PageV02P132 وقيل ~~لا وقال قوم يشترط ... إن فهم التعليل عنده فقط # اختلف في اشتراط حصول مناسبة الوصف المنبه عليه بأحد مراتب الإيماء، ~~فقيل: يشترط ذلك، ومعناه أن الوصف المومي إليه لا يصح علة إلا إذا ظهرت ~~مناسبته للحكم، وقيل: لا يشترط ذلك بل يصح أن يكون علة، ولو لم تظهر ~~مناسبته للحكم، وقيل: يشترط ظهور المناسبة فيما إذا فهم التعليل عند ~~المناسبة، نحو: "لا يقضي القاضي وهو غضبان"، لا في ما عدا ذلك من المراتب، ~~واختار ابن الحاجب وغيره، قال صاحب المنهاج: "وهو عندي أصحها"، أي أصح ~~الأقوال، قال: "وتحقيق هذا القول أنه إن سبق إلى الفهم كونها علة لأجل ~~المناسبة، ولم تفهم عليتها من تنبيه النص إلا بنظر وتأمل؛ فلا حكم لذلك ~~التنبيه مع ما هو أوضح منه من المناسبة، وإن ms339 سبق إلى الفهم عليتها من تنبيه ~~النص، ولم تفهم المناسبة إلا بنظر وتأمل؛ فالحكم للتنبيه لأنه أقوى، ولا ~~تشترط المناسبة حينئذ، وهذا هو اللائق بالمسألة، والله أعلم. # ثم إنه اخذ في بيان طرق العلل المستنبطة، فقال: # ذكر طرق العلل المستنبطة # هذا وأما طرق المستنبطه ... سبر مناسب وشبه فاضبطه # والدوران الطرد والخلف بد ... في الكل لكن بعضها أقوى يدا # أي هذه بيان طرق العلة المنصوص عليها، قد تكلمنا فيه، وأما بيان طرق ~~العلة المستنبطة فهانحن نتكلم في بيان ذلك: # اعلم أن الحكم إذا كان معللا بعلة وردت عن الشارع أو إجماع المسلمين، ~~فتلك العلة معتبرة عند كمال شروطها بلا خلاف بين أحد من المسلمين حتى عند ~~من أنكر كون القياس دليلا شرعيا، فإنهم إنما ينكرون ذلك في غير العلل ~~المنصوص عليها، أما مع العلل المنصوص عليها يثبتون القياس هنالك لكنهم لا ~~يسمون إثبات الحكم بهذا الطريق قياسا، وإنما يسمونه نصا PageV02P133 ~~وتسميتهم له بذلك غير مسلمة؛ لأن النص إثبات الحكم من نفس الدليل الشرعي لا ~~من نفس العلة التي نص عليها الدليل، وإن لم يرد عن الشارع ولا عن الإجماع ~~تصريح شيء من الأوصاف أنه علة لشيء من الأحكام، فالمانعون من القياس يمنعون ~~من تعدية ذلك الحكم عن محله الذي نص عليه الشارع، والمجوزون للقياس يلتمسون ~~لذلك الحكم وصفا يعللونه به، ثم يجرون ذلك الحكم حيثما وجدوا ذلك الوصف، ~~والتماسهم لذلك يكون بأحد الأمور التي ذكرها المصنف في النظم، وهي السبر ~~والمناسبة والشبه والدوران والطرد، وسيأتي بيان كل واحد منها إن شاء الله ~~تعالى على هذا الترتيب عند ذكر المصنف لها، وفي كل واحد منها خلاف سيأتي ~~ذكر بعضه، بعضها أقوى من بعض، فإن المناسبة قد أثبتها كل واحد من اعترف ~~بالقياس، فهي أقوى من سائر الطرق والسبر أقوى من الشبه والدوران والطرد ~~والشبه كما ستعرفه، وأقواها المناسبة، وإنما قدمت السبر على المناسبة كصنيع ~~سائر الأصوليين نظرا إلى أن السبر قد يكون قطعيا، وهو ما قضى العقل بأن ~~الوصف المستبقي علة دون ms340 ما عداه، فهذا النوع من السبر لا خلاف فيه بين ~~مثبتي القياس، وإنما الخلاف فيما يكون منه ظنيا، فقيل: وهو قول الأكثر هو ~~حجة مطلقا لوجوب العمل بالظن، وقيل: ليس بحجة مطلقا؛ لجواز بطلان الباقي من ~~الأوصاف، وقيل: هو حجة إن أجمع على تعليل ذلك الحكم في الأصل، وعليه إمام ~~الحرمين، واحتجوا على ذلك بأن بطلان الباقي من الأوصاف يؤدي إلى خطأ ~~المجمعين، ورد بأنه لا يلزم من إجماعهم على تعليل الحكم # الإجماع على أنه معلل بشيء مما أبطل، فهذه ثلاثة أقوال، ورابعها أنه حجة ~~للناظر لنفسه دون المناظر لغيره؛ لأن ظنه لا يقوم حجة على خصمه، وأجيب بأن ~~هذا من قبيل إقامة الدليل على الغير، وإن لم يفد إلا مجرد الظن لوجوب العمل ~~بالدليل الظني، PageV02P134 فيتوجه عليه، ما لم يدفعه لطريقة، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان كل واحد من الطرق على حدة، فتكلم على السبر أولا، فقال: # فالسبر أن تحصر وصف لأصل ... مختبرا له بنور العقل # مثاله في علة الرباء ... الطعم والكيل إلى الإحصاء # فالكيل باطل وأما الطعم ... يصح أن يبنى عليه الحكم # ويكفي أن تقول قد بحثت ... فلم أجد غير الذي ذكرت # فإن بدا وصف سواه لزما ... إبطاله فإن فعلت سلما # ويحذف الوصف الذي قد علما ... إلغاؤه من الرسول فاعلما # كذاك ما لم يظهر المناسب ... فيه فإن وجهه مراقب # السبر في اللغة: الإختبار، يقال: سبرت الرجل، إذا اختبرت ما عنده، وفي ~~عرف أهل الأصول: حصر أوصاف الأصل، وإبقاء ما يصلح للتعليل منها، وحذف مالا ~~يصلح لذلك، فكأن السابر اختبر أوصاف أصل القياس، ويسمى في عرفهم التقسيم ~~أيضا؛ لتقسيمه بين الأوصاف الصالحة للتعليل، وبين ما لا يصلح لذلك، وكثيرا ~~ما يجمع بين الإسمين، فيقال له السبر والتقسيم معا، ويسمى أيضا: تنقيح ~~المناط، ووجه تسميته بذلك: هو أنه يهذب الوصف الصالح للتعليل، لأن التنقح ~~في اللغة: التخليص للشيء، والمناط: ما يعلق به الشيء، والمراد به هاهنا ~~الوصف الذي يعلل به الحكم، وأما تخريج المناط: فهو المناسبة وسيأتي، ويسمى ms341 ~~إثبات العلة للحكم: تحقيق المناط، بمعنى إثبات العلة بأي طريق كان، وإذا ~~تحقق لك وجه تسمية هذا الطريق وغيره، فاستمع إلى بيانه بالمثال، فنقول: ~~مثاله في علة الربا في البر الكيل أو الطعم أو الإقتيات او الإدخار إلى آخر ~~أوصاف البر، فيقول المستدل: هذه أوصاف البر التي تصلح للعلية، وبعضها أولى ~~من بعض، PageV02P135 فالكيل مثلا باطل لرجوعه إلى الأصل بالإبطال، وكذلك ~~الإقتيات لظهور ما هو أكثر فروعا منه، وهو الطعمية، فإنه شامل لكل مطعوم ~~كان مقتاتا به أو غير مقتات، فبقي بعد سبر أوصاف الأصل، واختبار أرجحها صفة ~~الطعم، فنقول هي العلة التي بني عليها تحريم الربا في البر، فنقيس على البر ~~كل ما وجد فيه صفة الطعم، ويكفي المستدل في بيان ذلك أن يقول: بحثت فلم أجد ~~إلا هذا؛ لأن الأصل عدم غير ذلك، فإن أظهر المعترض وصفا وجب على المستدل ~~إبطاله، وصح الحصر على الصحيح؛ لأن للمستدل أن يقول: هذا ما وجدت، ولم يدع ~~القطع، وهو صادق، وهذا معنى قوله: "فإن فعلت سلما"، أي فإن أبطلته سلم لك ~~الحصر، وقيل: يبطل الحصر؛ لنه ادعى الحصر فلم يتم. # أما قوله: "ويحذف الوصف" إلى آخره، فشروع في بيان طرق الحذف، اعلم أنه ~~لما كان طريق السبر مركبا من أمرين: أحدهما: إبقاء الوصف الذي يصلح للعلية، ~~وثانيها: حذف ما لا يصلح لذلك، وقد بين وجه ما يصلح للعلية نعد ذكر العلة، ~~وذكر شروطها، احتاج إلى بيان ما يجب حذفه من الأوصاف، فذكر للحذف طريقين، ~~والمذكور في كتب الأصول ثلاث طرق: # - الطريق الأول: يسمى بالطرد عندهم، وهو حذف الوصف الذي علم من الشارع ~~إلغاؤه مطلقا، كالطول والقصر في الإنسان، فغن هاتين الصفتين ونحوهما لم ~~يعتبرهما الشارع في شيء من الأحكام، فيجب على طالب بيان العلة حذفهما، ولا ~~يصح له التعليل بشيء منها، وأما ما علم إلغاؤه في بعض الأحكام، فكالذكورية ~~والأنوثية، فإن الشارع لم يعتبر شيئا منهما في حكم العتق، حيث أوجب عتق ~~الرقبة، فيجزي عتق الذكر والأنثى، وإن اعتبر الذكورية والأنوثية ms342 في القصاص ~~والديات، وغير ذلك من الأحكام، فيجب اعتبارهما حيث اعتبرهما الشارع، ~~وإلغاؤهما حيث ألغاهما، وجعل بعض الأصوليين PageV02P136 هذا المعنى طريقا ~~مستقلا في إفادة العلة، وسموه إلغاء الفارق، والحق أنه لا يفيد التعليل ~~بنفسه؛ لأنه لا يلزم من إلغاء بعض الأوصاف صلاحية الباقي للتعليل. # - الطريق الثاني: حذف ما لا تظهر مناسبته للحكم، فإن وجه المناسبة معتبر ~~في طريق السبر، ولا يلزم من المناسبة الظهور التام، كما هو في الطريق ~~الآتي، لكن يكون مناسبة هذا الطريق دون مناسبة ما يليه، فيكفي فيها ظهور ~~وجه ملائمة بين الوصف والحكم، ولو بأدنى موافقة، فما لا يظهر فيه شيء من ~~ذلك وجب حذفه، ولا يصح التعليل به، ويكفي الناظر: بحثت فلم أجد له مناسبة ~~للحكم، فإن ادعى المعترض أن المستبقي كالملغى في عدم المناسبة رجح سبر ~~المستدل لمناسبته للتعدية. # - الطريق الثالث: وهو المسمى عندهم بالإلغاء، وهو بيان إثبات الحكم ~~بالوصف المستبقي فقط، وذلك أن يستدل القائس على إثبات الحكم لأجل وصف، ~~ويلغي ذكر ما عداه من الأوصاف، قال ابن الحاجب: "وهذا الإلغاء يشبه نفي ~~العكس الذي لا يفيد صحة العلة"، قال: "وهذا الإلغاء وإن أشبه نفي العكس، ~~فليس منه؛ لأن القائس لم يقصد هاهنا لوكان المحذوف علة لانتفى عند انتفائه، ~~وإنما قصد لو كان المستبقي جزء علة لما استقل بإثبات الحكم لأجله، ولكن ~~يقال لا بد من أصل لذلك، فيستغني عن الأول"، قال صاحب المنهاج: "وأراد ~~باللأول إثبات الحكم بالإلغاء المذكور؛ لأنه أثبت الحكم به أولا، فيستغني ~~عنه بإثبات الأصل الذي احتاج في تقريره إليه، فهذه طرق الحذف التي ذكرها ~~الأصوليون"، قال ابن الحاجب: "وطريق العمل بالسبر والمناسبة وغيرهما أنه لا ~~بد من علة للحكم المشروع لإجماع الفقهاء على ذلك، ولقوله تعالى: { وما ~~أرسلناك إلا رحمة للعالمين } (الأنبياء: 107)، وهذا يقتضي أن في كل حكم ~~شرعه - صلى الله عليه وسلم - وجه مصلحة للعباد، وهو المراد من العلة"، قال: ~~"ولو سلمنا أن ذلك غير عام، فهو الغالب؛ لأن المتعقل للمصلحة أقرب إلى ~~الإنقياد إليه، فليحمل عليه ms343، وقد ثبت ظهورها بالسبر، وأما في PageV02P137 ~~المناسبة فظهرت بحصول المناسبة، فيجب اعتبارها في الجميع للإجماع على وجوب ~~العمل بالظن في علل الأحكام"، انتهى كلامه، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الطريق الثاني من طريق العلل المستنبطة، وهي ~~المناسبة، فقال: # وإن بدا من قوة المناسبة ... بينهما فذلك المناسبه # أي وإن بدا وجه العلية بين الوصف والحكم من قوة المناسبة بينهما؛ فمعرفة ~~العلة بهذا الطريق يسمى بالمناسبة، فالمناسبة في آخر الشطر الأول بمعنى ~~التناسب والتلاؤم والاتفاق، وفي آخر الشطر الثاني: علم على هذا الطريق، فلا ~~إيطاء في البيت، ومثال ما ظهرت عليته بقوة المناسبة كالإسكار في تحريم ~~المسكرات، فإن الإسكار لما كان مغيرا للعقل، وكان هو المقصود بخطاب الشارع، ~~ولأجله حمل الإنسان التكاليف ناسب أن يمنع الشارع من تغييره، وكذلك الصغير ~~في ثبوت الولاية، فإن الصغير لما كان غير مميز في أحواله، وغير حافظ لماله، ~~ناسب أن يجعل له من يحفظ له ماله، فأثبت له الشارع الولاية، وهكذا في جميع ~~ما أشبه ذلك. فالفرق بين هذا الطريق والذي قبله: أن العلة في هذا الطريق ~~تعرف من نفس المناسبة من غير حصر وإبقاء وحذف، وفي السبر لا تعرق العلة إلا ~~مع ذلك، فالمناسبة في السبر شروط لصحة العلة، والمناسبة هاهنا طريق إلى ~~معرفة العلة. # واعلم أنه قد اختلفت أقوال العلماء في بيان هذا الطريق، ولا بأس بإيراد ~~ما تيسر منها كشفا لحقيقة المقام، وتوضيحا للطالب، قال ابن الحاجب%: ~~"المناسبة والإخالة، وتسمى تخريج المناط، وهو تعيين العلة بمجرد إبداء ~~المناسبة من ذاته، لا بنص ولا إجماع ولا غيرهما، كالإسكار في تحريم الخمر؛ ~~لأجل حفظ العقل، والقتل العمد العدواني في القصاص، فالعقل يقتضي أنه الموجب ~~للقصاص لحفظ النفوس، كما نبه الله عليه في قوله: { ولكم في القصاص حياة يا ~~أولي الألباب } (البقرة: 179)، وقالت العرب: "القتل أنفى للقتل"، فهذا معنى ~~المناسبة عند ابن الحاجب، وإنما سمي هذا الطريق إخالة PageV02P138 لأنه ~~بالنظر إليه يخال ويظن أنه علة، وسمي تخريج المناط؛ لأن التخريج هو ~~الإستنباط، والمناط متعلق ms344 الحكم، قال البدر: "وهذا الطريق هو الأغلب في ~~المناظرات"، قال: "وهو أن يثبت الناظر علة في الأصل بمجرد ظهور مناسبته ~~بينهما وبين الحكم، لا بنص ولا بغيره، كالإسكار للتحريم، وقال الأزميري أن ~~صلاح الوصف للحكم وملائمته ومناسبته كلها عبارة عن نعنى واحد، وهو موافقته ~~للحكم بأن تصح إضافة الحكم إليه، ولا يكون نائبا عنه، كإضافة ثبوت الفرقة ~~في إسلام أحد الزوجين إلى إباء الآخر عن الإسلام؛ لأنه يناسبه لا إلى وصف ~~الإسلام؛ لأنه ناب عنه لأن الإسلام عرفا عاصم لا قاطع لها، وقال أبو زيد ~~الدبوسي الحنفي: "المناسب ما لو عرض على العقول تلقته بالقبول"، ويرد عليه ~~أنه غير ملزم للخصم، إذ له أن يقول هذا الوصف لا يتلقاه عقلي، وأجيب بأن ~~الملائمة لا تعتبر للإلزام بل لصحة العمل به في نفسه، فإن العمل بالوصف قبل ~~الملائمة لا يصح، وإنما الإلزام بعد ظهور الملائمة، وقال بعضهم: الوصف ~~المناسب هو الملائم لأفعال العقلاء في العادات، وقال الآمدي: "إن المناسب ~~في الاصطلاح وصف ظاهر منضبط يحصل عقلا من ترتيب الحكم عليه ما يصلح أن يكون ~~مقصودا للعقلاء"، والمقصود إما حصول مصلحة أو دفع مفسدة، والمصلحة: اللذة ~~ووسيلتها، والمفسدة: الألم ووسيلته، وكلاهما نفسي وبدني، دنيوي وأخروي، ~~وفسر الغزالي المناسبة بما هو على منهاج المصالح، بحيث إذا أضيف إليه الحكم ~~انتظم، كقولنا: حرمت الخمر؛ لأنها تزيل العقل الذي هو ملاك التكليف، لا ~~كقولنا: حرمت الخمر؛لأنها تقذف بالزبد، والله أعلم. # هذا ما تيسر ذكره من أقوال العلماء في بيان حقيقة المناسبة، فلنأخذ الآن ~~في بيان أقسامها، قال المصنف: # وسمه إذا أتى معتبرا ... بالنص أو إجماعهم مؤثرا # مثاله التحريم للإسكار ... وهكذا القتال للكفار PageV02P139 وإن أتى ~~والحكم في محل ... فإنه ملائم فاستجل # مثاله تأثير عين الصغر ... جنس الولايات لطفل أصغر # وإن أتى والإعتبار قد جهل ... فذاك مرسل أجيز أو حظل # ومذهب الأصحاب أن يعللا ... به لما دل عليه مجملا # مثاله جعلهم الميراثا ... لطالق في مرض ثلاثا # وإن يكن إلغاؤه قد علما ... فهو الغريب أخذه قد حرما ms345 # كعدم اجتزائه بالعتق ... مظاهر لغرض في الحق # وربنا أوجبه مقدما ... ثم الصيام بعده إن عدما # وأوجب الصيام في ابتداء ... فقيههم مع ذلك الإلغاء # اعلم أن الوصف المناسب ينقسم إلى تقسيمات ثلاثة: التقسيم الأول: باعتبار ~~شرع الحكم، والتقسيم الثاني: باعتبار حصوله، والتقسيم الثالث: بالنظر إلى ~~اعتبار الشارع له. # أما التقسيمان الأولان فقد تقدم الكلام عليهما؛ لأن الأول هو نفس الحكمة ~~التي هي قسمناها إلى ضروري وغير ضروري، وحاجي وغير حاجي فيما تقدم، ~~والتقسيم الثاني: هو الذي ذكرناه في حصول المقصود من شرع الحكم. # وأما التقسيم الثالث: فهو الذي ذكرناه في هذه الأبيات، اعلم أن الوصف ~~المناسب ينقسم بالنظر إلى اعتبار الشارع إياه إلى أربعة أقسام: مؤثر وملائم ~~وغريب ومرسل، ووجه انحصاره في هذه الأربعة هو أن الوصف المناسب إما أن ~~يعتبر الشرع عينه في عين الحكم، فهو المؤثر، وإما أن يعتبره بترتيب الحكم ~~على وفقه بحيث يوجد هو، والحكم في محل واحد، فهو الملائم، وإما أن لا ~~يعتبره أصلا بل إلغاه، فهو الغريب، وإن لم يعلم اعتباره ولا إلغاؤه، فهو ~~المرسل، ولابد من بيان كل واحد من هذه الأقسام الأربعة. # - أما القسم الأول: وهو المؤثر فهو أن يعتبر الشرع عين الوصف في عين ~~الحكم بنص أو إيماء أو إجماع مثاله: اعتبار تأثير عين الإسكار في عين ~~التحريم الدال عليه قوله - صلى الله عليه PageV02P140 وسلم - : "كل مسكر ~~حرام"، وكاعتبار عين الشرع في عين القتال الدال عليه الإيماء من قوله ~~تعالى: { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } (التوبة: 5)، فإن الشرك علة ~~للقتل، وهو وصف مناسب له لأنه لو ترك المشرك وشأنه ما ظهر الإسلام، فهو من ~~الضروريات الدينية، وكاعتبار مس الذكر في نقض الوضوء المستفاد من حديث: "من ~~مس ذكره، فليتوضأ"، وكاعتبار عين الحدث في عين القيء والرعاف الدال عليه ~~قوله - صلى الله عليه وسلم - : "من قاء أو رعف في صلاته فلينصرف وليتوضأ"، ~~فإنه اعتبر عين القيء والرعاف في عين الحدث في الصلاة، فأوجب الانصراف ~~والتوضؤ، ومثال ما اعتبر الشرع الإجماع عينه في عين الحكم ms346 تعليل الولاية في ~~المال بالصغر، فإنه اعتبر عين الصغر في الولاية في المال بالإجماع. # - وأما القسم الثاني: وهو الملائم فهو أن يعتبر الشرع الوصف المناسب في ~~محل الحكم، وذلك بأن يكون قد ثبت بنص أو إجماع اعتبار الوصف بعينه في جنس ~~الحكم الذي نريد القياس عليه، كالتعليل بالصغر في حمل النكاح على المال في ~~الولاية، فإن عين الصغر معتبرة في جنس الولاية بتنبيه الإجماع على الولاية ~~على الصغير أو اعتبر جنس العلة في عين الحكمن كالتعليل بالحرج في حمل الحضر ~~في حال المطر على السفر في رخصة الجمع، إن جنس الحرج معتبر في عين رخصة ~~الجمع بما روي أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يجمع في السفر، او اعتبر جنس ~~العلة في جنس الحكم، كالتعليل بالقتل العمد العدواني في حمل المثقل على ~~المحدود في القصاص، فإن جنس الجناية معتبر في جنس القصاص، كالأطراف والعين ~~والأذن، فإن الشرع لما سوى بين المثقل والمحدد في الأطراف حسن قياس النفوس ~~عليها لاشتراكهما في جنس العلة التي هي الجناية التي نبه عليها قوله تعالى: ~~{ النفس بالنفس }، إلى قوله: { والجروح قصاص } (المائدة: 45)، فاعتبر جنس ~~الجناية في جنس القصاص، فيقول الشافعي للحنفي: حيث لم يوجب قصاصا على ~~القاتل بالمثقل قتل عمد عدواني، فيجب القصاص كالقتل PageV02P141 بالمحدود، ~~فهذا مناسب، وقد اعتبر الشرع جنسه في جنس الحكم في غير محل النزاع؛ لأن ~~الآية اعتبرت جنس الجناية جملة في جنس القصاص في النفوس والأطراف وغيرهما. # - أما القسم الثالث: وهو الغريب فهو ما علم من الشارع إلغاؤه، كإيجاب ~~صيام شهرين في كفارة الظهار أو القتل ابتداء لمن علم منه أنه لا ينزجر عن ~~ذلك بنفس العتق، فإن الارتداع عن الدخول في المحجورات مشروع لكن الشارع لم ~~يعتبر هذا المناسب في هذا المحل بل ألغاه، وأوجب العتق عند وجوده، ثم ~~الصيام عند عدم العتق لجميع الناس، فلم يفرق فيه بين بين من يردعه ذلك وبين ~~من لا يردعه، فالقول بأن العتق لا يجزي في كفارة الظهار أو القتل لمن لا ~~يردعه ms347 العتق اعتبار لناسب قد ألغاه الشارع، فلا وجه له، وقد أفتى يحي بن ~~يحي الأندلسي- من أصحاب مالك- عبد الرحمن الأموي ملك الأندلس، قيل: وقد ~~واقع في نهار رمضان بصوم شهرين متتابعين نظرا منه على الملك يسهل عليه بذل ~~المال لا سيما شهوة الفرج، فرأى الصيام أردع له، ولما أفتاه بذلك، قيل له ~~لما خرج من عنده لم لم تفته بمذهب مالك، وهو التخيير بين الإعتاق والصوم ~~والإطعام، فقال: "لو فتحنا هذا الباب سهل عليه أن يطأ في كل يوم ويعتق رقبة ~~لكن حملته على أصعب الأمور لئلا يعود"، لكن رد عليه بأن الشارع ألغى هذا ~~المناسب بإيجابه الإعتاق ابتداء من غير تفرقة بين ملك وغيره. # وإنما سمي هذا القسم بالغريب لبعده عن الإعتبار. # - وأما القسم الرابع: وهو ما لم يدل دليل على اعتباره، ولا إلغائه، فهو ~~المرسل، ويعبر عنه بالمصالح المرسلة، وبالاستطلاح، وقد اختلف في صحة ~~التعليل به، فقبله مالك بن أنس مطلقا رعاية للمصلحة حتى جوز ضرب المتهم ~~بالسرقة ليقر، ورده الأكثر العلماء مطلقا لعدم ما يدل على اعتباره، ورده ~~قوم في العبادات؛ لأنه لا نظر فيها للمصلحة بخلاف غيرها كالبيع والحد، وقد ~~شرط الغزالي في قبوله شروطا ثلاثة: أن تكون PageV02P142 ضرورية لا حاجية، ~~وقطعية لا ظنية، وكلية لا جزئية، أي مختصة بشخص، مثاله: كما لو تترس الكفار ~~بجمع من المسلمين، وعلمنا أنا إن تركناهم استولوا علينا وقتلونا، ولو رمينا ~~الترس لتخلص أكثر المسلمين، فتكون المصلحة ضرورية؛ لأن صيانة الدين، وصيانة ~~نفوس عامة المسلمين داعية إلى جواز الرمي إلى الترس، وتكون قطعية أيضا؛ لأن ~~حصول صيانة الدم، ونفوس المسلمين برمي الترس قطعية لا ظنية، كحصول المصلحة ~~في رخص السفر، فإن السفر مظنة المشقة، وتكون كلية أيضا إذ استخلاص عامة ~~المسلمين مصلحة كلية، فخرج بشرط الضرورة ما لو تترس الكافر في قلعة بمسلم ~~لا يحل رمي الترس؛ لأن فتح القلعة ليس بيقين برمي الترس، فلا يكون الرمي ~~إلى الترس ضروريا، وبالقطعية ما إذا لم نعلم تسلطهم علينا إن تركنا ms348 رمي ~~الترس، وبالكلية ما إذا لم تكن المصلحة كلية، كما إذا كانت جماعة في سفينة، ~~وثقلت السفينة، فإن طرحنا البعض في البحر نجا الباقون، لا يجوز طرحهم؛ لأن ~~المصلحة ليست بكلية، قال ابن السبكي: "واشترط الغزالي هذه الشروط الثلاثة ~~للقطع بالقول به، لا لأصل القول به، أي فجعلها منه مع القطع بقبولها، وأنت ~~إذا تأملت مذهب الأصحاب رحمهم الله تعالى وجدتهم يقبلون هذا النوع من ~~المناسب، ويعللون به لما دل عليه مجملا، أي وإن لم يدل دليل على اعتباره ~~بعينه أو جنسه، فإن الأدلة الشرعية دالة على اعتبار المصالح مطلقا، كما في ~~قوله تعالى: { ويسألونك عن اليتامى # قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح } ~~(البقرة: 220)، مع أن المقاصد الشرعية إنما اعتبرت المصالح جملة وتفصيلا، ~~فينبغي إلحاق ما لم يعلم اعتباره منهما بما علم اعتباره لعلمنا بمرعات ~~الأصلحية منه تعالى تفضلا على خلقه، وتكرما على عباده، لا ووجبا ولا ~~إيجابا، فمن ذلك جعل بعض الأصحاب الميراث للمطلقة في المرض ثلاثا، فلا ترث ~~منه قياسا على حرمان القاتل الميراث بجامع أن كل واح من التطليق المذكور ~~والقتل فعل محرم لغرض PageV02P143 فاسد، فإن الشرع لم يعتبر إثبات ميراث ~~لمن لا ميراث له، لأجل صدور ما يسقط به لقصد إسقاطه، فلم يعتبر الشرع عين ~~هذه العلة، ولا جنسها في عين إثبات الميراث، ولا جنسه، والأصحاب اعتبروا ~~ذلك فعارضوه بنقيض قصده حتى يصير الحكم بتوريث المبتوتة معارضا له بنقيض ~~قصده، فإن قصد المطلق ثلاثا في المرض حرمان الميراث، وقصد قاتل موروثه ~~استعجال الميراث له، فكان مناسبا كما ترى لكن الشارع لم يعتبره في واحدة من ~~الحيثيات المتقدمة، فكان مناسبا مرسلا. # واعلم أن لهذا النوع أمثلة كثيرة منها حظر النكاح على من عرف من نفسه ~~العجز عن الوطء، وهو يخشى عليها المحذور، فإن من قال إن الدخول في نكاح من ~~يخشى عليها إن لم توطأ الوقوع في المحظور، وهو يعرف من نفسه العجز عنه ~~محظور لا حجة له على حظره إلا ms349 PageV02P144 القياس المرسل، وهو أنه عرضها ~~لفعل قبيح، والشرع يمنع من تعريض الغير لفعل القبيح في بعض الصور، نحو ~~المنع من الخلوة بغير المحرم من النساء، ولو عرف من نفسه أنه يحترز من ~~المعصية، ومنها: قتل الزنديق، وهو من ينكر القول بحدوث العالم، قال صاحب ~~المنهاج: "فقد اختلف العلماء إذا ظفرنا به، وأظهر التوبة، فقيل: تقبل كسائر ~~الكفار، وقيل: لا تقبل توبته، بل يقتل بكل حال إذ مذهبه جواز التقية، بأن ~~يظهر خلاف ما يتدين به، فلو قبلناها لم يكن زجر زنديق أصلا، والزجر مقصود ~~في الشرع، فلم يرجع لذلك إلى أصل معين قد اعتبره الشرع بل رجع فيه إلى ~~مصلحة جميلة اعتبرها الشرع، وهو الزجر على سبيل الجملة، ومنها رمي البغاة ~~بالمنجنيق، وتهديم معاقلهم التي يخشى ببقائها عوهم إلى البغي بتحصنهم فيها، ~~وبتمنعهم عن إنفاذ حكم الله فيهم، ومنها إضاعة أموالهم التي تكون لهم قوة ~~على بغيهم، كطمس أنهارهم، وخشي نخيلهم، ومنها قطع المواد عنهم، ومنع أن يصل ~~شيء إليهم، فإن القائل بجميع ذلك من أصحابنا لم يكن له مستند إلا القياس ~~المرسل، وهو النظر فيما يعود نفعه للإسلام، وظهور العدل، ولم يكن شيء من ~~ذلك بعينه ولا بجنسه معتبرا بنص الشارع أو الإجماع، ومنها ما قاله الشيخ ~~أبو المؤثر في حرق بيوت القرامطة، فإنه أمر بحرقها بعد خروجهم منها؛ لئلا ~~يعودوا إليهان فقيل له: إن كان القوم مسلمين فلا يحل حرق بيوتهم، وإن كانوا ~~مشركين فهي غنيمة للمسلمين، ولا يحل حرقها أيضا، فأعرض عن القائل مغضبا، ~~وقال: "لا بد من للقوم من مخاصم أحرقوها لئلا يعودوا إليها"، ولا مستند ~~لأبي المؤثر في هذه المسألة إلا القياس المرسل، وهو النظر في صلاح # الإسلام وأهله حتى لا يكون للقرامطة ملجأ يلجئون إليه، ونحو ذلك كثر في ~~آثار أصحابنا وغيرهم، ثم غن ما ذكرته من تقسيم المناسب هو طريقة لبعض ~~الأصوليين، وقسمه آخرون إلى تقسيم غير هذا، فلا نطيل بذكر ذلك، وللحنفية ~~فيه تقسيم يخالف ما ذكرته، ويخالف ما ذكره الأصوليون من ms350 الأصحاب والشافعية ~~والمعتزلة، فلا نطيل بذكره أيضا، والله أعلم، وبه التوفيق. # ثم إنه أخذ في بيان الطريق الثالث من الطرق المستنبطة، وهو الشبه، فقال: # والشبه أن ينعدم المناسب ... ويبقى فيه شبه مقارب # مشابهه في غالب الأحوال ... كالعبد مثل الحر أو كالمال # وقد يكون شبها في الصور ... كالخيل في الزكاة مثل الحمر # وشعر يحجر منه النظر ... أبين مثل شعر لا يحجر # اعلم أن للشبه معنيين: أعم وأخص، أما الأعم: فهو ما يرتبط الحكم به على ~~وجه يمكن القياس عليه، وهو متناول لجميع العلل التي يمكن معها القياس، وأما ~~الأخص: فهو ما يتعلق الحكم به أولى من تعليقه بنقيضه، وهذا المعنى هو ~~المراد هاهنا، وقد اضطربت في تعريفه أقوال الأصوليين، حتى قال ابن السبكي: ~~"الشبه منزلة بين المناسب والطرد"، ولم أجد لأحد تعريفا صحيحا فيها، قال ~~السعد: "وتحقيق كون الشبه من المسالك أن الوصف، PageV02P145 كما أنه يكون ~~مناسبا، فيظن بذلك كونه علة كذلك يكون شبها، فيفيد الظن بالعلية، وقد ينازع ~~في إفادته الظن، فيحتاج إلى إثباته بشيء من مسالك العلة إلا أنه لا يثبت ~~بمجرد المناسبة" انتهى، ولا حاجة إلى نقل أقوالهم في بيان حقيقة هذا ~~المسلك؛ لأن ذلك مما يبعده من فهم المسترشد، فلنكتفي في بيان حقيقته بما ~~مر، وقد اختلفوا في إفادة هذا الطريق للعلية، فقال الشافعي: "هو حجة نظرا ~~لشبهه بالطرد"، وقال الفخر الرازي: "المعتبر في قياس الشبه ليكون صحيحا ~~حصول المشابهة بين الشيئين لعلة الحكم أو مستلزمها"، قال ابن السبكي: ~~"وأعلاه- أي أعلى قياس الشبه على القول بحجيته: قياس غلبة الاشتباه في ~~الحكم والصفة، ثم القياس الصوري"، ومعنى كلامه: أن الطريق الذي هو الشبه ~~يكون شبها في الحكم، ويكون شبها في الصورة، وقد يكون غير ذلك أيضا، فأما ~~المشابهة في الحكم، فنحو: غرم العبد، إن شبهناه بالقيميات المملوكة وجبت ~~قيمته بالغة ما بلغت، وإن رددناه على الحر لشبهه به لم يتعد غرمه دية الحر، ~~فرجح الشافعي وبعض أصحابنا قياسه على القيميات المملوكة؛ لأن شبهه بها أغلب ~~أحواله، بيان ms351 ذلك أنه أشبهها في كونه يباع ويوهب ويوقف ويؤجر ويعار ويوصى ~~به ويرهن ويودع ويضمن، ولم يشبه الحر إلا في كونه مكلفا حاملا للأمانة، ~~مأمورا منهيا، ورجح سائر أصحابنا شبهه بالحر، فردوه إلى دية الحر، إن زادت ~~قيمته عن ذلك، ومن ذلك النكاح الفاسد، فإنه يشبه الزنا لكونه ممنوعا من # الإقدام عليه، ويشبه النكاح الصحيح في ثبوت المهر والنسب، ومن ذلك ~~اختلافهم في المعتقة التي تحت حر، هل تخير تشبيها بالتي تحت العبد إذا ~~أعتقت؟ أم لا تخير كمن كرهت كفؤها؟، ومن ذلك الخلاف في وجوب النية في ~~الوضوء، هل تجب لشبهه التيمم لكونه طهارة يراد بها الصلاة؟ أم لا تجب ~~لكونها طهارة بالماء كإزالة النجاسة؟، وأما الشبه في الصورة فكقياس الخيل ~~على الحمير PageV02P146 والبغال في عدم وجوب الزكاة، وكقياس شعر المرأة بعد ~~قطعه بشعر رأس الرجل في إباحة النظر إليه، وهو معنى قوله: "وشعر يحجر منه ~~النظر"إلخ، ومعنى أبين: قطع، وبيان ذلك أن شعر المرأة لا يحل النظر إليه، ~~فإذا قطع فقد قيل: بإباحة النظر إليه، ولا مستند للقائل بذلك إلا قياسه على ~~شعر رأس الرجل، والاجمع بينهما المشابهة في الصورة، ومثله شعر العانة، ومن ~~ذلك الخلاف في جزاء الصيد، فالواجب مثله لظاهر الآية، فيحتمل مثله في ~~الخلقة على ما يقوله أهل المذهب، ويحتمل مثله في القيمة على ما يقوله ~~غيرهم، وجعله مثله في الخلقة هو الشبه الصوري، ومن ذلك قياس القعدة الأخيرة ~~في الصلاة على القعدة الأولى في عدم الوجوب عند القائلين بذلك لاشتباه ~~صورتيهما، وكيفية تركيب القياس في ذلك أن تقول: قعود على صفة مخصوصة، يؤدي ~~فيه الشهادتان، فلا يجب كالقعود الأوسط في الرباعية، ونحو ذلك كثير، ~~والمشابهة في الأحكام أقوى من المشابهة في الصورة، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الطريق الرابع من الطرق المستنبطة، وهو الدوران، فقال: # والدوران أن يدور الوصف مع ... حكم إذا دار وإن زال ارتفع # فإنه بالدوران يعلم ... بأنه علته ويحكم # مثاله التحريم عند الشدة ... وينتفي عند انتفاء الحدة # اعلم ms352 ان الدوران عبارة عن وجود وصف من الأوصاف مع حكم من الأحكام، وعدمه ~~مع عدمه، أي إذا وجد ذلك الوصف وجد معه ذلك الحكم، وإن زال ذلك الوصف زال ~~معه الحكم، فالوصف دائر مع الحكم وجودا وعدما، وسماه ابن الحاجب "الطرد ~~والعكس"، فالطرد: عبارة عن وجود الوصف حيث وجد الحكم، والعكس عبارة عن زوال ~~الوصف مع زوال الحكم، مثاله: تحريم الخمر مع الشدة، فإنه قبل وجودها يكون ~~عصيرا لا حرمة فيه، وبعد زوالها يكون خلا لا حرمة PageV02P147 فيه أيضا على ~~المختار، فوجود الشدة مع وجود التحريم، وعدمها مع عدمه، فعلم من ذلك أن ~~الشدة علة للتحريم مثلا، ومن ذلك رضى المرأة في صحة التزويج، وإن كانت ~~ثيبا، كما هو المذهب خلافا للشافعي حيث جعل الثيوبة علة الرضا، وقد اختلف ~~في إفادة هذا الطريق للعلية على مذاهب: # - المذهب الأول: أن هذا طريق شرعي تثبت به العلة، فتقتضي الحكم حيث وقعت، ~~ونسب هذا القول لأبي الحسين وأبي الحسن الكرخي وغيرهما، وهو قول ابن بركة ~~العماني البهلوي، ويقول أبي الحسين: هو معتمد القياس، ثم اختلف القائلون ~~بذلك على قولين، فمنهم من ذهب إلى انه يفيد العلية ظنا، وهو قول الأكثر، ~~ومنهم من ذهب إلى أنه يفيدها قطعا، قال المحلي: "وكان قائل ذلك قاله عند ~~مناسبة الوصف للإسكار لحرمة الخمر". واعترض بأن مناسبة الوصف لا تمنع ~~الاحتمال، ولا تستلزم العلية لجواز أن يكون وصف مناسب، وليس هو العلة. # - المذهب الثاني: لأبي عبد الله البصري، واختاره العضد أن ذلك ليس بطريق ~~مطلقا لا في العقليات ولا في الشرعيات. # - المذهب الثالث: لبعض الأصوليين، أنه طريق إلى معرفة العلة بشرط أن ~~يتقدمه إجماع على أن الحكم معللا أو دلالة على ذلك، ثم تحصل طريقة سبر، وهو ~~حصر الأوصاف المحتملة، وإبطال كون الدوران طريقا مستقلا، قال صاحب المنهاج: ~~"ونحن نقول بخلاف هذه الأقوال كلها، وقد أوضحناه بقولنا: وإنما يكون طريقا ~~إلى العلة حيث يعلم وجوب التعليل للحكم جملة، إما بإجماع على ذلك، أو ~~بدليل، كقوله تعالى: { وما أرسلناك ms353 إلا رحمة للعالمين } (الأنبياء: 107)، ~~كما قدمناه آنفا، وإن لا يحصل إجماع ولا دليل على وجوب تعليل الأصل المقيس ~~عليه، فموضع اجتهاد للمجتهد، يعمل فيه بحسب ما يظهر له PageV02P148 من ~~القرائن المرشدة إلى أن الوصف علة، نحو: أن يكون لبعض الأوصاف تأثير في ~~الحكم، وليس لبعضها مثل ما له من الأثرية، فيكون أولى"، قال: "والحجة لنا ~~على ما اخترناه: أن الوصف الذي دار عليه الحكم إثباتا ونفيا إذا خلا عن ~~طريقة السبر، وأن الأصل عدم الأصل، أو غير ذلك من المرجحات للعلية جاز أن ~~يكون ملازما للعلة، وليس بعلة كرائحة المسكر، فلا قطع ولا ظن لكون العلة ~~حينئذ"، قال: "واعلم أنا في اختيارنا هذا لم نبطل به كون الدوران طريقا إلى ~~العلة مستقلا، بل نحن نجعله طريقا يحتاج إلى تقويته بما ذكرنا"، قال: "وقد ~~أشار ابن الحاجب إلى مثل ما اخترناه"، هذا كلامه، مع اختصار، وبعض تصرف. # - واحتج أهل القول الأول: وهم المثبتون لهذا الطريق بأنه إذا حصل ~~الدوران، ولا مانع من العلية حصل العلم أو الظن عادة بأن العلة كما إذا دعي ~~إنسان باسم فغضب، ثم ترك فلم يغضب، وتكرر ذلك علم أنه سبب للغضب، حتى أن ~~الأطفال يعملون ذلك. وأجيب: بأنه لولا ظهور انتفاء الأسباب من غير دعائه به ~~لم يظن. # - واحتج المانعون من قبوله مطلقا بأن وجود الوصف مع الحكم، وانتفاؤه مع ~~انتفائه لا يلزم منه كون ذلك الوصف علة للحكم، لجواز أن يكون الوصف ملازما ~~للعلة لا نفسها، كرائحة المسكر المخصوصة، فإنها دائرة معه وجودا وعدما، ~~وليس علة. ورد بأن ملازمة الوصف للعلة المقتضى عدم انفكاك أحدهما عن الآخر ~~يقتضي وجود العلة، وإن لم تعلم عينها، وهذا ينبغي أن يكون كافيا في ~~المقصود، إذ حيث علم وجود علة الأصل في الفرع، فينبغي أن يصح القياس من غير ~~احتياج لتعيين العلة، فجواز ما ذكر يقتضي خلاف مطلوب هذا القول، فكيف يستدل ~~به عليه؟! وبالجملة فإن أريد الاستدلال على انتفاء العلة لم يصح أو على ~~تعيينها لم يفد. # احتج ms354 أرباب القول الثالث، وهم المثبتون لحجيته بعد العلم بالتعبد بالقياس ~~بأن PageV02P149 طرق العلل الشرعية كطرق العقلية، فكما أن دوران الحكم على ~~الوصف نفيا وإثباتا طريق إلى العلة العقلية، كذلك نقول في العلة الشرعية ~~بعد ورود التعبد بالقياس، وأنت خبير بأن هذا القول راجع إلى القول بثبوت ~~الدوران لكن فيه زيادة قيد، وهو قولهم بعد العلم بالتعبد بالقياس فظاهره أن ~~من لم يعلم ذلك فلا يصح له أن يثبت العلية بهذا الطريق، وثبوت ذلك غير ~~متوقف على ما ذكروه؛ لأن الغرض من ثبوته بيان أنه طريق لمعرفة العلة وكونه ~~طريقا إلى ذلك غير مستلزم للعلم بالتعبد بالقياس والله أعلم، ثم إنه أخذ في ~~بيان الطريق الخامس من طرق العلة المستنبطة وهو الطرد فقال: # والطرد يوجد حيث وجد ... ولا يزول الوصف حيث فقد # ولم يكن مناسبا والأعدل ... رد قبوله، وقيل يقبل # اعلم أن الطرد عن وجوب الوصف حيث وجد الحكم ولو لم ينعدم عند انعدامه ~~وبهذا المعنى فارق الدوران، فإن الدوران وجود الوصف مع وجود الحكم وعدمه مع ~~عدمه كما مر بيانه، واشترطوا في الطرد عدم مناسبة الوصف للحكم فإنه إن ~~ناسبه كان من باب المناسبة، لا من باب الطرد، ولم يشترطوا عدم المناسبة في ~~الدوران بل ظاهر كلامهم أن الوصف في الدوران قد يكون مناسبا، وقد يكون غير ~~مناسبا، فإن قيل إنه إذا كان الوصف مناسبا فالإثبات بالمناسبة لا بالدوران. # أجيب: بأن الكلام في الإثبات بالدوران من حيث أنه دوران من غير نظر فيه ~~للمناسبة، ولذا اختلف؛ هل يفيد علة الوصف المدار، أم لا، ولو نظر للمناسبة ~~لتعين الوصف للعلية؛ فالفرق بين الدوران والطرد من وجهين أحدهما عدم ~~الإنعكاس في الطرد، وهو موجود في الدوران، وثانيهما اشتراط عدم المناسبة في ~~الطرد، ولا يشترط ذلك في الدوران، وقد اختلف العلماء في إفادة هذا الطريق ~~العلية؛ فقبله بعض من قبل الدوران، ورده الأكثر، وقيل إن PageV02P150 قارن ~~الوصف الحكم فيما عدا صورة النزاع أفاد العلية؛ فيفيد الحكم في صورة ~~النزاع، وعليه الفخر الرازي، وقيل ms355 تكفي المقارنة في صورة واحدة لإفادة ~~العلية، والصحيح قول الأكثر؛ لأن الطرد تعليق الحكم بالعلة في الفرع، وذلك ~~فرع على صحتها في الأصل فيلزم الدور. # واحتج المثبتون له بأمرين أحدهما أن العلة العقلية متى لم يدفعها دافع ~~وجب الحكم بكونها علة، فكذا الشرعية، وثانيهما أنه إذا كان قصورها دليل ~~فسادها كان تعديها دليل صحتها، وأجيب عن الأول بأنه إذا لم يدفع العقلية ~~دافع بعد ثبوت كونها علة بطريق لزم عليتها، وأما إذا لم يكن قد ثبتت عليتها ~~بوجه آخر لم يجب الحكم بعليتها، وكذا القول في الشرعية، وأجيب عن الثاني ~~بأنه ليس القصور دليل الفساد سلمنا؛ فلا يلزم أن انتفاؤه دليل للصحة؛ لأن ~~الشيء إذا دل على حكم لا يلزم أن يدل نقيضه على نقيض ذلك، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان تقسيم القياس جملة، وجعل ذلك خاتمة لمباحث أركان ~~القياس، فقال: # خاتمة # وقسموا القياس للجلي ... إن كان واضحا وللخفي # أما الجلي فهو ما قد علما ... أن الذي يفرق فيه عدما # وعكسه الخفي إذ لم يعلم ... عدمه لكن يظن فاعلم # قسم الأصوليون القياس إلى جلي وخفي، فأما الجلي فهو ما علم فيه نفي ~~الفارق بين الأصل والفرع، كالأمة والعبد في سراية العتق؛ لأنه ورد في الخبر ~~عنه صلى عليه وسلم أنه قال: " من أعتق شقصا له في عبد قوم عليه الباقي"؛ ~~فورد النص في العبد دون الأمة، وأجمعت الأمة على أنه لا فارق بينه وبينها ~~في ذلك، ومثله قوله تعالى في الإماء الزواني ? فعليهن نصف ما على المحصنات ~~من العذاب } (النساء: 25)؛ فأوجب نصف الحد على الإماء، ولم يذكر العبد لكن ~~أجمعت الأمة على أنه لافارق بين الأمة والعبد في نتصيف الحد؛ فهذا قياس جلي ~~عند الجمهور. # وأما الخفي فهو نقيض الجلي، وهو ما لم PageV02P151 يقطع فيه بانتفاء ~~الفارق بين الفرع والأصل بل قامت عليه أمارة ظنية، وهو ما تجاذبته أصول ~~مختلفة الحكم يجوز رده إلى كل واحد منها، ولكنه أقوى شبها بأحدهما مثاله: ~~الوضوء عبادة فتجب فيه النية كإزالة ms356 النجاسة فقد تجاذبه أصلان، وهما الصلاة ~~وإزالة النجاسة سمي خفيا لافتقاره إلى نظر في ترجيح أي الشبهين، وترجيح أحد ~~الشبهين على الآخر يسمى بقياس غلبة الأشباه، ويسمى القياس الجلي أيضا قياسا ~~في معنى الأصل، وقد اختلف الأصوليون في تحديده؛ فمنهم من قال: إلحاق ما لا ~~نص فيه بما فيه نص إذا كان من جهة فهم المعنى لا يتناول اللفظ، وقالوا ما ~~عدا التأفيف في قوله تعالى: { فلا تقل لهمآ أف } (الإسراء: 23) مفهوم ~~بالقياس، ومنهم من قال قياس المعنى ما لا يفهم بنص، ولا فحوى، ولا يحتاج ~~فيه إلى تأمل واختبار بل يقطع فيه بانتفاء الفارق بين الأصل والفرع، ولا ~~يتعدد فيه الشبه، قال صاحب المنهاج: " فحصل من هذا أن قياس المعنى ما جمع ~~أربع شرائط، الأولى: أن تكون العلة فيه مفهومة من غير كلفة، الثانية: أن لا ~~تفهم بنص، ولا فحوى، والثالثة: أن لا تحتاج إلى ضرب من الاختبار، الرابعة: ~~أن يكون الأصل فيه واحد أو أكثر، ويقل الشبه بها إلا واحدا يقوي شبهه على ~~وجه يقطع بعدم خلافه؛ فما جمع هذه الشرائط فهو قياس المعنى، قال: وقد دخلت ~~كلها تحت قولنا ما قطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع". # واعلم أنه قد وقع خلاف في معنى الأصل أي قياس في معنى النص على الحكم؛ ~~لأن النص على العلة جار مجرى اللفظ العام؛ فالفرع دخل في العموم، وهو عند ~~الجمهور قياس كما قدمت لك، وقد قدمت لك أيضا أن المانعين للقياس يسمون حكم ~~العلة المنصوصة نصا؛ فمذهب الكرخي في هذه PageV02P152 التسمية موافق لما ~~قدمناه عنهم، والله أعلم. # ثم أنه أخذ في بيان تقسيم القياس باعتبار ذكر العلة، وعدم ذكرها؛ فقال: # وإن يكن مصرحا بالعلة ... فيه فيدعا بقياس العلة # وإن يكن بلازم العلة لا ... بنفسها فبالدلالة اجعلا # ينقسم القياس باعتبار ذكر العلة فيه، وعدم ذكرها إلى قسمين: قياس علة، ~~وقياس دلالة، فأما قياس العلة فهو ما صرح فيه بالعلة كما يقال النبيذ مسكر ~~فيحرم؛ كالخمر سواء كانت العلة مستنبطة أو منصوصة ms357، وقيل: إن قياس العلة هو ~~ما صرح الشارع فيه بالعلة؛ كقوله صلى الله عليه وسلم في شهداء أحد: "زملوهم ~~في ثيابهم بكلوهم ودمائهم؛ فإنهم يحشرون وأوداجهم تشخب دما"، وإنما سموا ~~هذا قياس علة لتصريح الشارع بعلته، قال صاحب المنهاج: "%ويلحق بهذا ما ثبتت ~~علته بتنبيه النصوص أو الإجماع، وأما قياس الدلالة فهو ما لم تذكر فيه ~~العلة بل وصف ملازم لها، وحاصله أن يثبت حكما في الفرع لوجود حكم آخر فيه ~~توجيهما علة واحدة في الأصل كوجوب قطع أيد كثيرة إذا اشتركوا في قطع يد ~~واحدة كما يقتلون إذا اشتركوا في قتله، والجامع وجوب الدية عليهم في ~~الصورتين، قال صاحب المنهاج: " وتحقيق كيفية تركيب القياس أن نقول في قطع ~~الأيدي بيد واحدة جناية من جماعة توجب على كل واحد منهم دية كاملة؛ فلزم أن ~~توجب القصاص عليهم كما أوجبته في القتل، وهاهنا أصل وهو القتل، وفرع وهو ~~قطع اليد، وعلة وهي وجوب ديتها على كل واحد، وحكم وهو وجوب القصاص عليهم ~~جميعا، فإذا كان الفرع وهو قطع اليد قد شارك الأصل وهو القتل في العلة وهي ~~لزوم الدية على كل واحد، ويجب أن يشاركه في الحكم، وهو القصاص" انتهى. # ومن ذلك الاستدلال على عدم وجوب سجود التلاوة بجوازه PageV02P153 على ~~الراحلة كالنوافل؛ لأن الجواز على الراحلة من أحكام النوافل، وذلك أنه لم ~~يذكر في هذا القياس علة التنفل، وذكر وصف يلازمها، وهو الجواز على الراحلة، ~~وإنما سمي هذا قياس دلالة لأن العلة فيه دلالة لأن العلة فيه دالة على حصول ~~موجب الحكم. # قال صاحب المنهاج: "ويلحق بهذا القسم ما ثبتت علته بالاستنباط بأي ~~وجوهها"، أقول وظاهر كلامه أن قياس الدلالة وهو ما لم يصرح الشرع بعليته ~~فيكون مقابلا لقياس العلة على التعريف الثاني من التعريفين اللذين قدمت ~~ذكرهما، وظاهر كلام البدر عدم اشتراط ذلك؛ فيكون قياس العلة على كلام البدر ~~كلما صرح القائس فيه بالعلة سواء كانت العلة منصوصة أو مستنبطة كما مر، ~~وقياس الدلالة هو ما لم يصرح القائس فيه ms358 بالعلة لكن صرح بأمر يلازم العلة ~~سواء ثبت ذلك من طريق النصوص أو من الاستنباط، وعليه مشيت في النظم، فقول ~~المصنف: "وإن يكن مصرحا" معناه إن صرح بالقائس، ومعنى قوله: "يدعا" أي ~~يسمى، وقياس العلة علم على النوع المخصوص من القياس، فلا إيطاء في البيت، ~~وقوله: "فبالدلالة أجعلا" أي قسمه بقياس الدلالة فاجعل في البيت بمعنى سم، ~~على حد قوله تعالى: { وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا } ~~(الزخرف: 19) أي سموهم بذلك، وفيه تصرف في العلم؛ حيث حذف من قياس الدلالة ~~المضاف، وأبقى المضاف إليه، والله أعلم. # ولم فرغ من بيان حقيقة القياس، وبيان أركانه، وبيان شروط كل ركن منها، ~~وأحكام ذلك أخذ في بيان الأشياء التي تقدح في كمال القياس، فقال: # مبحث القوادح # ومنعه بالقدح في الدليل أو بمعارض لدى التفصيل # اعلم أن الاعتراضات الواردة على القياس خمسة وعشرون، وحصرها صاحب المنهاج ~~في أحد عشر نوعا، قال: "وأكثرها المرجع به إلى القدح باختلال شرط من شروط ~~الأصل أو الفرع أو العلة"، وقال ابن الحاجب: PageV02P154 # "وكلها راجعة إلى الممانعة أو المعارضة، وإلا لم تسمع"، قال صاحب ~~المنهاج: % "بل إلى المنازعة في كمال الشروط، وبيان ذلك أن غرض المستدل ~~إثبات مدعاه بدليله، وغرض المعترض عدم إثباته به، والإثبات بالدليل يكون ~~بصحة مقدماته ليصلح للشهادة، وسلامته من معارض لتنفذ شهادته فيترتب عليه ~~الحكم؛ فالمعترض إما أن يهدم شهادة الدليل بمنع مقدمة من مقدماته، وطلب ~~الدليل عليها، وإما أن يهدم شهادة الدليل بمنع مقدمة من مقدماته، وطلب ~~الدليل عليها، وإما أن يهدم نفوذ شهادته بالمعارضة بما يقاومها، ويمنع ثبوت ~~حكمها، فالأول هو الممانعة، والثاني هو المعارضة، وما لم يكن من واحد من ~~النوعين المذكورين؛ فلا تعلق له بمقصود الاعتراض، فلا يسمع فقول الناظم ~~بالقدح في الدليل بمعنى الممانعة، والتفصيل بمعنى التفريع، وقد حصر البدر ~~الشماخي رحمه الله تعالى الاعتراضات كلها في سبعة أنواع بعد أن ذكر أنها ~~خمسة وعشرون اعتراضا. # النوع الأول: ما يرجع إلى الألفاظ من دعوى الإبهام وغيره؛ فيجب فيه ~~الاستفسار ms359. # النوع الثاني: ما يرد على تمكن المستدل من الاستدلال بالقياس في تلك ~~المسألة. # النوع الثالث: ما يرد على المقدمة الأولى، وهو دعوى حكم الأصل، ومنع حكم ~~الأصل، أو منع أحد محتملي اللفظ المتردد بين شيئين. # النوع الرابع: ما يرد على المقدمة الثانية، وهو قول المستدل، والحكم في ~~الأصل معلل بكذا، والقدح فيه إما منع وجود العلة أو منع عليتها، أو عدم ~~تأثيرها، أو عدم الإفضاء، أو عدم ظهورها، أو عدم انضباطها، أو عدم اطرادها، ~~وهو النقض والكسر أو عدم انعكاسها، أو وجود معارض فتلك عشرة. # النوع الخامس: ما يرد باعتبار المقدمة الثالثة. # النوع السادس: ما يرد على المقدمة الرابعة، وهي قول المستدل فيوجد الحكم ~~في الفرع، وفي هذا النوع المخالفة، والقلب. PageV02P155 # النوع السابع: ما يرد على ادعائه عدم النزاع بعد ثبوت الحكم في الفرع، ~~وفي هذا النوع القول بالموجب، وسيأتي بيان كل واحد من هذه الأشياء إن شاء ~~الله تعالى، واعلم أن الاعتراضات ليست محصورة في هذه الأشياء المذكورة؛ لأن ~~الوضع والاصطلاح فيها مدخلا، وإنما ذكرنا منها ما ذكره المتقدمون، وعول ~~عليه أكثر المتأخرين، وها نحن الآن نشرع في بيان كل واحد من تلك الأشياء ~~المذكورة، فنقول بدأ المصنف بالاستفسار، فقال: # فاعترضوا بطلب التفسير ... عن لفظه المجمل في التعبير # وهكذا في لفظه الغريب ... ويكفيه البيان للمجيب # من الاعتراضات على المستدل الاستفسار، وهو طلب التفسير، أي تبيين معنى ~~اللفظ، وذلك إنما يسمع في موضعين: # أحدهما: فيما إذا كان لفظ المستدل مجملا. # وثانيهما: فيما إذا كان لفظه غريبا، ولايسمع في غيرهما؛ لأن المعترض في ~~غيرهما متعنت، مثاله: إذا كان اللفظ مجملا أن يقول المستدل بأن البطلان، ~~فيقول المعترض: ما معنى بان، فإنه يكون بمعنى ظهر، وبمعنى انفصل، ومثاله: ~~إذا كان اللفظ غريبا أن يقول المستدل مثلا: أيل لم يرض حين أكل، فلا تحل ~~فريسته كالسيد، فيقول المعترض: ما الأيل؟ وما معنى لم يرض؟ وما فريسته؟ وما ~~السيد؟ فيجيب المستدل بأن الأيل هو الكلب، ولم يرض لم يعلم، وفرسته صيده، ~~والسيد: الذئب، وعلى ms360 المعترض بيان كونه مجملا لأن الأصل عدم الإجمال؛ لأن ~~اللفظ إنما وضع للبيان، ولا يكلف بيان تساوي المعاني فيه لعسره، وإن كان لا ~~يصح الاعتراض إلا به. # ولو قال المعترض إذا طلب منه بيان تساوي المعاني في ذلك اللفظ، إن ~~التفاوت يستدعي ترجيحا بأمر، والأصل عدمه لكان جيدا. # والجواب عن هذا الاعتراض هو أن يبين المستدل مقصوده من ذلك اللفظ، وأنه ~~موافق للنقل أو العرف، أو أن معناه ظاهر لقرائن معه، أو تفسير لمراده، أما ~~لو PageV02P156 فسره بما لا يحتمله لغة فلا يسمع منه ذلك؛ لأنه من جنس ~~اللعب، وإن قال المستدل يلزم ظهوره فيما قصدت لأنه غير ظاهر في الآخر ~~اتفاقا فقد صوبه بعضهم، وبعضهم لم يصوبه، والله أعلم، ثم إنه أخذ في بيان ~~الاعتراض الثاني، وهو فساد الاعتبار، فقال: # ويفسد الاعتبار وهو أن ... يعارض القياس بالنص الحسن # فيطعن المجيب أو يأول ... وإن لم يصح الطعن فيما ينقل # أو بين المراد منه أنه ... غير مخالف لما بينه # أو عارض النص بنص مثله ... وسلم القياس عند أصله # فساد الاعتبار عبارة عن إبداء المعترض دليلا شرعيا من كتاب أو سنة أو ~~إجماع معارضا لقياس المستدل، وجوابه أن يطعن المستدل في ذلك الدليل المعارض ~~لقياسه إن كان مما يصح الطعن فيه، كخبر الآحاد، أو يتأوله بما يوافق قياسه ~~إن كان مما لا يصح الطعن فيه كآية من كتاب الله أو سنة متواترة أو مشهورة، ~~أو يبين المراد من الدليل، ويظهر أنه غير مخالف لقياسه الذي أظهره بل هو ~~دليل له لا للمعترض، أو يعارض ذلك الدليل بدليل مثله يشهد لصحة قياسه؛ ~~فيتساقط الدليلان، ويبقى القياس، وأصله سالمين من المعارض، فإذا أجاب ~~المستدل عن قياسه بأحد هذه الأمور سلم قياسه من القادح المذكور، مثاله: قول ~~من لم يشرط التسمية في الذبح، ذبح من أهله في محله؛ فيحل وإن لم يسم، كذبح ~~ناسي التسمية، فيقول المعترض هذا القياس معارض بقوله تعالى: { ولا تأكلوا ~~مما لم يذكر اسم الله عليه } (الأنعام: 121) فيجيب المستدل بأن ذلك ms361 متأول ~~بذبح عبدة الأوثان بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - : "ذكر الله على قلب ~~المؤمن سمى، أو لم يسم". # قال صاحب المنهاج: "أو يرجح القياس على ظاهر الآية لكونه مقيسا على ~~الناسي، وهو مجمع عليه مخصص للآية باتفاق"%، فإن أظهر المعارض فارقا بين ~~العامد والناسي؛ فهو من قبيل دعوى الفرق، وسيأتي بيانه، قال: "وفي هذا ~~الاعتراض PageV02P157 دعوى اختلال شرط من شروط العلة لمصادمة النص، والله ~~أعلم، ثم أنه أخذ في بيان الاعتراض الثالث، وهو فساد الوضع، فقال: # وبفساد الوضع وهو أن تجي ... علته في ضد ذاك المخرج # فيظهر المجيب فيه المانعا ... وباطل إن لم يبين مانعا # فساد الوضع عبارة عن مجيء علة ذلك القياس الذي أبداه المستدل في حكم مضاد ~~للحكم الذي أخرجه المستدل، وحاصله أن يبين المعترض أن هذا القياس باطل ~~لكونه على غير هيئة القياس الصحيح؛ لأن الشرع اعتبر تلك العلة في نقيض ذلك الحكم. # قال صاحب المنهاج%: "وهو يعود إلى منع كون الوصف علة لانتقاضه، وذلك خلل ~~شرط، فإن ذكره بأصله فهو القلب، فإن بين مناسبته لنقيض الحكم من غير الأصل ~~الذي رد إليه المستدل، وكان بيانه من الوجه الذي ادعى المستدل رجع إلى ~~القدح في المناسبة، وسيأتي، وإن بين ذلك من غير الوجه المدعى لم يقدح؛ إذ ~~قد يكون للوصف جهتان يقتضي من أحدهما نقيض ما يقتضيه من الأخرى لكون المحل ~~مشتهى، فهو يناسب الإباحة لإراحة الخاطر، والتحريم للأضرار بالنفس بالجماع. # والجواب عن هذا الاعتراض هو أن يبين المستدل الوجه المانع من ثبوت ذلك ~~الحكم لتلك العلة في الصورة التي أبداها المعترض، فإن لم يبين ذلك بطل ~~قياسه، مثاله قول المستدل: التيمم مسح، فيسن فيه التكرار كالإستجمار، فيقول ~~المعترض: هذا فاسد الوضع لأن المسح لا يناسب التكرار، لأنه ثبت اعتبار ~~كراهية التكرار في مسح الرأس، فيجيب المستدل بوجود المانع في أصل المعترض، ~~فيقول إنما كره التكرار في مسح الرأس لئلا يعود غسلا، والله أعلم. # ثم أنه أخذ في بيان حكم الاعتراض الرابع، وهو منع حكم الأصل ms362، فقال: # ومنع حكم الأصل بالتقسيم ... أو دونه كالكلب في التحريم # فللمجيب منع حرم الكلب ... لما لديه من دليل ينبي PageV02P158 وإن يكن في ~~لفظه محتمل ... للحق في وجه ووجه يبطل # ولم يبين فيجيء المعترض ... فيرفض الوجه الذي يرتفض # فذلك التقسيم والأصح ... قبوله إن كان فيه نجح # اعلم أن من حكم الأصل عبارة عن التعرض لإبطال حكم أصل قياس المستدل، ~~فيبطل بذلك قياسه رأسا، وهو نوعان لأن هذا الأبطال إما أن يكون منعا بعد ~~التقسيم، وإما أن يكون بدون التقسيم، أما المنع بعد التقسيم فسيأتي قريبا، ~~وأما بدون التقسيم فهو أن يمنع المعترض من ثبوت حكم ذلك الأصل مطلقا، ~~مثاله: أن يقول المستدل الهر حرام لأنه سبع كالكلب، فيقول المعترض لا نسلم ~~أن الكلب حرام لقوله تعالى: { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم ~~يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس } (الأنعام: ~~145)، ومن ذلك ما لو قال المستدل جلد الخنزير لا يقبل الدباغ للنجاسة ~~الغليضة كالكلب، فيمنع المعترض كون جلد الكلب لا يقبل الدباغ. # قال ابن الحاجب%: "وليس قطعا للمستدل بمجرده، يعني أن المنع من ثبوت حكم ~~الأصل لا يقطع المستدل عن تتميم دليله بل له أن يجيب عن ذلك المنع بما يكون ~~دافعا لاعتراض المعترض لأنه كمنع مقدمة من مقدمات الدليل، وذلك كمنع علية ~~العلة، أو وجودها، وقيل: بل ينقطع بمجرد منع ثبوت الحكم لأنه إذا حاول ~~الاستدلال على ثبات الحكم كان ذلك انتقالا إلى مسألة غير ما يحاول إثباتها. # وقال الغزالي: "يتبع عرف المكان يعني في المناظرة". # وقال الشيرازي: "لا يسمع المنع من حكم الأصل فلا تلزمه الدلالة عليه". # قال صاحب المنهاج%: "وهو بعيد إذ لا تقوم الحجة على خصمه مع منع أصله"، ~~والجواب عن هذا الاعتراض هو أن يظهر المستدل دليلا على ثبوت حكم أصله من نص ~~أو إجماع، فإذا أقام الدليل على ذلك سلم قياسه من هذا الاعتراض المذكور، ~~وأما المنع بعد التقسيم فهو أن يكون في لفظ المستدل ms363 احتمالان أحدهما حق، ~~والآخر PageV02P159 باطل، فيمنع المعترض أحد الاحتمالين لكونه باطلا إما مع ~~السكوت عن الآخر لأنه لا يضره، أو مع التعرض لتسليمه لأنه لا يضره، مثاله: ~~أن يقول المستدل في صحيح فقد الماء في الحضر: هذا غير واجد للماء، فيتيمم ~~لوجود سببه كالمسافر، فيقول المعترض: إما أن تريد أن تعذر الماء مطلقا سبب، ~~أو تريد تعذره في السفر، فالأول ممنوع، ومن ذلك أيضا أن يقول المستدل فيمن ~~قتل عمدا، والتجأ إلى الحرم، قتل عمد عدواني يجب فيه القصاص للعدوانية، ~~فيقول المعترض: إما أن تريد أن العدوانية سبب لذلك مع وجود المانع الذي هو ~~الالتجاء إلى الحرم، أو دونه الأول ممنوع، واختلف في قبول هذا الاعتراض، ~~فقيل: لا يقبل لأن إبطال أحد محتملي كلام المستدل لا يضره لجواز أن يكون ~~المعنى الباطل غير مراد المستدل. # قال البدر: " كابن الحاجب، والمختار قبوله، إذ به يتعين مراد المستدل، ~~وربما عجز عن تتميم الدليل لكن بشرط أن يكون ذلك الوجه الذي أبطله المعترض ~~لازما للمستدل، فإما إذا لم يكن لازما له، فلا يسمع لعدم قدحه في قياس ~~المستدل، ولهذه الفوائد المذكورة صحح المصنف قبول هذا الاعتراض، وإليها ~~أشار بقوله: "إن كان فيه نجح" أي إن كان في قبوله فائدة من الفوائد ~~المذكورة فهو مقبول، وإلا فهو مردود، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الاعتراض الخامس والسادس، وهما منع وجود العلة في ~~الأصل، ونمع كونها علة بعد تسليم وجودها، فقال: # وبادعا عدم وجود العلة ... أو عدم عليتها لنكتة # فيثبت القائس ذا بالشرع ... إن كان أو بالعقل أو بالسمع # ويثبت العلية المذكوره ... بأحد المسالك المشهوره # ذكر في هذه الأبيات من الاعتراضات نوعين أحدهما منع وجود العلة في الأصل، ~~وثانيهما منع كونها علة بعد تسليم وجودها في الأصل PageV02P160 فأما منع ~~وجود العلة في الأصل، فنحو قول من منع من تطهير الدباغ جلد الكلب حيوان ~~يغسل الإناء من ولوغه سبعا، فلا يطهر بالدباغ كالخنزير، فيقول المعترض لا ~~نسلم أن الخنزير يغسل الإناء من ولوغه سبعا، وجوابه ms364 أن يثبت المستدل وجود ~~ذلك الوصف الذي علل به في ذلك الأصل الذي قاس عليه بدليل شرعي من نحو نص أو ~~إجماع، فإن وجد ذلك الدليل سلم قياسه من الاعتراض المذكور، وإن لم يجد ~~دليلا على ثبوت ذلك من الشرع أثبته بالعقل، أو بالسمع، أما إثباته بالعقل ~~فكما لو قضى العقل بأن ذلك الوصف غير مفارق لذلك الأصل الذي قاس عليه، ~~ويصحح ذلك بالأدلة العقلية، وأما إثباته من جهة السمع فكما إذا نقل ثبوت ~~ذلك الوصف في ذلك الأصل عمن يقبل المعارض عنه، فإنه يكتفي في دفع الاعتراض ~~بتسليم الخصم المعترض، وقد يجاب في إثباته بجهة الحس كوجود طيب الرائحة في ~~المسك، ووجود الحلاوة في العسل، ونحو ذلك، وأما منع وجود علية ذلك الوصف، ~~فهو أن يمنع المعترض كون ذلك الوصف علة لذلك الحكم بعد أن سلم وجود ذلك ~~الوصف في الأصل. # قال صاحب المنهاج: "وهو من أعظم الأسئلة لعمومه، وتشعب مسالك العلل"، إلى ~~أن قال: "وهذا الاعتراض راجع إلى دعوى اختلال شرط كما ترى". # قال ابن الحاجب%: "والمختار قبوله وإلا أدى إلى اللعب في التمسك بكل طرد، ~~وقيل: لا يقبل هذا المنع لأن المستدل قد استكمل القياس، وهو رد فرع إلى أصل ~~بجامع بينهما، ورد بأن المراد بجامع يغلب في الظن صحته، قالوا: عجز المعترض ~~دليل صحته، فلا يسمع المنع، وأجيب بأنه لايلزم على ذلك ان تصح كل صورة دليل ~~يعجز المعترض عن اعتراضها، وإن لم يصحح المستدل مقدماتها، والجواب عن هذا ~~الاعتراض أن يبين المستدل علية ذلك الوصف بأحد طرق العلة المشهورة التي ~~قدمنا ذكرها آنفا، فيثبت عليته بالإجماع إن كان، أو بالنص إن وجد ~~PageV02P161 نص من كتاب أو سنة صريحا أو تلويحا، وإن لم يوجد شيء من ذلك ~~التمس إثبات ذلك بأحد طرق العلة المستنبطة كالسبر والمناسبة إلى آخرها، ولا ~~ينقطع عن ذلك المعترض بل له أن يعترض ما أبداه المستدل بما يرد على كل طريق ~~من تلك الطرق من المطالبة بما هو شرط فيه، فيرد على ms365 ظاهر الكتاب الإجمال ~~والتأويل، والمعارضة بأمارة أخرى، والقول الموجب كأن يقول دليلك الذي أثبتت ~~بع علية هذا الوصف مجمل، أو متأول بكذا، وهو على غير ما تظن، أو أنه ليس ~~بدليل لك بل عليك، أو أنه معارض بدليل آخر، وهو كذا، ويرد على السنة ما يرد ~~على ظاهر الكتاب، والطعن بأنه مرسل أو موقوف، وضعف راويه، أو قول شيخه لم ~~أروه له أو نحو ذلك مما مر، ويرد على كل واحد من الطرق المستنبطة ما مر ~~ذكره في مواضعه، وما سيأتي من القدح في المناسبة، ونحوه، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الاعتراض السابع والثامن والتاسع والعاشر، وهي منع ~~التأثير في الوصف، ومنع التأثير في الأصل، ومنع التأثير في الحكم، ومنع ~~التأثير في الفرع، فقال: # وعدم التأثير وهو أن يرى ... وصف من المعنى المفيد قد عرى # يكون في الوصف وفي الأصل معا ... والحكم والفرع الذي تفرعا # ذكر في هذين البيتين من الاعتراضات أربعة أنواع يجمعها نوع واحد، وهو ~~دعوى عدم التأثير، وهو عبارة عن إبداء وصف لا أثر له، فإما أن يكون لا أثر ~~له مطلقا، وهو الذي عبرت عنه بعدم التأثير في الوصف، وإما أن يدعا عدم ~~تأثيره في الأصل، وإما أن يدعا عدم تأثيره في الحكم، وإما أن يدعا عدم ~~تأثيره في الفرع، فهذه أربعة أقسام: # - أما القسم الأول وهو عدم التأثير مطلقا، فنحو أن يقول المستدل: الصبح ~~صلاة لا يقدم أذانها على وقتها لأنها لا تقصر كالمغرب، فيقول المعترض القصر ~~لا أثر له في عدم تقديم الأذان مطلقا. # - وأما الثاني: وهو PageV02P162 منع التأثير في الأصل، فنحو أن يقول ~~المستدل في بيع الغائب مبيع غير مرئي، فلا يصح كالطير في الهواء، فيقول ~~المعترض: إن المؤثر في عدم صحة بيع الطير في الهواء تعذر التسليم لا ~~العينية، فلا أثر لعدم الرؤية في الأصل. # - وأما الثالث: وهو منع تأثير العلة في الحكم، فنحو أن يقول المستدل في ~~المرتدين مشركون أتلفوا مالا في دار الحرب؛ فلا يضمنون كالحربي، فيقول ~~المعترض ms366: لا تأثير لكونه في دار الحرب. # - وأما الرابع: وهو عدم التأثير في الفرع، فنحو أن يقول المستدل امرأة ~~زوجت نفسها، فلا يصح كما لو تزوجت بغير كفؤ، فيقول المعترض أنه لا تأثير ~~لعدم الكفاية في فساد تزويجها نفسها، وإنما المؤثر عدم الولي، فيعود إلى ~~معارضة في الأصل، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الاعتراض الحادي عشر والثاني عشر، وهما ادعاء خفاء ~~العلة، وادعاء عدم انضباطها، فقال: # وبادعا خفاؤها كالسخط ... أو كالرضى أو انعدام الضبط # فينصب المجيب للخفية ... أمارة كالعقد عند الصفقة # ويضبط التي أبت أن تنضبط ... بحالة كادت بها أن ترتبط # ذكر هاهنا من الاعتراضات نوعين: # - أحدهما دعوى خفاء العلة، كما علل المستدل الحكم بشيء من أفعال القلوب ~~كالسخط والرضا، والحب والكراهية، ونحو ذلك مما لا يطلع عليه، فيقول المعترض ~~هذا وصف خفي لا يصح التعليل به؛ لأن الخفي لا يعرف الخفي، وجوابه أن ينصب ~~المستدل أمارة ظاهرة تدل على وجود علته كالعقد عند صفقة البيع، فإنه أمارة ~~على وجود الرضا؛ إذ لو لم يكن راضيا بالبيع ما حصل منه العقد، وكالسكوت عند ~~مشاورة البكر، فإن الشرع جعل سكوتها أمارة على رضاها، وكالإنكار للشيء ~~أمارة على كراهيته، ونحو ذلك. # - والنوع الثاني من الاعتراضين أن يدعي المعترض عدم انضباط العلة، كم إذا ~~علل المستدل بالحكمة كالمشقة والإنزجار عن المعصية، فيقول المعترض: هذا وصف ~~غير PageV02P163 منضبط لاختلاف المشقة باختلاف الأحوال والأشخاص، فقد يكون ~~الحال الواحد مشقة على بعض الناس دون بعض، والإنزجار عن المعصية قد يكون في ~~بعض الأشخاص بأدنى أدب، ويحتاج في بعضهم إلى التشديد في العقوبة. # وجوابه أن يضبط ذلك المستدل ذلك الوصف بحالة ملازمة له لا تكاد أن تفارقه ~~غالبا كالمشقة في السفر، فإن السفر لا يخلو غالبا من المشقة، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الاعتراض الثالث عشر، وهو النقض، فقال: # والنقض أن يأتي بعض الصور ... عار من الحكم الذي تخلفا # النقض عبارة عن تخلف الحكم من بعض الصور مع وجود العلة فيها، مثاله: قول ~~المعترض ms367 للمستدل على حرمة الربا بعلة الطعم قد وجدت العلة المذكورة في ~~الرمان، وليس بربوي، فقول المعترض بذلك نقض لعلة المستدل، وهو قادح عند ~~الشافعي، وبعض أصحاب أبي حنيفة، وقيل إنه غير قادح إذا كان التخلف لدليل، ~~ونسب هذا القول إلى قدماء أبي حنيفة، وأبي طالب وأبي عبد الله البصري ~~ومالك، وسموه تخصيص العلة، وفيه مذاهب أخر. # وقد تقدم ذكر جميع ذلك في شروط العلة فراجعه من هنالك، واعلم أن القائل ~~بجواز تخصيص العلة لا يرى أن تخلف الحكم عنها في بعض الصور قادح مطلقا، ومن ~~منع جواز تخصيصها يجعل ذلك قادحا مطلقا سواء كانت العلة منصوصة أو مستنبطة، ~~وسواء كان التخلف لمانع، أو لفقد شرط، أو غيرهما. # واستشكل ذلك في العلة المنصوصة؛ إذ القدح فيها بذلك رد للنص، وأجيب عن ~~الإشكال بأن التخلف في صورة ناسخ للعلية، واعترض بأن القدح أعم من ان يرد ~~على جميع الأقوال التي في العلة، وفي ذلك تخطئة الإجماع على أن ذلك أحدهما ~~إلا على القول بجواز إحداث قول ثالث إذا أجمع على قولين مثلا، انتهى. PageV02P164 # والجواب عن هذا الاعتراض هو أن يبين المستدل المانع من ووجد الحكم في ~~الصورة المذكورة، إلا إذا أظهر ذلك المانع، أو كشف أن تخلفه هنالك لاختلال ~~شرط، أو نحو ذلك مما يكون مسلما عند الخصم استقام قياسه، وسلم من ذلك ~~المعارض، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الاعتراض الرابع عشر، وهو الكسر، فقال: # وإن أتى وفيه نوع الحكمة ... مع انتفاء حكمها والعلة # فالكسر نحو طلب التخفيف ... بالقصر في سفره المخوف # اعلم أن الكسر عبارة عن وجود الحكمة في بعض الصور مع تخلف العلة، والحكم ~~عنها مثاله: من جوز القصر للمسافر العاصي بسفره هذا مسافر، فيترخص كغير ~~العاصي لحكمة تخفيف المشقة، فيقول المعترض: وكذلك صاحب الحرفة الشاقة في ~~الحضر كمن يحمل الأثقال، ويضرب بالمعاول، فإنه يترخص له، فوجود المشقة في ~~الصورة التي ذكرها المعترض مع تخلف الحكم، وللعلة فيها يسمى كسرا عند ~~الآمدي وابن الحاجب والبدر الشماخي، وعبر عنه ms368 غيرهم بنقض المعنى، والمراد ~~به نقض الحكمة، واختلف في كونه قادحا، فقيل إنه قادح لاعتراضه المعنى ~~المقصود، قال المحلى: "والراجح أنه لا يقدح؛ لأنه لم يرد على العلة، وإنما ~~ورد على الحكمة فقط". # وقد عرف البيضاوي والفخر الرازي الكسر بعدم تأثير أحد جزيء العلة، ونقض ~~الآخر، وهو مقتضى كلام ابن السبكي وصاحب المنهاج. # قال صاحب المنهاج في تعريف الكسر%"وهو عند أصحابنا أن يظن أنه لا تأثير ~~له، فيسقطه، ويكسر الباقي من الأوصاف، مثاله: أن يعلل ووجب صلاة الخوف ~~بأنها صلاة يجب قضاؤها، فيجب أداؤها كضلاة الأمن، فيظن المعترض أنه لا ~~تأثير لكون العبادة صلاة في هذا الحكم، وهو وجوب الأداء فقط، فيقول للقائس: PageV02P165 # إنا نريك عبادة وجب قضاؤها، ولم يجب أداؤها، وهو صوم الحائض في رمضان، ~~وجوابه أن يبين القائس أن للوصف الذي أسقطه المعترض تأثيرا في الحكم، وهو ~~كون العبادة صلاة، وأن الصلاة تخالف الصيام في ذلك هذا كلامه. # وهذا المعنى الذي يسميه الآمدي وابن الحاجب والبدر الشماخي بالنقض ~~المكسور. # قال ابن الحاجب: "%المختار أنه لا يبطل القياس كقول اشافعي في بيع الغائب ~~مبيع مجهول الصفة عند العاقد حال العقد، فلا يصح، كلو قال بعتك عبدا، فيظن ~~المعترض أنه لا تأثير لكونه مبيعا، فيسقطه، وينقض علته بنكاح الغائبة، فإن ~~بين المعترض عدم تأثير كونه مبيعا كان الاعتراض قادحا، ولا يفيد مجرد ذكره. # قال صاحب المنهاج: "يكون حينئذ من الاعتراض بعدم التأثير، فظهر لك ان ~~الاعتراض بالكسر راجع إلى الاعتراض باختلال شرط، وهو منه كون بعض أوصاف ~~العلة مؤثرا، فإن بينه المعترض قدح، وإلا لم يقدح إن بين القائس تأثيره"، ~~انتهى كلامه، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الاعتراض الخامس عشر، وهو تخلف بعض أجزاء العلة، فقال: # وإن يك الوصف مركبا وقد ... تخلف البعض فذاك ينتقد # أي إذا كانت علة المستدل وصفا مركبا من شيئين أو أشياء، وقد تخلف بعض تلك ~~الأشياء، فإن تخلف ذلك البعض في الصور يكون قادحا في صحة تلك العلة، أما ~~القدح بكون الوصف ms369 مركبا، ففي قبوله خلاف مبني على الخلاف في صحة تركيب ~~العلة، وقد تقدم أن الصحيح جواز ذلك، واعلم أن المستدل إذا أدخل في العلة ~~وصفا، وجعله جزء منها، وهو معترف أن حكم الأصل لا ينتفي بانتفائه لكن لو ~~ألغي ذلك الوصف انتقضت العلة في بعض الفروع، فإن ذلك الجزء مردود، أي لا ~~يصح كونه من العلة، وبقية الأجزاء غير مردودة على الأصح في الطرفين جميعا، ~~ومنهم من قال: يقبل ذلك الوصف إذا ثبت معه الحكم، PageV02P166 ومنهم من ~~قال: يرد ويبطل معه أيضا سائر أجزاء العلة، ورد بأنه لا وجه يقتضي ما ذكروه ~~في الطرفين جميعا؛ لأن الطرف الأول مبني على وجوب عكس العلة، ونحن لا ~~نوجبه، وفي الطرف الثاني قبول العلة المنتقضة مثاله: قول الشافعي: %"في ~~الاستجمار طاعة تتعلق بالأحجار، ولم تتقدمها معصية حشو، لأن الرمي سواء ~~سبقه طاعة أو معصية؛ فحله لا تغير لكنه لو لم يذكر ذلك انتقض برجم الزاني، ~~قال بعضهم: "وهذا ضلال لا وجه لذكره"، قال صاحب المنهاج: %"وهذا الاعتراض ~~راجع إلى المنازعة في كمال شروطه العلة؛ لأنه عائد إلى منع تأثيرها، وهو ~~شرط كما قدمنا، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الاعتراض السادس عشر، وهو القدح في نفس المصلحة ~~بترجيح المفسدة عليها، أو بمساواتها، فقال: # وبفساد للصلاح يرجح ... وإن يكن مساويا فيقدح # اعلم أنه إذا عارضت المصلحة التي تكون مقصودا للمستدل مفسدة راجحة عليها، ~~أو مساوية لها، فإن ذلك يكون قادحا في قياس المستدل لأنه مصلحة مع مفسدة ~~مساوية أو راجحة؛ لأن دفع الضرر أهم، فيجب الحمل عليه، وأما إذا كانت ~~المفسدة مرجوحة فلا تقدح مثاله: التخلي للعبادة أفضل لما فيه من تزكية ~~النفس، فيقول المعترض فيه مفسدة أقوى، وهي عدم كسر الشهوة، وعدم كف النظر، ~~وعدم اتخاذ الولد، وهذا أرجح من مصالح العبادة، فيجيب المستدل بترجيح ~~المصلحة لأنها لحفظ الدين؛ فهي أولى من حفظ النسل. # ومن ذلك أيضا أن يقول المستدل: مسافر سلك الطريق البعيد لا لغرض غير ~~القصر، فإنه لا يقصر لأن ms370 المناسب؛ وهو السفر البعيد عورض بمفسدة؛ وهي ~~العدول عن القريب الذي لا قصر فيه، لا لغرض غير القصر حتى كأنه حصر قصده في ~~ترك ركعتين من الرباعيات. # وقال ابن الخطيب: "لا نحترم PageV02P167 المناسبة بمعارض المفسدة مطلقا ~~سواء ساوت أم رجحت، ورد بأن العقل قاض بأن لا مصلحة مع حصول مفسدة مثلها"، ~~احتج ابن الخطيب بأن الصلاة في الدار المغصوبة تستلزم مصلحة ومفسدة مساوية ~~لها أو زائدة، وقد حكمتم بصحتها، وأجيب بأنه لا يلزم ذلك من لم يصحح الصلاة ~~هنالك، وأما من صححها فأجاب بأن مفسدة الغضب ليست ناشئة عنه بل هو عاص بغير ~~ما هو مطيع، فلا تلزم المفسدة من المصلحة. # قال ابن الحاجب: "ولو قدرنا أنهما نشآ جميعا عن الصلاة لم تصح الصلاة". # قال في المنهاج: "والترجيح بين المصلحة والمفسدة يختلف باختلاف المسائل، ~~وترجح بطريق إجمالي، وهو أنه لو لم يقدر رجحان المصلحة لزم التعبد بالحكم ~~بلا وجه، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الاعتراض السابع عشر، وهو القدح في إفضاء الحكم إلى ~~المقصود، فقال: # والقدح في إفضائه للمصلحة ... فيدفع المجيب حتى يصلحه # من الاعتراضات أن يقدح المعترض في إفضاء الحكم الذي أخرجه المستدل إلى ~~المصلحة المقصودة شرعا، مثاله: أن يقول المستدل: النكاح واجب لأنه يرفع ~~الحجاب، فيفضي إلى مصلحة، وهي رفع الفجور، فيقول المعترض نمنع أن رفع ~~الحجاب يفضي إلى عدم الفجور بل تلاقي الرجال والنساء عند رفع الحجاب يفضي ~~إلى الفجور، فيجيب المستدل بأن النكاح يكسر الشهوة؛ فيفضي إلى عدم الفجور، ~~ومن ذلك أن يعلل المستدل حرمة المصاهرة على التأبيد بالحاجة إلى ارتفاع ~~الحجاب المؤدي إلى الفجور، فإذا تأبد انسد باب الطمع المفضي إلى مقدمات ~~الهم والنظر المفضية إلى ذلك، فيقول المعترض بل سد باب النكاح أشد إفضاء ~~إلى الفجور؛ لأن النفس مائلة إلى الممنوع، وجوابه أن التأبيد منع الميل إلى ~~الفجور في العبادة، فيصير كالطبيعي كما في الأمهات، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الاعتراض الثامن عشر، والتاسع عشر، والمكمل عشرين، فقال: PageV02P168 # وإن يجئ ms371 ذا بوصف أكثرا ... فروعه من وصف ذا وأشهرا # أو يمنعن وجودها في المدعا ... فيثبت الأول ما قد ادعا # أو قال عندي غير ذا المعتبر ... ينتج عكس فرعك المقرر # ذكر في هذه الأبيات ثلاثة أنواع من الاعتراضات للنوع الأول، أن يعارض علة ~~المستدل بعلة أخرى أكثر فروعا من علة المستدل، ويسمى هذا النوع بالتعدية، ~~مثاله: أن يقول المستدل في البكر البالغ بكر فتجبر على النكاح كالبكر ~~الصغيرة، فيعارض بأن العلة في الأصل الصغر، فتتعدى إلى الثيب الصغيرة. # النوع الثاني: أن يعارض المعترض علة المستدل بعلة تنقضي في الفرع عكس ~~الحكم الذي أخرجه المستدل، مثاله: أن يقول المستدل في العبد مملوك؛ فتجب ~~فيه قيمته، كغيره من المملوكات، فيقول المعترض: مكلف فلا يتعدى به دية الحر ~~فعارض علة الفرع بما يقتضي نقيض حكمها؛ فيحتاج في تقرير ما عارض به إلى أحد ~~طرق العلة، فيصير مستدلا بعد أن كان معترضا، وفيه قلب التناظر. # واعلم أن هذا النوع والذي قبله يسميان بالمعارضة، وقد اختلف في قبولها ~~على قولين: # قال ابن الحاجب: "%والمختار قبولها، إذ لو لم تقبل لم يمتنع التحكم، يعني ~~في المدعي علة لأن المدعي علة ليس بأولى بكونه علة، أو جزءا من العلة من ~~وصف المعارض، فإن رجح رد المعارضة بأن في إثبات العلة تكليفا بالعمل، وفي ~~ردها توسعة الأصل بإسقاط التكليف، وقد قال تعالى: { يريد الله بكم اليسر } ~~(البقرة: 185). # أجيب بأنه يلزم على ذلك منع الدلالة لأن فيه توسعة، ولو سلمنا أن الأصل ~~التوسعة لعدم العلة المعارضة عارضناه أيضا بأن الأصل انتفاء الأحكام؛ فنترك ~~الدلالة عليها، وبأنا نعتبرها معا إذ في تخصيص احداهما تحكم، وإذا ~~اعتبرناهما لزمت المعارضة، قالوا: لو استقل كل واحد من المتعارضين بمناسبة ~~الحكم لزم كل واحد منهما علة فيه، وذلك لا يجوز فوجب رد المعارضة، وأجيب ~~بأن هذا الحكم باطل؛ إذ لستم برد العلة المعارضة لما عللتم به أولى من أن ~~يرد خصمكم ما عللتم به. # ثم PageV02P169 اختلفوا في لزوم المعارض بيات انتفاء لزوم الوصف الذي جاء ~~به ms372 المستدل عن الفرع، فقيل: يلزمه مطلقا، وقيل: لا يلزمه مطلقا، وقيل: إن ~~صرح المستدل بأنه لازم لزم المعترض بيان عدم لزومه، وإلا لم يلزم. # قال صاحب المنهاج: "وهو الصحيح لأنه إذا لم يصرح بلزوم الوصف فقد أتى بما ~~لا ينتقض معه الدليل، فلا يحتاج المعترض إلى المعارضة، وإن صرح لزمه إلغاء ~~ما صرح به فيبين المعترض انتقاء اللزوم"، قال: " واختلفوا أيضا هل يحتاج ~~المورد للمعارضة إلى أصل يرد إليه، فقيل: يحتاج كالمستدل، قال: " والصحيح ~~أنه لا يحتاج لأن حاصل المعارضة دعوى نفي الحكم لعدم العلة، أو صد المستدل ~~عن التعليل بذلك، وأيضا فأصل المستدل هو الأصل للمعارض، فلا يحتاج إلى ~~غيره، فإذا عرفت ذلكن فالجواب عن المعارضة يكون إما بمنع وجود الوصف الذي ~~عارض به أو المطالبة بتأثيره إن كان مثبتا بالمناسبة، أو الشبه لا بالسبر، ~~وبأن الذي عارض به خفي، أو غير منضبط، ويحقق حصول الخفاء، وعدم الانضباط، ~~أو لا يحقق بل يمنع ظهوره وانضباطه، أو إيجاب بأن الوصف الذي عارض به هو ~~عدم معارض الفرع، مثاله: قياس المكره على القتل في وجوب القصاص على المختار ~~بجامع القتل فيعترض بالطواعية، فيجيب بأن عدم الإكراه المناسب نقيض الحكم، ~~وذلك من قبيل الطرد، أو يجيب المستدل بأن الوصف الذي عورض به ملغى، أو يبين ~~استقلال ما عداه من الأوصاف بالحكم في صورة إما بظاهر آية أو خبر أو إجماع، ~~مثل: "لا تبيعوا الطعام بالطعام" في الجواب عن معارضة تعليل المطعوم ~~بالكيل، ومثل: "من بدل دينه فاقتلوه" في معارضة التعليل بكفر بعد الإيمان ~~حيث استدل على قتل النصراني إذا تهود بأنه بدل دينه؛ فيقتل كالمسلم إذا ~~ارتد، فيقول المعترض: إنما قتل المسلم إذا ارتد لأنه كفر بعد إيمان، فيقول ~~المستدل علتي قد استقلت بالحكم في ظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم - : "من ~~بدل دينه فاقتلوه" غير معترض للتعميم، ولا يكفي إثبات الحكم في صورة دونه، ~~PageV02P170 أي دون وصف المعترض لجواز أنها خلفها علة أخرى، ولذلك لو أبدى ~~المعترض أمرا آخر يخالف ما ms373 ألغى المستدل فسد الإلغاء، ويسمى تعدد الوضع ~~لتعدد أصليها"، وهذا # كله كلام صاحب المنهاج. # النوع الثالث: أن يمنع المعترض وجود تلك العلة في الفرع، مثاله: أن يقول ~~المستدل على صحة أمان العبد الغير المأذون أمان صدره من أهله كالمأذون، ~~فيقول المعترض لا أهلية في المحجور، وجوابه: بيان وجود ما عناه بالأهلية ~~كجواب منعه في الأصل. # قال ابن الحاجب: " والصحيح منع المعترض من تقدير انتفاء وجود الوصف في ~~الفرع لأن المستدل مدع فعليه اثباته لئلا ينتشر الكلام، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الاعتراض الحادي والعشرين والثاني والعشرينوالثالث ~~والعشرين، وهي المعبر عنها بالفرق، فقال: # والفرق أن يظهر نوع منع ... لذلك الحكم بهذا الفرع # أو كان في الأصل مزية عرا ... عن مثلها الفرع الذي قد ذكرا # وكاختلاف ضابط أو مصلحه ... وكل هذا قادح أن أوضحه # الفرق عبارة عن إبداء مخالفة بين الأصل والفرع، وهو على ثلاثة أقسام؛ ~~لأنه إما أن تكون تلك المخالفة في الحكم، وإما أن تكون في الضابط، وإما أن ~~تكون في جنس المصلحة. # فأما القسم الأول: وهو المخالفة في الحكم فتكون بأحد شيئين، إما إبداء ~~مانع في الفرع من إجراء ذلك الحكم فيه، وإما بإبداء خصوصية في الأصل لم تكن ~~موجودة في الفرع. # وأما القسم الثاني: وهو اختلاف الضابط في الأصل والفرع، فنحو أن ما يقال ~~في إيجاب القصاص على الشهود تسببوا بالشهادة؛ فوجب القصاص كالمكره، فيقول ~~المعترض أن الضابط في الفرع الشهادة، وفي الأصل الإكراه، فلا يتحقق ~~التساوي، وجابه: أن الجامع ما شتركا فيه من التسبب المضبوط عرفا أو بأن ~~إفضائه في الفرع مثله، أو أرجح كما لو كان أصله المغري للحيوان، فإن انبعاث ~~الأولياء على القتل طلبا للتشفي أغلب من PageV02P171 انبعاث الحيوان ~~بالإغراء بسبب نفرة الحيوان، وعدم علمه فلا يضر اختلاف أصلي التسبب، فإنه ~~اختلاف فرع وأصل كما يقاس الإرث في طلاق المريض على القاتل في منع الإرث. # وأما القسم الثالث: وهو اختلاف المصلحة في الأصل والفرع، فهو أن تكون ~~مصلحة الأصل مخالفة لمصلحة الفرع الذي ms374 أبداه المستدل، مثاله: أن يقول ~~المستدل على حد اللائط أولج فرجا في فرج مشتهى طبعا محرم شرعا، فيجد ~~كالزاني، فيقول المعترض المصلحة في الفرع الصيانة عن رذيلة اللواط، ~~والمصلحة في الأصل دفع اختلاط الأنساب فقط بل يقول أن الحكمة دفع اختلاط ~~الأنساب مع الصيانة عن تلك الرذيلة، وغيرها من المفاسد العامة، وإلا لزم ~~جواز الزنا بالصبية والآيسة إذ ليس فيها ذلك المحذور، وهو باطل، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الاعتراض الرابع والعشرين، وهو القلب، فقال: # والقلب أن يدعى الدليلا ... على الذي قد أظهر المدلولا # إن صح وهو ممكن التسليم ... إلا إذا صرح بالتقسيم # وهو على نوعين نوع يقتضي ... تصحيحه لمذهب المعترض # والثاني إبطال لقول المستدل ... والكل تصريح وتلويح جعل # القلب عبارة عن دعوى المعترض أن الدليل الذي جعله المستدل دليلا لمدعاه ~~إنما هو دليل عليه لا له فيقلب حجته عليه لا له، وهو ممكن التسليم بمعنى أن ~~الدليل الذي قلبه المعترض يمكن أن يكون مسلما عند المعترض؛ فيكون عنده ~~صحيحا، ويمكن أن يكون عنده غير صحيح، وسكت عن الكلام فيه لكن قلبه عليه إن ~~صح أنه دليل كما إذا قال: إن هذا الدليل إن صح فهو عليك لا لك، أما لو صرح ~~المعترض بتضعيف الدليل ورده، PageV02P172 فلا يكون محتملا للتسليم بعد ذلك ~~بل هو عند المعترض مردود، وقيل: إن القلب تسليم لصحة الدليل المستدل به ~~سواء كان صحيحا أم لا، وقيل: هو إفساد له مطلقا؛ لأن القالب من حيث جعله ~~على المستدل مسلم لصحته، وإن لم يكن صحيحا، ومن حيث لم يجعله له مفسد له، ~~وإن كان صحيحا، وقيل: هو شاهد زور يشهد لك، وعليك، حيث سلمت فيه الدليل، ~~واستدللت به على خلاف دعوى المستدل، فلا يقبل. # ثم القلب نوعان لأنه إما أن يقتضي تصحيح مذهب المعترض مع السكوت عن مذهب ~~المستدل، وإما أن يقتضي إبطال مذهب المستدل، وكل واحد من النوعين يكون ~~تصريحا، وتلويحا؛ لأنه إما أن يصرح المعترض بتصحيح مذهبه، وإما أن يلوح على ~~ذلك، مثاله ms375: أن يقول المستدل على وجوب الصوم في الإعتكاف لبث في مكان ~~مخصوص، فلا يكون قربة بنفسه كالوقوف بعرفة، فيقول الشافعي في عدم اشتراط ~~الصوم في الاعتكاف: لبث في مكان مخصوص، فلا يشترط فيه الصوم كالوقوف بعرفة، ~~فقد صحح الشافعي مذهبه بعلة المستدل، وهي اللبث في مكان مخصوص، ومثال ما ~~فيه إبطال مذهب المستدل تصريحا أن يقول الحنفي في مسح الرأس عضو وضوء، فلا ~~يكتفى فيه بأقل ما ينطلق عليه اسمه، كغيره، فيقول الشافعي، فلا يتقدر ~~بالربع، كغيره فعلق المعترض على علة المستدل ما يبطل به مذهبه، ومثال ما ~~فيه إبطال مذهب المستدل تلويحا أن يقول الحنفي في تصحيح بيع الغائب: عقد ~~معاوضة فيصح مع الجهل بالمعوض كالنكاح، فيقول الشافعي%: "فلا يشترط فيه ~~خيار الرؤية كالنكاح"، وبيانه أن من قال بصحته قال بخيار الرؤية، فخيار ~~الرؤية لازم لصحته، فإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم. # قال البدر: %"والمختار قبوله، أي قبول القلب، وقيل: لا يقبل، وهو نوع ~~مخصوص من المعارضة، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الاعتراض الخامس والعشرين، PageV02P173 وهو القول ~~بالموجب، فقال: # والقول بالموجب أن يسلما ... مدلوله والخلف باق فاعلما # مثاله ليخرجن منها الأعز ... أذلنا والخلف فيمن الأعز # القول بالموجب عبارة عن تسليم مدلول الدليل مع بقاء النزاع، ويسمى: إرخاء ~~العنان، وشاهده قوله تعالى: { لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها ~~الأذل } (المنافقون: 8)، فإن معنى هذا الكلام مسلم عند المسلمين لكن الأعز ~~عند المسلمين هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والأذل عندهم هو ذلك ~~القائل، والأعز عند المنافق هو نفسه؛ فمدلول كلامه مسلم، والخلاف بينهم ~~باق، وهو أنواع ثلاثة: # النوع الأول: أن يستنتج المعترض من المستدل ما يتوهم أنه محل النزاع، أو ~~ملازمه، مثاله: قول من قول من يوجب القصاص على القاتل عمدا بالمثقل قتل بما ~~مثله يقتل في العادة، فلا ينافي وجوب القصاص كالقتل بالحاد الخارق، فيقول ~~المعترض أن عدم المنافاة ليس محل النزاع، ولا هو نقيضه، وإنما محل النزاع ~~أو ملازمه، ومثاله: قول من يوجب القصاص على القاتل ms376 عمدا بالمثقل قتل بما ~~مثله يقتل في العادة، فلا ينافي وجوب القصاص كالقتل بالحاد الخارق، فيقول ~~المعترض ان عدم المنافاة ليس محل النزاع، ولا هو نقيضه، وإنما محل النزاع ~~وجوب القصاص. # النوع الثاني: أن يستنتج المعترض إبطال ما يتوهم أنه مأخذ الخصم، مثاله: ~~قولنا للحنفي التفاوت في القتل لا يمنع من وجوب القصاص كما لا يمنع من ~~القتل نفسه، فيعترض بأنه علة فيقول المعترض لا نسلم كون علة عدم وجوب ~~القصاص بل العلة شيء آخر منع الحكم الذي هو وجوب القصاص بل العلة شيء آخر ~~منع الحكم الذي هو وجوب القصاص، أو فقد شرط من شروطه، ولا يلزم من انتفاء ~~مانع واحد انتفاء الموانع جميعا أو الشرائط أو المقتضى. # قال صاحب المنهاج: "والصحيح أنه مصدق في مذهبه، أي أن ثم موانع أخر، ~~وشرط، ومقتضى لم يحصلا". # قال ابن الحاجب: "وأكثر القول بالموجب كذلك لخفاء المأخذ بخلاف محل ~~الخلاف، وهو محل النزاع في الضرب الأول؛ فإنه يحتاج إلى تبيين الموانع، ~~والمقتضى، وشروطه وحصولها". # النوع الثالث: أن يسكت عن PageV02P174 المقدمة الصغرى من مقدمتي القياس، ~~وهي الأولى مع كونها غير مشهورة، نحو أن يقول ما ثبت قربة فيرد عليه الوضوء ~~لكونه قربة، ولم يشترط فيه النية عند الخصم، ولو ذكر المقدمة الصغرى لم يرد ~~عليه إلا المنع لكون الوضوء قربة. # قال صاحب المنهاج: "وهذا الاعتراض يعود إلى اختلال شرط، وهو المنع من ~~اقتضاء العلة الحكم، وتأثيرها فيه، والجواب عن النوع الأول أن يبين المستدل ~~أن ذلك هو المأخذ نحو أن يبين أن انتفاء المانع من حصول القتل بالمثقل يؤخذ ~~منه انتفاء المانع من وجوب القصاص فيه أيضا لأن وجوب القصاص إزهاق الروح، ~~فإذا لم يمنع المثقل من إزهاق الروح بل حصل له، فقد حصل به موجب القصاص فيه ~~أيضا لأن وجوب القصاص إزهاق الروح فإذا لم يمنع المثقل من إزهاق الروح بل ~~حصل له، فقد حصل به موجب القصاص، فيجب إذ لا مانع، والجواب عن النوع الثالث ~~أن يبين المستدل أن الحذف شائع ms377؛ فيرتفع المطعن"، انتهى، وأكثره من منهاج ~~الأصول، وسنختم هذا المبحث بتنبيهات ذكرها صاحب المنهاج: # أحدها: اختلف العلماء في المعترض بالنقض إذا منع المستدل وجود العلة التي ~~زعم بالمعترض تخلف حكمها هل يمكن من الاستدلال على وجود العلة التي زعم ~~المعترض تخلف حكمها، هل يمكن من الاستدلال على وجود تلك العلة؟ # قال صاحب المنهاج: "في الأصل لم يسمع لأنه انتقال من نقض العلة إلى نقض ~~دليلها"، قال: "وفيه نظر، أما لو قال: يلزمك إما انتقاض علتك، أو انتقاض ~~دليلها كان لازما". # التنبيه الثاني: اختلفوا أيضا إذا منع المستدل تخلف الحكم عن العلة التي ~~نقض فيها المعترض من الدلالة على تخلف الحكم عن التي نقض فيها المعترض، هل ~~يمكن المعترض من الدلالة على تخلف الحكم؟ فقيل: يمكن، وقيل: لا يمكن، وقيل: ~~ما لم يكن له PageV02P175 طريق للقدح ألا منه. # التنبيه الثالث: اختلفوا أيضا هل يجب على المستدل الاحتراز من النقض ~~أولا؟ فقيل: يجب، وقيل: لا يجب إلا في المستثنيات، وقيل: لا يجب مطلقا. # قال صاحب المنهاج: "وهو الأصح لأنه إنما يسأل عن الدليل، وانتفاء المعارض ~~ليس من الدليل وأيضا فإنه وارد ولو احترز اتفاقا. # التنبيه الرابع: قال ابن الحاجب: "واعتراضات القياس على مراتب، فما كان ~~من جنس واحد يصح تعدده اتفاقا، أي تورد منها اعتراضات متعددة على مسألة ~~واحدة، وما لم يكن من جنس واحد يصح تعدده اتفاقا، أي تورد منها اعتراضات ~~متعددة على مسألة واحدة، وما لم يكن من جنس واحد الممانعة والمطالبة والنقض ~~والمعارضة، فقد اختلف في جواز يراد جنسين فصاعدا، فمنعه أهل سمرقند، قالوا: ~~"لأنه يؤدي إلى الخبط الكثير، وجوزه غيرهم كالجنس المتعدد، واختلفوا أيضا ~~في صحة إيرادها مرتبا بعضها على بعض نحو أن يورد المطالبة، ثم يقول سلمنا ~~أنها لا ترد، فنحن نورد القلب، ثم يقول: سلمنا أنه غير وارد، فنحن نورد ~~غيره، وقال الأكثر: الأولى منع ذلك لما فيه من التسليم لبطلان الاعتراض ~~المتقدم حتى يتعين الآخر. # قال ابن الحاجب: "والمختار جوازه لأن التسليم تقديري، وإذا جاز ms378 إيراد ~~الاعتراضات مترتبة؛ فينبغي أن يرتبها المعترض على ما يرتبه المستدل وإلا ~~كان منعا بعد تسليم لأنه إذا اعترض الفرع، ثم طالب بتصحيح الأصل كان ذلك ~~منعا لحكم الأصل بعد أن سلمه بأن اعتراض الفرع دونه، فيقدم ما يتعلق ~~بالأصل، ثم العلة لاستنباطها منه، ثم الفرع لبنائه عليهما، وقدم النقض على ~~معارضة الأصل لأنه يورد لإبطال العلة، والمعارضة تورد لإبطال استقلالها ~~انتهى أخذا من منهاج الأصول، والله أعلم. # ولما فرغ من بيان القياس، وأركانه، وبيان القوادح فيه أخذ في بيان النوع ~~الخامس من الأدلة، وهو الاستدلال، فقال: # ** الركن الخامس في مباحث الاستدلال ** # وهو في اللغة: طلب الدليل. # وفي العرف: عبارة عن إقامة الدليل، يقال: PageV02P176 # استدل فلان على كذا إذا أقام الدليل عليه. # وفي اصطلاح الأصوليين: اسم لنوع خاص من الأدلة، وهو ما ليس بنص ولا ~~إجماع، ولا قياس، وقد تقدم ذكر كل واحد من الثلاثة. # اعلم أنه لما كان كثير من الأحكام الشرعية خارجة عن ظاهر تلك الأدلة ~~بمعنى أنه لم يوجد من واحد من الأدلة ما يدل على حكم فيها استدل العلماء ~~على ثبوت أحكامها بأمور، منها استصحاب حال الأصل، ومنها الاستقراء، ومنها ~~المصالح المرسلة إلى غير ذلك مما سيأتي في هذا الركن، وسموا تلك الأشياء ~~استدلالا، وقد اختلفوا في تعريف حقيقته، فقال بعضهم: "هو ما ليس بنص، ولا ~~إجماع، ولا قياس، وعليه مشيت في النظم". # قال صاحب المنهاج: "وهؤلاء يعنون الاجتهاد"، وأقول يعنون به ما ذكرناه من ~~الاستصحاب والاستحسان، وغيرهما من أنواع الاستدلال، ولذا عرفوه بذلك ~~التعريف، ثم ذكروا تلك الأشياء من جملة أنواعه على أن الاجتهاد ليس دليلا ~~بنفسه، وإنما هو نظر في الدليل، وزاد بعضهم على التعريف الأول قولهم: "ولا ~~قياس علة"، قال صاحب المنهاج: "فيدخل فيه الاجتهاد والاستدلال بنفي الفارق ~~كما تقدم، والاستدلال بالتلازم كما مر في قياس الدلالة"، انتهى، ومعنى ~~قوله: "وفي ثبوت بعضه جدال يعني أن في ثبوت بعض أنواع الاستدلال خلافا"، ~~اعلم أن القائلين بثبوت الاستدلال اختلفوا في أشياء، قال بعضهم: أنها ms379 من ~~الاستدلال، وقال آخرون: ليست منه، وهي: الاستدلال على ثبوت الحكم بوجود ~~السبب، وعلى انتفائه بوجود المانع منه، PageV02P177 أو فقد الشرط، وغير ذلك ~~مما سيأتي بيانه، واختار ابن الحاجب أن الاستدلال ثلاثة أنواع: # النوع الأول: الاستدلال باستصحاب الحال. # النوع الثاني: الاستدلال بالتلازم بين الحكمين من غير تعيين العلة، وهو ~~الذي سميناه قياس الدلالة، وقد مر بيانه. # والنوع الثالث: شرع من قبلنا، وزاد البدر رحمه الله تعالى الاستحسان، ~~ونسبه للحنفية، والمصالح المرسلة، ونسبه للمالكية، وذكر ابن السبكي جميع ~~الأنواع التي ذكرها المصنف في هذا الركن إلا المصالح المرسلة فإنه لم ~~يذكرها في كتاب الاستدلال، وزاد شرع من قبلنا، وحجية قول الصحابي، وقد مر ~~الكلام فيهما، وقد ذكرت في هذا الركن أشياء منها القياس الاقتراني ~~والاستثنائي، وهما المراد بقول المصنف، فيشمل القياس الاقتراني إلى آخره، ~~أي يشمل الاستدلال القياس الاقتراني، وهو أحد نوعي القياس المنطقي، وكذا ~~يشمل النوع الثاني من القياس المنطقي، وهو القياس الاستثنائي، اعلم أن ~~القياس المنطقي قول مؤلف من قضايا متى سلمت لزم عنه لذاته قول آخر، فإن كان ~~اللازم، وهو النتيجة أو نقيضه مذكورا فيه بالفعل؛ فهو القياس الاستثنائي، ~~وإلا فهو القياس الاقتراني، مثال القياس الاستثنائي: إن كان النبيذ مسكرا ~~فهو حرام لكنه مسكر ينتج، فهو حرام، أو إن كان النبيذ مباحا، فهو ليس بمسكر ~~لكنه مسكر ينتج، فهو ليس بمباح، ومثال القياس الاقتراني: كل نبيذ مسكر، وكل ~~مسكر حرام، ينتج كل نبيذ حرام، وهو مذكور فيه بالقوة لا بالفعل، وسمي النوع ~~الأول بالقياس الاستثنائي لاشتماله على حرف الاستثناء، وهو لكن سموا لكن ~~حرف استثناء إما أن يكون اصطلاحا للمناطقة خاصا بهم، وإما أن يكون مبنيا ~~على التشبيه، فإن معنى لكن يشابه معنى إلا، فإن كليهما لرفع توهم يتولد من ~~الكلام السابق، وسمي النوع الثاني بالقياس الاقتراني لاقتران أجزائه، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان النوع الثاني والثالث من PageV02P178 الاستدلال، وهما ~~الاستصحاب، والعكس، فقال: # ** مبحث الاستصحاب والعكس ** # أي وجود المقتضى، وعدم المانع، وانتفاء الشرط، وعدم وجود ما ms380 يدل على ~~الحكم، فاقتصر في الترجمة على النوعين المذكورين اختصارا، وبدأ بذكر ~~الاستصحاب، فقال: # إبقاء ما كان على أصوله ... يفيد ظنا ببقا مدلوله # إلا إذا صح له منقل ... فإنه عن أصله ينتقل # إن كان في السلب أو الإيجاب ... وهو الذي يدعى بالاستصحاب # الاستصحاب: عبارة عن إبقاء ما كان على أصوله التي كان عليها من وجود أو ~~عدم أو نحو ذلك، ما لم يرد دليل ينقله عن حكم أصله إلى حكم آخر، فنقول: ~~الأصل بقاء ما نفاه العقل، كوجوب صوم رجب على حاله الأول حتى يقوم الدليل ~~بوجوب صيامه، وكذا نقول: أن الأصل إبقاء العموم على عمومه، وإبقاء النص على ~~حاله حتى يرد المخصص للعموم، أو الناسخ للمنصوص، وهكذا في كل شيء علم وجوده ~~أو نفيه من شرع أو عقل أو حس، فإن الأصل بقاؤه على حاله الذي علم عليه حتى ~~يقوم الدليل على انتقاله، وهو حجة عندنا، وعند الشافعية، لأن الظن ببقاء ما ~~كان على ما كان حاصل، ما لم يصح انتقاله إلى حال آخر، أما حكمنا على ~~المفقود بالوفاة بعد الأربع، وعلى الغائب بالوفاة بعد الأجل المذكور؛ فمبني ~~على أن الظن بحياتهما بعد الأجلين ضعيف؛ لأن الغالب من أحوال أمثالهما ~~الهلاك في مثل تلك الحال، إذ لو كانا حيين لجاء عنهما خبر في غالب الأحوال، ~~فحملنا المفقود والغائب بعد الأجلين على أغلب الأحوال استحسانا، وكان ~~القياس عدم الحكم بموتهما حتى يصح ذلك كما أشار إليه بعض الأثر في الغالب، ~~وقالت المعتزلة والحنفية أن استصحاب الحال ليس حجة شرعية، وقيل: حجة في ~~الدفع به عما ثبت له دون الرفع به عما ثبت، PageV02P179 ومعنى هذا القول: ~~أن استصحاب الأصل حجة في بقاء ما كان على حاله الأول من غير أن يزاد حكما ~~آخر، مثال ذلك: استصحاب حياة المفقود دافعة لغيره من أخذ ماله بسبيل الإرث، ~~فماله لا يورث لاستصحاب حياته قبل الأجل، وهو مع ذلك لا يكون وارثا من غيره ~~عند صاحب هذا القول للشك في حياته، وشرط أخذ الميراث عند ms381 هذا القاتل تيقن ~~حياة الوارث بعد موت الموروث، فحصة # المفقود على هذا موقوفة حتى يتحقق موته، أو حياته بعد موت موروثه، وهو ~~عندنا وارث وموروث بناء على حجية الاستصحاب، كما وه مذهب أكثر الأصحاب، وإن ~~كان لازم مذهب بعضهم عدم حجيته، والحجة لنا على حجية الاستصحاب قوله - صلى ~~الله عليه وسلم - : "إن الشيطان ليأتي أحدكم، فيقول: أحدثت أحدثت، فلا ~~ينصرفن حتى يسمع صوتا، أو يجد ريحا"، وكثير من قواعد الشرع دالة على ~~استصحاب الحال، فمن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله حرم دمه وماله مدة ~~حياته، ولو لم يسمع منه تشهد بعدها أبدا، حتى يصح ارتداده، وهو معنى ~~الاستصحاب، وكذلك الحكم في الأشياء الطاهرة ببقائها على طهارتها حتى يصح ~~تنجيسها، وكذلك الحكم في الأشياء المحرمة ببقائها على حرمتها حتى يصح ~~تحليلها بوجه شرعي، ونحو ذلك كثير، فقد اعتبر الشرع في هذه الأمور استصحاب ~~حال الأصل، فجعلناه حجة فيما سكت عنه الشارع، ولا سبيل للمخالف في التفرقة ~~بين بعض الاستصحاب، دون بعض، وهاهنا مسئلة جعلها قومنا من الاستصحاب، ونحن ~~نأبى من ذلك؛ لأن حكم الاستصحاب معنا معتبر ما لم يصح المنقل عن أصله، وقد ~~صح في هذه المسألة، وهي: ما إذا رأى المتيمم الماء حال صلاته، وقد كان ~~تيممه لأجل عدم الماء فقط، قال المخالف: فإنه إذا رأى الماء في الصلاة يتم ~~صلاته، ولا يبطل تيممه برؤية الماء، وإنما جاز له إتمامها استصحابا للحال ~~الأول قبل رؤية الماء، واحتجوا على ذلك بوجهين: # - الوجه الأول: قالوا: PageV02P180 # إن الإجماع منعقد على أنه قبل رؤية الماء متطهر، والأصل البقاء على ~~الطهارة حتى يثبت معارض، والأصل عدم المعارض. وأجيب: بأن المعلوم أن الحال ~~الثانية غير مساوية للحال الأولى لوجود الماء فيها دون الحال الأولى، فلم ~~تشاركها في المقتضى للحكم، وهو جواز التيمم؛ لأن الماء فيها موجود دون ~~الحال الأولى، فيلزم من ذلك ثبوته في الحال الثانية من غير دليل يقتضيه، ~~وذلك لا يجوز. # - الوجه الثاني: قالوا: صحة التيمم مقطوع بها وبطلانه برؤية الماء ms382 مشكوك ~~فيه، فلا يبطل اليقين بالشك، كما أنا إذا تيقنا صحة النكاح، ثم شككنا في ~~حصول الطلاق لم يؤثر ذلك الشك، وإذا تيقنا الطهارة، ثم شككنا في الحدث لم ~~يؤثر ذلك الشك، بل نستصحب الحال كذلك هاهنا؛ لأن الداخل في الصلاة دخل فيها ~~مع تيقن صحتها، فلا ينتقل إلى بطلانها إلا بدليل آخر، ولا دليل. وأجيب: بأن ~~الدليل القياس على رؤيته قبل الدخول في الصلاة، فكما أنه يبطل تيممه هنالك ~~لأجل رؤية الماء كذلك بعد الدخول فيها بخلاف الشاك في النكاح، فقد تيقن ~~صحته، وفي الطهارة كذلك، فلا قياس يعارض دليل الصحة هنالك، فوجب استصحاب ~~الحال بخلاف ما نحن فيه، قالوا: دخوله في الصلاة يحرم الخروج منها إلا ~~لدليل بخلاف حاله قبل الدخول فيها، فلا قياس مع الفرق. # وأجيب: بأنه إنما حرم خروجه بعد الدخول فيها لصحة طهارته بعدم الماء حال ~~الدخول فيها، بوجود الماء زالت علة التحريم، فيحرم البقاء بعد وجوده، كما ~~يحرم الدخول بعد وجوده، والله أعلم، وهذا فرع يتفرع على مسألة الاستصحاب، ~~وهو أن الأصوليين اختلفوا فيمن جزم بانتفاء حكم هل يلزمه إقامة برهان؟ أم ~~يكفيه كون الأصل عدمه؟ فقال أكثر المتكلمين والفقهاء: إن من قطع بنفي حكم ~~عقلي أو شرعي فعليه الدليل على دعواه القطع، بخلاف ما إذا قال: لا أعلم ~~ثبوته، فالدليل على من جزم بالثبوت، وقال أصحاب أبي حنيفة وبعض أصحابنا: لا ~~يجب على من نفى حكما دليل PageV02P181 على ذلك، كما لا تجب بينة على المنكر ~~لثبوت حق مدعي، وكما لا يجب على من أنكر نبوة مدعي النبوة بل على المدعي ~~إقامة البرهان على ما ادعاه، وقيل: إن نفى حكما عقليا أقام الدليل على ~~دعواه، لا إذا نفى حكما شرعيا، فالدليل على المثبت لا النافي؛ لأن الأصل في ~~الأحكام الشرعية انتفاؤها، فلم يحتج النافي لها إلى دليل بخلاف العقليات، ~~ورد بأن كون الأصل العدم دليل على النفي مطلقا، فلا وجه للفرق، أما إذا لم ~~يجزم بانتفاء الحكم، وإنما أخبر أنه لا يعلم ثبوته، فهذا ms383 لا يلزمه دليل ~~قطعا إذ لم يخبر إلا بأنه لم يصح له دليل، فلم يعلم، ولا وجه لطلب الدليل ~~على ذلك، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان العكس، فقال: # والعكس إثبات نقيض الحكم ... لضد ذاك الشيء إذ في الفهم # تعاكس الوصفين أو قد وجدا ... موجب ذا أو مانع له بدا # وهكذا فقد وجود الشرط ... وعدم ما يدل عند الضبط # من الاستدلال قياس العكس، وهو إثبات نقيض حكم شيء لضد ذلك الشيء لتعاكس ~~وصفيهما، مثاله: حديث مسلم: أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر؟، قال: "أرأيتم ~~لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر"، فقد نبه الحديث المذكور على أن حكم وضع ~~الشهوة في الحلال مضاد لحكم وضعها في الحرام، فوضعا في الحرام موجب للوزر، ~~ووضعها في الحلال موجب للأجر، ويسمى الاستدلال بهذا الطريق: قياس العكس، ~~وقد جعله صاحب المنهاج نوعا من القياس، لا من الاستدلال، فقسم القياس إلى ~~قياس طرد وقياس عكس، وعرفه بتعريف جامع للنوعين، والحق أنه ليس من أنواع ~~القياس، وإنما هو نوع من الاستدلال، كما هو صنيع ابن السبكي، وعليه مشيت في ~~النظم، أما قوله: "أو قد وجدا موجب ذا"، إلى آخره، فهو شروع في أنواع أخر ~~من الاستدلال، وهي أربعة: # - أحدها: الاستدلال على ثبوت الحكم بوجود السبب المقتضي لوجوده، كما نقول: PageV02P182 # وجد السبب الموجب للتحريم في صورة كذا، فيجب أن تعطى تلك الصورة ذلك الحكم. # - وثانيها: الاستدلال على نفي الحكم بوجود مانعه، كما نقول: وجد المانع ~~من كذا في صورة كذا، فلا تعطى ذلك الحكم. # - وثالثها: الاستدلال على انتفاء الشيء بانتفاء شرطه، كما نقول: انتفى ~~الشرط في صورة كذا، فلا يثبت فيها ذلك الحكم المشروط. # - ورابعها: الاستدلال على انتفاء الحكم بعدم وجود دليله عند المجتهد ~~الضابط للأدلة، الكثير الاطلاع على احوال الشرع، الخبير باختلاف وقائعه، ~~مثاله: قول المجتهد المذكور لم أجد لهذا الحكم دليلا يدل عليه، فقيل: إن ~~قوله بذلك دليل على انتفاء ذلك الحكم، إذ في الظن أن لو كان لذلك الحكم ~~دليل لما فات هذا ms384 الحافظ الضابط، وقيل: لا يلزم من عدم وجدان الدليل ~~انتفاؤه، وهو الحق، وكذا اختلفوا في الثلاثة الأنواع التي قبل هذا النوع، ~~وهي الاستدلال على ثبوت الحكم بوجود السبب، وعلى انتفائه بوجود المانع منه، ~~أو فقد الشرط، فقيل: إنها ليست باستدلال، وإنما هي دعوى دليل، فعلى مدعيه ~~البرهان، وقيل: بل هي دليل، واختلف القائلون بأنها دليل، فقال: بعضهم: هي ~~نوع من الاستدلال، وقال آخرون: إن ثبت عنده وجود السبب أو المانع أو فقد ~~الشرط بغير النص والإجماع والقياس، وإلا فلا بل هي دعوى عند المعترض، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الاستقراء، فقال: # ومنه الاستقراء أن يستتبعا ... أفراد ذلك الجنس حي يقطعا # بأن هذا الجنس حكمه كذا ... كعدة الحيض في أقصى الأذى # وهو على نوعين نوع كامل ... وهو الذي الأفراد طرا شامل # إلا قضية النزاع ونقص ... إن كان بالغالب منها قد يخص # من الاستدلال: الاستقراء، وهو عبارة عن تتبع أفراد الجنس في PageV02P183 ~~حكم من الأحكام، فإذا وجدنا ذلك الحكم في جميع افراد ذلك الجنس قطعنا بأن ~~حكم ذلك الجنس كذا، مثاله: أن نستتبع أفراد الحيوان، فنجد كل فرد منه ~~متحركا، فنعلم من ذلك التتبع أن الحيوان متحرك، وكذا إذا تتبعنا أفراد ~~الجماد فرأينا كل فرد منها ساكنا، حكمنا بأن الجماد ساكن، وهكذا، وهذا ~~التتبع المخصوص هو معنى الاستقراء عند الأصوليين، وهو نوعان: كامل وناقص: # - فأما النوع الكامل: فهو ان يتبع المستدل جميع أفراد ذلك الجنس حتى لا ~~يبقى من أفراده إلا الصورة التي طلب معرفة حكمها، فيحكم بأن حكم تلك الصورة ~~حكم بقية # أفراد الجنس، مثاله: إذا رأينا فردا من الحيوان، فنقول: هل هذا الحيوان ~~متحرك؟ أم لا؟ فنتصفح أفراد ذلك الجنس، فإذا رأينا جميعها متحركا استدللنا ~~بذلك على تحرك ذلك الفرد. # - وأما النوع الناقص: فهو أن يستتبع المستدل غالب أفراد الشيء، فإذا ~~وجدها متفقة في حكم أجرى ذلك الحكم في جميع الأفراد، إذ في الظن أن أقل ~~الأفراد حكمه حكم أغلبها، مثاله: أن يتصفح أفراد الحيض في أقصى مدة ms385 الدم، ~~فيجد أغلبهن لا يزيد على عشرة أيام، فيحكم بأن أكثر مدة الحيض في كل النساء ~~عشرة أيام استدلالا بذلك الإستقراء، ويسمى هذا النوع عند الفقهاء: "إلحاق ~~الفرد بالأغلب"، وللإمام الكدمي -رضوان الله عليه- تمسك بهذا الطريق، وقد ~~اعتنى به، واعتمد عليه في مواضع كثيرة، كما يعرف ذلك بالاطلاع على فتاويه ~~ومصنفاته، وهو دليل ظني اتفاقا. # واختلف في النوع الأول، فقيل: إنه دليل قطعي، ونسب هذا القول إلى الأكثر ~~من العلماء، وقيل: ليس بقطعي؛ لاحتمال مخالفة تلك الصورة لبقية الأفراد، ~~وإن كان هذا الاحتمال بعيدا. ورد بأن ذلك الاحتمال منزل منزلة العدم؛ لأن ~~الاحتمالات العقلية لا تقدح في الأمور العادية، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان المصالح المرسلة، فقال: PageV02P184 # ** مبحث المصالح المرسلة ** # ومنه وصف لم يكن معتبرا ... من شارع الحكم وليس مهدرا # وظهرت لنابه مصلحة ... واسمه المصالح المرسلة # من الاستدلال: المصالح المرسلة، وهي عبارة عن وصف مناسب ترتبت عليه مصلحة ~~العباد، واندفعت به عنهم مفسدة، لكن الشارع لم يعتبر ذلك الوصف بعينه ولا ~~بجنسه في شيء من الأحكام، ولم يعلم منه إلغاء له، وبذلك سمي مرسلا؛ لأن ~~المرسل في اللغة: المطلق، فكان هذا الوصف المناسب، وقد ذكرنا له هنالك ~~أمثلة كثيرة، وبينا أن للأصحاب به اهتماما، فكثير من فروعهم مبني على هذا ~~الاستدلال، وللمالكية به أشد اعتناء، وإنما كان هذا النوع من الاستدلال ~~لأنه ليس بنص ولا إجماع ولا قياس، وقد عرفت أن ما عدا الثلاثة فهو استدلال، ~~والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الاستحسان، فقال: # مبحث الاستحسان # ومنه الاستحسان أن ينقدحا ... في ذهن ذي العلم دليل وضحا # وقصرت عن ذكره العباره ... وقيل أخذ ما اقتضته العاده # وقيل الإنتقال من قياس ... أو هي أقواه في الأساس # من الاستدلال: الاستحسان، وقد قال به المعتزلة والحنفية، وحكاه ابن ~~الحاجب والبدر الشماخي عن الحنابلة أيضا، وعزى المحلى إلى الحنابلة إنكاره، ~~ورد حكاية ابن الحاجب عنهم القول بذلك، وأنكره الشافعية وبشر المريسي من ~~الحنفية، قال الشافعي: "من استحسن فقد شرع"، أي من ms386 قال بحكم من الأحكام ~~الشرعية بالاستحسان فقد أحدث شريعة غير شريعة رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم -، وهذه مبالغة في تقبيح القول بالاستحسان، على أنه قد حكى أصحابه عنه ~~الاستحسان في بعض المسائل، PageV02P185 كالتحليف على المصحف، والخط في ~~الكتابة لبعض من عوضها، وكاستحسانه في المتعة ثلاثين درهما، ونحو ذلك، وقد ~~اعتذروا عنه بأن ذلك من الاستحسان اللغوي، لا من الاستحسان الاصطلاحي ~~المختلف فيه، قالوا: "إنما قال لمآخذ فقهية مبينة في محالها"، قلنا: وكذلك ~~المستحسنون إنما قالوا ذلك لمآخذ فقهية أيضا، قال صاحب المنهاج: "فأما قول ~~الشافعي أن من استحسن فقد شرع، فهو مبني على ما رواه بعض أصحابه عن الحنفية ~~أن الاستحسان هو القول بالحكم من غير دلالة، ولا أمارة تقتضيه، سوى ما تدعو ~~النفس إليه وتستصلحه"، قال الحاكم: "وقد أبعدوا في هذه الحكاية، وظنوا بأهل ~~العلم ما لا يليق بهم"، قال: "والذي عند مشايخنا أنه لا يجوز القول في ~~الأحكام بغير حجة تميز بين الحق والباطل، والصحيح والفاسد، والقبيح والحسن؛ ~~لأنه لو جاز ذلك لشلك العالم العامي في الأحكام، بل الصبي؛ لأنهم يستحسنون ~~أشياء شهوة وهوى"، انتهى كلامه. # واعلم أن مثبتي الاستحسان اختلفوا في بيان حقيقته، فقال بعضهم: هو دليل ~~ينقدح في ذهن العالم المجتهد، تقصر عن إظهاره عبارته، ولذا ترى كثيرا من ~~العلماء يقولون في مواضع: "وفي نفسي من كذا". ورد بأن ذلك الدليل المذكور ~~إن تحقق عند المجتهد، فهو معتبر اتفاقا، ولا يضره قصور عبارته عنه قطعا، ~~وإن لم يتحقق عنده، فمردود قطعا. وقال آخرون: هو عدول عن الدليل إلى العادة ~~للمصلحة، كدخول الحمام من غير تعيين زمن المكث، وقدر الماء والأجرة، فإنه ~~معتاد على خلاف الدليل للمصلحة، وكذا شرب الماء من السقاء من غير تعيين ~~قدره. ورد بأنه إن ثبت ان العادة حق لجريانها في زمنه عليه الصلاة والسلام ~~أو بعده من غير إنكار منه، ولا من غيره، فقد قام دليلها من السنة أو ~~الإجماع، فيعمل بها قطعا، وإن لم تثبت حقيقتها ردت قطعا، وقيل: هو ms387 العدول ~~عن قياس أوهى إلى قيلس أقوى منه. # ورد بأنه لا خلاف فيه بهذا المعنى، فإن أقوى PageV02P186 القياسين مقدم ~~على الآخر قطعا، قال المخالف: فلم يتحقق معنى للاستحسان يصلح محلا ~~للنزاع؟!، أقول: ولا يلزم القائل بالاستحسان إثبات معنى مختلف فيه ~~الاستحسان عند كل طائفة من أهل هذه الأقوال هو ما فسروه به، فإن وافق الخصم ~~على ثبوت الاستحسان بتلك المعاني، فقد أثبت الاستحسان الذي أثبته غيره، ~~فيرتفع الخلاف في ثبوته، قال صاحب المنهاج: "اعلم أنه لا فرق عند مثبتي ~~الاستحسان بين أن يكون المعدول إليه نصا من الكتاب أو من السنة أو الإجماع ~~أو قياسا أو اجتهادا أو استدلالا بعد أن يكون أقوى مما عدل عنه، وكذلك لا ~~فصل عندهم بين أن يكون المعدول عنه ثبت بظاهر الكتاب أو السنة أو القياس أو ~~الإجتهاد، وعلى هذا فيكون تفسير الاستحسان: هو العدول عن دليل أوهى إلى ~~دليل أقوى، وذكر بعضهم للاستحسان نظائر من مسائل الحنفية، منها: أن من حلف ~~بأن ما يملكه صدقة، وبأن أمواله صدقة، قالوا: القياس أنهما سواء في أنه يقع ~~على جميع ما يملكه إلا أنا استحسنا في قوله: "أموالي صدقة"، أنه يكون ~~محمولا على أموال الزكاة، لقوله تعالى: { خذ من أموالهم صدقة } (التوبة: ~~103)، فعدلوا في هذا الموضع عن الأصل الموجب للتسوية، ومنها ما قالوه في ~~الأكل ناسيا في رمضان: إن القياس أن يفطر كالحيض، واستحسانا لا يفطر الآكل ~~للخبر، ومنها ما قالوه إن جميع أنواع النوم ينقض الطهارة، واستحسانا في ~~بعضه لا ينقض للخبر، ومنها ما قالوا في الاسترضاع ودخول الحمام بأجرة ~~مجهولة، ومسكوت عنها، إن القياس أن لا يجوز، واستحسانا جوازه للإجماع، أقول ~~وبعض هذه المسائل موجود في المذهب على هذا الحال الذي ذكروه، والبعض الآخر ~~يقبله المذهب لوجود نظائره فيه، قال صاحب المنهاج: "قال الشيخ أبو عبد ~~الله: وربما تركوا قياسا إلى قياس آخر، وإلى قياس الأصل من حيث لا يسلم وجه ~~الاستحسان على حال PageV02P187 يوجب العدول عنه إليه، نحو قولهم فيمن احتلم ~~في صلاته ms388 أنه لا يبني، وإن كان وجه الاستحسان في سبق الحدث يقتضي ذلك، ~~فعدلوا فيه إلى أصل القياس"، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الإلهام، فقال: # ومنه إلهام به ينثلج ... قلب الذي في قلبه يختلج # وليس حجة لعدم العصمة ... مخالف لمذهب الصوفية # من الاستدلال: الإلهام عند من أثبته حجة، وهو إيقاع شيء في قلب الولي، ~~ينثلج له قلبه، أي يطمئن به صدره، فإن كان ذلك الملهم نبيا كان ذلك الإلهام ~~حجة اتفاقا؛ لأنه نوع من الوحي، وإن كان غير نبي، فقيل: الصحيح أنه ليس ~~بحجة؛ لعدم العصمة، إذ لا يؤمن أن يكون ذلك وسوسة شيطان، وذهب بعض الصوفية ~~إلى أنه يكون حجة في حق من ألهم دون غيره، وهو مقتضى مذهب الإمام الكدمي ~~رضوان الله عليه، فإنه جعل الإلهام حجة يضيق بها جهل الجاهل، وألزمه العمل ~~بها في بعض المواضع، وأقول: أنه إن كان الملهم ضعيفا، فلا يكون ذلك الإلهام ~~بنفسه حجة حتى يطابق القوانين الشرعية، والقواعد الدينية، فإذا طابقها كان ~~حجة عليه، ولزمه العمل به، علم أنه حجة أو لم يعلم، إن كان ذلك الحال مما ~~لا يسع جهله، وإن كان الملهم عالما مجتهدا، فغالب أحواله لا يكون الإلهام ~~في حقه إلا في قضية لا يوجد لحكمها نص ولا إجماع، وعلى هذا فينبغي أن يكون ~~الإلهام في حقه هو الاستحسان على بعض ما قيل في تفسير الاستحسان، وهو عندنا ~~حجة عليه، أما ما قيل: من أنه لا يأمن أن يكون ذلك وسوسة شيطان، فممنوع ~~بأنه إذا قامت الحجة على أحد، وجب عليه الأخذ بمقتضاها، علم أنها حجة أو ~~جهل، أمن الوسوسة فيها أو لم يأمن، وغاية الأمر أن قيام الحجة من الأمور ~~القدرية، فيجب الكف عن الخوض فيها، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان حكم الأشياء قبل ورود الشرع، فقال: PageV02P188 # ** مبحث حكم الأشياء قبل ورود الشرع ** # والحكم في الأشياء قبل الشرع ... إباحة الكل بغير منع # وإنما حرم ما قد حرما ... من بعد ما جاء الخطاب فاعلما # وقال قوم ms389 حكمه الحظر وفي ... قول بأن الحق التوقف # حكم الأشياء كلها قبل ورود الشرع: الإباحة، والمراد بقولنا: "قبل ورود ~~الشرع"، حيث لا شرع، أي قبل إرسال الرسل، وإنزال الشرائع، فإن الأحكام إنما ~~ثبتت بعد ورود الشرائع، وبعدها حرم ما حرم، لا قبل ذلك؛ لعدم الدليل على ~~ثبوت الحكم، هذا قول جماعة، قال البدر%: "وهو قول الشيخ أبي يحي زكريا بن ~~أبي بكر، واختاره المصنف"، يعني الإمام أبا يعقوب-رحمة الله عليه-، وقال ~~أكثر أصحابنا وأكثر معتزلة بغداد والإمامية والشافعية بل حكمها الحظر، ~~وتوقف الأشعري والصيرفي في ذلك، ثم اختلف الذين قالوا بالحظر، فمنهم من ~~قال: أما ما لا يقوم البدن إلا به من طعام وشراب ونحوهما فمباح عقلا، وما ~~زاد على ذلك فمحظور، ومنهم من قال: بل كل ما مست الحاجة إليه فمباح، وما ~~سواه فمحظور، ومنهم من قال: بل الجميع على الحظر، وتختلف عللهم في ذلك، ~~والقائل بالوقف يقول يلزمنا الامتناع من غير أن نحكم بحظر ولا إباحة، ومنمه ~~من فال: يجب الإمتناع؛ لأنه لا نأمن من كونه محظورا، وأنت خبير بأن كل واحد ~~من القائلين بالحظر، ومن القائلين بالوقف قد أثبتوا للأشياء حكما قبل ورود ~~الشرع، والأحكام إنما ثبتت بعد وروده لا قبله، فلا سبيل إلى إثبات شيء من ~~ذلك إلا عند من جعل العقل حاكما، والصحيح أن الحاكم والشرع، كما حققناه في ~~مشارق الأنوار، وكما سيأتي في ركن الحاكم إن شاء الله تعالى، لا يقال: إن ~~الإباحة حكم أيضا، فيلزمكم من إثباتها إثبات حكم قبل الشرع، لأنا نقول لم ~~نرد بالإباحة الحكم الشرعي، الذي هو مقابل الحظر، وإنما أردنا رفع الأحكام ~~رأسا، وإذا راتفعت الأحكام بقيت الأشياء بلا PageV02P189 حكم، فالتصرف وعدم ~~التصرف فيها سواء، بمعنى أنه لا عقاب على كلا الطرفين، والحجة لنا على ~~تصحيح هذا القول: هي أنه لا مخالف في جواز التنفس وجذب أجزاء الهواء ~~ودفعها، وذلك نوع انتفاع بالأشياء، فيقاس عليه سائر الانتفاعات بالأشياء، ~~احتج أهل الحظر بأنه تصرف في ملك الغير، فلا يجوز إلا ms390 بإذنه. ورد: بأنه ~~إنما امتنع التصرف في الشاهد لتضرره بذلك، بخلاف القديم سبحانه لما يخشى من ~~تفويت مصلحة يرجوها في وقت من الأوقات، والأشياء قبل ورود الشرع جميعها ملك ~~الله - سبحانه وتعالى -، ولا ضرر عليه بتصرف غيره فيها، ولا منفعة له منها، ~~فإنه إنما خلقها لينتفع بعضها ببعض، ولم يخلقها لينتفع بها بنفسه. # احتج القائلون بالوقف: بتعارض دليل الحظر ودليل الإباحة. ورد بأنه لا ~~تعارض بينهما، بل دليل الإباحة راجح بما ذكرنا. # واعلم أنهم اختلفوا في حكم الأشياء بعد ورود الشرع أيضا، على ثلاثة ~~مذاهب، فقيل: إن الأصل في الأشياء التحريم، وقيل: إن الأصل فيها الحل، ~~وقيل: إن أصل المنافع التحليل، وأصل المضار التحريم، وصححه ابن السبكي، ~~وتبعه المحلى شارحه، مستدلا على صحته بقوله تعالى: { خلق لكم ما في الأرض ~~جميعا } (البقرة: 29) ذكره في معرض الإمتنان، ولا يمتن إلا بالجائز، وبقوله ~~- صلى الله عليه وسلم - فيما رواه ابن ماجه وغيره "لاضرر ولا ضرار"، أي في ~~ديننا، أي لا يجوز ذلك، واستثنى السبكي من هذا القول أموالنا، فإنها من ~~المنافع، والظاهر أن الأصل فيها التحريم، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ~~"إن دماءكم وأومالكم وأعراضكم عليكم حرام"، فيخص به عموم الآية السابقة. ~~ورد: هذا الإستثناء بأن التحريم عارض، فلا يخرجها عن أصلها، والكلام في ~~المنافع والمضار بالنظر لذاتها، لا لما عرض لها، فالأموال بالنظر لذاتها من ~~المنافع التي الأصل فيها الحل، فلا PageV02P190 وجه لاستثنائها، على أن ~~ماذكره في الأموال يجري مثله في الدماء والأعراض، فينبغي استثناؤها من ~~المضار؛ إذ قد يعرض لها ما يجوزها، هذا وكان ميل الإمام الكدمي - رضي الله ~~عنه - إلى القول بحل الأشياء ما لم يرد المحرم، فإنه قد عذر من أتى شيئا ~~على الجهل، فوافق حلالا، ولو كان مذهبه في ذلك التحريم أو الوقف لأوجب على ~~من أتى شيئا من ذلك على الجهل بحل التوبة من إتيانه، كما أوجبها القائلون ~~بذلك، والله أعلم. # ثم إنه ختم ركن الإستدلال بقواعد بني الفقه عليها، فقال: # خاتمة في قواعد الفقه # أما ms391 اليقين فهو لا يزيله ... إلا يقين مثله حصوله # وإنما الأمور بالمقاصد ... والضر مرفوع بلا معاند # ويجلب التيسير بالمشقة ... إذ ليس في الدين عذاب الأمة # وإن للعادة حكما فعلى ... ما ذكرت أسس الفقه الأولى # اعلم أن قدماء الفقهاء من أصحابنا وغيرهم بنوا الفقه على خمس قواعد: # - القاعدة الأولى: قولهم: "أن اليقين لا يزيله إلا يقين مثله"، وهو نوع ~~من الاستصحاب المتقدم ذكره؛ لن بقاء حكم اليقين مستصحب، وإن ورد عليه الشك ~~حتى يتيقن انتقاله، ومن فروع هذه القاعدة أن من تيقن الطهارة، وشك في الحدث ~~يأخذ في بالطهارة. # - القاعدة الثانية: قولهم: "أن الأمور بمقاصدها"، ومن فروع هذه القاعدة: ~~وجوب النية في الطهارة. # - القاعدة الثالثة: قولهم: "أن الضر يزال"، ومن فروع هذه الاقعدة: وجوب ~~رد المغصوب وضمانه بالتلف. # - القاعدة الرابعة: قولهم: "أن المشقة تجلب التيسير"، ومن فروع هذه ~~القاعدة: جواز القصر والجمع والفطر في السفر، وجواز الجمع للمستحاضة، ~~والمبطون، وفي وقت الغيم، ونحو ذلك. # - القاعدة الخامسة: قولهم: "أن العادة محكمة"، أي حكمها الشرع، ومن فروع ~~هذه القاعدة: بيان أقل الحيض وأكثره ومسائل التعارف، ونحو ذلك. # وهاهنا PageV02P191 تم الكلام على الأدلة الشرعية، وسنأخذ في الكلام على ~~ترجيح بعض الأدلة على بعض عند التعارض، فنقول: قال المصنف: # ** خاتمة على قسم الأدلة في الترجيحات ** # جمع: ترجيح، وهو في اللغة: تمييل القلب إحدى كفتي الميزان على الأخرى ~~بفضل فيها. # وفي الاصطلاح: عبارة عن اقتران الأمارة التي يستدل بها على الحكم بما ~~تقوى به على معارضتها، قال: # إذا الدليلان تعارضا بلا ... مرجح تساقطا وقيل لا # لكننا نختار والبعض وقف ... وإن بدا مرجح له انصرف # اعلم أنه لا يصح تعارض الدليلين في نفس الأمر، لب لا بد وأن يكون أحدهما ~~ناسخا، والآخر منسوخا، أو نحو ذلك، فإذا لم نعلم الوجه الذي يرتفع به وجه ~~التعارض بين الأدلة وقع في ذهننا أن تلك الدلة متعارضة، فاحتجنا إلى العمل ~~بواحد منها حيث لم يمكن الجمع بين المتعارضين، فإن كان في أحدهما مرجح يقوى ~~به على معارضه وجب علينا الأخذ بالراجح ms392، وطرح المرجوح، ولو كان في علم الله ~~أن الذي ظهر لنا منسوخ فلا يضرنا ذلك، إذ لم نكلف بما في علمه تعالى، وإنما ~~كلفنا بما ظهر لنا علمه، وقال الباقلاني: "إلا ما رجح ظنا فلا يجب العمل ~~به"، إذ لا ترجيح بظن عنده، فلا يعمل بواحد منهما لفقد المرجح، وقال أبو ~~عبد الله البصري: "إن رجح أحدهما بالظن فالتخيير بينهما في العمل"، وإنما ~~يجب العمل عنده وعند القاضي بما رجح قطعا، ولا ترجيح في القطعيات لعدم ~~التعارض بينهما، كما سيأتي، والصحيح وجوب العمل بالراجح، وإن كان المرجوح ~~ظنا؛ لأن المعلوم من الصحابة ومن بعدهم من التابعين والعلماء أنهم عند ~~تعارض الأمارات يعتمدون الأرجح، ويرفضون المرجوح، فكان ذلك إجماعا منهم على ~~وجوب العما بالراجح، فأما إذا لم يمكن المجتهد الترجيح بين الدليلين، فقيل: ~~إنهما يتساقطان، ويلتمس الحكم من غيرهما إن وجد، PageV02P192 وقيل: لا ~~يتساقطان، لكن يخير المجتهد في العمل بأيهما شاء، وهو مذهب الإمامين أبي ~~سعيد الكدمي وابن بركة البهلوي، وقيل: بالوقف، بمعنى أنه لا يحكم ~~بتساقطهما، ولا بالعمل بأحدهما، فهذه ثلاثة أقوال، قال المحلى: "أقربها ~~التساقط مطلقا، كما في تعارض البينتين، وفي المسألة قول رابع: وهو التخيير ~~بينهما في الواجبات؛ لأنه قد يخير فيها، كما في خصال كفارة اليمين، ~~والتساقط في غير الواجبات"، وأقول أن التخيير بين الدليلن مطلقا سواء كانا ~~في الواجبات أو في غيرها لا معنى له، إذ ليس أحد المتعارضين أولى بالأخذ به ~~من الآخر، فالمتمسك بأحدهما متمسك بدليل معارض بمثله، والعمل # به من غير مرجح تحكم، والقول بالوقف أقرب إلى السلامة، والقول بتساقطهما ~~هو الصحيح عندي، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان ما يصح تعارضه من الأدلة، وما لا يصح، وفي كيفية ~~التخلص من التعارض، فقال: # ولا يصح بين قطعيين ... تعارض أو بين ظنيين # هذا هو الحق وقوم حسنوا ... بأنه في الظنيين ممكن # وإن أتى موهم ذاك وجهل ... لأي شيء فعلى النسخ حمل # والتمس الجامع إن لم يعلما ... أي الدليلين الذي تقدما # وارجع إلى الترجيح ms393 إن لم يمكن ... جمعهما في قالب مستحسن # لا يصح التعارض بين الأدلة القطعية، كدليل إثبات الرؤية ونفيها، إذ ~~يستحيل اجتماع ثبوت أمر وانتفاؤه، فلا بد وأن يكون أحدهما باطلا اتفاقا، ~~وجوز المحلي القول بصحة تعارضهما، وهو باطل قطعا. # وأما تعارض الدليلين الظنيين فقد اختلف في جوازه، ونسب القول بجواز ~~التعارض فيهما إلى الجمهور؛ لأن ذلك لا يؤدي إلى محال عندهم، وقال الكرخي ~~وأحمد بن حنبل: لا يصح تعارض الظنيين أيضا، واحتجوا على ذلك بأن الظنيين ~~إذا تعارضا، فإما أن يعمل بهما، أو بأحدهما معينا أو مخيرا، أو لا، ~~PageV02P193 <2/194> والأول باطل، والثاني تحكم، والثالث يستلزم كون الشيء ~~حلالا لزيد، حراما على عمرو، من مجتهد واحد، والرابع كذب؛ لأنه يقول: لا ~~حرام ولا حلال، ولا بد من أحدهما. # وأجيب بأنه يعمل بهما في أنهما وقفاه عن العمل، فوقف، أو بأحدهما مخيرا، ~~ولا يعمل بهما، ولا تناقض إلا في اعتقاد نفي الأمرين لا في ترك العمل، وأنت ~~خبير بأن هذا الاحتجاج وهذا الجواب مبنيان على منع تعارض الظنيين في ذهن ~~المجتهد، لا على منع تعارضهما في نفس الأمر، والصحيح أنه يصح تعارضهما في ~~ذهن المجتهد، أما في نفس الأمر فالحق أنه لا يصح تعارضهما وإن كانا ظنيين؛ ~~لأنه إما أن يكون كلاهما عن الشارع، أو لا، فإن لم يكونا عن الشارع فهما أو ~~أحدهما كذب، وإن كانا عن الشارع، فلا بد وأن يكون أحدهما ناسخا والآخر ~~منسوخا، ولا يصح تواردهما عن الشارع على غير ذلك التقدير؛ لأنه يلزم من ~~تواردهما على غير ذلك ما يلزم من تعارض القطعيين، إذ لا فرق بينهما في نفس ~~الأمر، إلا أن الظنيين إنما كانا ظنيين بالنظر إلى طريق نقلهما أو بالنظر ~~إلى ضعف دلالتهما، فإن تيقنا أنهما عن الشارع أو تيقن المراد منهما، فهما ~~قطعيان، وهذا ظاهر كما ترى. # وقيل بجواز تعارض الدليلين الظنيين حتى في نفس الأمر، ونسب هذا القول إلى ~~الأكثر، والحق ما قدمت لك من أنه يمتنع تعارضهما في نفس الأمر، ولا يمتنع ~~في ms394 ذهن المجتهد، ومن هنا يصح ترجيح أحدهما على الآخر، ويلتمس الجمع بينهما، ~~إلى غير ذلك من الأحكام. # وقيل: إنه لا مانع من تعارض القطعيين أيضا بالنظر إلى ذهن المجتهد، لا ~~بالنظر إلى نفس الأمر، فإن ذلك محال كما مر، وتعارضهما في ذهن المجتهد ~~ممكن؛ لاحتمال جهل النسخ، وعدم الاطلاع على الأسباب، ونحو ذلك. وأقول: إن ~~القطعيين لا يصح تعارضهما من حيث هما قطعيان، فإن عرض عليهما ما يصح معه ~~تعارضهما صارا ظنيين قطعا، أما القاطعان العقليان فلا يصح تعارضهما اتفاقا، ~~فلا PageV02P194 <2/195> تعارض بين ما يقتضي حدوث العالم، وبين ما يقتضي ~~قدمه، بل المقتضي لقدمه باطل، وإلا لزم إثبات متناقضين، واجتماع ضدين، وهو ~~محال، وكذلك لا يصح التعارض بين قطعي وظني؛ لأنه لا وجود للظن مع ثبوت ~~القطع، وقيل بجواز تعارضهما، وإنه إنما يرجح القطعي لقوته، لا لانتفاء الظن ~~عند وجوده، والصحيح الأول، إذ لا بقاء للظن عند القطع؛ لأن القطع ثمرة ~~اليقين، والظن على خلافه، وهما نقيضان لا يمكن اجتماعهما في محل واحد، فإذا ~~عرفت ما قررناه، فاعلم أنه إن ورد دليلان توهمت تعارضهما، فاحملهما على أن ~~أحدهما ناسخ والآخر منسوخ، لئلا يلزم التناقض في كلام الله أو كلام رسوله - ~~صلى الله عليه وسلم -، فإن علم المتقدم منهما حكم بأنه منسوخ، وعمل بالثاني ~~لأنه الناسخ، فإن جهل المتقدم منهما التمس الجمع بينهما إن أمكن، فإن تعذر ~~الجمع بينهما التمس ترجيح أحدهما على الآخر بوجه من الوجوه التي سنذكرها، ~~مثال ما أمكن فيه الجمع بين المتعارضين: حديث الترمذي وغيره: "أيما إهاب ~~دبغ فقد طهر"، مع حديث أبي داود والترمذي وغيرهما: "لا تنتفعوا من الميتة ~~بإهاب ولا عصب"، الشامل للإهاب المدبوغ وغيره، فخصصنا الحديث الأخير ~~بالحديث الأول، فجعلناه في غير الإهاب من أجزاء الميتة، جمعا بين الأدلة. ~~وقيل: يرجح الأرجح من المتعارضين وإن أمكن الجمع بينهما، والأول هو الصحيح؛ ~~لأن في الجمع بينهما إبقاء لهما، وفي الترجيح إلغاء أحدهما، ثم إن الملغي ~~وإن كان مرجوحا من وجه، فمدلوله الممكن العمل به عند ms395 الدليل المعارض له باق ~~على حاله لا معارض له حتى يرجع عليه، فلا دليل على اطراحه رأسا، مثاله: ~~دلالة الحديث الثاني من هذين الحديثين على تحريم الانتفاع بما عدا الإهاب ~~من أجزاء الميتة، فلو اطرحناه بمعارضة الحديث الأول له للزم اطراح دلالته ~~في تحريم ما عدا الإهاب من الميتة، ولا دليل على ذلك؛ لأن الحديث الأول ~~إنما عارضه في PageV02P195 <2/196> الانتفاع بالإهاب لا غير. # واعلم أن ما ذكرته من الأحكام في تعارض الأدلة جار فيما إذا كان الدليلان ~~من الكتاب والسنة، أو من كتاب أو سنة، ولا يقدم في ذلك الكتاب على السنة ~~ولا السنة على الكتاب إذا كانا في القوة والدلالة سواء، وقيل: يقدم الكتاب ~~على السنة لحديث معاذ المشتمل على أنه يقضي بكتاب الله، فإن لم يجد فبسنة ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأقره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ~~على ذلك، وقيل: تقدم السنة على الكتاب لقوله تعالى: { لتبين للناس ما نزل ~~إليهم } (النحل: 44)، مثال ذلك: قوله - صلى الله عليه وسلم - في البحر: "هو ~~الطهور ماؤه الحل ميتته"، مع قوله تعالى: { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما ~~} (الأنعام: 145)، إلى آخر الآية، فكل واحد من الدليلين متناول لخنزير ~~البحر، فالقائلون بتقديم الكتاب على السنة يحرمون خنزير البحر بهذه الآية، ~~والقائلون بتقديم السنة على الكتاب يحللونه لذلك الحديث، ونحن نجمع بين ~~الدليلين، فنحمل الآية على خنزير البر؛ لأنه المتبادر في الأذهان، ونقضي ~~بعموم الحديث، لكنا نكره أكل خنزير البحر لشبهه بخنزير البر، ولاحتمال أن ~~يكون مرادا في الآية، أما حديث معاذ فمحمول عندنا في غير التعارض، وأما ~~قوله تعالى: { لتبين للناس ما نزل إليهم } (النحل: 44)، فلا يدل على تقديم ~~السنة لاحتمال أن يكون البيان بما أنزل أيضا. سلمنا أن المبين مقدم على ~~المبين، فمن أين لنا أن السنة المعارضة مبينة مع احتمال أنه مبينة، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان وجوه التراجيح، فقال: # فرجح الأقوى على ما دونه ... إن وافق الإسناد أو متونه # فالمتن ما انطوى ms396 على النصوص ... من جانب العموم والخصوص # والأمر والنهي ونحو ذلكا ... ترجيحه بحسب ما هنالكا # مثاله تقدم الصريح ... على الكنايات لدى الترجيح # ومثله تقدم العبارة ... على الإشارات مع الدلالة # وهكذا تقدم المبين ... عن مجمل الألفاظ للتعين PageV02P196 <2/197> وقس ~~عليه كل ما لم أذكر ... فإنه الجلي للمعتبر # يرجح من الدليلين المتعارضين أقواهما، سواء كانت تلك القوة في إسناد ذلك ~~الدليل أو في متنه، والمراد بالإسناد طريق النقل، والترجيح بقوته إنما يكون ~~في الأخبار الآحادية والقراآت الشاذة ونقل الإجماع. والمراد بالمتن: ما ~~يتضمنه الكلام من عموم وخصوص، وأمر ونهي، وإطلاق وتقييد، وإجمال وتبيين، ~~وصريح وكناية، وعبارة وإشارة، ونحو ذلك، والترجيح فيه مختص بالكتاب والسنة ~~المتواترة والآحادية، فيرجح الأقوى من المتنين على الآخر، مثاله: تقدم ~~الصريح على الكناية، وتقدم العبارة على الإشارة، وتقدم المبين على المجمل، ~~فإن كل واحد من هذه الأشياء مقدم على الآخر، لكونه أقوى منه دلالة، وقس ما ~~لم أذكر منها على ما ذكرته، فإنه الواضح للقائس البصير المتأمل الخبير، ~~فتقول: الخاص مقدم على العام، ولو كان خصوصه من وجه دون وجه، فهو مرجح على ~~العام من كل وجه؛ لأن في العمل به عملا بالدليلين جميعا، وفي خلاف ذلك ~~إلغاء الخاص؛ ولأن تطرق التخصيص إلى العام من كل وجه أكثر من تطرقه إلى ~~العام من وجه؛ لأن جهته التي قد يخصص منها لا يدخلها بعد ذلك تخصيص، فظهر ~~لك أن تطرق التخصيص إلى العام من كل وجه أكثر، قال صاحب المنهاج: "وأقرب ما ~~يمثل به لو قال - صلى الله عليه وسلم - : "كل مسكر حرام"، ثم قال: ما أسكر ~~بالخلقة فهو حلال، فالأول عام من وجه، والثاني خاص من وجه، وهو كونه مقيدا ~~بالخلقة عام من وجه، وهو كونه يعم كل مسكر من هذا الجنس، فيرجح العام من ~~وجه واحد على العام من كل وجه لما ذكر. # ويقدم أيضا العام الذي لم يخصص على العام الذي خصص، وذلك لضعف دلالته ~~حينئذ بتخلف العموم الذي وضع له؛ ولهذا قال بعض العلماء: قد صار مجملا ms397 لا ~~يستدل به على ما بقي داخلا تحته. # ويقدم تخصيص العام على تأويل الخاص لكثرة تخصيص العام بخلاف تأويل ~~PageV02P197 <2/198> الخاص، فهو قليل، ولهذا كانت أكثر العمومات مخصصة، ~~وأكثر الظواهر الخاصة مقررة غير مؤولة، ومن ثم كان المطلق الدال على واحد ~~لا بعينه مرجحا على العام، ولأن الخاص أقوى دلالة، وأخص بالمطلوب. # وإذا تعارضت صيغ العموم، فيرجح العام الشرطي، نحو: من يكرمني أكرمه، ونحو ~~ذلك، فإنه يرجح على النكرة المنفية، وغيرها من العمومات، والوجه في ذلك أن ~~المشروط في حكم المعلل بخلاف غير المشروط، فليس في حكم المعلل، والمعلل ~~أولى؛ لأن التعليل يدعو إلى الانقياد والقبول، بخلاف النكرة المنفية، فإن ~~عمومها لا يتضمن التعليل، قال صاحب المنهاج: وقد ترجح النكرة المنفية على ~~العموم الشرطي لقوة دلالتها على العموم؛ لأن خروج الواحد منها يفيد خلفا في ~~الكلام، ألا ترى أنك إذا قلت: لا رجل في الدار كذبت بوجود واحد، بخلاف ~~العموم الشرطي؟. قال بعض شارحي المنتهى: وهذا الوجه يرجح عموم النكرة ~~المنفية على جميع أقسام العموم. # ويرجح الجمع المعرف بلام الجنس، وعموم "من" و"ما" على اسم الجنس المعرف ~~باللام، نحو: الرجل خير من المرأة، وما أشبه ذلك. أما ترجيح الجمع المعرف ~~على اسم الجنس المعرف؛ فلكونه أقوى عموما من حيث إن اسم الجنس المعرف ~~الأغلب فيه الرجوع إلى المعهود، فأكثر أحواله مفرد لا عموم فيه، والأغلب من ~~الجمع المعرف خلاف ذلك، وبهذا الوجه أيضا يرجح عموم "من" و"ما" على الجنس ~~المعرف من أن الأغلب عليهما الشمول بخلاف [كذا]. # ويرجح عموم الجمع المعرف على عموم "من" و"ما" لجواز إطلاقهما على الواحد، ~~بخلاف الجمع فلا يطلق عليه إلا نادرا. # ويرجح النهي على الأمر؛ لأن طلب الترك أشد من طلب الفعل، إذ العقلاء في ~~دفع المفاسد أشد اهتماما منهم في طلب المصالح، والتحقيق أن دفع الضرر أهم ~~من طلب النفع، فقول المصنف: "ترجيحه بحسب ما هنالك"، معناه: أن الترجيح في ~~المتن يكون بحسب الأقوى من الدليلين، وليس المراد أن PageV02P198 <2/199> ~~المقدم هو الراجح ms398 على المؤخر عنه، إذ قد يكون المتأخر ذكرا أقوى من وجه على ~~المتقدم ذكرا، ومن هنا قدم النهي على الأمر عند التعارض، فلا يشكل عليك ذلك. # واعلم أن التقييد كالتخصيص في هذا الحكم، فتقييد المطلق أرجح من تأويل ~~المقيد، والمطلق المقيد من وجه أرجح من المطلق الذي لم يقيد. وكذلك يرجح ~~المطلق الذي لم يختلف في تقييده على المطلق الذي اختلف في تقييده، ولبعضهم ~~نظر في هذه القاعدة، قال صاحب المنهاج: ولعل وجه النظر أن المطلق يخالف ~~العموم، فإن المطلقات التي لم تقيد أكثر من المطلقات المقيدة، وذلك يظهر في ~~المطلقات القرآنية بخلاف العمومات، فهي العكس من ذلك، وإذا كان الأمر كذلك، ~~فلا وجه لأرجحية المطلق المقيد على غير المقيد. # وكذلك العام الذي لم يختلف في تخصيصه أرجح من العام الذي اختلف فيه، وفي ~~تخصيصه، ويرجح الأقل احتمالا على الأكثر احتمالا، نحو: أن يكون في أحد ~~الدليلين لفظة مشتركة بين معنيين، وفي معارضه لفظة مشتركة بين معان ثلاثة، ~~فالأول أرجح لبعده عن الاضطراب، قيل: ويؤخذ من هذا ترجيح الخبر على الأمر؛ ~~لأن الأمر يأتي بمعان كثيرة، كالتهديد والإرشاد والإباحة، ونحو ذلك بخلاف الخبر. # وترجح الحقيقة على المجاز، فإذا تعارض خبران أحدهما جميع ألفاظه حقائق في ~~معانيها، وألفاظ معارضة مجازية، فالحقيقة أرجح من المجاز لعدم افتقارها إلى ~~قرينة تميزها، بخلاف المجاز. ويرجح المجاز الأقرب على المجاز الأبعد، وإنما ~~يكون المجاز أقرب لأحد أمور: # - إما لكثرة استعماله في الألسن، كإطلاق الأسد على الشجاع، فإن هذا ~~الإطلاق شائع الاستعمال، بخلاف إطلاق الأسد على الرجل الأبخر لنتن ريح في ~~فم الأسد؛ لأن ذلك قليل الاستعمال. # - وإما أن يكون أحد المجازين أقوى شبها بالحقيقة لقربه منها، مثاله: قوله ~~- صلى الله عليه وسلم - : "العينان تزنيان والرجلان تزنيان"، فإن الزنا في ~~الموضعين مجاز، PageV02P199 <2/200> لكن زنا العين بمنزلة النظر إلى ~~الأجنبية أقوى شبها بالحقيقة من زنا الرجل الذي هو المشي إلى الأجنبية، لكن ~~قد يكون المجاز أقوى شبها أقل استعمالا من المجاز الأضعف شبها، فيرجح ~~الأكثر استعمالا، وإن ms399 كان المعارض أشبه بالحقيقة. # - وإما أن يكون أحد المجازين أظهر ملازمة للمشبه له من المجاز المعارض ~~له، فإن الأول يكون أرجح لبعده عن الاضطراب في التفاهم، مثاله: قوله - صلى ~~الله عليه وسلم - : "الخالة أم"، فهو أقرب مجازا، وأظهر التزاما من لو قال: ~~الخالة جدة؛ لأن الجدة تطلق على أم الأم، وعلى أم الأب، وملازمة الشبه بين ~~الخالة والأم ثابتة مستمرة، بخلاف غير الأم. # ويرجح المجاز على اللفظ المشترك، فإذا تعارض خبران، أحدهما لفظه مجازي، ~~والآخر لفظه مشترك، فالمجاز أرجح في الأصح كما مر. # ويرجح من اللفظين أشدهما استعمالا سواء كانا حقيقتين أم مجازين، أم حقيقة ~~ومجازا، والمجاز أشهر، فإنه لأجل الشهرة أرجح من الحقيقة؛ لأنه بالشهرة صار ~~كالحقيقة، وصارت الحقيقة بالنسبة إلى المجاز الأشهر في منزلة المجاز لسبق ~~الذهن إلى المجاز المشهور دون الحقيقة غير المشهورة. # ويرجح اللفظ الذي استعمل في الشرع في معناه اللغوي على اللفظ الذي استعمل ~~في الشرع في معناه الشرعي دون معناه اللغوي، مثاله: قوله تعالى: { وصل ~~عليهم } (التوبة: 103)، فإن الشرع استعمل لفظ الصلاة في معناه اللغوي، فلو ~~عارضه: { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا } (التوبة: 84)، فإن الشرع استعمل ~~لفظ الصلاة في معناه الشرعي، فيرجح الأول لتطابق اللغة والشرع، بخلاف ~~الآخر، بخلاف اللفظ المنفرد الذي له معنى في اللغة، ثم نقله الشارع إلى ~~معنى آخر، فصار حقيقة فيه، كالصوم والحج وغيرهما، فإذا عارضه المعنى اللغوي ~~قدم الشرعي عليه؛ لأن اللغوي يكون في خطاب الشارع بمنزلة المجاز والأول ~~بمنزلة الحقيقة، والحقيقة مقدمة على المجاز كما مر. # وإذا تعارضت الدلالات رجح الدال بعبارته على الدال بإشارته، والدال ~~بإشارته على الدال باقتضائه، والدال باقتضائه على PageV02P200 <2/201> ~~الدال بدلالته، وقيل: يرجح الدال باقتضائه على الدال بإشارته؛ لأن دلالة ~~الاقتضاء مقصودة، فهي أبعد عن الغلط والوهم، بخلاف دلالة الإشارة فإنها غير ~~مقصودة. أقول: وقد تقدم في باب دلالة اللفظ أن دلالة الإشارة مقصودة أيضا، ~~وذكرنا هنالك رد القول بأنها غير مقصودة، وإذا كان الجميع مقصودا، فالإشارة ~~أقوى لكون الدال عليها ملفوظا ms400 به، بخلافه في الاقتضاء، فإنه محذوف مقدر، ~~وأيضا فقد يكون ذلك المحذوف متعين التقدير، وقد يكون غير متعين، فيحتمل أن ~~يكون المقدر غير مقصود، بل المقصود غيره. # وأما ترجيح الاقتضاء على المفهوم؛ فلأن دلالة الاقتضاء متفق على صحة ~~الاعتماد عليها، بخلاف دلالة المفهوم ففيه الخلاف الذي قدمنا حكايته، هذا ~~في مفهوم المخالفة. وأما ترجيح الاقتضاء على مفهوم الموافقة فلجواز أن لا ~~يكون الحكم في محل النطق معللا، وبتقدير أن يكون معللا، فيجوز أن لا يطلع ~~على علته، وإن اطلع عليها فتجوز أن لا يكون في المسكوت عنه أولى، ولا ~~مساويا، ومع ذلك كله فالحكم في جانب المسكوت عنه على جهة الموافقة ~~والمخالفة غير واقع من مجرد التخصيص بالتخصيص من دون بحث ونظر في جهات ~~المقصود من الحكم في محل النطق، بل النظر فيه واقع هل هو أشد مناسبة للحكم ~~في محل المسكوت أم لا؟ ليبتني عليه المفهوم، وقد يخطئ النظر ويصيب، وما ~~يتوقف عليه النظر في دلالة الاقتضاء، فليس غير كونه مما يتوقف عليه وجود ~~الملفوظ. # وإذا تعارضت أنواع دلالة الإشارة يرجح الأقوى منها على حسب ما مر في ~~مراتب الإيماء. # وإذا تعارضت أنواع الاقتضاء رجح ما اقتضى تقديره صدق الكلام على ما ~~تقتضيه الصحة الشرعية، وعلى ما تقتضيه الصحة العقلية، وإنما رجح الأول لأن ~~ما يتوقف عليه صدق المتكلم أولى مما يتوقف عليه الوقوع الشرعي؛ نظرا إلى ~~بعد الكذب في كلام الشارع، وقرب المخالفة للوقوع الشرعي، وكذلك ما يتوقف ~~عليه الوقوع العقلي، PageV02P201 <2/202> كقوله تعالى: { واسأل القرية } ~~(يوسف: 82)، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الترجيح من جهة الإسناد، فقال: # وما أتى من جانب الإسناد ... مثل المشاهير على الآحاد # ففي الروايات كهذا المثل ... ومن قبيل الراوي بالتعدل # فقدمت رواية الفقيه ... على أمين ليس بالفقيه # أو كان من أكابر الصحابة ... أو كان في المجلس ذا قرابة # من الرسول أو مشافها على ... من لم يشافه أو بها قد عملا # أو كونه مباشرا للسبب ... أو دأبه يروي عن المنتخب # على سواه إن يكن ms401 في مرسل ... وقدم المشهور في التفضل # ومن لها بعد البلوغ حملا ... على الذي من قبله تحملا # ومرسل من تابعي قدما ... على الذي من بعده فليعلما # وهكذا من جانب المروي ... مثل سمعت من عن النبي # الترجيح من جهة الإسناد يكون تارة من جهة نفس الخبر المروي، وتارة يكون ~~من جهة الراوي. # فأما الترجيح من جهة المروي فكترجيح الخبر المشهور على الآحادي الغير ~~المشهور. وقيل: ويرجح الخبر المتواتر وإن لم يذكر سنده على الخبر الآحادي ~~المسند، قال صاحب المنهاج: "وهذا فيه ضعف؛ لأن المتواتر يفيد العلم، فهو ~~قطعي، والمسند إنما يفيد الظن"، ولا تعارض بين قطعي وظني كما مر. # ومن ذلك أيضا تقديم الرواية التي فيها: "سمعت رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم" على الرواية التي فيها "عن رسول الله"، أو "قال رسول الله"، أو نحو ~~ذلك لاحتمال الإرسال في العبارة الثانية دون الأولى. # - ومن ذلك ترجيح الخبر الذي وردت صيغته بلفظ النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- على الخبر الذي لم يرد فيه ذلك. # - ويرجح الخبر بكونه غير مختلف في ألسنة الرواة على الخبر الذي اختلفت ~~رواته في عبارته. PageV02P202 # <2/203> - ويرجح الخبر بسكوته - صلى الله عليه وسلم - عما جرى في حضرته ~~على الخبر الذي سمع عنه ولم ينكره. # - ويرجح الخبر الذي قد وقع الحكم بمقتضاه على الخبر الذي لم ينضم إليه ~~حكم بمقتضاه، ولو انضم إليه مجرد العمل به، ونحو ذلك كثير. # وأما الترجيح من قبل الراوي؛ فيكون بوجوه منها: # - كثرة عدالة الراوي، وثقته بأن يكون أشد ورعا وتحفظا في دينه، ومنها: ~~علم الراوي وفقهه، فإن رواية العالم الفقيه أرجح. # - ومن ذلك تقديم رواية من علم ضبطه على من لم يعلم منه ذلك، ولو كان عدلا. # - ومنها: تقديم رواية أكابر الصحابة كأبي بكر وعمر على غير الأكابر؛ لأن ~~الظن بأن أكابر الصحابة أضبط للشريعة، وأخبر بأحوال النبي - صلى الله عليه ~~وسلم - فخبرهم مقدم على خبر غيرهم عند التعارض. # - ومنها: ترجيح خبر من كان قريبا في المجلس من رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم ms402 - على خبر من كان بعيدا منه؛ لأن الظن بسماعه أقوى، كرواية ابن عمر ~~أنه - صلى الله عليه وسلم - أفرد في حجه، وكان تحت ناقته حين لبى، فكانت ~~روايته أرجح من رواية من روى أنه كان قارنا، وكان أبعد مكانا. # - ومنها تقديم خبر من كانت روايته عن مشافهة على خبر من لم يشافه، كرواية ~~القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عمته عائشة رضي الله عنها: أن بريرة أعتقت، ~~وكان زوجها عبدا، على رواية من روى عنها أنه حر، وهو الأسود؛ لأنها عمة ~~القاسم، فهو محرم لها ويشافهها وهو ينظر إليها، فروايته عنها أكثر تحقيقا ~~ممن روى عنها وهو لا يراها. # - ومنها تقديم رواية من عمل بروايته على من لم يعمل بها، فإنه إذا كان ~~الراوي عاملا بمقتضى ما رواه، والآخر غير عامل بما رواه، فالعامل بماروى ~~أولى بقبول خبره من الآخر. # - ومنها أن يكون الراوي مباشرا لسبب الرواية، كرواية أبي رافع أنه - صلى ~~الله عليه وسلم - نكح ميمونة، وهو حلال، أي غير محرم، وكان أبو رافع حينئذ ~~هو السفير بينهما، أي PageV02P203 <2/204> هو الذي خطبها له - صلى الله ~~عليه وسلم -، فرجحت روايته على رواية ابن عباس أنه - صلى الله عليه وسلم - ~~نكحها وهو حرام، أي محرم، والمراد بالنكاح العقد لا الوطء. # - ومن ذلك ترجيح رواية الراوي بكونه صاحب القصة، كقول ميمونة: تزوجني ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن حلال، فخبرها أرجح من خبر ابن عباس ~~لكونها صاحبة القصة، فهي أولى بمعرفة الحال حينئذ. # - ومنها تقديم رواية من علم منه أنه لا يروي إلا عن عدل على رواية من لم ~~يعلم منه ذلك، وهذا إنما يكون في تعارض المرسلين. # - ومنها تقديم خبر المشهور بالفضل والعدالة على رواية غير المشهور، وإن ~~كان عدلا فاضلا؛ لأن خبر من شهر بذلك أقوى في الظن من خبر من لم يشهر به. ~~ومن ذلك الترجيح بكثرة المزكين، وكثرة عدالتهم، فإذا كان المعدلون لأحد ~~الراويين أكثر عددا من معدلي الآخر كانت روايته أرجح. # - ومنها أن يكون الراوي ms403 قد تحمل الرواية بعد البلوغ، فإن رواية من تحمل ~~بعد البلوغ مقدمة على رواية من تحملها قبل البلوغ، أعني إذا تعارضت روايتان ~~عن عدلين أحدهما تحمل تلك الرواية بعد البلوغ والآخر بعد البلوغ، فإن رواية ~~من تحملها بالغا أرجح؛ لكون البالغ أقوى ضبطا، وأصح تعقلا. # - ومنها أن يكون المرسل للخبر تابعيا، فإن مرسله مقدم على مرسل غيره، كذا ~~قيل، قال صاحب المنهاج: "والأصح عندنا أنهما سواء مع استوائهما في العدالة. # والمرجحات باعتبار الراوي وغيره كثيرة، وضابطها أن ما كان أقوى في الظن ~~كان أرجح في القبول، وماكان أضعف ظنا كان مرجوحا، وإن أكثروا في تفصيل ~~المرجحات، فإن من كان ذا خبرة بأحوال الرجال، وقواعد الألفاظ وأحوال النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - وأحوال الشرع الشريف، فلا يخفى عليه ترجيح الراجح ~~منها، وتضعيف الضعيف، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الترجيح من جهة الحكم، فقال: PageV02P204 # <2/205> وما أتى من جانب الحكم فما ... دل على التحريم فليقدما # وقدمن ما جاء بالوجوب ... على الذي قد جاء بالمندوب # وغيره وما بدرء الحد ... قدم على مثبته المعدي # والخلف فيما يوجب الطلاقا ... وهكذا ما يوجب العتاقا # وقدموا ما يقتضي التكليفا ... على خطاب الوضع والتخفيفا # على مثقل ومثبتا على ... ناف وضاق الحال أن تمثلا # يكون الترجيح من جهة الحكم بوجوه منها: # - أن ما دل على التحريم مقدم على ما دل على الإباحة، وعلى ما دل على ~~الندب وعلى ما دل على الوجوب، وعلى ما دل على الكراهية، أما تقديمه على ما ~~دل على الإباحة، فلأن الأخذ بالحظر أحوط، والأحوطية مطلوبة منا شرعا، لقوله ~~- صلى الله عليه وسلم - : "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"، هذا قول أصحابنا، ~~وبه قال الكرخي والرازي وأحمد بن حنبل، وذهب عيسى بن أبان وأبو هاشم إلى ~~أنهما سواء فيتساقطان. وأما ترجيحه على ما دل على الندب، فلأن دفع المفاسد ~~أهم، ذلك واضح، فإن دفع الضرر أهم من استجلاب النفع. وأما ترجيحه على الدال ~~على الكراهية، فلأن الأخذ بالحظر أحوط، فهو أبلغ في درء ms404 المفاسد، ودفع ~~المفسدة أهم من جلب المصلحة. # - ومنها أن الدليل الدال على الوجوب مقدم على الدليل الدال على الندب ~~وعلى الإباحة وغيرهما مما عدا الحظر؛ لأن الوجوب أحوط، فإذا تعارض دليلان ~~يقتضي أحدهما الوجوب والآخر الندب أو الإباحة أو الكراهية قدمنا ما يدل على ~~الوجوب على جميع المذكورات للاحتياط المذكور. # - ومنها أن الدال على درء الحد مقدم على الدال على ثبوته؛ لأن الحدود ~~تدرأ بالشبهات، ولأن الخطأ في ترك الحد أهون من الخطإ في فعله، ولا شك أن ~~الخبر المقتضي لسقوط الحد يورث شبهة، فيسقط به الحد، ولأن PageV02P205 ~~<2/206> مداخل الخطإ والغلط في إثبات الحد أكثر منها في درء الحدود. # - ومنها تقديم الدليل الموجب للطلاق والعتاق على النافي لهما، وقيل: بل ~~يرجح الدال على انتفائهما، ونسب القول الأول إلى أبي القاسم البلخي، ونسب ~~القول بعكسه إلى كثير من الأصوليين. احتج أبو القاسم البلخي على تقديم ما ~~يوجب الطلاق والعتاق بأن موجبها موافق لنفي أصل النكاح والملك بالرق، بخلاف ~~النافي لهما، فإنه غير موافق لذلك الدليل بل مخالف له. واحتج أرباب القول ~~الثاني بأن النافي للطلاق والعتاق موافق للتأسيس، أي يفيد حكما طارئا ~~متجددا، وهو ثبوت النكاح والملك، والصحيح الأول؛ لأن ما يوجب الطلاق ~~والعتاق قاض بحرمة ذلك التزويج، وذلك الملك المخصوصين، وقد عرفت أن ما يفيد ~~الحظر مقدم على غيره، وأيضا فموجبها موافق للإباحة الأصلية، بخلاف النافي ~~لهما، وإثبات زيادة حكم مخالف للإباحة الأصلية محتاج إلى دليل سالم من ~~المعارضة أو راجح على معارضه، ومنها تقديم الخطاب المقتضي للتكليف على ~~الخطاب المقتضي لوضع التكليف، والمعنى أنه إذا تعارض دليلان يدل أحدهما على ~~وجوب أو ندب أو تحريم أو كراهية في شيء من الأشياء، ويدل الآخر على عدم ~~التكليف في ذلك الشيء، فالدليل المقتضي للتكليف بأحد الأحكام في ذلك الشيء ~~مقدم على الدليل الواضع للتكليف فيه؛ لأن ثمرة الدال على التكليف حصول ~~الثواب للممتثل وهو جلب مصلحة خلا منها الدال على وضعه، وقيل: إن الدال على ~~وضع التكليف راجح على الدال على ms405 التكليف، وصححه ابن السبكي؛ لأن الدال على ~~التكليف متوقف على فهم الخطاب وأشياء لا يحتاج إليها الدال على وضع ~~التكليف، والأول الصحيح لما فيه من الاحتياط المطلوب شرعا. # - ومنها تقديم الدال على التخفيف على الدليل المقتضي للتشديد لقوله ~~تعالى: { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } (البقرة: 185)، وقوله: ~~{ وما جعل عليكم في الدين من حرج } (الحج: 78)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : PageV02P206 # <2/207> "لا ضرر ولا إضرار في الإسلام"، وقد يرجح المقتضي للحكم الأثقل ~~على المقتضي للحكم الأخف؛ لأن الشريعة إنما شرعت لمصالح العباد تفضلا، ~~والمصلحة في الأشق، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "ثوابك على قدر نصبك"، ~~ولأن زيادة ثقله تدل على أن المقصود منه أكثر من مقصود الأخف، فالمحافظة ~~عليه أولى، ولأن الظاهر تأخر الأثقل عن الأخف لتأخر التشديدات. # - ومنها تقديم الخبر المثبت للحكم على الخبر النافي له، وذلك كخبر بلال ~~أنه - صلى الله عليه وسلم - دخل البيت وصلى، وقال أسامة: "دخله ولم يصل"، ~~وذلك لاشتمال المثبت على زيادة علم، ولأن المثبت يفيد التأسيس، والنافي ~~يفيد التأكيد، والتأسيس أولى من التأكيد، وقيل: بل هما سواء، ونسب إلى ~~القاضي عبد الجبار، ووجه قوله: أن الثاني موافق للأصل، ولأن الظاهر تأخر ~~النافي عن المثبت ووروده بعده، إذ لو قدر تقدم النافي على المثبت كانت ~~فائدته التأكيد، ولو قدرنا تأخره عن المثبت كانت فائدته التأسيس، وهو أولى ~~من التأكيد، فيتأخر عنه، وإذا كان الظاهر تأخر النافي عن المثبت كان تأسيسا ~~فيستويان. وذهب الآمدي إلى تقديم النافي على المثبت، وقال: "تأخر النافي، ~~وإن لزم منه مخالفة المثبت ورفع حكمه، وترجح تأخر المثبت بكونه رافعا لما ~~فائدته التأكيد، بخلاف تأخر النافي لكونه رافعا لما فائدته التأسيس معارض ~~بكون المثبت على تقدير تأخره رافعا لما يثبت بدليلين، الأصل والنافي وكون ~~النافي رافعا لما يثبت بدليل، وهو المثبت، وما يقال من أن المثبت يفيد حكما ~~شرعيا، بخلاف النافي، والغالب من الشارع أنه لا يتولى بيان غير الشرعي فمع ~~كونه غير سديد، إذ المقصود من الحكم الشرعي الحكمة ms406 لكونه وسيلة إليها، ~~وحكمة النفي مقصودة كحكمة الإثبات معارض بأن الغالب من الشارع التقرير لا ~~التعبير، وفي الكتب المشهورة أنه اختار تقديم النافي على المثبت إلا أنهم ~~عبروا PageV02P207 <2/208> عن النافي بالمقرر، وفي المثبت بالناقل"، انتهى ~~من منهاج الأصول، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الترجيح من خارج، فقال: # وقدموا موافق القياس ... وما أتى معللا أناس # وما أتى مؤيدا بخبر ... وإن لم يكن في ذاك لم يشتهر # وما به بعضهم قد عملا ... أو فسر الناقل ما قد نقلا # وقدموا الأقرب للمقصود ... وهكذا الأنسب بالمعهود # وما أتى مصرحا بسببه ... على جميع ما سواه فانتبه # يرجح الدليل على معارضه بأمور خارجية، أي ليست من نفس الدليل، ولا من نفس ~~مدلوله، ولا من قبل الراوي. # - منها: موافقته للقياس، فإذا تعارض خبران، أحدهما موافق للقياس، والآخر ~~مخالف له، فالموافق للقياس مقدم على مخالفه. # - ومنها أن يكون أحد المتعارضين معللا بخلاف الآخر، بمعنى أن راويه تعرض ~~لذكر علته، والحديث الآخر لم يتعرض لذكر علة حكمه؛ لأن المعلل أقرب إلى ~~انقياد سامعه لمضمونه، ولدلالته على الحكم من جهتين: من جهة لفظه، ومن جهة ~~دلالته عليه بواسطة دلالته على علته؛ ولأن مخالفته تستلزم مخالفة شيئين، ~~بخلاف الآخر، قال في المنهاج: "وقد يرجح غير المعترض للعلة على المعترض لها ~~لكون المشقة في قبوله أشد، والثواب عليه أعظم. # - ويرجح أيضا ما كان معقول العلة على ما ليس بمعقول العلة؛ لأن شرع ~~المعقول أغلب من شرع غير المعقول، حتى قيل: إنه لا حكم إلا وهو معقول، حتى ~~ضرب الدية على العاقلة، ونحوه مما ظن أنه غير معقول؛ ولأن ما يتعلق ~~بالمعقول من الفائدة بالنظر إلى محال النص بالتعدية والإلحاق أكثر منه في ~~غير المعقول، فكان أولى"، انتهى كلام المنهاج. فقول المصنف: "أناس"، بدل من ~~الواو، في قوله: "وقدموا". # - ومنها تقديم الدليل الذي أيده دليل آخر من كتاب أو سنة، ولو كان ذلك ~~الدليل خبر واحد لم يبلغ حد الشهرة؛ لأن الظن حيث تظاهر الأدلة PageV02P208 ~~<2/209> أغلب؛ ولأن العمل بمخالفه يستلزم مخالفة ms407 دليلين، والعمل به يخالف ~~دليلا واحدا. # - ومنها ترجيح الخبر الذي عمل به بعض الصحابة على الخبر الذي لم يعمل به ~~أحد منهم؛ لأن الظن بثبوت ما عمل به الصحابي أقوى منه فيما لم يعمل به، ومن ~~ذلك ترجيح العام الذي عمل به على العام الذي لم يعمل به في حال على العام ~~الذي عمل به؛ لأن العمل بالأول لا يفضي إلى تعطيل الثاني لكونه قد عمل به ~~في الجملة، بخلاف العكس، والمفضي إلى التأويل أولى من المفضي إلى التعطيل. # - ومنها ترجيح الذي فسره راويه بقوله أو فعله على الخبر الذي لم يفسره ~~راويه؛ لأن الراوي للخبر يكون أعرف وأعلم بما رواه. # - ومنها ترجيح الدليل الذي الحكم فيه أمس بالمقصود على الدليل الذي ليس ~~كذلك، كما في قوله تعالى: { وأن تجمعوا بين الأختين } (النساء: 23)، فإنه ~~مقدم على قوله تعالى: { أو ما ملكت أيمانكم } (النساء: 3)، وبيان ذلك أن ~~الآية دالة على تحريم الجمع بين الأختين كانتا مملوكتين أو غير مملوكتين، ~~والآية الثانية دالة على تحليل المملوكات مطلقا وإن كانتا أختين، فرجحنا ~~مدلول الآية الأولى على مدلول الثانية؛ لأن مدلول الأولى أمس بالمقصود، إذ ~~المقصود فيه تحريم الجمع بين الأختين، ولم يكن الجمع مقصودا في الآية ~~الثانية، وأيضا فالمفسدة المطلوب دفعها بتحريم الجمع بين الأختين في ~~التزويج موجودة في الجمع بينهما بالتسري، فلا وجه لتخصيص الآية الأولى ~~بالثانية. # - ومنها تقديم الأقرب للمعهود، والمراد به ما عهدته العقلاء من جلب ~~المصالح ودفع المفاسد، فإذا تعارض دليلان، مدلول أحدهما أقرب لجلب المصلحة، ~~أو أبلغ في دفع المفسدة رجح على معارضه، فإن تعارض الدليلان، وكان أحدهما ~~جالبا للمصلحة، والآخر دافعا للمفسدة رجح الدافع للمفسدة؛ لأن دفع المفاسد ~~أهم من جلب المصالح. # - ومنها ترجيح ما صرح الراوي بسبب نزوله أو وروده PageV02P209 <2/210> ~~على الدليل الذي لم يصرح فيه بذلك؛ لأن ذكر السبب يدل على زيادة اهتمامه ~~بما رواه. # - ومن ذلك ترجيح العام الوارد على سبب خاص، كما في حديث بئر بضاعة، وشاة ~~ميمونة، فإنه يرجح على العام المطلق ms408 في ذلك السبب دون ما عداه، فإن العام ~~المطلق عن السبب مقدم على العام الوارد على سبب في غير ذلك السبب، فإذا ~~تعارض عامان، أحدهما وارد على سبب خاص، والآخر لم يرد كذلك، قدم الوارد على ~~سبب خاص في ذلك السبب؛ لأن عموم المطلق أولى من عموم مقابله لوروده على ~~السبب الخاص، وغلبة الظن باختصاصه نظرا إلى بيان ما دعت الحاجة، وإلى أن ~~الأصل إنما هو مطابقة ما ورد في معرض البيان لما مست الحاجة؛ ولذا اختلف في ~~عموم الوارد على السبب الخاص، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان ترجيح أحد القياسين على الآخر إذا تعارضا، فقال: # وقدموا ذا العلة القطعية ... فعلة ظنية قوية # ومفرد الوصف على المركب ... وذا انضباط أي على المضطرب # وذا اطراد ثم ذا انعكاس ... وقس على ما مر في القياس # يقدم السابق والمؤخر ... إن لم يكن لعارض يؤخر # فما أتى بالنص فقدمه على ... ما قد أتى إجماعنا وقيل لا # وقدم الإيماء فالسبر فما ... بعدهما الأقدم ثم الأقدما # وحاصل المقام أن الأرجحا ... ما كان في الظن بمعنى رجحا # وليس ما ذكرته حصرا لها ... وما علمت أحدا كملها # إذا تعارض القياسان رجح أحدهما على الآخر بوجوه: # - منها أن ما كان أصله أقوى على الآخر كان أرجح منه، وقد عرفت وجه رجحان ~~الأدلة، فما كان أرجح هنالك كان فرعه مقدما على فرع الآخر، فلا نطيل بتفصيل ~~PageV02P210 <2/211> ذلك، وقد عرفت أيضا شروط حكم الأصل، فما كان أكمل ~~شروطا فهو مقدم على ما دونه، وقد مر تفصيل ذلك في بيان شروط حكم الأصل من ~~باب القياس، فراجعه من هنالك. # - ومنها تقديم القياس القطعي العلة على ما لم يكن كذلك، فإذا تعارض ~~قياسان علة أحدهما ثابتة قطعا لثبوتها بالنص القطعي أو بالعقل أو ~~بالمشاهدة، وعلة الآخر ليس كذلك قدم ذو العلة القطعية على معارضه، وكذلك ~~يقدم ما الظن بوجود علته في الفرع على ما لم يكن كذلك. # - ومنها تقديم القياس الثابتة علته بالظن القوي على ما ثبتت علته بدون ~~ذلك، وكذلك ms409 يقدم ما الظن بوجود علته في الفرع أقوى على ما دونه. # - ومنها تقديم ما الوصف فيه مفرد على ما كان الوصف فيه مركبا، فإذا تعارض ~~قياسان علة أحدهما مفردة، وعلة الآخر مركبة، قدم ذو العلة المفردة على ~~الآخر؛ لأن الوصف المفرد أقرب للانضباط من الآخر، ولما في التعليل بالوصف ~~المركب من الخلاف. # - ومنها تقديم ذي العلة المنضبطة على ذي العلة المضطربة، فإذا تعارض ~~قياسان علة أحدهما منضبطة كالسفر للقصر، وعلة الآخر مضطربة كالمشقة للقصر، ~~قدم ذو العلة المنضبطة على الآخر. # - ومنها تقديم ذي العلة المطردة المنعكسة. # وهكذا يعتبر جميع ما مر في باب القياس، فيقدم السابق هنالك على المؤخر ~~عنه، إلا إذا كان للمؤخر سبب عارض عليه يقتضي تقديمه على ما قبله. # فقدم القياس الثابتة علته بالنص على ما كانت علته ثابتة بالإجماع، وقيل: ~~بل يرجح ما ثبتت علته بالإجماع على ما ثبتت علته بالنص؛ لأن الإجماع مأمون ~~النسخ بخلاف النص، وأقول: إن كان كل واحد من النص والإجماع ظنيا كما هو شأن ~~المتعارضين؛ فتقديم النص أولى؛ لأنه نقل عن الشارع، والإجماع نقل عن غيره، ~~وإن كان أحدهما قطعيا؛ فلا وجه لبقاء الآخر معه، وهذا إنما يكون في معارضة ~~النص الصريح للإجماع، أما لو عارضه الإيماء؛ فإن الثابت بالإجماع مقدم على ~~الثابت بالإيماء؛ PageV02P211 <2/212> لكون الإيماء أخذا من إشارة الدليل، ~~والإجماع صريح في ذلك. # وكذلك يرجح ما ثبت علته بالسبر؛ لأن الإيماء نص، وإن لم يكن صريحا، ~~والسبر مستنبط، والمنصوص أقوى من المستنبط. ويرجح الثابتة علته بالسبر على ~~ما ثبتت بالمناسبة؛ لتضمن السبر ابتغاء المعارض؛ لأن الأقسام في السبر ~~دائرة بين النفي والإثبات، فلا يحتمل معارضاه، بخلاف المناسبة فربما احتملت ~~معارضا، فكان السبر أولى؛ لأن الحكم في الفرع كما يتوقف على تحقيق مقتضيه ~~في الأصل يتوقف على انتفاء معارضه في الأصل أيضا، وبهذا الوجه رجح الثابتة ~~علته بالسبر. أما ما قدمت لك في طرق العلة المستنبطة من أنه أقواها ~~المناسبة؛ فذلك بالنظر إلى خلوها من المعارض. # وكذلك تقدم المناسبة على الشبه ms410، والشبه على الدوران، والدوران على الطرد، ~~كما مر ترتيبه، وتحقيق الكلام في كل واحد منهما في محله يظهر لك ترجيحه على ~~ما دونه، وحاصل المقام أن الراجح من الدليلين ما كان الظن بثبوته أقوى من الآخر. # وليس ما ذكرته من أنواع التراجيح حصرا لها، وإنما ذكرت منها أنموذجا ~~يعتبر به ما كان مثله، وما علمت أن أحدا من المصنفين استوعب جميع أفراد ~~التراجيح لفواتها عن الحصر. # وهاهنا تم الكلام على بيان الأدلة، فقول المصنف: "كملها" إشارة إلى حسن ~~الاختتام، وهي براعة المقطع. # وسنشرع الآن في بيان القسم الثاني من الكتاب، وهو قسم الأحكام، فنقول: # القسم الثاني من الأحكام، وفيه أربعة أركان # اعلم أنه لما كان أصول الفقه مشتملا على الأدلة من حيث إثباتها الأحكام، ~~ومتناولا للأحكام من حيث ثبوتها بالأدلة جعلنا هذا الكتاب على قسمين، وقد ~~مر قسم الأدلة، وهذا القسم الثاني في الأحكام، وهو مرتب على أربعة أركان؛ ~~لأن الكلام فيه إما في نفس الحكم، وهو الركن الأول، أو في نفس الحاكم، وهو ~~الركن الثاني، أو في المحكوم به، والمراد به PageV02P212 <2/213> الأشياء ~~التي كلفنا الشرع بها من عبادات وغيرها، وهو الركن الثالث، أو في المحكوم ~~عليه، والمراد به المكلفون بذلك، وهو الركن الرابع، فقدم الكلام على الحكم، فقال: # الركن الأول: في الحكم # الحكم هو أثر الخطاب ... كالوضع والتخيير والإيجاب # وما عدا الوضعي في التعريف ... من الخطاب يدعى بالتكليفي # وقد يكون أثرا ووصفا ... كالملك والوجوب فادر الوصفا # - عرف الحكم بأنه أثر الخطاب، والمراد به خطاب الله تعالى، ولما كان ~~خطابه تعالى مشتملا على أخبار وأمثال وأحكام وغير ذلك، وكان لكل واحد من ~~أنواع الخطاب أثر احتاج إلى بيان صفة تميز الحكم عن غيره من آثار الخطاب، ~~فكمل التعريف بقوله: "كالوضع والتخيير والإيجاب"، والمراد بالوضع: هو جعل ~~الله شيئا سببا لحكم، كالدلوك سبب لوجوب الصلاة، والنصاب سبب لوجوب الزكاة، ~~أوجعله شرطا، كالطهارة شرط لصحة الصلاة، أو جعله مانعا، كالحيض مانع لصحة ~~الصلاة ورافع لوجوبها، وسيأتي له مزيد بسط في موضعه، وإنما ms411 سمي هذا النوع ~~وضعا؛ لأن الوضع هنا بمعنى الجعل، فهو موضوع، أي مجعول سببا وشرطا وعلة ~~ومانعا، ونحو ذلك. والمراد بالتخيير: كون الشيء مخيرا في فعله وتركه، وهو ~~المباح، وقد يتناول المندوب والمكروه؛ باعتبار رفع العقاب عن تارك الأول، ~~وفاعل الثاني. والمراد بالإيجاب: إلزام الفعل، وهو الواجب، أو الترك: وهو ~~التحريم، والمشهور في تعريف الحكم: هو خطاب الله المتعلق بفعل المكلف ~~بالاقتضاء أوالتخيير أو الوضع. # فالخطاب: هو توجيه الكلام نحو الغير للإفهام، وخرج بقوله: "المتعلق بفعل ~~المكلف" الخطاب المتعلق بصفاته تعالى، وأحوال الآخرة، وخرج بقوله: ~~"بالاقتصار"إلى آخره، نحو قوله تعالى: { والله خلقكم وما تعملون } ~~(الصافات: 96). ثم المراد بالاقتضاء: طلب الفعل PageV02P213 كالوجوب ~~والندب، أو الترك، كالتحريم والكراهية، وعدل المصنف عن هذا التعريف إلى ~~التعريف الذي ذكره أخذا من قول بعضهم: أن الحكم: هو أثر خطاب الله المتعلق ~~بفعل المكلفين. بالاقتضاء أو التخيير إلا الوضع، وحذف قوله: "المتعلق بفعل ~~المكلفين" استغناء عنه بقوله: "كالوضع والتخيير والإيجاب، فإن الخطاب ~~الموصوف بهذا الوصف هو الخطاب المتعلق بفعل المكلفين. # ثم إنه قسم الحكم إلى وضعي وتكليفي، فالحكم الوضعي: هو ما قدمنا بيانه، ~~وأما التكليفي: فهو ما عدا الوضعي، وهو التخيير والإيجاب، وقد عرفت أن ~~المراد بالتخيير ما عدا الواجب والمحرم، بالنظر إلى رفع العقاب عن تاركه ~~وفاعله. فيكون الحكم التكليفي خمسة أنواع، سيأتي بيانها، ثم إن الحكم ~~التكليفي قد يكون أثرا للفعل، كالملك أثر للشراء، ولإباحة الاستمتاع أثر ~~للتزويج، ونحو ذلك، ومن هذا النوع الأداء: وهو فعل ما فعل في وقته المقدر ~~له شرعا أولا، والإعادة: وهو فعل ما فعل في وقته فعلا ثانيا، لخلل وقع في ~~الفعل الأول، والقضاء: وهو فعل ما فعل بعد وقته استدراكا لما فات من فعله ~~في وقته، وإنما كانت هذه الثلاثة من هذا النوع لأنها أثر لأفعال العباد في ~~الوقتات الشرعية، وقد يكون وصفا للفعل، كالوجوب صفة للفعل الواجب، ~~وكالتحريم صفة للفعل المحرم، وكالندبية صفة للفعل المندوب، وهكذا فالقسم ~~الأول: وهو ما يكون أثر للفعل لا يبحث عنه ms412 في هذا الفن؛ لأنه من مباحث ~~الفقه، وإنما يبحث في هذا الفن عن الحكم الذي يكون وصفا للفعل، وهو الوجوب ~~ونحوه، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان أقسام الحكم الذي يكون وصفا للفعل، فقال: # مقصوده يكون دنيويا ... وهكذا يكون أخرويا # فباعتبار الدنيوي ينقسم ... إلى صحيح ولفاسد علم # فما انبنى عليه ذلك المقصد ... فهو الصحيح وسواه مفسد # ورادف الباطل ما قد فسدا ... وفرق الأحناف فيما وردا PageV02P214 المراد ~~بمقصوده: الحكمة التي لأجلها شرع الحكم، وهي حصول مصلحة للمكلفين، أو دفع ~~مفسدة عنهم، وهذا المقصود يكون تارة دنيويا كالمنافع الدنيوية، ودفع ~~المفاسد الدنيوية، ويكون أخرويا كجلب الثواب، ودفع العقاب. # وينقسم الحكم بالنظر إلى كل واحد من المقصودين الدنيوي والأخروي إلى ~~أقسام. أما أقسامه باعتبار المقصود الأخروي فسيأتي الكلام عليها. وأما ~~أقسامه باعتبار المقصود الدنيوي: فهو أنه ينقسم بالنظر إلى ذلك إلى قسمين: ~~صحيح وفاسد، فأما الصحيح: فهو ما ترتب عليه ذلك المقصود، مثاله: البيع ~~مشروع لقصد حل الانتفاع، وشرع التزويج لقصد حل الاستمتاع، فإذا كان العقد ~~في البيع والتزويج يترتب عليه ذلك الغرض المقصود كان ذلك العقد صحيحا، وإن ~~لم يترتب عليه ذلك؛ فهو الفاسد، ويعلم ترتيبه ذلك وعدم ترتيبه بموافقة ~~مقتضى الأوامر، فما كان موافقا لأوامر الشرع، تاركا لمناهيه فهو الصحيح، ~~وما عداه فهو الفاسد والباطل، وهذا معنى قول بعضهم: أن الصحة في المعاملات ~~ترتيب أثر الشيء عليه، واعتباره سببا لحكم آخر، كالملك فإنه أثر لعقدة ~~البيع مثلا، وهو مرتب على العقدة، والعقدة سبب لإباحة التصرف فيه لموافقة ~~العقدة أمر الشرع، ويقابله الفساد والبطلان، أقول: ومؤدى العبارتين واحد، ~~ومقتضاهما هو ما قدمت لك، وأما الصحة في العبادات، وهي المعبر عنها ~~بالاجزاء، فقد تقدم بيانها في باب الأمر، وحاصل ذلك ان الصحيح من العبادات ~~والمعاملات هو ما وافق أمر الشرع، إذ بموافقة أمر الشرع يحصل الثواب من فعل ~~العبادات، ويصح الانتفاع في أشياء المعاملات، والفاسد من النوعين: ما خالف ~~أمر الشرع، أو وافق نهيه، إذ بمخالفة الشرع يفوت الثواب الأخروي والمنافع ~~الدنيوية ms413، وتحصل المفسدة التي في النهي، والباطل مرادف للفاسد عندنا وعند ~~الشافعية، فهما بمعنى واحد، وذهبت الحنفية إلى التفرقة بينهما، فزعموا أن ~~الباطل PageV02P215 ما لا يكون مشروعا بأصله ولا وصفه، والفاسد ما يكون ~~مشروعا بأصله دون وصفه، الأول كبيع الملاقيح، والثاني كبيع الربا، قال ~~البدر: "وعندهم أن الربا إذا طرحت زيادته صحت عقدته، ولم يحتج إلى عقدة ~~أخرى" انتهى، وكثير من العلماء على أن الصحة والفساد ونحوهما راجع إلى # الأحكام الخمسة، فإن معنى صحة البيع إباحة الانتفاع بالمبيع، ومعنى ~~بطلانه وفساده حرمة الانتفاع به، وبعضهم على أنها من خطاب الوضع، بمعنى أنه ~~حكم يتعلق شيء بشيء تعلقا زائدا على التعلق الذي لا بد منه في كل حكم، وهو ~~تعلقه بالمحكوم عليه وبه، وذلك أن الشارع حكم بتعلق الصحة بهذا الفعل ~~والفساد أو البطلان بذلك الفعل، وبعضهم على أنها أحكام عقلية لا شرعية، فإن ~~الشارع إذا شرع البيع لحصول الملك، وبين شرائطه وأركانه، فالعقل يحكم بكونه ~~موصلا إليه عند تحققها، وغير موصل عند عدم تحققها بمنزلة الحكم بكون الشخص ~~مصليا أو غير مصل، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان انقسام الحكم باعتبار المقصود الأخروي، فقال: # وباعتبار الأخروي قسما ... إلى عزيمة ورخصة نما # فما أتى في شرعه مبتداء ... عزيمة ورخصة ما بداء # بنحو عذر ولأجله نزل ... كالأكل للميتة عن ضر حصل # ينقسم الحكم باعتبار المقصود الأخروي إلى عزيمة ورخصة. # - فأما العزيمة: فهو ما شرع ابتداء غير مبني على أعذار العباد، كوجوب ~~التمام في الصلاة، ووجوب الصيام في رمضان، وتحريم أكل الميتة ولحم الخنزير، ~~ونحو ذلك. # - وأما الرخصة: فهو ما شرع ثانيا مبنيا على أعذار العباد، كإباحة الأكل ~~من الميتة للمضطر، وكجواز القصر والفطر للمسافر، ونحو ذلك كثير، فهذه ~~الأشياء ونحوها إنما شرعت شرعا ثانيا؛ لأجل عذر العباد، فإباحة الأكل من ~~الميتة للمضطر شرع بعد شرع تحريمها، مبنيا على حصول الضرر، والقصر في ~~الصلاة شرع بعد شرع تمامها، مبنيا على عذر السفر، PageV02P216 وكذلك فطر ~~المسافر، ولكل واحد من العزيمة والرخصة أقسام، فأما الرخصة ms414 فستأتي آخر ~~الباب، وأما أقسام العزيمة فأشار إليها بقوله: # وقسم الأولي إلى مطلوب ... إتيانه كالندب والوجوب # أو تركه المطلوب كالمحرم ... وهكذا المكروه في التقدم # وإن أتاك عاريا من طلب ... فذلك المباح كالمكتسب # يفعله العبد كما يشاء ... إذ فعله وتركه سواء # لكنه يثاب فيه بالنوى ... كالأكل إن كان نوى به القوى # وواجب إن كان فيه الطلب ... وجزما وإلا فهو ما ينتدب # وهو الذي في فعله الثواب ... وليس في الترك له عقاب # وإن يكن طريقه مسلوكه ... فسنة وإن يكن متروكه # فذاك نفل ويسمىمستحب ... وإن يكن فرق بعض واستحب # ونوع السنة فالمؤكده ... تاركها ملوم ما أبعده # ولا يلام تارك سواها ... وحائز للفضل من حواها # تنقسم العزيمة إلى قسمين: أحدهما مطلوب فعله، والآخر مطلوب تركه، فأما ~~المطلوب فعله فهو الوجوب والندب، وأما المطلوب تركه فهو المحرم والمكروه، ~~وما كان خاليا من طلب الفعل، ومن طلب الترك فذلك مباح، ككسب المعيشة فوق ~~الكسب اللازم، وكالأكل والنوم والشرب ونحو ذلك، فإن العبد يفعله كيف شاء ما ~~لم ينته إلى حد يمنع الشرع فعله، وليس في فعل المباح ثواب ولا عقاب، وكذلك ~~تركه لكن النية معتبرة فيه، فيثاب العبد بفعل المباح إذا نوى به طاعة، كما ~~إذا نوى بالأكل التقوي على فعل الطاعة، وبالنوم كذلك، فإنه يثاب على ذلك ~~بسبب تلك النية، وكذلك يعاقب على فعل المباح إن فسدت نيته فيه، حاصل المقام ~~أن المباح يتحول بالنية، فيكون تارة طاعة وأخرى معصية، لما يعرض عليه من ~~صلاح PageV02P217 النية وفسادها، ولذ جعل الإمام الكدمي رضوان الله عليه ~~فعل العبد قسمين: طاعة ومعصية لا يخلو من أحدهما، وليس المراد أن المباح من ~~حيث هو مباح مأمور به مرة، ومنهي عنه أخرى، وإلا لزم أن لا يوجد مباح أصلا، ~~وزعم أبو القاسم البلخي أن المباح مأمور به أيضا؛ لأن فعل المباح ترك حرام، ~~وترك الحرام واجب، وما لا يتم الواجب إلا به يجب كوجوبه، وإذا ثبت وجوبه ~~ثبت أنه مأمور به. وأجيب بأن الإجماع منعقد على انقسام الأحكام إلى واجب ms415 ~~ومندوب ومباح ومحظور ومكروه، والقول بوجوبه يبطل هذا التقسيم، وفيه مخالفة ~~الإجماع، ولا بد من بيان الفرق بين الواجب والمندوب، والمحرم والمكروه، ~~فأما الفرق بين بين المحرم والمكروه فسيأتي عند كلام المصنف فيهما، وأما ~~الفرق بين الواجب والمندوب، فهذا محل ذكره. # واعلم أن المطلوب فعله إما أن يكون طلب فعله طلبا جازما، فهو الواجب، ~~وأما أن يكون طلبا غير جازم، فهو المندوب، والمراد بالطلب الجازم ما لو ~~تركه العبد لعوقب على تركه، والمراد بالطلب الغير الجازم ما لو تركه المكلف ~~لم يعاقب على تركه، وبمعناه ما قيل: إن الواجب ما في فعله الثواب، وفي تركه ~~العقاب، وأن المندوب ما في فعله الثواب، وليس في تركه عقاب، ولكل واحد من ~~الواجب والمندوب أقسام، أما أقسام الواجب فستأتي، وأما أقسام المندوب، فهي ~~أن ينقسم إلى: سنة ونفل، فأما السنة: فهي ما كان من المندوبات طريقة مسلوكة ~~سلكها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو غيره ممن هو علم في الدين، قال - ~~صلى الله عليه وسلم - : "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشين من بعدي"، ومعنى ~~كونها مسلوكة، أي واضب عليها السان لها، وأما النفل: فهو ما لم يكن مواضبا ~~عليه من الطاعات، ويسمى: تطوعا ومستحبا أيضا، وفرق القاضي حسين وغيره من ~~الشافعية بين التطوع والمستحب، قالوا: هذا الفعل إن واضب عليه النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - فهو السنة، أو لم يواضب عليه، كان فعله مرة أو مرتين؛ فهو ~~المستحب، أو لم PageV02P218 يفعله، وهو ما ينشئه الإنسان باختياره من ~~الأوراد؛ فهو التطوع، والخلاف لفظي. # وتنقسم السنة إلى مؤكدة وغير مؤكدة، فالمؤكدة: كسنة المغرب والفجر ~~ونحوهما، وغير المؤكدة: كصلاة الضحى والسواك ونحوهما، ولكل واحد من النوعين حكم. # - فأما حكم المؤكدة: فهو أن تاركها ملوم على تركها تلويما، ولا يبلغ به ~~عقابا، وهو خسيس المنزلة عند المسلمين، لا يتولونه على ذلك إن لم تكن سبقت ~~له ولاية معهم، ولا يبرؤون منه بنفس ذلك الترك. # - وأما حكم غير المؤكدة: فهو أن تاركها لا يلام، ولا يكون خسيس المنزلة ~~عند ms416 المسلمين، لكنه يكون تاركا للفضل عند الله تعالى، فإن فاعلها يحوز ~~الثواب من الله جل وعلا، هذا كله ما لم يكن الترك رغبة عن الخير، فإن كان ~~رغبة عن الخير؛ فهو خسيس المنزلة في جميع الأحوال، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان أقسام الواجب، فقال: # وقسم الواجب للمقطوع ... به وظني لدى التوزيع # والحكم في الكل وجوب الفعل ... والترك فسق لا لمستحل # فإن في استحلال ترك القطعي ... شركا وفي استخفافه بالشرع # وتارك الظني مستحلا ... مصوب إن كان مستدلا # للواجب تقسيمات، منها ما يكون باعتبار دليله، ومنها ما يكون باعتبار ~~حصوله من المكلف، ومنها ما يكون باعتبار المأمور. # - فأما التقسيم الأول: وهو ما يكون باعتبار دليله، فهو أن الواجب بهذا ~~الإعتبار ينقسم إلى: مقطوع به كوجوب الصلوات الخمس، وصوم رمضان، وإلى غير ~~مقطوع به، كوجوب الوتر ونحوه، وإنما كان النوع الأول مقطوعا به لأن دليل ~~وجوبه قطعي، بخلاف الثاني، ولكل واحد من النوعين حكم، فأما حكم النوع ~~الأول؛ فهو أنه واجب الفعل، وتاركه فاسق، إن كان في تركه غير مستحل، ومشرك ~~إن كان مستحلا لتركه، أو كان تركه له استخفافا، ووجه ذلك أن لمستحل لترك ~~الواجب القطعي من غير تأويل مشرك؛ لأن في استحلاله ذلك ردا PageV02P219 ~~للنص المتواتر، وأن الاستخفاف بالأحكام الشرعية مصادمة للنصوص، وإعراض عن ~~الانقياد، واستحقار لما عظم الله تعالى، وأما حكم الواجب الظني؛ فهو أنه ~~يجب فعله، لكن التارك له لا يحكم بفسقه، فإن كان تركه مستحلا لتركه بدليل ~~عنده، وكان من أهل النظرة والاستدلال؛ فهو مصوب بذلك؛ لأنه من المسائل ~~الاجتهادية، وإن كان غير مستدل، لكن مقلد لمستدل؛ فحكمه حكم من قلده، وإن ~~كان غير ذلك؛ فإنه ينظر في حاله ومقاصده، ولا يفسق بذلك إلا إذا ظهرت منه ~~المعاندة والمكابرة لما يوجب الشرع الانقياد له، كحكم الحاكم عليه بذلك، ~~فإنه لا يسعه خلافه. # ويسمى كل واحد من الواجب القطعي والواجب الظني فرضا، فالواجب والفرض ~~عندنا وعند الشافعية مترادفان عرفا، وذهبت الحنفية وبعض أصحابنا إلى ~~التفرقة بينهما، فخصوا ms417 الفرض بالواجب القطعي، وخصوا الواجب بالواجب الظني، ~~وهو خلاف لفظي لا ثمرة له، ولا بأس به، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان تقسيم الواجب باعتبار حصوله، فقال: # وإن يكن حصوله المقصودا ... فرض كتفاء فافهم التحديدا # يلزم كلا فإذا ما فعله ... بعضهم ينحط حين حصله # وهلكوا إن تركوه طرا ... ولبسوا إن أنكروه كفرا # وإن يكن من كل واحد طلب ... حصوله فذاك عيني يجب # يلزم كل واحد بنفسه ... وليس فيه الاجتزا بجنسه # ينقسم الواجب بالنظر إلى حصوله إلى قسمين: فرض وكفاية، وفرض عين؛ لأنه ~~إما أن يطلب حصوله في الجملة من غير أن يلزم كل واحد بعينه، وإما أن يطلب ~~حصوله من كل واحد بعينه، فالأول فرض كفاية، والثاني فرض عين، ولكل من ~~القسمين حكم. # - فأما حكم فرض الكفاية؛ فهو أنه يلزم جميع المخاطبين، فإذا فعله بعضهم ~~ينحط عن الجميع، ولهذا سمي: فرض كفاية؛ لأن فعل البعض له يكفي عن الباقين، ~~وذلك كصلاة العيدين، PageV02P220 وصلاة الميت وجهازه ودفنه، والجهاد ~~وأمثالها، وقيل: إن فرض الكفاية لا يلزم جميع المكلفين، وإنما يلزم بعضهم، ~~ولعل القائل بذلك نظر إلى الاكتفاء في أدائه بفعل البعض، قال البدر: "وليس ~~بشيء"، يعني أن القول بأن فرض الكفاية فرض على البعض ليس بشيء؛ لأن الجميع ~~إذا تركوه يكفرون، ولولا لزومه على الجميع لما فسقوا كلهم بتركه، وثمرة ~~الخلاف تظهر فيما إذا كان أهل مصر قد وجب عليهم فرض كفاية، هل عليهم أن ~~يؤدوه جتى يعلموا أن بعضهم قد أداه؟ أم ليس عليهم ذلك حتى يعلموا أنه لم ~~يؤدوا؟ الصحيح أنه عليهم المحافظة على أداء فروضهم حتى يصح انحطاطها عنهم، ~~وإلا لزم تعطيل الفرائض، وإهمال اللوازم، ومن أحكامه: أن من أنكره يكون ~~بإنكاره مشركا، إذا كان ثبوت ذلك الفرض قطعيا، كما مر نظيره. # - وأما فرض العين: وهو ما طلب حصوله من كل واحد بعينه، كالصلوات الخمس ~~وصيام رمضان، فإنه يلزم كل واحد أن يؤديه كما طلب منه، وليس يصح الاجتزاء ~~فيه بفعل غيره، وقد مر بعض أحكامه، والله أعلم ms418. # ثم إنه أخذ في بيان التقسيم الثالث من تقسيمات الواجب، فقال: # وقد يجيء في واحد معين ... وقد يجيء ليس بالمعين # فالعبد في ذلك بالتخيير ... مثاله الخصال في التكفير # وقال قوم بوجوب الكل ... ويجتزئ بواحد في الفعل # ينقسم الواجب بالنظر إلى المأمور به إلى: واجب معين، وإلى غير معين، فأما ~~الواجب المعين فهو ما تعلق بواحد فقط، وهو أكثر الواجبات، كوجوب الوضوء ~~والغسل والصلاة، ونحو ذلك مما يكون المأمور به واحدا مخصوصا، وقد مر بيان ~~حكمه، وأما الواجب الغير المعين: فهو أن يكون المأمور به واحدا من أشياء، ~~خير العبد في فعل أيها شاء، كخصال الكفارات، فإن ربنا تعالى قد أمرنا بفعل ~~واحد من الإطعام والكسوة والعتق، وخيرنا في فعل أيها شئنا، وحرم علينا ترك ~~جميعها؛ فعلمنا أن PageV02P221 الواجب منها واحد غير معين، ومن ذلك تزويج ~~أحد الأكفاء الخاطبين إذا كانوا عشرة مثلا، فإنه قد أمر الولي بتزويج واحد ~~منهم، وهو المخير فيهم، فأيا زوج أجزأه، فالواجب من هذه الأشياء واحد غير ~~معين، وقالت المعتزلة: الجميع واجب، ويسقط بالواحد، وقال بعض: الواجب واحد ~~معين عند الله تعالى، وهو ما يفعله العبد، فيختلف بالنسبة إلى المكلف، وقال ~~بعض: الواجب واحد معين لا يختلف، لكنه يسقط به وبالآخر، وبيان قول المعتزلة ~~بأن جميعها واجب على التخيير أنه لا يجوز للمكلف الإخلال بها جميعا، ولا ~~يلزمه الإتيان بها جميعا، وأن فعل كل واحد منهما موكول إلى اختياره ~~لتساويها في وجه الوجوب، ومعنى إيجاب الله تعالى لها جميعا على التخيير أنه ~~نهى عن الإخلال بها جميعا، وأمر بكل واحد منها، ولم ينه عن ترك كل واحد، ~~هذا تحقيق مذهبهم، وعليه فالخلاف بيننا وبينهم لفظي، وقيل: بل معنوي، وتظهر ~~ثمرته في أمرين: لفظي ومعنوي، أما اللفظي: فهو أن الواصف لخصال الكفارة ~~ونحوها بأنها كلها واجبة غير صادق عندنا، وصادق عند المعتزلة، وأما ~~المعنوي: فحيث حلف الحانث بطلاق امرأته أن العتق والكسوة والإطعام واجبة ~~كلها عليه، # فعندنا أنها تطلق بذلك، وعند المعتزلة لا تطلق بذلك، وكذلك لو ms419 حلف بصيام ~~أو حج أو صدقة مال فهو كالطلاق في ذلك، وهذه الثمرة حاصلة حتى على القول ~~بأن الخلاف في المسألة لفظي، وحجتنا على أن الواجب واحد غير معين: إجماع ~~الأمة على وجوب تزويج أحد الأكفاء الخاطبين على التخيير، ولو كان الجميع ~~واجبا وجب تزويج الجميع، ولو كان معينا لم يجز تزويج غيره، والتعيين نقيض ~~التخيير، والغرض أنه مخير؛ فبطل التعيين، واحتجت المعتزلة على وجوبها جميعا ~~بأن المعلوم على استوائها في تعلق الأمر، والمصلحة بها دليل عده ممتثلا ~~بفعل أحدها؛ فاستوت في الوجوب على التخيير. ورد بأنه إذا حكمتم بوجوبها ~~أجمع، PageV02P222 لزمكم إذا أخل بها أجمع أن يستحق العقاب على ثلاث واجبات ~~على كل واحد عقابا كاملا، والمعلوم أنه لو فعل أحدها لم يستحق عقابا، وأيضا ~~فلو كانت واجبة كلها لزم إذا فعلها جميعا أن يستحق على كل واحد منها ثواب ~~واجب كامل؛ فيستحق ثواب ثلاث واجبات، كما لو صلى وصام وزكى، ولا مخلص ~~للمعتزلة من هذين الاعتراضين مع ما يلزم على قاعدة مذهبهم من تعلق إرادته ~~تعالى بكل واحد من الخصال المأمور بها، وقد حاولوا التخلص منها بما لا طائل ~~تحته، فلا نطيل بذكره، على أن المسألة قليلة الجدوى لا حاصل لها، ولا ثمرة ~~سوى ما أشرنا إليه فيما تقدم، الله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان المحرم والمكروه، فقال: # ثم الحرام طلب الترك جزم ... فيه وإلا فهو مكروه رسم # فقابل الحرام بالوجوب ... وقابل المكروه بالمندوب # واعط لكل عكس حكم ضده ... كالفعل والكف وما من بعده # اعلم أن المطلوب تركه إما أن يكون طلب تركه طلبا جازما، وإما أن يكون غير ~~جازم، فإن طلب تركه طلبا غير جازم؛ فهو المكروه، وبمعناه ما قيل: إن ~~المكروه ما في تركه الثواب، وليس في فعله عقاب، وقد علمت مما مر أن الواجب ~~ما طلب فعله طلبا جازما، وأن المندوب: ما طلب فعله طلبا غير جازم، فالحرام ~~مقابل للوجوب، والكراهية مقابلة للندب، ويعطى كل واحد من الأنواع الأربعة ~~عكس حكم ضده، فحكم الوجوب ms420 عكس حكم الحرام، وحكم الندب عكس حكم الكرهية، ~~مثاله: أن الفعل في الوجوب لازم، وفي الحرام محرم، والفعل في الندب مندوب ~~إليه، ومع الكراهية مكروه، وكذلك الكف، فإنه مع الحرام لازم، ومع الوجوب ~~حرام، ومع الكراهية مندوب إليه، ومع الندب مكروه، وهكذا سائر PageV02P223 ~~الأحكام، وكما أن المندوب ينقسم إلى: سنة ومستحب، كذلك المكروه ينقسم إلى ~~ما كانت كراهته شديدة، وهو ما ورد في النهي عنه دليل خاص، كالنهي عن أكل ~~لحوم السباع وذوات المخلب من الطيور، وإلى ما كان مكروها كراهية خفيفة، ~~سماه ابن السبكي: خلاف الأولى، وهو ما لم يرد نص في النهي عنه، لكن علم من ~~أدلة أخر أنه مكروه في الشرع، قال بعضهم: كترك المندوبات؛ لأن ترك المندوب ~~مكروه، ويطلق المكروه على الحرام أيضا، وقسم الحنفية الحرام إلى حرام ~~ومكروه كراهة تحريم، وجعلوا الحرام اسما لما حرم بالدليل القاطع، والمكروه ~~كراهة التحريم اسما لما ثبت تحريمه بدليل ظني، فالحرام عندهم مقابل للفرض، ~~والمكروه كراهة تحريم مقابل للواجب على ما مر من تفصيلهم بين الفرض ~~والواجب، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان صحة التحريم لواحد غير معين، فقال: # ولا يصح واحد محرم ... من جملة لما عليه يلزم # لأنه في الكل صار القبح ... وقال قوم أنه يصح # اختلف علماء الأصول في جواز أن يحرم واحد غير معين من أشياء متعددة، ~~ويكون المكلف مخيرا في ترك أيها شاء، وهي مسألة النهي عن واحد لا بعينه، ~~فمنعها معظم المعتزلة، ثم اختلفوا في وجه المنع، فمنهم من ذهب إلى أن المنع ~~من ذلك من قبيل اللغة، واحتجوا عليه بقوله تعالى: { ولا تطع منهم آثما أو ~~كفورا } (الإنسان: 24)، حيث كان النهي في الآية عن طاعة الجميع، ومنهم من ~~منعه من جهة العقل؛ لأن النهي إذا تعلق بشيء اقتضى قبحه، فإذا تعلق بأحد ~~الشيئين لا بعينه قدر تقبيح كل واحد منها على حياله، فيتصف كل واحد منها ~~بما يتصف به الآخر، فيلزم تقبيحها معا، مثال ذلك: قول القائل: لا تضرب زيدا ~~أو تكلم ms421 عمرا أو تكرم خالدا، أو نحو لا تضرب زيدا أو عمرا أو خالدا، ~~فالمنهي هاهنا لا يعد ممتثلا مهما ترك واحد، PageV02P224 أو لم يترك ~~الآخرين، بل يجب عليه ترك الثلاثة جميعا، ألا ترى أن القائل لو قال: لا ~~تأخذ هذا الثوب أو هذا أو هذا، كان معناه: دع هذه الثلاثة جميعا، ولك أن ~~تأخذ ما عداها، ولو قال: حرمت عليك أحد هذه الثلاثة، ولم يعين المحرم صارت ~~الثلاثة محرمة كلها، كما لو قالوا: فيمن طلق إحدى نسائه، ولم يعينها، فإنه ~~يجب عليه اعتزالهن جميعا، وقال ابن الحاجب: "يجوز أن يحرم واحد لا بعينه"، ~~خلافا للمعتزلة، وقال: "وهي كالمخير يعني كالواجب المخير"، وقد عرفت الفرق ~~بين الواجب المخير وبين المحرم، فإنه يصح الامتثال بفعل واحد من أشياء وجب ~~أحدها لا بعينه، ولا يصح ذلك في المحرمات، وقال أبو الحسين: "يصح النهي عن ~~أشياء على الجمع إذا أمكن المنهي الخلو منها، نحو: لا تضحك ولا تكلم ولا ~~تقم، لا إذا لم يمكن الخلو، نحو: لا تحرك ولا تسكن، فالنهي عن ذلك تكليف ~~بما لا يطاق"، قال: "ويصح النهي عن الجمع، نحو: لا تفعل كذا أو كذا، أي لا ~~تجمع بينهما، ولك أن تفعل كل واحد على انفراده"، قال: "ويصح النهي عن أشياء ~~على البدل، # نحو أن تقول: لا تفعل كذا، إن فعلت كذا، أي اجعل كل واحد من هذين الفعلين ~~بدلا عن الآخر، فلا تجمع بينهما"، قال: "ويصح النهي عن البدل"، والله أعلم، ~~ثم قال: # ولا يصح الحكم بالتخيير ... ما بين الاقتضاء والتخييري # ولا يصح بين واجب وما ... يندب والمكروه والذي %حرما # اعلم أنه لا يصح التخيير بين فعلين، أحدهما مطلوب والآخر غير مطلوب، فلا ~~يخير بين واجب ومباح، ولا بين محرم ومباح، وهكذا لأنه إذا خير بينهما سقطت ~~حرمة الحرام، وصار مباحا، وكذلك يسقط إيجاب الواجب، فلا يكون واجبا، وكذلك ~~أيضا لا يصح التخيير بين الواجب والمندوب، ولا بين المحرم والمكروه، إذ ~~بالتخيير بينهما يسقط تحريم الحرام، وإلزام الواجب، فلا يصح ms422 التخيير ~~بينهما. # واعلم أنه لا يصح في العقل أن يكلف العباد ولا مثوبة ولا عقوبة؛ لأنه لا ~~تكليف عند PageV02P225 عدم الثواب والعقاب، بيان ذلك أنه إذا أمر أن يطاع، ~~ونهى أن يعصى، ولم يكن ثواب للطائع ولا عقاب للعاصي، فالطائع والعاصي سواء، ~~ولا يوجب العقل أن يكون الثواب والعقاب هما الجنة والنار، بل يجوز أن يكون ~~غيرهما لكن الشرع عين ذلكن ويصح في العقل أن يجعل ثواب الطائع ترك العقوبة، ~~وعقوبة العاصي حرمان الأجر، ويصح في العقل دوام التكليف لو لم يرد الشرع ~~بعدم دوامه، ومنعت المعتزلة القول بدوام التكليف لو لم يرد الشرع بعدم ~~دوامه، ومنعت المعتزلة القول بدوام التكليف عقلا، وهو مناقض لقولهم بوجوب ~~شكر المنعم عقلا، وهذه المسألة ليست من فننا، وإنما هي من علم الكلام، ~~ذكرناها على سبيل الاستطراد، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان أقسام الرخصة، فقال: # وقد مضى تعريفنا للرخصة ... وهاهنا أذكر وجه القسمة # منها حقيقي كلفظ الكفر ... على لسان مكره بالجبر # وحكمه الأجر لمن تركا ... ترخصا به إلى أن هلكا # ونحو فطر رمضان في السفر ... فيندب الترك لها بلا ضرر # وإن يخف ضعف هناك يندب ... ترخص وعند ضر يجب # ومنه رخصة مجازا وهو ما ... حط من الأغلال عنا فاعلما # كتوبة بقتل نفس التائب ... وكتحتم القصاص الواجب # وحكمه الترك له فلا يحل ... إتيانه كذاك للذي عمل # ومنه مشروع لنا في موضع ... وفي سواه حكمه لم يشرع # كالأكل للميتة عند الضرر ... والقصر للصلاة حال السفر # وحكمه وجوب أخذ الرخصة ... في وقتها والأخذ بالعزيمة # في غيره وهالك من تركا ... أكلا من الميتة حتى هلكا # اعلم أنه قد عرفنا الرخصة فيما مضى من الأبيات، وذكرنا هنالك أن الرخصة ~~ما شرع ثانيا، مبنيا على أعذار العباد، ولم نذكر أنواعها فيما مر، ~~PageV02P226 وقد آن لنا أن نذكرها الآن، فنقول الرخصة نوعان: رخصة حقيقية ~~ورخصة مجازية. # - فأما الرخصة الحقيقية: فهي نوعان: # * أحدهما أنسب بتسمية الرخصة من الآخر، فأما النوع الأول فكإجراء كلمة ~~الكفر على لسان المكره، وقلبه المطمئن بالإيمان ms423، وكإفطار المكره في رمضان، ~~وجنايته على الإحرام، وعلى إتلاف مال الغير، وسائر الحقوق المحرمة بالدلالة ~~على مال غيره، وكما في ترك الخائف على نفسه الأمر بالمعروف، وكما في تناول ~~مال الغير مضطرا، فإن هذه الأشياء كلها محرمة، وأبيحت للمكره رخصة من الله ~~تعالى على شرط الضمان في إتلاف حق الغير، والجزاء في الجناية على الإحرام ~~ونحو ذلك، فكان إطلاق اسم الرخصة عليه حقيقية أنسب من إطلاقها على غيره. ~~وحكم هذا النوع ثبوت الأجر لمن أخذ بالعزيمة فيه، وترك الرخصة حتى مات على ~~ذلك؛ لأنه بذل نفسه احتسابا لإقامة دين الله تعالى، ومحافظة على أوامره. # * وأما النوع الثاني من الرخصة الحقيقية فنحو إفطار المسافر في رمضان ~~لأجل سفره، وحكم هذا النوع أن الأخذ بالعزيمة فيه أولى، فيندب ترك الرخصة ~~إن لم يخف المسافر بتركها ضعفا في قوته عن طاعة الله، والقيام بأمر الجهاد، ~~وسائر الطاعات، فإن خاف ضعفا عن ذلك ندب له الأخذ بالرخصة لأجل القيام بتلك ~~الطاعات، وإن خاف بترك الرخصة الضرر على نفسه وجب عليه الأخذ بها لوجوب دفع ~~الضرر عن النفس ما أمكن، هذا حكم هذا النوع عندنا، وذهبت الظاهرية إلى ان ~~الصوم في السفر لا يجزئ عن فرض الوقت، ويلزمه القضاء صام أو لم يصم لكونه ~~معلقا بإدراك العدة؛ فيلزمه عند إدراك العدة؛ لأن المعلق بالشرط معدوم قبل ~~وجودالشرط، وهو مذهب باطل؛ لأن المقصود من قوله تعالى: { فمن كان منكم ~~مريضا أو على سفر } (البقرة: 184) بيان الرخصة في جواز الإفطار للمريض ~~والمسافر، وبيان شرع القضاء بعد ذلك، وليس المقصود شرع الأداء من المريض ~~والمسافر حتى PageV02P227 يكون أداؤهم معلقا بالعدة في أيام أخر، وأيضا ~~فيلزم من ذلك إبطال شرعية صيام رمضان للمريض والمسافر، فيكون المشروع في ~~حقهما عند الظاهرية صيام رمضان من أيام غير معلومة، وهو باطل، بل المشروع ~~في حق الجميع صيام رمضان، ورخص للمريض والمسافر إفطاره بشرط القضاء. # - وأما الرخصة المجازية: فهي نوعان أيضا: # * أحدهما أتم في المجازية من الآخر لبعده من حقيقة الرخصة، وهو ما ms424 حط عنا ~~من الأثقال المشروعة على من قبلنا، كاشتراط قتل نفس التائب في صحة توبته، ~~كما دل عليه قوله تعالى: { فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب ~~عليكم } (البقرة: 54)، فإنه رفع عنا هذا الحكم المشروع على من قبلنا، ولم ~~يشترط علينا ذلك، فكان رفعه بالنسبة إلينا رخصة، وكذلك ما رفع عنا من جميع ~~التكاليف الشاقة المشروعة على من قبلنا، كتعين القصاص في العمد والخطأ وقطع ~~الأعضاء الخاطئة وقطع موضع النجاسة، ونحو ذلك مما كانت في الشرائع السالفة، ~~قال بعضهم: روي أن الأصر في بني إسرائيل كان في عشرة أشياء كانت الطيبات ~~محرمة عليهم بالذنوب، وكان الواجب عليهم خمسين صلاة في اليوم والليلة، ~~وزكاتهم ربع المال، ولا يطهر من الجنابة والحدث غير الماء، ولم تكن صلاتهم ~~جائزة في غير المسجد، ويحرم عليهم الأكل في الصوم بعد النوم، وحرم عليهم ~~الجماع بعد العتمة، والنوم كالأكل، وكانت علامة قبول قربانهم إحراقه بنار ~~تنزل من السماء، وحسناتهم بواحدة، ومن أذنب منهم ذنبا بالليل كان يصبح وهو ~~مكتوب على باب داره، وإنما كان هذا النوع رخصة مجازية؛ لأنه لم يستكمل حد ~~الرخصة، فإنه وإن شرع لنا شرعا ثانيا غير الشرع الذي شرع لبني إسرائيل، فإن ~~شرعه لنا ثانيا غير مبني على الإعذار، وإنما هو توسعة وتيسير من جانب الحق ~~تعالى، وحكمه وجوب تركه، فلا يحل لأحد العمل بشيء، فما وضع عنا من تلك ~~التكاليف فالترخص المشروع فيه واجب. # * وأما النوع الثاني من الرخصة المجازية، فهو PageV02P228 ما يكون فعله ~~مشروعا لنا في بعض المواضع دون بعض، كقصر الصلاة مشروع لنا في السفر، غير ~~مشروع في الحضر، وكالأكل من الميتة والدم ولحم الخنزير مشروع لنا في حال ~~الضرر، لقوله تعالى: { إلا ما اضطررتم إليه } (الأنعام: 119)، غير مشروع في ~~حال السعة لقوله تعالى: { حرمت عليكم الميتة } (المائدة: 3) الآية، وحكم ~~هذا النوع وجوب الأخذ بالرخصة في الوضع المشروع فيه الرخصة، وهو حال ~~الاضطرار في الأكل من الميتة، ووقت السفر في قصر الصلاة، حتى أنه لو ترك ~~الأكل من ms425 الميتة، وهو مضطر إليها حتى مات جوعا كان هالكا عند الله تعالى؛ ~~لقوله تعالى: { ولا تقتلوا أنفسكم } (النساء: 29)، وهذا قاتل لنفسه حيث وجد ~~إلى إحيائها سبيلا مباحا فلم يحيها، وفي غير وقت الرخصة، فالواجب الأخذ ~~بالعزيمة، وهو تمام الصلاة في الحظر، واجتناب الميتة في السعة، حاصل المقام ~~أنه يجب الأخذ بالشرع في الموضعين، فحيث أوجب العزيمة لزمنا الأخذ بها، ~~وحيث أوجب الرخصة لزمتنا كذلك، واعلم أنهم اختلفوا في المكره على أكل ~~الميتة والدم ولحم الخنزير ونحوها حل له أكل ذلك تقية كالمضطر بالجوع، أم ~~ليس له ذلك؟ أم يجب عليه إذا رأى الهلاك، كما وجب على المضطر، أقوال بسطت ~~الكلام على تحقيقها في مشارق الأنوار، فانظرها من هنالك. # واعلم أن بعض الفقهاء يطلقون اسم الرخصة على أسهل القولين في المسائل ~~الاجتهادية نظرا منهم إلى سعته ويسره بالنظر إلى مقابله، فإطلاق اسم الرخصة ~~على ذلك مجاز عرفي، وحكمه وجوب الأخذ به فيما إذا رأى المجتهد أنه الصواب ~~دون مقابله، وجاز الأخذ به للمقلد الذي لا علم له بترجيح الأدلة، وتصحيح ~~الأقوال، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان النوع الثاني من الحكم، وهو الحكم الوضعي، فقال: # مبحث الحكم الوضعي # والمراد به ما وضعه الشارع علة أو سببا أو شرطا أوعلامة لشيء PageV02P229 ~~من الأحكام التكليفية من الوجوب والندب والإباحة والتحريم والكراهة وغيرها، ~~فأثر الخطاب إن كان حكما تكليفيا، كأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، سمي في ~~اصطلاحهم بالحكم التكليفي، وإن كان ثبوت وصف علة لحكم أو سببا له أو شرطا ~~لوجوده أو علامة عليه سمي بالحكم الوضعي، وقد عرفه بقوله: # وإن أتى في أثر الخطاب ... تعلق للحكم كالأسباب # فذلك الوضعي كالركنية ... وعلة وسبب في الجملة # وهكذا العلامة المعرفه ... وهذه حدودها المعرفه # اعلم أنه إذا كان أثر الخطاب الشرعي تعلق حصول شيء بشيء، كتعلق حصول بعض ~~الأحكام ببعض الأسباب، وحصول بعض الأحكام ببعض العلل، ووجود بعض الأشياء ~~بوجود الشرط، ونحو ذلك، سمي ذلك الأثر بالحكم الوضعي؛ لأن الشارع وضعه ركنا ~~لذلك الشيء أو علة أو ms426 سببا أو شرطا أو علامة، أي جعله كذلك، فأقسام الحكم ~~الوضعي خمسة: الركنية والعلية والسببية والشرطية، وكون ذلك الشيء علامة، ثم ~~العلة إن كانت موجبة للحكم سميت مقتضيا، كالإسكار للتحريم، وإن كانت رافعة ~~للحكم سميت مانعا، كالحيض رافع لوجوب الصلاة، ولكل واحد من الأنواع الخمسة ~~حد يعرف به. # أشار إلى تعريف الركن، فقال: # فالركن ما الشيء به تقوما ... فالشيء بانتفائه تهدما # عرف الركن بأنه ما يتقوم به الشيء، بمعنى أنه يدخل في قوامه، وينهدم ذلك ~~الشيء بانتفائه، وذلك كالإقرار بالشهادتين، فإنه ركن لتمام الإيمان عند ~~جمهور أصحابنا، وقيل: هو شرط لتمامه، وكتكبيرة الإحرام في الصلاة المشروعة، ~~وكركعة من الصلوات الخمس ونحو ذلك، فإن هذه الأشياء أركان لا يقوم ذلك ~~الشيء المشروع إلا بها، فلا إيمان لمن أبى من التشهد بالشهادتين، ولا صلاة ~~لمن لم يكبر تكبيرة الإحرام، وهكذا، والله PageV02P230 أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان تعريف العلة، فقال: # والعلة الوصف الذي يؤثر ... بنفسه في الحكم حيث يذكر # عرف العلة بأنها الوصف المؤثر بنفسه في الحكم، كتأثير البيع في الملك، ~~وعقد النكاح في جواز الاستمتاع، وكتأثير القتل في القصاص، وهذا التعريف ~~مبني على قول بعض الأصوليين حيث عرفوا العلة بأنها الوصف المؤثر في الحكم، ~~وقد تقدم في مبحث شروط العلة من باب القياس أن الصحيح في تعريفها قول من ~~قال: إنها معرفة، وإنها بذلك شاملة للوصف المؤثر وللعلامة، إذ لا مانع من ~~تسمية العلامة علة أيضا، وقد تقدم الفرق بين العلل الشرعية والعلل العقلية، ~~فراجعه من هنالك. # وقول المصنف: "يؤثر بنفسه" إشارة إلى الفرق بين العلة والسبب، فإن العلة ~~تؤثر في الحكم بلا واسطة، والسبب لا يؤثر في الحكم إلا بواسطة العلة، وقد ~~فرق بعضهم بين العلة والسبب بثلاثة وجوه: # - الوجه الأول: أن العلة تختص بمحال الحكم أينما أتت، ألا ترى أن الزنا ~~لما كان علة في الجلد كان حاصلا في محل الجلد، وكذلك القتل في القصاص، ~~ونظئر ذلك كثيرة، ولا يلزم ذلك في السبب، ألا ترى أن وقت الصلاة ليس ms427 حاصلا ~~في محل الصلاة، وكذلك وقت الزكاة، وقد يخص السبب بمحل الحكم، كرؤية الهلال، ~~فإنها سبب وجوب الصوم، ومحلهما واحد. # - الوجه الثاني: أن العلة لا تستلزم التكرار والاستمرار، كالقتل والزنا، ~~بخلاف السبب فإنه يستلزم ذلك، كالدلوك لوجوب الصلاة، والمعنى أن العلة قد ~~تتكرر وقد لا تتكرر، والسبب لا يكون إلا متكررا. # - الوجه الثالث: أن العلة لا يشترك فيها إلا%، ويشترك في الحكم عند من ~~منع تخصيصها، ألا ترى أن قتل العمد العدواني إذا اشترك فيه جماعة اشتركوا ~~في الحكم، وهو وجوب القصاص، وكذلك ما أشبهه، بخلاف السبب فقد يشترك فيه من ~~لا يشترك في حكمه، ألا ترى أن دخول وقت الصلاة لا يقتضي وجوبها على كل ~~مكلف، وكذلك حول PageV02P231 الحول لا يقتضي وجوب الزكاة على كل من حال ~~عليه. وهذه الفروق إنما تكون بين العلة والسبب الخاص. # اعلم أن للأصوليين في السبب اصطلاحين: # - أحدهما أخص، والآخر أعم، أما الاصطلاح الأعم فإن السبب يطلق عندهم على ~~جميع الأحكام الوضعية من العلة والسبب الأخص والشرط والعلامة، فكل واحد ~~منها يسمى سببا باعتبار، وإليه الإشارة بقول المصنف فيما تقدم تعلق للحكم ~~كالأسباب. # - وأما الاصطلاح الأخص، فهو ما شار إليه بقوله: # وإن يكن موصلا إليه ... بوسط مستند عليه # فسبب وقد يضم الحكم ... له وفي آخر لا يضم # حافر البئر بملك الغير ... فيضمن ما أتلفه بالبير # وناقب البيت فحاز اللص ... ما فيه لا يلزم إلا القص # أعني به ضمان نقب الدار ... لا قطع كف ثاقب الجدار # عرف السبب بأنه الوصف الموصل إلى الحكم بواسطة غيره، كالأمر بالسرقة موصل ~~إليها بواسطة فعل المأمور، وكالأمر بقطع الطريق، وكالدلالة على حصن العدو، ~~فإن هذه الأشياء أوصاف موصلة إلى الحكم بواسطة فعل المأمور والمدلول، وتلك ~~الواسطة هي علة الحكم، ثم إن السبب قد يضم إليه الحكم في موضع، وقد لا يضم ~~إليه في موضع آخر، بخلاف العلة فإنها لا تكون إلا وحكمها مضموم إليها، حتى ~~لو فارقها لم تكن علة أصلا، وهذا من الفرق بين العلة والسبب، أيضا فالسبب ms428 نوعان: # - نوع لا يضم إليه الحكم، وهو السبب الحقيقي عندهم، وذلك كنقب الجدار، ~~فإن ناقبه لا يضمن إلا قيمة النقب حتى لو جاء اللص فدخل من ذلك النقب، فحاز ~~ما في البيت وذهب به، لا يضمن الناقب لما أخذ اللص، بل ضمان ذلك على اللص ~~نفسه، وعلى الناقب قيمة قص الجدار، أي نقبه، وكذلك لا يضمن من أمر بالغا ~~بالسرقة أو قطع الطريق، ما لم يكن الآمر سلطانا على المأمور، بل ضمان ذلك ~~PageV02P232 على فاعله، وكذلك لا يشارك الدال على حصن العدو والجند في ~~الغنيمة، ما لم يكن معهم، وهكذا فيما أشبه ذلك. # - وأما النوع الثاني الذي يضم إليه الحكم، ويسمى سببا مجازيا، فهو نحو ~~حفر البير في ملك الغير تعديا، فإن حافره كذلك يضمن ما أتلفه البير، فلو ~~وقع حيوان أو آدمي مثلا في البير، كان الحافر ضامنا له، فحفر البير سبب ~~لتلاف التالف فيه، لكن بواسطة الوقوع، فالوقوع في البير هو علة التلاف، ~~وحفر البير سبب لذلك، وقد ضم الحكم في هذه الصورة إلى السبب لكونه مشابها ~~للعلة في التأثير. وكذلك قيادة الدابة وسوقها، وقطع حبل القنديل ونحو ذلك، ~~فإن هذه الأشياء أسباب لكنها مشابهة للعلل، فيضم الحكم كالعلل، فيضمن قائد ~~الدابة وسائقها ما أتلفته الدابة بمقدمها، لكون سوقه وقيادته بمنزلة الباعث ~~لها إلى إتلاف ما أتلفته، وكذلك يضمن قاطع حبل القنديل، فأن قطع حبله مؤثر ~~في إتلافه، وإن كان إتلافه بواسطة الوقوع من أعلى إلى أسفل، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الشرط، فقال: # والشرط ما الحكم عليه وقفا ... وجوده وينتفي إذا انتفى # عرف الشرط بأنه هو الذي يتوقف عليه وجود الحكم، وينتفي الحكم بانتفائه، ~~كالوضوء شرط لصحة الصلاة، فإذا لم يوجد الوضوء لم توجد صحة الصلاة، وكذلك ~~قول القائل لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر، فوجود الحرية موقوف على دخوله ~~الدار، فإذا لم يدخل الدار فلا حرية له، وقد يكون الشرط شرطا لوجود العلة، ~~وقد يكون شرطا لتأثيرها في الحكم، فمثال ما يكون شرطا لووجد ms429 العقل والولاية ~~في البيع والنكاح، فإن علة ملك البيع وحل الوطء هي العقد الصحيح، ولا وجود ~~للعقد الصحيح إلا مع العقل والولاية، ويسمى محل العلة وشرطها أيضا، وإنما ~~سمذي محلها لأنها لما وقف وجودها على حصوله أشبه محل العلة العقلية الذي ~~تقف صحة وجودها على وجوده، ويسمى شرطها لما وقف PageV02P233 ثبوت تأثيرها ~~عليه؛ لأنه إذا وقف وجودها عليه؛ فقد وقف تأثيرها أيضا عليه، ومثال ما يكون ~~شرطا لتأثيرها كالإحصان فإنه شرط لتأثير الزنا في حد الرجم. # قال صاحب المنهاج: " والفرق بين العلة والشرط من وجوه: # - الوجه الأول: أن كل ما يترتب على العلة كالرجم، فإنه كل ما ترتب على ~~الإحصان؛ فهو مرتب على العلة وهي الزنى، ولا يجب عكس ذلك، وهو كون ما ترتب ~~على العلة يجب ترتبه على الشرط، بل يصح في بعض أحكامها أن لا تترتب عليه، ~~كالجلد فإنه وقف على الزنا، ولم يقف على الشرط. # - الوجه الثاني: أن العلة باعثة على الحكم مناسبة له، كالزنا فإنه باعث ~~الحد، ومناسب له؛ لأنه عقوبة، بخلاف الشرط فإنه قد يكون غير باعث على الحكم ~~ولا مناسب له، ألا ترى أن الإحصان ليس بباعث على الحد ولا مناسب له، لكنه ~~مناسب للعلة لا لكونه يقوي بعثها على الحكم؛ لأن زنا من هو مستغن بالزوجة ~~أشد بعثا على الحد". # أقول: وهذا الفرق إنما يتأتى على مذهب من اشترط في العلة أن تكون بمعنى ~~الباعث، أما على مذهب من لم يشترط ذلك، فلا يصح هذا الفرق، قال: "والفرق ~~بين الشرط والسبب: أن الشرط في غالب حاله يضاهي العلل في مناسبة الحكم، ~~كالعقل والبلوغ والرضا، فإنها شرط في صحة البيع، وفيها مناسبة لذلك، والسبب ~~قلما يثبت فيه ذلك، والشرط يختص بمحل الحكم، كالإحصان فغنه حاصل في محل ~~الحكم وهو الرجم، بخلاف السبب فإنه في الأغلب خارج عن محل الحكم" انتهى، ~~والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان العلامة، فقال: # وسمه علامة إن كشفا ... عن صفة الحكم غياهب الخفا # مثاله إلحاق حكم النسب ... بعلمنا ولادة ms430 المنتسب # عرف العلامة بأنها الوصف الكاشف عن الحكم من غير نظر إلى PageV02P234 ~~تعلق وجود ووجوب، وقد تكون علامة خالصة، كالتكبير علامة دالة على الانتقال ~~في الصلاة من حال إلى حال، وقد تكون علامة بمعنى الشرط، كالإحصان للرجم، ~~كولادة المولود علامة للحوقه في النسبب من ولد على فراشه، وقد تكون علامة ~~بمعنى العلة، كما في العلل الشرعية؛ فإنها أمارات تعرف بها الأحكام ~~الشرعية، فبين العلامة والعلة الشرعية عموم وخصوص من وجه، وذلك أن بعض ~~العلامات علل، وبعضها ليس بعلل، وبعض العلل علامات، وبعضها ليس كذلك. # واعلم أنه لا مانع من اجتماع الأحكام الوضعية في شيء واحد باعتبارات ~~مختلفة، فقد يكون الشيء الواحد ركنا باعتبار، وعلة باعتبار آخر، كذا يكون ~~سببا وشرطا وعلامة بحسب الاعتبارات، فلا يشكل عليك ذلك، فالفرق بين هذه ~~الأمور إنما يكون باعتبار الحيثيات، والله أعلم. # الركن الثاني الحاكم # ثم إنه أخذ في بيان الحاكم، فقال: الركن الثاني في بيان الحاكم، أي بيان ~~من أثبت على المكلف الأحكام التي يثاب على فعلها ويعاقب على تركها من ووجب ~~وتحريم وغيرهما، قال: # وقد قضى الشرع على الصحيح ... بالحسن والقبح من القبيح # وقال قوم إنما العقل قضى ... بذاك والأول عندي المرتضى # لأنما المراد من ذا الباب ... ترتب الثواب والعقاب # وليس للعقل توصل إلى ... إثباته وإن علا وكملا # وإن يكن أمكن أن يدركه ... فمنهج الإثبات لن يسلكه # وإن يكن صح ثبوت المدح ... بالحسن والذم بفعل القبح # من عقل قوم غير أهل شرع ... ولا دروا بجائز ومنع # فذاك باعتبار ما يؤلف ... أغراضهم وما لها يخالف # لا باعتبار الحسن والقبح كما ... هما فمن ثم ترى الخلف انتمى # فهؤلاء حسنوا ما استقبحا ... غيرهم فمن هناك وضحا PageV02P235 وما يرى من ~~اختيار الحسن ... مع حصول الغرض المستحسن # للكل فهو لمزيد الغرض ... لا أن ذاته لذاك تقتضي # اختلفت الأمة في الحاكم بحسن الشيء وقبحه، فذهبت المعتزلة إلى ان الحاكم ~~بذلك هو العقل، وأن الشرع إما مؤكد لحكم العقل، كوجوب الإيمان، وحرمة ~~الكفران، وإما مبين لما خفي على العقل كوضائف ms431 العبادات، وضبطوا الأحكام ~~الخمسة على وفق مقتضى العقل، فقالوا: إن الشيء إذا كان مصلحة فقط؛ فهو ~~واجب، وإن كان فيه مفسدة فقط؛ فهو محرم، وإن رجحن المصلحة فيه على المفسدة؛ ~~فهو مندوب، وإن رجحت المفسدة على المصلحة؛ فهو مكروه، وإن تساوى فيه ~~الأمران؛ فهو مباح، وذهب جمهور أصحابنا والأشعرية إلى ان الاحكم بذلك هو ~~الشرع، والعقل آلة لفهم الخطاب، وقد يتضح له الخطأ والصواب، فلا حسن عندهم ~~إلا ماحسنه الشرع، ولا قبح إلا ما قبحه الشرع، وبيان ذلك أن الحسن والقبح ~~المتنازع فيهما في هذا الباب هو بمعنى ثبوت المدح واستحقاق الثواب للفاعل ~~للحسن، وثبوت الذم واستحقاق العذاب لفاعل القبيح، وليس للعقل توصل إلى ~~إثبات هذا الحكم، وإن بلغ في الكمال مبلغا عظيما، فإن غاية ما يصل إليه ~~العقل إدراك حسن الحسن وقبح القبيح، وإدراكهما أمر غير الحكم بهما، فغن ~~معرفة الشيء غير الحكم به، فإنه وإن أدرك أن هذا حسن، وهذا قبيح مثلا، ~~فإدراكه ذلك ليس هو عين الحكم به، بل غيره، إذ المراد بالحكم به إثباته ~~إثباتا يترتب عليه الثواب والعقاب، وهذا أمر لا يدرك إلا من الشارع. # احتجت المعتزلة على ثبوت مدعاهم بأمور، منها حقيقي، ومنها إلزامي، ~~فسيأتي، وأما الحقيقي: فهو ما أشار إليه بقوله: "وإن يكن صح ثبوت المدح" إلخ. # اعلم ان المعتزلة قالوا: لو لم يكن العقل حاكما بالحسن والقبح لما صح ~~ثبوت المدح على فعل الحسن، والذم على فعل القبيح من عقل قوم ليسوا أهل شرع، ~~ولا يعرفون الجائز من غيره، والمعلوم أن ذلك قد ثبت من نحو البراهمة ~~والدهرية PageV02P236 وغيرهم، حتى إن أهل الشرع كانوا يبالغون في تقبيح ~~القبيح أكثر من مبالغة أهل الشرع؛ فصح بذلك أن حسن الشيء وقبحه عقليان. # وجوابه أن تحسين الحسن وتقبيح القبيح من غير أهل الشرائع إنما يكون بحسب ~~ما يوافق أغراضهم وما يخالفها، فهم يحسنون ما يوافق أغراضهم ويقبحون ما ~~يخالفها، لا باعتبار الحسن والقبح اللذين هما محل النزاع، فمن هنالك تراهم ~~مختلفين في التحسين والتقبيح، فيحسن ms432 هؤلاء ما يستقبحه هؤلاء، وهكذا لو كان ~~الحسن والقبح ذاتيين لما اختلفوا هذا الاختلاف، نعم قد يتفقون استحسانا ~~واستقباحا، لكن اتفاقهم على ذلك إنما يكون بحسب اتفاق أغراضهم، لا أن ذات ~~الشيء مقتضية لذلك الحسن وذلك القبح، فاتفاقهم على تحسين الشيء إنما يكون ~~لمزيد غرض فيه لا لذاته، واستقباحهم للشيء إنما يكون لصفة قبح فيه لا ~~لذاته، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الاحتجاج الإلزامي، فقال: # وليس من ذا القول قطعا يلزم ... إفحام رسل الله فيما حكموا # وذاك إن قال الرسول لأحد ... تأملن تعرف صدقي والرشد # فإن للمفحم لست أنظر ... إلا إذا صح على النظر # وما علي ذاك حتى أعرفا ... صدقك أنك الرسول المصطفى # فإننا نقول أن ما ذكر ... شرط حصول العلم عند المعتبر # وليس شرطا لحصول الحكم ... فيلزم الإتباع قبل العلم # وليس منه يلزم المحال ... في صفة الله كما يقال # كقولهم يلزم قبل الشرع ... تجويز ما كان بحد المنع # لأن ذا غير محل المنع ... فالعقل فيه حاكم بالقطع # وإنما محله ما قدما ... شيء به يستوجب التألما # ونحن نعطي العقل أحكاما بها ... نبرهن الحق فكن منتبها PageV02P237 ونعطه ~~للحسن نوع فهم ... والقبح لكن ليس ذا بالحكم # احتجت المعتزلة على ثبوت الحكم للعقل من طريق الإلزام بوجهين: # - الوجه الأول: قالوا: لو لم يكن الحاكم العقل للزم إفحام الرسل، بيان ~~ذلك أنه لو قال الرسول لأحد من الناس: أنظر في معجزتي جتى تعرف صدقي، فلو ~~لم يكن العقل حاكما عليه بالنظر في المعجزة؛ لكان له أن يقول: لا أنظر في ~~معجزتك حتى يجب علي النظر فيها، ولا يجب علي ذلك حتى أعرف صدقك. وجوابه: ~~أنما ذكر من قول المفحم شرط لحصول العلم، لا شرط لثبوت الحكم، أي فالنظر في ~~معجزة الرسول إنما هو شرط لحصول العلم برسالته، لا لثبوت حكمه على من أرسل ~~إليهم، فإن حكمه يثبت عليهم بظهور المعجزة على يديه سواء أنظروا فيها أو لم ~~ينظروا، ولولا ذلك للزم عذر من لم ينظر في معجزة الرسل إعراضا عنهم أو ~~عنادا ms433 لهم؛ وهو باطل إجماعا. # - الوجه الثاني: قالوا: لو لم يكن العقل حاكما للزم تجويز ما كان ممتنعا ~~من صفات الله تعالى، فيلزم المحال، كتجويز الكذب والجهل وصفات العجز، ~~وكإظهار المعجزة على يد الكاذب، وغير ذلك من المحالات، وهذا باطل قطعا. ~~وجوابه: أن هذا المذكور ليس هو الحكم الذي نمنعه، وإنما نمنع أن يكون العقل ~~حاكما حكما يترتب عليه ثبوت الثواب والعقاب، أما ما ذكر من الإلزام؛ فنقطع ~~أنه ممنوع بالعقل، ونحن نجعل للعقل أحكاما نبرهن بها الحق، لكنها غير ~~الأحكام الشرعية، وكذلك نجعله مدركا لحسن الحسن وقبح القبيح، لكن ليس هذا ~~كله بالحكم المتنازع فيه، فإن الحكم المتنازع فيه هو ما يترتب عليه ثبوت ~~الثواب والعقاب كما مر غير مرة، وليس هذا كذلك، فالواجب العقلي هو ما لا ~~يتصور في الذهن عدمه، كوجوده تعالى وثبوت كمالاته، والممتنع العقلي: هو ما ~~لا يتصور في الذهن وجوده، كوجود شريك عنده تعالى، وصفات النقص، فإن جميع ~~ذلك محال في حقه، والجائز العقلي: هو ما يتصور في الذهن وجوده وعدمه، ~~PageV02P238 كإيجاد المخلوقات وإعدامها، فالأحكام العقلية ثابتة لو لم يرد ~~بها شرع إجماعا، والنزاع بيننا في ثبوت الأحكام الشرعية بالعقل، فنحن لا ~~نثبتها به، والمعتزلة يثبتونها به، ويجعلونه حاكما بها، ويجعلون الشرع ~~مؤكدا ومبينا، نعم وقد ذهب بعض أصحابنا إلى ثبوت الحكم الشرعي في بعض ~~المواضع بالعقل، وذلك عند عدم ورود الشرع، أما عند ورود الشرع فلا حكم ~~عندهم لغيره، وهذا الفرق بين مقالة هذا البعض، وبين مقالة المعتزلة. # قال بشير: "لو أن رجلا ضرب رجلا بخشبة أو ما فوق ذلك، لألزمنا الضارب ~~البراءة، ولم يجز الوقوف عنه"، قال: "لأنه قد قامت الحجة في العقل أن ذلك ~~ظلم"، قال: "وهذا وأشباهه من حجة العقل"، قال: "وكذلك لو سرق في الميزان ~~مقدار حبة فما فوقها متعمدا للتطفيف لكان ذلك في تعارف الناس أنه ظلم، ~~وعليه البراءة منه، وما كان مثل هذا، ولم يجز الوقوف؛ لأن حجته قد قامت، ~~وأما إذا دفر رجل رجلا دفرة رفيقة، مثل ms434 ما يجوز أن يفعله الناس ببعضهم ~~بعضا، ولا يكون ذلك ظلما معهم، لم تكن فيه البراءة، ولا الوقوف"، إلى آخر ~~ما أطال في بيان ذلك، وجميعه مبني على تحكيم العقل كما ترى. وقال ابن بركة، ~~وقد سئل عن صاحب الجزيرة الذي لم يسمع بشرع، ولم تبلغه الحجة، قال: "كلفه ~~الله في حال التكليف أن يعلم أن له خالقا"، ثم قال: "وعلم ذلك يقع له من ~~طريق العقل، ما يراه من خلق نفسه والأرض، واختلاف الليل والنهار"، ثم قال: ~~"ويجب عليه الكف عما قبح في عقله، كقتل الحيوان وأكل لحومها، وعليه الإنكار ~~على من فعل ذلك"، ثم قال: "لولا أن ذلك أجازته الشريعة لما كان حسنا"، وهذه ~~المسألة من مباحث الكلام، وبسطها في كتبه، وإنما ذكرنا طرفا منها هاهنا ~~لمناسبة بين الحكم والحاكم، وقد حققنا القول فيها تحقيقا حسنا في مشارق ~~الأنوار، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الحجة على المعتزلة في زعمهم أن العقل حاكم ~~بالشرعيات، فقال: PageV02P239 # لو صح أن العقل في ذا حكم ... لكان حكمه بحال يلزم # وقد رأينا الحسن في بعض الصور ... يكون قبحا إن نشا عنه الضرر # وقد رأينا القبح في مواضع ... يوسم بالحسن لدى المنافع # فمثل الأول بالصدق إذا ... أدى إلى قتل نبي أو أذى # والكذب المنقذ للثاني مثل ... فقد رأينا الحكم هاهنا انتقل # أي لو ثبت أن العقل حاكم بالحسن والقبح الشرعيين؛ لكان حكمه لازما على ~~حال؛ لأن شأن حكم العقل ان لا ينتقل من حال إلى حال، بل يلزم حالة واحدة، ~~لا يصح انفكاكه عنها، ونحن نرى الحسن والقبح الشرعيين ينتقلان باختلاف ~~الأحوال، فقد يكون الحسن قبيحا في بعض الصور، كما في الصدق المؤدي إلى قتل ~~نبي أو مؤمن أونحو ذلك، فإن الكذب قبيح لكنه صار في هذه الحالة حسنا، فلو ~~كان الحسن والقبح عقليين لما انتقل حكمهما من حال إلى حال، وللزم حالة ~~واحدة، كما هو شأن الأحكام العقلية، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان المحكوم به، فقال: # الركن الثالث في ms435 المحكوم به # والمراد ما يتعلق به خطاب الشارع، وهو أنواع، أشار إلى بيانها بقوله: # والحق قد يكون لله فقط ... مثل العبادات وما بها ارتبط # ومثل مال للصلاح عما ... وقد يكون للعباد حكما # وقد يجي النوعان فيه مثل ما ... في القذف والقصاص ممن أجرما # ينقسم المحكوم به إلى ثلاثة أنواع؛ لأنه إما أن يكون حقا لله فقط، ~~كالعبادات أصولا وفروعا، وكالأموال الموقوفة للصلاح العام، فإنها حق لله ~~أيضا أضيفت إليه تعالى لعظم خطرها وعموم نفعها، لا أنه منتفع بها ~~PageV02P240 سبحانه وتعالى، وإما أن يكون حقا للعباد فقط، كتحريم مال ~~الغير، ومثل ملك الرقبة وملك المتعة وضمان المغصوب ونحو ذلك، وإما أن يكون ~~مشتركا بينهما كحد القذف والقصاص حقا لله وحقا لعباده، فمن حيث أنهما ~~رادعان عن المعاصي وزاجران عن الفواحش فهما حق لله، ومن حيث أن حد القذف ~~دافع للعارض عن المقذوف؛ فهو حق للعباد، وكذلك القصاص من حيث أنه حافظ ~~لبنية البشر؛ فهو حق للعباد أيضا، لكن حق الله في الأول أرجح؛ فلذا لا يسقط ~~الحد عن القاذف بعفو المقذوف عنه بعد قيام الحجة بذلك مع الإمام، وحق ~~العباد في القصاص راجح؛ فلذا يثبت العفو عنه ممن له الحق، ويكون موروثا، ~~بخلاف الأول، والله تعالى أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان أنواع حق الله تعالى، فقال: # ومن حقوق الله في المنقول ... إيماننا بالله والرسول # وما أتى في الدين بالضرورة ... وهي أمور ليس بالمحصورة # يلزم كلا ما انتهى إليه ... وما عداه لم يكن عليه # وإنما الإيمان تصديق بما ... مر وأما النطق شرط لزما # فينبني الحكم على حصوله ... فليس إسلام بدون قوله # وقيل بالتصديق في الإيمان ... يجزيه دون النطق باللسان # إلا إذا طولب بالإقرار ... إذ ذاك فيما بينه والباري # والجزم بالصدق مع الإذعان ... تصديقنا لا مطلق العرفان # ولا يكون قائما باللازم ... حتى يؤدى عمل اللوازم # إذ ليس بالتصديق دون نطق ... ودون فعل يجتزى في الحق # وكلها تسقط بالأعذار ... أي ما عدا التصديق لا تمار # حق الله على أنواع منها ما يكون من ms436 جهة الاعتقاد، وهو الإيمان ~~PageV02P241 بالله وبرسوله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وضابطه ~~الإيمان بأمور تعلم من الشرع بالضرورة، وهي أمور ليست بمحصورة، بمعنى أنه ~~لا يكون جميعها لازما لمكلف واحد من المكلفين الإيمان بما ينتهي إليه علمه ~~لا ما عدا ذلك، فإن ما لم ينته إليه علمه، فلا تعبد عليه من قبله، ومعناه ~~أن ما قامت الحجة به على المكلف من خصال الإيمان وجب عليه الإيمان به، وما ~~لم تقم عليه به الحجة لم يجب عليه، ثم إن المراد بالإيمان هو التصديق بتلك ~~الأمور المعلومة من الدين بالضرورة لا التصديق والإقرار معا لكن الإقرار ~~شرط لتمام الإيمان وحصوله، فلا يكون مؤمنا مسلما من لم يتلفظ بالشهادتين، ~~وإن صدق بمعناهما، وقيل: إن التصديق بالجنان يجزئ في صحة الإيمان دون النطق ~~باللسان إلا إذا طولب بالنطق كما لو كان في دار الشرك، فغزاها المسلمون، ~~وطلبوا منه الإقرار بالشهادتين كان عليه ذلك، ولا يجزيه التصديق بالقلب ~~حينئذ؛ لأن التصديق بالقلب إنما يكون مجزيا عنه فيما بينه وبين الله لا ~~فيما بينه وبين الخلق، حاصل المقام أنه إذا طولب بالنطق وكان في حكم ~~المشركين لم يكن مسلما إلا بالتلفظ بالشهادتين إجماعا، والخلاف فيما إذا لم ~~يطالب بذلك، فقيل: يجزيه التصديق بالقلب، وهو مذهب بعض أصحابنا، وقيل: لا ~~يجزيه حتى ينطق بالشهادتين، وهو مذهب الجمهور منا ومن غيرنا، ثم اختلف ~~هؤلاء، فمنهم من جعل الإقرار شرطا لحصول الإيمان، كما قدمناه، ومنهم من ~~جعله ركنا من الإيمان، ثم إن الإيمان لا يكون إلا بالجزم بصدق الرسول مع ~~أداء اللوازم كلها، فمن عرف أن الرسول صادق، ولم يجزم بصدقه؛ فلا يكون ~~مؤمنا عندنا، خلافا لبعض قومنا، ومن جزم بالتصديق وكانت عليه لوازم فوقه؛ ~~فلا يكون مؤمنا بنفس التصديق؛ لأن التصديق لا يجزيه دون # أداء الواجبات، فالإيمان عندنا تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل ~~PageV02P242 بالأركان، كل واحد من هذه الثلاثة يلزم في موضع لزومه، وكلها ~~تسقط بالأعذار ما عدا التصديق، فإنه لا يسقط بعد وجوبه بوجه من الوجوه ~~أصلا ms437، فالإقرار يسقط بالإكراه، فللمكره أن يتلفظ بكلمة الكفر، وقلبه مطمئن ~~بالإيمان، وكذلك سائر اللوازم تسقط عن المكلف بالأعذار، أما التصديق فلا ~~يسقط بعد وجوبه بشيء من الوجوه، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان بقية أنواع حق الله، فقال: # ثم الفروع أصلها الصلاة ... ولحقت من بعدها الزكاة # فالصوم ثم الحج فالجهاد ... وبعدها عبارة تزاد # فيها مؤنة كصاع الفطر ... وعكسها أيضا كما في العشر # وهكذا مؤنة الخراج ... لكنها عقوبة الإخراج # وقد يكون دائرا بينهما ... أعني العقوبات وما تقدما # وهي الكفافير فليس تجب ... إن أحدث الصبي والمسبب # وقد يكون قائما بنفسه ... وذاك في المعدن نحو خمسه # وقد يجي عقوبة ونوعا ... هذا إلى الكامل والنقص معا # فكامل إن حل نفس الجاني ... وناقص في المال لا الأبدان # من حقوق الله فروع العبادات، وهي الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد ~~ووضائفها، وإنما سميت هذه العبادات فروعا لأن صحتها مبنية على حصول ~~الإيمان، فلا صلاة لمن لا إيمان له، وهكذا البواقي فكان الإيمان أصلا لها، ~~ومنها عبادة فيها مؤنة، كصاع الفطر فإن جهات العبادة فيها كثيرة، مثل: ~~تسميتها صدقة، وكونها طهارة للصائم، واشتراط النية في أدائها، ونحو ذلك مما ~~هو من أمارات العبادة، ولما فيها من معنى المؤنة لم يشترط لها كمال الأهلية ~~المشروطة في العبادات، فوجبت في مال الصبي والمجنون الغنيين اعتبارا لجانب ~~المؤنةن ومنها مؤنة فيها عبادة، كما PageV02P243 في العشر، والمراد به زكاه ~~أرض المسلم، ولكونه عبادة لا يؤخذ ابتداء من الذمي، ومنها مؤنة فيها عقوبة ~~كالخراج، والمراد به ما يؤخذ من أهل الذمة من الجزية، وغيرها مما يصطلحون ~~عليه من المسلمين، ومنها حقوق دائرة بين العبادة والعقوبة، وهي الكفلفير% ~~فإن في أدائها معنى العبادة؛ لأنها تؤدى بما هو محض العبادة، وهو الصوم ~~والتحرير والإطعام، وتجب بطريق الفتوى، ويأمر من هي عليه بالأداء بنفسه من ~~غير أن يستوفي منه كرها، والشرع لم يفوض إلى المكلف إقامة الشيء من ~~العقوبات على نفسه، بل جعل ذلك إلى الأئمة يستوفونه بطريق الجبر، وفي ~~وجوبها معنى العقوبة؛ لأنها لم ms438 تجب لإجزاء الفعل المحظور الذي يوجد من ~~العباد، ولذا سميت كفارات؛ لأنها ستارات للذنوب، فلم تجب الكفارات على ~~المسبب كحافر البئر؛ لأن الكفارة جزاء المباشر لا التسبب، ولا على الصبي؛ ~~لأن فعله من حيث هو فعله لا يوجب الجزاء؛ لأنه لا يوصف بالتقصير، ومنها حق ~~قائم بنفسه، أي ثابت بذاته من غير أن يتعلق بذمة عبد يؤديه بطريق الطاعة ~~كخمس الغنائم والمعادن، فإن الجهاد حق الله تعالى إعزازا لدينه وإعلاء ~~لكلمته، فالمصاب به كله حق الله تعالى إلا أنه جعل أربعة أخماسه للغانمين ~~امتنانا، واستبقى الخمس حقا لاحقا له لزمنا أداؤه # طاعة وكذا المعادن، ومنها ما هو محض عقوبة، وهو نوعان: كامل وناقص. # - فالكامل منه: ما وقع في نفس الجاني، كحد قاطع الطريق وحد الزاني ~~والسارق وشارب الخمر، فإن هذه الحدود كلها حقوق الله تعالى، وهي محض عقوبة ~~للجاني، ولونها حقا خالصا لله تعالى لا تسقط بالعفو عنها من العباد، ~~ولكونها عقوبة لا يليها إلا الإمام أو من يقوم مقامه. # - وأما النوع الناقص: فهو ما حل في مال الجاني دون بدنه، كحرمان القاتل ~~الميراث، فإن حرمانه حق لله تعالى، فلا يصح لأحد توريثه، ولكونه بمنزلة ~~الغرم، صار عقوبة للجاني، ورادعا من تعجيل الميراث بالقتل، والله أعلم. PageV02P244 # ثم إنه أخذ في بيان المحكوم عليه وهو المكلف، فقال: # ** الركن الرابع في المحكوم عليه ** # ويجب الحكم على المكلف ... بعد حصول صفة التكلف # وهي التي تعرف بالأهلية ... عندهم وهي كمال القدرة # في عقله وهي كمال قوته ... وجسمه وهي تمام صحته # لكن في قوة عقله خفا ... وبالبلوغ حاله قد كشفا # يجب الحكم الشرعي على المكلف، وهو من وجدت فيه صفة التكليف، وهي كمال ~~قوته في بدنه وعقله، فأما كمال قوته في عقله، فهو بلوغ العقل مبلغ العقول ~~الكاملة، وأما كمال قوته في بدنه؛ فهي تمام صحته، وهذه الحالة التي هي كمال ~~العقل والبدن هي التي تعرف عند الأصوليين بالأهلية، فمن اجتمعتا فيه كان ~~أهلا للتكليف، ومن نقص عنه شيء منهما سقط عنه من أعباء التكليف ms439 ما يناسب ~~ذلك الناقص كما شرع في أحكام الأعذار، كالسفر والمرض وغيرهما حتى لو فقد ~~العقل رأسا رفع عنه التكليف رأسا، ولما كان في قوة عقل المكلف خفاء لا يدرك ~~حد كمالها جعل الشارع البلوغ علامة كاشفة عم ذلك، فمن بلغ الحلم منا عرفنا ~~أنه قد كمل عقله الكمال الذي علذق الشارع الحكم عليه إلا إذا ظهر لنا منه ~~خلاف ذلك؛ فنعطيه حكم ما ظهر من حاله، فصحة الجسم والعقل شرطان لوجود ~~التكليف والبلوغ علامة على كمال عقله، ثم إنه في نفس البلوغ خفاء ذلك، فنصب ~~له العلامات الظاهرة، كإنبات الشعر والاستحلام والحيض وتكعب الثديين في ~~المرأة ونحو ذلك مما هو مذكور في فن الفقه، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان أحكام الصبي قبل بلوغه، فقال: # فالطفل ما دام ببطن أمه ... يعطى له هناك بعض حكمه # فيعطى ما أوصي له والنسب ... وإرثه وما عليه يجب PageV02P245 حتى إذا من ~~في بطنها انفصل ... صار عليه ماله كان أهل # كفطرة الأبدان والزكاة ... وماله اضطر من الأقوات # وهكذا فيخرج الوصي ... من ماله ذلك والولي # ويثبت الملك له عقد الولي ... والبيع والنكاح مهما يقبل # وما عليه أبدا من قبل أن ... يبلغ شيء من عبادات البدن # كالصوم والصلاة والحج وما ... أشبهها من واجب قد لزما # والاعتقاد غير لازم له ... أيضا فلا يشرك إن أهمله # وبعد أن يبلغ صار أهلا ... لماله وما عليه فعلا # أو اعتقادا وعليه تجري ... أحكام إيمان له وكفر # اعلم أنه لما ذكر أن أهمية التكليف هي صحة البدن وقوة العقل، وأن ذلك لا ~~يكون إلا في البالغ، احتاج إلى ان يبين التكليف المشروط بتلك الأهلية، فذكر ~~أن ذلك التكليف هو إلزام العبد ماله وما عليه فعلا واعتقادا، أما ما عدا ~~ذلك من الأحكام فقد تكون لغير البالغ الصحيح، فالصبي قبل البلوغ يعطى ~~أحكاما هو لها أهل، منها ما يكون له وهو في بطن أمه، وذلك ان الوصية له وهو ~~في بطن أمه ثابتة له، ويثبت له نسبة، فيلحق بأبيه، ويثبت له الميراث ms440 ممن ~~يرثه، فيوقف له المال حتى يعلم أنه ذكر أم أنثى، ثم يقسم بعد ذلك، فجميع ~~هذه الأحكام ثابتة للطفل وهو في بطن أمه، ولا يجب عليه شيء ما دام في ~~بطنها، حتى إذا انفصل من بطنها توجهت إليه أحكام أخر، منها فطرة الأبدان، ~~وزكاة المال، وما يضطر إليه من الأقوات، ونفقة من يلزمه عوله من الأقارب ~~والمماليك والزوجات، ويثبت له الشراء والتزويج بعقد الولي له ذلك على مذهب ~~من أجاز تزويج الصبي، فيخرج الولي من مال الصبي ما على الصبي في ماله، وإن ~~كان له وصي من قبل أبيه؛ فيخرجه الوصي على وفق الشرع، وما على PageV02P246 ~~الصبي قبل بلوغه شيء من العبادات البدنية والاعتقادية، لكن يؤمر الولي ~~بتمرينه على فعل الطاعات، وتعليمه معالم الإسلام؛ فيعلمه الصلاة، وهو ابن ~~سبع، ويضربه على تركها، وهو ابن عشر، وكذا يعلمه ما يحتاج إليه من أمور ~~دينه ودنياه، فلو ترك الصبي الصلاة والصوم أو الحج أو نحو ذلك من العبادات ~~البدنية لم يصح أن يوصف بالفسق، لو كان بمنزلة من الفطانة والنباهة، وكذلك ~~لا يصح أن يوصف بالشرك إذا أهمل الاعتقاد في توحيد الله تعالى؛ لأنه لم ~~يبلغ حد التكليف، ومن لم # يكن كذلك فلا يوصف بأنه مشرك، نعم قد تجري عليه أحكام المشركين بسبيل ~~التبعية لأبويه أو لحكم الدار، فيسبى في الغنائم، ويقتل إن قاتل في حال ~~الحرب، فإذا بلغ الصبي الحلم صار أهلا لأداء العبادات الاعتقادية والفعلية، ~~ولزمه أداء ما وجب عليه، وترك ما نهي عنه اعتقادا وفعلا، وجرت عليه بعد ذلك ~~أحكام الحال الذي يكون عليه من إسلام وكفر، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان العوارض العارضة على الأهلية، فقال: # ذكر العوارض التي تعتري الأهلية # وتعتري أهلية الأداء ... عوارض جاءت من السماء # وهي الجنون عته وصغر ... رق ونسيان ونوم يخطر # والحيض والنفاس موت مرض ... وهكذا الإغماء حين يعرض # وسفه وسفر مع هزل ... وبعضها مكتسب كالجهل # والسكر والخطاء والجبر وقد ... أتى لكل واحد حكم يعد # اعلم أن الأهلية نوعان: أهلية ms441 وجوب وأهلية أداء. # - فأما أهلية الوجوب: فهي عبارة عن صلاحية العبد لتعلق حكم الخطاب عليه، ~~كتعلق وجوب الصلاة على النائم والناسي، حتى وجب عليهما قضاؤها، وكوجوب ~~الصوم على المسافر المفطر، حتى وجب عليه قضاؤه، وكذلك الحائض PageV02P247 ~~والنفساء. # - وأما أهلية الأداء: فهي عبارة عن صلاحية العبد لأداء تلك العبادة. # وأهلية الوجوب أعم مطلقا من أهلية الأداء؛ لأنها تكون في الأعذار وغيرهم، ~~حتى الصبي فيتعلق وجوب الزكاة ونحوها في ماله، وكذا المجنون، وأهلية الأداء ~~لا تكون إلا فيمن يصلح للأداء، وقد تعتريها عوارض منها ما يزيل أهلية ~~الأداء بالكلية، كالصغر والجنون والعته، ومنها مالا يزيلها بالكلية كالجهل ~~والهزل وأشباههما. # وهذه العوارض منها ما يكون سماويا: وهي الجنون والعته والصغر والرق ~~والنسيان والنوم والحيض والنفاس والموت والمرض والإغماء، ومنها مكتسب: وهي ~~الجهل والخطأ والهزل والسفه والسفر والسكر والإكراه، ومعنى كون الأول ~~سماويا؛ لأنه لا كسب للعبد في وجوده، ومعنى كون النوع الثاني مكتسبا؛ هو أن ~~العبد له في حصوله كسب، وذلك الكسب ظاهر في نحو السفر والسكر والهزل، وخفي ~~في نحو الجهل والخطأ، وبيانه أنه لما كان العبد قادرا على التعلم، وقد أمر ~~بذلك، ثم ترك الطلب لإزالة الجهل، كان كمن اكتسب الجهل مختارا، وأما الخطأ ~~فهو أن العبد له فيه كسب من حيث أنه تعمد لفعل ذلك الشيء في غير من وقع ~~عليه، فالكسب حاصل وإن اختلف القصد، ولكل واحد من هذه العوارض أحكام شرع ~~بيانها، فقال: # فللجنون مطلقا حكم الصغر ... كذلك المعتوه حكما معتبر # إذ بالجنون يعدم العقل وما ... في الطفل إلا نقصه فليعلما # حكم الجنون والعته حكم الصغر في جميع ما مر، وذلك أن الجنون مزيل للعقل ~~بالكلية، وليس في الصبي إلا نقصان العقل، فالمجنون أولى برفع التكليف من ~~الصبي، وأما العته فهو نوع من الجنون، وحكمه حكمه، والله أعلم، ثم قال: # ويسقط النسيان حق الله ... إن لم يكن مقصرا ذا الساهي PageV02P248 وإن ~~يكن مقصرا يلزمه ... ومطلقا حق الورى يغرمه # اعلم أن النسيان مسقط لحق الله عن العباد إذا لم ms442 يكن الناسي مقصرا في ~~ذلك، فلا إثم على من فوت الصلاة والصوم أو نحوهما نسيانا، وكذلك لا كفارة ~~عليه لعدم تقصيره؛ لأن الكفارات نوع عقوبة، ولا عقوبة على غير المقصر، أما ~~لو قصر في أداء ذلك الواجب؛ فإنه يلزمه على تقصيره ما يلزم المقصر، مثاله: ~~لو سهى المصلي حتى أكل أو شرب أو اضطجع نائما أونحو ذلك؛ فإنه يكون في هذه ~~الصورة ونحوها مقصرا، إذ لو لم يكن مقصرا في المحافظة علىعبادته لما سهى ~~هذا السهو، هذا في حق الله، وأما في حق عباده؛ فلا يسقط بالنسيان، بل يجب ~~عليه عزمه مطلقا، ولا إثم عليه فيما أتلفه بالنسيان؛ لأن حرمة الإتلاف من ~~حقوق الله تعالى، بمعنى أنه تعالى هو الذي حرم ذلك، والله أعلم، ثم قال: # وبالمنام أخر الخطاب عن ... صاحبه ولازم بعد الوسن # وألغيت ألفاظه فلا يتم ... بلفظه بيع وتزويج علم # والعفو عنها في الصلاة ثبتا ... فالنقض لا نقض لمن بها أتى # واعط كحكم النوم للإغماء ... إلا لدى الصلاة في البناء # فإنه ينقضها كالصوم ... لندرة الوقوع دون النوم # للنوم حكمان: # - أحدهما تأخير تعلق الخطاب إلى حال اليقظة، فإن النائم لعجزه عن فهم ~~الخطاب لا يناسب أن يتوجه إليه الخطاب، ولإمكان فهم الخطاب منه بالانتباه ~~لم يسقط الخطاب عنه رأسا، لكن أخر عنه إلى ان يستيقظ، واستدلوا على بقاء ~~وجوب الخطاب في حق النائم بقوله - صلى الله عليه وسلم - : "من نام عن صلاة ~~أو نسيها؛ فليصلها إذا ذكرها"، قالوا: لو لم يكن الوجوب ثابتا في حق النائم ~~والناسي ما أمروا بالقضاء. # - والحكم الثاني: إلغاء ألفاظه، فلا توصف ألفاظ النائم بخبر ولا استخبار ~~ولا إنشاء، ولا يتمذ بلفظه بيع ولا شراء ولا تزويج ولا طلاق ولا عتق ونحو ~~ذلك؛ PageV02P249 لعدم القصد والإرادة فيها، ولأجل ذلك قال بعضهم بثبوت ~~العفو عنها في الصلاة، فلا تنقض صلاة من تكلم فيها وهو نائم؛ لعدم القصد ~~والإرادة في ذلك، وقيل: إنها تنتقض بالكلام في اليقظة والنوم أخذا بظاهر ~~الحديث: "إن صلاتنا لا يصلح فيها شيء ms443 من كلام الآدميين". # وحكم الإغماء حكم النوم في جميع ما مر؛ لأن الإغماء أشد في ذهاب الحواس، ~~وأكثر منافاة للقصد والإرادة من النوم، فما ثبت للنوم من الأحكام؛ فهو ثابت ~~للإغماء بطريق الأولى، لكن استحسنوا نقض الصلاة والصوم بالإغماء دون النوم؛ ~~لندرة وقوع الإغماء، أي لما كان الإغماء لا يقع في الإنسان إلا نادرا ~~استحسن الفقهاء نقض الصلاة والصوم به؛ لأنه حدث لا يؤمن معه الحدث، وهو ~~مزيل للحواس، فتعاد معه الصلاة إذا طرأ فيها، لا إذا أغمي عليه قبل وجوبها ~~ثم مضى وقتها، وهو لم يفق من إغمائه؛ فإنه لا قضاء عليه في مثل هذه الصورة، ~~بخلاف النوم صرح بذلك الإمام الكدمي رضوان الله عليه، أما لو دخل وقتها وهو ~~صحيح أو صحا من إغمائه قبل خروج وقتها؛ فعليه قضاؤها؛ لتعلق الوجوب عليه ~~بتمام صحته في بعض وقتها، ويعيد الصيام إذا أغمي عليه من الليل حتى أصبح، ~~فلو استمر به الإغماء ليالي وأياما كان عليه بدل تلك الأيام كلها، كذا قال ~~أبو عبد الله رحمه الله تعالى، واستثنى من ذلك اليوم الذي أصبح فيه صحيحا، ~~ثم أغمي عليه في النهار، قال: "لا بدل عليه فيه"، قال أبو سعيد رحمه الله ~~تعالى: "ولا أعلم في ذلك اختلافا"، وقيل: لا بدل عليه حتى الأيام التي أصبح ~~فيها مغميا عليه؛ لأنه في ذلك بمنزلة النائم، وحاصله أنه إذا رطأ عليه ~~الإغماء نهارا فلم يحدث حدثا ينقض الصوم، فلا قضاء عليه؛ لأنه بمنزلة ~~النوم، وإن طرأ عليه ليلا ثم أصبح كذلك؛ ففي لزوم القضاء عليه قولان، اختار ~~أبو عبد الله أن يقضي، واختار أبو سعيد أن لا قضاء عليه، والله أعلم، ثم قال: # والرق ينفي الملك للأموال ... وهكذا ينفي كمال الحال PageV02P250 فالعبد ~~لا إرث له ولا يحل ... أن يتسرى أبدا وإن كمل # ولا ينال منصب الخلافة ... أو القضا أومنصب الشهادة # الرق: عبارة عن كون الإنسان مملوكا لإنسان آخر، وأصله عارض سماوي، جعله ~~الله تعالى عقوبة للكفار على كفرهم؛ لأنهم لما شابهوا البهائم في ms444 أحوالها ~~اختيارا منهم لذلك؛ عاقبهم الله تعالى على ذلك بجواز رقهم، ثم يكون ذلك ~~الرق حقا للعباد، فلا ينتقل بإسلام الرقيق، وإن صار من المخلصين، وهذا الرق ~~ينفي الملك للأموال، وينفي كمال الأحوال، فلا يستحق العبد الميراث من أبيه ~~أو قريبه، ولا يحل له أن يتسرى وإن أذن له سيده في ذلك؛ لأن التسري إنما هو ~~ثمرة ملك الرقبة، ولا ملك للرقيق، وهكذا سائر الأحكام المالية، فإنه لا ~~يثبت بيعه ولا شراؤه ولا عطيته إلا بإذن مالكه، هذا كله تفريع على عدم ~~صلاحية الرق للملك المالي، وأما منافاته لكمال الحال؛ فمن فروعها أنه لا ~~يكون خليفة ولا قاضيا ولا تقبل شهادته ونحو ذلكن فإن هذه الأشياء إنما تكون ~~مع كمال الحال، ولا كمال للعبد، فلا يكون أهلا لها، وكذلك لا يعطى السهم من ~~الغنيمة لكن يرضخ له؛ لأن السهم من الغنيمة إنما هو كرامة للمجاهد، ولا ~~كرامة للعبد، وله أحكام أخر مختصة به دون الحر مرجع جميعها إلى هذه ~~القاعدة، إما إلى نقص في المالكية أو في كمال الحال، وبسط أحكامه في فن ~~الفقه، والله أعلم، ثم قال: # وبالمحيض والنفاس أخرا ... صيامها عنها إلى أن تطهرا # ووجب القضاء بعد الطهر ... ورفعت صلاتها لليسر # وكصيامها الطواف ومنع ... دخولها مسجدنا فلتمتنع # ومنعت تلاوة القرآن إذ ... شرط الطهارات لكل قد أخذ # للحيض والنفاس أحكام، ذكر المصنف منها ما ناسب المقام، وبسط باقي الأحكام ~~في فن الفقه، فمن أحكامهما أن الصلاة والصيام مؤخران PageV02P251 عن الحائض ~~والنفساء إلى أن تطهر، بمعنى أنه لا يلزم الحائض ولا النفساء أن تصلي أو ~~تصوم، بل ولا يجوز لها ذلك إلى أن تطهر، فإذا طهرت وجب عليها قضاء الصيام ~~دون الصلاة، فإن الصلاة لا يلزمها قضاؤها إلا ركعتي الطواف، والفرق بين ~~الصلاة والصوم في ذلك أن الصلاة متكررة في كل يوم وليلة، بخلاف الصيام فإنه ~~لا يجب في السنة إلا مرة واحدة، فرفع الشارع عنها قضاء الصلاة دفعا للمشقة ~~وطلبا للتخفيف، وألزمها قضاء الصيام إذ لا مشقة عليها في ms445 قضائه؛ لعدم تكرره ~~في السنة الواحدة، وكذلك قضاء ركعتي الطواف، فإنها تكون كالصوم لعدم المشقة ~~فيها، لعدم تكررها، ومثل الصوم الطواف بالبيت والاعتكاف، فإنها إذا أحرمت ~~بحجة أو عمرة أو دخلت في اعتكاف، ثم طرأ عليها الحيض أو النفاس قبل أن تتم ~~عملها جاز لها أن تفعل في حجها ما يفعله الحاج من المناسك إلا الطواف ~~بالبيت، فإنها تؤخره إلى أن تطهر ثم تطوف، وكذلك ركعتا الطواف، فإذا طافت ~~بالبيت، وبقي عليها الركعتان، وحاضت قبل أن تصليهما؛ فإنها تؤخرهما إلى أن ~~تطهر، ويلزمها ترك اعتكافها إلى أن تطهر، ثم تعود إلى معتكفها، فتتم ~~الاعتكاف الذي دخلت فيه، وإنما منعت من تمامه وهي حائض أو نفساء؛ لأن الصوم ~~شرط في صحته، ولا يصح لها أن تصوم، ولأن الاعتكاف عبادة كالصيام، ومن شرط ~~الصيام الطهارة من الحيض والنفاس، وكذلك حكم ما شابهه، والطواف صلاة بنص ~~الشارع، فالطهارة شرط له. # ومن أحكامهما أنه لا يصح للحائض ولا النفساء أن تدخل المسجد قياسا على ~~منع الجنب من دخوله، وذلك معنى قوله تعالى: { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ~~حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } (النساء: 43)، ~~واختلفوا في جواز قضاء الجنب حاجته من المسجد من غير أن يدخل المسجد لكن ~~يمد يده إلى ذلك، فكره بعضهم ذلك؛ لثبوت منعه من دخوله، ولأن دخول يده فيه؛ ~~دخول فيه، في بعض ما قيل: إنه لو حلفت PageV02P252 لا تدخل بيتا، فأدخلت ~~يدها فيه، أنها قد دخلته، ولم ير أبو المؤثر بذلك بأسا، وكأنه لم يعد دخول ~~اليد في المسجد دخولا فيه، واشترط بعضهم أن لا يمس بدنه جدار المسجد. # ومن أحكامهما أنه لا يصح للحائض والنفساء قراءة القرآن، وكذلك الجنب، ~~ورخص أبو المؤثر في قراءتها القرآن من غير أن يتحرك بها لسانها، وكأنه لم ~~ير ذلك قراءة، فهو يشترط في القراءة تحرك اللسان بها، وهو الظاهر؛ لأن ~~ماعدا ذلك يكون تكييفا لا قراءة، ولا تجزئ الصلاة به، فلا يعطى أحكام ~~القراءة، وقال جابر بن ms446 زيد: "الحائض لا تتم الآية"، وقال أبو سعيد: "معي ~~أنه يخرج في معاني الاتفاق من قول أصحابنا أنه لا تقرأ الحائض والجنب ~~القرآن، لا لمعنى الضرورة أو سبب يوجب ذلك"، قال: "ومعي أنه قد أتى ما يشبه ~~هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إلا الآية والآيتين يتعوذ ~~بهما""، وكذلك لا تمس الحائض ولا النفساء ولا الجنب المصحف لقوله تعالى: { ~~لا يمسه إلا المطهرون } (الواقعة: 79)، ورخص أبو المؤثر للجنب والحائض في ~~حمل المصحف بسيره، وكأنه لم ير ذلك مسا له وهو ظاهر، وإنما منعت الحائض ~~والنفساء من دخول المسجد وقراءة القرآن ومس المصحف؛ لأن الطهارة من الحيض ~~والنفاس شرط لجواز كل واحد من هذه الأشياء، أما دخولها المسجد فمقيس على ~~الجنب كما مر، وأما قراءة القرآن؛ فلأنه لما ثبت بنص الكتاب منع مس المصحف ~~إلا المطهرين، وكان استحقاق المصحف لذلك لكون القرآن مكتوبا فيه، كان منع ~~غير المطهر من القراءة أولى مع ما مر من الحديث الذي نقله الإمام أبو سعيد ~~رضوان الله عليه، والله أعلم، ثم قال: # ومرض الجسم به يحط ما ... من العبادات مشقا عليما # وقد يكون سببا للتلف ... فيوجب الحجر عن التصرف # فبيعه رد كذاك هبته ... وجوزت من ثلثه وصيته # وصح أن يخرج حق الله ... من ماله لو كان نضوا واهي PageV02P253 أضاف ~~المرض إلى الجسم ليخرج به مرض العقل، وهو الجنون والعته، قد مر حكمهما. ~~اعلم أن مرض الجسم لا ينافي أهلية الحكم سواء كان من حقوق الله تعالى ~~كالصلاة والزكاة، أو من حقوق العباد كالقصاص ونفقة الأزواج والأولاد ~~والعبيد، وكذلك لا ينافي أهلية العبادة؛ لأنه لا يخل بالقول، ولا يمنعه من ~~استعماله، حتى أنه يصح نكاح المريض وطلاقه وإسلامه، وسائر ما يتعلق ~~بالعبادة، لكن لما كان المرض موجبا للعجز، كان سببا لحط بعض العبادات، فيحط ~~عن المريض ما يشق عليه من العبادة، فكلما ازداد المرض قوة؛ حط عنه من ~~العبادة درجة، كما ظهر ذلك في لصلاة والصيام، وكان ينبغي أن لا يتعلق بماله ~~حق ms447 للغير، ولا يثبت الحجر عليه بسببه، لكنه إذا ظهر أنه سبب موتهو علة ~~لخلافة الوارث والغريم في المال، فكان المرض سبب تعلق حق الوارث والغريم في ~~المال؛ لأن أهلية الملك تبطل بالموت، فيخلفه أقرب الناس إليه، والذمة تزول ~~بالموت، فيصير المال الذي هو محل قضاء الدين مشغولا بالدين، فيخلفه الغريم ~~في المال، فيوجب المرض الحجر على المريض في مقدار حق الوارث والغريم، فيحجر ~~عليه التصرف فيما عدا ثلث المال؛ لأن حق الوارث في الثلثين، ولنا الثلث ~~صدقة من الله علينا زيادة في أعمالنا، ويحجر عليه التصرف في قدر حق الغريم، ~~فإن كان حق الغريم مستغرقا للمال أوجب الحجر في المال كله، وإن كان دون ~~ذلك؛ فيكون الحجر في قدره. # ولا حق للوارث والغريم في قدر نفقة المريض وأجرة الطبيب وشراء الدواء، ~~ونحو ذلك مما لا بد للمريض منه، فإنه مقدم على حق الوارث والغريم؛ فيثبت ~~تصرف المريض في ذلك، وغن كان المال مستغرقا بالدين مثلا، وتصح وصيته من ~~الثلث إن لم يكن في المال حق لغريم، وإن كان فيه حق لغريم؛ فتصح وصيته في ~~ثلث الباقي بعد حق الغريم، يصح له أن ينفذ حق الله من المال، كالزكاة ~~ونحوها من الحقوق، ولو بلغ في المرض مبلغا عظيما؛ لأن المرض لا ينافي ~~الأهلية PageV02P254 كما مر، ولا حق للغريم ولا للوارث في حق الله تعالى، ~~فيصح للمريض إخراج حق الله تعالى من ماله، والله أعلم، ثم قال: # والموت عجز خالص فإن وجد ... فسائر التكليف عنده فقد # إلا ضمان من كبير حفرا ... معتديا يلزمه ما كسرا # وأجر ما سن من الخير وما ... سن من الشر به قد أثما # مع جزاء سائر الأعمال ... من الهدى كان أو الضلال # ويوجب انتقال حكم المال ... وآذن التزويج بانفصال # لكن لها تغسيله وقيل لا ... ورجح الجواز ما قد نقلا # والدين من ذمته قد انتقل ... وصار في ذمة من كان كفل # أو صار في المال مقدما فلا ... يأخذ وارث سوى ما فضلا # من دينه جهازه وصيته ... ويقسم الوارث باقي ms448 تركته # اعلم أن الموت عجز خالص مناف للقدرة، بخلاف سائر العوارض، فيسقط معه ~~التكليف، فلا يكون الميت مكلفا بشيء من هذه التكاليف التي على الأحياء، لكن ~~يتعلق به أحكام، منها: # - ضمان ما كان سببا له، كما لو حفر بئرا في أرض الغير متعديا في حفره؛ ~~فإنه يكون ضامنا لما أتلف ذلك البئر، ويؤدى ذلك من ماله في حياته، ويبقى ~~عليه إثمه بعد موته، ولا يلزم أداء ما وقع في البئر بعد موته من تركته؛ لأن ~~الذي تركه صار مالا للوارث، فلا يلحق بضمان لم يثبت في ذمة الهالك قبل ~~موته، وإنما ألزمناه لإثم ما وقع في البئر بعد موته؛ لأنه سبب لذلك؛ فهو ~~عليه ما لم يتب منه، وتوبته منه إنما تكون بعد إزالة الاعتداء، ومنها أنه ~~يعطى أجر ما سن من الخير، وعليه وزر ما سن من الشر؛ لأن: "من سن سنة حسنة ~~فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ~~ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة"، فأجر الحسنة الحسنة ثابت له PageV02P255 ~~بعد موته على تعدد العاملين بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء، وكذلك وزر ~~السيئة السيئة. # - ومنها ثبوت جزاء أعماله التي عملها في دار الدنيا، فإنه يجزي عن الحسنة ~~بعشر أمثالها، ويجازي عن السيئة بمثلها، وهذا النوع على أربعة أقسام: # *الأول: ما يجب له على غيره بسبب ظلم الغير عليه، إما في ماله أو نفسه أو عرضه. # * الثاني: ما يجب للغير عليه من الحقوق بسبب ظلمه على الغير. # *الثالث: ما يلقاه من الثواب والكرامة بسبب الإيمان والطاعات. # *الرابع: ما يلقاه من الآلام والفضائح بسبب المعاصي، وارتكاب القبائح. # - ومنها أن الموت يوجب انتقال حكم المال إلى الوارث على وفق القسمة ~~الشرعية، فيأخذ الوارث ما يبقى له من بعد جهاز الميت ودينه ووصيته. # - ومنها أنه يوجب بينونة التزويج، فيصح في الحال أن يتزوج أخت الميتة، ~~وأن يتزوج أربعا غير الميتة، لكن لها أن تغسله ما دامت في عدته؛ لأن ~~التزويج ms449 إنما شرع لحاجة الرجل، ومن حاجته جهازه بعد موته، وقيل: ليس لها أن ~~تغسله لانقطاع الزوجية بالموت، وقيل: بل تغسله، ويغسلها؛ لأن جهاز الميت ~~منهما تابع للزوجية، وهو من بعض حقوقها، ورجح الجواز مطلقا ما نقل عن عائشة ~~رضي الله عنها أنها قالت: "لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل النبي ~~- صلى الله عليه وسلم - غير نسائه"، وكذلك ما روي عنها أنها قالت: "رجع ~~رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البقيع وأنا أجد صداعا في رأسي، وأنا ~~أقول: وارأساه، فقال: بل أنا يا عائشة وارأساه، ثم قال: ما ضرك لو مت قبلي، ~~فقمت عليك فغسلتك، وكفنتك وصليت عليك ودفنتك"، قال أنس%: "أوصى أبو بكر ~~الصديق - رضي الله عنه - أن تغسله زوجه أسماء، فغسلته، وكذلك أوصت فاطمة ~~بنت عميس أن يغسلها زوجها علي بن أبي طالب، وأسماء فغسلاها، وكذلك غسل ابن ~~مسعود امرأته، وكذلك قال ابن عباس: الرجل أحق بغسل امرأته من النساء، وكذلك ~~كانت الصحابة يغسلون أزواجهم، وتغسلهم PageV02P256 أزواجهم. # - ومنها أن الدين ينتقل من ذمة الميت إلى ذمة الكفيل إن كان له كفيل، ~~فيلزم الكفيل قضاء دينه، وله أن يأخذه من مال الهالك، فإن لم يكن له كفيل ~~تعين الدين في مال الهالك، وعلى الورثة قضاؤه، فلا يؤخذون من ماله إلا ما ~~فضل من دينه وجهازه ووصيته، أما الدين والوصية فلقوله تعالى: { من بعد وصية ~~يوصي بها أو دين } (النساء: 11)، وأما الجهاز فلأنه من حقوق الميت، وهو أمر ~~يحتاج إليه بعد موته، وحقه في ماله مقدم على حق غيره، فالوارث إنما يؤخذ ما ~~لا يحتاج إليه بعد موته على سبيل الإخلاف له حتى لو لم يترك إلا مقدار ~~جهازه لما صح للوارث أخذ شيء منه، بل ينفذ في جهازه، فإن استغني عنه بغيره، ~~كما لو تصدق عليه بالجهاز أو مات حيث لا يقدر على تجهيزه؛ كان ما تركه ~~للوارث؛ لأن حق الميت فيه إنما هو قضاء حاجته منه، وقد استغنى عنه، فبقي ~~للوارث بحكم الكتاب، والله أعلم ms450. # ثم إنه أخذ في بيان العوارض المكتسبة، فقال: # ذكر العوارض المكتسبة # والمرد بها ما يكون للمكلف سبب في وجودها، وهي أشياء، منها الجهل، وقد ~~شرع في بيانه، فقال: # والعارض الكسبي مثل جهل ما ... قد أوجب المنان أي أن يعلما # والجهل منه باطل لا يقبل ... ديانة ومنه أيضا يقبل # ومنه ما يصلح عذرا فاعلما ... ومنه أيضا دون ما تقدما # فأول الأقسام مثل جهل من ... يعبد من دون إلهه الوثن # فإن هذا جاهل وجهله ... محرم في كل شرع فعله # وحكمه إجراء حكم الشرع ... عليه أن أجابنا بالسمع # وحربه حتى يدين إن أبى ... ولا يصح صلحه إن غلبا # وإن رأى الإمام صلحه فعل ... إن كان في الحرب على الدين خلل PageV02P257 ~~من العوارض المكتسبة: الجهل، وهو بالنظر إلى حال الجاهلين على أربعة أقسام، ~~لأنه إما أن يكون جهلا غير قابل للديانة، كجهل من يعبد الأصنام، فإن عبادة ~~الأصنام لا تطون دينا في شيء من الشرائع، ولا يقبل العقل جعلها دينا، وإما ~~أن يكون قابلا للديانة، كجهل النصارى شريعة نبينا محمد - صلى الله عليه ~~وسلم -، فإن النصرانية الخالصة المحقة كانت دين نبي الله عيسى عليه السلام، ~~فهذان القسمان والقسم الثالث دون ما تقدم من جهل عابد الصنم والنصارى، وهو ~~جهل المتأولين الضالين من هذه الأمة، وجهل البغاة المتمردين، والقسم ~~الرابع: جهل يكون عذرا للملتبس به، كأكل لحم الخنزير المقطع، وهو لم يعلم ~~أنه لحم خنزير، ولكل واحد من هذه الأقسام أحكام يأتي بيانها الأول فالأول. # - فأخذ أولا في بيان القسم وهو ما لا يقبل الديانة، فذكر أنه مثل جهل من ~~يعبد الصنم من دون إلهه تعالى، فإن عبادة الأصنام لم تكن في حال من ~~الإسلام؛ فهي باطل في جميع الشرائع، فالمتمسك بها متمسك بظلال ظاهر؛ لظهور ~~الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة على بطلانها، ولهذا كان حكم أهل هذا ~~النوع إجراء حكم الشرع عليهم. # اعلم أن عباد الأصنام وأشباههم إذا دعوا إلى الإسلام، أما أن يجيبوا ~~بالسمع والطاعة فلهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين، فتجري لهم ms451 ~~وعليهم أحكام الإسلام، وأما أن يأبوا عن الإسلام، ويمتنعوا من قبول ~~الأحكام؛ فحكمهم أن يناصبوا الحرب، ويقعد لهم بكل مرصد، ويضيق عليهم ~~المسالك حتى يدخلوا في الإسلام، فليس لهم إلا الإسلام أو السيف، أما صلحهم؛ ~~فلا يصح إذا كان المسلمون ذوي قدرة عليهم، ورجوا النصر في الحال، أما إذا ~~كان في الحرب خلل على الدين، ورأى الإمام أن الصلح أقوى لأمر المسلمين كان ~~له أن يصالحهم انتظارا للنصر، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع ~~مشركي العرب، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان القسم الثاني من الجهل، وهو الجهل الذي يقبل الديانة، فقال: PageV02P258 # والثاني مثل جهل أهل الكتب ... من قبلنا من عجم أو عرب # بردهم كتابنا وشرعنا ... فجهلهم يوجب عنهم دفعنا # فيدفع اعتراضنا عليهم ... في كل ما دانوا لديهم # كأكل خنزير وشرب خمر ... ومثل تزويج ذوات الحجر # ويضمن المتلف خمرهم وما ... دانوا بحله جميعا غرما # أما الربا فقد نهوا عن فعله ... فيمنعون من ركوب مثله # هذا إذا تمسكوا بذمة ... والحرب حتى يذعنوا بالجزية # القسم الثاني من أقسام الجهل: وهو ما يقبل الدينونة، مثل جهل أهل الكتب ~~السابقة من اليهود والنصارى وغيرهم شريعة نبينا عليه الصلاة والسلام، فإن ~~جهلهم في ذلك قابل للدينونة لا النسب، وسواء كانوا جاهلين بحقية نبينا أم ~~متجاهلين بها، فإنا نقطع أن في اليهود والنصارى من يعرف أن ما جاء به نبينا ~~حق لقوله تعالى: { يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق ~~وهم يعلمون } (البقرة: 146)، لكن لما كان علمهم بذلك غير نافع لهم حيث لم ~~يعملوا بموجبه؛ نزلوا في ذلك منزلة من لا يعلم، فأجرى عليهم أحكام الجاهلين ~~من أهل ملتهم، ولأهل هذا الصنف أحكام ذكر المصنف طرفا منها. # اعلم أن أهل الكتب المتمسكين بشرائعهم على صنفين أهل ذمة وأهل حرب: # - فأما أحكام أهل الحرب منهم، فهي أنهم يناصبون الحرب، وتضيق عليهم ~~المسالك، وتسبى دراريهم، وتغنم أموالهم، وتقتل مقاتلتهم حتى يدخلوا في ~~الإسلام، أو يذعنوا بالجزية أو الصلح، على ما يرى المسلمون ms452. # - وأما أحكام أهل الذمة منهم، وهم الذين أعطاهم الإمام أو من يقوم مقامه ~~ذمة؛ لأدائهم الجزية، أو لصلح فيما بينهم والمسلمين، فهي أنهم يقرون على ~~ديانتهم التي دانوا بها، ولا يصح لنا التعرض عليهم في شيء من ذلك، وإن ~~PageV02P259 أكلوا لحم الخنزير، وشربوا الخمور، وتزوجوا ذوات المحارم، إذا ~~كان في أصل الشرع الذي تدينوا به أن ذلك حلال، كتمسك المجوس في تزويج ذوات ~~المحارم بشريعةت نبينا آدم عليه السلام، فإن في شريعته جواز تزوج الأخت، ~~وقد نسخ ذلك، ولا يثبت الميراث بسبب تزويج ذوات المحارم؛ إذ لم يثبت في ~~شريعة آدم عليه السلام الميراث بذلك، ويجعل لهم من الأحكام جميع ما ثبت في ~~شريعتهم، فيثبت لهم النسب بذلك النكاح، وتجرى عليهم بسببه النفقات وغير ~~ذلك، ما لم يطلبوا حكم المسلمين، فإذا طلبوا ذلك من الإمام أو نائبه؛ أجري ~~عليهم حكم العدل، وكذلك تثبت لهم المعاملة فيما بينهم بنحو الخمر والخنزير، ~~وغيرهما مما هو حلال في دينهم، حتى أنه يضمن من أراق خمرهم، ومن أضاع ~~خنزيرهم، ونحو ذلك لكن يؤمرون بستر ما يخالف شرع المسلمين، ولا يقرون على ~~فعل ما لم يكن في شرعهم، كأكل الربا، فإنهم قد نهوا عنه، لقوله تعالى: { ~~وأخذهم الربا وقد نهوا عنه } (النساء: 161)، ولا يعطون الذمة، ولا عهد لهم ~~حتى يتركوا الربا، ودليل ما تقدم كله قوله - صلى الله عليه وسلم - : ~~"اتركوهم وما دانوا به"، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان القسم الثالث من أقسام الجهل، فقال: # ومنه لكن دون من قد غوى ... معتقدا في دينه زيغ الهوى # بجهله صفاته تعالى ... عن وصفه أو جهله المآلا # ومن بغى على الورى تمردا ... وعاث في الأرض فسادا واعتدى # فجهل ذين لا يكون عذرا ... وإن يكن دون الذي قد مرا # لكنه يرفع بعض الحكم ... فالباغي لا نأخذه بالغرم # وإن يكن أتلف ما قد أتلفا ... إذا أفاء للهدى واعترفا # ومنه أيضا شبهة فتدرأ ... به الحدود وبه قد نبرأ # كمن تسرى أمة لزوجته ... يظنها له كمثل أمته PageV02P260 فإنه يرفع عنه ms453 ~~الرجم ... لجهله بما عليه الحكم # لكنه يبرأ منه إذ عصى ... حتى يؤوب ويتوب مخلصا # القسم الثالث من أقسام الجهل: جهل دون جهل من مر من عباد الأصنام وأهل ~~الكتب السالفة، وذلك لان هذا النوع إنما يكون فيمن اعترف بالإسلام، وهو على ~~أنواع ثلاثة: # - النوع الأول: جهل من اعتقد في دينه الهوى، بجهله صفات المولى - سبحانه ~~وتعالى -، أو بجهله حكم الله في الآخرة، وذلك كجهل الأشعرية، ومن وافقهم في ~~اعتقادهم أن صفات الذات معان حقيقية قائمة بالذات، وفي اعتقادهم أن ذاته ~~تعالى يصح أن ترى، وأنها سترى - سبحانه وتعالى -، وفي اعتقادهم أن الشفاعة ~~لأهل الكبائر من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وي اعتقادهم خروج الفاسق ~~من النار، وهذا كله جهل لما عليه الأدلة الشرعية، والبراهين القطعية، لكنهم ~~تأولوا تلك الأدلة، وقابلوا القواطع بالشبهات؛ فالتبس عليهم الحق بالباطل، ~~والظلال بالهدى، وزين لهم الشيطان سوء أعمالهم؛ فهم يحسبون أنهم على شيء، ~~وما هم على شيء، وحكم هؤلاء أن يبين لهم فساد معتقدهم، ويوضح لهم الحق، فإن ~~قبلوه كانوا إخواننا في الدين، وإن تمادوا في طغيانهم، وتشبثوا بظلالهم ~~دعاهم الإمام إلى الدخول في طاعته، والانقياد لحكمه، فإن أذعنوا بذلك كان ~~لهم مالنا من الأحكام، وعليهم ما علينا، ويتركون معتقدهم، لكن يمنعون من ~~الدعوة إليه، ومن إظهاره للعوام مخافة التلبيس، فإن لم يمتنعوا عاقبهم ~~الإمام بقدر ما يرى من العقوبة في ذلك. # - النوع الثاني: جهل البغاة: وهم الذين خالفوا الإمام، وخلعوا الطاعة، ~~وفارقوا الجماعة، وفسدوا في البلاد، وتمردوا على العباد، وهؤلاء صنفان؛ ~~لأنهم إما أن يفعلوا ذلك وهم مستحلون لفعله، وإما أن يفعلوه انتهاكا: # ? فأما المستحلون لفعله، فإنه يدعوهم الإمام إلى الدخول في الطاعة، وترك ~~لفساد، ويبين لهم ظلالهم، وأنهم مخطئون في استحلالهم، فإن أجابوا إلى ذلك؛ ~~كان لهم ما للمسلمين PageV02P261 وعليهم ما على المسلمين، وإن امتنعوا ~~ناصبهم الحرب، حتى يذعنوا بالطاعة، ولا يحل غنم أموالهم، ولا سبي ذراريهم، ~~ولا يطالبون بشيء مما أتلفوه من دماء المسلمين وأموالهم. # ? وأما المنتهكون لذلك فإنه يدعوهم الإمام ms454 أو من يقوم مقامه إلى الدخول ~~في الطاعة، فإن أبوا قاتلهم حتى يدخلوا في الطاعة وحكمهم حال الحرب حكم ~~المستحلين، إلا أن قطاع الطريق من المنتهكين يقام عليهم حد المحارب، بخلاف ~~المستحلين، فإن أفاء البغاة ورجعوا إلى الحق؛ فإنه تجرى عليهم أحكام ~~المسلمين، ولا يطالبون في غرم ما أتلفوه في حال الحرب. # - النوع الثالث: جهل يكون شبهة، يدرأ بها الحد دون غيره من الأحكام، وذلك ~~كمن تسرى أمة زوجته يظن أنها له في ذلك مثل أمته، فإن هذا جاهل بحكم الله ~~في قضيته، فلا يرجم؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات، لكن يصح لنا أن نبرأ منه؛ ~~لأن البراءة بغض على معصية الله، وهو قد عصى، وإن كان جاهلا، فإنه لا يسعه ~~جهله بذلك، وعليه أن يتوب من فعله، ولا يكون درء الحد عنه دليلا على عذره، ~~فإنه غير معذور في ذلك، وللحدود أحكام خاصة بها، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان القسم الرابع من أقسام الجهل، فقال: # أما الذي يكون عذرا فكما ... لو جهل الوكيل عزلا علما # أو جهل الشفيع بيع شفعته ... أو جهل الأنساب عند خطبته # أو جهل للحم الذي قد فصلا ... وكان خنزيرا له قد أكلا # فإن هذا الجهل عذر فإذا ... تصرف الوكيل فيه نفذا # وأخذ الشفيع بعد علمه ... شفعته ثابتة في حكمه # وعذر الناكح ذات محرم ... أن كان بالأنساب لما يعلم # وهكذا آكل لحم حرما ... من الخنازير على ما قدما # القسم الرابع من أقسام الجهل، وهو ما يكون عذرا لصاحبه، لا إثم ~~PageV02P262 يلحقه بسببه، فهو كجهل الوكيل عزله عن الوكالة، أو جهل الشفيع ~~شفعته، أو جهل المتزوج أنسابه، أو جهل لحم الخنزير المقطع؛ فأكله من يد من ~~تجوز ذبيحته، ونحو ذلك، بيانه أن الوكيل إذا عزله الموكل، ولم يعلم بالعزل؛ ~~فإن جهله بالعزل يكون عذرا له في التصرف في مال الموكل، حتى قيل: إنه لو ~~باع أو اشترى على مقتضى الوكالة، نفذ تصرفه، وثيت بيعه وشراؤه، وكذلك ~~الشفيع إذا بيعت شفعته، ولم يعلم بيعها، ثم علم بعد ms455 ذلك، فإن له أخذ شفعته ~~بعد العلم ببيعها، ولا يكون جهله ببيعها مسقطا لحقه، وكذلك من تزوج ذات ~~محرم منه، ولم يعلم أنها ذات محرم؛ فإن جهله بنسبها يكون عذرا في رفع الحرج ~~عنه، فمتى علم أنها ذات محرم، لزمه تركها، وكذلك من أكل لحم الخنزير المقطع ~~من يد من يجوز له أكل اللحم من يده، وهو لا يعلم أنه لحم خنزير؛ فإنه لا ~~إثم عليه في أكله، فصار جهله عذرا له في ذلك، أما من وجد الخنزير قائم ~~العين؛ فلا يسعه أكل لحمه، وإن كان لا يعرف الخنزير؛ لأن عين الخنزير ~~معروفة عند من يعرف الخنزير، فإذا لم يعلم هذا المبتلى مالك العين؛ لزمه أن ~~لا يأكله؛ لأنه حرام في دين الله تعالى، وعينه شاهدة على معرفته، فالجهل به ~~إنما هو جهل مع قيام الحجة، ونصب الأدلة؛ فلا يكون عذرا، والله أعلمز # ثم إنه أخذ في بيان السكر، وهو من العوارض المكتسبة، فقال: # والسكر أيضا عارض مكتسب ... به دماغ المرء حالا يذهب # فإن يكن مما أبيح أكله ... أو شربه فزال منه عقله # فإنه يكون كالإغماء في ... جميع ما مر هناك فاعرف # وإن يكن سببه حراما ... فالزمن راكبه الأحكاما # فتطلق الزوجة إن طلقها ... وهكذا مملوكه أعتقها # ويجبر الكافر مهما أسلما ... وشاء بعد الصحو أن لا يسلما PageV02P263 ~~ويرفع الحد عن المرتد ... في سكره لشبهة في الحد # من العوارض المكتسبة: السكر، وهو تغير العقل بسبب أبخرة تصعد إلى الدماغ ~~من شب المسكرات أو أكلها، فذهاب الدماغ في قول المنصف عبارة عن تغير العقل، ~~وصح تعبيره بذلك؛ لأن تغير الدماغ سبب لتغير العقل، وتغير العقل هو ذهاب ~~حاسته المدركة المميزة، فكان في كلام المصنف مجاز مرسل، أما على مذهب من ~~زعم أن العقل في الرأس؛ فالتجوز ظاهر، وأما على مذهب من زعم أنه في الصدر، ~~وهو الصحيح لقوله تعالى: { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في ~~الصدور } (الحج: 46)، وأراد بالقلوب العقول، فلأن سلطان العقل في الرأس، ~~فإذا ضعف الدماغ ضعف العقل ms456. # ثم إن السكر نوعان، لأنه إما أن يكون سببه حلالا، فكسكر من سكر من ~~الأشياء التي أبيح له أكلها أو شربها لحال الضرورة، مثاله: لو اضطره الجوع ~~إلى شرب الخمر أو أكل المسكر، أو جبره السلطان على ذلك؛ لإغنه يباح له على ~~قول إحياء نفسه من المسكر، فإذا أحياها من ذلك المباح في حقه فسكر؛ فحكمه ~~في الصلاة والصيام ومنع التصرف حكم المغنى عليه؛ لأن كل واحد من الإغماء ~~والسكر المباح مغير للعقل من غير هوى من صاحبه، وأما السكر الذي سببه حرام؛ ~~فهو أن يسكر المرء من أكل المسكر أو شربه على غير الضرورة المتقدم ذكرها، ~~فإن هذا السكر لا ينافي الخطاب؛ لأنه متعرض بنفسه لتغير عقله اختيارا، ~~فناسب أن تجرى عليه الأحكام لشرعية، والدليل على أنه غير مناف للخطاب قوله ~~تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } (النساء: ~~43)، فإنهم نهوا أن يقربوا الصلاة وهم سكارى، وهذا الخطاب متوجه إليهم حال ~~السكر، فإذا ظهر لك صحة تعلق الخطاب بالسكران؛ فاجر عليه أحكام الصاحي؛ ~~فيثبت طلاقه لزوجته، وعتقه لعبيده، ويلزمه الإسلام في حال سكره، بمعنى أنه ~~إذا كان كافرا ثم سكر، ثم أسلم في حال PageV02P264 السكر، ثم شاء الارتداد ~~بعد الصحو، فإنه يجبر على الإسلام ترجيحا للإسلام على غيره؛ لأن الإسلام ~~يعلو ولا يعلى، أما لو كان مسلما ثم ارتد في سكره، فإنه لا يقام عليه حد ~~المرتد؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات، وتغير العقل بالسكر شبهة واضحة. # وبالجملة فجميع الأحكام ثابتة على السكران الذي سبب سكره حرام، حتى قيل: ~~إنه لو فعل في سكره ما يستوجب به الحد، يقام عليه الحد، فلو زنا وهو سكران ~~أقيم عليه حد الزاني، ولو سرق وهو سكران قطعت يده، وكذا سائر الحدود، وقيل: ~~لا يقام عليه الحد في ذلك؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات، وهو الصحيح عندي، ~~والأول أشهر، وأقول أنه ينبغي أن يخرج من جملة ذلك حد الارتداد، فيقال: إن ~~المرتد في حال سكره لا يقام عليه حد المرتد، وهو القتل ms457؛ لأن السكران لا ~~تمييز معه، فيجري على لسانه ما لم يكن مقصودا له، وقد رأيناهم ينتظرون ~~بالمرتد مالا ينتظرون بغيره من أهل الحدود، حتى حكى بعضهم إجماع الناس على ~~أن المرتد من الإسلام إلى الشرك يستتاب قبل القتل، وفي حكايته هذا الإجماع ~~نظر، فإنه قد روي عن الحسن البصري أنه يقتل في الحال، ولا يستتاب، وقال ~~عطاء: "إن كان مولودا على الإسلام استتيب، وإن كان أسلم بعد كفره، ثم ارتد ~~لم يستتب"، وقال الشافعي: " فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: التأني به ثلاثا، ~~والقول الثاني: يقتل في الحال إلا إن سأل النظرة"، وقال ابن بركة: "النظر ~~يوجب أن لا يجب على الإمام استتابته، ولو كانت الاستتابة واجبة قبل القتل ~~لما يرجى من رجوعه؛ لوجب أن لا يقبل منه استتابة واحدة أو اثنتين أو ثلاثا؛ ~~لأن الرجاء قبل القتل لما يرجى من رجوعه قائم"، وقال أصحاب الظاهر: "يجب ~~على الإمام قتل المرتد أول أوقات الإمكان؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم ~~- أمر بقتله، ولم يجعل لذلك وقتا معلوما"، واختار أصحابنا أن يستتاب المرتد ~~قبل أن يقتل لما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه استتاب مرتدا أربع ~~مرار، وروي أن عمر - رضي الله عنه - كتب إلى PageV02P265 عامله في رجل ~~تنصر: "أن استتبه ثلاثا، فإن أبى عن التوبة؛ فاقتله"، وقال أبو حنيفة: " ~~أنه يستتاب ثلاثا في ثلاثة أسابيع، كل أسبوع مرة"، وقال سفيان الثوري: ~~"يستتاب أبدا، ولعله يريد بقوله: "أبدا" عدم حصر الاستتابة في عدد مخصوص، ~~ولا يريد بأنه لا يقتل، بل يستتاب فقط، وكأن مراده أنه يستتاب إلى أن يقتل، ~~فهذه الأخبار وهذه الآثار دالة على تخصيص المرتد بالتأني في شأنه، ~~والانتظار لتوبته، وليس شيء من ذلك في سائر الحدود، فإن سائر الحدود تقام ~~بنفس مباشرة سببها، فصح أن تستثنى من جملتها حد المرتد، فلا يقتل إذا ارتد ~~وهو سكران حتى يستمر على ارتداده بعد الصحو. # واعلم أنهم قالوا: إن السكران لا يقام عليه الحد في حال سكره، لكن ينتظر ~~به الصحو، فإذا ms458 صحا أقيم عليه حد السكران، وسائر الحدود الثابتة عليه؛ لأن ~~ذلك أزجر له وأردع؛ لأن الصاحي أشد تألما بالحد من السكران، وذهب ابن بركة ~~وتابعه أبو الحسن إلى أنه يقام عليه الحد وهو سكران؛ لأن الحدود إذا ثبتت ~~لا تأخر من وقت إلى وقت آخر، وهذا الاحتجاج مبني على القول بأن الأمر ~~المطلق يقتضي الفور، والصحيح أنه لا يقتضي الفور، كما مر في محله، فيصح ~~تأخيره لمصلحة يراها الإمام أو نائبه، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الهزل، وهو أحد العوارض المكتسبة، فقال: # والهزل أيضا وهو لفظ أهملا ... ولم يكن في أصله مستعملا # ولا مجازه ولكن طلبا ... به خطاب الحاضرين لعبا # فثبتت الأحكام فيه وترد ... أخباره لأنها كذب فقد # ويلزم الإسلام فيه ويحد ... بالسيف من أنكر فيه وجحد # ويثبت النكاح والطلاق ... به كذاك الخلع والعتاق # وسائر المعاملات تنهدم ... إن كان شرط الهزل فيها قد علم # من العوارض المكتسبة: الهزل، وقد فسره بعضهم بأنه مالا يراد PageV02P266 ~~به معنى لا حقيقي ولا مجازي، بل يراد إهماله عن إفادة الغرض، وحاصله أن ~~الهزل لفظ استعمل في اللعب، ولم يرد معناه الحقيقي ولا معناه المجازي، وهو ~~نقيض الجد، ولا ينافي الأهلية، فتثبت الأحكام الشرعية فيه، لكن ترد أخبار ~~الهازل؛ لأن الهزل كذب خالص؛ لأنه لم يرد بيان الواقع، وإنما أراد اللعب في ~~أخباره، ويلزم الإسلام في الهزل، فلو أسلم كافر هازلا أجبر على الإسلام، ~~ومن ارتد هازلا أقيم عليه حد المرتد، ويثبت به النكاح والطلاق والعتق، وكذا ~~ما كان في حكم الطلاق كالخلع واللعان ونحوهما، فلو تزوج رجل بامرأة هزلا أو ~~زوجها هزلا ثبت النكاح، وكذا لو طلقها هزلا أو عتق عبده هزلا؛ فإن النكاح ~~والطلاق والعتق جدهن جد، وهزلهن جد، أما سائر المعاملات فإنها لا تصح إذا ~~شرط فيها الهزل، بيانه لو قال رجل لرجل آخر: نظهر عند الناس البيع في كذا ~~ونحن لا نريد ذلك، وإنما نريد الهزل ليظنوا أنه بيع، فإذا تواضعا على ذلك ~~انهدم ذلك البيع، إلا إذا أعرضا ms459 عن الهزل وقصدا في البيع إلى الجد؛ فإنه ~~يكون البيع صحيحا، وكذا سائر المعاملات هذا فيما بينهم، أما لو ترافعا إلى ~~الحاكم، وطلب أحدهما ثبوت البيع، وطلب الآخر نقضه، فإن تقاررا بالهزل وعدم ~~الإعراض عنه حكم بفساد البيع، وعن لم يتقاررا بالهزل بل ادعاه بعضهم وأنكره ~~الآخر؛ كان على من ادعى الهزل البينة؛ لأنه مدع فساد البيع في الظاهر، وإن ~~تقارا بالهزل لكن ادعى أحدهما الإعراض عنه إلى الجد؛ كان على من ادعى ~~الإعراض البينة؛ لأنه يدعي صحة البيع الفاسد في الظاهر، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان السفه، وهو من العوارض المكتسبة، فقال: # وتثبت الأحكام للسفيه في ... ديانة وسائر التصرف # فإن يكن قبل البلوغ ذا سفه ... فيمنع المال لأجل ذا الصفه # حتى يرى ملتبسا برشده ... ثم إذا يعطى جميع رفده PageV02P267 وإن يكن بعد ~~البلوغ منعا ... من التصرف الذي قد شرعا # من العوارض المكتسبة: السفه، وهو لغة: الخفة والحركة. وفي الشرع: تخصيص ~~العمل بما يخالف الشرع من وجه واتباع الهوى، خلاف دلالة العقل، ومعنى ~~مخافلة الشرع من وجه: هو أن يكون ذلك الشيء مأمورا به من وجه، منهيا عنه من ~~وجه آخر، كالإنفاق فإنه مأمور به في الخيرات، منهي عنه في المعاصي. وهو لا ~~ينافي الأهلية؛ لأن السفيه باختياره يفعل خلاف ما يقتضيه العقل والشرع، ~~فتجري له وعليه الأحكام الشرعية بتمامها ديانة ومعاملة وغير ذلك، لكن شرع ~~في حقه لطفا به إذا بلغ سفيها أن يمنع ماله لقوله تعالى: { ولا تؤتوا ~~السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما } (النساء: 5)، ولكن ينفقون منها، ~~ويكسبون كما كانوا قبل البلوغ لقوله تعالى: { وارزقوهم فيها واكسوهم } ~~(النساء: 5)، فتحجر عليهم أموالهم إلى أن نؤانس منهم الرشد، ومعنى الرشد: ~~صلاح في العقل وحفظ للمال، فإذا رأينا منهم علامات ذلك؛ دفعنا إليهم ~~أموالهم، هذا إذا بلغ الصبي وهو سفيه، أما إذا طرأ عليه السفه بعد البلوغ؛ ~~فمذهبنا أنه يحجر عليه الحاكم التصرف في ماله نظرا في حاله ورفقا به، وقال ~~أبو حنيفة: "لا يصح الحجر عليه ms460؛ لأنه عاقل مختار، فتثبت له وعليه الأحكام، ~~فلا وجه لإبطال تصرفاته"، قلنا: وكذلك من بلغ سفيها، وقد نزل الكتاب في ~~الحجر عليه، فلا وجه للفرق بينهما، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان السفر، وهو من العوارض المكتسبة، فقال: # وحصل التخفيف من أجل السفر ... فيقصر الرباعيات من سفر # وجاز أن يؤخرا الصياما ... وإن يكن مسافرا قد صاما # لأنه مخير في الصوم ... والفطر مطلقا بدون لوم # وحكمه يثبت إن تعدى ... للفرسخين أو نواه قصدا # من العوارض المكتسبة: السفر، وهو أن يخرج المكلف من وطنه PageV02P268 ~~قاصدا أن يتعدى الفرسخين، فإذا خرج على هذا القصد شرع له التخفيف في ~~العبادات منذ خرج من عمران بلده، لما روي أن رسول الله - صلى الله عليه ~~وسلم - وأصحابه ترخصوا برخص المسافر بعد الخروج من العمران، وإنما جعلنا ~~الفرسخين أول حد السفر لما روي أنه عليه الصلاة والسلام خرج يوما بأصحابه ~~إلى ذي الحليفة، فصلى بهم ثم رجع، فسئل عن ذلك، فقال: "أردت أن أعلمكم صلاة ~~السفر"، ومن التخفيف المشروع للمسافر قصر الصلوات الرباعيات، فيصلى الظهر ~~والعصر والعشاء الآخرة ركعتين ركعتين، وجوز له الجمع بين الظهر والعصر في ~~أي وقت من وقتيهما شاء، والجمع بين المغرب والعشاء في أي وقت من وقتيهما ~~شاء أيضا، حتى صار الوقتان في حقه بمنزلة الوقت الواحد، وكذا رخص له في ~~إفطار رمضان، لكن عليه القضاء في أيام أخر، ورخصة الإفطار للمسافر ثابتة ~~مطلقا، سواء كان صام من الشهر بعض أيامه أو لم يصم، خلافا لمن أوجب عليه ~~إحدى حالتيه، أعني حالتي الصوم والإفطار إذا دخل فيها، وذلك أن بعض العلماء ~~أوجب على المسافر إذا صام في سفره أن يتم شهره صياما، ومنعه من الإفطار؛ ~~لأنه قد اختار بنفسه الصوم، ودخل فيه فيلزمه عنده تمامه، وكذا قال فيمن ~~اختار الإفطار في السفر ودخل فيه، حتى قال: إن الصوم بعد الفطر في السفر لا ~~يصح، والصحيح أنه يصح، وأن للمسافر الصائم أن يفطر لثبوت رخص الفطر ~~للمسافر، وثبوت صحة الصيام له؛ فهو مخير ms461 بين الصوم والإفطار، ولم يفصل ~~الدليل بين مسافر ومسافر، وكذلك لم يفرق الدليل بين المسافر العاصي بسفره ~~وبين المسافر الطائع، فيصح عندنا الترخص بالقصر والإفطار لمن خرج باغيا على ~~الإمام، أو متعديا على الأنام، وذهب الشافعي إلى منع الرخص عن المسافر ~~العاصي بسفره، فأوجب عليه التمام # والصوم، مستدلا بقوله تعالى: { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } ~~(البقرة: 173)، وأيضا فإن الترخص نوع من التخفيف، والتخفيف لا يناسب ~~PageV02P269 العصيان، وإنما يناسبه التشديد عليه والتضييق، قلنا: أما الآية ~~فهي في أكل الميتة مضطرا، ومعنى باغ ولا عاد، أي غير باغ في أكله، أي ليس ~~بمتجاوز الحالة التي رخص له الأكل فيها، ولا متعد حد الضرورة في أكله، أي ~~لا يأكل الميتة متشهيا من غير اضطرار، ولا يتعدى الحد الذي يحيي به نفسه، ~~وأما المناسبة فلم تعتبر في هذا المقام، فلا وجه لاعتبارها مع النص على ~~إلغائها، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الخطأ، وهو من العوارض المكتسبة، فقال: # أما الخطا فقد يكون عذرا ... يسقط من حق الإله الوزرا # ومسقط للحد والقصاص ... لشبهة في الفعل والإخلاص # لكنه يلزمه في القتل ... كفارة ودية للأهل # وليس مسقطا لحق الخلق ... مثل الضمانات لمستحق # من العوارض المكتسبة: الخطأ، وهو أن يفعل فعلا من غير أن يقصده قصدا ~~تاما، وذلك أن إتمام قصد الفعل بقصد محله، وفي الخطأ يوجد قصد الفعل دون ~~قصد المحل، وهذا مراد من قال: إنه فعل يصدر بلا قصد إليه عند مباشرة أمر ~~مقصود سواه، وهو عذر يسقط به الوزر لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "رفع عن ~~أمتي الخطأ والنسيان" الحديث، والمراد رفع الإثم، وكذلك يسقط بالخطأ الحد ~~والقصاص، أي إذا فعل المخطئ ما يوجب الحد والقصاص خطأ، فلا يقام عليه الحد، ~~ولا ينفذ فيه القصاص لشبهة الخطأ، أما الخطأ في موجب الحد فكما لو قصد إلى ~~مدح إنسان؛ فسبقت لسان بقذفه، مع قيام القرائن على صحة قصده، وأما الخطأ في ~~موجب القصاص؛ فلا خلاص قصده إلى غير الفعل الذي فعله ms462، لكن يلزم من قتل ~~مؤمنا خطأ تحرير رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين، ودية على عاقلته ~~مسلمة إلى أهل المقتول، أما الكفارة فعقوبة عدم التثبت منه، وأما الدية ~~فجبر دم المؤمن، وأما كونها على PageV02P270 العاقلة فهو تخفيف له بحيث لم ~~يقصد إلى قتله، ولا يسقط الخطأ شيئا من حقوق الخلق، فيلزم من الخطأ في مال ~~الغير ضمانه، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الجبر، وهو من العوارض المكتسبة، فقال: # ولا ينافي الجبر للخطاب ... فتثبت الأحكام في ذا الباب # لكنه يجوز للمجبور ... ترخص بقولة الكفور # وبالعبادات أن يتركها ... إذا رأى في نفسه مهلكها # أما المحرمات منها ما يصح ... به ترخص ومنها لا يصح # فالقتل والزناء والجرح وما ... أشبهها محرمات فاعلما # وجائز بنحو أكل الميتة ... وكل ما أبيح في الضرورة # وجائز بمال غيره وإن ... أتلفه لكنه له ضمن # ومن أبي ترخصا فقتلا ... نال من الله المقام الأكملا # من العوارض المكتسبة: الجبر، ويعبر عنه بالإكراه، وهو حمل الغير على أن ~~يفعل ما لا يرضاه ولا يختار مباشرته لو خلي ونفسه، فيكون معدما للرضا لا ~~للإختيار، إذ الفعل يصدر عنه باختياره حيث آثر الجانب الأسهل على الجانب ~~الأشق، ولذا كان الجبر غير مناف للخطاب، فإن الخطاب الشرعي متوجه للمجبور، ~~فتثبت الأحكام الشرعية في حقه لكن خفف عليه بسبب الإكراه، إذ جوز له الترخص ~~في كثير من الأحكام، حتى في كلمة الشرك، فيصح للمجبور المكره على الشرك أن ~~يتلفظ بكلمة الشرك إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان، قال تعالى: { إلا من أكره ~~وقلبه مطمئن بالإيمان } (النحل: 106)، وكذلك يصح له الترخص بترك العبادان ~~البدنية إذا أكره على تركها، كما لو أكرهه جبار على ترك صلاة الظهر مثلا، ~~وكان قائما عليه لا يفارقه حتى مضي الوقت؛ كان لهذا المجبور أن يترك من ~~أركان الصلاة ما يخشى في فعله الهلاك على نفسه، ويصلي PageV02P271 كيفما ~~أمكنه، حتى لو لم يمكنه أن التكييف في نفسه كيفها، وكان ذلك عذرا له، وذلك ~~أن الترخص قد صح في كلمة الكفر، وهو ms463 هاهنا أولى، وأيضا فقد ثبت الترخص في ~~أمور الصلاة والصوم ونحوهما بأعذار دون الإكراه، كالسفر والمرض والخوف ونحو ~~ذلك، فثبوت الترخص في الإكراه أولى؛ لأنه أشد من السفر والمرض، وهو نوع من ~~أنواع الخوف الشديد، فينبغي أن تثبت فيه رخص الخوف. # وكذلك يجوز للمجبور الترخص بفعل بعض المحرمات، اعلم أن المحرمات منها ما ~~لا يصح الترخص بفعله عند الإكراه، ومنها ما يصح التقية به: # - أما الذي لا يصح الترخص به عند الإكراه، فهو قتل المسلم بغير حق، أو ~~إتلاف عضو منه أو جرحه أو نحو ذلك، مثل الزنا وأشباهه، فإن التقية في مثل ~~هذا لا تصح، حتى لو أكره الجبار أحدا على جرح مسلم، فإن لم يفعل قتله، لزمه ~~أن لا يفعل؛ لأن نفسه ليست أولى بالسلامة من نفس غيره، وأما الزنا فإنه ~~بنفسه لا يقبل الإكراه، حتى لو زنا عد مختارا للزنا؛ لأن الآلة لا تساعده ~~إلا عند الرضا، وأما المحرم الذي يصح التقية به، فكأكل الميتة والدم ولحم ~~الخنزير، وجميع ما أبيح في الضرورة؛ لأن الإكراه نوع من الاضطرار، فينبغي ~~ألا يعطى أحكامه في صحة الترخص، لكن لما كان المجبور لم يحمل نفسه على ~~الهلكة بترك التقية من أكل الميتة ونحوها، وإنما حمله على ذلك الجبار جوزنا ~~له ترك الترخص، بخلاف ضرورة الجوع، فإنه إن لم يترخص فيها يكون حاملا لنفسه ~~على الهلاك، فيجب عليه هنالك، وذهب ابن بركة والفخر الرازي وصاحب التوضيح ~~والسعد التفتزاني إلى وجوب الأخذ بالرخصة في أكل الميتة عند الإكراه، ~~وجعلوه كضرورة الجوع، والفرق بينهما واضح، وذهب بعض أصحابنا إلى منع الترخص ~~بأكل الميتة ونحوها في حالة الإكراه، وقصروا جواز الترخص بذلك في حالة ~~المخمصة؛ عملا بمفهوم قوله تعالى: { فمن اضطر في مخمصة } (المائدة: 3) ~~الآية، قلنا: لا مفهوم للمخمصة في الآية؛ PageV02P272 لأنها إنما ذكرت ~~لكونها الأغلب من حالات المضطر، ففي العادة أنه لا يضطر غالبا إلى أكل ~~الميتة ونحوها إلا الجوع الشديد. # - وكذلك يصح للمجبور الترخص بإتلاف مال الغير، فإذا أكره الجبار أحدا على ms464 ~~إضاعة مال غيره؛ جاز له التقية بذلك؛ فصح له إتلافه بشرط ضمانه لصاحبه، ~~ومعنى ذلك أنه لا يكون آثما في إتلافه؛ لأن النفوس تفدى بالمال ولا عكس، ~~وإنما أوجبنا عليه الضمان لئلا يضيع مال الغير في غير شيء، وفي الحديث: "لا ~~تواء على مال مسلم"، والتواء: الهلاك. # - ومن لم يأخذ بالرخصة في شيء من هذه الأمور لكنه تمسك بالعزيمة حتى قتل ~~عليها أو عذب؛ حاز بذلك من الله المقام الأكمل، إذ لا يلزمه الترخص في شيء ~~منها، بل الترخص فيها كلها جائز فقط، خلافا لمن أوجب التقية بأكل الميتة ~~وأشباهها، ونحن نقول أنه لا فرق في الإكراه بين الأخذ بالعزيمة في ترك ~~التلفظ بالكفر، وفي ترك الترخص بأكل الميتة، وقد ورد أن رجلين مرا على ~~مسيلمة الكذاب، فأخذهما، فقال لأحدهما: ما تقول في محمد؟، فقال: رسول الله، ~~فقال: ما تقول في؟، قال: أنت أيضا، فخلاه، وقال للآخر: ما تقول في محمد؟، ~~قال: رسول الله، قال: ما تقول في؟، قال: أنا أصم، فأعاد ثلاثا، فأعاد ~~جوابه، فقتله، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "أما ~~الأول فقد أخذ بالرخصة، وأما الثاني فقد صدع بالحق، فهنيئا له"، فهذه أدلة ~~مصرحة بأن الأخذ بالعزيمة أوسع، بل هو أفضل من الترخص، ولم يعد تارك الرخصة ~~في هذه الصورة حتى قتل مهلكا لنفسه، فكذا في أكل الميتة والفرق بينهما عسر ~~جدا، والمراد بالمقام الأكمل في كلام الناظم: الثواب الجزيل في الآخرة، وفي ~~ذكره حسن الاختتام؛ لأنه مشير إلى كمال الكلام على قسم الأحكام، وهو آخر ~~الكلام في أصول الفقه، لكن بقيت أشياء يحتاج مستنبط الأحكام إليها، وبها ~~يعرف المجتهد من غيره، وبها يتميز مواضع الاجتهاد من غيره، فجعلها خاتمة ~~للفن، فقال: PageV02P273 # ** الخاتمة في الاجتهاد ** # اعلم أن كثيرا من الأصوليين يجعلون مباحث الاجتهاد من جملة مباحث أصول ~~الفقه نظرا منهم إلى أن أصول الفقه معرفة أدلة الفقه الإجمالية، وأن مباحث ~~الاجتهاد من بعض شروط تلك المعرفة، فأدخلوها في أصول الفقه، وبعض الأصوليين ~~رأى أنها ms465 خارجة عن حقيقة أصول الفقه لما تقدم أن موضوع أصول الفقه: الأدلة ~~والأحكام الشرعيان بالحيثيتين المتقدم ذكرهما، فمباحث الاجتهاد أمر خارج عن ~~الأدلة وعن الأحكام، لكنها مما لا يستغنى عنها، فجعلت من لواحق الفن. # وللاجتهاد معنيان، لغوي، واصطلاحي: # - فأما معناه اللغوي: فهو استعمال القدرة الحادثة في تحصيل أمر على وجه ~~يشق، يقال: اجتهد في حمل الصخرة، ولا يقال: اجتهد فحمل الذرة. # - وأما معناه الاصطلاحي فهو ما أشار إليه بقوله: # الاجتهاد هو أن يستحصلا ... حادثة بحكم شرع نزلا # يعني أن الاجتهاد في اصطلاح الأصوليين: هو أن يطلب الفقيه حصول حكم حادثة ~~بشرع، ويبذل في ذلك مجهوده بحيث لا يمكنه المزيد عليه في الطلب، مثاله: إذا ~~طلب معرفة حكم الأرز، أهو ربوي أو غير ربوي؟، إذا استفرغ طاقته في التماس ~~هذا الحكم في الأرز، سمي ذلك الطلب الشديد اجتهادا عندهم. # فللاجتهاد ركنان: مجتهد وهو الفقيه، ومجتهد فيه وهو الحادثة التي طلب ~~حكمها، وهي المعبر عنها بمحل الاجتهاد، وقد أشار إلى بيان كل واحد من ~~الركنين، فقال: # أركانه مجتهد ومجتهد ... فيه وكل فيه حكم قد ورد # وفيه شرط فالذي يشترط ... في أول الركنين أشيا تضبط # وذاك أن يكون عالما بما ... إليه يحتاج اجتهاد العلما # من علم نحو لغة وصرف ... ومن أصول حسبما قد يكفي # ومن بلاغة لفهم المعنى ... وكل فن عنه لا يستغنى PageV02P274 وبالكتاب ~~وبحكم السنة ... وما أتى به اجتماع الأمة # ومن يكون عالما بحكم ... ولم يكن بغيره ذا علم # فهل له في ذاك أن يجتهد ... قيل: نعم وقيل: لا فاجتهدا # للاجتهاد ركنان: مجتهد، ومجتهد فيه، فأما المجتهد: فهو العالم بكيفية ~~استنباط الطالب لحكم القضية، وأما المجتهد فيه: فهو القضية التي يطلب ~~حكمها، ولكل واحد منهما أحكام وشروط، وسيأتي الكلام على حكم المجتهد فيه، ~~وشرطه في آخر الخاتمة، وذكر هنا شروطا لا يكون مجتهدا إلا بكمالها؛ لأن ~~اجتهاد العلماء في القضايا الشرعية متوقف على أمور لا بد من حصولها عند ~~العالم المجتهد، فمن لم تحصل معه تلك الشروط، فلا يحل له القول في ms466 الأحكام ~~الشرعية عن نظر نفسه، بل يقلد غيره في ذلك، وذلك حكم الله فيه؛ لقوله ~~تعالى: { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } (النحل: 43)، فمن شروط ~~المجتهد: # - أن يكون عالما بالنحو، والمراد أن يكون عارفا بأحكام أواخر الكلمات ~~بناء وإعرابا، والمراد بالكلمات التي اشترطنا معرفتها هاهنا هي الكلمات ~~التي تكون موجودة في الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، والكلمات التي تمس ~~الحاجة إليها في استنباط الأحكام، كالإقرارات وألفاظ البيوع والتزويج ونحو ~~ذلك، ولا يشترط في صحة الاجتهاد معرفة ما فوق ذلك. # - ومن شروطه: أن يكون عالما باللغة، أي عارفا بمعاني الكلمات العربية، ~~وعارفا بمسمياتها، والمشترط معرفته هاهنا من اللغة هو ما توقف فهم معاني ~~الأدلة والأحكام عليه، لا ما عدا ذلك. # - ومن شروطه: أن يكون عالما بالصرف، أي عارفا بتغير أبنية الكلمات ~~العربية، وعارفا بمقتضى كل صيغة منها، والمشترط معرفته من هذه النوع ما ~~يتوقف فهم معنى الأدلة والأحكام عليه، وذلك أن ألفاظ الأدلة من الكتاب ~~والسنة عربية، فيتوقف فهمها على معرفة النحو واللغة والصرف، فلذا اشترط ~~معرفة هذه PageV02P275 الأشياء في هذا الباب. # - ومن شروطه: أن يكون عارفا بالأصول، والمراد بها أصول الديانات، فهو ~~معرفة العقائد الإسلامية، ويشترط منه في هذا المقام ما يكون حافظا للمجتهد ~~من التلبس بالعقائد الضالة، فإنه إذا كان متلبسا بالهوى، فلا يؤمن منه ~~الغلط في الفتوى، فكم من مجتهد من قومنا حمل كثيرا من المسائل على اعتقاده ~~الفاسد، وهي صحيحة على قاعدته، لكن قاعدته فاسدة، وناهيك بقاعدة المعتزلة ~~في وجوب مراعاة الصلاحية والأصلحية على الله تعالى، وقد تفرعت عليها عندهم ~~فروع يطول ذكرها، أما المحق في عقائده فإنه يؤمن منه ذلك؛ لأنه إن بنى على ~~قاعدته كان بانيا على صواب، وإن أخطأ في اجتهاده كان خطأه غير مخالف ~~للقطعيات؛ لأنها عنده مضبوطة؛ فلا يكون خطأه خطأ في الدين. # - وأما أصول الفقه فيشترط منه ما يكون المجتهد متمكنا به على استنباط ~~الأحكام الشرعية من أدلتها، وفوق ما ذكرناه لا يكون شرطا في صحة الاجتهاد، ~~لكنه كمال في ms467 حقه. # - ومن شروطه أن يكون عالما بالبلاغة، أي عارفا بمطابقة مقتضى الحال في ~~المخاطبات، ومقتدرا على التعبير عن المعنى الواحد بطرق مختلفة في الوضوح ~~والخفاء، والمشترط هاهنا ما يتوقف فهم معنى الأدلة عليه لا ما فوق ذلك. # - وكذلك يشترط معرفة كل فن لا يستغني عنه المجتهد في استنباط الأحكام، ~~فينبغي أن يكون عارفا بسير الصحابة وأحوالهم؛ لأن الدين ما عليه الصحابة، ~~وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي". # - وأن يكون عارفا بأسباب نزول الآيات وأسباب ورود الأحاديث، وأن يكون ~~عارفا بقواعد التفسير وغير ذلك، ولك أن تدخل هذه الأشياء تحت العلم بالكتاب ~~والسنة، ومن شروطه أن يكون عالما بالكتاب محكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه، ~~وخاصه وعامه ومجمله ومبينه ومطلقه PageV02P276 ومقيده، وغير ذلك من أحكامه، ~~وأن يكون عارفا بالآيات التي تستخرج منها الأحكام. # - ومن شروطه: أن يكون عالما بالسنة وأحكامها، وناسخها ومنسوخها، وخاصها ~~وعامها، وآحادها ومتواترها إلى غير ذلك من أحكامها، وأن يكون عارفا ~~بالأحاديث التي تستنبط منها الأحكام. # قال بعضهم: والمشترط من ذلك أن يكون المجتهد عارفا بمواضع الآيات ~~والأحاديث التي تؤخذ منها الأحكام؛ حتى يرجع إليها عند الحاجة، ولا يشترط ~~أن يكون حافظا لها على ظهر الغيب، وهو ظاهر الصواب؛ لأن كثيرا من مجتهدي ~~الصحابة كانوا لا يحفظون لقرآن عن ظهر الغيب، وإنما يحفظون منه ما شاء الله ~~أن يحفظوا، وكذلك كانوا لا يحفظون جميع الأحاديث، وإنما يحفظون منها ما ~~ينتهي إليهم علمه، قال البدر رحمه الله تعالى: "والصواب ما ذهب إليه الشيخ ~~سليمان بن يخلف - رضي الله عنه -، وهو أن يكون عالما بجميع الكتاب والسنة؛ ~~لأن كثيرا من الأحكام استخرجها العلماء من الكتاب من غير الخمس مائة آية ~~التي تعلقت بها الأحكام، كأقل الحمل، وقطع يد النباش وغيرهما"، أقول: وهذا ~~مبني على منع تجزئ الاجتهاد، وسيأتي أن الصحيح جوازه، فلا يشترط عندنا ~~العلم بجميع ذلك، بل يكفي من ذلك معرفة ما يتعلق به الحكم الذي فيه ~~النازلة. # - ومن شروطه: أن يكون عالما بالمسائل ms468 التي اجتمعت عليها الأمة لئلا يخالف ~~اجتهاده الإجماع؛ لأن الإجماع أحد الأدلة الشرعية كما مر، وهو مقدم على ~~القياس، فليس للمجتهد أن يخالفه، واشترط ابن بركة أن لا يخالف أقوال ~~الصحابة إذا كان في الحكم قول لهم، واشترط بعض أن يوافق بعض أقوال من ~~تقدمه، أو يعلم أنها نازلة لم يخض فيها من تقدمه، وخص الشيخ سليمان بن يخلف ~~الاجتهاد بالنازلة التي لم تكن في الكتاب ولا في السنة ولا في آثار ~~المسلمين الذين كانوا قبل النازلة، أقول: وتخصيص الاجتهاد بما عدا ما ذكره ~~الشيخ مفض إلى ووجب التقليد في كثير من المسائل الاجتهادية، بل الصحيح أن ~~PageV02P277 الاجتهاد ثابت فيما عدا الكتاب والسنة والإجماع، أما اشتراط ~~ابن بركة في أن لا يخالف قول الصحابة، فمعناه أن الصحابة إذا اتفقوا على ~~قول؛ لا يجوز لغيرهم خلافه؛ لأن اتفاقهم على ذلك إجماع منهم، وهو مبني على ~~القول بأن خلاف التابعي غير قادح في إجماع الصحابة، ولو كان في عصرهم، وقد ~~تقدم الخلاف في ذلك، والصحيح اعتبار المجتهد التابعي في صحة إجماع الصحابة ~~إذا كان في عصرهم، وأما اشتراط ذلك البعض أن يوافق بعض أقوال من تقدم، أو ~~يعلم أنه لم يكن لمن تقدمه خوض في تلك الحادثة، فمبني على منع إحداث قول ~~ثالث، وقد تقدم في آخر الركن الإجماع أن الصحيح جوازه. # فإذا كملت هذه الشروط في المجتهد جاز له الاجتهاد إجماعا، حتى على مذهب ~~من منع القياس، إذ قد تقدم أنهم إنما يمنعونه في غير العلل المنصوصة. # أما إذا اختل منها بعض الشروط، وكان عالما بشيء دون شيء، كما لو كان ~~عالما بأدلة بعض النكاح دون غيرها أو أدلة البيوع دون غيره أو نحو ذلك، ~~وكان متقنا بما علم منها إتقانا تاما، فهل يجوز له أن يجتهد في استنباط ما ~~علم من الأحكام؟ أم لا يجوز له حتى يكون عالما بجميع أحكام الكتاب والسنة؟ ~~ذهب الإمام الكدمي - رضي الله عنه - إلى جواز ذلك، ونسب هذا القول إلى أكثر ~~الأصوليين، وقيل: لا ms469 يجوز الاجتهاد في بعض المسائل دون بعض، وإن عرف في ذلك ~~البعض الأدلة التي تتعلق بها أحكامه، وهذه المسألة معروفة عندهم بتجزؤ ~~الاجتهاد، والصحيح ما عليه الإمام من جواز ذلك؛ لأنه لو اشترطنا كمال ~~الاجتهاد في كل فن، بحيث لا يجهل المجتهد شيئا من مأخذ كل مسألة؛ للزم أن ~~لا يجهل المجتهد شيئا من المسائل الاجتهادية؛ لكمال علمه بمأخذ كل مسألة، ~~وإلا كان قاصرا، وقد سئل مالك بن أنس عن أربعين مسألة، فأجاب عن أربع، وقال ~~في البقية: "لا أدري"، فلولا أنه لا يصح الاجتهاد في مسألة دون أخرى لما ~~جاز له أن يجيب عن البعض، وكذلك PageV02P278 نقل عن بعض الصحابة التوقف في ~~مسائل من الأحكام، كمعاذ وابن عمر وغيرهما، وكذلك عن التابعين وتابع ~~التابعين، حتى صار ذلك شعارا في علماء الآخرة، فلو لم يكن الاجتهاد في بعض ~~المسائل دون بعض جائز؛ ما ثبت هذا التوقف عنهم. احتج المانعون بأنه لو جاز ~~تجزئ الاجتهاد للزم عليه أن يقال نصف مجتهد، وثلثه ربعه، ولم يقل بذلك أحد. ~~وأجيب: بأنه لا يلزم ما ذكر فلا يسمي المجتهد في بعض الأحكام دون بعض نصف ~~مجتهد، ولا نحو ذلك بل يسمى مجتهدا في ذلك البعض، وهو مجتهد تام فيما هو ~~فيه مجتهد، وإن كان قاصرا بالنظر إلى من فوقه، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الاختلاف بالرأي، فقال: # والخلف في مجتهدين اختلفا ... فصوب الجميع بعض فاعرفا # وقيل: إنما المصيب واحد ... لكنه لا يأثم المباعد # فمن أصاب فله أجران ... وأجر الاجتهاد يعطى الثاني # اعلم أن المجتهدين إذا اختلفا، إما أن يكون اختلافهما في شيء من المسائل ~~القطعية، وأما أن يكون في شيء من المسائل الظنية، فإن كان اختلافهما في شيء ~~من المسائل القطعية، فسيأتي أن المصيب واحد منهما، والآخر مخطئ فاسق، وإن ~~كان اختلافهما في المسائل الظنية، والمراد بها مسائل الفروع التي لم يقم ~~على بيان حكمها دليل قطعي، فمذهب أصحابنا من أهل عمان إلا ابن بركة ومذهب ~~أبي يعقوب من أهل المغرب، وكثير ms470 من الأصوليين أن الصواب مع كل واحد من ~~المختلفين، وأن حكم الله في تلك القضية التي اختلفوا فيها متعدد بحسب ~~اختلافهم، فحكمه عند كل واحد من المختلفين ما أداه إليه اجتهاده، وذهب ~~أصحابنا من أهل المغرب وابن بركة من أهل عمان إلى أن المصيب فيها واحد، وأن ~~المخطئ غير آثم نظرا منهم إلى منع تعدد حكم الله تعالى في القضية الواحدة، ~~فأثبتوا لمن أصاب الحق أجرين، أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وجعلوا لمن أخطأ ~~حكم الله فيها PageV02P279 أجر الاجتهاد، ولم يؤثموه لعدم ورود القاطع في ~~القضية، ولكل واحدة من الطائفتين حجج، سيأتي ذكر بعضها قريبا إن شاء الله ~~تعالى، والخلاف بينهما لفظي، إذ لا ثمرة له، وذهب الأصم وبشر المريسي وابن ~~علية إلى ان الحق فيها مع واحد والمخالف له مخطئ، وقال الأصم: وينقض به حكم ~~الحاكم، أي إذا حكم الحاكم بشيء، وخالف فيه اجتهاد غيره؛ فلذلك الغير أن ~~ينقض حكمه باجتهاده، قال الأصم: ويأثم المخالف فيها لمن معه الحق، كما نقول ~~في مسائل الدين. احتج المصوبون للجميع بوجوه: # - الوجه الأول: أنه قد تكرر الكلام بين الصحابة في المسائل الفروعية، ~~وظهر اختلافهم ظهورا شائعا ذائعا، فلو خطأ بعضهم بعضا في ذلك، وحكم بتأثيمه ~~نقل ذلك على حد نقل الاختلاف؛ لأن الداعي إلى نقل الخلاف هو بعينه داع إلى ~~نقل ما قيل فيه من التخطئة والتأثيم، أما ما نقل عن ابن عباس: "فمن باهلني ~~باهلته"، فهذا يحتمل المبالغة، وأنه أراد من زعم أني فيما قلت مخطئ آثم، ~~فهو مخطئ آثم، فمن باهلني بعد التخطئة باهلته"، وأما قول علي لابن عباس في ~~نكاح المتعة: "إنك رجل تائه"، فهذه إنما يدل على أن الناظر أخطأ الأرجح، ~~وأما قول عائشة للمرأة التي سألتها: "بئس ما شربت، وبئس ما اشتريت، أبلغي ~~زيدا أن الله أحبط جهاده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "، فذلك ~~يحتمل أنها ظنت أنه فعله مع اعتقاده للتحريم، إذ لم يرو عن غيرها مثل ذلك، ~~فهذه الثلاث المسائل أبلغ ما روي مما ms471 ظاهره التخطئة، ولم تظهر كظهور ~~الاختلاف عنهم، ولم تنقل كنقل الاختلاف، فلا يجوز أن تجعل حجة على تخطئة ~~المجتهد في الظنيات. # - الوجه الثاني: قوله تعالى: { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على ~~أصولها فبإذن الله } (الحشر: 5) نزلت في رجلين من أصحاب رسول الله - صلى ~~الله عليه وسلم -، جعل أحدهما في حال حصاره لبني النظير يجتهد في إفساد ~~نخلهم وقطعها، وجعل الآخر منهما يجتهد في تقويمها وتصليحها، فنمى خبرهما ~~إليه - صلى الله عليه وسلم -، فاستحضرهما، وسألهما عن شأنهما في ذلك، ~~PageV02P280 فقال الذي كان يفسدها: أما أنا يا رسول الله فخشيت أن لا يحصل ~~الاستيلاء عليهم، فأردت أن لا ينتفعوا بها إن تقووا، وقال الآخر: وأنا وثقت ~~من الله تعالى بالنصر لرسوله وتمكينه منهم، فتبقى أراضيهم فيئا للمسلمين ~~ينتفعون بها، فجعلت أصلحها لذلك، فتوقف - صلى الله عليه وسلم - في تصويب ~~أيهما، حتى نزلت فيهما الآية، فصرح فيها بتصويب كل واحد منهما، في قوله: { ~~فبإذن الله }، والمراد بإذنه تعالى في الآية إباحته. # - الوجه الثالث: قوله تعالى في قصة داود: { وداوود وسليمان إذ يحكمان في ~~الحرث } ( الأنبياء: 78)، إلى قوله: { ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما ~~وعلما } (الأنبياء: 79)، ففي هذه الآية ما يقتضي تصويب داود وسليمان معا. # واعترض بأنه تعالى لم يقل: { آتينا حكما وعلما } فيما حكم به داود في تلك ~~المسألة، فيصح أن يكون المراد آتاهما علم الاجتهاد ومعرفة الأحكام، وهو ~~الظاهر من الآية، وذلك لا يقتضي إصابتهما معا في تلك المسألة، سلمنا أنه ~~يقتضي إصابتهما؛ فمن أين يلزم أن يكون ذلك في كل مجتهد؟، ولم لا يصح أن ~~يكون ذلك من خصوصياتهما عليهما السلام؟. # - الوجه الرابع: قوله - صلى الله عليه وسلم - : "أصحابي كالنجوم بأيهم ~~اقتديتم اهتديتم"، ولو كان أحد أقوالهم خطأ لم يكن هدي، واحتج القائلون ~~بإصابة واحد من المختلفين بوجوه: # * منها أنهم قالوا: لا دليل على الحكم بالتصويب، والأصل عدمه، ورد بأن ~~الدليل على ذلك ما قدمناه من الاحتجاج. # * ومنها أنهم قالوا: لو كان كل واحد مصيبا لاجتمع النقيضان، وهو أن يكون ms472 ~~المجتهد ظانا للحكم من حيث أن دليله ظني؛ قاطعا بثبوته من حيث الإجماع على ~~وجوب عمله به؛ فيكون ظانا قاطعا بثبوته، والظن والقطع نقيضان، حيث يتعلقان ~~بمتعلق واحد؛ لأن الظن يصحب التجويز، فيكون مجوزا غير مجوز، وهذان نقيضان. # ورد بأن متعلق القطع والظن متغايران، فلا يلزم اجتماع النقيضين، وبيان ~~ذلك أن ظنه متعلق بأن الحكم مشروع، وقطعه متعلق بأنه يلزمه العمل بما ظن ~~أنه مشروع، لا يقال: إنه متى قطع بأن الحكم مشروع في حقه؛ انتفى الظن ~~PageV02P281 بكونه مشروعا، فينتفي الظن عقيب ثبوته بحصول القطع بوجوب العمل ~~به، لأنا نقول: أنا نجد العلم الضروري ببقاء الظن بأن الحكم مشروع، ولأنه ~~لو انتفى الظن؛ لم يجز الاجتهاد بعد ذلك القطع، فلو تقوت للمجتهد أمارة على ~~نقيض ما كان في ظنه؛ لزم منع انتفاء ذلك الظن، إذ لا يجوز له الانتقال إلى ~~مقتضاها، والإجماع منعقد على وجوب الانتقال إلى الاجتهاد الآخر حينئذ، ~~فاقتضى ذلك القطع ببقاء الظن مع ذلك القطع. # ? ومنها أنهم قالوا: لو كان كل مصيبا للزم كون الشيء حلالا حراما في حالة ~~واحدة، كما قال مجتهد شافعي لمجتهدة حنفية: أنت بائن، ثم يقول: راجعتك، ~~فيكون نكاحها حلالا؛ لكونه مصيبا، حراما؛ لكونها مصيبة، وكذا لو تزوج شافعي ~~مجتهد حنفية مجتهدة من غير ولي، وكذا لو تزوجها بعده مجتهد بولي قبل فسخ أو ~~طلاق؛ فيكون نكاحها حراما لإصابتها، حلالا لإصابته. # ورد بأن ذلك يلزمكم أيضا، إذ لا خلاف في لزوم إتباع ظنه، والتحقيق أن ذلك ~~كله يعمل فيه بحكم الحاكم، فيرتفع نقيض ما حكم به. # ? ومنها قوله تعالى: { ففهمناها سليمان } (الأنبياء: 79)، قالوا: ولو كان ~~داود مصيبا لم يخص سليمان بالتفهيم. # ورد بأنه لم يصرح بخطأ داود، وإنما خص سليمان بذلك؛ لكونه أصاب أقوى ~~الأمارتين، ولا خلاف في أن بعض الأمارات أقوى من بعض. # ? ومنها ما روي عن بعض السلف، مما يدل على أن الاجتهاد ما هو صواب وما هو ~~خطأ، فمما روي عن أبي بكر - رضي الله عنه - أنه قال في الكلالة ms473: "أقول فيها ~~برأيي، فإن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان، والله ~~ورسوله بريئان منه"، وقال عمر - رضي الله عنه - لمكاتبه: " أكتب هذا ما رآه ~~عمر، فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمن عمر"، وقال علي في مسألة ~~أفتى بها جماعة من الصحابة في حضرة عمر: "إن كانوا قد اجتهدوا فقد أخطأوا"، ~~وقال ابن عباس: "أما يتقي الله زيد يجعل ابن الإبن ابنا، ولا يجعل أب الأب ~~أبا"، قوله: "من باهلني باهلته"، إلى غير ذلك، قالوا: ويأيد ذلك قوله - صلى ~~الله عليه وسلم - : "إذا اجتهد الحاكم PageV02P282 فأصاب فله أجران، وإذا ~~اجتهد فأخطأ فله أجر"، فحكم - صلى الله عليه وسلم - على بعض المجتهدين ~~بالخطأ. # وأجيب بأن هذه الأخبار لا تعارض ما قدمناه من الأدلة على تصويب جميع ~~المجتهدين في الظنيات، وذلك لأن هذه الأخبار لم تبلغ حد التواتر في نقلها، ~~والظني لا يعارض القطعي، ولو سلمنا ذلك؛ فليست بمصرحة بما يزعمون، فإنه ~~يحتمل أن قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أرادا به أنا قصرنا في اجتهادنا ~~حتى لم نصب أقوى الأمارات، فخطأنا منا، أي من تقصيرنا، لا أنه تعالى لم ~~يرشدنا إلى الأقوى، فقد نصبها لنا لكن قصرنا عن طلبها، ويحتمل قول علي"فقد ~~أخطأوا" أنه أراد أخطأوا الأمارة القوية، لذهول أو تقصير في النظر، ولا ~~إشكال أن في الأمارات قويا وضعيفا في الدلالة، وإن كان المجتهد حيث أداه ~~اجتهاده إلى الأمارة الضعيفة، ولم يقصر في البحث تعمدا مصيبا حكم الله، وهو ~~العمل بظنه بعد البلاغ في البحث، وأما قول ابن عباس فقد تقدم الجواب عن ~~نظيره، وأنه مبني على المبالغة في الإنكار، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم ~~- في الحاكم وإن أخطأ فله أجر، فلعله أراد به أن حكم بخلاف مذهبه غير ~~متعمد؛ فله أجر فصل الخصومة دون أجر إصابة مذهبه، وإن أصابه فله أجران، أجر ~~الفصل وأجر إصابة مذهبه، أو أنه أراد أن أخطأ أقوى الأمارات لذهول أو قصور ~~أو نحو ذلك، ومع ms474 هذا الاحتمال لا حجة للخصم فيه. # وقد احتج القائلون بتأثيم المخطئ في الظنيات بما مر عن بعض الصحابة كابن ~~عباس وعائشة وغيرهما، وقد مر جوابه، واستدلوا على التخطئة بجميع ما استدل ~~به القائلون بالتخطئة دون التأثيم، وقد مر الجواب عن جميع ذلك. # حاصل المقام أن القائلين بتأثيم المخطئ جعلوا مسائل الظنيات كالمسائل ~~القطعيات، فجعلوا الرأي دينا، وهو خطأ عندنا معشر الإباضية. # وأما القائلون بأن المصيب في الظنيات واحد، ولا إثم على من أخطأ فيها، ~~فقد مر أنه لا خلاف بيننا وبينهم في المعنى، وإنما الخلاف في PageV02P283 ~~اللفظ فقط؛ لأنهم يسمون بعض المجتهدين في الظنيات مخطئا، ونحن لا نسميه ~~بذلك، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الاختلاف في القطعيات من مسائل الدين، فقال: # وإن يكن اختلافهم في الدين ... فاحكم بفسق واحد من ذين # اختلف في جواز الاجتهاد في مسائل الدين، وهي المسائل التي ثبتت بالأدلة ~~القاطعة، كمسائل الاعتقاد، ووجوب الصلاة والصيام، وغير ذلك مما ثبت بالأدلة ~~المتواترة وبالأدلة العقلية، فقيل: لا يجوز النظر والاجتهاد فيها، بل يجب ~~التسليم والتقليد، ونسب هذا القول إلى الحشوية وبعض المجبرة، وقيل: بجواز ~~الاجتهاد فيه، وهو الصحيح إذا لم يكن المجتهد قبل النظر والاجتهاد شاكا فيها. # حاصل المقام أن النظر فيها جائز، والشك محجور، فإن كان الناظر مجتهدا ~~إنما نظر في القطعيات ليزداد طمأنينة وإيقانا، فأصاب وجه الحق؛ فله أجر ~~الاجتهاد وأجر الإصابة، وإن أخطأ وجه الحق فيها؛ فهو آثم هالك لمخالفته ~~الأدلة القطعية، والدليل على جواز النظر والاجتهاد في القطعيات قوله تعالى: ~~{ أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت } (الغاشية: 17) الآية، وقوله تعالى: { ~~ألم تر إلى ربك كيف مد الظل } (الفرقان: 45) الآية، وقوله: {فانظر إلى آثار ~~رحمت الله } (الروم: 50) الآية، وكثير من الآيات على هذا المعنى، وقد مدح - ~~سبحانه وتعالى - خليله إبراهيم عليه السلام، في قوله: { رب أرني كيف تحيي ~~الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } (البقرة: 260). # وأما دليل تأثيم وفسق من أخطأ فما علم بالضرورة من هلاك اليهود والنصارى ~~والمشركين، وقد ms475 نطق كثير من الآيات بتهليكهم هذا في المشركين، وأما هلاك من ~~أخطأ في الحق من غير المشركين، فلقوله - صلى الله عليه وسلم - : "ستفترق ~~أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة"، على أن المسلمين قد ~~أجمعوا على تفسيق من أخطأ في الدين، وبيان ذلك أن كل فرقة من فرق الإسلام ~~تفسق من خالفها فيما تدين به؛ فظهر من ذلك PageV02P284 تفسيق المخالف في ~~الدين إجماعا، والفاسق هالك قطعا، وذهب الجاحظ إلى أنه لا إثم على من طلب ~~الحق، ولم يعاند، وهو باطل قطعا؛ لما يلزم عليه من القول بنجاة بعض اليهود ~~والنصارى والمشركين، لأن من طلب الحق منهم فأخطأه يكون ناجيا في زعمه، ~~والكتاب العزيز ناطق برد مقالته، وقد اعتذر له بعضهم بأن لم يرد ذلك، وإنما ~~أراد من طلب الحق ولم يعاند من فرق الإسلام، وعلى هذا الاعتذار فهو باطل ~~أيضا؛ لما يلزم عليه من جعل المحق والمخطئ في مرتبة واحدة، وهو ظاهر ~~البطلان، { أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون } (القلم: 35-36)، ~~وأيضا فما تقدم من الإجماع على تفسيق المخطئ في الدين حجة قاطعة في رد ~~مقالته بذلك. وقال عبد الله بن الحسن العنبري: "كل مجتهد مصيب في العقليات ~~والفروع"، قال البدر رحمه الله تعالى: "وهذا خطأ فاحش، والعجب كيف يصيب من ~~قال بقدم العالم، وتكذيب الرسول، ومن جعل الشريك لله ومن شبهه بالخلق ووصفه ~~بالعجز أو جعل معه قديما، أو لم يصفه بصفات الكمال"، ومقالة العنبري أبعد ~~في الخطأ من مقالة الجاحظ، وكل منهما ضلال. وقد اعتذر صاحب المنهاج عن ~~مقالة العنبري بأن خلافه راجع إلى كيفية التكليف بالمعارف الدينية، فعنده ~~أن المطلوب منا فيها الظن كالعمليات، وعندنا بل المطلوب العلم، قال: "وإذا ~~قال بذلك؛ فهو قريب من قول من زعم أن المقلد فيها ناج"، قال: "وقد مر ~~الكلام في # أن المطلوب العلم اليقين لا الظن والتقليد"، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان حكم الاجتهاد، فقال: # ويجب اجتهاده إن سئلا ... عنه وإن شاء به أن يعملا ms476 # وربما تعارض الأصلان ... فيجب الوقوف للحيران # أي يلزم المجتهد أن ينظر في الأدلة، ويستخرج حكم القضية في حالتين: ~~إحداهما: ما إذا سأله سائل عن رأيه في تلك القضية، وكان السائل محتاجا ~~للعمل فيها، والحالة الأخرى: ما إذا شاء المجتهد أن يعمل في شيء ~~PageV02P285 مما يصح الخلاف فيه، فإنه يلزمه أن ينظر في أقوى الأمارات، ~~ويأخذ بمقتضى أرجحها، فإن تعارضت معه الأدلة، ولم يمكنه الترجيح وجب عليه ~~الوقوف، ويلتمس الأرجح إن رجى حصوله، فإن غلب في ظنه عدم وجود الأرجح، ~~فقيل: يطرحها جميعا، ويرجع في تلك الحادثة إلى حم العقل، هذا قول محققي ~~المعتزلة، وقيل: بل يقلد الأعلم، إن كان عنده أن غيره أعلم منه في العلوم ~~كلها أو الفن الذي تلك الحادثة منه، وقيل: يتخير واحدا من الأدلة فيعمل به، ~~وقد مر بيان ذلك في بيان التراجيح، والصحيح أنه يكون في تلك بمنزلة الجاهل؛ ~~فيجب عليه إذا شاء العمل أن يأخذ بقول غيره فيها، كما يجب على ذلك الضعيف، ~~ويلزم المجتهد البحث فيما استدل به عن ناسخه ومخصصه، أي إن كان نصا؛ لم ~~يستدل به حتى يعلم او يظن أنه غير منسوخ ولا متأول بتأويل يخالف ظاهره، وإن ~~كان عموما فيبحث عن كونه مخصصا أم غير مخصص، وحكي عن الصيرفي أنه لا يجب ~~البحث عن ذلك، بل يستغني بما حضر في ذهنه، قال صاحب المنهاج: "وإذا وجب ~~البحث، فاعلم أنه ليس يجب عليه استقصاء الأخبار، بل يكفيه البحث في كتاب ~~جامع لأخبار الأحكام، وجملة الأمر أن البحث على وجهين: أحدهما: أن يوجب ~~عليه استقصاء الأخبار الواردة عنه - صلى الله عليه وسلم - حتى يعلم أو يظن ~~أنه لم يبق شيء مما روي عنه إلا وقد اطلع عليه، فلم يجد فيها ما يخصص دليله ~~أو ينسخه، والتكليف بذلك شاق # غاية المشقة، بل لو قيل متعذر لم يبعد لكثرة الرواية عنه - صلى الله عليه ~~وسلم - والرواة، حتى خرجت كثرة ذلك عن حد الضبط في تصحيح الرواية بالتعديل ~~للرواة، والنظر في المجروح والمعدول ومعرفة ms477 أحوالهم"، قال: "وهذا الوجه لم ~~يوجبه أهل التحقيق من علماء الأصول والفروع"، إلى أن قال: "والوجه الثاني: ~~أنه لا يجب عليه البحث إلا فيما قد ظهر تصحيحه"، إلى أن قال: "ثم إنه لا ~~يحب عليه البحث فيما عدا الآيات والأخبار الواردة في الأحكام الخمسة، وقد ~~PageV02P286 جمعها أهل الحديث في كتب مفردة، وزعموا أنهم قد استقصوا فيها ~~ما يتلق بالأحكام حتى لم يبق شيء يدل بمنطوقه ولا مفهومه على حكم شرعي إلا ~~وقد ذكروه فيما أفردوه للأحكام، فحينئذ لا يلزم البحث في غيرها؛ لأن ~~إخبارهم مثلا بأن هذا الكتاب قد أحاط بأخبار الأحكام يفيد الظن القوي لظهور ~~عدالتهم واطلاعهم، وحينئذ لا يجب على المجتهد البحث عن المعارض في النصوص، ~~بل إذا قال مصنف الكتاب: أنه قد أورد في كل باب ما يتعلق به من الأخبار لم ~~يلزمه البحث أن في ذلك الباب، لا في غيره من أبواب ذلك الكتاب إن غلب في ~~ظنه صحة ما ادعاه، وذلك حيث لا يكون للمسألة تعلق ببابين أو ثلاثة، فإن ~~تعلقت كذلك بحث في كل باب لها به تعلق، فهذا هو الذي يلزم المجتهد البحث ~~فيه من الأخبار"، قال: "وأما إذا استدل بالقياس؛ فتعارضت عليه الأشباه؛ ~~فالواجب عليه أن لا يبحث عن كل ما يجوز تعلق ذلك الفرع به من الأصول، حيث ~~كان له شبه بأصول متعددة أو تعارضت العلل التي يحتمل التعليل بها، فيرجع ~~إلى التراجيح بين الأشباه، فما حصلت فيه أغلبية الشبه عمل بها، وكذلك في ~~ترجيح العلل يعمل به حتى يرجح ما يختاره، فهذا هو الذي يلزم المجتهد في ~~اجتهاده"، هذا كلامه مع حذف بعضه، وهو ظاهر الحسن. # واعلم أنه إذا تكررت الواقعة من المسائل الاجتهادية، وكان قد اجتهد فيها، ~~وأداه نظره فيها إلى حكم؛ لم يلزمه عند تكررها تكرير النظر في وجه ~~استنباطه، بل يكفيه النظر الأول إذا كان ذاكرا لما كان قضى به رأيه فيها، ~~وقال صاحب الملل والنحل: "بل يلزمه تكرير النظر؛ لأنه يجوز أن يؤديه نظره ~~الثاني إلى ms478 أقوى من اجتهاده الأول، بخلاف المسائل العملية، وطريق العلم لا ~~يختلف، فلا يلزمه إعادة النظر فيها". ورد بأنه قد اجتهد فيها الاجتهاد ~~الأول، والأصل عدم أمر آخر يقتضي بطلان الاجتهاد الأول، فيبقي عليه، قال ~~صاحب المنهاج: "ويؤيد ذلك أن من تحرى القبلة في مسجد أو غيره، فأداه ~~PageV02P287 تحريه إلى جهة، أنه لا يلزمه إعادة التحري لكل صلاة يؤديها في ~~ذلك المكان؛ بل يكفيه التحري الأول، وهو نوع من الاجتهاد؛ فيلزم مثله في ~~سائر الاجتهادات، والله أعلم، ثم قال: # وامنع صدور متناقضين ... من عالم لسائل في حين # وجائز إن كان في وقتين ... لصحة الرجوع أو لاثنين # اعلم أنه لا يصح أن يصدر قولان متناقضان من عالم واحد لسائل واحد في وقت ~~واحد وحادثة واحدة؛ لتعذر اجتماع معتقدين متناقضين في محل واحد، وجاز ذلك ~~إن تكرر السؤال في وقتين، أو كان السائل اثنين: # أما الأول فلصحة الرجوع في الوقت الثاني عن القول الذي قال به في الوقت ~~الأول، إذ يمكن أن يظهر له في الوقت الآخر ما لم يظهر له فيما قبله. # وأما الثاني فلاحتمال اختلاف الأحكام باختلاف أحوال السائلين، فإنه قد ~~يختلف الحكمان في القضية الواحدة باختلاف الأحوال، ألا ترى أن أحكام المضطر ~~تخالف أحكام المختار، وأن بعض الرخص تبذل لبعض السائلين دون بعض، وهكذا ~~فيما أشبه ذلك، والله أعلم، ثم قال: # وباطل حكم الذي قد عدلا ... في حكمه عما رأى أو نزلا # اعلم أنه إذا اجتهد العالم في حادثة وجب عليه أن يلتزم ما رأى أنه الصواب ~~في حقه، فإذا أراد الحكم فيها لزمه أن يحكم فيها بما أداه إليه اجتهاده، ~~ولا يصح له أن يعدل عن اجتهاده؛ فيحكم بغيره، وكذلك لا يصح له أن يعمل ~~بغيره، فإن حكم أو عمل بغير ما أداه إليه اجتهاده بطل حكمه بذلك اتفاقا، ~~وأثم في عمله؛ لأنه قد خالف الحق في حقه، وكذلك يبطل حكمه إذا حكم بغير ما ~~أنزل الله تعالى في كتابه أو على لسان نبيه. # حاصل المقام أنه لا يبطل ms479 حكم المجتهد إلا في حالتين: إحداهما: إذا خالف ~~في حكمه اجتهاده، والأخرى: إذا خالف حكم الله فيها، أما في غير ذلك فلا يصح ~~PageV02P288 نقض حكم حاكم كان قد حكم به عن اجتهاد ونظر؛ لأن ذلك هو الواجب ~~في حقه، ولأنه لو جوزنا نقض ذلك الحكم باجتهاد آخر؛ جاز نقض ذلك الاجتهاد ~~المتأخر باجتهاد آخر، ثم كذلك في كل اجتهاد لا إلى غاية، فتفوت بذلك مصلحة ~~نصب الحاكم، أما خلاف الأصم في ذلك فإنه إنما كان بعد انعقاد الإجماع على ~~أنه لا ينقض الحكم باجتهاد آخر، فلا يعتد بخلافه، والله أعلم، ثم قال: # وإن رأى الجواز يوما ففعل ... ثم رأى الحرمة فالفعل انحظل # أي إذا اجتهد المجتهد في حادثة، فرأى جوازها فعمل به، ثم تغير اجتهاده ~~فرأى أمها حرام، فإنه يحجر عليه الإقامة على ذلك الفعل، مثال ذلك: إذا رأى ~~جواز تزويج الصبية أو جواز التزويج بغير ولي ففعل، أو رأى أن الطلاق ثلاثا ~~بلفظ واحد لا يقع إلا واحدة أو نحو ذلك، فعمل بما رأى، ثم رأى بعد ذلك أن ~~ذلك فعل حرام؛ لزمه أن يترك زوجته، وهذا مبني على القول بأن الاجتهاد ينقض ~~الاجتهاد، وهو الصحيح؛ لأن الاجتهاد الأول لا يكون عندنا بمنزلة الحكم حتى ~~لا يصح نقضه، وإنما هو حكم تعبد به المجتهد في ذلك الحال، فإذا رأى أن ~~الراجح غيره، فقد تعبد بذلك الغير، ولا مرية في جواز انتقال التعبد بتغير ~~الأحوال، وقيل: إن الاجتهاد الآخر لا ينقض به الاجتهاد الأول، وإنما يلزمه ~~العمل به في مستقبل الأوقات فقط، أي فيما ابتدأه من بعد لا في استمراره، ~~ومحل النزاع إنما هو في الأشياء المستدامة، كالإستمتاع بالزوجات، لا في ~~الأعمال الماضية، فإنه من عمل باجتهاده في صحة الوضوء أو الصلاة أو الحج لا ~~يلزمه قضاؤه، وإن تغير فيه اجتهاده اتفاقا، وكذلك من تغير اجتهاده بعد أن ~~طلق زوجته الصغيرة أو ماتت معه أو نحو ذلك؛ فإنه لا إثم عليه فيما فعله ~~باجتهاده الأول اتفاقا، فالخلاف في الأشياء المستدامة ms480 خاصة، أما الأعمال ~~المستأنفة فلا خلاف أنه يجب عليه العمل باجتهاده فيها في حاله PageV02P289 ~~ذلك، وهذا فرع على هذه المسألة، وهو أنه إذا رجح المجتهد عن اجتهاده كان قد ~~قلده فيه مقلد هل يلزمه إعلام مقلده بالرجوع أم لا؟ فقيل: إنه يلزمه ذلك؛ ~~ليرجع المقلد له إلى قوله الآخر، حيث هو مستلزم لمذهبه في رخصه وعزائمه، ~~ومقلد له في تلك المسألة فقط، وهذا مبني على القول بأن الاجتهاد ينقض ~~بالاجتهاد، وقيل: لا يلزمه إعلام مقلده بالرجوع؛ لأنه عامل في ذلك بقول من ~~أقوال المسلمين، وله أن لا يرجع عنه وإن رجع المفتي، وهو مذهب غسان بن عبد ~~الله - رضي الله عنه -، فإنه # لم يقل سليمان بن عثمان رحمه الله تعالى حين رجع عن فتواه في فلج الخطم، ~~وقضيتها مشهورة في كتب الفقه، وقد عرفت مما مر أن الخلاف في نقض الاجتهاد ~~باجتهاد آخر إنما هو فيما يستدام من الأعمال، وهو ههنا كذلك، فلا يلزم ~~العامل إعلام مقلده فيما فات اتفاقا، وإنما يلزمه إعلامه إذا كان مقلدا في ~~تلك PageV02P290 الحادثة له ولغيره ممن وافقه فيها؛ لأنه إذا رجع عنها هو، ~~فلمقلد إمام آخر متمسك بقوله، ولا يلزمه الرجوع برجوع أحد إماميه، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان منع المجتهد من تقليد غيره، فقال: # وإن أطلق الاجتهاد حرما ... عليه تقليد سواه فاعلما # وقيل: لا يحرم حتى يجتهد ... وبعد الاجتهاد فالمنع يرد # وقيل: بل يجوز مطلقا وفي ... هذا من البطلان ما لا يختفي # وقيل: إن كان صحابيا يصح ... وقيل: لا وهو المقال المتضح # وقيل: إن كان يفوت العمل ... بالاجتهاد جاز وهو أسهل # لا يصح لمن أطلق الاجتهاد في شيء من المسائل الظنية أن يقلد غيره فيها، ~~ولو كان الغير أعلم منه أو صحابيا، بل يجب أن ينظر لنفسه ما هو الحق في ~~حقه، ويحرم عليه تقليد غيره سواء أجتهد في تلك الحادثة؛ فظهر له الراجح ~~فيها أم لم يجتهد، وقيل: لا يحرم تقليد المجتهد لغيره قبل أن يجتهد في تلك ~~الحادثة، فإذا ms481 اجتهد فيها، ورأى الراجح؛ حرم عليه تقليد غيره، قيل: اتفاقا، ~~وحكى بعضهم الخلاف فيه أيضا، وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه والثوري: ~~بل يجوز له ذلك مطلقا، أي سواء كان المقلد أعلم منه أو ليس بأعلم، صحابيا ~~أو غير صحابي، خاف الوقت أن يفوت الوقت باشتغاله بالاجتهاد أو لم يخف؛ ~~لقوله تعالى: { فاسألوا أهل الذكر } (النحل: 43). ورد: بأنه قيد ذلك بقوله: ~~{ إن كنتم لا تعلمون }، والمجتهد يمكنه العلم، وقال محمد بن الحسن: "يجوز ~~تقليد الأعلم فقط؛ لأن الظن بصواب من هو أعلم منه أقوى من الظن بصوابه". ~~ورد: بأنه رجوع عن الواضح إلى المشكل، وقيل: إنما يجوز له تقليد الصحابي لا ~~غير؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم ~~اهتديتم". ورد: بأن ذلك إنما هو في حق من يصح له التقليد، أما المجتهد ~~ففرضه العمل باجتهاده، وقال ابن بركة: "تقليد الصحابة جائز في بعض ~~الأحكام"، ثم قال بعد: "يجوز تقليد الواحد منهم إذا قال قولا، ولم ينكر ~~عليه غيره، وأما إذا علم له مخالف فلا"، ثم قال: "ولا يجوز التقليد لأهل ~~الاستدلال والبحث في عصر غير الصحابة مع الاختلاف، ويجوز الاعتراض عليهم في ~~أدلتهم، ولا يجوز الاعتراض على الصحابة"، قال البدر رحمه الله: " وتفسير ~~كلامه - والله أعلم- أن الصحابة إذا اختلفوا تختار بين أقوالهم، ولا تحدث ~~عليهم قولا، وغير الصحابة إذا اختلفوا تجتهد لنفسك وحدك"، أقول: وظاهر كلام ~~ابن بركة: اعتبار إجماع الصحابة وإن كان سكوتيا، وأن قول الصحابي الواحد ~~عنده ليس بحجة. # وقال أهل العراق: يجوز للمجتهد أن يقلد غيره فيما يخصه لنفسه دون ما يفتي ~~به لغيره. ورد: بأنه لا فرق بينما يخصه لنفسه وبينما يفتي لغيره؛ لأنه في ~~الجميع متعبد بالأخذ بالراجح، وقال بعض: يجوز أن يقلد غيره فيما يخصه، بشرط ~~لو اشتغل بالاجتهاد فاته العمل، وهذا القولأسهل من الأقوال المتقدمة؛ لحصول ~~العذر بضيق الحال، ولأنه إذا لم يمكنه الاجتهاد في ذلك الحال كان بمنزلة من ~~يسعه التقليد من العوام؛ لعدم PageV02P291 التمكن من الاجتهاد ms482، وقال يحي بن ~~حمزة والجويني: "لا يجوز لأحد من المقلدين أن يقلد أحدا من الصحابة"، قال ~~يحي: "لأنه لم يكن لهم من الخوض في علوم الاجتهاد مثل ما لغيرهم من متأخري ~~العلماء"، وهذا باطل لأن اجتهاد الصحابة أوفى وأكمل؛ لأن علوم العربية ~~وأكثر أصول الفقه من عموم وخصوص، وإجمال وبيان ونسخ، وغير ذلك يعلمونه من ~~غير تعلم ولا نظر، بل لغريزة، ولا يصعب عليهم فهم معاني الكتاب والسنة، ولا ~~يحتاجون في نقل الأحاديث كما يحتاج المتأخرون من البحث عن حال الراوي وغير ~~ذلك، فلا شك في أن اجتهادهم أكمل، وقيل: لا يجوز تقليد الصحابة لكون ~~مذاهبهم لم تدون لا لقصورهم عن رتبة الاجتهاد، وهذا أيسر مما قبله، وإن كان ~~ليس بشيء أيضا؛ لأن التدوين ليس بشرط لجواز الأخذ بقول الغير، وإنما الشرط ~~في ذلك صحة النقل، فإذا صح النقل عن صحابي أو تابعي أو غيرهما؛ كان حكم ~~قوله كحكم أقول سائر المجتهدين، يجوز للضعيف الأخذ به، وعلى المجتهد النظر ~~لنفسه، ولا يصح له تقليد غيره إن أمكنه الاجتهاد كما مر. # والحجة لنا على ذلك الإجماع منعقد على أنه إنما يكلف بظنه حيث يكون له ~~طريق إلى الظن، ولا شك أن المجتهد يجد الطريق إلى الظن؛ فليس له العمل بظن ~~غيره إلا لدليل يبيح له العمل بظن مجتهد آخر، ولا دليل يدل على ذلك إلا في ~~المقلد فقط، قال ابن الحاجب: "جواز ذلك بحكم شرعي، فلا بد من دليل عليه؛ ~~لأنه إثبات حكم، بخلاف نفي الحكم فلا يحتاج إلى دليل بل يكفي فيه انتفاء ~~دليل الثبوت، وإذا كان ذلك إثبات حكم، وأنه يحتاج في إثباته إلى دليل، ~~فالأصل عدم الدليل، فلا يثبت مهما لم تقم دلالة عليه، وأيضا فالمجتهد متمكن ~~من الأصل، وهو العمل بظنه، فلا يجوز له العمل بالبدل مع التمكن من الأصل، ~~كالواجد للماء لا يجزيه التيمم، ولأنه لو جاز له التقليد قبل الاجتهاد؛ ~~لجاز بعده، والإجماع على أنه لا يجوز، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان التقليد ms483 العامي، فقال: PageV02P292 # وواجب تقليد غير المجتهد ... إن شاء فعلا لفقيه مجتهد # اعلم أنه يجوز لمن لا قدرة له على الاجتهاد أن يقلد العالم المجتهد بشرط ~~أن يكون معروفا بالعلم والعدالة، بل يجب عليه تقليده إذا شاء العمل في ~~القضايا التي لا يعرف الحكم فيها لقوله تعالى: { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ~~لا تعلمون } (النحل: 43)، فلو لم يكن تقليد العامي للعالم جائزا ما أمر ~~العوام بسؤال العلماء، وظاهر الأمر للوجوب، فهو واجب عند الحاجة إليه، ~~وقيل: لا يجوز التقليد والعمليات بل يجب عليه أن يسأل العالم لينبهه على ~~طريق الحكم؛ لأن العامي يمكنه العلم، فلزم تكليفه به، كالعالم وكما في ~~مسائل الأصول، وأيضا لا نأمن خطأ المفتي وجهله، والإقدام على ما لا يؤمن ~~كونه جهلا قبيح. ورد: بأنه كما علم المجتهد أن طريقه الاجتهاد كذلك علم ~~العامي أن طريقه الرجوع إلى العالم بدليل قاطع، فعلمه بتكليفه بالحكم عن ~~التقليد كعلم المجتهد للحكم، وأما كون الخطأ غير مأمون في أقوال المجتهدين؛ ~~فذلك مسلم في غير الظنيات، أما في الظنيات فالصواب أن جميع أقوال المجتهدين ~~فيها صواب، وقيل: إنما يجوز التقليد في العمليات في المسائل الظنية لا ~~القطعية؛ لأن الحق في المسائل القطعية مع واحد، فلا يؤمن المقلد فيها أن ~~يقلد المخطئ، فيكون إقداما على ما لا يؤمن قبحه. # ورد بأنه لو أوجبنا على العامي أن يميز بين المسائل القطعية والظنية من ~~الفروع، لكنا قد ألزمناه علوم الاجتهاد والإجماع، على أنه لا يلزمه أما ~~كونه لا يأمن خطأ من قلده، فكذلك لا يأمن أن المجتهد في الظنيات ليس عليه، ~~ولم يفته بما هو الحق عنده، حاصله أن العامي مأمور باتباع العلماء، وذلك هو ~~فرض، أما في المسائل الظنية فلا إشكال فيه لصواب جميع المجتهدين، وأما في ~~المسائل القطعية ففيه إشكال من حيث أن الخطأ فيها غير معفو لوجوب الأخذ ~~بالحق فيها إجماعا، لكن المسألة حينئذ قدرية، فإذا طابق اعتقاد العامي الحق ~~بتقليده أهل الحق وأتباعه لهم كان ذلك بتوفيق الله له، وإن خالف ms484 ~~PageV02P293 ذلك فهو من سوء حظه، والله - سبحانه وتعالى - لا يسأل عما ~~يفعل، وهم يسألون، والحجة لنا على جواز تقليد العوام للعلماء تواتر إجماع ~~السلف على ترك تنكير تقليد العوام للعلماء من غير مانع لهم من الإنكار، قال ~~الحاكم: "أجمعوا على جواز ذلك قولا وفعلا وتقريرا ورضى، وكذلك إجماع ~~التابعين، فإنه ظهر فيما بينهم رجوع العامي إلى العالم، والقبول منه"، قال: ~~"وذلك ظاهر عنهم؛ منهم من كان يفتي، ومنهم من كان يقبل، ومنهم من يقرر، ~~وظهر عنهم الأمر بالاستفتاء والفتيا، وهذا هو العمدة في جواز الفتيا"، قال: ~~"وهو أظهر أمر في الإجماع، فاقتضى جواز التقليد"، قال: "وليس لأحد أن يدعي ~~أنهم إنما رجعوا إليهم في تبيين طرق الأحكام؛ لأن فساد هذا أظهر من إنكار ~~استفتائهم، فإنه لم يرو أن أحدا في فتياه بين وجه القياس وطريقة الاجتهاد، ~~ثم إنا نعلم ذلك، كما علمنا أنهم لم يوجبوا على الحاكم أن يبين وجه ما حكم ~~به، ثم إن المفتي لو روى خبرا وجب قبوله، فكذلك إذا أفتى، ثم إنا لو كلفنا ~~العامي في معرفة وجوه الحوادث لزم في أكثر الأحوال فوات العمل بكثير من ~~الأحكام"، انتهى أخذا من منهاج الأصول. # أما قول أصحابنا في منع التقليد؛ فمرادهم به العمل بقول الغير من غير ~~مبالاة أصاب ذلك الغير أم أخطأ، كما فسره بذلك بعضهم، والتقليد بهذا المعنى ~~حرام اتفاقا، أما بالمعنى الذي أردناه نحن في النظم، وهو الأخذ بقول الغير ~~مع ظن الصواب والتماس الحق، فالأصحاب متفقون على جوازه في الظنيات، وكذلك ~~في القطعيات إن وافق الحق. # واعلم أنه يجب على المقلد البحث عن حال المفتي في الصلاحية للفتوى، وهل ~~هو جامع للاجتهاد والعدالة أم لا، وقيل: لا يلزمه ذلك، إذ لا طريق له إلى ~~تحقيقه، كما لا يلزمه البحث عن وجه الحكم. ورد بأنه إن لم يبحث عن حال ~~المفتي لا يأمن فسقه تصريحا أو تأويلا أو جهله بعلوم الاجتهاد أو بعضها، ~~فلا يصلح للفتوى؛ فيكون تقليده إقداما على ما لا PageV02P294 يؤمن قبحه ms485، ~~ويكفيه في ذلك سؤال من يثق بخبره، ويثمر الظن، ويكفيه أيضا أن يرى استفتاء ~~الناس إياه معظمين له آخذين بقوله، قال صاحب المنهاج: "إذا كان في بلد ~~شوكته لأهل الحق الذين لا يسكتون على منكر، وإلا لم يأمن مع استفتاء الناس ~~إياه كونه غير صالح"، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان إفتاء العامي بقول إمامه، فقال: # وجائز لذا الضعيف يفتي ... سواه بالذي رآه المفتي # في حضرة المفتي وفي غيبته ... وقيل: لا يجوز في حضرته # وقيل: لا يجوز مطلقا وما ... قدمته هو الصحيح فاعلما # يجوز لضعيف العلم حكاية قول العالم في الأحكام بلا خلاف بين العلماء؛ لأن ~~ذلك ضرب من الإخبار، ولا خلاف في صحته عند الضبط والإتقان، لكن الخلاف في ~~جواز إفتائه بقول العالم الذي أخذ عنه تلك الفتيا، وذلك بأن يسوق الكلام ~~مساق الجزم بالحكم، فيقول: هذا حلال وهذا حرام مثلا، فقيل: بجواز ذلك ~~مطلقا، واشترط بعضهم في هذا القول أن يكون المفتي إنما يفتي بنص قول إمامه، ~~وقيل: لا يجوز مطلقا؛ لأنه ليس أهلا للإفتاء، وقيل: إن كان مطلعا على مأخذ ~~إمامه جاز له ذلك، وصح له التخريج على مذهب إمامه، وقيل: إنما يجوز للمخرج ~~الإفتاء بتخريجه عند عدم المجتهد، لا مع وجوده في تلك الناحية، إذ لا يجوز ~~العمل بالأضعف مع إمكان الأقوى. # والصحيح أن فتوى الضعيف بنص عبارة المفتي جائزة في غيبة المفتي وفي ~~حضرته، عرف عدلها أو لم يعرف، إذا كان متيقنا% بمن أخذ عنه؛ لأن ذلك ليس ~~بأشد من عمله، فإذا جاز له أن يعمل بقول المفتي جاز له أن يفتي به، إذ لا ~~فرق بينهما، أما الفتوى بالتخريج من مذهب المفتي فلا تصح إلا من المطلع على ~~المأخذ العارف بالأدلة ومواردها، إذ لا يكون التخريج إلا لمن يكون من أهل ~~النظر، فمن كان من أهل النظر والاستدلال جاز له التخريج على مذهب العالم، ~~وهو مذهب الإمام PageV02P295 الكدمي وجمهور المشارقة والمغاربة، خلافا لمن ~~منع ذلك، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان تقليد ms486 الضعيف لعالمين فأكثر، فقال: # وجائز تقليد عالمين ... لسائل إن كان في شيئين # ولا يجوز في قضية لما ... يلزم من تناقض قد علما # اعلم أن تقليد العامي لعالمين فصاعدا إما أن يكون تقليده لهما في شيء ~~واحد أو في شيئين، فإن كان في شيء واحد، فإما أن يتفق قولهما في تلك ~~الحادثة، وإما أن يختلفا فيها، فإن اختلفا؛ فلا يصح تقليدهما في حال واحد ~~معا اتفاقا؛ لأن تقليدهما معا في تلك الحادثة وذلك الحال مفض إلى التناقض، ~~فإن أحدهما يجوز الإقدام مثلا، والآخر يمنع، فلا يتصور تقليدهما في ذلك، ~~وإن اتفقا في تلك الحادثة، ففي جواز تقليدهما الخلاف الآتي في تقليد ~~عالمين، والصحيح عندنا جوازه؛ لأن الظن بصواب عالمين أقوى منه بصواب عالم ~~واحد، وأيضا فالإجماع إنما كان حجة بسبب اتفاق أقوال العلماء في حادثة، فلو ~~لم يصح تقليد عالمين إذا اتفقا؛ لما صح تقليد ثلاثة اتفقوا، وكذا الأربعة ~~وكذا الخمسة، فيؤول ذلك إلى إبطال حجية الإجماع رأسا، وهو خلاف المشروع. # وإن كان تقليدهما في شيئين فصاعدا أو في حالين، فالصحيح أيضا عندنا جوازه ~~سواء كان قد التزم مذهب عالم من العلماء أو لم يلتزمه، فيصح له أن يأخذ من ~~هذا العالم مسألة، ومن الآخر أخرى، وهذه المسألة معروفة عندهم بمسألة ~~الانتقال عن مذهب إمامه إلى مذهب إمام آخر، وحجتنا على جوازه أن كل مجتهد ~~مصيب، فلم يحرم علينا في الشرع إلا الانتقال من الصواب إلى الخطأ، لا من ~~صواب إلى صواب، فلا مقتضى لتحريمه لا عقلا ولا شرعا، إذ يصير كالواجب ~~المخير، فإنه جائز لكونه انتقالا من صواب إلى صواب، فكذلك المقلد إذا قلد ~~مجتهدا ثم انتقل إلى مجتهد آخر، فهو كمن شرع في واحد من أنواع الكفارة، ثم ~~ترجح له فعل النوع الآخر منها، فكما لا حظر عليه في ذلك؛ كذلك المقلد إذا ~~انتقل، PageV02P296 وإنما الحظر في ذلك على القول بأن الحق مع واحد، ~~والمخالف مخطئ، وقد قدمنا بطلانه، وأيضا فكما جاز للمقلد اختيار ما شاء من ~~المذاهب في ms487 الابتداء بلا خلاف لإصابة المجتهدين؛ استصحبنا الحال بعد ~~تقليده؛ لأنهم إذا لم يتجدد له ما يحرم ذلك، وقيل: ليس للمقلد الانتقال بعد ~~التزام مذهب إمام إلى مذهب آخر لغير مرجح؛ لأنه اختار المذهب الأول؛ ولا ~~يختاره إلا وهو راجح من غيره عنده، فليس له الخروج عنه، كما ليس للمجتهد ~~الانتقال عن اجتهاده لغير مرجح، وهذا مما لا خلاف فيه في حق المجتهد، ولا ~~علة لتحريمه إلا لكونه خروجا عما قد اختاره لغير مرجح للخروج، فكذلك خروج ~~المقلد لغيره، ونسب هذا القول إلى الأكثر، قالوا: وتجويز ذلك يؤدي إلى ~~التهور في الأعمال الشنيعة، وتتبع الشهوات، بأن يختار لنفسه من الأقوال ما ~~يؤديه إلى نيل شهواته، لا لكونه دين الله، ولا قائل بالتنقل في المذاهب ~~لمجرد اتباع الشهوات، قالوا: وقد نص علماؤنا على أنه محرم إجماعا، ثم إنهم ~~جوزوا الانتقال من مذهب إلى مذهب لأمور منها: # - أن يعرف المقلد حجج المختلفين في ذلك الحكم، ويكون من أهل النظر، ~~فتترجح له حجة مخالف إمامه؛ فحينئذ يجوز له الانتقال إلى ما ترجح له. # - ومنها أن ينكشف له أن إمامه ذلك ناقص في عدالته أو في اجتهاده عن القدر ~~المعتبر؛ فينتقل عن تقليده إلى تقليد الأكمل. # - ومنها أن ينتقل إلى أفضل من إمامه أو أوسع علما أو أشد ورعا، ثم ~~اختلفوا في الوجه الذي يصير به المقلد ملتزما لمذهب إمامه، فقيل: إنه يصير ~~مقلدا ملتزما بالنية فقط، وهي العزم على العمل بمذهبه في حكم أو في جميع ~~مسائله؛ لأن التقليد كالاجتهاد، فكما أن المجتهد متى عزم على العمل بما ~~أداه إليه نظره؛ صار ذلك الاجتهاد مذهبا له، كذلك اختيار المقلد لمذهب ~~عالم، هو كالاجتهاد منه في ذلك الحكم، وقيل: بالنية والعمل، فهما لم يعمل؛ ~~فهو غير ملتزم لأنه إذا نوى ولم يعمل كان كالمجتهد الذي لم يجزم بشيء، ~~وقيل: بل PageV02P297 بالنية والقول والعمل؛ لأن التقليد إلتزام وإيجاب على ~~النفس أن لا يعدل عن قول هذا العالم، والإيجاب كالنذر، فكما لا ينعقد النذر ~~بمجرد نية ولا ms488 عمل بل لا بد من لفظ، كذلك التزام المذهب لا بد من أن يقول: ~~قد التزمت قول فلان في كذا أو مذهب فلان في مسائله كلها. # أقول: وهذا كله مما لا دليل عليه، فإن السلف من الصحابة ومن بعدهم كانوا ~~على خلاف ذلك، فإن المعلوم من حال الصحابة - رضي الله عنهم - أنهم لم ~~يلزموا من سأل واحدا منهم عن حكم واحد وعمل بفتواه أن لا يسأل غيره عن غير ~~ذلك الحكم، ولا أنكروا عليه ذلك، ولا نقله أحد، لا عدل ولا غير عدل، ولو ~~وقع لنقل واشتهر؛ لأنه مما تقضي العادة بنقله، وكذلك في زمن التابعين ~~وتابعي التابعين إلى وقتنا هذا، فكان إجماعا على جوازه، أما قياسهم المقلد ~~على المجتهد فممنوع لو وجد الفارق بينهما، وهو أن المجتهد إذا تبين له ~~الراجح منع من العدول عنه لكونه حكم الله في حقه، فعدوله إنما يكون عدولا ~~عن فرضه إلى غيره، ورجوعا من الواضح إلى المشكل، وحال المقلد بخلاف ذلك، ~~فإن أخذه بقول العالم ليس طريقا إلى معرفة الراجح، وإنما هو اختيار منه لكن ~~جميع أقوال المجتهدين صوابا، فحاله بعد التقليد كحاله من قبله، نعم نمنع ~~الانتقال من مذهب إلى مذهب لمجرد التشهي والحظوظ العاجلة؛ لن ذلك يؤدي إلى ~~الانهماك في الرخص وعدم المبالات بالديانة، حتى أن أصحابنا رحمهم الله ~~تعالى منعوا من إفتاء طالب الرخصة قبل الوقوع فيها، وما ذلك إلا لخوف ~~التساهل في الديانة وطلب الحزم في أمور الدين، والنجاة للمسلمين. وتجويز ~~المانعين الانتقال في بعض الصور ناقض لقياسهم المذكور، فإن قياسهم يقتضي ~~إطلاق المنع، وذلك التجويز تخصيص غير مخصص، فهو نقض لمذهبهم، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان ما إذا تعدد المجتهدون، وكان فيهم الفاضل والمفضول، فقال: # وجائز تقليد غيره الأفضل ... إن كان موثوقا به إن يسأل PageV02P298 لأنه ~~في زمن الصحابة ... قد شهر الإفتاء من جماعة # وفيهم الفاضل والمفضول ... ولا نكير عنهم منقول # إذا تعدد المجتهدون، واختلفت أقوالهم، وكان فيهم الفاضل والمفضول، قال ~~ابن الحاجب وغيره: يجوز للمستفتي ms489 أن يقلد غير الأفضل، ولا يلزمه أن يتحرى ~~الأكمل في العلم والورع إذا كانوا جميعا أهل اجتهاد وعدالة، إذ قد حصل ~~المصحح في كل واحد منهم، وقيل: بل يلزمه تحري الأكمل في معرفة علوم ~~الاجتهاد؛ ليقوي ظن الصحة لفتواه، كالمجتهد يلزمه تحري أقوى الأمارات ~~الدالة على الحكم، والصحيح جواز تقليد المفضول مع كمال أسباب الاجتهاد ~~والثقة بعدالته، وسكون القلب إلى فتواه، والدليل على ذلك أن الإفتاء قد شهر ~~في زمن الصحابة من جماعة فيهم الفاضل والمفضول، ولم ينكر أحد منهم إفتاء ~~المفضول، ولم يعنف سائله، ولو كان ذلك غير واسع للناس ما سكت عليه الصحابة، ~~فهو إجماع على جوازه منهم، وكذلك وقع في زمن التابعين وتابعيم إلى يومنا ~~هذا، ولا نكير من أحد من المسلمين، فكان إجماعا من التابعين ومن بعدهم ~~أيضا، فلا وجه للقول بخلافه، أما قياس المقلد على المجتهد فممنوع؛ لأن ~~المجتهد إنما يلزمه النظر في الأدلة، والعامي إنما يلزمه سؤال العلماء، ~~وعلى العالم النظر له، فإذا سأل عالما من العلماء كان قد أدى ما شرع في حقه. # فإذا وجد السائل عالمين أحدهما أعلم والآخر أورع، فقد اختلفوا هل الأعلم ~~أولى أم الأورع؟ فقيل: الأعلم؛ لقوة معرفته مأخذ الحكم، وقيل: الأورع؛ لجده ~~واجتهاده في توفية الاجتهاد حقه، وتوقي التقصير فيما يلزمه الوفاء به، أما ~~إذا انخرمت عدالته فلا يصح تقليده اتفاقا، فإذا استوى المجتهدون في العلم ~~والفضل، فقيل: إن السائل يخير في الأخذ بأيهما شاء، كالمجتهد إذا تساوت معه ~~الدلالات، وهو مذهب علي بن عزرة والحسن بن أحمد، وقيل: بل PageV02P299 يأخذ ~~بالأخف في حق الله، لقوله تعالى: { يريد الله بكم اليسر } (البقرة: 185)، ~~وبالأشد في حقوقنا؛ لأنه أحوط، وقيل: بل يأخذ بأول فتيا؛ لأنه بسؤاله قد ~~لزمه قبوله، وقيل: بل يخير في حق الله تعالى بين أيهما شاء لقوله تعالى: { ~~وما جعل عليكم في الدين من حرج } (إبراهيم : 78)، وأما في حق العباد فيأخذ ~~الحكم لترتفع الخصومة لو اختار أيها، واختار خصمه خلافه، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان ms490 الاجتهاد في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: # وفي زمن المصطفى قد وقعا ... من الصحابة اجتهاد سمعا # مثل صلاة العصر في قريضة ... وفي بني النضير قطع اللينة # قد تقدم في أول ركن السنة الكلام في اجتهاده - صلى الله عليه وسلم -، وهل ~~هو واقع منه أم غير واقع، ونذكر هاهنا حكم الاجتهاد من غيره في زمانه عليه ~~الصلاة والسلام، وقد اختلف الأصوليون في صحة الاجتهاد في عهده - صلى الله ~~عليه وسلم -، فقال الأكثر من العلماء: بصحته في غيبته، ومنهم من منع ~~الاجتهاد في عصره - صلى الله عليه وسلم - في الغيبة والحضرة لإمكان الرجوع ~~إليه بالمشافهة أو المراسلة، ولأن الاجتزاء بالاجتهاد مع وجود النبي - صلى ~~الله عليه وسلم - اجتزاء بالظن عن العلم، وحكي عن جماعة من الأصوليين ~~التوقف في جوازه بحضرته، وإن جاز في غيبته، والصحيح أن الاجتهاد في عهده - ~~صلى الله عليه وسلم - جائز وواقع، والدليل على ذلك ما روي أنه - صلى الله ~~عليه وسلم - أمر بلالا فأذن بالناس: "من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر ~~إلا ببني قريضة"، وهم طائفة من اليهود بالمدينة من حلفاء الأوس، عزم رسول ~~الله - صلى الله عليه وسلم - على غزوهم، فسار الناس إليهم، وقد شغل جماعة ~~من الصحابة ما لم يكن لهم منه بد عن المسير لبني قريضة ليصلوا بها العصر، ~~فأخروا صلاة العصر إلى أن جاؤوا بعد عشاء الآخرة امتثالا لقوله - صلى الله ~~عليه وسلم - لا يصلين العصر إلا في بني قريضة، فصلوا العصر بعد عشاء ~~الآخرة، وبعضهم صلى العصر PageV02P300 في وقتها في أماكنهم، وقالوا: ~~"وقالوا ما يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منا أن ندع الصلاة ~~ونخرجها عن وقتها، وإنما أراد الحث على الإسراع"، فما عابهم الله في كتابه، ~~ولا عنفهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأن كلا من الفريقين مجتهد، ~~وكذلك ما نقل من تقريره عليه الصلاة والسلام للرجلين اللذين أحدهما يقطع ~~اللينة من نخل بني النضير، والآخر يصلح ذلك، وقد تقدمت حكايتهما، ونزلت ~~الآية بتصويبهما، وذلك قوله تعالى ms491: { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة ~~على أصولها # فبإذن الله } (الحشر: 5)، وكذلك ما نقل من خبر معاذ حين وجهه - صلى الله ~~عليه وسلم - إلى اليمن، وقد قال: "أجتهد برأيي"، وأقره - صلى الله عليه ~~وسلم -، وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي موسى حين وجهه إلى اليمن: ~~"اجتهد برأيك". قال المانعون: تجويز الاجتهاد في عصره يؤدي إلى الاستغناء ~~عنه - صلى الله عليه وسلم - . وأجيب: بأنه لا يؤدي إلى ذلك؛ لأن النبي - ~~صلى الله عليه وسلم - هو المبلغ والآمر بالاجتهاد، والمبين لأصول الحادثة ~~وما يقاس عليه، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان إمكان خلو بعض الأزمنة من مجتهد، فقال: # وممكن خلو بعض الزمن ... على الصحيح من فقيه فطن # اختلفوا في إمكان خلو الزمان من مجتهد يرجع إليه عند الحادثة، فقيل: جائز ~~أن يخلو الزمان من المجتهد، واختاره البدر، وهو الصحيح، وأظن أنه مذهب ~~الجمهور، وقيل: لا يجوز خلوه من مجتهد، ونسب هذا القول إلى الجبائي ~~والحنابلة، وقال ابن دقيق العيد: "لا يجوز خلو الزمان من المجتهد ما لم ~~يتداع الزمان بتزلزل القواعد، فإن تداعى بأن أتت أشراط الساعة الكبرى، ~~كطلوع الشمس من مغربها، وغير ذلك جاز الخلو عنه"، والمنع من خلوه مطلقا هو ~~مقتضى مذهب من منع تقليد الميت؛ لأنه إذا منع من تقليد الميت؛ وجب أن يكون ~~في كل زمان مجتهد يجوز للناس أخذ دينهم عنه، لقوله تعالى: { فاسألوا أهل ~~الذكر إن كنتم لا تعلمون } (النحل: 7)، ولا يأمرنا PageV02P301 تعالى أن ~~نسأل غير موجود، والتكليف بذلك مما لا يطاق، فلزم وجود المجتهد في كل زمان، ~~ونحن لا نمنع من تقليد الميت بل نجوزه، فلذا نجوز خلو خلو الزمان من ~~المجتهد. # اعلم أنهم اختلفوا في جواز تقليد الميت على ثلاثة مذاهب: قيل: بجوازه ~~مطلقا، وقيل: بمنعه مطلقا، وقيل: إن أفتاه في حياته بقي على تقليده فيما ~~كان قد أفتاه به، وإن مات ولم يسمع الفتوى منه في حياته، وإنما نقلت إليه ~~بعد موته؛ فلا يجوز له تقليده حينئذ، إذ لا يعقل ms492 تقليده من قد سقط عنه ~~التكليف بالموت، قالوا: وهل هو إلا كأن يلتزم رجل تقليد رجل ذاهب العقل في ~~الحال مجنونا لا تكليف عليه، فيقول: قد التزمت مذهب هذا المجنون فيما كان ~~اجتهده قبل جنونه، أو كمن يلتزم مذهب رجل قد كفر بعد اجتهاده أو فسق وكان ~~عدلا عند الاجتهاد، قالوا: وتقليد المجنون والكافر والفاسق لا يجوز ~~بالإجماع، فكذلك الميت؛ لأنه مساو لهم. ورد: بأنه إن صح الإجماع على منع ~~ابتداء تقليدهم حال الجنون والكفر والفسوق فيما كانوا قد اجتهدوا فيه، ~~فلعله لمانع آخر، وهو لحوق التهمة لهم فيما سبق من اجتهادهم، وتجويز صدورها ~~عن مثل الأحوال التي هم عليها في الحال، قيل: وتقليد الحي أولى لوجهين: ~~أحدهما أنه مجمع على صحته إلا من منع التقليد في الفروع، بخلاف الميت، ~~وثانيهما: أن الحي نعلم استمراره على القول بذلك الاجتهاد، والميت لا نأمن ~~أنه لو كان حيا ترجح له خلاف ما قد قال به، والله أعلم. # ثم إنه أخذ في بيان الركن الثاني من ركني الاجتهاد، وهو محل الاجتهاد، فقال: # أما محل الاجتهاد فهو ما ... لم يكن الإله حكما # ولم يرد فيه عن الرسول ... ولا عن الإجماع في المنقول # فإنه مثل ذي القضية ... ثم اجتهاد علماء الأمة # محل الاجتهاد: حادثة لم يوجد فيها حكم عن الله تعالى في كتابه ولا على ~~لسان رسوله، ولم ينقل في حكمها إجماع من المسلمين، فإن كان في الحادثة ~~PageV02P302 شيء من الأحكام الثلاثة وجب اتباعه، وحرمت مخالفته إجماعا، وإن ~~لم يوجد فيها حكم من الأصول الثلاثة؛ وجب هناك الاجتهاد على من أطاقه من ~~الأمة، وفيها لزم العامي التقليد إذا شاء العمل، فقوله: "فإنه في مثل ذي ~~القضية" إلخ، القضية المشار إليها هي القضية التي لم يوجد فيها نص ولا ~~إجماع، ومعنى قوله: "ثم اجتهاد علماء الأمة"، أي كمل لهم حكم الاجتهاد في ~~تلك القضية، فالقضية المنصوص على حكمها لا يتم لأحد اجتهاد فيها، وإن نظر ~~في أصولها، فإنما غاية نظره العلم بحكمها من أصلها، والتسليم لها ms493، ولا يصح ~~خلافها، بخلاف القضية الخالية من النصوص والإجماع، فإن اجتهاد العلماء فيها ~~تام، بمعنى أنه مستوف لحكم الاجتهاد، وتوضيحه أن الاجتهاد في القطعيات وإن ~~جاز؛ لا يكون جامعا لأحكام الاجتهاد، وإنما يجوز لأجل الاطمأنانية واليقين، ~~وأن الاجتهاد في الظنيات مستكمل لأحكام الاجتهاد، ففي ذكر التمام براعة حسن ~~اختتام، فإن في هذا المقام قد انتهى الكلام على الأدلة والأحكام، والله ~~الموفق، وبيده خزائن كل شيء، والحمد لله رب العالمين، ثم قال: # تتمة # قد أشرقت شمس الأصول في سما ... تحقيقها وأظهرت ما أبهما # يقال: أشرقت الشمس وشرقت: إذا طلعت، وفرق بعضهم بين الإشرق والشروق، فخص ~~الشروق بالطلوع، والإشراق بانتشار الضوء، فالإشراق عندهم ظهور ضوء الشمس، ~~استعارة هنا لتمام هذا النظام، ورشح الاستعارة بذكر السماء وشمس الأصول علم ~~على هذه المنظومة، سمتها بذلك لتوضيحها قواعد الأصول، فكما أن الشمس الذي ~~هو الكوكب المضيء نهارا ينكشف به كل ظلمة، ويظهر كل خفي عن الأبصار، كذلك ~~هذه المنظومة ينكشف بها للعقول كلما كان مختفيا عنها، ملما كانت معانيها قد ~~لا يفهمها الضعيف، وإن كانت واضحة لأهل الأبصار؛ احتجنا إلى تبيينها إعانة ~~للسالكين، فوضعت عليها هذا الشرح، وسمته بطلعة الشمس، ووجه PageV02P303 ~~المناسبة في ذلك ظاهر، وهو أن الأبصار لا تدرك هذا الكوكب إلا بعد طلوعه، ~~فشبهنا هذا الشرح بذلك الطلوع؛ لأن معاني هذا النظم لا تدركه غالب البصائر ~~إلا بالشرح، والتحقيق إثبات المسألة بدليلها والتكلم بالحق، والوجه الثاني ~~هاهنا أظهر، والإظهار نقيض الإخفاء، والإبهام هو الإخفاء، والمعنى أن هذا ~~النظم المسمى بشمس الأصول قد تم ملتبسا بالتحقيق، ومبينا ما كان من قبله ~~مختفيا، والله أعلم، ثم قال: # وأبرزت مخدرات الفن ... في قالب النظم البديع الحسن # يقال: أبرزت الشيء: إذا أخرجته من مكان مستتر إلى مكان منكشف، والمخدرات: ~~النساء المقيمات في الخدور، وهو الحجاب المضروب عليهن، والمراد به هاهنا ~~المسائل المستترة، وهي قواعد الأصول. والفن: بمعنى النوع، والمراد به هنا ~~أصول الفقه، وقد كثر إطلاقهم اسم الفن على العلم، فيقولون فن الأصول وفن ~~الفقه وفن الكلام ms494 إلى غير ذلك، ويسمون الجميع فنون العلم. والقالب: آلة ~~قانونية يعرف بها مقادير الأشياء المنطبعة، كالذهب والفضة والحديد والرصاص، ~~بحيث يصب فيها ذلك الشيء، فتخرج على الحالة المقدرة المعلومة، شبه النظم ~~به؛ لأن النظم آلة قانونية أيضا، يعرف بها أوزان الشعر على جهة مخصوصة. ~~والبديع: الحسن، وفي إضافته إلى الحسن مبالغة ظاهرة، والمعنى أن هذه ~~المنظومة أبرزت المستتر من قواعد الأصول في النظم الحسن، الذي هو كالقالب ~~للأشياء، والله أعلم، ثم قال: # وبينت عجاب هذا العلم ... ولينت صعابه للفهم # التبيين: بمعنى التوضيح. والعجاب: اسم لما يتعجب منه لغرابته في النفوس، ~~واستعظامها له. والتليين: عبارة عن جعل الشديد لينا، واللين: لطافة مخصوصة، ~~تجمد تارة وتذم أخرى بحسب المقاصد واختلاف الأحوال. والصعاب: جمع صعب، وهو ~~ما تشدد من الإبل، استعاره هنا PageV02P304 لما صعب على الفهم من قواعد ~~الأصول. والفهم: الإدراك، يقال: فهم المسألة، إذا عرفها. والمعنى أن هذه ~~المنظومة وضحت من هذا العلم ما يتعجب منه لعظمه في النفوس ولعزة وجوده، ~~وقربت للفهم ما صعب عليه معرفته، والله أعلم، ثم قال: # وذللت قطوفه تذليلا ... وصيرت مخوفه سبيلا # يقال: ذللت الدابة، إذا جعلتها سهلة منقادة، فهي ذلول، أي لا تمتنع على ~~قائدها، لا تتصعب على راكبها. والقطوف: جمع قطف، وهو ما يقتطف من الثمر. ~~والمخوف: ما يحاذر منه. والسبيل: الطريق، والمراد به الطريق الآمن. والمعنى ~~أن هذه المنظومة جعلت ثمار الأصول سهلة لقطافها، لا تمتنع عليهم كيف شاؤوا، ~~وأنها صيرت المكان الذي يحاذر من سلوكه طريقا آمنا، يسلكه كل طاب، والجميع ~~تمثيل، والله أعلم، ثم قال: # فسهلت للسالكين مقصدا ... وأهلت للرائدين موردا # يقال: سهلت الشيء، إذا جعلته سهلا، والسهل: نقيض الحزن، والحزن: المكان ~~الصلب الشديد. والسالكين: جمع سالك، وهو الآخذ في السير، والمراد به هاهنا ~~الطالبون للعلم. والمقصد: موضع القصد، وهو التوجه، يقال: قصد فلان فلانا، ~~إذا توجه إليه. وتأهيل الشيء: جعله أهلا لما أعد له، أي صالحا لذلك. ~~والرائدين: جمع رائد، وهو من يطلب الماء للرفقة. والمورد: وزن: مسجد، موضع ~~الورود. والمعنى ms495 أن هذه المنظومة جعلت لطلاب العلم طريقا سهلا يتوجهون فيه ~~إلى مطلوبهم، وهيأت لهم غاية مرادهم منه، والله أعلم، ثم قال: # وأحمد الله الجزيل المنن ... على تمامها بهذا السنن # حمدا به أكون من أهل الوفا ... بدينه والتابعين المصطفى # وصلى عليه ربنا وسلما ... وزاده من فضله وكرما # ورفع الله لواء الحمد ... له على كل محق مهدي PageV02P305 يقال: جزل ~~الحطب، إذا عظم وكثر، ثم استعير لسعة العطاء، وجزيل المنن واسعها. والمنن: ~~جمع منة بالكسر، وهي النعمة، وأما المنة بالضم؛ فهي القوة. والسنن: قال في ~~المصباح: "الوجه من الأرض، وفيه لغات أجودها بفتحتين، والثاثية بضمتين، ~~والثالثة وزان رطب"، قال: "ويقال: تنح عن سنن الطريق وعن سنن الخيل، أي عن ~~طريقها، وفلان على سنن واحد، والسنن في البيت بمعنى الطريق". والوفاء ~~بالشيء: الإتيان به على وجه التمام. والدين: هو ما شرع لنا، وهو الملة ~~والشريعة بمعنى واحد. والمصطفى: بمعنى المختار، يقال: اصطفاه إذا اختاره، ~~وقد تقدم معنى الصلاة والسلام. والفضل: الخير. والتكريم هنا بمعنى التعظيم. ~~والمحق: من أصاب الحق، ومن جاء بالحق. والمهدي: الدال على الهدى. والمعنى ~~أثني على الله تعالى واسع المنن على تمام هذه المنظومة بهذا الطريق المحمود ~~ثناء يكون سببا لي في كوني من أهل الوفاء بما شرع لنا من الهدي، ومن ~~التابعين لمن اختاره الله لنا نبيا وعلى رسالته أمينا - صلى الله عليه وسلم ~~-، وزاد من مقامه العالي من الخيرات الكثيرة التي لا يعلم كنهها إلا هو - ~~سبحانه وتعالى -، وزاد في تعظيمه وتجليله وأعلا له المنزلة على كل نبي جاء ~~بالحق وهدى إليه، وفيه إشارة إلى طلب المقام المحمود له - صلى الله عليه ~~وسلم - المشار إليه بقوله تعالى: { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } ~~(الإسراء: 79)، قال البيضاوي: "وهو مطلق في كل مقام يتضمن كرامة"، قال: ~~"والمشهور أنه مقام الشفاعة؛ لم روى أبو هريرة أنه عليه الصلاة والسلام ~~قال: " هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي""، والله أعلم، قال: # وشملت صلاته أهل الهدى ... من آله وصحبه سم العدا # الضاربين الهام في الهيجاء ms496 ... حتى استقامت سبل العلياء # والتابعين المقتفين إثرهم ... والباذلين للإله نصرهم PageV02P306 فبذلوا ~~النفوس أي بذل ... وختم الله لهم بالفضل # شملت: بمعنى عمت، يقال: شمل المطر الناحية، إذا عمها. وصلاته: أي رحمته. ~~والهدي: يطلق على البيان والتوفيق، وعلى ما لا يعلم إلا من لسان الأنبياء. ~~والسم: بالفتح في لغة الأكثر، وبالضم في لغة أهل العالية، وبالكسر في لغة ~~تميم: هو القاتل من المطعومات. والهام: جمع هامة، وهي من الشخص رأسه. ~~والهيجاء: الحرب. واستقامة الشيء: استواؤه واعتداله. والسبل: جمع سبيل ~~كطريق وزنا ومعنى. والعلياء في اللغة: خلاف السفلى، تضم العين قتقصر وتفتح ~~فتمد، قال ابن الأنباري: "والضم مع القصر أكثر استعمالا"، فيقال: شفة عليا ~~وعلياء، وأصل العليا: كل مكان مشرف، ثم استعمل عرفا في شرف الخصال ومكارم ~~الأحوال، والمراد به هاهنا دين الله الذي شرعه لعباده. والتابعين: جمع ~~تابع، وهو في العرف من أدرك الصحابة أو بعضهم، ولم يدرك النبي - صلى الله ~~عليه وسلم -، والمراد به هاهنا كل من سلك طريقة الصحابة واهتدى بهداهم. ~~والاقتفاء: الإتباع. والأثر: بكسر الهمزة والسكون، بمعنى الأثر بفتحتين، ~~كناية عن الإتباع حذو النعل بالنعل، يقال: جئت في إثره، إذا اتبعته عن قرب. ~~والباذلين: جمع باذل، وهو من يمسح بالشيء، ويعطيه ويبيحه عن طيب نفس. ~~والنصر: التقوية، وفي الكلام حذف تقديره: والباذلين لدين الله نصرهم، فإن ~~المنصور إنما هو دينه تعالى، وذلك معنى قوله تعالى: { إن تنصروا الله ~~ينصركم } (محمد: 7)، أي إن تنصروا دين الله؛ ينصركم الله، أو معناه: إن ~~تمتثلوا أمر الله في الجهاد؛ ينصركم الله على عدوكم، فيكون في الآية ~~مشاكلة. والنفوس: الأرواح. # والختم في اللغة: الطبع، يقال: ختمت الكتاب ونحوه ختما، وختمت عليه إذا ~~طبعت عليه، ويطلق على آخر الشيء، فيقال: ختمت القرآن أي حفظته على ظهر ~~الغيب حتى بلغت آخره، والمراد به هاهنا آخر العمل، أي جعل الله خاتمة أعمال ~~هؤلاء المذكورين خيرا، ختم الله PageV02P307 لنا بمثل ما ختم لهم، وتقبل ~~منا ومنهم صالح أعمالنا، وستر عوراتنا، وأقال عثراتنا، وتجاوز عن هفواتنا، ~~وغفر لنا زلاتنا ms497 بحرمة ذي المنصب الكامل، والشرف التام، نور الكونين وسيد ~~الثقلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وتابعيهم وسلم تسليما كثيرا، والحمد ~~لله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. # قال المؤلف # هذا آخر هذا الشرح الذي من الله بكتابته على هذا النظم، ولقد جمعته من ~~كتب الأصول، وزدت فيه فوائد لا تخفى على من كان مطلعا على هذا الفن، ولقد ~~أخذت غالبه من منهاج الأصول، ومن شرح البدر الشماخي على مختصره، ومن مرآة ~~الأصول، وحاشية الإزميري عليها، ومن شرح المحلى على جمع الجوامع، وحاشية ~~البناني عليه، ومن التلويح على التوضيح، فتارة آخذ المعنى من هذه الكتب، ~~وتارة آخذ المعنى بلفظه، ومرة أعزوه إلى مأخذه، ومرة لا أعزوه، كل ذلك بحسب ~~موافقة الحال، لا لأجل أن يقال والله المطلع على السرائر، فلا يحسبن من وقف ~~على هذا الشرح أن جميع ذلك من عندي، وتاالله إني لمعترف بالتقصير، ولا أحب ~~أن أحمد بما لم أفعل، ومع ذلك كله فلا يظن جاهل أن هذا الشرح قد خالفت فيه ~~أسلوب الشراح، فإن غالب الشراح قد سلكوا هذا المسلك، فمنهم من بين المأخذ، ~~كمثل ما بينت، ومنهم من سكت عنه اتكالا على المتعارف عندهم، ولكل امرئ ما ~~نوى، والله حسبنا وهو نعم الوكيل، ولقد كنت أطمع أن يكون هذا الشرح على ~~طريقة أعلى وأكمل وأوفى وأشمل لكن يد الأيام حالت بيني وبين ما أريد، فجئت ~~به مع ترادف المصائب، وتكاثف الأشغال، وإلى الله أفوض أمري، وهو سبحانه ~~العليم بسري وجهري، والحمد لله رب العالمين. # تم الجزء الثاني بحمد الله من نسخ شرح شمس الأصول لشيخنا الأجل الفاضل ~~الأكمل العالم المحقق، والحبر المدقق: أبي محمد عبد الله PageV02P308 ابن ~~حميد بن سلوم السالمي، وذلك في يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة مضين من شهر رجب ~~سنة: 1317. # قال المصنف: "وتمام تسويد هذا الكتاب: في يوم الاثنين لتسع مضين من شهر ~~صفر سنة: 1317. # فهرست # المجلد الثاني من كتاب طلعة الشمس في أصول الفقه # صحيفة # الركن الثاني في ms498 مباحث السنة # بيان حقيقة السنة # أقسام الوحي وكيفياته، وفيه بيان اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - في ~~الأحكام والحروب # مبحث الحديث وتعريف الخبر # انقسام الحديث إلى متصل الإسناد ومنقطعه، وانقسامه إلى كامل الاتصال ~~وناقصه، وفيه بيان المتواتر المتصل وأحكامه. # بيان إفادة الخبر المتواتر: العلم الضروري، وأنه مقطوع بصدقه، وفيه بيان ~~الخبر المشهور، وبيان حكمه. # بيان الخبر الآحادي وحكمه، وأنه يوجب العمل دون العلم. # بيان صفة معارضة القياس للخبر الآحادي. # الكلام في إسقاط شروط اشترطها بعض الأصوليين في قبول خبر الآحاد. # يجوز رواية الحديث بالمعنى دون اللفظ لمن كان عارفا بالألفاظ، وقيل: لا، ~~وفيه بيان. # جواز حذف بعض الخبر إلا إذا كان قيد أو بعض قبول الزيادة من الثقة. # ذكر شروط الراوي، وهي عشرة شروط منها البلوغ والعقل والضبط والإسلام ~~والعدالة إلخ. # ذكر صفة العدل وحكم PageV02P309 التعديل. # كيفية التعديل والتجريح. # رواية العدل عن مجهول هل تكون تعديلا له أم لا؟ # الكلام في عدالة الصحابة. # ذكر الخبر غير المتصل. # بيان المرسل وحكمه. # بيان الحديث المقطوع والموقوف والضعيف وغيره. # مبحث فعله - صلى الله عليه وسلم - . # مبحث تقريره - صلى الله عليه وسلم - . # يكون تقريره - صلى الله عليه وسلم - مخصصا للعموم وبيان حكم ذلك. # خاتمة في حكم شرع من قبلنا، وهل هو شرع لنا إذا لم ينسخ؟ # بيان حجية مذهب الصحابي، وهل يلزمنا إتباعه أم لا؟ # الركن الثالث في الإجماع. # بيان حقيقة الإجماع إلى قولي وسكوتي، وبيان حكم كل واحد من النوعين. # بيان إمكان الإجماع وإمكان العلم به. # بيان أهل الإجماع المعتبر إجماعهم ومن لا يعتبر في الإجماع. # لا يكون إجماع بعض الأمة مع خلاف الباقين إجماعا، فليس إجماع أهل المدينة ~~ولا أهل البيت ولا الخلفاء إجماعا مع خلاف غيرهم، وفيه بيان اعتبار التابعي ~~في إجماع الصحابة وأن الإجماع مختص بالصحابة فقط. # بيان محل الإجماع وهو القضية العارية من الخلاف المتقدم. PageV02P310 ms499