######OpenITI# #META# max: 663 #META# higrid: 1332ه/1914م #META# authno: 512 #META# authinf: نور الدين أبو محمد عبد الله بن حميد السالمي العماني ¶ مجدد أمة ومحيي إمامة #META# Shamela_short_metadata_record: #META# الكتاب: تحفة الأعيان لنور الدين السالمي ¶ ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطبوع #META# comments: ترقيم الصفحات آلي غير موافق للمطبوع #META# comp: 1 #META# ad: 1332 #META# archive: 1 #META# bkord: 477 #META# Lng: نور الدين أبو محمد عبد الله بن حميد السالمي #META# auth: نور الدين أبو محمد عبد الله بن حميد السالمي #META# الكتاب: تحفة الأعيان لنور الدين السالمي #META# iso: تحفه الاعيان لنور الدين السالمي #META# cat: التاريخ #META# bk: تحفة الأعيان لنور الدين السالمي #META# bkid: 281 #META# ScrapeDate: 13-03-2020 #META# ScrapedFrom: ShamelaIbadiyya #META#Header#End# # تمهيد # بسم الله الرحمن الرحيم PageV01P002 تبارك الذي بيده الملك وهو على كل ~~شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز ~~الغفور. # الحمد لله الذي قص على نبيه صلى الله عليه وسلم من أنبياء الرسل والقرى ~~ما ثبت به فؤاده مصبرا, وجعله له ولمن بعده عظة ومعتبرا , أفنى القرون ~~الماضية وأباد الدول الخالية , فلم يبق إلا أخبارهم, ولا ترى إلا آثارهم, ~~فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم, ( وتلك القرى نقصها عليك منها قائم وحصيد وما ~~ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم ). # فلم يبق منهم غير نشر حديثهم ... ... = ... وما اكتسبوا من فعل محمدة وذم # قدموا على ما قدموا, وأسفوا على ما خلفوا, فما منهم من أحد إلا وهو يود ~~أن يكون ما خلف في جملة ما أسلف, فمن قدم خيرا حمد عليه وله أجره, ومن قدم ~~شرا ذم به وعليه وزره؛ نسأل الله أن يجعلنا من أول الفريقين؛ وأن يثيبنا ~~على ذلك أجرين؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ الأول بلا بداية ~~والآخر بلا نهاية؛ وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره ~~على الدين كله ولو كره المشركون. اللهم صل وسلم على مهبط الوحي ومعدن ~~الخصوصية سيد ولد آدم ولا فخر؛ إسوة كل راشد وقدوة كل مهتد؛ محمد ابن ~~عبدالله بن عبدالمطلب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة دائمة مدى الحقب. # ( أما بعد ) فإنه لا يخفى على عاقل أن علم التاريخ مما يعين على الاقتداء ~~بالصالحين ويرشد على طريقة المتقين, لأن فيه ذكر أخبار من مضى من صالح ~~وطالح؛ فإذا سمع العاقل أخبار الصالحين اشتاقت نفسه إلى اقتناء آثارهم؛ ~~وإذا سمع أخبار الطالحين أشفقت نفسه أن يكون من جملتهم؛ فتراه بذلك يقتفي ~~آثار من صلح؛ ويتجنب أحوال من طلح؛ فيجاهد نفسه حق الجهاد؛ فيستحق بذلك من ~~الله العون والتوفيق لقوله عز من قائل ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ~~وإن الله لمع المحسنين ). PageV01P003 # وحيث كان العدل وسيرة الفضل في عمان أكثر وجودا بعد الصحابة من ms001 سائر ~~الأمطار. تشوقت نفسي إلى كتابة ما أمكنني الوقوف عليه من آثار أئمة الهدى ~~ليعرف سيرتهم الجاهل بهم , وليقتدي بها الطالب لأثرهم , مع قلة المادة في ~~هذا الباب , إذ لم يكن التاريخ من شغل الأصحاب , بل كان اشتغالهم بإقامة ~~العدل وتأثير العلوم الدينية؛ وبيان ما لا بد من بيانه للناس أخذا بالأهم ~~فالأهم؛ فلذلك لا تجد لهم سيرة مجتمعة ولا تاريخا شاملا؛ فتتبعت ما أمكنني ~~تتبعه من كتب السير والآثار والتواريخ؛ وكتبت ما أمكنني أن أكتبه من أحوال ~~عمان وأئمتها من أول أمر العرب فيها إلى آخر ما انتهى إلى علمه من أخبار ~~أهلها الماضين؛ ليكون عبرة للمعتبرين وعظة للمتعظين. # وقد كنت عزمت أن أجمع سيرة تجمع أحوال المذهب , وذكر أهله أينما كانوا من ~~الحجاز والعراق وعمان واليمن والمغرب وخراسان وغيرها من عهد الصحابة إلى ~~عصرنا هذا , ثم رأيت أن ذلك شيء يطول , وخشيت معالجة الأيام قبل تمام ~~المأمول , فجعلت للناس السيرة العمانية؛ وإن كان في الأجل فسحة جمعت إن شاء ~~الله باقي السير على حسب ما ذكرت , فأجعل سيرة الصحابة في جلد مفرد؛ وسيرة ~~أهل العراق واليمن وخراسان في مجلد مفرد , وسيرة أهل المغرب في مجلد مفرد؛ ~~فتجتمع السير في أربع مجلدات. # فإن بقيت فأسأل الله تمام ما ذكرت , وإن عوجلت فأسأله أجر ما قصدت , ~~والله المستعان وعليه التكلان , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم , ~~لا ملجأ من الله إلا إليه ما شاء الله لا قوة إلا بالله. # مقدمة في تعريف أهل عمان PageV01P004 قال ابن خلدون: هي من ممالك جزيرة ~~العرب المشتملة على اليمن والحجاز وحضرموت وعمان يعني أن عمان بعض جزيرة ~~العرب المشتملة على هذه البلدان قال: وهي خامسها إقليم سلطاني منفرد على ~~بحر فارس من غربيه مسافة شهر شرقيها بحر فارس وجنوبيها بحر الهند؛ وغربيها ~~بلاد حضرموت وشماليها البحرين, وكثيرة النخيل والفواكه, وبها مغاص اللؤلؤ؛ ~~سميت بعمان بن قحطان- أول من نزلها بولاية أخيه يعرب, وصارت بعد سيل العرم ~~للأزد وجاء الإسلام وملوكها بنو الجلندى ms002 قال والخوارج , يعني المسلمين بها ~~كثرة , قال وكانت لهم حروب مع عمال بني بويه وقاعدتهم نزوى؛ قال وملك عمان ~~من البحر ملوك فارس غير مرة؛ قال وهي في الإقليم الثاني وبها مياه وبساتين ~~وأسواق وشجرها النخيل. # إلى أن قال: # وقلهات هي عرصة عمان على بحر فارس من الإقليم الثاني ومما يلي الشحر ~~وحجار في شماليها إلى البحرين , بينهما سبع مراحل؛ وهي في جبال منيعة فلم ~~تحتج إلى سور. # ( قلت ) وحجاز هذه لم نعرفها بهذا الاسم , فالله أعلم ما أراد بها؛ ولعله ~~أراد بها مسكد , وسيأتي أن عمان كانت قبل العرب في يد الفرس , وأنها صارت ~~إليهم بعد سيل العرم بعد حروب كانت بينهم شديدة؛ وأنهم سموها عمان؛ باسم ~~واد كانوا ينزلون حوله إذ كانوا في مأرب , وأن الفرس كانت تسميها مزون؛ وفي ~~ذلك يقول قائلهم: # إن كسرى سمى عمان مزونا ... = ... ومزون يا صاح خير بلاد # بلدة ذات مزرع ونخل ... ... = ... ومراع ومشرب غير صاد # ( وقال ) المسعودي في المروج: وسنجار قصبة بلاد عمان , وأراد بها صحار , ~~ولعل اسمها كان كذلك في لسان العجم والله أعلم. PageV01P005 # وقال الأندلسي الشريشي: صحار سوق عمان مدينة كبيرة على ساحل البحر مرساها ~~فرسخ في فرسخ , وبلاد عمان ثلاثون فرسخا ماولى البحر سهول ورمال , وما ~~تباعد حزون وجبال , وهي مدن منها مدينة عمان وهي حصينة على الساحل , ومن ~~جانب الآخر مياه تجري إلى المدينة وفيها دكاكين وأشجار مفروشة بالنحاس مكان ~~آخر , قال وهي كثيرة النخيل والبساتين وضروب الفواكه والحنطة والشعير ~~والأرز وقصب السكر , قال وفي الأمثال: من تعذر عنه الرزق فعليه بعمان , قال ~~وفي أحوازها مغاص اللؤلؤ , وقال: وعمان من أحواز اليمن. # ( قلت ) ولعله أراد بمدينة عمان قلهات , وهي الآن عارية من هذه الصفات ~~لانتقال العمارة عنها إلى مسكد , وكون عمان ثلاثين فرسخا فيه نظر , بل هي ~~أكثر من ذلك بأضعاف مضاعفة , والأرز لا يوجد فيها وإنما يجلب إليها من ~~الهند , اللهم إلا أن يكون قد زرع في أيام الأئمة ثم انقطع بانقطاع ذلك ~~الخير , فأنه سيأتي أن ms003 الإمامين سلطان بن سيف وولده قيد الأرض قد جلبا ~~لعمان أشجارا كثيرة من البحر , وغرسا فيها تلك الأشجار حتى الورس والزعفران ~~والله أعلم. PageV01P006 # وفي عمان الجبل الأخضر , ويقال له رضوى وهو من عجائب الدنيا مملوء ~~بالفواكه من الرمان والعنب والجوز والخوخ والمشمش والبوت والنمت وغيرها من ~~أشجار الجبل وفيه من الرياحين كالورد والزعفران والآس والنرجس وغيرها وسئل ~~بعض أهله عن وصفة فقال: هو جبل عظيم الارتفاع , صعب الامتناع , في وسط عمان ~~, أهله في رفاهة وأمان؛ لا يخافون جور شيطان , ولا سطوة سلطان , ذو نهور ~~وقصور وحياض ورياض , وبساتين بها كرم وتين وتوت وجوز وخوخ ولوز ومشمش ورمان ~~, وفواكه ألوان محصنة حدائقها بالورد والياسمين , وحشيشها الزعفران الثمين؛ ~~والفوذج والشذاب والنرجس المشبه بعيون الكعاب؛ محفوظه بالآس كأنها الجنة في ~~القياس , اغتصت بالكرم والتفاح والشجر المعطر النفاح. قال: وإن حللت في ~~أقفارها اكتفيت عن جني أثمارها كمثل النمت والبوت شفاء وقوت تسفح من هذا ~~الجبل تسعة أدوية وكل واد به له طريق مؤدية وعلى أبوابها قرى لبني ريام ~~أحاطوا به كالأكمام بالثمر , والهالة بالقمر , حاملين لأبوابه عن طلابه. ~~انتهى وصف صاحب الجبل له والله أعلم. # باب فضائل أهل عمان # ذكر أبو يعقوب في لواحق المسند من روايات الربيع بن حبيب عن شيخه أبي ~~سفيان , وهو محبوب بن الرحيل عن ازور , رجل من المسلمين قال: أن نسوة من ~~أهل عمان استأذن على عائشة رضي الله عنها فأذنت لهن فدخلن عليها وسلمن ~~عليها؛ وسلمن عليها وفي نسخة: وسلمت عليهن ثم قالت: من انتن؟ قلن من أهل ~~عمان؛ قال فقالت لهن: لقد سمعت حبيبي عليه السلام يقول ليكثرن وراد حوضي من ~~أهل عمان. PageV01P007 # وفيه أيضا من روايات الربيع عن أبي سفيان قال دخل جابر بن زيد على عائشة ~~رضي الله عنها قال فأقبل يسألها عن مسائل لم يسألها عنها من قبل؛ سألها عن ~~جماع رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان يفعل؛ وأن جبينها يتصبب عرقا ~~وتقول سل يا بني؛ ثم قالت: ممن أنت؟ قال ms004 من أهل المشرق من بلد يقال لها ~~عمان , قال أبو سفيان فذكرت له شيئا لم أحفظه إلا أني أظن أنها قالت: أن ~~النبي صلى الله عليه وسلم ذكره لي وأشباه هذا. # وفي بعض الكتب قال وقد أوصى عليه السلام عائشة أم المؤمنين ليصلك شيخ ~~العمانية الأعور وليجدني ميتا , ويسألك عن الدين فعلميه جميع الدين الدقيق ~~والجليل , قال ثم وصلها بعد موته ونقل عنها العلم كله حتى فيما بينها وبين ~~رسول الله صلى الله عليه وسلم , ثم قال لها يا أم المؤمنين أنا أحبك فقالت ~~له وأنا كذلك أحبك , ثم لام نفسه فقال لها أنا أحبك في الله؛ قالت: أتظن ~~أنا احبك في غير الله يا أعور , فحمل عنها العلم إلى عمان. # قال: وله قصة عجيبة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ الإسلام غريبا ~~وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء من أمتي , قالوا ومن الغرباء يا رسول ~~الله؟ قال الذين يعملون بكتاب الله حين يترك , ويتمسكون بحبل الإسلام حين ~~يقطع؛ قال محمد بن أحمد: الغرباء أهل عمان , من سره أن ينظر إلى أصحاب رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى الصلحاء من أهل عمان. # وروى أحمد من طريق أبي لبيد قال خرج رجل منا يقال له بيرح بن أسد فرآه ~~عمر فقال ممن أنت؟ قال من أهل عمان , فأدخله على أبي بكر فقال هذا من أهل ~~الأرض التي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إني لأعلم أرضا يقال ~~لها عمان ينضح بناحيتها البحر لو أتاهم رسولي ما رموه بسهم ولا حجر ). PageV01P008 # وعند مسلم من حديث أبي برزة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ~~إلى قوم فسبوه وضربوه , فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( لو ~~أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك ). # وفي حديث مازن بن غضوبة قال قلت يا رسول الله صلى الله عليك وسلم وآلك ~~أدع الله تعالى لأهل عمان؛ فقال: ( اللهم اهدهم وأثبهم) فقلت زدني يا رسول ~~الله ms005 فقال ( اللهم أرزقهم العفاف والكفاف والرضى بما قدرت لهم ) قلت يا ~~رسول الله البحر ينضح بجانبنا ادع الله في ميرتنا وخفنا وظلفنا , قال ( ~~اللهم وسع عليهم في ميرتهم وأكثر خيرهم من بحرهم) قلت زدني يا رسول الله ~~قال ( اللهم لا تسلط عليهم عدوا من غيرهم ) قل يا مازن آمين فإن آمين ~~يستجاب عنده الدعاء قال قلت آمين. # قال: فلما كان العام القابل التي وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~وآله فقلت يا المبارك ابن المباركين , الطيب ابن الطيبين , قد هدى الله ~~قوما من أهل عمان ومن عليهم بدينك , وقد أخصبت عمان خصبا هنيا وكثرت ~~الأرباح والصيد بها فقال صلى الله عليه وسلم: ( ديني دين الإسلام سيزيد ~~الله أهل عمان خصبا وصيدا فطوبى لمن آمن بي ورآني وطوبى لمن آمن بي ولم ~~يرني ولم ير من رآني , وأن الله سيزيد أهل عمان إسلاما). PageV01P009 # ولما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قد استعمل على عمان عمرو ابن ~~العاص وأراد عمرو أن يرجع إلى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبه ملك ~~عمان عبد بن الجلندى وجعفر بن خشم العتكي وأبو صفوة سارف بن ظالم في جماعة ~~من الأزد , فقدموا بعمرو بن العاص على أبي بكر الصديق رضي الله عنه فلما ~~دخلوا عليه قام سارف بن ظالم فقال يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~ويا معشر قريش هذه أمانة كانت في أيدينا وفي ذمتنا وديعة لرسول الله صلى ~~الله عليه وسلم فقد برئنا منها إليكم , فقال أبو بكر جزاكم الله خيرا وأثنى ~~عليهم المسلمون خيرا وقام الخطباء بالثناء عليهم والمدح , فقالوا: كفاكم ~~معاشر الأزد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وثناؤه عليكم , فقام عمرو بن ~~العاص فلم يدع شيئا من المدح والثناء إلا قاله في الأزد , وجاءت وجوه ~~الأنصار من الأزد وغيرهم مسلمين على عبد ومن معه , فلما كان من الغد أمر ~~أبو بكر فجمع الناس من المهاجرين والأنصار وقام أبو بكر خطيبا فحمد الله ms006 ~~وأثنى عليه وذكر النبي فصلى عليه وقال: معاشر أهل عمان إنكم أسلمتم طوعا لم ~~يطأ رسول الله ساحتكم بحف ولا حافر ولا جشمتموه ما جشمه غيركم من العرب , ~~ولم ترموا بفرقة ولا تشتت شمل , فجمع الله على الخير شملكم ثم إليكم عمرو ~~بن العاص بلا جيش ولا سلاح فأجبتموه إذ دعا كم على بعد داركم , وأطعتموه إذ ~~أمركم على كثرة عددكم وعدتكم فأي فضل أبر من فضلكم , وأي فعل أشرف من فعلكم ~~كفاكم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم شرفا إلى يوم الميعاد , ثم أقام ~~فيكم عمرو وما أقام مكرما , ورحل عنكم إذ رحل مسلما وقد من الله عليكم ~~بإسلام عبد وجيفر ابنى الجلندى وأعزكم الله به وأعزه بكم , وكنتم على خير ~~حال وجميل حتى أتتكم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأظهرتم ما يضاعف ~~فضلكم , وقمتم مقاما حمدناكم فيه ومحضتم بالنصيحة وشاركتم بالنفس والمال ~~فيثبت الله به ألسنتكم , ويهدي به PageV01P010 قلوبكم , وللناس جولة فكونوا ~~عند حسن ظني فيكم , ولست أخاف عليكم أن تغلبوا على بلادكم ولا أن ترجعوا عن ~~دينكم , جزاكم الله خيرا ثم سكت. # وظهرت إجابة دعاء الرسول ودعاء خليفته لأهل عمان وصدق الله توسمهما فيهم ~~, فهم أكثر الناس هدى وصوبا ومنهم الأئمة العادلون والعلماء الراشدون لم ~~يتسلط عليهم عدو من غيرهم وولم تخرج بلادهم من أيديهم , وإن غلبوا على ~~دولتهم في بعض الأحيان لما أراد الله من تمحيص المؤمنين وتمحيق الكافرين , ~~فما زالت دعوتهم بالحق ظاهرة , وسيرتهم بالعدل شاهرة , ودولتهم بالفضل ~~زاهرة , منهم العلماء النجباء والعقلاء والفضلاء والبلغاء الخطباء. # قال عمرو بن بحر وهو الجاحظ: لربما سمعت من لا علم له يقول ومن أين لأهل ~~عمان البيان , قال ونهل يعدو لبلدة واحدة من الخطباء والبلغاء مما يعدون ~~لأهل عمان؛ منهم مصقلة بن الرقية أخطب الناس قائما وجالسا ومفردا ومنافسا ~~ومجيبا ومبتدئا , ثم ابنه من بعده كرب بن مصقلة وولهما خطبتا العرب العجوز ~~في الجاهلية والعذراء في الإسلام. # وقال أبو عبيدة ما سمعنا مثلهما في الإسلام ms007 إلا خطبة قيس بن خارجة بن ~~شيبان في حملة داحس , فقد ضرب به المثل وذلك أن قيسا أتى الجاهلين وهما ~~خارجة ابن شيبان والحارث بن عوف فضرب مؤخر راحلة ابن شيبان بالسيف وقال ~~مالي وهذه الحمالة أيها العيسيميان فقد فقأت عين بعير عن ألف بعير , قالوا ~~وما عندك رضي كل ساخط وقرى كل نازل , وخطب من لدن تطلع الشمس إلى أن تغرب ~~وأمر فيها بالصلة ونهي فيها عن القطيعة وخوف فيها درك العواقب؛ وما تجئ به ~~النوائب , فزعموا أنه خطب من غدوة إلى الليل , فقال قائلهم وهو يذكر غيره ~~فلو قال حتى تغرب الشمس قائما لكان كقيس في ديار بني مرة , وهو خطيب قيس في ~~الجاهلية , وخطيبهم في الإسلام سحبان بن وائل الباهلي. PageV01P011 # ومن خطباء عمان وعلمائها صحار العبدي صاحب الخلفاء. ومن خطبائهم صعصعه بن ~~صوحان بن زيد وأخيه خطيبان مصقاعان. ومن خطبائهم مرة ابن البليد وهو من ~~الأزد لم يكن في الأرض أجود منه ارتجالا وبديهة , ولا أعجب فكرا وتحبيرا ~~منه , وكان رسول المهلب إلى الحجاج , وله عنده كلام محفوظ , ومنهم عرفجة بن ~~هزيمة البارقي. ومنهم بشر بن المغيرة بن أبي صفرة لم يكن في الأرض عماني ~~أنطق منه وكان خطيب المصر يحيي بن يعمر وكان منشأه ومولده إلى أن بلغ ~~الأهواز وكذلك الجحاف بن حكيم وغيرهما , قال فالذي ينكر أن لا يكون بعمان ~~خطيب ليس يقول ذلك بعلم. # وقال الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: رأيت أعرابيا بمكة فاستفصحته ~~فقلت من الرجل؟ قال من الأزد؛ قلت من أيهم؟ قال من بني الحدان بن شمس , ~~فقلت من أي بلد؟ قال عمان , قلت صف لي بلادك , فقال سيف أفح وفضاء صحصح ~~وجبل صلدح ورمل أصيح , فقلت فأخبرني عن مالك؛ قال النخل , فقلت وأين أنت عن ~~الإبل؟ فقال كلا إن النخل أفضل , أما علمت أن النخل حملها غذاء وسعفها ~~ضياء؛ وليفها رشاء؛ وجذعها غماء , وفروها إناء؛ فقلت وأني لك هذه الفصاحة؟ ~~قال إنا بقطر لا نسمع فيه ناجخة التيار. # وخرج ms008 الحجاج بن يوسف إلى القاوسان , فإذا هو بأعرابي في زرع له , فقال له ~~ممن أنت؟ قال من أهل عمان؛ قال فمن أي القبائل أنت؟ قال من الأزد؛ قال فكيف ~~علمك بالزرع؟ قال إني لأعلم منه علما؛ قال فأي شيء خيره؟ قال ما غلظت قصبته ~~واعتم نبته وعظمت جثته؛ قال فأي العنب خير؟ قال ما غلظ عوده وعظم عنقوده؛ ~~قال فما خير التمر؟ قال ما غلظ لحاه ودق نواه ورق شجاه. # ومن أهل عمان كعب بن سور قاضي عمر بن الخطاب على البصرة , وهو من أول من ~~قدم على البصرة بعد تمصيرها. # ومنهم أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي رحمه الله تعالى؛ وكان غاية في ~~العلم والورع , وشهرته عند المواقف والمخاطب كافية عن إطالة ذكره. PageV01P012 # ومنهم الربيع بن حبيب رحمه الله وهو من فراهيد انتقل إلى البصرة ونسب ~~إليها ورجع إلى عمان آخر عمره , وكان يضرب به المثل في العلم. # ومنهم أبو حمزة الشاري المختار بن عوف , وهو من بني سليمة بن مالك بن فهم ~~صاحب الإمام طالب الحق عبدالله بن يحيي الحضرمي؛ وهو خطيب مصقع؛ وله الخطب ~~المشهورة المأثورة , روى بعضها مالك بن أنس؛ وقال عند روايته: خطبنا أبو ~~حمزة المختار بن عوف خطبة حيرت المبصر وردت المرتاب , يعني أن المبصر في ~~دينه المخالف لأبي حمزة صار بعد سماع خطبته محتارا غير مبصر؛ لما سمع فيها ~~من الحجج الباهرة؛ والبراهين القاهرة الناقصة لما هو عليه من سوء الاعتقاد؛ ~~وأن المرتاب في مذهبه رجع بسماع خطبة أبي حمزة لي مذهب الحق وترك ما كان ~~عليه من الريب. # وكان يشير بالمبصر إلى نفسه , فهذا من قوله يدل على أنه صار محتارا في ~~مذهبه حيث أنه لم يستطيع جوابا لحجج أبي حمزة , ولا دفعا للحق الذي نطق به؛ ~~والحق إذا قام صرع معانده , وليته ترك الحيرة , وأخذ بالبصيرة , ومحل ذكر ~~خطبه في سيرة طالب الحق من أهل اليمن فلا نطيل بذكرها هنا. # ومن أهل عمان الخليل بن أحمد الأزدي الفراهيدي وكان من أهل ms009 ودام من ~~الباطنة خرج إلى البصرة وأقام بها فنسب إليها وهو صاحب كتاب العين الذي هو ~~لغة الكتب في اللغة؛ وما سبقه إلى تأليفه أحد؛ وإليه يتحاكم أهل العلم ~~والأدب فيما يختلفون فيه من اللغة فيرضون به ويسلمون له؛ وهو صاحب النحو ~~وإليه ينسب؛ وهو أول من بوبه وأوضحه ورتبه وشرحه؛ وهو شيخ سيبوية في النحو ~~وكان قد أخذ النحو عن أبي الأسود الدؤلي واضع هذا الفن , وهو صاحب العروض ~~والنقط والشكل؛ والناس تبع له؛ وله فضيلة السبق إليه والتقديم فيه. PageV01P013 # ومنهم أبو بكر أحمد بن محمد أبي الحسن بن دريد الأزدي وهو صاحب كتاب ~~الجمهرة؛ وله مصنفات كتب عدة وهو الخطيب المذكور؛ والشاعر المشهور والفصيح ~~الذي يقف عن كلامه البلغاء؛ ويعجز عن آدابه الأدباء؛ ويستعير منه الفصحاء؛ ~~ويستعين بكلامه الخطباء وهو خطيب في شعره ومصقع في خطبته؛ وقدوة في أدبه ~~وحكيم في نثره ومجيد في شعره؛ لا زيادة عليه في فنون العلم والأدب. # ومن أهل عمان أبو العباس المبرد صاحب كتاب الكامل. # وإنما ذكرت من بلغائهم وفصحائهم من هو مشهور عند قومنا وإلا فهم أكثر من ~~ان يحصروا يطول بذكرهم الكتاب. # ولهم السياسة التي يحار في وصفها الواصفون؛ وناهيك بسياسة المهلب بن أبي ~~صفرة وحزمه وشجاعته فإنه كان من أهل عمان؛ وهو الذي استنفذ البصرة من أيدي ~~الأزارقة بأهل عمان وغيرهم بعد أن كادت الأزارقة تستحوذ على البصرة , فقام ~~في مقاومتهم زمانا طويلا حتى ردهم الله بسببه على أعقابهم؛ ومن هناك كانوا ~~يقولون في البصرة أنها بصرة المهلب. # وسترى في هذا الكتاب من سياسات أئمتها وملوكها وولاتها وقضاتها ما تقتضي ~~به العجب. # ولهم في الشجاعة المنزلة العليا والسهم الأوفر؛ وذلك فيهم غير مجهول ولا ~~مستنكر؛ فمنهم بلج بن عقبة الفراهيدي الذي كان يعد عن ألف فارس وهو شاب ابن ~~عشرين سنة, وخبره في سيرة طالب الحق والله أعلم. # باب دخول العرب في عمان وأخذها من يد الفرس # وسمعت من يدعي المعرفة بذلك يقول إن ذلك كان قبل الإسلام بألفي ms010 عام؛ وذلك ~~بعد ما أرسل الله على سبأ سيل العرم؛ وخرجت الأزد منها إلى مكة وأرسلوا ~~روادهم في النواحي يرتادون لهم الأمكنة؛ وتفرقوا من هناك إلى الأطراف؛ وخرج ~~مالك في جملة من خرج إلى السراة ثم منها إلى عمان. # وفي مروج الذهب للمسعودي قال إن مالكا سار من اليمن مع ولد جفنة بن عمر ~~بن عامر مزيقيا فسار بنو جفنة نحو الشام؛ وانفصل مالك نحو العراق , فملك ~~على مضر بن نزار اثني عشرة سنة ثم ملك بعده ابنه جذيمة. PageV01P014 # قال وقد كان ملك جزيمة من مشارق الشام إلى الفرات من قبل الروم وكانت ~~داره بالموضع المعروف بالمضيرة بين بلاد الخانوقة وقرقيسيا. # قال وأقام جزيمة ملكا في زمن ملوك الطوائف خمسا وتسعين سنة؛ وفي ملك ~~أزدشير بابك وسابور الجنود أزدشير ثلاثا وعشرين سنة؛ فكان ملكه مائة سنة ~~وثمان عشرة سنة. # وذكر العوتبي في الأنساب عن الكلبي أن أول من الحق بعمان من الأزد ملك ~~ابن فهم بن غانم بن دوس بن عدثان بن عبدالله بن زهران بن كعب بن الحارث ابن ~~عبدالله بن مالك بن نصر بن الأزد. # وكان سبب قصة خروجه عن قومه إلى عمان كان له جار؛ وكان لجاره ذلك كلبة؛ ~~وكان بنو أخيه عمرو بن فهم بن غانم يسرحون ويمرحون على طريق بيت ذلك الرجل؛ ~~وكانت الكلبة تنبحهم وتفرق غنمهم؛ فرماها رجل منهم بسهم فقتلها؛ فشكا جار ~~مالك إليه ما فعل بنو أخيه؛ فغضب مالك وقال لا أقيم ببلد ينال فيها هذا من ~~جاري؛ ثم خرج مراغما لأخيه عمرو بن فهم. # وقال أبو حاتم السجستاني عن أبي عبيدة عن أبي اليقظان قال سبب خروج مالك ~~بن فهم عن قومه بعد نفرقهم في البلاد حين أخرجهم سيل العرم من جنتى مأرب ~~ونزلوا بالسراة أن راعيا لمالك بن فهم خرج بغنم , وكان طريقه ثنية فيها كلب ~~عقور لغلام من دوس؛ فشد الكلب على راعي مالك فرماه الراعي بسهم فقتله؛ ~~فتعرض صاحب الكلب لراعي مالك فخرج من السراة هو ومن أطاعه ms011 من قومه؛ فأسلم ~~ذلك النجد نجد الكلبة إلى اليوم. # قال: فخرج مالك بن فهم من أرض السراة يريد عمان فيمن أطاعه من ولده وقومه ~~وعشيرته من الأزد ومن اتبعه من أحياء قضاعة , وسار متوجها نحو عمان؛ وقد ~~اعتزل عنهم من قبل ذلك من ولده جزيمة الأبرش بن مالك بمن سار معه من الأزد ~~إلى أرض العراق. PageV01P015 # وقال أبو المنذر بن هشام بن محمد بن السائب الكلبي أخبرني أبي وشرقي ابن ~~الفظامي قالا: لما خرج مالك بن فهم من السراة يريد عمان وقد توسط الطريق ~~حنت إبله إلى مراعيها وأقبلت تلتفت نحو السراة وتردد الحنين؛ فقال مالك في ذلك: # تحن إلى أوطانها إبل مالك ... ... =ومن دونها عرض الفلا والدكادك # وفي كل أرض للفتى متقلب ... ... =ولست بدار الذل طوعا برامك # ستغنيك عن أرض الحجاز مشارب= ... رحاب النواحي واضحات المسالك # وقال أيضا: # تحن أوطانها بزل مالك ... ... = ... ومن دون ما تهوى فرات المقارف # وسيح أبي فيه منع لضائم ... ... = ... وفتيان أنجاد كرام غطارف # فحني رويدا واستريحي وبلغي ... ... =فهيمهات منك اليوم تلك المآلف # ثم سار من فوره يريد عمان؛ فجعل لا يمر بقبيلة من قبائل العرب من معد ~~وغيرهم من اليمن إلا سالموه ووادعوه لمنعته وكثرة عساكره. # ثم أنه سار في مسيرة ذلك حتى أخذ على برهوت وهو واد في حضرموت فلبث فيه ~~حتى راح واستراح وبلغه أن بعمان الفرس وهم ساكنوها؛ فعبأ أصحابه وعساكره ~~وعرضهم فيقال إنهم بلغوا زهاء ستة آلاف فارس وراجل؛ ثم أنه أعد واستعد ~~وأقبل يريد عمان؛ وقد جعل مقدمته ابنه هناة بن مالك؛ ويقال فراهيد بن مالك ~~في ألفي فارس من صناديد الأزد وفرسانها؛ ثم سار يؤم عمان حتى انصب على ~~الشحر فتخلفت عنه مهرة ابن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة ابن مالك بن ~~حمير فنزلت بالشحر. # قال الكلبي كان أول من خرج من العرب من تهامة عند مالك بن فهم الأزدي ~~وعمرو وابناه فهم بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن ثعلبة بن حلوان بن عمران ~~بن ms012 الحاف بن قضاعة وراسب بن الخزرج بن جدة بن حزم بن ريان بن حلوان بن حمير ~~بن الحاف بن قضاعة فنزلت الشحر. PageV01P016 # وتقدم مالك بن فهم في قبائل الأزد معه من أحياء قضاعة إلى أرض عمان نوجد ~~بعمان الفرس من جهة الملك دارا بن دارا بن يهمن بن أسفيديا وهم يومئذ أهلها ~~وسكانها؛ والمتقدم عليهم المرزبان عامل ملك فارس؛ فعند ذلك أنزل مالك بن ~~فهم من كان معه من الحشم والعيال والنساء والأثقال إلى جانب قلهات من شط ~~أرض عمان ليكون أمنع لهم , وترك عندهم من الخيل والرجال من يحفظونهم , ثم ~~سار هو ببقية عساكره وصناديد رجاله؛ وقد جعل على مقدمته وأرسل هناة بن مالك ~~في ألفي فارس حتى ناحية الجوف فعسكر بالصحراء وأرسل إلى الفرس والمتقدم ~~عليهم يومئذ المرزبان عامل الملك على عمان؛ فأرسل إليهم يطلب منهم النزول ~~في قطر من عمان؛ وأن يفسحوا له ويمكنوه من الماء والكلأ ليقيم معهم؛ ~~فأتمروا بينهم وتشاورا في أمره حتى طال ترديد الكلام والتشاور بينهم؛ ثم ~~أنهم أجمع رأيهم على صرفه؛ وأن لا يمكنوه مما طلب وقالوا لا نحب أن ينزل ~~هذا العربي معنا فيضيق علينا أرضنا وبلادنا؛ فلا حاجة لنا في قربه وجواره. # فلما وصل جوابهم إلى مالك أرسل إليهم أنه لا بد لي من المقام في قطر من ~~عمان , وأن تواسوني في الماء والمرعى , فإن تركتموني طوعا نزلت في قطر من ~~البلاد وحمدتكم؛ وإن أبيتم أقمت على كرهكم؛ وأن قاتلتموني قاتلتكم؛ ثم إن ~~ظهرت عليكم قتلت المقاتلة وسبيت الذراري ولم أترك أحدا منكم ينزل عمان ~~أبدا؛ فأبت الفرس أن تتركه طوعا وجعلت تستعد لحربه وقتاله؛ وأن مالك ابن ~~فهم أقام في مدته تلك بناحية الجوف حتى أراح واستراح واستعد لحرب الفرس ~~وتأهب للقائهم , وحفر بناحية الجوف الفلج الذي بمنح ويعرف اليوم بفلج مالك؛ ~~وكان معسكره ومضرب خيله وعساكره هناك إلى أن استعدت الفرس لحربه وقتاله. PageV01P017 # ثم أن المرزبان أمر أن ينفخ في البوق الذي يؤذن فيه بالحرب وأن يضرب ~~الطبل ms013 وركب في جنوده وعساكره وخرج من صحار في عسكر جم , فيقال أنه كان في ~~زهاء أربعين ألفا ويقال ثلاثون ألفا , وخرج معه بالفيلة وسار يريد الجوف في ~~لقاء العرب , فعسكر بصحراء سلوت وبلغ ذلك مالكا ومن معه , فركبوا جميعا ~~وكانوا في زهاء ستة آلاف فارس وراجل , وعلى مقدمته ابنه هناة في ألفي فارس ~~من صناديد الأزد وفرسانها , فأقبل في تلك الهيئة حتى أتى صحراء سلوت فعسكر ~~بإزاء عسكر المرزبان , فمكثوا يومهم ذلك إلى الليل ولم يكن بينهم حرب ولا ~~قتال , ثم أن مالكا بات ليلته تلك يعبئ أصحابه يمنة ويسرة وقلبا , ويكتب ~~الكتائب ويوقف فرسان الأزد مواقفهم , فولى الميمنة هناة بن مالك , وولى ~~المسيرة ابنه فراهيد بن نالك , وصار هو في القلب في أهل النجدة والشدة من ~~أصحابه , وبات المرزبان يعبئ ويكتب كتائبه حتى إذا أصبحوا تواقفوا للحرب ~~وقد استعد كل واحد من الفريقين. # وركب مالك ابن فهم فرسا له أبلق وظاهر بين درعين ولبس غليهما غلالة حمراء ~~, وتكمم على رأسه بكمة حديد , وتعمم عليها بعمامة صفراء , وركب معه ولده ~~وفرسان الأزد على تلك التعبئة , وقد تقنعوا بالدروع والبيض والجوشن , فلا ~~يبصر منهم إلا الحدق , فلما تواقفوا للحرب جعل مالك بن فهم يدور على أصحابه ~~راية راية , وكتيبة كتيبة , ويقول يا معشر الأزد أهل النجدة والحفاظ حاموا ~~عن أنفسكم , وذبوا عن مآثر آبائكم , وقاتلوا وناصحوا ملككم وسلطانكم , ~~فإنكم إن انكسرتم وهزمتم اتبعتكم العجم في كافة جنودكم فاختطفوكم واصطادوكم ~~بين كل حجر ومدر , وباد عنكم ملككم وزال عنكم عزكم وسلطانكم , فوطنوا ~~أنفسكم على الحرب وعليكم بالصبر والحفاظ , فإن هذا اليوم له ما بعده. PageV01P018 # فجعل يحرضهم ويأمرهم بالصبر والجلد , ويدور عليهم راية راية , وكتيبة ~~كتيبة , حتى استفرغ جميع كتائبه وعساكره. ثم إن المرزبان زحف بعسكره وجميع ~~قواده وجعل الفيلة أمامه , وأقبل نحو مالك بن فهم وأصحابه , ونادى مالك ~~أصحابه بالحملة عليهم فقال يا معشر فرسان الأزد: احموا معي فداكم أبي وأمي ~~على هذه الفيلة فاكتنفوها بأسنتكم وسيوفكم , ثم حمل وحملوا معه على ms014 الفيلة ~~بالرماح والسيوف ورموها بالسهام , فولت الفيلة راجعة بحملتها على عسكر ~~المرزبان , فوطئت منهم خلقا كثيرا , وحمل مالك في كافة أصحابه وفرسانه على ~~المرزبان وأصحابه فانتقضت تعبئة المرزبان وجالوا جولة ثم بانت العجم , ~~ورجعت إلى بعضها بعض , وأقبلت في حدها وحديدها , وصاح المرزبان في أصحابة ~~وكافة جنوده وأمرهم فحملوا , والتقى الجميع واختلط الضرب واشتد القتال , ~~فلم تسمع إلا صليل الحديد ووقع السيف واقتتلوا يومهم ذلك ما يكون من القتال ~~, وثبت بعضهم لبعض إلى أن حال بينهم ظلام الليل , فانصرفوا وقد انتصف بعضهم ~~من بعض؛ وابتكروا من غد بالحرب , واقتتلوا قتالا شديدا , وقتل في اليوم ~~الثاني من الفرس خلق كثير؛ وثبت لهم الأزد فلم يزالوا كذلك إلى أن حال ~~بينهم الليل وانصرف بعضهم عن بعض وقد كثر القتل والجراح في الجميع. # فلما أصبحوا في اليوم الثالث زحف الفريقان بعضهم إلى بعض فوقفوا مواقفهم ~~تحت راياتهم؛ وأقبل أربعة نفر من المرازبة والأساورة ممن كان يعد الرجل ~~منهم عن ألف رجل حتى دنوا من مالك فقالوا هلم إلينا لننصفك من بأنفسنا ~~ويبادرك منا رجل رجل؛ فتقدم إليهم مالك وخرج إليه واحد منهم وطارد مالكا ~~ساعة؛ فعطف عليه مالك ومعه نجدة الملوك وحمية العرب؛ فطعن الفارس طعنة حطم ~~بها الرمح في صلبه , فوقع الفارس إلى الأرض عن فرسه؛ ثم علاه مالك بالسيف ~~فضربه فقتله. PageV01P019 # ثم حمل الفارس الثاني على مالك وضرب مالكا فلم تصنع ضربته شيئا , فضربه ~~مالك على مفرق رأسه ففلق السيف البيضة وانتهى إلى رأس الفارسي حتى خالط ~~دماغه فخر ميتا. # ثم حمل عليه الفارس الثالث وعليه الردع والبيضة , فضربه مالك على عائقه ~~فأبانه مع الدرع نصفين حتى انتهى سيف مالك إلى زج دابة الفارسي فرمى به ~~قطعتين , فلما نظر الفارسي الرابع ما صنع مالك بأصحابه الثلاثة كاعت نفسه , ~~وأحجم عن لقائه فولى راجعا نحو أصحابه حتى دخل فيهم. # ثم انصرف مالك إلى موقفه وقد تفاءل في الظفر؛ وفرحت بذلك الأزد فرحا ~~شديدا ونشطوا للحرب. # فلما رأى المرزبان ما صنع مالك في ms015 قواده الثلاثة دخلته الخيمة والغضب ~~وخرج من بين أصحابه وقال لا خير في الحياة بعدهم , ثم نادى مالكا وقال أيها ~~العربي أخرج إلى أن كنت ملكا , فأينا ظفر بصاحبه كان له ما يحاول؛ ولا نعرض ~~أصحابنا للهلاك , فخرج إليه مالك برباطة جأش وشدة قلب؛ فتجاولا مليا وقد ~~قبض الجمعان أعنة خيولهم فأوقفوها ينظرون إلى ما يكون منهما. # ثم إن المرزبان حمل على مالك بالسيف حملة الأسد الباسل؛ فراغ عنه مالك ~~روغان الثعلب؛ وعطف عليه بالسيف فضربه على مفرق رأسه وعليه البيضة والدرع ~~ففلق البيضة وأبان رأسه فخر ميتا. # وحملت الأزد على الفرس , وزحف الفرس إليهم فاقتتلوا قتالا شديدا من ظهر ~~النهار إلى العصر , وأكل أصحاب المرزبان السيف وصدقتهم الأزد الضرب والطعن ~~, فولوا منهزمين حتى انتهوا إلى معسكرهم , وقد قتل منهم خلق كثير , وكثر ~~الجراح في عامتهم. PageV01P020 # فعند ذلك أرسلوا إلى مالك بن فهم يطلبون منه أن يمن عليهم بأرواحهم ~~ويجيبهم إلى الهدنة والصلح , وأن يكف عنهم الحرب ويؤجلهم إلى سنة ليستظهروا ~~على حمل أهلهم من عمان , وأن يخرجوا منها بغير حرب وقتال؛ وأعطوه على ذلك ~~عهدا وجزية على الموادعة؛ فأجابهم مالك إلى ما طلبوه وسألوا منه وهادنهم ~~وأعطاهم على ذلك عهدا وميثاقا أنه لا يعارضهم بشيء إلا أن يبدأوه بحرب ~~وقتال؛ فكف عنهم الحرب؛ وأقرهم في عمان على ما سألوه , فعادوا إلى صحار وما ~~حولها فكانوا هناك؛ وكانت الأزد ملوكا في البادية وأطراف الجبال؛ وانحاز ~~مالك إلى جانب قلهات. # فيقال إن الفرس في مهادنتهم تلك طمسوا أنهارا كثيرة وأعموها , ثم إنهم من ~~فورهم كتبوا إلى الملك دارا بن دارا فأعلموه بقدوم مالك بن فهم ومن معه إلى ~~عمان وقتله لقائده المرزبان في جل قواده وعسكره , وما كان من شأنه , ~~ويخبرونه بما هم فيه من الضعف والعجز , ويستأذنوه في التحمل إليه بأهلهم ~~وذراريهم إلى فارس , فلما بلغ ذلك الملك دارا غضب غضبا شديدا وداخله القلق ~~, وأخذته الحمية لمن قتل من أصحابه وقواده فعند ذلك دعى بقائد من عظماء ~~مرازبته وأساورته وعقد ms016 له على ثلاثة آلاف من أجلاء أصحابه وشجعان مرازبته ~~وقواده وقدمه فيهم وبعثه مددا لأصحابه الذين بعمان؛ فتحملوا إلى البحرين ثم ~~تخلصوا إلى عمان. # وكل هذا لم يدر به مالك بن فهم , فلما وصلوا إلى أصحابهم أخذوا يتأهبون ~~للحرب حتى انقضى أجل الهدنة , فجعل مالك يستطلع أخبارهم فبلغه وصول المدد ~~إليهم؛ فكتب إليهم أني قد وفيت لكم بما كان بيني وبينكم من العهد وتأكيد ~~الأجل , وأنتم بعد حلول بعمان , وبلغني أنه قد أتاكم من قبل الملك مدد عظيم ~~وأنكم تستعدون لحربي وقتالي , فإما أن تخرجوا من عمان طوعا وإلا زحفت عليكم ~~بخيلي ورجلي ووطئت ساحتكم؛ وقتلت وسببت الذراري وغنمت الأموال. PageV01P021 # فلما وصل رسوله غليهم هالهم أمره وعظموا رسالته إليهم مع قلة عسكره ~~وكثرتهم وما هم فيه من القوة والمنعة؛ وزادهم غيظا وحنقا وردوا عليه أقبح ~~رد. فعند ذلك زحف عليهم مالك في خيله ورجاله وسار حتى وطئ أرضهم؛ واستعدت ~~الفرس لقتاله ومعهم الفيلة فلما قربوا من معسكره عبأ أصحابه راية راية؛ ~~وكتيبة كتيبة؛ وجعل على الميمنة ابنه هناة بن مالك وجعل على الميسرة فراهيد ~~وقام هو وبقية أولاده في القلب؛ والتقوا هم والفرس فاقتتلوا قتالا شديدا ~~ودارت رحا الحرب بينهم كأشد ما يكون مليا من النهار؛ ثم انكشفت العجم؛ وكان ~~معهم فيل عظيم فتركوه فدنا منه هناة فضربه على خرطومه فولى وله صياح , ~~وتبعه معن بن مالك فعرقبه فسقط. # ثم أن العجم ثابوا وتراجعوا وحملوا على الأزد حملة رجل واحد؛ فجالت الأزد ~~جولة ونادى مالك يا معشر الأزد اقصدوا إلى لوائهم فاكشفوه من كل وجه؛ وحمل ~~بهم على العجم حملة رجل واحد حتى كشفوا اللواء , واختلط الضرب؛ والتحم ~~القتال؛ وارتفع الغبار؛ وثار العجاج حتى حجب الشمس فلم تسمع إلا صليل ~~الحديد ووقع السيوف؛ وتراموا بالسهام فتفصدت؛ وتجادلوا بالسيوف فتكسرت؛ ~~وتطاعنوا بالرماح فتحطمت وصبروا صبرا جميلا , وكثر الجراح والقتل في ~~الفريقين. PageV01P022 # ثم لم يكن للفرس ثبات وولوا منهزمين على وجوههم؛ فاتبعهم فرسان الأزد ~~يقتلون ويأسرون من لحقوا , وقتلوا منهم خلقا كثيرا ms017؛ ولحق فراهيد سنفدار ابن ~~مرزبان وكان من أعظم قواد العجم فطعنه فأرداه عن فرسه؛ ثم علاه بالسيف ~~فقتله , وسارت فرسان الأزد من خف من أبطالهم آثار العجم لا يألون على سلب ~~ولا غيره يومهم ذلك كله يقتلون ويأسرون حتى حال بينهم الليل؛ فما أفلت منهم ~~إلا من ستره الليل فتحمل من بقي منهم من تحت ليله؛ وركبوا في السفن وعبروا ~~إلى أرض فارس؛ واستولى مالك بن فهم ومن معه على سوادهم فاستباحهم وغنم ~~أموالهم؛ وسجن من الأسرى خلقا كثيرا؛ فمكثوا في السجون زمانا؛ ثم أطلقهم ~~ومن عليهم بأرواحهم وكساهم ووصلهم وزودهم وحملهم في السفن إلى أرض فارس؛ ~~واستولى على عمان فملكها وما يليها وساسها؛ وسار فيها سيرة جميلة ولمالك ~~وولده في أمر ورودهم إلى عمان وحربهم الفرس أشعار كثيرة ذكر بعضها العوتبي ~~في الأنساب وتركها اختصارا. # باب انتقال العرب إلى عمان بعد فتحها # ثم جاءت إلى عمان قبائل كثيرة من الأزد؛ فأول من لحق بمالك من الأزد عمرو ~~بن عامر ماء السماء وولداه الحجر والأسود , وتفرعت من الحجر والأسود بعمان ~~قبائل كثيرة. # ثم جاء ربيعة بن الحارث بن عبدالله بن عامر الغطريف وأخوته؛ ثم جاء ملارس ~~بن عمرو بن عدي بن حارثة فدخل في هداد؛ ثم جاء عمران بن عمرو ابن الأزد؛ ثم ~~جاء اليحمد بن حمي؛ ثم جاءت بنو غنم بن غالب , ثم جاءت الحدان وأخوها زيد ~~وهو الندب الأصغر؛ ثم معولة وهم بنو شمس؛ ثم جاءت الندب الأكبر وجاءت الصيق ~~وجاء ناس من بني يشكر وجاء ناس بن بني عامد وجاءت ناس من خوالة. # جاءت هذه القبائل كلها على راياتها لا يمرون بأحد إلا أكلوه حتى وصلوا ~~عمان فملئوها وأقاموا في بلد ريف وخير واتساع , وسمت الأزد عمان عمانا لأن ~~منازلها كانت على واد لهم بمأرب يقال له عمان فشبهوها به؛ والعجم تسميها مزونا. PageV01P023 # إن كسرى سمي عمان مزونا ... = ... ومزون يا صاح خير بلاد # بلدة ذات مزرع ونخيل ... = ... ومراع ومشرب غير صاد # فلم تزل الأزد تنتقل إلى عمان ms018 حتى كثروا بها وقويت يدهم واشتدت شوكتهم ~~ملئوها حتى انتشروا إلى البحرين وهجر. # ثم نزل عمان من غير الأزد سامة بن لؤي بن غالب فنزل بتوام في جوار الأزد ~~وزوج ابنته هند بنت سامة بالأسد بن عمران بن عمرو بن عامر فولدت له العتيك ~~بن الأسد؛ قال العوتبي: وبنو سامة اليوم بتوام؛ قال وفيها ناس من بني سعد ~~وناس من بني عبد القيس؛ ونزل بعمان ناس من بني تميم منهم آل جزيمة ابن خازم ~~وغيرهم. # ونزلها أيضا قوم من بني النبيت من الأنصار في الجاهلية ومنزلهم في قرية ~~يقال لها ضنك من عمل السر؛ ونزلها بنو قطن من الأنصار ومنازلهم عبري ~~والسليف وتنعم من أرض السر. ونزلها ناس من بني الحارث ابن كعب ومنازلهم ~~بضنك. ونزلها قوم من قضاعة من بني المقين بن جسر نحو مائة رجل منازلهم ~~بضنك. ونزلها ناس من بني رواحة ابن قطيعة بن عبس منهم أبو الهشم العبيسي ~~الرواحي. # باب بعض أخبار مالك بن فهم بعد ملكه لعمان # وكان مالك بن فهم ملكا عظيما , وكانت قبائل اليمن وغيرهم على منازلهم ~~وعددهم يهابونه ويخافون بأسه فيفتخرون به ويتعززون بمنعته؛ وكانت له جرأة ~~وإقدام ما لم يكن لغيره من الملوك , وكان ينزل ما بين عمان إلى ناحية اليمن ~~, وكان أكثر نزوله بشاطئ قلهات من شط عمان؛ وينتقل منها إلى غيرها. PageV01P024 # وكان في ناحية أخرى من نواحيه قد نزل ملك من ملوك الأزد يقال له مالك ابن ~~زهير من ولد عبدالله بن الأزد , وكان عظيم الشأن , وكاد يكون مثل مالك ابن ~~فهم في العزة والقدرة , وخشي مالك بن فهم أن يقع بينهما تحاسد وأن يطمع ~~أحدهما في ملك الآخر فيقع بينهما الحرب؛ فخطب مالك بن فهم ابنته الحزام بنت ~~مالك بن زهير؛ فزوجه على أن يكون الملك لولدها من بعده؛ فأجابه مالك بن فهم ~~إلى ذلك وتزوجها فولدت له سليمة بن مالك وهو أصغر أولاده وأحبهم إليه , ~~وملك مالك بن فهم عمان وما حولها سبعين سنة لم ينازعه في ms019 ملكه عربي ولا ~~عجمي , وعاش مائة وعشرين سنة؛ وامتدحه أوس بن زيد العبدي وكان عظيم القدر ~~في معد وهو في جوار مالك بن فهم فقال: # إن الأسد الكرام إن حل جار ... = ... فمع النجم لا يخاف عربيا # عز من كان مالك له جار ... = ... لست في الأزد إن حللت غريبا # ليكن أوسط الأقارب في النسبة =فيهم كل يراك قريبا # كأن فهم أوصى بنيه وصاة ... = ... حفظوها وكان فيهم مصيبا # أكرموا الضيف واحفظوا حرمة الجار =وكونوا ممن أحب قريبا # فوعى مالك وصاة أبيه ... ... =وكذلك النجيب يحيي النجيبا # مالك يأخذ الخراج من النا ... ... = ... س ومعد تخاف الوثوبا PageV01P025 ~~فلما سمع مالك بن فهم شعر أوس بن زيد ومدحه إياه قسم له أرضا. وماء وأعطاه ~~مائة ناقة واتخذه وزيرا له , وكان أوس شريفا في قومه فلم يزل وزيرا لمالك ~~حتى مات , فأقبل بنوه يفتخرون بما كان من مالك إليه حتى الساعة , وقيل إن ~~مالكا هو الذي ذكره الله تعالى في كتابه أنه يأخذ كل سفينة غصبا. قال ~~العوتبي في الأنساب قال أبو عبدالرحمن بن قبيضة عن أبيه عن ابن عباس في ~~حديث موسى والخضر عليهما السلام قال فانطلق موسى والخضر ويوشع بن نون حتى ~~إذا ركبوا السفينة ولججوا خرق الخضر السفينة وموسى عليه السلام نائم فقال ~~أهل السفينة ماذا صنعت خرقت سفينتنا وأهلكتنا , وأيقضوا موسى وقالوا ما صحب ~~الناس أشر منكم , خرقتم سفينتنا في هذا المكان فغضب موسى حتى قام شعره فخرج ~~من مدرعته واحمرت عيناه وأخذ برجل الخضر ليلقيه في البحر , فقال أخرقتها ~~لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا , قال له يوشع يا بني الله أذكر العهد الذي ~~عاهدته قال صدقت؛ فرد غضبه وسكن شعره وجعل القوم ينزفون من سفينتهم الماء ~~وهم منها على خطر عظيم , وجلس موسى في ناحية السفينة يلوم نفسه يقول لو كنت ~~في غنى عن هذا في بين إسرائيل أقرأ لهم كتاب الله غدوة وعشية فما أدناني ~~إلى ما صنعت فعلم الخضر ما يحدث به نفسه فضحك ثم قال ألم أقل لك ms020 إنك لن ~~تستطيع معي صبرا , أحدثت نفسك بكذا وكذا , قال موسى لا تؤاخذني بما نسيت ~~ولا ترهقني من أمري عسرا , فانطلقوا حتى انتهوا إلى عمان وكان الملك يريد ~~أن ينتقل منها وكان كلما مرت سفينة أخذها وألقى أهلها فإذا الناس على ساحل ~~البحر كالغنم لا يدرون ما يصنعون , فلما قدمت سفينتهم قال أعوان الملك ~~اخرجوا عن هذه السفينة قالوا إن شئتم فعلنا ولكنها مخرقة , فلما رأوها ~~وخرقها قالوا لا حاجة لنا بها , فقال أصحاب السفينة: جزاكم الله عنا خيرا ~~فما صحب قوم قوما أعظم بركة منكم , وأصلح الخضر السفينة فعادت كما كانت. PageV01P026 # إلى أن قال: وكان الملك الذي ذكره الله في كتابه يأخذ كل سفينة غصبا مالك ~~بن فهم الأزدي , وكان ينزل قلهات من شط عمان , وينتقل من هناك إلى ناحية ~~أخرى , وقيل هو مسدلة بن الجلندى بن كركر الأزدي وهو من ولد مالك ابن فهم ~~الأزدي وهو جد الصفاق ومن ولده ملوك مرو؛ وقيل هو الجلندى المستكبر ويقال ~~المستنير بن مسعود بن الحرار بن عبد عز بن معولة بن شمس. # قال العوتبي: والقول الأول أشبه دلالة وأوضح حجة وأقرب في النظر صحة من ~~هذا الأخير؛ قال لأن الجلندى هذا كان قبل الإسلام بيسير وقيل أنه أدرك ~~الإسلام وأبناه عبد وجيفر أدركا الإسلام وإليهما كتب النبي صلى الله صلى ~~الله عليه وسلم على يد عمرو بن العاص , وقصة السفينة كانت في عصر موسى عليه ~~السلام. وبين موسى ومبعث النبي صلى الله عليه وسلم أعوام كثيرة. # ذكر وفاة مالك بن فهم # وذلك بعد ما ملك عمان سبعين سنة وكان قد مضى له من عمره مائة وعشرون سنة ~~جاءته المنية على يد أحب الناس إليه وأعظمهم شأنا لديه وهو ولده سليمة. # إن من ترجو به دفع البلا ... ... = ... سوف يأتيك البلا من قبله ~~PageV01P027 وفي ذلك عبرة لمن أعتبر وعظة لمن اتعظ , وسبب ذلك أن مالكا لما ~~ملك عمان وأطراف العراق وما حول عمان وقعت بينه وبين ملوك اليمن تنافس ~~وتحاسد إلى أن طمع ms021 كل واحد منهما في ملك الآخر , وكان مالك قد جعل على ~~أولاده الحرس بالنوبة كل ليلة على رجل منهم مع جماعة من خواصه وأمنائه من ~~قومه , وكان سليمة أحظى ولد مالك عنده وأقربهم إليه , وهو أصغر أولاده , ~~فحسده إخوته وجعلوا يطلبون له زله عند أبيه وقومه , وكان مالك يعلم سليمة ~~في صغره الرمي بالسهام إلى أن أتقنه , وكان يحرس كأخوته , وأقبل ذات يوم ~~نفر من إخوته إلى أبيهم فقالوا يا أبانا إنك قد جعلت على أولادك الحرس ~~بالنوبة وما أحد منهم وهو قائم بما عليه ما خلا سليمة فإنه أضعف همة وأعجز ~~, وانه إذا جن الليل يعتزل عن فرسان قومه ويتشاغل بالنوم والغفول عما يلزمه ~~فلا يكن لك فيه كفاية ولا غنى , وجعلوا يوهنون أمره عند أبيه وينسبونه إلى ~~العجز والتقصير , فقال لهم مالك أنكم لكذلك وما أحد منكم إلا هو قائم بما ~~عليه , وأما قولكم في ابني سليمة فليس هو كذلك وإن ظني فيه كعلمي ولم تزل ~~الإخوة يحسد بعضهم بعضا لإيثار الآباء بعضا دون بعض , فانصرفوا من عنده ~~راجعين بغير ما كانوا يأملون. PageV01P028 # ثم أن مالكا دخله الشك فأسر كلامهم ذلك في نفسه إلى أن كانت الليلة التي ~~كانت فيها نوبة ابنه سليمة؛ وقد خرج سليمة في نفر من فرسان قومه يحرسون ~~كالعادة؛ ثم اعتزل عنهم سليمة في المكان الذي يكمن فيه بقرب دار أبيه؛ ~~فبينما هو كذلك إذ أقبل مالك من قصره في جوف الليل مختفيا من حيث لا يعلم ~~به أحد قاصدا إلى ذلك الموضع , وكان سليمة في ذلك الوقت قد لحقته سنة فأغفا ~~على ظهر فرسه وهو متنكب كنانته , وفي يده قوسه وهو على ذلك الحال؛ فحست ~~الفرس شخص مالك من بعيد فصهلت وانتبه سليمة من سننه تلك مذعورا , ونظر إلى ~~الفرس وهي ناصبة أذنيها إلى شخص مالك ففوق سهمه في كبد قوسه ويممه نحو شخص ~~مالك وهو لا يعلم أنه أبوه؛ فسمع مالك صوت السهم فهتف به يا بني لا ترم أنا ~~أبوك؛ فقال ms022 سليمة يا أبت ملك السهم قصده فأرسلها مثلا؛ فأصاب السهم مالكا ~~في قلبه فقتله؛ فقال مالك حين أصابه السهم هذه القصيدة نعي نفسه فيها؛ وذكر ~~سيره الذي ساره من أرض السراة , وخروجه من برهوت إلى عمان وما كان من شأنه. # ألا من بلغ أبناء فهم ... = ... بمالكه من الرجل العماني # وبلغ منهيا وبني خنيس ... = ... وسعد الله ذي الحي اليماني # ومن أمسى بحي بني صريح ... = ... إلى حرس وحتى بني عدان # ومن حل الثنية من كلاع ... = ... إلى بطن المناقب والمثاني # بلاد قد نأى عنها مزاري ... = ... وجيران المجاورة الأدانى # نعته الدار من أبناء فهم ... = ... ومن أبناء دوس والقنان # قتلت محرقا وحميت نفسي ... = ... وراغمت الأعادي من أسان # وفي العرنين كنا أهل عز ... = ... ملكنا بربرا وبني قران # جلبت الخيل من سروات نجد ... = ... وواصلت الثنايا غير دان # صددنا قومنا الأدنين قدما ... = ... لدى بطن المبالغ والرعان # بها عمران من أولاد عمرو ... = ... ونسوتها ذوو النسب الأدان # وسرنا بين أحقاف ورمل ... = ... وغلفات تعاطاها بناني # وأودية بها نعم وشاء ... = ... يردن الماء تنزحه السواني # به أولاد ناجية بن حزم ... = ... وأوباش من الأمم الفواني # جلبت الخيل من برهوت شعثا ... = ... إلى قلهات من أرضي عمان PageV01P029 ~~قتلت بها سراة بني قياد ... = ... وحاميت المعالي غير وان # وفي الهيجاء كنا أهل بأس ... = ... قتلنا بهمنا وبني كران # لقينا خيلهم عند التعادي ... = ... بأبطال المرازبة الداعان # يؤمون الذري والخيل تترى ... = ... بفرسان اللقاء كجن عان # فصالت فهم(1) ن الأملاك فيهم ... = ... بمرهفة تحل عرى المتان # نصفناهم فنصف الخيل قتلي ... = ... ونصف في الوثاق وفي القران # ثأرنا الملك يوم بني قياد ... = ... وبهمن والمنايا في العيان # فأضحت يمهن وبنو قياد ... = ... موالينا حيارى في الرهان # فأمتعناهم بالمن غفوا ... = ... وجدنا بالمكارم والأمان # وحرت مملكا قطرى عمان ... = ... وقدت الهبزري مع كل عان # نكحت بها فتاة بني زهير ... = ... وخودة بنت نصر الأسودان # وجعدة بنت حارثة بن حرب ... = ... من الحور المحبرة الحسان # وأم جذيمة وهناة بكر ... = ... عقيلة من ذرى العرب الهجان # ومعن والغميقي ثم عمرو ... = ... وحارث منهم ذرب اللسان # شربت الماء من قطرى عمان ... = ... فلم أر مثل ماء البيذجان # جزاء ms023 الله من ولد جزاء ... = ... سليمة أنه ساما جزاني # أعلمه الرماية كل يوم ... = ... فلم أشتد ساعده رماني # توخاني بقدح شك لي ... = ... دقيق قد برته الراحتاني # فأهوى سهمه كالبرق حتى ... = ... أصاب به الفؤاد وما عداني # ألا شلت يمينك حين ترمي ... = ... وطارت منك حاملة البنان # ثم قضى مالك نحبه , وأنشأ ولده هناة يرثيه ويقول: # لو كان يبقى على الأيام ذو شرف = ... ... لجده لم يمت فهم وما ولدا # حلت على مالك الأملاك جائحة ... = ... هدت بناء العلا والمجد فانقصدا # أبا جذيمة لا تبعد ولا غلبت ... = ... به المنايا وقد أودى وقد بعدا # لو كان يفدي لبيت العز ذو كرم ... = ... فداك من حل سهل الأرض والجلدا # يا راعي الملك أضحى الملك بعدك لا ... = ... تدر الرعاة أجار الملك أم ~~قصدا PageV01P030 ثم إن سليمة تخوف من إخوته واعتزلهم , واجمع على الخروج ~~من بينهم؛ فسار إليه أخوه هناة في جماعة من وجوه قومه فاجتمعوا إليه وكرهوا ~~إليه الخروج؛ وكان أكثر خروجه تخوفه من أخيه معن؛ فقال لهم إني لا أستطيع ~~المقام معكم وقد قتلت أباكم؛ وكان ذلك من سبب حسد إخوتي لي , وقد يبلغني من ~~معن ما أكره وإني لأخشى أن يغتالني في بعض سفهاء قومه , فناشدوه الله ~~والرحم أن يقعد معهم , وضمن له هناة بتسليم الدية عنه إلى أخوته من ماله ~~وأعفوه عن القود؛ فقبل ذلك سليمة وأقام معهم وسلم هناة عنه الدية من ماله ~~إلى إخوته فقبلها الأخوة وعفوا إلا معنا فإنه قبلها ولم يعف؛ وطمع هناة أن ~~يصلح ذات بينهم؛ وكان حسن السيرة في إخوته وقومه. # ثم إن معن خلا له زمن لا يتعرض لسليمة بسوء حتى أكل الدية ثم انه جعل ~~يطلب غفلة سليمة ويغرى به سفهاء يومه من حيث لا يعلم به احد , فبلغ ذلك ~~سليمة , فأقسم أنه لا يقيم بأرض عمان وأجمع رأيه على ركوب البحر , فخرج ~~هاربا في نفر من قومه وقطع البحر حتى نزل بأرض فارس , فلما رأى ذلك أخوه ~~ثعلبة بن مالك اعتزل أخوته وخرج عند أخواله من تنوخ فصار فيهم ms024 وسارت تنوخ ~~بأجمعها حتى لحقت بجذيمة الأبرش بن مالك بن فهم , وهو يومئذ ملك الحبرة , ~~ثم انتشروا من بعد ذلك إلى الشام والجزيرة فتفرقوا بها , وهم الآن كثيرون ~~هناك , فولد ثعلبة بن مالك في تنوخ إلى اليوم والله أعلم. # ---------------------------------------- # 1 - كذا في الأصل # باب خبر ولد مالك من بعده PageV01P031 وقد تقدمت الإشارة إلى جذيمة ~~وملكه؟؟ خبر يطول , ولمقتله على يد الزباء خبر غريب للمشتغل بذكره لأنه ليس ~~من أخبار عمان , وملك عمان بعد مالك ولده هناة , وكان أحسن ولد مالك سيرة ~~وأكملهم رأيا وأجودهم مروءة؛ وكانت خبرة مالك وقعت عليه لعقله وكمال أمره , ~~وكان ذا فهم وحلم , ولم يكن لأحد من ولد مالك ما لهناة من هذه الخصال , ~~فقام بتدبير الأمر وسياسة الملك إلى أن مات , ولم يجد تاريخا لموته , ولا ~~لمدة ملكه , وهو الذي أرسل المدد لأخيه سليمة بن مالك حتى قوم ما أعوج من ~~ملكه؛ بأرض فارس. # وكان من خبره أن سليمة لما خرج من عمان متخوفا من أخيه معن نزل بأرض فارس ~~, وكان أول موضع نزل فيه من ساحل البحر جاشك وتزوج امرأة منهم من قوم يقال ~~لهم الأسفاهية , فولدت له غلاما فأولاده منها يسمون بنجب الأسفاهية نسبة ~~إلى أمهم , فبينما هو ذات يوم قاعدا يذكر أرض عمان وانفراده عن أخوته وقومه ~~, وما كان فيه من العز والسلطان فأنشأ يقول: # كفى حزنا إني مقيم ببلدة ... = ... أخلاي عنها نازحون بعيد # أقلب طرفي في البلاد فلا أرى ... = ... وجوه أخلاي الذين أريد ~~PageV01P032 ثم أنه رحل عن جاشك حتى نزل أرض كرمان فأقام بها عند ملوك بعض ~~أهلها وانتسب إليهم , وقال إني رجل من أهل بيت كان لنا الملك في العرب , ~~وكان لأبي عدة من الولد وكنت أنا أقربهم إليه وأحبهم , فحسدني أخوتي مكاني ~~من أبي , وكان ذلك سبب قتل أبي على يدي؛ ثم أنه أخبرهم بقصته وأمره؛ وقال ~~إني قد قدمت إلى هذه البلاد مستجيرا بأهلها ومستعديا بهم , وقد رجوت الله ~~أن يمن على بجوارهم ويشد أزري بمكانهم , فلما انتسب إليهم ms025 وعرفهم قصته ~~عرفوه وتبينوا موضعه ومكانه وشرفه فأنزلوه وأكرموه , وأعجبهم ما رأوا من ~~فصاحته وجماله وكمال أمره؛ فرفعوا قدره وأكرموا منزلته وزوجوه بامرأة من ~~كرائم نسائهم؛ ويقال إن سبب تزويجهم إياه أن سليمة لما قدم إلى ارض كرمان ~~وانتسب إليهم أرادوا أن يزوجوه بامرأة من بنات بعض ملوكهم , وكان الملك ذاك ~~على ارض كرمان ولد دارا بن بهمن؛ وكان ملكا جبارا كثير العسف والظلم لأهل ~~مملكته وقومه؛ وكان قد بلغ من أمره أنه ما رفت عروس على بعلها حتى يؤتي بها ~~إليه فيصيبها قبله إلا قتل بعلها وبدد أهلها , فكان ذلك دأب في أهل كرمان ~~إلى أن تقدم عليهم سليمة , وكانوا قد كتموا مجيئه وقدومه مخافة أن يتعرض له ~~بسوء لأجل ما كان من أبيه مالك وأخيه جذيمة الأبرش إلى ملوك فارس؛ فشكوا ~~إلى سليمة أمر ملكهم وحكوا له قصتهم؛ وذكروا أنهم لا يتوصلون إلى دفعه ~~بحيلة من كثرة حرسه وحجابه ومنعته , فقال سليمة وماذا لي عليكم إن أنا ~~كفيتكم أمر بأسه وأرحتكم من سلطانه؟ قالوا وأنى لك ذلك ولم يرمه أحد من أهل ~~العز والسلطان ممن كان قبلنا , فقال سليمة تدبير الأمر في ذلك على فماذا لي ~~عليكم؟ قالوا ما شئت , قال فإذا أردتم ذلك فيجتمع إلى من الغد أهل الوفا ~~والتقديم , قالوا نعم. PageV01P033 # فلما كان من الغد اجتمع إليهم عظماء أهل كرمان وأهل الوفا منهم وجرى ~~الكلام بينهم كما يجري بالأمس؛ فقال سليمة إن أمكنتموني مما أشترط عليكم ~~دبرت الأمر؛ فقالوا بأجمعهم لك جميع ما شرطت وسألت , قال سليمة أشترط على ~~أنكم تصيرون ملكه وسلطانه لي ولعقبي من بعدي دون سائر أهل كرمان , وعلى أني ~~آخذ جميع غلاتكم وجباية جميع أموال كرمان إلى أن أتمكن وأبلغ غاية مرادي , ~~وأن أنتخب لنفسي من جميع ما قدرت عليه من رجال العرب ومن أجناس أهل كرمان ~~من أردت من الرجال , وأن تزوجوني بامرأة من كرائم عقائل نسائكم , فأمسك ~~القوم لذبك ونكسوا رؤسهم ساعة. # ثم أقبل بعضهم إلى بعض فقال إن كان ms026 فيكم معاشر أهل كرمان من يستطيع ذلك ~~بدون هذه الشروط والمطلب فليفعل , فسكتوا ولم يتكلم منهم أحد , فقال سليمة ~~إني لا أستطيع إلى فعل ذلك إلا على هذه الشروط , فعند ذلك ضربوا أيديهم على ~~يد سليمة وقالوا له لك جميع ما شرطت وطلبت , فبايعوه على قتل الملك وأخذ ~~عليهم العهود والمواثيق , وكانت تلك الجماعة من أهل بيت الملك والسلطان ~~قوام أمر الملك ونظام الدولة. PageV01P034 # فلما فرغوا من أمر البيعة عمدوا إلى سليمة فزوجوه بامرأة من كرائم بناتهم ~~والملك لم يعلم بشيء من ذلك كله إلا أنهم أشهروا أمر تزويج المرأة باسم رجل ~~من بعض أهل كرمان ممن شهد البيعة؛ ولم يذكر اسم سليمة لئلا يعلم الملك بشيء ~~من أمره , ولما فرغ القوم من بيعتهم له وتزويجهم واعدهم في ليلة معلومة ~~ليزفوه إلى الملك , وقال لهم إذا عزمتم على ذلك فأشهروا أمر هذه المرأة إلى ~~بعلها حتى يبلغ ذلك الملك ليكون متأهبا للتعريس , ثم أتوا إلى في خفية من ~~الناس فألبسوني أنواع الحلي والحلل وزفوني إليه بين النساء والحشم , ليتيقن ~~في وهمه أني المرأة التي تريدون أن تزفوها إلى بعلها. فإذا أنا صرت إليه ~~وأغلقت الأبواب وأرخيت الستور دوني , وأمر الخدم بالانصراف؛ وأشرف على ~~وتمكنت منه ضربت بيدي على هذه السكين التي في حجزة سراويلي ووجأته بها فإذا ~~أنا ظفرت به وتمكنت من حجابه وأهل حرسه وسمعتم الصريخ فبادروا إلى بأجمعكم ~~في سلاحكم وآلة حربكم وأعينوني على ما حاولت وعاهدتموني عليه؛ فقالوا نعم. # فلما كانت الليلة أشهروا أمر تلك المرأة من النهار , وعمدوا إلى سليمة ~~وهو إذ ذاك شاب؛ وكان جميلا حسن الوجه والهيئة , فألبسوه أنواع الحلي ~~والحلل؛ وقد حدد سكينة وجعلها معه في حجزة سراويله , وسار عنده النساء ~~وأنواع الخدم والحشم يزفونه بينهم في هيئة المرأة حتى انتهوا به على الملك ~~, فحين نظر إليه الملك في الاشماع وضوء المصابيح وهو على تلك الهيئة ~~والجمال هاله منظره وما رأى من حسنه وجماله , وقد أقبل إليه يرفل في أنواع ~~الحلي والحلل بين ms027 الخدم والحشم؛ فأعجبه فأومأ إلى النساء والخدم بالانصراف ~~فانصرفوا عنه , وأمر بالأبواب فأغلقت بالستور فأرخيت , ولم يبق إلا هو ~~وسليمة. PageV01P035 # ثم أنه أهوى على سليمة ليقبله ويضمه إليه فاسترخا ممائلا عليه حتى إذا ~~تمكن منه أهوى على السكين من حجزة سراويله فوجأ بها الملك في خاصرته ~~فأثبتها فيه , ثم أردفه الثانية في لبته فبعج بطنه , فخر الملك ساقطا على ~~فراشه يخور في دمه خوار الثور. # ثم وثب من فوره ذلك فلبس درع الملك وبيضته وتقلد سيفه , ثم نظر إلى الملك ~~وإذا فيه رمق الحياة فضربه بالسيف فأبان رأسه عن جسده , وبات ليلته على تلك ~~الهيئة ولا يدري أحد ما عنده , وبات وجوه أهل كرمان الذين بايعوه ليلتهم في ~~خوف ووجل لا يدرون ما يكون من أمره. # فلما أصبح وثب على الأبواب وفتحها؛ وخرج إلى حراس الملك وحاميته فشد ~~عليهم فلم يزل يجالدهم بسيفه ويقتل من لحق منهم حتى أباد عامتهم , وباب ~~الدرب مغلوق عليه وعليهم. # ثم تصايح الناس وتهاتفوا بالسلاح ووقع الصريخ؛ وأقبل إليه جماعة وجوه أهل ~~كرمان أهل البيعة منهم وغيرهم من أعوان الملك في آلة حربهم وخيلهم وعددهم؛ ~~فعندما أشرف عليهم سليمة من رأس الحصن وعليه الردع والبيضة شاهرا ليسف ~~الملك بيده وهو مختضب بالدم , فألقى إليهم جثة الملك ورأسه , فلما نظروا ~~إلى ذلك هالهم أمره وأكبروا شأنه وأعظموا وتحاجز الناس عنه , وسر بذلك بعض؛ ~~فأمسك أمر الجميع , وحمد إليه عظماء أهل كرمان والأشراف منهم ممن كان ~~بايعه؛ وصرفوا إليه جميع الناس؛ وفرحوا بذلك فرحا شديدا لما كان من عسف ~~الملك وسوء سيرته فيهم. # ثم أنهم شدوا في رجل الملك حبلا وأمروا الصبيان أن يجروه ويطوفوا به في ~~شوارع كرمان وسككها. # ثم اجتمع العظماء والأشراف فتآمروا بينهم في تمليك سليمة عليهم وتسليم ~~الأمر إليهم دونهم , فاجتمعوا على ذلك فوفوا له بما بايعوه وصرفوا له جميع ~~الناس واستقبلوه بالسمع والطاعة حتى استقر له الأمر وتمهد؛ ثم أنهم أهدوا ~~إليه عرسه فابتنى بها , واستقر له أمر كرمان وأطاعه الجميع من ms028 أهلها فمكنوه ~~من أنفسهم وأموالهم؛ وأعانوه على جميع أمره. PageV01P036 # فلم يزل أمره فيهم كذلك إلى أن حسده بعضهم وقالوا إلى متى يملكنا هذا ~~العربي ونحن أهل القوة والمنعة والعز والسلطان؟ وجعلوا يتعرضون له في أطراف ~~عماله وناحية داره؛ فعند ذلك كتب سليمة إلى أخيه هناة بن مالك بعمان ~~يستصرخه , ويطلب منه المعونة والمدد , فأمده هناة بثلاثة آلاف من فرسان ~~الأزد وأبطالهم بالعدد والدروع , وحملهم في المراكب حتى أوردهم إلى كرمان , ~~فتحصلوا عند سليمة وأقاموا معه فشد بهم عضده؛ وأقام بهم أود من أعوج عليه ~~من العجم؛ واستقام الأمر وسياسة الملك ولم يزل أمر سليمة بأرض كرمان ~~مستقيما؛ وقد أذعن له أهلها يؤدون إليه خراجها؛ وولد له عشرة أولاد ومات ~~بأرض كرمان؛ فاختلف رأي ولده من بعده , واضطرب أمرهم ودخل الناس بينهم؛ ~~وكان ذلك سبب زوال أمرهم ورجوع الملك إلى العجم حين وجدوا عليهم المدخل , ~~فاضمحل أمرهم وتفرقوا في أرض فارس وكرمان؛ وفرقة منهم توجهت إلى جبال عمان ~~فلحقوا بإخوانهم , ومنهم الجلندى بن كركر وقد ملك عمان , ومن ولده الصفاق ~~ومن ولده ملوك مرو؛ وجمهور بني سليمة بأرض فارس وكرمان لهم بأس وشدة وعدد ~~كثير؛ وبعمان منهم الأقل. # ثم لم يزل الملك في أولاد مالك ولم يرجع أحد من الفرس إلى عمان حتى انقضى ~~ملك ولد مالك بن فهم؛ وصار ملك عمان إلى آل الجلندى بن المستكبر؛ وهو من ~~معولة بن شمس , وصار ملك الفرس إلى ساسان؛ وهم رهط الأكاسرة فتهادنوا هم ~~وآل الجلندى بعمان على أن يجمعوا فيها أربعة آلاف من الأساورة والمرازبة مع ~~عامل يكون له بها عند ملوك الأزد؛ فكانت الفرس في السواحل وشطوط البحر؛ ~~والأزد ملوك في سائر البلاد , والأمور كلها منوطة بهم؛ وكان كل من غضب عليه ~~كسرى من الفرس وأهل بيته ومملكته أو خافه على نفسه وملكه أرسله إلى عمان ~~يحبسه بها , فلم يزالوا كذلك بين ظهراني الأزد إلى أن أظهر الله الإسلام ~~بعمان فأخرجوهم منها على حسب ما سيأتي إن شاء الله تعالى. # ذكر ms029 جماز بن مالك بن فهم PageV01P037 وكان اسمه زياد بن مالك وكان قد ملك ~~مائة وعشرين سنة وكان ملكه على معد وطوائف من اليمن. # قال العوتبي: وهو الذي ذكره الله تعالى في القرآن ووصف جنته فقال تعالى ( ~~قال لصاحبه وهو يحاوره) إلى قوله ( ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح ~~صعيدا زلفا أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا وأحيط بثمره فأصبح يقلب ~~كفيه على ما انفق وهي خاوية على عروشها ) فخرب الله جنته بكفره , وهو الذي ~~تقول فيه العرب: لأنت أكفر من جماز. # قال: ولم يملك العرب قط ملك كان أعظم كبرا ولا أقتل لمعد منه , كان إذا ~~رأى رجلا من معد دهينا حلق رأسه وإذا رآه جميلا ضرب وجهه , وإذا رآه متكلما ~~هشم فاه , وكان هذا دأبه في معد وكان ملكه من بلاد العالية إلى جانب أيلة ~~من الشام فصار كفره في الناس يضرب به المثل , ولم يستطع معد أن تخرج من ~~سلطانه , فسار رجل من عدوان فدعا المستنير بن عمرو ويقال المستجير بن عمرو ~~وجماعة الأزد فقال: # إلى الله أشكو لا إلى الناس أشتكي ... = ... بوائق جاءت من جماز بن مالك # فيا معشر الأسد الذين هم هم ... = ... خيار عباد الله ترضون ذلك # لكم شيمة لم يعطها الله غيركم ... ... =وساجح أحلام وأصل مرائك # قهرتم معدا غثها وسمينها ... ... =ملوكا لهم والقوم تحت السنابك # وكنتم خيار الناس ملكا وقدرة ... = ... فكيف بهذا بينكم شر مالك # ثم إن العدواني أقام بعمان مع الأزد في جوارهم , وخاف إن رجع إلى بلاده ~~بلغ جمازا أمره , وأنه شكاه إلى قومه وأخوته فيعاقبه؛ فولد العدواني اليوم ~~في الأزد. # ولأولاد مالك أخبار كثيرة ذكرها المؤرخون؛ وذكر العوتبي في الأنساب؛ ونحن ~~نقتصر على الغرض المقصود والله أعلم. # باب في ذكر شيء من أخبار عمان بعد ملك العرب لها PageV01P038 قال العوتبي ~~في الأنساب: ذكر أن سليمان بن داود عليهما السلام كان يغدو من اصطخر فيتغدى ~~في بيت المقدس ويروح من بيت المقدس فيتعشى في اصطخر فبينما هو يسير وقد ~~حملته الريح ms030 إلى نحو البر فقال للريح شائمى فهبت في برية عمان فرأى قصرا في ~~صحراء كأنما رفعت عنه اليد الساعة , وإذا عليه نسر واقع , فقال للريح حطى , ~~ثم قال لمن معه ادخل القصر فدخلوا فلم يروا شيئا فعادوا إليه فأعلموه فدعا ~~بالنسر فقال لمن هذا القصر؟ فقال ما أدري أنا عليه منذ ثمانمائة سنة هكذا عهدته. # وفي نسخه أخرى أن سليمان بن داود عليهما السلام سار من أرض فارس من قلعة ~~اصطخر إلى عمان في نصف يوم ونزل موضع القصر من سلوت من عمان وهو بناء جديد ~~كأنما رفع الصناع أيديهم منه في ذلك الوقت , وإذا عليه نسر فسأله نبي الله ~~عليه الصلاة والسلام عنه فقال يا نبي الله أخبرني أبي عن أبيه عن جده أنه ~~عهده على هذا الحال , فقال في ذلك بعض الشياطين الذين صحبوا سليمان عليه ~~السلام. # غدونا من قرى اصطخر ... =إلى القصر فعلناه # فمن سال عن القصر =فأنا قد وجدناه # وللشيء على الشيء =مقاييس وأشباه # يقاس المرء بالمرء=إذا ما المرء ما شاه # قال: ويقال والله أعلم إن سليمان بن داود دخل عمان وأهلها بادية , فأقام ~~فيها عشرة أيام وأمر الشياطين في كل يوم يحفرون ألف نهر , وقد أجرى فيها ~~عشرة آلاف نهر. # قال وحدثني أبو المنذر خالد بن محمد أنه بلغه أن في جبل اليحمد بعمان قبر نبي. # باب انتقال ملك عمان من أولاد مالك بن فهم....... # باب انتقال ملك عمان من أولاد مالك بن فهم إلى بني معولة بن شمس # قال العوتبي: فمن ولد معولة بن شمس كانت ملوك عمان قال وإليهم صار الملك ~~في عمان من بعد مالك بن فهم وولده. # قال فأول ملوكهم عبد عز بن معولة بن شمس بن عمرو بن غانم بن عثمان ابن ~~نصر بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبدالله بن مالك بن نصر ابن الأزد. PageV01P039 # قال فملك واشتد ملكه , وكان من أعز الناس نفسا ومملكة وهو الذي سبا أهل ~~العباب واستاق منهم فارس , وكان في ms031 جملة السبي ابنة عم له دوالة ابن صعدت ~~النخل فقدم دوالة على عبد عز في شأنها فسأله ردها فردها على أهلها وكان قد ~~بلغ ملك عبد عز بن معولة إلى اليمامة والبحرين وما والاهما: وكان له على ~~أهل البحرين واليمامة اتاوة وهي الخراج المقدر عليهم؛ وكان رسوله في قبضها ~~من أهل اليمامة باقل بن شاري بن اليحمد , وكان منزله إذا قدم اليمامة على ~~عمرو ابن عمرو والحنفي من أهل اليمامة , فقدم باقل اليمامة في بعض مرآته ~~فأعجل أهلها بالاتاوة فأغلظ عليهم فيها وحبس منهم بشرا كثيرا في محبس كان ~~له باليمامة يسمى محبس الهون فبينما باقل ذات ليلة في منزله إذ سمع قائلا يقول: # ولولا تعدية الخيار بن جنة =سقته سيوف الأزد سما مقسبا # فدانوا وأعطوا بالاتاوة عنوة=( 1) فعلوه أو كان أصوبا # ولو عبد عز رام بالجيش كبكبا=لزلزل بالجيش العماني كبكبا # ولو قدحت كفاه بالنبع صخرة =غداة الفخر فدى وأثقبا # ( وقال مصعب بن عمر الحنفي ) # ثمامة فأدنا للحين جهرا=وعرضنا البلاء لعبد عز # وصبحنا بحر صباح سوء =على خيل يقحمها بنقز # فكم (2 ) قد تقرى =وسنان المعز والمعز # وقال المستكبر بن عبد عز في ذلك شعرا لتحريف النسخ. # ثم لم يزل ملك عمان فيهم حتى أظهر الله الإسلام في عمان وغيرها وأسلم أهل ~~عمان , وقيل أن ملكهم يومئذ الجلندى بن المستكبر وأنه أسلم في جملة من أسلم ~~وإليه تنسب بنو الجلندى , وقيل أن الجلندى مات قبل الإسلام؛ وإنما أسلم ~~ابناه جيفر وعبد وهو أثبت والله أعلم. # ============================ # 1- بياض بالأصل # 2 - بياض بالأصل # باب في إسلام أهل عمان # ذكر والله أعلم أن أول من أسلم من عمان مازن بن غضوبة بن سبيعة بن شماسه ~~ابن حيان بن مر بن حيان بن أبي بشر بن خطامة بن سعد بن نبهان بن عمرو ابن ~~الغوث بن طى , وكان من أهل سمائل. PageV01P040 # قدم على رسول الله صاى الله عليه وسلم عند أول ظهور الإسلام بعمان وأسلم ~~ودعا له النبي صاى الله عليه وسلم ولأهل عمان بخير ms032؛ وكان من خبره أنه كان ~~يسدن صنما له في الجاهلية في سمائل يقال له ناجر لعظمة بنو خطامة وبنو ~~الصامت من طى. # قال مازن فعترنا عنده ذات يوم عتيرة يعني الذبيحة فسمعت صوتا من الصنم يقول: # يا مازن اسمع تسر = ... ظهر خير وبطن شر ... = بعث نبي من مضر # بدين الله الأكبر = ... فدع نحيتا من حجر =تسلم من حر صقر # قال مازن ففزعت لذلك ثم عترنا بعد أيام عتيرة أخرى فسمعت صوتا من الصنم يقول: # أقبل إلى أقبل =تسمع ما لا يجهل ... =هذا مرسل جاء بحق منزل # آمن به كي تعدل = ... عن حر نار تشعل = ... وقودها بالجندل # فقلت إن هذا لعجب؛ وإنه لخير يراد بي, فبينما نحن كذلك إذ قدم رجل من أهل ~~الحجاز فقلنا له ما وراءك؟ فقال ظهر رجل يقال له أحمد يقول لمن أتاه أجيبوا ~~داعي الله, فقلت هذا نبأ ما سمعت, فثرت إلى الصنم فكسرته وركبت راحلتي ~~فقدمت على رسول الله صاى الله عليه وسلم فأسلمت. # وفي المعنى أن القادم ظهر رجل يقال له محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب ابن ~~هاشم بن عبدمناف يقول لمن أتاه أجيبوا داعي الله فلست بمتكبر ولا جبار ولا ~~محتال أدعوكم إلى الله وترك عبادة الأوثان, وأبشركم بجنة عرضها السموات ~~والأرض وأستنقذكم من نار تلظى, لا يطفأ لهيبها ولا ينعم من سكنها. # قال مازن: فقلت هذا والله نبأ ما سمعت من الصنم, فوثبت إليه وكسرته جذاذا ~~وركبت راحلتي حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عما بعث له ~~فشرح لي الإسلام ونور الله قلبي للهدى فأسلمت وقلت: # كسرت ناجرا جذاذا وكان لنا =ربا نظيف به ضلال بتضلال # بالهاشمي هدانا من ضلالتنا =ولم يكن دينه مني على بال # يا راكبا بلغن عمرا وأخوته =إني لمن قال ربي ناجر قالي PageV01P041 قال ~~العوتبي: قوله ( بلغن عمرا ) يريد بني الصامت وأسمه عمرو بن غنم بن مالك ~~ابن سعد بن نبهان بن الغوث بن طى, وقوله وأخوتها يريد بني خطامة بن سعد ابن ~~نبهان ms033 بن الغوث بن طى. # قال مازن: فقلت يا رسول الله عليك وسلم وآلك ادع الله تعالى لأهل عمان, ~~فقال: اللهم اهدهم وأثبهم, فقلت زدني يا رسول الله فقال: اللهم أرزقهم ~~العفاف والكفاف والرضا بما قدرت لهم, قلت يا رسول الله البحر ينضح بجانبنا ~~فادع الله في ميرتنا وخفنا وظلفنا, قال: اللهم وسع عليهم في ميرتهم وأكثر ~~خيرهم من بحرهم, قلت زدني فقال: اللهم لا تسلط عليهم عدوا من غيرهم, قل يا ~~مازن آمين فإن آمين يستجاب عنده الدعاء, قال قلت آمين؛ قال قلت يا رسول ~~الله إني مولع بالطرب وبشرب الخمر لجوج بالنساء, وقد نفذ أكثر مالي في هذا ~~وليس لي ولد فادع الله أن يذهب عني ما أجد ويهب لي ولدا تقر به عيني ~~ويأتينا بالحيا, فقال النبي صاى الله عليه وسلم ( اللهم أبدله بالطرب قراءة ~~القرآن وبالحرام الحلال وبالعهر عفة الفرج والخمر ريا لا إثم فيه, وأتهم ~~بالحيا وهب له ولدا تقر به عينه, قال مازن فأذهب الله تعالى عني ما كنت أجد ~~من الطرب والنشاط لتلك الأسباب وحججت حججا وحفظت شطر القرآن وتزوجت أربع ~~عقائل من العرب ورزقت ولدا سميته حيان بن مازن, وأخصبت عمان في تلك السنة ~~وما بعدها وأقبل عليهم الخف والظلف؛ وكثر صيد البحر وظهرت الأرباح في ~~التجارات وآمن عدد من أهل عمان؛ ولمازن في ذلك شعر حيث يقول: # إليك رسول الله خبت مطيتي= تجوب الفيافي من عمان إلى العرج(1 ) # لتشفع لي يا خير من وطئ الحصى ... =فيغفر لي ربي فأرجع بالفلج(2 ) # إلى معشر حالفت في الله دينهم ... =فلا دينهم ديني ولا شرجهم شرجي(3 ) # وكنت امرءا باللهو والخمر مولعا ... =شبابي إلى أن (4 ) أذن الجسم بالنهج # فبدلني بالخمر أمنا وخشية ... =وبالعهر احصانا فحصن لي فرجي # فأصبحت همي في الجهاد ونيتي ... =فلله ما صومي وما حجي PageV01P042 قال ~~فلما كان في العام القابل الذي وفدت فيه على رسول الله صاى الله عليه وسلم ~~فقلت يا المبارك ابن المباركين الطيب ابن الطيبين؛ وقد هدى الله قوما من ~~أهل ms034 عمان ومن عليهم بيديك, وقد أخصبت عمان خصبا هنيا؛ وكثرت الأرباح والصيد ~~بها, فقال عليه السلام سيزيد الله أهل عمان خصبا وصيدا فطوبى لمن آمن بي ~~ورآني , وطوبى لمن آمن بي ولم يرني, وطوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني ولم ~~ير من رآني, وإن الله سيزيد أهل عمان سلاما. # ========================== # 1- موضع قرب المدينة. # 2 - النصر. # 3 - يقال ليس من شرجي أي من طبقته وشكله. # 4 - خ حتى أذن. # ذكر سبب إسلام ملوك عمان # وسبب ذلك أن النبيصلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى ابروين بن كسرى أخو ~~شروان يدعوه إلى الإسلام, فمزق كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي ~~صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك اللهم مزق شمله كل ممزق فلم يفلح كسرى بعد ~~دعوة النبي صلى الله عليه وسلم , فسلط الله عليه ابنه شيرويه فقتله. PageV01P043 # ثم أن شيرويه كتب إلى باذان مرزبانه على عمان ويقال بل اسمه فستحان أن ~~ابعث من قبلك رجلا عربيا فارسيا صدوقا مأمونا وقد قرأ الكتب إلى الحجاز ~~يأتيك بخير هذا الرجل العربي الذي يزعم أنه نبي , وعنى بقوله عربيا فارسيا ~~أي قد تكلم بالعربية والفارسية ويعرفهما فبعث باذان ويقال الفستحان رجلا من ~~طاحية يقال له عب بن برشة الطاحي وكان قد تنصر وقرأ الكتب, فقدم المدينة ~~وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه فرأى فيه الصفات التي يجدها في الكتب, ~~فعرف أنه نبي رسل؛ فعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلمالإسلام فأسلم كعب ~~ورجع إلى عمان, فأتى باذان: فأخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم نبي مرسل, ~~فقال باذان هذا أمر أريد أن أشافه فيه الملك, فاستخلف على أصحابه الذين ~~بعمان رجلا من أصحابه يقال له مسكان؛ وخرج باذان إلى الملك كسرى بفارس ثم ~~أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل عمان, وكان الملك في ذلك ~~العهد بعمان الجلندي بن المستكبر, وأرسل إليه يدعوه ومن معه إلى الإسلام؛ ~~فأجاب؛ وأرسل إلى الفرس الذين بعمان وكانوا مجوسا يدعوهم إلى التدين بهذا ~~الدين ms035 والإجابة إلى دعوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فأبوا؛ فأخرجهم ~~الجلندي قهرا وصغرا من عمان. # وقال آخرون إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل عمان يدعوهم إلى ~~الإسلام؛ وعلى أهل الريف منهم عبد وجيفر ابنا الجلندي, وكان أبوهما قد مات ~~في ذلك العصر, فكان في كتابه صلى الله عليه وسلم إلى أهل عمان, فأقروا ~~بشهادة أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله, وأدوا الزكاة, واعمروا ~~المساجد وإلا غزوتكم. # وعن الواقدي بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلمكتب إلى جيفر وعبد ابني ~~الجلندي الأزدي بعمان وبعث عمرو بن العاص بن وائل السهي بكتابه إليهما, ~~وكان كتابه صحيفة أقل من الشر فيها: # ( PageV01P044 بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى جيفر وعبد ~~ابني الجلندي, السلام على من اتبع الهدى ( أما بعد ) فإني أدعوكما بدعاية ~~الإسلام؛ أسلما تسلما فإني رسول الله إلى الناس كافة؛ لأنذر من كان حيا, ~~ويحق القول على الكافرين وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما؛ وإن أبيتما ~~أن تقرا بالإسلام فإن ملككما زائل عنكما؛ وخيلي تطأ ساحتكما, وتظهر نبوتي ~~على ملككما ). # وكان الكاتب لهذا أبي كعب وهو عليه السلام عليه, وطوى الصحيفة وختمها ~~بخاتمه المبارك, وكان نقش الخاتم: لا إله إلا الله محمد رسول الله. # قال: فقدم عمرو بن العاص بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عبد وجيفر ~~بني الجلندي بعمان, فكان أول موضع دخله من صحار دستجرد وهي مدينة بنتها ~~العجم في صحار في مهادنتهم لبني الجلندى فنزل بها وقت الظهر؛ وبعث إلى بني ~~الجلندى وهم بادية عمان , فكان أول من لفيه عبد بن الجلندى؛ وكان أحلم ~~الرجلين وأحسنهما خلقا؛ فأوصل عمرا إلى أخيه جيفر بن الجلندى بكتاب النبي ~~صلى الله عليه وسلم, فدفعه إليه مختوما ففض ختامه وقرأ ه حتى انتهى إلى ~~آخره , ثم دفعه إلى أخيه عبد فقرأه مثل قراءته , ثم التفت إلى عمرو فقال: ~~إن هذا الذي تدعو إليه من جهة صاحبك أمر ليس بصغير , وأنا أعيد فكري فيه ~~وأعلمك ms036 , وإنه استحضر جماعة الأزد وبعثوا إلى كعب بن برشة العودي , فسألوه ~~عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل نبي؛ وقد عرفت صفته , وسيظهر ~~على العرب والعجم , فأجاب إلى الإسلام وأسلم هو وأخوه في ساعة واحدة , ثم ~~بعث إلى وجوه عشائره فبايعهم لمحمد صلى الله عليه وسلم وأدخلهم في دينه ~~وألزمهم تسليم الصدقة؛ وأمر عمرو بن العاص بقبضها فقبضها على الجهة التي ~~أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم. PageV01P045 # ثم بعث جيفر إلى مهرة والشحر ونواحيها فدعاهم إلى الإسلام وأعلمهم ~~بالإسلام فأسلموا معه , ثم بعث إلى دبى وما يليها إلى آخر عمان , فما ورد ~~رسول جيفر على أحد إلا وأسلم وأجاب دعوته إلا الفرس الذين كانوا في ذلك ~~العهد بعمان واجتمعت الأزد إلى جيفر بن الجلندى وقالوا لا يجاورنا العجم ~~بعد هذا اليوم؛ وأجمعوا على إخراج مسكان ومن معه من الفرس؛ فدعا جيفر ~~بالمرازبة والأساورة فقال لهم إنه قد بعث منا في العرب نبي فاختاروا منا ~~إحدى حالتين: إما أن تسلموا وتدخلوا فيما دخلنا فيه , وإما أن تخرجوا عنا ~~بأنفسكم؛ فأبوا أن يسلموا وقالوا لسنا نخرج , فعند ذلك اجتمعت الأزد ~~فقاتلوهم قتلا شديدا وقتل مسكان وكثير من أصحابه وقواده , ثم تحصن بقيتهم ~~في دستجرد , فحاصروهم أشد الحصار. # فلما طال بهم ذلك طلبوا الصلح , فصالحوهم على أن يتركوا كل صفراء وبيضاء ~~وحلقة وكراع؛ ويحملوهم بأهاليهم وحاشيتهم في سفينة حتى يقطعوا إلى أرض ~~فارس؛ فأجابوهم إلى ذلك , وخرجوا من عمان , وفي ذلك يقول شاعر الأزد؛ وهو ~~ثابت بن قطنة العتكي: # ألم تنبئك عن سكانها الدار = وعندها من بيان الحي أخبار # كأنهم يوم راحوا تاركين لها = من جدهم بجناحي طائر طاروا # صادفت مسكان وسط النقع منجدلا = أثوابه بعد تاج الملك أطمار # ويل أمه فارسا ما هو يعنبله ([1]) = كأنما ناظراه في الوغى نار # بقية من سراة الأزد يقدمهم = رئيس صدق إلى الروعات كرار # لا هم ضعاف ولا أزرى بهم خوز= عند الطعان ولا عزل وأغمار # إذا أقول لهم والحرب ساطعة = والموت يكره سيروا ms037 نحوه ساروا # نحن العتيك مضاض الناس قد عملوا = وفي القبائل آساد وأحرار # قوم نعز ولا ترجى ظلامتنا = ولا يكون أكالى بيننا الجار # من كان فيه من الأحياء مختلف = فنحن لا عيب فينا لا ولا عار # والله يعلم والأقوام قد علموا= أنا لنصر إذا ما معشر جاروا PageV01P046 ~~وفي السيرة الحلبية أن عمرو بن العاص قال: خرجت حتى انتهيت إلى عمان فعمدت ~~إلى عبد وكان أحلم الرجلين وأسهمهما خلقا , فقلت إني رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم إليك وإلى أخيك , فقال أخي المقدم على بالسن وأنا أوصلك به حتى ~~يقرأ كتابك , ثم قال: وما تدعوا إليه؟ قلت أدعوك إلى الله وحده وتخلع ما ~~عبد من دونه؛ وتشهد أن محمدا عبده ورسوله , قال يا عمرو وإنك ابن سيد قومك؛ ~~فكيف صنع أبوك؛ يعني العاص بن وائل؛ فإن لنا فيه قدوة , قلت مات ولم يؤمن ~~بمحمد صلى الله عليه وسلم ووددت لو كان آمن وصدق به؛ وقد كنت قبل على مثل ~~رأيه حتى هداني الله للإسلام , قال فمتى تبعثه؟ قلت قريبا؛ فسألني أين كان ~~إسلامي؟ فقلت عند النجاشي , وأخبرته أن النجاشي قد أسلم , قال فكيف صنع ~~قومه بملكه؟ قلت أقروه واتبعوه؛ قال والأساقفة؟ أي رؤساء النصرانية ~~والرهبان , قلت نعم؛ قال انظر يا عمرو وما تقول , إنه ليس من خصلة في رجل ~~أفصح له , أي أكثر فضيحة من كذب؛ قلت وما كذبت وما نستحله في ديننا. PageV01P047 # ثم قال: ما أرى هرقل علم بإسلام النجاشي؛ قلت له بلى , قال بأي شيء علمت ~~ذلك يا عمرو؟ قلت كان النجاشي رضي الله عنه يخرج له خرجا فلما أسلم النجاشي ~~وصدق بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ قال لا؛ والله لو سألني درهما واحدا ما ~~أعطيته فبلغ هرقل قوله , فقال له أخوه: أتدع عبدك لا يخرج لك خرجا , ويدين ~~دينا محدثا؟ فقال هرقل: رجل رغب في دين واختاره لنفسه ما أصنع به؟ والله ~~لولا الضن بملكي لصنعت كما صنع؛ قال انظر ما تقول يا عمرو؛ قلت والله صدقتك ~~قال عبد ms038: فأخبرني ما الذي يأمر به وينهى عنه؟ قلت يأمر بطاعة الله عز وجل ~~وينهى عن معصيته , ويأمر بالبر وصلة الرحم؛ وينهى عن الظلم والعدوان , وعن ~~الزنا وشرب الخمر , وعن عبادة الحجر والوثن والصليب , فقال ما أحسن هذا ~~الذي يدعو إليه؛ لو كان أخي يتابعني لركبنا حتى نؤمن بمحمد صلى الله عليه ~~وسلم ونصدق به؛ ولكن أخي أضن بملكه من أن يدعه ويصير ذنبا , أي تابعا , قلت ~~إنه إن أسلم ملكه رسول الله صلى الله عليه وسلمعلى قومه , فأخذ الصدقة من ~~غنيهم فردها على فقيرهم؛ قال إن هذا لخلق حسن , وما الصدقة؟ فأخبرته بما ~~فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصدقات في الأموال , ولما ذكرت ~~المواشي؛ قال: يا عمرو يؤخذ من سوائم مواشينا التي ترعى في الشجر وترد ~~المياه؛ فقلت: نعم , فقال: والله ما أرى قومي في بعد دارهم وكثرة عددهم ~~يطيعون بهذا. PageV01P048 # قال عمرو: فمكثت أياما بباب جيفر وقد أوصل إليه أخوه خبري؛ ثم أنه دعاني ~~فدخلت عليه, فأخذ أعوانه بضبعي , أي عضدي , قال دعوه , فأرسلت فذهبت لأجلس ~~, فأبوا أن يدعوني أجلس فنظرت إليه , فقال تكلم بحاجتك , فدفعت إليه كتابا ~~مختوما , ففض ختامه فقرأه حتى انتهى إلى آخره , ثم دفعه إلى أخيه فقرأه , ~~ثم قال: ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت؟ فقلت تبعوه إما راغب في الدين؛ وإما ~~راهب مقهور بالسيف؛ قال ومن معه؟ قلت الناس قد رغبوا في الإسلام واختاروه ~~على غيره؛ وعرفوا بعقولهم مع هدى الله إياهم أنهم كانوا في ضلال مبين؛ فما ~~أعلم أحدا بقي غيرك في هذه الخرجة؛ وأنت إن لم تسلم اليوم وتتبعه تطؤك ~~الخيل وتبيد خضراؤك؛ أي جماعتك , فأسلم نسلم ويستعملك على قومك , ولا تدخل ~~عليك الخيل والرجال. قال دعني يومي هذا وراجع إلى غدا. # فلما كان الغد أتيت إليه فأبى أن يأذن لي فرجعت إلى أخيه فأخبرته أني لم ~~أصل إليه فأوصلني إليه , فقال إني فكرت فيما دعوتني إليه فإذا أنا أضعف ~~العرب إن ملكت رجلا ما في يدي وهو لا ms039 تبلغ خيله هنا وإن بلغت خيله ألفت - ~~أي وجدت - قتالا ليس كقتال من لاقى. قلت وأنا خارج غدا فلما أيقن بمخرجي ~~خلى به أخوه فأصبح فأرسل إلى فأجاب إلى الإسلام هو وأخوه وصدقا وخليا بيني ~~وبين الصدقة وبين الحكم فيما بينهم؛ وكانا لي عونا على من خالفني. # ---------------------------------------------------------------------- ~~---------- # [1] - كذا في الأصل. # ذكر رجوع عمرو بن العاص من عمان إلى المدينة PageV01P049 بعد أن مكث في ~~عمان عاملا عليها لرسول صلى الله عليه وسلم وأهلها له طائعون , ولقوله ~~سامعون إلى أن بلغته وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فعزم على الرجوع ~~إلى المدينة فصحبه عبد بن الجلندى وجعفر بن خشم العتكي وأبو صفرة سارف بن ~~ظالم الأزدي؛ فلما دخلوا على أبي بكررضى الله عنه قام سارف بن ظالم فقال يا ~~خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويا معشر قريش , هذه أمانة كانت في ~~أيدينا وفي ذمتنا وديعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد برئا منها إليك ~~, فقال أبو بكر جزاكم الله خيرا وأثنى عليهم المسلمون خيرا وقام الخطباء ~~بالثناء عليهم والمدح؛ فقالوا كفاكم معاشر الأزد قول رسول الله صلى الله ~~عليه وسلم وثناؤه عليكم , وقام عمرو بن العاص فلم يدع شيئا من المدح ~~والثناء إلا قاله في الأزد وجاءت وجوه الأنصار من الأزد وغيرهم مسلمين على ~~عبد ومن معه. PageV01P050 # فلما كان من الغد أمر أبو بكر فجمع الناس من المهاجرين والأنصار وقام أبو ~~بكر خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي فصلى عليه وقال معاشر أهل عمان ~~إنكم أسلمتم طوعا لم يطأ رسول الله ساحتكم بخف ولا حافر , ولا جشمتموه ما ~~جشمه غيركم من العرب؛ ولم ترموا بفرقة ولا تشتت شمل , فجمع الله على الخير ~~شملكم , ثم بعث إليكم عمرو بن العاص بلا جيش ولا سلاح فأجبتوه إذ دعاكم على ~~بعد داركم وأطعتموه إذ أمركم على كثرة عددكم؛ فأي فضل أبر من فضلكم؛ وأي ~~فعل أشرف من فعلكم؟ كفاكم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم شرفا إلى يوم ~~الميعاد ms040 , ثم قام فيكم عمرو وما أقام مكرما , ورحل عنكم إذ رحل مسلما , وقد ~~من الله عليكم بإسلام عبد وجيفر ابنى الجلندى وأعزكم الله به وأعزه بكم , ~~وكنتم على خير حال حتى أتتكم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأظهرتم ما ~~يضاعف فضلكم , وقمتم مقاما حمدناكم فيه , ومحضتم بالنصيحة وشاركتم بالنفس ~~والمال , فيثبت الله ألسنتكم ويهدي قلوبكم , وللناس جولة فكونوا عند حسن ~~ظني فيكم , ولست أخاف عليكم أن تغلبوا على بلادكم ولا أن ترجعوا عن دينكم ~~جزاكم الله خيرا ثم سكت. # وقيل أن عبدا لما قدم على أبي بكر استنهضه لمقابلة آل جفنة([1]) فأجابه ~~إلى ذلك فسرى سرية وأمره عليها , فخرج عبد على السرية حتى وافى ديار آل ~~جفنة ولها حديث يطول ذكره , وقد شهر مقام عبد وعرف مكانه وكان في السرية ~~حسان بن ثابت الأنصاري , فلما قدموا من ديار آل جفنة قام حسان وقال قد شهر ~~مقام عبد في الجاهلية والإسلام فلم أر رجلا أحزم ولا أحسن رأيا وتدبيرا من ~~عبد , هو والله ممن وهب نفسه لله في يوم غارت صباحه وأظلم صباحه , فسر ذلك ~~أبا بكر وقال هو يا أبا الوليد كما ذكرت , والقول يقصر عن وصفه والوصف يقصر ~~عن فضله , فبلغ ذلك عبد فبعث إليه بمال عظيم , وأرسل إليه إن مالي يعجز عن ~~مكافأتك , فاعذر فيما قصر وأقبل ما تيسر. PageV01P051 # ثم أن أبا بكر كتب كتابا إلى أهل عمان يشكرهم ويثني عليهم. # وفي تاريخ الخميس كان عمرو بن العاص عاملا للنبي صلى الله عليه وسلم على ~~عمان فجاءه يوما يهودي من يهود عمان فقال أرأيتك إن سألتك عن شيء أأخشى على ~~منك قال لا , قال اليهودي أنشدك بالله من أرسلك إلينا قال اللهم رسول الله ~~قال اليهودي آلله أنك لتعلم أنه رسول الله؟ قال عمرو: الله نعم , فقال ~~اليهودي لئن كان حقا ما تقول لقد مات اليوم. # فلما رأى عمرو ذلك جمع أصحابه وحواشيه , وكتب ذلك اليوم الذي قال له ~~اليهودي فيه ما قال , ثم خرج بخفراء ms041 من الأزد وعبد القيس يأمن بهم , فجاءته ~~وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلمبهجر , ووجد ذكر ذلك عند المنذر بن ساوى ~~فسار حتى قدم أرض بني حنيفة فأخذ منهم خفراء حتى جاء أرض بني عامر , فنزل ~~على قرة بن هبيرة الشيري , ويقال خرج قرة مع عمرو في مائة من قومه خفراء له ~~, وأقبل عمرو بن العاص يلقي الناس مرتين حتى أتى على ذي القصة فلقيه عيينة ~~بن حصن خارجا من المدينة , وذلك حين قدم على أبي بكر قول أن جعلت لنا شيئا ~~كفيناك ما وراءنا , فقال له عمرو بن العاص ما وراءك يا عيينة من ولى الناس ~~أمرورهم؟ قال أبو بكر , فقال عمرو: الله أكبر , قال عيينة يا عمرو استوينا ~~نحن وأنتم , فقال عمرو كذبت يا ابن الأخابث من مضر. # وسار عيينة فجعل يقول لمن لقيه من الناس احبسوا عليكم أموالكم , فقالوا ~~فأنت ما تصنع قال لا يدفع إليه رجل من فزارة عناقا واحدة , ولحق عند ذلك ~~بطليحة الأسدي فكان معه. PageV01P052 # ولما فرغ خالد من بيعة بني عامر أوثق عيينة بن حصن وقرة بن هبيرة القشيري ~~وبعث بهما إلى أبي بكر الصديق؛ قال ابن عباس فقدم بهما إلى المدينة في وثاق ~~, فنظرت إلى عيينة مجموعة يداه إلى عنقه بحبل ينخسه غلمان المدينة بالجريد ~~ويضربونه ويقولون أي عدو الله أكفرت بالله بعد إيمانك؟ فيقول والله ما كنت ~~آمنت بالله , فلم يعاقب أبو بكر قرة وعفا عنه وكتب له أمانا وكتب لعيينة ~~أمانا وقبل منه. # وفي كامل ابن الأثير قال مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو بعمان ~~فأقبل حتى انتهى إلى البحرين , فوجد المنذر بن ساوى في الموت ,ثم خرج عنه ~~إلى بلاد بني عامر فنزل بقرة بن هبيرة وقرة قدم رجلا ويؤخر أخرى , ومعه ~~عسكر من بني عامر؛ فذبح له وأكرم مثواه؛ فلما أراد الرحلة خلا به قرة وقال ~~يا هذا إن العرب لا تطيب لكم نفسا بالأتاوة , فإن عفيتموها من أخذ أموالها ~~فستسمع لكم وتطيع؛ وإن أبيتم لا ms042 تجتمع عليكم؛ فقال له عمرو: أكفرت يا قرة ~~أتخوفنا بالعرب؛ فو الله لأوطئن عليك الخيل في حفش أمك وأحفاش بيت ينفرد ~~فيه التعساء , وقدم على المسلمين بالمدينة فأخبرهم فطافوا به يسألونه ~~فأخبرهم إن العساكر معسكرة من دبا إلى المدينة فتفرقوا وتحلقوا حلقا , ~~وأقبل عمر يريد التسليم على عمرو فمر على حلقة فيها علي وعثمان وطلحة ~~والزبير وعبدالرحمن وسعد؛ فلما دنا عمر منهم سكتوا , فقال فيما أنتم؟ فلم ~~يجيبوه؛ فقال لهم إنكم تقولون ما أخوفنا على قريش من العرب , قالوا صدقت , ~~قال فلا تخافوهم , وإنا والله منكم على العرب أخوف مني من العرب عليكم , ~~والله لو تدخلون معاشر قريش حجرا لدخلته العرب في آثاركم فاتقوا الله فيهم ~~, ومضى عمر. # فلما قدم بقرة بن هبيرة على أبي بكر أسيرا استشهد بعمرو على إسلامه , ~~فأحضر أبو بكر عمرا فسأله فأخبره بقول قرة إلى أن وصلا إلى ذكر الزكاة؛ ~~فقال قرة مهلا يا عمرو , فقال كلا والله لأخبرته بجميعه؛ فعفا عنه أبو بكر ~~وقبل إسلامه. PageV01P053 # وذكر ابن الأثير في كامله أيضا في قدوم عمرو على معاوية بعد قتل عثمان ~~قال وكان قد علم الذي يكون فعمل عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد ~~بعثه إلى عمان؛ فسمع من خبر هناك شيئا عرف مصداقه , فسأله عن وفاة النبي ~~ومن يكون من بعده فأخبره بأبي بكر , وأن مدته قصيرة , ثم يلي رجل من قومه ~~مثله تطول مدته ويقتل غيلة؛ ثم يلي بعده رجل من قومه تطول مدته ويقتل عن ~~ملأ , قال ذلك أشر , ثم يلي بعده رجل من قومه ينتشر الناس عليه ويكون على ~~رأسه حرب شديدة , ثم يقتل قبل أن يجتمع الناس عليه , ثم يلي بعده أمير ~~الأرض المقدسة فيطول ملكه وتجتمع عليه أهل تلك الفرقة ثم يموت. # ---------------------------------------------------------------------- ~~---------- # [1] - هم الغسانيون من عرب الشام. # باب عمال عمان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم # ذكر في بعض السير العمانية أن أبا بكررضي الله عنه أقر جيفر وأخاه عبدا ~~على ملكهما , وجعل لهما أخذ الصدقات ms043 من أهلها وحملها إليه؛ قال ولم يزالا ~~في عمان متقدمين إلى أن ماتا. # ثم خلف من بعدهما عباد بن عبد الجلنداني في زمن عثمان وعلي؛ فلما وقعت ~~الفتنة وصار الملك إلى كعاوية لم يكن لمعاوية سلطان في عمان حتى صار الملك ~~لعبد الملك بن مروان , وأستعمل الحجاج على أرض العراق , وكان ذلك في زمن ~~سليمان وسعيد ابني عباد بن عبد بن الجلندى؛ وهما القيمان في عمان , فكان ~~الحجاج يغزوهما بجيوش عظيمة , وهما يفيضان جموعه ويبيدان عساكره في مواطن ~~كثير على حسب ما سيأتي ذكره في محله إن شاء الله تعالى. # وفي أسد الغابة لأبن الأثير أن أبا بكر استعمل عكرمة على عمان ثم عزلة ~~وسيره إلى اليمن , وأستعمل على عمان حذيفة القلعاني , فلم يزل واليا عليها ~~إلى أن توفي أبو بكر , وضبط القلعاني في نسخة أبي عمر بالقاف واللام ~~والعين. PageV01P054 # قال ابن الأثير: وأنا أشك فيه , قال وذكره الطبري فقال حذيفة بن الحصين ~~الغلفاني بالغين المعجمة واللام والفاء , قال وله في قتال الفرس آثار ~~كثيرة؛ وأستعمله عمر على اليمامة , وأستعمل على عمان؛ والبحرين عثمان بن ~~أبي العاصي الثقفي في سنة خمس عشرة , فسار إلى عمان ووجه أخاه الحكم إلى ~~البحرين وسار هو إلى توج فافتتحها ومصرها وقتل ملكها شهرك سنة إحدى وعشرين؛ ~~وكان يغزو سنوات في خلافة عمر وعثمان يغزو صيفا ويشتوا بتوج , ثم سكن ~~البصرة. # وذكر العتبي في الأنساب أن عمر بن الخطاب أستعمل على عمان عثمان بن أبي ~~العاصي الثقفي سنة خمس عشرة , فسار إلى عمان فكان فيها حتى كتب إليه عمر ~~بعد وقعة جلولا أن يقطع البحر إلى ابن كسرى بفارس , فلما أتاه كتاب عمر ~~يأمره بذلك قال: أبغوني رجلا أشاوره؛ قالوا أبا صفرة فدعاه , فقال ما اسمك ~~قال ظالم بن سراق , قال اسمان من أسماء الجاهلية , فكره الاسمين , فلم ~~يشاوره وندب عثمان الناس فانتدبت إليه ثلاثة آلاف , ويقال ألفان وستمائة من ~~الأزد؛ وراسب وناجية وعبدالقيس , وأكثرهم من الأزد. PageV01P055 # قال وكان رأس شنؤه صبرة بن سليمان الحداني ms044 , ورأس بني مالك منهم يزيد ابن ~~جعفر الجهضمي , ورأس عمران أبو صفرة ومعه جماعة , فعبر بهم عثمان بن أبي ~~العاصي من جلفار إلى جزيرة كاوان , وفيها قائد العجم , فسالم عثمان ولم ~~يقاتله , فكتب يزدجرد إلى عظيم كرمان أن أقطع إلى جزيرة بني كاوان فحل بين ~~العرب الذين بها وبين إخوانهم , فقطع في ثلاثة ألاف أو أربعة من هرموز إلى ~~رأس القسم؛ فلقيه يسلمان بن أبي العاصي في جزيرة القسم واسمها جاش فعربوها ~~فتقاتلوا قتالا شديدا , فقتل الله شهرك وهزم المشركين , وقيل أن يزدجرد وجه ~~إليه شهرك في أربعين ألافا من الأساورة وقد انتخبه وقواهم , فالتقوا بشهرك ~~واقتتلوا قتالا شديدا؛ وقتل شهرك وانهزم المشركين؛ وكانت العرب تدعوا شهرك ~~ابن الحمراء , وكان الذي قتل شهرك جابر بن حديد اليحمدي؛ ويقال اشترك في ~~قتل شهرك جماعة منهم أبو صفرة وباب بن ذي الحرة الحميري , وكان باب فيما ~~يزعمون هو الذي طعن شهرك فأرداه؛ وفي ذلك يقول بعض الشعراء: # باب بن ذي الحرة أردى شهركا= والخيل تجتاب العجاج الأرمكا # فلما ظفر أهل عمان بشهرك ساروا حتى قدموا العراق؛ فنزلوا توج؛ وذلك بعد ~~افتتاح الكوفة والمدائن بيسير , فيزعمون أن أهل البصرة كانوا قد حسدوهم ~~منزلتهم؛ وكان قدومهم البصرة حين أمر عمر بن الخطاب أن تمصر البصرة وأمر أن ~~يضرب بموضع البصرة خططا لمن هناك من العرب , ويجعل في كل قبيلة محلة , ~~وأمرهم أن يبنوا لأنفسهم المنازل وكان أول من قدم البصرة من أهل عمان ~~ثمانية عشر رجلا منهم كعب بن سنور من بني لقيت ابن الحارث ابن مالك بن فهم ~~, وفد إلى عمر بن الخطاب من توج فاستقضاه عمر على البصرة. ثم إن جماعة ~~الأزد الذين قدموا من عمان مع ظالم بن سراق وكانوا جند عثمان بن أبي العاصي ~~, ضمهم عبدالله بن عامر إليه وهو عامل عثمان بن عفان على البصرة. والله أعلم. # ذكر وقعة دبا PageV01P056 بفتح الدال المهملة وفتح الباء والموحدة ~~والمخففة موضع من الجانب الغربي من عمان على ساحل البحر الشمالي , وكان ذلك ms045 ~~في آخر خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ وذلك أن أبا بكر الصديق وجه ~~حذيفة بن محصن الغلفاني وهو من بارق حليف للأنصار؛ وكان له بصر وليس هو ~~بحذيفة بن اليمان , فوجهه أبو بكر إلى عمان أميرا فصدقه؛ فلما صار في ولد ~~الحارث بن مالك بن فهم ليصدقهم تناول بعض أصحابه امرأة من العفاة وكان ~~عليها فريضة شاة مسنه فأعطتهم عتودا أوعناقا وكان الشاة المسنه فأبوا أن ~~يقبلوها فأخذوا ما أرادوا فنادت يا آل مالك؛ فقال حذيفة دعوة جاهلية وخاف ~~أن يكون القوم قد ارتدوا فأغار عليهم فأخذ ناس منهم وهم قليل؛ فمضى بهم إلى ~~المدينة , وأتبعهم سبيعة بن عراك الصيلي والعلي ابن سعد الخمامي والحارث بن ~~كلثوم الحديدي في أصحابهم؛ فوفدوا إلى أبي بكر فقالوا يا خليفة رسول الله ~~إنا على إسلامنا لم ننتقل عنه؛ ولم نمنع زكاة ولم ننزع يدا من طاعة؛ ولم ~~نرجع عن دين؛ وقد عجل علينا صاحبك وكففنا أيدينا إلى أن أتينا؛ فقال اصنع ~~بكم ما صنعت بالعرب؛ إن شئتم خليت المال وأخذت السبي فقادوا السبي فقالوا: ~~على كل أسير أربعمائة وخمسين درهما. كذا ذكر العتبي في الأنساب. PageV01P057 # قال: ويقال إن سبيعة بن عراك خرج إلى أبي بكر الصديق في سبى دبا الذين ~~أخذهم حذيفة بن محصن الغلفاني وكان سبيعة زعيم القوم والمعلا بن سعد ~~الخمامي؛ وكان اسم معلا ثعلبة؛ فسماه عمر بن الخطاب المعلا؛ فقدموا المدينة ~~وقد مات أبو بكر الصديق رحمه الله؛ وقام بأمر الناس عمر بن الخطاب رضي الله ~~عنه؛ فكلماه في سبي أهل دبا , وقال المعلا بن سعد الخمامي؛ يا أمير ~~المؤمنين إن حذيفة ابن المحصن تعدى طوره وعظم في الناس حدثه؛ لولا مراقبة ~~أمير المؤمنين لكان شكامه متانا جزاء له عن غيره واعظا لغيره؛ ولكن حملنا ~~على مخافة نكله فنرادف العثرة وسكنت الحرة ولم نكد؛ فقال عمر يا معلي إن في ~~الحق سعة وكف عربك أولى بك؛ إن الإسلام سوى بين الناس فرفع الوصيع ورفع ~~الشريف؛ وأعطى كل امرئ ms046 قسطه من خيره وشره؛ ثم أمر عمر بن الخطاب برد السبي ~~, فذلك حيث يقول كعب بن معدان الأشقري يفخر على يزيد بن حسان الأيادي. # في زمان سبيعة بن عراك = والمعلا إذ يبينان الفعالا # حين ردا سباء أهل عمان = أكثر الحل فيه والترحلا # وفيه يقول أيضا: # وما ولد المحاصن كالمعلى = أخى النجدات ثعلبة بن سعد # وقال الشيخ خلف بن زياد البحراني في سيرته بلغنا أن أبا بكر بعث إلى أهل ~~عمان مصدقا يأخذ صدقات أموالهم وهم مقرون بالحكم كله , فأعطوه الصدقة جميعا ~~لم يمنعها أحمد منهم , غير ان امرأة من أهل دبا شاجرت بعض المصدقين؛ فزعمت ~~أنه قد استوفى جميع حقه؛ وزعم أنه بقي عليها بقية منه؛ فتنازعا في ذلك ~~فقرعها قرعة فاستغاثت ببعض أهلها فأغاثها , فأقبل ومن معه إلى الذي قرعها ~~ومن معه من المصدقين؛ فتواقعوا وتنادوا عند ذلك؛ يا آل بني فلان؛ حين رأوا ~~أن القبائل قد نشت بينهم. PageV01P058 # قال: وكانت دعوة جاهلية قد كان يقال إن من دعى بها حل دمه حين يدعو بها ~~أو يتوب , فاقتتلوا ما شاء الله؛ وظهر المصدقون عليهم فجاء حذيفة الغلفاني ~~وكان ولي ذلك؛ فسبا أهل دبا وفيهم ذرية من لم يقاتلهم من النساء والولدان , ~~وذرية من كان قد غاب؛ أو كان قد مات؛ وهو مسلم ونساؤه في غير إنكار منهم ~~بشيء من التنزيل , ولا امتناع منهم بما قبلهم من الحق. # قال: فلم يبق أحد من أهل دبا قدر عليه إلا سباه؛ فوافق بذلك عمر بن ~~الخطاب رحمة الله عليه # وكان أول مبعثهم في حياة أبي بكر رحمة الله عليه؛ فقال له عمر حين انتهى ~~إليه وحلف له بالله أن لو أعلمك تسبيهم بدين دوني تقطع فيهم على لقطعتك ~~طوائف ثم بعثت إلى كل مصر منك بطائفة # قال: ثم نقض أمر أهل دبا وردهم إلى منازلهم بأموالهم إلا من استخفى بشيء ~~منهم خيانة , قال وأجاز المسلمون بما أصيب منهم , وأصابهم من البلى ~~بثلاثمائة , وأخرج ذلك لهم من مال الله # هذا حاصل قضية دبا ms047 من الكتب العمانية؛ وهم أعرف بحالهم وبما عليه أوائلهم ~~ولا يصح ما ذكره ابن الأثير في كامله حيث قال: وأما عمان فإنه نبغ بها ذو ~~التاج لقيط بن مالك الأزدي , وكان يسمى في الجاهلية الجلندى قال وادعى بمثل ~~ما ادعى من تنبأ , وغلب على عمان مرتدا. PageV01P059 # قال: والتجأ جيفر وعياذ إلى الجبال , وبعث جيفر إلى أبي بكر يخبره ~~ويستمده عليه. قال وبعث أبو بكر حذيفة بن محصن الغلفاني من حمير , وعرفجة ~~البارقي من الأزد؛ حذيفة إلى عمان وعرفجة إلى مهرة , وكل منهما أمير على ~~صاحبه في جهة فإذا قربا من عمان يكاتبان جيفرا , فسارا إلى عمان , وأرسل ~~أبو بكر إلى عكرمة ابن أبي جهل؛ وكان بعثه إلى اليمامة فأصيب , فأرسل إليه ~~أن يلحق بحذيفة وعرفجة بمن معه يساعدهما على أهل عمان ومهرة , فإذا فرغوا ~~منهم سار إلى اليمن فلحقهما عكرمة قبل عمان , فلما وصلوا رجاما؛ وهي قريب ~~من عمان , كاتبوا جيفرا وعياذا , وجمع لقيط مجموعة وعسكر بدبا , وخرج جيفر ~~وعياذ وعسكرا بصحار , وأرسلا إلى حذيفة وعكرمة وعرفجة فقدموا عليهما ~~وكاتبوا رؤساء من عند لقيط وأرفضوا عنه ثم التقوا على دبا فاقتتلوا قتالا ~~شديدا؛ واستعلى لقيط ورأى المسلمون الخلل؛ وأرى المشركون الظفر. # قال: فقل منهم في المعركة عشرة آلاف وركبوهم حتى أثخنوا فيهم , وسبوا ~~الذراري وقسموا الأموال؛ وبعثوا بالخمس إلى أبي بكر مع عرفجة , وأقام حذيفة ~~بعمان يسكن الناس. # قال: وأما مهرة فإن عكرمة بن أبي جهل سار إليهم لما فرغ من عمان ومعه من ~~استنصر من ناجية وعبدالقيس وراسب وسعد فاقتحم عليهم بلادهم؛ فوافق بها ~~جمعين من مهرة , أحدهما مع سخريت , رجل منهم؛ والثاني مع المصبح , أحد بني ~~محارب , ومعظم الناس معه وكانا مختلفين , فكاتب عكرمة سخريتا فأجابه وأسلم ~~, وكاتب المصبح يدعوه فلم يجب , فقاتله قتالا شديدا , فانهزم المرتدون؛ ~~وقتل رئيسهم؛ وركبهم المسلمون فقتلوا من شاءوا منهم , وأصابوا ما شاءوا من ~~الغنائم , وبعث الأخماس إلى أبي بكر مع سخريت , وازداد عكرمة وجنده قوة ~~بالظهر والمتاع , وأقام عكرمة حتى اجتمع الناس ms048 على الذي يحب , وبايعوا على ~~الإسلام. انتهي كلام ابن الأثير وكله باطل لا أصل له والله أعلم. # باب حروب الحجاج بن يوسف لعمان PageV01P060 تقدم أن أمر عمان صار بيد ~~أهلها بعد افتراق الصحابة , وإنه لم يكن لعاوية ولا لمن بعده سلطان في عمان ~~حتى صار لعبد الملك بن مروان واستعمل الحجاج على ارض العراق؛ وكان ذلك في ~~زمن سليمان وسعيد ابنى عباد بن عبد بن الجلندى , وهما القيمان في عمان؛ ~~فكان الحجاج يغزوهما بجيوش عظيمة , وهما يفضان جموعه ويبيدان عساكره في ~~مواطن كثيرة , وكانا كلما أخرج إليهما جيشا هزماه واستوليا على سواده؛ إلى ~~أن أخرج إليهما القاسم بن شعوة المزني في جمع كثير وخميس جرار فخرج القاسم ~~بجيشه حتى انتهى إلى عمان في سفن كثيرة , فأرسى سفنه في قرية من قرى عمان ~~يقال لها حطاط؛ فسار إليه سليمان بن عباد في الأزد , فاقتتلوا قتالا شديدا. ~~فكانت الهزيمة على أصحاب الحجاج , وقتل القاسم وكثير من أصحابه وقواده ~~واستولى سليمان على سوادهم , فبلغ ذلك الحجاج فأصابه أمر هائل. PageV01P061 # ثم استدعى بجماعة بن شعوه أخى القاسم وأمره أن يندب الناس ويستصرخهم ~~وينادى في قبائل نزار حيث كانوا ويستعينهم ويستنجدهم , وأظهر الحجاج من ~~نفسه غضبا وحمية وأنفة , وكتب بذلك إلى عبدالملك بن مروان وأقعد وجوه الأزد ~~الذين كانوا بالبصرة عن النصرة لسليمان بن عباد , فقيل إن العساكر التي ~~جمعها الحجاج وأخرجها إلى عمان كانت أربعين ألفا, فأخرج من جانب البحر ~~عشرين ألفا ومن جانب البر عشرين ألفا؛ فانتهى القوم الذين خرجوا من البر , ~~فسار سليمان بسائر فرسان الأزد , وكانوا ثلاثة آلاف فارس وأصحاب النجائب ~~ثلاثة آلاف وخمسمائة , فالتقى بهم عند الماء الذي دون البلقعة بخمس مراحل؛ ~~وقيل بثلاث مراحل , وهو الماء الذي بقرب قرية بوشر؛ يقال له اليوم البلقعين ~~فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزم أصحاب الحجاج , فأمعن سليمان في طلبهم وهو لا ~~يعلم بشيء من عسكر البحر حتى انتهى عسكر البحر باليوتانة من جلفار , فلقيهم ~~رجل فأعلمهم بخروج سليمان بسائر العسكر للقاء القوم الذين اقتتلوا ms049 من جانب ~~البر , وإن الباقين مع أخيه شرذمة قليلة , فواصل مجاعة سير الليل بالنهار ~~حتى وصل بركا فنزل إليهم سعيد وقاتلهم قتالا شديدا حتى حجز بينهم الليل؛ ~~وتأمل سعيد عسكره فإذا هم في عسكر مجاعة كالشعرة البيضاء في الثوب الأسود ~~قد قتل منهم من قتل؛ فاعتزل من ليلته وعمد إلى ذراري أخيه وذراريه. PageV01P062 # فاعتزل بهم إلى الجبل الأخضر؛ وهو جبل بني ريام , ويقال له رضوا؛ بضم ~~الراء. قيل سمي بذلك باسم نبي دفن فيه ولحقه القوم؛ فلم يزالوا محصورين حتى ~~وافا سليمان؛ وكان مجاعة أرسى سفنه في البحر في بندر مسقط وكانت ثلاثمائة ~~سفينة , فمضى إليها سليمان فأخرق منها نيفا وخمسين سفينة وانفلت الباقون في ~~لجج البحر ثم مضى يريد عسكر مجاعة فتصور لمجاعة أنه لا طاقة له بسلمان فخرج ~~يريد البحر فالتقى هو وسليمان بقرية سمائل ووقعت بينهم صكة عظيمة فانهزم ~~مجاعة ولحق بسفنه فركبها ومضى إلى جلفار , وكاتب الحجاج فأخرج له في طريق ~~البر عبدالرحمن بن سليمان في خمسة آلاف عنان من بادية الشام , وكان فيهم ~~رجل من الأزد ولا يعلمون به أنه من الأزد , فهرب في الليل حتى نزل على ~~سليمان وسعيد فأعلمهم بذلك فاستشعر العجز , فحمل ذراريهما وسوادهما ومن خرج ~~معهما من قومهما ولحقا ببلد من بلدان الزنج حتى ماتا هناك , ودخل مجاعة ~~وعبدالرحمن بالعسكر إلى عمان ففعل فيها غير الجميل ونهباها نعوذ بالله من ذلك. # باب في عمال الحجاج ومن بعده على عمان # بعد أن ظهروا على أهلها وخرج منها سليمان وسعيد إلى أرض الزنج استعمل ~~الحجاج عليها الخيار بن سبرة المجاشعي , فلما مات عبدالملك وملك بعده ابنه ~~الوليد ومات الحجاج استعمل الوليد على العراق يزيد ابن أبي مسلم , فبعث ~~يزيد سيف بن الهاني الهمداني عاملا على عمان , فلما مات الوليد بن عبدالملك ~~وولى أخوه سليمان بن عبدالملك عزل العمال الذين كانوا على عمان؛ فاستعمل ~~عليها صالح ابن عبدالرحمن بن قيس الليثي؛ ثم أنه رأى أن يكون عمال عمان ما ~~كانوا عليه فردوهم؛ وجعل صالح ms050 بن عبدالرحمن مشرفا عليهم , ثم ولى يزيد بن ~~المهلب العراق وخراسان فاستعمل يزيد أخاه زياد على عمان , فلم يزل عاملا ~~عليها محسنا إلى أهلها حتى مات سليمان بن عبدالملك. PageV01P063 # وولى عمر بن عبدالعزيز فاستعمل عدي بن أرطأة الفزاري على العراق واستعمل ~~عدي على عمان عمالا فأساؤا السيرة فيها فكتبوا إلى عمر بن عبدالعزيز ~~فاستعمل عليهم عمر بن عبدالله الأنصاري فأحسن السيرة فيهم , فلم يزل واليا ~~على عمان مكرما بين أهلها يستوفي الصدقات منهم بطيبة أنفسهم حتى مات عمر ~~ابن عبدالعزيز , فقال عمر بن عبدالله لزياد بن المهلب هذه البلاد بلاد قومك ~~فشأنك بها , وخرج عمر بن عبدالله من عمان , وقام زياد بن المهلب في عمان ~~حتى ظهر أبو العباس السفاح وصار ملك بني أمية إليه , وولى أبا جعفر المنصور ~~على العراق فاستعمل أبو جعفر على عمان جناح بن عباد قيس بن عمرو الهنائي ~~وهو أخو عقبة ابن أسلم الهنائي لأمه , فقدم إلى عمان عاملا عليها وهو صاحب ~~المسجد المعروف بمسجد جناح وهو بصحار؛ ثم عزله المنصور وولى ابنه محمد ابن ~~جناح فداهن المسلمين حتى صارت ولاية عمان لهم؛ فعند ذلك عقدوا الإمامة ~~للجلندى بن مسعود فكان سببا لقوة الإسلام على حسب ما سيأتي ذكره والله أعلم. # باب في عقيدة أهل عمان # وإنما احتجنا لذكرها ليعلم الواقف عليها أنهم على السبيل الأول لم يبدلوا ~~ولم يغيروا؛ وإنما كان التغيير والتبديل في سواهم من أهل الصراط المستقيم ~~الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ودعا العرب والعجم إليه؛ وجاهدهم عليه ~~حتى دخلوا فيه رغبا ورهبا وعليه لقي ربه صلى الله عليه وسلم؛ وعليه مضى ~~الخليفتان الراضيان المرضيان حتى لقيا ربهما؛ وعليه مضى عثمان بن عفان في ~~صدر خلافته حتى غير وبدل فقاموا عليه وعاتبوه فتوبوه فرجع إلى غيه ثم ~~عاتبوه فتوبوه ثم عاد إلى غيه وأعذروا إلى الله فيه حتى عذروا بين الخاص ~~والعام وطلبوه الاعتزال من أمرهم فأبى فاجتمعوا عليه وحاصروه حتى قتل في داره. PageV01P064 # ثم اجتمعوا على علي بن ms051 أبي طالب فقدموه وبايعوه على القيام بأمر الله ~~ومضى على ذلك ما شاء الله من الزمان؛ وقاتل أهل الفتنة القائمين لقتاله ~~المتسترين عند العوام بطلب دم عثمان حتى قتل منهم ألوفا وهزم صفوفا ثم رجع ~~الفهقرى وحكم الرجال على حكم أمضاه الله ليس أحد أن يحكم فيه برأيه فعاتبوه ~~فلم يعتبهم وخاصموه فخصموه , فكانت لهم الحجة عليه فهم أن يرجع إليهم ويترك ~~ما صالح عليه البغاة من التحكيم في حكم الله فقامت عليه رؤساء قومه فأنزلوه ~~عن استقامته وأضلوه عن بصيرته فأطاعهم وعصى المسلمين فاعتزلوه بعد أن خلع ~~نفسه بتحكيم الرجال في إمامته وهو يظن أن الأمر باق في يده وهيهات فقد أعطى ~~العهود والمواثيق على قبول حكم الرجلين فصارت الإمامة يلعب بها الحكمان أن ~~قدموه أو عزلوه؛ فاعتزله المسلمون عنه ذلك وقدموا على أنفسهم إماما وهو ~~عبدالله ابن وهب الراسبي , فسار علي فقاتلهم بالنهروان حتى قتل جماعتهم ~~الذين هنالك وهم قدر أربعة آلاف رجل لم ينج منهم إلا اليسير , وهم يرون أن ~~الموت هو النجاة وهو الرواح إلى الجنة , فبقي من بقى منهم في الأمطار ~~والنواحي وهم خلق كثير فبقوا متمسكين بما وجدوا عليه أسلافهم عاضين على ~~وصية النبي صلى الله عليه وسلم في إتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين من ~~بعده , فنصبوا على ذلك الأئمة وذهبوا في رضى الله الأنفس , وفارقوا في حبه ~~نساءهم وأبناءهم ومساكن يرضونها حتى أقاموا شعار الإسلام , وظهر الدين بين ~~الخاص والعام في أقطار من الأرض , فأظهروا للناس معالم الإسلام وذكروهم ~~بسيرة النبي عليه الصلاة والسلام , فأمرنا تبع لأئمة المسلمين قبل نزول ~~الفتنة ورأينا اليوم تبع لرأيهم , وتأويلنا القرآن تبع لتأويلهم. PageV01P065 # لسنا ممن يزعم أنه أفاد اليوم علما في القرآن والسنة حتى غلبهم , ونرى حق ~~الوالدين وحق ذي القربى وحق اليتامى وحق المساكين وحق أبناء السبيل وحق ~~الصاحب وحق الجار وحق ما ملكت أيماننا أبرارا كانوا أو فجارا ونؤدي الأمانة ~~إلى من استأمننا عليها من قومنا أو غيرهم؛ ونوفى بعهود قومنا من أهل الذمة ~~وغيرهم ms052 , ونجير من استجارنا من قومنا وغيرهم ويأمن عندنا منهم الكاف عن ~~القتال المعتزل بنفسه من غير أن نشك في ضلالته وندعو إلى كتاب الله ومعرفة ~~الحق وموالاة أهله ومفارقة الباطل ومعاداة أهله؛ فمن عرف منهم الحق وأقر به ~~وتولانا عليه وتولينا وحرمنا دمه , ومن أنكر حق الله منهم واستحب العمى على ~~الهدى وفارق المسلمين وعاندهم فارقناه وقتلناه حتى يفئ إلى أمر الله أو ~~يهلك على ضلالته من غير أن ننزلهم منازل عبدة الأوثان , فلا نستحل سباهم ~~ولا قتل ذراريهم ولا غنيمة أموالهم , ولا قطع الميراث منهم؛ ولا نرى الفتك ~~بقومنا ولا قتلهم في السر وإن كانوا ضلالا , لأن الله لم يأمر به في كتابه ~~ولم يفعله أحد من المسلمين ممن كان بمكة بأحد من المشركين؛ فكيف نفعله نحن ~~بأهل القبلة , وقد أمر الله نبيه أن ينبذ إلى من خاف منه خيانة فقال (وإما ~~تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين). PageV01P066 # ونرى أن مناكحة قومنا وموارثتهم لا تحرم علينا ما داموا يستقبلون قبلتنا ~~لأن المسلمين قد كانوا يناكحون المنافقين ويوارثونهم ويظهر من المنافقين من ~~المعاصي أكثر مما يظهر اليوم من كثير من قومنا , ولا نرى أن نقذف أحدا ممن ~~يستقبل قبلتنا بما لم نعلم أنه فعله خلافا للخوارج الذين يستحلون قذف من ~~يعلمون أنه برئ من الزنا من قومهم وهم بذلك مضلون , ونبرأ ممن زعم أن الزنا ~~في دينه حلال , ولا نرى استعراض قومنا بالسيف ما داموا يستقبلون القبلة , ~~ولا نرى قتل الصغير من أهل قبلتنا ولا غيرهم , ولا نستحل فرج امرأة رجل ~~تزوجها بكتاب الله وسنة نبيه حتى يطلقها زوجها أو يتوفى عنها ثم تعتد عدة ~~المطلقة أو المتوفى عنها زوجها. # ولا نرى انتحال الهجرة من دار قومنا لهجرة النبي وأصحابه من دار قومه ~~ولكن يخرج من خرج منا مجاهدا في سبيل الله على طاعته فإن رجع إلى دار قومه ~~توليناه إذا كان قائما بحق الله في نفسه وماله , ولا نرى الولاية إلا لمن ms053 ~~علمنا منه الوفاء بما وجب عليه من دين الله , ونبرأ من المصرين على المعاصي ~~من أهل دعوتنا وغيرهم حتى يراجعوا التوبة ويتركوا الإصرار, ولا نرى للنفر ~~من المسلمين أن يبايعوا إمامهم إلا على الجهاد في سبيل الله والطاعة في ~~المعروف حتى يهلكوا على ذلك أو يظهروا على عدوهم. PageV01P067 # ونتولى مجاهدنا وقاعدنا ويعرف قاعدنا لمجاهدنا الفضيلة التي خصه الله ~~بها؛ ونتولى من لم ندرك من المسلمين ولم نره منهم بشهادة المسلمين؛ ونبرأ ~~ممن لم ندرك من أئمة الظلم وممن لم نره منهم ومن أوليائهم بشهادة المسلمين ~~, ونرضى من ملوك قومنا أن يتقوا الله ولا يتبعوا أهواءهم ولا يجحدوا سنة ~~ولا يصروا على ذنب بعد معرفة , وأن يضعوا الصدقة والفيء حيث أمرهم الله , ~~ونرضى من السبابة وهم الشيعة أن يتقوا الله ولا يفارقوا من لم يحكم إلا ~~الله في أمر قد حكم الله فيه ولا يتولوا من ترك حكم الله رغبة عنه وحكم غير ~~الله , ونرضى من الخوارج أن يتقوا الله ولا يغشموا في دينهم ولا يرغبوا عن ~~سبيل من هدى الله قبلهم ولا يتولوا قوما ويخالفوا أعمالهم وأن لا يفارقوا ~~من سار بسيرة قوم يتولونهم , ونرضى من المرجئة أن يتقوا الله ربهم وأن ~~يؤمنوا للمؤمنين في ولاية من لم يدركوا من المسلمين والبراءة ممن لم يدركوا ~~من أئمة الظلم فيتولوا بشهادتهم كشهادة من يشهدون اليوم عليهم الضلالة وأن ~~لا يسموا الحكام بغير ما أنزل الله من أسمائهم , ونرضى من الفتنة أن يتقوا ~~الله وأن يقروا بحكم القرآن ويوقنوا بوعده وأن يستحلوا من أهل البغي والعدى ~~والظلم ما أحل الله من فراقهم وقتالهم حتى يتوبوا. # ونرضى من المبتدعة أن يتقوا الله ربهم وأن يعملوا بسنة رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم ويتولوا على العمل بها وإن ضعفوا عنها؛ ونرضى من سائر قومنا ~~أن يتقوا الله ربهم ولا يجعلوا حكمه تبعا لحكم قومهم وأن لا يتمسكوا بطاعة ~~قوم يعصون الله فإن الله لم يأذن لأحد أن يعطى عهده من يعصي أمره. PageV01P068 # ندعو أن ms054 يطاع الله فيحل حلاله ويحرم حرامه ويحكم بما أنزل الله في كتابه ~~وأن تتبع سنة نبيه وسنة الصالحين من عباد الله؛ ليس من رأينا بحمد الله ~~الغلو في ديننا ولا الغشم في أمرنا ولا التعدي على من فارقنا؛ حكمنا اليوم ~~فيمن ترك قبلتنا ووجه غيرها حكم نبينا فيمن ترك قبلته وحكم المسلمين من ~~بعده فيمن وجه غير قبلتهم , وحلالنا في دار قومنا حلالنا إذا خرجنا , ~~وحرامنا إذا خرجنا حرامنا في دار قومنا. # نعلم بحمد الله أنه لا يحرم على الخارج منا شيء هو على القاعد حلال؛ ولا ~~يحل للقاعد منا شيء هو على الخارج حرام؛ الله ربنا ومحمد نبينا والقرآن ~~إمامنا والسنة طريقنا؛ وبيت الله الحرام قبلتنا؛ والإسلام ديننا وهو من ~~الإيمان , والإيمان من الإسلام , والتقوى من الإيمان؛ والبر والوفا من ~~الإيمان؛ يعض ذلك من يعض على استكمال الإيمان بما فيه وإقامة حدوده والعمل ~~بحقوقه , ولا يثبت الإيمان بانتقاض فرائض الله ولا بالمقام على حرام الله , ~~والإيمان هو شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدأ رسول الله ~~, وأن ما جاء به حق , والإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب ~~والنبيين والجنة والنار , وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في ~~القبور , والأمر بالمعروف وإتيانه والنهي عن المنكر واجتنابه , وإقامة ~~الصلاة بمواقيتها في الليل والنهار وحضورها في الجماعة , ولا يؤمن فيها ولا ~~يقنت ولا يقتصر على المسح في الخفين عند الطهر لها، والقصر لها في السفر ~~دون الحضر والجمعة في الأمصار الممصرة مطلقا إذا أقيمت وعند أئمة العدل في ~~غير الأمصار الممصرة؛ إلى آخر خصال الإيمان المذكورة في محلها فالحمد لله ~~الذي وفقنا لهذا وهدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله؛ لقد جاءت رسل ~~ربنا بالحق نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الذين ينادون أن تلكم الجنة ~~أورثتموها بما كنتم تعملون. # ذكر من أخذ عنه أهل عمان دينهم الصحيح PageV01P069 من أصحاب رسول الله ~~صلى الله عليه وعلى آله وسلم بنقل الثقات الفضلاء من ms055 العمانيين وغيرهم. # أخذوا ذلك عن أبي بكر الصديق وعمرو بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح ومعاذ ~~بن جبل وعبدالرحمن بن عوف وعمار بن ياسر , وعبدالله بن مسعود وأبي ذر سلمان ~~وصهيب وبلال وأبي بن كعب وزيد بن صوحان المقتول شهيدا يوم الجمل , وخزيمة ~~بن ثابت ذي الشهادتين ومحمد وعبدالله ابنى بديل وحرقوص ابن زهير السعدي؛ ~~وزيد بن حصن الطائي. # هؤلاء الذين ذكرهم أبو المؤثر في سيرته , لأصحابنا في آثارهم أخذ كثير عن ~~غيرهم , لكن قال أبو المؤثر بعد هذا كلاما مجملا معناه أنهم أخذوا أيضا عمن ~~لم يسم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن أنكر المنكر على أهله ~~ممن شهد يوم الدار ويوم الجمل ويوم صفين وشهد النهروان عند المسلمين؛ ومن ~~لم يشهد هذه المشاهد ممن مات على دينهم , ومن مات قبل اختلاف الأمة , فهم ~~أئمتنا وأولياؤنا رحمهم الله. PageV01P070 # قال ثم من بعدهم عبدالله بن وهب الراسبي وأصحابه الذين جاهدوا معه يوم ~~النهروان حتى استشهدوا رحمهم الله على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ~~ثم من بعدهم فروة بن نوفل الأشجعي ووداع بن حوثرة الأسدي ومن شهد معهما يوم ~~النخيلة , ثم قريب والزحاف ثم عروة ومرداس ابنا جدير وأصحاب مرداس الذين ~~دعوا إلى دين الله حتى استشهدوا عليه , ثم عبدالله بن أباض وجابر بن زيد ~~وصحار بن العبد وجعفر بن السمالك وحتات بن كاتب وأبو عبيدة مسلم بن أبي ~~كريمة وأبو نوح صالح بن نوح الدهان , ثم عبدالله بن يحيي الإمام طالب الحق ~~والمختار ابن عوف وأبو الحر علي بن الحصين ومن استشهد معهم , ثم الربيع بن ~~حبيب وضمام بن السائب وأبو منصور الخراساني , ثم الجلندى بن مسعود الإمام ~~والإمام العماني وأبي الخطاب وعبدالرحمن بن رستم الإمامين المغربيين ~~وأصحابهم ومن كان في طبقتهم , ثم محبوب بن الرحيل وهاشم بن عبدالله ~~الخراساني وموسى بن أبي جابر وبشير بن المنذر ومنير بن النير وهشام بن ~~المهاجر وعبدالله بن أبي قيس وسعيد ابن المبشر وعلي بن عروة وهاشم بن غيلان ~~وسليمان ms056 بن عثمان وعبدالمقتدر بن حكم ومحمد بن هاشم بن غيلان وموسى بن علي ~~وسعيد بن محرز والوضاح بن عقبة ومحمد بن محبوب. # ثم امتلأت عمان بالعلماء الفضلاء أهل الثقة والورع والإخلاص وصدق النية ~~حتى ضرب بذلك المثل فشبهوا العلم بطائر باض بالمدينة وفرخ بالبصرة وطار إلى ~~عمان , وإنما ذكرنا من علماء المسلمين قليلا من كثير بعضهم يأخذ عن بعض , ~~وبعضهم يتولى بعضا ليس فيهم من ينقم عليه شيء من سيرته ولا من يعاب عليه ~~شيء من خليقته , كلهم أهل بصائر وهدى ماتوا على ما أبصروا من الحق , فرحم ~~الله تلك الأرواح ونور تلك المضاجع , ورزقنا حسن الاقتداء بهم أنه ولي ~~التوفيق وهو على ما يشاء قدير والحمد لله رب العالمين. # باب إمامة الجلندى بن مسعود بن جيفر بن جلندى رضي الله عنه وأرضاه ~~PageV01P071 وهو أحد بني الجلندى بن المستكبر بن مسعود بن الحرار بن عبد عز ~~بن معولة ابن شمس ملوك عمان بعد أولاد مالك بن فهم , وغلط من نسبه لغير ذلك ~~, وقد تقدم أن سبب إمامته أن أبا العباس السفاح ولى أخاه أبا جعفر المنصور ~~على العراق وولى المنصور على جناح بن عبادة بن قيس الهنائي ثم عزله وولى ~~ولده محمد ابن جناح فلان للمسلمين ووافقهم على ما يحبون حتى صارت ولاية ~~عمان لهم؛ فعند ذلك عقدوا الإمامة للجلندى ابن مسعود , فكانت سببا لظهور ~~الإسلام وقوة شوكته وكان عادلا مرضيا؛ وكان الجلندى ممن حضر بيعة عبدالله ~~ابن يحيي طالب الحق. # قال أبو الحسن البسياني وقد أجمعوا على إمامته وولايته والمجاهدة معه؛ ~~قال: وكان في أيامه حاجب والربيع بن حبيب بالعراق وعبدالله بن القاسم وهلال ~~ابن عطية وخلف بن زياد البحراني وشبيب بن عطية العماني وموسى بن أبي جابر ~~الأزكاني وبشير بن المنذر النزواني ومنير بن النير الجعلاني قال وكان هؤلاء ~~بعضهم أكبر من بعض واقتدى بعضهم ببعض. # وقال أبو محمد عبدالله بن محمد بن أبي المؤثر رحمه الله لا نعلم في أئمة ~~المسلمين بعمان أفضل من سعيد بن عبدالله ms057 إلا أن يكون الجلندى بن مسعود. # قال أبو الحسن فسار الجلندى بن مسعود رحمه الله في عمان فأظهر الحق وعمل ~~به وأخذ الدولة من يد أهل الجور وبرئ من الجبابرة وأشياعهم , ودان بقتال ~~أهل البغي ولم يستحل مع ذلك غنيمة ولا سبي ذرية ولا استعراضا بالقتل من غير دعوة. PageV01P072 # وقد وصف منير بن النير سيرته للإمام غسان بن عبدالله فنعته ومن معه من ~~بوارع كل قوم بما عرفوا به من المعروف والعدل والإحسان والصدق والاقتصاد ~~والبصيرة والمعرفة والورع والزهد والتحرج والعبادة والسمت والحسن الجميل , ~~قال لم يأخذوا الصدقة بغير حقها , ولم يضعوها في غير مواضعها , ولم ~~يستحلوها من الناس على غير الإثخان في الأرض والحماية والكفاية والمكافحة ~~عن حريم المسلمين بل أخذوا بحقها بعد أحكام الأمور التي تعنيهم في دين الله ~~وحفظ الرعية , ثم وضعوها في مواضعها وقسموها على أهلها بحكم القرآن فريضة ~~من الله والله عليم حكيم. # قال ثم بلغنا عنهم فيما استقام عليه رأيهم أن يرفضوا بصدقة البحر إلا ما ~~طاب بأنفس الناس أن يبذلوه لهم , وذلك لما يتخوفون من الدخل عليهم في سبيل ~~الله إذ لم يحموه قال ولا يولون أمرهم ولا يبعثون في حوائجهم ولا يستعملون ~~على صدقاتهم وأهل رعيتهم ولا يستقضون على أهل ولايتهم إلا أهل الثقة وأهل ~~العلم والفهم والورع والتحرج المعرفون بالفضل الموصوفون بالخير من أهل ~~البيوتات من قومهم غير سقاط ولا أدعياء ولا متهمين ولا مقترفين؛ منهم موسى ~~ابن أبي جابر والحسن بن عقبة والوليد بن خالد وموسى بن سعيد وجعفر بن بشر ~~ومعين بن عمر ولوط بن سام وحميم بن المغيرة والهمام بن المغلس والنير بن ~~عبدالملك وعبدالله بن أبي وعمارة بن همام ومحمد بن عبدالله بن سلوم وعمر بن ~~يحيي وحميد ابن عبدالله ويحيي بن زيد وعمر بن عبدالله , وضرباؤهم من الناس ~~لا يتعلق عليهم بالسباب ولا يلجأ إليهم القبيح , ولا يتهمون في دينهم , ~~مرضيون في إخوانهم متبع رأيهم , معروف فضلهم معروفون به , قد أحكمت آراؤهم ~~في قوة الحق وأحكام ms058 أمور الدين. PageV01P073 # قال وعلى كل مائتين من الشراة إلى ثلاثمائة إلى أربعمائة قائد من أهل ~~الفضل والحجا والبصيرة والثقة والمعرفة والعلم والفقه والحزم والقوة , قال ~~وعلى عشرة من أصحابه مؤدب من أهل الفقه يعلمهم الدين ويؤدبهم على المعروف ~~ويسددهم عن الزيغ , ويقيمهم على الطريقة , ويهديهم سبيل الرشاد. ليست ~~الدنيا من ذكرهم ولا جمع المال من شأنهم ولا الشهوات من حاجاتهم؛ قال وكيف ~~لا يكون كذلك من باع لله نفسه ليجود بها على ترك الدنيا ويزهد بما فيها , ~~قال غير أن رجالا منهم تاقت أنفسهم إلى النساء , فلما ذكروا ذلك استوحش ~~منهم أئمتهم وقائدهم , قال فلم يكن من القوم إذ ذكروا النكاح نظر إليه دون ~~أن يعرضوا أمرهم على أهل الفضل من أهل العراق , فلما وصل ذلك غليهم فزعوا ~~منه وساءهم ذكر الشراة الذين باعوا لله أنفسهم للنساء وطلب الشهوات , ~~فكتبوا إليهم إنكم كتبتم إلينا تخبرونا عن الشراة أن أنفسهم تنازعهم إلى ~~النساء , وهذا أمر عظيم غير أنهم إن لم يقدروا على الصبر فليعرض الفقير ~~منهم نفسه على النساء المسلمات الصالحات فإن قبلته المسلمة بعشرة دراهم ~~فينجزها إياها ولا يبقى لها عليه دين بعد العشرة فليتزوج , وإن صبر عن ~~النساء فهو خير له وإن لم يقدر على وفاء حقها فلا يحمل على نفسه لامرأة ولا ~~لأحد من الناس دينا للذي طوق نفسه من البيعة , وحمل على نفسه من الميثاق , ~~فلما عرض القوم أنفسهم على النساء بذلك الشرط لم يقبل منهم إلا قليل منهم؛ ~~فصبر القوم على ما لم يقووا له وقبلوا النصيحة واقتدوا بهدي أهل الفضل ~~واتبعوا أمرهم , ولو خالفوهم إلى ما نهوهم عنه وكرهوا عليهم من ذلك ما كان ~~لهم واسعا. PageV01P074 # قال وكان المرء منهم يرزق في الشهر سبعة دراهم في غلاء من السعر فيصبر ~~على القوت اليسير رغبة في الآخرة والثواب من عند الله , قال وقد بلغنا إنه ~~ربما يبقى مع الرجال منهم الدرهم والدرهمان فيتطوع بذلك الفضل فيرده في فئ ~~المسلمين رحمهم الله وجزاهم خيرا مع ما أظهروا ms059 من السنة والأمر بإدناء ~~الجلابيب على النساء ورفع الخمر فوق الأذقان , وستر النواصي وسائر الزينة ~~إلا الوجه والبنان؛ أما ما وراء ذلك فهو حرام على من أبداه من النساء أو من ~~نظر إليه من الرجال شهوة؛ والنطاق من تحت الدرع إلا فقيرة لا تقدر على درع ~~سابغة فلها أن تبرز فوق درعها؛ ونهي النساء عن الجلوس في السكك والخروج في ~~يوم المطر والريح والعاصفة , وأمر الرجال برفع ذيولهم وتقصير أشعارهم إذا ~~سبغت على العواتق , وأنكر على أهل القبلة أن يتشبهوا بزي أهل الذمة , وأنكر ~~على أهل الذمة أن يتشبهوا بزي أهل الإسلام؛ ونهى الرجال أن يبدوا ما فوق الركب. # قال وكانوا أهل فقه وأهل علم وحلم وتؤدة تودد ووقار وسكينة ولب وعقل وبر ~~ومرحمة وصدق ووفاء وتخشع وعبادة؛ وورع وتحرج وصلة ونصيحة وظاهرة مقبولة؛ لا ~~يطمعون بمطامع السوء ولا يتعاطون من الناس الحقوق ولا يدخلون في خصومات ~~الناس؛ ولا يجتعلون على استخراج الحقوق ولا يسترشون على طلب الحوائج التي ~~تعنيهم من أمر الرعية؛ ولا يستفضلون في الرزق على الشبعة؛ ولا يغتاب بعضهم ~~بعضا ليس من شأنهم الغيبة ولا البغي ولا الحسد ولا التقاطع ولا التدابر ولا ~~البغضة؛ ولا شيء من أخلاق أهل الريبة , يحرصون على مآدهم في الدين ومع أهل ~~الدين , ويكرهون العيوب ويهجرون أخلاق الفجور والمعاصي؛ هم أنوا في الأرض ~~وغرباء في الناس يعرفون بسيماهم. PageV01P075 # وكيف لا يكون كذلك من باع لله نفسه ينتظر حتفها صباحا ومساء وليس له في ~~شيء من الأمور؛ ولا لأحد من الناس دنت رحمه أو بعدت أو عظم خطره أو صغر , ~~أو أرتفع شأنه أو تواضع هوى إلا ما وافق الحق؛ مع ما لا يحصى من أخلاقهم ~~الحسنة الجميلة التي زينهم الله بها في الدنيا وترك عليهم الثناء الحسن ~~الجميل فيمن خلف بأعقابهم أه كلام منير في الجلندى وأصحابه وحسبك بمن أثنى ~~عليه منير هذا الثناء وأطبقت ألسنة الأمة على الثناء الجميل لهم والناس ~~شهود الله في أرضه , جزاهم الله عن الإسلام وأهله خيرا ms060. # ذكر قتل جعفر الجلندي وابنيه النظر وزائدة # وهم من أقارب الإمام رحمه الله؛ قال أبو الحواري بلغنا أن الجلندى ابن ~~مسعود رحمه الله قتل جعفر الجلندي وابنيه النظر وزائدة على كتاب بيعة كانت ~~منهم على المسلمين؛ فلما صح ذلك عند الجلندى رحمه الله أرسل إليهم ولم يكن ~~منهم محاربة فيما بلغنا إلا ما ظهر من كتباهم؛ فقدمهم الجلندى فضرب رقابهم ~~على ذلك الكتاب فيما بلغنا؛ قال وبلغنا أن الجلندى لما قتلهم فاضت عيناه ~~دموعا , فلما نظر إليه أصحابه وعيناه تفيضان بالدموع قالوا له أعصبية يا ~~الجلندى؟ فقال لا ولكن الرحمة. # وقال غيره كان الجلندى بن مسعود رحمه الله قتل عفر بن سعيد وغيره من بني ~~الجلندى فدمعت عينه جزعا عليهم فوقع في أنفس المسلمين عليه من ذلك فقالوا ~~له اعتزل أمرنا فاعتزل أمرهم وطرح إليهم بالسيف والقلنسوه؛ فلبث ما شاء ~~الله يغدو غدوهم ويروح روحهم , ثم رجعوا إليه فطلبوا إليه أن يرجع إلى ما ~~كان فيه من أمرهم فكره ذلك فلم يزالوا به حتى رجع إلى مكانه بعد اعتزاله ~~وفي موضع أنه اعتزل فلم يكد يرجع ولم نعلم أنهم بايعوه بعد اعتزاله , يعني ~~أنه رجع إلى الأمر بالعقد الأول والله أعلم. PageV01P076 # وكان أبو صالح الوضاح واليا للجلندى على أبرى فمر به قوم استحل المسلمون ~~دمهم فأمنهم وخرج بهم إلى الجلندى وبلغ الجلندى أن الوضاح أمنهم فقال لا ~~أمان لهم عندي , أو قال لا أمان دون الإمام , فوجه غليهم من لقي الوضاح ~~ببهلى فقتلهم فيها؛ فوقع في نفس بعض المسلمين من ذلك شيء فرفعت المسألة إلى ~~أبي عبيدة مسلم وأبي مودود حاجب؛ فقال حاجب لا أمان إلا للإمام ولا أمان ~~دون الإمام. # ذكر مقتل شيبان الخارجي إمام الصفرية # وكان قد جاء إلى عمان بجيش هاربا من السفاح , فلما قدم إلى عمان أخرج ~~إليه الجلندى هلال بن عطية الخراساني ويحيي بن نجيح وجماعة من المسلمين , ~~فلما التقوا وصاروا صفين قام يحيي بن نجيح وكان يحيي فضله مشهورا بين ~~المسلمين فدعا بدعوة أنصف ms061 فيها الفريقين فقال اللهم إن كنت تعلم إنا على ~~الدين الذي ترضاه والحق الذي تحب أن تؤتي به فاجعلني أول قتيل من أصحابي؛ ~~ثم اجعل شيبان أول قتيل من أصحابه؛ واجعل الدائرة على أصحابه. # وأن كنت تعلم أن شيبان وأصحابه على الدين الذي ترضاه والحق الذي تحب أن ~~تؤتى به فاجعل شيبان أول قتيل من أصحابه فأمن الفريقان؛ ثم زحف القوم بعضهم ~~إلى بعض فكان أول قتيل من المسلمين يحيي بن نجيح , وأول قتيل من أصحاب ~~شيبان شيبان , ومكن الله المسلمين منهم واستولوا عليهم فلم تبق لهم بقية ~~فيما علمنا. # ذكر مشهد الجلندى وأصحابه رحمهم الله تعالى # وكان ذلك بجلفار على يد خازم بن خزيمة الخراساني عامل السفاح من بني ~~العباس , وسبب ذلك إنه لما قتل شيبان وصل عمان خازم بن خزيمة وقال إنا كنا ~~نطلب هؤلاء القوم يعني شيبان وأصحابه وقد كفانا الله قتالهم على أيديكم , ~~ولكني أريد أن أخرج من عندك إلى الخليفة وأخبره أنك له سامع مطيع , فشاور ~~الجلندى المسلمين في ذلك فلم يروا له ذلك؛ وقيل سأله أن يعطيه سيف شيبان ~~وخاتمة فأبى الجلندى. PageV01P077 # وقال أبو محمد طلب خازم من الجلندى تسليم خاتم شيبان وسيفه وأن يخطب ~~لسلطان العراق ويعترف له بالسمع والطاعة قال فاستشار الجلندى العلماء من ~~أهل زمانه ومعهم يومئذ هلال بن عطية الخراساني وشبيب بن عطية العماني وخلف ~~بن زياد البحراني , فأشاروا عليه أن يدفع سيف شيبان وخاتمه وما يرضيه من ~~المال , ويضمن لورثه شيبان قيمة السيف والخاتم ثم يدفع بذلك عن الدولة , ~~فأبى خازم إلا الخطبة والطاعة فرأوا أن ذلك لا يجوز في باب الدين أن يدفع ~~عن الدولة بالدين وإنما يدفع عنها بالرجال والمال أه كلام أبي محمد. # وقال أبو عبدالله محمد بن محبوب لا بأس أن يعطوهم السمع والطاعة بألسنتهم ~~إذا خافوهم على الدولة والرعية قال لا يفعلون ذلك بغير الألسنة شراة كانوا ~~أو غير شراة قال وأما المال فلا أه. # ثم إن الجلندى أبى من إعطاء خازم ما سأل ms062 , فوقع القتال بين خازم بن خزيمة ~~والجلندى فقتل جميع أصحاب الجلندى فلم يبق إلا هو وهلال بن عطية الخراساني ~~فقال الجلندى أحمل يا هلال للجلندى أنت إمامي فكن ولك على أن لا أبقي بعدك؛ ~~فتقدم الجلندى فقاتل حتى قتل رحمه الله , ثم تقدم هلال ابن عطية وعليه لأمه ~~حربه فكان أصحاب خازم يتعجبون من ثقافته وهم لم يعرفوه ثم عرفوه وقالوا ~~هلال بن عطية فاحتولوه حتى قتلوه رحمه الله؛ وقيل إن الذي تولى قتل الجلندى ~~خازم بن خزيمة فقيل إنه لما حضرته الوفاة قيل له أبشر فقد فتح الله على ~~يديك؛ فقال غررتمونا في الحياة وتغروننا في الممات هيهات هيهات فكيف لي ~~بقتل الشيخ العماني. # وذكروا أن رجلا من أهل عمان خرج إلى الحج وكان في صحبته رجل من أهل ~~البصرة لا يهدأ الليل ولا ينام؛ فسأله العماني عن حاله وهو لا يعرف أن ~~صاحبه من أهل عمان فقال إني خرجت مع خازم بن خزيمة إلى عمان فقاتلنا بها ~~قوما لم أر مثلهم قط فأنا من ذلك اليوم على هذه الحالة لا يأخذني النوم ~~فقال الرجل العماني في نفسه أنت حقيق بذلك إن كنت ممن قاتلهم. PageV01P078 # وقيل إن الأخصام جمعوا ما في معسكرهم فلم يجدوا فيه إلا ثيابا خلقة ~~ووجدوا حمائل سيوفهم من ليف رضي الله عنهم , ولكونهم استشهدوا جميعا في ~~وقعة واحدة صارت الدولة من بعدهم إلى الجبابرة لقلة الأخبار حتى فرج الله ~~كرب المسلمين وجمع شملهم بعد حين على حسب ما سيأتي؛ وكانت إمامة الجلندى ~~سنتين وشهرا وقيل وأشهر , وذلك إنه ولى الإمامة سنة إحدى وثلاثين ومائة ~~واستشهد سنة ثلاث وثلاثين ومائة وكذا قيل وفيه نظر , لأن إمامته كانت في ~~أيام دولة السفاح والسفاح إنما تغلب على الأمر وتمكن من الدولة ليلة الجمعة ~~لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر من سنة ثلاثين وثلاثين ومائة وقيل ~~في النصف من جمادي الآخرة من هذه السنة والله أعلم بحقيقة الأمر. # وذكر ابن الأثير في كاملة قتل الجلندى وأصحابه رحمهم ms063 الله في حوادث سنة ~~أربع وثلاثين ومائة , وهذا أقرب إلى صواب التاريخ. # وبقيت عمان بعده في يد الجبابرة من بني الجلندى منقادين لأمر بني العباس ~~إلى سنة سبع وسبعين ومائة , ثم رجعت الدولة للمسلمين وقدموا محمد بن أبي ~~عفان على ما سيأتي , فجملة تلاعب الجبابرة بعمان أربع وأربعين سنة وبعض سنة ~~والله أعلم. PageV01P079 # وفي كامل ابن الأثير ما معناه؛ أن خازم بن خزيمة الخراساني كان من أنصار ~~السفاح وكان أخوال السفاح من بني عبد المدان وهم خمسة وثلاثون رجلا ومن ~~غيرهم ثمانية عشر رجلا ومن مواليهم سبعة عشر قصدوا السفاح فلقيهم خازم بن ~~خزيمة بذات المطامير , وكان قد وجد عليهم فلم يسلم عليهم فلما جازهم شتموه ~~ثم رجع إليهم وعاتبهم على أمر كان قد وجد عليهم به فأغلظوا له في الجواب , ~~فأمر بهم فضربت أعناقهم جميعا وهدم دورهم ونهب أموالهم , ثن انصرف فبلغ ذلك ~~اليمانية فاجتمعوا ودخل زياد بن عبيدالله الحارثي معهم على السفاح فقالوا ~~له إن خازما اجترأ عليك واستخف بحقك وقتل أخوالك الذين قطعوا البلاد وأتوك ~~معتزين بك طالبين معروفك حتى إذا صاروا في جوارك قتلهم خازم , وهدم دورهم ~~ونهب أموالهم بلا حدث أحدثوه , فهم بقتل خازم , فبلغ ذلك موسى بن كعب وأبا ~~الجهم بن عطية فدخلا على السفاح وقالا يا أمير المؤمنين بلغنا ما كان من ~~هؤلاء وإنك هممت بقتل خازم وإنا نعيذك بالله من ذلك فإن له طاعة وسابقة وهو ~~يحتمل له ما صنع فإن شيعتكم من أهل خراسان قد آثروكم على الأقارب والأولاد ~~وقتلوا من خالفكم؛ وأنت أحق من تغمد إساءة مسيئهم ,فإن كنت لا بد مجمعا على ~~قتله فلا تتولى بنفسك وابعثه لأمر إن قتل فيه كنت قد بلغت الذي تريد وإن ~~ظفر كان فره لك؛ قال وأشاروا إليه بتوجيهه إلى من بعمان من الخوارج يعني ~~المسلمين وإلى الخوارج الذين بجزيرة بركاوان مع شيبان بن عبدالعزيز ~~اليشكري. PageV01P080 # قال وأمر السفاح بتوجيهه مع سبعمائة رجل وكتب إلى سليمان بن علي وهو على ~~البصرة يحملهم إلى ms064 جزيرة بركاوان وعمان , قال فسار خازم إلى البصرة في ~~الجند الذي معه , وكان قد انتخب من أهله وعشيرته ومواليه ومن أهل مرو ~~والروذ من يثق به , فلما وصل البصرة حملهم سليمان في السفن وانضم إليه ~~بالبصرة أيضا عدة من بني تميم فساروا في البحر حتى أرسوا بجزيرة بركاوان , ~~فوجه خازم فضلة بن نعيم النهشلي في خمسمائة إلى شيبان فالتقوا فاقتتلوا ~~قتالا شديدا فركب شيبان وأصحابه السفن وساروا إلى عمان وهم صفرية فلما ~~صاروا إلى عمان قاتلهم الجلندى وأصحابه قال وهم أباضية , واشتد القتال منهم ~~فقتل شيبان ومن معه. # قال ثم سار خازم في البحر بمن معه حتى أرسوا إلى ساحل عمان فخرجوا إلى ~~الصحراء فلقيهم الجلندى وأصحابه واقتتلوا قتالا شديدا وكثر القتل يومئذ في ~~أصحاب خازم , وقتل منهم أخ له من أمه في تسعين رجلا , ثم اقتتلوا من الغد ~~قتالا شديدا فقتل يومئذ من الخوارج يعني المسلمين تسعمائة وأحرق منهم نحوا ~~من تسعين رجلا. # قال ثم التقوا بعد سبعة أيام من مقدم خازم على رأي أشار به بعض أصحاب ~~خازم وهو أن يأمر أصحابه فيجعلوا على أطراف أسنتهم المشاقة ويرووها بالنفط ~~ويشعلوا فيها النيران ثم يمشوا بها حتى يضرموها في بيوت أصحاب الجلندى ~~وكانت من خشب , قال فلما فعل ذلك وأضرمت بيوتهم بالنيران اشتغلوا بها وبمن ~~فيها من أولادهم وأهاليهم , فحمل عليهم خازم وأصحابه فوضعوا فيهم السيف ~~فقتلوهم وقتلوا الجلندى فيمن قتل؛ قال وبلغ عدة القتلى عشرة آلاف قال وبعث ~~برؤوسهم إلى البصرة فأرسلها سليمان إلى السفاح , قال وأقام خازم بعد ذلك ~~أشهر حتى استقدمه السفاح فقدم. # ولما كثر ذكر شيبان الخارجي في الكتب العمانية وكان لا يعرف نسبه ولا ~~موضعه حسن. أن نعرف به على حسب ما ذكره ابن الأثير في كاملة في حوادث سنة ~~تسع وعشرين ومائة قال. # ذكر شيبان الحروري إلى أن قتل PageV01P081 وهو شيبان بن عبدالعزيز أبو ~~الدلف اليشكري؛ وكان سبب هلاكه أن الخوارج لما بايعوه بعد قتل الخيري أقام ~~يقاتل مروان وتفرق عن شيبان كثير ms065 من أصحاب الطمع , فبقي في نحو ألفا فأشار ~~عليهم سليمان بن هشام أن ينصرفوا إلى الموصل فيجعلوا ظهرهم , فارتحلوا ~~فتبعهم مروان حتى انتهوا إلى الموصل فعسكروا شرقي دجلة وعقدوا جسورا عليها ~~من عسكرهم إلى المدينة فكانت ميرتهم ومرافقهم منهم؛ وخندق مروان بإزائهم , ~~وكان الخوارج قد نزلوا بالكار ومروان بخصة , وكان أهل الموصل يقاتلوا مع ~~الخوارج , فأقام مروان ستة أشهر يقاتلهم وقيل تسعة أشهر؛ وأتى مروان بابن ~~أخ لسليمان بن هشام يقال له أمية بن معاوية بن هشام , وكان مع عمه سليمان ~~في عسكر شيبان أسيرا فقطع يديه وضرب عنقه , وعمه ينظر إليه. # وكتب مروان إلى يزيد بن عمر بن هبيرة يأمره بالمسير من قرقيسيا بجميع من ~~معه إلى العراق وعلى الكوفة المثنى بن عمران العائذي عائذة قريش وهو خليفة ~~للخوارج بالعراق , فلقي بن هبيرة بعين التمر فاقتتلوا قتالا شديدا وانصرفت ~~الخوارج ثم اجتمعوا بالكوفة بالنخيلة فهزمهم ابن هبيرة ثم اجتمعوا بالبصرة ~~فأرسل شيبان إليهم عبيدة بن سوار في خيل عظيمة فالتقوا بالبصرة فانهزمت ~~الخوارج وقتل عبيدة , واستباح بن هبيرة عسكرهم فلم تكن لهم همة بالعراق , ~~واستولى ابن هبيرة على العراق وكان منصور بن جمهور مع الخوارج فانهزم وغلب ~~على الماهيز وعلى الجبل أجمع , وسار ابن هبيرة إلى واسط فأخذ ابن عمر فحبسه ~~, ووجه نباتة بن حنظلة إلى سليمان بن حبيب وهو على كور الأهواز , فسمع ~~سليمان الخبر فأرسل إلى نباتة داود بن حاتم فالتقوا بالمرتان على شاطئ دجيل ~~, فانهزم الناس وقتل داود بن حاتم. PageV01P082 # وكتب مروان إلى ابن هبيرة لما استولى على العراق يأمره بإرسال عامر بن ~~ضبارة المري إليه , فسيره في سبعة آلاف أو ثمانية آلاف فبلغ شيبان خبره ~~فأرسل الجون بن كلاب الخارجي في جمع فلقوا عامرا بالسن فهزموه ومن معه , ~~فدخل السن وتحصن فيه وجعل مروان يمده بالجنود على طريق البر حتى ينتهوا إلى ~~السن , فكثر جمع عامر , وكان منصور بن جمهور يمد شيبان من الجبل بالأموال؛ ~~فلما كثر مع عامر نهض إلى الجون والخوارج فقاتلهم فهزمهم ms066؛ وقتل الجون وسار ~~ابن ضبارة مصعدا إلى الموصل؛ فلما انتهى خبر قتل الجون إلى شيبان ومسير ~~عامر نحوه كره أن يقيم بين العسكرين فارتحل بمن معه من الخوارج وقدم عارم ~~على مروان بالموصل فسيره في جمع كثير في أثر شيبان؛ فإن أقام أقام وإن سار ~~سار؛ وأن لا يبدأ بقتال؛ فإن قالته شيبان قاتله وإن أمسك أمسك عنه , وإن ~~ارتحل اتبعه , فكان على ذلك حتى مر على الجبل وخرج على بيضاء فارس وبها ~~عبدالله بن معاوية بن حبيب بن جعفر في جموع كثيرة فلم يتهيأ الأمر بينهما ~~فسار حتى نزل جيرفت من كرمان , وأقبل عامر بن ضبارة حتى نزل بإزاء ابن ~~معاوية فلقي شيبان بجيرفت فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزمت الخوارج واستبيح ~~عسكرهم , ومضى شيبان إلى سجستان فهلك بها وذلك في سنة ثلاثين ومائة. # وقيل بل كان قتال مروان وشيبان على الموصل مقدار شهر ثم انهزم شيبان حتى ~~لحق بفارس وعامر بن ضبارة يتبعه وسار شيبان إلى جزيرة بركاوان , ثم خرج ~~منها إلى عمان؛ فقتله الجلندى بن مسعود بن جيفر بن جلندى الأزدي سنة أربع ~~وثلاثين ومائة أ. ه أردنا نقله من كلام ابن الأثير في كاملة. # وقد تقدم ذكر سبب ارتحال شيبان من جزيرة بركاوان وأن ذلك كان بسبب حروب ~~خازم بن خزيمة في أيام السفاح فيكون أول أمر شيبان في أيام مروان بن محمد ~~ومقتله في أيام السفاح في عمان على يد شراة الجلندي إمام المسلمين والله أعلم. # ذكر قتل عبدالعزيز الجلنداني وذلك في حال ضعف المسلمين PageV01P083 ذكر ~~عن الوضاح بن عقبة عن مسبح بن عبدالله أن عبدالرحمن بن المغيرة أخبرهم وقد ~~كان الأشعث بن حكيم والجلندانيون على حال من الخروج في حال ضعف المسلمين؛ ~~فأخبرهم عبدالرحمن أن جعفر بن بشير كان هو وآخر غيره بالعراق مع أبي عبيدة ~~وحاجب حتى قدم الجلندانيون , فأخبروا أبا عبيدة وحاجبا أن الجلندانيين ~~نزلوا على عبدالعزيز الجلنداني فقراهم ثم قتلوه فقال لهم موسى وحاجب لا ~~تقبل مقالتكم على المسلمين , فلم يقبلا قولهم , قالوا ms067 فأنا نذهب إلى ~~السلطان قال اذهبوا , فلما حضر خروج جعفر وصاحبه إلى عمان قالوا لأبي عبيدة ~~وحاجب ما نقول لأهل عمان منكما في القوم وقد كان أهل عمان افترقوا في الذين ~~قتلوا عبدالعزيز فمنهم من برئ منهم؛ ومنهم من تولاهم ومنهم من وقف عنهم ~~فقال قولا لأهل أن كل من كان له ولاية يتولاه المسلمون؛ وكل من كان على أمر ~~من أمرهم أولى بما ضيع حتى يطلب إليه الأمر الذي ضيعه فيكون عليه الحق ~~فيمتنع بإعطاء الحق , فهنالك تترك ولايته. # فهذا حديث عبدالرحمن بن مغيرة لمسبح وحاصله أن الطائفة الخارجة نزلوا على ~~عبدالعزيز فأضافهم فقتلوه فلم يستحسن المسلمون ذلك منهم , فلهذا اختلفوا ~~ولا ولايتهم حتى قال أبو عبيدة وحاجب ما قالا في فصل القضية , وكان ~~المسلمون يرجعون إلى قولهما , وأن بني الجلندى قد طلبوا إلى أبي عبيدة ~~وحاجب ما طلبوا من قتله عبدالعزيز فلم يسمعا دعواهم , فلذا قال الجلندانيون ~~نذهب إلى السلطان يعنون عامل بني العباس فقال اذهبوا؛ على طريق التهديد , ~~ولم يبلغنا أنهم ذهبوا إلى السلطان والله أعلم بما كان. PageV01P084 # قال أبو المؤثر وكان خلف بن زياد مع الإمام الجلندي في حرب خازم عامل ~~السلطان فمرض خلف بن زياد فتخلف عن المسير مع الجلندي بإزكي وبقي بها من ~~بعد الجلندي حتى مات بإزكي؛ وقال غيره نشأ خلف بن زياد بالبحرين ثم خرج ~~منها يلتمس الحق , فكان كلما لقي أحدا من أهل الفرق من قومنا طلب منه أن ~~يعرفه مذهبه فإذا عرفه قال الحق في غير هذا حتى بلغ البصرة , ولقي أبا ~~عبيدة مسلما فسأله عن مذهبه فنسبه له فقال هذا هو الحق فلزمه , كان عليه ~~حتى مات رحمه الله. # ذكر شبيب بن عطية العماني رحمه الله تعالى # وذكر أبو محمد وأبو الحسن أن شبيبا كان من أصحاب الجلندي وذكر غيرهما أنه ~~يجي القرى ولم يكن إمام منصوبا , إنما كان محتسبا والظاهر أن أمره هذا كان ~~بعد الجلندي وكان رجلا صلبا في دينه شديدا على الجبابرة داعيا إلى مخالفتهم ~~, له ms068 سيرة تنبئ عن تصلبه في دينه وشدته على البغاة , قال في أولها: # ( أما بعد ) فإنه قد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول يد ~~المسلمين واحدة على من سواهم؛ والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله , وقد ~~أمسيتم وأمسينا إخوانا على الحال التي قد ترون اختلفت في إعلاق الأمة , ~~وتشتت أمرها ووثب بعضهم على بعض كالسباع ينهش بعضهم بعضا بالظلم والعدوان ~~والغشم وانتهاك المحارم , ولا يعرفون حق الله ولا حرمة الإسلام؛ ولا ~~يحتجرون به , وأمسينا وأمسيتم بحمد الله ونعم الله علينا وعليكم سابغة ~~وفضله علينا وعليكم عظيم يأمن بعضنا بعضا ويعرف بعضنا لبعض حرمة الإسلام ~~وحق أهله؛ وكتاب الله إمامنا وإمامكم إن كنا وكنتم صادقين. PageV01P085 # يا أيها الناس اعملوا أن من أمرنا أن نقاتل ونقتل من عصى الله حتى يفيئوا ~~إلى أمر الله أو تفنى أرواحنا إن شاء الله لنرد منار الإسلام إلى معالمها ~~الأولى التي كانت على عهد نبي الله واللذين من بعده أبي بكر وعمر , حلال ~~الله حلال إلى يوم القيامة؛ ورضاء الله رضي إلى يوم القيامة؛ وسخط الله سخط ~~إلى يوم القيامة؛ لا ننقض الطاعة بالمعصية ولا نثبت الطاعة لمعصية بالطاعة ~~ولكن حتى يستكمل الناس جميعا الطاعة بحدودها وإعلامها ومنارها وأحكامها ~~وأناسها والرضا بها , فمن كره هذا فالطريق له مخلى يذهب حيث يشاء من البحر ~~والبر. ولكن امرءا على حذر أن يتبع عورات المسلمين ويكاتب عدوهم ويشعب ~~عليهم فيتخذ عليهم بسعيه بين المسلمين بطانة. # إلى آخر ما ذكره فيها من بيان الحق الواضح والتحريض على القيام بالأمر ~~والرد على المخالفين في شكهم وحيرتهم. # وفي الأثر كلام في ولاية شبيب وفي البراءة منه وذلك لتصلبه حتى صار يجبي ~~القرى احتسابا , فمنهم من لم ير له ذلك لأنه ليس بإمام منصوب , ومنهم من ~~عذره ورآه محتسبا؛ قال المعتمر بن عمارة بن سالم بن ذكوان الهلالي أن ~~البراءة منه وحد السيف معا أو قال سواء إني لا ابرأ منه حتى يحل دمه , وعن ~~هاشم ابن غيلان عن ms069 موسى بن أبي جابر قال: قلت للربيع ما تقول في أهل عمان ~~فإنهم اختلفوا وافترقوا في أمر شبيب؛ قال الربيع من تولاه فتولوه ومن برئ ~~منه فابرأوا منه قال فقلت ما القول في الكف فإني أرجو أن يكون فيه ألفة ~~وصلاح قال فقال ما يقول بشير قال قلت صاحبي ولا يخالف علي , فقال أنتم أعلم ~~بأهل بلادكم وأما أنا فليس ذلك رأيي , فلما قدم موسى أظهر ذلك ولقي هادية ~~فتابعه. # قال عبدالوهاب بن جيفر من تولاه برئنا منه , قال هاشم وكره بشير الكف ~~وقال معقل يتولاه بشير وأهل الحق. # وسئل الفضل بن الحواري فيما اختلفوا فيه من أمر شبيب قال كان مجابا وكان ~~بجبي القرى فإذا قدم السلطان تركها واعتزل. # ( PageV01P086 قلت ) ولعل اعتزاله كان في عام يجبي فيه القرى , وإنما ~~جبايته كانت وقت حمايته فمتى حصلت له الحماية جبي ما قدر عليه , ومتى زالت ~~عنه بالعجز عنها رفع يده , وهذا هو الظن بشبيب إن صح ما قاله فيه الفضل بن ~~الحواري , والظاهر منه التصلب في الأمور فتخلية البلاد للجائر منافية ~~للظاهر من حاله والله أعلم بما كان هنالك. # قال أبو الحواري من برئ من شبيب برئنا منه ومن برئ ممن تولاه برئنا منه؛ ~~ومن تولى من تولاه فهو على ولايته إن كان له ولاية. # باب أمر عمان بعد الجلندى # ذكرت السير أن الجبابرة استولت على عمان بعد الجلندى فأفسدوا فيها , ~~وكانوا أهل ظلم وجور؛ فمن هؤلاء الجبابرة محمد بن زائدة وراشد بن النظر ~~الجلندانيان , ويشبه أن يكونا أولاد من قتلهما الجلندي لأجل البيعة التي ~~ظهرت عليهم , فإن صح ذلك فيكون محمد بن زائدة بن جعفر وراشد بن النظر بن ~~جعفر وقد تقدم أنهم من أقارب الجلندي وفي زمنهما وقع غسان بن سعد المحاربي ~~الهنائي على نزوى ونهبها وهزم بني نافع وكانت الدائرة على بني نافع وبني ~~هميم بعد أن قتل منهم خلق كثير , وذلك في شعبان من سنة خمس وأربعين ومائة , ~~وبنو نافع هم رهط أبي المنذر بن بشير بن ms070 المنذر , وبنو هميم من معن بن مالك ~~بن فهم. # ثم أن أهل إبرى من بني الحارث غضبوا لهم؛ وكان في بين الحارث رجل عبدي من ~~بكرة يقال له غسان الهنائي , فساروا إليه فجلسوا له بين داره ودار جناح ~~بموضع يقال له الخور , وقد رجع عائدا رجلا مريضا من بني هناة من بني رنجة ~~فمر بهم وهو لا يشعر بمكانهم فقتلوه , فغضب لذلك منازل بن خنبش العابري ~~الهنائي , وكان منزله بنبا بموضع يقال له العقير , وكان عاملا لمحمد بن ~~زائدة وراشد بن النظر الجلندانيين فساروا إلى أهل إبرى على غفلة منهم , ~~فلما أحسوا به برزوا إليه فاقتتلوا قتالا شديدا ووقعت الهزيمة على أهل إبرى ~~وقتل منهم أربعون رجلا. PageV01P087 # وفي الأثر أن محمد بن عبدالله بن جساس وموسى بن أبي جابر سارا مع غسان ~~ابن عبدالملك إلى راشد بن النظر , وكانا من فقهاء المسلمين , ففي هذا الأثر ~~ما يدل على أنه قد خرج على راشد بن النظر خارجة قائدها غسان بن عبدالملك ~~وهو ممن لم تحمد سيرته؛ وإنما خرج معه الشيخان لقصد زوال راشد بن النظر , ~~وهو أشد ظلما , والمسألة مذكورة في جواز الخروج مع الظالم على من هو أظلم ~~منه والله أعلم. # ثم من الله على أهل عمان بالألفة على الحق فخرجت عصابة من المسلمين ~~فقاموا بحق الله وأذلوا ملك تلك الجبابرة , وبذلك انقضت دولة بني الجلندى؛ ~~وانتقلت الدولة إلى اليحمد , فلم يكن لبني الجلندي بعدها دولة أصلا ولم تكن ~~لهم حركة إلا ما كان منهم بتوام في أيام المهنا , وسيأتي بيان ذلك إن شاء ~~الله تعالى. # باب انتقال الدولة من يد الجبابرة إلى المسلمين....... # باب انتقال الدولة من يد الجبابرة إلى المسلمين # وتقديم محمد بن أبي عفان في العسكر # وذلك أنه لما كان من أمر راشد بن النظر ومحمد بن زائدة ما كان رأي ~~المسلمون الخروج عليهم؛ فتكاتبوا وهم يومئذ أهل ضعف , فاجتمعوا وتآلفوا على ~~إقامة الحق , ويقال كان عبدالملك بن حميد يومئذ شابا , وأنه كان يدعو ~~المسلمين على المبايعة ms071 على راشد بن النظر , فأول من حكم محمد بن المعلي ~~والأحنش الفسحي من كندة , وخرجوا في طلب راشد بن النظر , وكان في ناحية ~~مهرة يحشد إلى أن صار بالمجازة من ناحية الغابة؛ فأتى إليه المسلمون فألقوه ~~بالمجازة من أرض الظاهرة شرقي الوادي منها , فوقعت الهزيمة على راشد ومن ~~معه وقتل من بني نجو مقتله عظيمة وهرب راشد بن النظر واستولى المسلمون على ~~داره ونسفوها من أصلها. PageV01P088 # وحدث الفضل بن الحواري عن أبي جعفر سعيد بن محمد , وفي نسخه سعيد ابن ~~محرز ومحمد بن محبوب عن محمد بن هاشم , وفي المصنف عن هاشم بن غيلان أن ~~المسلمين لما نسفوا دار راشد غضب لذلك من غضب من أشياخ سلوت وغيرهم فقدم ~~علينا الأشعث بن محمد ونحن مع بشير ببهلى , فتكلم في ذلك الأشعث وقال: ليست ~~هذه من سير المسلمين , فقلت لهه قد نسف رسول الله صلى الله عليه وسلم حصن ~~بني النضير , فرد على ذلك الأشعث , فقلت بيان ذلك في كتاب الله ( يخربون ~~بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ) وذلك أن المؤمنين كانوا ينسفون من قبلهم ~~وكانت اليهود تنسف من ناحية أخرى فيسدون ما نسف المسلمون؛ فرد على ذلك ~~الأشعث فقال بشير بل هكذا كان. # قلت وبلغنا أن أهل دار رموا المسلمين بسهم فأمر رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم بنسفها فنسفت , فقال الأشعث لعلهم نسفوا شرفاتها , فقال بشير: من ~~أصلها؛ وكان ابن راشد في نزوى. # قال أبو جعفر: خرج المسلمون بعمان فلم يأخذوا الزكاة حتى كانت وقعة ~~المجازة في رمضان؛ وهرب ابن راشد من نزوى وبعثوا العمال فأخذوا الصدقة ورجع ~~المسلمون إلى منح , وخرج منهم من خرج إلى موسى بن أبي جابر إلى أزكي , وكان ~~به علة فحملوه إلى منح , فلما وصلوا بموسى وكان معه بشير بن المنذر وجماعة ~~من المسلمين نظروا واجتمعوا وتشاوروا كيف يأتون هذا الأمر , فقال موسى بن ~~أبي جابر لمحمد بن المعلي الكندي وقد وليناك صحار وما يليها فاكفنا أمرها ~~وولينا فلانا كذا , وولينا محمد بن أبي عفان القريات ms072 وبقية الجوف , فرضي كل موضعه. PageV01P089 # وقال موسى بن أبي جابر لمحمد بن عبدالله أقطع للناس الشرى فقال بشير ابن ~~المنذر عند ذلك كنا رجوناك يا أبا علي أن تسير بهذه الدولة فرددتها إلى ~~هؤلاء الذين يخافون على الدولة , فقال موسى بن أبي جابر إنما كان نظري يا ~~أبا الحكم للدولة لأنهم قد اجتمعوا وكل يطلب هذا الأمر لنفسه والأمر بعده ~~ضعيف ففرقناهم عن وجوهنا حتى يقوي الأمر , فأمر محمد بن عبدالله بن أبي ~~عفان أن يقطع للناس الشرى فقطع حتى قوي أمره , فلما قوي الأمر أمر موسى بن ~~أبي جابر محمد بن عبدالله بن أبي عفان فأرسل إلى القرى الولاة وعزل كل من ~~كان ولاه وقامت دولتهم بإذن الله تعالى , وكان ذلك في أول يوم من شوال سنة ~~سبع ومائة؛ وذكر بعضهم أن أول ذلك كان في رجب من سنة سبع وسبعين ومائة؛ ~~وقال الفضل بن الحواري ملكت هذه الدولة يوم الجمعة بعد العصر لسبع بقين من ~~شهر رمضان سنة سبع وسبعين ومائة. # وقيل أن موسى رحمه الله أراد محمد بن المعلي للإمامة فكره محمد بن المعلي ~~أن يقطع الشرى فكره موسى أن يوليه أمر الإمامة حتى قطع الشرى فولى محمد ابن ~~أبي عفان ( ومحمد بن أبي عفان ) هو محمد بن عبدالله بن أبي عفان كان رجلا ~~من اليحمد إلا أنه نشأ في العراق , وكان من أهل العراق فقدموا به إلى عمان ~~, واختلفوا في صفة إمامته فقيل كان إمام دفاع حتى تضع الحرب أوزارها؛ وقيل ~~كان أمير جيش فأساء السيرة وبدل وغير , وكان يستقبلهم بالكلام الغليظ حتى ~~قال وائل بن أيوب ليس ابن أبي عفان بإمام بل ذلك جبار؛ فعزله المسلمون حين ~~لم يرضوا سيرته ولا مذهبه في النصف من ذي القعدة من سنة سبع وسبعين ومائة؛ ~~وكانت ولايته سنتين وشهرين إلا شيئا. PageV01P090 # وفي بيان الشرع من سيرة أبي عبدالله محمد بن روح قال أخبرني أبو الحواري ~~رحمه الله عن الصلت بن خميس رحمه الله عن محمد بن محبوب رحمه ms073 الله أنه ذكر ~~محمد بن أبي عفان فقال هو عندنا خليع؛ فقال أبو الحواري وأما أبو المؤثر ~~فقال أنه يضيق عن خلعه , فلو أن رجلا من أهل زماننا برئ من محمد بن أبي ~~عفان من أجل ما يجده في الكتب عن أبي أيوب وائل بن أيوب الحضرمي رحمه الله ~~أنه قال أن ابن أبي عفان جبارا , أو من أجل إذ سمع محمد بن محبوب يبرأ منه ~~فبرئ منه من أجل ذلك من غير أن يصح معه من ابن أبي عفان مكفرة فإن ذلك ~~الرجل على هذه الصفة عندنا خليع , وسيبل محمد بن أبي عفان عندنا سبيل إمام ~~حضرموت عبدالله بن سعيد وقد كان أهل حضرموت عزلوه وقدموا عليه خنبشا. # وكان ابن أبي عفان قد أرسل سعيد بن زياد البكري إلى أهل الأحداث من أهل ~~الشرق فلما وصل إليهم وكان بينه وبينهم ما كان وظهر عليهم سعيد واستولى على ~~بلادهم وأراد دمارها؛ بعث رسولا إلى موسى بن أبي جابر وقال سعيد للرسول أن ~~يقرأ لموسى سعيدا يقطع نخل بني نجو , فلما وصل إلى موسى قال له أن سعيدا ~~يقطع نخل بني نجو , فقال له موسى ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على ~~أصولها فبإذن الله وليجزي الفاسقين , فلما رجع الرسول إلى سعيد وأخبره بما ~~قال له موسى أقبل سعيد على قطع النخل وهدم المنازل , ذكر ذلك أبو الحواري ~~وقال قد حفظنا ذلك عمن حفظنا من أهل العلم المأمونين على ذلك. PageV01P091 # وقال وائل بن أيوب فأما ما أحرق سعيد بن زياد ممن أحرق مع راشد فلو ألقى ~~في النار لكان لذلك أهلا , وأما من أحرق سعيد ممن لم يحرق فإن كان بعثه ~~إمام كان ذلك في بيت المال , فقال عبدالله بن نافع فإن الإمام يومئذ كان ~~ابن أبي عفان وهو الذي بعثه؛ قال وائل ابن أبي عفان ليس بإمام بل ذبك جبار ~~وحفظ الفضل بن الحواري عن محمد بن محبوب عن أبي صفرة عن وائل ابن أيوب أنه ~~قال لو كان ms074 ابن أبي عفان إماما لما كان أحدث سعيد بن زياد في بيت مال ~~المسلمين؛ قال محمد بن محبوب ما سمعنا عن أحد من قواد هذه الدولة أولاها ~~وأخراها صنع ولا سار في أهل حربهم بشر مما صنع سعيد بن زياد البكري من سفك ~~الدماء وحرق المنازل والأمتعة وأخذ البرئ بالسقم وترك المعروف إلا أن وارثا ~~رحمه الله كان قد جفاه وأقصاه , فخرج إلى البحرين إلى أن توفي وارث فرجع ~~فحمله غسان الإمام على فرس وأحسن إليه وقوده. # وقال وائل بن أيوب وارث ليس بوكيل للناس كان بسعه مجامعة سعيد حتى يطلب ~~من يطلب إلى سعيد حقه فينصف منه أو فيعطاه والله أعلم. # وفي شهر ربيع من سنة ثماني وسبعين ومائة مات بشير بن المنذر والنزواني ~~العقري جد بني زياد وهو من سامة بن لؤي بن غالب أحد حملة العلم رضي الله عنه. # باب إمامة الوارث بن كعب الخروصي رضي الله عنه # وهو أول إمام من بني خروص وهم من اليحمد , وذلك بعد أن عزل محمد ابن أبي ~~عفان , وكان ذلك في ذي القعدة من سنة تسع وسبعين ومائة. PageV01P092 # وفي بيان الشرع قال أخبرنا أبو محمد الفضل بن الحواري عن زياد بن مثوبة ~~أنه أخبره بأنه لما أراد المسلمون أن يعزلوا محمد بن أبي عفان حضر موسى ابن ~~أبي جابر العسكر وهو شيخ كبير مشدود على حاجبيه بعمامة وهو نائم على سرير ~~في العسكر , وقد خرج وراث يريد العسكر مناظرا محتجا لابن أبي عفان إذ ~~أرادوا عزله؛ فقالوا لموسى من إمامنا فقال موسى أنا إمامكم فلما وصل وارث ~~إلى نزوى أخذ موسى بيده فقدمه إماما قال فما علمنا أن أحدا من الناس عاب ~~ذلك على وارث. # وقال أبو قحطان أخرج المسلمون ابن أبي عفان من نزوى حين ظهرت منه أحداث ~~لم تعجبهم ولم يرضوا سيرته أخرجوه من نزوى باحتيال , فلما خرج من نزوى ~~اجتمعوا واختاروا لأنفسهم إماما فقدموا وراث بن كعب , قال ولو كان لابن أبي ~~عفان أصل إمامة ما قدموا ms075 عليه وارث بن كعب حتى يظهروا للناس ما يحل به عزله ~~ويحتجوا عليه؛ قال فوطئ وارث أثر السلف الصالح من المسلمين وسار في عمان ~~بالحق وظهرت دعوة المسلمين بعمان وعز الإسلام وخمد الكفر. # وقال أبو الحسن بايعوا وارث بن كعب على ما بويع عليه أئمة العدل وعلى ~~الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشرى في سيبل الله وإظهار الحل وإخماد ~~الباطل , والجهاد في سبيل الله؛ وتقال الفئة الباغية , وكل فرقة امتنعت من ~~الحق حتى توفئ إلى أمر الله لا يستحلون منهم غنيمة مال ولا سبي عيال ولا ~~انتحال هجرة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولا يسموا بالشرك أهل القبلة ما ~~بينوا الشهادة؛ قال فقام وارث بالحق ما شاء الله والمسلمون عنه راضون , وله ~~موازرون وعليه مجتمعون ولمن امتنع من طاعته مفارقون. # وما ذكره بعضهم في سبب اختيار المسلمين للوارث تحتمل صحته وأن صح فالظاهر ~~إن ذلك كان في وقت الجبابرة من بني الجلندى قبل ظهور المسلمين عليهم؛ فتكون ~~تلك الحالة منقبة للوارث محفوظة له منذ مدة من الزمان فظهرت ثمرتها في ~~أوانها برغبة المسلمين في تقديمه. PageV01P093 # ذلك ما قيل أن الوارث كان يسكن قرية هجار من بني خروص وكان يرى الرؤيا في ~~نومه على ظهور الحق على يده , وأنه كان ذات يوم يحرث في زرع له فسمع صوتا ~~يقول له اترك حرثك وسر إلى نزوك وأقم بها الحق؛ ثم ناداه ثانية وثالثة بذلك ~~, فقال الوارث ومن أنصاري وأنا رجل ضعيف؟ فقيل له أنصارك جنود الله فقال إن ~~كان حقا فليكن مصاب مجزي هذا ينبت ويخضر من الشجرة التي أصله منها فغرسه في ~~الأرض فنبت شجرة لومي؛ ويقال أن هذه الشجرة موجودة إلى الآن ببلدة هجار وهي ~~مركز إماتة المحفوظة , ثم سار إلى نزوى وهي في أيدي الجبابرة وقد ملؤها ~~جورا وظلما فلما وصل إلى نزوى وجد خبازا يخبز وجنديا من جنود السلطان يأكل ~~خبزه , والخباز يستغيث بالله والمسلمين منه فلما رآه على ذلك زجره ثلاثا ~~فلم ينته فقتله , فمضى مسرعا ms076 إلى مسجد قريبا من شاطئ الوادي , والآن سمي ~~مسجد النصر؛ فأسرعت إليه الرجال لتقتله فلما وصلوا قريبا منه رأوا المسجد ~~قد غص من الرجال المقاتلة فلم يصلوه قالوا فلذلك اختاره المسلمون عليهم إماما. # وقيل أنه لما خرج الوارث لإظهار العدل تخلف عنه أخوه محمد بن كعب فقالوا ~~خنزير فسموه خنزيرا فبنوه يقال لهم بنو خنزير , ومر في مسيره على بئر لبني ~~صبح يقال له زكت بني صبح وكان عليه رجل من بني صبح ومعه أربعون رجلا فخرجوا ~~عند الوارث فأوصى بإيقاف مال ينفق منه على حضر الإنفاق في موضع مخصوص من ~~الحجار إلا لمانع كمطر أو غيره؛ فما زاد عن ذلك القدر فإنه ينفق على أهل ~~الهجار وستال خاصة , وأوصى لأهل زكت منه بأربعين سهما ينفق فيهم وفي ~~ذراريهم ولو بقي منهم رجل واحد فهم يعطون أربعين سهما , ومنع منه بني أخيه ~~لخزره عنه فوقفه يقسم إلى اليوم على ما أوصى؛ ولا يستطيع أحد من بني خنزير ~~أن يأخذ منه لتعجيل العقوبة. PageV01P094 # ولهذا الوقف آثار شاهرة وكرامات ظاهرة ذكرها لنا من نثق به , منها أنه ~~إذا أنفق في الموضع المخصوص رأوا فيه زيادة على القدر الذي عهدوه وأن ~~أنفقوه في غير ذلك الموضع لعذر وجدوه كما عهدوه من كيل أو وزن , ومنها أنه ~~إذا أكل من الوقت غير مستحقه عوجل بالعقوبة ولو دابة أكلت منه مع علم ~~صاحبها بذلك عوقبت , وأن لم يعلم صاحبها لم يصبها شيء , وغير ذلك مما شاء ~~الله لم يتجاسر الناقل الثقة أن أخذ عنه جميع ذلك. # وفي ليلة إحدى عشرة من المحرم سنة إحدى وثمانين ومائة توفي شيخ المسلمين ~~موسى بن أبي جابر الأزكوي وهو من سامة بن لوى بن غالب جد موسى بن علي لأمه ~~, وكان قد عاش أربعا وتسعين سنة وأشهرا رضي الله عنه. # ذكر مسير عيسى بن جعفر المنصور إلى عمان # وكان ذلك في أيام الوارث , وكان عيسى بن جعفر بن عم هارون الرشيد وهو أخو ~~زبيدة , فبعثه هارون إلى عمان عاملا ms077 عليها في ستة آلاف مقاتل فيهم ألف فارس ~~وخمسة آلاف راجل , فلما وليها كتب داود بن يزيد المهلبي إلى والي صحار وهو ~~مقارش بن محمد اليحمد يخبره بذلك , وبعث الإمام إليه مقارش بن محمد في ~~ثلاثة آلاف؛ والتقوا بحتى فانهزم عيسى بن جعفر وسار إلى مراكبه بالبحر فسار ~~إليه أبو حميد بن فلج الحداني السلوتي ومعه عمرو بن عمر في ثلاث مراكب؛ ~~فدخل عليهم أبو حميد مركبه , فأسر عيسى وانطلق به إلى صحار فحبس بها , وكان ~~الإمام قد خرج من نزوى لدفاع عيسى أخذا منه بالحزم , فلما وصل سيفم لقيه ~~الإمام بهزيمة عيسى بن جعفر فرجع إلى عسكر نزوى. PageV01P095 # قال أبو الحواري فلما بلغ نزوى بلغه أن عيسى بن جعفر في السجن قال فبلغنا ~~أنه قام في الناس خطيبا فقال يا أيها الناس إني قاتل عيسى بن جعفر فمن كان ~~معه قول فليقل , قال فبلغنا أن علي بن عزرة وكان من فقهاء المسلمين قام ~~فتكلم فقال إن قتلته فواسع لك وإن تركته فواسع لك فأمسك الإمام عن قتله ~~وتركه في السجن قال فلما كان بعد ذلك بلغنا أن قوما من المسلمين وفيهم رجل ~~يقال له يحيي بن عبدالعزيز رحمه الله وكان من أفاضل المسلمين , ولعله لم ~~يكن يقدم عليه أحد في الفضل في زمانه بعمان انطلقوا من حيث لا يعلم الإمام ~~حتى أتوا إلى صحار فتسوروا السجن على عيسى بن جعفر فقتلوه في السجن من حيث ~~لا يعلم الإمام ولا الوالي وانصرفوا من ليلتهم , قال وبلغنا عن بشير بن ~~المنذر رحمه الله أنه كان يقول قاتل عيسى بن جعفر لم يشم النار أي بسبب ~~قتله وليس هو حكما بالغيب , وإنما هو حكم بالظاهر يعني أنه إذا لم يفعل غير ~~هذا فلا يشم النار بسببه. # قال أبو الحواري فهذا الذي حفظنا من خبر عيسى بن جعفر عن أهل العلم ~~المأمونين على ذلك؛ ثم ذكر صورة الحكم في قتله فقال والذي حفظنا من قول ~~المسلمين إن إمام المسلمين إذا قتل أو قتل ms078 والي المسلمين في ولايته أو قتل ~~قائد المسلمين في مسيره أو قتلت سرية المسلمين إن دمائهم للمسلمين دون ~~أوليائهم وللمسلمين أن يقتلوا من قتلهم كيفما قدروا عليه في غيلة أو غير ~~غيلة؛ قال وفي ذلك آثار المسلمين قائمة معروفة. # قال محمد بن محبوب إن بعض أهل عمان أخبره أن خبر هزيمة عيسى بن جعفر وصل ~~إلى مكة وأنهم أخذوه أسيرا قال فقال والدي يعني محبوبا للرجل سرني إذا ~~أخذوه أسيرا قال قلت ولم يشرك ذلك يا أبا سفيان قال ليمنوا عليه , قال ~~الرجل فقلت لمحبوب يا أبا سفيان لو كان معه كذا وكذا من رأس لقطعوها أهل ~~عمان أو نحو هذا من القول قال فقال هكذا قال نعم. PageV01P096 # وفي المصنف قال وبلغنا أن المسلمين باعوا شيئا من الخيل التي كانت مع ~~عيسى ابن جعفر وتصدقوا بثمنها على الفقراء والدار قاصية بعيدة , فلما قتل ~~عيسى عزم هارون على إنفاذ جيش إلى عمان فارتاع الناس لذلك ثم مات وأراح ~~الله الناس من شره. # ذكر وفاة الوارث رضي الله عنه # قالوا فلم يزل الوارث إماما حسن السيرة قائما بالعدل حتى اختار الله له ~~ما لديه فكان سبب موته أنه غرق في سيل وادي كلبوه من نزوى وغرق معه سبعون ~~رجلا من أصحابه؛ وسبب ذلك أن حبس المسلمين كان عند سوقم مائل وكان ناس ~~محبوسين , فسال الوادي جارفا؛ فقيل للإمام إن الوادي سيلحق المحبوسين فأمر ~~بإطلاقهم , فلم يجسر أحد أن يمضي إليهم خوفا من الوادي , فقال الإمام: أنا ~~أمضي إذ هم أمانتي وأنا المسئول عنهم يوم القيامة؛ فمضى إليهم وأتبعه ناس ~~من أصحابه؛ فمر بهم الوادي فحملهم مع المحبوسين؛ وقر الإمام بعد أن يبس ~~الوادي بقبره ولم يضر بقبره , فكانت هذه كرامة ظاهرة. # وقيل: سبب دفنه هناك تشاجر أهل العقر وسعال عليه كل يريد أن يدفن معه ~~فرأى من حضر من أهل الرأي أن يدفن مكانه صلحا بين الفريقين. # وكانت إمامته اثني عشرة سنة وستة أشهر إلا أياما. وقيل اثني عشرة سنة ~~وستة أشهر ms079 ويومين , وأن وفاته كانت يوم الثالث من جمادي الأولى سنة اثنين ~~وتسعين ومائة. وقيل مات يوم الاثنين لأربع ليال من جمادي الأولى سنة اثنتين ~~وتسعين ومائة. وقيل إمامته كانت اثنتي عشرة سنة وثلاثة أشهر والله أعلم. # باب إمامة غسان بن عبدالله اليحمدي من الفجح # وذلك لما مات الوارث بن كعب رحمه الله بايعوه بعده يوم الاثنين لست خلون ~~من جمادي الأولى من سنة اثنتين وتسعين ومائة وقيل اليوم الرابع من الشهر ~~المذكور. PageV01P097 # قال أو زياد: لما غرق الوارث بن كعب رحمه الله قال سليمان بن عثمان ~~لمسعدة بن تميم عند فلج ضوت في البطحاء نكتب إلى أهل السر يأتون , قال ~~مسعدة إنما يريد ابن عثمان أن نؤخر هذا الأمر حتى يجتمع إلينا الناس , أو ~~قال غوغاء الناس فيختلفوا علينا؛ ولكنا نقطع الأمر , قال أبو الحسن بايعه ~~المسلمون على ما بويع عليه الوارث بن كعب؛ فقام بالحق وعمل به؛ وعز الحق في ~~أيامه؛ وظهرت دعوة المسلمين بعمان , وكان في أيامه جمة من العلماء؛ قال ~~واختلف في تلك الأيام هارون بن اليمان الشعبي ومحبوب بن الرحيل , فبين ~~محبوب بدعتهم وأوضح ضلالتهم. # قلت: والظاهر أن اختلافهما كان في أيام المهنا , ولكل واحد منهما إلى ~~المهنا رسائل يرد فيها على صاحبه. وقدم غسان بعد إمامته صحار لخمس بقين من ~~جمادي الأخرى سنة إحدى ومائتين , فوقع الحريق في السوق بعد ذلك بخمسة أيام ~~, فوافق هلال رجب , فيذكرون أنه احترق ما بين الخورين , فلا أدري أنه في ~~هذا الحريق أو في الحريق الذي كان سنة ثماني ومائتين , إلا أنهم يذكرون أنه ~~احترق ما بين الخورين. # وكان البوارج وهم كفار الهند يقعدون بأطراف عمان ويسلبون منها ويسبون ~~ويمضون إلى ناحية فارس والعراق؛ فكانوا فيما بلغنا ربما يسيرون بناحية دبا ~~وجلفار؛ واتخذ غسان الشذاة للغزو , وهو أول من اتخذها بعمان وغزى فيها ~~البوارج من هذه الشطوط؛ وأمن الله الناس من البوارج بهذه الشذاآت وبالغرف ~~وفي رجب من سنة اثنين ومائتين مات علي بن موسى؛ ورجع غسان إلى نزوى ms080 يوم ~~الاثنين لإحدى عشرة خلت من رجب سنة ست ومائتين. # وقتل أو راشد بن محمد بالأرواح يوم الخميس لست من ربيع الأول سنة سبع ~~ومائتين , وقتل صقر بعده بعشرين يوما؛ وهو صقر بن محمد بن زائدة الجلنداني ~~وذلك يوم الأربعاء لست وعشرين من ربيع الأول من هذه السنة. PageV01P098 # وسبب ذلك أن صقر بن محمد كان قد بايع المسلمين على راشد بن النظر ~~الجلنداني وأعان المسلمين بالمال والسلاح , فلما أزال الله ملك راشد بن ~~النظر الفاسق وغير نعمته وأظهر الله دعوة المسلمين وكلمتهم , خرج على ~~المسلمين رجل من أهل الشرق من بني هناة ومعه بنو هناة وغيرهم , وألقى إلى ~~المسلمين أن أخا صقر مع البغاة , فلما ذكر ذلك لصقر قال: من يقول ذلك وأن ~~أخي مريض عندي في الدار , وكان صقر يومئذ بسمائل , فلما هزم الله البغاة ~~وظفر المسلمون بهم تحقق أن أخا صقر ابن محمد كان مع البغاة , فعند ذلك ~~اتهموا صقر بالمداهنة لما ستر عنهم أمر أخيه وكان الإمام يومئذ في نزوى؛ ~~وكان الوالي على سمائل رجل يقال له أبو الوضاح , فرفع أو الوضاح صقر إلى ~~الإمام مع سرية بعثها الإمام لحمله , وخرج أبو الوضاح معه خوفا عليه من ~~الشراة أن يقتلوه , وبعث الإمام إليه أيضا سرية أخرى وبعث معهم موسى بن علي ~~فالتقوا بنجد السحامات , فبينما هم في مسيرتهم إذ اعترض بعض الشراة صقرا ~~فقتلوه , فلم يكن للوالي أبي الوضاح ولا لموسى بن علي قدرة على منعهم من قتله. # قال أبو الحواري: وبلغنا أن موسى بن علي رحمه الله خاف على نفسه؛ فلو قال ~~شيئا لقتلوه, قيل ولم يكن من الإمام غسان إنكار على من قتله , وكانت تلك ~~الأيام صدر الدولة وقرتها وجمة العلماء فيحتمل سكوت الإمام أحد وجهين , إما ~~أن يكون قد صح معه أن صقرا بايع عليه واستوجب بذلك القتل؛ فأسر إلى بعض ~~الشراة أن يقتله؛ ولم يتشهر هو بقتله كي لا تكون عصبية , وإما أن يكون قد ~~احتمل للقاتل أن يكون قد قتله بحق عمله ms081 , كما احتملوا ذلك في قتل عيسى بن ~~جعفر , وأما خوف موسى على نفسه لو أنكر فلم يتحقق ذلك , وإنما هو نفس خوف ~~وظن لما رأي من الشدة في الشراة والله أعلم. PageV01P099 # ولعل الخارج على الإمام الذي وجد معه أخو صقر هو راشد بن شاذان بن غسان ~~بن سعيد بن شجاع الهنائي من بني محارب , ففي الأنساب للعتبي أنه هو الذي ~~سار إلى دما فانتهبها وقتل واليها قومه؛ قال وكان ذلك في ولاية الإمام غسان ~~بن عبدالله الفجحي؛ فوجه غسان بن عبدالله على آثارهم في طلبه من كان معه من ~~بني محارب من بني هناة فلم يلحقوا , ثم إن راشد بن شاذان طرح نفسه بالرستاق ~~على الفجح من اليحمد , فأخذوا له ولأصحابه أمانا من غسان؛ وكان مقام غسان ~~بنزوى في بيت الإمامة في العقر , وفي زمانه سميت نزوى بيضة الإسلام , وكانت ~~قبل ذلك تسمى تخت ملك العرب. # قال في بعض السير؛ ولها مدائح في كتاب سير العرب , وفي كتاب سير العجم ~~تركت خوف الإطالة. # وفي زمانه خصبت عمان خصبا كثيرا وصارت خير دار , وبقي الخصب من بعده ~~زمانا طويلا , حتى قبل إن فلج ضوت بنزوى يسقي ماله من جلبة خراسين أربعين ~~سنة؛ قيل ومن كثرة الماء ذهب فلج ضوت القديم ولم يبق له أثر بأموال دارس. PageV01P100 # قيل وكان غسان في كل جمعة يزور قبر الوارث رحمه الله , فمر يوما على ~~الغيل الذي بالوادي وفي بعض جوانبه بعض الطحلب , فقال في نفسه؛ إن هذا أثر ~~عن تغيير وقع في البلد , فأحضر أهل الأموال وقال لهم: أنا أريد حرب الهند ~~وبيت المال لا يكفي , وأريد أن أجعل على التجار قرضا يكون أداؤه من بيت ~~المال وأشاوركم في ذلك؛ فقال أصحاب الأموال: التجار يسعون بالفائدة؛ وإن ~~قلت دراهمهم ضاعت المعاملة بيننا وبينهم ونحن أرباب الأموال والقرضة علينا ~~بما تريد؛ فقال لا غير هاهنا. ثم أحضر التجار وقال: أريد أن أحارب الهند ~~وخزانة بيت المال لا تكفي بمقاومة الحرب وأناظركم , أريد أن أجعل قرضة على ms082 ~~بيت المال لتقويم هذا الحرب من أرباب الأموال فما ترون؟ فقال التجار: أصحاب ~~الأموال أهل حرث وأكثر الحروث لا تكفي مغرم ما عليه , وليس في أيديهم شيء ~~مما يكفي لذلك , فقال الإمام لا غيرها هنا , ثم أحضر الوزراء وأرباب الدولة ~~فقال: أريد أن أجعل قرضة على أرباب الأموال والتجار في بيت المال لحرب ~~الهند فما ترون؟ وهو يريد بهذا السؤال كله كشف ما عندهم , فقالوا هذا شيء ~~وقع في قلوبنا من قبل؛ فقال في نفسه الغير من ها هنا؛ فاستبدل بهم غيرهم؛ ~~فلما مر في الجمعة الثانية على الغيل لم ير شيئا , ورأى الماء زائدا عن أصله. # ذكر وفاة الإمام غسان رحمه الله # قيل أنه مرض يوم الأربعاء لثمان بقين من ذي القعدة , ومات يوم الأحد بعد ~~صلاة الفجر لأربع بقين من ذي القعدة سنة سبع ومائتين؛ وكانت إمامته خمس عشر ~~سنة وسبعة أشهر , وفي نسخه وتسعة أشهر بتقديم التاء إلا ثمانية أيام , وقيل ~~ولى خمس عشرة سنة وستة أشهر وعشرين يوما , وقيل خمس عشرة سنة وسبعة أشهر ~~وسبعة أيام والله أعلم. # ذكر أحكام الإمام غسان رحمه الله PageV01P101 قيل أنه لم يقطع بعمان يد ~~سارق إلا غسان بن عبدالله فإنه قطع يد سارق واحدة بصحار بعد أن وجب عليه ~~القطع , ومن أحكامه أنه كانت لبني الجلندي بسمد نزوى محلة ولعل موضعها ~~اليوم المال المسمى العقودية. # قال أبو الحواري وكانت هذه الدار عقودا على الطريق الجائز , قال وأحسب ~~أنه كان فوق العقود الغرف وكانت تلك العقود يقعد فيها أهل الريبة قال ~~فبلغنا أن امرأة مضت في الليل في تلك العقود وهي مظلمة فاعترض لها رجل من ~~الفساق , فبلغ ذلك الإمام فأرسل إلى أصحاب الدار وأمرهم أن يهدموا العقود ~~وحم عليهم بذلك أو يسرجوا فيها بالليل حتى يرى من يقعد فيها من أهل الريبة ~~فأخرج أهل الدار طريقا للناس في أموالهم وكان الناس يمرون في تلك الطريق ~~إلى أن خربت تلك الدار , فرجع أصحاب الدار إلى طريقهم فأدخلوها في أموالهم ~~وعمروها ورجع ms083 الناس إلى طريقهم الأول , ولهذه الطريق آثار ورسوم سهيلى ~~المسجد الجامع من سمد نزوى. # قال أبو الحواري لو أن أهل الدار لم يفعلوا ذلك ولم يسرجوا في القعود على ~~ما أمرهم الإمام فلعله كان يهدم الدار , قال وهو وجه من الحق والعدل إن شاء ~~الله تعالى؛ قال فهذا غسان قد أمر بهدم الدار لدفع هذه المفسدة فكيف ولو ~~كان فيها أحد من البغاة لكان أعظم ذنبا وأشد عقوبة. PageV01P102 # ومن أحكامه رحمه الله تعالى ما حكم به في فلج الخطم من منح وذلك أن السيل ~~الذي غرق فيه الإمام الوارث أني عليه فاجتاحه وذهب به أصلا ولم يجدوا إلى ~~إخراجه سبيلا إلا في أموال أهل نزوى , فأمر الإمام غسان القاسم بن الأشعث ~~وهو الطالب لإخراج الفلج أن يسير نفسه , ثم أرسل إلى سليمان بن عثمان رحمه ~~الله فلما أتى إليه قال له يا أبا عثمان ما تقول في فلج لقوم مثل فلج نزوى ~~يمضي في أرض سمد وهي لبني أبي المعمر فأتى السيل عليه فاجتاحه فلم يقدروا ~~على إخراجه إلا في أموال الناس فهل لهم ذلك؛ فقال سليمان نعم لهم ذلك, فقال ~~له الإمام يكون لهم ذلك بالثمن أو بغير ثمن؟ فقال سليمان بل لهم ذلك الثمن ~~, فقال الإمام بل يكون بالثمن بما قال أصحاب الأرض أم بقيمة العدول؟ فقال ~~له سليمان فيما بلغنا بل يكون ذلك بقيمة العدول , فلما عرف الإمام غسان رأي ~~سليمان بن عثمان في ذلك تمسك به. PageV01P103 # فلما انصرف سليمان أرسل الإمام إلى القاسم بن الأشعث فلما أتى قال له ~~الإمام اذهب فادفع خصماءك فانطلق القاسم بن الأشعث فأتى بهم الإمام وهم بنو ~~زياد , فلما حضروا معه طلب القاسم بن الأشعث مجرى لفلجهم بالثمن , فقال أهل ~~نزوى ليس علينا ذلك , فقال لهم الإمام غسان هذا رأي سليمان بن عثمان , ~~فانطلق أهل نزوى حتى أتوا سليمان فأعلموه بقول الإمام وقالوا له انه قال أن ~~هذا رأي سليمان بن عثمان , فقال لهم سيلمان غرني غسان , فانطلق سليمان فأتى ~~الإمام ms084 فقال سليمان للإمام أنه قد رجع عن رأيه ذلك , فقال له الإمام فأني ~~لا أقيلك وتمسك بذلك الرأي , قال الإمام غسان لأهل نزوى اذهبوا فاخرجوا ~~للقوم مجرى لفلجهم بالثمن , فأبوا عن ذلك وامتنعوا , فقال الإمام غسان لأهل ~~منح اذهبوا فاخرجوا فلجكم فإن طلبوا الحق كان لهم ذلك برأي المسلمين أو كما ~~قال , فانطلق أهل منح فأخرجوا فلجا في أرض أهل نزوى برأي الإمام غسان ولم ~~يكون ذلك برأي أهل نزوى وهم كارهون لذلك , وهو فلج الخطم , ذكر ذلك أبو ~~الحواري , قال والفلج قائم بعينه في أرض أهل نزوى في يومه هذا قال ولعله لا ~~يزال إلى يوم القيامة؛ ولم يجبر أهل نزوى حتى يأخذوا حقوقهم من أهل منح أو ~~يبرؤا منها. PageV01P104 # ومن أحكامه رضي الله عنه حبس صقر بن محمد بن زائدة بتهمة اتهمه بها هاشم ~~ابن الجلندي في جراح أصابه أنه أمر به , قال أبو عبدالله أن هاشم بن ~~الجلندي كان قد أصابته رمية بالليل فجرحته في رأسه وهو يومئذ بدما مع ~~الإمام غسان , فاتهم هاشم صقر بن محمد بن زائدة أنه أمر به من رماه؛ وكان ~~صقر يومئذ بسمائل فأمر به غسان فحبس؛ فأنكر ذلك عليه سليمان بن عثمان وقال ~~ليس عليه حبس لأنه لم يتهمه أنه جرحه وإنما اتهمه أنه أمر من جرحه , فإنما ~~عليه يمين ولا حبس عليه , فلم يقبل ذلك غسان حتى غضب سليمان وهجره , قال ~~بعضهم لا أدري كيف غضب علي الإمام وقد فعل , قال لعله شاهد ما لم يشاهده؛ ~~قال والإمام أحق بتحسين الظن والله أعلم. # ( قلت ) قد ظهر سبب غضبه وهجرته من قوله أنه ليس عليه حبس وإنما عليه ~~يمين , فهذا سليمان لا يرى على صقر حبسا بتلك الدعوى وحبسه الإمام وسليمان ~~ولا يرى له ذلك في نظره واجتهاده , وكان قد أحب له السلامة منه والتعفف عنه ~~, والمؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه والله أعلم. # ومن أحكامه رضي الله عنه ما ذكر زياد بن الوضاح أن بقية أتي به على غسان ~~وأجله ms085 أربعة أشهر؛ على أن يخرج من عمان؛ فمات قبل انقضاء الأجل , قال أبو ~~محمد كان بقية يقال أنه كاد يكون فتنة ولو بقي وكان يظهر الاعتزال ويرضي ~~الزندقة , قال زياد بن مثوبة كان بصحار شيعة كان بقية أصغرهم قال وكانوا ~~يشددون عليهم , وكان المسبح بن عبدالله أعمى وكان يقضي في نزوى بين الناس ~~في أيام الإمام غسان والقاضي ليسمع الشهود ويقضي على الخصمين وهو لا يرى ~~أحدا منهم , فجعل المسبح قاضيا على هذا الوصف من جملة أحكام الإمام وبعض ~~المسلمين لا يرى أن يولى القضاء أعمى. # قال العلامة الصبحي وبلغني أن عبدا أخذ من بعض أهل عمان وخرج به إلى ~~الأعاجم فأنفق الإمام غسان على رده أربعة آلاف درهم من مال الله أو ما شاء ~~الله في أيام جمة من أهل العلم فلم يعيبوا ذلك. PageV01P105 # قال أبو مروان اجتمع سعيد بن المبشر وأبو مودود وهاشم بن غيلان والقاسم ~~ابن شعيب عند الإمام غسان بن عبدالله رحمه الله فسألهم عمن يقدم من بلاد ~~الهند بتجارة كيف آخذ منه الزكاة فقالوا إذا وصل إلى عمان وباع متاعه فخذ ~~منه الزكاة من حينه , وإن لم يبع المتاع حتى حال عليه الحول يقوم متاعه كما ~~يباع ثم خذ منه الزكاة سنة واحدة؛ وأما من يقدم من البصرة وسيراف بمتاع فلا ~~يؤخذ منه الزكاة حتى يحول عليه الحول , وإذا حال عليه الحول أخذت منه باع ~~أو لم يبع. # وكتب الإمام غسان إلى عبدالله بن شاذان في امرأة احتجت في رفع زكاة حليها ~~بأن عليها دينا أن الحلي ليس بمنزلة الدراهم , فخذ منها زكاة الحلي ولا ~~تنظر في حجتها , وهذا رأي منه رحمه الله تعالى , وقيل أن الدين يسقط زكاة ~~الحلي أيضا كما يسقط زكاة النقدين المضروبين وهو قول أكثر من رفع الزكاة ~~بالدين من أصحابها. # وقيل أن الإمام غسان ذكر يوما العدل وذكر حالة العبيد في الباطنة وكانوا ~~يزجرون لساداتهم بالليل فقال عدلنا إلا في عبيد الباطنة , ومعناه أنه ليس ~~للسيد أن يستخدم عبده بالليل ms086 , وأهل الباطنة قد استخدموهم للضرورة الداعية ~~لذلك ولكنهم يريحونهم بالنهار فوق قدر عملهم بالليل , وقد رخص لهم بعض ~~المسلمين في ذلك إذا أراحوهم بالنهار , وكان الإمام يرى التشديد فقط. PageV01P106 # ويوجد أنه كان في أيام الإمام غسان ناس جئ بهم وكانوا قد استحقوا القتل ~~في رأي بعض المسلمين , فشاور الإمام القاضي مسبح بن عبدالله فلم ير قتلهم ~~فسجنهم الإمام , ثم ناظر المسلمون القاضي في قتلهم حتى رجع إلى القول ~~بالقتل فدخل على الإمام فأخبره أنه رجع إلى القول بقتلهم , فقال الإمام لا ~~أقبل ذلك منك إلا أن تقول به بين جماعة من المسلمين؛ لأنك أفتيت بمنع قتلهم ~~في جماعة من المسلمين , فلما اجتمع الناس بالمسجد قم القاضي واقفا وقال إني ~~كنت قد أفتيت الإمام بمنع قتل هؤلاء , وإني قد رجعت عن ذلك وأفتيته الآن ~~بقتلهم, فأمر الإمام فضربت أعناقهم , وهذه سياسة من الإمام تقتضي بتبرئة ~~ساحته من التهمة , وفيها تصلب عظيم من القاضي , جزاهم الله خيرا عن الإسلام وأهله. # ذكر شيء من نصائح العلماء للإمام غسان # فمن نصيحة أبي مودود له قال ولا قول الأمور من يختلف المسلمون عليك في ~~عدله فيخون الله بخلاف الصادقين الذين يحبون الله يريدون وجهه وأنت تقدر ~~معك الجهاد والاجتهاد وأنت بإذن الله قادر على بقية صلحاء الصادقين , ولا ~~تأتمن على المسلمين إلا من رآه الصالحون أمينا فتحارب الله ولا تحل نصرتك ~~ويحل خذلانك , ولا تطلبن العسر ومعك اليسر , ولا تختر على الله فإن الله ~~يقول ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة ~~من أمرهم ). PageV01P107 # وكتب إليه منير كتابا طويلا يذكر له فيه سيرة من قبله من أئمة الهدى ~~وذكرنا في إمامة الجلندي بعض ذلك , وإنما وصف له سيرتهم ليحرضه على سلوكها ~~واقتناء آثارهم في الأخذ بالأحزم ثم الأحزم , ثم ذكر له أحوال الناس بعد ~~أولئك الأئمة فقال اعتقدوا الشراء في غير صدق أهله فركنوا إلى الدنيا ومال ~~بهم الهوى إلى باطلها ورضوا بالحياة الدنيا من الآخرة قال الله ( وما ms087 متاع ~~الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل ) فباعوا الكثير الباقي بالقليل الفاني؛ ~~وصغر الدين في أعينهم وهان عليهم فأهانهم؛ وأنزل بهم الخزي وألبسهم شيعا ~~وأذاق بعضهم بأس بعض. # إلى أن قال: وأعلم أن الوهن والتقصير وتألف الناس على مالا يوافق الحق لا ~~يزيد في الرزق , ولا يمد في العمر , ولا يزيد لأهله إلا مقتا ووهنا وخسارا. # إلى أن قال: وإياك أن تكثر بمن يشين معك ولا يزين ويفسد ولا يصلح , فإنهم ~~لن يغنوا عنك من الله شيئا , وأن الظالمين بعضهم أولياء بعض , والله ولي ~~المتقين , نسأل الله أن يتولانا وإياك بما تولي به المتقين , وأن يردنا ~~وإياك إلى الحق وأهل الحق , ويجمعنا وإياك عليه ويهدينا وإياك لما اختلف ~~فيه من الحق بإذنه إن الله رؤوف رحيم. # قال فإذا استغتبتكم أنفيكم ومن معكم ومن إقامة أموركم على ما مضى عليه من ~~كان قبلكم من أسلافكم واستقام على المسير مبارك بن جعفر وسليمان بن عثمان ~~والحكم بن بشير ومسعدة بن تميم والأزهر بن علي وعلي بن عزرة وجعفر بن زياد ~~وعبدالله بن أبي قيس وعبدالله بن نافع ورايس بن يزيد وأبو الملك بن هزير ~~والأشعث بن محمد والأزهر بن عبدالملك وعبدالعزيز بن عبدالرحمن وضرباؤهم من ~~المسلمين فاكتب إلينا فيأتيك من أحببت منا وكرامة بك ونعم عين , قال وإن ~~كره النفر الذين سميت لك في الكتاب السير فنحن أضعف عنه وأبعد دارا وأكثر ~~دينا وأشد حاجة إلى المقام في ضعيننا ومعائشنا ولو خلونا ما سرنا إلا معهم ~~, عافانا الله وإياك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. PageV01P108 # باب إمامة عبدالملك بن حميد رحمه الله تعالى # وهو من بني علي بن سودة بن علي عمرو بن عامر ماء السماء الأزدي وكانت ~~البيعة له يوم الاثنين لثمان ليال بقين من شوال سنة ثماني ومائتين , وقيل ~~لثلاث بقين من ذي القعدة من سنة سبع ومائتين , فسار سيرة الحق والعدل واتبع ~~أثر السلف الصالح , وصارت عمان يومئذ خير دار. # قال أبو الحسن: بايعوا لعبد الملك بن حميد على ما ms088 بويع عليه غسان؛ فقام ~~بالحق إلى أن كبر وخافوا على الدولة؛ فقام موسى بن علي رحمه الله بالدولة ~~حتى مات عبدالملك. # قال أبو المؤثر: وحدثني الثقة أن عبدالملك بن حميد الإمام رحمه الله كان ~~قد ضعف وسقط وثقل منه السمع والبصر , إلا أنه قد كان يسمع ويبصر الشيء , ~~وقد كان يقع في عسكره القتال , قال وكانت ضعفته فيما بلغنا أشد من ضعفة ~~الصلت , وسألوا موسى بن علي عنه فرأى أن إمامته ثابتة ولم يستحل عزله حتى مات. # وقال أبو الحسن: وكان بعض المسلمين - أظن أنه المنذر بن بشير - يصد عن ~~موسى بن علي إذا رآه لم يعزل عبدالملك , وكان يقول: هذا الشاب يصد عنا إذ ~~لم يعزل الجبل. # وقال محمد بن الحسن: كتب موسى بن علي إلى الإمام عبدالملك في أمر رجل ثم ~~إن الرجل أتي موسى فقال رد الإمام كتابك؛ فقال أبو علي هو المأمون علينا ~~وعليك , وكان عبدالملك الإمام يطرد مهرة ويطلبهم لسفكهم دماء المسلمين؛ ~~وكانوا يلقون بأيديهم ولا يقبل الإمام منهم؛ حتى أشار عليه موسى بن علي ~~رحمه الله أن يقبل ذلك منهم ويؤمنهم؛ وكانوا قد سفكوا دماء المسلمين؛ وفي ~~سبع بقين من ذي القعدة من سنة ستة عشر ومائتين؛ توفي محمد بن موسى. PageV01P109 # ويحكي أن زاهدا كان يواصل موسى بن علي بأزكى , فلما ولي القضاء عنه وجعل ~~يواصل سعيد بن جعفر بعد بي من أزكي , فقيل للزاهد في ذلك , فقال ذلك قد دخل ~~في الدنيا وأمور الناس , فأرسل موسى إلى سعيد بن جعفر أن ينتظره الزاهد معه ~~حتى يصل إليه فامتنع الزاهد عن ذلك , فلم يزل سعيد بن جعفر بالزاهد إلى أن ~~أجابه إلى ذلك , فوصل موسى إليه فاجتمع بالزاهد عند سعيد بن جعفر؛ فلما ~~أراد الزاهد الانصراف سلما إليه دريهمات فلم يقبلها منهما إلا بعد مسألة ~~منهما له؛ فقبضها وخرج من عندهما , فخرجا في أثره ينظرانه , فلم يزالا ~~ينظرانه إلى أن لقي رجلين معهما حمار , فوقف معهما كأنه يكلمهما , فوقف ~~موسى وسعيد إلى أن وصل ms089 إليهما الرجلان فسألاهما عن وقوف الزاهد معهما , ~~فقالا لهما إنه سألهما عن الحمار الذي معهما لمن هو منهما؛ فعرفاه إنه ~~لأحدهما , فسلم الدريهمات إلى الذي اعترف بأن الحمار لصاحبه. # وكان هذا الزاهد يدخل مسجد الجامع من نزوى في أيام الإمام فيصلي فيه ولا ~~يدخل السوق؛ ويصل إلى مجلس الإمام ثم يشرف على السوق فيقول: يا أهل الغفلة ~~ويا أصحاب المكيال والميزان , ثم ينصرف. # وتوفي الإمام رحمه الله تعالى ليلة الجمعة لثلاث من رجب سنة عشرين ~~ومائتين؛ وكانت إمامته ثماني عشرة سنة وسبعة أشهر وسبة أيام؛ ويقال ثلاثة أيام. # وفي أيامه رحمه الله تعالى صلى عمر بن الأخنس بالناس الجمعة بنزوى ركعتين ~~من غير أن يأمره الإمام؛ وكان الإمام مريضا بنزوى فلم يخرج إلى الجمعة؛ ~~وكان موسى بن علي يومئذ حاضرا فلم ير موسى عليهم النقض؛ وأجاز صلاتهم. قال ~~أبو عبدالله: فأنا أرى على عمر بن الأخنس وعلى من صلى معه النقض. PageV01P110 # وفي أيامه رضي الله عنه قتل سعيد بن محمد النخلي في نخل على فراشه خفية ~~فأقر ربيب سعيد بن عمر أنه قتله؛ وأنه إنما أراد قتل عمه زوج أمه سعيد بن ~~عمر وإليه قصد؛ فوقع في سيعد بن محمد خطأ فشاور عبدالملك المسلمين في ذلك؛ ~~فلم ير موسى وغيره القود؛ قال محمد بن علي قال موسى بن علي أشار علينا ~~الإمام عبدالملك في رجل أقر أنه قتل رجلا وجده على سرير واحتج أنه أخطأ ولم ~~يتعمد إلى الذي قتل , قال فأمسكت أنا عن ذلك حتى رأيت في كتاب أن القول قول ~~القاتل؛ وأما بعضهم فلم يروا له ذلك. # وقال عزان بن صقر: أخبرني هاشم بن الجهم أن قوما من أهل نخل دخلوا على ~~رجل فقتلوه فأقروا بقتله , وقالوا ظنا أنه فلان لرجل غيره , فذكر أن موسى ~~بن علي لم ير عليهم قودا فيما بلغنا؛ قال وأخبرني الفضل بن الحواري عن سعيد ~~بن محرز أنه قال في هذه المسألة: إن الأشباح رأوا عليهم القود إلا موسى ابن ~~علي قال فرأيناه ms090 في آثار المسلمين إنه خطأ , اقل وأخبرني محمد بن علي في ~~هذه المسألة عن أبي علي - يعني موسى - قال سكت فلم يقل شيئا , فلما رجعت ~~رأيت في بعض كتب المسلمين أنه خطأ. # وذكر الإمام الصلت بن مالك قال: وصل كتاب من إلي صحار إلى الإمام ~~عبدالملك بن حميد يذكر فيه أن يهوديين اقتتلا بالساحل فقال أحدهما أشهد أن ~~لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؛ قال أعينوا أخاكم المسلم , ثم أنكر ~~ولم يقر بالإسلام , فجمع عبدالملك بن حميد الأشياخ فأرادوا أن يجيبوا فيه ~~جوابا كأنهم يرون ذلك يلزمه ثم كتبوا إلى موسى بن علي رحمه الله فكتب أن ~~يشد على اليهودي ويهدد بالقتل فإن اسلم قبل منه وإلا فلا قتل عليه. وقال ~~أبو عبدالله إنما يلزمه القتل لأنه لم يقر بجملة الإسلام لأن القول الذي ~~يلزمه فيه الإسلام ويجب عليه القتل في تركه إذا قال أشهد أن لا إله إلا ~~الله واشهد أن محمدا رسول الله وأن جميع ما جاء به حق من عند الله , قال ~~فهذا الذي يدخل به في الإسلام ويخرج به من الشرك. PageV01P111 # وفي الأثر قال سمعت أبا يزيد التاجر يسأل بشيرا وهو عنده عن رجل قتل رجلا ~~فأفاده به الإمام أو القاضي , فلما رفع إلى الوالي وانطلق ليقتله لقيهم رجل ~~فقال لهم ما هذا؟ قيل له رجل يقتل فقال وهو حلال دمه , فقالوا له نعم فقتله ~~الرجل فقال له الوالي أحسنت فيما صنعت وأجاز له ذلك فقال بشير ليس ذلك إليه ~~بل يقتل به , قلت لهاشم فيذهب صاحب دم هؤلاء لا دية ولا قود قال نعم. # وقال جابر بن النعمان اختلف المسلمون من أهل صحار في الذي يعمل الحسنات ~~والسيئات فقال بعضهم أنها تحصى عليه حتى يموت ثم ينظر في حسناته وسيئاته ~~أيهما أكثر جزي به , وقال آخرون إذا عمل حسنة ثم عمل سيئة محت السيئة ~~الحسنة قال جابر فخرجنا من صحار سمائل فسألت هاشم بن غيلان رحمه الله عن ~~ذلك فقال كفروا عن هذا ms091 فقد وقع هذا بصحار وكتبوا إلينا فلم نجبهم , وعند ~~هذا ومثله تقع الفرقة وبالله التوفيق. # وقال أبو علي جاءنا كتاب من أشياخ صحار وكتاب آخر من الشراة فيه عتاب ~~فيما بينهم وشيء كرهناه لهم ولا يبلغ فيه براءة ولا فراق ولا عظيم من الأمر ~~والدرك فيه قريب؛ فأهل الفضل منكم الذين يسعون في الألفة والصلاح فإذا ~~جاءكم كتابنا فاجتمعوا رحمكم الله فليستغفر بعضكم لبعض وتمسكوا بشريعة الله ~~ودينه وما حدث بينكم من التنازع فقولوا ديننا فيه دين المسلمين , ورأينا ~~فيه رأيهم وحكمة إلى الله ثم ارفضوا به وقال الله تعالى ( وقل لعبادي ~~يقولوا للتي هي أحسن إن الشيطان ينزع بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا ~~مبينا ) واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا. هذه وصية الله فالزموها يكن ~~الله معكم ويكفيكم ما أهمكم , وفي زمانه رحمه الله تعالى أظهر قوم من ~~القرية والمرجئة دينهم بصحار؛ ودعوا الناس إليه؛ وكثر المستجيبون لهم , حتى ~~صاروا بتوان وغيرها من عمان , فخاف هاشم بن غيلان رحمه الله تعالى على ~~المسلمين من ذلك فكتب إلى الإمام ما نصه: # إلى الإمام عبدالملك بن حميد؛ من هاشم بن غيلان: # ( PageV01P112 بسم الله الرحمن الرحيم ) سلام عليك؛ فإني أحمد الله الذي ~~لا إله إلا هو وأوصيك ونفسي بتقوى الله وطلب ما يخرج به من فتنة العلماء ~~التي أصبح فيها كثير من أهل الشقاء وأستعين بالله ( أما بعد ) أيها الإمام ~~([1]) مما العاقبة منه سلامة في الدنيا والآخرة وإيانا برحمته , فإني كتبت ~~إليك والعاقبة حالنا , والحمد لله كثيرا لحب سلامتك , ويسرا لصلاحك وصلاح ~~قسم الله لك وما وفقك الله وأرشدك وأعزك ونصرك؛ فنسأل الله لك ذلك من لدنه ~~فضلا من ورحمة , والله ذو الفضل العظيم؛ أعلمك رحمك الله إنه كان قبلك من ~~أئمة المسلمين؛ أدركنا من أدركهم وأخبرونا عنهم أن أول شيء ساروا به في ~~الناس أن علموهم دينهم؛ وأظهروا لهم نسب الإسلام , وبينوا لهم ما يأتون مما ~~أمرهم به من طاعته , وما يتقون مما نهاهم عنه من معصيته , ومن كان على ms092 غير ~~دين المسلمين من أصناف الخوارج والشكاك وغيرهم لم يدعوهم على ذلك حتى دخل ~~الناس في الإسلام , فمنهم من دخل في الإسلام على أيديهم وألسنتهم بالصدق ~~منه والرغبة في دين المسلمين , ومنهم من قبل دين المسلمين تقية منه ولم ~~يظهر به على الله؛ حتى أماتوا كل بدعة وكل دين على خلاف الإسلام. PageV01P113 # وكانوا رحمة الله عليهم إذا بلغهم من احد أنه على غير دين المسلمين ~~أرسلوا إليه وعرضوا عليه دينهم , فإن قبله كان له ما لهم وعليه ما عليهم ~~وإن أبى إلا أن ما يغير ما عليه دين المسلمين أمروه بالخروج من بلادهم , ~~فإن خرج تركوه؛ وإن لم يتب ولم يخرج لم يقاروه على ذلك وأكرهوه على قبول ~~الإسلام , فأحيا الله بهم الدين , وأمات بهم البدع , وأظهر بهم الحق؛ وأطفأ ~~بهم كل جور , حتى مضوا عليهم رحمة الله ورضوانه؛ وإنه بلغنا أن قوما من ~~القرية والمرجئة بصحار قد أظهروا دينهم ودعوا الناس إليه؛ وقد كثر ~~المستجيبون لهم؛ ثم قد صاروا بتوام وغيرها من عمان , وقد يحق عليك أن تنكر ~~ذلك عليهم؛ فإنا نخاف أن يعلو أمرهم في سلطان المسلمين , فأمر يزيد أن أكتب ~~إليه أن لا يترك أهل البدع على إظهار دعوتهم حتى يطفأ الضلال والبدع؛ وأكتب ~~إليه رحمك الله أن يظهر الإنكار عليهم ويرسل إلى كل من بلغه شيء من ذلك ~~فيعرض عليهم الإسلام ويصف لهم الدين وإثبات القدر وتكفير أهل الإصرار؛ فإن ~~قبلوا ذلك وإلا فاحبس وعاقب؛ ومن بلغه عنه تماد في ذلك حبسه وعاقبه وأطال ~~حبسه؛ أحببنا أن نعلمك ونكتب إليك بالذي بلغنا من ذلك وضاقت به صدورنا؛ ~~فانظر في ذلك نظر الله إليك وإلينا برحمته؛ والسلام عليك ورحمة الله. # ---------------------------------------------------------------------- ~~---------- # [1] - سقط بالأصل. # ذكر نصائح العلماء للإمام عبدالملك PageV01P114 وعن هاشم بن غيلان وأهل ~~أزكي إلى الإمام عبدالملك بن حميد: نوصيك بتقوى الله وطاعته , والقيام لله ~~بسبيل ما جعلك لسبيله من دينه والمطوقة حقوقه التي أوجبها بميثاق وتؤكدوا ~~حسن رعاية ذلك بالجهد , وأعمل فيه بالتشمير والجد , فإنها نعمة من ms093 الله ~~أسبغها عليك؛ وهدية كريمة صرفها إليك , عليك فيها الله المبالغة في كل ما ~~أنت بالغ فيه بقولك وفعلك ما أمكن لك فيه القول والفعل , فبالله فاستعن على ~~ذلك؛ واستنصر يكن لك عونا على ذلك وناصرا. # أما بعد: عافاك الله أيها الإمام وإيانا عافية يجعل لك فيها ولايته ~~وكلاءته وعصمته ورحمته , ويبلغك فيها إلى حسن كرامته وحلول جنته؛ ويمن ~~علينا وعليك بمثل ذلك إنه ذو الفضل العظيم. PageV01P115 # وصل إلينا كتابك؛ رحمك الله في الذي نظرت فيه من الأمر الواجب عليك من حق ~~الله , وذكرت إراحة من راح إلى الجهاد في سبيل الله؛ فالله يوفقك في ذلك ~~لرشدك ويتمم لمن نوى الخير أصدق نية ويزيدهم في ذلك بصيرة وبالثواب يقينا ~~أعلم رحمك الله إنك علمت ببيان الله الذي بينه لك ولنا في عهده الذي عهده ~~إليك وإلينا إلى الدعوة التي دعت , والشريعة التي شرعت للجهاد في سبيل الله ~~حتى يكون دين الله هو الظاهر على كل دين , فذلك هو الدين يدان إليه , وهو ~~الرأي المجتمع عليه عند من توجه إلى الله وأراد ثوابه واصطفاه الله حين أمر ~~به وانتخب له المصطفين من عباده لا يكون إلا لهم؛ ولا يقوم إلا بهم , ~~فأولئك لهم نصر الله وعونه وولايته وتوفيقه , وما جعله حقا لأوليائه علمته ~~في الدنيا والآخرة , ولا يصلح إلا من الصالحين من عباد الله؛ وليس كل من ~~استوهب أمرا وهب له , ولا من استأذن في أمر في الدخول دخل فيه , ولكل من ~~ذلك أهل معروفون وناس موصوفون كصفة الأسلاف الماضين من أهل الهدى والسابقة ~~والنيات الصادقة , وهذا أمر يستبين بالنظر والتفكير حتى يؤخذ منه بالثقة في ~~كل أمر , ويبرأ أهله من كل تبعة وينقطع فيه مقال العائب, وتؤمن عواقبه؛ ~~فإذا أتم جميع ما هو محتاج إليه مما لا عنى عنه ولا صلاح إلا به؛ استخر ~~الله في المضي؛ واستعن بالله على العمل به , وليس الذي أمرناك بالنظر فيه ~~من إصلاح الأمر ووضعه موضعه الذي لا يصلح إلا به جهالة منا لفضل ms094 الجهاد ولا ~~لما وعد الله عليه , ولا تثبيطا عن الانبعاث في سبيل الله؛ فيكون كمن صد عن ~~سبيل الله ونهي عبدا إذا صلى؛ ولكن علمنا أن ما مر له منتهي , وأنه قد جاء ~~من الله فيه أمر بيان؛ جعله أثر لأهل الإيمان , ليس لهم أن يجاوزوا عليه ~~فيه ولا يتعدوه إلى غيره , فإن كان المتأملون لهذا الأمر الراغبون فيه قد ~~حل لهم المضي لهذا المر بمعرفتكم بحسن حالهم , وأنتم وراءهم الصالحون أمناء ~~على ما قد يغيب عنك من فعلهم PageV01P116 وسيرتهم , لأنهم منك ومصدرهم من ~~عندك , والمأمور في أمر الأمر وله من أجره ووزره. # فانظر رحمك الله في أمر قد أتاك النظر فيه , ومن هذا الأمر نظرا بالغا ~~حتى تعدل وتصلح ثم اغتنم منه ما حضر؛ وأعن عليه من فيه استنصر , وأمدهم ~~بآلتهم ولا تألهم من الإصلاح وإراشة الجناح , فإنهم أهل لذلك منك لعظم ~~عنائهم , ولما يرجى من حسن بلائهم , وقد رجوه إن أتم الله في هذا الأمر ~~النية , وبلغ منها إلى الوجه أمنية أن يكون رحمة من الله فتحها وكرامة منه ~~اختص بها من سهل ذلك له ومن عليه , فخذ من ذلك بالثقة واشهد فيه للرشد ~~واسند له الاستقامة والقصد , فإن الله لك ما استهديته وتوكلت عليه , وكفى ~~بالله وكيلا, تولاك الله وحفظك وأحسن بك في جميع أمورك والسلام عليك ورحمة ~~الله وبركاته. # ( بسم الله الرحمن الرحيم ) إلى الإمام عبدالملك بن حميد من هاشم بن ~~غيلان ومحمد بن موسى والأزهر بن علي والعباس بن الأزهر وموسى وحمد ابنى علي ~~وسعيد بن جعفر , سلام عليك فأنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ونوصيك ~~بتقوى الله والقيام لله بسبيل ما جعلك سبيله من الأمر الذي قد أحكم فيه ~~وصيته , وأوضح فيه معرفته , وأخذ فيه من أهله الميثاق الغليظ والعهد ~~الوثيق؛ ولأهله عنده جزاء في العقبى بالوفاء بذلك على ما كلفك في ذلك ~~وبالنقص على قدر ذلك , وكفى بالله مجازيا وغلى الله تصير الأمور. PageV01P117 # أما بعد عافاك الله أيها الإمام وإيانا ms095 عافية تامة برحمته وعافاك وإيانا ~~من النار فإنه الفوز العظيم , كتبنا لك ونحن في عافية ومن قبلنا والله ~~نحمده على ذلك كثيرا , حبب إلينا ما رفعك الله به وأعانك عليه من رشد وصلاح ~~, وتمام نعم الله عليك وعافية الله إياك , وصل إلينا كتابك تذكر فيه وصولنا ~~إليك في الأمر الذي قد عرفته وعرفناه , وكان من ذلك ما أذن الله به إلى ~~منتهى من ذلك بلغ الله فإن الذي استأذنه ([1]) أمر ألزمناه أنفسنا لله ~~ولدينه ورأيناه لنا لازما لا مخرج لنا منه إلا بأدائه إليك ولم نر لأنفسنا ~~كتمانه , ولا التقصير عليك في إبلاغه إليك والنصيحة لك , وذلك إنا وإياك ~~على دين وجبت فيه الحقوق علينا وعليك وبحقوق مؤداة , والحق علينا لك محض ~~النصيحة في كل أمر وأن خالف فيه الهوى , والحق عليك قبول ذلك , وإن استمر ~~مذاقه وثقل حمله , وقد علمت أن منتهى أصل الدين عند ترك النصائح والتولي ~~عنها البراءة والفراق , فعائذون بالله من تلك المنزلة والمصير إليها , وقد ~~رجونا أن لا يبلغ بنا الأمر إلى تلك المنزلة ونحن على طمع من عطف القلوب ~~ومعرفة موقع النصيحة , ولولا الثقة بذلك منك لعسى أنه قد بلغ منك الأمر إلى ~~حقائق الأمور , فنحن منتظرون الذي يرضى الله ولدينه غير مؤيسين من ذلك ~~لمعرفتنا تقديمك والذي نتوهم عليك فيه إنك تزول إليه من بعد هذه الحال من ~~الأمر الذي في الدين أصفى والله أرضى وأحب الأمر إلينا فيه تمام ما أنعم ~~الله علينا وعليك من المواد والمحاب في ذلك , وذلك الذي يسرنا وتقر به ~~أعيننا وكراهيتنا لغير ذلك غير أنا لا نريد على الله أحدا. PageV01P118 # وذكرت قبول رأيا في الذي نصحنا لك فيه , فذلك الذي أردنا وهو اجتهاد منا ~~وقبول ذلك بالفعل لا بالقول؛ لأنه لا ينفع تكلم لا نفاذ به , وقد أعلمناك ~~عزم رأينا فيما لقيناك به ولم يتعقبه إلا بمثله ولم يتحول إلى غيره , لأنا ~~نرى أنها نصيحة ولعمري لأن فكرت في هذا الأمر ببصرك لترين منفعة في دنياك ( ~~نسخة ms096 دينك ) وعاقبة أمرك أكثر من مضرته إن شاء الله , ولسنا نهديك إلا إلى ~~ما نرجو به السلامة عند ربك؛ فإن تقبل فهي رحمة من الله قد رجوناها لك , ~~وإن ترد ذلك بوجه من الوجوه فإنا نرى الذي نصحناك فيه أمرناك به هو الحق , ~~ومن كره الحق فإنما يكره الله لأن الله هو الحق المبين. # وأعلم أنا قد خفنا أن يكون إنما يجري ضياع ما يسدي إليك من نصيحة أو ~~موعظة على يدي رجال قد نالوا منك إصغاء وقبولا منك لرأيهم على وجه حسن الظن ~~منك بهم , ولعمري إن الأمور المكشوفة واضحة بما هي عليه , فعليك بتقوى الله ~~والقصد إلى الحق , وما نرى إنك تحمله فقد بلغت بك السن إلى غاية الكفاية ~~والانقطاع بما جرى عليك وفقك الله والسلام عليك ورحمة الله. # ( بسم الله الرحمن الرحيم ) # هذا كتاب موسى إلى الإمام PageV01P119 أوصيك ونفسي بتقوى لله وطاعته ~~والاجتهاد لله في إقامة ما ابتلاك بإقامته وحفظ ما استحفظك من أمانته , ~~فإنك من يحق عليه الله الاجتهاد به صلاحك في المعاد فكن بذلك دائنا ولو ~~تكون بنفسك به ثابتا إلا من وجد معك في ذلك وسايرك وعاونك على ذلك وناصرك , ~~ولست على شيء حتى تقيم كل شيء مقامه؛ وتبلغ من كل أمر تمامه , وتأخذ منه ~~بالمعرفة واليقين , وتكون منه على الحق المبين الذي لا ترى فيه شكا , ولا ~~تخاف على نفسك هلكا , ولا يرتاب فيه من يرتاب ولا يعيبك فيه من عاب , فإن ~~الله جعلك على أمر مبرأ من اللبس , مطهر من الدنس , وجعل أهله من ذلك ~~أبرياء قد ارتضاهم ورضي عنهم وهم ولاة أمانته وأهل ولايته , لهم وراثة ~~الأرض وأئمة الهدى يحكمون بالحق وبه يعدلون , قد استضاءت علانيتهم بضياء ~~سريرتهم , وطاب ثناهم بطيب أعمالهم , لهم في الناس أمانة وللقلوب بهم ~~طمأنينة , ولا تحسن القلوب تهمتهم ولا تنكر معرفتهم ولا تتحرج لهم الصدور , ~~ولا تستنكر منهم الأمور , وإنما أبدي ذلك لهم وأظهر وأضاءه لهم ونوره الذي ~~أسروه من البر والتقوى , وكذلك من أسر خلاف ms097 ما أظهر قربت منه الظنون , قال ~~فيه القائلون؛ والمرء من بيانه قريب , وهو لعلمه نسيب , وعلى ما أطاع الله ~~ورأى وأظهر لهم من الثناء جرت الولاية وانقطعت وأديت الحقوق ومنعت , فحق ~~على من كان من ذلك على بينة ومعرفة أن لا يخاف في ذلك لومة لائم , ولا ~~مخافة , وأن يعمل بما يبصر ويدع ما ينكر ولا يعمل بتبذير ولا يدخل نفسه في ~~تغرير , فإنها شريعة ليست بمستحيفة وحمالة ليست بخفيفة , برأ أهلها من ~~الحرج وعدلهم من العوج , ولم يرض لهم بالأخذ بالريبة ولا بنزول رفاهية ولا ~~بموافقة رضاء ولا بإعراض ولا إغضاء عن الحذر لأهل الفتنة والاحتراس منهم في ~~السر والعلانية, بل عرف عدواتهم وحذر طاعتهم ونحلهم الخيانة ومنعهم الأمانة ~~, وتقدم فيهم على نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا يتخذ منهم وليا ولا نصيرا ~~ولا عضدا ولا PageV01P120 مشيرا؛ تطهيرا لدينه وتعظيما لحرماته أن لا يتولى ~~من لا يرعاه؛ ولا يدين له بتقواه؛ ولقد برأ الله من ذلك بيته الحرام وجميع ~~حرم الإسلام حيث يقول في بيته ( وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ). # فالإسلام من الله بمكان رفيع في عز منيع من أهل الريب والأدناس أن يكون ~~لهم سبب سلطان بيد ولا بلسان فيخرقوا ستوره ويطفؤا نوره ويضيعوا مناره , ~~ويطمسوا آثاره , فأبى الله ذلك لهم وحماه عنهم وولاه الله الذين يتطهرون ~~بطهوره ويستضيئون بنوره , ويرعونه حق رعايته ويدينون الله بمخافته فأولئك ~~أولياؤه من الناس وبهم حق الاعتصام والاستئناس لا يلتجئ في الأمور إلا بهم ~~, ولا تحل الأمانة إلا لهم , فأحق من كان له مانعا وعنه دافعا لمن جعل الله ~~له السبيل إلى ذلك بالقدرة وهداه بالنور والبصيرة؛ فهم الذين يحيون سنته ~~ويظهرون ملته ويتوجعون له ويجزعون ولا يرضون له بتضييع ولا يجعلونه في مضيع ~~, ويحمونه ممن يشيعه ويمنعونه ممن يضيعه , ويرون أن تماما انتقض منهم ~~فإليهم يطلب وما ضاع منهم فإياهم يعاتب , وذلك الذي جعله الله في أعناقهم ~~وأخذ من ميثاقهم على القيام له بقسطه؛ والوفاء له بشرطه الذي ms098 عهده إليهم ~~وأوجبه حقا عليهم؛ فهذا أمر محفوظ له مخشي فيه الله معمول فيه لله ولأهله ~~فيه إلى الله إياب وفيه سؤال وحساب؛ فجنبك الله وإيانا من ذلك عسره. وجعل ~~لنا ولك بسره؛ وإنا لرحمته راجون وإليه محتاجون. # ( PageV01P121 أما بعد ) عافاك الله أيها الإمام من كل بلاء ووقاك كل سوء ~~في الآخرة والأولى , وفعل لنا مثل ذلك إنه فعال لما يشاء؛ كتبت إليك وأنا ~~في عافية ومن قبلي. والله المحمود على ذلك وعلى كل نعمة؛ وأمر حبب إلى ~~بقاؤك في سلامة وفي استقامة وزيادة من الله وكرامة , ووفقك في جميع الأمور ~~لما يرضى الله به عنك وإنا لذلك محبون؛ ولما خالف من ذلك كارهون؛ وعافية ~~الله وإياك وأهل ذلك؛ أنت الذي جعل الله من دينه وأهل دينه؛ وأصلح الله بك ~~العباد وجعلك المرشد الهادي , وأعلم رحمك الله إنك بمكان لا يحل فيه خذلانك ~~ولا كتمانك في معونة على صواب؛ ولا نصيحة في خطأ؛ وقد نكره من خطئك كما نسر ~~به من صوابك؛ ونصيحتك علينا حق وغيبتك علينا حرام؛ ولا ينبغي لنا تركك ولا ~~قطع النصيحة عنك , وإن أعرضت عن شيء من ذلك فاخترت عليه غيره ولا يحسن ظننا ~~بك نرى إنك تنظر لنفسك كما ننظر لك وتختار لها كما نختار لك , وذلك قد يكون ~~في وجوه ولا يكون في أخرى؛ فأما كل أمر قدم لك صدره وظهر لك خبره فذلك ليس ~~فيه اختيار وأسلم لك الإمساك عنه والفرار منه. وأما ما استقبلت من الأمر ~~فقد يكون لك في ذلك مذهب لرجية ترجوها ومظنة تظنها؛ وأول الأمر بك أن لا ~~تأخذ لنفسك في هذا الأمر إلا الثقة ولا تقلد دينك بالعذر فيمن ائتمنته ~~ووليته وتكون منزلته ولا ينزلها منك إلا بعلمك ومعرفتك له علما لا يشوبه ~~كدر جهل , أو يصح ذلك عندك صحة تكون عندك كقولك تأخذ ذلك ممن يخاف الله في ~~إشارته, ويرى لك مثل ما يراه لنفسه , فذلك العصمة لك إن شاء الله فيما ترجو ~~به نجاة نفسك؛ فانظر ms099 في ذلك نظر الله لك؛ فأما كل من قربت تهمته أو تكلم ~~بكلام أو كلمة مما إن كان ذلك حقا كانت ولايته مؤتمنة فأحق من عاقبت نفسك ~~منه ولا يعيبك فيه من الناس مقال ولا من الله سؤال فإنا نكره كل ذلك ونشفق ~~منه عليك على قلة المشفقين. PageV01P122 # وأعلم رحمك الله إنا إخوانك المشفقون عليك قد قلت ثقتهم بشأنك اليوم وأهل ~~أمانتك التي أنت عليها اليوم عزيز , والذي نراه لك إذا اهتممت بولاية أن ~~تتبين فيه أكثر من استخارة الله وتشير على ثقات إخوانك العالمين بالرجال ~~الذي تريد أن توليه؛ فإنا عند ذلك نرجو لك التوفيق ويزول العذر عند الله ~~فيه من مبالغتك في طلب عدله؛ والله عند نيتك وإرادتك؛ ولا تستغن في ذلك ~~بقول رجل دون آخر وإن كان ناصحا فإنك عسى أن تجد عند هذا من العلم بالرجل ~~مالا تجد عند هذا , فيأتي في ذلك الذي أسلم لك في دينك , وقد يدخل في هذا ~~الأمر رجال يأتونك من طريق النصيحة لك ممن يجوز قوله عندك يزينون رجالا ~~ويشيرون بولايتهم؛ فاستوحش رحمك الله من تلك الشورى ولا تعمل بها في الدين ~~إلا من أهله؛ وليكن الذي تعمل به وتسأل عنه أنت لنفسك وتعرفه بمعرفتك , ~~وأعلم رحمك الله أن كتابي هذا عام لجميع ذلك ومما دعاني إلى الكتاب إليك ~~ولاية رجل أتانا أحببنا إلقاءه إليك من كراهية من كره ولايته , فكرهنا ما ~~كره المسلمون من ذلك , ورأيت الكتاب فيه إليك للقول الذي قيل والسلامة وغنى ~~يغنيك الله بمن هو أفضل وآمن لك في العاقبة عما ترتاب به. وقال المسلمون ~~ولا خير في الريبة. PageV01P123 # أعلم رحمك الله إني أحب تعجيل عافيتك منه فإنا نحب لك العافية وأخاف أن ~~تكون ولايته مأثما وعيبا. ونحن نكره لك المأثم والعيب؛ فإن قبلت رأيي أن لا ~~توليه وأنا أعوذ بالله من خيانتك وغشك في رأى أو نصيحة أسديت بها إليك ~~وأرجو أن يكون كتابي نصيحة لله ولدينه ولإمام المسلمين؛ وهي الحقوق العظيمة ~~علينا الحرم المحفوظة ms100 لربنا والخائن الغاش لله ولأئمة العدل؛ فقد احتمل ~~حوبا كثيرا. أنظر رحمك الله في الذي كتبت به إليك فإنه وسيلة مني أسأل الله ~~قبولها؛ وحق أديته إلى الله وإلى الله تصير الأمور؛ وحسبك الله وإيانا ونعم ~~الحسيب والمولى والنصير , والسلام عليك ورحمة الله وبركاته؛ وصلى الله على ~~سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم. # ---------------------------------------------------------------------- ~~---------- # [1] - تحريف بالأصل. # باب إمامة المهنا بن جيفر # وهو من اليحمد بويع له يوم الجمعة لثلاث خلون من رجب سنة ست وعشرين ~~ومائتين , وهو اليوم الذي مات عبدالملك فيه ليلته , بايعه موسى بن علي رحمه ~~الله عن مشورة من المسلمين على طاعة الله وطاعة رسوله والأمر بالمعروف ~~والنهي عن المنكر , فوطأ آثار المسلمين وسار سيرتهم. # قال أبو الحسن: قام المهنا بالحق ما شاء الله إلى أن مات , والمسلمون له ~~مجمعون وبأمره يعملون؛ والولاة في أيامه هم الصادقون؛ لم نعلم أن أحدا أظهر ~~عليه منكرا؛ قال وقد قيل إن بعد موته تكلم بعض المسلمين فيه بشيء يكره؛ ~~فقيل إن محمد بن محبوب تجهم في وجه ذلك الرجل وأسمعه كلاما وزجره عن ذلك. PageV01P124 # وكان المهنا رجلا مهيبا وكان له حزم في رأيه وكان لا يتكلم أحد في مجلسه ~~ولا يعين خصما على خصم , ولا يقوم أحد من أعوانه ما دام قاعدا حتى ينهض ولا ~~يدخل أحد العسكر ممن يأخذ النفقة إلا بالسلاح؛ وكان له ناب يفتر عنه إذا ~~غضب فتظهر منه هيبة عظيمة , واجتمعت له من القوة والبرية والبحرية ما شاء ~~الله قيل إنه اجتمع له في البحر ثلاثمائة مركب مهيأة لحرب العدو , وكان ~~عنده بنزوى سبعمائة ناقة وستمائة فرس تركب عند أول صارخ , فما ظنك بباقي ~~الخيل والركاب في سائر ممالكه. # وقال العلامة الصبحي؛ بلغني أنه كان عند المهنا بن جعفر تسعة آلاف مطية ~~أو ثمانية آلاف مطية , قال ولعلها لبيت المال فيما يحكى عنه ثقات المسلمين ~~, وكانت عساكره بنزوى عشرة آلاف مقاتل , وهؤلاء بنزوى خاصة , فكيف بعساكر ~~غيرها , وكثرت الرعايا في زمانه حتى بلغ سكان سعال ms101 وهي محلة من نزوى وأربعة ~~عشر ألفا. PageV01P125 # قال عبدالله بن جعفر الضنكي: كان الإمام المهنا قد أسن كبر حتى أقعد ~~فاجتمع إلى موسى جماعة من الناس وهو يومئذ قاض فقالوا له إن هذا الرجل قد ~~أسن وضعف عن القيام بهذا الأمر؛ فلو اجتمع الناس على إمام يقيمونه مكانه ~~كان أضبط وأقوى على ذلك , فخرج موسى بن علي حتى وصل إلى الإمام فلما دخل ~~عليه جعل يسأله وينظر حاله فعرف الإمام معناه؛ فقال يا أبا علي جئت إلى ~~والله لأن أطعت أهل عمان على ما يريدون لا أقام إمام معهم سنة واحدة , ~~وليجعل لكل حين إمام يولون غيره ارجع إلى موضعك فما أذنت لك في الوصول ولا ~~استأذنتني ولا تقم بعد هذا القول , قيل فخرج موسى بن علي من حينه , ولم ~~يلبث أن مات موسى ومات الإمام بعده؛ وكانت وفاة موسى رحمه الله لثمان ليال ~~خلون من ربيع الأول سنة ثلاثين ومائتين؛ وكان مولده ليلة العاشر من جمادي ~~الأخرى سنة سبع وسبعين ومائة فيكون قد عاش رحمه الله ثلاثا وخمسين سنة؛ وفي ~~بعض الكتب أن وفاته كانت سنة إحدى وثلاثين ومائتين وأنه عاش ثلاثين سنة ~~والأول أثبت والله أعلم وتوفي الإمام رحمه الله يوم الجمعة والناس في ~~المسجد قد حضروا لصلاة الجمعة بعد الأذان فصلى بالناس ذلك اليوم خالد بن ~~محمد المعدي. # وفي بعض الأثر كان الإمام مريضا وقام الخطيب على المنبر فبينما هو في ~~الخطبة إذ جاء رجل فأخبرهم بموت الإمام؛ فقطع الخطيب الخطبة وصلى على النبي ~~صلى الله عليه وسلم ودعا ونزل من المنبر , وصلوا أربع ركعات؛ قال: وأحسب ~~أنه كان في المسجد محمد بن محبوب ومحمد بن علي ولم أبصرهما ولكن توهمت ذلك ~~لأنهم اجتمعوا في بيت المشورة فيمن يقدمونه إماما قال واحسب أنه قد كان في ~~المسجد هلال بن منير , وذلك لست عشرة خلت من ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين ~~ومائتين , فصلى عليه ابنه جيفر بن المهنا وبويع للصلت بن مالك ذلك اليوم ~~قبل غروب الشمس وكانت ms102 إمامة المهنا عشر سنين وتسعة أشهر وأربعة عشر يوما. PageV01P126 # وكان في حياته قد استعمل على صدقة الماشية عبدالله بن سليمان وهو رجل من ~~بني ضبة من أهل منح؛ وكان يسكن عز فقيل أنه دخل أرض مهرة مصدقا ووصل إلى ~~رجل منهم يقال له وسيم بن جعفر وقد وجبت عليه فريضتان , فامتنع إلا أن يعطى ~~فريضة واحدة فقال إن شئت أن تأخذ فريضة واحدة وإلا فانظر إلى قبور أصحابكم ~~, ولعله يريد قبور من قتل هناك من الشراة أيام عبدالملك؛ فقد وقع بين ~~الإمام وبعض مهرة حرب فأرسل إليهم السرايا حتى أذعنوا فسكت عنه عبدالله ~~ورجع , وكان عنده جمال فلما وصل إلى عز تأخر عبدالله في عز وأرسل الجمال ~~إلى الإمام فقدم عليه وهو في مجلسه؛ فلما ارتفع عن مجلسه دعا بالجمال فسأله ~~عن عبدالله وكيف كان في سفره فأخبره بما كان من وسيم؛ فقال الإمام للجمال ~~لا تخبر أحدا بما أخبرتني واكتم ذلك وأكد عليه في ذلك فلما وصل عبدالله بن ~~سليمان سأله الإمام عن خبر وسيم فأخبره بمثل ما أخبره الجمال فكتب الإمام ~~من وقته إلى والي أدم ووالي سناو ووالي جعلان أن إذا ظفرتم بوسيم بن جعفر ~~المهري فاستوثقوا منه وأعلموني فكتب إليه والي أدم أني قد استوثقت منه وأنه ~~قد حصل فأنفذ إليه الإمام يحيي اليحمدي المعروف بأبي المقارش مع جماعة من ~~أصحاب الخيل ثم أنفذ كتيبة أخرى فلقوهم بالمنائف , ثم أنفذ كتيبة أخرى ~~فلقوهم في قرية عز ثم أنفذ كتيبة أخرى فقلوهم في قرية منح؛ فلم تزل الكتائب ~~تتراسل والرماح تحتمله حتى وصلوا به إلى نزوى فأمر الإمام بحبسه فمكث سنة ~~لا يقدر أحد أن يذكر فيه ولا يسأل عن أمره حتى وصل جماعة من المهرة ~~فاستعانوا على المهنا بوجوه اليحمد فأجابهم إلى إطلاقه؛ وشرط عليهم ثلاث ~~خصال: إما أن يرتحلوا من عمان وإما أن يأذنوا بالحرب وإما أن يحضروا ~~الماشية كل حول إلى عسكر نزوى وتشهد على حضورها العدول أنه لم يتخلف منها ~~شيء ونعدل الشهود ms103 المعدلون بأدم فقالوا: أما الارتحال فلا يمكننا وأما ~~الحرب فلسنا نحارب الإمام وإما الإبل فنحن نحضرها؛ فعند PageV01P127 ذلك ~~عدل الإمام الشهود فكانوا يحضرون إبلهم في كل سنة تدور. # وفي زمانه طعن رجل رجلا فأمر به الإمام فجلد تسعين سوطا وقال تسفك دماء ~~المسلمين على بابي؛ وذلك على قول من لم يحد للتعذير حدا وأن زاد عن قدر ~~الحد؛ ونحوه ما ذكره أبو المؤثر أن الإمام الصلت ضرب عبدالله بن نضر خمسين ~~سوطا قال ولا نعلم أن أحدا من المسلمين عاب عليه. # وكان أبو مروان عاملا للمهنا على صحار , وكان يشدد على المخالفين أن ~~يظهروا بدعتهم كالقنوت وتقديم تكبيرة الإحرام على التوجيه ورفع الأيدي في ~~الصلاة لأن هذا كله مما خالفوا المسلمين فيه بتأويل الخطأ ( قلت ) إلا ~~تقديم تكبيرة الإحرام على التوجيه؛ فإن فيه قولا بجوازه في المذهب , لكن لم ~~يعلموا به , وإنما عمل به المخالفون , فصار ذلك من جملة شعارهم , فلهذا شدد ~~عليهم في إظهاره والله أعلم. # وفي زمانه رحمه الله تحرك بنو الجلندي , ورأسهم يومئذ المغيرة بن روشن ~~الجلندي وشايعهم ناس من أهل الفتنة , فدخلوا توام وكان أبو الوضاح واليا ~~للإمام عليها فقتلوه رحمه الله؛ وأرسل الإمام إليهم جمعا ولى عليهم الصقر ~~ابن عزان. # وكان أبو مروان رحمه الله واليا للإمام على صحار , فسار أبو مروان بمن ~~عنده من الناس وسار معهم المطار الهندي ومن معه من الهند؛ وبلغ الجيش فيما ~~قيل اثنا عشر ألفا , فقتل من قتل من البغاة؛ وهزم الله جمعهم , وهرب منهم ~~من هرب. وفرق الله شملهم , وعمد المطار الهندي ومن معه من سفهاء الجيش إلى ~~دور بني الجلندي فأحرقها بالنيران , وفي الدور الدواب مربوطة من البقر ~~وغيرها. وكان رجل من السرية يلقي نفسه في الفلج حتى يبتل بدنه وثيابه ثم ~~يمضي في النار حتى يقطع عن الدواب حبالها وتنجو بنفسها من النار , فقيل ~~إنهم أحرقوا خمسين غرفة أو سبعين. PageV01P128 # وقيل إن نسوه من أهل الجلندي خرجن هاربات على وجوههن إلى الصحراء فلبثن ~~بها ما شاء ms104 الله واحتجن إلى الطعام والشراب ومعهن أمة فانطلقت الأمة إلى ~~القرية في الليل تلتمس لهن طعاما وشرابا فلما وصلت وجدت شيئا من السويق ~~وسقاء من أسقية اللبن وكسر أناء فعمدت إلى الفلج فحملت في سقائها من الماء ~~, وأبصرها رجل من السرية , فتوجهت الأمة إلى النسوة بذلك السويق والماء , ~~فأدركها الرجل فعمد إلى السويق فأخذه فصبه في الرمل وعمد إلى الماء فراقه ~~ثم انصرف عنهن وخلى النسوة بضرهن. # قال أبو الحواري: فلم يقل لنا أحد أن أبا مروان أمر بذلك ولا نهى عنه قال ~~ولعله قد نهي عنه ولم يسمع , قال ثم بلغنا أن الإمام بعد ذلك بعث رجلين إلى ~~توام إلى القوم الذين احترقت منازلهم إلى الإنصاف ويعطونهم ما وجب لهم من ~~الحق والله أعلم. # وفي زمانه وقع الكلام بعمان في خلق القرآن وهي مسألة جئ بها من البصرة ~~فانتشر الكلام فيها وعظمت بها البلية في عمان وغيرها , وسببها شبهة ألقاها ~~إلى أهل الحديث في البصرة أبو شاكر الديصاني وكان ممن يقول بقدم الأشياء , ~~فحسد المسلمين على حسن الحال الذي رآه فيهم فأظهر الزهد والتقشف , ثم ألقى ~~إليهم أن القرآن قديم ليس بمخلوق فقبلها قوم وأنكرها آخرون وانتشرت في ~~الآفاق وتكلم فيها علماء الأمطار. PageV01P129 # قال الفضل بن الحواري اجتمع الأشياخ بدما في منزل منهم أبو زياد وسعيد ~~ابن محرز ومحمد بن هاشم بن محمد بن محبوب وغيرهم من الأشياخ , فتذاكروا في ~~القرآن فقال محمد بن محبوب أنا أقول إن القرآن مخلوق فغضب محمد بن هاشم ~~وقال أنا أخرج من عمان ولا أقيم بها , فظن محمد بن محبوب أنه يعرض به , ~~فقال بل أنا أولى بالخروج من عمان لأني فيها غريب؛ فخرج محمد بن هاشم من ~~البيت وهو يقول ليتني مت قبل اليوم , ثم تفرقوا ثم اجتمعوا بعد ذلك ثم رجع ~~محمد بن محبوب عن قوله واجتمع من قولهم إن الله خالق كل شيء وما سوى الله ~~مخلوق وإن القرآن كلام الله ووحيه وكتابه وتنزيله على محمد صلى الله عليه ~~وسلم ms105 ؛ وأمروا الإمام المهنا بالشد على من يقول أن القرآن مخلوق أ. ه كلام ~~الفضل بن الحواري. # وظاهره أن الأشياخ توقفوا عن إطلاق القول بخلق القرآن وأمروا بالشد على ~~من أطلق وأدخلوه تحت معنى الآية من قوله تعالى ( خالق كل شيء ) فيستلزم أنه ~~من جملة الأشياء المخلوقة لكن لا يصرحون بذلك نطقا فرارا من مقالة الجهمية ~~القائلين بالمقالة الباطلة المفترين على الله في صفاته , الزاعمين إن صفات ~~الذات حادثة تعالى عما يقول المبطلون علوا كبيرا , فخالف الأشياخ أن تكون ~~هذه المسألة مفرعة على اعتقاد الجهمية بحدوث الصفات الذاتية فتوقفوا عن ~~إطلاق القول بخلق القرآن صرحا مع اعتقادهم الحق في حكمة بإدخاله في جملة ~~المخلوقات اعتقادا. PageV01P130 # فهذا هو المعنى الذي لخطوه , ولم يكن مرادهم نفي حقيقة الخلق عن الكتب ~~المنزلة ولا أرادوا إثبات قديم مع الله حاشاهم عن ذلك , وأن الذي لخطوه ~~لمعنى دقيق لا يسقط على فهمه إلا من منحه الله تعالى من مواهبه , وقد تبين ~~لأبي عبدالله الفرق بين هذه المقالة وهي القول بخلق القرآن وبين مقالة ~~الجهمية بحدوث الصفات الذاتية فقال القرآن مخلوق , فلما رأى أن أصحابه لا ~~يوافقونه على هذا التصريح تركه ورجع إلى الإجمال الذي اتفقوا عليه , إذ ليس ~~في ترك التصريح بذلك محذور لدخول القرآن تحت الإجمال وهي العقيدة التي كان ~~عليها السلف وحصلت بها السلامة العامة , وإنما المحذور كل المحذور في إنكار ~~صفة الخلق عن القرآن وإعطائه صفة القديم تعالى , فتفطن لهذا المقام فإنه ~~منزلة الأقدام ومضلة الأفهام والله ولي التوفيق. # وفي زمانه اختلف في البصرة محبوب بن الرحيل وهرون بن اليمان في مسائل ~~خالف فيها هرون قول المسلمين , وكانت أئمته فيها الشعيبية , وكتب كل واحد ~~من محبوب وهرون رسائل إلى المهنا وإلى حضرموت , وهي سير مأثورة موجودة نقض ~~فيها كل واحد على صاحبه ما قال به وكان الحق فيها مع محبوب فأخذت به عمان ~~وحضرموت وتابعت اليمن هرون ولله الأمر. # وللإمام المهنا رحمه الله سيرة إلى معاذ بن حرب بين فيها معالم الإسلام ~~ووصف ms106 فيها طريق الاستقامة وهي سيرة موجودة تدل على غزارة علمه وفرط ذكائه ~~وقوة فهمه , والعلم لله. # ذكر ما وقع من الكلام في المهنا بعد موته PageV01P131 قال أبو الحواري ~~وقد كان محمد بن محبوب وبشير بن المنذر ومن قال بقولهم يبرؤون من الإمام ~~المهنا في ما بلغنا حتى مات , قال وكثير من المسلمين على إمامة المهنا , ~~قال: وكان محمد بن علي وأبو مروان ومن قال بقولهم مستمسكين بإمامة المهنا ~~حتى مات. وكان محمد بن علي له قاضيا. وكان أبو مروان له واليا على صحار. ~~وكان زياد بن الوضاح معديا لأبي مروان بصحار وكان خالد بن محمد معديا ~~للمهنا بنزوى. وكان الصقر بن عزان من قواده وأعوانه وكان المنذر بن ~~عبدالعزيز من ولاته وغيرهم من كبار المسلمين وعلمائهم لا يضلل بعضهم بعضا. # قال وكان مع الإمام المهنا من الأحداث في ذلك الزمان ما تضيق به الصدور؛ ~~وتستوحش منه القلوب وتقشر منه الجلود من القتل والحرق , وطائفة من المسلمين ~~في السجن والقيود ولا يقبل منهم شفاعة ولا يؤخذ منهم بالصحة فيما بلغنا إلا ~~ما قاله من خيف على الدولة أكل ماله في السجن؛ يعني أنه يودع السجن وينفق ~~عليه من ماله حتى يأكل قال ففارقه من فارقه من المسلمين على تلك الأحداث ~~وصاحبه من صحابة المسلمين لا يعلم بينهم فرقة. # قال: وبلغنا أن رجلا أظهر البراءة من الإمام المهنا بعد موته مع محمد بن ~~محبوب وكان لمحمد بن محبوب الطولة في ذلك اليوم مع الصلت بن مالك , فاشتد ~~ذلك على محمد بن محبوب وغضب من ذلك غضبا شديدا؛ وكان من محمد بن محبوب رحمة ~~الله إلى الرجل من الكلام فيما بلغنا حتى أفحمة. قال وإنما الرجل على إظهار ~~البراءة لما يغرف في محمد بن محبوب من الموافقة على ذالك فلم يقبل منه محمد ~~ذلك ونبذه وأبعده , واسمعه من كلام الجفاء بين الناس. قال وكانت العامة على ~~ولاية المهنا فلذلك غضب محمد بن محبوب على الرجل. PageV01P132 # قال ولم يحمل محمد بن محبوب الناس على ms107 علمه في المهنا , وقال إنما ذلك ~~لمن ناظر الإمام؛ أي خاطبه في الحديث المنكر وعرف عذره وعدم عذره في ذلك؛ ~~فإن تبين انه معصية استتابه فإن أبي برئ منه سرا في نفسه إنه كان الحدث ~~والإصرار لم يشتهر عند العامة لأنه إمامهم وعليهم ولايته ومناصرته , ~~والمدعى عليه خلاف ذلك لا يسمع. # وكأن هذا الإنكار من ابن محبوب إلى الرجل إنما كان بعد استقرار الأمر إلى ~~المهنا على ولايته وإمامته. فإن المتبرئ منه بسبب علمه لا يظهر براءته عند ~~الناس فإنهم قد هموا قبل ذلك بأمر ثم تركوه حين رأوا الصواب في تركه. # قال أبو الحواري: كتب بعض المسلمين من أهل العلم إلى بعض أنه حدثه بعض من ~~لا يتهمه أن محمد بن محبوب والوضاح بن عقبة وسعيد بن محرز وغيرهم من أعلام ~~المسلمين رحمة الله عليهم أجمعين اجتمعوا ذات يوم وكتبوا كتابا قالوا فيه: ~~إلى من بلغه كتابهم من المسلمين من أهل عمان؛ سلام عيكم , فإن نعلمكم أنه ~~قد كان من فلان الإمام؛ يريدون أن يظهروا لهم ما قد ظهر لهم؛ ويعلونهم أنهم ~~لا يتلونه على ذلك ولا يتولون من علم منه ذلك , ثم جاءهم أبو المؤثر الصلت ~~بن خميس رحمه الله فقال لهم: أرأيتم من كنتم تتولونه من أخوانكم وهو متمسك ~~بولاية هذا الإمام الذي قد ظهر لكم منه ما قد ظهر؛ أليس هم على ولايتهم ~~معكم حتى تقوم الحجة عليهم بمعرفة حدثه أو بإقامتكم الحجة عليهم بالذي كان ~~منه؛ فإن نسألك بالله يا أبا عبدالله لما أمسكتم كنا بكم , فإنه لا يعدم من ~~مجادلة فتفترق أهل عمان؛ وغنما هذا إحداث لا ينتحل خلاف دعوتكم ولا يدعوا ~~إلى بدعة شرعها , وإنما هو اقتراف ذنب أعجب به فلم يقبل منكم النصح فيه ~~فباينتموه عليه ولج هو؛ فأمسكوا كتابكم ففعلوا وقبلوا نصيحته وأمسكوا عماهم ~~عليه؛ وكان ذلك إلى اليوم غير متنازع فيه. PageV01P133 # قلت: وذلك يدل على بقاء الإمام على ولايته وإمامته كما عليه حال العامة ~~في حقه , وكل واحد مخصوص بعلمه ms108 , وقد انقرض من علم منه ما لا يحسن؛ وبقيت ~~أخبار الخير منتشرة له وذكره الناس بالثناء , فلا يحل لأحد اليوم منه ~~البراءة ظاهرا ولا خفية؛ وكذلك لا يحل لمن كان في ذلك الزمان أن يظهر ~~البراءة منه عند العامة ولو علم من الأسباب ما يستوجب به البراءة. # باب إمامة الصلت بن مالك الخروصي رحمه الله تعالى # وهو من اليحمد بويع له يوم الجمعة قبل غروب الشمس لستة خلت من ربيع الآخر ~~سنة سبع وثلاثين ومائتين , وهو اليوم الذي مات فيه المهنا رحمه الله وقام ~~له بالبيعة بشير بن المنذر ومحمد بن محبوب. # قال أبو المؤثر: كنا في المشورة ولما مات المهنا فوقع في ثوبي دم؛ قال ~~فذهبت أغسله فرجعت وقد بايعوا للصلت؛ أو قال قد انقطعت الأمور؛ فسأل أو قال ~~لي - يعني أبا عبدالله - أين كنت أو ما أخرجك من الناس؟ فقلت وقع في ثوبي ~~دم فذهبت أغسله فاستتابني. # قال أبو المؤثر: وكان المشهور فيهم يومئذ محمد بن علي القاضي وسليمان بن ~~الحكم الوضاح بن عقبة ومحمد بن محبوب وزياد بن الوضاح. قال ومنهم أناس من ~~أهل العلم والفضل وإن لم يبلغوا مبلغهم في العلم , منهم بشير بن المنذر كان ~~سيدا من سادات المسلمين بعزمه وقوته على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ~~وزياد بن مثوبة والمنذر بن بشير ورباط بن المنذر ومحمد بن أبي حذيفة , ~~وهاشم بن الجهم وعبيدالله بن الحكم وعلي بن صالح وعلي بن خالد والحسن بن ~~هاشم منهم من شهد البيعة ومنهم من غاب عنها. ولم يعلم منهم خلاف عليهم. # قال: إلا أن محمد بن علي وبشير بن المنذر ومحمد والمعلى بن منير ~~وعبيدالله بن الحكم كانوا هم المقدمين في البيعة للصلت بن مالك رحمه الله ~~مع من حضرهم من المسلمين؛ فبايعوا للصلت بن مالك رحمه الله وقدموه وسلم ~~الناس لهم وسمعوا وأطاعوا. PageV01P134 # قال أبو قحطان: أجمعوا على إمامة الصلت وولايته وولاية من قدمه من ~~المسلمين. قال وأجمعوا على نصرته وتحريم غيبته والامتناع من طاعته. # وقال في ms109 موضع آخر: ثم ولى المسلمون الصلت بن مالك وكان يومئذ بقايا من ~~أشياخ المسلمين وفقهائهم رحمة الله عليهم وإمامهم يومئذ محمد بن محبوب رحمه ~~الله وغفر له , فبايعوه على ما بويع عليه أهل العدل قبله؛ فسار الصلت بن ~~مالك بالحق في عمان ما شاء الله حتى فني أشياخ المسلمين جملة الذين بايعوه؛ ~~لا نعلم أن أحدا منهم فارقه وعمر الصلت بن مالك في إمامته ما لم يعمر إمام ~~من أئمة المسلمين فيما علمنا حتى كبر ونشأ في الدولة شباب وناس يتخشعون من ~~غير ورع , يظهرون حب الدين ويبطنون حب الدنيا ويأكلون الدنيا بالدين , فلما ~~طال عمر الصلت بن مالك عليهم ملوه لما كبر وضعف. # قال: وإنما كانت ضعفته من قبل الرجلين. أما السمع والبصر والعقل واللسان ~~فلم نعلم أنه ضاع منه شيء ولا نقص منه شيء... هذا كلامه وسيأتي أنه كان ~~يبرأ ممن عزل الصلت. # وكان أبو مروان رحمه الله تعالى واليا للمهنا على صحار فعزله الصلت؛ فخرج ~~أبو مروان إلى نزوى فأقام بها حتى توفي وولى الصلت بن مالك صحار محمد بن ~~الأزهر العبدي , وقدم محمد بن محبوب صحار في سنة تسع وأربعين ومائتين فولى ~~القضاء بها. # وفي سنة إحدى وخمسين ومائتين كان بصحار وبعمان السيل الكثير المذكور ~~وانهدم دور كثير , ومات فيه ناس كثير وغرق السيل عامة عمان وبلغ الماء ~~مواضع لم يبلغها قبل ذلك فيما بلغنا , والله أعلم. PageV01P135 # وفي بعض التواريخ: لما كان ليلة الأحد لثلاث خلون من جمادي الأولى سنة ~~إحدى وخمسين ومائتي سنة نزل أمر فظيع عجيب ببدبد وقيقا والباطنة وسمائل ~~ودما وصحار , أمر عظيم جليل نزل عليهم في الليل وثمارهم متعلقة في نخيل ~~محدقة؛ فجاءهم دوي وظلمة وهوى وهول مفظع وأمر مطلع؛ فعناهم في ذلك بحيح ~~وصياح وعجيج واستهلت السماء فأدفقت عليهم من الماء؛ فبينما هم كذلك وأمرهم ~~على ذلك وهم في شدة من الفرق؛ وخوف من الغرق؛ ومنهم من أيقن بالمنية والحتف ~~والقضية , إذ جاءتهم السيول فأحدقت وعليهم من المسائل أودقت , وهم في ms110 ~~منازلهم خائفون مما نزل بهم , فقلعت السيول المنازل والأموال , وغرقت ~~النساء والرجال , فغرق الرجل وعياله وتخرب منزله وماله؛ فأصبحوا في ليلة ~~واحدة أصواتهم خامدة ومنازلهم هامدة؛ فهدمت السيول مساكنهم وأخرجتهم من ~~أوطانهم وحملت إلى البحور أبدانهم؛ وقلعت الأشجار وأغارت الأنهار , فأصبح ~~السالم الموسر منهم فقيرا يطلب الأكل والشيء اليسير وأعظمهم جائحة وأشدهم ~~فادحة أهل بدبد وقيقا وتفرق من بقي منهم في البلدان وتركوا الأوطان وخربت ~~المواضع والعمران , حتى إنه ليمر بها الإنسان فتأخذه لمنظرها رهبة. # وذكر هذا السيل في بعض الكتب وقال: نزل أمر عظيم بقيقا وسمائل وبدبد ودما ~~وصحار , وكان في ذلك اليوم مرابط المسلمين في دما من الباطنة , وصارت ~~الباطنة في منزلة المال المجهول ربه لا يعرف ولا يكاتب فيها وأما صحار ~~فخربها وادي صلان وتراهم يكتبون منها فيما قرب من الحصن يتنزهون عما بعد منه. PageV01P136 # قال وأرجو أن ذلك بعد ما خربها السيل عرفوا تلك الأماكن وحدودهم دون ما ~~بعد عن الحصن لأن بدبد وقيقا ومزرع بنت سعد وسمائل خربهن ذلك السيل وعرفت ~~نخلة صنها من سمائل , وقد قيست الأموال عليها , وسمي ذلك المال الحلال , ~~وقد تراضوا على ذلك لأن أهلها بقوا , وكذلك قيقا ومزرع بنت سعد الذي هو ~~مطابق بدبد من سافل كل عرف ماله إلا بدبد لم يكن أحد يعرف ماله إلا مال ~~مسجد قيقا منها عرف وحيز هو وماؤه إلى الآن وهو في بدبد من سقي فلج البويرد ~~في الجانب الشرقي العلوي مما يلي الوادي , وقد تركت بدبد قبيضة في أيدي ~~المسلمين حتى يرجع إليها أهلها ثم صيرت بيت مال. # ومسجد قيقا معروف في قرية من الباطنة يقال لها المعبيلة بنته امرأة من ~~أهل منح اسمها فيقا قبل الجائحة , وسبب ذلك فيما قيل أن منح أصابها محل ~~شديد حتى غارت الآبار ولم يوجد فيها ماء للشراب؛ وسار أهلها إلى الباطنة في ~~طلب المعاش وبنت لهم فيقا هذا المسجد , فقيل إنها لم تخربه الجوائح أو أنه ~~خرب بالسيول وعرف مكانه وجدد بناؤه , وقيل كذلك المسجد ms111 المسمى طارود ~~المعروف ببركا كان قبل الجائحة. # وقيل إن دما من الباطنة كانت قبل ذلك ببلدة طيبة ذات أنهار وأشجار ومعقل ~~رباط المسلمين. # وكذلك الموضع المسمى الأسرار من ألوى وحسيفين , كانت بلدة طيبة ذات نخل ~~وشجر , لكن تغلب عليها بعض الجبابرة واستعجز أهلها بما لا طاقة لهم به حتى ~~تركوها وهربوا منها وركبوا البحر بأهاليهم , والآن مجبورة بيت المال , ولم ~~تعمر الباطنة كلها مدة أعوام كثيرة , ثم أجاز الشيخ خلفين سنان الغافري ~~رحمه الله وغيره من العلماء أن تغسل بالعشر للفقير. # قالوا ولأن يؤكل منه خير من أن تكون خرابا. # وسبب ذلك أن أحدا من العلماء جاء الباطنة قبل الغسل فلم يجد فيها نخلة ~~إلا ما شاء الله , فكان مروره عليها سببا للترخيص في عمارتها , فما أبرك ~~ذلك القدوم. PageV01P137 # وفي سنة تسع وخمسين ومائتين قتل خثعم العوفي بالسنينة من الظاهرة وهو رجل ~~كان محمد بن محبوب قد أباح دمه لفساده في الأرض. # ولم يزل محمد بن محبوب رحمه الله بصحار على القضاء حتى مات يوم الجمعة ~~لثلاث خلون من شهر المحرم سنة ستين ومائتين وصلى عليه غدانة بن محمد , ~~وكانت رجفة شديدة بصحار في ولاية غدانة بن محمد في غداة الأحد لاثني عشرة ~~خلت من جمادي الآخرة من سنة خمس وستين ومائتين. # وفي سنة ثمان وستين ومائتين مات عزان بن الصقر رحمه الله وكان مسكنه ~~بغلافقة من عقر نزوى ومات بصحار , وفي أيامه رضي الله عنه خانت النصارى ~~ونقضوا ما بينهم وبين المسلمين؛ فهجموا على سقطرى وقتلوا والي الإمام وفتية ~~معه وسلبوا ونهبوا واخذوا البلاد وتملكوها قهرا. # وسقطرى جزيرة طولها ثمانون فرسخا وبها الصبر وبها نخل كثير , ويسقط إليه ~~العنبر , وبها دم الأخوين وهي في جنوب عمان , بينها وبين عمان بحر الحبشة ~~فكتبت امرأة من أهل سقطرى يقال لها الزهراء للإمام رضي الله عنه قصيدة تذكر ~~له فيها وقع من النصارى بسقطرى وتشكو إليه جورهم وتستنصره عليهم فقالت: # قل للإمام الذي ترجى فضائله = ابن الكرام وابن السادة النجب # وابن الجحاجحة ms112 الشم الذين هم = كانوا سناها وكانوا سادة العرب # أمست سقطرى من الإسلام مقفرة= بعد الشرائع والفرقان والكتب # وبعد حى حلال صار مغتبطا = في ظل دولتهم بالمال والحسب # لم يبق فيها سنون المحل ناظرة= من الغصون ولا عودا من الرطب # واستبدلت بالهدى كفرا ومعصية = وبالأذان نواقيسا من الخشب # والبذراري رجالا لا خلاق لهم = من اللئام علوا بالقهر والغلب # جار النصارى على واليك وانتهبوا = من الحريم ولم يألوا من السلب # إذ غادروا قاسما في فتية نجب = عقوى مسامعهم في سبسب خرب # مجدلين سراعا لا وساد لهم = للعاديات لسبع ضارئ كلب # وأخرجوا حرم الإسلام قاطبة = يهتفن بالويل والأعوال والكرب # قل للإمام الذي ترجى فضائله = بأن يغيث بنات الدين والحسب PageV01P138 كم ~~من منعمة بكر وثيبة = من آل بيت كريم الجلد والنسب # تدعو أباها إذا ما العلج هم بها = وقد تلقف منها موضع اللبب # وباشر العلج ما كانت تضن به = على الحلال بوافي المهر والقهب # وحل كل عراء من ملمتها = عن سوءة لم تزل في حوزة الحجب # وعن فخوذ وسيقان مدملجة = وأجعد كعناقيد من العنب # قهرا بغير صداق لا ولا خطبت = إلا بضرب العوالي السمر والقصب # أقول للعين والأجفان تسعدني = يا عين جودي على الأحباب وانسكب # ما بال صلت ينام الليل مغتبطا([1]) = وفي سقطرى حريم بادها النهب # يا لا الرجال أغيثوا كل مسلمة = ولو حبوتم على الأذقان([2]) والركب # حتى يعود عماد الدين منتصبا = ويهلك الله أهل الجور والريب # وثم يصبح دعى الزهراء صادقة = بعد الفسوق وتحي سنة الكتب # ثم الصلاة على المختار سيدنا = خير البرية مأمون([3]) منتخب # فجمع الإمام الجيوش وجهز المراكب وولى عليهم محمد بن عشيرة وسعيد بن ~~شملال , فإن حدث بأحدهما حدث فالباقي منهما يقوم مقام صاحبه؛ فإن حدث بهما ~~جميعا ففي مقامهما حازم بن همام وعبد الوهاب بن يزيد وعمر بن تميم؛ وكتب ~~لهم كتابا يبين فيه ما يذرون؛ ويقال إن جملة المراكب التي اجتمعت في هذه ~~الغزوة مائة مركب ومركب , فساروا إليهم ونصرهم الله عليهم فأخذوا البلاد , ~~وهزموا الأعداء , ورجعوا ظافرين ms113 مستبشرين , ومن ينصر الله ينصره الله. # وهذا عهد الإمام للغزاة في هذه الغزوة , قال رحمه الله ورضي عنه: هذا ما ~~يقول الإمام الصلت بن مالك. PageV01P139 # بسم الله الرحمن الرحيم: إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ~~ومقاليد كل شيء عنده الواحد الأحد العلي الجد الذي ليس لعظمته حد ولملكه عد ~~ولا لقدره صاد ولا لأمره مراد , ولا له نظير ولا مضاد , تفرد بفطر الخلق ~~ونصر الحق ورقق الفتق , وعلا فدنا , ودنا فنأى, وسمع ورأى , وأعلم وأحصى ~~وقدر وقضى وأعز وأذل , وهدى وأضل وآثر واقل وأفهم وأدل فهو الهادي الدليل ~~وكل جبار عنده ذليل , وكثير عنده قليل وهو الجواد بالتفضيل , والمجازي لمن ~~عصاه بالعذاب الوبيل , وأشهد أن محمدا أمين الله أرسله بما أنزله وفضله ~~فعرفه الله العقول. وأقام به الحجة على الجهول وتبر به الأوثان , وشرع به ~~شرائع الإيمان , ودفع به حزب الشيطان وأقمى به كل جبار عنيد , وكل معتد ~~مريد. فحاربه الكفر وأهله إلى تشريد وتطريد وظهر أمر الله وهم كارهون , ~~وأرادوا أن يطفئوا نور اله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره ~~المشركون؛ فالحمد لله على قضائه الغالب , ودينه الواصب وحقه الواجب؛ كما هو ~~أهله من الحمد والثناء وكل وجه لوجهه يعني , وأوصيكم ونفسي بتقوى الله غافر ~~الذنب وقابل التوب شديد العقاب , ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير , ~~فإليه فتوبوا فإنه يغفر الذنوب لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى , وأنيبوا ~~إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون , واتبعوا أحسن ~~ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون , أن ~~تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وأن كنت لمن الخاسرين , أو تقول ~~لو أن الله هداني لكنت من المتقين , أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة ~~فأكون من المحسنين , قال الله ( بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت ~~وكنت من الكافرين , ويوم القيامة ترى الذين ms114 كذبوا على الله وجوههم مسودة ~~أليس في جهنم مثوى للمتكبرين , وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم ~~السوء ولا هم يحزنون ). PageV01P140 # فألزموا تقوى الله في الغيوب وداووا بها داء العيوب , وتجهزوا للقاء الله ~~بالطاهرة من العيوب , فإن الله يغفر لمن يجوب ثم ينصح إذ يتوب ( وليست ~~التوبة للذين يموتون وهم كفار حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ~~ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما ) فتوبوا إلى الله ~~من سيء ما مضى وأصلحوا فيما بقي بما عنكم به يرضي , وصونوا دينكم ولا ~~تبيعوا دينكم بدنياكم ولا بدنيا غيركم , وقفوا عن الشبهات واحرموا عن محارم ~~الشهوات , وغضوا أبصاركم عن مواقعة الخيانة واحفظوا فروجكم عن الحرام , ~~وكفوا أيديكم وألسنتكم عن دماء الناس وأموالهم وأعراضهم بغير الحق , ~~واجتنبوا قول الزور وأكل الحرام ومشارب الحرام وجماعة السوء ومداهنة العدو ~~, وأدوا الأمانات إلى أهلها وإن قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله ~~أوفوا , ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون وإذا حدثتم فلا تكذبوا وإذا وعدتم فلا ~~تخلفوا , وأقيموا الصلاة بقيامها وقراءتها وركوعها وسجودها وتحياتها ~~وتكبيرها وتسبيحها والخشوع فيه لله , فإن الله مدح المؤمنين فقال ( قد أفلح ~~المؤمنين الذين هم في صلاتهم خاشعون ,والذي هم عن اللغو معرضون , والذين هم ~~للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت ~~أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن اتبعني وراء ذلك فأولئك هم العادون الذين هم ~~لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم بشهاداتهم قائمون والذين هم على صلاتهم ~~يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) فافهموا ~~عن الله واقبلوا ما جاء من الله ولا ترخصوا لأنفسكم في شيء من طاعته ~~الواجبة دخلا ولا كسلا , ولا تبيتوا شيئا من معاصيه عبلا ولا خبلا ولا ~~تركنوا إلى من حاده تعصبا ولا ميلا , فأخاف عند ذلك أن يخذلكم؛ وإن ينصركم ~~الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده؛ وعلى الله ~~فليتوكل المؤمنون. PageV01P141 # واعلموا إني وليت عليكم يا معشر الشراة ms115 والمدافعة على جميع سقطرى أهل ~~السلم منها وأهل الحرب؛ وعلى الصلاة وقبض الزكاة والجزية والمصالحة ~~والمسالمة والمحاربة لأهل النكث من النصارى أو من حاربكم من المشركين في ~~سفركم أو في مستقركم على الأمر والنهي وإعطاء الحق ومنع الباطل وإنصاف ~~المظلوم من الظالم ووضع الأمور في مواضعها وإعطاء كل ذي حق نصيبه من العدل ~~من قريب الناس وبعيدهم وقسم ثلث الصدقات على أهلها؛ وتزويج النساء التي لا ~~يصح لهن أولياء في مواضعهن بمن رضين به إذا كلن لها كفؤا على ما ترضوا به ~~من الصدقات , ولا يكون الصداق أقل من أربعة دراهم , وإقامة الوكلاء لليتامى ~~والأغياب الذين لا أوصياء لهم , ولا وكلاء في أموالهم , وفرض الفرائض ~~لليتامى في أموالهم , وللنساء النفقات على أزواجهن بالعدل والمعروف: محمد ~~بن عشيرة وسعيد بن شملال فاسمعوا لها وأطيعوا إنهما في طاعة الله وفيما ~~دعياكم إليه من حق الله ومجاهدة أعدائه مجتمعين أو متفرقين في بر أو بحر , ~~ولتصدق نياتكم وتحسن رعايتكم وتلوا على الحق قلوبكم , ولا تنازعوا فتفشلوا ~~وتذهب ريحكم؛ واصبروا إن الله مع الصابرين ولا تكونوا كالذين تفرقوا ~~واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات أولئك لهم عذاب عظيم؛ واذكروا نعمة الله ~~عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا , وكنتم على ~~شفا حفرة من النار فأنقذكم منها , كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون. PageV01P142 # فانصحوا لواليكم ووازروهما وتكنفوهما وانصروهما على الحق , ولا تخذلوهما ~~وأجيبوهما ولا تخلفوا ولا تبطئوا عن دعوتهما؛ وتناصحوا فيما بينكم ولا ~~تغاشوا ولا تباغضوا ولا تغضبوا ولا تحزنوا ولا تكاذبوا ولا تكالبوا ولا ~~تحاسدوا ولا تكايدوا ولا تماكروا ولا تضاعنوا ولا تطاعنوا في الأحساب ولا ~~تفاخروا في الأنساب ولا تضادوا؛ فإنه بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم أنه قال: المسلم أخو المسلم لا يضاره ولا يشاره ولا يماكره؛ وهم ~~كالبنيان يشد بعضه بعضا وتكون غيب بعضكم لبعض في الشهادة والسرائر ~~كالعلانية كأنهم نفس واحدة على كلمة واحدة وولاية واحدة وعداوة للعدو ~~واحدة؛ وحياة واحدة وميتة واحدة وأن ms116 الله يقول لنبيه ( وكذلك جعلناكم أمة ~~وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ). # . وقال تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن ~~المنكر وتؤمنون بالله؛ ولو آمن أهل الكتاب لكان خير لهم , منهم المؤمنون ~~وأكثرهم الفاسقون , لن يضروكم إلا أذى , وغن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ~~ينصرون ) PageV01P143 وقد بغى هؤلاء النصارى وطغوا ونقضوا عهدهم ونرجو أن ~~يديل الله عليهم وإلى الله نرغب ونبتهل أن يهدم محاصنهم؛ ويخرب بالعدل ~~مساكنهم ويغنمكم أموالهم وطعامهم إن ربنا سميع قريب؛ فإذا سرتم أو نزلتم ~~فأكثروا ذكر الله , فإن بذكر الله تطمئن القلوب وقال الله ( إنا نحن نزلنا ~~الذكر وإنا له لحافظون ) وشدوا على ربانية السفن أن لا يتفرقوا ولا يسبق ~~بعضهم بعضا , فمن سبق فليقتصر على أصحابه بقدر ما يكون حيث يسمع بعضهم دماء ~~بعض , فإن عناهم معنى تكيف ووازر بعضهم بعضا إن شاء الله؛ فإذا أقدمكم الله ~~الجزيرة فتناظروا وتشاوروا وأرجوا أن لا يجمعكم الله على ضلال؛ فإن رأيتم ~~أن يكون صمدكم ومنزلكم قريبا من القرية الناكثة فتحاصروهم ويكون رسلكم ~~إليهم من هناك وترسلون إلى أهل العهد الذين لم ينقضوا عهدهم حتى يصل إليكم ~~وجوههم ورؤساؤهم , فإن رأيتم أن يكون منزلكم في القرية حيث عود ينزل الولاة ~~والشراة , فافعلوا من ذلك ما اجتمع عليه رأيكم من بعد مشورة أهل الخبرة ~~بذلك ممن ترجون بركة رأيه وفضل معرفتهم؛ فإذا أرسلتم إلى أهل السلم والعهد ~~فاعلموهم مع رسلكم إنهم آمنون على أنفسهم ودمائهم وحريمهم وذرا ريهم ~~وأموالهم وإنكم وافون لهم بالعهد والذمة والجزية على الصلح الذي يقوم بينهم ~~, بين المسلمين فيما مضى؛ ولا ينقض ذلك ولا يبدله , وأمروهم بإحضار جزيتهم ~~إليكم , واختاروا إليهم رجالا من خيارهم من يثبت إلى الصلاح منهم فوجهوهم ~~إلى هؤلاء الناقضين لعهدهم , الناكثين على المسلمين ببغيهم , واجعلوا ممن ~~توجهون رجلين صالحين ممن يوثق بهم من أهل الصلاة , فإن لم يمكنكم بعث اثنين ~~صالحين من أهل الصلاة فواحد فنأمرهم أن يصلوا إلى الذين نقضوا العهد ~~فتدعوهم عن لساني ms117 وألسنتكم إلى الدخول في الإسلام وإقام الصلاة وإيتاء ~~الزكاة مع حقوق الله والانتهاء عن معصيته , فإن قبلوا ذلك فهي أفضل ~~المنزلتين لهم؛ وذلك يمحو ما كان من حدثهم , لأن الله يقول في المحكم من ~~PageV01P144 كتابه ( اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا ~~لهم كل مرصد , فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله ~~غفور رحيم ) وإن كرهوا أن يقبلوا الإسلام ويدخلوا فيه فلتدعوهم إلى الرجعة ~~عن نكثهم والتوبة من حدثهم إلى الدخول في العهد الأول الذي كان بينهم وبين ~~المسلمين , على أن لهم وعليهم الحق بحكم القرآن وحكم أهل القرآن من أولى ~~العلم بالله وبدينه من أهل عمان ممن نزل إليهم أمر المسلمين , فإن أجابوا ~~وتابوا فلتقبلوا ذلك منهم ولتأمروهم بترك ما في أيديهم وأيدي أصحابهم من ~~أهل الحرب من نساء مسلمات ثم لا يتزوج رسلكم من عندهم حتى يقدم معهم رؤساء ~~أهل الحرب ويسلموا إليهم النساء المسلمات اللاتي سبوهن؛ واجعلوا لرسلكم ~~أجلا في رجعتهم لمن أجابهم وبالسبايا إلى ذلك الأجل أن لا يظلموهم ولا ~~تخادعوهم ولا تماكروهم بالمطل والتواني في ذهاب الأيام , فإن وصلوا إليكم ~~بمن أجابهم من أهل الحرب. PageV01P145 # وقد استسلموا وتابوا من حدثهم وجاءوا بالنساء المسلمات فاقبلوا ذلك منهم ~~ولا تعرضوا لأحد ممن جاءكم تائبا مستأمنا مستسلما بسفك دمه , ولا انتهاك ~~حرمته ولا سبا ذريته , ولا غنيمة ماله , وليكونوا مثلكم آمنين , واحفظوهم ~~ألا يرجعوا إلى هرب من أيديكم , وتأمروهم أن يرسلوا إلى من ورائهم من ~~أصحابهم أن يلقوا بأيديهم إلى ما ألقوا هؤلاء بأيديهم , وتأمروهم أن يبعثوا ~~إلى من ورائهم بإحضار جزية هؤلاء الذين قد أمنتموهم الماضية ولا يعلموا بما ~~يريدوا فيهم فإن جاء الذين وراءهم كما جاء هؤلاء وألقوا بأيديهم فاقبلوا ~~ذلك منهم وخذوا جزية من وصل إليكم منهم؛ وأما من تخلف وأراد أن يبعث بجزيته ~~ويقيم في منزله على حدثه فلا تقبلوا ذلك منهم ومن صار منهم إلى أمانكم ~~وعهدكم فليكونوا في أسركم آمنين , وأحسنوا إليهم في طعامهم وشرابهم ~~وامنعوهم ممن أراد ظلمهم ms118 حتى توصلوهم إلى والي المسلمين إن شاء الله تعالى ~~( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ~~ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أواتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد ~~وهم صاغرون ) فإذا أعطوهم فلا سبيل عليهم وإن رجع إليكم رسلكم فأخبروكم ~~بأنهم كرهوا الدخول في الإسلام والرجعة عن نكثهم وحدثهم إلى العهد والذمة ~~وإعطاء الجزية وكان في رسلكم رجلان ثقتان أو رجل واحد من أهل الصلاة ممن ~~تثقون به في صدق خبره فقد حل لكم عند ذلك مناصبة هؤلاء الناكثين ومحاربتهم ~~بالمكائد والقتل لهم حيث وجدتموهم بالبيات وغير البيات وغنيمة أموالهم وسبا ~~ذراريهم الذين لدوا في حال نقضهم ونكثهم. # ---------------------------------------------------------------------- ----- # [1] - خ مضطجعا. # [2] - خ الآناف. # [3] - خ مأمول. # . # تابع باب إمامة الصلت بن مالك الخروصي رحمه الله تعالى PageV01P146 فأما ~~من كان مولودا في حال سلمهم قبل أن ينقضوا عهدهم فأولئك لا سبا فيهم , وحل ~~لكم أيضا سبا نسائهم؛ واتقوا الله فيما غنمتم فلا تستحلوا قليلا ولا كثيرا ~~, من الشسع فما فوقه , ولا وطئ النساء من السبايا فإن ذلك حرام؛ ومن الخيط ~~المخاط ولا تغلوا من ذلك شيئا فإن ذلك عار وشنار ونار حتى تباع الغنائم ~~فيحفظ خمسها من وليته أمركم محمد بن عشيرة وسعيد بن شملال , فإن حدث ~~بأحدهما حدث فالباقي منهما يقوم مقام صاحبه , فإن حدث بهما جميعا حدث فقد ~~أقمت مقامهما حازم بن همام وعبدالوهاب بن يزيد وعمر بن تميم. PageV01P147 # وأما ما قدرتم عليه من سبا نسائهم وذراريهم الذين وصفت لكم كيف يحل سباهم ~~فلا تبيعوهم هنالك حتى توصلوهم إلى وانفقوا عليهم من مال الله من الغنائم ~~حتى تصلوا بهم إلى , وإن لم تقدروا على رجلين ولا رجل من أهل الصلاة ممن ~~تثقون به في إبلاغهم الحجة عليهم وإبلاغ مقالتهم إليكم , فلا تبيتوهم ولا ~~تغتالوهم بالقتل ولا تسبوا لهم سبا ولا ذرية ولا تغنموا لهم مالا , حتى ~~تسيروا إليهم بأنفسكم , فإن كانوا متفرقين فرأيتم أن توجهوا منكم طائفة ~~وتقيم منكم طائفة في عسكرهم أن لا ms119 تخافوا مكائد الفسقة على الطائفة الخارجة ~~إليهم حتى يأتوا إلى من رجو أن يدركوهم في تواجدهم وانفرادهم من جماعتهم , ~~فإذا وصلوا إليهم دعوهم إلى الإسلام والدخول فيه فإن أجابوا قبلوا منهم , ~~وإن كرهوا دعوهم إلى الوفاء بالعهد والرجعة عن النكثة إلى حكم القرآن وحكم ~~أهل من المسلمين بعمان , وإن قبلوا قبلوا منهم وإن كرهوا هللوا الله وكبروه ~~وحكموه وقاتلوهم , فإن ظفرهم الله بهم قتلوا من قاتلهم في المعركة وسبوا ~~ذراريهم الذين ولدوا بعد نقض العهد كما وصفت لك سباهم ولا يقتلوا موليا إلا ~~أن يقاتلهم فإن استأسر أخذوه ولم يقتلوه , وإن خفتم مكيدتهم واجتماعهم على ~~طائفة وجهتموهم فلا توجهوا إليهم طائفة دون طائفة؛ ولكن استعيذوا بالأدلة ~~من أهل العهد وسيروا بأجمعكم فإن خفتم على عسكركم وعلى من تخلفون فيه من ~~طعامكم فرأيتم أن تكوروا السفن إلى البحر وتردوا فيها الأطعمة وتخلفوا فيها ~~رجالا من رجالكم فافعلوا ثم سيروا ولا قوة إلا بالله إلى حيث رجوتم أن ~~تهجموا عليهم أو على أحد منهم وإن كانت الحجة قد صحت عندكم كما وصفت لكم ~~برجلين ثقتين من أهل الصلاة أو بواحد من أهل الصلاة بأنهم كرهوا للدخول في ~~الإسلام والرجعة عن النكث إلى العهد فليس عليكم أن تحتجوا عليهم بعد ذلك ~~ولا أن تدعوهم؛ فانصبوا لواءكم وأعطوه أرجى لكم في أنفسكم بالكرة على عدوكم ~~والتخصيص لواليكم لمن يتقدم ولا PageV01P148 يتأخر ويثبت لواءه ولا ينكسه , ~~ويظهره ولا يدسه , ثم اذكروا الآخرة وانسوا الدنيا فإنكم الحنفاء والله يحب ~~الذين يقاتلون في سبيله صفا , ثم سدوا الصفوف وقووا النيات وجردوا السيوف ~~واجعلوا لكم ميمنه وميسرة وقلبا , وأن رأيتم أن تجعلوا منكم كمنا لعدوكم ~~فافعلوا وهي طائفة تكون لا يراها العدو حتى تأتي من ورائهم. # واعلموا أنه يقال إن السيوف مفاتيح الجنة وإن الجنة تحت البارقة , فلا ~~يهولكم عدوكم وهبوا لله أنفسكم , وامضوا إليهم زحوفا ولاحموا لهم صفوفا , ~~وليكن شعاركم لا إله إلا الله محمد رسول الله , ولا حكم إلا لله , ولا حكم ~~لمن حكم بغير ما ms120 أنزل الله , وخلعا وبراءة وفراقا لجميع أعداء الله , فإنها ~~ساعة تفتح لها أبواب السموات وأبواب الجنات وتزين فيها الحور العين , وتهبط ~~فيها الملائكة , ويأتي نصر الله , ويمدكم إن شاء الله بأضعافكم من الملائكة ~~, ويقلل الله عدوكم في أعينكم؛ ويكثركم في أعينهم؛ فيجعل الله أصوانكم ~~بالنكير والتحكيم كالرعد القاصف في أسماعهم؛ ولوامع سيوفكم كالبرق الخاطف ~~في أبصارهم؛ وعند ذلك لا تحصى أجوركم وما أعد الله للصابرين الصادقين أهل ~~السموات ولا أهل الأرض من أجوركم؛ فاصبروا ساعة يفرق الله فيها بين الحق ~~والباطل , وقولوا كما قال إخوانكم لو ضربونا حتى نبلغ الغاف من عمان لعلمنا ~~أنا على حق؛ وأنهم على باطل , وهم حزب الشيطان وانتم حزب الرحمن , وقال ~~الله تعالى ( إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم ~~مؤمنين , واصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ). PageV01P149 # فإن الله يقول ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا ~~تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ~~فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير؛ فلم تقتلوهم وكلن الله ~~قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى , وليبلي المؤمنين منه بلاءا حسنا إن ~~الله سميع عليم , واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي ~~القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) فما غنمتم من سلاح أو طعام أو ~~أثاث فليس لأحد منكم أن يذهب منه شيئا قليلا ولا كثيرا , ولا طعام ولا ~~غيره؛ فأما الأثاث والطعام والأنعام وما ثقل عليكم فلا يمكن لكم حمله فذلك ~~يباع كله فيمن يزيد بالاجتهاد منكم في طلب غاية الثمن , ويتولى بيعه محمد ~~بن عشيرة وسعيد بن شملال أو من شهد ذلك منهما ثم يعزل خمس ذلك حتى يصل إلى ~~, وتقسم أربعة أخماس على المقاتلة على من حضر الحرب كلهم بالسواء , وما كان ~~من سلاح أو نساء أو ذرية من الذين ولدوا بعد نقض العهد فأولئك يحملون إلى ~~ويرفع وينفق عليهم من مال الله من الغنائم إلى وصولهم ms121 ويرفع السلاح إلى , ~~ومن غنم شيئا ووقع في يده شيء من النساء فليتق الله فلا يطأهن حتى يبعهن ~~ويقبض ثمنهن؛ فمن شككتم فيه واشتبه عليكم فيه من الذراري , ولم تدروا أكان ~~مولده بعد العهد أو في العهد فخلوا سبيلهم ولا تسبوهم؛ وما كان من المسلمات ~~اللاتي سبوهن قد ولدن من احد منهم أو كان في بطونهن حبل فإن أولادهن لحق ~~أمهاتهم المسلمات وهم مسلمون مثل أمهاتهم , ولا يكونن لحق بآبائهم ولو ~~دخلوا في العهد ورجعوا عن النكث وإن كان من النساء المسلمات المسبيات أحد ~~قد ارتدوا عن الإسلام جبرن حتى يرجعن إلى الإسلام؛ وإذا التحمت الحرب بينكم ~~وبينهم فلا تقتلوا صبيا صغيرا ولا شيخا كبيرا ولا امرأة؛ إلا شيخا أو امرأة ~~أعانوا على القتال. PageV01P150 # ومن قتلتموه عند المحاربة فلا تمثلوا به فإن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم نهى عن المثلة , وكذلك ما أخذتم من الجزية فارفعوا إلى , وأما إن كان ~~فيها شيء من الصدقات على أحد من أهل الصلاة فقبضتموه ففرقوا ثلثه على فقراء ~~البلد بالاجتهاد منكم في ذلك وارفعوا إلى ثلثيه والذي عليه عزم رأيي أن ~~يكون منزلكم في القرية حيث كان ينزل ولاة المسلمين قبلكم فتعمروا عسكركم ~~ومسجدكم بالصلوات والذكر لله بالغدو والآصال , ثم لا تغفلوا عن الحرس في ~~الليل واجعلوه نوائبا بينكم في كل ليلة حول قريتكم فإنه يقال إن الله يباهي ~~بنفر من عباده من أهل أرضه ملائكته , منهم مقدمة القوم إذا حملوا وحاميهم ~~إذا انهزموا وحارسهم إذا ناموا , وتتموا الصلاة مادمتم في القرية؛ فإذا ~~خرجتم إلى أكثر من فرسخين من القرية صليتم قصرا وجمعتم الصلاتين الظهر ~~والعصر , والعشاء والعتمة , وإن حضرتكم الصلاة وأنتم مواقعون لعدوكم وهم في ~~وجوهكم أو من وراء ظهوركم وأنتم في القرية أو في سفر , فأي صلاة حضرتكم في ~~ذلك الوقت فليقم الإمام مستقبل القبلة وخلفه طائفة من أصحابه وتقيم طائفة ~~أخرى في نحر العدو مستقبلين لوجوههم وجوه العدو , وحيث يسمعوا تكبير الإمام ~~جميعا فيوجه الإمام والطائفتان جميعا ويكبر الإمام تكبيرة ms122 الإحرام وتكبرها ~~معه الطائفتان جميعا , فإن كان في صلاة النهار قرأ فاتحة الكتاب وحدها , ~~وإن كان في صلاة قراءة قرأ فاتحة الكتاب وسورة من قصار السور ثم كبر الإمام ~~وركع وركعت الطائفة التي وراءه معه؛ ووقفت الطائفة الأخرى في نحر العدو غير ~~راكعة ولا ساجدة , فيركع الإمام وتركع الطائفة التي خلفه ويسجد الإمام ~~وتسجد الطائفة الذين خلفه , ويسجد الإمام سجدتين ثم يرفع الإمام رأسه ~~وينتصب قائما؛ وتمضي هذه الطائفة الذين كانوا خلفه فتركد في نحر العدو حيث ~~كانت الطائفة الأخرى , وترجع الطائفة الأخرى فتقوم مقام الطائفة الذين ~~كانوا خلف الإمام , فتكون خلف الإمام , فيقرأ PageV01P151 الإمام ثم يركع ~~وتركع معه الطائفة ويسجد وتسجد معه سجدتين ثم يقرأ التحيات ويسلم وتسلم ~~الطائفتان جميعا , ثم ترجع هذه الطائفة إلى أصحابهم , فهذه صلاة الحرب في ~~موضع التمام وفي موضع القصر. # وأما صلاة المضاربين بالسيوف عند التقاء الزحوف فهي خمس تكبيرات , وصلاة ~~الهارب خمس تكبيرات حيث كانت وجوههم. # وأما الطالب لعدوه فيصلي صلاة نفسه إذا كان لا يخاف عدوا , وإنما هو ~~الطالب لعدوه , فإن كان في حد التمام صلى تماما وإن كان في حد القصر صلى قصرا. # ومما أوصيكم به أن تتقوا الله ولا تبيعوا شيئا من الأسلحة بسقطرى؛ ولا ~~تشربوا نبيذا ولا يحدثن أحدكم امرأة خاليا ولا يشتمن بعضكم بعضا؛ ولا يكونن ~~في مجلسكم لهو ولا لعب ولا هزل ولا كذب , فمن ظفر بما عليه أنتما - أعني ~~محمد ابن عشيرة وسعيد بن شملال - أو صح معكما عليه أنه شرب نبيذا حراما أو ~~خلا بامرأة يحدثها غير ذات محرم منه ممن تسبق إلى قلوبكم فيه التهمة , أو ~~يكون منهم اللهو باللعب أو بالغناء أو بشيء مما يكره الله والمسلمون أو آذى ~~أحدا من المسلمين أو والى أحدا من عدوهم أو باع سلاحا في ارض الحرب فقد ~~أذنت لكما في قطع صحبتهم وإخراجهم من عسكركم وقطع النفقات والإدام عنهم , ~~وما كان معه منهم شيء من أسلحة المسلمين فتضمنوه إلا من تاب منهم واستغفر ~~ربه وراجع ما ms123 تحبون منه فاقبلوا توبته وأقيلوا عثرته وردوا عليه نفقته ~~ورزقه إلى أن يسلمكم الله وترجعوا إلينا أن شاء الله. # ومن أراد من أهل سقطرى من أهل الصلاة من رجال أو نساء أو صبيان أن يخرجوا ~~معكم إلى بلاد المسلمين فاحملوهم في حمولتكم , وانفقوا عليهم من مال الله ~~حتى يصلوا إلى بلاد المسلمين إن شاء الله , ومن كان هنالك من أولاد الشراة ~~وأعوان المسلمين فاحملوهم إلى بلاد المسلمين فإن تلك دار لا تصلح لهم بعد ~~تلاحم الحرب بيننا وبينهم. PageV01P152 # وعلموا أنه لا يحل لأحد من المسلمين نكاح نساء النصارى من أهل سقطرى ولا ~~نساء من أهل العهد منهم ولا نساء أهل الحرب إلا نساء الذين يقرؤون الإنجيل ~~من أهل العهد منهم؛ فأما من لا يقرأ الإنجيل منهم من أهل العهد فلا يحل ~~نكاح نسائهم ولا أكل ذبائحهم ولا طعامهم؛ وأما أهل الحرب فلا يحل نكاح ~~نسائهم قرؤوا الإنجيل أو لم يقرؤوه , ولا تؤكل ذبائحهم كانوا من العهد أو ~~من أهل الحرب , وما اشتبه عليكم من الأمر الذي أنتم فيه فلم تجدوه في ~~الآثار ولا في الكتاب ولا في السنة ولا في كتابي هذا فقفوا عنه حتى توردوه ~~إلى إن شاء الله , وإن انقضى الأمر بينكم وبين عدوكم إلى رأس الزنج فأخرجوه ~~في رأس الزنج ولا تخلفوا بعد أن ينقضي الأمر بينكم وبينهم وإن لم ينقض ~~الأمر بينكم وبينهم إلى تبرمة فتأخروا إلى تبرمة إن شاء الله فإني أرجوا أن ~~يكون معكم من الطعام ما يكفيكم إلى ذلك إن شاء الله. PageV01P153 # لا تختلفوا في آرائكم ولا في سلمكم ولا في حربكم , وليكن رضاكم واحدا ~~وغضبكم واحدا , ووليكم واحدا وعدوكم واحدا سواء ودمكم سواء , فإني أسأل ~~الله أن يهديكم للائتلاف وأن يؤمنكم ويؤمن بكم من المخاوف فإنه يعيذكم ~~ويعيذ بكم من الارتجاف والاختلاف , وأن يكسيكم كل خلق واف , وكل علم كاف , ~~وكل عمل صاف , وأن يدفع بكم أهل الانطاف , ويملك بكم أهل الشرك والإسراف ~~وأن يجر بكم منهم المصارع , ويجب بكم منهم المطامع ms124 ويصم بكم منهم المسامع ~~ويحصدهم لكم بالقواطع اللوامع , ويأسرهم لكم في المجامع حتى يحيي بكم ~~الشرائع ويهب لنا فيكم أكمل الصنائع , ويجعلكم وإيانا منه في الحما ~~والودائع , واستودع الله أنفسكم ودينكم وخواتم أعمالكم فإنه خير حافظا وهو ~~أرحم الراحمين؛ ولا جعله الله آخر العهد بيننا وبينكم , وذكرنا وإياكم ~~برحمته وأيدنا وإياكم بعصمته , وزادنا وإياكم من نعمته , وهدانا وإياكم ~~لحكمته , وأعاذنا وإياكم الفتن والإحن والحزن , وجعل كلمتكم العليا وكلمة ~~الذين كفروا السفلى , وأيدكم بروح القدس الذي لا يهزم ولا يغلب وأذل ~~الشيطان وحزبه بالرعب والرهب والغرق , وقطعهم شذرا مذرا , ومنحكم منهم ~~أدبارا وهنك بكم منهم أستارا , وأهلك بكم منهم أزواجا وأبشارا , وأصلاهم ~~بكم بوارا ونارا. آمين رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعبده ورسوله ~~خاتم النبيين وعليه السلام ورحمة الله وبركاته , شهد الله على ما نقول وكفى ~~به شهيدا أشهدكم الله وملائكته ناصرين وضاربين لوجوه الكافرين , ولا حول ~~ولا قوة إلا بالله العلي العظيم , وحسبنا الله ونعم الوكيل ونعم المولى ~~ونعم النصير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. # ووجد بخط الشيخ أبي عبدالله محمد بن إبراهيم بن سليمان مكتوبا في بعض ~~الكتب أنه عن أبي عبدالله محمد بن محبوب رحمه الله , وهذا عهد عهده الإمام ~~الصلت بن مالك لغسان بن جليد([1]) حين بعثه واليا على رستاق هجار. PageV01P154 # أني أوصيك بتقوى الله في سرك وجهرك وأن تكون على أمر الله حدثا وفي ~~مرضاته راغبا وأن تعمل بالعدل في الرعية , وأن تقسم بينهم بالسوية , وأن ~~تأمر بالمعروف وتحث أهله عليه , وتنهى عن المنكر وترده على من عمل به , ~~وتنزل كل ذي حدث أنزله حدثه وأن تقيم فيهم كتاب الله وتحيي فيهم سنة نبي ~~الله صلى الله عليه وسلم , وتسير فيهم بسيرة أئمة الهدى في حد الغضب منك ~~والرضا؛ ولا يخرجك غضبك من الحق ولا يدخلك رضاك في الباطل؛ ولا تتعاطى من ~~الناس عند قدرتك عليهم ما لم يأذن الله به لك فيهم , ولا تخف في الله لومة ~~لائم واجعل الناس عندك في الإنصاف ms125 سواء , واحذر أن يستميلك إلى أحد منهم ~~هوى , ولا تركن إلى أهل الجهل والباطل والطمع والغي , فإن الله قد حذر نبيه ~~محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ( واحذروهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل ~~الله إليك ) وقال ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من ~~دون الله من أولياء ثم لا تنصرون ) وقال: ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر ~~فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ~~وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين ). # ولا تتخذ من الأصحاب إلا الأمناء الذين تؤمنهم على ما يغيبون به عنك من ~~أمانتك فيما يرفعونه إليك عن رعيتك؛ فإني قد ائتمنتك على أمانتي ووثقت بك ~~على حمايتي بالقيام بالقسط في رعيتي؛ والمساعدة لي على ما أنا قائم لسبيله ~~من أمر ربي , وكن كما رجوت فيك وعند ظني بك فإنك عين لي على ما غاب عني , ~~والله شهيد عليك وعلى وناظر إليك وإلى؛ وسائلك وسائلني فلست بمغن لك من ~~الله ولا أنت بدافع ولا نافع لي عند الله إلا بحفظ أمانته , ورعاية حقوقه ~~والصدق عليه , فالله فاكتف ومنه فاستح وإياه فاتق , ولا حول ولا قوة إلا ~~بالله العلي العظيم. PageV01P155 # وأعلم أنك قادم على رعية قد رعاها رعاة قبلك وأفضل منك ما أنت قادم عليه ~~وأن تأمرهم بطاعة الله وتعمل بها فيهم وتدعوهم إلى الوفاء بعهد الله وتفي ~~به لهم وتحطهم على شرائع الإسلام والرضا بالحلال وترك الحرام , وأن يعلموا ~~بفرائض القرآن فيما ساءهم أو سرهم أو نفعهم أو ضرهم , وأن يسمعوا ويطيعوا ~~لمن ولاه الله أمرهم فيما أطاع الله فيه؛ وأن يتعاونوا على البر والتقوى , ~~ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان , وأن تعدلوا بالحق وتجتمعوا على العدل ~~وتوادوا أهل الطاعة ولا توادوا أهل المعصية فإن الله يقول ( لا تجد قوما ~~يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو ~~أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح ~~منه ms126 ) فمن كان من الله وجد فيه بعث الله للمؤمنين وأزجرهم عن العصيان ~~والحميات فإنها من صفات الجاهلية فإنه عن ذلك , وقدم فيه أخمد ذلك واطفه؛ ~~وحذرهم الفتنة والبغي والضغائن والفساد والحقد والهمز واللمز لبعضهم البعض ~~, فإن ذلك يورثهم الإحن فيما بينهم وترك ذلك عونا لهم على سلامة الصدور ~~وصلاح ذات البين , واشدد عليهم في الانتهاء عن مشارب الحرام ومجالس الخوض ~~واللعب واللهو والباطل والسفه والجهل والظلم والخيانات؛ وآمرهم بعمارة ~~مساجدهم وتقديم أهل الفضل والصلاح للإمامة في صلاتهم؛ فمن قيل ما أوصيته به ~~وأجاب دعوتك واستقام على ذلك فاخفض لأوليائك جناحك؛ وألن لهم جانبك وأقبل ~~منهم وأحسن إلى محسنهم , ومن كره قبول العافية وأعرض عن الدعوة وخالف الحق ~~وترك السنة وركب المعصية؛ فشمر لأولئك عن الساق وأحسن لهم عن ذراع وأبسط ~~عليهم من العقوبة ما يستحقونه بأحداثهم وأنزلهم حيث أنزلهم الحق فإن الله ~~عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ( يا أيها النبي جاهد الكفار ~~والمنافقين وأغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير ) وأنزل الناس منك منازل ~~على قدر منازلهم من الخير والشر , ولينفع بذلك PageV01P156 أهل المعروف ~~وليضر أهل الباطل والمنكر فعلهم عندك , وشاور من يخاف الله تعالى في أمرك ~~وشاركهم في عنايتك فإنك تحتاج إليهم ولا غنى لك عنهم , واتخذهم لسرك ~~ولمشورتك ولا تأخذ تعديل الناس إلا بالثقات الذين لا شبهة في صلاحهم , ولا ~~يختلف في عدلهم فأولئك فاسأل وعنهم فاقبل , واحذر أهل الدنيا الذين تخاف ~~مكرهم ولا تأمن شرهم وغدرهم , ولا تقم شيئا من الحدود قبلك ولا تحكم بين ~~الناس في القصاص ولا في الارش ولا في الأموال ولا في النكاح ولا في الطلاق ~~ولا في عتاق حتى ترفع ذلك إلى , وكلما اشتبه عليك شيء من الحكم فيما بين ~~الناس فقف ولا تتقدم عليه حتى تشاورني فأنظر فيه أنا ومن معي من أهل الرأي ~~ثم أطلعك من ذلك على ما أرجو به السلامة , فإن ذلك أسلم لي ولك إن شاء الله. # وأنصف الضعيف من القوى , والفقير من الغني ms127 , والعبد من المولى , وكل حق ~~صح معك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك , ولا تكن فظا غليظ ~~القلب من كثرة المعاني ولا محتجا عن مطالب الحق والضعفاء واليتامى , واجعل ~~للنساء حظا من خلوتك فإن لهن أسرارا أنت موضعها , واصبر نفسك لذلك ولا تضجر ~~من كثرة المعاني؛ ولا تحكم بين الناس وأنت غضبان؛ ولا تبع ولا تتبع في ~~ولايتك شيئا إلا مالا بد منه من بيعه ومن طعام الصدقات من غير أن تجبر أحدا ~~يشتري منك شيئا , ولا تعلم أحدا أنه متخذ بذلك عندك يدا , ولا تجبر أحدا ~~يحمل طعاما من بلد إلى بلد استكراها منك لهم , ولا تقبل من أهل ولايتك ~~الهديات ولا تجبهم إلى الدعوات , وأمر بذلك ولاتك وأصحابك فإن ذلك من ~~المعائب, ولا يدعو إلى الأدهان والإصغاء والركون إلى الهوى , فأعاذنا الله ~~وإياك من الشيطان وفتنته. PageV01P157 # ورغب الناس فيما افترض الله عليهم من أداء زكواتهم ودفعها ليضعوها في ~~مواضعها ويعلمهم أنه من وفا بها فهو من الله في رحبة من الأثر في سعيه ~~والإيجاب له من ثوابه ورحمته ومن سترها أو شيئا منها فقد خان الله ورسوله ~~فليس من الله في شيء؛ ولا يقبل الله صلاة لمن كان لزكاته خائنا , قال الله ~~تعالى ( يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما انزل ~~إليكم من ربكم وليزيدون كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا , فلا ~~تأس على القوم الكافرين ) ومن لم يؤد زكاته لم يقم بما أنزل الله من فرائضه ~~وشرائع دينه , ومن أداها إليكم طائعا فاقبلوها منه , ومن اتهمتموه فيها ~~وكان عند أهل المعرفة متهما فاستحلفوه بالله ما ستر عنكم ما يعلم لله فيه ~~حقا من غير هدمتكم له بحبس ولا قيد ولا ضرب , فإن يك صادقا فقد سلمتم وسلم ~~وإن بك كاذبا فسيلقى الله بخيانته وأنتم أبرياء منها؛ ولعمري لأن يلقي الله ~~بخيانته أحب إلى أن تلقوه بعقوبته على غير بيان ولا برهان. PageV01P158 # وحاسبوا أهل التجارات على ms128 تجاراتهم بالرفق والدعة ويقوم عليهم كلما ~~أرادوا للتجارة بقيمة عادلة وسطا على أوسط سعر البلد ومن ادعى أن عليه دينا ~~وقال أنه يريد أن يقضي دينه من ورقة في سنة طرح عنه دينه؛ فإن بقى في يده ~~ما يبلغ فيه الصدقة أخذت منه , وإن لم يبق ما يبلغ فيه الصدقة فلا سبيل ~~عليه , وإن اتهم فيما ادعى استحلف بالله أن عليه من الدين كذا وكذا وكل دين ~~على رجل مفلس فإنه لا يحاسب عليه ولا يكمل به الصدقة ولا يؤخذ بما في أيدي ~~الناس من ثمارهم , ولا يقوم ذلك عليهم في حساب ورقهم حتى يبيعوها ويصيروها ~~دراهم؛ ويجعل مال الولد على مال والده ما دام في حجره ولو كان بالغا وما ~~كان أوفر للزكاة من حمل الورق على الذهب أو الذهب على الورق حمل يقوم الذهب ~~والفضة بأوسط صرف البلد , ومن أراد أن يعطي ما يلزمه من الفضة فضة بقدر ما ~~وجب عليه فله ذلك , وليس عليه أن يكسر فضة , ومن أراد أن يعطي ما وجب عليه ~~بالمصارفة على صرف فضة في البلد فله ذلك. # وأعلم أن الناس يختلفون في محل صدقاتهم وكل امرء منهم تؤخذ صدقته في ~~محلها ولا تعجل عليه قبل وقته , ولا يؤخر بعد وقته , وأما السلف فإنما يحسب ~~رأس المال ما لم يقبض, وقد قيل إنه إذا حل قوم على سعر البلد إذا كان على ~~الأوفياء , والقول الأول أحب إلينا ونرجو أن يكون أبعد من الشبهة وأسلم وهو ~~أكثر قول الفقهاء. PageV01P159 # وأما الثمار فتؤخذ منه الصدقة على ما أدركت عليه وإن أدركت على سقي ~~الأنهار أو ماء الأمطار ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ ~~من كل عشرة مكائك مكوك؛ وليس يحمل شيء من الثمار على بعضها بعض إلا البر ~~والشعير فإنه يحمل أحدهما على صاحبه , وليس على ما يطعم الفقير صدقة ولا ما ~~أعطى لله إلا أن يعجز الكيل عن تمام الزكاة , فعند ذلك يحسب ما أطعم ~~الفقراء حتى يكمل به الصدقة , ثم ms129 تؤخذ مما يبقى وليس فيما يدفع إلى الفقراء ~~صدقة إذا كان الزوجان متفاوضين في الثمار حمل ثمرة أحدهما على الآخر؛ ولا ~~تحبس على الناس ثمرة نخلهم بعد إدراكها من أجل حضوركم إياها لأخذ صدقاتهم , ~~فإن الرياح والأمطار تضر بها وتفسدها بعد إدراكها , ولكن يؤذن لهم بجدادها ~~وهم أمناء على ما ائتمنهم الله عليه , ومن اتهم بالخيانة استحلف بالله ما ~~ستر شيئا من ثمرته حذار الصدقة. # وكذلك لا ينبغي أن يجعل عليهم في جداد ثمرته قيل إدراكها؛ ولا صدقة في ~~البسر الذي لم يدرك , ولا في الرطب حتى يصير تمرا. # وأعلم أن الذين يجمعون الصدقة من أصحابك فتكون نفقتهم من جملة الصدقة كما ~~داموا في جمعها , فإذا فرغوا من جمعها كانت نفقتهم في الثلثين دون الثلث , ~~فإذا اجتمعت الصدقة من الورق والثمار فاخرج ثلث جميع ذلك , ثم اجمع صالحي ~~أهل البلد , واشهد على ذلك أنت بنفسك في كل قرية حتى يقسموا صالحوا القرية ~~ثلثها على فقرائهم ويفضل أهل الفضل في دينهم , وأهل الأمانة وأهل الفقه على ~~غيرهم , ولا تستبق من ذلك شيئا ولا تعط أحدا من أصحابك منها شيئا إلا من ~~كان محتاجا إلى ذلك فتعطيه ما تعطي رجلا من أهل البلد , ولا تمكن من قسم ~~الثلث واحدا ولا اثنين إلا الجماعة من ثقات البلد , ولا تغب أنت عن ذلك إن ~~شاء الله. PageV01P160 # وإذا خرج الساعي فلا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق حذار الصدقة , ~~والمجتمع ما اجتمع في الرعي والحلب والمأوى , فإن تفرق في شيء من هذه ~~الخصال فهي متفرقة , وإن اجتمعت في الحلب فهي مجتمعة؛ فإذا وجدت الغنم يبلغ ~~فيها الصدقة فلتصدعها بنصفين , فيبتدئ رب المال فيختار أحد النصفين ثم ~~يختار أيضا رب المال من النصف الآخر شاة , ويختار المصدق شاة , ويختار رب ~~المال شاة , ثم يختار المصدق شاة , ولا يزال على ذلك حتى يستوفي المصدق , ~~ولا يعد من السخال إلا ما قطع الوادي راعيا , ولا يأخذ المصدق الفحل ولا ~~المخاض ولا ذات النتاج؛ وليس عليه أيضا أن ms130 يأخذ ذات عور ولا جربة ولا جذعة ~~, وعليه أن يأخذ من الضأن بقدر حصتها , ومن المعز بقدر حصتها. # وأما الإبل العوامل والبقر والزواجر فإنها لا تؤخذ منها الصدقة؛ فما كان ~~في الشنق أخذ من صاحبها شاة وسطا ولا يكلف صاحبها شططا , ولا يؤخذ من ~~الدراهم حتى([2]) نصف الشاة شاة وسطة يقبضها المصدق , ثم إن أراد أن يبيعها ~~منه عن تراض منهما على ما اتفقا عليه من الثمن بغير جبر ولا إكراه؛ وكذلك ~~الفريضة إذا وجبت في الإبل فلا تباع من صاحبها حتى يحضر فيقف ثم يقبضها ~~المصدق؛ فإن اتفقا على المبايعة وإلا أخذ المصدق فريضته؛ ولا يكلف صاحب ~~المال أن يأتي بفريضة من غير إبله , ولا يقال إن إبلك ليس فيها فريضة ~~كريمة؛ فأحضرنا فريضة كريمة؛ فإن ذلك ليس عليه إنما عليه أن يعطي ذلك الشيء ~~الذي وجب عليه من إبله وإن لم يوجد ذلك الشيء ,ووجد دونه أو فوقه أخذ ~~المصدق ما فوق ذلك السن ويرد على صاحب الإبل بقدر الفضلة من الورق والغنم , ~~ولا يأخذ دون ذلك السن ويسترد الفضل من صاحب الإبل , ويأمر الساعي أن يقسم ~~ثلث كل حي على فقرائهم ولا يسلم ذلك إلى أهل الأموال , فإن لم يكن معه ~~فقراء تجاوز إلى فقراء أقرب الأحياء إليهم , وليس للسعادة أن يحسبوا شيئا ~~من مؤنتهم على الثلث. PageV01P161 # وأعلم أن أهل الذمة تؤخذ منهم الجزية عند انسلاخ الشهر , ويؤخذ من ~~الدهاقين والملوك من كل واحد أربعة دراهم كل شهر , ويؤخذ من سائرهم وأهل ~~السعة من كل واحد منهم درهمان في كل شهر , وليس على الصبيان والشيخ الفاني ~~ولا على الفقراء؛ ولا على الأمناء ولا على النساء ولا على العبيد ولا ~~الإماء شيء , وينبغي أن يؤخذوا بربط أوساطهم بالكسانيح وجز نواصيهم وشرك ~~نعالهم , حتى لا يشبهوا بأهل الصلاة , ويركبوا على الأكف ولا يركبوا على ~~السروج ويزجروا عن شراء عبيد أهل الصلاة وإمائهم , فمن فعل ذلك منهم عزم ~~عليه حتى يبيعهم لأهل الصلاة , وكل مال من مال أهل الصلاة اشتراه ms131 أهل الذمة ~~فقيه العشر تاما؛ وكذلك المواشي التي كانت لأهل الصلاة ثم صارت إليهم ففيها ~~الصدقة؛ وأظهر الشدة والتخويف لأهل الخلاف لقول المسلمين من يرى رأي ~~القدرية والمعتزلة والخوارج والمرجئة , وأخمد أمرهم وأمت بدعتهم وأوعر ~~إليهم في اللفظ على ألسنتهم , والكف عن القول بغير قول أهل هذه الدعوة , ~~فمن أظهر شيئا من ذلك فارفع إلى أمرهم حتى أنظر وآمرك فيهم برأي إن شاء الله. # وأعلم إني قد وضعت لك جملا في كتابي هذا مما أرجو لك ولي فيه السلامة من ~~العيب والإحياء للسنة والإماتة البدعة؛ واقتدي بما كتبت لك ولا تجازو شيئا ~~من ذلك ولا تختر عليه غيره , فإنك إن تركت شيئا مما كتبت لك وعلمت بخلافه ~~لم آمن عليك العيب في الدنيا والآخرة , وكلما جاوزت أمري فلزمك في ذلك قصاص ~~لأحد أو أرش أو غرامة في مال فهو عليك في نفسك ومالك دون مال المسلمين وإن ~~عرض لك أمر مما لم أكتب به لك في كتابي هذا فلا تتقدم على إنفاذه حتى ~~تشاورني فيه إن شاء الله. PageV01P162 # هذا كتابي لك ونصيحتي إياك وموعظتي لأهل ولايتك , والله أسأله لك ولنا ~~التوفيق وقبول النصائح والاقتداء بآثار الصالحين؛ وأن يهجم بنا وبك على عدل ~~الأمور وأصوابها وأرضاها لله؛ واقرأ كتابي هذا على ولاتك إن شاء الله ~~والحمد لله رب العالمين , وصلاته على خير خلقه محمد وآله الطيبين وسلم ورحم ~~وكرم؛ ولا تخرج أصحابك إلى الماشية إلا بعد الفطر , فإن كل شيء أخذوه قبل ~~الفطر فهو حرام مردود ( وإن ارتبت فرد العهد إلى إن شاء الله تعالى والحمد ~~لله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما ). # قال غيره: وذلك عندي لأن مبتدأ مملكة الأئمة بعمان كان في شهر رمضان على ~~ما وجدت في أخبار عمان؛ فمن هنالك لم يروا أخذ زكاة الماشية والورق إلا بعد ~~الفطر لأنهم لا يرون أخذ زكاة الماشية والورق إلا بعد حول السنة وإلى الفطر ~~تحول السنة. # =============================== # [1] - خ خليد. # [2] - سقط بالأصل # ذكر الحكم في رجل من أهل ms132 بسيا # اتهم بقتل رجل فسجنه الإمام على التهمة فطال حبسه فأقر بالقتل ولكنه ادعى ~~أنه قصد غيره فأخطأ فيه , فشاور الإمام في أمره من حضر من علماء المسلمين؛ ~~وكتب بذلك إلى أبي عبيدالله محمد بن محبوب فأجابه بقوله: وذكرت رحمك الله ~~ما يفسد به أمور رعيتك ما يحتاج فيه إلى مشاورة الإخوان , وإن محمد بن عمر ~~من أهل بسيا كان في الحبس على تهمة بقتل رجل , فأقر عندكم أنه أراد قتل رجل ~~فقتل غيره , وكان عنده إنما قتل الذي قصد إليه إلى أن رآه حيا ووقع القتل ~~بغيره فبان له ذلك بعد فوت الرجل , وذكرت رحمك الله إنك كتبت إلى القاضي ~~تشاوره فكتب إليك أن مثل هذا يستودع الحبس عمره , وإنك جمعت من كان بحضرتك ~~وأبرزته إليهم فأقر معهم بهذا الإقرار , فرأى من رأى عليه القود وذكرت إنك ~~قد حبست هذا الرجل كثيرا وأحببت أن أعرفك رأيي في ذلك؛ فأسأل الله أن يهجم ~~بك وبنا على الصواب , وأن يوفقك للحكمة وفصل الخطاب. PageV01P163 # وأعلم رحمك الله أنه إنما يحبس أهل التهم بالدماء حتى تقوم عليهم البينة ~~العادلة أو يقروا بما كان منهم؛ ولا يصح ذلك عليهم؛ فيرى الإمام أنه قد ~~اجتهد وبالغ في حبسهم فيرى بعد ذلك إطلاقهم , ومن أقر منهم على نفسه بالقتل ~~إقرارا صحيحا كان حقا على الإمام أنفاذ الحكم فيه بما جاء في كتاب الله ~~تعالى؛ فإن لم يجد في كتاب الله فمن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ~~فإن لم يجد فمن آثار أئمة الهدى والعلم بالله؛ وإنما يحبس من لم يدع إلى ~~الإنصاف من نفسه, فأما من دعا إلى أخذ الحق منه وأقر لأهله فلا حبس عليه. # وأعلم أسعدك الله أن في مثل هذا عندنا أثرا عن أسلافنا وأئمة الهدى منا ~~وكان مثل هذا بنخل أنت إن شاء الله قد عرفت ذلك في قتل سعيد بن محمد النخلي ~~, فأقر ربيب سعيد بن عمر أن قتله , وإنما أراد قتل عمه زوج أمه سعيد بن عمر ~~وإليه ms133 قصد وكان المقتول غيره وهو سعيد بن محمد؛ ثم شاور عبدالملك الإمام في ~~ذلك رحمه الله فلم يرد عليه موسى بن علي رحمه الله وغيره من المسلمين القود ~~, ووجدت في بعض آثار المسلمين في هذا أنه قود عليه فأعلمت بذلك عليا فأعجبه ~~وتمسك به , وقال إنما هذا إقرار الرجل على نفسه. PageV01P164 # فهذا الذي حفظنا؛ وقد كان الأزهر بن علي قد خالفهم في ذلك فلم يأخذوا ~~بقوله والذي نأخذ به أنه لا قود على هذا الرجل وإنما تلزمه الدية في نفسه؛ ~~ولا تلزم عاقلته منها شيء؛ وإن أرادوا أولياء الدم يمينه فعليه لهم يمين ~~بالله أنه ما قصد إلى قتله صاحبهم هذا ولا تعمد ذلك , وما أراد إلا قتل رجل ~~غيره فأخطأ به؛ وليس هذا رحمك الله عندنا بمنزلة من أقر بقتل رجل؛ فقال ~~ابتداني فضربني وبغى على فقتلته؛ هذا لا يقبل منه دعواه إلا بالبينة؛ إلا ~~أنه قد أقر أنه قصد إلى قتله وادعى بغية عليه؛ وذلك يقول إني لم أقصد إلى ~~قتل هذا ولا أردته؛ وإنما أردت قتل غيره فقتلته؛ وعندي أنه ذلك الذي أردته ~~ثم بان لي أن الذي أردت قتله حي؛ وإنما وقع القتل بغيره , ولو أن رجلا أقر ~~بقتل رجل , قال رأيته قتل ابني فقتلته , لم يقبل دعواه هذه إلا بشاهدي عدل ~~وإلا لزمه القود. # ثم سار موسى بن موسى بن علي إلى نزوى يريد عزل الصلت وتابعه على ذلك ~~عبيدالله بن سعيد بن مالك الفجحي والحواري بن عبدالله الحداني السلوتي وفهم ~~ابن الوارث الكلبي والوليد بن مخلد الكندي , فسار هؤلاء ومن اتبعهم حتى ~~اجتمعوا بفرق مع موسى بن موسى؛ وكان الأمر إليه يومئذ؛ فلما اجتمعوا بفرق ~~خرج الصلت بن مالك من بيت الإمامة؛ وذلك يوم الخميس لثلاث خلون من ذي الحجة ~~سنة اثنتين وسبعين ومائتين. وكانت إمامته خمسا وثلاثين سنة وسبعة أشهر ~~وثمانية عشر يوما. PageV01P165 # ولما خرج الصلت بن مالك من بيت الإمامة بلغ ذلك موسى بن موسى والذي معه ~~بفرق , فبايعوا راشد بن النظر ms134 ذلك اليوم , وهو يوم الخميس , وتفرق رأي ~~المسلمين يومئذ وفسدت أمورهم واختلفوا فيما بينهم في الرأي ووقعت الفتنة؛ ~~وكره قوم إمامة راشد بن النظر ولم يبايعوه , منهم عمر بن محمد الضبي القاضي ~~وموسى بن محمد بن علي وعزان بن الهزير وأزهر بن محمد بن سليمان وعزان بن ~~تميم وشاذان بن الصلت ومحمد بن عمر الأخنس وغدانة بن محمد وأبو المؤثر ~~وغيرهم , ولم يزالوا مستمسكين بإمامة الصلت بن مالك إلى أن مات ليلة الجمعة ~~للنصف من ذي القعدة سنة خمس وسبعين ومائتين , فصلى عليه عزان بن تميم , ~~ودفن يوم الجمعة وبلغ الخبر عمر بن محمد القاضي فخرج إلى نزوى , فقيل أنه ~~تكلم عند خاصته فقال: اليوم مات إمامكم فتمسكوا بدينكم , وحدث يعقوب بن ~~غيلان عن الفضل ابن الحواري إنه دخل نزوى أيام راشد بن النظر , فإذا هم على ~~سبع فرق. # ذكر الأسباب التي اقتضت عزل الصلت بن مالك عن الإمامة PageV01P166 وقد ~~اختلف الناس في ذلك اختلافا كثيرا , فمن عذر موسى وراشدا في خروجهما ذكر ~~أسبابا تسوغ لهما صنيعهما , ومن خطأهما على ذلك ذكر أسبابا منكرة وأحوالا ~~غير جميلة , وكثرت في ذلك الدعاوي , ووقف من وقف من المسلمين للإشكال ~~الواقع , فكان ممن يقف عنهم أبو الحواري محمد بن الحواري القري , المغروف ~~بالأعمى وأبو إبراهيم محمد بن سعيد بن أبي بكر؛ وأبو عبدالله محمد بن روح ~~بن عربي وأبو عبدالله محمد بن الحسن وأبو عثمان بن مشقي بن راشد وأبو محمد ~~عبدالله بن محمد بن صالح وأبو المنذر بشير بن محمد وأبو سعيد محمد بن سعيد ~~, وكان ممن يبرأ من موسى وراشد أبو المؤثر الصلت بن خميس, وأبو المنذر بشير ~~في قول , وروى عنه الوقوف كما تقدم وأبو محمد عبدالله بن محمد بن محبوب ~~وأبو مالك غسان بن محمد بن الخضر الصلاني وأبو مسعود النعمان بن عبدالحميد ~~وأبو محمد عبدالله بن محمد بن أبي شيخة وأبو محمد عبدالله بن محمد بن بركة ~~وأبو الحسن علي بن محمد البسياني. # وكان ممن يتولى موسى وراشد ms135 الفضل بن الحواري ومحمد بن جعفر وابنه الأزهر ~~بن محمد , وقد قيل أن الأزهر نظر بعد ذلك في الاختلاف فرأى الوقوف أسلم ~~فرجع إلى الوقوف , وكان يتولى والده محمد بن جعفر؛ فأما الواقفون فلم يكن ~~لهم دعوى في الحديث وإنما الدعاوي بين المتوالين والمتبرئين. PageV01P167 # فمما ذكره المتولون ما قاله الأزهر بن محمد بن جعفر أن الصلت بن مالك صار ~~إلى حد الضعف والزمانة والعجز عن القيام بالإمامة , وخاف المسلمون ذهاب ~~دولتهم وزال نعمتهم , وكان موسى بن موسى في وقته هو شيخ المسلمين وإمام أهل ~~الدين , فاجتمع إليه أخلاؤه وساروا لينظروا المسلمون فيما فيه عز الدين , ~~فلما صاروا بقرف مكثوا بها وكانت الرسل فيما بينهم وبين الإمام , فقال ~~الإمام ما يطلبون فقالوا قد صرت إلى حد الضعف ويخافون ذهاب الدولة ويسألونك ~~أن تعتزل حتى يقوم رجل يحيي به الله هذا الدين أو نحو هذا من الكلام , قال ~~أنظر في ذلك فبقوا أياما ينتظرون رأيه ثم عزم على الاعتزال وحول ما في ~~منزله إلى المنزل الذي تحول فيه وأرسل إليهم إني قد اعتزلت فينظر المسلمون. # وممن أرسل إليهم الحسن بن سعيد وحضر قوله هذا الحسن من شاء الله من ~~الشراة وشهدوا أنه أرسل الحسن بحضرتنا غير مجبور ولا مقهور , ثم برز إلى ~~الناس وودعهم وداع تارك الأمر معتزل بنفسه عما كان فيه , وأمرهم بحفظ ~~العسكر إلى أن يصل القوم وقال من قال إلى أن يجئ موسى وقال من قال إلى أن ~~يجئ إمامكم وكان عنده في العسكر خلق كثير , فناظره منهم من ناظره فقالوا له ~~أتترك إمامتك , فزعق بهم على ما بلغنا ولم يلتفت إلى قولهم , فعند ذلك ~~انفلت من شاء الله من الناس الذين كانوا معه إلى موسى بفرق , وجاء إلى موسى ~~ورسوله وكتاب عزان بخطه يستحثهم إلى التعجيل إلى العسكر وكان أمره وأمرهم ~~إلى المسألة وعاش بجوارهم إلى أن مات. PageV01P168 # قال وممن شهد ببراءته من الأمر الحسن ابن سعيد ومحمد ابن القاسم ابن مسبح ~~وشهد معهم من العوام مع الاعتزال ms136 الظاهر الشاهر؛ قال وقد نسب ما فعله من ~~الاعتزال إلى فعل الصلاح والكرم , قال وكنت مخالطا لهم وأناظرهم في هذه ~~الأمور , فمنهم من كان مع موسى رأيه كرأيه , ومنهم من كان واقفا ولم تكن ~~البراءة من أحد منهم حتى مات أولئك بورعهم ووقفهم وخلف من بعدهم قوم والله ~~سائلهم عما إليه أسرعوا , قال ولعلهم يدعون إنهم أخذوا الذي أخذوا عن بشير ~~بن محمد ابن محبوب رحمه الله وأبي المؤثر , وكنت أختلط بأبي المنذر وكنت ~~أقرب عهدا به , وكنا جميعا بمكة وكان يلقاني وألقاه ويلتمس النظر في هذا , ~~ويطلب الآثار , وقال لي هؤلاء الذين يدعون وليس عندهم معرفة بما أنا عليه ~~وأنا أضعف عن القول فيما دون هذا , وما أنا إلا واقف ملتمس للحق , وهذا ~~الذي في أيدي هذه الناس إنما أخذوه عن أبي المؤثر؛ قال فهذا عن بشير رحمه ~~الله وكان على التوقف والورع, قال فإن كان أحد أخذ عنه غير هذه فقد رجع ~~ومات بعد أن فارقته من مكة بقليل رحمه الله. # قال وأما أبو المؤثر فلست أدري ما كان بينه وبين هؤلاء إلا أني أعرف ~~يقينا أن أبا المؤثر كان كاتب أبا علي وينكر مناكر كانت بصحار , ثم قدم من ~~صحار وقد قدم راشد وكان يختلف ويلقي والدي في تلك الأسباب , وقال لي والدي ~~وأنا أسمعه قال في أبي علي أنه أراد أن يكون بفرق ولو شهرين حتى يتفق الأمر ~~في الصلت بن مالك فاعتزل برأيه. PageV01P169 # وقال أبو المؤثر وأنا أحفظ هذا عنه أن الصلت بن مالك قد خرج من الإمامة ~~واعتزل ورد الخاتم؛ ولكن راشد لم يقم بعقده إلا موسى وحده , قال فانظر كيف ~~كان موسى جليلا عنده , فقال له والدي فنرسل إليه محمد بن المنذر فاستضعفته ~~, فقال له أسيد بن المنذر فقال نعم ورآه موضعا للعقد؛ قال فهذا الذي أحفظه ~~واستيقن عليه منه , قال ثم كان من بعد ذلك مخالطا لراشد ما شاء الله ثم وقع ~~سبب لعله عتب فيه على أبي علي وجرت الأعتاب بينهم ms137. # وقال محمد بن جعفر أما بعد رفع إلى المسلمين أن الغائب والضعيف والجافي ~~العنيف يسألون كيف جاز لموسى أن يولي راشدا قال فما كان عندنا فيه ارتياب ~~ولا أن يسك فيه ذوو الألباب , قال فأما الصلت فإنه ضعف وصار إلى حد العجز ~~عن حمايته وعزل نفسه وتبرأ إلى المسلمين من إمامته , وكان اعتزاله شاهرا ~~ظاهرا ووضحت براءته من الإمامة بالبينة العادلة عندنا , قال فلما اعتزل ولى ~~المسلمون راشد بن النظر وبعث الصلت بن مالك إليه بخاتم الإمامة ومفاتيح ~~الخزانة , ولم يعارضه في شيء وهو في جواره قريبا من سنة إلى أن مات , وليس ~~يذهب عليكم ما كان له من الأعوان والإجابة والقدرة من أهل عمان ولو كان ~~مقهورا أو أراد القتال , قال وعندنا أن موسى كان يريد عز الدين وصلاح ~~المسلمين والذي عرفناه من رأيه وعزمه في آخر عمره أن كان يريد اجتماع أهل ~~العلم والرأي الموثوق بهم حتى ينظروا أمر الصلت بن مالك وراشد وعزان , فحيث ~~كان الحق تبعه وأنه راجع إلى الحق في ذلك وإلى رأي المسلمون , قال وقد كان ~~موسى كتب إلى من كتب إليه من أهل سلوت في آخر أيامه إن الله وله الحمد قد ~~أخذ على القوام بأمره ميثاقا بلغنا إلى ذلك وأطاقنا ولا عز لنا عند الله ~~إلا بإبلاغ العذر فيما ألزمنا وطوقنا؛ ونرجو أن يشهد الله لنا أنا لم نقم ~~في شيء مما قمنا فيه لطلب فتنة ولا لحنة. PageV01P170 # فأما الصلت بن مالك فصار إلى حد الزمانه وتغير العقل في بعض الأوقات وشهد ~~عندنا عدول من الناس بما استحللنا من أمره ما استحللنا , وخرجنا للنظر منا ~~ومن المسلمين وإقامة الحجة في أمره , فاعتزل بأمره وأرسل إلينا من يثق به ~~أن ينظر المسلمين , وكتب إلى عزان بن تميم بخطه يذاكر اعتزاله ويستحثنا على ~~التعجيل , فلما صح عندي أنه قد برئ واعتزل اتفق المسلمون هنالك على ما ~~كانوا اتفقوا عليه , فهذا أمر الصلت بن مالك وليس عندي فيه شك ولا ريب. # وفي كتاب من الفضل ms138 بن الحواري قال في الصلت بن مالك أن الناس فيه فريقان: ~~فريق قال اعتزل وفريق قال عزل , وفريق قال قد استحق العزل , وفريق قال لم ~~يستحق العزل , قال والظاهر الشاهر أنه اعتزل لأنه قد ترك عسكر المسلمين ~~وبيت ما لهم وسلاحهم وترك سجنين مخوفين. PageV01P171 # قال وركب بعيرا وخرج حتى نزل دار ابنه من غير أن يلقى من القوم حجة ما ~~يريدون نصيحة أو عزلا أو دعاء إلى توبة , وقال لمن يبقى في العسكر احفظوا ~~عسكركم حتى يأتيكم إمامكم , وقال قوم أتانا كتاب من تخلف على العسكر أن ~~يعجلوا إلى العسكر , قال الإمام قد اعتزل فقدم القوم إماما وساروا حتى ~~نزلوا العسكر , وقدم إمام مكانه وبعث إليهم بالخاتم والكمة وآلة الإمامة , ~~ولم يقل لهم بيني وبينكم الحق فإني لم اعتزل , قال فأي اعتزال أبين من هذا ~~من غير أن يرى حربا ولا اختراط سيف ولا هدا بعصا ولا رميا بحجر , فإن قالوا ~~اعتزل تقية خاف على نفسه فأئمة العدل القاطعة للشرى لا تسعها التقية وعليها ~~الجهاد حتى تقتل وجاز له الاعتزال ولو أنه خرج هاربا فلحق بالرستاق أو ~~بالجبل وترك دولة المسلمين وقال لم أعتزل أو خرج إلى جلفار وأبعد وحده ~~وتجلى عن الأمر ثم قال لم أتبرأ كان على المسلمين أن يدعوا دولتهم ~~ويضيعونها أو يقوموا بها مع أنها حجة ضعيفة داحضة؛ واعتزاله كان شاهرا ~~ظاهرا فهو إذ تحول من موضع إلى موضع ولم يكن له إلا أن يخرج بعسكره وخيله ~~ورجاله وبيت ماله ويدعو القوم إلى الحق ويكون اعتزاله إلى موضع يرجو فيه ~~الأصلح للمحاربة , والاعتذار إلى آخر ما أطال فيه. # فهذه دعوى المتولين لموسى وراشد وهي محتملة للحق والباطل وما تعودوا ~~الكذب ولا يستحلونه وترك إنكار الصلت على موسى وراشد يسوغ لهم احتمال لصحة ~~لما ادعوه عليه , لأن ترك النكير ممن له النكير حجة , فلو باع رجل مال رجل ~~وهو في المجلس لا يغير ولا ينكر وهو حر بالغ قادر على الإنكار غير خائف ولا ~~متق ثبت البيع ms139 عليه , ولا يقال للبائع أنه تعدى على مال غيره وأنه ظلمه ~~وغصبه , فظهر من ذلك احتمال صحة ما ادعاه هؤلاء. PageV01P172 # وأما دعوى المتبرئين فإن أبا قحطان قال نشأ في الدولة شباب وناس يتخشعون ~~من غير ورع؛ ويظهرون حب الدين ويبطنون حب الدنيا , ويأكلون الدنيا بالدين , ~~فلما طال عمر الصلت بن مالك عليهم ملوه لما كبر وضعف وإنما كان ضعفه من قبل ~~الرجلين , وأما السمع والبصر والعقل واللسان فلم نعلم أنه ضاع منه شيء ولا ~~نقص منه شيء. # قال فلما ذهب أعلام المسلمين وفقهائهم وأهل الورع ومن يطلب الآخرة وبلغ ~~الكتاب أجله , وأراد الله أن يختبر أهل عمان كما اختبر من قبلهم ليعلم ~~المطيع من العاصي وقد علمهم من قبل أن يخلقهم ووابتلى الله أهل عمان برئيس ~~وعلماء من علمائهم كما ابتلى غيرهم؛ فلما اختبرهم قل بصرهم وزالت عقولهم عن ~~الحق وخالفوا سيرة المسلمين إلا قليلا أنقذهم الله , قال فخرج موسى بن موسى ~~من أهل بيت علم وورع ووالده موسى بن علي رحمه الله كان في عصره مقدما على ~~أهل عمان قال فقام موسى بن موسى في أهل عمان يتكلم بلسان فصيح ويهتف في ~~مجلسه ويصيح ومرة يطعن في الإمام والقاضي , ومرة يطعن في الولاة والشراة , ~~ومرة يطعن في أصحابه ولا يسم للإمام بمكفرة , ولا يبن ما يدعوا إليه إلا ~~أنه ناصح للدولة وأهلها ويصل إلى الإمام؛ ويتكلم بما لو كان غير الصلت بن ~~مالك لحبسه في السجن أو يوضح على ما يقول برهانا أو يسمك لسانه عن شتم أهل ~~الدولة , ولكن الصلت كان رفيقا وكان يجله لموضع والده , ولم يكن يؤمل فيه ~~هدم الدولة لأنه كان يظهر أنه ناصح للدولة ولأهلها , وهو يسعى في فسادها ~~وهدمها للذي سبق في علم الله. # قال فلم تزل الأيام ترقي به وجالسه تغلظ وهو يوشب , أي يكبر على الدولة ~~ويسعى في هدم عزها؛ ويظهر إنه يريد إعزازها , حتى انتهت به الأيام أن جمع ~~الأعراب والطعام من الناس ومن يسرع إلى الفتنة. PageV01P173 # قال فتبعه الناس ms140 على منازل مختلفة؛ ومن بين رجل قد أغضبه أحكام المسلمين ~~, وأعز به فهو يطلب عزتهم , وآخر قد حسد من له في الدولة درجة رفيعة يطمع ~~أن ينال مثلها , وآخر يتعبد بغير بصر فيظن أنه محق وأنه يطلب حقا ولا يدري ~~أنه قد افتتن. قال فجمع موسى بن موسى الناس وسار بهم إلى فوق فوقعت الفتنة ~~في أهل عمان. # قال وكان موسى أشد فتنة على الناس , فإنهم قالوا إن وشل فرق تحول بدعائه ~~عذابا , وذلك بعد ما وصل موسى فرق ودعا الله أن يجعله عذابا , قال وحتى قيل ~~لو استنبئ بعد محمد صلى الله عليه وسلم لاستنبئ موسى. قال ولا يمكننا أن ~~نذكر كل ما قيل فيه. # قال فلما وصل موسى فرق يطلب عزل الصلت لا يذكره غيره اعتزل الصلت من ~~العسكر إلى بيت ولده شاذان؛ واستخلف في العسكر من استخلف , قال والذي ذكر ~~لنا عنه أنه قال إنما اعتزل خوفا أن يقع سفك دم بلا حجة وإنه لم يحضره من ~~يحتج به. # قال وفي كتاب الصلت بن مالك إلى الجمهور بن سنجة يخبره كيف كان اعتزاله , ~~وذكرت الذي كان في قضاء الله وقدره من سير هذا الرجل ابن موسى ومن كان معه ~~وقصدهم في ذلك لما أراد الله حتى اعتزلت من الموضع؛ وبلغك من تهب بيت مال ~~المسلمين وجعلوه دولا , وكلما وصفت من ذلك فقد فهمته عنك إن شاء الله. PageV01P174 # وأعلم يا أخي أن هذه الدولة قد كان لها رجال لهم حلوم راجحة عالمة وقلوب ~~سليمة؛ كانوا على أمر واحد يطأ الآخر أثر الأول , وقد كانت بينهم الأعتاب ~~فلم يبلغ بهم الأمر إلى مثل هذه الغاية , فلم يزالوا على ذلك حتى مضوا ~~فانقرضوا رحمة الله عليهم , ثم خلفنا نحن وأنتم من بعدهم وبليت بهذا الأمر ~~من غير محبة مني فيه ولا طلب له؛ إلى أن طلب ذلك من طلب إلى من أفاضل ~~المسلمين وأهل الفقه في الدين , ورغبت في طلب الأمر بالمعروف والنهي عن ~~المنكر وإقامة الحق ورجوت نصرة المسلمين ms141 لي على ذلك؛ فكان يومئذ من قد عرفت ~~من أشياخ المسلمين فقمت بهذا الأمر ما شاء الله والمسلمون لي أعوان نحن وهم ~~على أمر جامع , إلى أن ذهب أهل الفضل ومن يحب الحق وأهل العدل , ونشأ شباب ~~وناس ظهرت رغبتهم في الدنيا وطلبوا الرياسة فيها؛ وكان موسى هذا يصل إلينا ~~ويقول أنه يأتي بنصح ويكاتب الناس ويؤلب على الدولة؛ ومرة ظهر الشتم لأهل ~~الدولة , ومرة يطلب خلاف ذلك , فلم تزل الأيام ترقى به وهو يدعو الناس إنما ~~يطلب الصلاح وإظهار الحق؛ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وويطلب إلينا ~~مطالب الصلاح ولا أعرفها من الحق ولا مقاربة إلى ذلك؛ وأنا أدعوه إلى كتاب ~~الله وسنة نبيه وآثار أئمة المسلمين. PageV01P175 # ولما يجتمع عليه رأي المسلمين؛ فيقول ويرسل إلى أنا لا أنظر إلى قول ~~فلان؛ ولا أرضي إلا أن تنزل إلى قولي ورأي عدله؛ فلم أر ذلك من الحق؛ ثم ~~حشد وسار إلينا بمن أجابه , وكتب إلى من شاء الله من المسلمين حضر من حضر؛ ~~وزحف القوم إلينا وتقارب بعضهم من بعض؛ فأمرت الشراة ومن كان على هذا الفئ ~~بالشخوص ومنع العسكر , وأن يجاهدوا على الدولة , فكرهوا فأمرتهم بالتقدم ~~فتأخروا ولم يصلوا؛ فكتبت إلى عمر بن محمد القاضي بالخروج إلى وخرجت إليه ~~فلم يخرج؛ وصرت أنا في حد من عرفت من الضعف , وخفت أن يصل القوم ويدخلوا ~~العسكر , وتلقاهم رجال فيقع الحرب وسفك دم؛ وأنا في البيت بلا حجة ولا أمر ~~يكون في إظهار الأمر , فخفت سفك دماء الناس فرأيت أن تحولت إلى منزل ولدي ~~بلا ترك للإمامة ولا بخلع لها ولا لما طوقني الله من هذه الأمانة , فأمرت ~~بحفظ مال المسلمين وحفظ السجنين , وأمرت عزان ابن تميم بالقيام في ذلك؛ ~~فلما بلغ القوم ذلك دخلوا؛ وزعم موسى أنه قد عقد للإمام برأيه وكسروا بيت ~~مال المسلمين ونهبوه وأذهبوه وأطعموه في هذه الدولة عدوها , وفعلوا ما لم ~~يرض الله به وما اختلعت وما تبريت , قال هذا ما أخذنا من كتاب الصلت بن ~~مالك ms142 ولم أكتب لكم الكتاب كله لطول الكلام. # قال: ولما اعتزل الصلت بن مالك اغتنم موسى بن موسى وعقد لراشد إمام قبل ~~أن يدخل نزوى ويسأل الصلت عن اعتزاله ويحتج عليه فيه عن خوف اعتزل أو عن ~~ضعف عن القيام بحق ما طوقه الله؛ أو امتناع بحدث لزمه منه الحق إن كان موسى ~~يدعي عليه ذلك , ولا سأله حجة ولا عرض عليه التوبة؛ ولا سمى له مكفرة؛ ~~ولكنه عقد على راشد إماما على أهل عمان بالغلبة والجبرية وقعد قاضيا له ~~طلبا الملك والدنيا , فوطئ موسى وراشد ومن أثر الصلت ابن مالك وولوا ولاته ~~وأنفذوا أحكامه كأنه ميت , ولا نعرف هذا من سير المسلمين. PageV01P176 # قال فإن يكن الصلت بن مالك محقا فقد كفروا ببغيهم. قال فلما استقر الأمر ~~لموسى وراشد لبثا في ملكهما ما شاء الله , وهما وليان لبعضهما بعض؛ راشد ~~إمام وموسى قاض له؛ يدعو له بالإمامة والنصرة على عدوه , وكان في قرب ولاية ~~راشد خرج عليهما نصر بن منهال وفهم بن وارث وأبو خالد ومصعب وخالد بن سعوة ~~وناس كثير. # وكان فهم وأبو خالد ومصعب ممن خرج على الصلت بن مالك , وحضروا بيعة راشد ~~وبايعهم فخرجوا عليه بعد ذلك , وأرسل إليهم الجيوش , وكان موسى وليه على ~~ذلك يدعو له بالمصرة. # قال فلم يزل موسى مع راشد حتى بلغ الكتاب أجله , وأراد الله أن يبدي من ~~عورته ويهتك ستره؛ فخرج على راشد من بعد ما قدمه واختاره , فخلعه وفسقه ~~وبرئ منه؛ ودعا إلى حربه من غير مخالفة لراشد منه له بحدث يستحق به معه ~~الخلع في دينه , لأنه كان يراه إماما ففعل به مثل ما فعل بالصلت بن مالك ~~سواء بسواء , ودعا إلى عزله وألب عليه. PageV01P177 # قال: وقد كنا سمعنا أن راشدا خرج إليه إلى أزكي يسترضيه فلم يردك رضاه ~~واخذ في عزله من غير أن يظهر عليه حدثا يعرفه الناس , إلا أنه يدعو إلى ~~عزله كما يدعو إلى عزل الصلت بن مالك؛ بل كان الصلت بن مالك معه على ما ms143 كان ~~يظهر منه خيرا من راشد قال فسار موسى ومن اتبعه حتى نزلوا فرق واجتمع شاذان ~~ومن أجابه في موضع معاضدا لموسى؛ وكان الحواري بن عبدالله والوليد بن مخلد ~~ومن أجابه في موضع يقال له سندان في أعلا من الموضع الذي كان فيه شاذان؛ ~~وكان راشد في موضع الإمامة؛ والحواري ومن معه معاضدون له؛ فافترقوا بعد ما ~~كانوا على يد واحدة وسار الحواري والوليد ومن معهما يردان نصر راشد وقتال ~~شاذان وأصحابه , فالتقوا من قبل أن يصلوا راشدا فهزم الحواري والوليد ~~وأصحابهما؛ وقتل من قتل من أصحابهما؛ ثم سار شاذان وأصحابه فأخذوا راشدا من ~~موضعه بلا حرب وضربوه وحبسوه , ووصل موسى ومن معه إلى العسكر , وقد اجتمعوا ~~بعد الفرقة من غير توبة , فاجتمعوا وقدموا عزان بن تميم إماما والله أعلم ~~بأمورهم , وقد كان أبو المؤثر الصلت بن خميس يقول: إن بيعة عزان كانت صحيحة ~~ثم لم يحمد سيرته حتى قتل والله أعلم. # وقال أو المؤثر: سار بهم الصلت بن مالك رحمه الله سيرة يعرفونها إلا ما ~~قد يكون من الهفوة والزلة , والمسلمون لا يغتنمون العثرة ولا يردون التوبة ~~, وقد كان متمسكا , وهو في ذلك دون من كان قبله من أهل الفضل من أئمة ~~العدل؛ والآخر دون الأول , إلا أن المسلمين كانوا متمسكين بولايته يلون له ~~إذا ولاهم ويعينونه إذا استعان بهم , لا نعلمهم يعصونه ولا يتناهون عن ~~معونته إلى أن مضوا لسبيلهم رحمة الله عليهم. PageV01P178 # قال ثم خلف من بعدهم خلف قليل علمهم؛ فجعل الصلت يولي ولاة يثق هو بهم ~~ويشكون ويرتاب فيهم بعض المسلمين وينهونهم من غير أن يصح علمهم ببينة عادلة ~~, فتقوم الحجة على الصلت وتلزمه اللائمة أن يعزلهم؛ وقد كان يولي ويعزل ~~وننصح له ويقبل , وربما دافع إذا لم تقم بينة على ما يستحقون به العزل , ~~قال وهو مع ذلك لم ينقطع مع عامة المسلمين ولايته , ولم يزل معهم إماما ~~ثابتة إمامته فيما علمنا. PageV01P179 # قال إلى أن برز موسى بن موسى فجعل يتكلم ويدعي أنه يأمر بالمعروف ms144 وينهى ~~عن المنكر؛ ولا يسم بحدث منه ولا ذنب مكفر؛ ولا حجة يقيمها على الإمام ~~يعلمها العامة , إلا انه كان يطلب عزل بعض الولاة وعزل بعض الوزراء فيما ~~ذكر لنا؛ وعزل بعض المعدلين؛ وأن يولى بعض الناس فيما ذكر لنا , فكان يقول ~~فيما بلغنا أن الدولة في أيدي الفسقة , ولا يسمي الذنب الذي فسقوا به , ~~وكان حقا عليه أن يسمي ذنوبهم قبل أن يفسقهم؛ وهم في ذلك يلقونه ويأتونه ~~ويقرب مجالسهم إذا أتوه ولا يبعدهم لأجل حدثهم إن كان لهم حدث فيما يزعم , ~~وهو في ذلك خطيبهم في يوم الجمعة ويصلى الناس بخطبته ركعتين , فقيل له لم ~~كنت خطيبا لهم يصلى الناس بخطبتك ركعتين؟ قال قد كان المسلمون يصلون الجمعة ~~خلف الجبابرة قال أبو المؤثر: فهذا خطأ منه وجهل بآثار المسلمين , لأن ~~المسلمين لم يختلفوا في أن صلاة الظهر يوم الجمعة مع غير أئمة العدل أربع ~~ركعات إلا في الأمطار الممصرة , وأما غيرها فلا , مع أن المسلمين لم يكونوا ~~خطباء للظلمة ولا لأعوانا لهم ولا يتلون أعوانهم. قال ثم جعل يخطب ويتكلم ~~ويسب ويشتم ولا يسمى حدثا ولا ذنبا بعينه. وكان يسميهم العيارين , وكان ~~يقول لأبعثن عليهم من أهل عمان رجلا يكسعون أدبارهم قال وجعل أهل الدنيا ~~والأطماع والإحن يستولون عليهم ويتقربون منه وجعل الصالحون يتبعدون عنه إلا ~~قليلا؛ قال فجعل يكاتب أهل الدنيا وأهل الأطماع وأهل الإحن ومن قد سخمته ~~كلمة فأمرها حنة ومن قد جرى عليه حكم فاستتر عنه ظلما. PageV01P180 # قال: فخرج معه عبدالله بن سعيد فسار بناس من اليحمد منهم طغام لا يعرفون ~~حقا من باطل, ومنهم من يتحرى الحق ويظن أن الأمر يؤتى من جهته , فساروا ~~بأخلاط الناس والرعاع سراعا إلى الفتنة ينساقون لسائقهم , وينقادون لقائدهم ~~, لا يسألون عن الحق ولا ينكرون الباطل , إلى أن بلغوا أزكي فأخذوا فيما ~~بلغنا حبا كان جمعه والي أزكي ووالي مطي من الصدقة فيما ذكر لنا فأنفقوه ~~على جيشهم. # قال ثم ساروا حتى نزلوا فرق قريبا من عسكر الإمام بمقدار ms145 فرسخ أو نحو ذلك ~~ثم أمر بهم الأعراب وأهل الجفا وأصحاب الحنات وأكثر الناس يسرعون إلى ~~الفتنة , وفيهم ناس من ضعاف الناس , قال فلما خذل الصلت واجتمع عليه أخلاط ~~الناس إلا بقية بقيت معه في العسكر وهم الأقل خرج الصلت من دار الإمامة ~~فتنحى عنها إلى منزل قريب منها , وظن من بقي من المسلمين أن موسى لا يعجل ~~وإنه سيأتي إلى موضع الإمامة ويجمع المسلمين ويشاورهم في الأمر , وينظرون ~~في حدث الصلت ويحتجون عليه , فإن كانت له ذنوب وقفوه عليها وسألوه على ما ~~اعتزل وتبرأ من الإمامة أمن ضعف أم من إصرار على ذنب أم تحول من دار إلى ~~دار انتظارا منه لرأي المسلمين. # قال فلم يفعل موسى شيئا من هذا حتى أرسل إلى راشد بن النظر فبايعه على ~~غير مشورة من المسلمين , وما حضره يومئذ أحد ممن يثق هو به لفتيا مسألة إلا ~~من شاء الله , وقد كان فيما بلغنا بعضهم كارها لفعله مشيرا بغيرها ما فعل , ~~ولكن غلبتهم الكثرة , وكان قد ساعد موسى فيما بلغنا فهم بن وارث وعبدالله ~~بن سعيد وهما غير أمينين ولا رشيدين , فأما فهم بن وارث فقد كان ابنه أحدث ~~حدثا اتهم انه كابر جارية بكرا على نفسها حتى استجارت منه فيما ذكر لنا ~~بعلامة منه فامتنع وما تعوطى منه حقا فيما بلغنا , قال وأما عبدالله بن ~~سعيد فسفيه جاف قريب من الفتنة جاهل بالسنة وهو رئيس معهم كبير. PageV01P181 # قال فبايعوا راشدا في غير موضع البيعة وعقدوا له في فير موضع عقد الإمامة ~~والله أعلم كيف كانت بيعتهم أحسنوا عقدها أم لا , ثم ساروا به حتى أنزلوه ~~دار الإمامة وقبض خزائن المسلمين وأنفق الأموال , فأما أهل الفقه والعلم ~~فيحتجون أنهم لم يرضوا ولم يروا عدل ما فعل , فغلبهم الناس وقهروهم وبعض ~~تحير ووقف ثم احتج باعتزال الصلت لا بحدثه ثم أرسلوا إلى خاتم الإمامة ~~فأخذوه منه. # قال فلما أقاموا راشدا إماما أثبت ولاة الصلت في مواضعهم منهم من كانوا ~~يطعنون عليه وينكرون ولايته , ومنهم ms146 من لم يكن يطعن عليه؛ ولم يعزلوا منهم ~~إلا قليلا منهم من عزلوه , ومنهم من عزل نفسه من غير أن يعزلوه واستعانوا ~~بأعوان الصلت وقودوا قواده منهم الحواري بن بركة بعثه الصلت قائدا إلى والي ~~سمائل ليمنعه منهم في مسيرهم إلى الصلت , فلما ظهروا واستعانوا بالحواري ~~ابن بركة على ما يستعين به عليه الصلت ولوه على الماشية وجعلوه قائدا. PageV01P182 # ومنهم الحسن بن سعيد كان وفدا للصلت إليهم وحجة له عليهم فيما بلغنا فلما ~~أظهروا عزلوه عن الرستاق وولوه جلفار واختيارا منهم له وثقة منهم به بلا ~~ثوبة فلما ولو الأمر لم يظهروا للصلت ذنبا ولم يعنفوا له حكما ولا وجدوا ~~منه مظلمة فيردوها , قال فهؤلاء الخارجون على الصلت ما أوقفوه على ذنب ولا ~~استتابوه منه ويسمونه كاذبا ومخلفا ولا يسمون كذبه ما هو, فإن زعموا أنه قد ~~وعدهم أن يعزل واليا ثم لم يعزله فذلك خلفه فإن الصلت يحتج فيما بلغنا أنه ~~كان يجيبهم إلى عزل الوالي ويريد أن يعزله ثم ينظر فلا يرى لذلك البلد أصلح ~~من ذلك الوالي فلا يعزله , فهذا ليس منه خلفا وإنما هذا نظر منه وهم اليوم ~~يتولون ولاة الصلت ويولون ولاة كان يوليهم الصلت ثم تركهم ويولون ولاة ~~كانوا يصحبون الصلت وهم خلعوا الصلت وعزلوه , إلى آخر ما أطال في ذلك؛ وكذر ~~من أحداث موسى وراشد بعد الإمامة ما لا يناسب ذكره هاهنا , وسنذكر بعضه في ~~الباب الآتي إن شاء الله تعالى. # فهذه الأحوال التي ذكرها المتبرئون من موسى وراشد لخروجهما على الصلت وهي ~~دعاو تحتمل الحق والباطل وما تعودوا الكذب ولا يستحلونه , فمن هاهنا توقف ~~من توقف من أفاضل المسلمين في أمر موسى وراشد لالتباس أمرهما وكل مشكل ~~موقوف , والواقفون منهم يتولون أوليائهم الذين يتولون موسى وراشد أوليائهم ~~الذين يتبرؤون من موسى وراشد لإمكان صحة الدعوى عند كل واحد من الفريقين , ~~ومضى على ذلك ما شاء الله من الزمان وكتب الإمام راشد بن سعيد في ذلك كتابا ~~جعله صلحا بين المختلفين في أمر ms147 موسى وراشد نذكره في إمامته. PageV01P183 # ثم ظهرت أناس بعد ما مضى ما شاء الله من الزمان وبعد انقراض تلك العصور ~~فغلوا في أمر موسى وراشد , وأوجبوا البراءة منهما على الناس وقالوا لا يسع ~~جهل الحكم بحدثهما لأنهما خرجا على الإمام العادل وهو إمام بالإجماع؛ ~~والخارج على إمام بالإجماع باغ بالإجماع؛ والبراءة من الباغي بالإجماع ~~واجبة بالإجماع ورأس هذه الفرقة وعميدها الذي اشتهر فيها أبو محمد عبدالله ~~بن محمد بن بركة ومن أخذ عنه من أهل عمان منهم أبو الحسن علي بن محمد ~~البسياني , وتبعهم على ذلك خلق وسميت فرقتهم الرستاقية , ونقض عليهم أهل ~~الحق مقالتهم هذه وردوا عليهم غلوهم. # وممن اشتهر في الرد عليهم أبو عبدالله محمد بن روح بن عربي وأبو سعيد ~~محمد ابن سعيد الكدمي , وفي الرد عليهم ألف كتاب الاستقامة بأسره , وتبعهم ~~على ذلك ناس وفقوا إلى الهدى وسميت فرقتهم النزوانية , وبلى أهل عمان بهذا ~~الافتراق بلاء عظيما , وبقيت الفرقة زمانا طويلا حتى ظهر الإمام الموفق ~~المؤيد ناصر بن مرشد رضي الله عنه وأرضاه , فأمات تلك البدعة وأحيا منار ~~الحق وظهر الإسلام والحمد لله على إماتة الفتن. # أما قولهم أن الصلت إمام بالإجماع فهو كان كذلك لكن خصمهم يدعي أنهم لم ~~يخرجوا عليه وإنما خرجوا لمناظرة المسلمين ومشاورتهم في أمره وطلبوا منه أن ~~يعتزل عن الأمر , فاعتزل غير مجبور ولا مقهور؛ وإن للإمام أن يعتزل إذا طلب ~~منه المسلمون ذلك؛ فهذه دعواهم تقول نحن لم نخرج عليه وإنما خرجنا للمناظرة ~~ولم نقدم عليه إماما وإنما قدمناه بعد اعتزاله , فإن صحت هذه الدعوى وهي ~~محتملة فلا تصح البراءة من موسى وراشد , فكيف يلزمونها الناس , ثم إن هذه ~~القضية كانت في زمان قبل ظهور هؤلاء الغلاة فالناس منها في سلامة. # فما مضى قبلك لو بساعة ... = ... فدعه ليس البحث عنه طاعة # بل البحث عنه تجسس عن عورات المسلمين وهو من المحرم في الدين. PageV01P184 # قالوا إن المسلمين في عصر الصحابة لم يقبلوا من الطلبة بدم عثمان إلا ~~الرجوع عن ذلك والبراءة ms148 من عثمان وتصويب المسلمين على خلعه وعزله. # قلنا أن الصحابة لم يدعو الناس إلى البراءة من عثمان إلا بعد اشتهار ~~أحداثه بين الخاص والعام؛ فحكم فيها المسلمون بأنها مخالفة لكتاب الله وسنة ~~رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وطلبوا منه الرجوع إلى الحق مرارا فكان يتوب ~~ويرجع حتى طلبوا منه الاعتزال فأبى وأحاطوا به ليعتزل فكان من قدر الله ~~عليه أن قتل , ثم أن فريقا من الناس قاموا في طلب دمه بعد ظهور ذلك منه ~~وحكم المسلمين عليه وما طلبوا بدم عثمان , وإنما طلبوا الملك والدولة ~~وتستروا عند العوام بقولهم نطلب بدم الإمام , فكانت بذلك فرقة عظيمة ~~فالطالبون بدم عثمان يتولونه على أحداثه ويبرؤون من المسلمين على قيامهم ~~عليه وعلى حكمهم عليه بحكم الله , فمن هناك لم يعذروا أهل تلك الفتنة إلا ~~البراءة من عثمان وأشياعه وبعد انقراض تلك الفتن وذهاب تلك الأمم لم يلزموا ~~الناس أن يحكموا في أمر عثمان وأشياعه بحكم إلا من بلغه العلم القاطع ~~بحدثهم وعرف الحكم في ذلك فإنه يلزمه أن يحكم فيهم بحكم الله لأداء الواجب ~~من فرض البراءة , وأما الجاهل بحدثهم وحكم حدثهم فلا يلزمه منه شيء وإنما ~~يلزمه أن يتولى المسلمين على ولايتهم لمن تولوا وبراءتهم ممن برؤوا , ~~وهؤلاء الغلاة ألزموا الناس البراءة من موسى وراشد بعد مضي ثلاثة قرون , ~~فحكمهم في ذلك مخالف قطعا لحكم المسلمين في أشياع عثمان , لأن المسلمين ~~يعذرون الجاهل بعد انقراض المحدثين ويسعون لهم في الوقوف ما لم يتولهم أو ~~يعرفوا الحكم فيهم , وهؤلاء يلزمون الجاهل البراءة من موسى وراشد بعد ~~انقراض ثلاثة قرون وأن جهلوا الحكم فيهم. # ظك PageV01P185 قالوا يلزمهم أن يسألوا عن دينهم والبراءة من الحدث واجبة ~~فعليهم أن يسألوا عن واجبهم ( قلنا ) ذلك فيمن وجب عليه ذلك وهو أمر خاص لا ~~يعم جميع الناس , وإنما يعم من بلي به , ثم إن البراءة من الأشخاص لسيت مثل ~~الصلاة والصوم فإنها وإن كانت لازمة فإنما تلزم من وصل إلى علم ذلك ببصر ~~نفسه , أما من وصل ms149 إليه ببصر غيره فلا يلزمه بإجماع , وإنما يلزمه على قول ~~, فليس لهؤلاء الغلاة أن يخطؤا أحدا تمسك بقول من أقوال المسلمين. # ثم أن الدين يتم من غير أن نذكر في اعتقادنا البراءة من فلان وفلان , بل ~~يكفي أن نعتقد البراءة من جملة أهل الضلال فقد بعث رسول الله صلى الله عليه ~~وآله وسلم والناس في جاهلية عمياء , فلم يكن يدعوهم إلا إلى الشهادتين , ثم ~~يعلمهم شرائع الإسلام , وكانوا قبل ظهوره يتولون آباءهم وطواغيتهم فلم يكن ~~صلى الله عليه وآله وسلم يلزمهم أن يبرؤوا منهم واحدا واحدا , وإنما يكتفي ~~منهم بقبول الإسلام والدخول في شرائطه ويتضمن ذلك البراءة من أضداده , وقد ~~اكتفى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من المشركين بقبول ~~الإسلام , ولم يكتف الغلاة من المسلمين إلا البراءة من موسى وراشد فالله ~~المستعان والتوفيق بالله. # باب إمامة راشد بن النظر # وهو من اليحمد من الفجح وهو إمام موسى بن موسى بايعه هو ومن معه بفرق لما ~~بلغهم أن الصلت خرج من بيت الإمامة وذلك يوم الخميس لثلاث خلون من ذي الحجة ~~سنة اثنين وسبعين ومائتين , وكره قوم إمامته منهم عمر ابن محمد القاضي ~~وموسى بن محمد بن علي وعزان بن الهزير وأزهر بن محمد بن سليمان وعزان بن ~~تميم وشاذان بن الصلت ومحمد بن عمر بن الأخنس وغدانة بن محمد وأبو المؤثر ~~وغيرهم ممن لم يسم لنا ولم يزالوا متمسكين بإمامة الصلت بن مالك إلى أن مات. PageV01P186 # قال أبو المؤثر أرسل موسى إلى راشدين النظر فبايعه على غير مشورة من ~~المسلمين وما حضره يومئذ أحد ممن يثق هو به لفتيا مسألة إلا ما شاء الله , ~~قال وقد كان فيما بلغنا بعضهم كارها لفعله مشيرا بغير ما فعل ولكن غلبتهم ~~الكثرة قال وكان ساعد موسى فيما بلغنا فهم بن وارث وعبدالله بن سعيد وهما ~~غير أمينين ولا رشيدين قال فلما استوليا على الأمر دخل داخل على راشد فقال ~~راشد أنصحوني فإني أقبل النصيحة , فظن أنه عند قوله فقال ms150 له الناصح أرسل ~~نفر من المسلمين لم يكونوا شهدوا أمر موسى وراشد وهما خيار أهل بلدهم معهم ~~شيء من علم وفقه , فقال له أرسل إليهم فإذا اجتمعوا عندك فقل لهم إني دخلت ~~في هذا الأمر فإن كنت مصيبا فأعينوني ووازروني , وإن كنت مخطئا فتوبوني؛ ~~فقال له اكتب هذا الكلام في كتاب وأملاه على صاحب له يقال له عمر بن عباد , ~~فلما فرغ مما يريد من نصيحته اطلع موسى على ذلك الكتاب فرد تلك النصيحة ولم ~~يرض رأي المسلمين. # قال فلما رد موسى النصيحة قال لهم قائل إن الإمامة لا تقوم بمشاورة أهل ~~الإحن ولا بأهل المعصية ولا سفك الدم ولا بأهل أمطاع فغضب موسى على أهل ~~العلم واستخفهم قال ثم أتى من أتى قبلهم إلى الذي أهدى إليه نصيحته جند من ~~جند الشيطان فأخافوه وأرعبوه ودخلوا منزله فكف الله شرهم وبأسهم. # ثم أنه أتى إلى راشد فما استتاباه من ذنب ولا لزمته عندهم عقوبة إلا إن ~~قالا له بايع فقال لراشد أبايعك على كذا وكذا شروط لله على الأئمة لم يكن ~~موسى يبصرها ولا يعلمها , فأبى راشد أن يبايع على ذلك وقبض كل واحد منهما ~~على غير بيعة , فقال جلساء السوء: بايعه على الجملة فقال الرجل لا لكل زمان ~~حكم ولا أبايعه إلا على التفسير , قال وهم لا يعلمون تفسيرا ولا جملة لو ~~سئلوا عن ذلك لم يهتدوا. PageV01P187 # ثم أن الرجل قال لموسى بعثتهم إلينا من جنودكم من أخافنا وأرعبنا فقال ~~إنا لم نبعث أولئك قال ثم وقعت رمية في الدار التي سكنها راشد فقالوا كسرت ~~جرة من صبي يرمي سدرة أو يرمي طائرا قال فاتهموا بتلك الرمية ابني محمد بن ~~الصلت والصلت بن مالك على غير سبب فيما بلغنا , قال: وقد قيل أن غيرهما ~~الذي رمى ولا نبرئهما ولا نحقق عليهما , فعظم شأن تلك الرمية فأمر الناس ~~فأحرقوا بعمهما , شاذان بن الصلت. # قال وقد بلغنا عن الثقة وصح معنا أنه كان بعض من هو حزب الصلت يقول لموسى ~~نحن ms151 نأتيك بالغلامين فكفوا عنا هذه البعوث , ولم يلتفت موسى إلى ذلك قال ~~وقد بلغنا أن عزان بن تميم كان يقول يا قوم نحن نأتيك بهما فلم يلتفتوا إلى ~~ذلك حتى أحرقوا بهم وما حارب المسلمون عدوهم من أهل القبلة بالنار قط. # قال ثم إن موسى جعل يستكتب كاتب الصلت الذي يبيعه وأجاز شهادته على ~~ثلثمائة نخلة صداقا لامرأة شهد لها وحكم بشهادتها على غير توبة , وهو كان ~~يبيعه ويطلب عزله , قالوا واستعانوا بسعيد بن محمد على قصص روح لا يؤتمن ~~عليها إلا أهل العلم والبصر والإمامة, وهو اليوم كاتب لراشد وموسى كان يعيب ~~الصلت بصحبته. قال ثم إن موسى قرب شاذان بن الصلت وكان يعيبه ويعيب أباه ~~فجعل يهاديه؛ يهدي هذا إلى هذا , ويهدي هذا إلى هذا. PageV01P188 # قال ثم أن فهم بن وارث ومصعب بن سليمان خرجا بمن خرج معهما من أخلاط ~~الناس أهل الرستاق وغيرهم حتى نزلوا بالروضة , موضع نحو فرسخين من نزوى أو ~~يزيد بقليل وراشد بنزوى , وقد كان وجه إليهم قوادا وليس فيهم فقيه ولا أمين ~~على حجة ولا بصير بسير المسلمين في الحرب , فلقوهم قبل وصولهم إلى الروضة ~~ثم سايروهم حتى نزلوا جميعا الروضة؛ فنشبت الحروب فيما بينهم بعد أسباب ~~يأتي ذكرها , وقتل من قتل واسر فهم وناس من أصحابه , وقتل نصر بن منهال شيخ ~~كبير ضعيف , وكان قد سار مع فهم؛ وذكروا أنه قتل وهو نائم وعقرت الجمال؛ ~~وقيل إن جملة المعقور ستة عشر جملا وفرسا , ونهبت أموالهم ودوابهم وثيابهم ~~في ما ذكر لنا , قال وليس هذا من سيرة المسلمين في أهل القبلة. قال ورفع ~~لنا الثقة أن الرجل من أصحاب فهم كان يتلجأ فتوضع عليه السيوف , وكان الرجل ~~يأتي مستسلما فيدفع إليهم سيفه فيأخذونه ثم يقتلونه , لم يظهر لموسى من ذلك ~~إنكار ولا تغيير. # قال وقد بلغنا أن لحوم الجمال المعقورة كانت تباع في سوق نزوى قريبا من ~~موسى وراشد , فلم يستطع المسلمون إنكار ذلك. قال وقد كانوا يعيبون على ~~الصلت ذكر أحداث من ms152 سرايا كانت تطروا في أطراف عمان؛ لا يدري كانت أو لم ~~تكن , ولم يعيبوا على أنفسهم الأحداث الشنيعة , وهي قريبة منهم يكادون ~~يعاينونها بأعينهم. PageV01P189 # قال ثم استقام الأمر لراشد واشتد سلطانه بعمان , وقد تكون الأحداث من قبل ~~مهرة في طرف عمان , فربما يضربون الرجل ويستاقون الناس بعض الإبل ولا أخذ ~~راشد منهم رجلا على ذلك , ولا بعث إليهم سرية , وإنما كان بأسه وشدته على ~~الرستاق ومن حولها , قال فيما يصح عندنا من الخبر أن رجلا وقف على باب ~~السجن فتناول كتبا إلى الحواري بن عبدالله والأشعث بن محمد بن النضر وهما ~~يومئذ من أصحاب راشد ومن حزبه , فاطلع بعض جنود راشد فأخذوه فاهتدوه بالكتب ~~إلى راشد؛ فلما عرف الكتب إلى من هي أمر به فحبس في السجن؛ قال فبلغنا أنه ~~ضرب مع ذلك , فلبث في السجن ما شاء الله؛ ثم أخرج فدخل من دخل على راشد ممن ~~أنكر حبسه فقال لهم حبستم الرجل وليس عليه حبس؛ لأنه إنما حمل الكتب إلى ~~أصحابكم؛ فقال إنما حبسناه ساعة ثم أخرجناه ولم نبيته في سجنه , والله لا ~~يرضى بقليل الظلم ولا كثيره. PageV01P190 # قال وقد بلغنا أن قوما من أهل سلوت دخلوا على رجل في منزله فكسروا بابه ~~وضربوه بالسيوف فحمل الرجل مضروبا إليه منتصفا وأن يبعث سرية عنده إلى الذي ~~ضربوه فلم ينصفه , وقال من أجل رجل واحد أبعث إلى قوم أنصار فلم يفعل ولم ~~ينصف الرجل من أعوانه , قال ولم يجعل ضرب السيوف كرمية وقعت في داره , قال ~~ثم أنهم بعثوا قائدا يقال له زائدة بن خطاب فيما ذكر لنا أنه معروف ~~باللصوصية والسرقة فبعثوه في نفر من أعوانهم إلى حي من الرستاق يقال له ~~بنوا غافر , ولا نعلم لهم حدثا يستحقون به أن يبعث إليهم سرية؛ فلما دخل ~~وأيدهم تلقاه بعض من سرعان الناس وسفهائهم فيما بلغنا فهايجوه , وكان بينهم ~~هنالك شيء من قتال حتى جرح بعض أصحابه ولم يقتل في تلك الواقعة أحد , وفر ~~منهم هو وأصحابه؛ فأتى الخبر إلى ms153 راشد فجهز إليه سرايا وقوادا جفاة عماة ~~ولم يسيروا بقصد , ولم يهتدوا لراشد , فذكر لنا أنهم أكلوا من ثمرة نخلهم ~~وأكلوا من سوقمة كانت لهم في أرضهم ودخلوا بيوتهم وكسروا أقفالهم. قال فلم ~~ينكر موسى ذلك ولم يغير. # قال وعمر في سجن راشد ناس من بني غافر وأناس ممن كان شهد وقعة الروضة في ~~القيود والهوان , وكان أبو خالد بن سليمان جريحا مريضا فيما ذكر لنا نازلا ~~في بعض دور نزوى, فأمر به راشد فقيد في منزله كبعض العبيد؛ وما يعرف ~~المسلمون هذا القيد , قال ولا نعلم أن أحدا من سلطان العدل والجور سبق ~~راشدا إلى هذا الفعل , يقيد رجلا في بيته وهو مريض؛ قال وإن ناسا من كليب ~~اليحمد كتبوا إلى شاذان يسألونه الخروج على راشد فكتب إليهم شاذان فيما ذكر ~~لنا العدل يقول لهم في كتابه: PageV01P191 # أما أنا فرجل من المسلمين لا أنفرد بالأمر دونهم؛ ولا أريد أن أكون في ~~هذا الأمر رأسا , فإن قام المسلمون فأنا معهم , ونحو هذا من القول فيما رفع ~~إلينا الثقة من المسلمين , فخرج إليه يمان بن مصعب بن راشد وأبو جليل وأبو ~~النظر ابن أبي جليل وأبو النظر بن راشد في ناس , فهجموا عليه ليلا فأخذوه ~~وخرجوا به , فاجتمع من اجتمع معهم من اليحمد , ولا ندري ما أرادوا في ~~اجتماعهم ودعوتهم ما هي , فلما بلغ راشد اجتماعهم بعث إليهم من قبله قوادا ~~جفاة لا علم لهم بحرب المسلمين ولا بصر لهم بحجة على عدوهم؛ فساروا حتى ~~نزلوا قرية يقال لها سوني قريبا من عيني , فلما كان بين الفريقين وثب عليه ~~أصحاب راشد بلا حجة ولا مناظرة , وتداعوا بدعوة الجفا , وقال شأنكم خذوهم ~~ورأس شاذان خذوه فيما رفع إلينا؛ وايندرهم سرعان الناس فاقتتلوا فيما بينهم ~~وقتل من قتل من أصحاب راشد , وفر عامتهم وسار شاذان حتى دخل الباطنة ثم رجع ~~إلى الرستاق ودخل وادي عميق , وتراجع أصحاب راشد واجتمعوا , وجاء عبيد الله ~~بن سعيد بمن أجابه من أخلاط الناس , ثم ساروا حتى لقوا ms154 شاذان وأصحابه في ~~موضع يقال له الطباقة من أسفل وادي عميق , فاقتتلوا وقتل من قتل وانهزم ~~شاذان بن الصلت وأصحابه فلم يظفروا بشاذان وجعلوا يلقطون الناس البرئ وغير ~~البرئ فأسروهم ودفعوهم إلى سجن نزوى. # قال: ولقد حدثنا الحكم بن أبي سليمان وهو ثقة مأمون أنه قال لموسى كم من ~~مظلوم في هذا السجن. قال وحدثنا بعض من يتولى راشدا وموسى أن رجلا من ~~الأسارى ضعف عن المشي فسحبوه سحبا حتى مات في مسحبه , وقد حدثنا الرجل أنه ~~أخبر موسى بهذا فما ظهر منه إنكار ولا تغيير؛ قال ولو أن مشركا محاربا سحب ~~على وجهه حتى مات في مسحبه لكان منكرا عظيما , لأن رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم نهي عن قتل المثلة فيما بلغنا , وهذا من المثلة. PageV01P192 # قال ثم إن شاذان هرب وبعثوا قوادا من قبلهم إلى الرستاق منهم أبو الجلندى ~~ابن معران معروف بالطلس والسفه؛ وإنما كان من جنود الشيطان , ومنهم محمد ~~ابن أبي فضيل معروف بسفك الدماء من الحرام؛ ومنهم عبيد الله بن سعيد وأخلاط ~~الأعراب الجفاة؛ فساروا حتى دخلوا الرستاق فيما بلغنا فقطعوا الزراعة فيما ~~ذكر لنا , ولقد بلغنا أن أبا الجنود كابر امرأة على شيء من حليها , واستفاض ~~هذا الخبر , قال ثم بسطوا لعبيد الله بن سعيد اليد بعمان من غير صلاح ولا ~~وقار ولا عفاف , وإنه لو شهد شهادة مع موسى ما قبل شهادته فيما عرف موسى منه. PageV01P193 # ثم سار عبيد الله بن سعيد إلى صحار فعمل فيها أعمالا قبيحة فيما ذكر لنا ~~من استرهاب الناس , واخذ أموالا فيما رفع إلينا؛ وأذعن له والي صحار وسلم ~~له فيما بلغنا , قال: ولقد ذكر لنا وشاع ذلك وشهر أنه أرسل إلى شيخ ضعيف ~~يقال له عبدالرحمن بن وليد , وهو أمين للوالي على بعض صناعة , فأرسل إليه ~~عبدالله جندا من جنوده ليجروه إليه بغير حق؛ فاستجار بالوالي فيما ذكر لنا ~~فلم يجره , وقال الوالي أنا كفيل به , فلم يقبلوا وجروه إليه كرها ليسأله ~~تأخير حق له على بعض ms155 من استعان بعبيد الله عليه , ثم هدده عبيد الله وأوعده ~~فيما بلغنا حيث لم يشفعه , قال: وقد بلغنا أن والي صحار كان يرفع إليه ~~الخصماء وهو غير فقيه ولا بصير بحكم , قال وما فعل ذلك والي صحار إلا ~~تعظيما لأمر الدنيا ومهابة للسلطان قال: وبلغنا أن عبيد الله خطب إلى رجل ~~كثير المال ضعيف القوى ابنته فأبى أن يزوجه , فأغرى سفهاء من الناس بماله ~~فزوجه الرجل تقية ومخافة مما يرى؛ فلما تزوج منه استولى على كثير من ماله ~~أو على جملته. قال ولقد بلغنا أن الرجل احتاج إلى قفيزين من تمر فما نالهما ~~من ماله وله مال كثير حتى اشتراهما شراء , قال: ولقد بلغنا أن والي نخل ~~أراد أن يدخل في شيء من إنصافه وكتب إليه راشد فيما ذكر لنا بعض أصحاب والي ~~نخل أن هذا قصور منك إلى الدولة , قال: وقد ذكر لنا عن ابن موسى أنه كتب ~~إلى تجار صحار يسألهم القرض ويسألهم أن يتجروا له , ولم يكن من قبل يسألهم ~~هذا؛ ولكن تقوى عليهم بسبب السلطان. # ثم خرج ابن موسى إلى صحار فحكى عنه من اخذ أموال الناس أشنع مما كان يروي ~~على شاذان في أيام أبيه. قال فإن كان شاذان من عيوب الصلت فابن موسى من ~~عيوب راشد , فإن قالوا لم يصح , قيل لهم كذلك الحكايات عن أصحاب صلت لم تصح ~~, قال وقد صارت صحار مأكلة لفساق السلطان لأن فيها تجارا وأهل ذمة ضعفاء. PageV01P194 # قال وسجن سليمان بن أبي حذيفة رجلا ضعيفا بغير حق حتى اطلع على ذلك راشد ~~فأخرجه ولم ينكر على سليمان ما فعل , ثم نصحهم من نصحهم في أمر شاذان وقال ~~أوفدوا إليه وفدا من صلحائكم يحتجون عليه قبل سفك الدماء ويسألونه ما طلب, ~~فردوا النصيحة وجعلوها غشا وتعجبوا من الحق وجهلوا سيرة المسلمين قال ثم ~~سارت العصبية وجعلوا يولون ولاة ما اختارهم لله , وإنما ولوهم رضي وتقية ~~ومصانعة؛ قال ورأى موسى رجلا ضعيفا ليس هو بإمام من أئمة الدين ولا يخاف ~~على ms156 دولة رآه جالسا خارجا من المسجد يوم الجمعة قبل الصلاة , ثم أبصره يصلي ~~بعد ما انقضت صلاتهم , فاتهمه أنه لا يرى الصلاة معهم ففسقه ودعا عليه وشهر ~~به وأغرى به السفهاء , فساروا إلى منزله قريبا من فرسخ فشدوا يديه وراء ~~ظهره وضربوه فيما بلغنا حتى أدموه ثم جاؤوا به كأنه سافك دم أو قاطع طريق ~~حتى أدخلوه السجن , فحدثنا عدل ثقة من المسلمين أنه كان قاعدا في المسجد ~~وقد جاؤوا به فقال أنه كان يسمع شيئا ليس يشبه الضرب , ولكن يشبه الدوس من ~~شدة الضرب؛ فلما أدخلوه السجن قال واقتلاه فيما بلغنا , فلبث في سجنه مريضا ~~شديدا فيما بلغنا , وقال لهم رجل أرفقوا به فشدوا يديه وراء ظهره واتوا به ~~السجن قال ثم لم ينكروا على من ضربه ولا منعوه عنه , قال وأمر راشد ولاة ~~القرى أن لا يدعوا الناس يشترون من طعام أهل القرى وهو وولاته يشترونه ~~لأنفسهم , قال وهذا تحليل لما حرم الله وقد أحل الله البيع وحرم الربا. PageV01P195 # قال وبلغنا أن تاجرا خرج إلى قرية يقال لها أبيل فاشترى منها برا على ~~حساب مكوك وثلث إلا ربع السدس بدرهم فأخذوه إلى ذلك البلد فقطره وقيده حتى ~~رد بضاعته التي اشتراها , ثم أن الوالي رجع فاشترى ذلك الحب على حساب مكوك ~~وثلث زيادة على ما كان اشتراه التاجر , فأضر بالبائع واضر بالمشتري , ثم أن ~~التاجر أتى راشدا فشكى إليه فكان إنصافه له أن طرحه في السجن ثم أخرج من ~~السجن ثم أتى إلى موسى فشكى إليه من الوالي فطلب إليه الإنصاف فقال نعم ~~ننصف فلم يرفع له رأسا , ولم يكن منه شيء إلا أن تكلم موسى فقال إن الإمام ~~قد ترك ذلك الأمر الذي كان يأمر به فلم يكن منهم إنصاف ولا توبة إلا هذا. قال: # ثم هم فيما بينهم يتهامزون ويتطاعنون يسمون إمامهم حمارا جلبيا وتيسا ~~عشقيا ويسمون قاضيهم أبا السطور ( تحبسهم جميعا وقلوبهم شتى ) إخوانا ~~علانية أعداء سريرة إلا أنهم قد اجتمعوا على أنهم قد قهروا ms157 المسلمين ~~وأخافوهم؛ وأخافوا عزان ابن تميم وأخرجوه من منزله وداره بكفالة لا تلزمه ~~وهم يعرفون فضله , وقد كان موسى احتاج إلى رأيه وحبسوا محمد بن عمر بن أخنس ~~بلا ذنب ولا حدث منه إلا سوء الظن فيه وهو معروف فضله مع المسلمين؛ ثم بعد ~~ذلك أخافوه وبعثوا إليه الخيل فخاف في منزله بلا ذنب ولا حدث حتى ضاقت عليه ~~الأرض وألقى بنفسه إليهم , فلم يجدوا له ذنبا فحبسوه في عسكرهم ولم يأذنوا ~~له بالانصراف إلى منزله حتى أخذوا عليه كفيلا , وما ذلك منهم بعدل , قال ~~وهذا من عجائبهم في تسعة عشر شهرا منذ ملكوا ولديهم المزيد. PageV01P196 # ثم وصف راشدا بأنه لا يعقل ولا يبصر حكما وأنه يحسب الخطأ صوابا ووصف ~~موسى بأنه يطعن على المسلمين ويقول ما هم وأي علم هاهنا فإن شربة النبيذ ~~والأعراب لآمن عندي من علماه هذا الزمان؛ قال وهو في ذلك لا يستغني عنهم , ~~وجهلة وقلة علمه ظاهرين , قال ومن ذلك أنه لم يحسن إقامة الجمعة فإن المؤذن ~~كان يفرغ من الأذان الآخر يوم الجمعة وموسى في بيته أو حيث يشاء الله حتى ~~يخلو وقت طويل ثم يأتي فيخطب بالناس ويصلي ركعتين , ومن السنة في الجمعة أن ~~الخطبة متصلة بالآذان والأذان متصل بالإقامة والإقامة متصلة بالصلاة , ولا ~~فرق بينهم. # قال ومن قلة علمه أنه خطب الناس يوم الجمعة ثم نزل عن المنبر وإمامهم في ~~بيته أو حيث شاء الله فانتظروه وليسوا في صلاة ولا خطبة مقدار ما استمر ~~الإمام من بيته إلى المسجد مرتين؛ وبيت الإمام منفسح عن المسجد بما شاء ~~الله , ثم صلى بالناس ركعتين بلا إعادة خطبة خلافا للسنة , وقد قال الفقهاء ~~لو أن الخطيب خطب يوم الجمعة ثم انشغلوا عن الصلاة لأمر عناهم كان عليهم أن ~~يعيدوا الخطبة ولو خطبة موجزة أ. ه تلخيص ما أردنا ذكره من كلام أبي المؤثر ~~وهو كما ترى قدح في سيرة موسى وراشد. # والمثبتون لإمامة راشد يحملون هذه الأمور ونحوها على أسباب تسوغ راشد ~~صنيعه فيما صنع ms158 ويذكرون له أعذارا واحتمالات يقبل مثلها في أئمة العدل. # وممن كان يثبت إمامة راشد: الفضل بن الحواري وكان قبل الفتنة لا يختلف في ~~علمه وفضله وقد أخذ عن أبي عبدالله محمد بن محبوب , وكان فيما مضى قريبا ~~لعزان بن الصقر حتى قال فيهما القائل إنهما في عمان كالعينين في جبين , ~~فمات عزان رحمه الله تعالى قبل الفتنة وأدركها الفضل فأصاب منها وقتل فيها ~~في وقعة القاع في إمامة عزان بن تميم , وسيأتي ذكرها فكان الفضل يرى أن ~~لموسى ما صنعه من عقد الإمامة لراشد وكان يقول إن موسى عالمهم وأنه الحجة عليهم. PageV01P197 # وفي كتاب عن الفضل بن الحواري , قال: أن الفريق الذي رأى عزل الصلت أو ~~قال أنه اعتزل أثبت إمامة راشد وعقدته إلا شيخ نفسه ادعى أنه لا يجوز عزل ~~الصلت ولا تقديم راشد إلا بحضرته وعلمه وحتى تعرض عليه الأمور , وكأنه يلوح ~~بهذا الكلام إلى أبي المؤثر؛ قال وقد بلغنا عن شيخ نفسه أنه قال مرة إن كان ~~الصلت حل عزله فراشد إمام , وبلغنا عنه حينا أنه يقبل ذلك حتى يصح ذلك معه ~~وهو كان غائبا عن ذلك , إلا أن فريقا مما ينتحل العلم والبصر في الدين ~~كانوا معا على الصلت ومن عزله يحثونه ويأمرونه فلما عزلوه رجعوا والدنيا ~~أمام العامة إلا من شاء الله. # وكتب الفضل بن الحواري إلى راشد بن النظر بلغنا أنهم يحتجون عليك إن ~~الإمامة لم يجتمع عليها وما لهم عليك بذلك حجة ولا على من معك لأن الإمامة ~~ليست مشتركة لجميع المسلمين إنما هي لمن حضر منهم العقد ولم يخرج عنها إلا ~~غائب عنها من المسلمين أو مضاد لها ولأهلها معاند مخطئ لأهلها يدين بإمامة ~~الأول يعني الصلت , قال وأما الغائب فلم يكن للمسلمين أن ينتظروه؛ ولو كانت ~~لا تعقد حتى يتوافا إليها جميع المسلمين كان جميع الأئمة ومن قد مضى قد ~~أخطا؛ وهذه دعوى باطلة , لأن التقديم والعقد إنما هو لمن حضر من أهل العلم ~~والقدم في الإسلام وإعلام المسلمين , وقد قدمها ms159 إمام المسلمين في زمانه ~~وأيامه موسى بن موسى ومن معه , ولو أن أحدا خالفه ممن حضر كان تقديمه أولى ~~لأن المقدم على الجميع وعلى ذلك مضى من مضى من المسلمين , ومن أنكر هذا ~~وادعاه لنفسه أو لغيره فقد أبطل. PageV01P198 # وأما المضاد المعاند لها ولأهلها فلا شرك له مع المسلمين فيما ينكره ~~عليهم ويخطئهم فيه ويبطل إمامتهم ويثبت الإمامة لغيرهم ولو رد الأمر إليه ~~ما رضي لها , وكيف يكون شريكا في الإمامة من يزعم أنها ضلال وكفر ولا يحل ~~له أن يدخل فيها فيما يدين به , وليس للمسلمين ولا عليهم أن يشركوا في ~~إمامتهم من يزعم أنها إمامة ضلال , فمن احتج بهذا فقد أبطل ولا حجة له على ~~المسلمين , فكلا هذين الفريقين لا حجة له على المسلمين وليس كما ادعا واحتج ~~, وأوجب لنفسه على المسلمين ما ليس له وأقامها غير مقامها إذ كان لا يحق ~~إذا غاب عن أمرهم زعم أن له عليهم أن لا يقيموا أماما لهم إذا غاب عن ~~أمورهم , وأن ينقضوا عقد إمامتهم ويتوبوا إليه حتى يكون هو الذي يثبت ~~الإمامة الزائلة ثم يسأل صاحبها الانخلاع منها ويردها إليه هو ويردها إلى ~~الذي عقد له المسلمون؛ فقد ادعى لنفسه على المسلمين ما ليس له وأقامها في ~~غير مقامها إذا كان لا يجوز لأحد من المسلمين القيام بحق الله ودعا إماما ~~إلى طاعة الله فأدبر وتولى؛ فقام هو ومن معه حين أزالوا فأقاموا إماما غيره ~~وإن ذلك ليس إذا غاب ذلك عنهم وغاب هو عن ذلك حتى ينظر المسلمون ما دخلوا ~~فيه وأثبتوه من الحكم وإلا ردوا الأمر إلى من كان عقده ونقضوا أمرهم له حتى ~~يتولاه هو , لقد ذهب هذا بنفسه مذهبا بعيدا , ولقد أعلى نفسه مرتقا شامخا ~~لم يدعه لنفسه أحد من المسلمين فيما علمنا وسمعنا فمع ذلك أنه دعا إلى خلاف ~~الحق لأنه لم يدعو إلى أن يطلب إلى الأول الانخلاع إلا وهو يثبت له الإمامة ~~عليه وعلى المسلمين , إذا ثبت لم يجز للأول الانخلاع عنها ms160 لأن الله تبارك ~~وتعالى لم يجعل لعباده الخيرة عليه وعليهم ما وجب من حقه. PageV01P199 # وكذلك قال الله ( ويختار ما كان لهم الخيرة , قال الله إجلالا لنفسه ~~سبحان الله عما يصفون فحكمه على العوام بالإمامة ما قال الله ( إن الله ~~اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله ~~فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ) ولم يجعل لهم ~~الخيرة والاستثناء لهم فكيف يزعم هؤلاء أنهم يجوز لهم أن يأمروا إماما قد ~~اشترى لله نفسه بيعة باع نفسه بها من الله أن يخلعها من عنقه وأجازوا له ~~ذلك وما ذلك جائز للأئمة إلا شاءت بعد الشرى خرجت منه واختلعت ولا ذلك جائز ~~لأحد أن يسأل ذلك صلتا ولا غيره إلا بحقه وحله منه بما تنزل به الإمامة , ~~ومن أين يجوز لهم أن يأمروا إماما يزعمون أنه انتزع إمامة إمام عدل وحاربه ~~حتى وقعت القتلى ظالما له عندهم ولمن قد قتل وسفك دمه أن يردها إليه , إن ~~هذا لهو اللعب بالدين والاختلاط. # وقال الأزهر بن محمد بن جعفر: وأما أبو المؤثر فليس أدرى ما كان بينه ~~وبين هؤلاء إلا أني أعرف يقينا أن أبا المؤثر كان كاتب أبا علي وينكر مناكر ~~كانت بصحار ثم قدم من صحار وقد قدم راشد وكان يختلف إليه ويلقى والدي في ~~تلك الأسباب , وقال والدي وأنا أسمعه , قال في أبي علي أنه أراد أن يكون ~~بفرق ولو شهرين حتى يتفق الأمر في الصلت بن مالك فاعتزل برأيهم وقال أبو ~~المؤثر وأنا أحفظ هذا عنه أن الصلت بن مالك قد خرج من الإمامة واعتزل ورد ~~الخاتم ولكن راشد لم يقم بعقده إلا موسى وحده قال فانظر كيف كان موسى جليلا ~~عنده , فقال له والدي لترسل إليه محمد بن المنذر فاستضعفه فقال له أسيد ابن ~~المنذر فقال نعم ورآه موضعا للعقد؛ فهذا الذي أحفظه وأستيقن عليه منه , ثم ~~كان من بعد ذلك مخالطا لراشد ما شاء الله ثم وقع سبب لعله عتب فيه على ms161 أبي ~~علي وجرت الأعتاب بينهم. PageV01P200 # وقال الفضل بن الحواري وأما شيخ نفسه فبلغنا انه احتج أن تلك لم تكن عقدة ~~صحيحة إذا غاب عنها هو وأمثاله حتى يقيموا إماما ويحضروه البينات على عيوبه ~~التي استحق بها العزل وانه اعتزل , وقد اخبرنا عنه بعض أصحابه الذين كانوا ~~من خاصته أنه برئ من الصلت , ثم تولاه برئ منه ثم تولاه , كذلك أهل التخليط ~~في أمورهم مع أنه يدعو إلى ذلك ليقدم إماما يعرض عليه الذنب ويحضر البينات ~~وليس هو موضعا لذلك ولا ذلك على من قام بأمر الدين من المسلمين؛ قال وقد ~~بلغنا عن احد هو أصدق منه عندنا أنه طلب إليه أن يكلف راشدا يتخذ ابنه ~~كاتبا ومكنه. # قال الفضل وأما الذين خرجوا على راشد بعد تقديمهم له وعقدهم الإمامة ~~وإعطائهم عهدهم وبيعتهم غير مقهورين ولا مكرهين , فأمرهم أمرين واضح لا ~~يذهب على عقل , ثم شبه ذلك بخروج طلحة والزبير ومن معهم على علي حذو النعل ~~بالنعل , قال: فخطأهم المسلمون وظلموهم؛ قال وهو لا يشك فيهم ما هذا اللعب ~~بالدين وطلب الدنيا والغضب لها أ. ه تلخيص ما أردنا ذكره من كتاب الفضل بن ~~الحواري وغيره والله المستعان. # ذكر وقعة الروضة PageV01P201 وهو موضع بقرب تنوف من جهة الغرب بين نزوى ~~والجبل الأخضر , وذلك أن جماعة من اليحمد أرادوا عزل راشد بن النظر وكان من ~~وجوههم فهم ابن الوارث الكلبي من كلب اليحمد ومصعب وأبو خالد أبنا سليمان ~~الكلبيان , وخالد بن سعوة الخروصي وسليمان بن اليماني وشاذان بن الصلت ~~ومحمد مرجعة وغيرهم من وجوه اليحمد , فاجتمعوا بالرستاق وكاتبوا مسلما ~~وأحمد بن عيسى ابن سلمة العوتبيين وسألوهم أن يبايعا لهما في الباطنة من ~~العتيك من بني عمران ومن كان على رأيهم من ولد مالك بن فهم , فكاتبا نصر بن ~~المنهال العتكي الهجاري من ولد عمران واستجاشا سليمان بن عبدالملك بن بلال ~~السليمي من ولد مالك ابن فهم , فسألوه المعونة وكان سليمان شيخا مطاعا في ~~قومه بالباطنة , وكان يسكن مجز من الباطنة وله فيها ms162 مال ومساكن , وكان نصر ~~بن منهال رئيسا تقدمه التعيك في الباطنة وتطيعه , فاستحضروا إليهما ~~وبايعهما على نصرة شاذان بن الصلت ومن معه من اليحمد على عزل راشد بن النظر ~~فأجابهما إلى ذلك , وأنجز لهما ما استدعياه منهما من معونة , وخرج نصر بن ~~منهال فبايع العتيك في الباطنة وخرج معه سليمان بن عبد الملك بن بلال ~~السليمي فبايع من بالباطنة من قومه من سليمة وفراهيد وغيرهم من سائر ولد ~~مالك بن فهم؛ وساروا جميعا بمن معهما إلى شاذان ابن الصلت والفهم بن وارث ~~ووجوه اليحمد والرستاق فأكدوا البيعة لهم وخرجوا جميعا إلى نزوى , فأخذوا ~~طريق الجبل يريدون عزل راشد بن النظر , وكان الخبر قد اتصل به , فلما صاروا ~~بالروضة من تنوف من حدود الجوف وجه إليهم راشد بن النظر السرايا والجيوش ~~خيلا ورجلا وكان من قواده على السرايا يومئذ عبدالله بن سعيد بن مالك الفجي ~~والحواري بن عبدالله الحداني من أهل سلوت والحواري بن محمد الداهني فكبسهم ~~ليلا وهم نزول بالروضة من تنوف وهم لا يشعرون , فوقعت بينهم وقعة شديدة. PageV01P202 # وقال أبو المؤثر كان راشد بنزوى فوجه إليهم قوادا ليس فيهم فقيه ولا أمين ~~على حجة ولا بصير بسير المسلمين في الحروب , فلقوهم قبل وصولهم إلى الروضة ~~ثم سايروهم حتى نزلوا جميعا الروضة جند راشد وجند فهم , وهم قد أمن بعضهم ~~بعضا؛ فلما نزلوا الروضة ليلا بات الفريقان آمنا بعضهم من بعض , ثم إن ~~راشدا بعث من عنده جندا وعندهم قواد لا فقه لهم ولا فهم , وفيهم عبدالله بن ~~سعيد قائد الفتنة ورأس الفتنة والخطبة في عدد من أخلاط الناس منهم متمسك ~~يحسب أن الطاعة قد لزمته فخرجوا بين مارق وفاسق ولا يتناهون عن منكر فعلوه ~~لبئس ما كانوا يفعلون , فهجموا عليهم في بعض الليل ففزع بعضهم من بعض , ~~ووقع بينهم مهايجة للقتال فقتل رجل فيما بلغنا في الليل من جند راشد ثم ~~تحاجز الفريقان , إلا أنه بقي بقية من الرماة فيما بين العسكرين , ودار ~~أصحاب راشد بفهم وأصحابه شرقا وغربا ms163 وأعلا وأسفل , فلما أصبحوا لقيهم رجل ~~من صحار يقال له غيلان ابن عمر , وقد كان غزا في سرية من قبل والي صحار ~~فلقي القوم فصار حتى نزل معهم الروضة , ولقي منهم فهم بن وارث وغيره من ~~أصحابه , فجعل يكلمهم ويكلمونه ويدعوهم ويدعونه إلى السلم وهم يجيبون على ~~ذلك , والناس متفرقون إلى أن شبت الحرب فيما بينهم من ناحية العسكرين بعيد ~~من موضع فهم وغيلان , فتواقع الناس بالقتال. # قال فحدثنا غيلان وكان صدوقا فيما علمناه أنه كان يكف الناس عن القتال ~~ويحجزهم حتى تعب بدنه وصوته من شدة ما كان ينهي عن القتال , فغلبه الناس ~~على أصحاب فهم وتفرقوا عليه , وقتل من قتل في العركة وفرقهم فأدركوه فأسروه ~~وناسا من أصحابه , وقتل نصر بن منهال شيخ ضعيف وكبير ضعيف عن القتال , وقد ~~ذكروا أنه قتل هو نائم. PageV01P203 # قال العتبي وقعت بينهم وقعة شديدة وقتل مقتله عظيمة ورجال كثيرة من أهل ~~الورع والعفاف , ووقعت الهزيمة على اليحمد والعتيك وبني مالك بن فهم ومن ~~معهم , فأما اليحمد فإنهم كانوا عارفين بالوضع فتعلقوا برؤوس الجبال بعد أن ~~قتل منهم جماعة وأسر منهم من أسر , وأما العتيك وبنو مالك بن فهم فصبروا في ~~العركة حتى قتل نصر بن منهال العتكي ووالده المنهال وغسان وأخوه صالح بن ~~المنهال العتكي , وقتل من بني مالك بن فهم حاضر بن عبدالملك بن بلال ~~السليمي وابن أخيه المختار بن سليمان بن عبدالملك بن بلال السليمي في نفر ~~من قومهم , وقتل من فراهيد خداش بن محمد الفرهودي وأخوه جابر بن محمد في ~~جماعة من قومه , وأسروا سليمان بن عبدالملك بن بلال السليمي واسروا من ~~اليحمد الفهم ابن الوارث الكلبي وخالد بن سعدة الخروصي وغيرهم , فحبسهم ~~راشد بن النظر سنة أو أكثر , ثم سئل في شأنهم موسى بن موسى وجماعة من وجوه ~~أهل عمان ونزوى فأطلقهم؛ وكل ذلك والصلت حي معتزل في بيته وإنما مات بعد ~~هذه الوقعة , ووقعت الفتنة بين أهل عمان بسبب هذه الوقعة وتعصبت القبائل. # ولأبي بكر بن محمد ms164 بن الحسن بن دريد الأزدي في هذه الوقعة قصائد عدة يرثي ~~من قتل بها , ويحرض قومه من الأزد على القيام بأمرهم والأخذ بثأرهم إلى أن ~~جمعت اليحمد وبنو مالك والعتيك وسارت إلى دار الإمامة بنزوى , فأسروا راشد ~~بن النظر بعد أن هزموا أعوانه وفضوا عساكره وعزلوه من الإمامة, ووقع اختيار ~~الجميع على عزان بن تميم الخروصي فبايعوا له. # وذكر العتبي في الأنساب قصيدتين من قصائد ابن دريد في هذه الوقعة حرفتها ~~النسخ فننقلهما كما وجدناهما فمن ذلك قوله: # نبه نابه وخطب جليل =بل رزايا لهن عبء ثقيل # بل عوام مباده بل=دهارس وقعهن وبيل # إن بالقباع من تنوف محلا=ليس للمكرمات عنه حويل # حال فيه الردى بجبل قدحا=أحرزت حصلها وفات الخليل # لم تدع للعلى أكف المنايا=من به يعتلى ولا يستطيل PageV01P204 يا بني ~~مالك بن فهم قتيلا=لا يباريه في الأنام قتيل # أي عز قدموه لرمح =منكم لم يصد وهو دليل # أي طرف سما إليكم بكيد =لم تردوه وهو عنكم كليل # أي جد كافحتموه بجد =منكم ولم يدعه وهو قليل # كنتم والكثير فيكم قليل =وللعظيم الخطير فيكم ضئيل # كنتم الهامة التي زالت =وجه الدهر ولم تقل لا أزول # كنتم أهل سطوة أن تصدت=مال وجه الحمام حين تميل # أقيل عزيزكم فتقولوا =إننا في الوغى نفير قليل # أم ضعاف عن ثاركم فتلذوا =مشرب الذل والمضيف ذليل # أم نساء يبغي لهن بعول=أم ستر المحصنات البعول # أم عبيد لراشد ولموسى =أي هذي الاصناف أنتم فقولوا # ليس يسعى لها امرؤ وسدته =معصميها الوهانة العطبول # لا ولا المحسن الظنون بريب=الدهر أن سوف ينسى ويدول # يا بني مالك عقلتم لساني=كيف يمشي المقيد المعقول # أم سلكتم إلى المصاد سبيل =وضحت لي إلى المقال سبيل # أو تاباتم شكلت عن الجرا=وهل يبلغ المدى المشكول # أين عز نارها هناة فروع=العز بل أين كهفة المأمول # أين وهم إذا استحمش الباس=ليوث تنجاب عنها الغيول # أين عن دعوى سليمة أطواد=المعالي إلى فتيانها والكهول # وبنو جهضم ms165 هم جبل العز=الذي عز فرعه المستطيل # والجراميز حصننا الركن ومن =وفي الوغا إليه نؤل # والعفاة الذين يستدفع الياس =بهم وهو مقمطر مهيل # وحمام حملتها حين لا تعطف=إلا المظفر الخشليل # وفراهيد الذي على الروضة=من خيلهم دماء تسيل # وحماة الزمان من آل دهنان=إذا يبرز البرى والحجول # وعمادي من آل سيد إذا ما =شمرت الحرب والمنايا نزول # وسليما الباسلون إذا =ذو العدة والنجيدة والبسول # وشريك فتياننا حين لا =ينفع إلا المهند المسلول # والمداريك لدخول بني قشمل=إن خفت أن يفوت الدخول # وبنو ظالم يدي ولساني=وحسامي المهند المصقول # يا بني مالك بن فهم قتيلا=بدهارس غرهن الليول # إن بالروضتين هاما تراقا=لم يقل من يأوى بهن قتيل # أتضيع الدماء يا قوم فرعا=لا بواء ولا دم مجهول # وبطوي والسيف منكم =عدد كابر وعز بجيل PageV01P205 لبني سامة السمو على ~~الخسف=بما نالكم من الذل نيلوا # لا شمأنه ** ولأضحى=يا بني الأهل ربعها المأهول # افترضون أن تساموا الذي =ساماه عن سوم مثلها تنقيل # يا ابن حمحام للعلى شمر الذيل =فلا حين أن تجر الذيول # وصبوح مباكر وعبوق =وشواء ودرمك وتشيل # ليس شأن المؤثر بن معاد =وغناء ومزهر وشمول # إنما ثوبه إذا اعتكر الاظلام =ثوب الدجنة المسدول # ومهاد لا نمرق فوق كفل =عرشه عنهم النجاد مثول # ونديماه دائر الحد عضب=وامين الغصوص نهد ذليل # واكيلاه نهدة أم أجر =والطريد العشاق الهذول # ذلك الثأر لا الذي وهلته =نومة الصبح فهو رجف مذيل # يا سليمان جرد العزم قديما=تدرك الوتر منجدا وهو نول # يا فراهيد أين نجم المساعي=أنتم العدة الحماة النصول # يا سليم بن مالك المتني=قد هدنا السيد العميد القتيل # قد أوصى حلف له يمينا=ليس منها لمقسم تحليل # أتغاضت عنه المنون لأضحي=يهتدي بالرعيل عنه الرعيل # ما تضيع الدماء ما طالبتها =فيهم شهمة وصبر جميل # أي يوم لبأس موسى بن موسى=ذلك يوم لو يعلمون طويل # يوم لا ينفع اتصال بقربي=يوم لا العذر عنده مقبول # فلحا الله مانع الروع منا ms166 =حيث يصطحب الضليل للضليل # وقال أيضا يرثي من قتل بتنوف من قومه وغيرهم من العتيك واليحمد: # إنما فازت قداح المنايا =يوم حازت خضلها بتنوفا # يوم قالت للردى استقض حقي=يوم يصطف آه آه الشريفا # واحد أفضل من ألف ألف=فخذ الواحد واسف الالوفا # وظن التالد مجدا وعزا=إن عزا إن يصون الطريفا # إنما نهضت هضاب المعالي=واكتسب أقمارهن الكسوفا # يوم يبقى الدهر أرواح قومي =تحت ظل الخافقات الحتوفا # عجبا من حرة الموت إذ لم =ينقمع عنهم مروعا مخوفا # وبهم كان بريش ويبري=وبهم كان يجيل الصفوفا # فقدهم هد من المجد ركنا=كان عمر الله صعبا منيفا # فقدهم غادر ما روضته =هضاب الجود اقعيفا # فقدهم غادر ما سهلته =نفحات العرف حزنا حليفا # فقدهم غادر من بعد لين=خفض عيش الناس فظا عنيفا # إن بالروضة عصوا دحرته=قطعت فيه السيوف السيوفا PageV01P206 طفقت تجدع ~~فيه رجال =الأزد جهلا بالآنف الانوفا # حكم الموت فضم إليه=سادة المحض واللعا اللفيفا # يا له من مستكنف حمام=واجهت فيه الصفوف الصفوفا # سدل النقع عليهم سجوفا= ... هتكت فيه الروايا السجوفا # فترى الأرواح تجتث شوقا= ... وترى فيه المنايا وقوفا # صار من صوب الدماء ربيعا= ... وصار من كي الضراب مصيفا # ما انجلى حتى اكتست من دجا= ... بهجة الأرض ظلاما كثيفا # ترك الدهر وشاع المعالي= ... بعد شيخ الأزد نصر قطوفا # يا سويد بن سرات ترقب= ... ضربة تجتث الصليفا # قد جنت كفاك للنجح يوما = ... تترك الصاحي منه نزيفا # وابن منهال سعيد ستسقي= ... بظباة البيض سما مدوفا # مثل ما امتدت يداه حلاسا = ... لفتى الشيخين نصلا نحيفا # إن يك أسلاف قومي تولوا= ... فلقد أنفوا أناسا خلوفا # سنجاري السفح الوتر بالسفح= ... حتى يدع الضيف عليهم صنوفا # عكف الدمع على كل عين= ... رأت الطير عليهم عكوفا # لهف ما أما عليهم لحرب= ... تحذي بالزحوف الزحوفا # لهف ما أما عليهم لعان= ... عضت الأركان منه الرضيفا # لهف ما أما عليهم إذا ما = ... ألجأ الخوف المضاف اللهيفا # لهف ما أما عليهم لخطب= ... تجف الأكباد منه وجيفا # عجبا للأرض كيف طوتهم ms167 = ... في الثرى الغامض طيا لطيفا # وهم الهضب الشوامخ عزا= ... وهم الأبحر سيبا وريفا # أبلغا فهما وإن حسمته= ... حلفات النكل مسببا سبيفا # رابه الباب المبير الأعادي= ... بلده ضغما وطورا مريفا # وهو قطب الأزد أنى استدارت=شاء أن يعدل أو أن يجيفا # يا أبا راشد أعلم أن اللبيب=لا يقدم حتى يطيفا # وكذاك الصقر إما تعالى=فهو لا ينحط حتى يحيفا # فوق السهم ولا ترم حتى = ... تعرف اليرع لكي لا تصيفا # إن يكن يوم تصدى بنحس= ... فلعل السعد يأتي رديفا # أو يك ينفعك لدغ زمان= ... فعسى هو أن يزف زفيفا # لا تهللن قريب ريح= ... قد قفا منها النسيم الهيوفا # ليس يوم الروضة جميعا= ... إن الأيام كرا عطوفا # جرد العزم وشمر ليوم= ... يترك العار الثقيل خفيفا # أقعود والقلوب تلظى= ... فانبذ المغفر والبس نصيفا # ليس يمحوا لا شمار بكذب= ... الضال إذ تدعو إليه العزيفا PageV01P207 ذكر ~~عزل راشد بن النظر # وذلك بعد ما مضى له في الإمامة أربع سنين وثمانية وخمسون يوما , وسبب ~~عزله تحرك القلوب عليه وكثرة الضغائن بقتلى من قتل بالروضة من وجوه الأزد , ~~وتحريض ابن دريد عليه وموافقة موسى بن موسى لهم في ذلك , قال أبو قحطان خرج ~~موسى على راشد من بعد ما قدمه واختاره فخلعه وفسقه وبرئ منه ودعا إلى حربه ~~من غير مخالفة لراشد منه لم يحدث حدثا يستحق به منه الخلع في دينه , لأنه ~~كان يراه إماما ففعل به مثل ما فعل بالصلت بن مالك سواء بسواء , ودعا إلى ~~عزله وألب عليه , قال وقد كنا سمعنا أن راشدا خرج غليه إلى أزكي يسترضيه ~~فلم يدرك رضاه؛ وأخذ في عزله من غير أن يظهر عليه حدثا يعرفه الناس إلا أنه ~~يدعو إلى عزله كما كان يدعو على عزل الصلت بن مالك؛ بل كان الصلت بن مالك ~~معه على ما كان يظهر منه خيرا من راشد؛ لأنه خرج على الصلت بن مالك ولا ~~نعلم انه خلعه. # وأما راشد فقد كان يفسقه على ما سمعنا فسار موسى ومن اتبعه حتى نزلوا ms168 فرق ~~, واجتمع شاذان ومن أجابه في موضع معاضدين لموسى , وكان الحواري ابن ~~عبدالله والوليد بن مخلد ومن أجابه في موضع يقال له سندان في أعلى من ~~الموضع الذي كان فيه شاذان ومن معه ناصر بن مرشد , وكان راشد في موضع ~~الإمامة وموسى في فرق سائرا على راشد بعد إن كان والاه؛ وافترق موسى وراشد ~~والحواري بن عبدالله والوليد بن مخلد من بعد الألفة والأخوة لأنهم كانوا ~~تآلفوا على عزل الإمام الصلت بن مالك وبايعوا راشدا وصاروا حربا وعادوا ~~أعداء , فموسى يطلب عزل راشد والحواري والوليد يطلبان نصرته , فلو كان ~~أمرهم رشيدا في الأصل لكان الوليد والحواري مصيبين في نصرهما لإمامهما ~~ولكان موسى مخطئا إذ نكث على إمامه؛ ولكن أمرهم في الأصل كان لغير الله؛ ~~فلم يجمع الله شملهم , ورد بعضهم على بعض , واجتمع موسى وشاذان بعد العداوة ~~نعوذ بالله من الفتن. PageV01P208 # قال فسار الحواري والوليد ومن معهما يريدان نصر راشد وقتال شاذان ~~وأصحابه؛ والله يعلم ما أرادوا , فالتقوا من قبل أن يصلوا راشدا , فهزم ~~الحواري والوليد من معهما بعد أن قتل من قتل من أصحابهما؛ وسار شاذان ~~وأصحابه فأخذوا راشدا من موضعه بلا حرب وضربوه وحبسوه , ووصل موسى ومن معه ~~إلى العسكر وقد اجتمعوا من غير توبة وقدموا عزان بن تميم إماما , والله ~~أعلم بأمورهم. # وقال أبو المؤثر: أقاموا ما شاء الله على غلطهم وخطاياهم ثم رجعوا على ~~إمامهم فلم يقيموا عليه حجة ولا سموا له بحدث مكفر في دينهم , فسقطت الدماء ~~دون عزله؛ ثم قدموا إماما كان مفارقا لهم مضللا لهم , فبايعوه ودخلوا في ~~طاعته وخطبت خطباؤهم؛ وجعلوا ولاته ولاة لهذا الإمام؛ كما كانوا ولاة الأول ~~ولاة للأوسط المخطئ , إلا أن هذا الثلث كان فيما ذكر لنا يستتب الولاة في ~~السريرة ويثبتهم على أمكنتهم , ولم يكن هذا من سيرة المسلمين في الأئمة ~~المحدثين , بل ما كانوا يستتيبون الناس من ولايتهم علانية غير سريرة , فرضي ~~هذا الثالث بخلاف ما كان عليه السلف ثم رجعوا عليه ونقضوا. # وقال أبو الحسن البسياني ms169: فإن كانوا بعزلهم صلتا محقين كما زعموا فقد ~~كفروا لعزلهم راشدا؛ فإن قالوا إنه جائز لهم تقديم إمام على إمام متى شاءوا ~~بحدث وغير حدث , فهذا مما لا يحتمل في الإسلام ولا تصح به الأحكام ولا يقول ~~به أهل الأحلام , ولو صح ذلك لكانت إمامة معاوية صوابا على إمامة علي , ~~فلما فارق المسلمون من قال بهذا القول علمنا أن من اقتدى بهم مبطل, وإن كان ~~عقدهم لراشد خطأ وضلالا فقد كفروا بتقديمهم إياه على إمامة الصلت , لأنهم ~~إن كانوا قدموا راشدا على الصلت كما زعموا جائز لهم فقد ضلوا بعزلهم إياه ~~وتقديم آخر عليه من غير حجة فهذا ما لا يصح به. PageV01P209 # وذكر أبو المؤثر وأبو قحطان أن راشدا بن النظر نصب إماما مرة ثانية ثم ~~عزل , وظاهر كلامهما والأحوال تشهد له أن هذا النصب كان بعدما قتل عزان ابن ~~تميم وبعدما خرج ابن بور من عمان واستعمل عليها عماله. # قال أبو المؤثر بعد أن ذكر ما ذكر: قدموا راشدا إماما ثانية على غلطة ~~وخطئه؛ ثم ضللوه وعزلوه؛ ثم أقاموا الصلت بن القاسم إماما. # وقال أبو قحطان: رجعوا إلى راشد من بعد أن كان في السجن خليعا مقيدا ~~محبوسا أسيرا , فعقدوا له الإمامة وقصروا الجمعة وجبوا الزكاة , وباع راشد ~~الصوافي , قال: فهذا من العجب العجيب من أفعال أهل عمان ثم خذلوه وتركوه ثم ~~خلعوا معه الإمامة وفرضها وما أوجب الله تعالى فيها على أهلها لعبا ولهوا؛ ~~كلما أرادوا صافقوا رجلا ببيعة ثم خذلوه. انتهى المراد من كلامه والله ~~المستعان وبيد الله التوفيق. # باب إمامة عزان بن تميم الخروصي # وذلك أنه لما وصل موسى ومنه معه إلى نزوى وقد عزل راشد ابن النظر أجمع ~~رأيه على إمامة عزان بن تميم الخروصي فبايعوا له وذلك يوم الثلاثاء لثلاث ~~خلون من صفر سنة سبع وسبعين ومائتين وبايعه موسى بن موسى بن علي وعمر بن ~~محمد القاضي ومحمد بن موسى بن علي وعزان بن الهزير وأزهر بن محمد ابن ~~سليمان ومات عمر بن محمد ms170 القاضي بأزكي في هذه السنة. # وخرج عزان بن تميم من نزوى واستخلف عليها شاذان بن الصلت بن مالك ووصل ~~إلى أزكي وصلى على عمر بن محمد القاضي ثم رجع إلى نزوى ومات عمر ابن محمد ~~بن القاسم بعده بأشهر وعزل عزان بن تميم عامة ولاة راشد بن النظر واثبت ~~موسى بن موسى على القضاء. # ( PageV01P210 قال أبو قحطان ) كان أبو المؤثر الصلت بن خميس يقول أن ~~بيعة عزان كانت صحيحة ثم لم يحمد سيرته حتى قتل وقولنا فيه قول المسلمين - ~~وقال أبو الحسن البسياني قد وجدنا التنازع بين أهل الدار في إمامة عزان بن ~~تميم ولا نجد أحدا على ولايته ولا صحت إمامته بإجماع عليه ولكن وجدناهم ~~مختلفين فيه وفي إمامته هل انعقدت بمن حضرها ولم نجد أهل الدار مجتمعين على ~~ولاية العاقدين له ولا صحت صفقته بإعلام المسلمين بالاتفاق عليه وكأن عقدته ~~مشكلة قال ووجدنا الإجماع من أهل الدار أنه رجل من الرعية ثم دخل في الأمر ~~المشكل فهو معنا بالإجماع على الأمر المتقدم أنه ليس بإمام عدل حتى يقع ~~الإجماع أنه إمام عدل وقدمه المسلمون لأن الإجماع حجة. # ( قال أبو الحواري ) يقال لهم ما الذي تنقمون على عزان بن تميم فإن قالوا ~~لا نعرف كيف كانت إمامته ولا يعرف ممن قبلها ولا أخذنا ولايته عن أحد قيل ~~لهم قد اجتمع على إمامته عمر بن محمد القاضي وموسى بن موسى ونبهان بن عثمان ~~ونعمان بن عثمان وعنبسة بن كهلان والأزهر بن محمد بن سليمان البسياوي ~~ومروان بن زياد وأبو المؤثر الصلت بن خميس وفي هؤلاء من أهل العلم والبصائر ~~من تقوم به الإمامة ومن هو عالم بصلاحها وفسادها وثبوتها وبطلانها ومن ~~يستحقها قال وفي الأثر أن أهل كل طرف من الأرض يؤتمنون على دينهم. # قال أبو الحواري: فإن قالوا قد اجتمع على إمامته من هؤلاء وهؤلاء قيل لهم ~~إن من صحت إمامته إذا كان معه العلماء الأمناء على ذلك , قال: قال وقعد ~~نبهان ابن عثمان له معديا , وخرج عزان بن ms171 الهزير له واليا على الشذى , وخرج ~~الأزهر ابن محمد بن سليمان واليا على صحار. # قال: وقد كان راشد بن النظر قبل ذلك أمر عزان بن الهزير بولاية الشذى ~~فأبى ولم يفعل؛ وأشار على من أشار من المسلمين فيها فنهاه عن ذلك. PageV01P211 # قال وكان نبهان بن عثمان خطيبا لعزان بن تميم فإن لم يكن نبهان حاضرا ~~للخطبة كان من بعده عبدالله بن محمد بن محبوب يخطب لعزان بن تميم ويدعو له ~~الإمامة وكان الفضل بن الحواري غائبا فيما سمعنا فلما قدم ما سمعنا منه ~~إنكار لذلك ولا تغييرا لذلك ولا كراهية. # قال أبو الحواري: فإن قال أهل الضعف والتمويه إن أبا المؤثر رحمه الله ~~كان يبرأ من عزان بن تميم؛ قيل لهم فإن أبا المؤثر كان يتولى عزان بن تميم ~~قبل التقديم وكان يقول لقوم معه في منزله: إن اجتمع المسلمون على أمر ما لو ~~حلف الرجل بالطلاق أن هذا هو الحق لم يكن خائنا , فكونوا معهم واجتمعوا بعد ~~ذلك على عزان بن تميم , وكان أبو المؤثر معهم على ذلك في ذلك اليوم. # قال أبو الحواري: وقد قال أبو المؤثر في السنة التي مات فيها أنه واقف عن ~~عزان بن تميم , فقال له قائل: من قال أنه يبرأ من عزان فقد أخطأ , قال نعم ~~, قال أو الحواري: فإن أبى أهل الضعف والعمى إلا ما ألقي إليهم من القول أن ~~أبا المؤثر وأبا جعفر كانا يبرآن من عزان , فقولنا في ذلك أن براءتهما منه ~~ليس فيها دلالة لزوال وجوب الولاية بلا بيان ولا حجة؛ تحق بها البراءة منه ~~بالحجة والبرهان. # قال أبو الحواري: وأما أبو المؤثر رحمه الله فقد كنا ممن يباطنه؛ ومن ~~خاصته ويراجعنا في عزان ونراجعه , وينازعنا فيه وننازعه؛ فما أدركنا منه ~~براءة من عزان ولا سمعنا منه ذلك حتى مات , بل كان يقول إنه واقف عنه ويخطئ ~~من يرى عنه انه يبرأ منه , قال فهذا الذي عرفنا من أبي المؤثر وسمعنا منه ~~في آخر عمره , قال فإن كان غيرنا ms172 علم منه البراءة فقد عرفنا منه الرجوع إلى ~~الوقوف وبالله التوفيق. PageV01P212 # قال: وأما أبو جعفر فقد أخبرنا علي بن محمد بن علي أن رجلا من أهل بسيا ~~قال أنه معه ثقة أخبره أن أبا جعفر كتب إليه أن أبا المؤثر وابنه قد أحدثا ~~في هذا الدين ما قد حل به دمهما أو قال ذمتهما , فذكرنا ذلك لمحمد ابن أبي ~~المؤثر فقال نعم , قد كان ذلك , وقال لنا محمد بن أبي المؤثر إنه كتب إلى ~~أبي جعفر لو حل معي منك ما حل منا ما بت على ذلك ليلة واحدة. # قال أبو الحواري: فإن كان قول أبي عفر مقبولا في أبي المؤثر فلا تقبل ~~براءة أبي المؤثر من عزان بن تميم ولا يقتدي بها , وإن كان قول أبي جعفر لا ~~يقبل في أبي المؤثر فالإمام أعظم حرمة؛ وأبعد من التهمة؛ فلا تقبل براءة ~~أبي جعفر من عزان بن تميم , قال فكيف يحتجون برجلين مختلفين يحل أحدهما دم ~~الآخر؟ قال أبو الحواري: فلما نظر أبو المؤثر قوة الحجة عليه في الآثار ~~أمسك عن المناظرة في عزان بن تميم؛ وكف عن المراجعة فيه , وقال إنه لا يبرأ ~~منه؛ وإنه واقف عنه؛ قال وكان هذا منه في شهر ربيع الآخر في السنة التي مات ~~فيها ومات في شهر شوال من آخر السنة رحمه الله. # ذكر وقعة أزكى وما جرى فيها # وسبب ذلك ما وقع بين عزان بن تميم وموسى بن موسى من الوحشة والضغن , قال ~~أبو قحطان: فلبث موسى وعزان ما لبثا وهما وليان في الظاهر؛ وأما السريرة ~~فالله أعلم بها , ثم حول عزان القضاء عن موسى لما خافه وجمع موسى في أزكي ~~فعالجه عزان خوفا أن يفعل به مثل ما فعل بمن كان قبله , فأخرج اللصوص من ~~السجن , وجيش جيشا فقتلوا موسى , ثم وضعوا على أهل القرية؛ فقتلوا من قتلوا ~~وسلبوا من سلبوا , وأحرقوا أنفسا بالنار وهم أحياء , وفعلوا ما لم يفعله ~~أحد على ما سمعنا من أهل التوحيد , وكان ذلك بسبب ضغائن ms173 تقدمت , قال فأوى ~~عزان المحدثين من أصحابه واتخذهم أعوانا وأنصارا؛ وأجرى عليهم الإنفاق وطرح ~~إنفاق من تأخر عن المسير إلى أزكي فعاقب من عصاه. PageV01P213 # وقال غيره: قتل موسى بن موسى مع حصيات الردة التي عند مسجد الحجر من محلة ~~الجنور , وذلك في يوم الأحد سنة ثمان وسبعين ومائتين , وأرخ بعضهم الوقعة ~~بأنها كانت يوم الأحد لليلة بقيت من شعبان سنة ثمان وسبعين ومائتين؛ ومن ~~أجل هذه الأحداث قال أبو المؤثر وأبو قحطان في عزان بن تميم ما قالا , ~~وتقدم الكلام عن أبي الحواري في آخر ما كان عليه أمر أبي المؤثر في الوقوف ~~عن عزان. وقال أبو قحطان: فمن برئ من عزان بن تميم توليناه على ذلك. # وقال أبو المؤثر: خاف عزان أن يفعلوا به مثل ما فعلوا بمن كان قبله , ~~فأظهر ما كان له مستترا من تضليلهم , ثم جيش إليهم جيشا , وكان فيما بينهم ~~ما لم نحط به علما؛ إلا أن الشاهر الظاهر أنه لم يكن من الفريقين مناظرة ~~ولا حجة , إلا انه فيما ذكر لنا أن أصحاب موسى تراءوا لأصحاب هذا المجهز ~~إليهم , والله أعلم كان ذلك برمي أو قال , قال وقد ذكر لنا أنه لم يكن ذلك ~~برأي موسى , وإنما هي نوادر ندرت لم يذكر شيئا فبادر إليهم أصحاب عزان كما ~~قال الأول: # هيجتني وكنت كالمعيل PageV01P214 قال فسفكت الدماء ثم أفضى إلى ما يدفع ~~الإنكار فأحرق برجل في داره ضعيفا مبتلي؛ وامرأتين معه ابنتيه وزوجته , ~~فدعا عزان إلى الإنصاف , فطلب إليه ذلك فلم يفعل , وقال المحتجون عنه لا ~~تهمة في الحرب , فقلنا لهم إن الحرب لو كان في أهل الحرب لم نقل فيه شيئا , ~~فإن الحق عليهم أن ينكروا ويغيروا ما أخذه أصحابهم مما لم يأذن الله به , ~~وهذه لم تكن أرض حرب لأنهم يم يطردوا واليا؛ ولم يمنعوا زكاة , ولم يمتنعوا ~~بحكم ولم يظاهروا عدوا على إمام , وإنما كان ذلك الرجل مع جماعة , فالله ~~أعلم ما أردا بها , فقصد إلى من لم يكن من أمره في ms174 شيء فيما علمنا فعمل ~~فيها الفحشاء؛ فلما كلم عزان في الإنصاف من أصحابه أعرض وتولى وألجأ في ذلك ~~إلى بيت المال , ويدعى أن رووا له عن محمد بن محبوب رحمه الله في كتابه إلى ~~أهل المغرب أن من أحدث حدثا فهو مأخوذ به؛ إلا أن يكون الإمام أمر به وهو ~~يرى أنه الحق , فدلك في بيت المال. # قال أبي المؤثر: والذي كان يلزم عزان أن يحبس المتهمين , لأن الذي أصيبوا ~~لم يكونوا من المحاربين , قال ومن لحقته التهمة استحلفوا بالإيمان الغليظة ~~ما أمروا ولا فعلوا ولا حرضوا , قال فلم يفعل عزان شيئا من ذلك. # قال ويقال للذين زعموا أن الحرب لا تهمة فيها أرأيتم أن قوما خرجوا على ~~الإمام فبعث الإمام جيشا فقاتلوهم , فلما هزموهم أقبلوا على من حولهم من ~~غير أهل الحرب ولم يدخلوا في محاربة المسلمين؛ فحرقوا منازلهم وقتلوهم في ~~موضعهم لكان على الإمام أن يأخذ المتهمين منهم كأخذه غيرهم؛ فإن قالوا لا ~~فقد جاروا في قولهم , وإن قالوا نعم فهو الحق وليس على أهل السلم اعتداء , ~~ولا يؤخذون بذنب غيرهم؛ وقد قال المسلمون: لا نأخذ بريئا بسقيم , ولا نطلب ~~إلى أهل طاعتنا ذنب من عصانا. # قال وأصحاب عزان أخذوا البرئ بالسقيم واعتدوا على من لم يعصهم. PageV01P215 # وقال أبو الحواري: فإن قال إن الذي ينقم على عزان بن تميم أحداثه التي ~~كانت بأزكي من حرق المنازل والناس؛ ولم يعط الحق من عسكره؛ ولم يوصل أهل ~~الحقوق إلى حقوقهم , ولم يأخذ لهم سهمهم , وقد طلبوا إليه ذلك , ولم يفعل ~~وأبى وكره ذلك. # قيل لهم إن تلك الأحداث التي بأزكي قد علمناها وهي باطل ونبرأ ممن فعلها ~~وأتاها ورضي بها وأعان عليها وأمر بها إذا لم تعلم توبته مما يجب عليه فيها ~~, وقد كان عزان بن تميم يدعو إلى الإنصاف وإقامة الحق على من فعل ذلك , ~~ويشير على المسلمين ويجمعهم ويعرف آراءهم , وكان ممن أشار عليه أن الإمام ~~إذا بعث سرية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فعنتهم محاربة؛ وكان منهم ms175 ~~خلاف الحق فلا حبس عليهم في ذلك ولا تهمة للقوم في هذا , وغنما هي دية ~~الأنفس وغرم ما أتلفت النار في بيت مال المسلمين , وقد قال قائل منهم: إلا ~~أن يصح على فاعل منهم بعينه أخذ منه وهو دية عليه خاصة , وقال قائل لا يكون ~~في بيت مال المسلمين وإن صح على فاعل بعينه أخذ منه وهو دية عليه خاصة. # قال أبو الحواري: وقد جاء في الآثار أن الفقهاء إذا اختلفوا فللإمام أن ~~يأخذ من ذلك ما رآه هو موافقا للحق والعدل , وهذا ما لا يختلف فيه إن شاء ~~الله , قال ومن ترك ذلك فقد رد قول المسلمين. # قال أبو الحواري: وجاء عن المسلمين أن أهل البغي إذا فاءوا من بغيهم ~~وتابوا من ذلك هدرت الوقائع من الزحوف إلى الزحوف قال ومن سيرة المسلمين أن ~~أهل البغي يقاتلون قتالا لا قصاص فيه , قال وكان هذا مما يحتج به عزان بن ~~تميم عليهم فيما بلغنا. # قال: وتعلق عزان بهذه الحجج ودعا أهل ازكي بالبينة العادلة على من أحدث , ~~فقالوا له خذ لنا بتهمتنا؛ فقال لهم إن أحضرتم البينة العادلة على من أحدث ~~أخذته بحدثه؛ وإن لم تصح بينة عادلة غرم تلك الأحداث في بيت مال المسلمين؛ ~~فلم يحضر القوم بينة عادلة , وعرض عليهم الغرم في بيت مال المسلمين فلم ~~يقبلوا فيما بلغنا. PageV01P216 # قال أبو الحواري: فإذا اختلف المسلمون في الرأي فأخذ الإمام برأي من شاء ~~ويرى أنه أقرب إلى الحق كان أوسع له ذلك. قال وبلغنا عن أبي عبدالله رحمه ~~الله أنه قال: إذا اختلف الناس في الرأي ورجعوا إلى الإمام , قال فإن قالوا ~~إن عزان ابن تميم قد دعا إلى الإنصاف ولم يعلم أنه أنصف , فيقال لهم إن ~~الإمام مأمون على أحكامه حتى يعلم أنه لم يعط حقا صح معه وغنه اتبع هواه في ~~منع الحق , قال وقد بلغنا عن موسى بن علي رحمه الله أن رجلا وصل إليه في ~~طلب حق , وكتب له موسى بن علي إلى الإمام عبدالملك ms176 بن حميد رحمه الله , ~~فخرج الرجال إلى الإمام ثم رجع إلى موسى فقال: يا أبا علي لم ينفذ كتابك أو ~~كما قال له؛ فقال له موسى رحمه الله هو المأمون علينا وعليكم. قال فإن ~~قالوا كان عليه أن يجبر أهل الحقوق على اخذ حقوقهم حتى يأخذوا حقوقهم أو ~~يبرءوا منها , قيل لهم في المأثور عن محمد بن محبوب رحمه الله أن من كان له ~~حق فدعى إلى أخذ حقه فأبى فلا حق له , واحتج أبو عبدالله بعبدالله بن آريس ~~لما أفسدت دابته حرث القوم أتى عبدالله ابن رآيس إلى أصحاب الحرث فعرض ~~عليهم الغرم فأبوا , فقال لهم إنا عرضنا عليكم الحق فلم تقبلوه , وانصرف ~~عنهم عبدالله بن آريس وخلا عنهم , قال ونحن بأئمتنا نقتدي وبالله نهتدي. PageV01P217 # وقال الأزهر بن محمد في الحدث الذي وقع بأزكي: إن كان الإمام الذي أرسلهم ~~بعثهم إلى المحاربة فحارب القوم من بعد الحجة فما كان من الذي بعثهم ممن لا ~~يجوز لهم بالمحاربة حرق أو غيره من دم فما دونه في بيت مال المسلمين. وقال ~~في موسى ابن موسى إن كان صح عليه بينة عادلة إنه كان مشهورا أنه بايع على ~~الإمامة , فقد جاء عن الجلندى رحمه الله أنه قتل من قامت عليه بينة أنه ~~بايع عليه؛ وإن لم يكن صحت عليه بينة في بيعته على الإمام وكان معه ثم برز ~~هو من كان معه من أصحابه في القتال فقاتلوا وانهزموا وهرب هو ودخل منزله أو ~~غيره فقتل , فالقاتل بمنزله قاتل المولى؛ وقد جاء في الأثر في قاتل المولى ~~ما قد علمتم؛ والله أعلم. # ذكر خروج الفضل بن الحواري ومن معه على عزان بن تيم PageV01P218 وذلك حين ~~قتل موسى بن موسى بأزكي ومن معه من قومه فاستوحش الناس لذلك وخاصة النزارية ~~ومن كان مواليا لهم من اليمانية؛ فخرج من أجل ذلك الفضل ابن الحواري السامي ~~إلى ناحية السر , وخرج زياد بن مروان السامي أيضا إلى السر , وخرج أبو هدنة ~~من الباطنة فلحق بالفضل بن الحواري ms177 , ولحق الحواري ابن عبدالله السامي ~~بالفضل بن الحواري , ولحق الحواري بن عبدالله الحداني السلوتي بجبال الحدان ~~, وجمع بها ناسا كثيرا , ثم خرج الفضل بن الحواري إلى توام فاستعان ببني ~~عوف بن عامر فأجابه منهم ناس كثير , وكان معه ناس كثير من السر وبني سامة , ~~وكان اجتماعهم بتوام؛ ثم خرج الفضل بمن معه حتى صاروا بينقل من جبال الحدان ~~, فبايعوا الحواري بن عبدالله الحداني السلوتي وعزموا على محاربة عزان بن ~~تميم , فخرجوا بمن معهم يريدون صحار يوم سادس عشر من شوال سنة ثمان وسبعين ~~ومائتين؛ ودخلوا صحار يوم الثالث والعشرين من هذا الشهر , وذلك يوم الجمعة؛ ~~وحضرت صلاة الجمعة؛ فصلى بالناس زيد بن سليمان وخطب الناس , ودعى للحواري ~~بن عبدالله السلوتي على المنبر؛ وأقاموا فيها بقية الجمعة والسبت وخرجوا ~~عشية الأحد لمحاربة الأهيف بن حمحام الهنائي ومن معه من أصحاب عزان بن ~~تميم؛ وذلك أن عزان بن تميم لما سمع بخروجهم وجه إليهم جندا عند الأهيف بن ~~حمحام الهنائي وفيهم سليمان بن عبدالملك بن بلال السليمي في جماعة من ولد ~~مالك بن فهم , وفيهم الصلت بن النظر بن المنهال العتكي الهجاري على العتيك ~~وشاذان بن الصلت على اليحمد , وأمر الجيش كله مناط بالأهيف بن حمحام ~~الهنائي في جميع قومه من بني هناة وسائر ولد مالك بن فهم. PageV01P219 # فلما بلغ الحواري بن عبدالله والفضل بن الحواري مسير هذه الجموع إليهم ~~وإنهم صاروا بالقرب من صحار , وكانوا قد نزلوا مجز خرجا بمن معهما من ~~العساكر وكان عسكرا ضخما فالتقوا بالخيام من ظهر عوتب بموضع يسمى القاع, ~~فاقتتلوا قتلا شديدا , وحملت اليحمد والعتيك في الميمنة والقلب , وحملت بن ~~هناة وسائر ولد مالك بن فهم على الميسرة , فما كان يسمع إلا طنين السيوف ~~على صفائح الدرق والبيض والحلق , وارتفع بين الكتيبتين غبار عظيم حتى ستر ~~الشمس وانجلى القتام عن قتلى كثيرة وأبلى يومئذ سليمان بن عبدالله بن بلال ~~بلاء حسنا فيمن معه من أهل بيته وحمل فشد على الريان بن محجن السامي؛ وكان ~~من فرسان ms178 بني سامة , فطعنه في لبته وألقاه عن فرسه ميتا , وانهزمت النزارية ~~هزيمة لم ير أقبح منها , وأسر منهم خلق كثير , وقتل منهم في المعركة ستمائة ~~رجل؛ وقتل من اليمانية من أصحابهم خمس وثمانون رجلا , وقتل الفضل بن ~~الحواري , والحواري بن عبدالله وورد بن أبي الدوانيق ويحيي بن عبدالرحمن ~~السامي , ومحمد بن الحسن السامي صاحب الراية الكبيرة , وكان فارس الكتيبة ~~وناس كثير من بني سامة من وجوههم , وصعصعة ابن عوف العوفي وموسى بن عبدالله ~~الواحشي في خلق كثير من بني عمه وسعيد بن المنهال الفجحي , فهؤلاء هم ~~الوجوه , وأما غيرهم فلا تأتي عليهم التسمية , وقتل من أصحاب الأهيف بن ~~حمحام محمد بن يزيد اليحمدي من أهل تنعم ورجل من العتيك يقال له منبه بن ~~مخلد وجماعة من الآخرين. # وقيل إن الفضل بن الحواري لما تراءى بعسكر اليمانية من أصحاب عزان قال: ~~يا لهفي على الدنيا ما تزودت منها ولقد جاشت نفسي؛ وكان أول قتيل من الوجوه ~~في المعركة؛ وانفلت محمد بن القاسم السامي فطار على بعير حتى نزل توام ثم ~~لحقه بشير بن المنذر إلى توام وخرجا إلى البحرين إلى محمد بن بور , فكان من ~~أمرهما ما كان. PageV01P220 # فهذه وقعة القاع من ظهر عوتب بالخيام , وهي من الوقائع المشهورة , ~~المذكورة بعمان , وكانت هذه الوقعة يوم الاثنين لأربع بقين من شوال من هذه ~~السنة المذكورة , وفي هذه الوقعة يقول أحمد بن جميل أحد بني حديد من بني ~~مالك بن فهم: # يا لك بالقاع من صباح ... =قاع خيام إلى البطاح # أنعلت الخيل هام عوف ... =من بين طاها إلى وقاح # يريد عوف بن عامر من ساكني الرمل وتوام , وكان الفضل بن الحواري قد ~~استعان بهم في خروجه على عزان بن تميم. # وخضنا من منبة دماء =كزاجر اليم ذي الطماح # خيل ابن نصر فتى المعالي=والقوم من مالك الصباح # واليحمد المانعي حماها =ومدركي الوتي بالصفاح # لما أتانا بأن عوفا =تدعو بجهل إلى النطاح # سرنا إليهم بمقربات=في ظل غاب من الرماح # تقدمنا الأسد من هناة ms179=في جحفل شاهري السلاح # فكم كعاب هناك تدعو=بالوبل أياها زراح # في شعر طويل لم نجد منه إلا هذا والله أعلم. # ذكر حروب محمد بن بور لعمان وقتل عزان بن تميم PageV01P221 وذلك أنه لما ~~قتل من النزارية وغيرهم بالقاع أشتد الأمر على النزارية ومن معهم؛ وخرج ~~محمد بن القاسم وبشير بن المنذر الساميان من بني سامة بن لوي ابن غالب وهم ~~من عشيرة موسى بن موسى إلى البحرين , وبها محمد بن بور عاملا عليها للمعتضد ~~من ملوك بن العباس , فشكيا إليه ما أصابهما من الفرقة اليمانية وسألاه ~~الخروج معهما إلى عمان , وأطمعاه في أمور جليلة فأجابهما إلى ذلك وأشار ~~عليهما أن يذهبا إلى الخليفة ببغداد ويذكروا له أمرهما , وإنهما قدما ~~يريدان نصرته فسار محمد بن القاسم إلى بغداد وقعد بشير بن المنذر مع محمد ~~بن بور , فلما قدم محمد ابن القاسم على المعتضد ذكر له الأمر واستخرج منه ~~لمحمد بن بور عهدا على عمان ورجع إلى البحرين , وأخذ محمد بن بور في جمع ~~العساكر من سائر القبائل وخاصة نزار وحصل معهم ناس من الشام من طئ؛ فخرج ~~يريد عمان في خمسة وعشرين ألفا ومن معه من الفرسان ثلاثة آلاف وخمسمائة ~~فارس عليهم الدروع والجواشن وعندهم الأمتعة , وفي ذلك يقول كاتب محمد بن بور: # أمن مبلغ عنا عمان وألها ... =ومقالا تنقاه حكيم مجرب # بصير بأسباب التصرف قلبه ... =يظن لك الظن الذي ليس يكذب # يرى في وجوه القوم ما في قلوبهم ... =ويعرف ما قالوا وهم عنه غيب # ألا فكلوا يا قوم من طيباتكم ... =ومن أعذب الماء المبرد فاشربوا # واقضوا لبانات النفوس فإنني ... =أرى نعمة أسبابها تتقضب # كأني بأهل الدين قد ندبوا لكم ... =فوارس لازالت لدى الرحل تطلب # فوارس من أبناء عدنان كلها ... =ملك فتى العباس ترضي وتغضب PageV01P222 ~~ثم اتصل الخبر بأهل عمان فاضطربت عمان من كل جانب , ووقع الخلف والعصبية ~~بين أهلها , فكانت النزارية ومن كان على رأيهم في حزب واليمانية في حزب , ~~وتخاذل الناس عن الإمام عزان بن تميم وانقضت الأمور ms180 عليه , فخاف أهل صحار ~~وما حولها من الباطنة فخرجوا بأموالهم وذراريهم وعيالاتهم إلى سيراف ~~والبصرة وهرمز وغير ذلك من البلدان , وخرج سليمان بن عبدالملك بن بلال ~~السليمي بولده وحرمه ومن خف معه من قومه فركبوا البحر في بعض السفن حتى ~~قدموا إلى هرموز , فتحصل بها وأقام هناك إلى أن اتخذ بها دارا ومالا , وذلك ~~حين بلغه ما وقع بعمان من جند ابن بور وأقام بهرموز واتخذها وطنا إلى أن ~~مات ثم ابنه المهدي بن سليمان وكان أميرا عليها إلى أن مات فبقية ولده بها ~~وبعضها انتقل إلى عمان. # وقدم محمد بن بور بجنوده وافتتح جلفا ووصل إلى توام يوم الأربعاء لست ~~ليال خلون من شهر المحرم سنة ثمانين ومائتين بعد الحرب كانت بالرحا؛ ~~واستولى على السر ونواحيها , وقصد نزوى وتخاذلت الناس عن عزان بن تميم , ~~فخرج من نزوى إلى سمد الشأن ووصل محمد بن بور إلى نزوى , وسلمت له نزوى , ~~ثم مضى قاصدا إلى سمد الشأن فلحق عزان بن تميم فوقع بينهم الحرب والقتال , ~~واشتد الطعن والنزال , وذلك يوم الأربعاء لخمس بقين من صفر من هذه السنة , ~~وكانت الهزيمة على أهل عمان , وقتل عزان بن تميم , وبعث محمد بن بور رأس ~~عزان إلى المعتضد ببغداد , ورجع محمد بن بور إلى نزوى وأقام بها. PageV01P223 # ثم إن الأهيف بن حمحام كاتب مشايخ عمان وقبائلهم من كل مكان يدعوهم إلى ~~محاربة محمد بن بور وإخراجه من عمان , ويحثهم على ذلك؛ فأجابوه واقبلوا ~~إليه فسار بعسكر ضخم وخميس جرار يريد محمد بن بور , فخرج فيهم منير بن ~~النير بمن تبعه من أهل جعلان , وكان يومئذ ابن مائة وعشر سنين , فبلع ذلك ~~محمد بن بور فدخل الرعب في قلبه فخرج هاربا فأتبعه الأهيف بعساكره وكان ~~الرأي أن لا يلحقوه بل يسيروا خلفه رويدا رويدا حتى يخرج من عمان فيرجعوا ~~عنه لكن لله إرادة ليقضي أمرا كان مفعولا , فساروا مسرعين حتى لحقوه بدما ~~فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثر القتل والجراح في الفريقين , وقد كانت تكون ~~الهزيمة ms181 على محمد بن بور وقد ألجأوه على سيف البحر , فبينما هم كذلك إذ طلع ~~عليهم ركب من أهل قدمه وغيرهم من المضربة على كل جمل رجلان من قبل أبي ~~عبيدة بن محمد السامي مددا لمحمد بن بور , فلما كانوا قريبا من العسكرين ~~نزلوا عن رواحلهم وأخذوا أسلحتهم وحملوا مع محمد بن بور على الأهيف وأصحابه ~~عند أعياء الناس بعد ما كادت تكون الهزيمة على محمد بن بور , فوقعت الهزيمة ~~على أهل عمان , وقتل الأهيف بن حمحام وخلق كثير من عشيرته وغيرهم ولم يسلم ~~من أهل عمان إلا من تأخر أجله. # وقتل منير بن النير وهو أحد حملة العلم وهو من بني ريام رضي الله عنه ~~وكانت هذه الوقعة بقرب مسجد الجامع من دما من الباطنة , وذلك يوم الأربعاء ~~لست عشرين خلت من ربيع الآخر سنة ثمانين ومائتين , وقال في ذلك محمد بن دريد: # لا يفوت الموت منحدرا ... =أبقاه الغاب والغيل # مقرع الأكناف ذو لبد ... = ... مبرص الأوصال مجدول # إن دهرا فل حدهم ... = ... حده لا بد مفلول # ما بكاهم إن هم قتلوا ... = ... صبرهم للقتال تفضيل # إنما أخبر الحرب بأن ... = ... قد نالهم قوم أراذيل # نالهم من لا يحصله ... = ... في كرام القوم تحصيل # أعبد قن تصادرهم ... = ... قوم أسود تبابيل # فروا للهرب طرده ... = ... داما فيه تمهيل # بشيخ ثالط ودم=أخلصت منه السراويل PageV01P224 قيل والمقدار يحرسه= ... ~~فنجا والسرج مبلول # فلما إنهزم أهل عمان رجع محمد بن بور على نزوى وجعل أعزة أهل عمان أذلة ~~وقطع الأيدي والأرجل والآذان , وسمل الأعين وأحل على ألها النكال والهوان ~~ودفن الأنهار وأحرق الكتب. # وكان فلج الملكي من أزكي نهرا كبيرا يسقي حبوبا وله مائة وعشرين ساعدا ~~فخربته النزار بعد أن ظهر محمد بن بور , فكانوا يدفنونه وهو يغلبهم , فقالت ~~لهم راعيته عليكم بالصوف والشجر , فقال خذوا غنمها لما لم تقدروا على دفنه ~~والله أعلم. # باب أحوال عمان بعد حروب ابن بور # وذلك أن محمد بن بور أراد الرجوع إلى البحرين فجعل على عمان عاملا رجلا ~~يقال له أحمد بن هلال ms182 , وقال المسعودي: وهو ابن أخت الفتال , وجعل أحمد ~~عاملا على سائر أهل عمان وكانت إقامته ببهلى , وجعل على نزوى عاملا يقال له ~~بيحرة ويكنى أبا أحمد. فقيل له ذات يوم إن أبا الحواري ومن معه من الأصحاب ~~يبرؤون من موسى بن موسى , فأرسل إلى أبي الحواري جنديا فوجده الجندي وهو ~~قاعد على محراب مسجد ابن سعيد المعروف بأبي القسام وهو مسجد الشجي بعد صلاة ~~الفجر يقرأ القرآن , فقال إن أبا أحمد يقول لك سر إليه , فقال أبو الحواري ~~ليس لي به حاجة , وأخذ في القراءة فبقي الجندي متحيرا لا يدري كيف يفعل به ~~حتى جاءه رسول بيحرة فقال له لا تحدث في أبي الحواري حدثا فرجع ولم يحدث في ~~أبي الحواري حدثا وذلك ببركة القرآن العظيم , وقيل إن الجندي قال إنما ~~دعوته ليقوم لئلا يطش دمه في المحراب؛ ولم يزل بيحرة عاملا على نزوى حتى ~~قتلوه وسحبوه , وقبره معروف عندهم أسفل من باب مؤثر قليلا في لجيأه هنالك ~~على الطريق الجائز التي تمر إلى فرق يطرحون عليه السماد والجذوع. PageV01P225 # ووجدت أن الجبابرة تغلبوا على أهل عمان يسومونهم سوء العذاب أربعين سنة , ~~ولذلك بعد حرب محمد بن بور , ولعل هؤلاء الجبابرة كانوا من بني سامة وهم ~~عشيرة موسى بن موسى؛ ففي تاريخ ابن خلدون بعد ذكر عمان قال: وكانت بها في ~~الإسلام دولة لبني سامة بن لؤى بن غالب , قال وكثير من نسابه قريش يدفعونهم ~~عن هذا النسب أولهم بها محمد بن القاسم السامي بعثه المعتضد وأعانه ففتحها ~~وطرد الخوارج إلى نزوى قاعدة الجبال , وأراد بالخوارج المسلمين. # قال: وأقام الخطبة لبين العباس وتوارث ذلك بنوه وأظهروا شعار السنة أي ~~سنتهم , قال ثم اختلفوا سنة خمس وثلاثمائة وتحاربوا , ولحق بعثهم بالقرامطة ~~, وأقاموا فتنة إلى أن تغلب عليهم أبو طاهر القرمطي سنة سبع عشرة عند ~~اقتلاعه الحجر , وخطب بها لعبيد الله المهدي وترددت ولاة القرامطة عليها من ~~سنة سبع عشرة إلى سنة خمس وسبعين فترهب واليها منهم وزهد , وملكها أهل نزوى ~~وقتلوا من ms183 كانوا بها من القرامطة والروافض , وبقيت في أيديهم ورياستها ~~للأزد منهم. # قال ثم سار بنو مكرم من وجوه عمان إلى بغداد واستخدموا لبني بويه ~~وأعانوهم بالمراكب من فارس , فملكوا مدينة عمان وطردوا الخوارج , يعني ~~المسلمين , إلى جبالهم وخطبوا لبني العباس , ثم ضعفت دولة بني بوية ببغداد ~~, فاستبد بنو مكرم بعمان وتوارثوا ملكها , وكان منهم مؤيد الدولة أبو ~~القاسم علي ابن ناصر الدولة الحسين بن مكرم وكان ملكا جوادا ممدوحا قاله ~~البيهقي , ومدحه مهيار اليلمي وغيره , ومات سنة ثمان وعشرين وأربعمائة بعد ~~مدة طويلة في الملك. PageV01P226 # قال وفي سنة اثنتين وأربعين ضعف ملك بني مكرم وتغلب عليهم النساء والعبيد ~~, فزحف إليها الخوارج , يعني المسلمين؛ فملكوها وقتلوا بقيتهم؛ قال وانقطع ~~منها رسم الملك وصار في حجار؛ والمراد بقوله وانقطع منها رسم الملك يعني ~~قلهات؛ أي انتقل رسم الملك من قلهات صار الملك في حجار؛ قال وحجار في ~~شماليها إلى البحرين بينهما سبع مراحل؛ قال وهي في جبال منيعة فلم تحتج إلى ~~سور؛ قال وكان ملكها سنة ثماني وأربعين زكريا بن عبدالملك الأزدي من ذرية ~~رياسة؛ قال وكان الخوارج بنزوى مدينة الشراة يدينون لهم ويرون أنهم من ولد ~~الجلندى. أ. ه كلامه والله أعلم بما ذكر؛ وليس لبني مكرم ذكر بعمان؛ ولا ~~نعرف من هم ولكن أهل عمان يذكرون في كتبهم تغلب سلطان الجور عليهم بعد حروب ~~ابن بو ر؛ وهم مع ذلك ينصبون الأئمة ويدفعون العدو والأيام دول والحرب سجال. # فيوم علينا ويوم لنا = ... ويوما نساء ويوما نسر # وفي بعض التواريخ أنهم عقدوا الإمامة على محمد بن الحسن بنزوى بعد قتل ~~ببحرة في سنة اثنتين وثمانين ومائتين , وذلك بعد حروب ابن بور بسنتين وبعض ~~الأشهر , ثم تتابعت الأئمة بعد ذلك والسلطان الجائر يحاربهم ويقاومونه ~~ويغلبهم ويغلبونه حتى فرج الله ورجعت إلى المسلمين قوتهم ولله المنة وله ~~الحمد كثيرا. PageV01P227 # وفي سيرة محمد بن روح رحمه الله أن القرامطة جاؤوا إلى عمان في إمامة عمر ~~ابن محمد بن مطرف الحداني وأنه اعتزل من بيت ms184 الإمامة , وأن القرامطة رجعوا ~~إلى البحرين , وفي الأثر ما يقتضي أن ذهاب دولة القرامطة من عمان في أيام ~~أبي المؤثر وانه أمر بحرق بيوتهم , فقال له قائل إن كان القوم مسلمين فلا ~~يجوز حرق بيوتهم وإن كانوا مشركين فبيوتهم فئ للمسلمين ولا يجوز حرقها بعد ~~ذهابهم , فأعرض عنه وقال لا بد للقوم من مخاصم أحرقوها لئلا يرجعوا إليها , ~~وهذا يقضي أن ذهاب القرامطة من عمان قبل الوقت الذي ذكره ابن خلدون في ~~تاريخه , لأن أبا المؤثر كان قد أدرك إمامة المهنا وإمامة الصلت , وعاصر ~~راشدا وموسى من بعدهم , وهو يومئذ ممن يؤخذ عنه العلم , وكان رجلا قد اخذ ~~في السن وقد مات قبل الوقت الذي ذكره ابن خلدون في ذهاب القرامطة لآن ~~المذكور في إمامة أبي القاسم سعيد بن عبدالله أن العاقدين عليه ولد ولد أبي ~~المؤثر , وقد استشهد الإمام سعيد في سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وذلك قبل ~~الوقت الذي ذكره ابن خلدون بكثير من الأعوام , اللهم إلا أن يقال إن ~~القرامطة رجعوا بعد تحريق بيوتهم في أيام أبي المؤثر , ثم ذهبوا بالكلية في ~~سنة خمس وسبعين وثلاثمائة والله أعلم بحقيقة الأمر. PageV01P228 # والقرامطة قوم من الشيعة نسبوا إلى حماد قرمط ويقال لهم الباطنية لأنهم ~~زعموا أن للقرآن ظاهرا وباطنا , وإن من وصل إلى معرفة باطن القرآن انحطت ~~عنه التكاليف كلها , وزعموا أنه لا فرق بين هذا الواصل وبين من كان في ~~الجنة , فأبطلوا شرائع الإسلام , وكان ذلك أعظم مطلبهم لأنهم كانوا من ~~المجوس , وذكروا ما كان لهم من دولة وعزة وأنها ذهبت بدولة الإسلام؛ فحسدوا ~~المسلمين وعملوا لهم المكائد وأضلوا ضعفائهم؛ وظهرت لهم دولة وصولة وقوتهم ~~بالبحرين في قرية يقال لها جنابة وغزوا العراق وعمان والحجاز واقتلعوا ~~الحجر الأسود؛ يريدون أن يجعلوه في بيت لهم بنوه في البحرين زعموا أنهم ~~يصرفون العرب إلى حجة كما صنع ذلك الحبشي صاحب الفيل باليمن إذ بني كنيسة ~~ليصرف الناس إلى حجها دون الكعبة؛ فجاء رجل من كنانة فتغوط بها فغضب الحبشي ~~واجمع على ms185 هدم الكعبة؛ فرد الله كيده في نحره وكان مسيره وبالا عليه والله أعلم. # ثم إن قائمة من أهل الأحساء من أهل بيت ابن مقرب قاموا على القرامطة ~~وحاربوهم سبع سنين حتى انتزعوا الدولة منهم؛ وفي ذلك يقول ابن مقرب من ~~قصيدة له طويلة: # سل القرامط من شظى جماجمهم ... = ... فلقا وعادرهم بعد العلى خدما # من بعد أن جل بالبحرين شأنهم ... = ... وأرجعوا الشام بالغارات والحرما # ولم تزل خيلهم تغشي سنابكها ... = ... أرض العراق وتغشي تارة أدما # وحرقوا عبد قيس في منازلها ... = ... وصيروا العز من ساداتها حمما # وأبطلوا الصلوات الخمس وانتهكوا ... = ... شهر الصيام ونصبوا منهم صنما # وما بنوا مسجدا لله نعرفه ... = ... بل لكما أدربوه قائما هدما # حتى حمينا على الإسلام وانتدبت ... = ... منا فواص تجلو الكرب والظلما # وطالبتنا بنو الأعمام عادتنا ... = ... فلم تجد بكما فينا ولا صمما # وقلدوا الأمر منا ماجدا نجدا ... = ... يشفي ويكفي إذ ما حادث دهما # ماضي العزيمة عز غطارفة ... = ... لو زاحمت سد ذي القرنين لا نهدما # باب الأئمة المنصورين في هذه الفترة PageV01P229 وهي وقت تغلب بني سامة ~~على عمان بواسطة سلطان الجور خليفة بغداد , قال أبو عبيدة محمد بن روح بن ~~عربي من تلك الأمة محمد بن الحسن الخروصي النازل من أودية الرستاق وهو من ~~اليحمد؛ قال بويع على الشراء فيما بلغنا وكان إماما شاريا ثم إنه اعتزل عن ~~الإمامة وبايع أهل عمان من بعده لثمانية أئمة منهم من بويع على قطع الشرى ~~فيما بلغنا؛ منهم من بويع على الدفاع. # ومن تلك الأئمة الثمانية الذين بويعوا على الإمامة من بعد اعتزال محمد بن ~~الحسن عنها الصلت بن القاسم الخروصي النازل نزوى ثم من بعده عزان بن الهزبر ~~المالكي من كلب اليحمد عقد له في حياة الصلت بن القاسم؛ ثم عقد في حياة ~~عزان بن الهزبر لعبدالله بن محمد الحداني المعروف بأبي سعيد القرمطي وذلك ~~من قبل أن يعلم منه رجوع عن دعوة المسلمين إلى بدعة القرامطة , ثم عقد في ~~حياة أبي سعيد القرمطي قبل أن تعلم بدعته للصلت بن القاسم ثانية , ومات ms186 ~~الصلت ابن القاسم من غير اعتزال عن الإمامة , ثم بويع من بعده للحسن بن ~~سعيد السحتني النازل نزوى أخي بني ثعالة فلبث في الإمامة أقل من شهر على ما ~~سمعنا ثم مات على غير اعتزال عن الإمامة. # ثم عقد للحواري بن مطرف الحداني النازل نزوى وبويع على ما بلغنا على ~~المدافعة وكان في البلد آخذا على أيدي الفساق من سفهاء أهل عمان أخذا شديدا ~~وكان إذا جاء السلطان إلى نزوى يجبى من أهلها اعتزل من بيت الإمامة إلى ~~منزل نفسه من نزوى , فإذا خرج السلطان من نزوى رجع هو إلى بيت الإمامة ووضع ~~تاج الإمامة على رأسه وقال لمن حوله لا حكم إلا الله ولا طاعة لمن عصى الله ~~, وكان قائما له بالأمر عند السلطان قوم من بني سامة فيما أحسب فلم يزل ~~الحواري على ذلك إلى أن مات من غير اعتزال عن الإمامة وعذر المدافع عند ~~المسلمين عذر الشاري ولا عذر عندنا لأحد إلا من عذره الله. PageV01P230 # ثم عقد من بعده لابن أخيه عمر بن محمد بن مطرف وكان على نحو سبيل عمه إذا ~~جاء السلطان اعتزل من بيت الإمامة , ثم جاءت القرامطة بعد ذلك وعمر ابن ~~محمد في الحياة ورجعت القرامطة من عمان إلى البحرين وهو حي فلم يرجع إلى ~~بيت الإمامة , ثم كان من بعده فترة في سنين عن عقد الإمامة , ثم عقدوا ~~لمحمد ابن يزيد الكندي النازل سمد نزوى وبايعوه على ما بلغنا على الدفاع ~~واعتل عليهم عند البيعة بأنه رجل عليه دين فلم يبايعهم على الشراء. # ثم إن السلطان تغلب على البلد وهرب محمد بن يزيد من محاضرته للسلطان ~~بعسكرين عسكر بالسر وعسكر بالاعتاك , ثم عقد من بعده في حياته للحكم بن ~~الملا البحري النازل بسعال , قال ابن روح: فلا نعلم إن إماما كان من أهل ~~القبلة مثله في الضعفة والوهنة مسلما ولا مجرما , قال ثم إن الحكم ابن ~~الملا اعتزل عن الإمامة وأقام السلطان عسكرا بنزوى إلى هذه الغاية يعني ~~الوقت الذي هو فيه ms187. # وقال أبو الحواري نحن نبرأ من أبي سعيد القرمطي ونبرأ ممن تلاه ونبرأ ممن ~~وقف عنه ونبرأ ممن شك فيه بعد رجوعه من السوق إلى نزوى , قال: وأما عقد ~~إمامته فلا نقول فيها شيئا وأما من بعد خروجه من نزوى ورجوعه إليها من بعد ~~دخوله في القرامطة فنحن نبرأ منه من بعد ذلك إلى هذا اليوم وممن تولاه وممن ~~وقف عنه وممن شك فيه , قال ولا ينبغي لعاقل أن يناظر في أبي سعيد ولا في ~~عقد إمامته , قال وإنما كان يشبه لعب الصبيان؛ فمن تلكم في ذلك فينبغي أن ~~يعرض عنه ويمقت ولا يلتفت إليه؛ قال وهذا من كلام السفاهة والحمق والضلالة. PageV01P231 # قال أبو سعيد هذا القول معناه خاص فيمن علم من أبي سعيد ما يستحق به ~~العداوة وعلم ممن تولاه أنه تولاه على ما لا تسعه ولايته عليه؛ وعلم ممن شك ~~فيه أنه شك فيه بعد أن علم منه ما لا يسعه الشك فيه عليه؛ وقال أبي الحواري ~~أن عثمان بن محمد بن وائل ويزيد بن حماد السعالي بايعا محمد بن يزيد إماما؛ ~~وقد كان مع من خرج على الصلت بن مالك وكان من أصحاب راشد وكان واليا له على ~~سمائل والعلفة يعرف ذلك الخاصة والعامة. # وقال يزيد بن حماد وأبو عبدالله بن النعمان ومحمد بن عبدالله أنهم ~~اجتمعوا في المسجد منهم عثمان بن محمد بن وائل وأبو عبدالله بن النعمان ~~ويزيد بن حماد ومحمد ابن عبدالله ومحمد بن خالد بن يزيد وكتبوا بإمامة محمد ~~بن يزيد إلى الرستاق؛ وخرج عثمان بن محمد ابن وائل وعلي بن محمد بن علي إلى ~~الاعتاك يدعون إلى نصرة محمد بن يزيد فيما سمعنا؛ ولأبي المؤثر وأبي قحطان ~~كلام في هؤلاء الأئمة وفيمن بايعهم. # قال أبو المؤثر قدموا راشدا يعني ابن النظر إماما ثانية على غلطة وخطئه ~~ثم ضللوه وعزلوه؛ ثم أقام الصلت بن القاسم إماما ثم قدم عليه حمويه الفاسق ~~ففر عنه فلم يذب عن الحريم فلما قضى حمويه غشمه وظلمه رجع ms188 الصلت إلى موضعه ~~فأنفذ الأحكام وجني الصدقات وولى الولاة , وصلى الجمعة إلى أن رجع حمويه ~~ثانية ففر الصلت بن القاسم فحاصره فدفع الله شر حمويه فانقلب صاغرا ولم ~~يدخل الجوف , وكان فعل الصلت بن القاسم في هذا أحسن من فعله في المرة ~~الأولى , فلم أحسن في فعله رجعوا عليه فبرؤا منه وخلعوه وكتبوا إلى ~~المسلمين كتابا. PageV01P232 # قال فالعجيب من ذلك أنهم رضوا به إماما في أسوأ فعله إذ فر , وخلعوه وهو ~~محسن إذ دفع الله به شر حمويه عنهم , فهذه عجيبة من العجائب؛ قال عادوا ~~فقدموا الصلت ثانية, فالعجب منهم ومن الصلت فإن يكونوا مخطئين في عزله وفي ~~خلعه , فقد كان ينبغي أن لا يتخذهم وزراء ولا يؤمنهم على البيعة ولا يقربهم ~~في موازرته إذ خلعوه وهو مصيب وهم مخطئين , وإن يكن الصلت مخطئا فالعجب ~~منهم إذ رجعوا إليه وردوه إماما على خطئه , وإن قالوا قد تبنا واستتبناه , ~~فقد اتخذوا دينهم لهوا ولعبا إذ يظهرون الخطيئة ويبطنون التوبة وقد عظم ~~خطؤهم على لبسهم الأمور بعضها ببعض , ولبس الحق بالباطل وكتمانهم الحق وهم ~~يعلمون فاتقوا الله يا أهل عمان وراجعوا إلى ربكم يعد الله عليكم وادخلوا ~~في الباب الذي خرجتم منه, وراجعوا إلى الأصل الذي تفرقتم عنه , ولدين الله ~~الذي لا عوج فيه , وللحق الذي لا باطل معه والعدل الذي لا يشوبه الجور , ~~وتعاونوا على البر والتقوى وكونوا بني الإسلام والقوا عنكم الحمية والعصبية ~~, ولا تعازوا بالعشائر , وليكن عزمكم بالله وبدينه وبسنة نبيه صلى الله ~~عليه وآله وسلم , ودعوا عنكم اللجاج واخضعوا للحق وتراضوا له , وانزلوا ~~للمحدثين حيث انزلوا أنفسهم , واجتمعوا وكاتبوا إلى وطئ ثار أسلافكم. # قال: فإذا اجتمعتم فبايعوا إماما من أحزمكم على الخير , وأصبركم على ~~الجهاد وأبعدكم عزما , وأوفاكم على أمر الله عهدا ثم انصروه بأموالكم ~~وأنفسكم , فقد تعلمون أنه لم يبق من الجور شيء أمراء ظلمه وأجناد غشمه , ~~وقطاع الطرق قد صدوا الناس عن أسفارهم وقضاء حوائجهم؛ وفساق القرى قد ~~استطالوا على الناس يسفكون دمائهم ويغصبون أموالهم ويروعونهم ms189 في منازلهم. PageV01P233 # قال ثم داهية هي أعظم وأفحش كفرا , قوم يدعون إلى تكذيب رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم , يعني القرامطة يدعون إلى تحريف تأويل القرآن لم يمكنهم ~~إبقاء التأويل والتنزيل معا, فجعلوا يبطلون التأويل ويحرفون الكلم عن ~~مواضعه لأنهم حتى حرفوا تأويله بما لم يسمعه الله قصدوا إلى إبطال تنزيله , ~~وفي الحق عليكم إن تدعوا لذلك وتتفرغوا لدينكم وأحسابكم , لأنهم يستحلون ~~فيما بلغنا قتل الأطفال وسبي الحرم ويضربون الأمثال في ذلك , ويقرلون إذا ~~قتلت العقرب فلك أن تقتل أولادها , يتأولون دعوة نوح عليه السلام على قومه ~~( رب لا تذرني على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا ~~يلدوا إلا فاجرا كفارا ) يقصدون إلى أهل الجفا ومن يستحل أكل أموال الناس ~~بغير دين؛ فكيف إذا منوهم الخلود ووعدوهم استباحة القرى. # فالله الله قبل أن تنزل بكم العقوبة؛ فليجتمع منكم عشرون رجلا إلى هؤلاء ~~القوم فيسألونهم عما يدعون إليه؛ فإن ناظروكم فناظروهم؛ وإن طووا عنكم ~~فاعدوهم وأجيبوهم؛ ولا تأمنوا أن يجمعوا عليكم الأعراب واللصوص وقطاع ~~الطرق؛ ثم بيتوا على قرية من قراكم فيستبيحونكم ويغلظ جمعهم بالفساق؛ ثم ~~يعسر عليكم دفعهم؛ فأدركوا قبل أن يفرتكم الأمر؛ وتندموا على ما فاتكم؛ وقد ~~أعذرنا إليكم ونصحناكم والله شاهد على ما نقول ويقولون. # وقال أو قحطان رجعوا إلى راشد يعني ابن النظر بعد أن كان في السجن خليعا ~~مقيدا محبوسا أسيرا فقعدوا له إماما وقصروا الجمعة وجبوا الزكاة وباع راشد ~~الصوافي ثم خذلوه وتركوه ثم خلعوا معه الإمامة وفرضها؛ وما أوجب الله تعالى ~~فيها على أهلها لعبا ولهوا؛ كلما أراد صافقوا رجلا ببيعة ثم خذلوه حتى ~~بايعوا ست عشرة بيعة وأقل أو أكثر لم يفوا بواحدة؛ ولا ساروا بحق الإمامة ~~ولا اتبعوا ولا من قدموه في بيعتهم سبيل الأسلاف من المسلمين. PageV01P234 # قال بايعوا راشد بن النظر ببيعتين وبايعوا عزان بن تميم وبايعوا الصلت بن ~~القاسم بيعتين وبايعوا الحواري بن عبدالله؛ وبايعوا أبا سعيد القرمطي ~~وبايعوا محمد بن الحسن؛ وبايعوا الحسن بن سعيد ms190 وبايعوا الحواري بن مطرف ~~بيعتين؛ وبايعوا عمر بن محمد بن مطرق , وبايعوا محمد بن يزيد , وبايعوا ~~الحكم بن ملا بيعتين , وبايعوا عزان بن الهزبر. # قال ولم نكتب بيعتهم أولا بأول وإنما سميناهم , قال وعزان بن الهزبر كانت ~~بيعته قبل بيعة الحكم بن الملا وغيره. قال فأما عزان بن الهزبر فلسنا ننقم ~~عليه في بيعته أكثر من أنه لما ولي الأمر لم يظهر دعوة المسلمين , ولم يظهر ~~دينه للناس , وكان من أهل دينه وممن يخالفه في عسكره مجتمعين على غير بيان ~~والحق واحد , والمسلمون لم يقبلوا من عمر بن عبدالعزيز , وقد كانت سيرته ~~محمودة معهم , إلا أن يظهر دين المسلمين , ولم يقبلوا منه غير ذلك , ولآخر ~~تبع للأول قال وإذا جاز لعزان الإمساك جاز لغيره , قال وقولنا فيه قول ~~المسلمين. # ثم نعت الناصبين لهم بأنهم ممن غير أثر الأسلاف واتخذ رأيه وهواه دينا ~~ويقدمون رجلا ويسمونه بالإمامة؛ ويقصرون الصلاة خلفه , ويجبون الجزية ~~والزكاة , حتى إذا خرج عليه وعليهم العدو خذلوه , وأقام من أقام منهم مع من ~~خرج عليه من الأجناد يحث في صلاح البلاد والقيام بالخراج وعدد الأموال , ~~حتى إذا خرج السلطان قدموه أو غيره إماما , وخطبوا له الخطب ودعوا له ~~بالإمامة وقصروا الصلاة - يعني الجمعة - وجبوا الزكاة. PageV01P235 # قال فهم يخلفون الجائر على الرعية يجبونهم , فالسلطان يجبي حينا وهم ~~يجبون حينا , فقد اجتمعت جبايتهم وجباية الأجناد في أيام الحواري بن مطرف , ~~قال وما نعرف من آثار الأسلاف , وفي آثار أسلافنا أنهم قالوا: ولا نجبي ~~جزية ولا صدقة حتى نكون على الناس حكاما؛ ولا نبعث جباتنا يجبون أرضا لم ~~نحمها ولم يجر فيها حكمنا , ولا نمنع من جبتنا من الظلم والعدوان. قال ~~وبهذا ندين ومن خالف المسلمين برئنا منه , انتهى تلخيص ما أردنا نقله من ~~كلام أبي المؤثر وأبي قحطان , وفيه من النقد ما فيه , والله أعلم بحال ~~أولئك الأئمة وبحال أولئك العاقدين , وكلام أبي الحواري ومحمد بن روح أهون ~~حالا من قولهما؛ وما غاب منا علمه فلا يلزمنا حكمه والله أعلم ms191. # باب إمامة الإمام سعيد بن عبدالله بن محمد بن محبوب..... # باب إمامة الإمام سعيد بن عبدالله بن محمد بن محبوب رضي الله عنهم # وأرضاهم وجعل الجنة مستقرهم ومثواهم # وهو من ولد محبوب بن الرحيل بن سيف بن هبيرة القرشي، قالوا وسيف بت هبيرة ~~هذا فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعه المسلمون بعد تلك البلايا ~~والمحن، وجمع الله به الشمل، وأراح به العباد، وأحيا به البلاد، ولم أجد في ~~شيء من السير تاريخا لوقت بيعته، غير أن ظاهر الحال يقضي بان بيعته كانت في ~~السنة العشرين بعد الثلاثمائة؛ وذلك إني وجدت أن أهل عمان بقوا في هوان من ~~الجبابرة أربعين سنة وذلك بعد وقعة بن بور، وكانت الوقعة في سنة مائتين ~~وثمانين فتمم الأربعون بدخول العشرين بعد الثلاثمائة. # وسعيد بن عبدالله ممن أجمع المسلمون على ولايته وإمامته، فلم يطعن فيه ~~طاعن ولم يقدح في سيرته قادح، وأول من عقد له الإمامة أبو محمد الحواري بن ~~عثمان ثم أبو محمد عبدالله بن محمد بن أبي المؤثر ثم محمد بن زائدة ~~السمائلي. PageV01P236 # قال أبو محمد عبدالله بن محمد بن أبي المؤثر: إن بيعة الإمام أبي القاسم ~~سعيد بن عبدالله جرت على الدفاع لا على الشراء؛ وكان يثني عليه في العلم ما ~~لا يبلغ إلى صفة ذلك. # وقال محمد بن روح: كان الإمام سعيد بن عبدالله أعلم الجماعة الذين كانوا ~~معه. قال أبو سعيد: وقد كان معه أبو محمد الحواري بن عثمان وعبدالله بن ~~محمد ومحمد ابن الحسن ومحمد بن زائدة مع نفر لا ينكر في الدار فضلهم، ولا ~~يجهل عدلهم. وقال أبو محمد عبدالله بن محمد بن أبي المؤثر رحمه الله: لا ~~نعلم في أئمة المسلمين كلهم بعمان أفضل من سعيد بن عبدالله إلا أن يكون ~~الجلندى بن مسعود. # وقال أبو إبراهيم محمد بن سعيد بن أبي بكر: إن الإمام سعيد بن عبدالله ~~أفضل من الإمام الجلندى بن مسعود. # قال أبو سعيد: وما أحقه بذلك، فإنه كان إماما عادلا؛ صحيح الإمامة ms192 من أهل ~~الاستقامة، عالما في زمانه، لعله يفوق في العلم أهل زمانه أو كثيرا منهم، ~~ومع ذلك قتل شهيدا رحمه الله وغفر له ونحوه. # قال أبو محمد عبدالله بن محمد بن أبي المؤثر: إلا أنه وقف في تفضيله على ~~الجلندى. # ( قلت ) ولا أعدل بالجلندى إماما في عمان؛ فإنه وقع في جمع الصفات ~~الثلاث: العلم والعدل والشهادة، مع ما جمع الله له من الصفات التي لا تكاد ~~توجد في غيره فرحم الله تلك الأوصاف، ورضى الله عنه وعن أئمة المسلمين. # قال أبو سعيد: فتظاهرت الأمور معنا من أهل الدار ممن ينتحل نحلة الحق على ~~الإجماع على ولاية الإمام سعيد بن عبدالله رحمه الله، وهو ولينا وإمامنا إن ~~شاء الله. PageV01P237 # وكان من عدله وضبطه للرعية رضي الله عنه ما يحكى أنه ركض بقومه على حجرة ~~بنزوى فاستفتحها وفقد أهلها بعد خروج القوم رزة باب؛ وشكوا إليه فطلبها حتى ~~أتى بها بعينها وردها إليهم ( ويوجد ) أن حلقة حديد في رز باب قلعت من ~~معسكر أصحاب يوسف بن وجيه فاتهم رجل أنه قلعها فحبسه الإمام سعيد بن ~~عبدالله وكان ذلك بنزوى؛ ويوسف بن وجيه هو السلطان الذي حاربه الإمام حتى ~~غلب عليه، وظهر الحق على رغم الأعداء؛ وسيأتي ذكره في باب الجبابرة، ~~وللإمام إليه كتاب يذكر فيه حسن سيرة المسلمين في محاربته، وذكر له فيه أمر ~~الحلقة التي حبس المتهم بها، ويأتي ذكر طرف من الكتاب عند ذكر يوسف بن وجيه ~~إن شاء الله تعالى. # وقيل: أن أبا سعيد رضي الله عنه كان خزانه على المحبوسين منذ بلغ الحلم، ~~وكان لأبي سعيد يومئذ نخلة وخمرة وهي شجرة العنب، قيل أنه يأكل من ثمر ~~النخلة بلا خبز ولا حلاء؛ وله ثلاث نسوة موسرات لا يأكل من مالهن شيئا؛ وقد ~~أخذنه لأجل علمه، وأحسب أنه كان يقسم ثمرة النخلة على السنة والخمرة للكسوة ~~فيما قيل، هذا هو الزهد لمن عقله؛ هذا خازن السجانين، فما ظنك بأمراء ~~الجنود وولاة القرى وقضاة الأحكام؛ بل ما ظنك بالإمام. # رضوا ms193 من الدنيا بفوت الأكل =وفارقوا الغيد ذوات الكلل # لم تختلبهم بالعيون النجل ولا بفضفاض نعيم دغفل # ولا سماع من غناء زجل =صم عن اللهو وقول الهزل # قد ألفوا كل علندي أفتل=عالي التليل أرحبني عنسل # يغشونه كل نجاد جرول=وكل مطموس الصوى من الفل # في طلب الفضل وفي التفضل=وعز دين الله بالترحل # إلى أولى البسطة والتطول # ( PageV01P238 ونحو هذا ) ما يحكى عن أبي الحواري أنه كان فقيرا يأكل ثمر ~~الأثب زهدا وتعففا، والأثب شجر ينبت على الأودية وعلى جوانب الجبال، وهو ~~غير مملوك وربما قبل صدقة بعض إخوانه فيبيعها ويشتري بها حلا للسراج؛ ونحوه ~~ما يوجد في بعض آثار المسلمين إنه وبخط يحيى بن أبي زكريا. قال أخبرني أبو ~~عبدالله بن محمد بن عمر بن أبي الأشعب أنه كان بقرية منح رجل عفيف له نخلة ~~واحدة وكان يغدو إلى خارج البلد يصلي ما شاء الله، فإذا أراد أن يعود حمل ~~قفير سماد فجعله تحتها؛ فإذا حملت فأدركت عد ثمرتها وقسمها على السنة، وجعل ~~لكل يوم شيئا معلوما يأكله بلا إذام ولا خبز؛ وكان ذلك دأبه ولا يأكل ~~غيرها، وكان أبدا صائما حتى مات. # قال وبلغني أن النخلة بقيت إلى أيام الخليل بن شاذان؛ وأن مركز أمتها ~~بلغت الجزرة الأولى اثني عشر جذعا , وقيل إن بعضهم كان يأكل ورق الأشجار ~~زهدا وتعففا؛ ويوجد إن الإمام سعيد رضي الله عنه كان في بعض أسفاره فأخر ~~الظهر إلى العصر , ونسي أن يجدد النية في تأخيرها لقصد الجمع؛ وأنه كفر عن ~~ذلك التأخير , ومن المعلوم أن الناسي معذور , فالتكفير منه رضي الله عنه ~~زهد وورع وهو نظير ما يحكى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أخر المغرب ~~يوما إلى أن ظهرت ثلاثة نجوم , فأعتق ثلاثة أعبد؛ ما أشبه الآخر بالأول وما ~~أشبه الليلة بالبارحة. # ورأى رضي الله قوما كان قد عاقبهم في شيء , فرآهم في الشمس , وكان قد ~~غفلهم أمين السجن فغضب وقال: في الشمس أمانتي؟ أو نحو هذا من كلامه. ~~واستشهد ms194 رضي الله عنه في وقعة بمناقي في سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة , ولم ~~أجد ذكر هذه الوقعة في شيء من الكتب , وما ذكره في كشف الغمة وغيره في ~~سببها فتلك قضية أخرى وقعة بالغشب من الرستاق في إمامة راشد بن الوليد , ~~قتل فيها عبدالله بن محمد بن أبي المؤثر , وسنذكرها في محلها إن شاء الله تعالى. PageV01P239 # فإن صح ما تحريناه في أول إمامة أبي القاسم أنها كانت في سنة عشرين ~~وثلاثمائة فإن إمامته رضي الله عنه تكون ثمان سنين وإن لم يصح ذلك , فالله ~~أعلم بذلك وبغيره. # وقيل لما قتل الإمام سعيد بن عبدالله رحمه الله لم يزل الباقون من شراته ~~على ما هم عليه من قطع الشرى والله أعلم. # باب إمامة راشد بن الوليد رضي الله عنه # وكانت بعد إمامة سعيد بن عبدالله ولعدم التواريخ لم أقف مع شدة البحث على ~~وقت العقد عليه ولا على وقت وفاته ولا على ذكر شيء من حروبه , ولم أجد ذكر ~~نسبه إلا ما وجدت في بعض القراطيس الغير الموثوق بها أنه كان كنديا وما كان ~~معولهم على الأنساب , بل على التقوى والعلم والورع والفضل , وقد أطب أبو ~~سعيد رضي الله عنه في وصف راشد بن الوليد فقال: كان رحمه لرعيته هنيا رفيقا ~~بآرائهم شفيقا غضيضا من عورانهم مقيلا لعثراتهم بعيد الغضب عن مسيئهم قريب ~~الرضى عن محسنهم مساويا في الحق بين شريفهم ودنيهم؛ وفقيرهم وغنيهم , ~~وبعيدهم وعشيرهم؛ منزلا لهم منزل , متفقدا لأمورهم وأحوالهم مشاورا منهم ~~لمن هو دونه , قابلا مشاورتهم ما يأمرنه به يتجشم من رعيته الصبر على ~~الكروب ومفارقة السرور والمجبوب , ويصبر منهم على الشتم والأذى ويسمع منهم ~~الخنى والقذى. PageV01P240 # قال وكان ظاهر الإيمان عليه شواهد الفضل والإحسان ناهيا عن الشر والبهتان ~~صادق الفعال واللسان , ورعا عن المحارم مجتنبا عن المآثم , عاملا بما علم ~~سائلا عما نزل به ولزم؛ متواضعا لمن هو فوقه؛ متعطفا على من هو دونه؛ كاظما ~~للغيظ بعيد الغضب؛ سريع الرضى , محتملا للأمة , حريصا على إصلاح المسلمين , ~~رءوفا رحيما ms195 بالمؤمنين؛ متوشحا بكريم الخلاق , صبورا عند مضائق الخناق , ~~مستقيما على الحقيقة؛ قاصدا قصد الطريقة , فرحم الله تلك المهجه وتلك ~~الأوصال , وتفضل علينا وعليه بالمن منه والأفضال , وجمعنا وإياه على جزيل ~~ثوابه وكرامته وفعل ذلك لك مؤمن ومؤمنه إنه أرحم الراحمين , وصلى الله على ~~سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم. # هذا كلام أبي سعيد في نعته والترحم له؛ وناهيك برجل يثني عليه أبو سعيد ~~هذا الثناء , ثم ذكر من سيرته ما سنذكره , ولولا أن أبا سعيد ذكر هذا الطرف ~~من سيرته لغاب عنا علمه كما غاب عنا علم غيره من الأئمة؛ وذلك كله للإهمال ~~التاريخ وقلة الاعتناء به , وإن للتاريخ فضل عظيما لا يقدر قدره. # قال أبو سعيد: كانت بيعة راشد بن الوليد رحمه الله على الدفاع , قال وأول ~~من بايع له أبو محمد عبدالله بن محمد بن أبي المؤثر مع جماعة معه هم في ~~زمانهم كأمثال المبايعين لسعيد بن عبدالله. # ثم ذكر منهم أبا مسعود النعمان بن عبدالحميد , وأبا محمد عبدالله بن محمد ~~بن أبي شيخة؛ وأبا عثمان رمشقي بن راشد , وأبا محمد عبدالله بن محمد بن ~~صالح , وأبا المنذر بن أبي بن محمد بن روح. PageV01P241 # قال وقد كانوا عرفوا من بعضهم لبعض تعاتبا في أمر موسى بن موسى وراشد ابن ~~النظر , فلما عزموا على عقد الإمامة لراشد بن الوليد تداعوا إلى الاجتماع ~~على سبب يعرفونه في ذلك , فاجتمعوا هم وغيرهم إلا أبا مسعود النعمان بن ~~عبدالحميد فإنه لم يحضر ذلك قبل العقدة , فاجتمعوا في بيت كان ينزل فيه ~~راشد بن الوليد , وكان المقدم فيهم أبو محمد عبدالله بن محمد بن أبي المؤثر ~~, فاجتمعوا جميعا على أن الواقف عن موسى وراشد والمتبري منهما جميعا في ~~الولاية , وأنهما جميعا مؤتمنان على دينهما في ذلك , ولم نعلم من أحد منهم ~~أنه برئ بغير حق؛ أو وقف بغير حق. ثم بايعوا الإمام راشد بن الوليد على ~~طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن ~~المنكر , وعلى ms196 الجهاد في سبيل الله وعلى سبيل الدفاع وعلى إتباع سبيل أئمة ~~العدل قبله قسطا وعدلا. # قال وعلى هذا بايعه أبو محمد عبدالله بن محمد في المنزل الذي كان ينزل ~~فيه من نزوى؛ ثم بايعه من بعده أبو مسعود على نحو ما بايعه أبو محمد؛ بايعت ~~الجماعة على نحو من ذلك وقبل منهم البيعة , وخرجوا على الناس بالبطحاء من ~~نزوى في جماعة من أهل عمان من نزوى ومن سائر أهل القرى من شرق عمان وغربها ~~من أهل العفاف منهم والفضل والجاه والرياسة؛ مستمعون لذلك مطيعون؛ لا يظهر ~~لأحد منهم كراهية ولا نكير. # ثم قام أبو محمد عبدالله بن محمد بن شيخة خطيبا على رأسه بين الجماعة ~~فخطب له بالإمامة وأخبر الناس بأن الجماعة قد بايعت له على الإمامة , وأمر ~~الناس بالبيعة له فبايعوا له شاهرا ظاهرا. # قال وكان ممن بايع له ذلك اليوم بحضرته عبدالله بن محمد بن أبي المؤثر ~~وعبدالله ابن محمد بن شيخة يبايع ناحية , قال وأرجو أن أبا مسعود كان يبايع ~~له ناحية وعيرهم من الناس. PageV01P242 # قال ودخل الناس في بيعته أفواجا , ووفد إليه على ذلك الوفود وأخذ عليهم ~~المواثيق والعهود , قال: وبعث العمال والولاة في القرى والبلدان فلم يعترض ~~عليهم أحد , قال فصلى بنزوى الجماعات وقبض هو عماله الصدقات وجهز الجيوش ~~وعقد الرايات وأنفذ الأحكام وجرت له في ما شاء الله في المصر الأقسام. قال ~~ولم تبق بلد من بلاد عمان لم يغلبوا عليها السلطان إلا وجرت فيه أحكامه ~~وثبتت عليهم أقسامه، وأقر في ظاهر الأمر أنه إمامه من غير أن يظهر منه في ~~شيء من سيرته ولا علانيته ولا سريرته شدة ولا غلظة يخاف بها ويتقى، ولا ~~هوادة ولا ميل يطمع فيه بذلك ويرتجى، فيصانع عن تقية؛ أو يخدع ليطمع ورجية، ~~ثم وصفه بما تقدم، وذكر أن أبا محمد عبدالله بن محمد بن أبي المؤثر قتل في ~~وقعة الغشب من الرستاق في سيرة الإمام راشد بن الوليد وفي طاعته؛ ولم يذكر ~~قصة الوقعة ولعلها هي التي ms197 ذكرها غيره؛ وجعلها سببا لقتل الإمام سعيد بن ~~عبدالله في مناقى، ونذكرها هنا لأنها أنسب بالمقام، وفي الظن أنها هي السبب ~~في قتل عبدالله بن محمد؛ وإنما اشتبهت القصتان على الناقل. # قيل أنه كانت امرأة من أهل الغشب من الرستاق مروحة حبا على الشمس، فجاءت ~~شاة فأكلت من الحب فرمتها بحجر فكسرت يدها، فجاءت صاحبت الشاة فجعلت تضرب ~~المرأة التي رمت الشاة؛ فاستغاثت بجماعتها، فجاء أحد من جماعتها وجاء أحد ~~من جماعة الأخرى فكان لكل فريق يثيب فريقه، ووقعت بينهم صكة عظيمة، فجاء ~~الإمام ومعه أحد من عسكره على معنى الحاجزين بين الفريقين، فقتل في تلك ~~المعركة، والله أعلم. PageV01P243 # وذكر في بيان الشرع كتابا عن الإمام راشد بن الوليد إلى عامله الحكم بن ~~كبيش عنوان الكتاب: من الإمام راشد بن الوليد إلى عامله الحكم بن كبيش، ونص ~~الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم. من الإمام راشد بن الوليد إلى عامله الحكم ~~بن كبيش، سلام عليك، أما بعد، عافانا الله وإياك من النار برحمته، قد علمت ~~رحمك الله ما كان في يد محمد بن شريح من الصوافي أيضا من أن حصادها قد آن، ~~فإذا جاء وقت ذلك فاحضروا حصى سلعن ما يصلن( ) ويكون الحب مع إبراهيم ابن ~~محمد بن إبراهيم، وتعرفني حتى آمرك في ذلك ما تعمل لحسبه إن شاء الله، ~~مكتوب الجواب في ظهر الرقعة: بسم الله الرحمن الرحيم الصافية التي في يد ~~ابن شريح سبعة وثلاثون جريا، وجريان غير مكوك قمزه، وخمسة وعشرون جريا وسبع مكائك. # ذكر خروج سلطان الجور على الإمام راشد بن الوليد PageV01P244 ولعل هذا ~~السلطان كان من عمال بني العباس لما قدمنا من اعتنائهم بعمان بعد دخول ابن ~~بور فيها، وذلك أن سلطان الجور قد خرج عليه حتى نزل السر وخرجت رعايا ~~الإمام لمظاهرته ومعاونته، ونبذوا عهودهم وراء ظهورهم؛ فخرج الإمام في ~~طلبهم ليردهم فلحقهم ببهلى، فأراد أن يردهم فأبوا، وأراد أن يقهرهم على ~~الرجوع فعصوا وأظهروا له العداوة والعصيان، وخرجوا معاندين إلى السلطان ~~فبقى الإمام في ms198 الضعفاء من أصحابه بعد أن خذله الأكثر منهم، وخرج من بهلى ~~إلى كدم؛ ورأى أنه قد أخذ في ذلك بالحزم والاحتياط، ثم جاء السلطان بمن معه ~~حتى دخلوا الجوف، فخاف الإمام ومن معه لقتلهم، فانحاز بهم إلى وادي النخر ~~استبقاء منه على من معه من ضعفاء المسلمين، ودعا إلى حرب السلطان من أجابه ~~واستنصر بمن قدر عليه، فجيش أنصاره وأعوانه وأرسلهم إلى حرب السلطان، وقعد ~~هو ومن لا غنى له عنه بمشورة من أشار إليه بالتخلف من إخوانه رجاء منهم ~~لبقاء رايتهم ما بقى إمامهم، وكان موقفه يومئذ غير بعيد عن موضع القتال، ~~وكان السلطان بنزوى، فالتقت سرية الإمام بجند السلطان، فنشب بينهم القتال، ~~وانهزمت سرية الإمام وتفرقت جماعته وزالت رايته، وكان ذلك ضحوة النهار، فما ~~كان العشى من ذلك اليوم حتى تفرق عنه جميع من كان معه، فاستولى السلطان ~~الجائر على جميع عمان، وبقي الإمام في رءوس الجبال خائفا يترقب، فطالع في ~~أمره واستشار وأخذ بالرخصة من قول الأخيار أن المدافع تسعة التقيت إذا ~~خذلته الرعية. PageV01P245 # قال أبو سعيد: وذلك مما لا نعلم فيه اختلافا؛ فألقى بيده على منزله فأرسل ~~إليه السلطان رسولا يعطيه منه الميثاق بالأمان. قال أبو سعيد فأعطاه ذلك ~~بلسانه؛ قال ولم يبلغنا بحمد الله أنه عرضه ليمين ولا كان إلى باب السلطان ~~من الوافدين؛ وإنما السلطان وصل إليه واضطره إلى ذلك وجبره قال فزانت معنا ~~هنالك إمامته وثبتت للعذر الواضح ولايته. قال فلبث بعد ذلك قليلا محمودا ~~ومات عن قريب من ذلك مفقودا. # قال وكان في عامة أموره غريبا معدوما؛ ولم يكن عند أحد من أهل الخبرة في ~~أموره ملوما ولا مذموما، فجزاه الله عن الإسلام وأهله لما قدم فيه من حقه ~~وعدله، وعنا وعن جميع من عرف صحيح فضله ما جزى إماما عن رعيته وأخا بصحيح إخوته. # وذكر المضيف على بيان الشرع أنه وجد أن دار عمان صارت دار كفر نفاق لا ~~كفر شرك لعشرين يوما من ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة، وهذا ms199 ~~الوقت هو وقت غلبة سلطان الجور على عمان وخذلان أهل عمان لإمامهم راشد ابن ~~الوليد فيما يظهر من سياق التاريخ؛ فإن كان عقد الإمامة عليه بعد سعيد بن ~~عبدالله حالا فتكون إمامته فوق أربع عشرة سنة، ثم صار الأمر من بعده ~~لسلاطين الجور حتى أغاث الله عباده باجتماع الكلمة ونصب الخليل بن شاذان ~~وسأل أبو سعيد بن سلاطين الجور الذين كانوا في زمانه: أيكونون مثل خردلة ~~الجبار الذي أجاز أبو الشعثاء قتله غيلة؟ فقال هم أشد من خردلة، والله أعلم. PageV01P246 # وفي كامل ابن الأثير: في حوادث سنة ثلاث وستين وثلاثمائة قال: ذكر ملك ~~عضد الدولة عمان في هذه السنة استولى الوزير أبو القاسم المطهر بن محمد ~~وزير عضد الدولة على جبال عمان ومن بها من الشراة في ربيع الأول، قال وسبب ~~ذلك أن معز الدولة لما توفي وبعمان أبو الفرج بن العباس نائب معز الدولة ~~فارقها؛ فتولى أمرها عمر بن نبهان الطائي، وأقام الدعوة لعضد الدولة، ثم أن ~~الزنج غلبت على البلد ومعهم طوائف من الجند فقتلوا ابن نبهان وأمروا عليهم ~~إنسانا يعرف بابن حلاج، فسير عضد الدولة جيشا من كرمان واستعمل عليهم أبا ~~حرب طغان، فساروا في البحر إلى عمان، فخرج أبو حرب من المراكب إلى البر؛ ~~وسارت المراكب في البحر من ذلك المكان فتوافوا على صحار قصبة عمان، فخرج ~~إليهم الجند والزنج؛ واقتتلوا قتالا شديدا في البر والبحر؛ فظفر أبو حرب ~~واستولى على صحار؛ وانهزم أهلها. # قال وكان ذلك سنة اثنتين وستين؛ ثم إن الزنج اجتمعوا إلى بريم وهو رستاق ~~بينه وبين صحار مرحلتان؛ فسار إليهم أبو حرب؛ فأوقع بهم وقعة أتت عليهم ~~قتالا وأسرا فاطمأنت البلاد. PageV01P247 # قال ثم أن جبال عمان اجتمع بها خلق كثير من الشراة وجعلوا لهم أميرا اسمه ~~ورد بن زياد وجعلوا لهم خليفة اسمه حفص بن راشد فاشتدت شوكتهم؛ فسير عضد ~~الدولة المطهر بن عبدالله في البحر أيضا، فبلغ إلى نواحي حرفان من أعمال ~~عمان؛ فأوقع بأهلها وأثخن فيهم وأسر، ثم سار إلى ms200 دما وهي على أربعة أيام من ~~صحار، فقاتل من بها وأوقع بهم وقعة عظيمة، قتل فيها وأسر كثيرا من رؤسائهم، ~~وانهزم أميرهم وردوا إمامهم حفص، واتبعهم المطهر إلى نزوى وهي قصبة تلك ~~الجبال فانهزموا منه؛ فسير إليهم العساكر فأوقعوا بهم وقعة أتت على باقيهم ~~وقتل ورد وانهزم حفص إلى اليمن؛ فصار معلما وسار المطهر إلى مكان يعرف ~~بالشرف به جمع كثير من العرب نحو عشرة آلاف فأوقع بهم. قال واستقامت البلاد ~~ودانت بالطاعة، قال ولم يبق فيها مخالف، هذا كلامه والله أعلم بصحته. # وحفص بن راشد إنما نصب إماما بعد موت أبيه الإمام راشد بن سعيد رضي الله ~~عنه؛ وذلك في المحرم من سنة خمس وأربعين وأربعمائة؛ ولم يذكر أحد من مؤرخي ~~أصحابنا خروج سلطان العراق على حفص بن راشد ولم يذكروا أنه عزل عن إمامته ~~ولا أنه خرج من عمان؛ وإنا لنشك في رواية قومنا فيما شاهدوه فكيف نثق بهم ~~فيما غاب عنهم مع أنهم إنما أخذوا أخبار ذلك من بعض أجناد الظلمة القادمين ~~على حرب المسلمين، فيحتمل أن يكون قد اختلط عليهم الأمر؛ ويمكن أن يعتمدوا ~~الزيادة والنقص، وبالجملة فإنا نعلم من سياق التاريخ أن الظلمة قد عاثوا في ~~عمان وتولوا أمرها من بعد أن خذل الإمام راشد بن الوليد إلى أن نصب الخليل ~~بن شاذان، ومدت ذلك نحو خمس وستين سنة تقريبا، والله غالب على أمره. # باب ذكر الجبابرة الذين تولوا عمان بعد الأئمة في الزمان الأول ~~PageV01P248 وقد تقدم الكلام في الجبابرة الذين كانوا قبل الأئمة. وذكر ابن ~~خلدون في تاريخه أن عمان كانت بها في الإسلام دولة لبني سامة بن لؤي. قال ~~وكثير من نسابه قريش يدفعونهم عن هذا النسب، أولهم بها محمد بن القاسم ~~السامي، بعثه المعتضد وأعانه ففتحها وطرد الشراة إلى نزوى قاعدة الجبال؛ ~~قال وأقام الخطبة لبني العباس وتوارث ذلك بنوه وأظهروا شعر السنة، يعني سنة ~~القوم، قال ثم اختلفوا سنة خمس وثلاثمائة وتحاربوا ولحق بعضهم بالقرامطة؛ ~~وأقاموا في فتنة إلى أن تغلب ms201 عليهم أبو طاهر القرمطي سنة سبع عشرة عند ~~اقتلاعه الحجر؛ وخطب بها لعبيد الله المهدي وترددت عليها ولاة القرامطة ~~والروافض وبقيت في أيديهم ورياستها للأزد منهم. # قال ثم سار بنو مكرم من وجوه عمان إلى بغداد واستخدموا لبني بويه ~~وأعانوهم بالمراكب من فارس، فملكوا مدينة عمان وطردوا الشراة إلى جبالهم، ~~وخطبوا لبني العباس، ثم ضعفت دولة بني بويه، فاستبد بنو مكرم بعمان ~~وتوارثوا ملكها قال وكان معهم مؤيد الدولة أبو القاسم علي بن ناصر الدولة ~~الحسين بن مكرم؛ وكان ملكا جوادا ممدوحا، قاله البيهقي ومدحه مهيار الديلمي ~~وغيره. ومات سنة ثمان وعشرين وأربعمائة بعد مدة طويلة في الملك، وفي سنة ~~اثنتين وأربعين ضعف ملك بني مكرم وتغلب عليهم النساء والعبيد فزحف إليها ~~الشراة وملكوها وقتلوا بقيتهم ( قلت ) وبنو سامة هم رهط موسى بن موسى، ~~ومحمد بن القاسم هو الذي ركب إلى محمد بن بور بالبحرين يستنصره. ثم منه إلى ~~المعتضد ببغداد؛ وجاء بالعساكر إلى عمان على حسب ما قدمنا ذكره؛ فقويت بذلك ~~شوكة الجبابرة وانحل نظام الخلافة، وصار الأمر دولة بين أهل الجور. PageV01P249 # ومن جملة سلاطين عمان يوسف بن وجيه، وكان قد ملك ناحية من عمان؛ وكان ~~معاصرا للإمام سعيد بن عبدالله رضي الله عنه، وكان للإمام معه حروب؛ وقد ~~انخمد أمره أيام الإمام سعيد بن عبدالله وظهر الحق عليه، وإنما ظهر بعد قتل ~~الإمام. وللإمام كتاب إلى يوسف بن وجيه يذكر له فيه حسن سيرة المسلمين في ~~حربه؛ وإنهم تبعوا في ذلك سيرة أسلافهم، ومن ذلك الكتاب قوله: # من الإمام سعيد بن عبدالله ومن قبله من المسلمين إلى يوسف بن وجيه، وإن ~~في شأننا وشأنك لعجب لحلقة حديد في رز باب اتهم بهذا رجل من الرعية عندنا ~~إنه قلعها من معسكر أصحابك بنزوى، فحبسنا الذي اتهم بها لأنا نستحل حبس أهل ~~التهم على قدر استحقاقهم في حكم المسلمين؛ وقلنا للناس جهرا على رءوس الملأ ~~أن أموال أهل القبلة علينا حرام كحرمة أموالنا على بعضنا بعض وحجرنا على ~~الناس التعرض ms202 لأشيائكم ما دق منها وجل؛ حتى قال من لا علم له بأصول دين ~~المسلمين إنكم الآن حفظة للجند على أموالهم، ومن ذلك أن الحبوب التي جمعت ~~في الأنصار التي استولى عليها وجرى عليها حكمنا لما علم الناس منا أنا لا ~~نستحل شيئا ولا نقار أحدا على معصية الله كائنا ما كان من الناس؛ منعهم ذلك ~~من التعرض لأشيائكم كلها التي كانت في جوارنا من بلداننا؛ ولولا خوف ~~العقوبة منا لانتهب ذلك بأيسر مؤنة؛ ولم يكن ذلك تقربا إليك ولا ابتغاء ~~وسيلة منا إليك ولكنا اتبعنا في ذلك كتاب الله وآثار أسلافنا رحمهم الله. # ومن هذا الكتاب قال: PageV01P250 # حاربناك محاربة المسلمين لأهل البغي حتى تفيء إلى أمر الله؛ لا نهاية ~~لذلك عندنا أو تفنى روحك أو أرواحنا إلى إحياء الحق وإماتة الباطل إن شاء ~~الله، ولا نستحل منك مالا؛ ولا نسبي لك عيالا، ولا ننسف لك دارا؛ ولا نعقر ~~لك نخلا ولا نعضد لك شجرا؛ ولا نستحل منك حراما؛ ولا نجهز على جريح ولا ~~نقتل مواليا تائبا، ولا نقتل مستأمنا إلينا؛ ولا نغنم ماله، ولا ندعو أحدا ~~يتعدى عليه بنفس ولا مال؛ فإن فعل ذلك أحد بأحد أخذنا له الحق إذا صح معنا، ~~ومن كان في يده مال فهو أولى بما في يده؛ لأنا لا نزيل مالا إلا بحجة. # ثم قوى أمر يوسف بن وجيه بعد الإمام سعيد بن عبدالله، واستفحل أمره وقويت ~~شوكته وحارب البصرة في آخر سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة. # قال ابن الأثير: في هذه السنة في ذو الحجة سار يوسف بن وجيه صاحب عمان في ~~مراكب كثيرة يريد البصرة، وحارب البريدي فملك الأبله وقوى قوة عظيمة وقارب ~~أن يملك البصرة فأشرف البريدي وأخوته على الهلاك، وكان له ملاح يعرف ~~بالرمادي، فضمن للبريدي هزيمة يوسف، فوعده الإحسان العظيم، وأخذ الملاح ~~زورقين فملأهما سعفا يابسا ولم يعلم به أحد، وحدرهما في الليل حتى قارب ~~الأبلة، وكانت مراكب ابن وجيه تشد بعضها إلى بعض فتصير كالجسر؛ فلما انتصف ~~الليل أشعل ذلك ms203 الملاح النار في السعف الذي في الزورقين وأرسلهما مع الجزر ~~والنار فيهما، فأقبلا أسرع من الريح فوقعا في تلك السفن والمراكب فاشتعلت ~~واحترقت قلوسها واحترق من فيها، ونهب الناس منها مالا عظيما، ومضى يوسف بن ~~وجيه هاربا في المحرم سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة. قال وأحسن البريدي إلى ~~ذلك الملاح. PageV01P251 # وقد تقدم عن ابن خلدون أن بني مكرم وهم من وجوه أهل عمان ملكوا عمان ~~بنصرة من بني بويه عمال بني العباس، وأنه لما ضعف أمر بني بويه استبد بني ~~مكرم بملك عمان، وأن منهم أبا القاسم علي بن الحسين بن مكرم ممدوح مهيار ~~الديلمي، وأنه عاش في الملك زمانا، وتوفى سنة ثمان وعشرين وأربعمائة. # وذكر ابن الأثير خبر ولده من بعده؛ قال في كامله: لما توفي أبو القاسم بن ~~مكرم خلف أربعة بنين: أبو الجيش والمهذب وأبو محمد وآخر صغير، فولى بعده ~~ابنه أبو الجيش؛ وأقر على ابن هطال المنوجالي صاحب جيش أبيه على قاعدته، ~~وأكرمه وبالغ في احترامه، فكان إذا جاء إليه قام له فأنكر هذا الحال عليه ~~أخوه المهذب فطعن على ابن هطال، وبلغه ذلك فأضمر له سوءا واستأذن أبا الجيش ~~في أن يحضر أخاه المهذب لدعوة عملها له فأذن له في ذلك، فلما حضر أخاه ~~المهذب عنده خدمه وبالغ في خدمته، فلما أكل وشرب وانتشا وعمل السكر فيه قال ~~له ابن هطال: إن أخالك أبا الجيش فيه ضعف وعجز عن الأمر، والرأي إننا نقوم ~~معك وتصير أنت الأمير، وخدعه فمال إلى هذا الحديث، فاخذ ابن هطال خطه بما ~~يفوض إليه وبما يعطيه من الأعمال إذا عمل معه هذا الأمر؛ فلما كان الغد حضر ~~ابن هطال عند أبي الجيش وقال له إن أخاك كان قد أفسد كثيرا من أصحابك عليك ~~وتحدث معي واستمالني فلم أوافق، فلهذا كان يذمني ويقع في؛ وهذا خطه بما ~~استقر هذه الليلة؛ فلما رأى خطه أمره بالقبض عليه؛ ففعل ذلك واعتقله؛ ثم ~~وضع عليه من خنقه وألقى بجثته إلى منخفض من الأرض وأظهر أنه ms204 سقط فمات ثم ~~توفي أبو الجيش بعد ذلك بيسير؛ وأراد ابن هطال أن يأخذ أخاه أبا محمد ~~فيوليه عمان ثم يقتله , فلم تخرجه إليه والدته وقالت له: أنت تتولى الأمور ~~وهذا صغير لا يصلح لها؛ ففعل ذلك وأساء السيرة وصادر التجارة وأخذ الأموال. PageV01P252 # وبلغ ما كان منه مع بني مكرم إلى الملك أبي كاليجار والعدل أبي منصور بن ~~مافنة فأعظما الأمور واستكبراه؛ وشذ العادل في الأمور وكاتبا نائبا كان ~~لأبي القاسم بن مكرم بجبال عمان يقال له المرتضي؛ وأمره بقصد ابن هطال وجهز ~~العساكر من البصرة لتسير إلى مساعدة المرتضي؛ فجمع المرتضي الخلق وتسارعوا ~~إليه وخرجوا عن طاعة ابن هطال؛ وضعف أمره واستولى المرتضي على أكثر البلاد ~~, ثم وضعوا خادما كان لابن مكرم وقد التحق بابن هطال على قتله؛ وساعده على ~~ذلك فراش كان له؛ فلما سمع العادل بقتله سير إلى عمان من أخرج أبا محمد بن ~~مكرم ورتبه في الإمارة وكان قد استقر الأمر لأبي محمد في هذه السنة؛ يعني ~~سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة , وذكر في حوادث سنة اثنين وأربعين وأربعمائة ~~أن صاحب عمان الأمير أبا المظفر بن الملك أبي كاليجار كان مقيما بها ومعه ~~خادم له قد استولى على الأمور وحكم على البلاد وأساء السيرة في أهلها؛ فأخذ ~~أموالهم فنفروا منه وأبغضوه. # قال: وعرف إنسان من الشراة يقال له ابن راشد الحال , فجمع من عنده منهم ~~وقصد الميدنة فخرج إليه الأمير أبي المظفر في عساكره فالتقوا واقتتلوا , ~~فانهزمت الشراة ورجعوا إلى مواضعهم؛ وأقام بن راشد مدة يجمع ويحتشد , ثم ~~سار ثانيا وقالته الديلم؛ فأعانه أهل البلد لسوء سيرة الديلم فيهم , فانهزم ~~الديلم وملك ابن راشد البلد؛ وقتل الخادم وكثيرا من الديلم؛ وقبض على ~~الأمير أبي المظفر وسيره إلى جباله مستظهرا عليه وسجن معه كل من خط بقلم من ~~الديلم وأصحاب الأعمال وخرب دار الإمارة وقال هذه أحق دار بالخراب واظهر ~~العدل وأسقط المكوس واقتصر على ربع عشر ما يرده إليهم وخطب لنفسه وتلقب ~~بالراشد بالله ولبس الصوف وبنى ms205 موضعا على شكل مسجد؛ قال وقد كان هذا الرجل ~~تحرك أيضا أيام أبي القاسم بن مكرم فسير إليه أبو القاسم ومن منعه وحصره ~~وأزال طمعه , هذا كلامه وهو يدل بمفهومه على أن انقطاع ملك الجبابرة كان ~~بهذا الحال. PageV01P253 # باب إمامة الخليل بن شاذان بن الصلت بن مالك الخروصي # وبويع له بالإمامة بعد راشد بن الوليد بزمان طويل تجبر فيه السلطان على ~~أهل عمان وسامهم سوء العذاب بما بدلوا من نعمة الله؛ ولعدم وفائهم بعهد ~~الله حين خذلوا الإمام راشد بن الوليد وظاهروا عليه عدوه؛ ومن أعان ظالما ~~سلطه الله عليه وبقي أهل عمان يكابدون النكال تحت قهر الجبابرة من بني سامة ~~وغيرهم حتى عقدوا الإمامة على الخليل بن شاذان في سنة سبع وأربعمائة , وفي ~~بعض الكتب في سنة بضع وأربعمائة فسار بهم سيرة جميلة ودفع عنهم الجبابرة ~~وأمنت بعدله البلاد واستراحت في ظله العباد ودانت له الممالك ووفدت إليه ~~الوفود ولظهور العدل وانتشار الفضل. # وممن وفد إليه في ذلك أبو إسحاق إبراهيم بن قيس بن سليمان الحضرمي جاءه ~~مستنصرا مستنجدا على حضرموت واليمن فقال في مسيره: # لقد جاءني من بعد أرضي وأوطاني ... = ... رجاء لنصر الدين من نحو إخواني # وذكر إمام شاع في الناس ذكره ... = ... وطاب الثنا فيه الخليل بن شاذان # فقطعت غيطانا وجاوزت أبحرا ... = ... إليهم أجر المجد من آل قحطان # وكم بلد خلفت فيها مشائخا ... ... = ... غطارفة غرا يرجحون اتيان # وما أن أراني في الذي رمت عائدا ... = ... ولا سيما إلا إلى مطلب عاني # وكم كانت الأشياخ أشياخنا الأولى ... = ... إذا طلبوا نصرا أمدوا بأعوان # وكم من إمام في الأولى حل مكة= ... ... وأعوانه في الصين أو في خراسان # وتالله لولا الدين أصبح مدحرا= ... ... لما كان بذل الوجه في الناس من شاني # ولكن بذلت الوجه في الناس أرتجي ... = ... من الأخوة الغر النهي نشر سلطان # برأي أصيل منهم وعصابة ... = ... ... مكرمة من أهل دين وعرفان # فلا تدفعاني يا هدار بجفوة ... ... = ... ويا حسن أني أخ منكما دان # ولست أرى حقي يغيب عليكما= ... إذا غاب عني من الناس ms206 حيران # فكيف إذا تخفي على الطلب سيرتي ... = ... ويطلب من مثلي علامات برهان # على أنني أدعو لأمر يحبه ... ... = ... ويعرفه الإنسان من ألف إنسان # أجيبا دعا داع مقيم هديتما ... ... = ... بناديكما يدعو إلى الحق ولهان ~~PageV01P254 أزيحا الأسى عني أزيحا فإنني ... = ... أبيت أقاسي حر وجد وأحزان # كذا طالب الحاجات ما لم يفز بها ... = ... فليس له عيش ولا مشرب هان # صلاني برأي وأنحلاني نصيحة ... = ... فرأيكما عندي كرجل وفرسان # وشدا حزام الرأي فيما أشرتما ... = ... على فإني لست بالأبلد الواني # ولو لم أعد منها بغير أراكما ... ... = ... ونصحكما قوى اعتزامي وأركاني # وحسبكما أن الإمام له البقا ... ... = ... يودكما أن تحضرا نهج جذلان # فهذا وصلى الله ربي على الذي ... = ... به أظهر الإسلام في كل أحيان # وقال في ذلك أيضا من قصيدة أخرى: # يا أحمد يا معبد سيرا فقد ... = ... ... سار الرضى عبد الإله خليلي # وأرموا بنا نحو الإمام المرتضى= ... ... المفزع المأوى لكل دخيل # ذاك الذي جلى عمانا بعد ما ... = ... ... واراهم غيم الطفا بذيول # ذاك الذي يخطو خطى من صار في=وادي القرى أو آسك ونخيل # ذاك الذي أبدى لنا ما قد مضى= ... ... من راشد والصلت وابن رحيل( ) # ذاك الذي لما ينزل مستلئما ... = ... ... لله في المستلئمين عد # يا خير خل في أمله أجب أجب= ... ... ناداك أخوان بوجه قبول # يا خير خل خربت أوطاننا ... = ... ... واستعبد السفهاء كل نبيل # يا خير خل لم نطق دفع الأذى= ... ... عن أخذ مكنون وجذ نخيل # يا خير خل لو ترى من نحونا ... = ... من شقشقات البغي بعد صهيل # يا خير خل هل لنا من راحة ... = ... ... مما لدينا من دنات غفول # يا خير خل من بقا من بعدنا ... = ... ... أضحى لدى المحراب ضرب طبول # يا خير خل غالنا ما غالكم ... = ... ... فيما مضى من ديلم وعقيل # يا خير خل أصبحت أسواقنا ... = ... ... أسواق سحت واعتداء محول # يا خير خل حسبنا أن الفتى ... = ... ... يجزى الفتى كيلا بصاع مكيل # يا خير خل قد غلبنا فانتصر ... = ... ... وأنظر لنا بالرأي عزم أصيل # وله في ذلك قصائد مذكورة في ديوانه فأمده الإمام بالمال والرجال وسار بهم ~~إلى حضرموت ms207 وفي مسيره يقول: # دعيني فعندي للنهوض عزائم = ... ... ولما يكن لي عند ذاك قوادم # فكيف وقد أضحى الجناح متمما ... = ... عليه من التأبيد ريش مراكم # وقد أبصرت عيني الإمام وفله= ... ... وسيرته في الحق والحق قائما # وكنت أرجي أن أصادف عصبة= ... ... تنوط بها للحسنيين العزائم PageV01P255 ~~تطلق دنياها وتنشر وصلها ... = ... ... أبايعها بيع الشرى وأقاسم # فصادفتها لكن عمان تماسكت ... = ... ... بها عاملها هذا لتطغى الأعاجم # فلما عدمت الراغبين ولم أجد ... = ... ... سوى من تدنيه إلى الدراهم # صرفت عنان الذكر عنهم مجنبا= ... ... ووجه إمام العدل عن ذاك سالموا # فجدت له بالعذر بسطا وجاد لي= ... ... بما فيه نصر لا عدته المكارم # فها أنا ذا بالمال والبيض والقنا= ... ... على حضرموت بالسلام قادموا # سلا تخبرا عني إذا صرت نحوها ... = ... وناديت في الإخوان أين اللهامم # في قصيدة طويلة يذكر فيها حالة قدومه على حضرموت والعصبة التي كان ~~يحاولها فلم تتأت له عصبة تبايعه على الموت في سبيل الله فلم يجد إلا النصر ~~من الإمام بما ذكر , فسار إلى حضرموت وأقام بها الحرب , ودانت له بعد حروب ~~وأرسل وفدا إلى الإمام فكتب له معهم بقصيدة طويلة منها قوله: # سل الوفد عني يا إمام ألم أكن ... = ... ... تسربلت يوم الروع ثوب ~~العزائم # وهل كان همي غير ما كنت ذاكرا ... = ... وهل نمت عن طرف الجواد وصارمي # حرام حرام أن طعمت بمنزلي = ... ... إلى اليوم طعم النوم بين الكرائم # ولكنني لما نزلت بعقوتي ... = ... ... نشرت لوائي في الكرام القماقم # وساروا بحمد الله حولي كأنهم = ... ... بدور ولكن في الوغى كالضراغم # فما كان إلا جمعة بعد جمعة ... = ... ... وأدت إلى العشر أهل الخضارم # سل الخطبا لما دعوا لك جهرة= ... ... على رغم أهل الجور بعد التصادم # وسل عرب البيداء هلا أذقتهم = ... ... عشية خانوا العهد سم الأراقم # وأما نواحي حضرموت فإنها = ... ... بحول ألا هي طوع أمري كخاتمي # سواء نفر كانوا عصاة ... فأصبحوا= ... ... من الخوف في رؤس الفرى ~~كالحمائم # ولم يبق لي إلا الصليحي قائما= ... ... وما هو أيضا سعده غير قائم # وقد نزعت عنه القبائل قصدنا ... = ... ... لما نظرت من رغمها في الملاحم # ونحن إليه واردون ms208 بجيشنا ... ... ... فما هو أدهى من ملوك الديالم ~~PageV01P256 وخرجت الترك على عمان أيام الخليل بن شاذان ولعل هؤلاء الترك ~~كانوا عند بني العباس فإنهم قد استخدموا الترك وغلبوا على أمرهم حتى صارت ~~الدولة إليهم وصار بنو العباس آلة في أيديهم فخرجوا على عمان وأسروا الخليل ~~ونصب أهل عمان من بعد أسره محمد بن علي إماما. # ثم أن الترك ردوا الخليل ومال الناس إليه بحبهم فيه ورغبتهم في عدله , ~~فيقال أن الإمام محمد بن علي اعتزل الأمر بنفسه؛ ورد الأمر إلى المسلمين ~~فردوا الإمامة إلى الخليل بعد خلاف وقع في المسألة أيهما الإمام , فقال ~~بعضهم أن عقد الأول سابق وأنه هو الإمام وقال آخرون أن الأول زالت إمامته ~~حين صار في يد العدو وان عقد الثاني هو الثابت , قال الأولون بل الإمام ~~الأول يكون في حكم المفقود الذي حكم بفقده وتمت أيام مدته واعتدت امرأته ~~وتزوجت , فإنه إن رجل بعد ذلك خير بين امرأته وبين أقل الصداقين فأيهما ~~اختار كان ذلك له. فلولا أن تزويجه سابق ثابت ما كان له التخيير , فالإمام ~~إذا اسر ثم رجع يكون مثل ذلك. والذي أقوله أن الإمامة قد تزول بالعجز عن ~~القيام بها لأنها أحوال منوطة بقدرة القائم فإذا زالت القدرة فالمسلمين أن ~~يقدموا غيره , فإذا قدموا غيره كان هو الإمام وليس لهم أن يتركوا عقده ~~لرجوع الأول إليهم بعد أن عقدوا عليه بوجه صحيح؛ فأما لو انتظروا رجوعه كان ~~ذلك جائزا لهم؛ وحين اعتزل الإمام الثاني اختيارا وقبل المسلمون منه ذلك ~~ارتفعت المؤنة؛ وانتفى الخلاف , لأن للإمام أن يعتزل عن مشورة المسلمين إذا ~~قبلوا منه ذلك , ورجوا أن غيره أعز وأقوى للدولة , وقد قيل أن الجلندى رحمه ~~الله تعالى اعتزل مرتين؛ فما كاد أن يرجع. # وفي يوم الثلاثاء ضحوة النهار لعشر ليال خلون من شهر رمضان سنة تسع ~~وأربعمائة مات محمد بن عبدالله بن المفتى الكندي. PageV01P257 # وفي بيان الشرع كتاب من موسى بن أحمد وأحمد بن محمد والحسن بن أحمد وعمر ~~بن محمد وراشد بن ms209 محمد وإخوانهم إلى أبي عبدالله محمد بن صلهام وهو وزير ~~الإمام الخليل قالوا فيه بعد كلام طويل. # وبعد هذا فنحب أن يقف الأخ على طرف من الأمور التي تجري في بلادنا من ~~القائمين بها المتولين لأمورها من تركهم إتباع سنة رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم وآثار المسلمين وسيرهم في الرعية بغير الحق حتى كثرت المناكر ومات ~~الحق وأهله وارتفع الباطل وحزبه وصار أهل الحق لا يقدرون على الأمر ~~بالمعروف ولا النهي عن المنكر لأن المنكر ابتلي به من تسمى بالحق بلسانه ~~ويخالف ذلك بأفعاله وقد خشينا من ذلك زوال النعم وتغيير الحال , وقد كتبنا ~~إلى الإمام نصره الله عام أول كتابا مترجما له فيه ما كنا نتوقعه من هذه ~~الأشياء ولم نرد بذلك إلا نصيحة له وخروجا مما يجب علينا مما تعبدنا الله ~~به فرجع الجواب إلينا على غير ما كنا نرجوه , وأنزلنا في ذلك بمنزلة التهمة ~~فلما رأينا ذلك توسعنا بالسكت لأنه يوجد عن بعضهم أنه قال إذا كان الذي ~~ينكر المنكر لا يقبل منه ويستخف به لم يكن عليه أن يعرض نفسه للاستخفاف أو ~~نحو هذا من اللفظ , وهنا أقوام ممن قد عرفوا بكثير المناكر صاروا يكاتبون ~~الإمام نصره الله رقعة بعد أخرى ويزينون فعل من قد ساعدهم على مناكرهم , ~~ويقولون غير الحق ويشهدون بالباطل ستكتب شهادتهم ويسألون وكل هذا خشية أن ~~يولى عليهم من يشد عليهم ويمنعهم من المناكر التي قد شهروا بها ويصيروهم ~~وغيرهم من الرعية في الحق سواء , فإنما هم يرجعون على الإمام في كتبهم بغير ~~الحق , وقد أمنوا أن لا يبحث عن أفعالهم ولا يسأل عن صحة قولهم ولو كان ~~الإمام نصره الله ينظر في هذه الأمور وصحتها , ويسأل عن حقها وباطلها ~~وصحيحها وسقيمها , فضر أهل الباطل باطلهم عنده ونفع أهل الحق حقهم معه لما ~~اجترى أحد أن يكتب إليه الكذب ويتقول على لسان الرعية ما لم يكن , ولكان ~~هذا الباب قد PageV01P258 انغلق , ولم يتجاسر أحد أن يكتب إليه إلا بالحق. # ولما ضاقت ms210 أنفسنا من هذه الأمور التي شرحناها ووصفناها رأينا إطلاع الأخ ~~العزيز أدام الله انسنا به على ما عندنا وشرح ما نحن فيه لعلمنا أنه ممن ~~يغضب للحق ولا يرضى بالباطل فإن رأى أن يطلع الإمام نصره الله على ما ذكرنا ~~وشرحنا فإنا لم نذكر له ما عندنا إلا اختصارا ولو ذهبنا نصف كل ما نراه ~~ونعاينه من هذه الأمور لم نبلغ كل ذلك إلا أنا نكل أمورنا إلى الله ورأى ~~الأخ فيما كتبنا إليه ورد جوابنا مما نستدل به منه على وصول رقعتنا إليه ~~وما يقتضيه رأيه في ذلك إن شاء الله والسلام عليه من جماعتنا ويسلم منا على ~~الشيخ أبي الحسن علي بن راشد متعنا الله ببقائه والحمد لله وصلى الله على ~~رسوله محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. PageV01P259 # ولم نظفر بجواب هذا الكتاب غير أني وجدت جوابا من أبي علي الحسن ابن أحمد ~~النزواني وهو فيما أحسب قاضي الإمام الخليل رحمهم الله كتبه أبو علي جوابا ~~في مثل هذه القضية قال رحمه الله فهمت ما كتب به الشيخان في مال المشايخ ~~وتعدى من تعدى فيه وترك المنع من الإمام نصره الله قال الإمام مال ولى ~~عليها محمد ابن حمزة ولا أمره بقبض الصدقة منها وإنما سأله بعض أهلها أن ~~يكون معهم للأنس وإنكار ما قدر عليه والمعروف من آثار المسلمين أن الإمام ~~إذا كان في حال المحاربة ولم يستول على المصر , أنه مخير في الأحكام إن شاء ~~حكم وإن شاء ترك الحكم حتى يفرغ من محاربة عدوه , وقول ليس له ذلك وقول له ~~وليس عليه ولا يضيق على الإمام ما وسع له المسلمون إلا ان الذي نختاره له ~~ونحبه أن لا يدع شيئا من الأحكام ولا من الإنكار , مع القدرة عليه وهما قد ~~عرفا ما جرى في مال بني زياد بسمد نزوى من الخراب , وأخذ الدواب وإتلافها ~~وإتلاف الثمار في أيام الإمام فما عاب أحد على الإمام حتى سهل الله وتبين ~~للوالي النظر الحق في ذلك ومنع ثم ms211 لم يزل يجري في الخراب مرة بعد أخرى إلى ~~أن كان أيام دهمان , ومنع عنه وكان جرى في المال الذي تركه علي في السر ما ~~جرى , ومنع الوارث وهو يصيح ويستغيث فما عيب على الإمام ذلك , وليس أريد ~~بهذا احتجاجا من الظلمة إلا أني اذكرهما ما يعرفانه لئلا يتوهما في الإمام ~~غير ما هو عليه , وهؤلاء المشايخ حرسهم الله لو وصلوا إلى ما لهم وقاموا ~~فيه لكان كل من قدر على معونتهم بالحق من إمام أو غيره أعانهم. # وقال أبو إسحاق إبراهيم بن قيس بن سليمان الحضرمي في قصيدة له طويلة: # من شاء يعلم ما كانت أوائلنا ... = ... ... فيه فسيرتنا تكفيه برهانا # هذا الخليل إمام المسلمين حكت = ... ... أنوار سيرته في العدل نيرانا # يا أيها العلم العدل الذي كملت ... = ... ... له الخصال مروآت وإمانا # إني أحبك والرحمن يعلمه ... = ... ... حب احتساب إلى ذي الطول قربانا ~~PageV01P260 إن صرت مشتهرا بالفضل أنت ولي ... = ... قلب يحب بدين الله مزدان # حتى عبرت إليك البحر منتصرا= ... ... أيام عدت بنا أوليت جذلانا # سل عن أخيك أذاق النوم مغتمظا= ... ... إذ ذاك أحزنه أم شد أملانا # أم خان عند عتوا المبطلين بها ... = ... عن نصر خالته إذ كان مجانا # كلا لقد زهرت بالعدل عقوته ... = ... ... بالله جل فلا لله كفرانا # وانصر أخاك فإن الحرب قائمة= ... والحق يطلب من أهله أركانا # وأعلم بأنك قد أثرت مأثرة ... = ... ... فارفع لها شرفا فالأمر قد هان # أن الذي عمرت صنعاء دولته ... = ... ... بالفسق أصبح من مولاي فزعانا # أضحت مخالفة أرض إيمان له= ... ... لما رأتك لها حصنا ومعوانا # فاحفدهم فهم يدعون ربهم ... = ... ... جهرا لتملكهم سرا وإعلانا # ثم توفي الإمام الخليل رضي الله عنه وكان في إمامته مشكورا , وصار سجل ~~الثناء عليه من بعده منشورا ولم أجد تاريخا لوفاته غير أني احسب أني وقفت ~~على تاريخ لمدة إمامة راشد بن سعيد وهو بعد الخليل إن إمامته كانت عشرين ~~سنة وموت راشد كانت في أول سنة خمس وأربعين وأربعمائة , فيكون موت الخليل ~~على هذا في أول سنة خمس وعشرين , فتكون مدة إمامته سبع ms212 عشرة سنة وبعض سنة ~~تقريبا والله أعلم. # باب إمامة راشد بن سعيد # وهو من اليحمد عقد عليه بعد موت الخليل بن شاذان، ولم أجد لبيعته تاريخا ~~وإن صح ما تحريته في وفاة الخليل تكون بيعته في أول سنة خمسة وعشرين ~~وأربعمائة، وكان إماما شاريا، وكان لفظ الشرى الذي يشرى عليه هذا الإمام ~~أنت قد شاريت الإمام راشد بن سعيد على طاعة الله وطاعة رسوله، وعلى الأمر ~~بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى الجهاد في سبيل الله وعلى أن عليك ما على ~~الشراة الصادقين. # قد سير أبو إسحاق الحضرمي في الثناء عليه أشعارا منها قوله في قصيدة مبهمة: # ألا حي منها ما حوى العلم والتقى ... = ... إلى همة تعلوا السها ~~والمرازما # ومن سل سيف الحق للحق راعيا = ... ... إليه مجدا قد أزاح الأشائما # إماما بنزوى قائما قام في الورى = ... ... بعدل فأضحى الحق إذ قام قائما ~~PageV01P261 أديبا لبيبا يحمديا غضنفرا ... = ... ... من الأزد ليثا في حما ~~الحرب غانما # وهل يقدم الآنام إلا مهذب ... = ... ... كمي جريء القلب يمضي العزائم # أيا راشدا إنا لعمرك نزدهي ... = ... ... بذكراكم في حضرموت تعاظما # إذا ما عماني ألم بأرضنا ... = ... ... أحطتا به نسأله عنكم تزاحما # هنيئا لكم أهلا لما قد حباكم ... = ... ... به الله من فضل له الحمد دائما # (وله أيضا من قصيدة دالية ) # وبيض بأيدينا خفاف صوارم ... = ... ... ثقال الظبى مشحوذة بالمبارد # معودة هتك الجماجم أظهرت ... = ... ... سبيل إمامينا الخليل وراشد # وكان نهد وعقيل قد خالفوا الإمام وناصروا عليه عدوه، وسار إليهم في جيش ~~فرق به جموعهم واستأصل به بغيهم، وكانت لهم قوة وافرة وصولة قاهرة وكان ~~منزلهم بعيدا عن نزوى ووجدت في كتاب الأنساب أن عقيلا كانوا ينزلون ~~بالإحساء، وفي ذلك يقول الإمام في شعر له بنفسه: # لمن منزل قفر تعفت جوانبه ... = ... ... وغيره من سافح القطر ساكبة # كأن لم يكن فيه من البيض شادن= ... ... تضاحكة أترابه وتداعبة # فأضحى أسا من بعد أن كان سلوة ... = ... نجر به أذيال خز كواعبه # كأن من الليل اللبوس ذوائبه ... = ... ... ومن بدر تم وجهه وترائبه # ومن الجهل أن تعني بأمر كفيته ms213= ... ... وتترك ما كلفته لا تطالبه # إذا لم المرء لم يجعل مذاهب سعيه = ... ... لذي سعيه غالته يوما مذاهبه # ومن لم يفكر في عواقب أمره ... ... = ... مدى دهره صارت عقابا عواقبه # وما هارب إلى الموت آثب ... = ... ... ولا سالب إلا وذا الدهر سالبه # مدى الدهر لا ينجو من السخط والرضى = فاسخاطه قوما لقوم مواهبه # وما ناقد في الناس من راح واغتدى ... = ... يغالب في دنياه ما هو غالبه # وأجهل أهل الجهل من كان جاهلا= ... ... ولم يدري أن الجهل من والى صاحبه # وأجهل منه جاهل ظن أنه ... = ... ... بصير وقد عابته جهلا عوائبه # ولا خير في خير ترى الشر بعده= ... ... ولا في أخ دبت إليه عقاربه # ولا العيش إلا أسمر اللون عاسل = ... ... وأشقر في يوم عبوس تلاعبه # وقرن تعاطيه الحمام وفارس ... = ... ... تعاطيه حينا ثم حينا تضاربه # ذريني وخلقي يا ابنة القوم إنني = ... ... رأيت الأذى حربا لمن لا يحاربه ~~PageV01P262 على أنني أما أمرؤ ضمه الثرى = ... ... وأما فتى جلت بقوم كتائبه # وإما فتى أبكى عيون عداته ... = ... ... وأما فتى تبكي عليه أقاربه # وإما فتى يقضي عليه حمامه ... = ... ... وأما فتى تقضي الحمام قواضبه # وفتيان صدق من رجال حضارم ... = ... أوائلهم أعيت على من تغالبه # لهم همم تعلو العلا وعزائم ... = ... ... تصدقها فعل كرام مناقبه # وأما إذا اشتد البلى بنفوسهم ... = ... ... وبالمال ما ضن بالمال واهبه # وأكرم بقوم قولهم هو فعلهم ... = ... ... ولا فعل إلا ما كرام مناسبه # وكم قائل في قوله غير فاعل ... = ... ... ألا إن شر القول ما أنت كاذبه # ولست امرأ يرضي سلامة نفسه= ... ... وإن تلف الدين الذي هو طالبه # سلي هل قطعنا سبسبا بعد سبسب= ... ... تعاوى به سيدانه وثعالبه # سلي النسر هل زرنا فلم نقض حقه= ... ... وقد نشبت في لحم قوم مخالبه # فما زال يخفي الليل ما في سواده= ... ... إلى أن بدت عنه الصباح عجائبه # متى يكسب المعروف من كان همه = ... ... غداء يغدي أو فتاة تراقبه # إذا هم صدته زواجر خوفه ... = ... ... وعاقته من دون الرحيل حبائبه # وإنما ذكرنا القصيدة بأسرها لسهولة موردها وعذوبة مشربها، وهي مع ذلك ~~دالة على سمو همة الإمام، وبعد ms214 مراميه وغزارة فهمه وحسن اقتداره، ولأبي ~~إسحاق الحضرمي قصيدة يذكر فيها قصة نهد وعقيل وأرسلها إليه من حضرموت وكناه ~~فيها بأبي غسان قال فيها: # ألا أبلغوا عني السلام تحية = ... ... ... إمام عمان راشد أيها الوفد # وصحبته طرا ومن قد تضمنت= ... ... جوانحه ودا لهم ولهم عضد # جميعا حضروا بالتحية ذا النهى= ... ... سليل سعيد صانه الصمد الفرد # لقد قمت في الإسلام بالحق مصعدا= ... ... إلى الرتبة العليا يسمو بك السعد # ورمت مقاما قط ما رام وانتهى= ... ... إلى مثله إلا امرئ صابر جلد # حليم حكيم خاضع متواضع ... = ... ... عفيف لطيف حازم حجر صلد # إلى أن قال: # وقد كان من إخواننا الغر فتية ... = ... ... بناحية الأشغا شهام لهم عقد # وفيهم فتى أكرم به نسل خالد ... = ... ... له همة كبرى نحو السما تعد # وقصوا لنا ما كان من أمركم وما= ... ... لديكم فيا لله در الذي يهدوا ~~PageV01P263 وما كان من أبناء نهد وأختها ... = ... ... عقيل أولي البغي ~~الذي أهلك الحقد # لقد زال عن آرى عقيل لنصرهم = ... ... لنسل الفتى شاذان والديلم الرشد # كذلك نهد قد أذلت رقابها = ... ... ... لنصرهم الأعدا لقد عجزت نهد # لقد جمع الأقوام طردا وخالفوا= ... ... جيوش أبي غسان فاستوثق الحشد # وزفوا للقياهم بجيش عرمرم ... = ... ... ولم يثبتوا عند اللقاء ولا اشتدوا # فلما تراءى العسكران تدابروا = ... ... كمثل نعام شارد خلفه الأسد # فقتل منهم في التعارك عصبة = ... ... على حتف خاضت دماءهم الفهد # فتبا لشبل المرء شاذانا الردى ... = ... ... ولله إذ أوهى عساكره الحمد # فإن عدلوا عن بغيهم وتراجعوا = ... ... إلى عسكر الإسلام والحق وارتدوا # فأهلا وسهلا بالعشيرة إنهم= ... ... ... إليكم بإخلاص لرب السما أدوا # وإن هم أبوا فاستصرخونا فإننا= ... ... قريب وما للقوم من صحبهم من بد # وما بين وادي حضرموت وبينكم = ... ... إذا سركم إتياننا نحوكم بعد # متى يأتنا منكم صريخ نؤمكم ... = ... ... بعسكر جرار يضيق به النجد # كهولا وشبانا صباحا مسارعا ... = ... ... ورادا إلى الهيجا إذا استصعب الورد # بكل رديني أصم ومرهف ... = ... ... كمثل شعاع الشمس تحملنا الجرد # فنتركهم وغرا ونضرب هامهم= ... ... ونقصرهم حتى يجودوا بما أدوا # وفي الأثر مما كان يبتلى به الإمام راشد بن سعيد رحمه الله وسأل ms215 عنه ما ~~تقول في الإمام إذا غزى قوما من أهل البغي ممن هو معروف مشهور بسفك دماء ~~الناس وأخذ أموالهم، مثل عقيل ونحوهم، فوقع على بعض أصحابهم، وأغار عسكره ~~عليهم، وقتل من قتل منهم؛ وأخذوا لهم جمالا وجواليق، ولم يمنعهم الإمام ذلك ~~الوقت من أخذ الجمال، لأنه كان يحفظ في الأثر أنه جائز أن يستعان على ~~البغاة بخفهم وكراعهم، وهي الخيل والإبل، فسكت عن الإنكار لهذا؛ ثم نظروا ~~إذا بعض عساكره قد جعل ما أخذه من تلك الجمال غنيمة لنفسه، ورآهم قد ملوا ~~عليها حبا وركبوها ولم ينكر عليهم ذلك، ما يلزم الإمام على هذه الصفة، ~~أيلزمه توبة وضمان، أم توبة بغير ضمان، أم لا يلزمه شيء من ذلك. PageV01P264 # قال أما الضمان فلا يلزمه في هذه الجمال على ما وصفت، ولكن عليه أن يعلم ~~من أخذ هذه الجمال أن غنيمتها لا تجوز لهم ويأمرهم بالتخلص منها إلى ~~أصحابها وإن لم يعرفهم أو لم يعرف أحد منهم دان لله بالإنكار عليهم إذا ~~عرفهم. وللإمام راشد بن سعيد سيرة إلى أبي العباس بن مريح والمهند بن سهدي ~~وأبي عبدالله بن محمد بن بروزان من أهل منصورة من أرض السند بين فيها معالم ~~الإسلام، وأظهر فيها دعوة المسلمين؛ ونقض فيها اعتقاد المخالفين، وهي سيرة ~~بديعة ورسالة غريبة تدل على غزارة علمه وفرط ذكاءه وفهمه، وهي موجودة في ~~مجموع سير المسلمين. # ووجد بخط الإمام راشد بن سعيد إلى أبي محمد عبدالله بن سعيد: سلام عليك ~~فإني أحمد الله إليك وآمرك بطاعة الله وأوصيك وأنهاك عن معصية الله القادر ~~عليك، وبعد هذا فإني أعلمك نصر الله الحق بك، إن الأطماع قد اتسعت في أموال ~~الناس، وجعل كل من ادعى في مال رجل دعوى طرح يده فيه، والوجه أن تنادي في ~~البلدان كل من يطرح يده في مال في يد غيره يحوزه ويمنعه ويدعيه ملكا له ~~فإنه يعاقب على ذلك ولا يحصل على شيء غير العقوبة، ولا تطلب عليه البينة ~~العادلة، بل يرجع في ذلك إلى ms216 قول أهل البلد، فاعرف ذلك واعمل به ولا تقصر ~~فيه حتى تنحسم مادة الطمع ويزول الظلم وينغلق هذا الباب؛ ولا تؤخر ذلك إن ~~شاء الله. # قال القاضي أبو زكريا: وجدت هذا بخط الإمام راشد بن سعيد؛ كتبه إلى والي ~~منح وذكر في أوله: من الإمام راشد بن سعيد إلى أبي محمد عبدالله بن سعيد ثم ~~ذكر الكتاب إلى آخره. PageV01P265 # قلت وهي سياسة من الإمام ونظر منه في قطع مادة الفساد؛ جزاه الله خيرا. ~~وهذا كتاب كتبه الإمام راشد بن سعيد لأبي المعالي محمد بن قحطان بن محمد بن ~~أبي القاسم حجة له وعليه، وعهدا عهده إليه ليعلم شرائط العدل فيه، ويتوخى ~~مسالك الحق لديه؛ ويتق الله باريه، فإنه هو المالك لأمره والعالم بسره وجهره. PageV01P266 # قال فليتقه في جميع أموره التي جعلت له السبيل إليها وأوجدته المدخل فيها ~~على شروط يشتمل كتابي هذا عليها، فأول ما ابتدئنا به بعد حمد الله تعالى ~~فيه وصلى الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وإني أوصيك يا أبا ~~المعالي قحطان بن محمد بن أبي القاسم بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه ~~وسلم والانتهاء عما حرم الله عليك في زواجره والعمل بما أمرك الله به من ~~أوامره فيما ساءك أو سرك، أو نفعك أو ضرك، وأن تأمر بالمعروف وتعمل به؛ ~~وتنهى عن المنكر وتقف عن فعله، ولتحذر من خدائع الشيطان ومن يوازره على ذلك ~~من الأعوان، أحذرهم ونفسك وهواك، وشهوتك ودنياك، فقد قال الله تعالى ( إن ~~النفس لأمارة بالسوء إلا ما حرم ربي وإن ربي غفور رحيم ) وقال ( أفرأيت من ~~اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره ~~غشاوة فمن يهديه من بعد الله؟ أفلا تذكرون ) ( ويريد الذين يتبعون الشهوات ~~أن تميلوا ميلا عظيما ) ( إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم ~~وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه ~~مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان، وما ms217 ~~الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) واذكر حق الله عليك واشكر نعمته لديك، ولا ~~تذهب بك حمية، ولا تمنع تقية أن تساوي في الحق بين وضيع الناس وشريفهم، ~~وقويهم وضعيفهم، وبغيضهم وحبيبهم، وبعيدهم وقريبهم، وقد جعلت حماية صحار ~~وما يتصل بها من العفة إلى صلان إليك وعولت فيها عليك، فقم فيها وليتك من ~~ذلك حق القيام، واستفرغ الطاقة منك بالجهد التام، وشمر فيه عن ساق الجد، ~~واحسر معه عن ذراع الشد من غير أن تتعدى في ذلك محظورا أو تركب فيه منكرا، ~~أو تقترف فيه ظلما؛ أو تكسب فيه حوبا وإثما؛ إلا ما تعتمده من منع ظالم في ~~حال عداوته من غير أن تعاقبه بشيء على عصيانه؛ بل ترفعه إلى القاضي بصحار ~~حتى يحكم عليه بما يلزمه من فعله ويعاقبه PageV01P267 بما يستحقه على فعله. # واعلم إني لم أجعل لك شيئا من الحكومات، ولا أمرتك بشيء من العقوبات بل ~~جعلتك لحماية البلاد، وأمرتك بالمنع عن الفساد، والدفع لأهل الباطل عن ظلم ~~العباد، فلا تتعاطى ما لم يؤذن لك به، ولا تقصر عما أمرت بفعله، وكن للقاضي ~~أبي سليمان مناصرا وعاونا وموازرا، فقد أوجبت له ذلك عليك ما دام في حكمه ~~عادلا، وبطاعة ربه عاملا، وأجبت لك عليه وقبله أن يعينك على أهلتك له، ~~وأوجبت على الشراة ما أوجبت لك عليه، إلا أن تستعين بهم فيما لا يجوز لك ~~ولا لهم المعونة فيه، وحجرت عليك وعليهم خذلان بعضكم لبعض فيما يجب عليكم ~~من المعاضدة والمعاونة والمساعدة، وفيما يعود بطاعة رب العالمين، وإعزاز ~~دولة المسلمين؛ وكسر شوكة المعتدين؛ فافهم ما ذكرته لك وتدبر فيه، ولا ~~تجاوز حده ومعانيه، وقد أوجبت على الشراة أن يطيعوا الشراة، وغيرهم ممن تجب ~~عليه طاعته في طاعة الله ربهم؛ أن يطيعوا أمرك، وأن يقوموا على الحق يدك ما ~~كنت في طاعة الله داعيا؛ وعن معصية الله لاهيا؛ وحجزت عليهم عصياني في ~~خذلانك إذا استنصرت بهم على محاربة أهل الظلم، ومن يعتمد للمسلمين بالجور ~~والغشم؛ على أن لا تستحل في ms218 ظعنك وإقامتك؛ وحربك ومسالمتك للمسلمين غير ما ~~أحل الله لك ولدولتك، ولا تحرم غير ما حرم الله عليهم وعليك؛ فإذا فعلت ما ~~رسمته لك فذلك رجائي فيك وحاجتي إليك، وإن خالفته بعمل الباطل والجور ~~وركونا إلى الفعل المحرم المحجور، فإني بريء من فعلك؛ وأنت مأخوذ بما يجب ~~فيه في نفسك ومالك، فاتق الله في قولك وأعمالك، واستعذ به في الورطة في ~~المهالك واستعنه على ما يتقرب به إليه؛ واعتصم به على ما تحذره وتتقيه، ~~وتوكل في جميع الأمور عليه ( من يهدي الله فهو المهتدي ومن يظلل فلن تجد له ~~وليا مرشدا ) ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ~~وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) والحمد لله رب ~~العالمين وصلى الله على سيدنا محمد PageV01P268 وعلى آله وصحبه وسلم. # ووجدت في بعض الكتب نقلا من المصنف مكتوبا أثر هذا العهد ما نصه، ووجدت ~~هذا الشرط مكتوبا لموسى بن نجاد في حماية منح وأدم وسنا والقاضي الخضر بن ~~سليمان. أ. ه. # ويوجد في بعض الكتب نقلا من كتاب الإمام راشد بن سعيد لبعض سراياه قال ~~فإن كان أحد من أهل هذه السرية قد ركب جورا وفعل فعلا منكورا فأنا بريء ~~منه. ومن فعله معاقب له بعد الصحة عل جهله منصف بما يجب في الحق عليه غير ~~راض بجهله وتعديه؛ وما بعثت هذه السرية حتى نهيتهم عن ظلم العباد وأمرتهم ~~بطاعة رجل من أهل الصلاح والرشاد فإن كانوا تجاوزا في ذلك إلى ما لا يجوز ~~فعليهم وزر ما فعلوه وضمان ما أتلفوه على الناس وأحدثوه، ولست بداخل معهم ~~في عصيان ولا مشارك لهم في ضمان؛ فإن يكن أحد يدعي على أحد من أصحاب السرية ~~حقا فليصل إلي حتى أوصله إلى ما يجب في الحق له، وليس علي علم ما غاب عني، ~~ولا إنصاف من لم يطلب الإنصاف مني، ولن تقوم الحجة على العسكر بالخط ~~والقرطاس، وكلام من لا يلتفت إلى كلامه من الناس، وللمسلمين بحمد الله ~~مداخل في العدل ومخارج ms219 من الجهل ينكرها من لا بصر له ولا تمييز معه، ~~ويعرفها من هداه الله لمعرفتها ونفعه؛ ومن نطق بقول لا يعرف حرامه من حله، ~~وقصد من لا يعرف جوره من عدله لم يسلم من ذلك ولو أصاب في قوله وفعله. # وهذا كتاب منه آخر كتبه في أمور يجمع الناس عليه في أمر موسى وراشد: # ( بسم الله الرحمن الرحيم ) PageV01P269 قد اجتمعت بحمد الله ومنه كلمة ~~أهل عمان على أمر واحد ودين قيم، وهو دين الله الذي أرسل به رسوله محمد صلى ~~الله عليه وسلم فمنهم من تولى الصلت بن مالك رحمه الله وبرئ من موسى بن ~~موسى وراشد بن النظر، ومنهم من تولى الصلت بن مالك وتولى من برئ من موسى بن ~~موسى وراشد بن النظر؛ ومنهم من تولى المسلمون على ولايتهم الصلت بن مالك ~~رحمه الله وبراءتهم من موسى بن موسى وراشد بن النظر؛ واجتمع رأيهم على ~~الدينونة بالسؤال فيما يجب عليهم السؤال فيه عند أهل الحق الذين يرون ~~السؤال واجبا واجتمع رأيهم على أن من دان بالشك فهو هالك وكذلك اتفقوا على ~~أن من علم من محدث حدثا وجهل الحكم في حدثه أن عليه السؤال فيه؛ وإن علم ~~الحدث والحكم كان عليه البراءة منه إذا كان حدثه ذلك مما يجب به البراءة من ~~فاعله، والحمد لله حق حمد وصلى الله على خيرته من خلقه محمد النبي وآله وسلم. # وكتب هذا الإمام راشد بن سعيد بخط يده؛ وكان بمحضر أبي علي الحسن بن سعيد ~~بن قريش القاضي، وأبي عبدالله محمد بن خالد، وأبي حمزة المختار بن عيسى ~~القاضي؛ وأبي عبدالله محمد بن تمام؛ وأبي النظر راشد بن القاسم الوالي، ~~وحضر أيضا هذا الكتاب أبو علي موسى بن أحمد بن محمد بن علي، وأبو الحسن علي ~~بن عمر وأبو بكر أحمد بن محمد بن أبي بكر؛ وعرض هذا الكتاب على جميعهم ~~واتفقوا عليه ولم يختلفوا في شيء فيه والسلام. # وكان ذلك يوم الخميس لأربع عشرة ليلة بقين من شهر شوال سنة ms220 ثلاث وأربعين ~~وأربعمائة، وكان ذلك بقرية سوني في المنزل الذي ينزل فيه الإمام راشد ابن ~~سعيد نصره الله بالحق ونصر الحق به؛ والحمد لله وصلى الله على رسوله محمد ~~النبي وصلى الله عليه وسلم تسليما. PageV01P270 # ولأجل هذا الكتب غضبت الغلاة في أمر موسى وراشد على الإمام راشد بن سعيد ~~غضب الخيل على اللجم، فأضمروا في أنفسهم ما أضمروا ولم يستطيعوا كيدا ~~للإمام ولا إظهار عداوة، بل انقادوا في الظاهر وأخفوا بدعتهم في أنفسهم، ~~كما سترى بعض كلامهم في إمامة حفص بن راشد. وتوفي رحمه الله تعالى في ~~المحرم سنة خمس وأربعين وأربعمائة؛ وقبره بنزوى، وقد كان الإمام راشد بن ~~سعيد يشاري قوما ثم مات، فكان أبو علي الحسن بن سعيد يفتي أن الشراة على ما ~~كانوا عليه من الشرى وكان محمد بن خالد يفتي أن الشرى قد سقط عنهم. # باب إمامة حفص بن راشد # ذكر بعض السير أنه نصب من بعد راشد بن سعيد ولده حفص بن راشد؛ ولم يذكروا ~~تاريخا لبيعته ولا لمدة إمامته؛ وظاهر كلام بعضهم أنه مات في الإمامة , ~~فإنه قال مات ولم يعزله المسلمون. # وكلام أبي الحسن البسياني وهو من الغلاة في أمر موسى وراشد أن بيعته عنده ~~صحيحة ولعل ذلك لسلوكه طريقة والده في أمر موسى وراشد فإن أبا الحسن سئل ~~بما نصه: ما تقول أيها الشيخ في حفص بن راشد إن تاب ورجع وجددت إمامته يرجع ~~إمام المسلمين أم لا فإن عقد له من متعلمي أصحابنا وثقاتهم خمسة أنفس تنعقد ~~له الإمامة وإن بلينا به وطلب منا النصرة والخدمة ما نعمل وما يكون قولنا له. # ( قال ) أما العقد الأول فإنه لم يصح وعلى ما ذكر بعض من دخل فيه رأيته ~~عقدا غير ثابت وأمرا مشكلا وقد جرى بعد العقد الذي هو غير ثابت أحكام غير ~~جائزة ومشهورة فسادها ودخل فيها من لم يكن يجوز أن يتقدم بأمرها ومع ذلك ~~أيضا طلب منه تصحيح ذلك الحال أصحابنا فلم يبينه وقولنا في ذلك قول ~~المسلمين ونحن ms221 نتوب إلى الله من كل خطأ وأما إن اجتمع أمر المسلمين ~~والمشورة على شيء ووقع التراضي على إمامته فبعد التوبة وإظهار ذلك والأنصاف ~~أو حجة جائز أن يعقد له إن تاب. PageV01P271 # وسأله آخر فقال أفتنا في حفص بن راشد أكانت إمامته صحيحة أم لا وقد ~~بايعنا له محمد بن الحسن اللياني على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ~~والجهاد في سبيل الله فبايعناه وخرجانا عندهم فلم نر من ذلك شيئا وسلمنا ~~إلى الثقاة من أهل دعوتنا شيئا من الزكاة فقبضها وأنفق منها شيئا؛ فوقع ~~الخوف فهرب وانتهبت فضمنها ذلك الإنسان الذي قبضها ألنا من هذا براءة عند ~~الخالق أم لا؟ وذلك إنا كنا دائبين بطاعته مسلمين جاهلين بالبحث عن ~~الإمامة، وكذلك ابتليت أنا بقبض شيء من الناس بأمر أصحابه، أعلي فيه ضمان؛ ~~أم قبض بيدي فلا ولكن كنت أحضر ذلك وآمر فيه ما يلزمني في ذلك بين لي ذلك ~~رحمك الله. # قال هذا شيء مستور وأمره كان مقبورا فلا أحب فيه ظهورا وأما أنا فقد بلغت ~~في الغاية وأفصحت الأمور مع الريب الذي فيه وطلبت بصحيح ذلك فوجدت الأمر ~~فيه غير ثابت في العقد والعمل غير مستقيم ولم أكن دائنا لله بطاعتهم وكنت ~~غرمت ما قبضوا مني وأبدلت صلاتي يوم صليت الجمعة عندهم. # وأما أنت على ما سألت فإن المستحل الدائن لله بالطاعة إذا أخطأ ثم علم ~~بخطأه فأكثر القول أنه لا ضمان عليه وعليه التوبة والرجوع عن ذلك. وأما ~~الشيخ لعله يعني أبا محمد؛ فرأيته يوجب الضمان على من دخل مستحلا بغلط؛ وقد ~~كان ألزمني ضمان ما كان أيام راشد بن الوليد لعلل أرادوا من الذي دفعت ~~وقبضت سوى الذي في الاستحلال والدينونة والذي أحبه لك إن قدرت على الخلاص ~~من ذلك أن تبدل مكان زكاتك وتستحل من أخذت منه شيئا إلا أن يكون رسولا ~~لصاحب الزكاة إلى الوالي فلا ضمان. وأما الأحكام عند الخالق فذلك إليه؛ ~~وإنما تعبدنا بالحكم ما يعلم في الظاهر فعلمناه والسلام. # هذا كلام أبي الحسن ms222 البسياني؛ وفيه ما فيه على حفص، وما أراه إلا من قبيل ~~مخالفتهم في الغلو في أمر موسى وراشد بن النظر حيث إن الإمامين لم يكونا ~~على بدعتهم، وكتبت بعد كلامه مسائل تشبه الرد عليه من كاتبها. منها ما نصه: PageV01P272 # قال بعض المسلمين إن الإمام لا يحتاج إلى العقيدة إذا وقع الرضا عليه ~~والتسليم ثبتت إمامته؛ ومن ذلك إمامة عمر رضي الله، إنما قدمه على الإمامة ~~للناس أبو بكر وحده رضي الله عنه؛ فلما وقع التسليم والرضا بإمامته ثبتت له ~~من غير عقدة. ومنها ما معناه أن الإمام مصدق فيما يكون فيه مؤتمنا، فلا ~~يطالب بالبينة على يد سارق قطعها ولا على حد أقامه، ولا على حكم أنفذه، ~~إنما يكون محجوجا في الأشياء التي هو والرعية فيها سواء، مثل الحقوق التي ~~للعباد فيها تعلق وتخرج منه ومن غيره مخرج الأحداث. PageV01P273 # وهذه مسألة أظنها وقعت في أمر حفص بن راشد سأل عنها أحمد بن عمر بن أبي ~~جابر المنحي - وهو من الغلاة - في أمر موسى وراشد، قيل له في إمام غير ثابت ~~الإمامة ألزم رجلا من المسلمين المدخل عنده في أسباب، وكان يأمره أن يكتب ~~إطلاقات الجبايات إن كان إطلاق هذا الرجل لهذا المال على سبيل الاحتساب أنه ~~يطلقه للفقراء وابن السبيل وكان اعتماد هذا الرجل على هذه النية لا ليمضي ~~أمر هذا الإمام ولا يعمل برأيه، وإنما هو على قدر ما يرى من يستحق هذا ~~المال بفقره لا غير ذلك، هل يسعه ذلك قال يسعه ذلك على هذه الصفة؟ قيل له ~~فإن أمره أن يحلف له رجلا ممن يخشى منه كما يفعل الأئمة؛ قال يحلفه ~~للمسلمين لا له؛ قيل له فإن أمره أن يبايع له أحدا من الناس هل له ذلك؟ قال ~~يبايعه على الحق لا له، قيل فإن أنفذه لغزو عدو المسلمين أو لقمع ملصة؟ قال ~~يكون احتسابه ذلك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإن امتنع عليه من أمره ~~بالمعروف ونهاه عن المنكر، وكان منكره الذي ارتكبه عيانا كان له ms223 محاربته إن ~~حاربه بعد أمره له بترك منكره الذي ارتكبه وإن كان على وجه التهمة له؛ مثل ~~قطعه الطرق والتعرض لمظالم الناس والتعدي عليهم؛ ولحقه هذا القائم بالمعروف ~~والنهي عن المنكر لم يحاربه إلا بعد الاحتجاج عليه بأن المسلمين قد رأوا ~~الإمساك في الحبس على الأشياء التي قد نسبت إليه وشهرت عليك من المناكر ~~وقصدك إلى المظالم؛ فإن أجاب لم يكن إلا ما رآه المسلمون؛ وإن امتنع عن ذلك ~~عملوا على الإستيثاق منه؛ فإن شهر السلاح وحارب على ذلك ولم يرجع إلى الحق ~~كان قصدهم في مجاهدتهم هذه على أنهم يمسكوه عن الأشياء التي قد نسبت إليه ~~من المظالم والقصد لها والمناكر والعمل لها؛ فإن تلفت نفسه في ذلك لم تكن ~~فيه تبعة على هذه الصفة قيل فإن أراد هذا الإمام الخروج لبعض النواحي لغزو ~~قوم ظلمة معتدين وطلب صحبة هذا الرجل هل يصحبه؟ قال إن شرط عليه أن لا يفعل ~~ولا يقدم على شيء إلا برأيه PageV01P274 وعرف قصده في ذلك أنه يقبل منه ولا ~~يغصبه في شيء جاز له الخروج معه على هذه الصفة والله أعلم. # هذا آخر ما أردنا نقله من جوابات أحمد بن عمر بن أبي جابر المنحي، وتقدم ~~في آخر إمامة راشد بن الوليد كلام ذكره ابن الأثير في كاملة في إمامة حفص ~~بم راشد وإنها عنده في حوادث سنة ثلاث وستين وثلثمائة؛ وذكر هنالك حروب ~~سلطان العراق لحفص بن راشد وكان فيما ذكره أنه اجتمع بجبال عمان خلق كثير ~~من الشراة وجعلوا لهم أميرا اسمه ورد بن زياد، وجعلوا لهم خليفة اسمه حفص ~~بن راشد فاشتدت شوكتهم. PageV01P275 # قال فسير عضد الدولة المطهر بن عبدالله في البحر أيضا، فبلغ إلى نواحي ~~حرفان من أعمال عمان، فأوقع بأهلها وأثخن فيهم وأسر؛ ثم سار إلى دما، وهي ~~على أربعة أيام من صحار، فقاتل من بها؛ وأقع بهم وقعة عظيمة؛ قتل فيها وأسر ~~كثيرا من رؤساءهم وانهزم أميرهم وردوا إمامهم حفص؛ وأتبعهم المطهر إلى نزوى ~~وهي قصبة تلك الجبال ms224؛ فانهزموا منه فسير إليهم العساكر فأوقعوا بهم وقعة ~~أنت على باقيهم، وقتل ورد وانهزم حفص إلى اليمن، فصار معلما؛ وقد تقدم عن ~~بعضهم ما يقتضي أن حفص بن راشد مات في إمامته، فما ذكره ابن الأثير تخليط ~~في الرواية. وفي كامل ابن الأثير في حوادث سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة ~~قال في هذه السنة: استولى الخوارج - يعني المسلمين - المقيمون بجبال عمان ~~على مدينة تلك الولاية؛ قال وسبب ذلك أن صاحبها الأمير أبا المظفر ابن ~~الملك أبي كاليجار كان مقيما بها ومعه خادم له قد استولى على الأمور وحكم ~~على البلاد وأساء السيرة في أهلها؛ فأخذ أموالهم فنفروا منهم وأبغضوه وعرف ~~إنسان من الخوارج يقال له ابن راشد الحال فجمع من عنده منهم وقصد المدينة، ~~فخرج إليه الأمير أبو المظفر في عساكره، فالتقوا واقتتلوا؛ فانهزمت الخوارج ~~وعادوا إلى موضعهم، وأقام ابن راشد مدة يجمع ويحتشد؛ ثم سار ثانيا وقاتله ~~الديلم فأعانه أهل البلد لسوء سيرة الديلم فيهم؛ فانهزم الديلم وملك ابن ~~راشد البلد؛ وقتل الخادم كثيرا من الديلم؛ وقبض على الأمير أبي المظفر ~~وسيره إلى جباله مستظهرا عليه؛ وسجن معه كل من خط بقلم من الديلم وأصحاب ~~الأعمال؛ وخرب دار الإمارة وقال هذه أحق دار بالخراب، وأظهر العدل، وأسقط ~~المكوس؛ واقتصر على ربع عشر ما يرد إليهم؛ وخطب لنفسه وتلقب بالراشد بالله، ~~ولبس الصوف وبنى موضعا على شكل مسجد. PageV01P276 # قال وقد كان هذا الرجل تحرك أيضا أيام أبي القاسم بن مكرم؛ فسير إليه أبو ~~القاسم من معه وحصره، وأزال طمعه؛ هذا كلامه والله أعلم بصحته، وفي سنة ~~ثلاث وخمسين وأربعمائة مات القاضي أبو الحسن بن سعيد بن قريش. # باب إمامة راشد بن علي # ولم أجد تاريخا لوقت بيعته ولا عرفت نسبه غير أن الأحوال تقتضي أنه بويع ~~بعد حفص بن راشد وعلى ذلك ترتيب السير ( ووجدت ) تاريخا لتوبته الآتي ذكرها ~~قريبا أنها كانت في سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة وذلك بعد إمامته كما ستقف ~~عليه إن شاء الله. وفي هذه السنة قتل القاضي ms225 أبو زكريا يحيى بن سعيد رحمه ~~الله تعالى. وفي يوم الأربعاء لأربع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة ثلاث ~~وفي نسخة اثنتين وخمسمائة. مات القاضي أبو علي الحسن بن أحمد بن نصر بن ~~محمد الهجاري، وكان قبله بسنة مات القاضي محمد بن عيسى في صفر، وخرجت عليه ~~- يعني الإمام - الفرقة الرستاقية - يريدون عزله؛ ورؤساءهم يومئذ القاضي ~~نجاد بن موسى والقاضي أبو بكر، وهو أحمد بن عمر بن أبي جابر المنحي، خرجوا ~~إلى الرستاق في ذي القعدة سنة ست وتسعين وأربعمائة فلم نجد ذكرا لما كان ~~بينهم غير أني وجدت تاريخا قال فيه: خرج القاضي نجاد بن موسى مغلوبا مطرودا ~~ليلة الاثنين من سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، قتله الإمام راشد بن علي، وخرج ~~الإمام بعد قتله من نزوى في تلك السنة ليلة الجمعة لأربع ليل بقين من شوال. ~~وتوفي الإمام راشد بن علي بعد ذلك بيسير في هذه السنة، وهي سنة ثلاث عشرة ~~وخمسمائة. # قال سعيد بن خميس الحداني: عاش القاضي نجاد بن موسى بن إبراهيم اثنتين ~~وستين سنة؛ وعاش ولده موسى بن نجاد ستة وخمسين ومات؛ ومات مات حتى قتل ممن ~~قتل والده ثمانية عشر رجل ممن يدعي السيادة؛ قال وعاش ولده كهلان خمسا ~~وخمسين سنة، وعاش ولده معمر بن كهلان ثمانية وثلاثين سنة وهذه شروط شرطها ~~القاضي أبو عبدالله بن محمد بن عيسى السري رحمه الله على راشد بن علي ~~وأصحابه: PageV01P277 # أما بعد، فإذا طلبتم مني الاجتماع والألفة وبذلتم من أنفسكم قبول ~~النصيحة، فإني راغب في مقاربتكم وموافقتكم وكاره لمباعدتكم ومفارقتكم؛ غير ~~أنه لا يصلح اجتماع إلا على طاعة الله وطاعة رسوله، فإنه جعل في طاعته ~~المحبة والاجتماع والألفة، وجعل في معصيته العداوة والبغضاء والفرقة، فإن ~~أردتم مني اجتماعا في الظاهر فإني لا يمكنني من ذلك غير ما أنا فاعل؛ وإن ~~أردتم اتفاقا في الظاهر والباطن فحتى أرى منكم غير ما أنتم عليه، والله لا ~~يستحي من الحق، ولا دهان في الدين؛ ونحن غدا مسئول بعضنا عن بعض ms226، وقد قال ~~الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على ~~أنفسكم أو الوالدين والأقربين، إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما، فلا ~~تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ~~) وقد أنزل الله كتابه وأرسل رسوله وأوضح دينه، ولا جهل ولا تجاهل في ~~الإسلام؛ وقد تقدم من المسلمين خلفاء وقضاة وأئمة وولاة؛ وأخبارهم شاهرة؛ ~~وسيرهم معروفة ظاهرة، فمن اتبع سبيلهم اهتدى؛ ومن خالفهم ظل وغوى. PageV01P278 # وقد قيل اتبعوا ولا تبتدعوا؛ وقيل شر الأمور محدثاتها، وقيل كل شيء إذا ~~ذهب منه شيء بقي منه شيء؛ إلا الدين فإنه إذا ذهب منه شيء ذهب كله، والمسيء ~~مخذول، والله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون؛ فأول ما اشترطه عليكم أن ~~تنصحوني وتعرفوني عيوبي، وأن تقبلوا نصائح المسلمين ولا تردوا الحق على من ~~جاءكم به، بعيدا كان أو قريبا؛ بغيضا كان أو حبيبا، وأن تتوبوا إلى الله من ~~جميع ذنوبكم وتتقوه عز وجل في سركم وجهركم من العمل بطاعته وآداء جميع ~~فرائضه واجتناب جميع محارمه، والاقتداء بالسلف الصالح من المسلمين مع الورع ~~الصادق، والوقوف عن كل شبهة: وأن لا تعملوا عملا إلا بحجة، والأمر بالمعروف ~~والنهي عن المنكر والانتهاء عنه، والموالاة في الله والمعاداة فيه، ومشورة ~~المسلمين أهل العلم والورع فيما يعرض عليكم من الأمور، فقد قال الله تعالى ~~( وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله ) ولا تقتدوا برأيكم ولا ~~تعجلوا في أموركم؛ ثم حسن الرأفة بالرعية عامة وبأهل الصلاح خاصة، والرفق ~~بهم والعدل فيهم، وأن يتفقد الإمام أمر رعيته وقضاته وعماله؛ وإن اطلع على ~~جور من عامل له أو غيره أنكر عليه وقام في ذلك بما يلزمه؛ ولا تطلبوا العلو ~~والرفعة في الدنيا، ولا تستنكفوا ولا ترفعوا أنفسكم عن أدنى منازل الدين، ~~ولا يكون القاضي إما أن يعطي الأمر كله وإلا غضب وجذب يده ووقف عما يلزمه، ~~فإن من كانت هذه صفته لم يجز تفويض أمر المسلمين إليه، إذا ليس ms227 ذلك من صفات ~~المسلمين. PageV01P279 # فإن ولى الإمام واليا على بلد بمشورة غيره من المسلمين لا يغضب , وإن كان ~~للقاضي وال على بلد فعزله الإمام بغير رأيه لم يغضب ولم يقف عن ما يلزمه , ~~ولم يترك ما يجب عليه؛ وكذلك غير هذا من جميع الأمور , وأن تقتدوا بمن ~~سبقكم من أئمة المسلمين , وقضاتهم وولاتهم , وان تتبعوا سبيلهم وأن تهتدوا ~~بهداهم وقد قال الله تعالى ( ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ~~ونصله جهنم وساءت مصيرا ) وأن لا يحلف القاضي الناس لنفسه بما يحلف به ~~الإمام , فإن هذا لا نعلم أن أحدا سبق إليه من ولاة المسلمين وقضاتهم , وأن ~~تردوا الخيل التي أخذت من الرعية , ومع ردها عليهم لا يجبرهم القاضي على ~~الخروج معه لغزو ولا غيره , إلا أن يتفق للإمام الخروج بنفسه في أمر يجب ~~عليهم الخروج معه , ولا يكون لهم عذر في ذلك , وأن تنصفوا الناس في ~~معاملاتكم ومدايناتكم؛ فإن كان لأحد عليكم حق فلا تمطلوه ليرضى بدون حقه ~~تقية أو ضرورة, أو تلجئوه إلى أخذ شيء من العروض حتى يأخذها بأكثر من ~~قيمتها في البلد؛ ولا تبيعوا ولا تشتروا لأنفسكم إلا أن توكلوا في ذلك ~~غيركم من الرعية ممن هو غير داخل معكم في حرمة وأمر؛ ولا يعلم البائع أن ~~المشتري لكم , ولا تقبلوا من الرعية الهدايا والعطايا , وأن تمنعوا خدمكم ~~وأصحابكم من ذلك؛ ولا تقبلوا من الناس أموالهم على وجه المعونة؛ ولا ترسلوا ~~إليهم في ذلك إلا أن يتبرعوا هم من تلقاء أنفسهم , أو يشير بعضهم على بعض ~~من غير رسالة منكم , ولا تتحملوا الديون إلا من ضرورة في نفقة أو كسوة أو ~~تقووا أمر المسلمين؛ ولا تبذروا أموالكم ولا أموال المسلمين حتى تحتاجوا ~~إلى أموال الرعية وتأخذوا منهم على وجه القرض أو المداينة أو المعونة ~~وتحتجوا أنكم فعلتم ذلك ضرورة أو حاجة , فليس هذا مما يوجد لكم عذرا في أخذ ~~أموال الرعية , وأن ترفعوا الطمع فيما لا يجب لكم على الرعية , وأن تسووا ~~في الحق بين ms228 القريب والبعيد , والحبيب والبغيض ولا تصفحوا عن PageV01P280 ~~أحد وتأمنوه ثم تأخذوه وتعاقبوه بعد الصفح والأمان , ولا تخرجوا إلى ~~النواحي والبلدان بعسكر لا تضبطونه , ولا تشدونه عن الظلم والفساد؛ ولا ~~تلزموا الناس ما لا يلزمهم من الخروج؛ بل تعذروا من له عذر من مرض أو غيره؛ ~~ولا تفوضوا أمر تحرج الناس إلى العرفاء والجهال , فيبعدوا وتأخذوا الرشاء ~~منهم؛ ولا تجبروا الناس على الخروج بلا زاد اتكالا على الضيافة من عند ~~الناس , ولا تجبروهم على الرباط بلا نفقة؛ ولا تستفتحوا بلدا من بلدان أهل ~~القبلة وأنتم لا تقدرون على أن تولوا عليها وتحموها؛ وتأخذوها من ظالم ~~وتسلموها إلى ظالم وأن تبذلوا الأنصاف لأهل السر والسنينة من حرق منازلهم ~~وخراب أموالهم , وتعرفونهم ذلك؛ وكذلك جميع النواحي التي تجري فيها الأحداث ~~من عساكركم وأصحابكم , وتظهروا إليهم الإنصاف حتى تعلموا أن الحق عندكم ~~مبذول لمن طلبه والباطل مردود على من فعله , ولا تخرجوا إليهم بعسكر تفعلوا ~~عنده مثل ما فعل عسكركم الأول؛ وإذا شكت الرعية عاملا من عمالكم وطلبت عزله ~~عنهم أن تعزلوه عنهم , ولا تكلفوهم عليه البينة وأن تردوا مكاتباتكم إلى ما ~~كان عليه مكاتبات من سبقكم من المسلمين , وأن توفوا بعهدكم ووعدكم. PageV01P281 # وقد قال الله تعالى ( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا ) ولا تكتبوا ~~لأحد رقاعا خالية فارغة؛ فإن ذلك يخرج مخرج السخرية والهزل , وقد قال الله ~~تعالى ( لا يسخر قوم من قوم ) ولا تفرضوا إلى أحد الحكم بين الناس , ولو ~~كان لكم وليا , حتى يكون ممن يبصر وجه الحكم , ولا تولوا واليا على بلد ولا ~~على حرب ولو كان لكم وليا حتى يكون عالما بعدل ما تولونه عليه , ولا تأخذوا ~~الزكاة من الناس بالقيد والحبس على التهم؛ ولا تقولوا لمن تتهمونه بكتمان ~~الزكاة إنا لا نقبل منكم إلا بكذا وكذا , وهذا كأنه حكم ولا يجوز مع ~~المسلمون الحكم بالتهمة؛ وأن لا تبعثوا في طلب الزكاة من الناس غير الثقاة ~~لتوكلوهم في تسليمها إليكم , فإنه قد قيل إن هذا لا يجوز , وأن لا ms229 تزيدوا ~~على خدمكم فيما تعطونهم من أجرة خدمتهم خلاف سعر البلد , ولا تأخذوا ~~عطياتكم بغير حساب , فإن هذا لا يفعله صاحب دين ولا دنيا إلا ما شاء الله , ~~وأن لا تكتبوا إلى ولاتكم وأمنائكم رقاعا لا يجوز لهم أن يعملوا بها , وان ~~لا تنفوا المسلمين ولا تعاقبوهم بالتهم والظنون فإن العدول لا تهمة عليهم , ~~وإن عاقبتم أحد من المسلمين فعرفوه خطأه الذي أوجب عقوبته عندكم , وإن ~~بلغكم عن أحد من أهل الصلاح ما تكرهونه فلا تعجلوا في عقوبته حتى يظهروا ~~الحجة عليه عند المسلمين؛ وأن لا تعرضوا لأحد في فعل منكر تأويلا منكم إنكم ~~لم تأمروا تصريحا لم يلزمكم في التعريض , بل قد قيل إن التعريض يقوم مقام ~~الأمر الصريح؛ وأن لا تعملوا بالآحاد من الأخبار التي لا عمل عليها عند ~~المسلمين , وأن تقربوا أهل الصلاة وتدنوهم من أنفسكم وتبعدوا أهل الجهل ~~والسفل , وتنزلوا كلا منهم حيث أنزل نفسه , وأن تعتذروا إلى من لحقه منكم ~~جفاء من المسلمين , وأن ترجعوا في العبدة التي اشتريت من عند أبي الفرج , ~~والبيت الذي اشتري من عند موسى الفرقاني إلى قول المسلمين وما يوجب الحق في ~~ذلك , وأن ترجعوا في حكم المال الذي يمنح إلى PageV01P282 قول المسلمين , ~~ولا يستبد القاضي فيه برأيه دون المسلمين , وأن لا تعرضوا من عند أبي العرب ~~ابن أبي جابر شيء من ماله بقرض ولا معونة ولا عاربة؛ ولا تمنع ورثة إبراهيم ~~ابن عبدالله من ماله بغير حجة ولا حكم , فإنا لا نعلم في ذلك جوازا , فإذا ~~سألكم أحد حاجة؛ فإما نعم منجزة , وإما لا مريحة , فإن المماطلة عند العطاء ~~تنغيص وتنكيد , والمماطلة مع الحرمان سخرية وهزل , وكلا الحالين مذمومان ~~عند ذوي الدين , وإنما يفعل ذلك من هانت عليه نفسه ودينه وعرضه. PageV01P283 # فإن قلتم إن ذلك من خدمكم وأصحابكم , فلو علموا منكم الكراهية لم يتجروا ~~على ما تكرهونه إلا ما شاء الله؛ فأما إذا كانوا ليتقربون بذلك إليكم فإن ~~عاره وإثمه راجعان عليكم؛ ولا تحرموا الفقراء والمساكين هذا المال , فإن ms230 ~~لهم فيه سهما , ولا تقفوا في شيء يلزمكم , وتزيلوا عن أنفسكم اسم العذر في ~~التخلف في العهد والوعد والتهمة بذلك , وأن تؤمنوا من خوفتم من المسلمين ~~وتردوهم إلى منازلهم , فإن قلتم إنكم قد بذلتم لهم الأمان فلم يثقوا ~~بأمانكم , فلا أرى هذا يسقط به حجة عنكم ولا يوجب عند المسلمين عذركم إذا ~~كان قد عرفوا منكم الرجوع في وعدكم والتخويف بعد بذل الإمام خطه لهم ~~بالأمان وخافوه أن يفعلوا منهم من بعد كما فعلتم من قبل؛ وأن تبذلوا ~~الأنصاف لأهل السر في تلك الأحداث الشاهرة وتفعلوا كما يوجد عن محمد بن ~~محبوب رحمه الله أنه كتب به إلى بعض الأئمة , وعليك إظهار الإنكار في ذلك ~~والطلب لمن فعله حتى يعلم الناس , ومن فعل ذلك أن الحق معروف وأنك مؤثره ~~على ما سواه , وتظهر الدعاء إلى الإنصاف حتى تبسط لطالب الحق بلسانه , وأنا ~~أشير عليكم بذلك في الأحداث التي جرت في السر وغيرها من النواحي والبلدان , ~~وجميع الأحداث التي تجري من عساكركم وأصحابكم ورعيتكم حتى يظهر عند الناس ~~أنكم أنكرتم الباطل ولم ترضوا به ولم تواطئوا عليه ولم تتركوا الأمر ~~بالمعروف والنهي عن المنكر وتزيلوا عن أنفسكم الأوهام الفاسدة. # فإما إذا كنتم تنادون بتخويفهم وتظهرون الغضب على من تتهمون أنه أراد أن ~~يكتب إلى الإمام ويعلمه بما جرى من الأحداث؛ وكيف يتجاسر الضعيف والمظلوم ~~أن يرفعوا إليكم ويشكوا وينتصفوا ممن ظلمهم , وإياكم والتقحم على الأمور ~~بغير حجة ولا برهان , وإياكم وسوء التأويل , فإنه يروى عن النبي صلى الله ~~عليه وسلم أنه قال ( أخوف ما أخاف على أمتي ثلاث: زلة العلماء وميل الحكماء ~~وسوء التأويل ). PageV01P284 # فانظروا لأنفسكم وسلوا المسلمين عما يجب عليكم ويلزمكم , وأتعبوا كتاب ~~ربكم وسنة نبيكم , وآثار الصالحين قبلكم , ولا تميلوا بالناس يمينا ولا ~~شمالا , واحذروا يوما حذركم الله إياه؛ فقال في محكم كتابه ( واتقوا يوما ~~ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ) وأنا أستغفر ~~الله مما خالفت فيه الحق والصواب , وصلى الله على ms231 سيدنا محمد وآله وسلم ~~تسليما. # والإمام أراه ضعيف المعرفة قليل العلم والبصيرة , ولا أرى له أن يولى ~~واليا ولا ينصب قاضيا ولا ينفق من مال المسلمين شيئا , ولا يعاقب أحدا ولا ~~ينفذ حكما ولا يفوض شيئا من أمور المسلمين إلى أحد من الناس , ولا يفعل ~~شيئا من هذا الأمور إلا بمشورة المسلين أهل العلم والورع ممن يكون حجة له ~~في ذلك , وليس كل المسلمين يكون حجة في هذا , وإنما الحجة هو الفقيه , وهو ~~الذي يجتمع له حالان: العلم والورع , فإن فعل شيئا من هذه الأمور يبصر نفسه ~~أو بمشورة من لا يكون حجة له في ذلك , فإني أخاف أن لا يجوز له ولا يسعه , ~~ولا يجوز لمن دخل معه في ذلك ولا يسعه , وإن كان الإمام ضعيف المعرفة قليل ~~العلم والبصيرة لا يعرف المشورة ولا يعقلها ولا يهتدي؛ فأخاف أن لا يجوز ~~للمسلمين أن يجعلوه إماما ولو كان لهم وليا , وأخاف أن لا يثبت له عقد ~~إمامته؛ وسلوا المسلمين عن ذلك ومن كان لا يعرف المشورة ولا يعقلها ولا ~~يهتدي لها فالله أعلم تجوز إمامته أم لا , وسلوا المسلمين عن جميع ذلك ولا ~~تأخذوا منه إلا ما وافق الحق والصواب , وأنا استغفر الله من كل خطأ كان مني ~~في هذا الكتاب وغيره , وصلى الله على رسوله محمد النبي وآله وسلم تسليما. # ( بسم الله الرحمن الرحيم. توبة الإمام راشد بن علي ) PageV01P285 عمل ~~القاضي أبي علي الحسن بن احمد بن نصر الهجاري؛ أنا استغفر الله وتائب من ~~جميع ذنوبي كلها , قليلها وكثيرها , صغيرها وكبيرها؛ ظاهرها وباطنها ما ~~علمت منها وما لم أعلم؛ كان ذلك مني على العلم أو الجهل , أو الخطأ أو ~~النسيان أو التدين أو الاستحلال أو التحريم؛ كنت متأولا فيه أو دائنا به , ~~ومما ارتكبته وأمرت به مما عملته جوارحي أو تكلمت به لساني أو اعتقدته ~~بقلبي, وتائب إلى الله تعالى من السيرة سرتها بغير العدل مخالفة للحق؛ ومن ~~كل خطأ مني في إلزام أهل النواحي الخروج منها , ومن ترك ms232 النكير على نجاد بن ~~موسى بعد علمي بالسيرة التي سارها مخالفة للحق والعدل؛ ومن ولايتي له على ~~ذلك , وتوليتي إياه بعد علمي بأحداثه وفعله , ومن الجبايات التي أمرت بها ~~وجبيت بغير حق وانفقت في غير أهلها ومستحقيها , ومن العقوبات التي عاقبت ~~بها غير الحق وتعديت فيها غير الواجب أو أمرت بذلك من فعله ومن إخلافي لكل ~~وعد وعدته ولم أوف به ورجعت عنه , ومن كل عهد عاهدته ثم نقضته , ومن تقصيري ~~عن القيام بما يلزمني من الحق والعدل , ودائن لله تعالى بما لزمني في ~~الأحداث التي أحدثت في القرى على أهل القبلة من الخراب والحرق؛ وأخذ ~~الأموال؛ وعقر الدواب والأحداث في تخريبها؛ وما جرى من العساكر التي ~~أخرجتها , ومن كل حرب حاربتها وسفكت الدماء فيها بأمري , وملزم نفسي بذلك ~~وما لزمني من حق وضمان ودية وأرش وغير ذلك؛ فأنا دائن لله بالخروج منه ~~والخلاص إلى أهله ومستحقه , وقابل قول المسلمين وراجع إلى قولهم وقابل ~~نصيحتهم نادم على ما سلف مني في نفي احد من المسلمين , أو عقوبته بغير ما ~~يلزمه , ومعتقد أني لا أرجع إلى ذنب أبدا , وإن علمت بذنب بعد هذه التوبة ~~ولم أتب منه؛ فهو داخل في هذه التوبة , وهذه التوبة لازمة لي إلى الممات , ~~ومن كل تولية وال وليته ولم يكن لي أن أوليه؛ شهد الله وكفا به شهدا؛ ومن ~~حضر من المسلمين , وكانت هذه التوبة من الإمام راشد بن PageV01P286 علي ~~بحضرة القاضي أبي عبدالله محمد ابن عيسى والقاضي أبي علي الحسن بن أحمد بن ~~نصر الهجاري والشيخ أبي بكر أحمد بن عمر بن أبي جابر وأخيه أبي جابر محمد ~~بن عمر بن أبي جابر وعلي بن داوود وعبدالله بن إسحاق المنقالي وغيرهم من ~~المسلمين؛ وكانت هذه الشهادة يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع ~~الآخر سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة. # ( بسم الله الرحمن الرحيم ) # جواب من القاضي أبي عبدالله محمد بن عيسى رحمه الله إلى الإمام راشد بن ~~علي فيما سأله عنه من هذه التوبة ms233 وما ورد عليه فيها , سألت عن التوبة التي ~~دعاك الجماعة إليها وإلى الكتاب الذي كتبوه لك فيها , فأعلم أني نظرت في ~~ذلك على قدر ضعفي وقلة بصيرتي , فرأيت الكتاب يشتمل على معان كثيرة يطول ~~شرحها غير أني أذكر لك من ذلك ما يسر الله والله أسأله التوفيق لذلك. # أما توبتك من السيرة التي سرتها بغير العدل مخالفة للحق فإن كان ذلك قد ~~جرى منك على الاستحلال والتصويب لنفسك فلا أرى هذه التوبة تكفيك ولا تصح لك ~~ولا يقبلها المسلمون منك حتى تفسر ذلك تفسيرا غير هذا , وتتوب منه بعينه ~~على التفسير , وإن كان منك ذلك على التحريم والتعمد بمخالفة الحق عند فعلك ~~, فما كان فيها من تلف نفس أو مال فعليك الضمان والخلاص من حقوق العباد في ~~الأموال والأنفس مع التوبة؛ وإن كان ذلك منك جهلا بحرمته وظنا منك أنه واسع ~~لك من غير تعمد للحرام ولا قصد منك لمخالفة الحق , والاستحلال لذلك بديانة ~~وتأويل , فقد يوجد في مثل هذا أنه يخرج مخرج التحريم , وقد تقدم القول في ~~المحرم وما يلزمه من الضمان في الأموال والأنفس والخلاص من ذلك. PageV01P287 # وأما توبتك من الجبايات التي أمرت بها وجبيت بغير الحق؛ وأنفقت على غير ~~أهلها ومستحقيها , فالأمر فيه على نحو ما تقدم من الكلام في المحرم ~~والمستحل فإن كان ذلك على وجه الاستحلال لما حرم الله فلا أراك تكتفي بهذه ~~التوبة ولا يصح ذلك حتى تفسر تفسيرا غير هذا وتتوب منه بعينه على التفسير , ~~وإن كان منك على وجه التحريم , فقد تقدم الكلام في المحرم وعليك الخلاص من ~~جميع ما أتلفته من الأموال والأنفس , وإن كان ذلك على وجه العمى والظن أنه ~~واسع لك فقد تقدم القول في ذلك أنه يخرج مخرج التحريم. # وأما توبتك من العقوبات التي عاقبت بها بغير الحق فإنها تجرى مجرى ما ~~تقدم من القول به والجواب واحد. PageV01P288 # وأما توبتك من كل حرب حاربتها وسفكت الدماء فيها بأمرك , فإن كنت حاربت ~~حربا بعد حرب منها ما هو بالحق ms234 ومنها ما هو بالباطل فتبت من جميع ذلك فلا ~~يجوز لك أن تتوب من الحق , وعليك التوبة من توبتك من الحق , وعليك التوبة ~~أيضا من الحرب التي حاربتها بالباطل , وإن كان على الاستحلال فقد تقدم ~~الكلام في المستحل , وإن كان على التحريم فقد تقدم أيضا الكلام في المحرم ~~وما يلزم في ذلك من الضمان في الأموال والأنفس , وإن كنت مخطئا في جميع ~~محارباتك من أول إلى آخر فقد أصبت في التوبة منها , وأما الضمان فهو ما ~~تقدم به من الكلام في المستحل والمحرم , وأما توبتك من ولايتك لصاحبك فإن ~~كنت علمت منه حالا تحرم به ولايته عليك أو توليته على أول وجه لا يجوز لك ~~أن تتولاه عليه , فقد أصبت في توبتك من ولايته , وإن كنت توليته من أول وجه ~~تجوز لك ولايته عليه؛ ولم تعلم منه حدثا مكفرا , فقد أخطأت في توبتك من ~~ولايته بغير حجة وعليك أن تتوب من توبتك من ولايته , وإن كان قد صح عندك ~~عليه حدث مكفر بشهرة لا دافع لها أو بشهادة عدلين مع تفسير الحدث أو شهادة ~~عالمين بالحدث بتفسير أو بغير تفسير أو شاهدت أنت منه حدثا مكفرا أو أقر ~~عندك بذلك , وتوليته من بعد فقد أصبت في توبتك من ولايته على هذا الوجه. # ولكن استتبه من ذلك فإن تاب وكان مستحلا فقد قيل أنه يرجع على حالته ~~الأولى من الولاية , ولا نعلم في ذلك اختلافا وإن كان محرما , ففي أكثر ~~القول أن يرجع إلى ولايته , وقيل فيه قول آخر ولا أرى لك أن تهمل أمره ولا ~~أنت تترك استتابته ولا الإنكار عليه إذا قدرت على ذلك , فإن لم تفعل ولم ~~تستتبه فأخاف أن يكون أتيت خلاف ما عليه أهل الحق والعدل من المسلمين. PageV01P289 # وأما توبتك من توليتك إياه بعد علمك في أحداثه وفعله , فإن كنت علمت منه ~~حدثا مكفرا ووليته على ذلك الرعية فجار عليهم في أنفسهم وأموالهم , وأنت ~~محرم لذلك فأخاف عليك ضمان ذلك في أحداثه إن أتلف شيئا من ms235 أموال الناس ~~وأنفسهم وإن كنت مستحلا لذلك فقد تقدم من الكلام في المستحق والمحرم ~~والجاهل ما فيه كفاية إن شاء الله تعالى. PageV01P290 # وأما قولك وملزم نفسك ما لزم للعباد من حق وضمان ودية وأرش وأنك دائن ~~بالخلاص منه فهذا هو الصواب إذا صدقته بفعل وقيام في خلاص نفسك من حقوق ~~الله وحقوق العباد , وأما القول وحده بلا فعل ولا قيام ولا اجتهاد في خلاص ~~فما النفع في ذلك , وقد قيل لا ينفع التكلم بالحق إلا بإنفاذه. وقد قال ~~الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لما تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند ~~الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) وإن كنت محقا في هذه الفصول كلها , والمعاني ~~التي دعاك الجماعة إلى التوبة منها ولم يكن منك خطأ في ذلك في الظاهر ولا ~~في الباطن فتبت من الحق ليرضوا عنك فلم يكن لهم أن يدعوك إلى التوبة من ~~الحق ولا لك أن تجيبهم إلى أن تتوب من الحق. فإذا فعلتم ذلك جميعا كان عليك ~~وعليهم التوبة ولو أن الجماعة عند استتابتهم لك سلكوا بك مسلكا غير هذا ~~المسلك الذي حملوك وحملوا أنفسهم عليه ربما كان أسلم لك ولهم وأخف وأسهل ~~عليك وعليهم ولولا مخافتي أن لا يسعني السكوت ولا التغافل عن جوابك فيما ~~سألتني عنه لم أذكر لك شيئا من هذا ولكنك سألتني عما يلزمك في تلك التوبة ~~فاستصعبت الإمساك عن رد جوابك وقد ذكرت لك ما قد ذكرته على قدر ضعفي وقلة ~~بصيرتي , فإن كان حقا فهو من الله تعالى فخذ به وإن كان فيه مخالفة للحق ~~فلا تأخذ به , وأنا أستغفر الله من كل ما خالفت فيه الحق والصواب والحمد ~~لله رب العالمين وصلى الله على رسوله محمد النبي وآله وسلم تسليما أ. ه ~~كلام القاضي أبي عبدالله محمد بن عيسى السري رحمه الله تعالى ولم نجد جوابا ~~لكلامه , وما ندري ما إذا كان بعد هذه النصائح البليغة الصادرة عن صدق ~~الإخلاص. PageV01P291 # غير أني وجدت أنه قتل رحمه الله في ms236 نزوى في موضع على طريق مساجد العباد ~~غربي المقبرة الكبيرة التي تمر على حظيرة غلافقه , ولم يسم قاتله ولم يؤرخ ~~وقت ذلك , وفي سنة أربع وخمسمائة لثمان ليال بقين من محرم مات أبو بكر أحمد ~~بن محمد ابن المفضل , وفي سنة ثمان وخمسمائة ليلة لأربعاء لاثنتي عشرة ليلة ~~خلت من شهر رمضان مات القاضي أبو محمد عبدالله بن محمد بن إبراهيم بن ~~سليمان المفدى السمدي الكندي. # ذكر وفيات الشيخ محمد بن صالح وذراريه # وإنما ذكرهم في موضع واحد لحسن سلسلتهم فإن بعضهم يعقب بعضا وبعضهم من ~~بعض وكلهم فقهاء أجلاء وأولهم جدهم الأكبر أبو عبدالله محمد ابن صالح , وقد ~~توفي ليلة السبت لليلة خلت من شهر بيع الأول سنة إحدى وثلاثين , وفي نسخة ~~سنة ست وثلاثين وخمسمائة , وتوفي ولده أبو بكر أحمد ابن محمد بن صالح ليلة ~~الاثنين في النصف الأول من الليل لليلة خلت من صفر سنة ست وأربعين وخمسمائة ~~رحمه الله ورحم أباه والمسلمين , وهذا الشيخ هو شيخ أحمد بن عبدالله صاحب ~~المصنف , وتوفي ولده أبو القاسم سعيد بن أحمد بن محمد ابن صالح رحمه الله ~~وغفر له ضحوة يوم الأحد لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول سنة ثمان وسبعين ~~وخمسمائة. PageV01P292 # وقيل وهو الأكثر أنه توفي لثلاث ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة تسع ~~وسبعين وخمسمائة , وكان موته بعد وقعت بوة بأربعة أيام , وتوفي ولده ~~عبدالسلام بن سعيد بن أحمد بن محمد بن صالح ليلة الجمعة لسبع ليال بقين من ~~ذي الحجة الحرام سنة اثنتين وعشرين وستمائة , وتوفي ابن عمه سعيد بن أحمد ~~ابن محمد بن أحمد بن محمد بن صالح سنة اثنتين وثلاثين وستمائة وهو الذي كان ~~في زمن الفقيه عثمان بن أبي عبدالله الأصم رحمهما الله , وتوفي أبو الحسن ~~بن أحمد بن أبي الحسن ابن سعيد بن أحمد يوم الثلاثاء ضحوة النهار لخمس ليال ~~خلون من شهر ذي القعدة سنة خمس عشرة , وفي نسخة سنة أربع عشرة وسبعمائة , ~~وتوفي الفقيه أبو الحسن ابن سعيد بن ms237 أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن صالح ~~صبح يوم السبت لسبع ليال خلون من صفر سنة أربع وثلاثين وستمائة , وتوفي ~~أحمد بن أبي الحسن بن سعيد ابن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن صالح يوم ~~السبت ضحوة النهار لليلتين خلتا , وفي نسخة بقيتا من المحرم , وفي نسخة من ~~صفر سنة إحدى وثمانين وستمائة , وتوفي أبو القاسم بن أبي الحسن بن أحمد بن ~~أبي الحسن بن سعيد بن أحمد بن محمد ابن أحمد بن محمد بن صالح عشة الجمعة ~~سنة سبعمائة وأربعين , وتوفي الفقيه أبو سعيد ابن أحمد بن أبي الحسن بن ~~أحمد بن أبي الحسن بن سعيد بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن محمد بن صالح يوم ~~الثلاثاء لعشر ليال بقين من شهر رمضان سنة إحدى وستين وسبعمائة. PageV01P293 # فأنظر إلى هذه الذرية المباركة الطيبة ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ~~ذو الفضل العظيم , وهذه السلسلة في تتابعها تشبه سلسلة آل الرحيل من محبوب ~~ابن الرحيل إلى سعيد بن عبدالله , كلهم فقهاء أجلاء أهل فضل وورع وفقه واسع ~~وعلم نافع ليس فيهم من يطعن فيه ولا من يشك في فضله والله أعلم بالفقهاء ~~الذين كانوا من ذراريهم بعد من ذكرنا , فقد غابت عنا تواريخهم وتشابه ~~السلسلتين سلسلة نجاد بن إبراهيم وذراريه , وفي المتأخرين سلسلة آل مدد وهم ~~قوم من النعب والنعب من قضاعة ويقرب من ذلك سلسلة الصلت بن مالك , فإن ~~كثيرا من الأئمة والعلماء كانوا من ذريته , والحمد لله رب العلمين. # تنبيه: ذكر بعض المتأخرين ثلاثة أئمة لم نعرفهم إلا من سيرته , ومن حفظ ~~حجة على من لم يحفظ , أحدهم عامر بن راشد بن الوليد الخروصي , قال عقدت له ~~الإمامة سنة ست وسبعين وأربعمائة , قال وكان رجلا عالما زاهدا ذا ذكاء ~~وفطنة محسنا في الرعية , قال وكان إمام شاريا؛ قال وهو آخر الأئمة الشراة ~~من بني خروص , قال فاستقام على الحق حتى توفاه الله رحمة الله عليه وأنت ~~تدري أن هذا الوقت الذي ذكر ms238 فيه بيعته هو وقت إمامة راشد بن علي بعينه , ~~فإن صح ما ذكر فكأنه إنما بويع في وقت إمامة راشد لأن الناس قد اختلفوا على ~~راشد على حسب ما تقدم. PageV01P294 # والإمام الثاني محمد بن غسان بن عبدالله الخروصي , قال وكان إمام دفاع ~~فأرادوه أن يكون شاريا فخاف أن لا يطيق حمل الشراء خوفا من خلفاء بغداد قال ~~وكان رجلا عالما بليغا زاهدا ذا حلم ورأفة للرعية غيورا على الممالك؛ قال ~~وكان أكثر حربه الحسا وأرض نجد؛ قال وكان في إمامته عادلا لم يعب عليه أحد ~~في زمانه ولا طعن عليه أحد في شيء من أحكامه حتى توفي رحمة الله عليه؛ قال ~~وكانت إمامته تسع سنسن إلا خمسة أشهر , قال ومن خصاله الحميدة وأفعاله ~~الغريبة أن كل أحد أراده بسوء وعزم على حربه ومخاصمته , ووصل هذا الإمام في ~~ساحته يسلم المخاصم له الأمر من غير قتال. # والإمام الثالث الخليل بن عبدالله بن عمر بن محمد بن الخليل بن شاذان؛ ~~قال عقدت له الإمامة بنزوى وقاتل فيها النباهنة واستولى عليها؛ وقهر ~~الرستاق ونخل وجميع أقطار الباطنة؛ قال ثم أن النباهنة استنجدوا ببني هلال ~~والجبور؛ قال ولم يزل يقاتلهم في كل أرض؛ ولم يعب عليه في إمامته أحد حتى ~~توفي رحمة الله عليه مستقيما على طريق الحق. # باب إمامة محمد بن أبي غسان PageV01P295 وهو فيما أظن من أئمة الطائفة ~~الرستاقية وهم الغلاة في أمر موسى وراشد؛ ولم أجده مصرحا به كذلك غير أني ~~عرفته من أحوالهم فإن أبا بكر أحمد بن عبدالله ابن موسى كان يحتج له ويناظر ~~عنه في سيرة سماها البررة ولم أجد لمحمد بن أبي غسان ذكرا في نسبه غير أني ~~وجدت تاريخا لموت القاضي أبي بكر أحمد بن عمر بن أبي جابر المنحي أنه مات ~~يوم الأربعاء ضحوة , وقد بقي من رمضان اثنا عشر يوما سنة اثنتين وخمسين ~~وخمسمائة قال وصلى عليه محمد بن أبي غسان الخروصي فإن كان هذا المصلي هو ~~الإمام المذكور فهو خروصي وإن كان غيره ms239 فالله أعلم به غير أن هذا الوقت هو ~~فيما أحسب وقت إمامة محمد بن أبي غسان ثم وجدت أن إمامة ابن أبي المعالي ~~كانت في سنة تسع وأربعين وخمسمائة وظهر بذلك أن المصلي غير الإمام أو انه ~~كان إماما فعزل ويمكن أن يكون محمد هذا هو ابن الإمام راشد ابن سعيد لما ~~تقدم أن أبا إسحاق كنى راشد في شعره بأبي غسان ولمدح أهل الباطنة له أنه من ~~أبناء الحلفاء والله أعلم بحقيقة الأمر. # وكانت الطائفة الرستاقية تحاول الغلبة على الدولة حتى ظهروا ومن محاولتهم ~~ما تقدم ذكره في إمامة راشد بن علي , والظاهر أن إمامة محمد بن أبي غسان ~~كانت عند الرستاقية على إمامة راشد بن علي لأن نجاد بن موسى كان فيما يظهر ~~قاضيا له وفي بعض التواريخ قال خرج القاضي نجاد بن موسى مغلوبا مطرودا ليلة ~~الاثنين من سنة اثنتي عشر وخمسمائة ودخلها أبو سعيد بن الحسن بن زياد في ~~دولة محمد ابن خنبش ومحمد بن أبي غسان. # وكتب محمد بن أبي غسان إلى أهل الباطنة كتابا فأجابوه بجواب طويل بليغ ~~يرشح بالسرور ويرفل بالحبور؛ وذكروا فيه أشعارا أعرضنا عن النثر اختصارا ~~ونقتصر منه على الشعر اختيارا. قالوا فيه: # وقلنا له إذا بدا طالعا ... = ... ألا مرحبا مرحبا مرحبا # وكان لنا خير من قد أتى ... = ... وكنا له خير من رحبا # حباب المسرة مسطورة= ... ... بما قد أفاد وما قد حبا PageV01P296 ذهبنا ~~بما ساق من حكمه= ... ... إلى نيل آمالنا مذهبا # كسانا بموشأ ألفاظه= ... ... من الرشد برد الهدى مذهبا # ثم ذكروا بعده ألفاظا منثورة كالدرر المسطورة ثم قالوا بعده # يعلوا سماوات الجلالة فاخرا= ... بأب شريف ماجد أو خال # وله مناقب حازها من قومه= ... تاريخها من عهد عصر خال # وخلا من الأدناس طيب نجاره= ... وعلاه فهو من النقيصة خال # إن شم خلب بارق من غيره= ... شمن لجؤد يديه بارق خال # وله جلال قد كساه جملها = ... موشى برد خلائف وجلال # ثم قالوا بعده الذي خلص عند النقد والتمييز خلوص الذهب إلا بريز استخرجه ms240 ~~الله من عنصر الأكارم الأطايب كما استخرج نبيه صلى الله عليه وسلم من لؤى ~~بن غالب وقد أعاد الله بسلامته ووجوده لهذه الدعوة ما كان رفانا وجمع من ~~شملهم شتاتا واختارهم وأحياهم بعد أن كانوا أمواتا وهو ما أشتمل به من ~~ملابس الورع والديانة والنزاهة والصيانة أهل لما تقلده من هذه الأمانة ~~والجماعة به راضون وعن سواه معرضون , فالله تعالى يحرس عليهم شريف بقائه ~~ويزيد في رفعته وارتقائه ويديم عليه ما اتسع من نعمائه وينعم علينا عاجلا ~~بكريم لقائه خافقا بأرضنا في عذبات لوائه مؤيدا بالنصر والفتح في مذاهبه ~~وأنحائه مسددا في رأيه منقذا من الهلكة معاشر آله؛ إلى أن قالوا: وعضده ~~بالهزبر الضرغام والسيد القمقام , والبطل المقدام؛ القاضي الأجل السيد سيف ~~الإسلام وعين العلماء والحكماء , ذي البصيرة والرشاد والصلاح والسداد ~~المبارز يوم الجلاد , أبي المعالي نجاد بن موسى بن نجاد إلى آخر ما ذكروه ~~وكتابه موجود في مجموع سير المسلمين؛ وفي سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة في ~~شوال ليوم بقي منه مات القاضي أبو محمد الخضر بن سليمان وذلك يوم الخميس ~~وهو جد ابن النظر. PageV01P297 # وفي سنة ست وثلاثين في ربيع الآخر ليلة الجمعة مات عثمان بن موسى , ~~وخالفه أهل العقر من نزوى ولم يدخلوا في طاعته وذلك لأجل قدحهم في إمامته ~~ولعله حيث كان من الطائفة الرستاقية فحاربهم طويلا وقطع النخيل وكسر ~~الأنهار , ووقعت في الحرب أحداث لا تكاد تخلوا منها معرة الجيش؛ ولا يقدح ~~ذلك في إمامة المحق , غير أن أهل العقل لما لم تكن إمامته ثابتة عندهم ردوا ~~عليه بسيرة ذكروا فيها الأحداث الواقعة وجعلوا من المناكر , وحملوا على ~~القائم بالأمر. # وهذه السيرة التي فيها الرد تنسب لأبي بكر أحمد بن محمد بن صالح وهو شيخ ~~أبي بكر أحمد بن عبدالله ابن موسى صاحب المصنف ورد هذا التلميذ على شيخه ~~ردا بليغا مسلما لو سلم صحة أصل الإمامة , غير أن شيخه يقدح في أصل إمامتهم ~~وقال الراد قد علم الخاص والعام إلا من شاء الله من أئمتنا ms241 وأخذنا رأي ~~الجماعة من أهل نحلتنا , ولم يقف من وقف عن شك في الأصل بل خوفا من معارضة ~~أهل البغي والجهل , وكراهتهم لهذا الفعل ووقوف هؤلاء غير قادح في أمر ~~المسلمين ولا ناقص لأهل الدين , وقد قال علي بن أبي طالب ولا عمري إن كانت ~~الإمارة لا تجوز حتى يحضرها جميع الناس ما إلى ذلك من سبيل , ولكن أهلها ~~يحكمون فيها على من غاب , ثم ليس للحاضر أن يرجع ولا للغائب أن يختار ألا ~~وإني مقاتل رجلين رجل ادعى ما ليس له ورجل منع ما قبله. قال وهكذا وجدنا عن ~~غيره فانظر في ذلك وبالله التوفيق. # باب إمامة موسى بن أبي المعالي بن موسى بن نجاد PageV01P298 بويع له سنة ~~تسع وأربعون وخمسمائة وهو في ما أحسب من أئمة الطائفة الرستاقية وكان يومئذ ~~الملك بعمان محمد بن مالك، ولم أجد ذكر نسبه فخرج عليه أهل عمان وكان يومئذ ~~إمامهم موسى بن أبي المعالي بن موسى بن نجاد في عسكر لا يحصى ولا يعد وخرج ~~الملك في جملة اليحمد إلا الأقل منهم، وخرجت معه عامر ربيعة، وكان أيضا من ~~أهل عمان عامر ربيعة فخرجوا حتى توافوا بقرية الطو، وكانوا قد استضعفوا ~~أنفسهم عن الصولة، وأجمع رأيهم على الرجوع وطمعوا في السلامة وأعطوا ثقلهم ~~العقبة وتأخروا ليكونوا حامية لساقتهم، فلما صارت المطايا على العقبة وصلت ~~إليهم البدو في زحف من اليحمد فانهزمت أهل عمان ولم يعقب أحد عند ساداتها ~~فقتل الرئيس وأخوه أعني أبا عبدالله بن أبي المعالي، وقتل من الناس خلق ~~كثير وأخذ من الناس ما لا يحصى، وكذلك الموت بالعطش ولم ينج إلا ذو عمر ~~طويل، وأتت اليحمد والبدو على جميع التخافيف والدروع والسلاح، وكان ممن ~~أخذته البدو الرئيس أبا المعالي بن عبدالله وعبدالله بن خنبش بن أزهر وأحمد ~~ابن محمد وجماعة من أهل سمد، ومن سائر الناس عدد لا يحصى. # وكانت هذه الوقعة في يوم الأربعاء في يوم تسعة وعشرين من صفر سنة تسعة ~~وسبعين وخمسمائة، فمدة إمامته عشرون سنة ms242 وسيأتي كلام يقضي أنهم نصبوا في ~~عصره إماما، وفي أيامه مات القاضي أبو علي الحسن بن أحمد بن محمد بن عثمان ~~رحمه الله عشية الجمعة لست ليال خلون من ذي القعدة سنة ست وسبعين وخمسمائة ~~وكان الملك قد أرسل إليهم قبل خروجهم عليه بثلاث سنين نصيحة قال فيها بسم ~~الله الرحمن الرحيم # مهلا بني عمنا مهلا موالينا ... = ... لا تبعثوا بيننا ما كان مدفونا # لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم= ... وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا ~~PageV01P299 يتصدر لسيدنا الأجل الأمجد والمشايخ الأجلاء الفضلاء الأتقياء ~~حرس الله أيامهم وأسبغ إنعامهم وأجزل في الخير أقسامهم إني قد كتبت قبل ~~كتابي هذا كتابا أطلب فيه إيضاح الحق وإظهار برهان الصدق، ولم يرجعوا لي ~~جوابنا يقطع ولا أتوا بإيضاح ينفع، والحاجة والإشفاق من شقاق يدعو إلى ~~المعاودة، وإن كان كلامي لا يسمع وتنصلي بالنصيحة لا ينفع؛ وقد قال رسول ~~الله صلى الله عليه وسلم الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل؛ والحق ~~كلما كشف تبلج والباطل كلما كشف تلجلج؛ والذي شرحته أولا أشرحه آخرا غيرة ~~على حضرتهم الشريفة إن الحق واضح لا يفنى والباطل لا يخفى، فإنهما طائفتان ~~لا تشبه أحدهما الأخرى لأن الحق نور والباطل ظلمة فشتان بين النور والظلمة. # وقال شعرا: # لقد أسمعت من يدعو لحق ... = ... ولكن ما بحق من أنادي # أريد حياته ويريد قتلي ... = ... عذيرك من خليلك من مراد PageV01P300 ~~ولكن قد قيل في المثل إذا أقبلت الفتن نزع من كل ذي لبلبه، وعندي إنهم ~~يعرفون ما أقول حقا؛ ولكن قد قال الله تعالى ( وإن فريقا منكم ليكتمون الحق ~~وهم يعلمون ) وقال الله تعالى ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم )؛ ~~وقد جعلت بيني وبينكم حكما؛ وقد أشهدت الله وملائكته عليكم واسألكم به ~~وبكتبه وملائكته ورسله أن تقبلوا الحق وتؤمنوا ضعفاء المسلمين من كل ناحية ~~وتعطونهم المواثيق بالإيمان على أنفسكم وقبول الحق , ويجتمعوا ونجتمع والحق ~~مقبول ونكون جميعا عند الحق وإن كان يدعوكم إلى هذا المدخل؛ وحمل هذه ~~الأمور الخوف فليس هذا من سيرة المتقين ms243 فمن تمسك بحبل الله لا يخاف لومة ~~لائم وإن تطرحوا أيديكم في يدي وتقبلوا ما أقوله فأنا لكم الكفيل لما ~~تحاذرونه من أمر العجم وأنا لكم مقاسم ومساهم فيما يأتيكم إن لزمتم الكفاف ~~وتمسكتم بالتقوى والعفاف وأعطيكم بمآثر تطيب قلوبكم وربما إذا اجتمعنا كان ~~للمسلمين راحة وللضعفاء؛ قال الله تعالى ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير ~~لكم؛ وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) وأنا قد ~~استيقنت فيما مضى كثيرا من أيام ذلك والده إلى يومي هذا ولو كنت محبا ~~لقطيعة ومعتمدا لفرقة لكان من أسرته بالأمس بقرية كدم ما سلم؛ لكن سلمهم ~~الله تعالى ثم من اقتضى فيه رجاء أن يعرف ما أنا عليه وأن يجمع الله بنا ~~شمل المسلمين؛ وأن ينفع بنا الضعفاء والمساكين إلا أني ليشهد أن يكون قد ~~استحل المرعى الوخيم والمسلك الذميم؛ وقد صرت كما قال الشاعر: # قالت هريرة لما جئت زائرها ... = ... ... ويلي عليك وويلي منك يا رجل ~~PageV01P301 وأنا مع ما قد حدثت أعلل نفسي فيكم بليت ولعل وعسى وأقول ~~مكابرا لعقلي عسى أن تنتبهوا من غفلتكم وترجعوا عن مدخلكم وينسد الحال ~~وتنصلح الأحوال لأن هذا المدخل مدخل طمع ملك وطلب عرض وثار؛ وقد قال الله ~~تعالى ( ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ) وقال تعالى ( ويمكرون ويمكر الله ~~والله خير الماكرين ) وقال تعالى ( يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون ~~إلا أنفسهم وما يشعرون ) ولا يثبت الله أمرا ظاهره عدل وباطنه جور وظلم ~~والله لا يخفي عليه شيء وإن لبستم على ضعفاء المسلمين وطغام الظاهرة؛ ولا ~~يخفى على الله؛ وقد قال الله ( يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو ~~معهم؛ إذ يبيتون ما لا يرضى من القول ) فمسألتي من حضراتكم قبول النصيحة ~~وترك الجب ولا تكونوا كالذين قال الله فيهم ( وإذا قيل له اتق الله أخذته ~~العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ) وأنا مع كل هذا أحذر من انفتاق ~~الحال بيني وبينكم ووقوع الفرقة والقطيعة وانفتاح الشر وأنا فيكم كما ms244 قال الأول: # وإذا مرضنا أتيناكم نعودكم ... = ... وتعتبون فنأتيكم فنعتذر # أفي الكتاب وجدتم ذا فنعذركم = ... بيني وبينكم الإنجيل والزبر # وأنا المبتدأ بالقطيعة والمتظاهر على بالجواب والشنيعة , وأنا مع ذلك ~~أداريكم وأعالجكم وأبذل لكم مني النصيحة محبة فيكم واشفاقا عليكم وأبقي على ~~سدة الحال بيني وبينكم فإن تقبلوا ما قد بذلت لكم من النصيحة والمودة ~~وتقبلوا الحق وتسلموا له فأنا لكم أخ وناصح وصديق مساهم ومقاسم , وإن ~~غلبتكم الأهواء واستحال بكم حب الدنيا واستحو1 عليكم الشيطان؛ وقد قال الله ~~تعالى ( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ) وقال تعالى ( زين للذين كفروا ~~مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد ومن يهد الله فهو ~~المهتدي ) وقال ( ومن يهد الله فما له من فضل ) , وقد قيل من لم يكن له من ~~نفسه واعظ لم تنفعه المواعظ , وإذا لم ينفع ما شرحناه رجعنا إلى قول الأول: PageV01P302 # فلما رأيت الود ليس بنافع ... ... عمدت إلى الأمر الذي كان أحزما # ( غيره ) وفي الشر نجاة حين = لا ينجيك إحسان # وبعض الحلم عند الجهل = للذلة إذعان # حينئذ طابت نفسي عن صحبتكم وحققت شدة طلبكم ومفارقتكم مقاتلا على نفسي ~~بما أقدر عليه لا صدا لسبيل الله ولا عاد على مغلوب قوم إذا غلب ولا حجة ~~على الطالب إذا طلب , وقد قال الله تعالى ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ~~)؛ قد قيل في المثل دون الحريم يقتل الكريم فسكت مستعدا للجهاد على نفسي ~~دافعا للظلم وردا للغشم وخوفا من طلب الثأر والحرب مشتقة معنى من الحرب , ~~وليس كتابي هذا خوفا ولا فرقا من القتال إذا رقع التنازل , وإن كان الخادم ~~أقل فلا آمن من ذلك إلا أن حذري من القطيعة والفرقة , أشد مما تظنون ومتى ~~عاد جوابكم بالأمس بذلت جهدي وشمرت لغاية طاقتي وقابلت بعون الله وأرجو أن ~~تذكروا نصيحتي وترجعوا إلى قولي بعد فوت أشياء كثيرة ما كنت أود أن تكون ~~لكن الأمر لله الواحد القهار اطؤا على أرجلكم إن شئتم الباطل والله شاهد ~~عليكم , إذ قد اجتهدت ms245 وبالغت في طلب السلامة بالألفة بيننا وترك الشقاق , ~~ولم العصى فأبيتم إلا ما قد سولت لكم أنفسكم , قال شعرا: # فما بال من أسعى لأجبر كسره= ... ... حفاظا وينوي من عداوته كسري # وإني وإياكم كمن نبه القطا= ... ... ولو لم ينبهه لبات ولم يسر # أتاه وحلما وانتظارا بكم غدا= ... ... فما أنا بالواني ولا الضرع الغمري ~~PageV01P303 كفكف غربك واستوقف سربك وأودع العصا بلحاها والدلو برشاها فإن ~~من روتها ورأيها أن امتحنا أروينا , وإن قدحنا أورينا , وإن نكينا أدمينا ~~بحول لله وقوته لا بحول مني ولا قوة , وأنا متوكل على الله ( ومن يتوكل على ~~الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره ) وأنا كاره للفتنة ومبغض للفرقة ومجاهد ~~على الصحبة , أرجو من الله إذا لم تقبلوا نصيحتي وتركنوا إلى قولي أن يرجع ~~بغيكم عليكم لقوله تعالى ( يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع ~~الحياة الدنيا ثم غلينا مرجعكم ) وإذا عدم القتال وفرغ من اليحمد فقد فرغ , ~~إلا أن الشيء من معادنه , وإن لم يوجد في معادنه فهو في غير معادنه أعدم , ~~وقال شعرا: # نصحنا لهم نصحا فجاؤا ببغيهم ... = ... وكنا لهم سلما فصاروا لنا حربا # فقلنا عسى أن ينتهوا عن فعالهم ... = ... فيستوجبوا منا بان نغفر الذنبا # فلما أبوا إلا اعتمادا لشرهم ... = ... وبغيا جزيناهم إلى شرهم حربا # وقلنا لهم ذوقوا وبال أموركم ... = ... ومن يسق مر الماء لم يطعم العذبا # فواعجبا أكل هذا عمى أم تعام , لكنه تعام وطمع في غير مطمع وقال شعرا: # ليوث عرين كافحت عن عرينها ... = ... ويلقون جهلا أسدها بالثعالب # كأني أراكم قد بعثتم عظيمة ... = ... سمام الأفاعي دونها للعقارب # فحلوا كتافيها وشدوا وثاقها ... = ... فإن لها كفا مر وحالب # فإنا لا نحسر على مفارقتكم ونلهف على مقاطعتكم حفظا لأضر أو تحفظا للود ~~السالف , ورجاءا للمستأنف وكأني أقرع حجرا صما أو أكلم أخرصا أو أصما فإنا ~~لله وإليه راجعون , إذ تقاطعون من لا يشتهي مقاطعتكم وتفارقون من لا يشتهي ~~مفارقتكم , ولكن قد قال الله تعالى ( ثم قست قلوبكم بعد ذلك فهي كالحجارة ~~أو أشد قسوة ) وقال الشاعر ms246: # ولست بباغي الشر والشر تاركي= ... ... ولكن متى أحمل على الشر أركب # ( وقال آخر ) # معاوي هل أبصرت في الدهر تلعة ... = ... بغاثا من الأطيار من يوعد الصقرا ~~PageV01P304 هذا وأن طعن على طاعن فيما أنا عليه فأنا مقر بالتقصير معترف ~~بالخطأ ودائن لله تعالى بأداء الواجبات والتخلص من التبعات؛ وإن وجدت قوما ~~لله كنت منهم ولله أمر هو بالغه وحكم هو نافذة؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله ~~العلي العظيم؛ خدمت حضراتكم الشريفة بالسلام الجزيل والدعاء الصالح الجميل؛ ~~واسأل من حضراتكم رد الجواب بما يقتضيه رأيهم الرشيد الصائب وصلى الله على ~~رسوله محمد النبي وآله وسلم. # تمت السيرة بعون الله وحمده؛ قال ناقلها وكانت هذه السيرة الفيصل كان ~~كتبها إليهم آخر كتبه؛ وقبل خروجهم عليه بعقبة بوه بثلاث سنين؛ قيل وإن ~~جملة أهل عمان كانوا يقولون كانت هذه السيرة لمن كتبت إليه ملحمة أي مقتله ~~والله أعلم. # باب إمامة خنبش بن محمد بن هشام وولده محمد بن خنبش # وأظنهما من أئمة الطائفة الرستاقية وهو ظن لا يحقق غير أن العاقد لمحمد ~~ابن خنبش صاحب المصنف؛ وهو من الطائفة الرستاقية؛ وكان إمامتهما كانت في ~~وقت إمامة من ذكرنا قبل؛ فكأن أهل عمان قد افترقوا طائفتين؛ وأعوذ بالله من ~~الفرقة؛ وكانت كل طائفة تنصب إماما حتى جمع الله شملهم بعد الفرقة ( فأما ~~خنبش ) بن محمد فلم أجد لسيرته ذكرا في شيء من الكتب إلا ما قالوه في تاريخ ~~موته أنه توفي يوم السبت لعشر من جمادي الأولى في سنة عشر وخمسمائة قالوا ~~وجرى على الناس بموته مصيبة عظيمة قالوا وكان رجل من أهل الصلاح ينشد عند ~~قبره شعرا: # وليس من الرزية فقد تيس=شاة تموت ولا بعير # وكلن الرزية موت نفس= ... يموت لموتها خلق كثير # ( PageV01P305 وأما محمد بن خنبش ) فقد اختلفت النقول في وقت إمامته؛ ففي ~~كشف الغمة وغيره من السير أنه عقد عليه يوم مات أبوه؛ وأن العاقد له نجاد ~~بن موسى وكان نجاد قاضيه , وخطب أبو بكر أحمد بن محمد المعلم , وكان ذلك ms247 ~~وقت إمامة راشد بن علي , وقد تقدم أن نجاد بن موسى كان قاضيا لابن أبي ~~غسان؛ فإن كان محمد بن خنبش هو محمد بن أبي غسان فظاهر؛ وإن كان غيره ففي ~~هذا النقل نظر قالوا: ومات محمد بن خنبش سنة سبع وخمسين وخمسمائة , وفي ~~تاريخ آخر يقتضي عكس هذا؛ وذاك أنهم أرخوا موت أبي بكر أحمد بن عبدالله بن ~~موسى بن سليمان الكندي مؤلف المصنف أنه مات عشية الاثنين لخمس عشرة ليلة ~~خلت من شهر ربيع الآخر سنة سبع وخمسين وخمسمائة , قالوا ذلك بعد أن عقد ~~للإمام محمد ابن خنبش بسوني هو ومن حضر عنده من جماعة المسلمين , وأقام ~~عنده بسوني ستة أشهر وعرض له المرض الذي مات فيه؛ فانحدر إلى أهله بنزوى ~~فلبث عندهم عشرة أيام , ثم توفي وقبر بالمض من سمد نزوى , فهذا يقتضي أن ~~إمامة محمد بن خنبش كانت في شهر رمضان من سنة ست وخمسين وخمسمائة؛ والتاريخ ~~الأول يقتضي أن بيعته كانت في سنة عشر وخمسمائة؛ وموته في سنة سبع وخمسين ~~وخمسمائة , وعلى هذا فتكون إمامته سبعا وأربعين سنة؛ والله أعلم أي ~~التاريخين أصح , وتقدم ذكر إمامة محمد بن أبي غسان وإمامة موسى بن أبي ~~المعالي , وأن التاريخ فيهما وفي إمامة خنبش وولده متقارب أو متداخل والله ~~أعلم بسبب ذلك , وقبر الإمام خنبش بن محمد وولده محمد بن خنبش في نزوى في ~~الموضع الذي يكون لعشي الطريق الجائز الذي ينفذ من عند فلج الغنتق عند مسجد ~~العباد عند الجبل الأسود الصغير , يقال لذلك الجبل ذر جيود , إذ كان له ~~حروف بائنة من الصخور من أعراضه لا من أعاليه , وهنالك أيضا قبر القاضي أبي ~~بكر أحمد بن عمر وولده أبي جابر , وهنالك أيضا قبر القاضي أبي عبدالله محمد ~~بن عيسى , وهؤلاء المذكورون فيما أظن من الطائفة الرستاقية إلا محمد ~~PageV01P306 بن عيسى فالله أعلم به. # قال: وكان رجل معروف بالفسق وشراب المسكر؛ أوصى أن يقبر عندهم فقبر هنالك ~~فاشتد ذلك على المسلمين , فقيل لبعض الصالحين: أينفعه ذلك وقد ms248 كان كذا ~~وكذا؟ قيل له ينبغي أن يتقرب من الصالحين في الحياة وبعد الممات لنزول ~~الرحمة فقبر الرجل هناك. قيل وأصيب أهل عمان بموت محمد بن خنبش ما لم ~~يصابوا بأحد قبله؛ ولعل ذلك كان لعدله وحسن سيرته مع طول مدته. والله أعلم ~~وفي سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة يوم الاثنين لأحدى عشرة ليلة خلت من رمضان ~~مات أبو القاسم سعيد بن محمد بن عبدالله الشجي. # وفي سنة ست وسبعين وخمسمائة يوم الأربعاء لتسع خلون من جمادى الأولى مات ~~الفضل بن أحمد. # وفي هذه السنة وهذا الشهر لليلتين بقيتا منه مات أبو عبدالله محمد بن أبي ~~غسان الساكن بغلافقة نزوى , وكان ذلك يوم الجمعة عند صلاة الظهر. # وفي هذه السنة أيضا لاثني عشر يوما خلت من جمادى الأخرى مات محمد ابن ~~إسماعيل بن أبي الحسن اللجوني. # وفي سنة خمس وثمانين وخمسمائة يوم الاثنين لست ليال بقين من المحرم مات ~~أبو عبدالله محمد بن عمر بن أحمد بن عبدالله بن عصر بن النصر الأفلوجي. # وفي سنة إحدى وتسعين يوم الخميس لثماني بقين من ذي الحجة مات أبو حفص عمر ~~بن زائدة بمكة. # وفي سنة تسع وثمانين وخمسمائة في ربيع الأول مات القاضي أبو محمد عبدالله ~~ابن محمد بن إبراهيم بن عمر السمائلي. # وفي سنة خمس عشرة في شوال بعد الستمائة توفي القاضي أبو الميكال موسى ابن ~~كهلان بن موسى بن نجاد بن موسى بن نجاد بن إبراهيم. PageV01P307 # وفي جمادى الأخرى لثلاث عشرة ليلة بقيت منه سنة إحدى وثلاثين وستمائة مات ~~القاضي أبو عبدالله عثمان بن أبي عبدالله بن أحمد المعروف بالأصم صاحب ~~التاج والبصيرة وكتاب النور , ولم يكن بأصم وإنما لقب بذلك أنه تصامم عن ~~امرأته أحدثت في حضرته فخجلت؛ وقد جاءته تشكوا واستعاد شكواها يواهمها أنه ~~لم يسمع مقالها لصمم فيه , فسرى عن المرأة ما تجد من الحياء ظنا منها أنه ~~أصم فلقب من يومئذ بالأصم. # باب انتقال الدولة إلى بني بنهان # وهم قوم من العتيك صار الملك إليهم بعد الأئمة ms249 السابقين؛ وذلك لما أراد ~~الله تعالى من إنفاذ أمره في أهل عمان , فإنهم لما افترقوا فرقتين وصاروا ~~طائفتين نزع الله دولتهم من أيديهم وسلط عليهم قوما من أنفسهم يسومونهم سوء ~~العذاب قال في كشف الغمة: ولعل ملكهم كان يزيد على خمسمائة سنة , قال إلا ~~أنه كان فيما بعد هذه السنين ويعقدون للأئمة والنباهنة ملوك في شيء من ~~البلدان والأئمة في بلدان أخر والله أعلم. # وإذا استقريت التواريخ أخبرك الحال أن بني نبهان ملكوا مرتين , فملوكهم ~~الأوائل هم الذين كان يمدحهم أبو بكر أحمد بن سعيد الستالي في ديوانه , ومن ~~كلامه فيهم قوله: # حلى الملوك وتيجانها ... = ... وبيت المعالي وإيوانها # وبأس الكمأة وأقدامها ... = ... وحلم الكفاة وإحسانها # توارثها الأزد حتى انتهت ... = ... إلى أن حوي الأرث نبهانها # أمير العتيك تسامى به ... = ... كهول العتيك وشبانها # انبهان إنك من عصبة ... = ... نماها إلى المجد قحطانها # هم العين في يعرب كلها ... = ... وأنت من العين إنسانها # إذا طلبت مكرمات العلى ... = ... يدي في جبينك عنوانها # وأنت إذا صعبت حاجة ... = ... أتي من يمينك إمكانها PageV01P308 وحيث ~~كانت دولة هؤلاء مبنية على الاستبداد بالأمر وقهر الناس بالجبرية لم نجد ~~لدولتهم تاريخا ولا لملوكهم ذكرا , إلا من ذكره الستالي منهم في ديوانه؛ ~~وهم أبي عبدالله محمد بن عمر بن نبهان , وأخوه أبو الحسن أحمد؛ وأخوه أبو ~~محمد نبهان وأبو عمر معمر وأبو القاسم علي بن عمر بن محمد بن عمر بن نبهان ~~وأبو الحسن ذهل بن عمر وأبو العرب يعرب وأبو إسحاق إبراهيم بن أبي المعمر ~~عمر بن محمد بن عمر بن نبهان. # وذكر من أولادهم أبا عبدالله محمد بن عمر وأبا المعالي كهلان بن محمد ~~وأبا عبدالله محمد بن أحمد بن عمر وأبا محمد نبهان بن ذهل؛ وأهل عمان لا ~~يعتنون بالتاريخ فلذلك غابت عنا أكثر أخبار الأئمة , فكيف بأخبار غيرهم , ~~وإنما نذكر بعض أخبار ملوكهم المتأخرين وسيأتي ذكرهم في أخبار القرن ~~العاشر. # وفي دولة أبي المعالي كهلان بن نبهان وأخيه عمر بن نبهان في سنة ستين ~~وستمائة خرج أمير من أمراء هرموز ms250 يسمى محمود بن أحمد الكوستي؛ فوصل إلى ~~قرية قلهات وطلب وصول أبي المعالي إليه؛ فلما حضره طلب منه المنافع من أهل ~~عمان وخراج أهلها فاعتذر أبو المعالي إليه وقال: إني لا أملك من عمان إلا ~~بلدة واحدة فقال محمود خذ من عسكري ما شئت واقصد به من خالفك من أهل عمان , ~~فقال أبو المعالي إن أهل عمان ضعفاء لا يقدرون على تسليم الخراج , كل ذلك ~~حمية منه على أهل عمان , فحقد محمود وأضمر له المكيدة واستدعى بأمراء البدو ~~من أهل عمان فكساهم وأعطاهم؛ فوعدوه النصر على أهل عمان والخروج معه. # ثم إنه ارتحل إلى ظفار وركب البحر , فلما وصلها قتل من أهلها خلقا كثيرا ~~, وسلب مالا جزيلا ورجع قاصدا عمان واخذ طريق البحر وحمل ثقله في المراكب ~~في البحر , فلما وصل في طريق البر نقص عليهم الزاد فأصابهم جوع حتى بلغ ~~عندهم الرطل من اللحم بدينار , وأصابهم عطش كثير لقلة الماء في الطريق , ~~فقيل إنه مات من عسكره خمسة آلاف رجل , وقيل أكثر. PageV01P309 # وفي سنة أربع وسبعين وستمائة في دولة عمر بن نبهان خرج أهل شيراز على ~~عمان , ورئيسهم فخر الدين أحمد بن الداية وشهاب الدين , وهم خمسمائة فارس ~~وأربعة آلاف فارس, وجرى على الناس منهم أذى كثير لا غاية له , واخرجوا أهل ~~العقر من نزوى من بيوتهم , وأقاموا له على ذلك أربعة أشهر في عمان وحاصروا ~~بهلى ولم يقدروا عليها , ومات ابن الداية وكسر الله شوكتهم , وأصاب الناس ~~غلاء كثير. # وفي سنة خمس وسبعين وستمائة في دولة كهلان بن نبهان خرجت أولاد الريس على ~~عمان , وكان خروجهم فسخ شوال من السنة المذكورة , فخرج إليهم كهلان بن عمر ~~بن نبهان ليلقاهم بالصحراء , وخرج معه جملة أهل العقر كافة فسقت أولاد ~~الريس على العقر فدخلوها وأحرقوا سوقها وأخذوا جميع ما فيها وسبوا نساءها ~~وأحرقوا مخازن المسجد الجامع المتصلة به وأحرقوا الكتب؛ وكان ذلك كله في ~~نصف يوم؛ ثم رجع كهلان بعساكره أول يوم من ذي القعدة واجتمعوا بالسراة ~~فزحفت عليهم أولاد ms251 الريس ومن معهم من الحدان , وكانوا مقدار سبعة آلاف , ~~وقتل في هذه الوقعة ثلاثمائة رجل , وانكسر أولاد الريس ومن معهم من الحدان. # ذكر خردلة الجبار الذي كان على سمائل PageV01P310 وهو خردلة بن سماعه بن ~~محسن؛ ويقال إنه من النباهنة , وكان يأخذ أموال رعيته ظلما , فكان يأخذ من ~~السبع النخلات نخلة , ويسقي أمواله بماء العباد ويأكل أموال المسجد ~~والمدارس والمقابر؛ ويأخذ نصف مهر المرأة من العاجل إذا تزوجت , وإذا طلقت ~~خاصم في الآجل؛ وكان يأخذ نصف الحب والتمر والقطن؛ ويكلف الناس حمل متاع ~~بيت المال إلى الحصن بعنف , ويكلف أهل قيقا وبدبد ويحملون ترمهم وما يقتضيه ~~منهم على دوابهم وظهورهم إليه ولا يبالي , ويأخذ نصف حق المدعي , وكان لا ~~يحلف المنكر بل ينوع له العذاب حتى يقر عنده؛ وكان قاضيه الضرير سلمة بن ~~مانع الذي هو من بني ضبة , وإذا أراد أن يجلس للقضاء أرسل إليه , وتارة ~~يجهره شهرا , ويقول سلمة أنساه الشيطان ذكري فابتلت به عباد الله لتغييرهم ~~في الله , وعمان بها العلماء والأفاضل , ولكن كل في بلده. # وشكت امرأة إلى خردلة اسمها عادية بنت محرز من بني تميم , وكانت أحسن أهل ~~زمانها؛ فادعت على زوجها أنه جامعها وهي حائض؛ فأرسل خردلة إلى زوجها , ~~اسمه عباد بن عبيد من بني جهضم , فسأله عن قولها فأنكر ذلك , فأمر به أن ~~يصلب على مدفع من حديد؛ وكان في وقت قيظ شديد الحر؛ نصاج بالويل والثبور , ~~فأرسل إليه جنديا يقول له: هلا صدقت المرأة , فأقر بذلك خوف هلاك نفسه , ~~فأطلقه وأخذ منه صداقها وبعث به غليها فتزوجها؛ وقال لعباد قد حرمت عليك ~~وحلت لي , ولم تزل معه إلى أن قتل خردلة. PageV01P311 # وخردلة هذا هو الذي قتل الشيخ ابن النظر؛ وسبب ذلك أن ابنة أخت الشيخ ~~يقال لها عائشة بنت محمد بن راشد من بني النظر تزوجت برجل من بني النظر ~~أيضا على خمسين محمدية فضة فأرسل خردلة جنديا لأخذ نصفها من الشيخ أحمد ~~فمنعه الشيخ من ذلك فأرسل جندا كثيرا يعدونه إلى حضرته ms252 فلما مثل بين يديه ~~طالبه بالدراهم وتهدده وأغلظ عليه ومن بعض قوله كنا أردنا منك الخمسين فقط ~~والآن لا يكفينا إلا دمك قال الشيخ الأمر خلقك لا لك فقال أتهزأ بي فأشار ~~إلى بعض الجند أن القوه من هذه الكوة فكتفوه وألقوه وكانت كوة قصره شديدة ~~العلو فوقع إلى الأرض ميتا رحمه الله ثم أمر أن تدخل داره ويؤخذ ما فيها ~~فأخذت كتبه ومصنفاته فأحرقت وكانت له جملة مصنفات منها كتاب سلك الجمان في ~~سيرة أهل عمان مجلدان لم يجدوا منها شيئا إلا تسعة كراريس محروقة ومنها ~~الوصيد في التقليد مجلدان ومنها قرى البصر في جمع المختلف من الأثر أربع ~~مجلدات وجدت قطعة منه بقيقا وهي من بعض تساويده ( واسم ) ابن النظر أحمد بن ~~سليمان بن عبدالله ابن أحمد ابن العالم الكبير الخضر بن سليمان الذي هو من ~~بني النظر فبنو النظر قبيلة واليها نسب لشهرتها وكان يسكن سمائل وبيته ~~بالجابية الفوقية شرقي الجامع وكان جده الشيخ عبدالله بن أحمد قاضي القضاة ~~بدما وهو مؤلف كتاب الإبانة في الصكوك والكتابة أربع مجلدات وكتاب الرقاع ~~في أحكام الرضاع مجلدين أجل ما صنف من الأثر عند أهل العلم والنظر وكان ~~أحمد بن سليمان من أجود الناس حفظا وكان يتعلم عند الشيخ مبارك بن سليمان ~~بن ذهل ومنه تعلم الشعر وله في الحفظ ما فاق به أهل زمانه وكان عالما ~~بأشعار العرب وسيرهم وتواريخهم ومحاوراتهم وناهيك بعلم اللغة فإنه أخذها ~~بحذافيرها وغاية ما حفظ من أشعار العرب أربعين ألف بيت ما كان من الثلاثة ~~إلى الواحد وأما القصائد الكبار فلا تحصى وكان ينظم القصيدة في ليلة وله ~~ديوان أكثره تغزل فلما تبقر في العلم مزقه ثم صرف قريضه PageV01P312 في نظم ~~الشريعة وتفرقت قصائده في البلدان وذهب أكثرها فمن الذاهب قصيدة في الولاية ~~والبراءة غير اللامية المشهورة وقصائد في الصلاة والأحكام تزيد على أربع ~~قصائد وقصيدة في الضاد والظاء نحو مائتي بيت وقيل أنه تبقر في العلم وشاعت ~~تصانيفه في الآفاق وهو ابن أربع ms253 عشرة سنة والدعائم من آخر ما نظم وقال ابن ~~زكريا في حقه أنه أشعر العلماء وأعلم الشعراء. # ونقل عن ابن النظر أنه قال أنا أحفظ وقد نومتني أمي في المهد , وقد علقت ~~حول رأسي شمراخ بسر أبيض , فانطلقت عنز فلاكته فصحت , فطردتها جارية عني؛ ~~ثم رجعت فلاكت الخرقة التي علي , فصادفت إبهام رجلي فصحت فطردتها الجارية ~~أيضا وأخذتني أمي والدم يسيل من رجلي , فنظرت فإذا أنا ابن عشرين يوما , ~~ويشبه من هذا المعنى ما ذكر أنه سئل أبو عبدالله بن محبوب: متى أثبت عقلك , ~~أي حفظك؛ قال أعقل وقد انطلق الثور وأنا في المهد , فجرت الصينة على المهد ~~فكفته أي فكبته على وجهه ووقع الصبي في الأرض ووثب إليه أهله وهو يصيح تحت ~~المهد؛ فحفظ ذلك اليوم. # وقيل لأبي علي موسى بن علي متى أثبت عقلك؟ قال: قد كانت والدتي تطحن وقد ~~جعلتني على الرحا , قال فبلت حتى اختلط البول بالرحا والدقيق , فضربتني ~~فنظر ذلك فإذا هو ابن سنة وأربعة أشهر. # وقيل لمحمد بن الأزهر رحمه الله؛ متى أثبت عقلك؟ قال: ذكروا وأنا أسمع ~~يقولون في البيت اذبحوا البقرة؛ فنظر ذلك فإذا هو يوم مولده. # وذكر أن ابن عبدالباقي محمد بن علي بن عبدالباقي رحمه الله لما ترعرع ~~وانتشا تلكم عنده أهله أنك خرجت من بطن أمك بمشيمتك؛ فشققنا عنك بحرف من ~~ذهب ولم نعرف أين وضعناه إلى وقنا هذا , فقال رأيت كأنكم حين شققتم عني ~~كأنكم وضعتم شيئا في موضع كذا؛ وهو سرب في الجدار فالتمسوه , فإذا هو هنالك ~~, والله أعلم. # قلت؛ وقد وقع لي نظير ما وقع لهم , فتحريت ذلك اليوم , فإذا أنا فيما ~~عندي أقل من ابن أربعة أشهر والله أعلم. # ذكر قدوم ابن بطوطة على عمان PageV01P313 وهو رجل سني من أهل المغرب من ~~طنجة يقال له أبو عبدالله محمد بن عبدالله ابن محمد بن إبراهيم اللواتي؛ ثم ~~الطنجي المعروف بابن بطوطة كان طوافا في الأمطار والأقطار , وجمع من رحلته ~~كتابا يقال له تحفة النظار في غرائب ms254 الأمصار وعجائب الأسفار , وكان قدومه ~~على عمان في أيام بني نبهان فذكر عنهم غير الجميل وليته دخلها أيام الأئمة ~~العادلين؛ حتى يرى غير ما رأى , وينظر السيرة النيرة؛ والحق الواضح , ~~ومكارم الأخلاق ومعالي الصفات؛ ومقامات الكمال وعواطف الإحسان والأفضال. # ما كل ما يتمنى المرء يدركه ... = ... تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ~~PageV01P314 قال ابن بطوطة: كان خروجي من طنجة مسقط رأسي في يوم الخميس ~~الثاني من شهر الله رجب عام خمسة وعشرين وسبعمائة متعمدا حج بيت الله ~~الحرام وزيارة قبر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام. قال: وسني يومئذ اثنان ~~وعشرون سنة؛ ثم ذكر أنه جاء إلى عمان من طريق البحر , وأنه ركب إليها من ~~ظفار في مركب لرجل من أهل مصيرة. قال فوصلنا جزيرة مصيرة التي منها صاحب ~~المركب الذي كنا فيه , وهي على لفظ مصير وزيادة تاء التأنيث , جزيرة كبيرة ~~لا عيش لأهلها إلا من السمك. قال ولم ننزل إليها لبعد مرساها عن الساحل قال ~~وكنت قد كرهتهم لما رأيتهم يأكلون الطير من غير ذكاة , وأقمنا بها يوما , ~~وتوجه صاحب المركب فيه إلى داره , وعاد إلينا ثم سرنا يوما وليلة فوصلنا ~~إلى مرسى قرية كبيرة على ساحل البحر تعرف بصور , ورأينا منها مدينة قلهات ~~في سفح الجبل؛ فخيل لنا أنها قريبة , وكان وصولنا إلى المرسى وقت الزوال أو ~~قبله , فلما ظهرت لنا المدينة أحببت المشي إليها والمبيت بها؛ وكنت قد كرهت ~~صحبة أهل المركب؛ فسألت عن طريقها فأخبرت أني أصل إليها عند العصر , ~~فاكتريت أحد البحريين ليدلني على طريقها , وصحبني خضر الهندي تقدم ذكره؛ ~~وتركت أصحابي مع ما كان لي بالمركب ليلحقوا بي في غد ذلك اليوم , وأخذت ~~أثوابا كانت لي فدفعتها لذلك الدليل ليكفيني مؤنة حملها , وحملت في يدي ~~رمحا , فإذا ذلك الدليل يحب أن يستولي على أثوابي , فأتى بنا إلى خليج يخرج ~~من البحر منه المد والجزر قلت وهذا الخليج نسميه نحن خورا ولعله أراد خور ~~رصاغ , قال فأراد عبوره بالثياب. PageV01P315 # فقلت له إنما تعبر وحدك وتترك الثياب ms255 عندي , فإن قدرنا على الجواز جزنا ~~وإلا صعدنا لطلب المجاز؛ فرجع؛ ثم رأينا رجالا جازوه عوما فتحققنا أنه كان ~~قصده أن يغرقنا ويذهب بالثياب؛ فحينئذ أظهرت النشاط وأخذت بالحزم وشددت ~~وسطي وكنت أهز الرمح , فهابني ذلك الدليل وصعدنا حتى وجدنا مجازا ثم أخرجنا ~~إلى صحراء لا ماء بها وعطشنا واشتد بنا الأمر فبعث الله لنا فارسا في جماعة ~~من أصحابه وبيد أحدهم ركوة ماء فسقاني وسقى صاحبي وذهبنا نحسب المدينة ~~قريبة منا وبيننا وبينها خنادق نمشي فيها الأميال الكثيرة فلما كان العشي ~~أراد الدليل أن يميل بنا إلى ناحية البحر وهو لا طريق له لأن ساحله حجارة ~~فأراد أن يبيت فيها ويذهب بالثياب فقلت له إنما نمشي على هذه الطريق التي ~~نحن عليها وبيننا وبين البحر نحو ميل فلما أظلم الليل قال لنا أن المدينة ~~قريبة منا فتعالوا نمشي حتى نبيت بخارجها إلى الصباح , فخفت أن يعترض فننام ~~فإذا أصبحنا أتينا المدينة إن شاء الله وكنت قد رأيت جملة من الرجال في سفح ~~جبل هنالك فخفت أن يكونوا لصوصا وقلت التستر أولى وغلب العطش على صاحبي فلم ~~يوافق على ذلك فخرجت عن الطريق وقصدت شجرة من شجر أم غيلان وقد أعييت ~~وأدركني الجهد لكني أظهرت قوة وتجلدا خوف الدليل قال وأما صاحبي فمرض لا ~~قوة له قال فجعلت الدليل بيني وبين صاحبي وجعلت الثياب بين ثوبي وجسدي ~~وأمسكت الرمح بيدي ورقد الدليل وبقيت ساهرا فكلما تحرك الدليل كلمته ورأيته ~~إني مستيقظ ولم نزل كذلك حتى أصبح فخرجنا إلى الطريق فوجدنا الناس ذاهبين ~~بالمرافق إلى المدينة فبعثت الدليل ليأتينا بماء وأخذ صاحبي الثياب وكان ~~بيننا وبين المدينة مها وخنادق فأتانا بالماء فشربنا وذلك أوان الحر , ثم ~~وصلنا إلى مدينة قلهات وضبط اسمها بفتح القاف وإسكان اللام وآخره تاء مثناة ~~فأتيناها ونحن في جهد عظيم وكنت قد ضاقت نعلي على رجلي حتى كاد الدم أن ~~يخرج من تحت أظفارها فلما وصلنا باب PageV01P316 المدينة كان ختام المشقة ~~أن قال لنا الموكل بالباب لا ms256 بد لك أن تذهب معي إلى أمير المدينة ليعرف ~~قضيتك ومن أين قدمت فذهبت معه إليه فرأيته فاضلا حسن الأخلاق وسألني عن ~~حالي وأنزلني وأقمت عنده ستة أيام لا قدره لي فيها على النهوض على قدمي لما ~~لحقها من الآلام قال ومدينة قلهات على الساحل وهي حسنة الأسواق ولها مسجد ~~من أحسن المساجد حيطانه بالقاشي وهو شبيه الزليج وهو مرتفع ينظر منه إلى ~~البحر والمرسى قال وهو من عمارة الصالحة بيبي مريم. قال ومعنى بيبي عندهم ~~الحرة , قلت بل هي كلمة ليست بعربية؛ وإنما جلبت إلى بعض ساحل عمان من أرض ~~الزنج , قال وأكلت بهذه المدينة سمكا لم آكل مثله في إقليم من الأقاليم , ~~وكنت أفضله على جميع اللحوم فلا آكل سواه, وهم يشوونه على ورق الشجر ~~ويجعلونه على الأرز ويأكلونه , قال والأرز يجلب إليهم من أرض الهند , وهم ~~أهل تجارة ومعيشتهم مما يأتي إليهم في البحر الهندي , وإذا وصل إليهم مركب ~~فرحوا به أشد الفرح. # قال: وكلامهم ليس بالفصيح مع أنهم عرب , وكل كلمة يتكلمون بها يصلونها ~~بلا , فيقولون مثلا تأكل لا , تمشي لا , تفعل كذا لا. # قلت: نسب إليهم غير الفصيح لأنه لم يعرف قواعد عربيتهم , وهم عرب صراح , ~~ولم يصلوا لا بكل كلمة من كلامهم , وإنما يجعلون ذلك في آخر بعض الكلمات في ~~بعض المواضع كهيئة التنبيه والحث على الفعل ويزيدونها هاء السكت فيقولون ~~لاه , وذلك إذا أردوا التنبيه على المطلوب , قال وأكثرهم خوارج لكنهم لا ~~يقدرون على إظهار مذهبهم لأنهم تحت طاعة السلطان قطب الدين تمهتن ملك ~~هرموز. قال وهو من أهل السنة. PageV01P317 # قلت: أراد بقوله وهم خوارج أي أباضية , ولم نعلم أنه أتى على الأباضية في ~~عمان وقت لا يقدرون على إظهار مذهبهم فيها؛ وإن تسلط على بعض النواحي ملك ~~من ملوك الأفاق وقليل ذلك , فمذهبهم في تلك الناحية شاهر ظاهر والملك ~~الأجنبي يداريهم , وإنما ملك قلهات غيرهم في هذا الوقت لاختلال الدولة بحوز ~~النباهنة , قال وبمقربة من قلهات قرية طيبي واسمها على نحو اسم ms257 الطيب إذا ~~أضافه المتكلم لنفسه. # قلت: بل الصواب إنها طوي بطاء مهملة مكسورة ثم واو مكسورة ثم ياء مثناة ~~كياء النفس , قال وهي من أجمل القرى وأبدعها حسنا؛ ذات أنهار جارية وأشجار ~~ناضرة وبساتين كثيرة , منها تجلب الفواكه إلى قلهات؛ وبها الموز المعروف ~~بالمرواري؛ بالفارسية هو الجوهري المراد الجوهر؛ وهو كثير بها ويجلب منها ~~إلى هرمز وسواها؛ وبها أيضا التنبول , ولكن ورقه صغيرة؛ والتمر يجلب إلى ~~هذه الجهات من عمان - يعني البلاد العالية المرتفعة عن الساحل - وإلا فالكل ~~عمان قال: ثم قصدنا بلاد عمان فسرنا ستة أيام في صحراء , قلت: إنما كان ~~مسيرهم في صحراء لكون طريقهم كان كذلك , وإلا فبلدان عمان متقاربة لا ينفصل ~~بعضها عن بعض إلا بمسافة يسيرة. قال ثم وصلنا بلاد عمان في اليوم السابع , ~~وهي خصبة ذات أنهار وأشجار وبساتين وحدائق نخل وفاكهة كثيرة مختلفة الأجناس ~~, ووصلنا إلى قاعدة هذه البلاد , وهي مدينة نزوى , وضبط اسمها بنون مفتوح ~~وزاء مسكن وواو مفتوح , مدينة في سفح جبل تحف بها البساتين والأنهار , ولها ~~أسواق حسنة ومساجد معظمة نقية , قال وعادة أهلها أنهم يأكلون في صحون ~~المسجد؛ يعني بالصحون الصروح؛ قال ويأتي كل إنسان بما عنده ويجتمعون للأكل ~~في صحن المسجد , أي ضرحه , ويأكل معهم الوارد والصادر , ولهم نجدة وشجاعه ~~والحرب قائمة فيما بينهم أبدا. PageV01P318 # قلت: وذلك لجور الملوك في وقت وفوده إليها , قال وهم أباضية المذهب ~~ويصلون الجمعة ظهرا أربعا , فإذا فرغوا منها قرأ الإمام آيات من القرآن , ~~ونثر كلاما شبه الخطبة يرضي فيه عن أبي بكر وعمر ويسكت عن عثمان وعلي. قلت: ~~وإنما كانوا يصلون الجمعة ظهرا لأنه لا إمام لهم يومئذ؛ ومن شروط صحة ~~الجمعة عندهم وجود المصر والإمام , فإن اختل أحد الشرطين فقد اختلفوا في ~~صحة الجمعة وهي بدل من الظهر , فالظهر واجبة بيقين , والبدل مختلف فيه إلا ~~مع كمال الشروط؛ فلهذا اختاروا المجمع عليه على المختلف فيه؛ لأنه خروج من ~~العهدة بيقين والجمعة قائمة عندهم بصحار , وهي قصبة عمان؛ ولا تتكرر الجمعة ~~عندهم ms258 في المصر الواحد؛ ولعل ما ذكره من فعل الإمام بعد الصلاة تذكير ~~وتخويف وموعظة , وهو شأن المرشدين في المجامع والمحافل , وليس هو بخطبة ~~الجمعة , وسكوتهم عن عثمان وعلي دليل على نزاهتهم ونظافة مذهبهم , فإنهم لا ~~يعدون الشتم دينا كما هو شأن الشيعة , قال وهم إذا أرادوا ذكر علي كنوا عنه ~~بالرجل فقالوا ذكر عن الرجل أو قال الرجل. # قلت: هذا الاصطلاح الذي ذكره عنهم ما سمعناه عن أحد من عامتهم ولا ~~خاصتهم؛ بل يذكرون عليا باسمه الصريح كذكرهم غيره من الصحابة؛ ولا يجهرون ~~الاسم لأجل ما صدر من المسمى , وليس صنيعهم في ذلك كصنيع الشيعة ولكن للعرب ~~تفتن في مخاطباتهم, فلعله سمع من يقول ذلك على جهة الإبهام أو التعظيم , ~~فإنهم يقولون ذلك في مقام الإبهام والتعظيم , قال ويرضون عن الشقي اللعين ~~ابن ملجم , ويقولون فيه العبد الصالح قامع الفتنة. PageV01P319 # قلت: أما رضاهم عن ابن ملجم فالله أعلم به , وهو قاتل علي ومن صح معه ~~خبره؛ واستحق معه الولاية , فهو حقيق بالرضا , ومن يبلغه خبره ولا شهر عنه ~~بما يستحق به الولاية , فمذهبهم الوقوف عن المجهول , وعلى قتل أهل النهروان ~~فقيل إن ابن ملجم قتله ببعض من قتل , ويوجد في آثارنا عن مشايخنا أنه لم ~~يقتله إلا بعد أن أقام عليه الحجة وأظهر له خطأه في قتلهم , وطلبه الرجوع ~~فلم يرجع وابن ملجم إنما قتل نسفا واحدة , وعلى قد قتل بمن معه أربعة آلاف ~~نفس مؤمنة في موقف واحد إلا قليلا ممن نجا منهم؛ فلا شك أن جرمه أعظم من ~~جرم ابن ملجم , فعلام يلام الأقل جرما ويترك الأكثر جرما؟ ليس هذا من ~~الإنصاف في شيء؛ وأما تسميتهم له قامع الفتنة فلم نسمعها إلا من كلام ابن ~~بطوطة هذا , قال ونساؤهم يكثرون الفساد ولا غيرة عندهم ولا إنكار لذلك؛ ~~وسنذكر حكاية أثر هذا مما يشهد بذلك. # قلت: أما هذا فكذب صريح , وكنت قبل هذا أوجه كلامه على أحسن وجوهه وألتمس ~~له العذر , وأطبق قوله على وجه الصدق ما أمكنني , حتى ms259 سمعت منه هذا الكذب؛ ~~وإذا لم تكن الغيرة عند أهل عمان فعند من توجد؟ وإذا لم تكن العفة في ~~نسائهم فعند من تكون؟. # وأما الحكاية التي أشار إليها فإن كانت حقا نادرة وقعت من امرأة فاجرة ~~بتسليط سلطان الجور لها , ولا يحكم بالفرد على الجملة , ولا يقاس العفيف ~~بغير العفيف , ثم أنه ذكر أن صاحبة الفساد تتعلق بجوار السلطان الجائر فلا ~~يقدر أهلها على منعها عن فسادها , وإن قتلوها بها , فكيف مع هذا ينسب إليهم ~~عدم الغيرة؟ قال وسلطانها عربي من قبيلة الأزد بن الغوث ويعرف بأبي محمد بن ~~نبهان؛ قال: وأبو محمد عندهم سمة لكل سلطان يلي عمان هي أتابك عند ملوك اللور. PageV01P320 # قلت: ما سمعنا بهذا الاصطلاح في شيء من الأزمان , بل هي كنية عندنا لكل ~~من كنى بها كان ملكا أو من السوقة؛ وإنما الاصطلاح الخاص بملوك عمان ~~الجلندى , وكان ذلك في الزمان الأول , فكل ملك عندهم يسمى الجلندى , كما أن ~~قيصر اسم لكل ملك على الروم , وكسرى لكل ملك على الفرس , والنجاشي لكل ملك ~~على الحبشة , وتبع لكل ملك على اليمن وحضرموت , ثم هذا الاصطلاح الخاص وصار ~~الجلندى اسما لكل من سمى به من ملك أو غيره , وبقي العرف محفوظا عند ~~الأجانب. # قال وعادته أن يجلس خارج باب داره في مجلس هنالك ولا حاجب له ولا وزير ~~ولا يمنع أحدا من الدخول إليه من غريب أو غيره , ويكرم الضيف على عادة ~~العرب ويعين له الضيافة ويعطيه على قدره , وله أخلاق حسنة. قال ويؤكل على ~~مائدته لحم الحمار الإنسي ويباع بالسوق , لأنهم قائلون بتحليله , ولكنهم ~~يخفون ذلك عن الوارد عليهم ولا يظهرونه بمحضره. PageV01P321 # قلت: ما سمعنا أن هذا وقع في شيء من الزمان بعمان , وأهل المذهب أجل من ~~ذلك , فإنه وإن كان يوجد قول في الأثر بتحليل ما عدا المحرم في قوله تعالى ~~( قل لا أجد فيها أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه ) الآية , فإن هذا القول ~~لم يختص بذكره أهل المذهب؛ بل هو موجود عندهم وعند ms260 غيرهم من المخالفين , ~~وأكثر القول بتحريم لحوم الحمر الإنسية , وهو المعمول به؛ وفيه عندنا أثر ~~صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وأهل المذهب أورع من أن يستحلوا ما ~~صح فيه عندهم نهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم هم يقتدون من مثل هذا ~~, ولو كان حلالا فكيف يجعلونه على موائدهم ويباع في أسواقهم , ولا شك أن ~~زماننا دون زمانهم , والتنزه عن المستقذرات نراه موجودا عند خاصتهم وعامتهم ~~, فلا نقبل ما حكاه ابن بطوطة عنهم. قال ومن مدن عمان مدينة أزكي لم ~~أدخلها؛ وهي على ما ذكرنا لي مدينة عظيمة , ومنها القريات وشبا وكلبا وخور ~~فكان وصحار؛ قال وكلها ذات أنهار وحدائق وأشجار نخل , وأكثر هذه البلاد في ~~عمالة هرمز. PageV01P322 # قلت: ذكر من بلدان عمان قليلا من كثير , ثم إنه ذكر البلدان الصغار وترك ~~المدائن الكبار؛ ولا لوم على غريب , فربما ذكر له ذلك دليله الذي جاءه من ~~بعض هذه البلدان , فأين هو عن سمائل وسمد الشأن وابرأ وبهلى وجعلان ~~والباطنة وبلدان السر وبلدان الجوف والرستاق ونواحيها ونخل إلى غير ذلك , ~~ومعنى قوله: وأكثر هذه البلاد في عمالة هرمز؛ أراد أنها تابعة لهرمز؛ وأراد ~~بهرمز هرمز , ولعل بعض ساحل عمان كان في أيام قدوم ابن بطوطة تحت يد سلطان ~~هرمز , لأن ملوكها يومئذ النباهنة , وهم جبابرة عمان , والظلم لم تبن عليه ~~دار , فلا عجب إن تفرقت عنهم الممالك؛ ووصف هرمز عند قدومه عليها بالعمارة ~~التامة؛ وهي اليوم خربة , وآثار العمارة موجودة فيها , والأيام دول. قال ~~حكاية: كنت يوما عند هذا السلطان أبي محمد بن نبهان؛ فأتته امرأة صغيرة ~~السن حسنة الصورة بادية الوجه , فوقعت بين يديه وقالت: يا أبا محمد طغي ~~الشيطان في رأسي , فقال لها اذهبي فافعلي ما شئت. قال فذكر لي لما انصرفت ~~عنه إن هذه ومن فعل مثل فعلها تكون في جوار السلطان وتذهب للفساد ولا يقدر ~~أبوها ولا ذو قرابتها أن يغيروا عليها , وإن قتلوها قتلوا بها لأنها في ~~جوار السلطان. PageV01P323 # قلت: الله ms261 أعلم بصحة هذه الحكاية , ولئن صحت فليس هي بغريبة من ملوك بني ~~نبهان؛ فقد أظهروا الفساد في البلاد , وقهروا العباد بالعناد , وجروا على ~~ما تشتهي أنفسهم , وحكموا بخلاف ما أنول الله , وقتلوا من أنكر عليهم من ~~العلماء؛ فليس ما حكاه عنهم بغريب إن صح , قال ثم سافرت إلى بلاد هرمز - ~~يعني هرمز - قال وهرمز مدينة على ساحل البحر , وتمسى أيضا موغ استان ~~وتقابلها في البحر هرمز الجديدة , وبينهما في البحر ثلاثة فراسخ , ثم ذكر ~~وصوله إليها وما رأى فيها من العمارة والعجائب , وليس ذكر ذلك من غرضنا ~~والله أعلم وفي سنة تسعين وسبعمائة ليلة الجمعة في جمادي الأخرى مات الفقيه ~~سعيد بن أحمد ابن محمد بن صالح الضيباني , وفي سنة سبع وتسعين وسبعمائة في ~~شهر رجب مات عبدالرحمن بنزوى , وفي هذه السنة أيضا يوم الخميس منتصف ذي ~~القعدة مات أبو القاسم بن أبي شائق بأزكي؛ وفي هذه السنة أيضا في ثاني عيد ~~الحج قتل سلطان ابن علي بن معمر في طراد الخيل؛ قتله ابن عمه حسام. # باب إمامة الحواري بن مالك # وفي بعض الأثر مالك بن الحواري فلا أدري أهما إمامان بعضهما بعد بعض ~~وانقلبت العبارة سهوا على بعضهم , وكذلك وقع الخلاف في تاريخ موتهما فأرخ ~~موت الحواري بن مالك فقالوا مات سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة؛ وقال مات ~~مالك بن الحواري سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة. # ولعل الثاني منهما ولد الأول؛ فأما الحواري بن مالك فعقدت عليه الإمامة ~~سنة تسع وثمانمائة وتوفي سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة فتكون إمامته على ~~هذا ثلاثا وعشرين سنة؛ وأما مالك بن حواري فعقدت له الإمامة بنزوى وملك جبل ~~بني ريام , وجاء بعسكره إلى الرستاق , وقتل منهم ناس وشهد سليمان بن راشد ~~بن صقر أن الإمام مالك بن حواري أمر عبدالله الملقب بالهول أن يغزو الرستاق ~~, وروى أنه أمر بحرق سور القلعة , قالوا وعاش في الإمامة إلى أن مات سنة ~~ثلاث وثلاثين وثمانمائة. PageV01P324 # وفي سنة تسع وثمانمائة أيضا آخر شهر ذي الحجة , مات الفقيه سليمان أحمد ~~بن ms262 مفرج البهلوي رحمه الله. # باب إمامة أبي الحسن بن خميس بن عامر # عقد له الإمامة يوم الخميس في شهر رمضان سنة تسع وثلاثين وثمانمائة ~~وخاصمه بنو صلت وحاربوه , وروى عن الشيخ عبدالسلام أن أباه الإمام أبا ~~الحسن بن خميس بن عامر أمر بخشى نخل بني ربيع خدم بني صلت وهو يومئذ إمام ~~عمان رحمه الله لأن بني ربيع خاصموه عند بني صلت والله أعلم. # وشهد سليمان بن راشد بن صقر العدوي ودهمان بن راشد أن الشيخ العالم , ورد ~~بن مفرج أمر الإمام أبا الحسن بن خميس بن عامر بخشى أموال المحاربين له ~~وخشى عليهم بإمارته وفتواه , وعاش أبو الحسن في الإمامة إلى أن توفي يوم ~~السبت في إحدى وعشرين من ذي القعدة سنة ست وأربعين وثمانمائة فمدة إمامته ~~سبع سنين وشهران , وفي سنة أربع وسبعين وثمانمائة يوم الأربعاء عند زوال ~~الشمس لثلاث ليال بقين من ذي الحجة , مات الشيخ ورد بن أحمد بن مفرج ~~البهلوي , وفي سنة خمس وسبعين وثمانمائة يوم الخميس عند غروب الشمس لخمس ~~مضين من المحرم , نصب محمد بن سليمان بن احمد للحكم بين الناس , وفي هذه ~~السنة يوم الثلاثاء لثلاث مضين من جمادي الأخرى , مات صالح بن وضاح بن محمد ~~المنحي , وفي سنة خمس وثمانين وثمانمائة بايعوا عمر بن الخطاب وسنفرد له بابا. # باب إمامة عمر بن الخطاب...... # باب إمامة عمر بن الخطاب بن محمد بن أحمد ابن # شاذان بن صلت بن مالك الخروصي PageV01P325 بويع له في سنة خمس وثمانين ~~وثمانمائة فأقام سنة وخرج عليه سليمان ابن سليمان النبهاني, فتواقعوا بحممت ~~من وادي سمائل فانهزم الإمام وعسكره , فجددوا له البيعة مرة ثانية فصال على ~~النباهنة صولة الأسد الصائل فمكنه الله تعالى منهم وأورثه أرضهم وديارهم ~~وقضي على أموالهم بالتفريق عشية الأربعاء لسبع خلون من جمادي الأخرى سنة ~~سبع وثمانين وثمانمائة؛ وفي هذه السنة وقت الضحى لعشر بقين من رمضان نصب ~~سعيد بن زياد بن أحمد بن راشد البهلوي للحكم ( وهذه صفة الحكم في أموال بني ~~نبهان ms263 ) # بسم الله الرحمن الرحيم وقع الحكم والقضاء للمسلمين المظلومين بأموال ~~أولاد نبهان في عشي الأربعاء لسبع ليال خلون من شهر جمادي الأخرى من سنة ~~سبع وثلاثين وثمانمائة هجرية نبوية محمدية على مهاجرها أفضل الصلاة والسلام ~~أقام الشيخ القاضي المجاهد سيف الإسلام وقطب عمان أبو عبدالله محمد بن ~~سليمان بن أحمد بن مفرج بن محمد بن عمر بن أحمد بن مفرج وكيلا لمن ظلم من ~~المسلمين من أهل عمان الذين ظلمهم السادة الملوك من آل نبهان من لدن ~~السلطان المظفر بن سليمان بن المظفر بن نبهان إلى أخر من ظلم من نسله وولد ~~ولده الملكين سليمان ابن سليمان وحسام بن سليمان. PageV01P326 # وكذلك أقام أحمد بن عمر بن مفرج وكيلا للملوك المقدم ذكرهم , فقد صح ~~عندنا ذلك فقضي أحمد بن صالح بن محمد بن عمر بجميع مال آل نبهان من أموال ~~وأرضين ونخيل وبيوت وأسلحة وآنية وغلال وتمر وسكر وجميع مالهم كائنا ما كان ~~من ماء وبيوت ودور واطوى وأثاث وأمتعة قضاء واجبا تاما وقبل محمد بن عمر بن ~~محمد بن أحمد هذا القضاء للمظلومين من أهل عمان من غاب منهم أو حضر وكبر ~~وصغر الذكور منهم الأثاث فصارت هذه الأموال بالقضاء الكائن الصحيح ~~للمظلومين , والمظلومون قد جهلت معرفتهم فصار كل مال مجهول ربه جاز للإمام ~~قبضه ويصرفه في إعزاز دولة المسلمين , وكل من أصح حقه وأثبته فهو له من ~~أموالهم , ويحاسب بالتجزية لما يصح له بقسطه أن أدرك ذلك , وأن لم يدرك ~~بالتجزية ولم يحط بها فذلك نصيب غير معلوم وهو مجهول للفقراء وللإمام أن ~~يقبض الأموال المغيبة وأموال الفقراء , ومن لا رب له ويجعله في عز دولة ~~المسلمين , فقد صح هذا الحكم والقضاء فيه فمن بدله بعد ما سمعه فإنما أثمه ~~على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم؛ كتبه الفقير لله تعالى علي بن محمد ~~بن علي بن عبدالباقي , وصلى الله على رسوله محمد وآله وسلم , شهد بجميع ذلك ~~أحمد بن صالح بن عمر بن أحمد بن مفرج وكتبه بيده ms264 , ووجد مكتوبا بخط الشيخ ~~الفقيه عبدالله بن مداد رحمه الله. PageV01P327 # بسم الله الرحمن الرحيم قد صح عندي وثبت لدي أن جميع الأموال والأملاك ~~التي خلفها السيد المظفر بن سليمان بن نبهان على ولده سليمان وشركائه ثم ~~خلفها سليمان , كلها قد استهلكت بضمانات الديون التي جناها من مظالم الناس ~~المجهول منهم والمعلوم لأنها قد استغرقها الدين وصار حكم ذلك للإمام وكل من ~~أصح بينة على دينه فله قسط بما أوجبه الحق له في حكم الله وحكم المسلمين , ~~كتبه الفقير لله عبدالله بن مداد بن محمد بيده يوم السبت لثلاث عشرة ليلة ~~بقيت من شهر صفر من شهور سنة سبع وثمانين وثمانمائة لهجرة سيدنا محمد صلى ~~الله عليه وسلم , نقل من خط الشيخ الفقيه محمد بن عبدالله بن مداد صح عندي ~~وثبت لدي أن جميع الأموال والأملاك التي خلفها السيد سليمان بن مظفر , قد ~~استهلكها الديون التي على سليمان والضمانات , وقد صارت جميع هذه الأملاك ~~والأموال للإمام دون أولاد سليمان ينفذها في عز الدولة , وكذلك الزروع ~~الحاضرة وغيرها صارت للإمام. # كتبه الفقير لله محمد بن عبدالله بن مداد بيده. # ووقع سؤال عن هذا الحكم في أيام الإمام محمد بن إسماعيل الآتي ذكره , ~~فكتب له علماء عصره بما يقتضي تثبيت هذا الحكم والمسلمون يد واحدة وحكمهم ~~واحد وسيرتهم واحدة ويجمعهم الحق , ونذكر ما كتب للإمام محمد بن إسماعيل في ~~هذا الموضع لمناسبته بالمقام فمن ذلك ما نقل من خط الشيخ أحمد بن صالح بسم ~~الله الرحمن الرحيم ليعلم الواقف على كتابي هذا من المسلمين أنه قد سألني ~~الإمام المعظم الهمام المكرم إمام المسلمين محمد بن إسماعيل عن أموال بني ~~نبهان وحوز المسلمين ممن تقدمه من الأئمة مثل عمر بن الخطاب بن محمد , وكيف ~~سبب حوزهم لها وهل عندك حفظ ممن تقدم من المسلمين والأئمة الماضين , أنهم ~~بماذا أحلو لهم وبأي وجه دخلوا فيها. PageV01P328 # فأجبته بما حفظته ووجدته ونظرته في ورقة فيها خطوط المسلمين , وفي تلك ~~الأيام علماء أحبار وفقهاء أخيار نظروا في بني ms265 نبهان أنهم أخذوا أموال ~~المسلمين وسفكوا دماءهم وصار جميع ما اقترفوه من الأموال والدماء في ~~أموالهم ونظروا أموالهم فلم تكف جميع ما أصابوه من الموال والدماء والقتل , ~~وصاروا لم يعرفوا لكل ذي حق حقه ليعطوهم إياها , ولم يعرفوا لها أهلا , وقد ~~قال المسلمون أن كل شيء لم يعرف له أهل فهو راجع إلى الفقراء؛ والإمام أولى ~~بكل شيء مرجعه إلى الفقراء من صدقات ووصايا وغيرها فهو أولى بذلك ويجعله في ~~عز دولة المسلمين , وبهذه الحجة أجازوها وأحلوها للإمام عمر بن الخطاب ~~فجعلت تنتقل من إمام إلى إمام إلى يومنا هذا ولم يعب أحد ذلك؛ وكان في ذلك ~~الأوان جمة من العلماء الأتقياء البلغاء الفصحاء , فهذا حفظي عنهم ونظرت ~~خطوطهم في الورقة المتقدم ذكرها , والحق أحق أن يتبع , وما بعد الحق إلا ~~الضلال ولا توفيق إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب , ولا حول ولا قوة إلا ~~بالله العلي العظيم. # كتبه العبد الفقير لله تعالى أحمد بن صالح بن عمر بن أحمد بن مفرج بيده , ~~وصلى الله على رسوله محمد النبي وآله وسلم؛ وقد أجزت للإمام المقدم ذكره ~~أعزه الله حوز هذه الأموال المقدم ذكرها اقتفاء لما تقدم من الأحكام من ~~العلماء الأبرار الأتقياء الأخيار؛ ولا حجة لمحتج على الإمام في حوزه لها ~~ومنعه إياها إذ هو مقتف أثر غيره من الأئمة الماضين؛ وحكم العلماء ~~المتقدمين ولا عليه مطعن لطاعن ولا حجة لمحتج والسلام على من اتبع الهدى. ~~كتبه أحمد بن صالح بن عمر ابن أحمد بيده؛ وصلى الله على رسوله محمد وآله ~~وسلم تسليما كثيرا. # ومن الرقعة المذكورة بخط الفقيه أبي القاسم بن شائق بن عمر ما أفتي به ~~الشيخ العالم أحمد بن صالح وأتى به وسطره في هذا الكتاب فهو الحق والصواب ~~كتبه العبد الفقير لله تعالى أبو القاسم بن شائق بن عمر بيده. PageV01P329 # ومن الرقعة المذكورة بخط الفقيه سالم بن راشد بن خاتم صحيح عندي وثابت ~~لدى ما سطره الشيخ الفقيه العالم العلامة الذي هو للفتوى هامة أحمد بن ms266 صالح ~~في هذا وما تلقفه عن علماء المسلمين فهو الثقة الأمين المأمون وهو الحق ~~والصواب كتبه الفقير لله سالم بن راشد بن خاتم بيده. # ومن الرقعة المذكورة بخط الشيخ الفقيه العالم أبي القاسم بن محمد ثابت ما ~~أفتي به الفقيه أحمد بن صالح في هذه الورقة؛ كتبه سليمان بن أبي القاسم بن ~~محمد بيده. # ومن الرقعة المذكورة بخط الفقيه خالد بن سعيد صحيح ثابت ما أفتي به الشيخ ~~العالم أحمد بن صالح في هذه الورقة , كتبه العبد الفقير لله تعالى خالد بن ~~سعيد ابن عمر بن إسماعيل. # وقال غيره شهد عندي الثقتان عمر بن موسى وراشد بن غسان شهادة مؤتلفة غير ~~مختلفة أن الإمام المرحوم عمر بن الخطاب حاز أموال بني نبهان وأطلقها لمن ~~عنده من الشراة , وأمر فيها بأوامره وكان ذا يد فيها وذلك بعد أن حكم بها ~~المسلمون أنها أموال صارت إلى الفقراء, وشهد أن قاضيه العالم محمد بن ~~سليمان يحوزها للإمام عمر بن الخطاب , ويأمره فيها ويطلقها للشراة ويأكل ~~منها هو ومن عنده من المسلمين وأن حوزهما لهذه الأملاك والأموال كان بحكم ~~واجتماع من المسلمين على ما تقدم؛ فهذا ما سمعته منهما من تأدية هذه ~~الشهادة , كتبه كما سمعه بعد أن قرأ عليهما هذا الكتاب كله واقرأ بفهمه ~~ومعرفته؛ تاريخ تأدية الشهادة يوم الجمعة في سنة سبع عشرة وتسعمائة هجرية ~~نبوية , كتبه كما سمعه العبد الفقير لله تعالى خلف ابن محمد بن عمر بيده. PageV01P330 # شهد بجميع ما في الورقة راشد بن غسان بن سعيد بن محمد وكتب خطه بيده , ~~شهد بجميع ما صح في هذا الكتاب عمر بن موسى بن أحمد بن عيسى وكتب خطه بيده ~~, كتبه خلف بن محمد بن عمر بن محمد بيده , ما صح عند الشيخ التقي عمر ابن ~~خلف بن محمد بن عمر في هذا الكتاب من شهادة الشاهدين فهو عندي صحيح ثابت ~~كتبه العبد الفقير لله تعالى أحمد بن صالح بن عمر بن أحمد بيده. # ثم مات عمر بن الخطاب وقبره بنزوى ms267 ولم أجد تاريخا لموته إلا ما قالوه في ~~ذكر الإمام الذي بعده فإن كانت بيعة هذا بعد موت هذا حالا فإن إمامة عمر ~~تكون تسع سنين تقريبا والله أعلم. # وفي سنة أربع وتسعين وثمانمائة بايعوا لمحمد بن سليمان بن أحمد بن مفرج ~~القاضي البهلوي وكأنه عزل أو اعتزل , ثم بايعوا لعمر الشريف فأقام سنة ثم ~~خرج إلى بهلى فبايع أهل نزوى محمد بن سليمان ثانية , ثم بايعوا من بعده ~~لأحمد ابن عمر بن محمد الربخي البهلوي ثم مات وقبره بنزوى , ثم بايعوا لأبي ~~الحسن ابن عبدالسلام النزوي وأقام دون السنة وخرج عليه سليمان بن سليمان ~~النبهاني وهو صاحب الديوان الغزلي الحماسي أنبأ فيه عن فصاحته وأبان فيه عن ~~بلاغته ومن ذلك قوله: # أن الذي استخضع الأملاك فانخضعت= ... ... واستخدم المرهف البتار والقلما # أن أجل ملوك الأرض مرتبة= ... ... نعم وأكثر أملاك الورى همما # مناقبي كنجوم الأفق في عدد== ... ... ونائلي لوفودي يفضح الديما # كالليث بأسا إذا الليث الهموس سطا= ... ... والبحر جودا إذا البحر الخضم طما # كفى يفيض عطاء لا انقطاع له ... = ... على العفاة وصمصامي يفيض دما # مر العقاب لمن ينبغي معاقبة = ... ... حلو الشمائل مفاضلا إذا رحما # أنا ابن نبهان غطريف الملوك فهل ... = ... مفاخر لهمام للسماء سما # قدت الجيوش وهجنت الملوك وأعطيت ... = ... الخيول وسدت العرب والعجما # سل عامرا وبني عمرو وكعب وسل ... ... = ... قضاعة ليس ذو جهل كمن علما # يخبرك من شئت منهم أنني ملك ... ... = ... أعطي الجزيل وأجلو ظلم من ظلما ~~PageV01P331 لو صور الموت لي قرنا وبادرني ... ... = ... إذا لجدلته ملقى ~~أو انهزما # أعدمت بالسيف موجود الطغاة كما ... ... = ... أوجدت بالجود الإحسان من عدما # إذا نطقت بفضلي قال حاسده ... ... = ... أصدق به ولسان الحمد لا جرما # وأكثر ديوانه على هذا النحو وله رائية ذكر فيها مفاخر أجداده تزاحم ~~المعلقات السبع بلاغة وتزيد عليها عذوبة ورشاقة قال في أولها: # أ للدار من أكناف قو فعرعر ... = ... فخبت النقا بطن الصفا فالمشقر # كأن سطورا معجمات رسومها ... = ... إذا لحن أو هلهال برد محبر # تساقط من عينيك دمعك وا كفا ... = ... كما استن منبت ms268 الجمان المشذر # نعم عرصات غير الدهر حسنها ... = ... ملآت موار من المور أكدر # ثم لم يزل يسير في بلاغته هذا السير إلى أن قال بعد التخلص: # أعاذل أن الجود لا يهلك الفتى ... = ... ولا يخلد الإمساك غير معمر # أعاذل من لم يفن بالسيف لم يمت ... = ... لدي الذل إلا موت فقع بقرقر # ألم تسألي كي تخبري عن مناقبي ... = ... وفضلي ومن يسأل عن المرء يخبر # أعاذل أن المجد فينا إراثة ... = ... يورثه منا كبير لأكبر # مراتب عز مشمخر بناؤها ... = ... ومورد فخر نيط منه بمصدر # ثم ذكر مفاخر ملوك اليمن من سبا ومن بعده إلى أن قال: # أولئك آبائي الذين هم هم ... = ... لباب لباب للجوهر المتخير # مطاعن في الهيا مطاعيم للقرى ... = ... مكاشف هم الطارق المتنور # لباسهم من نسج داود أدرع ... = ... سوابغ تلوي بالحسام المذكر # ملكنا قاب الناس بالباس والندى ... = ... فدان لنا مخضوضعا كل معشر # لولا خشية الإكثار لذكرنا القصيدة بطولها؛ وبقي سليمان بن سليمان أياما ~~ملكا بالقهر والجبرية متغلبا على من تحته بالسلطة والقهر وينسب إليه من ~~الأفعال ما ليس بالجميل ولم تطل أيامه حتى بايع المسلمون محمد بن إسماعيل ~~فظهر أمر المسلمين وأذل الله الجبابرة المعاندين. # باب إمامة محمد بن إسماعيل PageV01P332 ابن عبدالله بن محمد بن إسماعيل ~~الحاضري وهو رجل من قضاعة , ووجدت في بعض الكتب ذكر نسبه متصلا فأحببت ذكره ~~كما وجدته , فهو محمد بن إسماعيل ابن عبدالله بن محمد بن إسماعيل بن علي بن ~~إسماعيل بن الحسن بن محمد بن عيسى بن محمد بن الحرير بن مسر بن مدلج بن ~~حمير بن بيدر بن وعاث بن العادي بن الهادي بن حمير بن الأرمي بن عميرة بن ~~حيدان بن عمر بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن حمير ابن سينا بن يشجب بن يعرب ~~بن قحطان بن هود النبي عليه السلام , ولا أعرف وجه نسبته إلى الحاضري , ~~وإنما وجدتها في كلام للإمام بنفسه , ولعلها نسبة إلى موضع يسكنه وكان يسكن ~~بنزوى في الحارة الغربية في سكة باب مرار , وسبب اختيار المسلمين له أن ~~سليمان ms269 هجم على امرأة تغتسل بفلج الغنتق فخرجت من الفلج هاربة عنه عريانة , ~~فجعل يعدو في أثرها حتى وصل حارة الوادي فرآها محمد بن إسماعيل فخرج إليه ~~وأمسكه عنها وصرعه على الأرض حتى مضت المرأة ودخلت العقر فخلى سبيله؛ فعند ~~ذلك فرج به المسلمون لما رأوا من قوته للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ~~فنصبوه إماما , وذلك في سنة ست وتسعمائة ومات سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة ~~وقبره بنزوى , وكانت إمامته ستا وثلاثين سنة. # وكان قد حكم في أمال بني رواحة الداخلين في الفتنة يوم قادوا سليمان بن ~~سليمان ويوم قادوا مظفر بن سليمان حكم بأن الذي اجترحه سليمان وولده صار ~~ضمانه على من قادهم , وذلك الحكم في يوم الأحد لثلاث ليال خلون من شهر ~~شعبان سنة تسع وتسعمائة فأثبت العلماء حكمه؛ وفي حضرته عبدالباقي محمد بن ~~علي ومحمد بن سليمان بن محمد بن عمر وأبو القاسم بن شائق بن عمر وأبو ~~القاسم محمد بن سليمان وسعيد بن زياد ومداد بن عبدالله بن مداد وغسان بن ~~ورد ومحمد بن عبدالله ابن مداد وعباد بن محمد وخالد بن سعيد بن عمر ومحمد ~~بن عبدالله بن محمد بن عمر ابن عبدالرحمن وأحمد بن خليل بن أحمد. PageV01P333 # وكان قد نهى عن ربيع الخيار وكتب في ذلك كتابا سجلت فيه علماء عصره , ~~وذلك أنه لما كثرت معهم هذه المعاملات من الربا والفساد والحيل؛ فصاروا ~~يظهرون أنهم يتبايعون بيع الخيار , ويجعلونه تغطية على ما أسسوه وأرادوه , ~~ليكون لهم حلالا في الحكم الظاهر وباطنهم الزيادة للدراهم وأخذ الثمرة على ~~قدر ما يسلمونه من الدراهم , إذا قلت الدراهم أخذوا له قليلا؛ وإذا كثرت ~~أخذوا له كثيرا , ولو كان غلة المباع لم تبلغ ذلك الحال وليست عقدتهم على ~~شراء الأصل بعينه , وربما يحضر المتبايعان ويتعاقدان على الزيادة قبل ~~الشراء أو عند الشراء , ومنهم من يسلم الثمرة؛ فهذا ومثله يدل على الربا ~~والحرام , لأنه قد جاء في الأثر أن البيوع على ما عقدت في الأحكام وعلى ما ~~أسست في الحلال والحرام , فلما ms270 رأى المسلمون أهل هذا الزمان هجما رعاعا لا ~~يتقون الحرام مع ما يحتاجون إليه من المكاتبة والإشهاد خافوا أن يحاط بهم ~~وأن يقعوا جميعا في المعصية إن لم ينهوهم عن ذلك. PageV01P334 # ويكونوا كما قال الله تعالى ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما ~~كانوا يفعلون ) فاجتمع المشايخ العلماء الأتقياء القدوة مداد بن عبدالله بن ~~مداد العقري النزوي؛ والفقيه عبدالله بن محمد بن سليمان بن عمر النزوي , ~~القاضي أبو غسان بن ورد بن أبي غسان البهلوي , وعمر بن زياد بن أحمد ~~البهلوي , ومحمد ابن أبي الحسن بن صالح بن وضاح المنحي وجماعة ممن حضر من ~~أهل العمل والبصر عند الإمام العادل العامل الكامل العاقل محمد بن إسماعيل ~~نصره الله بقرية نزوى , وطالعوا الآثار المنسوبة عن العلماء الأخيار ~~المسنودة عن سيد المرسلين الذي نزل به الروح الأمين بالوحي عن رب العالمين؛ ~~فوجدوا أن غلة بيع الخيار حرام فحكم الإمام ومن ذكرت من المسلمين بتحريمها ~~وفساد بيع الخيار , لأن أقرب للتقوى وأقصد في الفتوى وأسلم من البلوى؛ ~~لقوله عليه السلام: من أجبا فقد أربا؛ وسأذكر لك ما نقلوه من الآثار في هذه ~~السيرة ليتبين لك الهدى وتنجنب الردى؛ ولا حجة لمعاند ولا فساد ولا مبطل ~~ولا معطل , والحق أحق أن يتبع وما بعد الحق إلا الضلال , فمن انتحل بنخلة ~~أو اعتل بعلة فحجته عاطلة باطلة , ومن حكم بخلاف ذلك فقد خالف الحق المبين ~~وترك سنة خاتم النبيين , ومن لم يرض بالقضاء فليس لدائه من دواء , والله ~~المستعان على ما تصفون. # وهذا نص ما كتب الإمام في ذلك , قال: PageV01P335 # بسم الله الرحمن الرحيم: لما كان في نهار يوم الأربعاء لست ليال بقين من ~~شهر جمادى الآخر أحد شهور سنة ثمان وعشرين وتسعمائة؛ قد صح الحكم الصحيح ~~الثابت الصريح من الإمام العادل , إمام المسلمين محمد بن إسماعيل ومن حضره ~~من المسلمين , وما أجمعوا عليه بأن غلة بيع الخيار لا تجوز؛ وأنها ربا حرام ~~, وأن المراد بها الثمرة , ووافق ما نهى عنه النبي صلى الله ms271 عليه وسلم : من ~~أجبا فقد أربا , وقد جاء الأثر عن عمرو بن علي في قول المسلمين في بيع ~~الخيار إنه غير ثابت , وهذا قول من لا يراه ثابتا الأصل فيه عنده أن هذا ~~بيع وقع على الثمرة لا على الأصل؛ وكانت هذه جملة على تحليلها. وكذلك قال ~~الذين احتجوا بتحريمه؛ قالوا لما صح عندنا أن بيع الخيار والمراد به الثمرة ~~حينئذ قلنا بفساد ذلك البيع , وكان هذا موافقا لما نهى عنه رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم لقوله عليه الصلاة والسلام: من أجبا فقد أربا , والدليل على ~~هذا ما صح عندنا من قوله إنهم جعلوا هذا البيع طريقا يتوصلون بها إلى تحليل ~~الثمرة على الجملة من قولهم , وأظهروا هذا البيع على تغطية ما لا يجوز؛ ~~فكان قولهم هذا موافقا للرجل الذي تزوج امرأة في السريرة تحليلا لمطلقها , ~~أو كالرجل الذي في نيته في بيع باعه مكوكا بمكوكين أو تمرا بحب أو حبا بتمر ~~ثم أظهر ذلك عند عقدة البيع أنه بدراهم , أو كالذي خطب امرأة في السريرة ~~فأظهر أنه قد عقد عليها نكاحا وأنه قد تزوجها , وما يجئ بحق هذا وهذا كله ~~حرام؛ فقد قيل: النيات هن المهلكات وهن المنجيات , وكذا قال رسول الله صلى ~~الله عليه وسلم : الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى. PageV01P336 # قال: نية المؤمن خير من عمله ونية الفاجر شر من عمله؛ لما صح عندنا أن ~~المراد بالبيع الخيار الثمرة , وإنما جعلوا هذا طريقا فيما عزموا للتغطية ~~على تحريمها , والدليل على فساد هذا أن كل هذا البيع وقع لنخلة , فكانت ~~الثمرة لربها؛ وإن كان البيع المراد به الثمرة فقد وافق هذا البيع قول ~~النبي صلى الله عليه وسلم : من أجبا فقد أربا؛ فهذا أحد وجوه الفساد في ذلك. # والوجه الثاني مثله كمثل رجل تزوج امرأة ثم طلقها ثلاثا فتزوجها ~~لاستحلالها لزوجها الأول , فهذا مما قال بفساده المسلمون على الزوج الأول ~~والثاني. # والوجه الثالث: رجل وافق رجلا على شراء حب أو تمر من عنده المكوك بمكوكين ~~أو تمرا ms272 بحب أو حبا بتمر , ثم أشهد على نفسه بدراهم , فهذا أيضا بيع في ~~السريرة حرام. # قال: فهذا قولنا في البيع الخيار والله أعلم هكذا جاء في الأثر؛ كتبته ~~كما وجدته منها. # نعم: ما كتب على فهو من إملائي؛ والحق أحق أن يتبع؛ وما بعد الحق إلا ~~الضلال؛ وكتبه الفقير لله سبحانه الإمام محمد بن إسماعيل بن عبدالله بن ~~محمد بن إسماعيل الحاضري بيده , حامدا لله وحده ومصليا؛ مسلما مستغفرا. # صحيح ثابت ما حكم به الإمام من تحريم غلة الخيار؛ فهو الحق والصواب ~~موافقا لآثار السلف , وبذلك جاء الأثر وعليه العمل , كتبه العبد الفقير لله ~~عبدالله ابن مداد بن محمد بيده. # صحيح ثابت ما حكم به الإمام العدل محمد بن إسماعيل في تحريم ثمرة بيع ~~الخيار؛ فهو الحق والصواب لا شك فيه ولا ارتياب؛ وبه جاء الأثر , وبه ~~العمل. كتبه العبد الذليل لله تعالى محمد بن أبي الحسن بن صالح ابن وضاح بيده. PageV01P337 # صحيح ثابت ما حكم به الإمام العدل محمد بن إسماعيل في تحريم ثمرة بيع ~~الخيار؛ فهو الحق والصواب لا شك فيه؛ كتبه الفقير لله تعالى عبدالله بن ~~محمد بن سليمان بيده. صحيح ثابت ما حكم به الإمام العدل محمد بن إسماعيل في ~~تحريم ثمرة الخيار فهو الحق والصواب ولا شك فيه ولا ارتياب هكذا جاء في ~~الأثر عن أولى البصر وعمل به أشياخنا , وسطره أفقر خلق الله تعالى أو غسان ~~بن أبي غسان بيده حامدا لله وحده مصليا مسلما. # صحيح ثابت ما حكم به الإمام العدل محمد بن إسماعيل في تحريم ثمرة بيع ~~الخيار فهو الحق والصواب؛ وعليه العمل لا شك فيه ولا ارتياب , وهكذا جاء ~~الأثر عن أولى العلم والبصر وعن أشياخنا. كتبه العبد الأقل عبدالله بن عمر ~~بن زياد بن أحمد بيده. نقل السيرة المذكورة الفقير لله تعالى أحمد بن مداد ~~بن عبدالله بن مداد بيده. نقله من السيرة المذكورة من خط الشيخ الفقيه ~~العالم أحمد بن مداد العبد الأقل الراجي رحمة ربه الأجل المثقل من ms273 ذنوبه ~~الراجي المستغفر ربه عبدالله بن محمد القرن بيده. # وفي سنة سبع وعشرة وتسعمائة ليلة الجمعة من جمادى الأخرى مات محمد بن ~~عبدالله بن مداد النزوي بفرق وقبر بمساجد العباد. # وكان الفقيه أحمد بن مداد يذكر لمحمد بن إسماعيل أحداثا استوجب بها ~~البراءة عنده , وكان غيره من بعض معاصريهم يعتذر لمحمد بن إسماعيل في ذلك ~~ويحتج له وأنها ليست بموضع رأى ولا اجتهاد , فإن صح ما ذكره الفقيه أحمد بن ~~مداد في سيرته أن محمد بن إسماعيل قد فعله , فأرى الفقيه قد أصاب في ~~البراءة منه إذا كان قد استتابه من ذلك فأصر , وليس لغيره أن يقلده في ~~البراءة من محمد بن إسماعيل , وإنما ذلك شيء خاص بمن صح عنده علم الحدث ~~وتوب الإمام منه فلم يتب. PageV01P338 # قال أحمد بن مداد: جبى محمد بن إسماعيل الزكاة من رعيته بالجبر من غير ~~حماية لهم وغير منع من الجور والظلم , قال وجبر رعيته على شراء الزكاة من ~~ثمرة النخل بما تقومه عماله من الدنانير وأخذ تلك القيمة بالجبر منه لهم. ~~قال وجبى المعاشير غير الزكاة دنانير بقيمة ثمرة النخل من أموال رعيته بما ~~تقومه أعوانه وعماله من الدنانير بالجبر من رعيته اليتامى والبالغين ~~والأرامل وغيرهم لنفسه وعماله وأعوانه ولحاضره وأضيافه وعياله هدرا وقرضا ~~بالنية. # قال وجبى الخراج وأخذ الكسرة , وهي المغرم للجبابرة من أموال رعيته ~~بالجبر على الخوف وخشية الظلمة على دولته ونفسه ورعيته وأموال رعيته. # هذا كلامه وقد أطال في الاستدلال على إبطال هذه الأشياء بأمور مسلمة عند ~~الفريقين , ولا أدري ما يقول المنتصر له في بعض هذه الأمور , فإنها لا تخرج ~~على شيء من أقوال المسلمين , ولعلهم ينكرون وقوع ذلك منه ويحتجون للبواقي ~~بالترخص ببعض الرأي المأثور عن المسلمين لأجل الضرورة إليه. أما الجبابة ~~والخراج فلا يجتمعان أصلا , ليس للإمام أن يجبي أرضا يأخذ الجبار خراجها ~~إلا إذا حماها ومنه الجبار من خراجها ورفع اليد عن مظالمها وأنصف بعضها من ~~بعض , فها هنا تطيب له الجبابة بالقهر , لأنه قد حماها ms274 وأقام فيه العدل , ~~وكذلك أخذ العشور من الأموال التي لا زكاة فيها؛ فإن ذلك لا يجوز ولا يقبل ~~الرأي , فإن صح هذا أن أحدا قد فعله واستتب فلم يتب , فإنه يكون خليعا عند ~~المسلمين لكن ذلك لا يكون بالدعوى , وخصوصا على الأئمة فإنهم أعظم حرمة. PageV01P339 # وأما القرض فقد احتج له من احتج ورخص له من رخص لأجل الخوف على الدولة , ~~ولا يرى ذلك الفقيه أحمد بن مداد , بل كان يبرأ من العامل والمرخص وأما ~~المرخص للثمار فإنه وإن كان الأصحاب على غيره فلا يخرج من دائرة الرأي , ~~لكن جبر الرعية على تسليم الدنانير عن الزكاة المخروصة في رءوس النخل شيء ~~لا يجوز , والله أعلم بما كان عندهم من الأمر , وقد غاب عنا أمرهم وما غاب ~~عنا علمه فلا يلزمنا حكمه والله أعلم. # باب إمامة بركات بن محمد بن إسماعيل # بويع له في اليوم الذي مات فيه أبوه , وذلك في سنة اثنتين وأربعين ~~وتسعمائة بايع له عبدالله بن عمر بن زياد الشقصي , ومحمد بن أحمد بن يفسان ~~, ولم يرض الفقيه أحمد بن مداد إمامته وتبرأ منه وممن نصبه , قال لأن بركات ~~ليس بولي ولا بأهل للإمامة , وذلك لولايته لأبيه على أحداثه التي ذكرها عنه ~~, قال وعمل بأحداث أبيه من بعده , وقلده في ذلك , فهو يبرأ منه ومن أبيه ~~للأحداث التي ذكرناها عنه في إمامة محمد بن إسماعيل والله المستعان. # وقدم من لم يرض إمامة بركات غيره إماما , فنصبوا عمر بن القاسم الفضلي في ~~أيام بركات, والفقيه أحمد بن مداد يثني عليه في سيرته ويتولاه؛ وذكر غيره ~~أن المسلمين رضوا إمامته ولم يؤرخوا وقت بيعته ولا وقت وفاته. # ثم نصب عبدالله بن محمد القرن إماما في منح يوم الجمعة لخمسة عشر يوما من ~~رجب سنة سبع وستين وتسعمائة , ودخل حصن بهلى يوم الاثنين لليلتين بقيا من ~~هذا الشهر من هذه السنة؛ فأخذها من يد آل عمير؛ وكان آل عمير قد اشتروا ~~حصنها بثلاثمائة لك من محمد بن جيفر بن علي بن هلال ms275 الجبري؛ وكان محمد ابن ~~جيفر قد أخذ هذا الحصن بالغلبة من عامل بركات , وكان دخول آل عمير حصن بهلى ~~يوم الثلاثاء لتسع ليال بقين من جمادى الأخرى سنة سبع وستين وتسعمائة , فما ~~لبث آل عمير فيها إلا يسيرا حتى أخذه منهم الإمام عبدالله بن محمد القرن. PageV01P340 # وفي ليلة الأربعاء لثلاث ليال بقين من رمضان سنة ثماني وستين وتسعمائة ~~دخل بركات بن محمد بن إسماعيل حصن بهلى وأخرجوا منه عبدالله بن محمد القرن؛ ~~وبنصب الأئمة في وقت واحد تشتت الكلمة؛ وتفرقت الجماعات , وضعفت دولة ~~المسلمين , ووهت قوتهم؛ وطمع فيهم من كان لا يطمع , فصار الملك متفرقا في ~~أيدي الرؤساء من النباهنة وآل عمير وآل هلال؛ وهم رهط الجبور؛ وصارت الشدة ~~على أهل عمان , ولم تبق دولة المسلمين إلا في مكان دون مكان , فأخذ سلطان ~~محمد بن محسن بن سليمان بن نبهان نزوى في سنة أربع وستين وتسعمائة , وأخذ ~~محمد بن جيفر حصن بهلى في سنة خمس وتسعمائة , وكثر التنازع والاختلاف ليقضي ~~الله أمرا كان مفعولا. مات بركات بن محمد وصار الملك بعده لبني نبهان ~~ورؤساء القبائل. # باب ملوك بني نبهان المتأخرين # وأولهم سلطان بن محسن بن سليمان بن نبهان ملك نزوى في أيام بركات في سنة ~~أربع وستين وتسعمائة. مات ليلة الاثنين لاثني عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر ~~سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة , وترك ثلاثة أولاد وهم: طهماس بن سلطان وسلطان ~~بن سلطان بن مظفر , وكان مظفر هو المتقدم عليهم في الملك إلى أن مات وترك ~~ولده سليمان صغيرا لا يقوم برياسة الملك , وكان عم أبيه فلاح ابن محسن ~~مالكا في حصن مقنيات؛ فلما علم بموت مظفر جاء إلى بهلى وأقام مكانه ويقال ~~إنه عدل في ملكه سبع سنين ثم مات. PageV01P341 # وملك بعده سليمان بن مظفر وهو ابن اثنتي عشرة سنة واستولى على الأمر في ~~عمان ونواحيها؛ وأخذ خراج أهلها من الطائع والعاصي والداني والقاصي وحاربه ~~أهل نزوى وكان معهم جبري , يقال له محمد بن جيفر؛ وعنده جيش عظيم فطلع إليه ms276 ~~سليمان بن مظفر وعرار بن فلاح , وعندها ناصر بن قطن ومن معهم من العساكر , ~~فلما التقوا هم ومحمد بن جيفر استقام بينهم القتال؛ فقتل محمد بن جيفر ~~وانكسر قومه , وكان قطن بن قطن منتظرا للأمر بينهم فنادى بالكف بين القوم ~~عن القتال؛ وكان محمد بن جيفر له ولد صغير في السن واسمه محمد بن محمد وأمه ~~بنت عمير بن عامر؛ فتزوجها سليمان بن مظفر بعدما قتل زوجها , فركن إليها ~~بالبادية , فكان بالشتاء ببادية الشمال ويترك ابن عمه عرار بن فلاح ببهلى , ~~وإذا جاء الصيف رجع إلى بهلى. PageV01P342 # وكان مهنا بن محمد الهديفي مالكا بلد صحار , فعلم أن العجم متأهبون إليه؛ ~~فأرسل إلى سليمان بن مظفر يستنصره على العجم فلبى دعوته وأطاع كلمته , فخرج ~~إليه بمن عنده من العسكر , وتكاملت القوم بصحار , ووصلت إليهم العجم من ~~البحر , فاستقام بينهم القتال وعظم النزال وارتفع العجاج وأظلم الفجاج , ~~فانكسر العجم وقتل منهم ما شاء الله , ورجع سليمان بن مظفر إلى داره ببهلى ~~وعنده بنو عمه وهم عشرة: عرار ونبهان ومخزوم وأولاد فلاح بن محسن , وكان ~~المقدم عليهم عرار وأما أخوه نبهان فلا يملك رأيا دون رأى أخيه , وكان ~~لعرار بن فلاح ملك الظاهرة؛ وأعطى سليمان بن مظفر مخزوما ملك ينقل , فبقي ~~عنده تسعة أحدهم حمير بن حافظ , وعنده أربعة أولاد: حافظ بن حمير وسلطان بن ~~حمير وكهلان ابن حمير وهود بن حمير؛ فمات حافظ بن حمير بعد رجوعهم إلى بهلى ~~بسنة زمانا وبقي معه من بني عمه اثنان من العشرة؛ مهنا بن محمد بن حافظ ~~وعلي بن ذهل بن محمد بن حافظ , وهم على يدي سليمان بن مظفر؛ وكان لسليمان ~~وزراء في القرية وفي النزار ومن قرية أزكي؛ وفي سند الشأن؛ وكانت سمد الشأن ~~للجهاضم. # وكان سليمان جائرا عليهم؛ ففروا منها من شدة جوره وبطشه , وتفرقوا في ~~البلدان مدة ثلاثين سنة يحتالون في دخولها والتوصل إليها. وكان بنو هناة من ~~أقرب الناس إلى سليمان بن مظفر , وكانوا أكثرهم عددا وعدة وبأسا وشدة , ~~وكان ms277 فيها رجلان يلبيان أمرهما , وهما خلف بن أبي سعيد وسيف بن محمد بن أبي ~~سعيد , وكانا عنده قدوة أهل زمانهم فافترقوا , وكان سبب الفرقة بينهم أن ~~قبيلتين من أهل سيفم؛ أحدهما بنو معن , والأخرى بنو النير , كانتا عصبية ~~لبني هناة وخصمهم واحد؛ ثم وقعت الفرقة بين بني معن وبني النير. # وسبب ذلك أن امرأة من بني معن دخلت زرعا لبني النير تحش منه , فمرت عليها ~~أمة رجل من بني النير , فقالت لها أخرجي من زرع سيدي فأبت , فوقع بينهما ~~الجدال , فضربت الأمة المرأة ففقأت عينها. PageV01P343 # وخرج ذات يوم حمار لبني النير ودخل زرعا لبني معن فقطعت أذنه , فوقعت ~~الفتنة بينهما؛ وكان هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين , وأصل الفتنة ~~كالنار اليسيرة تحرق الأشياء الكثيرة؛ فافترق عند ذلك القوم فرقتين , فأما ~~بنو معن وبنو شكيل؛ فهم مع سليمان بن مظفر , وبنو النير مع بني هناة؛ فعند ~~ذلك سار خلف ابن أبي سعيد إلى داره دار سيت هو وبنو عمه وكان سليمان بن ~~مظفر يومئذ بالبادية , فعلم بذلك , فأرسل إلى وزيره محمد بن خنجر أن قل ~~لخلف يترك شأن القوم؛ فأرسل إليه بالكف عن ذلك , فغلب عن ذلك وأظهر انه يرد ~~الإصلاح بين بني معن وبني النير , فأرسل الوزير إلى مولاه سليمان أن خلفا ~~غلب عن الكف , فندب سليمان بن مظفر إلى الوزير أن أفعل في أموال بني هناة ~~من الغزية من كدم , فأمر الوزير بإخراب أموال بني هناة من كدم , وكانت تلك ~~الأموال للشيخ خلف بن أبي سعيد , فوقعت العداوة والبغضاء بينهما , فأمر عند ~~ذلك الشيخ خلف بني عمه أن اغزوا بهلى فغزوها؛ فقتلوا من قتلوا منها , فكتب ~~الوزير محمد بن خنجر إلى سليمان بن مظفر مما جرى في بهلى , فلما علم سليمان ~~ذلك انتقل من الشمال إلى بهلى وأراد الصلح بينهم وبين بني هناة. PageV01P344 # فلم يقع الصلح؛ وهيأ كل واحد منهما الحرب لصاحبه , فجمع السلطان سليمان ~~بن مظفر ما عنده من العسكر ليقاتل بني هناة؛ فعلم بذلك الشيخ ms278 خلف , فأرسل ~~إلى الأمير عمير بن حمير ملك سمائل ينتصر به على سليمان بن مظفر , فسار ~~بعسكره على غبرة بهلى؛ فالتقى سليمان والأمير عمير بن حمير , فاستقام الحرب ~~بينهما ساعة من النهار , ثم رجع سليمان إلى بهلى؛ ورجع الأمير عمير إلى ~~سمائل وترك بعض قومه في دار سيت وكان الأمير عمير ذا خلق حسن واسع؛ فلما ~~وصل إلى سمائل أرسل إلى بني جهضم , وهم متفرقون في قرى شتى؛ فأقبلوا إليه ~~فوقعت بينهم الألفة وإثبات الصحبة , ثم أرسل إلى سلطان الرستاق؛ وهو مالك ~~بن أبي العرب؛ وهو جد الإمام ناصر بن مرشد ليصله إلى سمائل , فسار مالك بن ~~أبي العرب وصحبه أبو الحسن علي بن قطن. فلما وصل إلى سمائل ساروا مع بني ~~جهضم إلى سمد الشأن وبنو لهم بنياننا حول دارهم , وترك عندهم الأمير البعض ~~من قومه , وترك لهم ما يحتاجون من الطعام والشراب وآلة الحرب ورجع إلى سمائل. # وأما بنو هناة وسليمان بن مظفر فإنهم لم تنقطع بينهم الغزوات؛ ثم إن ~~الأمير عمير بن حمير والسلطان مالك بن أبي العرب سارا إلى نزوى وهما ~~ينتظران الأمر وكان لمالك بن أبي العرب وزير في عينى من الرستاق، فدخل عليه ~~أهل الدار وأخرجوه منها، وجاء رجل من أهل عينى إلى سليمان بن مظفر يطلب منه ~~النصر على الخصم فأعانه ببعض قومه، وأرسل مع عرار بن فلاح، فجاء الخبر إلى ~~السلطان مالك بن أبي العرب بما جرى في داره، فأراد المسير إلى داره، فقال ~~له الأمير عمير: قف معنا ولا تخف فهذا من علامات السرور، قال فكيف ذلك ~~والعدو في داري؟ فقال الأمير عمير: ذلك عندي وأنا إن شاء الله من الغالبين، ~~قال الله تعالى ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) وقال الشاعر: # إذا الحادثات بلغن المدى ... = ... وكادت تذوب لهن المهج # وحل البلاء وقل العزى ... = ... فعند التناهي يكون الفرج PageV01P345 ثم ~~إن بني هناة أرسلوا إلى عمير بن حمير أن أقبل إلينا بما عندك من القوة ~~لندخل بهم بهلى، فسار هو ms279 ومن معه إلى نصف الطريق، فنظر إلى قومه فاستقل ~~عددهم، فرجع إلى نزوى؛ وكان بنو هناة ينتظرونه في ليلة كانت بينهم للدخول ~~فلم يصل إليهم، فسار إليه الشيخ سيف بن محمد من دار سيت إلى نزوى، وجرى ~~بينهما جدال كثير من باب العتاب، فقال الأمير عمير بن حمير: خذ من القوم ما ~~شئت، فأخذ عنده قوما كثيرا لا يعلم عددهم إلا الله، وسار بهم إلى دار سيت ~~والأمير ينتظر الأمر بنزوى، فجاء الخبر إلى سليمان ابن المظفر أن القوم ~~طلعوا من نزوى إلى دار سيت؛ فمنهم من يقول إنهم قاصدون القرية؛ ومنهم من ~~يقول سيفم، ومنهم من يقول بهلى. PageV01P346 # فقسم سليمان قومه، فجعل بعضا منهم في القرية وبعضا في سيفم وبنى بنيانا ~~في رأس فلج الجزيين مخافة أن يضره القوم وترك فيه قوما؛ وقسم بقية القوم، ~~وترك في الخضراء جماعة من قومه؛ وكذلك في حارة الغاف، وترك في الجامع من ~~البلاد حمير بن حافظ ومن عنده من القوم؛ وقسم بقية قومه في العقر، وكان ابن ~~عمه عرار بن فلاح ومن معه من القوم في عينى من الرستاق، فسار سيف بن محمد ~~من دار سيت إلى بهلى فدخلها، وكان أول دخوله من جانب الغرب؛ فتسوروا السور ~~ودخلوا البلاد؛ وكان ذلك منهم ضربة لازب ولم يشعر بهم أحد، فقسم سيف قومه ~~ثلاث فرق: فريق باليمين وفرقة بالشمال وفرقة بالوجه، وهي التي تلي الجامع ~~من البلاد، واحكم أمره في الأماكن المختارة عنده للقتال لمسجد الجامع ومسجد ~~بني عمر وجميع أبواب العقر، فما بقى لسليمان بن مظفر شيء غير الحصن ~~والخضراء بعدما قتل من قتل من سادات قومه وفرسانه تلك الليلة، ونادى سيف ~~ابن محمد بالأمان في البلاد؛ وكان بعض أهل البلد معه، وجاء الخبر إلى ~~الأمير عمير بن حمير وهو في نزوى إن قومك دخلوا بهلى، فركب عند ذلك هو ~~والأمير سلطان بن محمد والسلطان مالك بن أبي العرب وعلي بن قطن وأهل نزوى، ~~وركب خلف بن أبي سعيد الهنائي من دار سيت ms280 بمن عنده من القوم لينصروا ~~أصحابهم؛ وكان دخولهم ليلا، ونزل الأمير عمير بحارة الغاف وكانت الخضراء في ~~ملك السلطان سليمان بن مظفر وفيها علي بن ذهل وعنده قوم كثير؛ فأرسل إليهم ~~الأمير عمير ليخرجوا بما عندهم من الزانة؛ فأقبل علي بن ذهل على قومه ~~يحرضهم على القتال فلم يجبه أحد منهم وعزموا على الخروج؛ ووصل الخبر إلى ~~عرار بن فلاح وهو في عينى من الرستاق أن القوم دخلوا بهلى؛ فنهض من عينى ~~بمن معه ودخل القرية، وكانت القرية في ملكهم. PageV01P347 # وكان عمير بن حمير وسيف بن محمد لم يشاركهما أحد في البلاد إلا الحصن وهم ~~محدقون به، وضعوا في شجرة الصبار التي في السوق برجا من خشب في أعلى رأسها ~~بالليل وقعد فيه رجل من الجهاضم يقال له جمعة من محمد المرهوب، فضرب رجلا ~~من الحصن كان خارجا من القصبة إلى بيت الوزير ومات؛ وعمل قوم الأمير عمير ~~برجا في الجامع؛ فضرب صاحب البرج رجلا من الحصن من مبرز الغرفة من عسكر ~~سليمان، ثم أن القوم قشعوا سور الحصن بالليل، فلما أنهدم بعض الجدار علم ~~بهم عسكر سليمان فمنعوهم من الدخول، ثم أن العسكر طلبوا من سليمان الخروج ~~من الحصن مخافة القتل، فأقاموا ثلاث عشرة ليلة فأذن لهم، فطلبوا من الأمير ~~عمير أن يسيرهم، فسيرهم بما عندهم من الزانه، وسير معه وزيره، ثم طلع ~~سليمان بن مظفر هو وبنو عمه وعسكره مسيرين من بهلى إلى القرية؛ فخرج هو ~~عرار بن فلاح من القرية إلى الظاهرة؛ فأمر بعد ذلك الأمير عمير بن حمير ~~بقشع الحصن، فقشع ولم يبق منه عمار ولا جدار. فهذه عبرة لأولي الألباب، ~~والله يؤتي ملكه من يشاء، والله واسع عليم. PageV01P348 # وجعل عمير خلف بن أبي سعيد مأمونه في بهلى؛ ورجع إلى سمائل فأقام خلف بن ~~أبي سعيد في بهلى أربعة أشهر، ثم خرج عليه سليمان بن مظفر وابن عمه عرار بن ~~فلاح، فدخلوا عليه الخضراء وهو في العقر، وكانت هذه الدخلة ليلة رابع ربيع ~~الأول سنة تسعة ms281 عشر بعد الألف، وكان سيف بن محمد هو وبعض قومه في السر، ~~فأرسل سليمان بن مظفر لخلف بن أبي سعيد ليسيره بما عنده من الزانة؛ فخرج ~~خلف مسيرا وأخذ الأمان على أهل البلد، فمنهم من أقام مكانه، ومنهم من خرج ~~خوف السلطان؛ فلما علم سيف بن محمد هذا الخبر جاء من السر وعلم به الأمير ~~عمير بن حمير، فأقبل من سمائل إلى نزوى ومضى إلى القرية فأخذها ووهبها لسيف ~~بن محمد؛ فكان مأمونة؛ ثم رجع إلى نزوى ينتظر الأمر مدة أيام، فمات سليمان ~~بن مظفر وكان له ولد صغير السن، فملك من بعده عرار ابن فلاح، ثم طلع سيف بن ~~محمد إلى نزوى وأخذ من الأمير عمير قوما كثيرا فاسر بهم إلى القرية، فلبثوا ~~بها سبعة أيام، ثم سار بهم ودخل بهم حارة من بهلى اسمها حارة أبي مان؛ ~~فأحدق بهم عرار بن فلاح مدة أيام ثم إنه سيرهم بما عنده من الزانة، وثبت له ~~حصن القرية وتجديد الخدمة مدة سنة، وكانت هذه الدخلة ليلة سادس صفر سنة ~~أربعة وعشرين بعد الألف. # ثم مات بعد ذلك عرار بن فلاح وكان موته لعشر ليال خلت من شهر الحج من هذه السنة. PageV01P349 # وملك من بعده مظفر بن سليمان، وأقام في ملكه مدة شهرين. ثم مات وملك من ~~بهده مخزوم بن فلاح مدة شهري زمان، فخرج عليه نبهان وسيف بن محمد ليخرجاه ~~من الحصن، فطلب التسيار فسيروه بلا زانة ولا سلاح، وكان خروجه إلى نيقل من ~~الظاهر، فتولى الأمر على أصحابها مدة من الزمان؛ وأقام ببهلى نبهان بن ~~فلاح، وجعل ابن عمه علي بن ذهل مأمونه في بهلى؛ وجعل من بعده سيف بن محمد؛ ~~فسار نبهان بن فلاح إلى داره مقنيات وأخرج ابن عمه سلطان ابن حمير من بهلى ~~خوفا منه أن يحاول على الملك؛ فسار سلطان بن حمير من بهلى إلى صحار، فتولى ~~مكانه سيف بن محمد سنة؛ والله أعلم. # ثم طلع بعد ذلك الأمير عمير بن حمير بمن عنده من القوم ms282 إلى بهلى، فمنعه ~~سيف ابن محمد من الدخول، فرجع هو وقومه إلى نزوى منتظرا الأمر، ثم بعد أيام ~~رجع عمير وقومه إلى بهلى ودخل العقر؛ وكان سيف بن محمد في دار سيت، فعلم ~~بذلك فنهض من دار سيت بمن عنده من القوم ودخل الحصن بقومه فلم يمنعه أحد ثم ~~أرسل إلى نبهان بن فلاح أن القوم دخلوا الدار فأقبل بمن عندك من العسكر، ~~فأقام مدة أيام يجمع عساكره، وكان الأمير عمير بن حمير قد أحكم مقابض البلد ~~من أولها إلى آخرها وأقام سيف بن محمد بالحصن مدة أيام ينتظر نبهان وقومه ~~فلم يصل إليه، ثم طلب سيف التسيار من الأمير عمير بن حمير، فسيره بمن عنده ~~من الزانة وقصد القرية، وأقام عمير بن حمير في بهلى مدة أيام، ثم أنه أرسل ~~إلى سيف بن محمد فوقعت بينهما يمين على الصحبة، فأقام سيف في ولايته على ~~الرعية، ويقال إنه عدل فيها؛ فكان متولي الأمر على بني عمه، وهم له ناصحون. PageV01P350 # ولما استحكم الأمر لسيف بن محمد؛ وكان سلطان بن حمير ومهنا بن محمد بن ~~حافظ وعلى بن ذهل بن محمد بن حافظ مسكنهم يومئذ صحار مع محمد بن مهنا ~~الهديفي وكان محمد بن مهنا أراد ليدخل بهم على ابن عمهم نبهان بن فلاح في ~~مقنيات ليصلح بينهم؛ وكان مخزون في حصن نيقل؛ فلم يقع بينهم صلح، فطلع بعد ~~ذلك سلطان ابن حمير وعلي بن ذهل بمن عندهم من العسكر، فجاء الخبر إلى عمير ~~بن حمير وهو في سمائل أن سلطان بن حمير سار بقومه من الظاهرة ليدخل بهم ~~بهلى، فطلع هو وقومه من سمائل إلى بهلى ينتظر الأمر؛ ودخل سلطان بن حمير ~~النبهاني حارة بني صلت، فجاء الأمير عمير بن حمير بقومه وعلى أثره سيف بن ~~محمد، فوقع بينهم القتال وبنوا عليهم بنيانا حول الحارة من أولها إلى ~~آخرها، وأرسل عمير بن حمير إلى أصحابه من جميع القرى؛ فطلع إليه الشيخ ماجد ~~بن ربيعة بن أحمد بن سليمان الكندي، وعمر بن ms283 سليمان العفيف، والشيخ سعيد بن ~~أحمد بن أبي سعيد الناعبي مع سادات أهل نزوى ومنح. # وأقام سلطان بن حمير وهو وقومه محصورين مدة لم يخرج منهم أحد ولا يدخل ~~إليهم أحد؛ فطلب عند ذلك سلطان بن حمير من الأمير عمير بن حمير التسيار ~~والخروج؛ فسيره ومن معه بما عندهم من الزانة إلى الظاهرة؛ وأقام سلطان بن ~~حمير وكهلان بن حمير وعلي بن ذهل ومهنا بن محمد بن حافظ في مقنيات مدة أيام ~~فأوجس نبهان منهم خيفة أن يخرجوه من مقنيات فأخرجهم منها، فخرجوا منها ~~ومضوا إلى صحار عند الهديفي محمد بمن مهنا وأقاموا معه سنة زمانا والله أعلم. PageV01P351 # ثم إن سلطان بن حمير أشار على محمد بن مهنا أن يغزو دير عمير بن حمير، ~~وهو في باطنة السيب، وكان في الدير الأمير سنان بن سلطان والأميران علي بن ~~حمير وسعيد بن حمير؛ فركب محمد بن مهنا وسلطان بن حمير وقومهما من صحار؛ ~~فجاء الخبر إلى الأمراء سنان بن سلطان وعلي بن حمير وسعيد بن حمير أن القوم ~~طلعوا من صحار، فما كان إلا قدر ما يخلع الرجل نعليه أو يغسل رجليه حتى ~~أقبلت العساكر وسلت البواتر، فوقع القتال وعظم النزال حتى بلغت القلوب ~~الحناجر، وقتل عند ذلك الأمير علي بن حمير؛ وانفصل القتال. PageV01P352 # ورجع محمد بن مهنا فعلم بعد ذلك عمير بن حمير بما حرى على إخوانه وبني ~~عمه وهو في بهلى، فاعتقد عقيدة الحزم، وتسربل بسربال الجزم أن لا يرجع عن ~~صحار حتى يحصدهم بالسيف، ويحرقهم بالنار، ويبدد شملهم في كل دار، فأخذ في ~~جمع العساكر من البر والبحر، فاجتمع معه قوم لا يحصى عددهم، وأرسل إلى ملك ~~هرمز لينتصر به، فنصروه بعدة من المراكب مملوءة من المال والرجال وآلة ~~الحرب، وكان قد وصل مركب من الهند بعسكر كثير، وفيه آلة الحرب فردته الريح ~~إلى مسكد فأخذه الأمير عمير بن حمير؛ وسار هو ومن معه من النصارى وغيرهم، ~~وأقام الأمير عمير بقومه في باطنة السيب سبع ليال، فعلم بذلك ms284 محمد ابن جفير ~~فتوجه بقومه لينصر محمد بن مهنا، فدخل محمد بن جفير وقومه صحار، ففرح به ~~محمد بن مهنا فأدخله الحصن؛ فكان بينهما بعض المقاصد ساعة من النهار، فأمر ~~محمد بن جفير عبده ليقبض على محمد بن مهنا، فرمى نفسه من سور الحصن وندب ~~قومه؛ وكان بعض قومه في برج داخل الحصن فوقع القتال بينهم ساعة من النهار، ~~وطلع محمد بن جفير بقومه من صحار، فبلغ هذا الخبر إلى الأمير عمير بن حمير، ~~فتوجه إلى صحار بمن معه من بر وبحر، ودخل صحار نهار تسعة عشر من ربيع ~~الآخر، فاستقام بهم القتال من أول النهار إلى الليل، ثم انفصل بعضهم عن ~~بعض؛ ثم بعد ذلك بيوم أو يومين هبطت النصارى من المراكب بما عندهم من آلة ~~الحرب , وكانوا يجرون قطع القطن قدامهم ليتقوا بها ضرب البنادق. PageV01P353 # وكان عندهم مدافع تسير على أعجال الخشب في البر , وعليها سور من الخشب , ~~وكان في جانب الدار برج لمحمد بن مهنا فيه عسكر كثير , فجرت عليه النصارى ~~قطع القطن وضربوه بمدفع حتى أنهدم البعض منه , وخرج القوم منه فدخلته ~~النصارى فعلم محمد بن مهنا بذلك فندب قومه فوقع بينهم القتال على البرج ~~بالليل , فقتل عند ذلك علي بن ذهل؛ وقتل محمد بن مهنا الهديفي؛ وأقام بعد ~~ذلك سلطان بن حمير ابن محمد بن حافظ النبهاني وأخوه كهلان بن حمير وابن عمه ~~مهنا بن محمد بن حافظ وعسكرهم في الحصن بعدما قتل محمد بن مهنا الهديفي , ~~فلما علم الأمير عمير بن حمير أن سيد القوم قتل ندب قومه بالقتال , فكان ~~القتال بينهم في النخل , ثم طلع عمير ابن حمير بمن عمه من تلقاء جامع البلد ~~فلم يمنعه أحد؛ فقتل عند ذلك سلطان ابن حمير؛ فانكسر القوم وصاروا شتاتا ~~متفرقين , فمنهم من قتل؛ منهم من أحرق , ومنهم من أسر؛ ومنهم من جرح , ~~ومنهم من خرج ذاهبا على وجهه , لا يدري أن يتوجه ولا إلى أن يذهب؛ وعلى هذا ~~جميع أهل البلد , وأحرقت البلد بأجمعها من ms285 أولها إلى آخرها , وأقام النصارى ~~في حصن صحار , ورجع الأمير عمير إلى بلدة سمائل جذلا مسرورا. # وكان مخزوم بن فلاح متوليا حصن نيقل , فقبض منهم على رجلين , فأمر عبده ~~ليقتل واحدا منهما , فسل السيف ليضربه , فاستجار به فلم يجره , وضربه ضربة ~~ثانية , فاستجار به فلم يجره , فلما أراد ليضربه ضربة ثالثة استجار بالله , ~~فأهوى إليه ليمسك فمه والعبد أهوى إليه بالسيف فضرب يد مخزوم؛ وأقام سبعة ~~أيام بجراحه ومات منه. # وأما الرجل فإنه سحبه العبد يظنه ميتا؛ وبه رمق الحياة , فمر رجل من أهل ~~البلد فقال: من يعينني على مواراة هذا الرجل , فنطق الجريح فقال إنني حي ~~فحمله على كتفه وأدخله البلد , فعوفي من جراحه وعاش بعد ذلك زمانا , والله ~~على كل شيء قدير. PageV01P354 # وكان هذا بعد دخلة صحار بثلاثة أشهر , فلما علم نبهان بموت أخيه ركب من ~~مقنيات إلى نيقل , وترك بعض عسكره في حصن مقنيات؛ وكانوا قد ملوه من كثرة ~~جوره وبغية , فعزموا على إخراجه من مقنيات؛ فتوجه رجل إلى الأمير عمير بن ~~حمير وسيف بن محمد لينتصر بهما؛ فسار الأمير عمير وسيف بن محمد بمن معهما ~~من القوم ودخلوا حصن مقنيات بلا منع ولا قتال ووأقاموا مدة أيام ثم ركبا ~~ببعض قومهما إلى نيقل , فعلم بذلك نبهان , فخاف منهما نبهان على نفسه , ~~فركب هو وأربعة من عسكره بلا زانة وقصدا إلى دار أخواله الريايسة , وذلك ~~لاثني عشرة خلت من صفر سنة ست وعشرين بعد الآلف. PageV01P355 # وأقام الأمير عمير بن حمير وسيف بن محمد في نيقل أياما؛ ثم أن عمير بن ~~حمير وهب البلاد لأهلها يأكلونها هنيئا مريئا ورجع إلى مقنيات , ثم أرسل ~~إلى أهل البلد فسالهم عما كان يأخذ عليهم نبهان , فقيل إنه كان يأخذ نصف ~~غلة النخل وربع الزرع , فاكتفى الأمير عمير منهم بعشر الزرع , وأمل أموال ~~السلطان فهي لمن أقام بالحصن؛ وجعل في الحصن عمر بن ابي سعيد , ورجع الأمير ~~عمير بن حمير وسيف بن محمد إلى بهلى , ثم أن نبهان بن فلاح أخذ جودا ms286 من ~~أخواله آل اليس؛ ووصل بهم الظاهرة ودخل فدى وأقام فيها مدة أيام , ثم جاء ~~أحد ممن كان له صاحبا من أهل ينقل؛ فقال له نحن ندخلك البلد ونثبت قدمك ~~ونشد عضدك وننصرك على القوم , ونستفتح لك الحصن؛ فسار بقومه ودخل نيقل ليلة ~~النصف من ربيع الآخر سنة ست وعشرين بعد الآلف؛ وحكم مقابض البلاد من أولها ~~إلى أخرها إلا الحصن , وكان فيه قبيلة من بني علي , فتحصنوا , وأحدق بهم ~~نبهان واستقام بينهم القتال , فخرج رجل من أهل الحصن ومضى إلى آل قطن بن ~~قطن , وكان الأمير يومئذ ناصر بن ناصر , فركب معه محمد بن محمد ابن محمد بن ~~جفير وعلي بن قطن بن قطن بن قطن بن علي بن هلال وناصر بن ناصر ابن ناصر بن ~~قطن بما عندهم من القوم , وكان مسكنهم ببادية الشمال , فساروا حتى دخلوا ~~نيقل , فاستقام بينهم وبين نبهان بن فلاح القتال. PageV01P356 # واشتد الطعن والنزال وارتفع العجاج وارتجت الفجاج , فانكسر عسكر السلطان ~~نبهان بن فلاح؛ فمنهم من قتل منهم من طلب التسيار فسير , ومنهم من مضى على ~~وجهه؛ وبلغ الخبر إلى سيف بن محمد الهنائي أن نبهان بن فلاح دخل نيقل , ~~فخرج بعسكره ليقاتل نبهان , فلما كان ببعض الطريق بلغه ما وقع على السلطان ~~نبهان بن فلاح من الأمر الكائن والقدرة الغالبة؛ فرجع بعسكره إلى بهلى. ~~وأما الأمير عمير بن حمير فإنه كان يومئذ يجمع الجموع لينصر بهم السلطان ~~مالك بن أبي العرب اليعربي على بني لمك فأمده بعساكر جمة؛ فكانت الدائرة ~~على بني لمك , ولبث سيف بن محمد الهنائي في بهلى وآل عمير في سمائل؛ ومالك ~~بن أبي العرب اليعربي في الرستاق , والجبور في الظاهرة , والنصارى في مسكد ~~وصحار وجلفار وصور وقريات , وخربت عمان بعد العدل والأمان , وعاثت فيها ~~الجبابرة , وقل فيها العلم والخير؛ وانضمت العلماء في بيوتها ولازمت سربها؛ ~~حتى قيل أن أمير وبل من الرستاق؛ وهو من اليعاربة احتاج إلى قاض فلم يجد ~~قاضيا من أهل الوفاق؛ فاتخذ قاضيا من أهل الخلاف ms287؛ فهم أن يضل الناس ويذلهم ~~عن بصيرتهم , فسمع به أهل عمان , فأرسلوا على ذلك الملك فعزله؛ وأرسلوا له ~~قاضيا من أهل الدعوة؛ فأخذ منه ناس من أهل الرستاق العلم وكان سببا ~~لحياتهم. # ويوجد أنهم استطولوا ليلة من الليالي؛ فظنوا ذلك بدء الساعة كلما قاموا ~~وصلوا ما شاء الله؛ ورقدوا ما شاء الله؛ وقاموا وصلوا ما شاء الله وجدوا ~~الليل على حالة؛ فقال لهم الشيخ صالح بن سعيد الزاملي أنظروا إلى البهائم ~~إن كانت تجتر فليست هذه ليلة الساعة؛ وإن كانت لا تجتر فإنها ليلة الساعة. PageV01P357 # وبقيت عمان كذلك حتى أظهر الله الإمام الأرشد والهمام الأمجد إمام ~~المسلمين ناصر بن مرشد رحمه الله؛ فاستفتح جميع عمان ودانت له جميع ~~البلدان؛ وطهرها من البغي والعدوان والكفر والطغيان؛ وأظهر فيها العدل ~~والأمان؛ وسار في أهلها بالحق والإحسان إلى أن توفاه الله إلى دار الرضوان؛ ~~ومن عليه وعلينا بالمغفرة والرضوان إنه كريم منان؛ وشرح ظهوره في الباب ~~الآتي والله والمستعان ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ~~ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ~~ارتضاه لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا؛ يعبدونني لا يشركون بي شيئا ). # هذا آخر الجزء الأول من تحفة الأعيان في سيرة أهل عمان؛ ويليه إن شاء ~~الله الجزء الثاني وأوله ( إمامة ناصر بن مرشد ). والحمد لله. # العنوان: http://ibadhiyah.net/maktabah/showtheead.php?theeadid=229 ~~PageV01P358 تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان (ج 2 ) # الإمام نور الدين عبد الله بن حميد بن سلوم السالمي # الفهرس # تنبيهات # باب إمامة الإمام # ذكر قتال مانع بن سنان العميري # ذكر فتح الصير # ذكر كراماته رضي الله عنه # ذكر ثناء العلماء على الإمام ناصر بن مرشد # ذكر عهود الإمام إلى عماله في القرى # باب إمامة سلطان بن سيف بن مالك ابن عم الإمام ناصر بن مرشد # باب إمامة الإمام بلعرب بن سلطان ابن سيف بن مالك # ذكر ترجمة الحبسي الشاعر # ذكر حصن جبرين الذي بناه هذا الإمام # ذكر خروج سيف بن سلطان على أخيه الإمام وحصاره له بجبرين # باب إمامة سلطان ms288 بن سيف بن سلطان بن سيف ابن مالك بن أبي العرب اليعربي # باب إمامة مهنا بن سلطان بن ماجدابن مبارك بن بلعب اليعربي # باب إمامة يعرب بن بلعرب بن سلطان بن سيف بن مالك # باب الأحوال الواقعة بعد تغلب يعرب ابن ناصر ومن معه على الدولة # باب افتراق أهل عمان بالتعصب الباطل إلى غافري وهناوي # باب إمامة محمد بن ناصر بن عامر بن رمثة بن خميس الغافري # باب إمامة سيف بن سلطان بن سيف ابن سلطان بن سيف بن مالك # باب إمامة بلعرب بن حمير بن سلطان بن سيف ابن مالك بن بلعرب # باب تغلب سيف بن سلطان على الأمر # باب إمامة سلطان بن مرشد بن عدي اليعربي # باب إمامة بلعرب بن حمير # ذكر الأحداث التي ذكرها حبيب بن سالم # في سيرته للإمام بلعرب بن حمير وخلعه بها من الإمامة # ذكر مقتل بلعرب بن حمير # باب انتقال الدولة من أيدي اليعاربة إلى أيدي آل بو سعيد # باب الأحوال الواقعة في أيام سعيد بن الإمام # ذكر دخول أبي نبهان ومن معه العقر لأجل إظهار الأمر حين أمكنته # ذكر خروج سلطان بن الإمام على أخيه سعيد بن الإمام # باب الأحوال الواقعة في دولة السلطان سعيد بن سلطان # ذكر ولاية طالب ابن الإمام على الرستاق من قبل ابن أخيه السلطان # بيان ما كان من ولد العبادي # ذكر تقليد حمود بن عزان للمسلمين # ذكر موت محمد بن ناصر الجبري PageV02P001 باب الأحوال الواقعة في دولة ~~السلطان ثويني بن سعيد بن سلطان # باب الأحوال الواقعة في دولة السلطان سالم بن ثويني # باب إمامة عزان بن قيس بن عزان ابن قيس بن الإمام # ذكر بيعة الإمام عزان بن قيس # ذكر سرية إبراهيم بن قيس أخي الإمام # إلى قتل راشد بن عمير البريكي وزير سالم بن ثويني # ذكر مواجهة القبائل للإمام # ذكر وقعة نفعا # ذكر سرية فيصل بن حمود إلى نحو المشرق # ذكر الحكم على أموال الملوك من آل بو سعيد # ذكر فتح الجو # ذكر فتح منح # ذكر ms289 فتح ازكي # ذكر فتح نزوى وهي بيضة الإسلام وكرسي مملكة العرب # ذكر غزوة جعلان # ذكر مسير الإمام بالجنود إلى البريمي لمدافعة أهل نجد وهم ملوك الوهابية # ذكر فتح الحزم # ذكر خروج تركي بن سعيد بن سلطان على الإمام # ذكر أحكام الإمام عزان بن قيس # ذكر كرامات الإمام عزان بن قيس # باب دولة السلطان تركي بن سعيد ابن سلطان ابن الإمام # باب دولة السلطان فيصل بن تركي ابن سعيد بن سلطان بن الإمام # كلمة لمصحح الكتاب # تنبيهات # بسم الله الرحمن الرحيم # وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه # تنبيهات # بعد انتهاء طبع الجزء الثاني من تحفة الأعيان بدا لي أن أقدمه ببعض ~~التنبيهات على ما اشتمل عليه من الغموض، وما فات المصنف أن يذكره في بعض ~~المواضع وكان جديرا بالذكر، ولا يعد هذا سوى مجرد التنبيه والتمليح فأقول: # ( التنبيه الأول ) # استعمل المصنف كثيرا من الكلمات التي هي لغة خاصة بأهل عمان كقوله: فخشى ~~ماله فنقع فيه من خلف. وضربه بالتفق. وما أشبه هذا والظاهر أنه كان يعول في ~~ظهور المعنى على مساق العبارة وهو أمر يصعب على أكثر الناس، فمثلا يريد ~~بخشى ماله قطع نخيله والمال للنخيل خاصة كذا قيل لي. ومعنى نقع فيه من خلفه ~~أطلق عليه البندقية فكان العرب لم تزل فيهم سجية وضع الألفاظ، فإن البندقية ~~إذا أطلقها الإنسان أثارت نقع البارود وهو دخانها فقالوا نقع فيه. والتفق ~~هي البندقية في الألفاظ الشائعة وأصل اللفظ من الاصطلاح التركي. # ( PageV02P002 التنبيه الثاني ) # كثيرا ما يطلق المصنف لفظ حربة فلا يريد معنى المفاعلة بين الطرفين؛ ~~وإنما يريد وجود الفعل من طرف واحد وهو الطرف المعتد به: طرف الدولة فيكون ~~المعنى شهر عليه الحرب على ما يتبادر. # ( التنبيه الثالث ) # ذكر المصنف في باب إمامة سلطان بن سيف بن مالك أن الإمام يومئذ كاتب ملك ~~اليمن في استرداد المدافع المتروكة بظفار، وإن ظفار غادرها الإمام اختيارا ~~فاستولى عليها ملك اليمن ولم يبين المصنف أن ظفار رجعت إلى حظيرة عمان وهي ~~اليوم تحت سلطة ms290 سلطان مسقط السيد تيمور بن فيصل، وذلك أنه لما استتب الأمر ~~للملك تركي بن سعيد جد الملك الحالي صرف همته إلى الاستيلاء على كل ما كان ~~تحت نفوذ أئمة عمان حول القطر العماني وأقرب ذلك ظفار لملاصقتها لعمان ~~فاستولى عليها وألحقها بمملكته فمنذ ذلك العهد حتى الآن فهي في نفوذ سلاطين ~~مسقط والله أعلم. # ( التنبيه الرابع ) # لم يذكر المصنف شيئا من تدخل الإنجليز في شؤون عمان وما كانوا يبثونه من ~~المكايد بين العرب منذ وجهوا جهودهم إلى تطويق جزيرة العرب للاستيلاء عليها ~~- لا قدر الله - حتى أعلنوا حمايتهم المزعومة على عمان، وهذا لم يقف عليه ~~غير الملتبسين بالسياسة والمؤلف من علماء الشريعة بل لم يكن في كتابته ~~مطلعا على شيء من الرسميات، لذا كان كتابه خال من ذكر شيء من ذلك، وخال من ~~ذكر ما بلغ إليه بعض الأئمة اليعربيين من سطوة الملك وعظمته البحرية إلى أن ~~صارت مملكة عمان في عهدهم أعظم مملكة في آسيا وأسطولهم الحربي أكبر أسطول ~~في بحر الشرق على الإطلاق إذ بلغ إلى مائة بارجة حربية كما روته بعض ~~المصادر الأوروبية بل ربما كان أكبر مما تذكره بالنسبة إلى ما عهد منها من ~~تصغير شأن كل شيء إسلامي وتقليل أهميته حتى في الحقائق التاريخية أحيانا. # ( التنبيه الخامس ) PageV02P003 ذكر المصنف أن سبب عود الإمامة العزانية ~~إلى عمان هو قيام العلماء وأهل البصيرة إلى طلب إجراء الأحكام الشرعية من ~~السلطان، ولما لم يجدوا بغيتهم أعلن أهل النظر الإمامة وبايعوا الإمام عزان ~~بن قيس فاستولى على جميع عمان، ولكن المصادر الأوروبية لم يرق لها ذلك ~~فوصمت ذلك الانقلاب بما هو بعيد عنه بعد الثريا عن الثرى، وكذلك كان الأمر ~~في عهد السلطان فيصل إذ بويع الإمام راشد بن سالم الخروصي سنة 1331 وهذا ~~يختلف مع ما روته بعض المصادر الأوروبية من أن انتقاض الأمة العمانية على ~~الملك فيصل هو إصرار إنكلترا على تجريد العرب من السلاح عندما شبت الحرب ~~العظمى 1333 من هنا تعلم ما قلناه من أن المصادر الأوروبية ms291 تنتقص كل حركة ~~إسلامية وتصفها بما يقلل أهميتها. فانتقاض العرب بعمان على الملك فيصل بن ~~تركي قبل الحرب العامة بنحو سنة ونصف، وذلك أنه في شهر جمادى الثانية سنة ~~321 قام العلماء حسب ما ذكره بعض الرسميات إلى مطالبة السلطان بتنفيذ ~~الأحكام الشرعية، وهذا لم يكن في استطاعته إذ هو مرتبط بالمعاهدات الدولية ~~فيما يتبادر، فلما لم يجد زعماء الدين المطالبون موافقة من السلطان بايعوا ~~الإمام راشد بن سالم الخروصي، واضطر الإنجليز السلطان فيصل إلى الاعتراف ~~بحمايتهم على مملكته، وأما من قبل على ما رأيت لم تكن الحماية موجودة، وهذا ~~ما استفدته من مكاتبة السلطان فيصل إلى قطب الأئمة شيخنا وقد رأيت مكتوبه ~~إليه يستفتيه في أمر الحماية بإحدى الدولتين العثمانية أو الإنجليزية، ثم ~~اردفه بآخر يخبره باضطراره إلى قبول حماية انجلترا - أي جبرا - الخ ما هنالك. # ( التنبيه السادس ) PageV02P004 اقتصر المصنف على الإشارة إلى فتوحات ~~الأئمة الخارجية ومستعمراتهم الإفريقية والهندية والفارسية واحتلالهم لقسم ~~من البلاد النجدية ومنها الرياض وما يليها فتحها الإمام سيف بن سلطان بن ~~سيف بنفسه حتى كان يؤثر عنه أنه قال: إن أعاشني الله لأجعلن المسافر من ~~نزوى إلى مكة يذهب بلا زاد. يعني بتعميره الطريق ونزوى عاصمة عمان، ولم ~~يذكر شيئا من التفصيل في شأن تلك المستعمرات إلا تلويحا، وقد نبه إلى أن ~~الغرض حصر الكلام على الوقائع الداخلية وتقلب الأحوال بعمان. # ( التنبيه السابع ) # لم يفرق المصنف بين العهدين الإنجليزي والبرتغالي، وإنما يشير إلى بعض ما ~~وقع معهما أو منهما ويطلق عليهما لفظ النصارى فما كان إلى عهد الأئمة ~~اليعربيين، فالمراد بهم البرتغاليون وما كان بعدهم فالمراد بهم الإنجليز. # ( التنبيه الثامن ) # لم يتوسع المصنف في أحوال العهد الملوكي بعمان سواء كان في القديم أو ~~الحديث ولعله لم يقصد غير إظهار شأن الأئمة وبيان ما كان لعمان من جلال ~~الحق وعظمة الدين، إذ لم تبق الإمامة بمعنى الكلمة في قطر إسلامي بعد ~~الخلفاء الراشدين كما بقيت بعمان أو لم تكن لديه مصادر وافية بالمراد في ~~ذلك العهد وهو ms292 الراجح على ما يتبادر؛ والله أعلم. # ( التنبيه التاسع ) PageV02P005 يكيف بعض الكاتبين من غير أصحابنا بعمان ~~ولا سيما المستعمرون، الانقلابات بعمان حسب ما يشاء له هواه، وقد يشتد ~~بعضهم في القول إلى حد الطعن السخيف ولم يتبينوا السر في وجودها، وذلك أن ~~الإمامة العمانية مشربة بروح النظم الشرعية التي يجري عليها الأئمة وهي ~~الحكومة المبنية على الشورى وانتخاب الإمام والعمل بالشريعة ورد كل شيء إلى ~~حكمها حسب ما كان عليه الخلفاء الأربعة الأول، وإذا ضعف هذا الأسلوب من ~~الحكم برزت الملكية إلى الميدان فيظهر الصراع بين الملكية والإمامة، وهو ~~كالصراع بين الملكية والجمهورية في الأقطار الغربية وليس من فرق ولكن من ~~الإضطرابات الأخيرة منذ ظهور الاستعمار بالهند ما هو بالدسائس الأجنبية ~~ولذلك لا تستقر كثيرا حتى تخمد أنفاسها. ومن الصراع بين الملكية والإمامة ~~الانقلاب الذي ظهر على أثره الإمام عزان بن قيس رضي الله عنه فإنه إمام ~~شرعي بإجماع الأمة رحمه الله وأسكنه فسيح جناته ووصف الأجانب له - وهم ~~أعداء كل شيء شرعي - بما هو هراء لا يطمس الحق ولا عبرة بمن تبعهم من ~~المسلمين في هذيانهم والله أعلم. # باب إمامة الإمام # المؤيد ناصر بن مرشد بن مالك بن أبي العرب، من ولد نصر بن زهران، وهو أول ~~إمام في اليعاربة وأول من قامت به دولتهم وكانوا قبل ذلك كغيرهم من العرب ~~رؤساء في الرستاق وما يليها بعدما تقسمت الممالك على أيدي الرؤساء على حسب ~~ما قدمنا ذكره في الباب السابق. وسبب اجتماع المسلمين بعد فرقتهم ما وقع ~~عليهم من أمراء الظلم وملوك الغشم من تراكم الفتن وشدة المحن، واختلفت آراء ~~أهل الرستاق ووقعت بينهم المحنة والشقاق وسلطانهم يومئذ مالك ابن أبي العرب ~~المقدم ذكره في الباب الأول وهو جد الإمام ناصر بن مرشد. PageV02P006 # ثم مات مالك وبقيت الرستاق في يد بني بنيه وهم أولاد عم الإمام فتراسل ~~المسلمون وتشاوروا أن ينصبوا لهم إماما يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر؛ ~~وقدوة العلماء يومئذ خميس بن سعيد الشقصي الرستاقي صاحب " منهج الطالبين " ~~قيل ms293 وفيهم مسعود بن رمضان النبهاني السمدى النزوى وصالح بن سعيد الزاملي ~~العقرى النزوى، بل قيل أن عدة العلماء يومئذ كانوا أربعين عالما أو يزيدون ~~ولعلهم لم يحضروا البيعة كلهم بل حضر بعضهم ورضى الباقون، وكانت بينهم ~~المراسلات والتشاور فوقعت خيرتهم على ناصر بن مرشد، وكان فيما قيل ربيبا ~~للقاضي خميس بن سعيد وكان قد عرفه قبل ذلك فدلهم عليه فرضى به الجميع ~~فعقدوا عليه الإمامة بالرستاق في عام أربع وعشرين بعد الألف. # وكان الإمام يسكن قصرى من بلد الرستاق، وكانت الممالك في يد الرؤساء ~~فعضده رجال اليحمد بأنفسهم وأمدوه بأموالهم وذخائرهم، وأجمع رأيهم أن ~~يهجموا على القلعة ليلا، وكان فيها بنوا عمه بعد موت جده مالك فاستفتحها ~~الإمام ثم توجه إلى قرية نخل وكان فيها عمه سلطان ابن أبي العرب فحاصره ~~أياما ثم افتتحها، وكانت فرقة من أهلها غير تابعة للإمام فظاهرت عليه ~~الأعداء فحصروه في الحصن ثم أتاه رجال اليحمد فنصروه، وبدد الله شمل ~~أعدائه، وقيل أنه في هذه الغزوة أظهر الله له كرامة فأشبع جراب تمر ~~أربعمائة رجل، كذلك مورة أرز وهي في التقدير عن نصف جونية، وذلك فضل الله ~~يؤتيه من يشاء. PageV02P007 # وأقام بنخل واليا ثم رجع إلى الرستاق ثم قدمت إليه رسل من نزوى يدعونه ~~إلى ملكها فأجابهم إلى ذلك، وسار في قومه من رجال اليحمد وأناخوا بشرجة صفد ~~من سمد نزوى، وأقام بها ليلة فلم يصدقوه فيما وعدوه فرجع إلى الرستاق وأقام ~~بها مدة. ثم جاءه أحمد بن سليمان الرواحي ورجال من بني رواحة وقوم من عصبة ~~مانع بن سنان العميري ملك سمائل يومئذ، فأقاموا معه يدعونه إلى ملك سمائل ~~ووادي بني رواحة فأجابهم وسار في رجال اليحمد حتى جاوز حدش ونزل وادي بني ~~رواحة، وترك بعض قومه عند الأمير مانع بن سنان بعد أن دخل في طاعة الإمام، ~~واتفق رأي الإمام والأمير مانع أن يتوجها بالجيش إلى نزوى وسار معهم القاضي ~~خميس بن سعيد، وناصرت الإمام عصبة من أهل أزكي بالمال والرجال فملك أزكي ms294 ~~وقصد نزوى، فتلقاه أهلها بالكرامة ودخلها على حال السلامة ونزل منها ~~بالعقد، وأقام فيها العدل والإنصاف، وكانت فرقة من أهل العقر يقال لهم بنو ~~أمبو سعيد، وهم رؤساء أهل العقر. # وقيل أن أصلهم من بني نافع وهم رهط الشيخ بشير بن المنذر تسفهت أحلامهم ~~وشايعهم قوم من أهل سوق نزوى واجتمعوا أن يدخلوا على الإمام بجيشهم يوم ~~الجمعة عند السعي إلى الصلاة فأخبر الإمام بذلك وتحقق أمرهم عنده فأمر ~~بإخراجهم من مكانهم ونهى عن قتلهم، بل أمر أن ينفوا من أماكن الإمام فخرجوا ~~صاغرين والتجأ جمهورهم إلى مانع بن سنان في بلد سمائل، وكان مانع قد أعطى ~~الإمام العهود والمواثيق على الطاعة فخان ونكث والتجأت فرقة منهم إلى سيف ~~بن محمد الهنائي ببهلى ووازرته على حرب الإمام فاستقام الحرب بين الإمام ~~والهنائي فأمر الإمام ببناء حصن في عقد نزوى؛ وكان قديما قد بناه الصلت ابن ~~مالك فأتم الإمام بنيانه. PageV02P008 # وجاء إليه أهل منح يدعونه إلى إقامة العدل فيهم، فتوجه إلى منح وافتتحها ~~وأظهر العدل فيها؛ وظاهره أهلها بأموالهم وأنفسهم، ثم رجع إلى نزوى، ثم ~~أتاه أهل سمد الشان، وكان المالك لها علي بن قطن الهلالي فوجه الأمام لها ~~جيشا يقدمهم الشيخ الفقيه مسعود بن رمضان فافتتحها، ثم أتاه أهل إبرى، وكان ~~المالك لها محمد بن جفير بن جبر، فجيش عليها الإمام وافتتحها ودانت له سائر ~~الشرقية ما خلا صور وقريات فإنهما كانتا في يد النصارى، ثم إن الإمام جهز ~~جيشا وسار على الهنائي ببهلى، فوصل إلى قاع المرخ فخان بعض جيشه فرأى ~~الرجوع أصلح فرجع إلى نزوى وجعل يجمع الجيوش والعساكر فاجتمع له خلق كثير، ~~فسار بهم إلى الظاهرة وافتتح وادي فدى وأمر ببناء حصنها، ونصره أهل العلاية ~~من ضنك، وكان مقدمهم الشيخ العالم خميس بن رويشد ورجال الغياليين، واستقام ~~أمره بها على رغم القالين. # ثم خرج الإمام يطوف بممالكه حتى وصل سمد الشان ومعه بنو ريام ورجع إلى ~~الرستاق، ثم خرج على الإمام محمد بن جفير فدخل قرية نخل ms295 واحتوى عليها ما ~~خلا الحصن فنهض إليهم الإمام بجيش عرمرم ونصره رجال المعاول، فما لبث القوم ~~فيها غير ليلة أو ليلتين حتى ولوا الأدبار، ثم رجع الإمام إلى الرستاق، ثم ~~تحركت الظاهرة فأقبل الشيخ خميس بن رويشد يستنصر الإمام عليها فجهز الإمام ~~جيشا وسار مع الجيش بنفسه حتى نزل بالصخبرى ونصره أهل السر ورجال الضحاحكة ~~بالمال والرجال، ومضى قاصدا حصن الغي وفيه جمهور آل هلال ومعهم البدو ~~والحضر فاستقام بينهم الحرب، وكانت وقعة عظيمة قتل فيها أخو الإمام جاعد بن ~~مرشد، ثم توجه الإمام إلى عبري فافتتحها وأقام بها ليلتين ورجع إلى ~~الصخبرى، وحصر حضن الغي حتى فتحه الله له، فولى فيه خميس بن رويشد، وجعل ~~بقرية بات واليا من أهل الرستاق، وجعل معه محمد بن سيف الحوقاني وأمرهما ~~بفتح ما بقى من قرى الظاهرة. PageV02P009 # ورجع الإمام إلى نزوى ثم خرج عليه آل هلال، وكانوا بناحية ظنك في موضع ~~يقال له الإفلاج، فغزوا الظاهرة فالتقاهم ولاة الإمام بموضع يقال له الدير ~~ففضوا جميعهم؛ وأخذوا إبل قطن بن قطن ليستعينوا بها عليهم، وحاصروا حصن قطن ~~بن قطن. # وركب قطن إلى الإمام ففدى إبله بتسليم حصنه، فأنعم له الإمام برد الإبل ~~وسلم قطن الحصن، فأقام به الإمام واليا، ثم توجه الولاة إلى حصن مقنيات، ~~فحاصروه وكان به وزير من قبل الجبور؛ فجيش الجبور بني هلال من بدو وحضر ~~وأولاد الريس، ونهضوا إلى مقنيات، فظنوا أن لا طاقة لهم بها، فقصدوا إلى ~~بات، فخاف الولاة عليه لقلة الماء به ولأنه عليه المعتمد، فسار المسلمون من ~~مقنيات إلى بات؛ ولم يشعر بهم الجبور؛ فوقع بينهم القتال من صلاة الفجر إلى ~~نصف النهار، فشق ذلك على المسلمين، وكثر القتل في البغاة؛ حتى قيل أنهم ~~عجزوا عن دفنهم، فكانوا يحملون السبعة والثمانية في خشبة، وثبت الله ~~المسلمين، فلما بلغ الخبر إلى الإمام جيش جيشا وأم به الهنائي ببهلى. # وكان دخوله ببهلى ليلة عيد الحج فحاصرها شهرين إلا ثلاثة أيام، ثم أقبلت ~~الجبور لنصرة الهنائي فالتقتهم جحافل ms296 الإمام فاقتتلوا قتالا شديدا؛ وقتل من ~~جيش الجبور قاسم بن مذكور الدهمشي وناس كثير، فرجعت الجبور وبقى الهنائي ~~ومن معه محصورين حتى سلم الحصن؛ وخرج منه بجميع رجاله وآلة حربه وماله وبقى ~~الحصن خاليا، فأقام الإمام فيه واليه ورجع إلى نزوى. PageV02P010 # ثم توجه الإمام إلى سمائل لمحاربة مانع بن سنان العميري لنكثه العهد ~~ونقضه الميثاق، فلم يمتنع مانع من الإمام وصالحه على أن لا يخرجه من حصنه؛ ~~بل يكون تابعا للحق فتركه الإمام ثم عزم الإمام على بناء حصن سمائل القديم، ~~فبناه وشيد أركانه وجعل فيه واليا ورجع إلى نزوى، ثم جهز جيشا إلى مقنيات ~~وسار إليها فلما وصلها وقعت بينهم الحرب فنصره الله عليهم، فما لبثوا في ~~حصنهم إلا ثلاثة أشهر؛ وافتتح الإمام الحصن وجعل فيه محمد بن علي بن محمد ~~واليا، ثم إن سعيد الخيالي ومن معه أسروا العداوة للإمام وكاتبوا عليه ~~الجبور وأدخلوهم قرية الصخبرى، وقتلوا رجلا من الضحاحكة وناسا من شراة ~~الإمام، فدافعهم من حضر؛ ووقعت بينهم وقائع في مواضع، منها وقعة بالعجيفة ~~وهي وقعة شديدة، ومنها وقعة بالغابة ومنها وقعة بالمطهرة، ومنها وقعة ~~بالزيادة، وهي وقائع شديدة كاد أن يتزعزع منها ركن الإسلام، وقد أدبر عن ~~الوالي كثير من قومه؛ وما بقى عنده إلا القليل، فبقى محصورا في حصن الغي، ~~فجيش والي مقنيات؛ وهو محمد ابن علي، وجاء ناصرا للوالي محمد بن سيف ~~المحصور في حصن الغي؛ فدخل البلد من غير علم من العدو، ففرق شملهم في سائر ~~البلاد؛ فمنهم من دخل الصخبرى، ومنهم من قصد ينقل، ومنهم من هرب في ~~الفيافى، وكانت ينقل في ملك ناصر ابن قطن بن جبر ونصر الله المسلمين. PageV02P011 # ثم إن مانع بن سنان صاحب سمائل كاتب سيف بن محمد الهنائي الذي كان ببهلى ~~كاتبه سرا وجمعا الجموع ودخلا نزوى ولم يخل أهلها من خديعة وعصيان، وظاهرهم ~~بعض القبائل، فدخلوا نزوى واحتووا على العقر، وما بقى للإمام سوى الحصن ~~وداروا به أشد ما يكون، وكانوا لكثرتهم أن يهدموا عليه السور ms297 حتى جاءته ~~النصرة من إزكي وبهلا ومعهم بنو ريام؛ فدخلوا على الإمام فسر بقدومهم ~~فتفرقت عنه جيوش أعدائه بعد أن قتل من قتل منهم؛ فأشار من أشار إلى الإمام ~~بهدم حصن مانع بن سنان الكائن بسمائل؛ فجهز له جيشا وعلم به مانع، فخرج من ~~حصنه إلى فنجا إلى مسكد؛ ثم خرج منها إلى لؤى عند محمد بن جفير. # ثم وجه الإمام الجيش إلى دار سيت، لأن سيف بن محمد بعد خروجه من بهلى بنى ~~بدار سيت حصنا جعله للبغي مأوى؛ فجهز الإمام الجيش لهدمه، وأمر عليهم الشيخ ~~عبدالله بن محمد بن غسان مؤلف " خزانة الأخيار في بيع الخيار " فلما نزل ~~الجيش بدار سيت خاف الهنائي على نفسه؛ فخرج من حصنه هاربا؛ فأمر القائد ~~بعدم الحصن فهدم. ثم أتى الهنائي إلى الإمام يطلب منه العفو والصفح فعفا ~~عنه، ثم جهز الإمام جيشا عظيما سار فيه بنفسه وقاضيه خميس وقصد به ينقل؛ ~~وفيها يومئذ ناصر بن قطن؛ فحاصرها أياما وافتتحها وجعل فيها واليا ورجع إلى ~~الرستاق ثم جهز جيشا آخر أمر عليه عبدالله بن محمد بن غسان النزوى؛ وأمره ~~أن يقصد الجو؛ فسار إليها وصحبه من الأعيان خميس بن رويشد الضنكي وحافظ بن ~~جمعه الهنوى ومحمد بن علي الرستاقي ومحمد بن سيف الحوقاني؛ فأتى الجو ~~واستفتحها وولى عليها محمد بن سيف؛ ثم قصد القائد بالجيش إلى لوى؛ وكانت ~~فيها الجبور فاختلفوا فيما بينهم وقتل محمد بن جفير ووقعت بينهما العداوة؛ ~~فنزل عبدالله منها بالجامع؛ ودارت عساكره بالحصن؛ وكان مالكه سيف بن محمد ~~بن جفير وعنده مانع بن سنان العميري. PageV02P012 # وأما إخوة سيف وأعيان قومه فإنهم التجأوا إلى النصارى بصحار وصاروا يمدون ~~إخوانهم المحصورين بالطعام وآلة الحرب؛ ويغزون جيش الإمام ليلا؛ ثم جهز ~~القائد سرية ولى عليها محمد بن علي وأمرهم أن يهجموا بالليل على من بصحار ~~منهم؛ فكبسوهم قبل الصباح في الموضع المسمى منفل مقرن؛ وهو مما يلي الجنوب ~~من الحصن على ساحل البحر؛ فدارت بينهم رحى الحرب واشتد الطعن والضرب؛ ثم ms298 ~~رجع منصورا؛ ولم يزالوا محاصرين لحصن لوى حتى أرسل إليهم سيف بن محمد بن ~~جفير يريد الأمام فخرج خفية؛ ثم خرج من معه ودخل القائد الحصن؛ وكان الحصار ~~في ستة أشهر. # وكان ناصر بن ناصر بن قطن ورجال العمور قد ظاهروا القائد على حصار الحصن ~~لما تقدم من الخلاف بين الجبور، فجعل القائد واليا في الحصن من جناب ناصر ~~ابن ناصر؛ وجعل معه بعض الرجال الموفين الموثوق بهم في الأمانة والعلم ثم ~~رجع القائد إلى الإمام منصورا. # ثم جهز الإمام جيشا أمر عليه مسعود بن رمضان، وأمره أن يسير إلى مسكد، ~~وكان فيها يومئذ النصارى، فسار مسعود بمن معه حتى نزل طوى الرولة في مطرح ~~فخرج إليهم النصارى فتعاطوا كؤوس الحمام وعظم بينهم الالتحام، فنصر الله ~~المسلمين وهزم المشركين وقتل منهم خلق كثير لا يحصون عددا فتمنعوا بالكيتان ~~وبعالي البنيان، وهدم المسلمون من مسكد بروجا شامخة وأبنية منيعة، ثم أن ~~النصارى طلبوا الصلح فصالحهم القائد على فك ما في أيديهم من أموال العمور ~~وأموال الشيعة من صحار، فأذعنوا لذلك وأخذ منهم العهود وأعطاهم الأمان ورجع ~~إلى الإمام منصورا. # ذكر قتال مانع بن سنان العميري # وذلك أن مانعا لم يزل مضمرا للعداوة قادحا في الدولة، يعطي العهد وينقضه ~~ويذعن للطاعة وينكث، ويطلب للإمام الغوائل، ويلتمس للدولة الخلل، فاستأذن ~~مداد بن هلوان الإمام في قتل مانع بالاحتيال، فأذن له، فكاتبه مداد ليدخله ~~حصن لوى؛ وأطمعه فيه بلطف. PageV02P013 # وكان الوالي فيها يومئذ حافظ بن سيف فلم يزل مداد يكاتب مانعا ويتلطف، ~~وكان مانع في دبا؛ فركن إلى قول مداد وفرح به وطمع في الحصن، فركب من دبا ~~إلى صحار، فأقام بها أياما ينتظر أمر مداد؛ فجدد له مداد الوعد، وضمن له ~~بدخوله الحصن، وواعده على ليلة معلومة، فلما كانت تلك الليلة فرق الوالي ~~العسكر يدورون في البلاد كأنهم يسيرون، وتعاهدوا أن يلتقوا على مانع من ~~اليمين والشمال، فلم يدر مانع إلا وقد أحاطت به الرجال، فأخذ قهرا وقتل ~~صبرا وتفرقت جنوده؛ وقتل من ms299 بقى معه. # ذكر فتح الصير # وهي جلفار، وكان فيها العجم وبعض النصارى؛ فجهز إليهم الإمام جيشا وأمر ~~عليه علي بن أحمد وعضده ببني عمه من آل يعرب، فسار بالجيش إلى جلفار ~~ومالكها يومئذ ناصر الدين العجمي، فأحاط بهم جيش الإمام. # وكان بحصن الصير برج معتزل له جدار متصل بالحصن، وفيه قوم تقاتل بالليل ~~والنهار، وكانت النصارى في البحر تدفع بمدافعها المسلمين عن الحصن، فعزم ~~المسلمون على الهجوم على البرج؛ فهجموا عليه ليلا وأخذوه قهرا، ومالوا على ~~الحصن فافتتحوه؛ وجعل فيه قائد الجيش واليا. وكان فيها حصن على الساحل ~~للإفرنج، فسار إليه بعض الجيش، وفيهم رجال الدهامش، وخميس بن محزم، فدخلوا ~~الموضع نهارا واحتووا على ما فيه؛ فامتنع النصارى بالحصن، فحاصرهم المسلمون ~~وبنوا حولهم حصنا، فذل المشركون وطلبوا الصلح، على أن يهبطوا من الحصن، ~~فصالحهم القائد، فهبطوا، وجعل القائد فيه واليا، ورجع علي بن أحمد بمن معه ~~إلى نزوى، فاستبشر الإمام بالفتح، واستبشر المسلمون بقدومه وبفتح الصير. PageV02P014 # ثم إن الإمام أمر حافظ بن سيف واليه على لوى وكان معه رجال العمور شراة ~~أن يسير إلى صحار ويبني بها حصنا، وكان بها يومئذ النصارى، فأرسل الوالي ~~إلى من بقربه من القرى من بني خالد وبني لام والعمور؛ واجتمع معه عسكر ~~كثير، وكان رجال من صحار يدعونه إلى ملكها فمضى إليها بجيشه وبات بقرية عمق ~~وعميت الأخبار على أهل صحار، حتى صبحها ضحوة النهار في آخر يوم من محرم ~~الحرام في سنة ثلاث وأربعين بعد الألف فنزل بموضع يقال له البدعة، فزحف ~~المسلمون على المشركين حتى وصلوا إلى حصن ابن الأحمر، واشتد بينهم الطعن ~~والضرب، وكانت النصارى تدفع بمدافعها من الحصن، وكان الظفر فيها للمسلمين. ~~ثم انتقل الوالي من البدعة إلى مكان هو أقرب إلى العدو، فجاءت ضربة مدفع ~~فاخترقت القوم حتى وصلت مجلس الوالي، فأصابت راشد بن عباد فمات شهيدا رحمه الله. # ثم أخذ الوالي في بناء حصن فأسس في الحال وتم بنيانه ونزل به الوالي، ولم ~~تزل الحرب قائمة بالليل والنهار ms300. # ثم إن القاضي خميس بن سعيد سار بمن معه من رجال اليحمد وغيرهم حتى نزلوا ~~قرية بوشر. # فأرسلت النصارى إليه تطلب الصلح فأجابهم إلى ذلك وأرسل عيونه إلى مسكد؛ ~~ثم ركب بمن معه حتى نزل مطرح، فواجهته وجوه النصارى وصالحته، ورفع عنهم ~~الحصار، وفك عنهم المقابض، ورخص للناس في السفر إليهم، وكفت الأيدي عن ~~القتال. # ثم إن الإمام جهز جيشا إلى صور فحاصرها الجيش حتى فتحوها، وسار بعض الجيش ~~إلى قريات، وكان بها حصن للنصارى؛ فبنى فيها المسلمون حصنا وفتحوا حصن ~~النصارى، واحتوى الإمام على جميع عمان إلا صحار ومسكد ففيهما النصارى على ~~الصلح السابق تحت الطاعة. # ثم إن ناصر بن قطن بعد خروجه من ينقل هرب إلى الإحساء وبقي بمن معه يغزو ~~بادية عمان ويأخذ المواشي وينهب من لقى، ويفعل ذلك كل سنة ويرجع إلى ~~الإحساء؛ فكتب الإمام إلى الوالي محمد بن سيف أن يتجسس عن قدوم ناصر؛ فإذا ~~علم به التقاه بالجيش دون عمان. PageV02P015 # فجمع الوالي العسكر من البدو والحضر، فلما علم بقدوم ناصر تلقاه؛ فلما ~~علم ناصر بجيش الإمام قصد الظفرة ودخل حصنها، وتعصب له بنو إياس؛ ووجه ناصر ~~رسله إلى الوالي يطلب الصلح، وكان قد قل على الوالي الزاد وبعدت عليهم ~~الدار فصالحه على رد ما نهبوا وغرم ما أتلفوه مما اكتسبوه، ورجع الوالي بمن معه. # وأما ناصر فإنه جمع البدو من الظفرة، فعزم على الهجوم على حصن الجو؛ وكان ~~فيه أحمد بن خلف واليا، وتابع ناصرا كافة أهل الجو وأعانوه على الوالي، ~~وداروا بالحصن، فعلم به الولاة من الباطنة والظاهرة، فأتوه ناصرين، فخرجت ~~جيوش الأعداء منهزمين. # ثم أتى القائد الأكبر عبدالله بن محمد من نزوى بجيشه، فأمر بهدم حصون ~~الجو كافة ما خلا حصن الإمام؛ وتفرقت الأعداء، وقصد عمير بن محمد صحار مع ~~النصارى، وقصد الباقون العقبة من جلفار؛ فكانوا يقطعون الطرق ويغزون ~~البلدان؛ فسارت عليهم الولاة، فقتل من قتل، وانهزمت الأعداء، وأخذ الوالي ~~إبلهم ورجع إلى عمان؛ ولعل أخذ الإبل كان للاستعانة عليهم ما ms301 دامت الحرب ~~قائمة. ومضى ناصر بن قطن ومن معه إلى الباطنة فهجم بمن معه على إبل بني ~~خالد وبني لآم فأخذوها وسلبوا ما على النساء من الحلي والكسوة؛ ورجعوا بذلك ~~إلى الإحساء. # ثم إن ناصر بن قطن أتى إلى عمان مرة أخرى، وقصد الباطنة للنهب والسلب ~~فجهز له الإمام جيشا، وأمر عليه علي بن أحمد؛ وعضده بمحمد بن صلت الريامي ~~وعلي بن محمد العبري، وأحمد بن بلحسن البوشري. فمضوا إلى لوى، فأقبل ناصر ~~ابن قطن بقومه فوقع بينهم الحرب. PageV02P016 # ثم ركب ناصر بمن معه إلى قرية مجيس فاتبعه الوالي بمن معه، ثم ركب ناصر ~~قاصدا أرض الشمال فركب الوالي في طلبه؛ وكان أول من لحقه أحمد بن بلحسن ~~البوشري ومراد وراشد بن حسام وبعض الشراة بموضع يقال له الخروس فوقع القتل ~~في المسلمين قبل أن يتكامل جيشهم، قتل المتقدمون أجمع ولله الدوام. فلما ~~وصل الجيش رأوا أصحابهم صرعى؛ ولم يروا أحدا من قوم ناصر ثم إن ابن حميد ~~محمد بن عثمان الخالدي، وكان من أصحاب ناصر بن قطن، غزا بلاد السر، وكان ~~فيها محمد بن سيف الحوقاني واليا؛ وفيها أيضا سعيد بن خلفان أحد أنصار ~~الإمام، فأناخ ابن حميد بقرب الغبى من الظاهرة، فطلب سعيد بن خلفان من ابن ~~حميد المواجهة للمشافهة؛ فأجابه في ذلك من غير أن يأخذ لنفسه أمانا؛ ~~فتواجهوا في مسجد الشريعة من الغبى، فجرى بينهما الكلام في التجرى على ~~أموال الناس وقتلهم ونهب أنعامهم، فقال سعيد بن خلفان لابن حميد: أما ترد ~~ما أخذت ونهبت من أموال العباد؟ فأعرض عنه بوجهه وتولى وقال: حاش وكلا ~~وأظهر عتوا وعنادا، فأمر سعيد بأسره فأسر وأمر به فأدخل الحصن، ثم أمر به ~~فقيد، ثم ركبوا به إلى الرستاق؛ فأرسل سعيد إلى الإمام بخبره؛ فأجابه بأن ~~يحمله في قلعة الرستاق فحبس بها خمسة أشهر. وفي بعض النسخ سبعة أشهر ثم مات ~~في حبسه ليلة السابع من الشهر. # ثم إن الإمام جهز جيشا من الباطنة وعمان، وأمر عليهم سعيد بن خلفان ms302 وعضده ~~بجفير بن محمد بن جفير وأمره أن يسير إلى الشمال فيأخذ إبل ناصر بن قطن، ~~وهي قوته التي يستعين بها على بغيه، فسار القائد بمن معه فالتقاه بنو إياس ~~دون الإبل في موضع يقال له الشعيبة، وهو قرب الظفرة، فاقتتلوا واشتد بينهم ~~الضرب والطعن، وقتل أمير بني إياس صقر بن عيسى وجماعة من رجاله، ثم غضب ~~محمد بن عيسى لقتل أخيه، ورأى الموت خيرا له من الحياة بعده، فحمل على جيش ~~المسلمين؛ فالتقوه فقتلوه، فطلب بنو إياس العفو فعفا عنهم ورجع. PageV02P017 # ثم جهز الإمام جيشا آخر من الباطنة وغيرها، وأمر عليهم أيضا سعيد بن ~~خلفان وعضده بعمير بن محمد بن جفير الجبرى، وأمرهم أن يسيروا إلى ماء يقال ~~له دعفس، عليه إبل ناصر بن قطن، وهو في ناحية الشمال، فوجدوا الإبل هنالك ~~وأخذوها ورجعوا منتصرين آمنين، فجعلوا الإبل أمانة عند عمير بن محمد بن ~~جفير، وكان لعمير راع يقال له علي؛ فأشار إليه بعض الخدم بأخذ الإبل ~~والتقرب بها إلى ناصر بن قطن، فسار بها إليه، ثم إن ناصر بن قطن وعلي بن ~~محمد ما زالا يغزوان بمن معهم أطراف عمان، ويقطعون الطرق، حتى خافت منهم ~~البادية والتجأوا إلى البلدان؛ فجهز الإمام جيشا أخرج فيه بني عمه سيف بن ~~مالك وسيف بن أبي العرب وحزاما، وأخرج معهم رءوس القبائل، فساروا قاصدين ~~ناصر بن قطن ومن معه، فنزلت أول زمرة من جيش الإمام وفيها شرارة الجيش ~~فبادرهم العدو قبل أن يتكاملوا، فقتلوا عن آخرهم؛ وخرج ناصر بن قطن إلى ~~الإحساء، ورجع الجيش وقد أصيبوا بإخوانهم، ثم إنه لم يكن لناصر بن قطن بعد ~~هذا ذكر؛ فلعله مات أو ضعفت قوته؛ وظهر أمر الإمام وانتشر عدله في الخاص ~~والعام واستولى على جميع عمان إلا مسكدا، فقد كان فيها النصارى، وقد تقدم ~~أنهم صالحوا مرتين ونكثوا، وما زالوا ينكثون؛ ثم نصب لهم الإمام الحرب حتى ~~وهنوا وضعفوا ووهي سلطانهم وتفرق أعوانهم؛ وكاد الموت والقتل يأتي على ~~أكثرهم. # ثم توفي رضي الله عنه ms303 والمسلمون عنه راضون وله مؤازرون ومناصرون: وكانت ~~وفاته يوم الجمعة لعشر ليال خلون من ربيع الآخر سنة خمسين وألف؛ وكانت ~~إمامته ستا وعشرين سنة؛ ودفن بنزوى مع مساجد العباد، وكان عمره يومئذ ستا ~~وأربعين سنة إن صح ما قيل إنه نصب وهو ابن عشرين سنة؛ ومات ولم يعقب إلا ~~ابنة واحدة؛ فعدوا ذلك من كراماته؛ إذ اتفق له في هذا الحال ما اتفق لرسول ~~الله صلى الله عليه وسلم فإنه مات ولم يعقب إلا ابنة واحدة، هي فاطمة ~~الزهراء؛ وماتت بعده بستة أشهر والله أعلم. PageV02P018 # ذكر كراماته رضي الله عنه # فمن ذلك ما قيل أن ليلة مولده رؤيت النجوم كأنها تتهاوى بعضها على بعض ~~فارتاع الناس لذلك وقيل إن الإمام كان ذات ليلة راقدا على سطح بيته فرأت ~~أمه كأن ناسا عليهم لباس فاخر يصلون عليه فارتاعت لذلك، وقيل أن رجلا كان ~~نائما في مسجد قصرى من الرستاق فرأى كأن في إحدى زوايا المسجد سراجا مضيئا ~~فلما انتبه رأى في تلك الزاوية الإمام مضطجعا وذلك قبل أن يعقد له، وقيل إن ~~أمه كان لها زوج بعد أبيه، وكان الإمام رحمه الله يأمرها أن تصنع له طعاما ~~قبل طعامهم لئلا تبقى من بقية من طعام زوجها فتدخل في طعامه فخالفت أمره ~~يوما فعجنت طحين زوجها ثم خبزته ولم تغسل الوعاء فصبت طحين الإمام في ذلك ~~الوعاء فقيل أن يدها لصقت بالطوبج ولم تقدر على نزعها حتى رضي عنها الإمام، ~~وقيل أن أناسا من السفهاء اجتمعوا في بيت رجل منهم يسبون الإمام بعد بيعته ~~فنهتهم زوجة صاحب البيت فلم ينتهوا فخرجت عنهم فخر عليهم سقف البيت فماتوا جميعا. # وقيل إن امرأ شتم الإمام فورمت رجلاه بالحال فمات. واستهزأ مملوك بثياب ~~الإمام بعد موته فمسها بظهره فمات من يبس ظهره. وقيل أن مطية أطلت من طعام ~~بيت المال فتحرشت ولم تزل كذلك حتى رأت الإمام فأتت إليه فوضعت رأسها على ~~عاتقه، فلم تزل كذلك حتى جاء ربها فسأله الإمام عن حالها فأخبره أنها ms304 أكلت ~~من طعام بيت المال فتحرشت فرضى له الإمام وأحله ومسح بيده الكريمة على ~~رأسها فبرئت مما بها وزاد في بعض الكتب فقال: وكثير من الدواب إذا أكلت من ~~مال المسلمين دون رأيه تألمت بالفور والله أعلم. PageV02P019 # وقيل إن جراب تمر أشبع أربعمائة من قومه، وكذلك مورة أرز أشبعت أربعمائة ~~من قومه وذلك في غزوة نخل. وقيل في ليلة من الليالي التي قامت فيها البغاة ~~على الإمام بعقر نزوى سمع ناس صلصلة وقعقعة فرأى رجل في المنام كأنه يسأل ~~عن ذلك فقيل له إن بعض الجن أعان الإمام على أعدائه، وكذلك قيل أن أعداءه ~~سمعوا تلك الليلة زلزال ورجفة وكأنهم يخطفون من على السيران حتى انهزموا، ~~وقيل أنه كان الإمام ذات ليلة نائما فوق سطح في أيام الحر إذ أتى إليه رجل ~~يريد قتله فوقف على رأس الإمام وفي يده خنجر مشحوذة والإمام نائم فلم يقدر ~~أن ضرب الإمام وأمسك الله على يده حتى انتبه الإمام فرآه واقفا على رأسه ~~وبيده خنجر مشحوذة فسأله ما تريد؟ فقال: ما يسعني غير عفوك فعفا عنه ولم ~~يعاقبه. # وقيل أن بدويا ضلت له ناقة فمضى في طلبها فبينما هو يمشي إذ رأى أثر قدم ~~إنسان فاستعظمها فجعل يقصها حتى انتهت به إلى غابات شجر فسمع صوتا من داخل ~~الشجر أن مطيتك في مكان كذا من موضع كذا فامض إليها وقل للإمام ناصر يلزم ~~هذه السيرة فإنها سيرة النبي صلى الله عليه وسلم. فمضى البدوي مرعوبا وقصد ~~الموضع الذي وصف له فرأى مطيته في المكان الموصوف ثم مضى إلى الإمام، ورأى ~~الإمام في نومه أن بدويا أتاه يبشره أنه على سيرة النبي صلى الله عليه وآله ~~فلما وصل إليه البدوي رآه في يقظته كما رآه في نومه فحدثه بما جرى عليه ~~وبما سمع فحمد الله الإمام على ذلك وأمر للبدوي بنصف جراب تمر ونصف جرى حب ~~وثوب فمضى البدوي شاكرا ولفضل الإمام ذاكرا. PageV02P020 # وفي بعض الكتب أن البدوي كان من بني قتب وأنه كان ms305 رجلا صالحا في دينه وإن ~~أثر القدم التي رآها كان طولها ذراعا أو أكثر فسار في طلبه فوجد رجلا في ظل ~~شجرة فكز جنبه منه لما رأى من عظم صورته وشعره والأنوار ساطعة لائحة في ~~وجهه فقال له السلام عليك يا عبد الله فقال له: وعليك السلام يا عبد الله. ~~فقال له: أنت من الجن أم من الإنس؟ فقال له: من الإنس. فقال له: من أين ~~أقبلت؟ فقال: من البرية فقال له: من أنت؟ فقال له: أنا الخضر هل من حاجة؟ ~~فقال له لا. # ثم قال له القتبى هل من حاجة لك؟ فقال له: نعم أقرئ مني السلام الإمام ~~ناصر بن مرشد، ثم وقع بياض في الأصل وذكر في آخر كلامه أن الإمام جعل ~~للبدوي فريضة له ولأولاده لأجل البشارة، وفي كتاب للقاضي ابن عبيدان ذكر ~~فيه من حضره من علماء أصحابنا العمانيين قال: أخبرني محمد بن طالوت عن نجدة ~~النخلي أن الخضر عليه السلام كان من أهل السر في قرية عمان. ومن ورعه ~~وتعففه رضي الله عنه كان يعطى نفقه له ولعياله من بيت المال، ولم تكن لهم ~~قدر يطبخون فيها طعامهم فكانت زوجته تنقص من النفقة يسيرا يسيرا حتى باعته ~~واشترت به صفرية، فلما رآها الإمام سألها من أين لك هذه الصفرية؟ فأخبرته ~~بما صنعت. فقال لها: أتستعملينها وهي لبيت المال وأمر وكيل الغالة ينقص من ~~نفقتهم قدر ما كانت هي تنقصه. # وقيل أن القاضي محمد بن عمر دخل يوما على الإمام فرآه متغير الوجه فسأله ~~عن حاله فلم يخبره فألح عليه فأخبره أنه لم يكن له ما ينفقه على عياله لسنة ~~العيد، فذكر الشيخ محمد للوالي أن يدفع للإمام شيئا من الدراهم من بيت ~~المال، فقيل أنه دفع له عشر محمديات، وفي بعض الكتب أن الإمام كتب إلى ~~القاضي محمد بن عمر بن مداد رحمه الله ليجتمع هو وإخوانه ليدفعوا له شيئا ~~من بيت مال المسلمين من الأرز لبعض الأعياد مع عدمه من الدراهم فبكى الشيخ ~~محمد ms306 بن عمر وقال اللهم إن هذا هو العدل. PageV02P021 # وذكر ذو الغبرا خميس بن راشد العبري عن أبي نبهان، وكان ممن أخذ عنه أن ~~الشيخ أحمد بن جمعة فرض له الإمام ناصر بن مرشد فريضة قليلة لإمارته على ~~جمع زكاة إزكي وما حولها من القرى وطلب العلماء من الإمام زيادة فريضة ~~للشيخ أحمد بن جمعة فأسعفهم الإمام، وقال لأحمد أريد أن أزيدك فريضة فوق ~~الفريضة الأولى فقبض أحمد كم قميصه فانحدرت منه الحروف تترادف مثل الجبال، ~~وقال الذي معه مثل هذا يحتاج إلى زيادة فريضة، قال وأنا أريد أن أعطيك هذه ~~الأمانة فامتنع الإمام من قبولها هذا خوفا أن لا يحملها، قال ذو الغبرا قال ~~أبو نبهان يروي عن الشيخ محمد بن راشد الريامي قال: نظرت الشيخ أحمد بن ~~جمعة يقتطف الدنانير بيده من الهواء ويعطيها الفقراء. # وذكر له بعض الثقاة من أهل العلم أن الإمام ذات سنة من السنين أمر أن ~~يدفع إلى القاضي محمد بن عمر شيئا من تمر الزكاة فلما وصلت الحمير بالتمر ~~إلى بيت القاضي، قال القاضي ردوها، فلما رجعوا بها إلى الإمام خاف الإمام ~~أن يكون القاضي أنكر عليه شيئا في سيرته، فجاء إليه فسأله عن السبب فسكت ~~عنه وأحضر طعاما؛ ثم أتوا بماء فغسلوا فيه أيديهم من أثر الطعام، ثم قال ~~القاضي للإمام اشرب من هذا الماء، قال لا أقبله، قال القاضي فكيف تأمرني أن ~~آكل أوساخ الناس وأنت لا تقبل أن تشرب من وسخ الطعام الذي أكلته. PageV02P022 # ثم إن القاضي أراد أن يرى الإمام استغناءه بالحلال الطيب عن أوساخ الناس ~~ليطيب عنه نفسا؛ فكتب اسما في قرطاسة صغيرة، فجاءت الدبيان تحمل الدنانير ~~كل دبية تحمل دينارا فوضعته قدام القاضي حتى صارت كدسا كبيرا والإمام ينظر ~~فقال القاضي للإمام خذ هذا، فقال لا أريده، فقال خذ لتقوية الدولة، فقال ~~الدولة مستغنية عنه، فقال القاضي إنه حلال؛ إنه من كنز جاهلي بشيراز، فلم ~~يقبله الإمام لنفسه ولا لدولته؛ وأمر القاضي الدبيان فحملته، وقال للإمام ~~أعلمك هذا ms307 السر؟ فقال الإمام سأنظر؛ فخرج من عنده ولم يعاوده؛ فعاوده ~~القاضي ليعلمه السر فأبى وقال: أنا اليوم قد ملكت نفسي؛ وأخشى إن عرفت ذلك ~~أن تملكني نفسي؛ فهذا هو الورع لمن عقله؛ وهو الخوف لمن عرفه. # وقيل إن رجلا نام عند قبر الإمام سلطان بن سيف؛ ولعله وضع رأسه عند قبر ~~الإمام سلطان بن سيف ورجليه عند قبر الإمام ناصر بن مرشد رحمه الله ونام ~~على هذه الصفة، فلما أخذه النوم حس كأن أحدا أداره عن قبر الإمام ناصر بن ~~مرشد رحمه الله تعالى، فانتبه خائفا مرعوبا وقال في نفسه: لعل هذه أضغاث ~~أحلام؛ وكاذب نفسه في ذلك: ثم نام ثانية ليستيقن ذلك لكي تزول الشبهة عن ~~قلبه، فلما أخذه النوم حس ثانية كأن أحد أدار رجليه، وانتبه مرعوبا وفر من ~~حينه خائفا. والله أعلم. # وإنما كتبنا من سيرة هذا الإمام ما لم نكتبه في سيرة من قبله؛ لأن بعض ~~أصحابه قد أرخوا بعض سيرته ولم يؤرخ من مضى إلا ما وجدناه من القضايا التي ~~يحتاج إلى البحث عنها في الأحكام، وحيث أن المتأخرين اشتاقوا إلى الإطلاع ~~على سيرة من قبلهم فلم يدركوا منها إلا اليسير، دعاهم ذلك إلى كتابة بعض ما ~~كان في زمانهم ليطلعوا عليه من يجيء بعدهم؛ فجزاهم الله عما أثروا خير ~~جزاء. ولا شك أن الآخر دون الأول؛ فما كتب ها هنا يدل على وجود أضعافه فيما سبق. PageV02P023 # وفي سيرة ابن قيصر الصحارى؛ وهو ممن عاصر الإمام وجمع من سيرته وذكر فيها ~~وفاة الشيخين خميس بن رويشد المجرفي ومسعود بن رمضان ورثاهما بقصيدتين، ~~والظاهر من سياقه أنهما ماتا رحمهما الله تعالى في أيام الإمام قال: وسبب ~~موت الشيخ مسعود انه تزوج امرأة صغيرة فسقته سما في شربة ماء وقضى نحبه ~~رحمة الله عليه. # ذكر ثناء العلماء على الإمام ناصر بن مرشد # وهم شهود الله في أرضه، وقد أثنى عليه علماء عصره بما يطول ذكره، فقالوا ~~في سيرة اجتمعوا عليها وكتبوها إلى إخوانهم أهل المغرب ما نصه ms308: # ( فلما أراد الله إظهار المسلمين ونصرة المؤمنين أظهر الله هذا النور ~~الساطع والحسام القاطع، ذا الفضائل المشهورة والمآثر المشكورة والسيرة ~~الطاهرة المبرورة، إمامنا أعز الله نصره؛ ورفع ذكره وأعلا قدره؛ وأدام ~~دولته ونصر صولته؛ وأيد سيادته؛ وخلد سعادته؛ وحمى به الدين؛ ونصر به ~~الضعفاء والمساكين؛ آمين يا رب العالمين. # فاجتمع رجال ممن يسر الله أن يجتمعوا من المسلمين وبايعوه على السمع ~~والطاعة وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ونشر الحق في القوي ~~والضعيف؛ والدنيء والشريف؛ فصدقوا له؛ ووفوا وانتصروا؛ من بعد ما ظلموا وهم ~~قليل في كثير؛ ورمتهم العرب عن قوس واحدة، وأرادوا أن يطفئوا نور الله، ~~فأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون؛ والفاسقون والمنافقون؛ ففتحت ~~لهم القلاع والحصون؛ ودانت لهم القبائل؛ وانقادت لهم الملوك طائعين ~~وكارهين؛ وسكنت الحركات وردت المظالم؛ وانتصر المظلوم وظهرت الدعوة وقامت ~~الحجة وأحييت السنن وعظمت المنن؛ والحمد لله على ذلك كثيرا، # وقالوا فيها أيضا: # ( من إمام المسلمين ونظام المؤمنين وبقية من تمسك بالدين سراج الزاهدين ~~وعلم المجاهدين وقدوة المجتهدين؛ ولى الله المأمون وعبده الميمون الهمام ~~الأبي والأورع الزكي الرضي المرضي ناصر بن مرشد بن مالك بن أبي العرب بن ~~سلطان ابن أبي العرب اليعربي المسلم الوهبي ). PageV02P024 # وقال الشيخ الفقيه سعيد بن محمد بن عبدالله النزوي رحمه الله في سيرته ~~أيضا إلى أهل المغرب؛ ذكر فيها سيرة السلف الصالح ثم قال بعد ذلك: # ( فهذه سيرة أئمتنا الأولين وسيرة إمامنا ناصر بن مرشد بن مالك بن أبي ~~العرب ابن سلطان اليعربي الرستاقي؛ ثم النزوي رحمة الله عليه وروحه وريحانه ~~ومغفرته ورضوانه؛ عظيم شأنه كريم مكانه؛ قوي سلطانه عزيز وجوده متواترة ~~سعوده بالمؤمنين رءوف رحيم، ليس بفظ ولا غليظ، كثير الذكر قليل اللغو لا ~~يستنكف أن يمشي مع العبد والمسكين؛ وهو ملك في زي مسكين، رءوف القلب كثير ~~الحياء واسع الصدر طويل الحزن؛ عظيم الرجاء قليل المن؛ كريم الوفاء أمين ~~الله؛ كاتم السر وكاظم الغيظ، جليل العطاء لين الجانب قليل الأذى سراج ~~الهدى عظيم الرجاء ms309؛ تراه حليما ودودا؛ مصافيا كريما؛ قائما بأمر الله؛ ~~موفيا بعهد الله، ملتمسا رضوانه؛ قاطعا للشهوات؛ غافرا للعثرات، كاتما ~~للمصيبات؛ خاشعا منيبا شريف الهمة؛ حبيب الفقراء، غريبا بين أهله؛ جميل ~~الفطنة تقي الأتقياء؛ يعظم الكبير لوقاره، ويقرب الصغير لشدة افتقاره؛ ~~ويشكر اليسير لقلة اغتراره؛ ويرحم الفقير لرؤية اضطراره؛ سهلا عند ~~المصاحبة؛ طلق الوجه عظيم الخطر، هيوب المنظر؛ كثير التبسم سخي النفس؛ بطئ ~~الغيظ رزين العقل طيب الكلام واسع الخلق قليل الملام؛ ليس بذي سب ولا نميمة ~~ولا غيبة؛ ولا حسود ولا كذوب ولا حقود؛ وكاد أن يكون نبيا رسولا؛ رحمه الله ~~وغفر له؛ سيرته شاهرة، وسريرته أنبأت عنها علانيته الظاهرة؛ يدرس الآثار ~~ويسأل العلماء الأخيار، مشيره أبو عبدالله محمد بن عمر بن أحمد بن مداد؛ ~~ومسعود بن رمضان مفتي أهل عمان؛ وبقايا المسلمين من إخوانه الذين اصطفى ~~وارتضى؛ وهم بحمد الله موجودون غير معدومين؛ فالله تعالى مؤيده. PageV02P025 # وهذا كلامي إلا ما حذفت منه للاختصار؛ وكفى بهذا الثناء الجميل من هذا ~~الفقيه الجليل ومن إخوانه أهل الفضل الجزيل؛ غفر الله لنا ولهم؛ ورضى عنا ~~وعنهم وعن إخواننا المؤمنين. # ووصفه صاحب فواكه العلوم فقال: " كان رؤوفا بالمؤمنين؛ رحيما بالفقراء ~~والمساكين قوي الجأش، كثير التفصح عن الناس لا بطرا ولا متكبرا ولا متجبرا ~~ولا مهملا ولا غافلا ولا معنفا ولا بخيلا ولا نماما؛ ولا حسودا ولا حقودا، ~~يرغب الغريب لغربته ويصرف عنه شدة كربته وينسيه هوى وطنه، ويزيل عنه أحوا ل ~~حزنه، بل كان حنيفا مسلما، قانتا مخلصا، شاكرا إن نطق نطق بتسبيح، وإن صمت ~~صمت عن محاسبة نفس وتفكر في أمر الآخرة، وكاد يكون نبيا قد قسم زمانه، مدة ~~عمره للصلاة ودراسة القرآن وآثار الأئمة الصالحين والأحكام بين الرعايا، ~~والصدقة على الفقراء والمساكين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا له ~~همة في الدنيا أبدا حتى توفاه الله والمسلمون عنه راضون إجماعا وله مؤازرون ~~سمعا وطاعة ". # ووجدت عن أبي نبهان وهو ممن لم يدرك عصر الإمام ناصر أنه قال " فضل هذا ~~الإمام يزاحم فضل ms310 الإمامين الجلندى بن مسعود وسعيد بن عبدالله؛ إلا انه ~~يفوق، لأن العدل كثر في زمانه وطال مكثه، عمر وكثر في زمانه العلم؛ وكثر ~~الدين والورع في زمانه، حتى أنه من يبيع اللحم ويبيع البصل فيهم من يصلح أن ~~يكون قاضيا أو واليا أو خازنا أو وكيلا لكثرة أمانتهم وعلمهم ". # وقال ناصر بن أبي نبهان: العلماء الأقدمون أقوى علما من العلماء الذين ~~عاصروا إمام المسلمين ناصر بن مرشد لأنهم يدركون درجة الصحابة أو يزيدون علما. PageV02P026 # وقال غيره: وأما الإمام ناصر بن مرشد فإنه يلحق أئمة الأقدمين، وقال ناصر ~~ابن أبي نبهان: ولعله يفوق عنهم؛ قال لأنه يفوق عبادة المنصوبين ويفوق ~~قناعة القانعين والفقراء والمساكين، قال وهو أجوع الناس في زمانه وأقلهم ~~مأكلة، وهو أعراهم في اللباس، وفضائله لا تحصى؛ وقد سعدت عمان به وكثرت ~~البركات وتتابعت النعم، إلى أن توفاه الله إلى رحمته ورضوانه. # وقد رثاه بعض أهل الفطنة والفضل بمراث طنانة غابت عني وقت التأليف، ~~والحمد لله على كل حال. # ذكر عهود الإمام إلى عماله في القرى # في ذلك عهده إلى ابن عمه وخليفته على الأمر من بعده سلطان بن سيف بن مالك ~~اليعربي حين أراد أن يستعمله على بعض الأمور، فطلب العذر، فكتب إليه الإمام ~~ما نصه " # بسم الله الرحمن الرحيم. من عبدالله إمام المسلمين ناصر بن مرشد بم مالك ~~إلى حضرة شيخنا الوالي الولد سلطان بن سيف بن مالك أمد الله في عمره أما بعد: # فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأرضيك ونفسي وجميع المسلمين ~~بتقوى الله واللزوم على طاعته، فاسمع له وأطع، واقتد بإخوانك السالفين ~~واتبع وأما ما ذكرته من أمورك، فاسأل فيها أهل الفضل والورع والهداية ~~والشرع، الذين جعلهم الله ورثة أنبيائه، ونورا ساطعا يقتدي به جميع ~~أوليائه، يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ~~ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين. PageV02P027 # وأما ما ذكرته في العاذرة من الأمر الذي جعلته عليك، فكيف أنت اليوم ولدي ~~جناحي الذي أنتوصل به إلى إعزاز ms311 الدين الحنيف؛ وخليفتي الذي أخلفه ركنا ~~لهذا المذهب؛ فوسع صدرك، وشارو العلماء في أمرك؛ ولا تقطع عمرك وتضيق الصدر ~~والحزن، وهون على نفسك من جميع ذلك؛ وانظر ما أمامك من العوائق والمهالك، ~~فإن السالم من وفقه الله ونجاه وارتضاه خليفته واصطفاه حتى حاذر من جميع ~~معاصيه وخسه، إلا من ضيق على نفسه وحزن في يومه أكثر من أمسه، وقطع نفسه ~~بالندم والهموم؛ والكرب والغموم؛ سلم الأمور ولدي لخالق الأرض والسماء وما ~~فيهن وما تحت الثرى؛ واصبر وما صبرك إلا بالله؛ وتوكل عليه وفوض أمرك إليه؛ ~~واتقه حق تقاته ليجعل لك من جميع أمورك المخارج لقوله عز وجل ( ومن يتق ~~الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب؛ ومن يتوكل على الله فهو حسبه ~~إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا ) فالله الله ولدي في سياسة ~~الملوك، لا تكن غافلا ولا مهملا لأمورك فإنك ركبت الخطر العظيم والهول ~~الفظيع الجسيم، فلا تلتفت ولدي إلى الدنيا ونعيمها وغضارتها، فإنها لعب ~~ولهو وزينة وتفاخر؛ لا توازن عند الله جناح بعوضة، فاجتهد في ذلك واقتد ~~بإخوانك الماضين؛ حيث تركوا الدنيا لأهلها، وبذلوها لطلابها وتوكلوا على ~~الله حق التوكل، ولم يقصروا جهدهم في الله وإعزاز دينه وإظهار كلمته وإخماد ~~نار البدع وإماتة الباطل وقتال الباغي العاطل؛ فلم تخدعهم الدنيا بغرورها ~~ولم يعدلوا إلى لذتها وسرورها؛ حتى تركوها وراء ظهورهم وقذفوا حبها من ~~صدورهم، هم الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأنفقهم مما ~~رزقهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور. PageV02P028 # فكن ولدي حيث ظني بك، وامتثل أمرك وراع فقراءك حق الرعاية، وألف بين ~~إخوانك وأصفيائك وخلانك، وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير ~~للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون فاطرح ولدي حب الدنيا ومطامعها ~~من قلبك، واجتهد في طاعة ربك وخذ حذرك وقو عزمك وصبرك، وكن مثل الأسد في ~~ذلك الغار، ولا يكن نظرك في راحتك اليوم، فإنك لدينا اليوم مكين أمين؛ ~~والحمد لله رب العالمين والصلاة ms312 والسلام على خير خلقه الأمين، ولا حول ولا ~~قوة إلا بالله العلي العظيم. # وهذا عهده إلى أبي الحسن علي بن أحمد بن عثمان بن عمر النزوي رحمه الله تعالى: # بسم الله الرحمن الرحيم عونك يا رب الحمد لله الذي أظهر كلمة الحق ~~وأعلاها ودرس كلمة الباطل وأرداها وأنار أنوار الإسلام وأضاءها وأطفأ نيران ~~الآثام وأذواها؛ أحمده على ما تفضل علينا من جزيل النعم وعلم الإنسان ما لم ~~يعلم، وأشكره شكر من أناب إليه وتوكل حق التوكل عليه وأشهد أن لا إله إلا ~~الله وحده لا شريك له شهادة أعدها ليوم الفزع الأكبر والهول الفضيع الأبهر؛ ~~وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالبراهين المنيرة والدلائل المستنيرة ~~صلى الله عليه وعلى آله الفضلاء الأتقياء الأرضياء الأولياء ما طار طائر في ~~الهواء وحدا حاد بسباسب البهماء. # أما بعد: فهذا ما يقول المعتصم بالله المتوكل عليه ناصر بن مرشد بن مالك ~~ابن أبي العرب إلى الشيخ الوالي أبي الحسن علي بن أحمد بن عمر بن عثمان ~~رحمه الله فإني احمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأوصيك ونفسي وجميع ~~المسلمين بتقوى الله واللزوم على طاعته فأقول: PageV02P029 # يا أبا الحسن إني قد وليتك على قرية لوى من الباطنة وما حولها وما يشتمل ~~عليها من بلدان الباطنة وحتى ديار الحدان والجو وناجوان حاتا حزان( ) ودما ~~وما يشتمل على هذه القرى والبلدان وما فيهن وما بينهن من المزارع والأطوى؛ ~~وجميع الأماكن أن تأمر في هذه القرى والبلدان؛ باديهم وحاضرهم، وعبدهم ~~وحرهم، وصغيرهم وكبيرهم، وغنيهم وفقيرهم، بالعدل والمعروف، وتنهاهم عن ~~المنكر المخوف، وأن تعمل فيهم بكتاب الله المستبين، وتحي فيهم سنة النبي ~~الأمين وآثار الأئمة المهتدين وسيرة القادة المخلصين الذين جعلهم الله منار ~~الهدى وقادة الناس إلى التقوى، وأورثهم الكتاب والسنة يدعون إلى طريق ~~الجنة، وأن توالي في الله وتعادي فيه، ولا تأخذك في ذلك رأفة ولا رحمة، ولا ~~تخف في الله لومة لائم ولا عذل مجرم آثم، وأن تخلط الشدة باللين، وأن تخفض ~~جناحك لمن اتبعك ms313 من المؤمنين؛ وأن تعرف لكل امرئ حقه وتوفيه إياه كاملا، ~~وتؤتي ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل، ذلك خير للذين يريدون وجه الله ~~وأولئك هم المفلحون، فالله الله يا أبا الحسن في اقتراف الحسنات وإنكار ~~المنكرات بغير تجاوز منك إلى غير واجب أوجبه الله في الجد والتشمير؛ وترك ~~التهاون والتقصير وأن تجتهد كل الجهد في إصلاح أهل ولايتك؛ وإصلاح أفلاجهم ~~وعمارة مساجدهم والصفح عن مسيئهم، والتجاوز عن سيئاتهم ما وسعك من ذلك، وأن ~~تقبض زكواتهم من أغنيائهم بحقها، وتجعلها في أهلها من فقرائهم وضعفائهم ~~بعدلها، طيبة نفس معطيها إلا من وجب جبر ه؛ ولا يخفى عليك إن شاء الله. PageV02P030 # فالله الله يا أبا الحسن في التفحص عن فقيرهم وضعيفهم من جميع أماكن ~~ولايتك لتساويهم من مال الله ما وسعك من ذلك، ولا تدعهم يتعسفون إليك من ~~السغب والعري؛ واجعل لهم أعوانا من إخوانك ليتفحصوا عنهم، فإن كثيرا من ~~الفقراء يقصر عن المجيء إليك من حياء أو ضعف فيقف عنك وهو في ضرر عظيم من ~~شدة فقره وفاقته، وقد جعلت لك يا أبا الحسن أن تعامل على صوافي ولايتك ~~بمزارعة أو قعادة وقبض غوالها ووضعها في موضعها ما وسعك من ذلك، وقد جعلت ~~لك أن تنفق على الشراة ومن وضع نفسه معك من أهل القرى من مال المسلمين على ~~قدر ما تراه عدلا، وقد جعلت لك حبس من يجب حبسه من غير حيف ولا ميل لأحد. # وقد جعلت لك إطعام الضيف النازل على قدر ما تراه عدلا من آثار المسلمين، ~~ولا تأتمن على ما ائتمنك عليه من أماني التي أنا أمين لله فيها إلا من هو ~~حقيق بذلك في دين المسلمين، وقد جعلت لك حماية البلاد والذب عنها؛ عن ~~الحريم والعباد، وألزمت جميع أهل القرى طاعتك وحجرت عليهم معصيتك ما أطعت ~~الله ورسوله فيهم، وقمت بما شرطته عليك في عهدي هذا إليك، فإن خالفت إلى ~~غير ما أمرتك به، فأنا ومال المسلمين بريئان منك وأنت المأخوذ في نفسك ومالك. # واعلم أنه ms314 لا أثرة عندي لظالم ولا حيف عندي لمسلم، بل إرادتي إعزاز دين ~~الله عز وجل وإحياء سنن النبي المرسل وإظهار دعوة المسلمين والأخذ على أيدي ~~الظالمين وإخماد كلمة المعتدين وكسر شوكتهم وإطفاء بدعتهم وتفريق جماعتهم ~~التي يجتمعون فيها على الحرام والخوض في الآثام وانتهاك عظيمات الأمور ما ~~استطعت إلى ذلك. PageV02P031 # فالله الله يا أبا الحسن، اتق الله حق تقاته وخفه حق الخوف ما استطعت إلى ~~ذلك ( واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون ~~إن الله مع الذين اتقوا والذين هم المحسنون ) وصلى الله على محمد وآله وسلم ~~تسليما. وكان الكتاب عشية الأحد لخمس ليال بقين من شهر ذي الحجة من سنة ~~خمسين وألف من الهجرة النبوية. كتبه الإمام ناصر بن مرشد بيده. # وهذا عهده رضي الله عنه إلى الوالي صالح بن سعيد المعمري السعالي رحمه الله: # بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله الذي أوضح شهاب الحق بالبراهين ~~المنيرة؛ والدلائل المستنيرة ودمر دعوة المظالم بالآيات الواضحة والحجج ~~الباهرة اللائحة، وأعز دولة نبيه بالأنوار الساطعة والأسنة القاطعة، أحمده ~~على ما أضاء نور ديننا بأفق كتابه وبين لنا غرائب مشتبهاته من معاني كلامه ~~وخطابه، وأشكره شكر من أناب وخضع وسجد وركع، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ~~لا شريك له شهادة ثابتة بالجنان مكررة باللسان، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ~~أرسله إلى كافة الثقلين وطهره من الدرن والشين ( لينذر من كان حيا ويحق ~~القول على الكافرين ) صلى الله عليه وعلى آله الأبرار الأتقياء الأخيار ما ~~غرد عندليب على غصون الأشجار وأناب منيب بغياهب الأسحار. PageV02P032 # أما بعد: فهذا ما يقول المعتصم بالله المتوكل عليه إمام المسلمين ناصر بن ~~مرشد ابن مالك إلى الشيخ الوالي أبي سعيد صالح بن سعيد المعمري رحمه الله، ~~فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأوصيك ونفسي وجميع المسلمين ~~بتقوى الله واللزوم على طاعته، فأقول لك يا أبا سعيد إني قد وليتك على بلدة ~~صور وإبرا وما اشتمل عليهما من ms315 الأماكن والقرى على أن تظهر دين الله عز وجل ~~في هذه البلدان والقرى وتحي سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم حتى تأخذ من ~~الظالم للمظلوم حقه، وتوفي من مال الله لكل فقير نصيبه ورزقه، وتأمر من ~~بهذه القرى والبلدان؛ حضرهم وبدوهم، بالمعروف والإحسان وتنهاهم عن الفجور ~~والبهتان، وتعلمهم أن من ظلم أحدا مثقال ذرة أو أقل منها أو أكثر فاقتد في ~~عقابه بآثار الأئمة الفضلاء الذين جعلهم الله ورثة الأنبياء يقودون الناس ~~إلى الخيرات وأفضل منازل الدرجات ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) ~~وأن توالي في الله وتعادي في الله ولا تأخذك بهما رأفة في دين الله، ولا ~~تخف لومة لائم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم؛ وعلى أن ~~تجتهد في إصلاح أهل ولايتك وإصلاح دينهم وعمارة مساجدهم والرأفة بهم ~~والتجاوز عن مسيئهم وحسن السياسة لأمورهم والصبر في نفسك على أذاهم ما وسعك ~~من ذلك. PageV02P033 # وإياك يا أبا سعد والعجلة في أمورك وكن حذرا وقورا صابرا شاكرا على ~~العطاء ساترا عيوب من أخطأ غافرا زلة من عثر رءوفا بمن أناب واستغفر قابلا ~~لمن رجع إليك واعتذر مدمدما على من أصر واستكبر؛ آمرا بالمعروف ناهيا عن ~~المنكر هينا لينا لمن آخيته من جميع الشراة لا بفظ ولا غليظ، واصبر وما ~~صبرك إلا بالله وتوكل على الله حق التوكل واجتهد في ذلك ولا تكن من ~~الغافلين وأوصيك يا أبا سعيد أن تختص من خيار إخوانك أن يسيروا في البلاد ~~ويردوا الظلم عن العباد ويصرفوا عنهم المناكر والفساد ويسوسوهم إلى الصلاح ~~والرشاد ويقبضوا الزكاة من أغنيائهم ويعطوها فقراءهم فيواسونهم من مال الله ~~بما يسد جوعهم ويستر عورتهم؛ ولا تدعهم يتكففون إليك حزنين باكين، وابعث ~~إلى كل بلدة وقرية ثقة أمينا ورعا يتجسس عن المكثر والمقل، ليأخذ من المكثر ~~زكاة الله ويواسي منها المقل، لأن كثيرا من الأغنياء لم ينصف من نفقته في ~~أداء الزكاة، وكثيرا من الفقراء لم تحمله نفسه ليجيء إليك. PageV02P034 # فاجتهد يا أبا سعيد في الأخذ ms316 من هذا والعطاء لهذا؛ فإن لهم علينا حقا ~~واجبا أوجبه الله عز وجل في كتابه لقوله ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ~~والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن ~~السبيل؛ فريضة من الله والله عليم حكيم ) فإذا أردت المسير إلى بلدة صور من ~~قرية أبرأ، فاترك في قرية أبرأ من يحفظ أمانتك ويخاف الله حق الخوف من ذات ~~نفسه، وأنت لا تجاوز بلدة ولا غبرة ولا مزرعا ولا عجوزا في عنة ولا بدويا ~~بغار إلا وأخذت من الظالم للمظلوم وواسيتهم من مال الله ما وسعك من ذلك؛ ~~فإن مات أحدا جوعا أو مظلوما فهو في رقبتك دون رقبتي وأنت المأخوذ به دوني ~~فإني أعزني الله بالإسلام ونيتي أنني لو قدرت أن أملأ الأرض عدلا وصلاحا ~~وإرادتي أن أدمر كل ظالم وأشتت كل جماعة اجتمعوا على المناكر والفجور، ~~الخوض في أفاحش الأمور؛ فإنه لا أثرة عندي لظالم ولا حيف لمسلم وقد جعلت لك ~~أن تتصرف في جميع أمور المسلمين ما يجوز لي أن أتصرف فيه، فإن خالفت إلى ~~غير ذلك فأنا ومال المسلمين بريئان منك وأنت الرهين به؛ والسلام عليك ورحمة ~~الله وبركاته؛ والحمد لله حق حمده والصلاة على خير خلقه محمد صلى الله عليه ~~وسلم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. # وهذا عهده رحمه الله إلى الوالي الموالي سليمان بن رشاد الكندي السمدي ~~النزوي رحمه الله. PageV02P035 # بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله الذي أيد هذا الدين بالحجج الإسلامية ~~والدلائل الفرقانية والبراهين المحمدية والملة الحنيفية والسيرة الصديقية ~~والحكمة العمرية والمذاهب الرضوانية، أحمده حمد من أخلص لله في السر ~~واالعلانية، وأعوذ به من الفتن الكفرية والمحن الأذية، وأشهد أن لا إله إلا ~~الله وحده لا شريك له شهادة المعتقد المخلص المطهر قلبه من كل دنس، وأشهد ~~أن محمدا عبده ورسوله،؛ أرسله بأفصح الكلم وأبلغ الحكم، فرحم الله به الأمم ~~وكشف به جميع النقم، وأسبغ عليهم بطلعته جزيل النعم، فدعا إلى الله وبشر؛ ~~وأنذرهم رواجف الراجفة، وحذر صلى الله ms317 عليه آله الفضلاء وأصحابه النجباء ما ~~همهم رعد بالسحائب ووخدت عيس بالسباسب. # أما بعد: فهذا ما يقول المعتصم بالله المتوكل عليه إمام المسلمين ناصر ~~ابن مرشد ابن مالك بن أبي العرب إلى الشيخ الوالي أبي عبدالله سليمان بن ~~راشد بن عبدالله الكندي السمدي رحمه الله، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله ~~إلا هو وأوصيك ونفسي وجميع المسلمين بتقوى الله واللزوم على طاعته، فاسمع ~~له وأطع، واقتد في ذلك واتبع فأقول لك: PageV02P036 # يا أبا عبدالله إني قد وليتك على بلد الصير وما حولها وما يشتمل عليها من ~~البلدان والمنازل والأوطان وما فيهن من المزارع والأطوى وجميع الأماكن من ~~تلك البلدان على أن تأمر في هذه القرى والبلدان باديهم وحاضرهم وعبدهم ~~وحرهم وصغيرهم وكبيرهم بالمعروف والهدى وتنهاهم عن المناكر والأهوى؛ وتحي ~~فيهم دين الله العزيز الحكيم وسنة النبي القويم وطريقة الفضلاء الراشدين ~~والأئمة القانتين الذين جعلهم الله حجة للأنام ومصباحا للظلام، يقودون ~~الناس إلى طاعة الإسلام ويدعون إلى دين الله ذي الجلال والإكرام؛ وأن توالي ~~في الله وتعادي في الله ولا تأخذك في الله عذلة عاذل ولومة لئيم مائل؛ وأن ~~تخلط اللين بالصلابة وتخفض جناحك لمن اتبعك من الإخوان والأصحاب والقرابة؛ ~~ومن كل الخليقة وتستقيم في جميع أمورك على الحقيقة وأن تعرف قدر كل امرئ ~~وتؤتيه حقه وتوفيه نصيبه ورزقه كما قال عز وجل ( وآت ذا القربى حقه ~~والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون ) ~~PageV02P037 فالله الله يا أبا عبدالله في دفع السيئات بالحسنات، وإنكار ~~المناكر في جميع البلدان والفلوات لغير تجاوز منك إلى غير واجب أوجبه الله ~~في التشمير؛ وجد في جميع أمورك بالتدبير الرضواني وترك التهاون والتقصير عن ~~صرف الأمر البهتاني، بيد أنك قائم في تلك المنازل والبلدان مقامي، وسالك ~~طريقتي وأعلامي فاجتهد قرة عيني في إصلاح ولايتك؛ والعدل بين رعيتك وعمارة ~~مساجدهم، والصفح عن مسيئهم والألفة والتقرب لمحسنهم، والتجاوز عن سيئاتهم ~~ما وسعك من ذلك وأن تقبض زكواتهم من غنيهم وتجعلها في فقيرهم ms318 وضعيفهم ~~بعدلها: طيبة نفس من أعطاكها إلا من وجب جبره عليها ما وسعك من ذلك؛ ولا ~~تهمل أمورك وفقراءك فتجسس عنهم من جميع بلدانك ومنازلك لتواسيهم من مال ~~الله ما وسعك من ذلك؛ ولا تدعهم يتكففون إليك باكين حزنين سدمين من شدة ~~الضرورات من الجوع والسغب؛ فإن جمة منهم لم تقدر أن تلقى إليك من حياء أو ~~ألم، فلا تهمل ذلك ولا تكن من الغافلين ( واصبر وما صبرك إلا بالله )، ~~وتوكل عليه وما ربك بظلام للعبيد. PageV02P038 # فالله الله يا أبا عبدالله في السيرة الحسنة والطريقة المستحسنة وكن ~~وقورا حذرا صامتا بمجلسك متبعا سنة نبيك مستقيما في دينك متورعا رفيقا ~~بالمؤمنين مطيقا على المصرين، وقد جعلت لك يا أبا عبدالله أن تكرم الضيف ~~النازل من غير تقصير ولا حيف؛ فإذا أردت المسير من الصير إلى نزوى أو غيرها ~~فاترك على أمانتك من يخاف الله من ذات نفسه وأنت لا تمر على منزل إلا ~~أصلحته ولا مظلوم إلا أنصفته ولا فقير إلا واسيته ولا مكان إلا وأمرت فيه ~~بالمعروف ونهيت عن المنكر، فإن ظهرت بدع أو فتن، أو مات أحد مظلوما أو جوعا ~~وأنت تعلم به ولم تستقم فيه وخالفت ما أمرتك به؛ فأنا ومال المسلمين بريئان ~~منك وهو في رقبتك دون رقبتي وأنت الرهين به يوم المناقشة والأخذ بالظلامة، ~~فإني امرؤ أعزني الله بدينه وأرشدني بطريقة نبيه وأمينه؛ ولا أثرة عندي ~~لظالم ولا شدة عندي لمسلم راحم؛ وقد ألزمت من في هذه البلدان والفيافي ~~والقفار طاعتك وحجرت عليه معصيتك ما استقمت حق الاستقامة في جميع أمورك ~~فشمر لذلك عن ساق، واجتهد في تحفظ الحجج يوم التلاق، واقف في ذلك آثار ~~الذين هاجروا وآووا ونصروا دين المهيمن الخلاق؛ واجتهدوا في كسر شوكة الكفر ~~والنفاق، وحسم كرة الذين اجتمعوا على الفواحش والشقاق، وقوموا لله آناء ~~الليل وأطراف النهار، وابكوا فرقين من إصلاح دار البوار؛ متقين الله في ~~العلانية والأسرار؛ واذكروا الله كثيرا، وصلى الله على نبيه وآله وسلم ~~تسليما، واستعن بالله بكرة وأصيلا ms319 ولا تكن من الغافلين ( إن الذين عند ربك ~~لا يستكبرون عن عبادته ويسبحون له ويسجدون ) والسلام عليك ورحمة الله ~~وبركاته؛ بلغ سلامنا جملة الإخوان. # ومن كلام له رضي الله عنه إلى بعض عماله: PageV02P039 # أما بعد: فقد وليتك على بلد كذا وكذا على أن تظهر دين الله عز وجل وتحي ~~سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتقبض ~~الزكوات من الأغنياء المترفين وتواسي بها الفقراء والمساكين، فانظر إليهم ~~نظر الأب الشفيق، فإن لهم علينا حقا، ورجاؤنا بإكرامهم دفع البلايا ~~والرزايا، وأنت جنة لي يوم القيامة، فإن خالفت إلى غير ذلك فالله الحكم ~~بيني وبينك، وأنت المأخوذ به دوني والسلام. # قال في فواكه العلوم، وهو لصاحب مختصر المصنف: وأخبرنا من لا أتهمه بكذب ~~أنه رأى من بعض ولاته ما لا يجوز فبكى من ذلك فقال: اللهم ديني قد تمسكت به ~~واعتصمت بحبلك الوثيقي؛ إلهي أعوذ بك من لهو وغفلة تميل بي إلى إتباع ~~الأهواء، والركون إلى العماية والردى؛ وعزل ذلك الوالي بالفور والله أعلم. # ومن كلام له رضي الله عنه: واعلموا إخواني أن لهذه الراحة والنعمة مناقشة ~~ليوم الفزع الأكبر لقوله عز وجل ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) فأجيلوا ~~إخواني أفكاركم في بحور الأحداث، ووحشة نزول الأجداث، واعلموا أنا وإياكم ~~على شفا جرف هار، فإن لم نستقم على العدل، وإلا سقطنا بهوة فظيعة تحار ~~بزلازلها عقول ذوي الألباب فالله الله إخواني في رعاياكم؛ ومواساة فقرائكم، ~~فإنكم غدا مسئولون ومحاسبون يوم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون. # ومن كلام له رضي الله عنه إلى بعض ولاته حين سار بدراهمه للتجارة: واعلم ~~أنك بمقام حكم وعدل محظور بأرجائه الركون إلى دنيا وتجارتها، فأردع نفسك عن ~~ذلك؛ واكتب بصفحة فكرك معنى الآية التي قال عز وجل ( إن الذين يتلون كتاب ~~الله وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون ~~تجارة لن تبور ). PageV02P040 # ومن كلام له رضي الله عنه معاتبا لنفسه: ويك يا نفس لست من أهل ms320 هذه ~~الدرجة والمرتبة، فلما أن ألبسك الله هذا اللباس على الرغم منك مع أن الله ~~بك أنك قادر عليه، فألبسي أثواب الشكر لله عز وجل وتوكلي عليه حق التوكل، ~~وكوني مع الله يكن معك. # ومن كلام له رضي الله عنه إلى بعض ولاته: أما بعد؛ فإني أنكر عليك أن ~~تداين الناس لما ورد في الخير المنقول عن السلف الصالح: إن الأمير التاجر ~~ملعون وهو متقو بسلطان المسلمين؛ فالله الله في تدبير دولتك ورعاية رعيتك، ~~استقم على حكم الله عز وجل وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وآثار أئمة ~~الهدى، فإنك عن قليل منقول من القصور إلى القبور. # ومن كلام له رضي الله عنه معاتبا لإخوانه: إياك يا إخواني الإسراف ~~ومطاولة الأشراف، والتلذذ بنعيم العاجلة؛ والإهمال لطريق الآجلة، واحذروا ~~التفاخر والإعجاب، والمباهاة لإخوان والأصحاب، والحذر الحذر من البطنة ~~والبطر والتطاول لبعضكم بعضا، فإن كلا سيبلغ حظه ويوفي رزقه؛ وكلوا واشربوا ~~ولا تسرفوا فإنه لا يحب المسرفين. # تابع ذكر عهود الإمام إلى عماله في القرى # وهذه خطبة الجمعة في عصر الإمام المؤيد ناصر بن مرشد اليعربي أعزه الله ~~ونصره على البغاة: PageV02P041 # بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله الذي هدى بالموت مشيد الأعمار؛ وحكم ~~بالفناء على هذه الدار، وجعلهم أغراضا لسهام الأقدار وكل بهن أمراضا تزعجهم ~~عن القرار وتجري منهم مجرى الدماء في الأبشار، ولا يعتصم منهم معتصم ~~بالحذار، ولا يختص بها الفقراء دون ذوي اليسار، بل هي آيات عدل؛ عدل الله ~~بها في البادين والحضار، أحمده على نعمه المسبلة الغزار، وأعوذ به من العتو ~~والاستكبار واستغفره للذنوب والأوزار من الكبائر والإصرار وأشهد أن لا إله ~~إلا الله وحده لا شريك له شهادة منجية من عذاب النار؛ مبوئة من شهد بها دار ~~القرار، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المختار، أرسله بأيمن شعار وأبين فخار، ~~وأنور منار، وأقطر إعلان وإسرار، واظهر برهان وإنذار، من صميم العرب في ~~النضار وأكرمها في الفخار؛ ومؤيدا بالمهاجرين والأنصار، منصورا بالملائكة ~~الأبرار، صلى الله عليه وسلم وآله الأطهار ms321 آناء الليل وأطراف النهار. PageV02P042 # أيها الناس: إن قوارع الأيام خاطبة فهل أذن لعضتها واعية؟ وإن فجائع ~~الأحكام صائبة، فهل نفس لعجائبها مراعية، وأن مطامع الآمال كاذبة، فهل همة ~~إلى التنزه عنها داعية، وأن طوالع الآجال واجبة، فهل قدم إلى التزود من ~~الدنيا ساعية، ألا فاسرحوا رحمكم الله ثواقب الأسماع والأبصار في جميع ~~الجهات والأقطار؛ هل ترون في دموعكم إلا الشتات، أو تسمعون في ربوعكم إلا ~~فلانا قد مات؛ أين الآباء والأكابر أين الأبناء الأصاغر؛ أين المعين ~~للظاهر، أين النصير المظافر، قد عثرت بهم والله الجدود والعواثر، وبثرت ~~أعمارهم الحادثات البواتر، وأبادتهم الدهور الغوابر، فذوت من شبابهم ~~الأغصان والنواضر، وخلت من شيوخهم المشاهد والمحاضر؛ وعدمت من أجسامهم تلك ~~الجواهر، وطفئت من وجوههم الأنوار الزواهر، وابتلعتهم الحفر والمقابر، إلى ~~يوم تبلى السرائر فلو كشفت عنهم أغطية الأجداث بعد يومين أو ثلاثة؛ ما ~~رأيتهم الأحداق على العيون سائلة؛ والألوان من ضيق اللحود حائلة؛ والأبدان ~~العفنة من البلا قاحلة، والرؤوس الموسدة على الإيمان زائلة، وهوام الأرض في ~~نواعم الأجسام جائلة؛ ينكرها من كان بها عارفا، وينفر عنها من لم يزل لها ~~آنفا؛ رقودا في مضاجع هم فيها داخلون؛ مهمودا في مصارع يفضي إليها الأولون ~~والآخرون، وأنتم عباد الله الخلف للسلف والهدف للتلف؛ والفروع التي قطع ~~الموت أصولها، والجوع التي انتزع الدهر تحويلها؛ وقد تسمعون داعية العويل ~~في كل منزل وسبيل حقا ليس بالكذب، جدات ليس باللعب، حتى كان منادي الحشر قد ~~أمر فيكم بالنداء، ومنع أن يقبل منكم عرضا أو فداء؛ فسمعا يا بني الأموات ~~لداعي آبائكم سمعا، وقمعا بذكر هاذم اللذات قمعا، وقطعا لرجاء بقائكم لدار ~~الفناء قطعا، أسوة بمن كان قبلكم ممن هو أشد قوة وأكثر جمعا؛ جعلنا الله ~~وإياكم ممن أمات بذكر الموت أمله؛ وأحيا بإحياء الباقيات الصالحات عمله؛ ~~وأنفق ساعاته في العمل الذي خلق له إن أغض ما بقي على PageV02P043 الأبد ~~وأحض المواعظ على إتباع الرشد كلام رافع السماء بلا عمد ( قل انظروا ماذا ~~في السماوات والأرض وما تغني الآيات ms322 والنذر عن قوم لا يؤمنون ) # ثم إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته المسبحة بقدسه؛ وأنه ~~( ثلث ) بالمؤمنين من أهل طاعته تعميما؛ فقال آمرا ومخبرا لكم تكريما ( إن ~~الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا ~~تسليما ) اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ماذر شارق وأومض بارق وفاه ناطق، ~~اللهم صل على محمد وعلى آل محمد بعدد أنفاس الخلائق؛ وبعدد ما في السماوات ~~السبع الطرائق، وبعدد ما خلقت وما أنت له خالق، اللهم صل على محمد وعلى آل ~~محمد في الليل إذا يغشى، وفي النهار إذا تجلى؛ وفي الآخرة والأولى، وارض ~~اللهم عن صاحب نبيك في الغار، ورفيقه في الأسفار؛ معدن الجود والفخار، وسيد ~~المهاجرين والأنصار؛ ومقدم العلماء والأحبار، الذي قاتل أهل الردة حين ~~راموا الرجوع إلى الشرك وجاهد أهل البغي والإفك وجاهد في الله حق جهاده، ~~ودوخ بالسيف أهل عناده؛ الخليفة بالتحقيق؛ المكنى بعتيق، أول ساع إلى شرف ~~التصديق؛ أبي بكر الصديق، مظهر الحق بعد الكتمان عبدالله بن عثمان، وارض ~~اللهم عن الإمام الأكبر والعلم الأنور؛ رباني الأمة وكاشف الغمة؛ الذي نشر ~~العدل في الآفاق، وأباد أهل الكفر والنفاق؛ وافتتح القرى والأمصار؛ ودون ~~الدواوين في المهاجرين والأنصار؛ خير الأصحاب ومقدمهم في الخطاب؛ أبي حفص ~~عمر بن الخطاب، اللهم وارض عن جميع المؤمنين من الأولين والآخرين وعن ~~تابعيهم وتابعي تابعيهم إلى يوم الدين؛ واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا ~~بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا؛ ربنا إنك رءوف رحيم. PageV02P044 # اللهم وارض عمن أظهرت به الدين، وأحييت به سنة المسلمين المهتدين وجعلته ~~من الخلفاء الراشدين، ومزقت به عصب المفسدين، وأنقذت به الرعية؟، وحققت به ~~الرجية، عبدك القائم بأمرك ونهيك، المتمسك بسيرة نبيك، الإمام الأبي الهمام ~~اليعربي ناصر بن مرشد بن مالك بن أبي العرب اليعربي، اللهم أصلح به خليقتك، ~~وأنعش بعدله بريفك، واخمد بطلعته نار الفتن؛ واصرف باستقامته من قلوب ~~الرعية جميع الإحن، واجعل أنصاره ومن والاه في الأمن راتعا، وجميع من عاداه ms323 ~~بالذل والصغار خاشعا؛ ولجميع الفضل والخيرات جامعا، إنك سميع الدعاء، فعال ~~لما تشاء، قال الله تعالى وهو أصدق القائلين ( إن الله يأمر بالعدل ~~والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم ~~تذكرون ) تمت الخطبة المباركة. # وهذا سؤال وجواب: السؤال من والي الإمام، والجواب من قاضيه: # كتب والي الإمام على قرية الصير؛ وهو خلف بن أحمد الأحممتي إلى الفقيه ~~القاضي خميس بن سعيد بن علي الرستاقي رحمه الله تعالى، وذكر له أن ناسا من ~~متفقهي الشيعة أتوا إليه يسألونه على معنى الإستعجاز له عن الجواب والطعن ~~في مذهب المسلمين، فقالوا له: كيف أنتم تورثون الأخ والأخت مع الابنة وابنة ~~الابن، يعنون الإخوة للأب والأم أو للأب والله تعالى يقول ( يستفتونك قل ~~الله يفتيكم في الكلالة، إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك، ~~وهو يرثها إن لم يكن لها ولد ) فكيف تورثون الإخوة والأخوات مع وجود بنات ~~الصلب ولم تجعلوا للزوج النصف مع الابنة ولا للزوجات الربع مع وجود البنات ~~أو بنات الابن، والله تعالى يقول ( ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ~~ولد؛ ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد ) وقد ثبت أن الابنة تحجب ~~الزوج عن النصف، والزوجة أو الزوجات عن الربع، إلى الربع والثمن. PageV02P045 # فالجواب: معنا لهم في ذلك أن علينا أن نتبع من كان قبلنا من المسلمين، ~~وفقهاء الدين المتمسكين بكتاب رب العالمين وسنة نبينا محمد خاتم النبيين؛ ~~وإجماع المؤمنين المحقين، ولا لنا أن نبتدع ولكننا نسلم الأمر لهم، وهم ~~العلماء بكتاب الله وفهمه، واستنباط معانيه وحكمه. # والذي عندي أن الحجة له من كتاب الله تعالى قوله ( يستفتونك قل الله ~~يفتيكم في الكلالة، إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك، وهو ~~يرثها إن لم يكن لها ولد ) فيخرج في المعنى أنه يرثها، أي يرث جميع مالها ~~إن لم يكن لها ولد، وقد ذكر الله في آية ميراث الأولاد ( وإن كانت واحدة ms324 ~~فلها النصف ) وكانت الآية التي في آخر السورة مفسرة لبعض الآيات المتقدمة ~~في أول السورة: وليس فيها معنى يدل على إسقاط ميراث الأخ أو الأخت عند وجود ~~البنات. ويمكن أن يكون أراد بالولد هاهنا الولد الذكر؛ لأن الخطاب في الآية ~~للأخت خاصة، وقد يعترض من الخاص على العام، ولا يعترض العام على الخاص، وقد ~~قال الله تعالى في حكاية مريم عليها السلام ( قالت ربي أنى يكون لي ولد ولم ~~يمسسني بشر ) وهي تريد بالولد الابن؛ لأن الله قد بشرها بابن ذكر بقوله ~~تعالى ( إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدنيا ~~والآخرة ) فلما علمت ذلك قالت: أنى يكون لي ولد! ولا تنازع في هذا لأن ~~الخطاب خاص لمريم، وكما قال الله تعالى حاكيا عن امرأة فرعون حين التقط آل ~~فرعون موسى ( عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ) وهو موسى عليه السلام؛ وفي قصة ~~يوسف ( قال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ~~ولدا ) ففي هذا كله أراد بالولد الذكر دون الأنثى. # وأما إذا ورد الخطاب عاما اشترك فيه التذكير والتأنيث والواحد والتثنية ~~والجمع، كما قال الله تعالى ( يوصيكم الله في أولادكم ) فهذا هو اللفظ ~~العام الجامع لما ذكرنا. PageV02P046 # فإن احتج محتج بقوله تعالى ( ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد ~~) وقال إن في إجماع المسلمين على أن الابن والابنة وابن الابن أو ابنة ~~الابن وأن سفلوا يحجبون الزوج عن النصف، والزوجة والزوجات عن الربع. قلنا ~~هذا صحيح موافق، لأن الخطاب ورد للجمع لا للواحد بقوله ( لكم -ولهن ) وفي ~~الأخت على الواحد لها خاصة كما خص الخطاب لمريم وامرأة فرعون وامرأة الذي ~~اشترى يوسف فثبت في الخطاب العام جواز دخول الواحد والجمع والتثنية ~~والتذكير والتأنيث وقام الواحد مقام الجمع، والذكر والأنثى سواء في ~~الأحكام. وفي نبأ نوح عليه السلام ( واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا ~~خسارا ) فجاء بذكر الولد ومعناه الجمع، لأن الخطاب على ما يعقله المخاطب ms325 ~~به، والولد خطاب للواحد والجمع، والذكر والأنثى، وفي كل موضع يحمل على ~~معناه فيه وعلى ما يستدل به عليه ألا ترى في قوله تعالى في الأخوة ( وإن ~~كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس وإن ~~كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ) فاستدلوا بهذا على معنى الأخوة ~~للأم دون غيرهم من الأخوة، ثم قال في الآية الأخيرة ( قل الله يفتيكم في ~~الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم ~~يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك، وإن كانوا إخوة رجالا ~~ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين ) فاستدلوا بهذه الآية على معنى الأخوة ~~لأبوين أو للأب، والخطاب كله في ذكر الأخوة؛ فليس بمنكر أن يكون أراد ~~بالآية التي ذكر فيها الزوج والزوجة بذكر الولد من ذكر أو أنثى وأراد بذكر ~~الولد في الآية التي ذكر فيها الولد في آخر السورة الولد الذكر دون الأنثى، ~~كما أجمل ذكر الأخوة أجمل ذكر الولد وفسره النبي صلى الله عليه وسلم وفقهاء ~~الأمة من بعده وبينوا للناس، ولم تجتمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلال. PageV02P047 # وحجة أخرى أن الابنة لا ترث معها الأخت أو الأخ باشتراك فريضة وإنما ~~يرثان بالتعصيب بعد استكمال البنت فرضها الذي فرضه الله لها، فإن اجتمع أخ ~~أو أخت أو أكثر فللذكر مثل حظ الأنثيين، وإن انفرد أخ أو أخت قام كل واحد ~~مقامهما. # وأما الذي تناهى إلينا من الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى ~~في بنت وبنت ابن وأخت فأعطى لابنة النصف ولابنة الابن السدس وما بقى للأخت. ~~وروى إبراهيم عن معاذ بن جبل رحمه الله على عهد رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم قضى في امرأة تركت ابنتها وأختها فأعطى الابنة النصف والنصف الباقي للأخت. # فهذا ما حضرنا من الكتاب والسنة والإجماع من فقهاء الأمة، ولا نعلم أن ~~أحدا شذ عليهم بقول غير هذا إلا ms326 ما بلغنا عن الزبير أنه كان لا يعطي الأخت ~~مع الابنة شيئا ثم رجع عن قوله فيما بلغنا والله أعلم. # كتبت هذا ردا على من تعنت من المسلمين وكشفا لما ألقوه من الشبهة على ~~المؤمنين وتأييدا وتصحيحا لما عمل به فقهاء الدين والحمد لله رب العالمين ~~واستغفر الله تعالى من جميع ما خالفت فيه الحق من قول وعمل ونية، ولا حول ~~ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على رسوله محمد النبي وآله وسلم. PageV02P048 # تنبيه: شهر بين الخاص والعام أنه يشاهد نور ساطع صاعد بنحو السماء على ~~المقبرة التي فيها قبر الإمام ناصر بن مرشد وغيره من الأئمة وذلك أمر ~~مشاهد، أما أهل نزوى فلا يستغربونه لأنهم قد ألفوا رؤيته، وإنما يستغربه ~~الوافد إليهم لشدة ما يرى من الأنوار، فإن النور في غير هذه المقبرة وإن ~~كان يرى كثيرا لا تبلغ شدته هذا المبلغ وعلى كثير من قبور الصالحين منا ~~أنوار تشاهد عيانا ولله الحمد لا تكاد تقف على مقبرة من مقابر أصحابنا إلا ~~وترى على بعضها نورا إلا ما شاء الله، ونقل من خط الفقيه محمد بن علي بن ~~عبدالباقي روى لي من روى من الثقاة أنه سأل عن النور فقال له رجل ثقة من ~~المسلمين النور على قبر خارج من البلد التي هي نخل، والراوي منها فيحدث ~~بذلك ورأى في المنام ليلا أن رجلين جاءا فقالا له يا فلان نسألك الستر ولا ~~تظهر علينا فيكثر علينا الدائس مثل قبر الشاغة وقبر أبي عمر فقال لهما ~~الرائي من أنتما فقالا نحن أصحاب القبرين اللذين عند جبيلات الظعن الذي ~~علينا النور ونحن إخوان قتلنا ظلما والله أعلم، ثم إن هذا الرائي قال حدثت ~~بهذه الرؤيا الشيخ الوالي ثاني بن خلف بن ثاني بن جحدر الرستاقي فقال له ~~ثاني بن خلف إنه حدثه العبد الصالح خميس بن مرشود أنه رأى رجلا متكئا بسقف ~~قبر في قصر، وفي فمه نور متصل بالسماء له عمود طويل، فقال له خميس من أنت ~~فقال ms327 أنا صاحب هذا البيت يعني القبر وأنا صاحبه والطريق غير هذا وسيظهر لك ~~عن يومين سقف هو سقفي الأسفل أو الأعلى فسأله خميس عن النور الطالع منه ~~فقال له هذا ركعتين في جوف الليل وأنا أشكرهما لك يا خميس، وكان خميس بن ~~مرشود قواما لليل فظهر عن يومين سقف الأسفل، كما قال وأحالوا عنه الطريق ~~وظهر سقفه من مطر مجحف جاءهم فهذا ما سمعته والله أعلم. PageV02P049 # قلت: وقد أوقفوني على هذا القبر وهو بالرستاق على جانب الطريق الآتي من ~~مسجد الحرث إلى قصرى والأنوار كثيرة، لكنها لم تكتب ولو ذهبنا لذكر جميع ما ~~سمعنا من الموثوق بهم لطال الكتاب. # باب إمامة سلطان بن سيف بن مالك ابن عم الإمام ناصر بن مرشد # بويع له في اليوم الذي مات فيه الإمام ناصر وهو يوم الجمعة لعشر ليال ~~خلون من ربيع الآخر سنة خمسين وألف، فقام بالعدل وشمر وجاهد في ذات الله ~~وما قصر ونصب الحرب لمن بقى من النصارى بمسكد وسار عليهم بنفسه حتى نصره ~~الله عليهم وفتحها بإذن الله وقام يجاهدهم أين ما يجدهم في بر وبحر فاستفتح ~~كثيرا من بلدانهم وخرب كثيرا من مراكبهم وغنم كثيرا من أموالهم، فقيل إنما ~~بنى القلعة التي بنزوى من غنيمة الدير من أرض الهند، وقد لبث في بنائها ~~اثنتي عشرة سنة وأحدث فلج البركة الذي بين ازكي ونزوى وهو إلى ازكي أقرب؛ ~~وليتهم أرخوا وقائعه بالنصارى وفتوحاته أرض الهند، لكن الطبع غلب عليهم فقد ~~جرت العادة عندهم بإهمال التاريخ اشتغالا بالأهم وكثرت الفقهاء واعتمرت ~~عمان في دولته واستراحت الرعية وزهرت البلاد بحسن السيرة ورخصت الأسعار ~~وصلحت الأثمار؛ وكان متواضعا لرعيته ولم يكن محتجبا عنهم، وكان يخرج في ~~الطرق بغير عسكر ويجلس مع الناس ويحدثهم ويسلم على الكبير والصغير والحر ~~والعبد، ولم يزل قائما مشمرا رحمه الله وغفر له. PageV02P050 # ووصفه صاحب فواكه العلوم فقال: أضحى رحمه الله قوي الجنان باسط البنان، ~~بنيانا مرصوصا في الهيجاء سحابة في العطاء مرتديا برداء العفاف والورع، ولا ~~يهوله ms328 من عدوه فزع ولا تأخذه في دينه محاباة ولا طمع عامزا للديار وحافرا ~~للأنهار وغارسا للأشجار ليعيشوا فيها ضعفاء المسلمين الأتقياء الأبرا ر ~~ابتغاء مرضاة الملك الجبار، متأسيا لرواية السالفة عن السلف الصالح اعمل ما ~~شئت كأنك تموت غدا واعمل ما شئت كأنك لم تمت أبدا، وهذا من قوته وحذاقته ~~حوى على كلتا الحالتين سخيا سمحا بنوال المسئلتين سيدا وسندا ووليا من ~~الصالحين، قال وكثير من فضائله وطروسه لم أحص عدها، والله يهدي من يشاء إلى ~~صراط مستقيم. # وتوفي ضحوة الجمعة في يوم سادس عشر ذي القعدة سنة تسع وخمسين وألف كذا ~~قيل وعندي أن هذا غلط من قائله أو من كاتبه لأنهم قالوا أنه لبث في بناء ~~قلعة نزوى اثنتي عشرة سنة، وذكر لي بعض الأصحاب أن تاريخا يوجد منقوشا ~~بالباب الذي كان بحصن سناو فأمرته أن ينقله لي فأرسل لي هذه الأبيات: # لقد صنع الباب الحكيم محمد = فتى حمد نسل الندى والمكارم # وقد كان بالاثنين رقمى بصنعه = من الحج يا ذا فاستمع قول ناظم # وألف وست مع ثمانين حجة = توافى تماما في المدى المتقادم # وقيمه الوالي علي بن راشد= وقاه إله العرش شر المظالم # بدولة سلطان بن سيف بن مالك= إمام الهدى الزاكي سليل الأكارم # فعلى هذا تكون إمامة سلطان بن سيف زمانا طويلا تقارب أربعين عاما أو ~~دونها بقليل والله أعلم، ثم وجدت في أول كتاب التبيان أن مؤلف التبيان وهو ~~الشيخ درويش بن جمعة كان واليا للإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي قال ~~وتوفي قبل الإمام. PageV02P051 # قال وكان وفاة الإمام بعده ليلة ستة عشرة من ذي القعدة سنة إحدى وتسعين ~~وألف سنة والمسلمون عنه راضون وعلى هذا هو الصحيح فيما عندي تكون مدة ~~إمامته إحدى وأربعين سنة وسبعة أشهر وخمسة أيام؛ ونصب بعده إماما ولده ~~بلعرب، وكان قبل كوته رضي الله عنه بأيام يسيرة طلع نجم أول شهر القعدة سنة ~~واحد وتسعين وألف سنة له ذؤابة بقدر الرمح من المشرق، إلى أن انتهى إلى أقل ms329 ~~من نصف السماء في رأى العين، وذؤابته مما يلي المغرب، ثم غاب وطلع أيضا بعد ~~موته خط أبيض له نور عرضه أكثر من ذراع إلى قدر ربع السماء في رأي العين من ~~أول شهر الحج سنة إحدى وتسعين وألف سنة من المغرب فلا يزال النجم والخط ~~يرتفعان قليلا قليلا وينقص من عرض الخط إلى أن صار الخط بقدر الرمح إلى أن ~~انتهى إلى نصف السماء أو أقل، ثم غاب النجم والخط وكان قبل إظهاره في عمان ~~جدب شديد وقحط، حتى يبست الأنهار وماتت النخيل والأشجار وكثر الغلاء إلى أن ~~صار من التمر من الفرض بشاخة في عمان، ثم من بعد ظهرت هذه العلامة كثرت ~~الأمطار ورخصت الأسعار كثيرا، والحمد لله رب العالمين، وعطب البر كثيرا. ~~ودفن بنزوى عند قبر الإمام ناصر بن مرشد. # وهذا عهد منه إلى جميع عماله كتبه إليهم ليعلموا بما فيه قال فيه: PageV02P052 # بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله العزيز عز أن تعوم بحور صفاته جوارى ~~الفكر، وأن تروم تنظر كواكب تكيفه بصائر أولى البصر أو أن يشاهده بمخارق ~~العيان والنظر، العالم بدبيب النملة والذر في الليالي المدلهمات عمن أبصروا ~~سقوط أوراق الشجر؛ الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ~~ولا في ظلمات البر والبحر الجليل قدره عن مشاكلة صفا ت البشر، أو أن يدرك ~~الأشياء بالسماع والخبر، أو أن تجري عليه أحداث القضاء والقدر أحمده على ما ~~صبب برياض قلوبنا سلسال العبر وحسم عنا أوصاب الكدر، وأشكره على ما خولنا ~~من يانع نعمه، وقدر وسقانا من عصير كرم كرمه، وقدر وعز وتكبر، وأشهد أن لا ~~إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أعدها جنة ليوم المحشر يوم لا ملجأ لنا ~~من الله ولا وزر، حتى شددت بها عضد الإحسان لمن آمن بالله واستغفر وجلبت ~~بها ربارب البراهين لمن طسم حجج الله وستر وفصلت بها رفاق الرأفة لمن حمد ~~الله وشكر، وأودعت نار الأشجان الفرق بقلب من أعرض وكفر، وأشهد أن محمدا ms330 ~~عبده ورسوله دعا إلى الله وأنذر وقاد الناس إلى الخيرات وبشر ونصب أنموذج ~~الهداية لمن خاف الله من ذات نفسه وفكر، وصدر مدافع الذنب عن دين العزيز ~~الأكبر حتى تسلسل سلسال سروره بسراير أسرته، وتهلل سنا نبراسه بضمائر ذويه ~~وعترته، وهدم أركان شرائع شنآنه وعسرته، ودمتم على من مد راحته لمحاربة ~~محبيه وخيرته صلى الله تعالى عليه وعلى آله الفقهاء الكرام الأجلاء العظام ~~ما سحبت سحائب ذيول الودق على رؤوس الأكمام، وجرت أنهار تحت صوافح النخل ~~ذات الأكمام. PageV02P053 # أما بعد: فهذا ما يقول المعتصم بالله المتوكل عليه إمام المسلمين سلطان ~~ابن سيف بن مالك إلى من نصب خيم همته في ميادين الإمارة وربط عرى شغله ~~أحداث المعاندين الباهتين، وأصبح دين الله خفيا دارسا ووجهه قاطبا عابسا؛ ~~والله يكلؤنا وإياكم أيها المسلمون من ذلك وينقذنا عن مهاوي الذلة ~~والمهالك؛ فشدوا بي أيها المسلمون ظهوركم وقوى عزمكم وصبركم، وخذوا حزمكم ~~وحذركم وأعدوا من آلة الحرب ما ترهبون به عدو الله وعدوكم وارحموا صغاركم ~~ووقروا كباركم وعظموا أشرافكم وعظماءكم لكثرة المودة منهم لكم، لأن ~~المداراة نصف العبادة وحسن التودد إلى الناس نصف العقل. # واعلموا أن العبد يبلغ بحسن أخلاقه مالا يبلغه الصائم القائم وأحسنوا إلى ~~ضعفائكم وفقرائكم لينفعوكم بدعوتهم وتضرعهم إلى الله لكم واصبروا على ما ~~أصابكم من حوادث الدهر ونابكم، واشكروا الله على ما فضلكم وشرفكم واحتملوا ~~على ما بلاكم الله بأمور عافى منها غيركم وأعينوا بجاهكم من لاجاه له للخير ~~الصحيح عنه عليه السلام ( إن أفضل الصدقة أن تعين بجاهك من لا جاه له، ~~وازهدوا في الدنيا عن جميع المعاصي واخشوا يوم الأخذ بالنواصي لأن من زهد ~~فيما عند الله أحبه الله([1]) ). PageV02P054 # ومن زهد في أيدي الناس أحبه الناس، ولن تملكوا الأشراف والسيادات إلا ~~بالزهد والعدل وحسن السياسة للرعايا لأن الملك يبقى مع الكفر والعدل ولا ~~يبقى مع الإسلام والجور، واعملوا ما شئتم فكل ميسر لما خلق له لأنه في ~~الخبر الصحيح ( اعمل ما شئت كأنك تموت غدا واعمل ما شئت ms331 كأنك لم تمت أبدا ) ~~وداموا على ذلك مع حسن النية والصلاح لأن ( أحب الأعمال إلى الله أدومها ~~وإن قل ) واحذروا التغافل والمغاضاة من إظهار الفعل المنكر المحجور من ~~فاعله لأن الله عز وجل قد غير أقواما قد رضوا بفعل المناكر لقوله عز وجل ( ~~كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) وفي الصحيح المنقول ~~( الراضي بالمنكر كفاعله ) وشمروا عن ساعدكم بالحزم والحذاقة في جميع ~~أموركم ولا تتركوا ذلك فتصيحوا على ما فعلتم نادمين. كما قال الشاعر: # لا تترك الحزم في شيء تحاذره = فإن سلمت ما للحزم من باس # العجز ذل وما بالحزم من ضرر= وأحزم الحزم سوء الظن بالناس PageV02P055 ~~وأبلغ في ذلك حجة وبيانا قول الله عز وجل محرضا للحزم قوله ( وإذا كنت فيهم ~~فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم، فإذا سجدوا ~~فليكونوا من ورائكم، ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم ~~وأسلحتهم، ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ~~ميلة واحدة ) وكثير من الآيات لم أحص عدها ولا يخفى عليكم ذلك واستعينوا ~~إخواني على نجاح حوائجكم بالإخفاء لها والكتمان، لأن كثيرا من الناس ما ~~همته إلا بث السرائر واستخراج ما في الضمائر، وإياكم والعجلة في جميع ~~أموركم وشاوروا فيها أهل الفضل والورع والعلماء بالله واليوم الآخر ولا ~~تتركوا مشورتهم في جميع أموركم لئلا يقع بكم الخطأ، لأن عقل المرء لا يغني ~~عن المشورة ولو كان كذلك لما أمر الله نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام ~~بالمشورة؛ وهو أرجح الناس عقلا لقوله تعالى ( وشاورهم في الأمر فإذا عزمت ~~فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ) # وفي المنقول: لا صواب لمن ترك المشورة ولا خطأ مع المشورة. # وكذلك قال الشاعر: # عقل الفتى ليس يغني عن مشاورة = كعفة الخود لا تغني عن الرجل # وكثير مثل هذا لا يخفى عليكم ذلك؛ واحذروا الطمع المذموم المفضي بصاحبه ~~إلى الهلاك والنظر إلى الدنيا وزخارفها؛ لأن أقدام العلماء تزل مع الركون ~~إلى الدنيا والطمع في نعيمها، كما ms332 قال عليه أفضل الصلاة والسلام: إن الصفاة ~~الزلاء التي لا يثبت عليها أقدام العلماء الطمع. # وقال عليه الصلاة والسلام: أكثر مصارع العقول تحت بروق الأطماع. # وكذلك قال الشاعر: # دع الطمع المرذول عنك فربما = يقطع أعناق الرجال المطامع PageV02P056 ~~فاتقوا الله إخواني ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض، للرجال ~~نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله ~~كان بكل شيء عليما ) وكثير من الآيات والأمثال العربية التي لا تخفى عليكم؛ ~~وكونوا بمجالسكم سامتين مسرورين ستبشرين لأوليائكم؛ عابسين آنفين عن ~~أعدائكم متفقدين حق الرعاية لرعاياكم؛ تلقونهم بصدر أوسع من الدهناء؛ ~~واحتمال يزري بالغبراء؛ ورحمة أمد من البيضاء؛ وسخاء يميل على الوطفاء؛ ~~وتلطف كتلطف أبي غزوان؛ وختل لعدوكم كختل أبي جعدة؛ وإسراع إلى الخيرات ~~كإسراع النجم؛ وبكور إليها كبكور أبي زاجر؛ وصبر كصبر النبي أيوب؛ وكونوا ~~في أحكام أثبت من النقر على الصفا ومن الشوامخ بالبيداء، وأنجر في التجارة ~~الأخروية من عقرب؛ وأتبع في النكد لمن عصى الله من تولب، وأنجز في مواعدكم ~~من أسد، وأشفق لأوليائكم من الوالد على الولد، ومن المرء على السعد؛ وكونوا ~~كالليث في غارة ما يرى عدوا إلا ظبته بأظفاره؛ وجدوا واجتهدوا وأنفقوا ~~وصلوا وصلوا بلا تعب ولا سأم؛ ولا سرف ولا ملل، ولا جهل ولا توان؛ وكونوا ~~أشد على الأعداء من الصخر؛ وأخف على الأولياء من اليسر بعد العسر، وصافوا ~~المودة لمن يصافيكم مهذبين لوذعيين فكهين طيبين غشمشمين غير بطرين ولا ~~مستكبرين وأحسنوا الظن ببعضكم بعضا ولا تقدموا على أمر بغير تدبر ولا تفكر ~~و( إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم ~~نادمين ) ولا تنزلوا المنزلة التي يحتمل فيها الحق والباطل، منزلة الباطل؛ ~~لأن من فعل ذلك فهو المبطل. # فالله الله في إحسان الظن، ولا تسيئوا الظن بإخوانكم؛ لأن سوء الظن ~~بالمسلمين من كبائر الذنوب ولا تهتكوا ستر إخوانكم ولا تذكروا بسوء خصال ~~خلانكم ( ولا يغتب بعضكم بعضا؛ أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ms333 ميتا فكرهتموه، ~~واتقوا الله إن الله تواب رحيم ) PageV02P057 وفي الصحيح المنقول عن السلف ~~الصالح: إذا كان بينك وبين أخيك كنسج العنكبوت فلا تهتك ستره؛ فإن من هتك ~~ستر أخيه هتك الله ستره؛ ومن احتجب عن حاجة أخيه المسلم حجب الله حاجته؛ أي ~~منعها؛ ومن فرج عن مؤمن كربة فرج الله عنه سبعين كربة؛ ومن أحبه الله جعل ~~الله حوائج إخوانه على يديه؛ ومن أحب أن يكون مؤمنا حقا فليحسن الظن ~~بإخوانه ويحب لهم ما يحب لنفسه؛ ويبغض لهم ما يبغض لها من الهداية والإيمان ~~والكفر والعصيان وفي الصحيح: أنصر أخاك ظالما أو مظلوما؛ إن رأيته ظالما ~~بمعصية فأنصره بالهداية والنصيحة؛ وإن رايته مظلوما فانصره بالإعانة على ~~نصرته وعزة؛ فانصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم على الحق والصراط المستقيم ~~في الدنيا والآخرة وقد جعلت لكم حبس من يجوز حبسه وإطلاق من يجب إطلاقه؛ ~~وعفو من يجوز عفوه وضيف من يجب ضيفه وإصلاح ما يجب إصلاحه من أموال بيت مال ~~المسلمين وصوافيهم وإصلاح صياصيهم وأفلاجهم وطرقهم وقطع مضارهم على ما ~~ترونه عدلا في كتاب الله وآثار الأئمة الصالحين، وقد جعلت لكم حماية البلاد ~~وأهلها، والذب عن حريمها وصغارها وكبارها وتقريب صلاحها؛ وحسم ألفة فساقها ~~وأنذالها؛ ولا تأتمنوا في أمانتكم التي أمتكم فيها إلا من هو حقيق بذلك في ~~دين المسلمين؛ وقد ألزمت جميع من في هذه الرقى والبلدان؛ والمنازل والأوطان ~~طاعتكم؛ وحجرت عليهم معصيتهم ما أطعتم الله ورسوله فيهم وقمتم بما شرطته ~~عليكم في عهدي هذا؛ فإن خالفتم ذلك وأبيتم فأنا ومال المسلمين بريئان منكم ~~وأنتم المأخوذون به في أنفسكم وأموالكم؛ لأنني أعزني الله بالإسلام والدين ~~وشد عضدي بسنة النبي الأمين ومذهب القادة المتقين، لا أثرة عندي للظالمين، ~~ولا حيف عندي للأولياء الراشدين؛ ونيتي أن أملأ الأرض قسطا وعدلا؛ وحكما ~~وفضلا؛ وكسر شوكة المرتدين، والأخذ على أيديهم، وهدم أركانهم؛ وتخريب ~~أوطانهم؛ وإطفاء بدعهم، وتفريق زمرهم وجمعهم الذي يجتمعون فيه على الباطل ~~والمناكر PageV02P058 والفجور والخوض في الفواحش والمحجور وانتهاك عظيمات ~~الأمور ما استطعت إلى ms334 ذلك سبيلا. # فاصبروا إخواني وما صبركم إلا بالله ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ~~إن كنتم مؤمنين، واصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون؛ وما ~~توفيقنا وإياكم إلا بالله، وعليه فتوكلوا وإليه أنيبوا وعلى نبيه محمد ~~فصلوا عليه وسلموا تسليما؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. # ومن كتاب له إلى بعض عماله: # بسم الله الرحمن الرحيم: من إمام المسلمين سلطان بن سيف بن مالك إلى ~~الوالي فلان بن فلان الفلاني جنبه الله الموبقات والمهالك. # أما بعد: يا فلان إني لك من المنذرين وعليك من المحذرين ألا تأخذ شيئا من ~~مال المسلمين الذي هو قوام كل فقير ومسكين؛ وبه تدفع قارعة الغاشمين ~~والمعتدين بتدليس شراء هو أقل قيمة وأبخس ثمنا من قيمته المعروفة في البلاد ~~وسنته الجارية بين العباد؛ فإنه وإن خفي علينا وعدم علمه بين يدينا؛ فلن ~~يخفى على من يعلم دبيب الذرة العجماء على الصفاة الملساء في الليلة ~~الظلماء؛ ويعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور؛ وهو المطلع على كل مختفي ~~ومستور، وإن كنت قد قارفت شيئا من ذلك وجعلته بذلك السبب الخفي إلى مالك؛ ~~فاثن إلى ساحة قراره زمام عنسه، واغتنم برد قمره قبل أن ينفحك حر شمسه؛ فما ~~الأمر إن عقلت بهين وما قولي لو وعيت بمين. # هذا وقد بلغني أن شقشقة تهدر بهذيان كان لا يليق بمثالك ولا يجمل لو دريت ~~بحالك؛ فلا تكن ممن سيماه سيماء العلماء ونطقه نطق السفهاء، واسمع إلى ما ~~قال ربك المجيد ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) وانظر وقوفك غدا في ~~موقف يخرس فيه الفصيح ويندم الطير الذي يصيح؛ فأصغ لك الخير إلى قول الفصيح ~~واجنح إلى اغتنام المتجر الربيح وإلا ندمت حين لا تنفعك الندامة، وتهورت ~~حيث لا ترجى لك السلامة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. # وهذا كتاب منه إلى ملك صنعاء اليمن: PageV02P059 # بسم الله الرحمن الرحيم: من إمام المسلمين سلطان بن سيف بن مالك رأس ~~العرب اليعربي العماني إلى عالي ذروة الجناب المعظم الهمام المكرم ms335 إسماعيل ~~بن القاسم القرشي العربي. # أما بعد: فإنا نحمد الله على آلائه وجميل صنعه وبلائه، ونسترشده إلى سلوك ~~سبيل رضاه ونستزيده من خزائن مواهبه وعطاه إنه بيده مفاتيح كل خير وكفاية ~~كل بؤس وضير، وإن سألت أيها المحب عنا ورمت كيفية الحال منا فإنا نحمد الله ~~في حال يسر به الودود؛ ويساء به الحسود. PageV02P060 # ثم لتعلم أيها الملك إنه قد وصل إلينا في مدة أيام قد تصرمت وشهور قد ~~تخرمت رجل من جنابكم يزعم أنكم أرسلتم بيده طروسا بها درر من رائق لفظكم ~~وخطابكم غير أنه يقول إن المركب الذي أقبل فيه عابه الانكسار فغرق في اليم؛ ~~فأدرك الطروس المسطرة حكم التلف، ثم بيد أنه قد أفاه إلينا من نتائج لسانه، ~~ولتضح لنا من واضح نطقه وبيانه أنكم علينا عاتبون ومنا واجدون لأجل قطع ~~خدامنا في العام الماضي مراكب رقاب المشركين على بابكم وأخذهم لسفنهم ~~الواردة لجنابكم؛ ولعمري إنا لندري أن العتاب بين الأخلاء عنوان المودة ~~الخالصة والصفاء وزائد محض المودة الصادقة والوفاء غير أنه يجب عند اقتراف ~~الجرائم وانتهاك المحارم، فإنا نحن لم نقصد إلى انتهاك ذلك سبيلا؛ ولا نجد ~~لك على إلزام فعل ذلك دليلا، إذ كنا لم نجهز مراكبنا ونتخذ مخالبنا ليسارة ~~رعيتك ولا استباحة دم أهل حكمك وقضيتك؛ ولكن جهزنا الجيوش والعساكر؛ ~~وأعددنا اللهاذمش والبواتر لتدمير عبدة الأوثان وأعداء الملك الديان تعرضا ~~منا لرضاء رب العالمين، وإحياء لسنة نبيه الأمين، ورغبة في إدراك أجر ~~الصابرين المجاهدين، وحاشى لمثلك أن يغضب لقتال عبدة الأصنام وأعداء الله ~~والإسلام؛ ألست من سلالة علي بن أبي طالب الساقي للمشركين وبى المشارب، ~~وأنت تدري بما جرى بيننا وإياهم من قبل في سواحل عمان وفي سائر الأماكن ~~والبلدان من سفك الدماء وكثرة الصيام وتناهب الأملاك والأموال، وإنا ~~لنأخذهم في كل موضع تحل به مراكبهم وتغشاه حتى من كنج وجيرون بندرى الشاه، ~~ولم يظهر لنا من أجل ذلك عقابا ولا نكيرا، وإن كنت في شك من ذلك فاسأل به ~~خبيرا أولا نذكرك أيها ms336 الملك، والذكرى تنفع المؤمنين، وإنا لك من المنذرين ~~وعليك من المحذرين. PageV02P061 # إنا لما ملكنا تلك الأيام بلدة ظفار وهي عنا نازحة في الفيافي والقفار لم ~~نر في ملكها صلاحا لشيء أوجبه منا النظر وحاكته الأذهان والفكر، فتركناها ~~لا من خوف قوة قاهرة ولا كلمة علينا ظاهرة ولا يد غالبة ولا كف سالبة؛ وحين ~~ما خرج عنها عاملنا خلف خلف بها شيئا من مدافع المسلمين لغفلة جرت عن حملها ~~في ذلك الحين؛ ولما ملكتم أنتم زمام عيسها واجتلبتم ضوء بدرها وشمسها لم ~~تدفعوا لنا تلك المدافع، كأن لم يكن وراءها ذائد ولا دافع. # فاعلم أيها الملك أن البعل غيور والليث هصور والحر على غير الإهانة صبور، ~~ومن أنذر فقد أعذر، وما غدر من حذر، على أن في اصطلاح ذات بيننا وبينكم ~~راغبون طالبون وفي استبقاء صحبتك راغبون ولإطفاء الفتن وإخماد المحن بيننا ~~وإياك مؤثرون، فإن كنت راغبا في الذي فيه رغبنا؛ وطالبا لما له طلبنا؛ ~~فادفع لنا إياها ولا تحتس بسرعة الاعتداء حمياها؛ وإن أبيت إلى الميل إلى ~~اغتنامها والجزم على خبط ظلامها، ففي الاستعانة بالله على من اعتدى وسعة ~~ومن كان مع الله كان الله معه، وحسبنا الله ونعم الوكيل والسلام عليك ورحمة ~~الله وبركاته. # وهذا جواب ملك صنعاء اليمن: # بسم الله الرحمن الرحيم: من شمس سماء الخلافة العلية، ومضرب سرادقات ~~الشريعة المحمدية إلى قاضية أرض الملك المالك سلطان بن سيف بن مالك اليعربي ~~العربي العماني أراه الله نهج الهداية وجنبه مسلك الضلال والغواية. # أما بعد: حمدا لله والصلاة والسلام على نبيه الأمين وعلى وصيه الأترع ~~البطين الحاصد سيفه رءوس المارقين؛ وقد وصل كتابك الذي شحنته بالأبراق ~~والارعاد وعدلت به من تحسين العتاب إلى تخشين الخطاب، ظنا منك أن هذيان ~~وعيدك وطنين ذباب تهديدك يزعزع من بأسنا صخرة صماء أو يحرك من وقارنا جبلا ~~أشما فكيف يكون ذلك. # وأسيافنا في كل شرق ومغرب = بها من قراع الدارعين فلول # أين ذهب حجاؤك حتى طلبت منا المدافع بهذه الأراجيف والبقاقع , # وإنما تقطع ms337 أعناق الرجال المطامع PageV02P062 أما علمت أن الليث إذا هيج ~~على فريسة كان أشد إقداما وأعظم جرأة واعتزاما، لا جرم أنها لما تأت بنا ~~وبك الديار وحالت دوننا ودونك الأمصار فاسترسلت لفظك فجاوزت في سوء المقدار ~~حدك وانفردت بأرضك فطلبت الطعن والنزال وحدك. # يا سالكا بين الصوارم والقنا = إني أشم عليك رائحة الدم # فاقطع عرى آمالك عن هذه المدافع فهي أول غنيمة إن شاء الله من قطرك ~~الشاسع؛ وقد دعوتنا على النزول على حكم الظباء([2]) والأسل = # فالبث قليلا تلحق الهيجا جمل # ونحن من القوم الذين سقوا قومك يوم النهروان كؤوس الحتوف، وأنتم أتباع من ~~سقى، فما بدأ به أوائلنا في سلفكم، ختمنا به من بقي والسلام؛ انتهى جوابه؛ ~~وبكل أسف إنا لم نقف على جواب الإمام لهذا الكلام؛ وما أظنه إلا كما قال ~~الشاعر: # وهل تغني الرسائل في عدو = إذا لم يكن ضبا رقاقا # وأئمتنا بحمد الله تعالى ممن ذكرهم الله في كتابه بقوله ( وإذا خاطبهم ~~الجاهلون قالوا سلاما والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما - إلى قوله تعالى - ~~والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما ) فهم الأئمة الفعالة ~~وغيرهم الأئمة القوالة؛ وكان هذا الرجل زيدي المذهب وكأنه يثبت الوصاية ~~لعلى؛ وما افتخاره بقتل أهل النهروان إلا كافتخار اليهود بقتل عيسى ( وما ~~قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ) وكذلك من قتل في سبيل الله ( ولا تقولوا ~~لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن ولا تشعرون ) ودلائل الحال ~~تقتضي أن بينهما وقوع وقائع ولكن لم نطلع على ذكر شيء من ذلك. PageV02P063 # وتمكن هذا الإمام من اليمن والهند وغيرهما يقتضي أن الأمر صار على خلاف ~~ما يزعمه ملك صنعاء؛ وكذلك تمكن الأئمة من بعده فإنهم قد ذكروا لهم من ~~القوة والسلطان والتمكن من البلدان النائية والأقطار القاصية ما سيأتي ذكر ~~بعضه وذلك يقتضي أن الإمام ومن بعده قد تمكنوا من اليمن وغيرها ما خلا ~~صنعاء؛ فإنا لم نجد تاريخا في التمكن منها بنفسها؛ وأما آثارهم فظاهرة في ~~أطراف اليمن، والله أعلم ms338 بما وقع بعد تلك المخاطبة؛ والأمر لله وحده مالك ~~الملك، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، والحمد لله رب العالمين. ~~وللشيخ خلف بن سنان الغافري قصيدة ذكر فيها فتوحات هذا الإمام قال فيها: # وقد قد الأعداء عضبك لما = قدمتهم لحربك الإقدام # كلما كلمت([3]) كلا ديننا أو = آلمتها من العدى آلام # مرهمتها بمرهم البرء بتر = لك من ضوئها يضيء الظلام # عم حيا يا أروع من عقابيل = سطاه يوم المعادين عام # قل لمن ظن أن ذا العرش لن = ينصره وهو ناصر علام # مد حبلا إلى السما ثمت اقطع= وأرن هل غاض من يغض المرام # أو ما عاينت أفاعيله عي = ناك أم عاث فيهما الاظلام # أفما في ديار عبد غدا مس = تعبدا من معبود الأصنام # ويسامى القوى وقادهم كرها = كما قيد للذباح السوام # فأتوه بهم أفاكل رعب = مثلما ريع بالهزبر البهام # وفدوا مسقطا بعده بلدان= عليها دمع القسوس سجام # ثم أورى لمسقط سقط عزم = أسقط الظالمين منه ضرام # وهي دار يكاد يذهل منها = هيبة حين تذكر الأحلام # لم يكن دافعا لما أبرم البر= عليها مدافع وبرام # لا ولما ينهنه الفدر الكائن= عنها الكيتان والآطام # ولدى " كنج " كان منه لهم ما = كاد منه تدكدك الآكام # فغدت من عمان كف بني الأص = فر صفرا قد هزها الانهزام # ماد عن أرضها كفيتا ومور = بعد شهد له المرار طعام # وتجلى عنها جلال فلله = علينا الإجلال والإعظام # أبهم العقل عنهم فأتاهم = عنوة ما اصفرت به الأبهام # همهمت فيهم رعود حتوف= من همام في ملكه مهمام PageV02P064 أي هذا الراوي ~~المشيع بأن الرى= قد بل من صداه الأوام # ليس يشفي من حرقة الديوان = أحرقن منا بالأسراق خيام # هذه من كلا الفلى وهذي = أرم تلك(م) التي لا ترام # أمها حجة الإله بجيش = لم يبح جاش جنده الأحجام # قاده نجل راشد بن علي = ذو له الرشد والمعالي مرام # صارم سله الإله فما كان = له غير الأعادي اندغام # ليث غاب وغيث محل به= تشقى وتسقى العداة والأيتام # فاستصيدت قرى بباس ms339 الصدى = الصيد عنه مهما بدا الاصطدام # وسباهم ألفى أسير كان قد = مازج الدمع منهم العلام # واقتنى منهم كنوزا غدا = يبهر منا قارون بل بهرام # وبممباسة أذاقهم بأسا = بئسا سيتت به الأصنام # ولقد في مفازة فاز منهم = بمفاز زلت به الأزلام # وعزا كلوة بكل كمى = لم يثني منه الغرار انثلام # ولدى زنجبار زمجر فيهم = رعد زجر لم ينج منه اعتصام # وبممبي نابهم منه ناب = لم ينبه عن المضي انهتام # وكذا في مخا قد امتخ منهم= أعظما قبل ضيمه لا تضام # وانثنى منهم بعدة أفلاك= تراءى كأنها أعلام # ولدى باب مندم كم دم طل= ومال أماله الصمصام # كل شار أفاد عدة آلاف= عداه من بعدها الإعدام # ثم أزجى جوارى الفلك ينحو= لمسيج ساجها العوام # فاستباح الحريم منها ولم يحصن= سوى حصنها عليه مقام # همم هامها منوط إلى هام= الهام حرن دونها الأوهام PageV02P065 انتهى ما ~~أردنا نقله من القصيدة، ولهذه الغزوات أخبار لن تدون في الدفاتر وذكر ابن ~~رزيق وهو شاعر متأخر: أدركنا بعض من أدرك زمانه أن مسقط عمرها بعض عرب ~~عمان، وهم يمن الأنساب؛ فغرسوا فيها نخيلا وأشجارا تسقيها آبار؛ قال وآثار ~~هذه الآبار باقية إلى هذه الغاية، وهي سنة خمس وسبعين ومائتين وألف، قال ثم ~~اشتراها النصارى البرتكيسية منهم؛ فسورتها من حد جبل المكلا إلى جبل ~~السعالى؛ وأحثت فيها حصنين كبيرين شرقيا وغربيا فلما اصطلمتها العرب منهم ~~سموا حصنها الشرقي الجلالي، وسموا حصنها الغربي الميراني، قلت وإنما سموها ~~بذلك باسم رجلين من النصارى ذكرهما الشيخ خلف في قوله: # ماد عن أرضها كفيتا ومور = بعد شهد له المرار طعام # وتجلى عنها جلال فلله = علينا الإجلال والإعظام # قال: وأحدثت النصارى فيها صيرتين على وجه البحر الذي يقابله الحصنان ~~المذكوران وأحدثت فيها بروجا على السور وأبنية على رءوس جبالها وخمس عقبات: ~~الأولى من أول المطرح إلى أول ريام، والثانية من آخر ريام إلى أول مسقط، ~~والثالثة من آخر كلبوه إلى أول مسقط، والرابعة من آخر سداب إلى أول مسقط، ~~من جانب سهيل؛ والخامسة ms340 من آخر جبال مسقط إلى أول الوادي الذي يفضي إلى دار سيت. # قال: وأخبرني غير واحد من المشايخ المسنة: منهم الشيخ معروف بن سالم ~~الصائغي والشيخ خاطر بن حميد البداعي وغيرهما عما سمعوه من آبائهم المسنة، ~~فاختلفت رواياتهم لفظا واتفقت معنى قالوا: لما مات الإمام ناصر بن مرشد ~~رحمه الله نصب المسلمون سلطان بن سيف الإمام في اليوم الذي مات فيه الإمام ~~ناصر بن مرشد. PageV02P066 # قالوا وكان سلطان بن سيف أيام دولة الإمام ناصر بن مرشد للإمام ناصر بن ~~مرشد سيفا وكفا يبيد به الأعداء، ولما مات الإمام ناصر بن مرشد نكثت ~~النصارى للعهد وقطعت الجزية ومنعت المسلمين عن الوصول إلى مسقط وعتو عتوا ~~كبيرا. قالوا ونصب الإمام سلطان لهم الحرب وسار إليهم بنفسه بجمع كثير، ~~فأقام بطوى الرولة من المطرح وبلغ معسكره إلى سيح الحرمل فجعل عسكره تارة ~~يغزون مسقط وتارة يضربون من رءوس الجبال النصارى القابضين حصن المطرح، ~~وجعلت النصارى على رأس كل جبل بمسقط أشد رجالهم أهل التفق، فلم يقدر ~~المسلمون على دخول مسقط من كثرة جنود المشركين؛ ورميهم المسلمين بالمدافع ~~والبنادق؛ وقد مدوا سلسلة حديد في رأس الجبل المشرف على ميابين وعلى الوادي ~~الذي يمر على برزنجى إلى الجبل الذي به الآن البرج المربع، وهو الجبل ~~المشرف على حلة الأوغان، وجعلوا على هذه السلسلة سورا من حديد وأكمنوا فيها ~~رجالا من قومهم ليصدوا المسلمين عم الوثبة على السور؛ وقد ملأوا الخندق ~~بماء البحر الصغير الذي هو شرقي الباب الصغير؛ وجعلوا على السور عساكر جمة. # وكان النصارى وكيلان من البانيان أحدهما يسمى سكبيلة والثاني يسمى نروتم؛ ~~فخطب أمير النصارى القابض في الكوت الشرقي بنتا من بنات سكبيلة وكانت ذات ~~جمال فائق، وبذل له من المهر مالا كثيرا من الذهب والفضة وسائر الجواهر؛ ~~فكان جوابه لستم في القديم ولا في الحديث؛ أنتم تزوجون ببناتنا ولا نحن ~~نتزوج منكم؛ وهذا شيء لا يكون، فلما أغلظ النصراني عليه الكلام وعلم أنه إن ~~لم يطاوعه يأخذ ابنته منه كرها؛ قال أمهلني ms341 إلى كذا من المدة حتى أصوغ ~~للابنة حليا يصاغ لكل عرس من بناتنا الأبكار خاصة، فإذا تم الصوغ ووصلني ~~دفعت إليك الابنة، فأمهله النصراني ورفع منزلته؛ فكان لا يحدث شأنا إلا ~~يشاوره فيه. PageV02P067 # ولما رأى سكبيلة التمكن من النصراني قال له: إن الماء الذي في الحصنين ~~قديم فيه دود، وأخشى أن يطول الحصار علينا من المسلمين فالرأي تجديد الماء، ~~وكذا الباروت فإنه قد فسد والرأي يفيده بالدق ثانية، فأجابه على ذلك فأخلى ~~الماء وأنزل الباروت، وكتب للإمام وأخبره عما جرى له من كبير النصارى ودله ~~على الوثبة على السور وبنى له وقت الوثبة وذلك يوم الأحد عند طلوع الشمس في ~~اليوم العاشر من شهر رجب سنة 59 بعد الألف، وكان ذلك اليوم عيد النصارى ~~يشربون فيه الخمور ويضعون فيه السلاح ويشتغلون بطربهم وملاهيهم، فوثب عليهم ~~الإمام ومن معه من المسلمين، فدخلوا السور ووثبوا على الحصنين فأخذوهما في ~~ساعة واحدة وقتلوا من فيها من النصارى. # قال ابن الرزيق: اخبرني غير واحد أن الإمام ضرب واحد من النصارى حذاء ~~الجزيرة وهو قد لاذ بعصفور مدفع حديد؛ فقطع السيف عصفور المدفع وفخذي ~~النصراني؛ فجعل النصراني يقول لمن يمر به من المسلمين: ما هي إلا ضربة ~~واحدة قطعت العصفور الفخذين مني؛ ولم يفتر عن ذلك حتى مات. # ولم يبق للإمام محارب من النصارى إلا كبرتيه وهو شجاع من شجعانهم؛ وكان ~~قابضا في البرج المسمى باسمه إلى الآن ( كبرتيه ) فجعل كبرتيه يحارب ~~المسلمين كل يوم حتى قتلوه في سوق اليز هو ومن معه كافة؛ وما بقى للإمام ~~محارب من النصارى غير القابضين في حصن المطرح وأهل المركبين من مراكبهم ثم ~~وثب عليهم المسلمون في خشاب صغار فنصرهم الله عليهم فقتلوا من المشركين ~~كثيرا، وما نجى من النصارى إلا قليلا، ثم سلم القابضون منهم حصن المطرح ~~للإمام فعبرهم ومن بقى منهم إلى جرة، ورفع الإمام الجزية عن سكبيلة ونروتم ~~وعمالهما لمناصحتهما له وللمسلمين. PageV02P068 # قال ولم يزل الإمام يجالد النصارى برا وبحرا واستفتح من أماكنهم الديو ~~وغيرهما وملك ms342 كثيرا من مراكبهم وغنم كثيرا من أموالهم، قال وكان الإمام ~~سلطان يقال له صاحب الكاف، فقيل إنه سمي بذلك لمعرفته بالكيمياء لما كثر ~~معه الماء. وقيل إنه سمي بذلك لأجل سمة ركابه فإنها سمتها كاف. # وهذه نصيحة من الشيخ سعيد بن أحمد بن محمد الخراساني لأحد الإمامين ناصر ~~بن مرشد أو سلطان بن سيف لم يعرف الناقل لأيهما كان، قال رحمه الله: بسم ~~الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أيد هذه الأمة برحمته ونصره، ومن عليها ~~بمن ارتضاه من أبناء دهره وعصره وملكه الشطر من ملكه وقهره وأطاع له من ~~خلقه بما يقوي به على نهيه وأمره، وجعل له خليفة بعد أخرى يذب بها عنها كل ~~شيطان تملأ عتوا وكبرا، وملأ نحره ظلما ووزرا، وتجبر في الأرض علوا وفخرا ~~وملكهم بالجبر إذلالا وقهرا، رحمة منه ونعمة بعد أخرى، فيا لها نعمة عظمة ~~علوا وقدرا، ومنة منه عليها ثقلت تأدية وشكرا ابتلاء من الله ونظرا وخبرا. ~~وصلى الله على خير خلقه محمد وأئمة الهدى الموفية بالعهد نهيا وأمرا، ~~المؤمنة بقضائه حلوا ومرا. PageV02P069 # أما بعد: إمام المسلمين أنا وإياك ركاب سفينة تجري بنا في بحر لجي عميق، ~~تلعب بها الرياح، فتضطرب بها مرة وتسكن أخرى، فاعتصم بالله وتوكل عليه ~~واسأله السلامة لك ومن معك فيها بدعاء وتضرع وخوف ووجل ونية صادقة خالصة من ~~دنس المعائب ودرن الذنوب فأنا وإياك ناجون فيها أو غرقا بمن فيها، فإنا في ~~أمر عظيم على خطر عظيم، ولكنها قلوب غافلة وأفئدة موعاة غير واعية وأنا ~~وإياك عما قليل أموات لأننا أبناء أموات، وما أخذنا هذا الأمر والسلطان إلا ~~بوراثة ممن كان قبلنا، فأرجى ما يرجى به من دوام الملك وبقاء النعمة وتعاقب ~~الرحمة وزوال النقمة في الرأفة والعدل والرحمة وصلاح النية والعفو ما وسع ~~ذلك، ولن تملك سادات الرجال وأهل الشرف إلا بلين الجانب ولطف المقال وحسن ~~الصحبة وجميل الفعال لقوله تعالى ( خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن ~~الجاهلين. فالله الله أيها الإمام في إخوانك الذين بذلوا ms343 في نصحك مجهودهم ~~وشرعوا لك فيه مورودهم في منطق لا يعاب، ونصيحة صدرت لك من أتقياء أتقياء ~~ألباب، مؤمنين غير متهومين في فعل ولا مقال فهم لك عيون ناظرة وآذان سامعة ~~وأفئدة زكية طاهرة، خلصت عندك من حب الدنيا يعرفهم العارف والجاهل ذوو ورع ~~في دينهم إذا رأيتهم خلتهم وحسبتهم بهائم رائعة؛ وإذا اختبرتهم وجدتهم ~~ملوكا أشداء في دينهم لا يخافون في الله لومة لائم، خلصت وطهرت قلوبهم من ~~الدنيا الدنية لا يطلبون بنصحهم إياك من أجر. PageV02P070 # إن أجرهم إلا على رب العالمين، فتدبر أيها الإمام ما كتبته إليك، إن ~~الناصح إذا جاء ناصحا لله تعالى راغبا فيما عنده زاهدا فيما لديك لا يطلب ~~في نصحه لك أجرا ولا يريد به فخرا وذكرا ورفعة، فاعلم يقينا أنه من نصحائك ~~في الله وأحبائك الذين يؤثرون على أنفسهم ويحبون بقاء عز الدولة بإنقاذ ~~كلمة الحق لله وفي الله في رجاء ثواب الله، وفي استبقاء ما عنده فهو خير ~~وأبقى، والملك لله يهبه من يشاء من عباده والأرض له يهبها لمن يشاء من ~~عباده والعاقبة للمتقين. # فإذا وردت لك هدية رحمك الله من نصائح أحد من إخوانك فاعرضها على عقلك ~~فإنه حكم عدل فإن قبل ذلك من الناصح، مع موافقته آثار المسلمين فاقبله فإنه ~~من الله على لسان أخيك، وممن جاءك به؛ واقبل الحكمة ممن جاءك بها من الناس ~~فإن الحكمة ضالة المؤمن يأخذها حيث وجدها من حبيب أو بغيض من عالم أو ضعيف؛ ~~فإنك أصبحي في أمر عظيم على خطر عظيم. # فالله الله إمام المسلمين لا تهمل العيون، واجعل على العيون عيونا، فإن ~~لم تفعل فاعلم أنك مغبون، ولا يكون العيون إلا الثقات الأمناء من الناس ~~المأمونين على ما ائتمنوا عليه، فابحث من كل بلد ملكت أمرها أمناءها ~~وفضلاءها واجعلها عيونا راعية في رعيتك، حافظة في ولايتك، فإن اتهمت العيون ~~وارتاب قلبك في قولها فليكن همك في طلب البحث لتعرف حق ذلك من باطله وجده ~~من هزله، ولا تهمل الأمر إهمالا، ولا ms344 تغفل من أهل البلد وجوهها وأهل الشرف ~~منها، وأظهر إليهم الجميل من مقالك، كأنك مقصر في حالهم، وإن كنت محسنا ~~تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم. # قيل أنه فقد رجلا فسأل عنه ثم قال اذهبوا بنا إليه لعله واجد علينا؛ ولا ~~عتاب عليه لأحد الناس صلى الله عليه وسلم أن كان برا رحيما، ولكن ذلك من ~~تمام أخلاقه في قومه ورعيته صلى الله عليه وسلم؛ فلين الجانب إلى الناس ~~يجلب لك المودة وهو خير من النفقة في بعض الأحايين رحمك الله. PageV02P071 # وأما تقربك لأشراف الناس يزيدك منهم مودة ونصرة ونصيحة، ولطفك للمسكين ~~ورحمتك له ينفعك بدعائه لك واستغفار لما يجد من عفوك وإحسانك إليه فلا بد ~~من دعاء يسمع لك ويستجاب أو لا يسمع، ودعوة تدع الديار بلقعا فلا تكاد ~~ترجع، والكلمة الشديدة تنفر منها القلوب ذوي الألباب؛ فإن الناس أجناس ~~متباينة فأنزل كلا منهم منزلته، فإن الناس لهم منازل يتفاضلون بها: فمنهم ~~إخوانك وهم نظراؤك وأمثالك، فأحب لهم ما تحب لنفسك واكره لهم ما تكره ~~لنفسك؛ فإنهم يحبون منك مثل ما تحبه منهم؛ فإنك تحتاج إليهم أكثر مما ~~يحتاجون إليك؛ فلن لهم الجانب وكن لهم روحا وريحانا يكونوا لك إخوانا ~~وأعوانا وملجأ وردءا وأنصارا؛ فإنك سلطان بجيرانك وإخوانك لا بالمؤلفة من ~~حسادك وعدوانك؛ فإن النصيحة من العدو محال والمحال زوال؛ ونصائح إخوانك ~~وأهل الشرف من جيرانك لا تستخرج إلا بصحة القريحة منك وبالمودة منك لهم ~~تكون نصائح الرجال؛ ولا تصلح المودة الغريزية إلا بإصلاح النية؛ فإذا صلحت ~~النيات من باطن القلوب في رضى الله علام الغيوب؛ فهنالك أمن الراعي ~~واستراحت الرعايا ولو جربت ذلك لوجدت مقالي صوابا إن شاء الله. PageV02P072 # وما أنت كبير إلا بإخوانك وأهل الشرف من بلدانك؛ واقبل من إخوانك كلا ~~منهم على قدر ضعفه وقوته وعظم همته وتراخيها فإن أحوال الناس مختلفة لا ~~متفقة ومؤتلفة، واقبل معذرتهم وأقل عثرتهم، واغفر زلتهم، فإنك لا تجد ~~الناجي من العيوب، المبرأ من الذنوب فإن طلبت صحبة من لا ms345 عيب فيه فاتك ~~الدهر من غير صاحب، وأنت أحوج الناس إلى الأصحاب، ولكن لكل هؤلاء مرتبة ~~ومنزلة، فانزل كل واحد منزلته إلا السفلة السعيبر([4]) فأعطه الشدة صراحا ~~وإن استغنيت عن أحد فلا تبعده كل الإبعاد وتفقد حاله واسأل عنه، فإنك لا بد ~~أن تحتاج له يوما ما يكون لك حبيبا غائبا حاضرا أخا شفيقا لا يرضى فيك ~~المعائب وإن كان عنك غائبا وحاشاك من ذلك، وإن استغنيت عن أحد أو اعتذر ~~إليك أخوك إن طلبته في أمر ترى أنه من أهله فاعتذر إليك فاقبل معذرته ولا ~~تبعده، فإنه أعلم بنفسه منك والله أعلم به منك ومن نفسه، وكل أمره إلى الله ~~ولا تترك له من يؤذيه بمقاله ويكثر عليه من كلامه ووياله، فإن الكلام ~~الشديد إذا صدر من ذويك ومن تقوى بسلطانك، فذلك منك لا منه والكلمة الشديدة ~~تنفر منها القلوب وتتبدد منها الأجساد، فقد وصى الله نبيه صلى الله عليه ~~وعلى آله وسلم بلين الجانب وخفض الجناح للمؤمنين فقال " ولو كنت فظا غليظ ~~القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر " وقال " ~~وأمرهم شورى بينهم " وأمره بالمشورة وحثه عليها في غير موضع؛ وهو أكثر ~~الناس عقلا وأرجحهم رأيا وأعلاهم درجة وأدبا صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك ~~من لين الجانب وحسن التواضع للناس، فلا ذل ولا صغر من تواضع لله؛ ولا ساد ~~وارتفع من تكبر على الخلق؛ وحاشاك حاشا كل مؤمن تقى من ذلك؛ وأحق الناس ~~وأولاهم بالصبر واحتمال الأذى الملوك لأنهم على أمورهم قادرون ولرقاب ~~الرعية قاهرون؛ قد ملكهم الله العباد لا ملجأ لهم من الله إلا إليه. PageV02P073 # وعندي لا شك أنك عالم بالذي كتبت به إليك لأنك ملك من أبناء الملوك ~~تسوسون الرعايا وتمارسون الأمور؛ لأن الملوك ممتحنون بذلك فلا بد لهم ولا ~~مخرج من ذلك؛ لأن الملوك أحوج الناس إلى سياسة الملك في رعاياهم؛ وإنهم ~~أكبر الناس عقولا ورأيا وسيرة وسياسة وأدبا من سائر الرعايا وهم أمناء الله ~~في أرضه على خلقه، ولكن ms346 المكاتبات بين المسلمين واجبة والنصائح لازمة تذكرة ~~وتنبيها للملوك لما هي فيه من كثرة الأشغال من معاناة أمور الرعية ومقاساة ~~ما تجده من كثرة المعاندات والمخاصمات؛ وخاصة في أهل هذا الزمان؛ والله ~~المستعان وهو حسبنا وكفى به حسيبا. # تابع # ============================= # [1] - قوله: فيما عند الله الخ نص الحديث ( ازهد في الدنيا يحبك الله ~~وازهد فيما عند الناس يحبك الناس ) فكان الإمام رضي الله عنه أراد بقوله ~~فيما عند الله الدنيا التي يعطيها الله عباده من غير يد أحد من الناس والله أعلم. # [2] - في نسخة الضباء؛ ولعل الصواب الظباة. # [3] - هكذا في الأصل ولم يفهم له معنى. # [4] - لعل صوابه السعير بشد العين وهو الشرير وفي الحديث لا يؤمن سعاره ~~أي شره والله أعلم. # واعلم أيها الإمام أن الله سبحانه أحلك محلا عاليا شامخا وأنزلك منزلا ~~شريفا باذخا؛ وملكك طائفة من ملكه ولم يرض أن يكون أمر أحد فوق أمرك فلا ~~ترض أنت أن يكون أحد أولى منك بالشكر له، وإن الله سبحانه قد ألزم الورى ~~طاعتك فلا يكن أحد أطوع لله منك؛ وليس الشكر باللسان ولكن بالفعل والإحسان؛ ~~قال الله تعالى " اعملوا آل داود شكورا ". PageV02P074 # واعلم أن هذا الذي أصبحت فيه من الملك لم تبق له ولم يبق لك؛ ولو أنه بقى ~~لمن قبلك لم يصل إليك؛ إنما صار إليك بموت من كان قبلك؛ فاجتهد رحمك الله ~~في طلب راحة رعيتك بتعب نفسك واغناء مسكينك بمخمصة بطنك لكي تتبع الذين ~~يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة؛ واصبر على مرارة الصبر واحتمل زلة ~~رعيتك ووقر كبيرها وارحم صغيرها وتفقد أمورها واسأل الله تعالى يمن عليك ~~بتوفيقه لمرضاته والصبر على ما ابتلاك من أمور عافى غيرك منها يوصلك به ~~ملكا دائما ونعيما لا يزول في دار تبقى فيها الصحبة ويذهب عن أهلها فيها ~~النصب واللغوب؛ ويجعلنا وإياك رفقاء إخوانا على سرر متقابلين. فيا لها من ~~نعمة ما أجلها؛ وغبطة ما أعظمها جلت وعظمت عند من رزقها ونالها؛ وصغرت ~~وهانت على من وهبها ويا لها كرامة ms347 من معطيها لمن أعطاها؛ وما ذلك على الله ~~بعزيز " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة " فخذ إمامي وإمام المسلمين بما بان لك ~~عدله واترك عنك ما التبس عليك أو ظهر لك خطأه وهزله؛ فربما اختلس الشيطان ~~مني الصواب وألقى على لساني الزلل والارتياب وأنا استغفر الله تعالى من كل ~~قول وفعل وعمل قد خالفت فيه الحق، ومن كل شيء كتبته في كتابي هذا وغيره أو ~~أوردت فيه شيئا مخالفا فيه المسلمين، فأنا أستغفر الله من جميع ذلك، ولا ~~أردت بكتابي هذا وغيره العز لأحد، أو عداوة وانتصارا مني وافتخارا أو علوا ~~وتقربا من السلطان أو استكبارا، وصلى الله على محمد وآله وسلم وصحبه ~~وتابعيه ورضي الله عن أئمة الهدى من لدن أكرم الخلق، صلى الله عليه وسلم ~~إلى يوم الدين والسلام. # قد تمت سيرة الإمام سلطان بن سيف اليعربي رحمه الله، وهذه قصيدة قالها ~~واليه الشيخ محمد بن مسعود الصارمي صاحب عين السواد من أمطى؛ قالها في ~~مسيرة إلى بتة وذكر فتوحها. # كشفن عن تلك الوجوه الصباح = إذ زمت العيس ليوم المراح # وجئن يختلن يعاتبنني= يبسمن عن در كلون الأقاح # خامرهن الشك في عزمتي= فقلن جد منك أم ذا مزاح PageV02P075 أسبلن دمعا ~~هاملا هاطلا= إذ صرت في عزم النوى باتضاح # فشبهت اللؤلؤ والدر من= فيهن والنظم وعقد الوشاح # حتى إذا ما قربت ناقتي= نحو رحيلي واحتملت السلاح # أقبلن كئيبات يودعنني= مددن إلي الأكف السماح # صافحنني بكما بلا منطق= مني ومنهن وكنا فصاح # من عبرة حلت بنا لم تزل= ما بيننا تذري الدموع السفاح # كأنما النطق حرام على= ألسننا والدمع منا مباح # قد شحت الألسن بالنطق إذ = جاد العيون بالدموع القراح([1]) # حتى إذا ما صرت في مركبي= وحث بي حادى المطايا وصاح # أدبرن على خائبات الرجا = وقلن ودعن القلوب القراح # لا تجزعي يوم الهوى خلتي = لكل ليل مدلهم صباح # ولذة العيش وطيب الكرى= إذ غبت عنا والجسوم صحاح # قلت يروح الجسم مني ولن=يروح فؤادي، إليكن راح # وكل حي غائب آيب = لو طول ms348 الغيبة والانتزاح # فصرت مسلوب الحشى ذا أسى= من أجل هجر كل خود([2]) رداح # يزيد ما بي واشتياقي إذا= ما بدا برق نحو سيما ولاح # أو شمته لاح لدى العين أو= فوق الأفانين إذا الورق صاح # أو ( إن ) تذكرت ديارا زهت = من سمد الشأن وتلك البطاح # أو ساق لي يوما نسيم الصبا = من روضها نشر الخزاما وفاح # أطوى الفلا واليم في فيلق = يطفئ ضوء الشمس والجو صاح # حتى أتينا بتة بالضحى = ثم نزلناها بأرض براح # فقلت لأصحابي لا تحزنوا = من عنده الله فلا يستباح # اصطنعوا الصبر ولا تجبنوا = عند الوغى فالجبن لؤم صراح # ثم اعلموا لا بد للمرء من = موت وبالهندي فيه الفلاح # فامتثلوا الأمر ولا قصروا=وجردوا أسيافهم والرماح # فاقتحموا السور كأسد الفلا = واشتدت الحرب وضرب الصفاح # كأنما القتلى بأرجائها= من فئة الإفرنج صرعى طراح # كأنهم أعجاز نخل بها = منقعر من عاصفات الرياح # فانهزم الإفرنج من بتة= الذل والخزي وبالافتضاح # بعدا لهم بعدا وسحقا لهم = من قوم سوء ووجوه قباح # بعزم سلطان بن سيف الذي = أباد أهل الكفر يوم الكفاح # وكفه من حمل صمصامه = لضرب رقاب العدى ما استراح PageV02P076 يفر منه ~~الجحفل المجرئ من = خوف عليه في الوغى من جناح([3]) # مليك ملوك الأرض أن قبلوا = أقدامه فخر لهم وامتداح # واكف كفيه لسؤاله= قد نجلت منه الأكف السماح # يعطي بلا من يكرر ما = أعطاه أهل الفقر بل بارتياح # هو الإمام العدل في دينه = وملكه لا يسع غير الصلاح # أدامه الله وشبليه ما = دام مدى الدهر المسا والصباح # ---------------------------------------------------------------------- ~~-------- # [1] - الأصل في النسخة المطبوع منها: جادت بالدموع العيون القراح وهي على ~~ما يرى من اختلال الوزن والمعنى فليتأمل. # [2] - وفي الأصل: رود. # [3] - في هذين البيتين تصحيف وتركناهما حسب الأصل. # باب إمامة الإمام بلعرب بن سلطان ابن سيف بن مالك # بويع له في اليوم الذي مات فيه أبوه سلطان بن سيف، وهو يوم الجمعة في ستة ~~عشر من شهر ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وألف فقام بالحق وسار بالعدل ولم تزل ~~الرعية له شاكرة ولفضله ذاكرة ms349، وكان جوادا كريما وعمر جبرين وبنى بها حصنا، ~~وانتقل من نزوى إليها، وفي أيامه جاء رجل من أهل الخلاف إلى الصير فامتحن ~~الضعفاء بملاغز وتغابي، وكتب الإمام في شأنه إلى قاضي المسلمين في زمانه ما نصه: # من الفقير إلى الله إمام المسلمين بلعرب بن سلطان بن سيف إلى شيخنا الرضي ~~الفقيه وولينا في الله محمد بن جمعة بن عبدالله بن عبيدان - رحمه الله - ~~وبعد الخير والسلامة وصلت إلينا كتب من عمالنا من الصير يذكرون فيها أن ~~رجلا من مخالفينا جاء إلى الصير من البحرين، وصار له عند مخالفينا شأن ~~عظيم، وصار له مجلس يجتمع فيه مائة رجل فصاعدا من قومنا، وصار متطاولا تيها ~~بذيله على ديننا وفخرا، ويفتي في الأثر نظما ونثرا، ويمتحن أصحابنا بمسائل؛ ~~وأرسلوا لنا مسألة في بعض امتحانه لهم وطالب جوابها، والمسألة هذه شعرا: # وذي رجل كالزوج دينا ومذهبا= ومات ولم تلحق صداقا ولا إرثا # وليست بذي قتل ولا ذي جراحة= فانعم لنا بالكشف عن هذه الأنثى PageV02P077 ~~فإن أنت لم تستطع رد جوابنا= فعلمك أضحى في الورى ثوبه رثا # فأرسل بها نزوى وما شئت من قرى = فإن تظفروا بالكشف عنها أكن أرثا # فتفضل شيخنا برسم ما يرضي الله ونصر المسلمين، ومرادنا نفي هذا الرجل من ~~أرض عمان إلى آخر ما ذكر، فأجابه الشيخ بما نصه: الجواب إن مثل هذه المسألة ~~يبطل صداق المرأة وميراثها من الزوج الميت من وجوه شتى؛ مثال ذلك إذا تزوجت ~~بزوج آخر عمدا ومعها زوج ولم يطلقها ولم يمت عنها ثم مات الزوج الثاني ~~والزوج الأول؛ فإن هذه تحرم على الأول والثاني ولا يكون لها ميراث من الزوج ~~الثاني ولا الأول لأنها تصير بمنزلة الزانية، لأنه لا يحل فرج امرأة ~~لزوجين، وكذلك لا يكون لها صداق على الأول ولا الثاني، وكذلك إذا زنت امرأة ~~وهي مع زوج ثم مات عنها زوجها، فقال بعض المسلمين أن ليس لها ميراث ولا ~~صداق من الزوج، وفيه قولان: لها الصداق والميراث وأمثال هذه كثيرة. # قلت ولغز المخالف ms350 المذكور يدل على شدة جهلة وسوء طويته من وجوه: أحدها أن ~~اللغز والتغابي ليس من أمر الصالحين وإنما هي حالة المتعنتين، والمتعنت ~~يحرم جوابه لسوء قصده وخبث طويته، وثانيها أن عدم فهم الملغزة لا يدل على ~~قلة العلم؛ فكم من عالم في كثير من الفنون سليم الصدر قليل الغوائل غافل ~~عما يضمره المتعنتون في سرائرهم ساه عما يقصده علماء السوء من المقاصد ~~الخبيثة وغفلته وسهوه عن الحالين من أحسن أحواله التي يرجى له بها من الله ~~الزلفى، وثالثها تبجحه بملغزته وتعاظمه بتغبيته قبل أن يعرف ما عند غيره في ~~بيانها أو العجز عن كشفها، ورابعها جهله بوضع العربية فإنه قد وضع الألفاظ ~~في نظمه هذا على غير ما وضعت له فألحن في ذلك وجعل خطاب المذكر للمؤنث وذلك ~~في قوله وذي رجل، وقوله وليست بذي قتل فإن ذي في البيتين بمعنى صاحب وهي ~~بهذا اللفظ لا تطلق إلا على المذكر، يقال ذو مال وذو إبل لصاحب ذلك، فإن ~~أرادوا المؤنث قالوا ذات مال وذات إبل. PageV02P078 # فكان على هذا المتعنت أن يقول وذات رجل وليست بذات قتل، ثم إن قوله في ~~آخر أبياته أكن أرثا لا معنى له، فإن أرثى بمن أرشد رثاء، والرثاء أن تذكر ~~الميت بأحسن أفعاله وأنت تدري أنه لا معنى لهذا في هذا الموضع، ولعله أراد ~~أكن رثاثة في العلم منكم إن حللتم لغزي، وهذا المعنى هو الظاهر في سياقه، ~~وعليه فقد ألحن لأن هذا المعنى يقال في إرث بتشديد المثلثة لا إرثا ~~بتخفيفها، وخامسها جهله بأحكام الشريعة وذلك في قوله ولا ذي جراحة فإن ~~الجراحة لا تبطل الصداق ولا الميراث، وفيه من اللحن في إطلاق ذي على المؤنث ~~ما في الذي قبله فظهر جهله وقبح حالقه، وجواب القاضي رحمه الله شامل ~~لملغزته ولغيرها فكأن حاله تقول: إن كنت يا جاهل قد عرفت في هذا وجها واحدا ~~فإنا نعرف في ذلك وجوها كثيرة فذكر الوجوه المتقدمة. # ثم قال بعد ذلك في جوابه للإمام: وأنا إن شاء الله ms351 تعالى أكتب شيئا من ~~التغابي في مثل هذا وأنا أكتب المسألة وجوابها، وأنتم أكتبوا المسألة بلا ~~جواب وهاكم المسألة: ما تقول في رجل نظر إلى امرأة وقت الغداة وهي عليه ~~حرام، ونظر إليها وقت الظهر وهي له حلال، ونظر إليها وقت العصر وهي عليه ~~حرام، ونظر إليها وقت العشاء وهي له حلال، ونظر إليها وقت الضحى وهي عليه ~~حرام، ولما كان وقت الظهر نظر إليها وهي له حلال، ثم نظر إليها وقت العشاء ~~وهي عليه حرام. وجوابها هذا الرجل نظر إلى أمة قوم وقت الغداة وهي عليه ~~حرام لأنها ليست بملكه. ثم لما كان وقت الظهر اشتراها، ونظر إليها وهي له ~~حلال، ثم لما كان وقت العصر أعتقها فحرمت عليه لأنها ليست له، فلما كان ~~المغرب تزوجها فحلت له، فلما كان العشاء ظاهر منها فحرمت عليه؛ فلما كان ~~الصبح أعتق عنها رقبة فحلت له، فلما كان الظهر ارتد عن الإسلام فحرمت عليه، ~~فلما كان العشاء أسلم فتاب فحلت له. # ( PageV02P079 أخرى ) في رجل أدخل بيته ضيفا فخرج رب البيت ليطلب لضيفه ~~طعاما وفي وقت خروجه كان قد جامع زوجته حلالا وخرج حين فرغ من جماعه إياها ~~فلما رجع إلى منزله بالطعام، وقبل أن يغتسل من جنابته ليطعم ضيفه فمنعه ~~ضيفه الدخول، وقال لقد تزوجت بزوجتك حلالا بكتاب الله وسنة رسوله، وقد حرمت ~~عليك. وجوابها أن رجلا له امرأة وهي حامل فقال لها إن ولدت أنثى فأنت طالق، ~~فلما ذهب الزوج ليطلب طعاما لضيفه ولدت الزوجة جارية فانطلقت ثم ولدت بعد ~~ذلك غلاما، فحينئذ ملكت نفسها وانقضت عدتها فخطبها الضيف إلى وليها فزوجه ~~إياها وملكها بعقدة النكاح بلا وطء، وأتي الزوج وقد فاته وتزوجت بالتزويج ~~الحلال. # ( أخرى ) وكذلك رجل حلف بطلاق زوجته إن دخلت عليها أمها، وزوجته حامل قد ~~قرب ميلادها فخرج ليشتري لها شيئا من السوق فدخلت عليها أمها قبل أن تلد ~~بساعة فطلقت منه، ثم ولدت وانقضت عدتها وحلت للأزواج فتزوجت بعد أن وضعت ~~حملها، فجاء زوجها ووجد عندها زوجا ms352 ومنعه من الدخول عليها لأنها قد حرمت عليه. # ( أخرى ) رجل يدعي على امرأة أنها زوجته وأنكرته الزوجة بين يدي الحاكم ~~وأقام الرجل بشاهدي عدل فشهدا أنها زوجته فلما أراد الحاكم أن يقضي عليها ~~جاء رجل آخر فقال هي زوجتي أنا وأقام شاهدي عدل فأنكرت المرأة التزويج ~~وأقامت شاهدي عدل على أن الرجلين المدعيين لها التزويج أنهما عبدان لها، ما ~~يفعل الحاكم، جوابها أن رجلا كانت له ابنه، وله عبد زوج ابنته بعبده؛ ثم أن ~~العبد غاب فاشترته زوجته من أبيها فانفسخ النكاح إذ صار الزوج عبدها لما ~~انقضت عدتها زوجها أبوها بعبد له آخر، ثم مات الأب فورثت هي زوجها فصار ~~مملوكا لها، وانفسخ النكاح بالملك فصحت بينة وحكم الحاكم عليهما بالرق فكان ~~القول قولها. # ( PageV02P080 أخرى ) رجل خرج من سفره وهو صحيح سالم وحضر صلاة الظهر وهو ~~في السفر؛ وطلب الماء فلم يجد الماء فتيمم وصلى ثم نظر قدامه ففسدت عليه ~~صلاته ونظر عن يمينه فحرمت عليه امرأته ثم نظر عن يساره فوجبت عليه الزكاة ~~ثم نظر فوقه فوجب عليه الصيام ثلاثين يوما ووجب عليه الدين ثم نظر خلفه ~~فوجب عليه القتل، وجوابها: أما تيممه فإنه تيمم وقدامه الماء([1]) ثم نظر ~~قدامه فنظر الماء وهو قريب منه وقد فسد تيممه وصلاته ووجب عليه الطهور ~~بالماء والصلاة، وأما نظره عن يمينه فإنه كان قد تزوج امرأة مفقود فنظر عن ~~يمينه فإذا بالمفقود قد جاء؛ وأما نظره عن يساره فإنه لما نظر رأى مالا له ~~ورثه من سنين ولم يكن أخرج زكاته فوجبت عليه الزكاة وأما نظره إلى خلفه ~~فإنه كان قد قتل رجلا والمقتول له ولد صغير فبلغ الصبي فنظر إليه الرجل وهو ~~يريد قتله بأبيه لأنه قد وجب عليه القتل؛ وأما نظره إلى فوقه فإنه نظر إلى ~~الهلال فلما رآه حل عليه الدين، ووجب عليه الصيام لأنه شهر رمضان ثلاثون يوما. # ( أخرى ) خمسة نفر زنوا بامرأة واحدة فوجب على واحد منهم القتل ووجب على ~~الثاني منهم الرجم ووجب على الثالث ms353 الحد ووجب على الرابع نصف الحد ولم يجب ~~على الخامس شيء. وجوابها: أما الذي وجب عليه القتل فكانت امرأة ذات محرم ~~منه. وأما الذي وجب عليه الرجم فهو محصن، وأما الذي وجب عليه الحد فهو غير ~~محصن وهو بكر، وأما الذي وجب عليه نصف الحد فهو مملوك، وأما الذي لم يجب ~~عليه شيء فهو صغير غير بالغ. # ( أخرى ) رجل وامرأته كانا راكبين على جمل فنزلت المرأة فحرمت على زوجها ~~ثم نزل الزوج فحلت له. وجوابها: أنهما كانا يهوديين، فحين نزلت المرأة ~~أسلمت وشهدت شهادة الحق فحرمت على اليهودي ثم نزل هو بالحال، ولما رآها ~~أسلمت فأسلم فحلت له والله أعلم. PageV02P081 # وفي زمانه رضي الله عنه قدم من المغرب إلى عمان رجل من أهل جربة يقال له ~~الشيخ عمر بن سعيد بن محمد بن زكريا الجربي الأباضي المغربي، فسر بما رأى ~~من أحوال عمان وظهور العدل فيها وإحياء السنن وإماتة البدع، ولكنه رأى ~~مجالس العلم فيها قليلة فكتب للإمام نصيحة يحثه فيها أن يحث الرعية على طلب ~~العلم وتقويم المجالس وعمارة المدارس قال فيها: PageV02P082 # مولانا أصلح الله أحوالك وسدد أقوالك وتقبل منك أفعالك وجعل إلى السعادة ~~مرجعك ومآلك، فأقول أنا العبد الفقير: إني لما من الله تعالى علي بالوصول ~~إلى هذه البقعة المباركة رأيت بحمد الله في مسكد وسمائل وفي نزوى وفي هذا ~~المقام الشريف من الأحكام الشرعية والسيرة الأباضية والسنن المحمدية ما ~~انشرح به الصدر وامتلأ بمشاهدته سرورا ولله الحمد على توفيقه، فتأملت أحوال ~~عمان فوجدتها عجيبة الشأن حسنة الشكل كاملة الأوصاف سوى أن مجالس الذكر ~~ومدارس العلم فيها قليلة، والعلم سيدي كما لا يخفى عليكم يزداد بالاستعمال ~~وينقص بالإهمال، ونقصان العلم ضرر في الدين عظيم؛ وما كان على النقصان يوشك ~~زواله؛ وأخبرك يا نعم السيد ببعض أحوال أهل جربة من أهل هذه الدعوة في ~~زماننا هذا مع ضعفهم وقلتهم وسوء حالهم، ومعهم من مدارس العلم ما يزيد على ~~العشرين كل يعلم على قدر علمه؛ منهم من اقتصر على النحو ms354 واللغة وعلم ~~الديانات ومنهم من تبحر في النحو واللغة والصرف والمعاني والبيان والمنطق ~~والتوحيد وأصول الدين والفقه والحساب والفروض الشرعية والعروض الشعرية أعني ~~الأوزان وما يتعلق بها من الزخارف وغيره، وهو من عادتهم يجتمعون في كل يوم ~~الأحد ويوم الثلاثاء على شيخ المشايخ، وهو أبو زيد بن أحمد بن أبي ستة ~~فيقرأون عليه ويلقون في المجالس المشكلات والسؤالات؛ فيتحرى فيها الصواب ~~ويزيل عنها الالتباس؛ وهم في هذه الحالة يتأسفون غاية التأسف؛ على اندراس ~~العلم ونقصانه؛ ولعلمهم أن المذهب الحقيقي الحنيفي الرستمي يزداد بازدياد ~~العلم وينقص بنقصانه ويذهب بذهابه؛ وقد كان هذا المذهب بأرض المغرب في زمان ~~الأئمة الرستمية رحمهم الله مسيرة ثلاثة أشهر وأزيد كلها عمارة محشوة ~~بالزهاد والعباد والعلماء لا يحصى عددهم ولا يطاق عتادهم؛ فلما زالت عنهم ~~الإمامة لأمر أراد الله إبرامه ذهبت الأخيار وبقيت الأشرار، وتهاونوا في ~~العلم والتعليم ومالوا إلى الدنيا، فركبهم الجهل، PageV02P083 فطبع على ~~قلوبهم بسبب ذنوبهم؛ وأتتهم العلماء المخالفون بالحجج الباطلة، فتخيلوا ~~السراب ماء لطموس البصيرة وتمكنت من أزمة قلوبهم، فسلكوا بهم طريقهم ~~الضالة، كما سلك الذود بين قائد وسائق فارتدوا على أدبارهم والعياذ بالله ~~في أزمنة متقاربة حتى لم يبق منهم إلا من ساقه التوفيق واعتصم بالله واستتر ~~بالعلم؛ وهو أهل البقاع الثلاثة: بعض أهل نفوسة، وبعض أهل جربة وبنو مصعب ~~ليس إلا سنة الله التي قد خلت من قبل سلكوا بها وتمسكوا. # فإذا كان الأمر هكذا فينبغي للإمام المسلمين أيده الله بالتوفيق وأنار له ~~معالم التحقيق وأن يجعل في كل حصن من حصون مملكته المجلل عدله المزيد فضله ~~معلما يعلم الناس أمر دينهم ويزهدهم في الدنيا الفانية الخسيسة ويرغبهم في ~~الآخرة الباقية النفيسة، ويتيسر هذا إن شاء الله تعالى بالنظر في أحوال من ~~له نظر ومعرفة ولو أدنى معرفة وذوق في العلم إن ظهرت منه أسباب الخير ~~بالنصيحة لنفسه أولا ولعباد الله والشفقة عليهم والرغبة في الدين. # فحينئذ يتوجه الأمر المطاع من إمام المسلمين بأن يتصدى التعليم بالغداة ~~والعشي ولا يحقر ما ms355 معه من العلم وإن قل إن كانت نيته خالصة بأن ينمو ويزيد ~~ويفيد يستفيد ببركة العلم وفضله، حيث كان خالصا لله عز وجل لعل غافلا ينتبه ~~أو نائما يتيقظ أو ناسيا يتذكر أو جاهلا يتبصر، وتكون سنة حسنة في الإسلام ~~لمن سنها وأجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، وهو إمام المسلمين ~~وأعوانه في الدين لا يغير ولا ينقص من أجور المتعلمين شيء. PageV02P084 # الله الله ثم الله الله وحاشا لمثلك أن يتغافل ويتهاون في مثل هذا وأنت ~~بتوفيق الله وفضله خليفته في أرضه؛ والعلم أصول دين الله وفروعه ولوازم ~~العدل المأمور به المفروض أمثاله وشروعه، ولكن لكل شيء سبب ولكل أجل كتاب، ~~وإذا أراد الله إظهار أمر يرضيه في الدين أجراه على يد أحد من خلقه، ممن ~~يختصه لمزيد فضله ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) ~~كظهور العدل وعلو كلمة الحق وذهاب ذوي الشقاق وانطماس معالم الشرك والنفاق ~~على يد المرحوم الشيخ خميس بن سعيد الشقصي الرستاقي والإمامين الرضيين رحمة ~~الله عليهم أجمعين، وأنت الرضي الثالث بحمد الله، وقد ترى ما ابتلي الناس ~~به من الميل إلى الدنيا والزهد في الآخرة مع شدة افتقارهم إليها. # سيدي ومولاي: أنظر بعين البصيرة والعقل الراجح الثاقب في وصل ما أمر الله ~~به أن يوصل بينه وبين عباده الذين استخلفك عليهم رأفة ورحمة بهم ورجاء ~~لرضوان الله تعالى , ولا تخلوا أرض الله تعالى من قائم فيها بحق وعلم في ~~خلقه في كل وقت من الأوقات وهو الحجة على خلقه , كما قال الله ( ولكل قوم ~~هاد ) يا نعم السيد ويا جهد المكارم إذا نظرت وتأملت في هذا الأمر العجيب ~~الشأن واطمأنت نفسك إليه وهممت ببذل المجهود في تجديد معاهده وتشييد قواعده ~~حبا لله ورجاء لثوابه , فثوابه أجل وأعظم للمسبب والمتسبب فيه من ثواب ~~المجاهدين والمرابطين والمصلين والصائمين والحاجين والمعتمرين ما خلا ~~الفرائض من ذلك كله وكان كل ذلك فضلا ونفلا فأرني منك علامة تسرني كقول ~~إمام المسلمين: نعم ابتغيت رضوان ms356 الله تعالى فإن إحياء هذه الطريقة أحب إلي ~~مما طلعت عليه الشمس وغربت , وأحب إلى الله ورسوله وإلى من ناصح نفسه من ~~المسلمين , إذ جميع حطام الدنيا الفانية لا يعتبر في جانب السعادة الأبدية ~~ولا تزن ذرة منه , وكتبته بيدي والله على ما أظهر وأضمر شهيد. PageV02P085 # وهذا سر من العبد الغريب إلى المولى الحبيب , والسلام عليك ورحمة الله ~~وبركاته ورضوانه يتسلسل تسلسل أنفاس أهل الجنة , وأما أهل جربة وإن كانوا ~~متمسكين بالعلم جهدهم , فتدبيرهم مختل وعقدهم منحل وأمرهم مشكل لفقدهم ~~الإمام العدل وقرناءه أهل الفضل. انتهى كلام عمر الجربي وهو كلام ناصح ~~ماهر؛ وقد قيل أن النصيحة إذا خرجت من الجنان وقعت في الجنان , وإن خرجت من ~~اللسان لم تجاوز الآذان؛ فأثرت نصيحته الأثر الجميل؛ وتلقاها الإمام ~~بالقبول والتبجيل فقام وشمر وحث الرعية على طلب العلم وأمر بالتعليم في ~~ممالكه؛ وجمع جملة من المتعلمين في الحصن الذي جدد بناءه وهو ( جبرين ) ~~فقيل أنه كان يخدمهم هنالك بنفسه وكان يعطرهم بنفسه وكان يتحرى لهم الأطعمة ~~المقوية للإفهام والذكاء؛ فيقال أنه خرج من هذه المدرسة التي في حصن جبرين ~~خمسون عالما أهل اجتهاد وأهل إفتاء الرأي([2]). # وقد أكثر الناس في الثناء على هذا الإمام ورأيت في مدحه ديوانا حافلا ~~محتويا على قصائد طنانه بلغة من فنون البلاغة مبلغا عظيما وعلى هوامشها ~~تنبيهات على أنواع البديع في الأبيات , وقد غاب عني هذا الديوان فلم أره ~~منذ زمان وإنما رأيته أيام الصغر وأحفظ من أوائل بعض قصائده أبياتا يسيره ~~قال بعضهم في أول قصيدة لامية. # لمى بوادي الدوح دور وإطلال = سقتها غواد من ملث وآصال # وهمهم في أرجائها الرعد برهة= إذا ما انقضى وبل تعرض هطال # وقال آخر في أول قصيدة لامية أيضا: # زم المطي فعقد الدمع محلول # وقال آخر: # الله أكبر جاء الفتح والظفر= وأشرقت في الدياجي الأنجم الزهر # وأصبحت سبل الإسلام واضحة= أعلامها واستقام السمع والبصر PageV02P086 ~~وغير ما أشرت إليه كثير وكلها مدائح في الإمام , والخلق شهود الله في أرضه ~~فمن أثنوا ms357 عليه خيرا كان أهلا للخير ومن أثنوا عليه شرا كان أهل للشر والله ~~يؤتي فضله من يشاء وحيث كان شاعر ذلك الزمان راشد بن خميس بن جمعة بن أحمد ~~الحبسي النزوي العماني من جملة من تعلم في ظل هذا الإمام وصار من جملة من ~~مدحه وأثنى عليه أحببنا أن نذكر ترجمته هاهنا للإطلاع عليها وأن فاتنا جل ~~تراجم المعاصرين. # ---------------------------------------------------------------------- ~~---------- # [1] - لعل الصواب وهو فاقد للماء أو تيمم وقدامه الماء وهو لا يعلم وقوله ~~فإذا بالمفقود قد جاء أي بعد تمام أجل الفقد وتطليق زوجته وتزويجها أي ~~فاختار زوجته إذ لو اختار أقل الصداقين لبقيت الزوجة بعصمت الثاني والله ~~أعلم. أبو إسحاق. # [2] - قوله الرأي أراد القياس وهذه عبارة الأوائل رحمهم الله. # ذكر ترجمة الحبسي الشاعر PageV02P087 وهو راشد بن خميس وكان قد ولد ~~بالقرية المسماة " عين بني صارخ " من قرى الظاهرة من عمان في السنة التاسعة ~~والثمانين بعد الألف من الهجرة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ~~فرمد وعمى وهو ابن ستة أشهر، ثم انتقل منها وهو ابن سبع سنين، وقد مات ~~أبواه فنزل بقرية يبرين([1]) مسكن الإمام بلعرب بن سلطان بن سيف بن مالك بن ~~بلعرب اليعربي العماني، فرباه بها وأحسن إليه غاية الإحسان فتعلم في ظله ~~القرآن والنحو والصرف واللغة وما شاء الله من العلوم المفيدة، وخرج شاعرا ~~مجيدا أريبا حاذقا أديبا، فلما مات هذا الإمام انتقل منها إلى أرض الحزم من ~~ناحية من الرستاق من عمان مسكن أخيه السيد الإمام سيف بن سلطان المالك بعده ~~فأقام بها معه في أجمل حال إلى أن مات، فلما مات ارتحل إلى نزوى عمان؛ ~~واتخذها وطنا دون الأوطان، وقد أثبت له في هذه المقدمة الشريفة هذه القصيدة ~~الظريفة المخبرة عن أنسابه وملاحب آدابه، ولعله أراد بها استشهادا عما روى ~~عنه للأمجاد عن نسبه وموطنه من البلاد، فإنه قد نبه بها عن نباهته وراقم ~~بها عن وجه درايته بقوله: # وقائل قال ممن أنت قلت له = سلني أخبرك عن أصلي وعن حالي # فغافر خال أمي وابن ms358 عم أبي= حبس الرضى وبنو جساس أخوالي # وصارم إن سألتم جد عم أبي= فهذه معرفات العم والخالي # والعين مسقط رأسي وهي دارهم= فيها محلى وفيها قدري العالي # وقد رحلت إلى يبرين من بلدي= حتى بلغت إراداتي وآمالي # وقال أيضا: # يا جاهلا هاك خبري إنني رجل= أصون عرضي ولم أبخل بموجودي # وإنني من صناديد جحاجحة = تفوق فضلا على جميع الصناديد # أبي من الأزد والأم الكريمة من= بكر بن وائل خير السادة الصيد # قال كاتب الترجمة وهو سليمان بن بلعرب بن عامر بن عبدالله بن بلعرب بن ~~عبدالله بن بلعرب الذي هو من بني محمد بن سليمان العقري النزوي العماني قد ~~بدأ لي التفات إلى قوله: # أبي من الأزد والأم الكريمة من= بكر بن وائل خير السادة الصيد ~~PageV02P088 فإنما بين الأزد وحبس القبيلة في النسب بون بعيد، فإن بني حبس ~~وبني المسيب تتصل سلسلة نسبهم إلى شهاب بن النويرة التغلبي الشيباني على ~~صحة عمود النسب وهو جدهم، وشهاب بن النويرة المذكور هو الذي شمر عن ساق ~~الحرب يوم أورى كسرى لبني تغلب نار الطعن والضرب بإجارتهم للخرقاء ~~وامتناعها بهم عنه فكانت عن الاقتراب هي أبعد عنه من العنقاء. # ثم إن الأزد هم أنف اليمن وعينها؛ والتغلبيون هم روح جسم بني نزار فلم ~~أدر بسبب علة الغضب الذي وقع له هنا بقوله هذا، وعسى أنه غلب عليه نسب الأم ~~إلى حبس؛ فقيل له الحبسي بسببها؛ أو حبس اسم رجل من أجداده لا يتصل تسلسله ~~إلى حبس القبيلة، وهذا والأول يبعد الاعتذار به على ما ذكر في قصيدته والله ~~أعلم بالصواب. # قال وأما أنا مما علمته أنه هو بالنسبة بحبس إلى شهاب بن النويرة التغلبي ~~الشيباني ونسبة بني المسيب كذلك تتصل إليه، قال وقد أثبت ترجمته في كتابي ~~الذي سميته ( المؤتمن في ذكر مناقب نزار واليمن ) ونسبته إلى شهاب بن ~~النويرة على ما اشتهر عندي. ومن المعلوم أن بني حبس لم تك ميولتهم إلى ~~اليمن إلا بالحلف؛ وقد بقيت إخوتهم بنو المسيب على حالهم ms359 لم يميلوا إلى ~~زماننا هذا إلى اليمن بحلف بل هم نزاريون مع الخاصة والعامة بلا خلف، ومن ~~المحال أن يحيل أصل أصلا بالتلفيق فيكون هو وما هو على التحقيق، فإن ~~المحالفة لا تكون إلا بمشاركة الدم بالدم في الطلب والإغاثة , وقد ترث بعلل ~~ولا تدخل على الأصل علة الرثاثة. PageV02P089 # قلت: كونه من غير حبس القبيلة المشهورة بعيد , لأنه قد ذكرهم في بعض ~~القصائد وذكر مساكنهم من الروضة والمضيبي؛ وذكر أنهم قومه؛ ولعل الرجل لم ~~يعرف أصل نسبه , ورأى عمان قد غلب عليها قبائل الأزد , فظن قومه منهم ~~للاختفاء الأصل عنده؛ كما يقع لكثير من الناس عند جهلهم بأصولهم؛ والله ~~أعلم بالواقع. وللحبسي هذا مدائح في الإمام بلعرب؛ وله فيها رثاء؛ ولا ~~نذكرهما اختصارا؛ وكذلك له مدائح في غيره من أئمة اليعاربة من بعد هذا ~~الإمام , وله مدائح في محمد بن ناصر الغافري وفي بعض قضاة الأئمة وولاتهم , ~~وله مدائح نبوية على عدد حروف المعجم صدر بها ديوانه , وقد تكفل ديوانه ~~بذكر جميع ما ذكرنا وفيه من فنون الشعر شيء كثير , ومن كلامه في مدح الإمام ~~بلعرب قوله في قصيدة نونية: # وقائل من ملوك الأرض خائفة= منه وتحمده في السر والعلن # ومن إذا سار في جيش تضيق به= وسع البلاد ووسع السهل والقنن # جيش يبيد العدى في البر يعقبه= جيش يبيد أهيل الشرك في السفن # ومن إذا قال قولا قال أحسنه = أو جاد أخجل جود العارض الهتن # ومن إذا ثار في الهيجاء يفعل في = أعدائه فعلة الجزار في البدن # ومن إذا فاخر الأشراف في ملأ= شاعت مفاخره في الشام واليمن # هذا الكريم الذي تشفيك رؤيته= من كل داء ومن هم ومن حزن # بلعرب نجل سلطان الذي حسنت= أخلاقه وهو رب المنظر الحسن # ( PageV02P090 لطيفة ) ذكرها شارح ديوان الحبسي قال: جن بقرية السر في ~~عمان رجل يسمى راجحا بامرأة عشقها تسمى بشارة بنت سنان , فبهت راجح بجمالها ~~وكان صحيح العقل؛ فبقي حائرا متبلدا من شدة حبها وحسنها فلم يدركها؛ فتعلق ~~قلبه بحبها وهام ms360 بها حتى لم يذكر سواها , فخرج بسبب ذلك مجنونا تضرب به ~~الأمثال وتكثر في أخباره الأقوال, ومن صفة بعض ذلك أنه صار لا يرى امرأة ~~غريبة في البلد إلا وتبعها وجعل يحوم دونها كالكلب الجائع دون الفريسة لظنه ~~أنها هي؛ وصار يهذي بها؛ ويزعم أن الملك برا وبحرا لها , وصار يسأل عنها كل ~~متهكم ومازح ويقول له: هل من خبر عن بشارة يا راجح؟ فيقول لهم نعم؛ وقد ~~فتحت البلاد الفلاني والحصن الفلاني وقد غارت على العجم والإفرنج وغيرهم ~~وسلبتهم ملكهم فيقولون له: هذا الملك لك أم لها؟ فيقول هو لي لا لها؛ وإنما ~~هي تأخذه لي بجيوشها العظام وأنا مستريح؛ فيقولون له مع ذلك: وكيف حال إمام ~~المسلمين وعسكره مع هذه الحال؟ فيقول: هو وزير من وزرائها وأنا الذي عقدت ~~عليه الوزارة لها؛ وعسكره هم عسكرها , وكان كثير الضحك ولا يطيش كسائر ~~المجانين ولا يأذي أحدا , إنه مشتغل بما هو به من هذه الحادثة؛ ويدور في ~~سكك البلاد ليلا ونهارا , وكان لا يمر على الشاعر الحبسي إلا ويعاتبه ~~ويسأله الوصول إليه وجمع الشمل بينه وبينها؛ فيجيبه بما يطيب نفسه من ~~الكلام الحسن اللطيف إلى أن أشار عليه بعض المتهكمين عليه المستهزئين به أن ~~يسأل هذا الشاعر نظم أبيات فيها فسأله ذلك فأجابه , فنظم فيها هذه الأبيات ~~وقرأها عليه بأحسن الأسجاع؛ ففرح من ذلك فرحا عظيما حتى كاد أن يطير من شدة ~~الفرح بها , فتعلمها منه وحفظها وصار ينشدها في سكك البلد وأسواقها ليلا ~~ونهارا ويصفق بيديه ويرقص برجليه والأبيات هي هذه من البحر الخفيف: # سمحت لي الدنيا ببنت سنان = ذات قد يميس كالخيزران # ذات فرع وذات وجه منير = وخدود محمرة الأوجان PageV02P091 لم تجد في ~~زماننا من يباهي = هذه الخود في نواحي عمان # سلبت راجحا بطرف كحيل = فهو منه مغير العقل ضان # تركته متيم العقل لكن = صيرت عقله إلى النقصان # ---------------------------------------------------------------------- ~~--------- # [1] - أعلم أن يبرين هو نفس جبرين فيما يتبادر من كلام المؤلف رحمه الله ~~وغيره ولا يشكل تسمية الحصن بالقرية والله ms361 أعلم. مصححه. # ذكر حصن جبرين الذي بناه هذا الإمام # ذكر حصن جبرين الذي بناه هذا الإمام وكان من أعاجيب الزمان , وقد بناه من ~~صلب ماله على ما قيل لأن الأموال قد كثرت في أيامه وأيام والده قبله حتى ~~كادت أن تفيض البيضاء والصفراء من أيدي الناس , وذلك لبركة العدل وفضل ~~الجهاد , ولذلك أقبلت الأئمة إلى تشييد الحصون والمعاقل وإجراء الأنهار ~~وغرس الأشجار وإحياء المواتات ليعيش فيها الناس بأرغد عيش وأتم نعمة , فبنى ~~والده قلعة نزوى وهي الشهباء , وبنى هو حصن يبرين وبنى ابن أخيه حصن حزم ~~والثلاثة من أعاجيب الزمان حتى قيل أن حصن جبرين لا يستطيع أحد أن يصفه ~~بجميع ما فيه ولو فكر فيه شهرا كاملا بإمعان النظر التام، وهو قصر عالي ~~يجري في بطنه نهر جار وله حيطان شاهقة، ومن أعاجيبه أنه لو دخله داخل من ~~غير أهله لم يقدر أن يبلغ أعلاه إلا بدليل من أهله. وكان الشيخ علي بن ناصر ~~الريامي رآه من ظاهره وباطنه. PageV02P092 # وقال إن نظرت إلى سقفه قلت إنها خير من صنعة جدره وإن رأيت جدره قلت ~~هاهنا الصنائع العجيبة؛ قال وفيه من النقوشات والتصاوير ما لا يحصى ولا ~~يوصف. قلت ولعله أراد بالتصاوير تصاوير الأشجار والجبال والرمال والبلدان ~~والبحور وما لا روح فيه فإن تصوير ذي الروح حرام، لا يأمر به الإمام ولا ~~يرضاه. قال وفيه الأشعار مكتوبة على جدره وعلى الدرج والعرش والغرف ~~والحيطان؛ قال ومكتوب فيه آيات من القرآن. قلت: لا ينبغي أن تكتب آيات ~~القرآن على الجدر بل يجب أن ينزه القرآن ويعظم؛ ولعلهم إنما صنعوا ذلك بقصد ~~التبرك بآيات القرآن؛ ولا يعجبني أن يكتب القرآن في الجدر ولا في السقوف. ~~قال ويرى في بطن مشاكية وفي بطن الجدر سفتج أي نفق يدور في الجدار ما دار الحصن. # وقال فيه الشيخ المذكور شعرا: # الله أكبر من قصر علا وسما = وحصن عز بيبرين العلا رسما # أكرم به إنه الصرح الذي ثبتت= أصوله وله فرع سما لسما # هو العماد على ms362 ذات العماد على= مجدا وفخرا وما أبغى به إرما # تصاغرت عظمة الشهبا لعظمته = فما لها بعد رؤياه ترى عظما # لو كانت الجنة الفردوس يشبهها = شيء لقلنا هو الشبه الذي عظما # لم يخش ساكنه في طول مدته = غير الإله ولا عرب ولا عجما # لو سالم الموت ذا عز ومرتبة = لكان ساكنه منه لقد سلما # وقد بناه الإمام بلعرب بن سلطان بن سيف، # وقد قيل إن بنيانه قام بثلاثة وعشرين كرا؛ وقيل إنه خزن فيه مثلهن ثلاثة ~~وعشرين كرا، وبقرب الخزين هذه الأبيات: # أتعبت نفسي في عمارة منزلي= زخرفته وجعلته لي مسكنا # حتى وقفت على القبور فقال لي= عقلي ستنقل من هناك إلى هنا PageV02P093 ~~وسألت عن البيتين فقيل لي أنهما كتبا على القبر وعلى غير موضع من القصر ~~وكان الإمام قد قبر في قصره هذا قرب النهر، ولعلهم أكثروا من كتابة البيتين ~~لقصد إخفاء الخزين ونظر بعض المتأخرين في صحة هذا الخبر بأنه لا يصح للمؤمن ~~أن يخفي ماله على وارثه. قلت: وأيضا ففي خزنه تضييع لزكاته لأن الزكاة في ~~النقدين الذهب والفضة واجبة كل عام إذا لغا النصاب. ويمكن أن يجاب عن النظر ~~الأول بأنه خزنه عدة للحوادث وأنه أخبر به الوارث فامتنعوا عنه من وقت إلى ~~وقت وطالت به الأيام فاختفى على من جاء بعدهم من غير قصد للإخفاء، وعن ~~الثاني بأنه يمكن الخزين من الجواهر التي ليس فيها زكاة؛ فإن الزكاة في ~~المعدن خاصة بالنقدين. وذكر الكتاب حلى البحر ولم يقل فيه زكاة تجري ثم ~~أحاط بالإمام في قصره هذا أخوه سيف بن سلطان ومات الإمام في سنة أربع ومائة ~~وألف؛ فصار حصن يبرين عبرة للمعتبرين وقال المحروقي: # كفى عظة للعارفين وعبرة= بما فعلت أيدي الليالي بيبرينا PageV02P094 ثم ~~رجع إليه ولده يعرب وأصلح الحصن والفلج بعد الحرب والتخريب ووقف عليه ~~إصلاحه بأربعين ألفا، وقد خلت تلك الأمم وافترق آل يعرب بعض بخلف بن مبارك ~~بالقصير، وبعضهم بمحمد بن ناصر الغافري، وأخذ محمد حصن يبرين بالعقد في كل ~~شهر بثلاثمائة ms363 محمدية ليكون له مأوى وحصنا عن عدوه، فقتل محمد بن ناصر في ~~حلة صحار ودفن فيها وقبض ولده ناصر بن محمد يبرين ثم استأسر آل يعرب ناصر ~~بن محمد عند باب بادي في بلد بهلا؛ فخلص لهم حصن يبرين ثم أخذه بحاد بن ~~سالم الغافري وقبضه ناصر بن محمد. ثم أن بلعرب بن حمير بن سلطان وهو ابن ~~أخي الإمام الباني استأسر بحاد بن سالم وسجنه وقتله في حصن نزوى، وكان ~~الحصن لآل يعرب حتى أخذ منهم سنة ستة وثلاثين ومائة وألف بعد الهجرة؛ ثم ~~رجع إليهم سنة سبعة وخمسين ومائتين وألف وخان لهم عبد لراشد بن حميد ~~الغافري، وبقي الخادم عند آل يعرب ستة أشهر وخدع العسكر وأغلق الباب بنفسه ~~وضربهم بالبندوق ضربا، فاجتمعوا عليه وحصروه، وقتل منهم سبعة رجال؛ ثم ~~أحرقوا الباب وحملوا عليه؛ فلما أحس بالهلاك رمى بنار في فيول الباروت ~~فاشتعل القصر كله نارا، فاحترق من احترق فعاد الحصن لآل يعرب؛ وقال بعضهم شعرا: # مما يدبر ربنا من أمره = سبحانه في أرضه وسمائه # رد الملوك إلى محل قرارهم = مستبشرين بفضله وعطاءه PageV02P095 ثم حرب ~~راشد بن حميد الغافري محمد بن سليمان اليعربي وحاصره في ثلاثة أسابيع؛ فخرج ~~محمد من الحصن يوم السابع من شهر شعبان سنة تسعة وخمسين ومائتين وألف؛ ثم ~~حرب راشد بهلا وفيها آل يعرب فأخرجهم منها، وبقيت بهلا وجبرين في أيدي ~~أولاد راشد إلى أن أخذ الإمام عزان بن قيس بهلا وولى عليها الشيخ ماجد بن ~~خميس العبري، ثم أحاط به الغافرية، وفيهم برغش بن حميد ابن راشد الغافري ~~حين نكث أهل عمان على الإمام وأخذوه منه بعد قتل الإمام وبقيت هي ويبرين في ~~أيدي أولاد راشد بن حميد بن ناصر بن محمد بن ناصر الغافري إلى هذه الغاية، ~~وهي آخر سنة ثلاثين ثلاثمائة وألف. هذا ما كان من خبر يبرين وتقلب الأحوال ~~عليه؛ ولله الملك الدائم. قال ذو الغبراء - وهو الشيخ خميس بن راشد العبري ~~- في حصن يبرين: إنه يحتاج إلى حكم من ms364 أهل العلم لأن أربابه تفرقوا، وقد ~~خلت أمة بعد أمة. قال وأما أموال يبرين فقد سمعت عن كثير من الناس أنهم لم ~~يأكلوا منها وقالوا إنها حرام. قال وينبغي لمن حرم شيئا أن يأتي فيه بحجة ~~صحيحة، وكل آية لها تفسير: وكل مسألة لها جواب. وقال في كلام قبل هذا: قلت ~~لصاحبي هل عندك صحة في يبرين وما قالوا فيه؟ فقال: أما المال والأموال ~~فالأكثر منه اشتراه الشيخ ناصر بن محمد الغافري وشيء منها آل إليه بالإرث. ~~قال وسمعت هذا من محمد بن عدي بن محمد العبري وسعيد بن سليمان الزرعي. قال ~~وقد رفعا عن الذين يثقون بهم في زمانهم الذي أكبر منهم سنا وأرجح عقلا؛ ~~وقالوا إن الشيخ ناصر بن محمد أشهدهم وأمرهم بالكتابة بكثير من الأموال في ~~وصيته وطلق نساءه بحضرتهم وأشهدهم بذلك وأمرهم أن يكتبوا الماء والمال الذي ~~آل إليه بالإرث والشراء من آل يعرب من يبرين لبيت المال، فلما مات الشيخ ~~ناصر بن محمد شهد هؤلاء بذلك وقالوا " فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على ~~الذين يبدلونه " قال والمال الذي خلفه ناصر لم يقسم على ورثته. PageV02P096 # قال وأما حصن يبرين فلم يصح فيه بيع ولا هبة من آل يعرب إلى يومنا هذا ~~انتهى كلام ذي الغبراء والله أعلم؛ ومما يذكر من النظم للإمام بلعرب بن سلطان # . إذا ما دعتك النفس يوما لريبة = فعاص على حال هواها وخالف # لا تتبعها مدة العمر إنما=إتباع الهوى قائد للمتالف # وجانب هواها ما استطعت فإنما= مجانبة الأهواء حرفة عارف # وخف من إله العرش شدة بطشه = لعلك تنجو يوم نشر المصاحف # وقال أيضا: # ولما بلوت الناس لم أر صاحبا=أخا ثقة في النائبات العظائم # وأبصرت فيهم في رخاء وشدة=فلم أر منهم غير كسب الدراهم # فإن كنت ذا يسر فحولك إنهم=مماليك أو عسر كأضغاث حالم # وثقت بمن أحيا العظام رميمة=وأنشأها خلقا لطيف المناسم # وذكر ابن رزيق الشاعر في وجود الإمام بلعرب أخبارا هائلة أعرضنا عن ذكرها ~~للشك في ms365 صحتها والله أعلم. # ذكر خروج سيف بن سلطان على أخيه الإمام وحصاره له بجبرين # قال حميد بن محمد بن رزيق الشاعر التأخر: لن تزل الإمام بلعرب تضرب به ~~الأمثال في العدل والجود حتى وقعت بينه وبين أخيه سيف فتن كثيرة، قال وأصاب ~~كثيرا من فقهاء عمان وأكابرها وأهل الورع والزهد عقوبات من سيف وشد سيف على ~~أخيه بلعرب الحرب فخرج بلعرب من نزوى وقصد ناحية الشمال ثم رجع إلى نزوى ~~فمنعه أهلها دخولها فسار إلى جبرين فحصره أخوه سيف في حصن جبرين. PageV02P097 # قال فلما عجز بلعرب عن ملاحمته اجتمع أكابر عمان فعقدوا الإمامة لأخيه ~~سيف، وكثير من أهل عمان دخل في البيعة تقية لأن سيفا عاقبهم على عدم الرضا ~~بإمامته، وخرج فأخذ حصون عمان كافة إلا يبرين فإنه حصره فيها وجعل يضرب ~~الحصن بالمدافع، وكان عند بلعرب رجال مشهورون بالشجاعة فكلما دنى جيش سيف ~~من الحصن خرجوا له وكشفوه فقتل في تلك الحرب من قوم سيف كثير. قال ثم أن ~~أكابر هؤلاء وهؤلاء اتفقوا على الكفاف عن الحرب وقالوا الرأي أن نغمد السيف ~~عن بعضنا بعض فإذا اقتتل سيف وأخوه بلعرب وقتل أحدهما صاحبه صرنا رعية ~~للباقي منهما وتبعا. فإن أبيا المبارزة مكث كل واحد منا في العسكر، فإذا ~~طالت على ذلك المدة رجع كل واحد منا إلى وطنه. # قال فلما بلغ بلعرب خبر القوم توضأ وصلى لله ركعتين، وسأل الله عز وجل أن ~~يميته فما فرغ من دعائه إلا وقد خر على البساط الذي صلى فيه ميتا، قال فعند ~~ذلك خرج بعض خدامه من الحصن فأخبروا أخاه سيفا بوفاته فانهمهم وقال ~~أقتلتموه؟ قاتلكم الله، فحلفوا له أنه قد مات حتف أنفه ثم خرج أصحابه من ~~الحصن كافة، ومضوا إلى أخيه سيف فأخبروه عن أخيه بلعرب كما أخبرته عبيده عن ~~خبر وفاته. # قال فمضى سيف إلى الحصن وغسل أخاه وكفنه وصلى عليه ودفنه قريبا من الحصن ~~كذا قال. والمعروف عند أهل يبرين أن قبره داخل الحصن قرب النهر مكتوب عليه ms366 ~~البيتان المتقدمان. قال وخلصت عمان لسيف ولم ينازعه فيها منازع قال وكان ~~كثير من أهل عمان المشهورين بالعلم متمسكين بإمامة بلعرب ويرون أن أخاه ~~سيفا باغ عليه، وقد تقدم أن بلعرب مات في سنة أربع ومائة وألف فتكون مدته ~~في الإمامة ثلاث عشرة سنة ولله الملك الدائم. # باب إمامة سلطان بن سيف بن سلطان بن سيف ابن مالك بن أبي العرب اليعربي ~~PageV02P098 بويع له بعد موت أبيه وذلك في شهر رمضان المبارك سنة ثلاث ~~وعشرين ومائة وألف، وكتب العلامة الصبحي لبعض إخوانه أن سيف بن سلطان صح ~~معنا موته ثم صح معنا تقديم المسلمين ابنه سلطان إماما لكافة المسلمين ~~تلقفت صحة ذلك من الفقيه ناصر بن خميس وخلف بن سنان رحمهما الله، وأيضا من ~~الشيخ ناصر بن سليمان بن مداد وسليمان بن محمد بن ربيعة المربوعي، وقد ولاه ~~على أهل نزوى، وقد أرسل إلينا، وجميع الإخوان الفقيه عدي بن سليمان كتابا ~~فيه ذكر العقدة ومن حضرها، وكان المتولي للعقد عدي هذا وخلف بن محمد بن ~~خميس وسليمان المذكور وكلهم ثقات فقهاء في هذا الزمان فيما قيل، والوالي ~~سعيد ابن علي وأناس من أهل الغشب مسمون وغير مسمين، وكذا أهل الرستاق مع ~~كثير من المشايخ اليعاربة، قال: وبلغني أنهم استتابوه. قال وفي هذا الكتاب ~~الذي أرسل إلينا أن المسلمين رضوا به وأذعنوا له بالسمع والطاعة على شروط ~~شرطوها وعهود أخذوها منه أن لا يقدم على أمر قليل ولا جليل إلا برأي ~~المسلمين مع أشياء يطون بها هذا الكتاب. # وقال العبد الفقير سعيد بن بشير الصبحي قد ألزمت نفسي ولاية هذا الإمام ~~وطاعته مع ما صح معي، وصحت عقدته على يد المسلمين وهو سلطان بن سيف ابن ~~سلطان. قال وعندي والله أعلم أن إمامته في ظاهر الأمر أوجب من إمامة أبيه ~~لأن المسلمين دخلوها وحكم التقية زال عنهم فيما بلغني، قال وعندي أن طاعته ~~لازمة جميع الرعية وولايته لازمة جميع من صح معه صحة إمامته كان من رعيته ~~أو من غيرها؛ وقد ms367 قيل لي في حصن المسلمين بنزوى بحضرة المشايخ؛ منهم ناصر ~~بن خميس وناصر بن سليمان وسليمان بن محمد ودرويش وغيرهم من المسلمين ما ~~تقول في هذا الأمر؟ فكان جوابي أني قد ألزمت نفسي ولايته وطاعته ودعوت ~~إليهما من أجابني، وقد افترقنا على أمر واضح نهار سابع وعشية تاسع وبكرة ~~اثني عشر من شهر رمضان؛ يعني أنه حصل لهم النظر في هذا الأمر ثلاثة مجالس ~~في الثلاثة الأوقات. PageV02P099 # قال وقد افترقنا على أمر صحيح في هذه المجالس؛ وقد اتفقنا على إمامته بلا ~~كراهية ولا تقية من الجميع. # قال وهذا يقتضي جواز الدخول وتنفيذ الأحكام مع الأخذ والعطا، وجميع أمور ~~المسلمين بعد التحديد منه، وقبله فيه اختلاف لمن جاز له الدخول قبل. وكتب ~~هذا سالم بن عبدالله من إملاء الشيخ سعيد بن بشير الصبحي. # ثم إن الإمام سلطان قام واستقام وجاهد الأعداء في البر والبحر وحارب ~~العجم في مواضع شتى وأخرجهم من بلدانهم ودمرهم في أوطانهم؛ وأخذ البحرين ~~والقسم ولاك وهرمز وبنى حصن الحزم بالجص والحجر، وانتقل من الرستاق إليه؛ ~~وأنفق في بنائه مما ورثه من المال من أبيه؛ واقترض كثيرا من أموال المساجد ~~والوقوفات ألوفا ولكوكا، ووجدت أن جملة ما اقترض من أموال الأوقاف خمسمائة ~~فراسلة فضة؛ ودانت له الأمور؛ وسالمته الممالك وأطاعته الرعية، ولم تتحرك ~~عليه حركة من عمان ولا غيرها، وعمر البلاد، وذكر الحبسي في قصيدة من قصائده ~~وقائعه بالعجم؛ وفتح البحرين ورثا من قتل فيها من أمراء الأجناد؛ وهي هذه: # ألا فانظروا كيف الأعاجم صاروا= ... ... عدوا شجرات ما لهن قرار # طغوا وبغوا في الأرض حتى أصابهم= ... عقاب أليم مهلك وتبار # فحلت بهم من ممالك الأمر نقمة= ... وسوء عذاب دائم ودمار # وقد ضربت أعناقهم بمناصل ... =كما خربت دور لهم وديار # فصاروا بها رغم الأنوف كأنهم= ... سماجح وحش عاقهن عشار # وقد شربوا كأسا من الحتف والردى= ... فخروا على الأذقان وهي بدار # وجروا على أذقانهم بعدما جروا= ... بخيل وقد جروا الذيول وجاروا # وقد حملتهم بعدما عاينوا الضبا= ... مطايا المنايا للبوار فباروا ms368 # ليعلم ملك العجم أن جيوشه ... =إلى الموت قد يسرى بهم ويساروا # فدوخهم بالمشرفية فيلق= ... عظيم لديه المعظمات صغار # وقد أيموا من بعد ذلك نسوة= ... عراهن مع سوء الحياة صغار # تباكى عليهن بالنهار وبالدجى ... =وأدمعها عند البكاء غزار # كأنهم لم يعلموا أن باعنا = ... طويل وأعمار العداة قصار PageV02P100 ~~دماؤهم هدرا ولكن ضربنا ... =لأعناقهم يوم النزال جبار # وما ذاك إلا من خساسة طبعهم= ... يقولون أضغان الرجال قمار # وليلة سعد مزق الليث ثوبها ... =كأن دجاها بالسيوف نهار # تزاحمت الأبطال فيها كأنما= ... بها القوم سفن والدماء بحار # ويوم أثار النقع فيه سحائبنا = ... منم الحرب حمرا حشوهن غبار # كأن يحاميم العجاجة عارض ... =تلامع فيه كالبروق شفار # فما زالت الهيجاء حتى تفرقوا =ولكن عرتهم ذلة وفرار # وقد صارت البحرين في ملك سيد= ... كريم زكا فرع له ونجار # سلالة (سيف) نجل سلطان الذي= ... لنا أمنت سوح به وقفار # هنيئا إمام المسلمين ببلدة= ... بكم طاب فيها مفخر وفخار # لقد كان فيها للأعاجم غبطة ... =فزموا مطايا البين منها وساروا # نعم وسقوا من منهل الحتف شربة= ... بها من عقار الموبقات عقار # فولوكم أدبارهم وتبلدوا= ... وقد وقفوا دون المحيص وحاروا # وكانوا بها أسدا فلما غزوتهم ... =غدوا بقرا عونا لهن خوار # رأوا منكم ما لا يرى بخت نصر= ... وما لا يراه مصدع وقدار # فلم يبق فيها للأعاجم ملجأ ... =ولم يبق فيها لليهود حمار # ولم يبق إلا من تراه مجدلا ... =قتيلا ومن بين الرجال يجار # فلم تحمهم من أسيف الأسد قلعة= ... ولما يصنهم معقل وجدار # وما ضرنا من غير موت كرامنا= ... لأنهم عدل بها وخيار # كحمير الزاكي ابن سيف بن ماجد= ... فتى بعده النوم اللذيذ مطار # ونجل عزيز راشد ومبارك= ... سليل غريب هم هديت ذمار # ولم أنس ذاك الحضرمي محمدا=فموتته للمسلمين خسار # شجاع كفاح لم يقاومه ضيغم ... =وعضب وغى لم ينب منه غرار # ولكن صبرا فالسنون حوامل ... =وفيها الليالي ولد وعشار # وللفلك الدوار عظم عجائب = ... وفي دعرنا للدائرات مدار # ودم يا إمام المسلمين مظفرا ... =طوال الليالي لا نبت بك دار # وهم أن يجعل ms369 عمان كجنتي مأرب، فحال الحمام بينه وبين ما يؤمل، والآجال ~~تقطع الآمال، لكل امرئ ما نوى. PageV02P101 # وتوفي بحصن الحزم الذي بناه للعزة والمنعة، فكان من قدر الله أن صار ~~موضعا لوفاته ومحلا لجثته بعد مماته، فدفن به في البرج الغربي النعشي، وهذا ~~الحصن غاية في التشييد، وهو من عجائب الدنيا. ذكر لي بعض الأصحاب أنه ألف ~~في وصفه وفي بنائه كتاب نظما ونثرا، فالنظم قصيدة ميمية والنثر شرحها، ولم ~~أقف على هذا الكتاب. # وكانت وفاة الإمام يوم الأربعاء لخمس ليال خلون من جمادى الآخرة سنة إحدى ~~وثلاثين ومائة وألف. وكانت إمامته سبع سنين وتسعة أشهر؛ وبموته انتقض الشر ~~في عمان وجرت فيهم العصبية والحمية، وأرادت الرؤساء أن تجعل الدولة ميراثا، ~~خالفت أمر أهل العلم والفضل، ونسوا الحال الذي من الله عليهم بسببه، وهو رد ~~الأمر إلى أهله، فمشت العصبية في القلوب على حسب ما يأتي ذكره في الباب ~~الآتي ولله الملك الدائم. # باب إمامة مهنا بن سلطان بن ماجدابن مبارك بن بلعب اليعربي # وهو الذي تزوج بنت الإمام سيف أخت الإمام سلطان؛ بايعوه بعد موت الإمام ~~سلطان في ذلك الشهر بعينه، رأوه أهلا للإمامة لكونه ذا قوة عليها، ولم يكن ~~كثير علم، لكنه يتعلم ويسأل؛ ولم يقدم على أمر إلا بمشورة العلماء، وسبب ~~بيعته أنه لما مات الإمام سلطان أرادت اليعاربة ورءوس القبائل أن يكون ~~الإمام ولده سيف بن سلطان وكان صبيا لم يراهق؛ وأراد أهل العلم وبنت الإمام ~~سيف أن تكون الإمامة لمهنا بن سلطان لأهليته، وقال أهل العلم للناس؛ إن ~~إمامة الصبي لا تجوز على حال، ومن لا يجوز أن يكون إماما في الصلاة فكيف ~~يجوز أن يكون إماما على المسلمين، يتولى أحكامهم ويلي الأمور والدماء ~~والفروج، ولا يجوز أن يقبض ماله، فكيف يجوز أن يقبض مال الله ومال الأيتام ~~والأغياب، ومن لا يملك أمره فكيف يملك أمر غيره؟ PageV02P102 # فأبت العامة إلا إمامة الصبي؛ وأعاروا العلماء أذنا صماء، وتجمعوا ~~واجتمعوا بالسلاح، وربما أشهروا سلاحا ووقع بعض الجراح، فخاف ms370 العلماء وقوع ~~الفتنة وانتشار الشر، فقال القاضي عدي بن سليمان الذهلي أمامكم سيف بن ~~سلطان - بفتح الهمزة - أي قدامكم، وأراد بذلك تفريق جمعهم وإطفاء الفتنة، ~~فعند ذلك نادت العمة بالإمامة وضربت المدافع إظهارا للأمر وإشهارا للإمامة، ~~وانتشر الخبر الكاذب في البلدان أن الإمام سيف بن سلطان، فلما سكنت الحركات ~~وهدأت الناس أدخلوا الشيخ مهنا الحصن خفية، وعقدوا له الإمامة، فقام بالأمر ~~واستراحت الرعية في زمنه وحط عنهم القعودات([1]) من مسكد، ولم يجعل بها ~~وكيلا، وربحت الرعية في متجرها، ورخصت الأسعار، وبورك في الثمار، ولم ينكر ~~عليه أحد من العلماء في شيء في سيرته، فلبث على ذلك سنة؛ ثم خرج عليه يعرب ~~بن بلعرب بن سلطان ولد الإمام المحصور بجبرين، وسبب ذلك أن اليعاربة وأهل ~~الرستاق أضمروا العداوة للإمام مهنا والقاضي عدي بن سليمان ومن معهما من ~~المسلمين بسبب ما وقع عند بيعة مهنا، فلم يزالوا يكاتبون يعرب بن بلعرب ~~ويحرضونه على القيام بأمر سيف والخروج على مهنا حتى خرج على الإمام، فسار ~~مختفيا إلى مسكد، فدخل الكوت الشرقي، ووالي مسكد يومئذ الشيخ مسعود بن محمد ~~الصارمي؛ فلم يشعر إلا ويعرب قد دخل الكوت؛ ولعل أهلها لم يخلوا من خيانة. # وكان الإمام خارجا إلى فلج البزيلي من أرض الجو، فبلغه الخبر فرجع إلى ~~الرستاق وقام وشمر وجاهد وما قصر، وطلب من أهل عمان النصرة فخذلوه، ونصب له ~~أهل الرستاق الحرب. PageV02P103 # وسأل مهنا النزول من القلعة، وأعطوه الأمان على نفسه وماله ومن معه، ففكر ~~في أمره فرأى أنه مخذول، وليس له ناصر من أهل عمان، فتبين له منهم الخذلان ~~فأجابهم إلى ما أعطوه من الأمان، فنزل من القلعة؛ فزالت بذلك إمامته فأخذوه ~~وحبسوه هو وخشبوه هو وواحد من عمومته وبعض أصحابه بعدما أمنوهم ثم جاء بعض ~~خدامهم فذبحوهم ظلما وهم في قيد وخشبة. # واستقام الأمر ليعرب بن بلعرب بن سلطان، ولم يكن يدعي الإمامة لنفسه، ~~وإنما يدعيها لسيف بن سلطان الصغير؛ ويعرب قائم بأمره وشاد لأزره؛ وسلمت ~~لهما جميع حصون عمان وقبائلها ms371. # وكان هذا في سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف؛ فلبثا على ذلك حولا، ثم نصب ~~يعرب إماما. # ---------------------------------------------------------------------- ~~---------- # [1] - هكذا في النسخة التي بيدنا: ولعله مصحفا من العقودات، فليتأمل. # باب إمامة يعرب بن بلعرب بن سلطان بن سيف بن مالك # وكان قد خرج باغيا على الإمام مهنا على حسب ما تقدم فتاب من بغيه، ورد ~~الأمر إلى القاضي عدي بن سليمان الذهلي، فاستتابه من جميع أفعاله ومن بغيه ~~على المسلمين وتعديه على مهنا بن سلطان واغتصابه لدولة المسلمين. PageV02P104 # قالوا وكان يعرب مستحلا في خروجه هذا، لأنه يظن أن الإمامة لسيف وأنها قد ~~غصبت منه، فلم ير الشيخ عدي عليه ضمان ما أتلف لشبهة الاستحلال والمستحل لا ~~يلزمه غرم ما أتلف، فقبلوا توبته من غير غرم، وبايعوه سنة أربع وثلاثين ~~ومائة بعد الألف، فاستقام له الأمر وسلمت له حصون عمان، ولبث في الرستاق ~~أياما يسيرة، ثم سار إلى نزوى فدخلها يوم تسعة وعشرين من شعبان من هذه ~~السنة، فلم يرض أهل الرستاق أن يكون يعرب إماما فتعصبوا لسيف بن سلطان ~~الصغير، فكاتبوا يعرب بن ناصر اليعربي، وهو خال سيف بن سلطان وكان بنزوى ~~وكان سيف معه، فما زالوا به حتى خرج من نزوى لست مضن من شوال من هذه السنة، ~~وقصد بلاد سيت فخالف بني هناءة على القيام معه على أن يطلق لهم ما حجر ~~عليهم الإمام ناصر بن مرشد من البناء وحمل السلاح وغير ذلك وأعطاهم عطايا ~~جزيلة فصاحبوه إلى الرستاق، فاستقام الحرب في الرستاق وأخرجوا الوالي منها، ~~وذلك أنهم أحرقوا باب الحصن؛ فاحترق وجه الحصن جميعا، واحترق ناس كثير من ~~بني هناءة رؤساؤهم ورؤساء بني عدي. # وقيل إن جملة المحترقين مائة وخمسون رجلا، واحترقت كتب كثيرة، مثل بيان ~~الشرع، والمصنف، وكتاب الاستقامة، ومجلبات الطلسمات قدر أربعين مجلبا، ~~واحترقت كتب كثيرة لم يكن لها نظير بعمان وظهر من هذا الحرق مال عظيم مخزون ~~في والج الجدار، فلما بلغ الإمام ما صنع أهل الرستاق مع الخارجين عليه جهز ~~سرية أمر عليها صالح بن محمد ms372 بن خلف السليمي؛ وأمره بالمسير إلى الرستاق ~~فسار حتى وصل العوابي؛ فلم تكن لهم القدرة على الحرب فرجعوا. PageV02P105 # ثم إن يعرب بن ناصر كتب إلى والي مسكد أن يخلصها لهم؛ وكان الوالي بها ~~يومئذ حمير بن منير بن سليمان الريامي الأزكوي من أهل حارة الحاء، فخلصها ~~لهم، وخلصت لهم قرية نخل بغير حرب، ثم أخرجوا سرية وعليها مالك ابن سيف بن ~~ماجد اليعربي؛ فوصل إلى سمائل وافتتحها بغير حرب، وصحبه بنوا رواحة، وجاء ~~إلى ازكي فأخذها بغير حرب؛ فخرج الوالي منها في شهر القعدة من هذه السنة. # ثم إن الإمام يعرب خرج بمن معه من أهل نزوى وبني ريام والقاضي عدي ابن ~~سليمان الذهلي، ووصل إلى ازكي؛ وخرج إليه مشايخ ازكي بالضيافة والطعام ~~وقالوا له نحن معك، فمكث يومين يكاتب مالك بن سيف ليخرج من الحصن فلم يخرج؛ ~~فنصب يعرب له الحرب، فضربه ضربتين بمدفع، ثم وصل عساكر بني هناءة يقدمهم ~~علي بن محمد العنبوري الرستاقي، فتفرقت عساكر يعرب وقتل منهم كثير، ودخلت ~~رصاصة مدفع عند الحرب في فم مدفع يعرب، وكان ذلك من سوء الحظ، وتفرقت عنه ~~جماعته ورجع إلى نزوى. # وأما القاضي عدي بن سليمان فإنه سار إلى نحو الرستاق، فأخذه قوم يعرب ابن ~~ناصر هو وسليمان بن خلفان وغيرهما وصلبوهم؛ وجاء رجل من أعوان يعرب ابن ~~ناصر فقتل سليمان بن خلفان والقاضي عدي بن سليمان، قتلهما مصلوبين وسحبهما ~~أهل الرستاق، وذلك يوم الحج الأكبر من هذه السنة. # ثم مضى العنبوري إلى نزوى وجعل يكاتب الإمام وهو في قلعة نزوى؛ ودخل عليه ~~أناس من أهل نزوى فسألوه الخروج منها لحقن الدماء، فلم يزالوا به حتى ~~أعطاهم ذلك على أن يتركوه في حصن جبرين ولا يتعرضوا له بسوء، فأعطوه العهد ~~على ذلك؛ وخرج من نزوى فزالت إمامته بذلك، ومضى إلى جبرين؛ ودخل العنبوري ~~قلعة نزوى وضرب جميع مدافعها، ونادى بالإمامة لسيف بن سلطان فخلصت لهم جميع ~~حصون عمان وسلمت لهم كافة القبائل والبلدان. # باب الأحوال الواقعة بعد تغلب يعرب ms373 ابن ناصر ومن معه على الدولة ~~PageV02P106 وذلك أن يعرب ابن ناصر قام بأمر الدولة في منزلة النائب لسيف ~~بن سلطان الصغير؛ واستقام له الأمر شهرين إلا ثلاثة أيام ووفدت إليه ~~القبائل ورؤساء البلدان يهنونه بذلك، ثم وقع من يعرب بن ناصر تهدد على بعض ~~القبائل وخاصة بني غافر وأهل بهلى، فقيل إنه لما قدم محمد بن ناصر الغافري ~~في جماعة من قومه وقع عليهم تهدد من يعرب بن ناصر فرجع محمد بن ناصر بمن ~~معه مغضبا وجعل يكاتب يعرب بن بلعرب وهو المخذول آنفا ويكاتب أهل بهلى ~~ليقوموا بالحرب وركب هو قاصدا إلى البدو من الظفرة وبني نعيم وبني قتب ~~وغيرهم. PageV02P107 # وأما يعرب بن ناصر فإنه أرسل إلى رؤساء نزوى أن يصلوا إليه فرأوا منه ~~محلا وكرامة وأمرهم بالبيعة لسيف بن سلطان، ثم أنه سرى سرية وأمر عليها ~~أخاه سليمان بن ناصر وأمره بالمسير من جانب وادي سمائل إلى يعرب بن بلعرب ~~ليأتيه به إلى الرستاق وأمر أهل نزوى أن يصحبوا تلك السرية فلم يزالوا ~~يتشفعون برؤساء الرستاق ليعذرهم من ذلك فعذرهم، ومضت السرية حتى وصلت فرقا ~~وباتت فيها فبعث لهم أهل نزوى بطعام وعشاء فبينما هم كذلك إذ سمعوا ضرب ~~المدافع في قلعة نزوى فسألوا ما الخبر فقيل لهم أن يعرب بن بلعرب دخل ~~القلعة فعند ذلك رجعوا إلى ازكي فأشار من أشار على سليمان بن ناصر بقبض حصن ~~ازكي ففعل ذلك ومكث في ازكي، وكان يعرب بن ناصر قد سرى سرية أخرى إلى يعرب ~~وبعثهم من جانب الظاهرة فلما وصلوا بهلى قبضهم أهل بهلى وقيدوهم بها وبعث ~~سرية أخرى إلى وادي بني غافر فانكسرت ورجعت إلى الرستاق، وأما يعرب فإنه ~~بعث سرية إلى ازكي تسحب مدفعين فلما وصلوا ازكي ركضوا على الحصن وانكسروا ~~وقتل منهم ناس ورجعوا إلى نزوى، ثم سرى سرية ثانية إلى ازكي فأقاموا بالجنى ~~الغربيات يومهم وأصبحوا راجعين من الليل ولم يكن بينهم حرب، ثم سرى سرية ~~ثالثة ووصلوا إلى ازكي ومكثوا بالجنى الغربيات يضربون ms374 الحصن بمدفع فمكثوا ~~على ذلك قدر عشرة أيام؛ ثم وصل مالك بن ناصر من الرستاق إلى ازكي، فخرج هو ~~وأهل الحصن إلى قوم يعرب فانكسر مالك بمن معه فأغارت البدو من قوم يعرب على ~~سدى وحارة الرحاء من ازكي فنهبوا من طرفيهما وأحرقوا مقام حمير بن منير ~~وكان خارجا من حارة الرحاء، ثم ركض ولاة سرية يعرب على أهل اليمن من ازكي ~~فانكسروا وقتل والي السرية محمد بن سعيد بن زياد البهلوي، وقيل لمالك بن ~~ناصر أن أهل النزار خرجوا مع سرية يعرب حتى ركضوا على اليمن فأرسل إلى ~~مشايخ النزار وقيدهم بالجامع من ازكي، ثم أنه أرسل إلى أهل الشرقية فجاءت ~~منها عساكر كثيرة، وجاء بنوا هنأة بخلق كثير، واجتمع PageV02P108 العساكر ~~بإزكي فركضوا على سرية يعرب وأخرجوا الطبول وأناسا قليلا من جانب المنزلية، ~~وخرجت العساكر من جانب العتب يوم الجمعة عند زوال الشمس فكانت بينهم وقعة ~~عظيمة تسمع فيها ضرب التفق كالرعد القاصف وبريق السيف كالبرق المتراسل، ~~فانكسرت سرية يعرب ووقع فيهم قتل كثير، وقتل من الفريقين قدر ثلاثمائة ~~والله أعلم. # ثم إن مالك بن ناصر ارتفع بمن معه من العساكر وقصد قرية منح، وأغارت ~~شرذمة من قومه على فليج وادي الحجر فقتلوا منه ناسا ونهبوا ما فيه وأحرقوا ~~من زكيت بيوتا، كذلك من المحيول حتى وصلوا منح فنهبوا حجرة معمد وأحرقوا ~~بيوتها، وقتلوا من قتلوا وتفرق أهلها ثم ساروا إلى نزوى ووصلوا إلى مسجد ~~المخاض من فرق فضربوا هنالك معسكرهم وأقاموا محاصرين نزوى وأفسدوا الزرع ~~وأحرقوا سكاكر كثيرة من الحيلي والخضراء وأحرقوا مقامات من فرق وعاثوا في ~~البلاد، ثم خرج إليهم أهل نزوى ومن معهم من عساكر يعرب فوقع بينهم الحرب، ~~ثم رجع كل فريق منهم إلى مكانه وقتل من قتل من الفريقين، وكان الحرب والقتل ~~بينهم كل يوم إلى ما شاء الله، اشتد على أهل نزوى البلاء، ثم وقعت بينهم ~~وقعة عظيمة لم نسمع مثلها إلى ما شاء الله، وكادت تكون الهزيمة على قوم ~~مالك إلا أنهم ms375 لم يجدوا سبيلا للهزيمة والهرب إذ قد أحاطت بهم الرجال كحلقة ~~الخاتم بعد ما انهزم منهم أكثر من النصف وبقي من بقى فظنوا أن لا ملجأ من ~~القتل فعزموا عزما قويا وجدوا في القتال. PageV02P109 # وأما أهل نزوى فظنوا أنهم غالبون لا محالة فاشتغل أكثرهم بالنهب والسلب ~~واتكل بعضهم على بعض فعطف عليهم القوم بعزم ثابت وجد واجتهاد فولوا منهزمين ~~فكثر فيهم القتل والجراح، واتبعهم القوم يقتلون ويسلبون إلى الموضع المعروف ~~بجنوز الخوصة قريبا من جناة العقر فقتل كثير من أهل نزوى في ذلك اليوم، ~~ورجع قوم مالك إلى معسكرهم ولم تزل الحرب بينهم قائمة كل يوم، ثم إن مالكا ~~خرج بكافة أصحابه إلا قليلا تركهم في المعسكر حتى وصل قريبا من جناة العقر ~~فأراد أن يحاصرهم في بستان مويخ وينقب جدرها لمرامي التفق فخرج # إليهم أهل نزوى، فدارت رحى الحرب بينهم ساعة من النهار، ثم قتل مالك بن ~~ناصر، فانكسر قومه ورجعوا إلى معسكرهم وأقاموا هنالك إلا أن قوتهم ضعفت ~~بموت مالك. # ولم تزل الحرب قائمة بينهم وبين أهل نزوى حتى وصل محمد بن ناصر الغافري ~~بجيش من الغربية بعد حروب كثيرة، وكانت بها وقعات عظيمة منها بوادي الصقل، ~~ومنها بالجو ومنها بضنك ومنها بالغبي، فلما وصل محمد بن ناصر أمر بالركضة ~~عليهم فركضوا عليهم وأحاطوا بهم، ووقع بينهم الحرب والرمي بالتفق من الصبح ~~إلى الليل، فلما أجنهم الليل أمر محمد بن ناصر أن يفسحوا لهم من الجانب ~~الأسفل من الوادي مما يلي فرق، ففسحوا لهم فأصبحوا منهزمين وأصبح منزلهم من ~~الليل خاليا ليس فيه أحدا وتفرقوا، ورجع محمد بن ناصر إلى نزوى، وكان يعرب ~~بن بلعرب مريضا فأقام محمد بن ناصر بنزوى أياما قلائل، وكان الحصار لنزوى ~~قدر شهرين إلا ستة أيام. PageV02P110 # ثم إن محمد بن ناصر أمر بالمسير إلى الرستاق، فسار إليها بجيش فدخلها ~~ونزل بفلج الشراة وأراد أصحابه أن يركضوا على البومة التي فيها علي بن محمد ~~العنبوري فنهاهم على الركضة إلى أن ركض العنبوري وأصحابه فأمر ms376 محمد بن ناصر ~~قومه فركضوا ووقع بينهم حرب عظيم فقتل العنبوري وقتل من قتل من قومه وانكسر ~~الباقون ورجع محمد بن ناصر إلى فلج الشراة، ودخل في اليوم الثاني إلى فلج ~~المدرى فالتقاه يعرب بن ناصر مذعنا فصالحه على تسليم قلعة الرستاق فأراد ~~يعرب أن يخدع محمد بن ناصر، وكان محمد فطنا حذرا فأبى أن يدخل إلا أن يدخل ~~جميع القوم، فلما دخل كافة قومه دخل هو ووقع من القوم في البلد السلب ~~والنهب والسبي في الذراري حتى أنها بيعت وجملت إلى غير عمان، وذلك بما كسبت ~~أيديهم جزاء بما كانوا يعملون وبما فعلوا في قاضي المسلمين عدي بن سليمان، ~~وبما فعلوا بإمامهم مهنا وبأفاضل المسلمين، والله لا يغير ما بقوم حتى ~~يغيروا ما بأنفسهم. # ومات يعرب بن بلعرب بنزوى ومحمد بن ناصر بالرستاق لثلاث عشر خلت من جمادى ~~الأخرى من سنة خمس وثلاثين ومائة وألف وكتم أهل نزوى موته خيفة أن يقوى ~~عليهم العدو نحوا من خمسين يوما. # ثم إن محمد بن ناصر أمر بتقييد يعرب بن ناصر بعد ما أمر يعرب بتخليص ~~الحصون التي بيده، ولم تبق إلى مسكد وبركا في أيدي بني هناءة، وفي كوت مسكد ~~جاعد بن مرشد بن عدي اليعربي، واحتالوه حتى أخذوه منه وأوصلوا بلد نخل، ~~وأقام محمد بن ناصر بالرستاق وأشهر أن الإمام سيف بن سلطان هو ومع ذلك كله ~~غير بالغ الحلم وتفرق أهل الرستاق في الجبال والأودية فقيل إنه وجد بكهف من ~~جانب حلاة المهاليل مائة نفس من صبيان ونساء ميتين من العطش خافوا أن ~~يرجعوا إلى الرستاق فيحملهم البدو فيبيعونهم. PageV02P111 # وجاءت كتيبة لمحمد بن ناصر بعد أخذ الرستاق بثلاثة أيام قدر ألف ونصف من ~~بني قليب وبني كعب أصحاب تفاق ورماح، ووصل رحمة بن مطر بن رحمة الهولى بقدر ~~خمسة آلاف من بدو وحضر، وفيهم من لا يعرف العربية ولا يعرف صديقا من عدو ~~فكان منهم ما سيأتي ذكره. # باب افتراق أهل عمان بالتعصب الباطل إلى غافري وهناوي # وسبب ذلك ms377 هذه الفتن المذكورة فيما مضى وفيما سيأتي، فإن المتعصبين فيها ~~لمحمد بن ناصر الغافري سموا بالغافرية، والمتعصبين لخلف بن مبارك الهنائي ~~سموا بالهناوية،؛ وكان خلف بن مبارك المعروف بالقصير من أهل الغشب لم يكن ~~بالرستاق في وقت الحرب، فقهر حصن بركا ومسكد في يده ومعه بنو هناءة، فأرسل ~~محمد بن ناصر علي بن محمد الخروصي واليا لحصن بركا؛ فقتل ورجع أصحابه إلى ~~الرستاق مع محمد بن ناصر، فأمر محمد بن ناصر الجيش بالمسير إلى بركا؛ فسار ~~رحمة بن مطر بقومه وحمزة بن حماد القليي بقومه وأحمد بن علي الغافري ~~بالعسكر الذي خرج من عند محمد بن ناصر ومحمد بن عدي بن سليمان الذهلي ~~بالقوم الذين جاء بهم من الصير؛ ومحمد بن ناصر الحراصي بقومه؛ فسار هؤلاء ~~كل وال على قومه حتى نزلوا مصنعه. # ثم ورد كتاب من قرع الدرمكي من بني هناة لرحمة بن مطر: إنك لا تصل إلينا ~~فنحن واصلون إليك على معنى التهدد. فلما قرأه وعرف معناه أمر بالسير إلى ~~بركا وقدم عونا من أصحابه، فوجدوا قرعا وأصحابه مقبلين إليهم؛ فالتقاهم ~~رحمة بمكان يسمى القاسم، فوثب عليهم قضيب الهولي على فرس والقوم على أثره؛ ~~فقتل منهم عشرة رجال وانكسر أصحاب قرع وخرج قضيب جرحا هينا، وسار رحمة ~~مشرقا بالقوم حتى نزلوا بالخفري التي هي للجبور حتى يستريحوا ويأكلوا. PageV02P112 # ثم إنه بعث عيونا فوجدوا خلف بن مبارك قد طلع بقومه برا وبحرا بجيش لا ~~يعلم عدده إلا الله، وكان عدد القوم الذين هم أصحاب محمد بن ناصر خمسة عشر ~~ألفا من بدو وحضر من سائل القبائل؛ فالتقوا غربي بركا، فوقعت بينهم صكة ~~عظيمة، وكانت عند أصحاب رحمة مدافع فضربوا الخشب التي في البحر فأغرزت ~~الخشب بحرا؛ وانكسر خلف بن مبارك وأصحابه وركب ناقته واتبعه أصحاب محمد بن ~~ناصر يقتلون ويأسرون؛ فلم يجدوا ملجأ من القتل، وكانوا يدخلون البحر ~~ليتخلصوا في المراكب فأغرزت بحرا فلم ينالوها، والقوم تضربهم بالتفق فهلكوا ~~جميعا، وأخذوا سلبهم من سلاح وغيره من جميع ما معهم ms378، فلفظهم البحر، فوجد ~~جميع القتلى ألفا واثني عشر رجلا، ولم يزالوا يتبعوهم حتى دخلوا حصن بركا. # ثم نزل أصحاب محمد بن ناصر الغافري بجانب الجبل من بركا؛ فحاصروا الحصن ~~فأقاموا أربعة أيام، ثم إن أهل الحصن تخلصوا في المراكب ومضوا إلى مسكد؛ ~~ولم يبق بهم إلا القليل وليس في البلد أحد؛ ثم إن أصحاب محمد بن ناصر رجعوا ~~إلى الرستاق ورحمة بن مطر رجع إلى بلده؛ فأقام محمد بن ناصر بالرستاق ~~وأصابه جدري شديد، حتى خيف عليه منه فعوفي؛ ثم إنه أمر بالمسير إلى ينقل ~~وجعل في الرستاق محمد بن ناصر الحراصي واليا بالرستاق، وعنده أصحاب بهلى ~~وسنان ابن محمد بن سنان المحذور الغافري قائما بقلعة الرستاق. PageV02P113 # وسار محمد بن ناصر وسيف بن سلطان وحمل معه كافة اليعاربة ويعرب بن ناصر ~~مقيدا حتى نزل مقنيات، وكانت إقامته بالرستاق قدر شهرين، فلما نزل بمقنيات ~~أرسل إلى قبائل الظاهرة وعمان يستمدهم وبني ياس فجاء إليه القوم والتقوا ~~عنده عساكر كثيرة قدر اثني عشر ألفا؛ وكان نزوله بفلج المناذرة من طرف ~~ينقل، فأرسل إلى أهل البلد يسلموا له الحصن فأبوا ولم يردوا له جوابا ~~وارتفع وقت الصبح يريد الانتقال منها إلى الجانب الأعلى على شريعة فلج ~~المحيدث من البطحاء؛ فالتقاه بنو علي بمن معهم من أهل ينقل، فوقعت بينهم ~~صكة عظيمة وقتل من بني علي قوم كثير؛ والمعروف منهم ابن شيخهم سليمان بن ~~سالم ومن أصحاب محمد ابن ناصر سالم بن زياده الغافري وسيف بن ناصر الشكيلي ~~وأحد من الجرحى. # ثم إنه نزل شريعة المحيدث من الجانب الأعلى وأقام يحاصرهم ويضربهم بالتفق ~~والمدافع، فوقعت بينهم صكة عظيمة، فقتل خلق كثير، وقتل من أصحاب محمد ابن ~~ناصر الوالي محمد بن خلف الفيوضي وأحد من بني عمه، ثم إنهم كسروا الماء عن ~~البلد فلم يبق معهم ماء، فعند ذلك صالحوا على تسليم الحصن ووصل الخبر إلى ~~محمد بن ناصر أن سعيد بن جويد دخل السليف مع الصواوفة من بني هناة بقومه، ~~فأمر القوم بالمسير إلى ms379 السليف، فلما وصلها أرسل إلى سعيد بن جويد وأهل ~~السليف أن يؤدوا الطاعة فأبوا؛ وواصل إليه الصواوفة من أهل تنعم مؤدين ~~الطاعة؛ ثم إنه أمر بالركضة على حصن المراشيد من السليف فركضوا عليه وهدموه ~~على من فيه من نساء ورجال وأولاد. # ثم أن سعيد بن جويد طلب التسيار إلى بلده هو وأصحابه؛ فسيره محمد بن ناصر ~~وزوده، وبقي بالسليف حصن الصواوفة وحصن المناذرة؛ فأما المناذرة فإنهم لما ~~رأوا ما أصاب المراشيد صالحوا وأدوا الطاعة لمحمد بن ناصر؛ فسلموا ولم ~~يصبهم بأس وأقرهم مكانهم. PageV02P114 # أما الصواوفة فلم يأدوا الطاعة فأقام يقطع نخيلهم والقتل فيهم كل يوم؛ ~~وفسح للبدوا من أصحابه إلى بني ياس وقبائل الحضر؛ وكان الحصار فوق شهرين؛ ~~ثم إنهم صالحوا على هدم حصنهم بأيديهم فهدموه؛ وكان خلف بن مبارك بالقصير ~~لما رأى محمد بن ناصر مشتغلا بحرب السليف حاصر الرستاق وقتل واليها الغافري ~~المقيم بالقلعة؛ فخرج محمد بن ناصر الحراصي من حصن الرستاق فدخله خلف وخلصت ~~له الرستاق وكان سباع العنبوري قد أخذ حصن صحار؛ فلم ير محمد بن ناصر ~~الرجوع عن السليف؛ فمضى إلى الرستاق وصحار فيقوى عليه العدو. # ثم إن خلف بالقصير سار على حصن الحزم؛ وكان الوالي فيه عمر بن صالح بن ~~محمد الغافري فحاصروه ورد الفلج عنه؛ وأرسل إليه خلف أن يخرج من الحصن هو ~~وأصحابه بأمان؛ فأبى وكتب إلى محمد بن ناصر يخبره الخبر؛ وأنهم لم يبق معهم ~~ماء إلا بركة قليلة؛ فسار محمد بن ناصر إلى الحزم بعد ما صالح أهل السليف ~~وهدم حصنهم بجيش عظيم لا يعلم عددهم إلا الله؛ فلما وصل الحزم ركض على ~~أصحاب خلف؛ فقتل من قتل منهم وولوا هاربين وتركوا آلة حربهم من دوي ورصاص ~~وطعام؛ ورجع محمد بن ناصر من الحزم إلى الظاهرة؛ ولم يمر على الرستاق؛ لأنه ~~كان قصده بلاد سيت؛ وحشر من البدو والحضر؛ واجتمع عنده عسكر كثير؛ وسار من ~~الظاهرة إلى بلاد سيت؛ فأرسل إليهم ليؤدوا له الطاعة؛ فأبوا فحاصرهم وأمر ~~القوم بالهجوم عليهم ms380؛ وقتل منهم خلقا كثيرا؛ ثم ركضوا على العارض؛ وهي لبني ~~عدي فأخذوها وأخذوا ( غمر ) وخلصت له بلدان من بني هناة من العلو ولم يبق ~~فيهم أحد منهم؛ فالذي قتل قتل؛ والذي طلب التسيار سيره بأمان؛ وقتل من ~~أصحاب محمد بن ناصر عند الركضة على باب بلاد سيت قدر عشرة رجال وجرح أناس. PageV02P115 # ثم إنه أمر بالمسير إلى نزوى؛ فسار إليها وأقام بها قدر ستة أشهر بعض ~~الشتاء إلى أن جاء القيض؛ وأرسل إلى أهل البلاد من أهل منح أن يؤدوا الطاعة ~~فأبوا فجهز لهم جيشا فحاصرهم الجيش وقطعوا نخيلهم من أهل ( الفيقين ) و( ~~جرعالي ) حتى أدوا الطاعة من بعد ما ذهبت أموالهم، وأمر بالمسير إلى ~~الظاهرة ونزل بالغي وأخذ في جمع القوم حتى اجتمع عنده خلق كثير من البدوا ~~والحضر؛ وأمر على أهل الظاهرة أن يسيروا التمر إلى الحزم، وصحبهم أهل وادي ~~بني غافر ومن ذويهم وسار هو وجميع من عنده يريد بلد العوامر من الشرقية، ~~فالتقوا هم والعوامر وآل وهيبة من بدو وبني هناة، فوقع بينهم حرب عظيم حتى ~~كاد أن تكون الهزيمة على أصحاب محمد بن ناصر؛ ثم إنهم ثابوا وثبتوا فوقعت ~~الهزيمة على بني هناة وقتل منهم خلق كثير واتبعوهم حتى دخلوا حجرة العاقل؛ ~~فرجع محمد بن ناصر ومن معه غالبا مظفرا، وكان في صحبته سيف بن سلطان إلى ~~يبرين، ثم إنه وصل إلى الظاهرة ليجمع قوما؛ فاجتمع عنده خلق كثير؛ فوصل بهم ~~إلى نزوى؛ وجمع أهل نزوى وبهلى وازكي وبني ريام وسار بهم إلى سيفم، وأرسل ~~إلى سعيد بن جويد الهناوي ومن معه من أهل العقير والغافات فأبوا فحاصرهم. # ثم خرج سعيد بن جويد ومر على الظاهرة ووصل إلى صحار فجمع قوما من صحار ~~وينقل، لأن ينقل نكثت الصلح؛ فاجتمع معه خلق كثير؛ وجاء إلى ( عملى ) و( ضم ~~) وجمع جملة بني هناة ومن ذويهم من وادي العلا وجميع بلدانهم؛ فلما وصل فلج ~~العيشي وأراد أن يركض على محمد بن ناصر وأصحابه؛ وكان مدة غيبة سعيد بن ms381 ~~جويد سبعة أيام؛ ومحمد بن ناصر قد فرق العيون في الأماكن خيفة أن يهجم عليه ~~على غفلة؛ فأخبرته العيون أن سعيد بن جويد أقبل في جمع كثير فأمر أن ~~يلتقوهم دون البلاد فالتقوا في صدر الغافات؛ فوقع بينهم حرب عظيم؛ وقتل ~~سعيد بن جويد الهناوي، وقت من أصحابه غصن العلوي صاحب ينقل، وجملة من ~~أصحابه وانكسر الباقون. PageV02P116 # وأمر محمد بن ناصر بالغزوة في كل بلد ملكها بهلى ونزوى وبلدان الظاهرة ~~لإظهار الناموس، وسحب أصحاب محمد بن ناصر سعيد بن جويد بعد أن قتل إلى حصن ~~الغافات وفيه عياله وأولاده وقومه ينظرون ليؤدوا الطاعة فأبوا فحاصرهم قدر ~~شهرين، وفرغ ما عندهم من الطعام حتى أكلوا ما عندهم من الأنعام والقائد ~~لأصحاب محمد بن ناصر مبارك بن سعيد بن بدر لأن محمد بن ناصر رجع من بعد ~~الصكة إلى يبرين. # ثم إنهم صالحوا بعد ما فرغ ما عندهم وقتل من قتل منهم وذهبت أموالهم، ~~وكان الصلح على هدم الحصن فهدموه بأيديهم ووصلوهم بأمان وبقي حصن العقير ~~محاربا لم يؤدوا الطاعة، وفسح محمد بن ناصر لمبارك بن سعيد بن بدر وجعل ~~مكانه راشد بن سعيد بن راشد الغافري، وأقام محاصرا حصن العقير ومعه أهل ~~بهلى ونزوى وازكي والظاهرة وبنوا غافر وبنوا ريام؛ وداروا به فلا يخرج منه ~~أحد ولا يدخل حتى فرغ ما عندهم وطلبوا الصلح فصالحهم على هدم الحصن فهدموه ~~بعدما تلفت أموالهم ولم تبق لهم نخلة ولا فلج، وقد أكلوا جميع أنعامهم ~~ومواشيهم فعند ذلك صالحوا فأعطوهم الأمان ووصلوهم ورجع القوم كل إلى بلده. # وأما خلف بن مبارك فجمع قوما ونزل وادي المعاول وانتقل بهم إلى نخل ~~فحاصرها وكان فيها مرشد بن عدي فمكث أربعة أيام، ثم خرج مرشد من الحصن ~~فأحرقوه وهدموا منه ما قدروا عليه، ومع ذلك صالحه أهل حجرة الجميمي، ثم عقب ~~عليهم من عقب ودخلوا البلد وهرب أهلها إلى سمائل وبعضهم التجأ في حجرة ~~الجناة مع نبي مهلل. # ثم إن الذين بقوا عند بني مهلل أرسلوا إلى ms382 أهل نخل أن يجيئوا من جانب ~~الحمام فجاءوا بقوم من حيث لا يدرون بهم آل مهلل فدخلوا عليهم على حين غفلة ~~منهم وقتلوا منهم من قتلوا فخرجوا إلى وادي المعاول حتى أن المعاول نصروهم ~~وزمروا لهم الحرب إلى حجرة الجناة فمكثوا يحاربونهم ثلاثة عشر يوما لا يهدأ ~~ضرب التفق حتى إنهم انهزموا من الحجرة وكثر فيهم القتل وتخيبوا. PageV02P117 # ثم إن المعاول قالوا لا نبغى حجرة في الجناة فهدموها، ومكثت نخل مدة من ~~الزمان لم يوجد فيها من الإنس إلى الكلاب والسباع على القتلى، ومن بعد ~~قسموها على بني هناءة ومكثوا فيها إلى أن ملك سيف بنت سلطان بعد ما بلغ ~~الحلم وأقيم إماما فعند ذلك سلموها لأهلها. وذلك أوان تخليج النخل فصاروا ~~يتوسلون بالقاضي ناصر بن سليمان المدادي في نزوى فجاءوا بخط إلى المعاول ~~فسلموها لهم. # وأما محمد بن ناصر فجهز جيشا من البدو والحضر، فقصد به بلدان الحبوس من ~~الشرقية من المضيبي والروضة والتقى بجيش خلف بن مبارك بالقصير والحبوس ~~وغيرهم من بني هناءة بالمضيبي؛ فوقع بينهم حرب عظيم، وانكسر خلف بن مبارك ~~وتحصن في حجرة المضيبي، فحاصرهم محمد بن ناصر وقطع أموالهم، فطلبوا الصلح ~~والأمان، فآمنهم وأدوا الطاعة، ولم يعلم محمد بن ناصر أن خلف بن مبارك معهم ~~في الحجرة، فجاءه من جاء وأخبره أن خلفا معهم بالحجرة فلم يستحسن أن ينكث ~~عهده وصلحه. # ثم خرج خلف من المصيبي هاربا فاتبعه محمد بن ناصر بجيشه حتى وصلا ابرى ~~ودخل خلف ابرى ولم يظن أن محمد بن ناصر يتبعه إلى ابرى، فأقام مع الحارث ~~فأرسل إليهم محمد بن ناصر أن يؤدوا الطاعة ويخرجوا خلفا من عندهم فأبوا، ~~فأقام على حربهم كل يوم يقطع نخلهم ويدمر أنهارهم، فظنوا أن ليس لهم قوة ~~على حرب محمد بن ناصر؛ فأخرجوا خلفا من عندهم خفية، وكان خلف رئيس بني ~~هناءة كافة ومضى إلى مسكد، ثم أنهم صالحوا من بعد خروج خلف وأعطاهم محمد بن ~~ناصر الأمان ورجع عنهم، وأقام بيبرين، وكان أكثر إقامته ms383 بها. PageV02P118 # ثم إنه سار إلى الظاهرة وجمع منها خلقا كثيرا وغرب بهم، ولم يعلم به من ~~قومه أحد أين يريد، فمر ببلدان بني نعيم وجمع بني ياس وبني نعيم وغيرهم ~~وسار بهم، ومر على نجد الجرى ومر على بلدان بني قليب، فصحبه من صحبه منهم ~~ومضى على خط الباطنة حتى خاف منه أهل صحار، فلم يغشهم ثم شرق فخاف أهل فلج ~~الحواسنة أن يدمر واديهم وأصحابه يأخذون كلما وجدوا من إبل وغنم وفيهم من ~~لا يعرف الصديق من العدو، وعلم به خلف بن مبارك بالقصير فالتقاه عند أفلاج ~~عرعر فوقعت بينهم صكة عظيمة فولى أصحاب خلف هاربين، ودخل خلف في بيت، ~~واتبعه محمد بن ناصر يقومه ولم يعلم أنه في ذلك البيت، وظن خلف أن محمدا ~~تركه بعد القدرة فدخل محمد بن ناصر الرستاق وجعل يدمر من أنهارها ويكاتبهم ~~أن يؤدوا الطاعة فأبوا ودمر فلج الميسر وفلج بو ثعلب والحمام وقط شيئا من ~~النخل، ولم يكن لأهل الرستاق قدرة على الخروج لحربه ومنعه حتى أنهم هموا أن ~~يؤدوا له الطاعة فجاء إلى محمد بن ناصر خبر أن راشد بن سعيد الغافري أخذ ~~حصن مقنيات والوالي فيه مبارك بن سعيد بن بدر، وكان ذلك حسدا منه لمبارك ~~لتقدمه مع محمد بن ناصر فأمر بالنهوض من الرستاق وتركها بعد ما دمر أنهارها ~~ثم إن علي بن ناصر بن حمد الكلباني مضى إلى راشد بن سعيد وناصحه وخلص له ~~الحصن وضمن له أن لا تصيبه عقوبة من محمد بن ناصر، فقبض على ابن ناصر الحصن ~~إلى أن وصله محمد بن ناصر فترك فيه مباركا واليا وترك معه الحواتم، وسار ~~قاصدا إلى يبرين فمكث فيها ما شاء الله، ثم وصل بمن معه إلى نزوى وبويع له ~~فيها بالإمامة على حسب ما سيأتي. # باب إمامة محمد بن ناصر بن عامر بن رمثة بن خميس الغافري PageV02P119 ~~نسبة إلة غافر جد له ووجدت أنه من سامة بن لوى بن غالب وذلك أن محمد ابن ~~ناصر لما كان ms384 منه ما ذكرنا من الحروب ووصل إلى نزوى بمن معه أرسل إلى رؤساء ~~القبائل وأهل العلم من غرب عمان وشرقها فاجتمعت إليه جموع كثيرة فطلب منهم ~~أن يبرأ من الإقامة بالحرب وبأمور المسلمين وأن يقيموا من أرادوا مع سيف بن ~~سلطان واعتذر إليهم فلم يعذره القاضي ناصر بن سليمان بن محمد بن مداد ووالي ~~نزوى عبدالله بن محمد بن بشير بن مداد ومن حضر من المشايخ من رؤساء ~~القبائل، ولم يزالوا في معالجة هذا الأمر وغلقت أبواب حصن نزوى والعقر فلا ~~يدخل فيها أحد ولا يخرج يومهم ذلك وليلتهم حتى قرب الفجر فعقدوا له الإمامة ~~وضربت مدافع قلعة نزوى ونادى المنادي له بالإمامة والعز والأمان لكل قبيلة ~~تريد المواجهة من يمن ونزار من بدو وحضر. # وكان هذا ليلة السبت لسبع ليال خلون من المحرم سنة سبع وثلاثين ومائة ~~وألف وانظر في مبايعتهم له بعد تلك الأحداث المنكرة والأحوال المهولة وفي ~~كشف الغمة أنهم بايعوه تقية. PageV02P120 # قلت ولا يسوغ ذلك لقضاة المسلمين وعلمائهم، غير أن الأمر يحتمل أحد ~~شيئين: إما أن يكون محمد بن ناصر محقا عندهم في حروبه السابقة لأن يعرب بن ~~ناصر وأشياعه كانوا بغاة على المسلمين، وعلى هذا الاحتمال فيقال إن تلك ~~الأحداث إنما كانت من معرة الجيش، ومن أحداث بعض السفهاء كما وقع بعض ~~الأحداث في جيوش أهل العدل وهم لم يرضوا بذلك؛ ولا صوبوا فاعله، والاحتمال ~~الثاني أن يقال إن تلك البيعة كانت على سبيل الدفاع حتى تضع الحرب أوزارها؛ ~~وللمسلمين أن يقدموا في الدفاع إذا غشاهم العدو من لا ولاية له عندهم إذا ~~رأوا صلاحيته لذلك؛ وإن غيره لا يقوم مقامه؛ فثبتت إمامته عليهم على الشرط ~~الذي شرطوه عليه، وتجب عليهم طاعته إذا دعاهم لدفع عدوهم على حسب ما ~~بايعوه؛ وإنما جازت الإمامة ها هنا لمن لا ولاية له لأن الدفع واجب على ~~الكل؛ فهم إنما قلدوه واجبا عليه رجوا أن يقوم به وأن يكون لهم به الظفر، ~~ولا تزيده هذه الإمامة إن لم يصلح ms385 منزلة فوق منزلته إلا وجوب الطاعة في ~~الدفاع؛ وذلك إن لم يصلح حاله، فإن صلح فلكل درجات مما عملوا، ورب إمام ~~بويع أولا على الدفاع ثم ترقى أمره حتى صار في منزلة الظهور. # وأكثر الأئمة من بعد مهنا بن سلطان إنما بويعوا على الدفاع فيما يظهر من ~~حالهم إذا نظرت إلى فعل المسلمين في أول ظهور أمرهم بعمان، وفي تقديمهم ~~لمحمد بن أبي عفان على ما قيل فيه سهل عليك الأمر واتضح السبيل وبرح الخفا، ~~وعلمت أن الدين سهل يسر. PageV02P121 # ثم إن محمد بن ناصر مكث بنزوى حتى صلى الجمعة وارتفع بمن معه إلى يبرين ~~وفسح للقوم وأقام بها قليلا؛ وبلغه أن مانع بن خميس العزيزي هجم على الغبى ~~وقهر حصنها ونهب سوقها، وأفسد فيها؛ وأغار مهنا بن عدي اليعربي وعامر بن ~~سليمان ابن بلعرب الريامي وسليمان بن حمير بن علي اليعربي على غالة البركة ~~وأخذوها، فعلم الإمام محمد بن ناصر بهم، فقصد إليهم وأرسل إلى القاضي ناصر ~~بن سليمان والوالي عبدالله بن محمد ليلحقوه بالقوم من نزوى إلى البركة، ولم ~~يغش هو نزوى ولم يكن عنده إلا قليل من عسكره وخدامه، فهجم عليهم وقت الضحى ~~ولم يرد قتالهم وناصحهم على الرجوع، ورد ما أخذوا من الغالة، فأبوا إلا ~~حربه وقتاله، فصنعوا له بومة في مسجد الشريعة الأعلى من البركة وقبضوا ~~الجبل الشرقي، وكسروا فلج البركة؛ وصنع الإمام محمد بن ناصر بومة في المسجد ~~الأسفل من شريعة البركة والجبل الأسفل؛ فكان بينهما ضرب التفق، وقتل رجل من ~~عزابة الركاب من أصحاب محمد بن ناصر، وجرح رجل؛ ثم أنه أمر أصحابه بالركضة ~~عليهم فولوا منهزمين وأسر منهم ناصر بن بلعرب الريامي وعلي بن صالح صاحب ~~كمة، وكان هذا قبل أن يصله أحد من المدد؛ وأمر بالتمر أن يحمل إلى يبرين، ~~ورجع هو إلى نزوى وأقام بمساجد الغنتق منها؛ وكان إرادته حرب أهل تنوف ~~وخرابها ثم أصلح الله شأنهم وواجهوه وأخذ منهم عهودا لا يخونوه، فطابت نفسه ~~عليهم وسار إلى الغبي، فغدف ms386 عليهم الحصن ومعه ستة رجال فلم يشعروا به إلا ~~وهو في أعلا الحصن، فخرج مانع العزيزي ومن معه من الحصن هاربين خوفا منه ~~وقتل خادم لمانع بن خميس وأخذ الحصن وجعل فيه واليا ورجع إلى يبرين. PageV02P122 # ثم أنه أمر بالحشد على جميع من بطاعته من أهل عمان؛ فاجتمعت إليه جموع ~~كثيرة فسار بهم من نزوى يريد ضنك ليرجع الوحاشا إلى بلدهم ويبني لهم حصنهم ~~الذي بضنك الذي دمره عليهم حين كانوا في طاعة خلف بن مبارك؛ فلم يرضوا آل ~~عزيز برجوعهم إلى حصنهم وببنائه، فجمعوا أحدا من البدو ممن يشتمل عليهم ~~وأرادوا حربه ومن معه من الوحاشا، فالتقوا بضنك وأوقع الحرب بينهم ثم ~~انكسروا وتبدد شملهم، فعلموا أن ليس بهم قوة على حربه، وقد مانع بن خميس ~~إلى السنينة مع النعيم، فمضى في طلبه في ناس قليلة من أصحاب الخيل والركاب ~~السيارة، فلم يشعروا به إلا وهو معهم فاسر مانع بن خميس ورجع إلى ضنك، فلما ~~رجع يريد الغبي مر على أفلاج بدو آل عزيز الذين نهبوا سوق الغبي فدمرهن ~~ورجع إلى الغبي وأقام بها ما شاء الله حتى حشد من قبائل الظاهرة من شاء من ~~القوم وقصد يبرين وأقام بها أياما قلائل؛ وجاء إلى نزوى فنزل بيت المزرع ~~حتى يجمع قوما منها ثم مضى إلى ازكي وأخذ منها قوما، من جميع الشرقية، ~~فخافت منه بنوا رواحة، ثم إنه قصد سمائل، فلم يزل يناصح البكريين وأهل ~~الحيلى وقوم عكاشة؛ فأما أهل الحيلي وأصحاب عكاشة فصالحوه وأدوا الطاعة، ~~فأرسلهم إلى البكريين ليناصحوهم فلم يقدروا عليهم، فأمر بالركضة عليهم في ~~ليلة شاتية مظلمة مطيرة ذات رعد وبرق، فلم يشعروا به إلا وهو في أعلى السور ~~مع الحارس يقول عمن تحرس؟ فقال مخافة أن يهجم علينا محمد بن ناصر، فقال له: ~~هذا محمد ابن ناصر عندك، فخذل أهل الحجرة وخرج الأكثر منهم بأمان منه، ولم ~~يبق إلا برج وشيء من الغرف فيه بكر وأولاده وبنوا عمه؛ فكانوا يضربون ~~بالتفق حتى قتلوا عن آخرهم ms387. PageV02P123 # وقتل من أصحاب الإمام محمد بن ناصر أربعة: أحدهم بخيت النوبي مملوك له ~~كان قدمه على سائر العبيد، ضرب بتفق، وهدمت الحجرة عن آخرها وسلمت له سمائل ~~زكاة ثلاث سنين؛ وكان قبل أفسد فيها آل عمير وحازوا جميع أموال الأغياب، ~~فرد كل مال إلى أهله، وقيد أولاد سعيد أمبوا علي وهدم من حجرتهم ثم إنه أمر ~~بالمسير إلى الجبل من الباطنة ليقطع لخلف بن مبارك القصير حين نهوضه من ~~مسكد إلى الرستاق، فكان محمد يصل هو ومملوك له إلى الغبرة ثم علم خلف بن ~~مبارك أن محمد بن ناصر قاطع له فلم يخرج من مسكد، وجعل الحرس على الطرق ~~والأسوار، ولم تكن له قدرة على ملاقاة محمد بن ناصر، وأقام محمد بالحيل قدر ~~نصف شهر وصالحه المعاول؛ ثم نكثوا ورجع هو إلى سمائل، وذلك أن المعاول وقعت ~~بينهم وبين خلف بن مبارك شرهة وعتاب، وأخذوا عليه حصن بركا؛ وأرسلوا إلى ~~محمد بن ناصر فهبط، والتقوه المعاول وعاهدوه على أن يخربوا مسقط. # ثم إن محمد ارتفع مغربا، فظنوا أنه يريد حصن بركا، فساروا ونزلوا الحرادى ~~وكان نزول المعاول وسط قوم محمد بن ناصر، فجعلوا خادما لهم يعمل طعاما؛ ~~وفرشوا فرشهم؛ وسار كل اثنين منهم إلى نحو الخور ليصلوا المغرب أو العصر ~~حتى خرجوا كلهم متسللين لواذا، فدخلوا حصن بركا ليمنعوه من محمد بن ناصر، ~~وأما ركابهم فإنهم جعلوا عليها طنافا وقالوا له سر كأنك تسير نحو الفلاة؛ ~~فما لبث حتى دخل بهن وادي المعاول. PageV02P124 # وأما محمد بن ناصر فإنه أرسل إلى المعاول ما خلفوا من متاعهم في عسكره، ~~وارتفع هو إلى سمائل وحمل أهله، ثم سار يريد البدو من عامر بن ربيعة وآل ~~سعلى ومن اشتمل عليهم من سكان الباطنة؛ فعقر عليهم إبلا كثيرة، وكان راكبا ~~على فرس وبيده كنارة ورمح يضرب يمينا وشمالا يقطع أعناقها ويعرقب أرجلها، ~~ولم يرض لأحد أن يأخذ منها، ووصل إلى فريق من فرقانهم فقتل رجالهم، فصاحت ~~نساؤهم بالأمان يا خلف بن مبارك إنا في طاعتك ms388 يظنونه خلفا، فأكثر في قتلهم ~~وهو أمام القوم لم يلحقه إلا أصحاب الخيل والإبل السيارة، وسيف بن سلطان ~~معه لا يفارقه في جميع حروبه وغزواته. # ثم رجع إلى الحزم فأقام بها أياما قليلة ورجع إلى وادي بني غافر فأقام ~~بها أياما وفسح لجميع القوم إلا العسكر والعبيد، ثم قصد الغبى وأقام بها ~~أياما، ثم رجع إلى يبرين؛ وكان أكثر إقامته بها. # وكانت البدو من عمان قد أفسدوا جميع الطرق ينهبون ويقتلون فلا يقدر أحد ~~يسافر إلى مكان إلا في جماعة كثيرة وخاصة آل وهيبة، ولهم رئيس يسمونه بوخرق ~~فحشدهم بجميع أهلهم وإبلهم وغنمهم؛ وأرمهم بالنزول حوالي يبرين؛ وذلك قهر ~~منه لهم حتى ماتت إبلهم وغنمهم وضعف حالهم ولم يقدروا على مخالفته، فلما ~~كانت ليلة أحد عشر من شهر الحج خرج بمن معه من القوم قاصدا آل وهيبة فدمر ~~بلدهم السديرة وقتل من فيها منهم، فكانوا يهربون إلى الرمل من أسافل عمان ~~وخرابها من كل موضع ليس فيه ماء يظنون أنه لا يتوصل إليهم لقلة اهتداء ~~الحضر لتلك الأماكن وقلة دلالتهم بمواردها؛ فمضى إليهم فقتل ستة وثلاثين ~~رجلا من أكابرهم؛ واسر خمسة وتسعين رجلا، وقتل إبلهم وأغنامهم، وحمل ~~الأسارى إلى يبرين مربوطين في الحبال وأما بوخرق فإنه قصد مسكد ودخل مع بني ~~هناءة، وقيد محمد بن ناصر الأسارى بيبرين شهرا؛ وأرسل بوخرق إلى الإمام أنه ~~لا يضر أحدا ولا يفسد وأمنت الطرق. PageV02P125 # ثم أن محمد بن ناصر أمر بالحشد على جميع من أطاعه من عمان من شرقها ~~وغربها فاجتمعت إليه في يبرين جموع عظيمة لا يعلم عددهم إلا الله؛ وأرسل ~~إلى بني هناءة من بلدان وادي العلى والحيل وضم وعملى، فأطاعته جميع بني ~~هناءة ولم يعصه أحد وسار قاصدا إلى ينقل ونزل في أعلا البلد، وأرسل إليهم ~~ليخلصوا له الحصن؛ فأبوا وشدوا الحرب، فخرج ذات ليلة رجل من أهل ينقل يقال ~~له عصام فصالح الإمام محمد بن ناصر، إلا أن البلد ليست في يده؛ فقال له ~~ناصح جماعتك لأجل حقن الدماء ms389 فلم يتبعوه وأقاموا بالحرب، وكان بين عصام على ~~السور وله باب صغير، فأدخل محمد بن ناصر ومن معه البلد؛ فقتل من أهل البلد ~~رجلين، ثم طلبوا الأمان فأمنهم، وقيد أشياخهم وحملوا إلى يبرين وترك فيها ~~واليا وأدت له الطاعة؛ ومضى قاصدا بمن معه إلى صحار، وقدم ربيعة بن حمد ~~الوحشي ليناصح بني عمه حتى يهبطوا من حصن صحار؛ فلما وصلهم قال لهم: شدوا ~~الحرب؛ فلما دخل محمد بن ناصر صحار التقته بنو هناءة فوقع بينهم الحرب وقتل ~~من قتل منهم وجرح ربيعة بن حمد وأخذ أسيرا وانكسرت بنو هناءة ورجعوا إلى ~~الحصن ونزل القوم بالجامع ومحمد بن ناصر في بيت ابن محمود. # وشاور محمد بن ناصر ربيعة بن حمد فقال إن أردت أن تقيم معنا فعليك الأمان ~~وإن أردت تسير إلى أصحابك بالحصن سيرناك بأمان، فأراد المسير إلى الحصن فسيره. PageV02P126 # وكان مع محمد بن ناصر اثنتا عشرة فرسا؛ وكان يجعلها عيونا تطالع المشرق، ~~لأنه بلغه أن خلف بن مبارك جمع بني هناءة من الرستاق ومسكد وأنه نزل بحصن ~~صحم، وكان محمد قد خلصت له جميع صحار ورعاياها؛ وآمن أهل البلد من جميع ~~الطوائف، فلم يؤخذ على أحد منهم شيء، وكانت عنده البدو من بني ياس والنعيم ~~ومن اشتمل عليهم والحضر، فأصبحت ليلة من الليالي قد خرب زرع دخن من طوى ~~البلد، فجاء صاحبها إلى الإمام شاكيا، فسأله من خرب زرعك؟ فقال بنو ياس ~~والنعيم والبدو الذين عندك، فقال كم غرامة زرعك؟ فقال خذ مائتي محمدية ~~فأبى، فقال خذ أربعمائة محمدية فأبى، فقال خذ خمسمائة محمدية: فقال لا أرضى ~~إلا أن تنصف لي منهم، فأرسل إلى مشايخهم فحضروا عنده فأمر بهم فصلبوا، وما ~~كانت نصفته إلا الجلد فجلدوهم جميعا وهم يستغيثون بهم فلم يغثهم إلى أن ~~انقضت النصفة فأطلقهم من الحبال. PageV02P127 # وكانت هذه حيلة من بني هناءة لينفروا البدو، وكان هذا من محمد بن ناصر عن ~~جهل بالأحكام فإن أمر التعزير والعقوبات راجع إلى نظر الإمام لا إلى صاحب ~~الحق ولا ms390 إلى سائر الرعية وإنما لصاحب الزرع غرم زرعه فقط فإن عرض عليه حقه ~~فلم يقبله فلا حق له، وقيل يجبر على قبول حقه وليس له أن يتحكم على الإمام ~~في عقوبة الجاني، ثم إن البدو خرجوا من عند محمد بن ناصر إلى بلدانهم ~~راجعين، فعلم خلف بن مبارك بخروجهم فزحف عليهم بمن معه من القوم وهجموا ~~عليهم بعد طلوع الشمس قليلا، فجاء من جاء إلى محمد بن ناصر أن خلفا وصل بمن ~~معه من بني هناءة، فقيل أنه قال: هذه ساعة ليست لنا ولا لهم إلا ما شاء ~~الله، ثم ركب فرسه وركب أصحاب الخيل معه والتقوا خلفا ومن معه على باب حصن ~~صحار، فوقع بينهم القتل وقتل خلف بن مبارك وهو يتبعهم حتى وصل جدار الحصن ~~فضرب محمد بن ناصر من فوق الحصن ضربة تفق وأخذه أصحابه، ومات وقتل من ~~أصحابه قدر خمسة عشر رجلا ودفن خلف داخل الحصن ودفن محمد بن ناصر في بيت ~~غربي الحصن عند حجرة الشيعة ومكث بعد ما دفن ثلاثة أيام لم يعلم بموته إلا ~~الخاصة، وكاد أصحاب الحصن أن يسلموه، وقيل والله أعلم أن أحدا بعث محمد بن ~~ناصر من قبره ورمى به خارج البلد، وذلك بعد أن رجع كل إلى بلاده فإن صح هذا ~~فلا أبرئ الشيعة منه والله أعلم. # باب إمامة سيف بن سلطان بن سيف ابن سلطان بن سيف بن مالك PageV02P128 وهو ~~الصبي الذي مات عنه والده صغيرا ومالت إلى تقديمه غوغاء الناس أهل الشقاق ~~من أكابر الرستاق، فكان ذلك سببا للفتنة العظيمة والبلاء الطويل " ولو شاء ~~الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم ~~من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ". ~~فكان بسبب اختلافهم ما قصصناه عليك وما سنقصه إن شاء الله والملك لله ~~الواحد القهار. وكان سيف بن سلطان هذا لم يفارق محمد بن ناصر لأن محمدا كان ~~يحمله معه في جميع حروبه ومواقفه ms391 سياسة منه وطمعا في انقياد الناس بسببه، ~~فلما قتل محمد ابن ناصر بصحار رجع بنو غافر ومن معهم بسيف بن سلطان إلى ~~نزوى، وذلك حين ما بلغ الحلم فأقامه القاضي ناصر بن سليمان بن محمد بن مداد ~~إماما للمسلمين يوم الجمعة بعد الزوال في العشر الأوائل من شعبان سنة ~~أربعين ومائة وألف، وإنما قدموه إماما لتقدم ولايته بسبب ولاية أبيه، فإن ~~أباه كان إمام المسلمين؛ وكانت ولايته على رعيته واجبة وأطفاله تبع له في ~~ذلك حتى يبلغوا ويحدثوا حدثا يخرجهم من الولاية عند المسلمين. وقيل أن ~~البالغ منهم يكون في الوقوف حتى يعلم منه حال يوالى عليه أو يعادى عليه ~~فتمسك القاضي بأول القولين نظرا منه للأمة وطلبا للسداد ومحاولة لجمع ~~الشمل، ولا راد لقضاء الله ولا معقب لحكمه، فإن سيف بن سلطان لبث ما شاء ~~الله، ثم أحدث أحداثا لا يرضاها المسلمون فعزلوه و" لا طاعة لمخلوق في ~~معصية الخالق " وكان سيف قبل عزله طلب من الشيخ سعيد بن بشير الصبحي أن ~~يزيده في الفريضة على ما جعل لآبائه، وذلك أن المسلمين قد جعلوا للأئمة ~~فريضة معينة في بيت مال المسلمين حتى نصب محمد بن ناصر فزادوه عليها، ولما ~~قتل ونصب سيف بن سلطان طلب من المشايخ أن يجعلوا له مثل ما جعلوا لمحمد بن ناصر. PageV02P129 # وكان الوالي سالم بن راشد البهلوي قد ألح على الشيخ الصبحي في ذلك فقال ~~الصبحي: لا بل فريضة آبائه لأن العاقدين الإمامة لجده الإمام ناصر بن مرشد ~~رحمه الله لم يألوا جهدا ولم يتركوا اجتهادا ولو جاز لهم ووسعهم فوق الألف ~~الذي جعلوه لما بخلوا عليه من الزيادة ولو لكل يوم ألف ولو جاز لهم ذلك ~~لجاز للإمام قبوله منهم، إذ لا غرم عليهم في أموالهم ولا دخل على الإمام في ~~قبوله منهم، إذ صار العطاء المفروض في بيت مال الله ولو جاز لهم ما اختاروه ~~لجاز للإمام ما فرضوه وأرجوا أنه أخذوا ما فعلوا تأويلا من قول الله عز وجل ~~" والذين إذا ms392 انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما " والقوام ~~العدل بين الأمرين فخذها سيدنا فريضة هنية وهبة برية لا وبية خارجة على ~~الحكم التقية، ولا أعلم أن جدك الإمام سلطان بن سيف ولا جدك سيف ولا عمك ~~بلعرب ولا أباك سلطان طلبوا ولا أخذ ( أحد ) منهم زيادة على ما مضى عليه ~~إمامهم ناصر ابن مرشد وتلك فريضة كافية ومات عليها الأسلاف ولا أريد لك ~~خلاف ما عليه السلف، فهذا اختياري والجهدة مني ولا خفت في أمرك لومة لائم، ~~بل اخترت لك ما اختاره الله لمثلك من الأئمة، واختار المسلمون لهم ذلك نظرا ~~ومعونة وموافقة لكتاب ربهم. قال سالم بن راشد كيف جعلت فريضة الشيخ محمد بن ~~ناصر أكثر من هذا؟ قال الصبحي أخاف أن يكون وقوعها من باب التقية والحلال ~~أولى في حكم الله وحكم البرية. وكان هذا نهار 21 شعبان سنة 1133. ثم غير ~~السيرة بعد ذلك وعزلوه، وسار إلى نخل وكان الوالي بها جساس بن عمر بن راشد ~~الحراصي، فأدخلوا بلعرب بن حمير إلى الحصن وسيف بن سلطان بالبطحاء فلم ~~يدروا بدخوله ومنعوا الحصن من سيف، ونهض سيف بن سلطان إلى بطحاء ( افى ) من ~~وادي المعاول وأرسل خاله سيف بن ناصر ( إلى ) مسقط فقبضها وأما بلعرب بن ~~حمير فأقاموه بنزوى إماما. # باب إمامة بلعرب بن حمير بن سلطان بن سيف ابن مالك بن بلعرب اليعربي ~~PageV02P130 بويع له بنزوى بعد عزل سيف بن سلطان في سنة خمس وأربعين ومائة ~~وألف وتبعته فرقة من عمان وخلصت له سمائل وازكي وبهلى ونزوى ونخل والشرقية ~~وحصون الظاهرة، وأما حصون الباطنة ومسكد والرستاق فإنها في يد سيف بن ~~سلطان، ثم جهز الإمام بلعرب جيشا إلى وادي بني رواحة، وبعث سيف بن سلطان ~~أخاه بلعرب بن سلطان ومن معه من القوم نصرة لبني رواحة؛ فوقع بينهم الحرب ~~وانكسر بلعرب بن سلطان وقومه، وانهزم أكثرهم وبقيتهم تحصنوا في حجرة وبال؛ ~~فحاصرهم الإمام أياما يقطع نخيلهم إلى أن أدوا له الطاعة؛ وفسح للقوم ~~وأمنهم وارتفع عنهم بعدما ms393 هدم بروجهم ثم سار إلى بلاد سيت فحاصرها أياما ~~وافتتحها وهدم بنيانها وقطع نخيلها ودمر أنهارها، ثم سار إلى حصن يبرين ~~وكان به بنو هناءة تركهم فيه سيف بن سلطان، فحاصرهم إلى أن أدوا له الطاعة، ~~فسيرهم بأمان هم وعيالهم ومتاعهم وأوصلهم إلى بلدانهم. # وأما سيف بن سلطان فإنه بعث إلى أهل مكران فجاءه قوم من البلوش أصحاب ~~التفاق وحشد من معه من رعيته من الرجال وسار بهم إلى الجو، فالتقاهم بلعرب ~~ابن حمير بقومه، فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كادت أن تقع الهزيمة على أصحاب ~~بلعرب فصبروا فوقعت الهزيمة على أصحاب سيف والبلوش وانكسروا ووقع فيهم ~~القتل والنهب في الطرق، ومنهم من مات من العطش. PageV02P131 # ثم أن سيف بن سلطان جعل يكاتب الأعداء من العجم لينصروه في ظنه، وهو ~~يريدون ملك عمان وخرابها؛ فأجابوه فنزل جيش العجم بخور، فكان آخر ليلة ~~الخميس لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ذي الحجة سنة تسع وأربعين ومائة وألف ~~وقصدوا الصير، فخرج سيف بن سلطان من مسكد إليهم؛ وحشد بلعرب بن حمير ومضى ~~ليتلقاهم، وخرج من نزوى أول شهر المحرم سنة خمسين ومائة وألف، والتقى ~~الجيشان بالسميني: سيف وعجمه والإمام بلعرب ومن معه، وذلك في غرة شهر صفر ~~سنة خمسين ومائة وألف ووقع بينهم حرب قليل آخر النهار وانكسر بلعرب وقومه ~~واعتصموا بالجبل وقتل ناس قليل وبعضهم ضل الطريق، وقتل بعضهم في الطريق ولم ~~يرجع أحد منهم بداية ولا سلاح ولا بشيء من حوائجهم إلا قليل منهم ونهبوهم ~~في الطريق؛ واستولى سيف بن سلطان على الجو وضنك والغبى، وأدت جميع قبائل ~~الظاهرة خراجا عظيما للعجم، ودخلت حجرة عبري ووقع فيهم قتل عظيم، وسلب جميع ~~مالهم وحملت نساءهم وقتلت الأطفال وأصابهم ذل وهوان، وبيعت نسائهم وحملت ~~إلى شيراز، ورجعت العجم إلى الصير. # وأما سيف بن سلطان بن سيف فإنه مر إلى بهلى ووقع الحرب بينهم وبينه؛ ثم ~~تصالحوا وولى عليهم واليا؛ وهو سالم بن خميس العبري، ومضى فبات طيمسا فقيل ~~إن أكثر العسكر من نزوى ms394 هربوا من الحصن؛ وكاد بلعرب بن حمير أن يخرج هاربا ~~من نزوى. إلا أن سيفا لم يقصد نزوى، ومضى إلى منح ومر على ازكي وقصد إلى ~~سمائل وأناخ بفلج العد وكاتب قبائل وادي سمائل ليصل إليه مشائخهم؛ فلم يلبث ~~أن واجهوه، فسار مجاوزا إلى مسكد ولم يتعرض للحصون، ثم بعد ذلك وقع الحرب ~~بين والي الغبى من قبل سيف بن سلطان وبين بني غافر، واستولت بنو غافر على ~~الغبى ووقعت المخادعة من أهل بهلى؛ وأدخلوا بلعرب بن حمير الحصن واستولى ~~على بهلى. PageV02P132 # ثم أن سيف بن سلطان زاد قوما من العرب من شيراز وضمهم مع أصحابهم في ~~الصير وتوجهوا إلى عمان، وذلك في اليوم التاسع عشر من شوال سنة خمسين ومائة ~~وألف، وصالحتهم قبائل الظاهرة ووصلوا إلى بهلى فوقع بينهم الحرب وقتل من ~~العجم كثير؛ وكذلك من أهل بهلى. # ودخلت العجم بهلى في ثالث عشر من ذي القعدة واستولوا عليها، فهرب من هرب ~~من أهل البلد، وقتل من قتل من الرجال والنساء والأطفال، واستولوا على جميع ~~ما فيها وتركوا في الحصن رابطة ومضوا إلى نزوى أول شهر الحج؛ وهرب بلعرب بن ~~حمير من نزوى إلى وادي بني غافر، وثبتت بنو حراص في قلعة نزوى وصالح أهل ~~نزوى العجم، فلما تمكنت العجم من نزوى وضعوا عليهم الخراج وعذبوهم بأنواع ~~العذاب؛ وقتلوا الرجال والنساء الكبار والأطفال الصغار وحملوا من النساء من ~~أرادوه؛ وفعلوا في نزوى أفعالا قبيحة وأذاقوهم أليم العذاب؛ حتى قيل أنهم ~~قتلوا من أهل نزوى مقدار عشرة آلاف من النساء والأطفال، ولم يسلم من أهل ~~نزوى إلا من قدر على الهرب وهم قليل، والله المستعان ولسيف ابن سلطان من ~~ذلك النصيب الأوفر من الوزر حي قاد إليهم الأعداء ونسى ما وقع فيهم من ~~آبائه؛ وظن أنهم ينصحون له وهو أعداؤه، وما ينتج رأي السفيه إلا مثل هذه ~~الأفعال القبيحة. # لا تأمنن فتى أسكنت مهجته= ... غيظا وتحسب أن الغيظ قد زالا # إن الأفاعي وإن لانت ملامسها= ... تبدي عطافا وتخفي السم قتالا ms395 # ولم تقدر العجم على القلعة والحصن من نزوى، وخرجوا منها في سادس عشر من ~~الحج ومروا على ازكي فصالحوهم وأدوا لهم الخراج وأقاموا يوما وليلة ومضوا ~~قاصدين إلى الباطنة ودخلوا مسكد في أربعة وعشرين من ذي الحجة واحتووا على ~~البلد وما فيها، ولم يبق سوى الكيتان. PageV02P133 # وأقاموا محاصرين الكيتان إلى يوم خامس من صفر سنة إحدى وخمسين ومائة ~~وألف، وانكسروا ومضوا إلى بركا وصحار، فرد شر سيف عليه جاء ليقهر بهم صديقه ~~الذي يزعم أنه عدوه؛ فطلبوا قهره بنفسه وحاصروا حصونه وهرب هو عنهم في ~~مراكب في البحر حتى نزل ببركا، وخرج الطو وتلقوه أهلها بغزوه وصحبوه إلى ~~نخل، وسار إلى الظاهرة والتقى هو وبلعرب بن حمير بوادي بني غافر ودار نظر ~~من حضر من مشائخ بني غافر وغيرهم أن يستعفوا بلعرب بن حمير عن الإمامة ~~ويرجعوها لسيف بن سلطان رضاء له ودفعا لشره وقطعا للمفسدة العظمى وإنما كان ~~هذا من رؤساء القبائل وشيوخ البلدان دون أهل العلم والفضل، فما بلى أهل ~~عمان هذا البلاء إلا بمخالفة أهل العلم والفضل، فالله يحفظ لنا ديننا ~~ودنيانا وبقية بلادنا. # باب تغلب سيف بن سلطان على الأمر # وذلك أن بلعرب بن حمير استعفى من الإمامة حين رأى ما رأى وطلب منه ذلك من ~~طلب، فتسمى بها سيف بن سلطان، واجتمعوا حين رأوا المكروه من العجم وصاروا ~~يدا واحدة، وانقطع العجم الذين خرجوا إلى حصار مسكد عن أصحابهم الذين ~~ببهلى، وذلك أنهم ساروا من مسكد بعد أن أيسوا منها إلى بركا وصحار، فلما ~~استبطأهم أصحابهم الذين ببهلى وانقطعت عنهم أخبارهم بعثوا منهم نحو مائة ~~فارس ليأتوا إليهم بخبر أصحابهم من مسكد، فمروا على سمائل أول النهار يوم ~~ثامن من شهر صفر، فتلقاهم أهل وادي سمائل وحمير بن منير بقومه، فقتلوا ~~أكثرهم. PageV02P134 # ثم سار حمير بن منير بمن معه من العسكر وأهل ازكي وبنو ريام إلى بهلى يوم ~~تاسع عشر صفر، ودخلوها يوم أحد وعشرين واستولوا عليها؛ واحتصن العجم في ~~الحصن فحاصروهم، ثم خرج منهم ms396 قوم فقتل أكثرهم وبقي من بقى من العجم لم ~~يخرجوا من الحصن خوف القتل إلى أن جاءهم سيف بن سلطان ومن معه فأخرجوهم ~~بسلاحهم ومتاعهم ودوابهم وأوصلهم بأمان، وأصحبهم مبارك بن مسعود الغافري ~~إلى صحار، وكان أحمد بن سعيد البوسعيدي واليا على صحار من قبل سيف بن ~~سلطان، فقيل إن العجم لما وصلوا صحار حبسهم أحمد بن سعيد بصحار حتى مات ~~أكثرهم، وأن ذلك من أول الأمور التي ظهر بها أحمد بن سعيد، وأما العجم ~~الذين انكسروا من مسكد فإنهم ساروا إلى الصير وفيها إخوانهم، وركب منهم ~~أناس إلى بلدانهم وبقيت منهم بقية بالصير ما شاء الله من الزمان، وسار ~~إليهم سيف بن سلطان بجيش عظيم من البر، وسير إليهم المراكب من البحر فلما ~~وصل إلى بلد خت قرب الصير جاءه الخبر أن مركب الملك قد احترق وغرق بمن فيه ~~فعزم على الرجوع فرجع عنهم إلى عمان وبقوا هم بالصير؛ ودانت له جميع حصون ~~عمان، وأدت له الرعية الطاعة فلبث على ذلك، ثم ظهرت منه أحداث لم يرضها ~~المسلمون؛ ولا رضوا مبدأ أمره ولا منتهاه؛ ووضع الخراج على الرعية، واتفقوا ~~على غيره، فنصبوا سلطان بن مرشد على حسب ما يأتي إن شاء الله تعالى. # باب إمامة سلطان بن مرشد بن عدي اليعربي # وهو آخر أئمة اليعاربة فيما انتهى إلينا علمه، بويع له بعد أن استغاثت ~~الرعية من أحوال سيف بن سلطان، فاجتمع ما شاء الله من مشايخ العلم من بهلى ~~ونزوى وازكي ورؤساء القبائل من بني غافر وغيرهم من أهل الظاهرة ووادي سمائل ~~ومشايخ المعاول، فعقدوا له الإمامة بجامع نخل ليلة الحج، أي ليلة عرفة سنة ~~أربع وخمسين ومائة وألف، فاستقام بحمد الله على الحق والعدل، وخلصت له ~~الحصون من سمائل ونخل وازكي وبهلى والشرقية، وسالمته القبائل من الفريقين ~~والحمد لله كثيرا. PageV02P135 # ثم جهز الإمام جيشا إلى الرستاق وسار فيه بنفسه، وكان سيف بن سلطان قد ~~جمع قوما كثيرا من أهل الرستاق وغيرهم خارجا عن البلد نحو ثقاب فلج الميسر ms397 ~~يريد لقاء الإمام، فلما أحس أن لا طاقة له بحرب الإمام انهزم ليلا عن ~~أصحابه وترك بعض المانة من تمر وغيره، فلما وصل الإمام صباح الجمعة آخر ~~شعبان لم يجد سيفا، ودخل الإمام الرستاق، فتلقاه أهلها بالكرامة ودخلها على ~~حال السلامة لما رأوه أهلا للإمامة وآزره أهلها واحتوى على جميع رعاياها، ~~ولم يبق إلا الحصن، فلبث في حصاره سبعين ليلة وافتتحه. وقد كان سيف ترك فيه ~~عبيده ووالدته وبعض عياله. # ثم سار سيف بن سلطان إلى مسكد، وجمع قوما من المطرح ومسكد والسيب وبركا؛ ~~ولبث ببركا؛ فبعث إليه الإمام لعض قومه وأمر عليهم أخاه سيف بن مهنا إلى ~~بركا، فالتقاهم سيف بن سلطان بقومه؛ فاقتتلوا؛ فقتل من قوم الإمام قليل؛ ~~وقتل من أصحاب سيف بن سلطان كثير؛ ولم ينج منهم إلا من انهزم أو ألقى بيده ~~وأذعن الطاعة للإمام. # وأما سيف بن سلطان فإنه انهزم إلى مسكد، ورجع سيف بن مهنا إلى الرستاق ~~منصورا من الخلاق؛ ثم جاءت لسيف بن سلطان ثيبة([1]) من بدو الظاهرة مقدار ~~خمسمائة رجل فيما قيل، فلما وصلوا الحزم طلع هو من مسكد وأقام يجمع قوما من ~~الباطنة، فجاءته عساكر كثيرة من عامر بن ربيعة مرادهم نصرته؛ وكان من قضاء ~~الله وقدره السابق في علمه أن البدو الذين معه اقتتلوا وقتل من عامر بن ~~ربيعة كثير، وانهزم الباقون منهم وبقي من البدو الذين من الظاهرة مع سيف ~~بالحزم يزعمون دخول الرستاق، ثم إنهم لم يجدوا قدرة على ذلك فرجعوا إلى ~~بلدانهم. PageV02P136 # وأما سيف فإنه لما أيس من الناصرين سار إلى مسكد وترك عياله وعبيده ~~محصورين، وذلك قبل فتح حصن الرستاق للإمام، فلما أيس من في الحصن من نصرة ~~سيف لهم أرسلوا يطلبون الصلح من الإمام والأمان ليخرجوا بما عندهم من ~~المتاع؛ فأمنهم الإمام وخرجوا من الحصن بمالهم؛ ودخل الإمام الحصن في اثني ~~عشر من ذي القعدة من هذه السنة وجعل في الحصن واليا ومعه عسكر من جنابه ~~وجعل معهم أخاه سيف بن مهنا، ثم ارتفع منها ms398 بعد خمسة أيام ببقية قومه وحشد ~~قوما من الرستاق ومر إلى نخل وحشد منها ومن رعاياها قوما؛ ثم وصل إلى بدبد ~~وحشد من وادي سمائل ومن ازكي ورعاياها، وسار متوجها إلى مسكد يوم الخميس ~~ثاني ذي الحجة من هذه السنة؛ وقد اجتمع عنده قوم كثير، فلما وسل إلى روي ~~ليلة رابع من هذا الشهر ترك المعقل في روي، فسار بأكثر قومه ليلا إلى مسكد ~~وركض عليهم بقومه على الجبال فأحدروهم من الجبال وجميع المقابض وهزمهم ~~الله، وافتتح الإمام مسكد بجميع مقابضها ومعاقلها وقت الضحى من يومه سوى ~~الكيتان فإنهما بقيا محاربين؛ وأما كوت المطرح فبعث له الإمام بعض القوم في ~~تلك الليلة فأخذوه قهرا وحباه الله من لدنه نصرا. # وركب سيف بن سلطان البحر وبعث له الإمام مراكب في طلبه فيهن بجاد ابن ~~سالم وعسكر من قوم الإمام، فجاءتهم ريح وفرقت المراكب دون خورفكان ورجع ~~بجاد بمن معه. # ثم أن سيفا انكسرت من مراكبه بعض دقالته وأجرى أخشابا توصله إلى خورفكان ~~ونزل بها ومعه قدر ثمانية أنفس على خيل قاصدين العجم، فقيل أنه لما علمت ~~العجم بوصوله أتاه قوم منهم على خيل وأخذوه وساروا به إلى الصير؛ وبقي ~~المركب في خورفكان، فأخذه أحمد ابن سعيد وكاتب سيف بن سلطان أهل شيراز ~~ليأتوه بقوم، فجاءوا إلى عمان ونزلوا بصحار وهم مقدار عشرين ألفا فيما قيل ~~والله أعلم. PageV02P137 # فعلم بذلك أحمد بن سعيد وهو يومئذ في بلد العوابي؛ ونزلت العجم حول حصن ~~صحار وحاصروه حصارا شديدا حتى كاد الحصن أن يتهدم من شدة ضربهم إياه ~~بالمدافع، حتى قيل أن رصاصة المدفع وزن ثلاثة أمنان؛ فحاصروه وبنوا فيها ~~بنيانا قويا، وكان الإمام محاصر الكيتان وفيهن عبيد سيف بن سلطان؛ فأرسل ~~الإمام أخاه سيف بن مهنا إلى وادي سمائل والظاهرة، فأخذ منهم قدر خمسمائة ~~رجل أو أكثر فوق من معه وساروا إلى صحار، ووقع الحر بينهم ليلا ونهارا، ~~وقيل أن في يوم واحد ضربت العجم ألفا واثنتي عشر ضربة مدفع، فعلم الإمام ~~بذلك فسار ms399 هو وأخوه سيف بن مهنا إلى الظاهرة، فحشدوا منها من بدو وحضر. # وها هنا انقطعت السيرة التي تأخذ عنها هذه القصة ولم تجد تمامها إلا من ~~كلام الشاعر ابن رزيق - قال لبن رزيق في شرحه لبائيته التي في السير، كان ~~عدد العجم المحيطين بصحار ستين ألفا وقيل خمسين ألفا وعدد مراكبهم خمسمائة ~~سفينة وقيل بل أكثر من ذلك. # قال ومضت سرية من العجم عراة إلى وادي المعاول فبلغوا دون مسلمات فكسرهم ~~المعاول ومضت منهم سرية إلى قريات فقتلوا منها خلقا كثيرا وأسروا نساء ~~وصبيانا فبعثوا بهم إلى شيراز فبيعوا بيع العبيد ومضت منهم سرية كثيرة ~~العدد إلى مسقط فواقعهم سيف بن مهنا اليعربي في سيح الحرمل وكان سيف بن ~~مهنا يومئذ هو القابض لمسقط والمطرح من قبل الإمام سلطان بن مرشد، فوقعت ~~بينهم ملحمة عظيمة، فانكسرت العجم إلى روي. # ثم أتوا في اليوم الثاني فقاتلهم سيف بمن بقي من العرب فقتل هو وقتل معه ~~من اليعاربة ثلاثون رجلا ومن سائر قومه خلق؛ فكان عدد قتلى العرب ثمانين ~~رجلا؛ وقتل من العجم خلق كثير؛ ومضت العجم إلى مسقط فوثبوا على الكوتين ~~فنصبوا عليهما السلالم فانكسروا ثم أتتهم زيادة من أصحابهم المحيطين بصحار ~~فوثبوا عليها فأخذوها وعسكروا بمسقط. PageV02P138 # قال: ولما وصل الإمام سلطان بن مرشد الخابورة وكان قد جمع قوما كثيرا من ~~الظاهرة والرستاق بلغه أن العجم بعثوا شرذمة منهم إلى القصير وصحم؛ وأن أهل ~~البلدين قد خرجوا إليهم وهم مشتغلون بالسلب والنهب فوضعوا فيهم السيف ~~فكشفوهم وقتلوا أكثرهم فلم يرجع منهم إلى صحار إلا القليل، قال وأمر خان ~~العجم أشجع فرسانه بالغارة على صحم والقصير، فصادفهم الإمام سلطان ومن معه ~~من القوم دونهما فكشفوهم وقتلوا من فرسان العجم رجالا كثيرة. # ثم سار الإمام بمن معه إلى مناجزة العجم الذين بصحار وكانوا قد تهيئوا ~~لهم وعبؤا صفوفهم؛ فالتحم القتال بين الصفين؛ وكانت وقعة عظيمة وكان جيش ~~العرب عند جيش العجم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود؛ وقتل أمير من العجم ~~يقال له كلب ms400 علي، وقتل من خواصهم خلق كثير، وقتل من العرب مهنا بن سلطان ~~وثلاثون رجلا من اليعاربة وكثير من سائر القوم، حتى أنه لم يبق منهم إلا ~~القليل كذا قال؛ ومهنا بن سلطان لم يسبق له ذكر في القصة؛ وإنما سبق ذكر ~~لأخي الإمام من أمه سيف بن مهنا وهو الذي سار معه للحشد من الظاهرة. # قال وأصابت الإمام سلطان بن مرشد جراحات من سيوف العجم ورماحهم فلما ~~أثخنته الجراحات دخل الحصن عند أحمد بن سعيد السعيدي فلبث في الحصن ثلاثة ~~أيام، وقيل يوما واحدا ثم توفي غفر الله له وللمسلمين المجاهدين معه في الدين. PageV02P139 # قال وكان سيف بن سلطان يومئذ الحزم؛ وقد استرسل عليه البطن فلما بلغه قتل ~~الإمام سلطان بن مرشد حزن عليه حزنا شديدا، قال ولم يلبث إلا أياما قلائل ~~إلى أن مات، قال ولم تزل الحرب قائمة على ساقها بين أحمد بن سعيد والعجم ~~فلما رأت العجم شدة ذلك ضعفت عزيمتهم وكاعت نفوسهم وطلبوا السلامة والنجاة ~~فصالح أميرهم أحمد بن سعيد على الارتحال بما معهم فأجابهم إلى ذلك وأدخل ~~أميرهم الحصن ومعه عشرة رجال من خاصته للكرامة فقدم لهم الطعام، فلما أكلوا ~~وشربوا قال أميرهم لأحمد بن سعيد وسع لأصحابنا الذين بمسقط يحملوا ما بقي ~~معهم من آلة الحرب وغيرها كما وسعت لنا، وعبرهم في خشب إلى بندر عباس فقال ~~أحمد بن سعيد إن شاء الله ولم يزد على ذلك كلمة. PageV02P140 # وخرج أمير العجم ولم يمكث بصحار إلا يومين فركبوا سفائنهم ومضوا إلى بندر ~~العباس، وبعد ما رحل العجم من صحار سار أحمد بن سعيد إلى بركا ومعه من ~~القوم ألفان، فلما وصل استخلص حصنها بغير حرب وكان حصنها يومئذ بيد المعاول ~~وأهل حبرى، ثم رجع إلى صحار فكتب إلى واليه الذي تركه في بركا وهو خلفان بن ~~محمد السعيدي المعروف بالمحل أن ينصب قبابين في بركا لوزن الأمتعة التي ~~تجلب من الهند وعمان وتباع بالوزن كما كان ذلك في أيام دولة سيف بن سلطان ~~بمسقط ففعل ms401 خلفان بن محمد ذلك فاستقامت سوق شريفة في بركا وسارت إليها ~~الخشاب والركاب كما كانت تسير إلى مسقط والمطرح، وكثرت فيها التجار وانتهى ~~إليها وفود عمان والظاهرة للبيع والشراء وحملوا ما يحتاجون إليه منها ~~فانقطعت المادة عن العجم القابضين بمسقط والمطرح، وضجروا بمقامهم وانقطاع ~~المواد عنهم وارتحال أصحابهم من صحار، وزاد عليهم الخوف لما بلغهم عن سيف ~~بن سلطان أنه مات فبعثوا رسولا منهم إلى الحزم أن يجيء إليهم رجل من ~~اليعاربة وهو أقرب نسبا إلى سيف بن سلطان، فلما بلغ أهل الحزم رسول العجم ~~بعثوا رجلا من أرحام سيف بن سلطان يسمى ماجد بن سلطان، فلما بلغهم أمروه ~~بالمسير إلى شيراز وكتبوا كتبا إلى الشاه يخبرونه فيه بموت سيف بن سلطان، ~~وأن الواصل إليه هو أقرب رحما إليه وأنهم بقوا في مسقط والمطرح في أضيق ~~حصار، وقد قطعت عنهم العرب المادة وقالوا لما لماجد أظهر الطاعة للشاه وجدد ~~العهد بينك وبينه، فإنه إن كتب لنا بتخليص ما بأيدينا من معاقل مسقط ~~والمطرح لخلصناهن لك، فأجابهم ماجد إلى ذلك فمضى على سفينة صغيرة إلى بندر ~~العباس، ثم ارتفع إلى شيراز فلما واجه الشاه وأعطاه الكتاب الذي أعطته ~~أصحابه للقابضون معاقل مسقط والمطرح وقرأه وأقامه في دار الضيافة ثلاثة ~~أيام، ثم كتب له لأصحابه بتخليص ما بأيديهم من المعاقل إليه، فلما رجع ~~أصحاب السفينة التي ركبها الطوفان فقذفها إلى صحار فمضى إلى أحمد ~~PageV02P141 بن سعيد في حصن صحار وأخذ منه خط الشاه إلى أصحابه بتخليص ~~معاقل مسقط والمطرح، وأمر خميس بن سالم البوسعيدي أن يمضي بكتاب الشاه إلى ~~مسقط ويقبض معاقل مسقط، فمضى خميس بن سالم ومعه أربعمائة رجل من قوم أحمد ~~بن سعيد، فلما وصلهم وألقى إليهم الكتاب ظنوا أنه رجل من جماعة ماجد بن ~~سلطان، وقد بعثه ماجد إليهم فسلموا له المعاقل كلها فترك فيها خميس بن سالم ~~أصحاب أحمد بن سعيد الذين أتى بهم من صحار، قال فكان انتقال ملك اليعاربة ~~إلى أحمد بن سعيد سنة أربع وخمسين ms402 ومائة وألف، وقيل سنة ست وخمسين ومائة وألف. # قال وكتب خميس بن سالم إلى أحمد بن سعيد بقبض معاقل مسقط والمطرح من ~~العجم فلما قرأ الكتاب مضى إلى بركا، وكتب إلى خميس بن سالم أن يأتيه ~~بالعجم إلى بركا، وبعث إليه بألفي رجل من رعية صحار وبركا ليتركهم في معاقل ~~مسقط والمطرح ففعل خميس ما أمره به، ولما وصل إلى بركا ومعه العجم ضربوا ~~خيامهم بالقرحة وبعث إليهم أحمد بن سعيد الضيافة ولخيلهم بالطعام. # قال أخبرني أبي محمد بن رزيق عن أبيه جدي رزيق بن بخيت بن سعيد بن غسان ~~والشيخ معروف بن سالم الصايغي والشيخ خاطر بن حميد البداعي والشيخ محسن ~~العجمي القصاب، وقد دخل كلام بعضهم في بعض. # قالوا لما رجع العجم من مسقط إلى بركا في صحبة خميس بن سالم السعيدي ~~وفيها يومئذ أحمد بن سعيد ضربوا خيامهم في القرحة فما يمر أحد على حلة من ~~حلل بركا إلا رأى فيها قدورا تفور بالطعام ضيافة للعجم من أحمد بن سعيد ولا ~~يمر أحد بحلا، وفي بركا ألا يصنع بأمر أحمد بن سعيد حلوى للعجم ولا يمر أحد ~~على زراع إلا يجز زرعه بأمر أحمد بن سيف لخيول العجم، وما بات أحد يدعى أن ~~له فلسا على أحمد بن سعيد فضلا عن الدراهم. PageV02P142 # قالوا وكلام الناس على حدة أن العجم لا يستحقون هذا وإنما يستحقون أن ~~تضرب أعناقهم بالسيف، قالوا وبعد ما خيم العجم ببركا ثلاثة أيام خرجت موائد ~~كثيرة للعجم في صواني رحبة، ودخل أكابرهم الحصن مع رسول أحمد ابن سعيد وعدد ~~من دخل الحصن من أكابرهم خمسون رجلا فما كان بعد دخولهم الحصن إلا ساعة من ~~النهار حتى ضرب طبل في الحصن ومعه مناد ينادي ألا من له وتر في العجم ~~فليأخذه منهم. # قال فما استتم كلامه إلا والصائح على العجم يصيح من كل مكان فخرج الصغير ~~عليهم خلف الكبير من أهل بركا ومن انضاف إليهم من سائر البلدان فوضعوا فيهم ~~السيف ففشا القتل فيهم وما ms403 بقى منهم إلا قدر مائتي رجل يصيحون الأمان ~~الأمان يا أحمد، فلما بلغ أحمد كلامهم نادى المنادي من الحصن ارفعوا عنهم ~~السيف فرفع عنهم السيف، قالوا وأما أكابرهم الذين دخلوا الحصن فإنهم قتلوا جميعا. # قلت: ولعل إكرامهم الأول سياسة يحاول بها القبض على الخمسين المذكورين ~~ليتمكن من قتلهم، ولا يقال أنه قتلهم في أمان فإنه لم يذكر في سياق القصة ~~كلمة تدل على التأمين والحرب خدعة. # قالوا ثم أن أحمد بن سعيد أمر بتعبير من بقي من العجم في سفن أهل بركا ~~إلى بندر عباس فلما بلغوا بهم حذا جبل السوادي خرقوا بهم السفن وسبح أهل ~~بركا إلى البر وهلك العجم كافة بالغرق. # قالوا ثم أن أحمد بن سعيد أمر على خميس بن سالم السعيدي برجوعه إلى مسقط ~~وأمر أن يصحبه كل من كان يسكن مسقط ومطرح، وكانوا جميعا قد هربوا خوفا من ~~العجم، فلما وصل خميس ومن معه لم يعرف أهل مسقط حدود بيوت حللها الخارجة من ~~السور لخرابها بمرابط خيل العجم وروثها فاقتتلوا فكان عدد قتلاهم ستين ~~رجلا، ثم قسم بينهم خميس بن سالم تلك الأمكنة بالتحري وبارأ بينهم في ~~الدماء فصارت مسقط والمطرح في عمار بعد الخراب. PageV02P143 # ثم مضى أحمد بن سعيد إلى الرستاق ففتحها ومضى إلى سمائل فاستخلصها بغير ~~حرب، ومضى إلى ازكي فأذعنت له فقبض حصنها بغير نزاع، ثم مضى إلى نزوى فسلمت ~~له، ثم مضى إلى بهلى فأطاعته وقبض حصنها، وأتاه سليمان بن محمد بن عدي ~~اليعربي من سمد الشأن، وكان سليمان بن محمد واليا للإمام سلطان بن مرشد ~~أيام حياته، فسلم محمد له الحصن فقبضه أحمد بن سعيد وأنعم عليه بحصن نخل ~~وتعاهدوا أن لا يخون أحدهما صاحبه. # قال ابن رزيق فهذا سبب انتقال ملك اليعاربة إلى أحمد بن سعيد قال وما بقي ~~لأحمد بن سعيد منازع من اليعاربة إلا بعد مدة طويلة قام عليه بلعرب بن حمير ~~اليعربي، وقتل في وقعة فرق وهي وقعة شديدة كانت بينه وبين أحمد بن سعيد، ~~فكان ms404 النصر لأحمد بن سعيد وقتل بلعرب وقتل من قومه خلق كثير. # قال وكان بين هذه الوقعة والوقعة التي بالطيب من الظاهرة من المدة اثنتا ~~عشرة سنة، قال وهي حرب جرت بين أحمد بن سعيد وبين ناصر بن محمد بن ناصر ~~الغافري، وكان النصر فيها لناصر بن محمد، قال وقتل من قوم أحمد بن سعيد ~~اثنا عشر ألفا، هذا من كلام ابن رزيق إلا ما كان من إصلاح في لفظه، وحذف ~~لبعضه لأجل إصلاح التركيب، ولم نجده مأثورا عن غيره فالله اعلم بصحته. ولا ~~يرضون الكذب وإنما نخاف التساهل في النقل فقد رأينا بعض الناس يأخذ الأخبار ~~من لسان العامة ثقة بهم، ولسنا مما يثق بالعامة فإن غالبهم ليس ضابطا ~~وأكثرهم لا يحسن النقل. والله أعلم بحقيقة الأمر. # ---------------------------------------------------------------------- ~~---------- # [1] - تكرر هذا اللفظ، وقد سبق أن صححناه بكثيبة وهو المراد، وكنا نظن ~~أنه تصحيف من الناسخ فإذا هي لغة عمانية، فلينتبه. مصححه. # باب إمامة بلعرب بن حمير PageV02P144 مرة أخرى على معنى ما يقتضيه كلام ~~بعض المؤرخين، فإن سياق التواريخ يقتضي أنه بويع له مرتين: مرة قبل سلطان ~~بن مرشد وذلك في سنة خمس وأربعين، ثن استعفى عن هذه الإمامة وترك الأمر ~~لسيف بن سلطان حين خافوا على عمان من العجم بافتراق سيف وبلعرب على حسب ما ~~مر، والمرة الثانية بعد ذلك ولم أقف لها على تاريخ غير أن في كلام بعضهم ما ~~يدل على أنه كان ذلك في آخر عمر سيف بن سلطان قبل موته، وفي كلام حبيب بن ~~سالم ما يقتضي أنه بويع له على الدفاع، وحكم هو ومن معه من المشايخ بتفريق ~~أموال سيف بن سلطان لاستغراقها في الجنايات والمظالم. # قال ذو الغبراء - خميس بن راشد - وقد ذكر الشيخ حبيب بن سالم قال وهو ~~الذي حضر مع الإمام بلعرب بن حمير، وكثير من العلماء بحضرتهما فحكموا ~~باستهلاك مال سيف بن سلطان بإتيانه العجم بعمان فسفكوا فيها الدماء وسبوا ~~النساء ونهبوا الأموال. PageV02P145 # قال وأما الشيخ سعيد بن بشير الصبحي، فقد مات قبل ms405 دخول العجم بعمان، وذكر ~~في التغريق كتبا تاريخ بعضها ثامن ذي القعدة سنة سبع وخمسين ومائة وألف، ~~وبعضها في أول المحرم من سنة ستين ومائة وألف، منها كتاب فيه نصيحة من ~~مشايخ بني خروص للإمام ومن معه من العلماء قالوا فيه بعد البسملة والثناء: ~~طرقت إلينا من جانبكم الشريف العالي المنيف إشارات لائحة وبراهين واضحة ~~تشير إلى الحكومة بأملاك السيد سيف بن سلطان اليعربي يسلك بها سبيل أموال ~~بني نبهان، فذلك قول من أقوال المسلمين ورأي موافق مبين، ولا مطعن فيه إلى ~~من طعن، ولكن هل لكم يا ساداتنا ومشائخنا أن تأخذوا بالقول الآخر وتتأخروا ~~عن هذا المال جهدا وتعرضوا عنه كرما وزهدا، والله أولى بسيف وماله وهو ~~المناقش عن أخذه ومآله وحسبكم الله في الظالمين فإن الله سطوات ونقمات، وقد ~~قال الله في كتابه العزيز " ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون " وليس ~~هذا منا اعتراضا على المشايخ العلماء والسادة الحكماء الذين لهم في العلم ~~والزهد الدرجة العليا والشرف الأسمى، ولكننا لما نجد لكم في قلوبنا من ~~المودة وجميل الصحبة فاعذروا وسامحوا واغسلوا دون غيظكم بفيض منكم وفضلكم ~~والأصل كل الأمر لله وما كان وما يكون فبقضاء سابق من الله ألا له الحكم ~~وإليه ترجعون، وعليكم وكالة ذويكم منا السلام جزيلا يتجدد بكرة وأصيلا، ~~وذلكم من أفقر عبيد الله وأحوجهم إلى رحمة الله أصفيائكم المحبين للحق ~~وأهله؛ محمد ابن خميس بن مبارك. ومن شاء الله من رجال بني خروص، وكاتب ~~الأحرف الواثق بالله عبده سعيد بن محمد بن راشد بن محمد، ومهما سنح لكم من ~~أرب فالمحبون مستقيمون لما يبدو. # تاريخ الكتاب يوم السبت لتسع خلون من شهر المحرم سنة ستين ومائة وألف ~~هجرية إسلامية. # فأجابهم الإمام بما نصه: PageV02P146 # بسم الله الرحمن الرحيم؛ من إمام المسلمين بلعرب بن حمير بن سلطان ~~اليعربي إلى المشايخ المحبين محمد بن خميس وسعيد بن محمد بني خروص سلمهما ~~الله تعلى؛ وكتابكم الشريف وصل وسرنا حال سلامتكم وذكرتم في التغاضي ~~والإغفال والإعراض عما خلفه ms406 سيف بن سلطان بن سيف اليعربي ما لم تقم الحجة ~~وتنزل البلية؛ فنحن قد تغافلنا وأعرضنا وتغاضينا وقد مات سيف هذا من سنين ~~حتى قامت الحجة ونزلت البلية بأن احتسب من احتسب من المسلمين للمظلومين في ~~مالهم حقوقا وتبعات ومظالم من دماء وفروج وعقور وسبي ذراري وتملك أحرار. # وقامت البينة العادلة التي لا شك ولا ريب بعدالتها وثقتها على صحة هذه ~~المظالم ومع ذلك تؤديها الشهرة القاضية التي لا شك فيها ولا ارتياب لما ~~فعله سيف هذا وقادة من الجيوش الضالة المضلة وبما كان منه من الدلالة على ~~عباد الله بالظلم والطغيان والجور حتى أن المجانين والصبيان يتكلمون بصحة ~~ذلك؛ فما ظنكم بذي عقل؟ وما حكمنا إلا بعد هذه الحجة وأن أموال سيف هذا لا ~~تقسط على أهل الحقوق إذ لا تعرف كم هي وإن ماله لا يفي بها؛ فرأينا إذا ~~قامت علينا الحجة؛ إذ لا يسعنا إلا القيام بذلك وإنفاذ حجة الله على القريب ~~والبعيد والقوي والضعيف والدنيء والشريف؛ وهذا قول الله ناطق " يا أيها ~~الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا ~~تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ". PageV02P147 # وقد قال الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ~~ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى ~~بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلوا أو تعرضوا فإن الله كان بما ~~تعملون خبيرا " فعلمنا أن لا محيد لنا إلا القيام بالحق والتكلم بالصدق؛ ~~وقد قال الله تعالى " وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم " " ~~ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " والظالمون والفاسقون؛ ثلاث ~~آيات يعرفهن من هداه الله البيان وسلك به طريق الرضوان. # وقد قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم " إنا أنزلنا إليك ~~الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ". # والله الله أحباءنا عن التكلم بمدادة ms407 ذلك؛ محجور في دين الله علينا ~~وعليكم؛ والتكلم بالحق أولى؛ واحذر من رضى المخلوقين ورضى الناس غاية لا ~~تدرك؛ ونحن قد دخلنا في ذلك بنظر المسلمين ولم ندخل فيه بهوى ولا ارتدينا ~~فيه برداء العمى؛ فأعجب المسلمين ذلك وسجلوا على صحته وحكمنا به وحكموا به؛ ~~والله قد أمضى ذلك وحكم به؛ ونحن بالله معتصمون وعليه متوكلون وهو حسبنا ~~ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير؛ ولم نخف في الله في هذا ولا غيره لومة ~~لائم ولا سطوة مخلوق؛ والله يكف بأس الذين كفروا؛ والله أشد بأسا وأشد ~~تنكيلا، وليس على الله بعزيز أن يوفقنا وإياكم على سلوك مرضاته التي سلكها ~~نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين ~~يبدلونه إن الله سميع عليم وماذا بعد الحق إلا الضلال والسلام عليكم ورحمة ~~الله وبركاته. # كتبه الإمام بيده حامدا لله وحده ومصليا على خير خلقه محمد صلى الله عليه ~~وسلم بتاريخ عاشر المحرم سنة ستين ومائة وألف هجرة نبوية إسلامية. # ذكر الأحداث التي ذكرها حبيب بن سالم....... # ذكر الأحداث التي ذكرها حبيب بن سالم # في سيرته للإمام بلعرب بن حمير وخلعه بها من الإمامة PageV02P148 من تلك ~~الأحداث قتل بحاد بن سالم؛ قال له قتلته محقا قد فعل الحق؛ وقال الصدق ~~بخلعه إياك جوعا وعطشا؛ وطمرته في طمورة مقيدا مقطورا مدفونا عليه؛ وفعلت ~~به فعل الجبارين كما قال الله تعالى " وإذا بطشتم بطشتم جبارين " قال وأنت ~~لو رجعت إلى نفسك وعقلك لعرفت أنه على الحق وأنك على الباطل وتعلم أن قتلك ~~له رضى لمن أمسك من الجبارين لينصروك ويعصبوك، قال فهذا أمر أقبح الفعال ~~ولا نصرة منهم لك حاشا لله أن ينصرك بأعداء الله يا عدو الله؛ قال وأنكرت ~~عليه أفعاله الحسنة إذ أنه حرب للبداة قطاعة الطرق المفسدين في الأرض؛ وأنت ~~لهم سلم تعطيهم مال الله وتظلم لهم العباد وتعطيهم إياه. # ومنها سجن صالح بن ربيعة؛ قال: سجنته ظلما وعدوانا بعلم مني يقين أنه ~~أنكر عليك ms408 الباطل فحبسته على إنكاره الباطل عليك؛ قال وقد أنكرت عليك أنا ~~بنفسي الذي أنكره باستعمالك الخونة في واديهم لقبض زكواتهم؛ قال وما حبسك ~~إلا حبس طغاة متجبرين أدخلته ضيق السجن مقيدا مقطورا؛ قال وكذلك سجنك للشيخ ~~محمد بن سالم الندابي، سجنته ظلما بعد أن أعطيته الأمان؛ قال وما سجنته إلا ~~بإنكاره عليك العامل الذي ببلدهم، وليس لسجنك طائل تتعاطى فيه علم الغيب؛ ~~ولم تقبل منهم صدقا ولا عدلا؛ ولا من المتوسلين لهم إليك، قال فهذا فعل ~~الجبارين فالله يحكم بيننا وبينك " يوم لا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو ~~جاز من والده شيئا " قال وكم مسجون في سجنك مظلوم سجنتهم على ما تهوى نفسك ~~ورضى لمن تحب. PageV02P149 # ومنها قتل عامر بن سليمان بن بلعرب الريامي؛ قال قتلته في مطمرك فيما ~~بلغنا عنك جوعا وعطشا قال وبلغنا من أفعالك القبيحة فيه أنكم تجوعونه ~~وتعطشونه أياما ثم تأتون إليه بالماء وهو على شدة العطش؛ فيشربه عطشانا ~~جائعا فيسرع إليه الموت. قال ما سمعنا بهذا فعل جبار قبلك؛ فيا ويلك من حر ~~عطش النار وجوعها قال وقد صح معنا أنك حبست الشيخ خميس بن محمد بن مبارك ~~البوسعيدي وقيدته؛ إذ أن الشيخ احمد بن سعيد حبس محبك سعيد بن ناصر البحري ~~وضيقت على الشيخ خميس هذا في سجنه وقيده ضيقا عظيما معاقبة بحبس سعيد بن ~~ناصر، وأن المعاقبة في القبيلة لا تجوز فيما عرفنا، ولا نعلم في ذلك خلافا ~~بين أهل العلم، وقد أجازها من أجازها من أهل العلم في المال دون النفوس، ~~وقد منعتهم المباح في سجنك ومنعتني الطعام والشراب في سجنك وعذبتني ضربا ~~وأخذت مالي غصبا، فيا ويلك من عذاب الله ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى ~~يغيروا ما بأنفسهم ) فمن أين يخل لك أخذ مالي؟ وأنت قد صح عندك خلع ~~المسلمين لك، تنادي في الأشهاد بلسانك انك قد خلعت، وقبل ذلك قد أبلغك ثقات ~~المسلمين، وقد عذبتني على ذلك عذبك الله بناره، وأنت تعلم هجرة خلع ~~المسلمين أنها ms409 قبل تصرفك في بيعك في مال الله، ويومئذ لا تصرف لك خلع ~~المسلمين لك جائز صحيح بقلة الحماية منك لهم وعن حريمهم ويضعفك الذب عنهم، ~~وأنت تعلم أنك أمام دفاع؛ وجائز أمام الدفاع للمسلمين أن يخلعوا أما الدفاع ~~بذلك، فكيف وأحداثك شاهرة ظاهرة ما فعلت بمن كان في سجنك وبنوليتك المفسدين ~~على عباد الله في البلاد. # ومنها تزكي عباد الله بلا حماية وتولي على قبضها الخونة المفسدين، وتأخذ ~~الخراج على غير الحقيقة، وتسلكه على غير الطريقة وتضيعه، ومال الله في ~~البغاة قطاعة الطريق المفسدين في الأرض سفاك دماء المسلمين. PageV02P150 # قال وقد صح عندنا جباتك يأخذونها من حيث لا تجب عليه، وقد نصحناك فأبيت ~~إلا ما تهوى نفسك وهذا ظلم، وقد قال الله عز وجل ( ولا ينال عهدي الظالمين ~~) قال وإنك حللت دماءنا بخلعنا لك، ونحن قد فعلنا الحق وقلنا الصدق، وأمام ~~الدفاع يخلعه الواحد من المسلمين في بعض القول؛ فكيف وقد خلعتك جماعة ~~المسلمين؛ فأين عنك ذكر الوقوف بين يدي الله عز وجل؛ وأين عنك ذكر مناقشة ~~الله في مائهم وأموالهم. # فاتق الله يا بلعرب بن حمير ولا تتسم بالإمامة؛ ولا تقل إنك على ~~الاستقامة فتكذب على الله. # قال ومن أحداثك أنك متعود الكذب وتنقض العهود، ولا تعاهد فتفي؛ ولا عهد ~~لك ولا وفاء؛ فمن أين لك الإمامة ولا تحصى أحداثك ولا تكن قائدا للبغاة ولا ~~تسعى في الأرض بالفساد ولا تعاضد المفسدين في دماء المسلمين، واتق الله ولا ~~تماد عاصيا، واحذر أن تكون قائدا للبغاة؛ قال ويكفيك ما احتطبته على عنقك ~~أن تعذب به وإنك غير إمام يعرفك الخاص والعام. قال فاعلم علما يقينا إني ~~خالعك والشيخ سالم بن راشد البهلوي والشيخ راشد بن سعيد الجهضمي والشيخ ~~محمد بن ناصر الحراصي والشيخ محمد بن عامر والشيخ محمد بن خلف والشيخ غانم ~~ابن عامر والشيخ بحاد بن سالم ومن بقلبه إيمان الله؛ ولم يتمسك بإمامتك إلا ~~الجاهل مثلك والسلام على من اتبع الهدى وخشي عواقب الردى ونهى النفس عن ~~الهوى ms410 من خادم العلم وأهله حبيب بن سالم بن سعيد بن محمد بن خلف بن محمد ~~أمبو سعيدي العقري النزوي؛ وكتبه بأمره عبدالله بن ناصر بن سليمان بيده، ~~وتاريخها يوم سبع وعشرين والجمعة من شهر شعبان من شهور سنة إحدى وستين ~~ومائة وألف من الهجرة. # وقال ذو الغبراء قد عمل بلعرب بن حمير برايه في طمره للمسلمين وقتله ~~لبجاد ابن سالم الغافري والشيخ عامر بن سليمان الريامي، فضعف أمره واجتمع ~~عليه بنو غافر ولزموه بالحيل وأخرجوه من ملكه وأقام بفلج البزيلي. # ذكر مقتل بلعرب بن حمير PageV02P151 وكان قتله بعد أن خلع من الإمامة ~~بسنيات، خرج عليه أحمد بن سعيد البوسعيدي، وذلك بعد أن استولى على حصون ~~الباطنة وما حولها، وخرج إلى نزوى وذكر بعضهم أن أحمد التقى ببلعرب بن ~~حمير، وأنه قال له أنت إمام فوق إمام كيف هذا فقال بلعرب أن سيفا غير ~~السيرة وخالف الجماعة وسد باب الطاعة، واختار المسلمون إماما غيره فلذلك ~~عزلوه، ثم اختاروني وعقدوا لي الإمامة، قال فقاتله أحمد بن سعيد برؤوس ~~القبائل فقتل بلعرب بن حمير بفرق وخلصت نزوى لأحمد بن سعيد، وذلك في سنة ~~سبع وستين ومائة وألف، كذا ذكر بعضهم وهو مخالف كلام ابن رزيق المتقدم ~~والله أعلم. # باب انتقال الدولة من أيدي اليعاربة إلى أيدي آل بو سعيد # وهم ملوك العصر والله يؤتي الملك من يشاء والأيام دول ولا تبقى الدنيا ~~على حال، ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فلما غيرت اليعاربة ~~سيرة السلف الصالح وظنوا بغباوتهم أن الدولة ميراث وتكالبوا على الملك أذهب ~~الله ذلك من أيديهم وجعله إلى غيرهم. # وأول هذه الدولة أحمد بن سعيد بن أحمد بن محمد البوسعيدي وهو أبو ملوك ~~العصر، قيل أنه كان صبيا صغيرا في ( أدم ) فلقيه الشيخ خلف بن سنان، وكان ~~من أهل الكشف فوضع يده على رأسه وقال له اتق الله في الرعية فنشأ الغلام ~~وشب، ولما بلغ أشده استعمله سيف بن سلطان فوجد منه الكفاية، ثم ولاه على ~~صحار ms411 فوجد منه كفاية لم يجدها من غيره فجعله سيف دولته وموضع شوكته وصولته، ~~فوض إليه الأمور كلها. PageV02P152 # وكان أهل نزوى قد عقدوا الإمامة بعد سلطان بن مرشد على بلعرب بن حمير ابن ~~سلطان فلبث بعد هذه البيعة أشهرا، وبعث سيف بن سلطان عامله أحمد بن سعيد ~~ليخلص له حصون عمان ويقاوم بلعرب بن حمير فخلص الحصون وانتهى إلى نزوى ~~وفيها بلعرب فقال له أحمد أنت إمام فوق إمام كيف هذا؟ فقال بلعرب أن سيفا ~~غير السيرة وخالف الجماعة وسد باب الطاعة واختار المسلمون إماما غيره فلذلك ~~عزلوه ثم اختاروني وعقدوا لي الإمامة فقاتله أحمد بن سعيد برؤوس القبائل ~~فقتل بلعرب بن حمير بفرق وخلصت نزوى وعقدوا الإمامة عند ذلك لأحمد بن سعيد ~~البوسعيدي، كذا وجدته في سيرة متقطعة من أولها ولا تخلو من تخليط، والصحيح ~~الذي يشهد له ظاهر الحال. PageV02P153 # وما ذكره ابن رزيق أن سيف ابن سلطان كان قد مات قبل قتل بلعرب وأن أحمد ~~بن سعيد قد تغلب على حصون الباطنة وما حولها بعد موت سيف، وأن سيفا كان قد ~~جعله في صحار وتغلب على صحار في حياة سيف وأنه كان قد انضم إلى طاعة سلطان ~~بن مرشد، فلهذا أحاطت العجم بصحار وفيها أحمد بن سعيد، وذلك في حياة سيف ~~واستولى عليها وأخذ مركب سيف في حياته، وخرج سلطان بن مرشد لكشف العجم من ~~صحار ودخل بعد الجراح في الحصن عند أحمد بن سعيد، ومات عنده ثم مات سيف بن ~~سلطان بعد ذلك بيسير واستقل أحمد بحرب العجم ونصره الله عليهم في مواطن ~~تقدم ذكرها في كلام ابن رزيق وخلصت له حصون الباطنة واستقل بها، وسار إلى ~~بلعرب وهو إمام على نزوى وما حولها، وكان قد خذله أصحابه وخلعوه فقاتله ~~فنصر عليه وقتل بلعرب وعقدت الإمامة على أحمد بن سعيد والعاقد له حبيب ابن ~~سالم الأمبوسعيدي العقري النزوى وابن عريق، وذلك في سنة سبع وستين ومائة ~~وألف، ولم ير أبو نبهان وولده ناصر وغيرهما من الأفاضل صحة إمامته ms412 لأن ~~بيعته كانت على غير مشورة من المسلمين ولأنه كان عقدا مشكلا لأنه كان بعد ~~التغلب على ملكهم ولأن حبيبا وابن عريق ليسا مما يلزم المسلمين عقده لا ~~سيما وقد كان عقدا بعد فتنة وتغلب على الأمر، وخاطبه الشيخ سعيد بن أحمد ~~الكندي بالإمامة وأطلقها عليه عامة الناس. # قال أبو نبهان: الخطاب بالإمامة يحتمل وجوها؛ وقال ناصر بن أبي نبهان أن ~~السلطان الذي يسمونه الإمام أحمد بن سعيد جيش ثلاثين ألفا إلى الظاهرة قال ~~وخرج لهم مقدار سبعين رجلا وكسروا الجيش كله، قال ومات كثير منهم بالجوع ~~والعطش بعد أن ولوا الأدبار، قال وكثير منهم لم يتمكن في الهزيمة أن يستريح ~~مقدار ربع ساعة ولذلك ماتوا. PageV02P154 # قال وحكى لي الشيخ محمد بن عامر الكندي أن الشيخ العالم سعيد بن أحمد ~~الكندي والشيخ العالم([1]) العدوي مرا على امرأة متورعة قد بلغت في السن ~~وصارت قليلة الصحة، فقالت للشيخين أسار الجيش؟ قالا لها نعم قالت كم من ~~سائر فيه وهو في الحكم غير سائر معهم، وكم من واقف في بيته وفي الحكم هو ~~سائر معهم. قال ناصر أرادت كم من مجبور غير راض بذلك ولا يدخل في الباطل ~~معهم فليس هو معهم ولا منهم في الحكم لا يشاركهم في الإثم، وكم من راض ~~مسرور ويهوى الغلبة للجيش ويرضى بفعلهم بغير ما لا يسعهم وهو في بلده وفي ~~الحكم هو منهم ومعهم بمشاركته لهم في الإثم. هذا كلام هؤلاء الأفاضل في ~~إمامة هذا الإمام، غير أن أسم الإمامة ثبت له عند الخاص والعام اسما دون ~~حكم فأولاده يقال لهم أولاد الإمام. والوقعة التي أشار إليها الشيخ ناصر ~~أظنها الوقعة التي ذكرها ابن رزيق وغيره وهي حرب جرت بين أحمد بن سعيد ~~وناصر ابن محمد بن ناصر الغافري؛ وكان النصر فيها لناصر بن محمد، وقتل من ~~قوم أحمد ابن سعيد اثني عشر ألفا. # قال ابن رزيق: وكان بين هذه الوقعة وبين وقعة فرق التي قتل فيها بلعرب ~~اثنا عشر سنة. # وقال ذو الغبراء: لما ms413 ملك أحمد بن سعيد وساد ودانت له الخلائق واستقام ~~ملكه وخذل عدوه، دلته نفسه بقتل أكابر بني غافر؛ فلما قتلهم مشى على ديارهم ~~بجيش عظيم؛ فالتقوا بالأثيلة فصح عليه الكسير، وهم فئة قليلة؛ فثارت بينهم ~~العداوة والبغضاء إلى أن ظهر في الملك سعيد بن سلطان وحمود بن عزان، فعملا ~~في الرعية بميزان البصيرة وإصلاح الفريقين؛ فدانوا لهما انتهى كلامه. PageV02P155 # وللشيخ سعيد بن أحمد الكندي؛ رد أحداث على أحمد بن سعيد في سيرة كتبها ~~جوابا له حين سأله عن أمور دخل فيها، قال رحمه الله: فيا معاشر المسلمين ~~ويا حملة القرآن العظيم ويا أهل هذا المذهب القويم، من أ جاز لإمام ~~المسلمين أن يأمر على شيخ قبيلة من رعاياه بكذا كذا رجلا ليخرجوا من ديارهم ~~للمحاربة والقتال بالجبر والقسر، ومن لا يأتي منهم يحبس ويقيد، ويضرب ولا ~~يسمع له عذر ولا مقال، ورؤساء البلد لا يؤمنون ولا تقبل شهادتهم بقيراط ~~لرجل ولى مسلم على يهودي فاسق مخالف لدين رب العالمين، ولا يكونون حجة ولا ~~مأمونين في شيء من أحكام دين الله تعالى إلا في هذا الحرف المخصوص، فإن ~~قولهم على ضعفائهم مقبول أن فلانا عليه من الغرامة لعز الدولة كذا وكذا، ~~وأن فلانا مأمور عليه وواجب عليه الجهاد إلى قتال عدوه؛ ومن يأبى عن ذلك ~~فيحبس في العذاب المهين بقول ذلك الرجل الفاسق اللعين. # أيا معشر المسلمين؛ من أين جاز هذا وثبت من قول الرؤساء على الناس يجب ~~ويلزم على من ألزموه منهم، وينحط عمن لم يجعلوا عليه شيئا من قراباتهم ~~وأرحامهم ولو كانوا أصحاب أموال، إن هذا لهو الزور المفترى والكذب على الله ~~ورسوله والمسلمين؛ فإن قتل ذلك الرجل المجبور بقول ذلك الرئيس على ما وصفنا ~~فهلا يلزم على من جبره دية أو يقاد به أو لا يلزمه شيء، ومن جبره على تسليم ~~شيء من الغرامة على ما وصفنا فهلا يلزم فيه ضمان أو استحلال؟ PageV02P156 # فالله الله رحمكم الله في أمر الدين ورضى الحي القيوم؛ إلى أن قال: وقد ~~ذكرت ms414 تسأل وتناظر أن تستعين بأناس من قبائل أهل الخلاف من غير أهل عمان؛ ~~فلا يعجبنا ذلك؛ ولا تفتح لهم بابا على أهل عمان وتدعوهم إلى نصرتك ~~ومعونتك؛ فإنهم لا تؤمن غوائلهم ومكرهم وخداعهم؛ ولا ترجى منهم النصرة لهذا ~~الدين؛ وهم أعداؤه وحربه، وقد كمنت العداوة في قلوبهم لأهل هذا الدين، ~~أترجى منهم أن يتخطوا الفيافي والقفار؛ ويحتملوا المشاق والمضار، ويسافروا ~~البر والبحار، ويجهزوا الأموال والأبشار، ويفارقوا الأهل والأصهار؛ لنصرة ~~من عاداهم في الدين، وإن كان مجيئهم وإجابتهم لدعوتك من قبل الأطماع، وما ~~تبذله لهم من المال، فعندنا أن ما تبذله لهم من المال لا يقوم بما يغرمونه ~~من أموالهم؛ ولا يبيعون به أنفسهم للقتال؛ وإن لم تجد من أهل عمان على غير ~~الجبر، فكيف تجد من غيرهم إلا على طمع في سلطانك وملكك، فتفكر في ذلك، ~~وتدبر تدبر من أشفق على نفسه طالبا رضى الله؛ وانظر في أمر سيف بن سلطان ~~وأتباعه العجم وما تولد من أمورهم وصنيع حيلهم، فإن لمن تدبر في ذلك وتفكر ~~عظة عن غيره ومن لم ينفعه قليل الحكمة ضره كثيرها. # انتهى ما أردنا نقله من كلامه. وكان أحمد بن سعيد صاحب همة عالية ومطلب ~~سام وجرأة وإقدام، فصار ملك عمان كله إليه إلا ما شاء الله، ودانت له ~~القبائل وسكن الحركات وأطفأ كثيرا من الفتن، وأمر ونهى وقام بأمر الدولة، ~~وأعطى المملكة حقها، ودافع العجم واستراحت الرعية وتجدد الملك. # وتوفي أحمد الإمام سنة ست وتسعين ومائة وألف، فكانت أيامه أيام راحة ~~واستراحة بعد الفتن والمحن، وكانت مدة ملكه بعد العقد تسعا وعشرين سنة؛ ~~وخلف أولادا منهم سعيد بن أحمد وسلطان بن أحمد وقيس بن أحمد ومحمد بن أحمد ~~وطالب بن أحمد؛ وهؤلاء كلهم يقال لهم أولاد الإمام. PageV02P157 # فأما سلطان فهو أبو ملوك مسكد وزنجبار؛ وأما قيس فهو أبو ملوك الرستاق ~~وكانوا قبل ذلك على صحار وما يليها، وأما محمد وطالب فإنهما وليا من قبل ~~إخوتهما: فولى طالب الرستاق وولى محمد السويق من الباطنة، وأما سعيد ms415 فهو ~~الذي ملك بعد أبيه بالحال وتسمى بالإمامة وخاطبه بها أبو نبهان؛ وذكر ذلك ~~لأجل معنى يريد به دفع مظلمة عن بعض الناس، قال إن الخطاب بالإمامة يحتمل ~~وجوها، واشتهر بهاذ الاسم من بين إخوته، فأولاده يقال لهم أيضا أولاد ~~الإمام ابن الإمام، ولم يعدل في ملكه، ولم يرض المسلمون عليه. وكان أديبا ~~لبيبا معدودا من أدباء عصره، ومما ينسب إليه من الشعر قوله متغزلا: # يا من هواه أعزه وأذلني = كيف السبيل إلى وصالك دلني # وتركتني حيران صبيا هائما = أرعى النجوم وأنت في نوم هني # عاهدتني أن لا تميل عن الهوى= وحلفت لي يا غصن أن لا تنثني # هب النسيم ومال غصن مثله = أين الزمان وأين ما عاهدتني # جاد الزمان وأنت ما واصلتني= يا باخلا بالوصل أنت قتلتني # واصلتني حتى ملكت حشاشتي= ورجعت من بعد الوصال هجرتني # لما ملكت قياد سرى بالهوى = وعلمت أني عاشق لك خنتني # ولأقعدن على الطريق فأشتكي= في زي مظلوم وأنت ظلمتني # ولأشكينك عند سلطان الهوى = ليعذبنك مثل ما عذبتني # ولأدعين عليك في جنح الدجى= فعساك تبلى مثل ما أبليتني # وكتب إلى أخيه سلطان بقوله: # إذا شحت الخضراء الوبل فالتمس= تجد جود سلطان على الناس كالمطر # فإن عز مطلوبي فليس شماتة = وإن حصل المطلوب فالفوز بالظفر # ولعل هذه الكتابة كانت منه لأخيه بعد خروجه عليه وأخذه لغالب ممالكه على ~~حسب ما سيأتي إن شاء الله، ونذكر الأحوال الواقعة في ملك سعيد بن الإمام ~~ونفرد لها بابا. # ---------------------------------------------------------------------- ~~---------- # [1] - بياض بالأصل. # باب الأحوال الواقعة في أيام سعيد بن الإمام PageV02P158 ذكر ناصر بن أبي ~~نبهان أن السلطان سعيدا مال إلى شف الهناوية وتنكرت عليه الغافرية. وذكر ~~أبو نبهان بعض ما وقع بينه وبين السلطان وبين بعض الغافرية في رده على ~~السيرة الثلبية، ومن جملة من خالفه العبريون ورئيسهم يومئذ سالم ابن مسعود. # قال أبو نبهان: فكم مرة سار إلى بلدهم الحمراء بجيوش كثيرة وعدد كثير ولم ~~يقدروا أن يشربوا منها شربة ماء. # قال: ويخرجون إلى قتالهم أناس قلة، وفي مرات ms416 لم يعلم الجميع بهم أو علموا ~~فيبادرهم أناس قليلون من الخمسة عشر رجلا أو يزيدون قليلا أو أقل، وفيهم ~~كبيرهم هذا؛ فيقتلون فيهم ويولون الأدبار والقتل فيهم وأهل البلد في هيئة ~~البراز لهم، وذلك إن كان مجيء واليهم على غفلة منهم. # قال فلما لم يقدر عليهم صالحهم وأعطاهم العهود والمواثيق بالأمان عليهم ~~جميعا وقرب كثيرا أخا الشيخ سالم بن مسعود خدعة؛ وعرفهم أنه يصلهم زائرا ~~لتمام الألفة وجاء بقوم كثير وجيش كبير وتركهم وراء الحورة ودخل هو في وسط ~~الأموال بأناس قلة، ونزل هنالك فذبحوا له للضيافة وعظموا الكرامة، وقعد ~~آمنا منهم وهم آمنون منه، ولما حضر أكابر البلد وفي نيته أنه يحيط بالأكابر ~~ويهلكهم، فما كان غير قليل إلا وأحاطت القوم بهم وظن الأكابر أن وصولهم من ~~غير رأيه معهم، بل كما جرت العادة أن السلطان تتبعه الناس حيث يسير يسيرون ~~في طلبه فلم ينظروا إلا والسيوف قد علت وأحاطت بهم فقتلوا أخا الشيخ سالم ~~بن مسعود، وتشمر الشيخ ومن حضره من الأصحاب لقتالهم وكانوا يفرقون منهم ~~لشهرتهم في شدة البأس وذلة مبالاتهم في القتال في الحرب، فانهزم القوم ~~مولين الأدبار منهزمين والقتل فيهم ممن حضر الشيخ لا غير؛ ولم يعلم بهم من ~~في البلد إلا والقوم بعدوا عنهم. قال فهذا الذي قد كان منهم فيهم. PageV02P159 # وذكر أبو نبهان وولده ناصر أن أخا السلطان سعيد كاتب عليه المسلمين ~~ووعدهم بالإعانة وواثقهم للقيام عليه، وأن يمدهم بالمعونة في حربه على شرط ~~أن يكون الأمر راجعا إلى المسلمين يولون من يرون أنه أصلح للأمة وأقطع ~~لمادة الفساد وأقوى في أمر الدين، ولم يسموا هذا المكاتب أي أخوة السلطان ~~كان، وأظن أنه سلطان بن الإمام؛ لأنه هو الذي اشتهر بالخروج على أخيه؛ فوفق ~~قيام المسلمين، وفيهم الشيخ أبو نبهان وقوع فتنة بين أهل نزوى، فخرجوا في ~~الظاهر لإطفائها وهم يضمرون غير ذلك، بل كان مرادهم التمكن من السلطان ~~بالحيلة؛ وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام خبرهم مستوفى. # وكان لسعيد بن الإمام ولد ms417 يقال له حمد بن سعيد حدثني من أثق به من أولاد ~~الإمام أن هذا الولد كان قد طلع طلعة حسنة وثار ثورة مباركة، فكان يأمر ~~بالمعروف وينهى عن المنكر في أيام والده، وكان أبوه بالرستاق وكان هو ~~ببركا، وكان يطوف بقومه على عمان باطنة وظاهرة، ثم يأتي على الجوف والشرقية ~~يصنع ذلك في السنة مرتين يتفقد الممالك والرعايا، وحصلت له في القلوب هيبة ~~ومحبة. قال فدخل على أبيه يوما وكان قد جاء من سفر وأبوه بالرستاق، وكان ~~بارزا في غرفة الصلاة، وكان قد تحزم بديولى، وهو رداء يعمل من الإبريسم ~~والزري؛ فقام له أبيه ليحييه، فلما رأى حمد لباس أبيه لم يتمالك أن تناول ~~الديولى من حزام أبيه فجذبه إنكارا لما رأى؛ فدار أبوه بذلك دورين أو ثلاثة. PageV02P160 # قال وكان عمه سلطان بن الإمام عند آل وهيبة ساكنا في سيوحهم الحدرية؛ ~~وكان همه وعزمه هم الملوك وعزمهم؛ فأخذ يوما سبعين راكبا وقصد بركا ليقتل ~~ابن أخيه حمدا خوفا على الملك أن يستولي عليه دونه؛ فلما وصل بركا وافق ~~حمدا خارجا في البلاد على فرس ومعه فارسان أو قال ثلاثة؛ فتلقى حمد عمه ~~بالترحيب ونزل عن فرسه وحياه ثم ركب فرسه وقال أنا قدامكم؛ ومضى إلى الحصن ~~مسرعا فقال أصحاب السلطان: كيف أفلت الرجل وقد عزمت على قتله ولا تجد له ~~فرصة مثل هذه؟ فقال إني هبته؛ وما كان بسلطان من وهن في باب الرجال غير أن ~~الأقران تعترف للأقران؛ ثم أناخ على الكرامة وترخص ومضى؛ فما لبث حمد سعيد ~~بعد ذلك قليلا من الزمان ثم توفى؛ ورثاه أبوه بأبيات قال فيها: # وافا حمامك يا حبيبي بالعجل= ... نارا تلهب في ضميري تشتعل # يا من له شرف وفضل في الورى= ... أمسى وحيدا مفردا دون الأهل # الله أكبر من مصاب عمنا = ... هما وغما لا يبيد ولا يفل # حمد حوى المجد الشريف تغيرت= ... أيامه قد كان يضرب بالمثل # صبرا لأولاد الإمام ومن لهم = ... من إخوة وأقارب فيما نزل # لا غرو هذا قد أتى خير ms418 الورى= ... لم تمنع الأموال عنه ولا الدول # وقال أيضا: # لهفي على عيش مضى = ... ... ما ذقت أحلى منه شي # لما ذكرت عهوده = ... ... جرت الدموع وقلت أي PageV02P161 وفي يوم الخميس ~~لثمان مضين من شوال من سنة ثمانية وتسعين بعد مئة وألف خرج رجال من حارة ~~الوادي من نزوى وهم في حال الريبة والتهمة بالفساد لاختلاط النساء بالرجال، ~~ونزلوا على جبال سمد نزوى في الجانب الغربي عند جبل الحلاة على حذا مسجد ~~الجبل، وقيل معهم بعض النساء المستزابات، فلما كان وقت الظهر خرج عليهم ملأ ~~من سمد نزوى فهجموا عليهم بالبنادق والسيوف فقتلوا منهم أربعة رجال وجرحوا ~~آخرين، فقتل من الخارجين واحد وجرح اثنان، فكتب الشيخ سعيد بن أحمد الكندي ~~إلى السلطان كتابا فيه: أما بعد، فإن السوقة طغوا وبغوا ونهيناهم مرارا لم ~~ينتهوا فالآن قد قتل منهم أربعة رجال ولا يجوز أو لا يعجبنا أن تعاقب أحد ~~منهم في نزوى وأرسل به رسولا. # قال أبو نبعان: فلم يرد السلطان إليه جوابا قال وقوله لا يعجبنا أن تعاقب ~~الفاعلين بنزوى ليس فيه ما يدل على أنه يعجبه في غيرها أو لا إذ قد خصها ~~ولم يذكر ما عداها بشيء جزما فهو ممن يحتمل لأن يكون المشتمل على المندوحة ~~في القول الواسع وكأنه مما يدل على محاولة السلامة في الأمرين الدنيا ~~والدين فما أبلغه في نظر العارفين خلافا لمن عابه من الجاهلين. # ثم خرج بعض أكابر العقر وأتوا عبدالله بن محمد بن عبدالله بن محمد الكندي ~~وهو يومئذ كبير أهل سمد وطلبوا إليه أن يخرج إليهم القاتلين فوعدهم بالغد، ~~فاستشار الشيخ سعيد بن أحمد الكندي وهو يومئذ عالم أهل نزوى فقيل إنه أفتاه ~~وقال له لا تخلص القاتلين إلى أحد لأن الناس في هذا الزمان لا يؤمنون من ~~التعدي في العقوبة وأخذ الحقوق، وعبدالله بن محمد هذا هو الذي بنى بيت سليط ~~بسمد نزوى في أرض له يقال لها سليط فأضيف البيت إليها. PageV02P162 # ثم أن أكابر العقر كتبوا للسلطان بصفة الحال وهو يومئذ بالرستاق ms419 فجاء ~~إليهم في رجال وعبيد وجمع غير كثير، فلما وصل نزوى طلب منه ما قد طلبه ~~أكابر العقر سابقا فاعتذر الرئيس واعتل بأن الفاعلين قد اختفوا فلم أجدهم، ~~فطلب منه السلطان سبعة رجال من أهل القاتلين ضمانة يكونون في السجن حتى ~~يأتي بالقاتلين فأجابه إلى ذلك ودفع إليه الرجال واحدهم ولده وألزمه أبو ~~نبهان التوبة من تسليمهم وحاول عبدالله إخراجهم من يد السلطان فلم يقدر ~~وكان يشاور في أمره الشيخ سعيد بن أحمد الكندي. # ثم أن السلطان طلب من عبدالله بن محمد بيت سليط ليجعل فيه رجالا من طرفه ~~فأبى وحرج إلى من حوله من القرى والمساقي والجبال وأتى بالجيوش والحشود ~~واشتد الأمر وقبض السلطان عليهم المقابض وقطع عليهم السبل فصار أهل سمد ومن ~~معهم في بيت سليط، وفي جامع سمد والسلطان ومن معه في الحصن وأهل السفالة في ~~حوائرهم وبقيت الأمور كذلك من تاسع شوال إلى خامس عشر من ذي القعدة من ~~السنة المتقدمة. # قال أبو نبهان: أقاموا بسمد نزوى كأنه لمعنى الدفع عنه ولم نسمع أنها ~~كانت لهم غزوة على أحد وإنما أغير عليهم من السفالة يوما لكن على مجازة ~~النساء فأتوها من علا الحورة فثار الناس إليهم وتراموا بالبنادق حتى هزموهم ~~بعد أن أصابوا رجلا جاموديا برمية فمات منها وغدا يكون الحساب ( يوم لا ~~ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ). PageV02P163 # قال ناصر ابن أبي نبهان: فلما عجز الشيخ سعيد بن أحمد والشيخ عبدالله بن ~~محمد عن إخراج المقبوضين من السلطان استعانا بالشيخ الوالد العالم أبي ~~نبهان بالوصول إليهما ليتناظروا في هذه النازلة ويعملوا فيها على موجب ~~الشرع، ويحتالوا على إخراج المقبوضين بغير الحق خوفا منهم أن يهلكهم أو ~~يعمل فيهم ما لا يجوز له من الضر فوصل الشيخ وعملوا الحيلة أنه إذا سلم لهم ~~المقبوضين يسلموا له المطلوبين، قال فأخرج لهم المقبوضين ولم يبذلوا له ~~المطلوبين لأنهم لا يأمنونه أن يتعدى فيهم الحق، وقال غيره وصل الشيخ جاعد ~~بن خميس الخروصي يوم خامس ms420 عشر من ذي القعدة من السنة المتقدمة ونزل بالحذفة ~~من سمد نزوى وكأنه في ظاهر الأمر يريد سد باب الفتنة، وفرح كثير من الناس ~~بوصوله وكتب للسلطان كتابا ساعة نزل قال فيه: # بسم الله الرحمن الرحيم: إلى إمام المسلمين سعيد بن أحمد بن سعيد ~~البوسعيدي أما بعد، فإني جئت في سد هذه الفتنة وإني نزلت في الحذفة مع نفسي ~~لا مع عبري ولا ريامي ولا كندي ولا مع غيرهم بل مع الحق والحق مع من اتبع ~~الهدى وله أردت، فقد بلغني أنك قبضت رجالا بغير جنية فهذا لا يجوز في دين ~~الله وفك عقالهم الساعة قبل اليوم ولا تتأخر ساعة واحدة وعليك من ذلك ~~التوبة ولجلالة الشيخ وشدة محبته في القلوب تداول هذا الكتاب الخاص والعام ~~وقرأ في المساجد والمجامع فأجابه السلطان بالسمع والطاعة وأرسل له هدية ~~قبلها الشيخ. PageV02P164 # وقال السلطان أنا ما أريد إلا الفاعلين القاتلين بأنفسهم فوعدوه بهم على ~~أن يأتوه بهم، وطلبوا منه أن تكون عقوبتهم بالرستاق لا في نزوى، ولعل ذلك ~~كان خوفا عليهم من أهل المقتولين فأجابهم إلى ذلك وأطلق المقبوضين ونادى ~~مناديه بالأمان وربما فسح لشيء من جيوشه؛ وهم بالمسير بالصباح وأرسل ~~السلطان ناسا من أكابر أهل الرستاق، فيهم القاضي ناصر بن سليمان الشقصي ~~ليأخذوا المطلوبين، فلما وصلوا كلم القاضي رؤساء سمد في أمر السلطان وطلب ~~منهم أن يكلموه فيه، والمعنى أن القاضي كان ميله إلى السلطان وكأنه يصوبه ~~في صنيعه ويطلب من المشايخ الجواب البين في خطائه. # قال أبو نبهان: ورجعوا إليه بالجواب، قال فكأنه اختار على ما عصب، قال ~~ولقد أشار على القاضي من يكلمه أن يحضر الخصمين من هؤلاء الفريقين ليقضي ~~بينهما بالعدل ونحن معه من حوله في جملة الحاضرين لمنع من أراد التعدي ~~منهما على الآخر. # قال فلم يفعل وأعجبه ما عليه الجبار من أخذهم للجزاء، ولم يذكر الآخرين ~~بشيء والقتل والجراح في الفريقين، فقال له من يكلمه عسى أن تكون له حجة فلم ~~يمل إلى شيء من قوله لا ms421 عن تكبر يظنه به ولا تجبر لأنه أدنى إلى أن يكون هو ~~الذي أداه إليه رأيه من الاختيار، لأجل سداد الحال برضا الجبار والذي هم به ~~العظيمة، وليس عليه أن يكون موافقا عليها، ثم وقع بعد هذا الكلام سقط في ~~كلام الشيخ أبي نبهان، وحاصل ما نفهمه من سياقه أن أهل سمد ولوا أمرهم رئيس ~~العبريين وهو يومئذ سالم بن مسعود، وقد تقدم ما جرى بينه وبين السلطان من ~~الحروب وأن السلطان كان قد خادعهم واحتال على قبضهم وقتل أخ الرئيس المذكور ~~وأن سالم بن مسعود أبى من دفع المطلوبين فقال يسلمهم إلى ثقات المسلمين لا ~~غير، وذكر السلطان فأغلظ فيه القول لما قد عرفه من قتل أخيه على أمان. PageV02P165 # قال أبو نبهان: واحتج في أمره بما لم يقدروا على دفعه وأشار إلى القاضي ~~بهم فلم يقوا على أن يتولى أمرهم في حبس الجبار فيكون هو المسئول عنهم. قال ~~وربما عرض بالشيخ محمد بن خلف بن محمد الشقصي في بذلهم إليهم ولا أدري أنه ~~من معاريض الكلام أو أنه على ظاهر ما أبداه أو أنه على وجه الاختبار إلا أن ~~القاضي ذكر عن السلطان أنه لم يعرض بذلك. # قال ولما رأينا ما بينهم خلوه بعد فأمره بغير ما هو عليه من الشدة لأن ~~بلوغ المراد من إخراج من أودع السجن جورا أو غيره لا سبيل إليه كمثله، فرجع ~~إليهم بما يرضي السلطان من بذلهم إليه قولا ليس من ورائه عمل فرجعوا بالأمر ~~فأخرجهم وبقى حكم الموعد له بهم. # هذا آخر ما انتهى إليه الأمر في هذه القضية وسنذكر لك بيان ما طلبه الشيخ ~~أبو نبهان وقصده. # ذكر دخول أبي نبهان ومن معه العقر لأجل إظهار الأمر حين أمكنته الفرصة # قال ناصر بن أبي نبهان: ولم يكن في نفس الشيخ أن يقوم بالعدل في ذلك ~~الوقت قال: وقد قال للشيخ سالم بن مسعود وأصحابه: إن كنتم تريدون بالعلم ~~السر فتركوني في المسجد الذي أنا قائم فيه واذهبوا أنتم على المعقل؛ وإن ms422 ~~كنتم تريدون بغير العلم السر فالنظر إليكم , قالوا أنت بما عندك من العلم ~~النافع لهذا دعه الآن وأخرج معنا قال وفي أنفسهم قوة على ما أرادوه لا ~~يحتاج إلى التيسر بعلم الأسرار فقد تسوروا البلد كانت عند الشيخ حيلة بأن ~~يحملوا الحجارة ويجعلونها بين الرز والباب حين معالجة فتحه؛ فما يهم الشيخ ~~إلا وقد تقدموه على الباب؛ يعني باب الحصى وتقاوموا عليه هم والداخل في ~~المعقل؛ هذا يفتحه وأولئك يسدونه فوقف في الوسط ولم يرموا حجارة بين ما ~~ذكرناه؛ فغلب أهل الداخل لكثرتهم وفله الذين يفتحونه وسدوه وضاع ما كانوا أملوه. PageV02P166 # قال ولو أنهم تركوا الأمر على اختيار الوالد وتركوه في الخلوة وساروا هم ~~إلى المطلوب لتوفق؛ ولكن لم يكن ذلك لأمر يريده الله تعالى في عباده ما ~~داموا مستحقين الغضب ولو أنهم أحسنوا أحسن الله إليهم. # قال أبو نبهان: وقد تقدمنا على الداخلين من قبل أن لا يتعرضوا إليها لا ~~لأخذ مال ولا لأحد بالقتال وأن يقولوا لمن عارض بالمنع إنكم غير مطلوبين , ~~إنما المراد فلان؛ يعني بذلك السلطان؛ فكفوا فعليكم الأمان , ومن أبى من ~~بعد أن يستكفي فيدفع بأقل بما به يمتنع إلا أن يقاتل فلا بد من ضربه حتى ~~يرجع أو يقتل , ثم يترك على حاله فلا يأخذ له شيء من ماله؛ فامتثلوا الأمر ~~بعد أن سمعوا الزجر ولم يصحا أنهم خالفوا إلى شيء مما نهوا عنه , وسلم أهل ~~العقر من كل ضر. # وأما نحن فلم نسلم منهم كل السلامة لأنهم أصابوا منا رجلا برمية في وجهه؛ ~~ولعلها أن تكون بلبنه من طين أو ما أشبهها فأضر به وآخر أصابته في رجله ~~جراحه ولعلها بشيء من البنادق فالله أعلم, غير أنا أخذنا في الوضوء لصلاة ~~الصبح فلم نشعر إلا والحرب بين القوم وأهل البغي ممن في الحصن قائمة وبحثنا ~~في المبتدئ فقيل وصح معنا أنهم أهل الحصن؛ ولا خلاف بين المسلمين في جواز ~~حربهم في الحال على ذلك , وذكر غيره أنهم تسوروا سور العقر بالجذوع جذوع ~~النخل ms423 في الثلث الأخير من ليلة ثامن عشر ذي القعدة سنة 1198ه؛ ثماني وتسعين ~~ومائة وألف والسلطان نائم في حصنه. PageV02P167 # قال فلما انتبه من نومه قال له بعض أصحابه: نخرج على القوم قبل أن ~~يتكاثروا , فقال لا لأننا لا نعلم الدولة الداخلة قليلة أم كثيرة وخاف ~~الخديعة , فخرج في نفر من باب السوق على خيل وركاب , فقصد إبراء من الشرقية ~~ونواحيها وحشد حشودا منها ومن نواحيها , فأقبل عشية الأحد بعد سبعة أيام ~~كان فيها أبو نبهان ومن معه محاصرين الحصن متمكنين من العقر؛ فلما علموا ~~بوصول السلطان بجيش الشرقية , وكانوا كالجراد المنتشر؛ خرجوا إليهم والتقوا ~~بين حاجر سعال وأبي ذؤابه - نهر بنزوى , وهو بهمزة فموحدة فواو فذال معجمة ~~فواو فألف فباء موحدة فهاء - قال أبو نبهان فأردنا بهم الوقوف لمعنى ~~الترتيب , قال ودعاهم قائد منهم إلى الرجوع ليكونوا في موضع , ولعله رآه ~~أصلح لنزالهم وأولى بقتالهم , فردوا إلى ورائهم من غير ما وقوف إلى ما ~~يأمرهم به , فلم يقدروا على ردهم لأمر سابق في علم الله كونه , وإلا ففي ~~الخارجين أناس من أولى الشدة والبأس يقاتلون كثيرا وإن قلوا يعرفون بذلك ~~غير مرة في قتالهم لهذا الجبار وغيره ممن هو أقوى منه , فلا يقدر عليهم بحيلة. # وفي هذه الوقعة تولوا منهزمين في الحال من غير ما قتل ولا قتال لأمر ~~أراده الله تعالى في بقاء هذا السلطان على ما به من البغي والعدوان والغي ~~والطغيان؛ وعسى أن يكونوا أهلا لذلك الأمر , لا مرد لأمره ولا معقب لحكمه , ~~ولا بد من كون ما في سابق علمه , فكيف يجوز أن يكون في وقت إلا ما أراده ~~فيه ولا محدث سواه , فلا تعبدوا إلا إياه ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى ~~يغيروا ما بأنفسهم ) كما كنتم يولى عليكمن , هي المقادير فلمنى أو فذر. # ثم رجع الشيخ بمن معه إلى العقر؛ ونزل السلطان في جامع السوق وجيشه نزل ~~معه وبعضه بين حوائر الوادي وبعضه بالبطحاء؛ ودخلت رجال بالصلح بين السلطان ~~والشيخ. PageV02P168 # قال أبو نبهان ms424: إن السلطان أرسل إليه مع أناس من أعوانه كتابا يدعوه إلى ~~الصلح فأجابهم إلى ما طلبوه لما رأى ما يفوته من التخاذل عن قهر البلاد ~~ومجاهدة العناد لرب العباد بعد التشمير لهم، لعسى أن يأتي النصر من عند ~~الله لمن يرجو منه مددا بعد حين فلم يشمروا، ولما أتاه الخبر بوصول أناس من ~~أهل البأس بسمد نزوى أراد منهم أن يكونوا على السور واقفين وفي المقابض ~~قائمين إلى الصباح؛ فلم يجبه إلا القليل من أهل النجدة والبأس ممن له في ~~هذا الأمر قوة وشدة مراس، ولكن ليسهم ممن تقوم به الكفاية، والبعض أبى عن ~~المراد؛ وهم الأكثر، وأظهروا له إنا لنخرج وإن لم يصحبنا خرجنا عنه، وذلك ~~لقتلهم وكثرة قوم السلطان، فلما أيس من نصرتهم أتم لهم ما أرادوه على أيدي ~~من يسعون فيما بينهما؛ ورأى لأصحابه العذر الواضح من قلة ما يأكلونه من ~~المعاش هنالك؛ وعدم ما يدفعون به عن أنفسهم من الباروت والرصاص وميل أهل ~~الدار لا إليهم مع قلة العدد وانقطاع المدد، إلا أنه أشار أحد منهم إليه ~~بجبر أهل البلد على الطعام بالفيمة، فأبى أن يجبرهم عليه؛ إذ لم يصح معه أن ~~لهم فضلا لذلك. # قال ناصر بن أبي نبهان: إن الشيخ أفاد جواز الجبر لأهل البلد على بيع ~~الطعام لمثل هذا الأمر الذي ذكره أن لو عرف أن معهم فيه فضلة عن قوتهم ~~لسنتهم أو غير ذلك من المراد الني عندهم. PageV02P169 # قال وأما دخول الوالد في هذا الأمر على قلة ما ذكره في ما سمعته أنه وعده ~~بالمدد وبالرجال وبما يحتاج إليه الحرب أخ السلطان، وكان عدو لأخيه حيث ~~انتقل الأمر إليه بعد أبيهما وأراد خروجه منه؛ والوالي من اختاره المسلمون، ~~وأن يقعدوا الإمامة بعد ذلك لمن شاءوا ممن يرونه أهلا لها؛ فلما عرفهم بخط ~~بالخروج على السلطان؛ وإنه خارج من بلده بجميع ما يحتاج الحرب إليه سار ~~الوالد وأضمر في نفسه القهر له بالحيلة كما أخبر عن نفسه فيما مضى من كلامه ~~ولم يتفق ms425 له تشمر بعد ذلك إلى أخذ الحصن على حين غفلة فرأوا الباب مفتوحا، ~~فلما ذهبوا إليه أصحابه ورأوهم أهل الحصن سدوه؛ هم يسدونه من داخل والقوم ~~تفتحه من خارج وبقي الباب كذلك. وكان أهل الحصن أكثر من الذين يفتحونه من ~~خارج من القوم، فغلب أهل الحصن وسدوه، فقال لهم الوالد الشيخ: لو كنت عندكم ~~لرميت الحصى بين الباب وبين الرز، فأضمروا أن يحربوا ويصبروا حتى يصلهم أخ ~~السلطان؛ لأن أهل السلطنة تتبعهم الناس أكثر من العشائر طمعا لما في ~~أيديهم، وهذا ما لا ينكره ذو عقل صحيح. PageV02P170 # قال فلو وصل أخ السلطان فلا شك أن القلوب تكون مطمئنة به أكثر من حربهم ~~بأنفسهم وهم عشائر فقراء؛ وما كان أرجى لبلوغ المراد؛ فلا شك أنه الرأي ~~الذي فيه السداد في سلوك منهج الرشاد؛ فلما وصل أخ السلطان وادي بني رواحة ~~منعوه عن المسير إلى نزوى إذ كان ميلهم إلى السلطان؛ لأن السلطان ميله ~~بالمحبة والعصبية والحمية الجاهلية إلى كل يمنى يسمعونه هناويا على الحقيقة ~~في نسبه كذلك؛ ولكن كذلك قسموا العوام عشائر من أهل عمان على غير حقيقة ~~النسبة ويلقى كل من كان نزاريا ويسمونه غافريا؛ وأخ السلطان معه هذا وهذا ~~سوى؛ ولذلك كان ميلهم إلى السلطان دون أخيه , فلما وصل الشيخ خبر أخ ~~السلطان أنه منع عن الوصول إليكم أيس من وجود ما ذكر عدمه , وأيس أصحابه ~~وهو في الأصل ما تشمر لهذا الأمر إلا بثقته بمن واثقه على المدد بجميع ما ~~يحتاج إليه وإلا فهو عالم أن هذا أمر لا يصح إلا بذلك. # قال وقد وفى أخ السلطان بما عاهده عليه الشيخ؛ لأنه خرج بذلك وسعى وحد ~~واجتهد؛ ولكن لا يكون في الكون شيء إلا ما سبق في علم الله كونه , والله ~~بصير بالعباد. قال هذا ما عرفته شفاها من لسان الشيخ والدي. PageV02P171 # قال أبو نبهان مخبرا عن نفسه بعد أن ذكر تعذر الأمور ورأى الخروج أولى من ~~الدخول فخرج منها بعد أن أعطى من السلطان أمانا على كل ms426 حارب , إلا أنه أمان ~~امرأ([1]) أهل هذا الزمان من البوسعيدي في عمان , فهو الأدنى بما ساغ إلى ~~أن يكون المكر والخداع؛ وأنه تصد إلى سمد نزوى لوقوفه فيها خوفا من العدو ~~عليها , فوجد كبيرها قد عزم على الرحيل منها , وانه أخبر الشيخ سالم بن ~~مسعود العبري كبير قومه أنه كاثره في الوقوف , فكابره وقال له: قد كنا ~~متفرقين الآن صرنا في سمد مجتمعين , إن جاءها قاتلناه دونها , وإن سار إلى ~~بلداننا لاقيناه , قال وقوله([2]) من وراءه فعل الرجال لأنه من جملة ~~الأبطال معروف بالشجاعة حين النزال وحوله من بني عمه رجال , وأي رجال وأناس ~~آخرون عند الحاجة إليهم لا يقصرون , فأبى إلا الخروج منها والقوم تحتاج إلى ~~طعام , وقد كان القائم به هو لا غيره ولا يرجى أن يقوم به أحد بعده , فلم ~~يمكنه أن يبقى في سمد نزوى بعد خروجه من العقر وذكر غيره أن الشيخ جاعد خرج ~~من العقر أول ليلة الاثنين قال ودخلوا سالمين وخرجوا سالمين , قال ومروا ~~إلى سمد ولم يقعدوا فيها , قال فلما أصبح الصباح نهضت جيوش السلطان إلى سمد ~~فخربت البلاد وشردت العباد , وقتلت رجالا ويتمت أطفالا؛ وحرقت المنازل ~~والحروث , وخشبت النخيل. # قال أبو نبهان: وذلك كله لعدم إيمانه جرى منه هذا بعد أمانه أخزاه الله ~~في سلطانه , وجميع من أعانه على شيء من ظلمه فهو من أعوانه؛ قال أوله في ~~الحق مخرج إلى الصواب؟ في قتل الرجال أو تخريبه المنازل أو في نهب المال أو ~~في تشريد العباد في الأودية والجبال , أو الحق في حكمه أنه من الضلال لظهور ~~ظلمه قال وهل هن غير واحدة مما تقدم له في مثلها مما لا وجه له في العدل ~~لحكمها قال أفخفي عليك أمره بعد أن شهر في البلاد كفره. PageV02P172 # هذا كلام أبي نبهان مختصرا في هذه الواقعة؛ وقد تركت أكثره , وإنما ذكرت ~~منه ما يناسب المقام, وللقصة تمام يأتي ذكره في خروج سلطان بن الإمام. # ---------------------------------------------------------------------- ~~---------- # [1] - هكذا في نسختين ولعل صوابه: امرئ ظالم ومن أظلم من ms427 أهل الخ. # [2] - قوله مبتدأ وما بعده خبر. # ذكر خروج سلطان بن الإمام على أخيه سعيد بن الإمام PageV02P173 ذكر ناصر ~~بن أبي نبهان أن سبب ذلك كان من الشيخ أبي نبهان. قال وذلك أنه لما رجع من ~~نزوى إلى وطنه العليا شمر السلطان بالرشاء بالدراهم الجزيلة لقتل الشيخ , ~~وتبين عليه ذلك , قال فشمر الشيخ في العمل الخفيف من عمل السر؛ فأخذ مرتبة ~~مائة ورابعة وخامسة([1]) مائتين ومزجها بحروف تعطيل حركات فلان حرفا بحرف ~~سطرا واحدا. وكسره بأخذ حرف من أخره وحرف من أوله حتى تم السطر الثاني من ~~وسط السطر الأول , وكذلك بكل سطر حتى خرجت السطر الأخر كالسطر الأول , وهو ~~المسمى معهم بالزمام , ونظم السطر الثاني أسماء من أوله إلى آخره كل أربعة ~~أحرف منه اسما إن كانت جملة حروفه زوجا , وإن كانت فردا نظم كل خمسة منه ~~اسما؛ وزاد كل اسم منها في آخره يال أوال؛ وأخذ جملته بالجمل الكبير عددا , ~~واستنطق العدد حروفا , أي جعل بدل العدد مما له من الحروف حروفا , وجعلها ~~اسما وألحق آخره ائيل , وهو اسم عبراني معناه بالعربية الله , كما يقولون ~~إسرائيل وجبرائيل؛ يضيفون ذلك إلى الله؛ كما تقول ناصرا لله ومحمدا لله ~~وسماء لله وأرضا لله , أي لله تعالى؛ فيكون هذا هو الروحاني وتلك الأسماء ~~هي القسم؛ ووكل الروحاني بتعطيل حركاته في كاغدة وحثه بالقسم ورقم التكسير ~~في قفا القرطاسة وطواها؛ وقال لولده نبهان علق هذا على الماء في قنطرة فلج؛ ~~كانت عند المسجد الذي قام فيه؛ وهو مسجد الحشاة من بلد العلياء وأمره أن لا ~~يتركه بقدر ما يمس الماء؛ فإنه إذا مس الماء مات به , ولم يرد به موته قال ~~فبطلت همة السلطان وضعفت قوته وذهبت مملكته وخرج عليه أخوه سلطان ابن ~~السلطان أحمد بن سعيد؛ وتولى على جميع ما كان في ولايته؛ ولم يبق في ولايته ~~غير الرستاق. PageV02P174 # قال وذهبت هيبته حتى أن السمك يأخذ من يد طارشه إذا حمله من السوق ولا ~~يقدر أن يذب عنه , قال وصار عبرة ms428 للناظرين وآية للمعتبرين. قال وعلم الناس ~~جميعا أن ذلك كان من الشيخ فيه؛ وخضع للشيخ وذل له , وصار من أشد الناس ~~هيبة منه وفرقا من عمله ومعرفته. # قال وأمر الشيخ ولده بعد ذلك بزوال العمل وتدميره لئلا يهلكه. قال ويجوز ~~له أن لو تركه إلى أن يهلك في قول بعض المسلمين في قتل الجبابرة غيلة , قال ~~وقد عمل به في غيره من الجبابرة قال ولا فائدة في رسم جميع ذلك. قال وكان ~~أكثر أمره في هذا بالدعاء. # انتهى ما أردنا أخذه من كلام ناصر بن أبي نبهان. وبهذا السبب الذي ذكره ~~صارت الدولة لسلطان ابن الإمام: ولم يذكر أبو نبهان ولا ولده لسلطان هذا ~~شيئا يكرهونه منه في باب الدنيا , وظاهر الحال أن الحركات قد سكنت في أيامه ~~واستراح أبو نبهان وأولاده. # وكان الملك البحري أيام اختلاف اليعاربة متفرقا في أيدي عمالهم , مثل ~~الهند وممباسة وزنجبار وما بعدها , وكل عامل قد استبد برأيه , وانفرد بما ~~تحت يده , وادعى المملكة لنفسه , فسعى سلطان في رد ما أمكنه من ذلك , ولم ~~يتم له الأمر وإنما تم لولده سعيد بن سلطان. # ومات السلطان سعيد بن أحمد وبقيت الرستاق في أيدي أولاده حتى أخذها منهم ~~طالب بن الإمام في أيام سعيد بن سلطان بمعونة من سعيد لعمه على حسب ما يأتي ~~ذكره إن شاء الله تعالى. PageV02P175 # ثم قتل سلطان ابن الإمام؛ قتله أهل الشمال , وكانوا قد آذوا عمان في ~~زمانه يغزونها في سفن صغار من جهة البحر؛ ودافعهم سلطان حتى قتل , ثم ~~دافعهم من بعده ولده سعيد بن سلطان حتى استأصلهم , وكان سلطان قد ترك ابنه ~~سعيدا صغيرا؛ وكان مقامهم بمسكد فزحف إليه عمه قيس بن الإمام وكان على صحار ~~وما يليها فحاصره بمسكد ومعه أهل الشرقية وقائدهم عيسى بن صالح, وقام بأمر ~~سعيد ابن سلطان بعض أعمامه وبعض أخواله من الجبور فيقال أن قيسا خلص مطرح ~~وما حولها ودخل مسكد ولم يبق لسعيد إلا الكيتان وما علا من البنيان فعند ~~ذلك أرسلوا لعيسى ms429 بن صالح مالا جزيلا في خفيه لبعضهم وكان هو القائد الأكبر ~~, فلما أصبح اعتل بالحمى؛ ففطن له قيس بن الإمام فقال له؛ أو حميت؟ فإن كان ~~ذلك فقم بيننا بالصلح؛ فجرى الصلح بينهم على أن يكون لسعيد مسكد فقط ولقيس ~~باقي المملكة , وافترقوا على ذلك , فما زال سعيد يكبر حتى ظهر أعمامه ~~وغيرهم؛ وسعى في تخليص ما بقي من ممالك العرب في أرض الزنج وخلصت له؛ وأخذ ~~جانبا عظيما من أرض فارس , ودانت له الأمور بعد وقائع مشهورة وأحوال معروفة ~~وطالت أيامه حتى قيل أنه عاش في المملكة خمسين سنة , وقيل أكثر من ذلك ~~ولطول مدته كثرة الحوادث في أيامه وخرجت عليه طوائف وحاربته أهل نجد وأهل ~~الشمال وبنوا أبو علي , وكان له في الجميع وقائع كثيرة وحروب متوالية ~~وأخبار يطول بها الكتاب , وقتل عمه قيس بن الإمام في صكة كانت بينه وبين ~~أهل الشمال في خورفكان؛ وقتل فيها كثير من العرب من أهل عمان؛ وترك قيس ~~ولدا اسمه عزان بن قيس وهو جد الإمام الذي سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى , ~~وسنفرد لبعض الأحوال الواقعة في أيامه بابا. # ---------------------------------------------------------------------- ~~------- # [1] - في نسخه وأربعة. # باب الأحوال الواقعة في دولة السلطان سعيد بن سلطان PageV02P176 ومن جملة ~~ذلك أنه لما شخص نابه قتل ابن عم له كان قائما بأمر دولته على جهة النيابة؛ ~~وهو بدر بن سيف بن الإمام , فسار الوشاة بينهما بالنميمة حتى وثب عليه سعيد ~~فقتله , وكان بنخل وال من اليعاربة يسمى مهنا بن محمد بن سليمان , ثم قتل ~~وصار حصنها لمالك بن سيف بن سلطان صاحب الحزم , ووقعت منه مخالفة على سعيد ~~بن سلطان؛ فحاربه سعيد فأخرجه من الحصن , وصارت نخل لسعيد. # ومن جملة الأحوال الواقعة في زمانه قدوم مطلق بن محمد المطيري , وهو عامل ~~من قبل سعود بن عبدالعزيز الوهابي , جاء إلى عمان بالجيوش بواسطة الغافرية ~~من أهل الظاهرة وأهل جعلان, وشايعهم على ذلك كثير من أهل النفاق ممن ينتحل ~~بالدعوى مذهب الحق , فقدم في سنة اثنتين وعشرين ومائتين وألف ms430 , فكان قدومه ~~على عمان عذابا واصبا وبلاء وبيلا. # ذكر الشيخ ناصر بن أبي نبهان أنه كان قد استحل دماء المسلمين وشركهم؛ ~~ودعا الناس إلى مذهبه؛ قال ومن لم يدخل في مذهبه قتله وسبى نساءه وذراريه ~~وغنم أمواله. وذكر غيره أن عامل أهل القبلة بمعاملة أهل الشرك؛ فضرب عليهم ~~الجزية وأخذ منهم الخراج وتردد على عمان ثلاث سنين يسير عنها ويرجع عليها , ~~وأعد له السلطان سعيد بن سلطان الرجال للقتال , فما أغنوا شيئا, وجاء له ~~بالعجم والعرب فهزمهم بإزكي وصار إلى مطرح ودخلها ونهبها وأدى إليه السلطان ~~الخراج ليدافعه عن البلاد حين لم تغن الرجال شيئا , وذلك لاختلاف كلمتهم ~~فيما بينهم بزعمهم الباطل أن هذا غافري وهذا هناوي؛ واتخذ توام وهي البريمي ~~معقلا وبقيت فيها عمال أهل نجد حتى أزالهم الله على يد الإمام عزان بن قيس ~~رضي الله عنه. PageV02P177 # قال ناصر بن أبي نبهان: قام مطلق بحرب بلدان المعاول ثلاثة أيام , فقلنا ~~للشيخ لازم عليك إعانة المسلمين , فدخل المسجد ودعا عليهم في الحين ثم خرج ~~إلينا في صرح المسجد وعلى الصرح غماء , فقال في هذه الليلة ليذهبوا عنهم , ~~فلم يبيتوا تلك الليلة في بلدان المعاول من غير أن يدركهم أحد لمسيرهم , ~~قال ثم سار إلى الشرقية , فجئنا إلى الشيخ فقال: اعملوا له طريقة المزج ~~بقتل فلان بحروف النارية النحسة , قال ونحن في بلد العليا من وادي بني خروص ~~قال وأمرنا أن نجعله في الموقد الذي نقد فيه وقت الشتاء فما لبث ثلاثة أيام ~~إلا وجاءت الأخبار بقتله؛ والعمل كان ليقتل قال وكنا قد عملنا ذلك بين يدي الشيخ. # قال: وقتله في الشرقية كهول قليلون , وهو في جيش كبير. # قلت: وهؤلاء القاتلون هم رجال الحجريين؛ وكان قتله عند شكل أولاد عرفه ~~علوي الواصل جاءوا على حين غفلة , فسلطهم الله عليه بعد أن قتل من رجالهم ~~سبعة بيده , لأنه كان فارسا عنيدا, قالوا فأراد أن يجعل الدرع على نفسه فلم ~~يمكنه لضيق الحال , فاستوى على فرسه وكان يطعن بشلفة في يده فسقطوا ms431 عليه ~~على غير مبالاة بالموت , فمكنهم الله منه وانهزم قومه بعد قتله وقتل منهم ~~مقتله عظيمة؛ وذهبوا هائمين على وجوههم؛ وأراح الله منهم البلاد والعباد , ~~وكان قتله على ما قيل في سنة خمس وقيل ثمان وعشرين ومائتين وألف. # وجاء ولده سعيد بن مطلق في طلب ثار أبيه في سنة خمسين ومائتين وألف , ركب ~~في قوم من البريمي وجنبوا الخيل وأغاروا على بدية صبيحة العيد وهو يوم ~~الزينة فقتل منهم رجالا وقتلوا منه رجالا , ثم عطف راجعا فلم يعاود منهم ~~أحد بعد ذلك , فهؤلاء الوهابية الذين تراهم في جعلان والظاهرة إنما هم ~~بقايا من أتباع مطلق النجدي الوهابي. PageV02P178 # قال ناصر بن أبي نبهان ولما طغى الأمير النجدي في جميع البلدان قلنا ~~للشيخ عليك نصر دين الله ونصر المسلمين واجب فقال إن شاء الله اصبروا ~~وانظروا بما يرسل عليهم من محو آثارهم. قال فما كان بعده مدة غير طويلة ~~فوصل السر إلى سلطان مصر([1]) ونزل عليهم ومحاهم من نجد وقبض الأمر إلى ~~مصر؛ وأرسل الله على كل من صار إلى مذهبهم من أهل عمان من الشرقية بني بو ~~علي السلطان والنصارى ومحوهم ولم يبق أحد إلا من كتم نفسه أو رجع إلى مذهب ~~السنية. # قلت وقد رجعت بعد ذلك لبني بو علي قوة لكنها لم تبلغ القوة الأولى؛ فإنهم ~~كانوا قبل ذلك أهل عدة وعدد وصولة يضرب بها المثل يعتقدون القتال دينا؛ ~~وكان السلطان سعيد بن سلطان قد جيش لهم الجيوش من أهل عمان فلم يغنوا فيهم ~~شيئا، وكانوا كلما جاءهم بجيش هزموه ثم استعان عليهم بالنصارى([2]). وجمع ~~معهم أهل عمان فهزمهم بنو بو علي ثم جاء بنصارى آخرين وجاءوا بشدة لا ~~تقاوم، وطلبوا أن يكونوا في قتالهم منفردين لا يكون عندهم أحد من العرب إلا ~~الأدلاء فهجم عليهم بنو بو علي في منزلهم الذي نزلوه فقتلوا منهم خلقا ~~كثيرا وقتلوا منهم كذلك، ثم رجع بنو بو علي وكمنوا للنصارى في موضع منخفض ~~قريب من بلادهم فجاءت النصارى والمدافع تسحب أمامهم، وكانت ms432 محشوة بالسلاسل ~~فنظروا فلم يروا أحدا، وظنوا أن القوم قد كمنوا في الموضع المذكور فضربوا ~~عود غاف كان عند الموضع فظن بنو بو علي أن النصارى قد رأوهم فخرجوا من ~~مكمنهم ووثبوا على النصارى وثبة الأسد الباسل، فكانت المدافع تضربهم ~~بالسلاسل فتأخذ منهم جانبا فيلتحمون حتى ضربوا رماة المدافع، وكان قد قتل ~~أكثرهم بالمدافع وانهزم الباقون إلى بلادهم ودانوا حين استشعروا العجز؛ ~~فأسرهم النصارى وسبوا من ذراريهم، وحملوا من نساءهم إلا من شاء الله. PageV02P179 # وكذلك استعان السلطان بالنصارى على حرب أهل الشارقة من أرض الشمال فقهر ~~بهم عدوه، وكانت هذه الاستعانة منه أول سبب تدخلت به النصارى في ممالك ~~المسلمين من أهل عمان فبقوا آفة في ذراريه وعلة في مملكته يظهرون الصداقة ~~ويضمرون العداوة وإن أنكى الأعداء من يأتيك في صورة صديقك يظهر محبتك ويضمر ~~هلاكك، ثم خرج على السلطان سعيد بن سلطان بن محمد بن ناصر الجبري واستعان ~~بأهل نجد والغافرية واستولى على سمد نزوى وازكي ومنح وسمائل وسنا ووادم، ~~وكان جبارا عنيدا وكان على غير مذهب الحق ذكر الشيخ ناصر أنه كان حنفي ~~المذهب، والمشهور عند العامة أنه كان وهابيا، ولكن الشيخ أعلم به لأنه قد ~~عاصره وجاوره وذكر من وجوره وظلمه قطرة من بحر. # قال وذلك أني والشيخ ناصر بن محمد بن شايع الخروصي طنينا نسيئة([3]) مالا ~~له بثمانية قروش إفرنسيات، وجعل عليه الخراج في ذلك المال اثني عشر قرشا ~~ليسلمهن في ذلك الحين، قال وقس على هذا فيما وراءه فمن حصد قيمة عشرين فلسا ~~أخذ عليه ثلاثين هذا في غير زروع الحب، فإن الناس تركوا زراعته أصلا وإن ~~كانت الأمطار تمطر والأنهار تجري فإنهم تركوها تسيح في السيوح لا يزرع بها ~~أحد في خارج البلد فإذا قيل لهم كيف هذا قالوا إذا حصدنا ثلاثين صاعا أخذ ~~منا عليه خراجا دراهم عن ذلك قيمة سبعين صاعا، وتبقى الغرامة علينا لقيامه ~~فوق ذلك، وجعل ابن صاحب الرسالة الثلبية قاضيا له على البلد التي هي من ~~نزوى بسمد، وسيأتي ms433 تمام خبره وإنه طلب الشيخ ناصر ليقتله، وإن الشيخ قتله ~~بعلم السر، ونذكر ذلك كله إن شاء الله تعالى نقلا من كلام الشيخ ناصر. # ---------------------------------------------------------------------- ~~-------- # [ PageV02P180 1] - هو الأمير محمد علي جد العائلة المالكة بمصر وكان ~~يومئذ واليا من قبل الدولة العثمانية على مصر ثم استقل بها استقلالا كاد ~~يكون تاما لما حارب الدولة العثمانية واحتل الشام وقضى على الحركة الوهابية ~~بالحجاز وطاردها حتى بلغ عاصمتها الرياض فاحتلها وكادت الوهابية تموت ~~وينقطع أثرها والملك لله يؤتيه من يشاء. # [2] - قلت أراد الإنجليز وهذه البادرة كانت أول ظهور الاستعمار الإنجليزي ~~في الخليج الفارسي بالفعل بعد أن مهدوا له بالدسائس ثم أخذت بعد تظهر ~~المنافسة الفرنسية لكنها لم تستطع الصبر إزاء اليد الإنجليزية فصفا الجو ~~للآخرين فكان منهم ما يشاهد اليوم من تمكنهم بالخليج وجزيرة العرب والأمر لله. # [3] - الطنين بيع تمر النخل خاصة وقيل بيع ثمار الأشجار. # ذكر ولاية طالب ابن الإمام على الرستاق من قبل ابن أخيه السلطان سعيد بن سلطان # وكان بالرستاق أولاد السلطان سعيد ابن الإمام، وكان طالب أعمى ولكنه يظهر ~~التجلد والتصلب حتى أنه سقط يوما في حفرة حفرت لفسل نخلة، وكانت الحفرة ~~غريزة نحو قامة فالتحم عليه قومه يقولون طحت طحت في هيئة المتندم على ~~إغفاله فقال لا وإنما أردت أن أقيس غرزها، ثم اخذ ينقد على حافرها يقول لم ~~لا سويتها من هنا ولا حفرتها من هنا، وإنما كان سقوطه فيها لأنه لا يرضى أن يقاد. PageV02P181 # وكان هذا في مال بالرستاق بعد أن صارت إليه والمال من بيت المال، وكان قد ~~استأذن ابن أخيه السلطان سعيد أن يسير إلى الرستاق وطلب منه المعونة على ~~ذلك فأعانه، وخرج في هيئة من يحضر للقبض حتى نزل في بيت الوقفان من قرية ~~عينى من الرستاق، وكان قصرا عاليا فجاء ملك الحصن وهو أحمد بن سعيد بن أحمد ~~الإمام ليسلم على عمه. وكان قد هيأ له العسكر ليمسكوه إذا دخل من الباب ~~ويحيلوا بسد الباب بينه وبين من يتبعه من قومه، فلما دخل أحمد ms434 قدام قومه سد ~~الباب دونهم وأمسك طالب أحمد بيده، وكان قد قام له في هيئة المحي فقبض هو ~~ومن معه، ثم أمر به فقيد ثم قام إلى الحصن وحاصره حتى فتح له. # وانتقل أولاد سعيد بن أحمد إلى المنصور ومنهم من سكن وبل، وبقى طالب في ~~الرستاق عاملا من جهة ابن أخيه وملكها ملكا شديدا وحمى بعضهم عن بعض وكان ~~ذلك في آخر عمر أبي نبهان رضي الله عنه، وذكروا من ضبطه أنه كان لا يرضى أن ~~يحرص أحد ماله في المصطاح والجنور، وقيل أن رجلا حرص ماله في الجنور ليلة ~~فعلم به طالب فأرسل إليه وهدده وقال أنت ما اكتفيت بحمايتنا ولا أدري قالوا ~~عاقبه أم لا، وإن أهل الوشيل في أيامه كثر فيهم سرقة الزرع وثمرة النخيل ~~فأخبر بذلك فيقال أنه أرسل قدر ثلاثين عسكرا من حيث لا يعلم بهم وأمرهم أن ~~يقفوا على أبواب حارة الوشيل بالليل، فكل من جاء من خارج بزرع أو جداد ~~قبضوا عليه ففعلوا ذلك وقبضوا على جملة اللصوص وجاءوا بهم إلى حصن الرستاق ~~ومعهم ما سرقوا فسجنهم طالب فأصبحوا مفقودين من الوشيل فتساءلوا عنهم ~~فأتاهم الخبر أنهم بسجن الرستاق فساروا إليه ليكلموه فيهم فما أطلقهم إلا ~~بكفالة من أعيانهم وارتفع الضر عنهم بذلك. PageV02P182 # وذكر الشيخ ناصر ابن أبي نبهان أن طالب ابن الإمام كان مضمرا للشيخ أبي ~~نبهان وأولاده كل العداوة وإن أخاه محمد بن الإمام كان محسنا إلى الشيخ ~~غاية الإحسان، ومن فعل الجميل ذكر به والعكس في العكس، قال ولم يزل طالب ~~يحاول للشيخ المكائد ويلتمس له المعاند حتى أجابه الريامي يعني الشيخ ~~سليمان النبهاني، وكان بنو ريام جنده فأجاب طالبا إلى المراد بإظهار ~~العناد، قال فنزل إلى الجار وهم بنو بحري. # قال وكانوا أشد عداوة للشيخ، ولكن لم يقدروا على مخاصمته فيما مضى مجاهرة ~~فوعدهم بالنصرة وأمرهم أن يبدوا بالمضار؛ وذهب عنهم وسار فأصبح الضر في بعض ~~أموال أصحاب الشيخ واحتصنوا في بيت كبيرهم حتى يصلهم الريامي فوصل الناس ms435 ~~للإصلاح فلم يقدروا عليهم وحذرهم الشيخ أن لا يبدؤهم بالحرب أبدا فسار ~~إليهم ولد الشيخ نبهان ليكلم كبيرهم في الصلح بغير سلاح، وربما من غير زم ~~لقميصه بزمامها من السرة بل شدها من أمامه بعضها ببعض، ونهاه والده وقال لا ~~تخلف علي. # قال وكان كبيرهم أقرب المقربين مع ولد الشيخ نبهان؛ وربما كثر ماله بعطاء ~~الشيخ نبهان له فلما دنا من الباب ومعه أخوه الشيخ سعيد بن أبي نبهان ~~لينادي كبيرهم ضربوهما ببنادقهم فأصابتهما ومات نبهان في تلك الليلة وقتل ~~منهم رجل وانهزموا إلى جبل بني ريام، وأما سعيد فقد عافاه الله بعد زمان ~~ونزل بهم الريامي ووصل العبري وأصلحوا الحال بين الفريقين بالكف عن بعضهما ~~البعض لا غير. وذكر غيره أن قتل نبهان كان في سنة ستة وثلاثين ومائتين ~~وألف، قال وكان ذلك قبل موت الشيخ بسنة. PageV02P183 # قال الشيخ ناصر فلم يكف ذلك الجبار المريد في الشيخ وأولاده، وأخذ كبير ~~الجار إليه وأسكنه في بيته وأحسن إليه وأثاره إلى ما أراده منه؛ وكانت لهم ~~حجرة في السفالة من العليا فأمرهم أن يحتصنوا فيها، وفيها بيت مانع ليتيم ~~وهي على مضيق الوادي ولا طريق للبلدان من العليا إليهن إلا تحت الحجرة، ~~فقطعوا الطريق عن المرور فيها من أصحاب الشيخ؛ وذهب كبيرهم إلى الريامي ~~لينزل معهم وأرسل أصحاب الشيخ إلى عشيرتهم من بلد المشائق، ووصلوا قبل وصول ~~بني ريام وأمرنا الشيخ بحربهم وقلنا حتى يبدأونا. # قال إن المسلمين حربوا من بغي بأقل من بغيهم، حربوهم حتى يهدموا حجرتهم ~~فلم يبتدوهم حتى مر رجل من نسل أحد آباء الشيخ يسمى حنظل في الطريق، فلما ~~كان بحذاء حجرتهم ضربوه ببنادقهم من الحجرة فأصابته ضربة في الورك ولم ~~تقتله، ووقعت الحرب يومئذ واحتمى كل فريق منهم في بيت وتركوا بيوتهم، ~~وأحرقت المنازل وخشيت كثير من أموال الفريقين وأحاط أصحاب الشيخ بحجرة الجار. # قال وكان الوالي يومئذ على الفريقين صاحب نخل الشيخ سعيد بن سيف المعولي ~~ولاه السلطان سعيد بن سلطان بن أحمد؛ قال وهو ms436 ابن أخ هذا الجبار؛ ووصل مع ~~الفريقين وقد صح معه المتعدى فقبض الحجرة وأمره الشيخ بهدمها، فقيل له أن ~~البيت المانع فيها الذي هم متحصنون فيه لأيتام؛ قال أهدموه وغرامته فيما ~~بينهم وبين الله، وفي الحكم عليهم لأنهم هم كانوا فيه السبب لهدمه فهدم ~~وصلح الحال بالتوقيف عن الزيادة؛ وبقي كذلك أشهرا ليس لهم قوة على المعاندة ~~ولا للريامي إذ ليس لهم منع يتحصنون به. PageV02P184 # قال فلم يكف الجبار ما قد جرى من المضار، فلم يزل يطلب من ابن أخيه ~~الرخصة في بناء حجرتهم وأنه هو المتكفل بهم إن تعدوا حتى سمح بذلك على غير ~~رضا من الشيخ فحينما بنيت ذهبوا بليل إلى العليا؛ ورصدوا للساقي بالماء في ~~الأموال وقتلوا رجلا من أصحاب الشيخ يسمى عبيد بن سعيد الخروصي ووقعت الحرب ~~بين الفريقين وأحاط أصحاب الشيخ بالبيت؛ ووصل الوالي وقبضه وأمر بهدمه ~~وأمره الشيخ أن لا يتركوهم يسكنون هذه الحجرة ما داموا على أحوالهم هذه، ~~وتوقف الأمر ومات الوالي وجعل أخوه الشيخ خلفان بن سيف واليا بعده فطمع ~~الجبار أن لا يكون مثل أخيه قويا وطلب واجتهد لعمارة الحجرة فطاوعه ~~السلطان، فعمروها في حين، ثم إن أهلها منعوا الطريق عن المرور عن مسير ~~أصحاب الشيخ إلى أموالهم التي بالسفالة، وأقاموا الحرب. PageV02P185 # قال وكل ذلك طاعة للجبار ويمدهم بما يحتاجون إليه وأحاط بهم أصحاب الشيخ ~~وقال ووصل هذا الوالي الآخر وقبض أحد من كبرائهم ووقف الحرب والمضار وأخذ ~~الكبير إلى نخل ليذهب به إلى السلطان وألحقه([1]) أنا للصلح وصار كل منا ~~آمنا من المضاررة في أمواله فسمعنا حسا كأنه أحد تخشى في الأموال خفية في ~~الليل فأرسلنا إليهم فقالوا نخشى بأمر الشيخ، فمنعناهم فعلم بذلك فأحضرنا، ~~فقال من منعني منكم عن الخشي، فقلنا له نحن، فقال هل يجوز هذا في شرع ~~المسلمين أن تمنعوني عن أخذ حق هو لي؟ وجائز لي أخذه، قلنا له إن الوالي قد ~~منع ذلك، فقال هل يجوز للوالي أن يوقفني عن أخذ حقي، فوقف الحرب بحكم ms437 باطل ~~ظلمني فيه، لأنه أخذ كبيرا منهم، ووقف الحرب ولم يهدم البيت، فأنا لم أحرب ~~لأقتل أحدا بل ما كان حربي إلا لهدم البيت، وقد عزمت على القول حتى قرب ~~حصون المطلوب، فضيع علي الأمر فيحتاج إلى غرامة أخرى، أليس هذا من الباطل ~~منه لي، ولا شك أنه باطل لو كان عارفا لعرف أن عليه غرامة ذلك لي، والحكم ~~أن عليه أن يحرب معنا حتى يهدمه إن قدر على ذلك، لأنه منكر، وعلى كل من علم ~~به أنه صار في حكم المنكر أن ينكره بهدمه مع القدرة على ذلك أو يعين من ~~ينكره إذا علم أنه كذلك وقدر على الإعانة، وأمره ظاهر أنه على طريق ~~المسلمين وبغيهم ظاهر والإياس من صلاحهم حاصل. # قال فهذا على معنى قوله رحمه الله قال ولم نقدر أن نكفه عن الأمر بالخشي ~~إلا بالوعد مني له أني لا صالح على هدمه، فقال إن لم تهدمه كان منك السبب ~~على تركه؛ فإذا وقع منهم ضرر فأنت شريكهم في الإثم؛ قلت له الطاعة لله ثم ~~لك. قال وذهبت مع الوالي وذهبنا إلى السلطان في مسقط، ووقع صلح السلطان بأن ~~نسلم لهم قيمة البيت ويهدم. PageV02P186 # قال ودفع السلطان الثمن إلي خفية عنهم، ودفعت ذلك إليهم والبيت في قبض ~~الوالي وأمر بهدمه وهدم، ووقفت الحرب لعجزهم عنها بغير منع، ولم تكن حيلة ~~للجبار، إذ لا قدرة لهم إلا بالمنع قال ولم يكفه هذا، إذ ليس له إرادة إلا ~~هلاك لشيخ وأصحابه الساكنين معه في بلده مقدار خمسة وعشرين رجلا، ولكن معه ~~عشيرة وأصحاب من بلدانه التي هي بأسفل من حجرة الجار وجاره مقدار مائة رجل ~~يعني بني بحري قال ولكن ينزل معهم الريامي في مقدار سبعمائة نفس، والله ~~أعلم قال وكان في نفس السلطان من العداوة للشيخ وأولاده وإرادة السوء لهم ~~ما في ضمير عمه لهم، والعلة واحدة. # قال ولكن قد تبين له من قبل بضياع شيء من ماله، فتضعضعت عليه جميع أموره، ~~فلما صلح حاله معه صلحت أحواله ms438 التي كانت تضعضعت عليه، ولم يقدر أن يتبين ~~له خوفا من دعوته إلى الله الجبار أن تؤثر فيه شيئا من آثار الدمار؛ قال ~~ومن حيث أن الوالي ليس في إرادته ذلك، بل لا يرضى في احد الفريقين إلا ~~الإنصاف بالعدل بينهما، وأدب المعتدي بما يستحقه في الحكم، وبقي كذلك ~~الأحوال ساكنة بين الفريقين، قال ولم يقدر المريد طالب الجبار العنيد بعد ~~ذلك على السعي في بناء الحجرة ما دام الوالي حيا، ولم يبق زمانا إلا ومات - ~~يعني الوالي خلفان بن سيف - قال وما كان بينه وبين موت الشيخ إلا مدة قليلة. # وذكر ذو الغبراء خميس بن راشد أن موت أبي نبهان كان يوم ثالث من شهر الحج ~~سنة سبع وثلاثين ومائتين وألف. قال الشيخ ناصر: وكان عمره تسعين سنة عدد ~~أحرف اسمه تعالى ملك. PageV02P187 # قال وأما الجبار فإنه قبل موت الشيخ لم يزل يحاول على ولاية الرستاق ~~لتكون له ولاية الفريقين ليفعل في كل منهما ما يهواه هواه حتى اتفقت له ~~وتولاها؛ ولكن بقي الفريقان في ولاية ولد الشيخ الوالي الأول سعيد بن سيف ~~المعولي الذي ذكرناه، وسار في الفريقين سيرة أبيه، ولم يقدر الجبار أن ~~يعارض وهم في غير ولايته إلى أن مات الشيخ كما ذكرناه؛ فتشمر المريد وابن ~~أخيه جميعا لإظهار ما أكناه من العداوة والإرادة في أولاد الشيخ بسبب ~~عداوتهم لأبيهم، قال ولم يكف الجبار إلا هلاك الشيخ وهلاك نسله وأمواله ~~ومنازله وتدمير ما صنفه من العلوم النافعة؛ وأنه في آخر أمره بعدما تولى ~~الرستاق ليتولى الفريقين فيفعل في كل منهما ما يهواه هواه؛ ولكن بقي ~~الفريقان في ولاية صاحب نخل سيف بن الشيخ الوالي الأول الذي ذكرناه سعيد بن ~~سيف وأخ الوالي خلفان بن سيف، قال وسار الولد سيف في الفريقين سيرة أبيه ~~وعمه مدة قليلة. # قال ولم يقدر الجبار يفعل ما يهواه هواه في الفريقين وهما رعية غيره، ~~كذلك مدة قليلة ثم توفي الشيخ، قال فحين توفي الشيخ تشمر الجبار إلى ما ~~أراده في نفسه ms439 وقصده؛ قال والتمس من ابن أخيه السلطان ليوليه الفريقين ~~ويفسح له أن يفعل في أولاد الشيخ ما يشاء؛ قال فوجده أشد عداوة منه، وأنه ~~ما كتم في حياة الشيخ ذلك إلا فرقا منه، فخذل بذلك. PageV02P188 # قال ولا طفى خدعا أن تأتلف ائتلاف العناصر والخناصر بالبناصر؛ وأكتب له ~~شيئا مما يبطل عنه جميع الأعمال الطلسمانية ولا تؤثر فيه جزما؛ فأجبته لذلك ~~على عهد وميثاق أن يكف أذاه عن إخوتي أولاد الشيخ؛ فأجاب، وجعلت ذلك من ~~أعظم الصلاح لهم، قال فمزجت له من الحروف النارية الممتزجة ذوات النقطة ~~منها بحروف تبطيل السحر من فلان، وأتممت العمل فيه بالطريقة التي عملها ~~الشيخ في المزج بتبطيل حركات فلان المقدم ذكرها وشربه في إناء وفي كاغدة ~~اتخذه حرزا، وهذا من أقوى الأعمال في هذا، حتى قيل في المسحور إنه لو كان ~~قد غاب حسه وانطرحت جثته أفاق من ساعته وحينه إذا شربه، فكل من عمل له ذلك ~~لا يضره عمل. PageV02P189 # قال فلما عرف سره تشمر العدو للحرب؛ فأمر الجار بقطع الطرق من حذا حجرتهم ~~عن مرور أولاد الشيخ وأصحابهم إلى سقي أموالهم ومعاناتها؛ وقطعوا سقي ~~أموالهم فأرسلوا عليهم فقالوا لا نخالف طالب بن السلطان فيما أمرنا؛ وهذا ~~بأمره، فلم نصدقهم فراجعنا الجبار فقال لقد كذبوا وهو الكاذب، وكان موضعا ~~في جبل أعلا من بيت الأخوة مرصدا يسمى أهل عمان ما كان مثله بومة؛ وليس ~~حيلة ليدخل البلد إلا إذا قبض ذلك المرصد فهبط الإخوة من بينهم ليأمن ~~السارقون لأموالهم وليس لهم طريق إلى ذلك لأجل قطعهم الطريق فمروا في الجبل ~~وهم خمسة نفر من أولاد الإخوة وأصحابهم فما كان إلا قليلا حين صاروا بحذاء ~~حجرتهم إلا والجار من أعلاهم يضربونهم بالبنادق؛ وما كان بينهم وبين ~~أصحابنا أكثر من خمسة عشر باعا فلم يصب أحد منا؛ فسلوا سيوفهم؛ فسل أصحابنا ~~سيوفهم؛ فأصابوا منهم رجلين وماتا في الحال وانهزموا جميعا ولم ندر من ~~الجبار أن هذه حيلة منه لقبض المرصاد الذي ذكرناه؛ وهو الذي يحصرنا به عن ms440 ~~الماء فأرسل إليه أناسا من بني ريام ونزلوا فيه على غفلة منا؛ ودعى بكل ~~ريامي حيث كان ومن حيث ظن أنه ليجيبه، ونزلوا في مقدار ألف نفس؛ وجاء هو ~~بنفسه إلى حربي وأنا في بلد سوني؛ وهي التي تسمى العوابي، وأنا في بيت صغير ~~عند شريعة الفلج عند بيت كبير لوالدي ولبعض عشيرته جاءنا في مقدار ألف نفس، ~~قال وما معي غير ستة أنفار؛ تركت ثلاثة منهم في بيتي وثلاثة في البيت ~~المنسوب للشيخ وأرسل ابن عمه السلطان إلى العشائر ليعينوا عمه، فإذا جاءوا ~~إلى الجبار قالوا على أي شيء تحربهم وعلى أي سبب، لأن الحرب لا يكون إلا عن ~~سبب فيحربون إلى أن يؤدوا الواجب، فقال لا أدري ابن أخي أمرني بذلك، وهذه ~~خطوطه لي ومكتوب في آخرها بعضها بخط يده حين نظرني إياه: لا بد من هلاككم ~~وإذا ساروا إلى السلطان بذلك؛ قال لا أدري عمي أراد لهم وهذا خطه، فلما ~~عرفوا منهما ذلك سكتوا عنهما. PageV02P190 # قال وهو يضربنا بالبنادق والمدافع؛ ولكن جميع القوم لا يضربنا من يضرب ~~منهم إلا بالباروت؛ وقطع الخرق القديمة. # قال وكنت أذهب إليه وأجلس معه في القوم، وقد اتخذ معه شاعرا فاسقا متهما ~~بالرجال يسمى سعيد بن أحمد اليحمدي؛ فيهجو بنظمه من شاء أن يهجو بالصفات. ~~قال وكفاه خبثا أن سماه الشيخ سفلة من الرجال، قال واتخذ متعلما متكلما ~~خبيثا ثنيان بن ناصر المعولي، قال وكان كثير الخبث مطاوعا له في جميع ~~أموره؛ اتخذه ليعمل له سيرا فيمن يريد أن يطعن فيه بالباطل من المؤمنين. ~~قال واتخذ متعلما آخر يسمى سليمان ولا فائدة في تعريفه، وفي ظاهر الأمر أنه ~~عارف، فقال الجبار وأنا معه في الحرب: أتريد أن تعرف ورع سليمان؟ قلت إليك، ~~فنادى الشيخ سليمان؛ فقال لبيك؛ قال حرب أولاد الشيخ جائز أم لا؟ قال جائز ~~حربهم؛ قتلهم وهدم بيوتهم وخشى أموالهم، ولم يدر أني مع الجبار حينئذ. قال ~~فقلت له بأي وجه أجزت ذلك فينا؛ فنكس رأسه استحياء مني ولم يستح ms441 من الله ~~وقال كيف نقول؟ لم نقدر أن نسكن معهم إلا أن نقول بما يرضيهم فقلت هذا وجه ~~إذا كان على هذا أي وجه من طرق الشيطان. PageV02P191 # قال ودام الحرب كذلك سبعة أشهر، وخشيت ما بقي من أموالنا من العليا، ~~وقطعت الأشجار، ونزل من البيت ولد الشيخ ماجد ومعه أحد عشر رجلا في الوادي ~~وكر عليهم وقتل أنفارا وانهزموا على كثرتهم ولم يقدروا بعد ذلك أن ينزلوا ~~قال وبعد ذلك انقد([2]) جدار الأجل، يعني بركة الماء التي يوردون منها، ~~وأيقنوا بالغلبة والقتل، فعملت الحيلة وقلت لهم اكتموا الأمر، فصالحته على ~~أن نخرج من بيوتنا ونحول طاعتنا، فأجاب إلى ذلك لظنه أنه لا يقدر علينا ما ~~دام معنا ماء، ولم يعلم بذهابه، فحولنا ذلك وخرجنا وقبض البيوت وهدمها ودعى ~~بنا إلى الصلح ليحسب قيمة الأموال ومبلغ دية القتلى ويقاصص ما بيننا، فقلت ~~ليس الحق كذلك في قول والدنا إن المبتدي بالحرب ظلما عليه كل ما أفسده ~~والمحروب ظلما ليس عليه شيء مما يفسده على من حربه، ولا على من كان معهم في ~~إعانتهم في ظاهر الأمر لعله سأل وتوقف. # ووقف الحرب وبعد مدة رجع الإخوة إلى بيتهم؛ ولم يسمح ليبنوه إلا بناء ~~ضعيفا؛ وعاش على أذائهم دائما في حياته. # قال ثم انتقلت إلى نزوى وسكنت في العلاية في موضع يسمى الجمى قريبا من ~~مسجد خب القش. # قال وولى أمرها يومئذ وكثير من بلدان تلك النواحي التي تسمى عمان محمد بن ~~ناصر الجيري حنفي المذهب، وبلغ من أمره ما قد بلغ، ثم ذكر من جبره بعضا؛ ثم ~~قال وجعل ابن صاحب الرسالة الثلبية قاضيا له على البلدة التي هي من نزوى ~~سمد، قال وكان هو أعلم من فيها. # قال وأما أفضل من فيها فالشيخ العالم الورع الثقة السميدع الضرير علي بن ~~سليمان العزري رحمه الله؛ وهو من نسل العالم موسى بن علي رحمه الله، ومعهم ~~أصحاب متعلمون ولكن دونه في العلم، وهم أهل زهد وورع؛ وقد بلغوا حدا من ~~حدود الكمال في ms442 الفضل قال وكلهم يقولون ذلك القاضي. وقال في موضع آخر: # ---------------------------------------------------------------------- ~~---------- # [1] - الظاهر أن المراد وألحقه بكتاب فيه: أنا للصلح. الخ. # [ PageV02P192 2] - أي انقض. # بيان ما كان من ولد العبادي # من الكلام في أولاد الشيخ، ولاه الحكم في نزوى والي من أهل المذاهب ~~لأربعة تولى على ازكي ونزوى ومنح وأدم ولاية فلم ير أصحابهن أشد منه ظلما، ~~إذ ليس هو على مذهبهم، فلم يدخل قلبه بعض رحمة على أحد منهم حتى مات؛ وكان ~~ولد علي بن مسعود العبادي وهو الشيخ العالم عامر بن علي الذي ولاه الحكم ~~أكثر أهل زمانه في العلم؛ وأما في العمل به فالإعراض عن الكلام في بيان ذلك ~~ورسمه أحرى ولا فائدة لنا في ذلك، ولكن مما يدل على بعض أحواله بعض نظمه في ~~أولاد الشيخ في هذه الحرب الواقعة عليهم كما ترى، ومن يهد الله فهو ~~المهتدي؛ ومن لم يهد الله فما له من هاد. # قال: وصل كتابك الشريف أيها الشيخ الأبر العفيف الثقة الشيخ سليمان سلمك ~~الله وعافاك وأبقاك ذخرا لنا ولكافة المسلمين، وكفاك ما اكتنف دارك وموطنك ~~وقرارك من غياهب الفتن ما ظهر منها وما بطن، وفهمنا منه ما يشغل القلوب، ~~فيذهل العقول بل القضا قد مضى فانقضى، ولا حيلة في تغيير ما ترجمه القلم في ~~اللوح المحفوظ، نسأل الله أن تكون العقبى في هذا في الآخرة والأولى خيرا إن ~~شاء الله تعالى، ومن المرجو منك أن لا تقطع صغيرك التعريف فيما يحسن كونه ~~منك له كما هو لك كذلك النية والاعتقاد والله الموفق على موافقة ذلك القول ~~بالعمل وعليك مني جزيل الشكر والتحية والإكرام. # وممن ذكرتهم وعرفتهم بالسلام من الإخوان في الإسلام من العبد الفقير ~~الحقير المقر بالزلل والتقصير، عامر بن علي بن مسعود بن علي بن علي بن محمد ~~بن خلف بن أحمد بن علي بن محمد بن عباد بن محمد بن عباد العبادي بيده، وإن ~~بدت حاجة تقضى إن شاء الله، وهاك في معنى هناك هذه الأبيات قلتها حين وفد ~~على كتابك الكريم ms443 فذكرت المعاهد وصفاء الموارد الذي كنت إليها واردا وانظر ~~عساها تكون قاضية إلى تلك المعاني؛ قاضية على ما تعلق بها من المباني فقلت شعرا: # محال أن تكون لنا بقاع = مناديسا يدس بها المتاع PageV02P193 وعزا للرجال ~~إذا اعتراها = اعتداء وافتتان أو ضياع # ولكن الرجال لهم طباع = تصان بها المواضع والضياع # فهذا ديدن النجباء منهم= وبعضهم لبعضهم سباع # ألا يا أيها المرتاب فيما = نبأت به فما عنه نزاع # فذاك الصدق والحق المنير = حكى شمس النهار له شعاع # كفاك بما تراه من الرزايا = بوادي بني خروص والسماع # بموت ذوي الحلوم فتى خميس= ورباني الورى وقع الشناع # لقد ذهبت مهابته وضلت = فلا يرجى لها فيه ارتجاع # وتاه المحتمون به فعابوا = وشيكا عاقهم عنه انتجاع # وشتت شملهم وذرى ذراهم= ونال حماهم العالي اتضاع # فلم تحميهم السمر العوالي = ولا ما شيدوه ولا اجتماع # فلم يمنعهم حرص الصياصي = ولا رصد الشوارع والدفاع # لقد اخذوا بهذا الأخذ لما= بليد الرأي صار هو المطاع # تغلب قلبه الأهواء حتى = به جرت مطيته الرعاع # تردد سيره في كل واد تضعضعه الفدافد والتلاع # فصبر ا بادي الآرا جميلا= على ما لا له عنه اندفاع # ولو هو حيث ما نادى أبوه= ونادته المحابر والرقاع # هلم بنا فنحن إليك حصن= به مس العباهلة ارتياع # نناصر دوننا وأبوك يوما= مضى في مضنا البطل الشجاع # فلباها على عجل مجيبا = لصح له على الجوزا ارتفاع # ولكن القضاء عليه جار = وعترته فما عنه انصداع # عساهم غيروا فرموا بهذا = وغيرت المنازل والبقاع # فما ظن التعزز بالصياصي = وبالشم الرواسي له امتناع # إذ اجتثت براثين البرايا = فدع من لا له منا استماع # وإن منح الزمان بمثل هذا = غريبا فهو منه لنا اختداع # فلا تغررك الأحلام دار= بها الغوغا لمذهبها مطاع # فيا الله من زمن رماني = ببلوى لا لها عني انقطاع # سوى كف المنية فهو يقضي = لما يني الزمان به انقشاع # فيا خسر البرايا حين أودى = أبو نبهان حاق به الضياع # قال الشيخ ناصر، وكتب سليمان في القرطاسة بعد هذه: PageV02P194 # واصلكم أيها ms444 الأخوة المشايخ ثنيان بن ناصر المعولي وسعيد بن أحمد اليحمدي ~~قرطاسة فيها ثلاثون بيتا، فالمرجو منكم أن تنظموا على منوالها كل واحد ~~بعددها وأرسلوا الجميع وبينوا في نظمكم الصور الموجودة زيادة للبيان ~~وللإستحقاق لما وقع وجرى وأنتم محل النفس، فكونوا كما ظننت فيكم، والسلام ~~من سليمان بيده قال الشيخ ناصر: ونحن لا لنا حاجة بأن نتكلم في شرح ما رقمه ~~سليمان. ولا ما نجده عن سعيد بن أحمد، ولا عن ثنيان من الطعن في أهل ~~الإيمان بما لا يجوز في دين المنان، لأنهم لا من ضعفاء أهل العلم، فضلا أن ~~يكونوا من العلماء، بل هم معروفون أنهم من الجهلاء الذين يرضون الأمراء بما ~~يريدونه منهم على ما يحبونه، ولو كان على غير اعتدال الميزان ميلا إلى هوى ~~السلطان. # قال وكفى بسيرة الشيخ أبي نبهان التي لوالي حصن السويق محمد بن السلمان ~~أحمد ابن سعيد بما أبداه فيها من الذم لسعيد بن أحمد اليحمدي، دليلا على ~~حسه، وقد جعله والي نخل قاضيا في بلد نخل، ومات رجل لم يخلف غير خمر؛ وكان ~~لولده حق عليه؛ فحكم أنه يجوز أن يباع لقضاء دينه إذا لم يوجد له لوفاء ~~دينه، فدعي بأهل الفسق وعرفوا أن هذا لا من الحق؛ ونادوا به على سبيل ~~الاستهزاء به ليشهروا أمره شاهرا ظاهرا، ونادى أهل الإيمان بالنكير مع أولي ~~الأمر فلم يسمع لهم وباعوه بلا حياء من أحد؛ فإذا كان مثل هذا وثنيان بن ~~ناصر إخوته وهو يعلم بما يجري منهم قال والناظم لهذه المنظومة إذا كان يرضى ~~من إخوان هؤلاء الثلاثة ويرضى أن ينزل منزلتهم، فنحن نرضى أن ننزله في ~~الحكم الذي ينزل فيه؛ وإن كان لا نرضى إلا الحق. # وقال في موضع آخر: بقي طالب يعاودهم في الحرب أربع عشرة سنة، والثلاث ~~سنين في زمان والدهم. PageV02P195 # قال ولما صرت بنزوى لم أكن أشتغل بأذى الجبار؛ ولم زيل الإخوة دائما ~~مستأذين حتى هموا بالفرار من أرض عمان إلى ما شاءوا من الديار؛ قال وعرفوني ~~أما أنفعنا ms445 بشيء من الأسرار، فشمرت وعملت صورتين من شمع إحداهما صورة ~~الجبار والأخرى صورة السلطان. # قلت: التصوير حرام ولا أدري بأي وجه استجازه الشيخ ناصر؛ ولا أقول بجوازه ~~حتى للمعنى الذي أراده. قال وفرقت في الأعضاء أعداد الوفق الثلاثي ومع كل ~~عدد حرف ونكستهما في التعليق واتخذت لوحا من فضة وصورت فيه صورتين إحداهما ~~معكوس رأسها مع قدميها، هي صورة السلطان؛ والأخرى معها قائمة معتدلة ورسمت ~~أنه الملك والانتزاع؛ كل كلمة منها في الصورة التي توافقها من الملك والعز ~~للقائمة ليكون في السؤال ممن هو خير منه، والانتزاع والذل للمنكوسة؛ قال ~~وتلوت عليهما وعلى صورتي الشمع ما قد أشرت إليه في ديوان المصطفى الذي ~~صنفته كله نظما على حروف المعجم في الصنعة الفلسفية والحكمة الربانية، قال ~~وهو أخصر من النثر وأحضر. قال ورسمت المشار إليه في كتابي طرف الألطاف، ~~والسر الخفي في شرح مربع الشكل القافي؛ والشكل الألفي؛ قال والمراد بذلك ~~هلاك الجبار - يعني طالب بن الإمام - وتضعضع ملك السلطان؛ يعني سعيد بن ~~سلطان. قال ولم أرد هلاكه خوفا أن يتولى بعده الجائر الظالم محمد ابن ناصر ~~الجبري؛ وهو حنفي المذهب، فلا يؤمن منه إذا تمكن ملكه في عمان أن يدعو ~~الناس إلى مذهبه بالجور والعدوان. PageV02P196 # قال وعرفت الأخوة أن اصبروا السنة ونصف سنة؛ فعند انقضاء ذلك يقضي على ~~الجبار ويتضعضع ملك السلطان؛ قال وإنما احتاجا إلى هذه المدة لما ذكرته من ~~الرسم لهم في تبطيل الأعمال عنهما؛ وكان يأتيني في بعض الأوقات نوم كثير ~~وأعاني على ذلك أهل الورع والتقوى من أهل سفالة نزوى بالقهوة التي هي شربة ~~البن لأقدر على التلاوة في بعض الليل وأقوى فنفعت؛ ويقولون لي أكثر من ~~التلاوة؛ فأقول لئلا يموت في دفعة من الألم، فلا يكون عبرة لغيره من أهل ~~المظالم فطول السقم أشد عذابا وجزاء في النقم. # قال فما كان أشهر إلا وتألم واستقم وصاح وناح وتحير، فلم يمكنه أن يقف في ~~مكان أبدا؛ ولم يزل ينتقل به على سواحل البحر من بلد المصنعة ms446 تشريقا من ~~موضع إلى موضع؛ يحمل على أعواد الخشب، لا يقدر على القيام، بل على جنبه ~~يغلب ويتقلب حتى انتهى إلى مسقط فلم يستطع الوقوف فيها مدة لتحيره، وثبت ~~ينقل من موضع إلى موضع تشريقا من مسقط؛ ودام على هذه الحالة سنة كاملة أو ~~أكثر، ولم يزل كذلك يحمل وينقل راجعا إلى الرستاق؛ ووصل ومات فيها عبرة ~~لأولي الألباب؛ ولم نعلم له ولا علمنا أنه علم به غيرنا أنه تاب، بل لم يزل ~~وهو على تلك الحال على الإصرار في الظلم إلى أن قضى نحبه، ومرده ومردنا ~~جميعا غدا إلى الله الملك الوهاب. PageV02P197 # قال وأما السلطان فلم يزل يتضعضع عليه التوفيق حتى أخذ عليه شيء من حصون ~~البلدان الشاسعة من ولايته له؛ قال ثم نهض رجل فقير متورع من أهل التقوى في ~~ظاهر حكمه زجر؛ يعني أنه يزجر له في الباطنة بموضع قرب صحار يقال له ~~القصير، قال واسمه حمود بن عزان بن قيس بن السلطان أحمد بن سعيد البوسعيدي، ~~قال كان أبوه وجده واليين على صحار ونواحيها ومات عنه أبوه وهو في سن الصغر ~~قال: واختلس خفية بأناس قلة؛ فأخذ حصن صحار وهو في ولاية السلطان سعيد بن ~~سلطان بن أحمد بن سعيد قال وسعى بغير حرب إلى قبض ما بقي من الحصون التي ~~بنواحيها، وقد انتبهوا له وتشمروا لحربه، فلم ينفعهم حزم وحصلت هل جميع ~~حصونها في أقل من شهر بأناس لا يزيدون على أربعين نفسا، وحصن ينقل أخذه ~~بخمسة وعشرين نفسا وكلهم على حزم منه. قال وسعى إلى الرستاق بسبعين نفسا ~~وما عنده من الطعام شيء؛ بل يأكلون القاشع والتمر الضعيف في النهار، والأرز ~~والعوال في الليل؛ فحصلت له؛ والحروب فيها كانت قائمة في ثلاثة أيام عبرة ~~للأنام. # قلت: وذلك أن الرستاق بعد موت طالب صارت إلى سعود بن علي بن سيف وهو فيما ~~أظن أحد أولاد الإمام؛ فيحكى عنه أنه صار فيها أجبر من طالب؛ واستغاث من ~~ظلمه أهل الرستاق والله أعلم بحاله. # ثم أبق له ms447 عبيد وخرج بنفسه في طلبهم حتى نزل بالمنصور، وكان فيها رقيقة، ~~وهو سلطان بن أحمد بن سعيد بن الإمام، فأنزله على الرحب والسعة، فبينما هو ~~نائم في المسجد وقت الظهيرة إذ أتاه صاحب المنصور فضربه بتفق من المصباح، ~~فقتله. ثم جمع صاحب المنصور من حوله من الأعراب وزحف على الحصن وحاصره وعند ~~ذلك قدم عليها حمود بن عزان فدخلها والحرب قائمة، ولعل ذلك كان لرغبة أهل ~~الحصن فيه. PageV02P198 # قال الشيخ ناصر: وكلما سار إلى حربهم السلطان بجيش كبير في مقدار عشرة ~~آلاف هزموهم بمقدار مائتي نفس. قال وجيش عليهم في وقت مقدار سبعة آلاف ~~وثمانين رأس خيل، وقد قلنا لا تخافوا، ولو جيش عليكم ومن الأرض جميعا، ~~فإنهم ليولون الأدبار بسر إلهي قد ستر عنكم؛ فتلقاهم أخوه قيس بن عزان بن ~~قيس بحصان واحد وخمسة وسبعين رجلا؛ فظهر عليهم بعد القتال الشديد، فردهم ~~على أعقابهم وولوا الأدبار، وصح فيهم القتل الكثير والجراح؛ ولم يقتل من ~~أصحاب قيس أحد؛ وإنما جرح اثنان وعافاهما الله تعالى. # قال ورفع حمود جميع المظالم؛ واجتنب جميع المآثم إلا ما دخله عن جهالة ~~أنه يجوز له في ظنه قال وأشهر توبته مع جم كثير من المسلمين؛ ولم تزل تتسهل ~~له الأمور. # قلت: ولما ذكره من صفات حمود بن عزان اجتمع المسلمون عنده وهموا بتقديمه ~~إماما، فلم يتفق ذلك لأمر أراده الله، وكان حمود قد خلع الحصون للمسلمين ~~وقلدهم الأمر وصار كواحد منهم، فاجتمعوا يوما في مسجد البياضة من الرستاق ~~ليعقدوا له الإمامة؛ ثم اختبروه بشروط يشرطونها عليه، وهي الشروط التي ~~يشترطها المسلمون على الإمام الضعيف فأبى أن يقبلها، وتفرقوا عنه وتركوه ~~ومن يومئذ بقيت الرستاق في أيدي أولاد عزان إلى حال التاريخ وأما صحار وما ~~حولها فإنها أخذت منه بالحرب بعد أسر حمود بن عزان هذا، فإنه قد أسره ~~السلطان ثويني بن سعيد باحتيال احتاله عليه في المواجهة، فأمسك وقيد وحمل ~~إلى مسكد، وسجن فيها ومات في السجن. # وكان لحمود في حياته ولد اسمه سيف بن ms448 حمود، فطلع طلعة على خلاف سيرة ~~أبيه، واستولى بالغلبة على صحار وما حولها؛ وخاف منه أبوه وعمه؛ فأمر به ~~أبوه بعض الخدم فقتله في صحار. PageV02P199 # وأما السلطان سعيد بن سلطان فإنه بعد ما مضى قرب الشيخ ناصر وأدنى منزلته ~~وضمه إليه وأكرمه وأنعم عليه، فكان إذا سار إلى السواحل حمله معه، فصلحت ~~أموره بعد صحبته، وكان الشيخ ناصر لهم فظا غليظا ينكر عليهم في حضرتهم، ~~وكانوا يلينون له ولا يظهرون له ما يكره خوفا أن يصنع فيهم شيئا من السر ~~الإلهي الذي اشتهر به وعرف بعمله بين الخاص والعام ومات الشيخ ناصر في ~~زنجبار وله مع السلطان قصص ولا حاجة لنا بذكرها. # وذكر ذو الغبراء خميس بن راشد العبري قال: سمعت عبدالرحمن - يعني ناصر ~~ابن أبي نبهان - أنه أكل الخبز بالماء والليمون سنة في بلد نزوى من قلة ما ~~في يده، لأنه سافر عن بلده لما خاف على نفسه حين خشى ماله وهدم بيته طالب ~~بن أحمد بن سعيد: وقال الشيخ ناصر في ذلك: # معيشتنا خبز لغالب قوتنا = وماء وليمون وملح وقاشع # فإن حصلت مع صحة الجسم والتقى = فيا حبذا هذا بما هو قانع # قال ذو الغبراء: وعمت هذه الأخبار مع جميع الفرق الإسلامية واليهودية ~~والنصرانية والمجوسية، فتأسفوا في نفوسهم بما أصاب عبدالرحمن، ثم اجتمعوا ~~في بندر مسقط بحضرة سيدهم ومولاهم سعيد بن سلطان، وقالوا هذا عار لبستموه ~~ومن عقبها نار شديدة؛ فلا يرضى أحد بمثل هذا من الأمراء في علمائهم. # قال فكتب السيد إلى عبدالرحمن بالوصول إليه؛ فلما وصل عنده حياه وكرمه ~~وعظمه وكساه؛ وجعل له فريضة معلومة وبيوتا مستورة، وتزوج له من أحسن نساء ~~أهل زمانه، ومهما مشى خطوة في حضر أو في سفر أخذه في صحبته وأطعمه من طعامه ~~واستشاره في أكثر أموره في طول زمانه إلى أن توفاه الله إلى رحمته. توفاه ~~الله في حجره وجواره في بندر عباس. # وذكر في موضع آخر أن الشيخ ناصر توفي يوم الأحد والعشرين من شهر جمادى ~~الأولى سنة ثلاث ms449 وستين ومائتين وألف، ومولده ببلد العليا في سنة اثنتين ~~وتسعين ومائة وألف. PageV02P200 # وتوفي الشيخ علي بن ناصر الريامي يوم 18 رجب سنة أربع وستين ومائتين ~~وألف، يوم الثلاثاء وقت الظهر، وقبل موت الشيخ ناصر بيسير، قلد حمود بن ~~عزان أمر المسلمين على حسب ما أشرنا إليه أولا، ونذكره الآن مستوفى. # ذكر تقليد حمود بن عزان للمسلمين # وكان ذلك في أول سنة اثنتين وستين ومائتين وألف، فإن حمودا في هذا الوقت ~~عزل نفسه من الحصون وقلد أمرها للمسلمين، فجعل أمر الرستاق بيد الشيخ سعيد ~~ابن خلفان الخليلي([1]) وصحار بيد الشيخ حمد بن خميس السعدي، والشيخ جميل ~~ابن خميس السعدي مؤلف القاموس([2]) وجعل الخابورة بأيدي آل خميس، فغيروا ~~المناكر، وأمروا بالمعروف، أقاموا العدل واجتهدوا طاقتهم، وطلبوا شخصا ~~للإمامة، وكاتبوا إخوانهم من كل ناحية. # قال ذو الغبراء: لزمتنا دعوة علمائنا وإخواننا المسلمين، وقصدنا بالطاعة ~~إليهم مسرعين ونزلنا عندهم بمسجد البياضة، والخلق من كل فج مجتمعون، والأمر ~~بينهم شورى في نصب حمود بن عزان في يوم رابع شهر شعبان، فأبى السيد حمود من ~~عذر له لعله خفية. # قال وكذلك اجتمعوا يوم أربعة وعشرين من شعبان فأبى عن ذلك فتغلظت قلوبهم ~~عليه؛ وكذلك خميس بن جاعد الوالي، والزاهد سيف بن محمد تعذرا مع المسلمين ~~لعذر لهم في زمانهم، قال وقد طلب هذا الأمر الشيخ سيف بن مالك اليعربي، ~~وأراد أن يقبض حصن الرستاق، فأجابه الشيخ الخليلي: كن في الحصن كأحد من ~~المسلمين، واجتهد في الأمر والنهي، فلم يرض إلا بالحصن وما ومجد المطلوب ~~فرجع إلى وطنه. # وقال في موضع آخر: قد كثرت كاتبة شيخنا العالم سعيد بن خلفان إلينا يريد ~~منا أن نكون في خدمته ونحن ننظر ما هو فيه وعليه، ونؤخر الوصول من علل ~~كثيرة وسنبينها لئلا يظهر الجفاء، فإن عمان قد مضت عليها سنين مجدبة ~~والأيدي مقلة والانتقال ترى فيه خوفا على الأنفس والأهل. PageV02P201 # قال: وأنا قد بان لي من السلطنة والأمراء وأهل اليسر والفقر والذي يدخل ~~معه من إخوانه؛ والذين بيدهم قبض الحصون ms450 كلهم ضده ويراءونهم بألسنتهم، ~~وقلوبهم متغيرة عليه هو ومن والاه، وخفت عليه من كيدهم غيلة فاحترق قلبي، ~~وكتبت إليهما - يعني الشيخ الخليلي والشيخ سلطان بن محمد البطاشي - نصيحة ~~مني. قال: وأنا أقول قد ظهر نور المسلمين في سنة اثنتين وستين ومائتين ~~وألف، والسبب في ذلك أن السيد حمود بن عزان قد وصل عند الشيخ العالم سعيد ~~بن خلفان الخليلي وجاء به إلى حصنه بالرستاق، وأمره أن يحكم بين المسلمين، ~~وأمنه الحصن والبلد، فاجتهد الشيخ هو ومن والاه من آل سعيد وغيرهم، وأراد ~~المسلمون أن ينصبوا إماما لهم الوالي سيف بن محمد السعيدي فأبى عن ذلك، ثم ~~أشاروا على الشيخ خميس بن جاعد الخروصي فلم يجدوا منه سبيلا، ثم عرفوا ~~المسلمين من كل جهة ليجتمعوا بالرستاق؛ فلما صح جمعهم أشاروا بالإمامة ~~للسيد حمود بن عزان، فأراد منهم إرادات فلم يقدروا، فأبى عن البيعة في ~~المرة الأولى والثانية، وصار إلى بيت له في القصير، فالمسلمون احتسبوا ~~واجتهدوا في الأمر والنهي وإصلاح الرعية لله وفي الله؛ والناس تنظر إليهم ~~شزرا، فلما عرفني الشيخ سعيد بن خلفان بالوصول معه لمدينة صحار قائما، ~~والشيخ سلطان بن محمد البطاشي بحصن الرستاق، فألزمت نفسي وكتبت لهما هذا ~~الخط؛ ثم ذكر الخط بطوله، وذكر في أوله العذر الخاص به المانع له عن ~~الوصول؛ وفي آخره نصيحة للشيخين نصها. PageV02P202 # في هذه الأيام الناصر معدوم، لأني أرى القائمين بالمساجد المريض والأعرج ~~والسقيم والأعمى والجابن عن الحرب؛ وأخبركم عن السادة الذي نسلهم من أولاد ~~أحمد بن سعيد، قلوبهم مطمئنة بالحصون في أيديهم متى أرادوها سينزعونها من ~~أيديكما؛ لأن العساكر والرعية في أيديهم سرا وعلانية، ولكن أكنوا في صدورهم ~~ما لم تحيطا به في إصلاح دنياهم لا لدينهم، وأنتما عملتما التعزيز والقيود ~~وأخذ الزكاة؛ وقد كان الذي بيده الأمر أقوى عشيرة وأكثر أموالا، والرعية له ~~مطيعة؛ وأمراء القبائل معهم رغبة ورهبة وما يشير عليهم في الأمر إلا بلسانه ~~والحق يحتاج قيامه إلى مال ورجال تكون بأيديهم السيوف المسلولة؛ واقفون في ~~أمر الأمير ms451 كل ساعة، يقون بنفوسهم من الرعية حرا وشتاء؛ ليلا ونهارا، لا ~~يخافون في الله لومة لائم؛ وأمرهم شورى بينهم، وأنا أخبركم عن كثير من ~~الأمراء عمل برأيه دون آراء المسلمين، أمره نبذ، فعاقبه ملكه وراء ظهره وقد ~~عمل برأيه بلعرب بن حمير اليعربي في طمره للمسلمين، وقتله لبجاد بن سالم ~~الغافري والشيخ عامر بن سليمان الريامي، فضعف أمره واجتمعوا عليه بنو غافر ~~وألزموه بالحبال وأخرجوه من ملكه وأقام بفلج البزيلي. # والسيد أحمد بن سعيد لما ملك وساد أطاعت له الخلائق واستقام ملكه وخذل ~~عدوه، فدلته نفسه بقتل أكابر بني غافر. فلما قتلهم مشى على ديارهم بجيش ~~عظيم فالتقوا بالأثيلة فصح عليهم الكسير، وهم فئة قليلة؛ فثارت بينهم ~~العداوة والبغضاء إلى أن ظهر في الملك سعيد بن سلطان والسيد حمود بن عزان؛ ~~فعملا في الرعية بميزان البصيرة وإصلاح الفريقين فاستطاعوا إليهما، فمن عمل ~~برأيهما لإصلاح دنياه؛ فعسى يثبت أمره إلى بعض حين. # وأما إصلاح الدين فقل فيه المساعد؛ إلا إذا بروا إليكما آل سعد، وأنا كما ~~رأيته بعيني وفكرت فيه بقلبي وغيري كمثلي أرى البادي الذي سكن الصحاري ~~يتقوه الذين معهم البلدان؛ وأحاطت بهن السيران. PageV02P203 # وكذلك السادة الكبراء يبذلون ما في أيديهم من الدراهم لأمراء القبائل، ~~هذا طبعهم لسداد خللهم؛ والله وعباده مطلعون على أمرهم، وأنتما تنظران ذلك ~~وإن آل رأيكما على قيام الحق والعدل بالسيف، فأريد البيان لأصل إليكما ~~ولنسل سيوفنا ونبايع الله أنفسنا ونقاتل أعداء الله وأعداءنا حتى تنفنا ~~أرواحنا، والابتداء بالسادة ثم الذي يليهم إلى حيث تنتهي؛ والمراد إلى طريق ~~الآخرة، وأما إن وقفتما على هذه الحالة فأخاف عليكما الذهاب مما أنتما فيه ~~وعليه؛ لأن من راغم السلطان ولاعب الثعبان؛ وغاص في البحر مع الحيتان؛ أو ~~صادم الراجل الفرسان والشجعان سيبلى بالذل والامتحان؛ والناصر والمعين ~~معدوم في عمان؛ وأراها أموالكما قليلة وأيديكما غير طويلة وليس معكما ~~عشيرة، فانظرا لأنفسكما من الرأي الذي هو أصلح وأسلم. والناس في هذا الزمان ~~تميل بالكلية إلى الظلم والفساد إلا قليل من عباد ms452 الله كتم إيمانه وعزل نفسه. PageV02P204 # والسيد حمود ابتلى بالإمارة فما مراده إلا أن يبليكما من بلائه؛ ولو كان ~~حقا وصدقا منه لما عزل نفسه عن الحصون؛ ولو كان صحيحا منه هذا بتقديمكما ~~وصح مع نسل أحمد بن سعيد لدخل في قلوبهم بالحال والحين، وأنهم سيعزلون ~~رؤوسكما نساؤهم؛ والخدم قبل أولادهم ونسل أجدادهم، وآلهم وعشيرتهم ورعيتهم؛ ~~لأن كلا منهم يطلب الملك لنفسه دون غيره، والنفس أسلم لها مسكنها في الخيام ~~والفيافي والقفار عن سكن الحصون التي لن تحرز بالأمناء ولا تكافح عنها ~~الأمراء والأولياء؛ وأرى من كل جهة عليكم عيونا؛ ومع العيون عيونا، لأن ~~أكثر الناس بضد الحق؛ أمراؤهم يبرءون من الدماء والأموال، ولا يجعلون رأيا ~~للأولياء ولا للنساء واليتامى والأرامل؛ فالأقرب يوكل ماله، ولو كان جاهلا ~~والأموال الموقوفة تجري فيها الوكالة على ما سبق وسلف ولم يرضوا بتبطيل ~~دفاترهم وشهادتهم إن كانوا على الحق أو على الباطل يعملون به؛ ويقتدون بنسل ~~الملوك المضلين؛ وهذا أثبتوه بسيوفهم؛ ويحكمون به على بعضهم بعضا؛ فمن كانت ~~له قدرة ومعه عشيرة وأراد الحق ينفذ بينهم ويبدل سيرتهم فلا يأتيهم كلام؛ ~~ولكن يسل سيفه عليهم حتى يفيئوا إلى أمر الله، فإذا لم يقدر على ما ذكرناه ~~فينكر عليهم بقلبه، وإما يجتنب عن أهل زمانه لأنهم كلهم في محافلهم ~~يستهزئون بالعلماء والتابعين لهم. # وأنا شاهدت أهل العلم والمطاوعة وهم عدة وأجسامهم قوية وأموالهم جزيلة كل ~~قبيلة عددهم مثل آل سعيد أو أزيد، فسألتهم عن لزوم الجهاد والقيام فأجابوني ~~حملة العلم بالعذر، لأن أهل الجور والظلم شوكتهم قوية في زمانهم، في أيديهم ~~الحصون والرعية، وهؤلاء الأشياخ عملوا بالتقلية لإصلاح دينهم، وهم أعلم ~~بذلك، وفي زماننا هذا أنتما أئمة مذهبنا وبكما نقتدي وبعلومكما نهتدي، ~~وعليكما السلام من خادم العلماء خميس بن راشد العبري. # هذا كلامه بنص حروفه، وقد أظهر ما توسمه في أهل زمانه. PageV02P205 # وقال في كتاب آخر لبعض أصحابه: والسيد حمود قد فتح الباب لهما؛ فلما دخلا ~~سده عليهما وهما لا يشعران بأمره؛ فيجب على من علم ms453 سد الباب أن يخبرهما بذلك. # وقال في موضع آخر بعد أن ذكر الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي، قال: وأقبل ~~معه السيد حمود ظاهر أمره للسؤال وباطنه يريد منه أن يتقوى به ويكتب له لما ~~يريد من الأوفاق، فأقام معه ببلد بوشر أياما، وأخذه في صحبته وأنزله في ~~منزلته وقال له: كن أنت من الرستاق؛ واجتهد في الأمر بالمعروف والنهي عن ~~المنكر، فاجتهد الشيخ هو ومن معه وآل سعد، وأرادوا نصبه ليكون إماما لهم ~~فأبى: لأنه يعرف نفسه ليس هو من أهل الإمامة؛ فلما صار الأمر في أيديهم ~~احتسبوا فجبوا الزكوات وأصلحوا الأموال الموقوفة، وعملوا في الناس التعزير، ~~والقيود على الشريف والضعيف؛ والسادة والقبائل ينظرون إليهم ويستهزئون ~~بعملهم، مرادهم كشف خللهم مع الناس حتى يكثر عليهم الموشي والحساد، فاستنزع ~~السيد حمود وولده عليهم الحصون ونبذهم وراء ظهره. # قال: والشيخ الخليلي لما خرج من الحصون اجتهد في طلب علم الحرف، فما مضت ~~سنون كثيرة إلا ومات حمود وولده. # هذا كلامه والأمر لله وحده. # ومدة تصرف المسلمين في ممالك حمود بن عزان من أول سنة اثنتين وستين إلى ~~أول سنة ثلاث وستين على ما يظهر من تواريخ خطوطهم؛ فوقت بذلك سنة تامة إلا ~~أن يكون فوقها بعض المدة اليسيرة والله أعلم. # ---------------------------------------------------------------------- ~~---------- # [1] - هو أحد أئمة العلم في زمانه، فقد تصدى للتأليف وأجاد فيه، وظهرت له ~~مؤلفات جليلة ورسائل كثيرة، فيها من تحقيق المسائل ما ليس بعده؛ وهو رحمه ~~الله جد الإمام الحالي أبي عبدالله محمد بن عبدالله الخليلي. # [ PageV02P206 2] - أي قاموس الشريعة؛ وهو أكبر كتاب في الفقه ظهر للآن؛ ~~إذ يبلغ تسعين جزءا مستقل كل مها، وقد وقفت عليه كله من خزانة قطب الأئمة ~~رحمه الله؛ فقد استطاع مؤلفه أن يحشر فيه كل أبواب الفقه والأصول والآداب ~~الشرعية وما إليها؛ ويوجد منه أجزاء في المكتبة السلطانية بالقاهرة مخطوطة # ذكر موت محمد بن ناصر الجبري # وكان قبل خلع حمود الحصون للمسلمين بكثير من السنين وإنما أخرنا هذا لأن ~~الكلام خرج بنا إلى ذكر حمود فاستقصينا خبره ms454، ذكر ناصر بن أبي نبهان قال ~~وذلك أنه لما ملك المحمود حمود الرستاق وخاف محمد بن ناصر الجبري على ما ~~تولاه أن يتولاه حمود ويغلب عليه. قال وظن أن التيسير لحمود كان بسبب منى ~~له، قال وأنا سكان في نزوى على إحسان حمود إلي، قال وسرت من بلداننا إلى ~~نزوى، قال فرأيت الناس من طرف الجبري قد أحاطوا بباب البيت يريدون قتلى، ~~فذهبت عنهم من الجانب الآخر إلى عقر نزوى. # قال وكانوا هم وأهل حوائر الوادي أشد الناس حبا للشيخ وأولاده وقالوا: قد ~~كظنا وكظك([1]) فإن كان فيك نفع للمسلمين فلا يجوز لك ترك هذا الظلم قال ~~وكان الواقع علي أنا ومن معي يوم سبع وعشرين من ذي الحجة في سنة 1249 تسع ~~وأربعين ومائتين وألف. # قال فقلت لهم قريبا يكون إن شاء الله، ظنا أنه يحتاج للمدة كما قد احتاج ~~السلطان والجبار فهما لأجل ما ذكرناه، وأما هذا فأمره قريب، قال فما انقضى ~~من اليوم الذي وقع فيه الأمر إلا شهران يعجز سبعة أيام إلا ومات، وذلك في ~~يوم ثاني من شهر صفر سنة خمسين ومائتين وألف. # قال فإن قلت كيف لا تعمل هذا العمل للحرب فالجواب لم أعمله لما ذكرته من ~~عمل تبطيل الأعمال عن السلطان والجبار، قال والتبطيل يحتاج إلى مدة وفراغ ~~قال وما قصدنا بإظهار هذا فخرا فإن كثيرا من أهل هذا العلم يعلمون العمل ~~قلا ينقضي يوم ولا ساعة من النهار إلا والأمر قد مضى، قال وكلامنا هذا يدل ~~أنا أقل الناس علما فيه. PageV02P207 # قال: ومن ملك شيئا من الرياضيات فهو أقوى من هذا كله، قال ومن علم منها ~~علما فلينفع المسلمين به على ما جاز، قال وإذا لم ينتفع به ولم ينفع به من ~~هو أهله لم يكن له فيه نفع، قال ونفع المؤمنين مع القدرة من النصيحة لهم ~~هذا كلامه والله أعلم. # وقد ذكرت فيما تقدم أن السلطان أحسن إلى الشيخ ناصر وأن أموره قد تراجعت ~~في آخر زمانه، وقد تمكن من صحار بعد ms455 قبض حمود بن عزان وجعل فيها ولده تركي ~~بن سعيد وجعل في مسكد ولده ثويني بن سعيد وفي زنجبار ولده ماجد بن سعيد، ~~وبقي هو يتردد في ممالكه من زنجبار إلى مسكد ومن مسكد إلى زنجبار وبقيت ~~الرستاق في يد قيس بن عزان أخي حمود وهو أبو الإمام عزان. # وأما السويق فقد كانت في يد محمد بن الإمام، ثم صارت في يد ولده هلال ابن ~~محمد، وكانت الباطنة قد زهرت زهرة حسنة وكثر فيها الأخيار والمتعلمون وفيهم ~~الشيخ جميل بن خميس مؤلف قاموس الشريعة، وكان يسكن القرط وكان شيخهم حمد بن ~~خميس من خيارهم، وكان حبهم وميلهم إلى ملوك الرستاق لأنهم قد تسموا بالدين ~~وعرفوا بالفضل وكانوا كثيرا يزورون قيس بن عزان حتى قيل أنه يجتمع في اليوم ~~الواحد عنده في غرفة الصلاة مقدار أربعين مطوعا وهو اسم لمن تسمى بالدين ~~وكف عن المآثم، وكانوا يقرأون عنده آثار المسلمين فما زال كذلك حتى انقضت ~~أيامه وسيأتي خبر قتله إن شاء الله تعالى في أيام ثويني. PageV02P208 # وحدثني الثقة أن أربعين رجلا من خيار أهل الباطنة من أهل البطحاء ذكروا ~~الشراء فراغبوا فيه وتعاقدوا عليه فقام عليهم أقاربهم ليمنعوهم منه لظنهم ~~أنهم لا يقوون عليه فأبوا إلا الشراء وتعاقدوا عليه وأخذوه لأنفسهم أكفانا ~~وخرجوا ليأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر وقصدوا إلى إخوانهم من أهل ~~القرط، فحين اجتمعوا على ذلك واخذوا في الخروج إذا هم بطير أبيض يسير أعلا ~~من رؤوسهم يتبعهم حيث ساروا فعلم بهم هلال بن محمد بن الإمام صاحب السويق ~~فخرج إليهم بعسكره ليقطع بينهم وبين إخوانهم فلما رآهم على تلك الهيئة ~~هابهم هو ومن معه وكان بطلا شجاعا فقال لقومه أمهلوني حتى أسبرهم، فهوى ~~إليهم بفرسه فاستداروا صفا واحدا كالحلقة المفرغة ليحمي بعض ظهر بعض، فلما ~~وصلت الخيل قربهم برك الذي حاذاها منهم على ركبتيه يريد أن يعقر الفرس ~~فحرفها عنه هلال وأتى من الجانب الثاني ففعل من حاذاه كذلك، ثم من الجانب ~~الثالث ففعلوا كذلك، ثم رجع إلى ms456 قومه ومضى بهم إلى حصنه ومضت الشراة والطير ~~على رؤوسهم لم يفارقهم حتى نزلوا عند إخوانهم بالقرط فأقاموا هنالك يأمرون ~~وينهون ولم يخبرنا الثقة أنهم عقوا الإمامة على أحد منهم وإنما فهمنا منه ~~أن أمرهم شورى بينهم وهو اجتماع محمود. PageV02P209 # وفي الأثر أن لجماعة المسلمين جميع ما للإمام من أنفاذ الأحكام وإقامة ~~الحدود، وقيل لهم جميع ذلك إلا الحدود فلا يقيمها إلا الإمام. وكان السلطان ~~سعيد ابن سلطان بمسكد فبلغته أخبارهم وخاف أن يعظم أمرهم فأرسل إليهم ~~الهدايا وأعظمها لهم من غير أن يتعرض لهم بحرب ظاهر، وإنما أرسلها على هيئة ~~المعونة وهي الحرب الباطن، وكان ذلك من مكائد الملوك، فلما وصلتهم الهدايا ~~قال بعضهم لا نقبلها وخافوا الفتنة وعرفوا أنها المكيدة وقال آخرون بل ~~نأخذها لنتقوى بها على أمورنا، ثم اتفقوا على الأخذ، فلما أخذوا الهدايا ~~فارقهم الطير الأبيض ووقع فيهم الفشل واختلفت كلمتهم وتفرق جمعهم، ورجع كل ~~إلى منزله من غير أن يقتلوا أو يقتلوا. # والله أعلم بما كان عليه أول أمرهم أكان عقدا لا يجوز فسخه أم كان أمرا ~~واسعا اختاروه لأنفسهم ويكون لهم فيه الرجوع والظن بهم هذا الوجه الثاني ~~والثقة لم ينقل لنا أنهم توبوا أحدا منهم وعابوه والله أعلم بحقيقة الأمر، ~~وينبغي للعاقل أن لا يدخل في أمر يعجز عن إتمامه والفضائل كثيرة والشراء ~~درجة عظيمة لا يدركها إلا الخواص من الخواص، وليس كل رجل كأصحاب المرداس ~~والله يؤتي فضله من يشاء. # وكان السلطان سعيد عامل من آل بوسعيد يقال له سيف بن محمد البوسعيدي وكان ~~عنده بمنزلة جليلة، قاد له الجيوش وتولى له الأعمال ثم رزقه الله تعالى حسن ~~التوفيق فآب إلى الله وتاب توبة نصوحا وباع أمواله وتخلص مما جناه تخلصا ~~تاما أدى الواجب وزاد عليه الاحتياط وانقطع إلى الله في الفيافي وزيارة ~~العلماء والأفاضل واشتهر باسم الزاهد فظهرت له الكرامات وانفتحت له أبواب ~~الخيرات وشهد له بالفضل كل ناطق يعرفه ووجبت له الولاية على الخاص والعام ~~رضي الله عنه وأرضاه وأخباره ms457 كثيرة تحتاج إلى بسط طويل، وأذكر لك بعضها ~~لقرابتها وهي قطرة من بحر. PageV02P210 # يقال أنه كان يتعبد في جبل من جبال سمائل فبينما هو كذلك إذا هو برجل ~~غريب لا يعرفه قدم عليه فأخذه في العبادة حوله حتى استحقر الشيخ نفسه ~~واستقل عمله؛ وقال في نفسه هكذا الرجال فأقام ثلاثة أيام على ذلك الحال، ثم ~~أقبل الغريب عليه بعد الثلاث، وقال له يا هذا على أي مذهب أنت فقال الشيخ ~~على مذهب أهل الاستقامة فقال الغريب لو عبدت الله على مذهب أهل السنة لكان ~~خيرا لك ثم تناول هذا الغريب ورقا من شجرة حين كانت قربهما وهي شجرة التفلى ~~فأكل منها، وقال الشيخ لو عبدت الله على مذهب أهل السنة لصار لك المر حلوا، ~~كما ترى فوقع في نفس الشيخ أنه الشيطان فقال أي عدو الله تريد أن تضلني ~~فتضاءل الغريب بين يديه ثم لم يره فظهر أنه الشيطان فعصمه الله منه. وقيل ~~أنه كان يوما يتعبد بمسجد معتزل في وادي المعاول ومعه عابد آخر أعمى فأرسل ~~إليه هلال بن أحمد البوسعيدي بهدية عند جمال، وكان هلال من أهل مسكد وكان ~~يكثر الصدقات على الأفاضل وهو أخو حمود بن أحمد صاحب رباط مكة فلما وصل ~~الرسول قام الزاهد يعالج له طعاما فصنع له عرسية فغرفها له في ليفة خشى، ثم ~~قال هل ادع الرجل الذي في المسجد ليأكل وهو العابد الأعمى فأتاه فدعاه فقال ~~قد تعشيت فنظر فإذا هناك نويات يسيرة يشك أتبلغ سبعا أم لا فرجع إلى الشيخ ~~فأخبره فقال ذاك ليس مثلي أنا أي لم تغلبه شهوته مثل ما غلبتني فباتوا فلما ~~كان السحر سمع الرسول وهو نائم الشيخ والعابد يصيحان النار النار، فلما ~~أصبحوا قال الشيخ للرسول أتقرأن شيئا من القرآن؟ قال نعم قال فاقرأ، فقرأ ~~عليه " بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها المدثر قم فأنذر - إلى قوله تعالى - ~~فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير، فتلقاها ~~الشيخ يرددها حتى غشي عليه ms458 وأخباره كثيرة وفضائله شهيرة. PageV02P211 # وقد أدركت بعض من أدركه من الثقاة فأخبروني عنه بالعجب والله يؤتي فضله ~~من يشاء وتوفي الشيخ الزاهد بالشريعة من أرض سمد الشأن وقبره فيها رحمة ~~الله عليه، ثم مات السلطان سعيد بن سلطان في البحر في مسيره إلى زنجبار في ~~مركب كان له فساروا به وهو ميت حتى أنزلوه بزنجبار فدفنوه فيها وذلك في سنة ~~1237، وكان قد عاش في الملك خمسين سنة، وقيل أكثر وخلف أولادا وبموته اقتسم ~~الملك بين أولاده فصار ملك السواحل لماجد بن سعيد. # ثم ملك من بعده برغش بن سعيد، ثم من بعده خليفة بن سعيد ثم علي بن سعيد ~~ثم حمد بن ثويني بن سعيد ثم حمود بن محمد بن سعيد ثم علي بن حمود بن محمد ~~ولا حاجة لنا بذكر أخبار زنجبار والسواحل، فإن غرضنا تاريخ عمان ولبرغش ابن ~~سعيد مآثر حسنة فإن خلط عملا صالحا وآخر سيئا جمع الأخيار وقراء الآثار ~~ولازم العبادة وطبع جانبا من كتب المذهب وجعل للحجاج مركبا يحملهم في كل ~~عام من السواحل وعمان من غير نول([2]) وهم فيه مكفولون ذاهبين وراجعين وحج ~~البيت وزار القبر وأجزل العطاء وأكرم العلماء ورحم الفقراء ونصب القضاء، ~~وبسط أخباره تحتاج إلى مجلد وليس ذلك من غرضنا الآن. # وأما مسكد وأكثر الحصون من عمان فقد صار ملكها إلى ولد ثويني بن سعيد ثم ~~من بعده إلى سالم بن ثويني ثم من بعده الإمام عزان رضي الله عنه ثم من بعده ~~إلى تركي بن سعيد بن سلطان ثم من بعده إلى ولده فيصل بن تركي وهو صاحبها ~~اليوم، وسنذكر لكل واحد بابا إن شاء الله تعالى. PageV02P212 # وكان جانب عظيم من أرض فارس في ملك السلطان سعيد بن سلطان، وكان الوالي ~~فيه سيف بن نبهان المعولي وكان له حزم وسياسة، فما زال يستفتح قلاع فارس ~~ويستجلب رعاياها، حتى دخل كثير منهم في طاعته وعظم أمره هنالك وقويت شوكته ~~وبلغ فيها مبلغا لم يبلغه غيره، ثم عزله السلطان ثويني وولى عليها ms459 سعيد بن ~~أحمد البوسعيدي، فلم يحكم أمرها، فثارت عليه العجم فأخذوا ما استفتحه سيف ~~بن نبهان من بر فارس، وبقي لملوك عمان ما حول البحر، ثم ذهب أكثره وبقي ~~الأقل منه؛ والله الباقي. # ---------------------------------------------------------------------- ~~---------- # [1] - الضمير عائد إلى الجبار أي كظنا الجبار وكظك. # [2] - أي أجرة الركوب وهذا اللفظ اصطلاح طارئ. # باب الأحوال الواقعة في دولة السلطان ثويني بن سعيد بن سلطان PageV02P213 ~~وكان قد ملك عمان بعد أبيه وانفرد بها دون إخوته وخالفه أهل نخل وقتلوا ~~خادمه سويلم بن سالمين، وكان واليا عليهم من قبله وعصبتهم الغافرية وجاؤا ~~بجابر بن حمير اليعربي وبنوا له ثوارة نخل قلعة تقابل حصن السلطان فقام ~~عليهم السلطان وحاصره جابر بن حمير ومن معه فدخل عليه ناصر بن علي شيخ آل ~~وهيبة يريد أن يسعى بينه وبين السلطان بصلح على أن يخرج ويجعل له جعلا فأبى ~~جابر بن حمير فرشى ناصر السيابيين وخرجهم عن عصبة جابر، وساروا إلى بلدانهم ~~ثم خرج عليه من أخرى ليكلمه فقال له اصنع ما شئت، وذلك حين رأى ضياع ~~الغافرية فجعل له فيما قيل ستة آلاف قرش فخرج من نخل ومضى إلى سيجا. ثم بعد ~~ذلك سار إليه السلطان بجيوشه بعد مدة وحاصر سيجا ودخلها وخرج منها جابر ~~ومضى إلى جعلان وسكن عند بني بحسن حتى مات، وفي أيامه وهو السلطان ثويني ~~اقتتل قيس بن عزان وهلال بن محمد صاحب السويق، وذلك أن هلالا كان ميله عند ~~السلطان لأنه ابن عمه، وكان يمده وكان قد رفع بينه وبين أهل الباطنة بعض ~~المشاحنة وهم آل سعيد، وكان قد كثرت الأفاضل فيهم وكان ميلهم إلى قيس ابن ~~عزان لما يرون فيه من آثار الصلاح، وكان طبعه موافقا لطباعهم وسيرته موافقة ~~لسيرتهم فهموا أن يقوموا به للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكان ملكه ~~بالرستاق، وأرادوا أن يضموا إليه ملك الباطنة فجاؤا به إليها وطلبوا من ~~هلال المواجهة له فأنعم لهم بذلك وخرج إليهم في نفر قليل من أهل الخيل ~~وكانوا قد تواعدوا على مقيل في مال ms460 بيت المال يختص به هلال فنزل هلال تحت ~~بيذامة هنالك: والبيذامة شجرة عظيمة لها ورق عريض يقرب من الاستدارة وليس ~~بمستدير، وجاء قيس ومعه خيار أهل آل سعد وكانوا قد أرادوا أن يقيموا الحجة ~~على هلال ليأخذوه ببينة وبصيرة فإن امتنع عن الحق يقتلوه. PageV02P214 # وكان قيس راس الأمر، وكان فد هيأ خادما له يقال له رصاص، وقال له إن قلت ~~لك هات بشربه فاقتل هلالا، وكان هلال قد أحس بذلك في نفسه؛ فأخذ خنجره في ~~يده يعبث به يقطع بعض الخوص الذي كانوا جالسين عليه وهو خوص قد اجتمع من ~~عمل القيض يكون كثيرا في المجالس؛ فكلمه قيس وقال له: إن ثويني جبار، ولا ~~يجوز لك أن تعينه على المسلمين؛ ونريد منك أن تكف نفسك عن معونته؛ فقال أنا ~~وثويني ولا نتفارق، فقال له قيس كان على هدى أو ضلال لا تفارقه، قال لا أجد ~~منه بدا، قال لا يجوز لك ذلك، قال أنا وثويني كرجل واحد ولا ينفك بعضنا عن ~~بعض، وكان قد فطن لما يريدون ولكن منعه التكبر عن الحق وكانت في نفسه شجاعة ~~يرى أنهم لا يقدرون عليه بشيء فلما أيسوا منه قال قيس للخادم شربة فوثب ~~الخادم ليأتيه بماء ولا لوم عليه، فإنه هلال فلما رأى قيس ذلك سل كتارته من ~~غمدها، وضرب هلالا في جبينه ضربة يرى أنها كانت تكشف صحلة رأسه، فوقعت ~~بادرة الكتارة في البيذامة، وكانت من هناك ناتئة قليلا فمنعت، كتارة عن ~~استئصال رأس هلال، فمن حين ذلك ضرب هلال بخنجره في غلصوم قيس فقتله ومات ~~قيس من حينه ووثب هلال إلى فرسه، وكان الدم قد غشى عينيه فرماه الحاضرون من ~~أصحاب قيس بالرماح، فقضي عليه ومات الرجلان كلاهما؛ والأمر لله ثم وثب آل ~~سعد على حصن السويق فحربهم ( من فيه ) وكان فيه أخت هلال جوخة بنت محمد بن ~~الإمام فحربت بمن معها ثمانية عشر يوما ثم وثب آل سعد على الحصن، وكانت تصب ~~عليهم العسل والخل المحررين فكثر فيهم القتل والجراح ms461؛ ولم يردهم ذلك حتى ~~اقتحموا الحصن، وكان رجل منهم قد أمسك بيده في مدفع فنقع المدفع ورفس بقوة ~~النقعة إلى داخل فدخل الرجل معه وقد صمت أذنه من النقعة لأنها كانت مع ~~إذنه، وخلص الحصن وخرجت المرأة بمن معها في أمان وقبض آل سعد الحصن وجاؤا ~~بأولاد حمود بن عزان وهم صغار فجعلوهم فيه ليتبعهم الناس، وبقي في الرستاق ~~عزان بن قيس وهو الذي نصب بعد PageV02P215 إماما وتولى المطاوعة أمر ~~السويق. # ثم جمع السلطان ثويني الجموع وسار إلى حرب آل سعد فتجمعوا له بموضع يقال ~~له الملدة فاقتتلوا يسيرا، ثم دخل الناس بينهم بالصلح فاصطلحوا ورجع حصن ~~السويق إلى السلطان ويقال أن جوخة بنت محمد كانت قد طلبت من ابن عمها ~~السلطان النصرة على أهل الباطنة فتمادى بها طمعا في الحصن لأنه لا يرى أخذه ~~من يدها وهي مستنصرة به فإذا أخذ آل سعد أمكنه حربهم عليه فتمت له الحيلة ~~بذلك. ثم جمع السلطان ثويني جموعا وسار إلى الرستاق فحاصرها مدة من الزمان ~~وكان فيها عزان بن قيس وبنو عمه فلم تخلص له؛ وجاء الوهابي صاحب البريمي ~~ليصلح الحال في ظاهر الأمر، فحين علم السلطان بمجيئه رجع عن حرب الرستاق ~~ومضى إلى بلاده، ثم خرجت على السلطان خارجة من الوهابية يقدمهم السديري؛ ~~وكانوا من أهل نجد وكانوا قد تولوا أرض الجو؛ وجعلوا البريمي بها ولايتهم، ~~وكان خروجهم بسبب ناصر بن علي شيخ آل وهيبة. # وسبب ذلك أن السلطان قدم عليه أخاه خليفين بن علي فأضمر ناصر في نفسه ~~العداوة؛ وأرسل للسديري فجاء به إلى جعلان عند بو علي وكانوا على مذهبه ~~فقام فيهم وأدوا له الطاعة عن حب ورغبة؛ ثم ساروا به فأخذوا حصن صور، وكان ~~شيخنا الصالح صالح بن علي الحارثي في السواحل؛ فوفق مجيئه منها خروج ~~الوهابي المذكور، فطلب من السلطان ثويني الخروج إلى قتاله. # وكان السلطان قد استحقر شأن الوهابي فلم يكن قد قصد الخروج إليه لذلك ~~فقال له أن وراءه دولة وأنه طالب ملك، وله عصبة ms462 من الغافرية، وأخشى أن يكبر ~~أمره؛ فما زال به حتى أجابه إلى حربه، وواعده في يوم معلوم وقت الظهر ليصل ~~بمن معه في سفالة أبرى في شريعة الزويد. PageV02P216 # قال الشيخ فلم يتخلف وصوله عن ذلك الوقت؛ بل وصل فيه بعينه ثم سارا إلى ~~بدية وأناخا في الواصل، وأرسل إلى ناصر بن علي رسلا ليصل إليه فلم يصل ~~بالحال، فلما كثرت عليه الرسل جاء، فحين رآه السلطان مقبلا أخذ في لعنه وهو ~~لا يسمعه حتى إذا كان غير بعيد ألقى ناصر عصاه إلى السلطان وقال هذا ظهري ~~للضرب ورجلاي للقيد ورقبتي للذبح مكرا وخديعة، فقال السلطان أنت مسموح ما ~~حملك على ما صنعت؟ قال الجلوس عند مدفع للصوص؛ ومراده بذلك أنه قدم على ~~السلطان يوما ببركا فلم يؤذن له بالدخول وجلس قدام الباب عند مدفع تصلب ~~عليه اللصوص ينتظر الإذن فلم يؤذن له، فكان ذلك السبب الذي حمله على مظاهرة ~~الوهابي في الباطن، فقال له السلطان شنعت فارقع، فقال نعم فسار ناصر إلى ~~صور، وقال للسديري رأيت الهناوية قد اجتمعوا عليك ومعهم سلطانهم؛ وقد جاءك ~~مالا قبل لك به ولا أقدر أنا على دفعه، وأخشى أن تقتل وأنا قد جئت بك فارجع ~~إلى مأمنك، فأخرجه من حصن صور، ورجع من حيث جاء. # وكان تركي بن سعيد قد ضاق عليه الحال بصحار لقلة مدخولها فدفعها إلى أخيه ~~ثويني وانظم إليه في مسكد وصاروا يدا واحدة فحين قام السلطان ثويني على ~~السديري من طريق البر أمر أخاه تركي أن يلاقيه في صور بالمراكب من طريق ~~البحر فسار السلطان ثويني إلى صور، وفي طريق مسيرهم بلغهم خروج الوهابي من ~~صور بسبب ناصر بن علي فأراد بعض الأكابر أن يلاقوه فيقاتلوه فأبى السلطان ~~واختار السلامة لقومه مع حصول المراد فلما وصلوا صور وافقوا تركي في ~~المراكب ولبث السلطان بها قليلا من الزمان ثم رخص قومه، وركب مغربا ولم ~~يدخل مسكد بل قصد صحار وفيها ولده سالم بن ثويني كان قد جعله فيها لمقاومة ~~الوهابية القائمين ms463 بالبريمي، ولسالم في أبيه غوائل كان أبوه عنها غافلا، ~~أراد أن يقتله لينفرد بالملك، وكان السلطان قد شركه في ملكه حتى لا يرد ~~أمره، وكان أحب أولاده إليه والمقدر كائن. PageV02P217 # إن من ترجو به دفع البلا= ... ... سوف يأتيك البلا من قبله # كم واثق بالناس حتى ما أتت ... = ... نوب الزمان غدوا عليه نوائبا # فبينما السلطان نائما وقت الظهيرة في غرفة صحار إذ دخل عليه ولده سالم ~~فضربه بتفق في فؤاده فيما قيل فمات من ساعته، ثم قيد عمه تركي وجاء إلى ~~مسكد وولى السلطنة والأمر لله وحده، وذلك في سنة اثنتين وثمانين ومائتين ~~وألف باليوم السابع والعشرين من شهر رمضان قبل الظهر بقليل وبقي مطروحا على ~~فراشه بقية يومه ودفن بعد المغرب بساعة بغير تكفين ولا تغسيل ليلة الثامن ~~والعشرين منه، وفي هذا الشهر وقعت سيول عظيمة بعمان وكان السيل جارفا، ~~ويقال لها جرفة رمضان، وأثرت في عمان خصبا كثيرا وكان أخو السديري قد سمع ~~بخروج السلطان والهناوية على أخيه الذي بصور فركب بمن معه من أهل الخيل ~~والإبل، ووصل إلى منح فسمع به الهناوية من أهل الشرقية فاجتمعوا لدفاعه ~~وأقاموا بالمضيبي فكان جمعا عظيما، فسمع بذلك الوهابي فرجع من منح وجاء على ~~طريق الجبل في طريق الشص، وماتت له هنالك خيل من صعوبة الطريق، ثم نزل من ~~الجبل على وادي بني خروص، ثم إلى الرستاق ثم إلى البريمي وهي ولايته وأقام ~~بها والله أعلم به. # باب الأحوال الواقعة في دولة السلطان سالم بن ثويني PageV02P218 وذلك أنه ~~لما قتل أباه بصحار وجاء هو إلى مسكد ووصله رؤوس القبائل، واستحضر من شاء ~~منهم ليقوى بهم أمره، أظهر المسلمين أنه إنما قتل أباه ليظهر العدل في ~~الأرض؛ واستدعى ببعض أفاضل المسلمين وبعض مشايخ أهل الدين وقال وقال ووعد ~~وأمل، وذلك أنه رأى ما فعله الشنيعة الشنعاء وأراد أن يرفعها ولو بمقال ~~زور، فبينما هم كذلك إذ جاء النصراني وكان قد تدخل عند الملوك وأظهر لهم ~~التودد فلما قتل سالم أباه أظهر السخط لذلك ms464 وأطلق تركي من قيده وهو مقيد في ~~صحار، ثم جاء النصراني إلى مسكد وقال لسالم اعتزل لا تصلح للملك وقد قتلت ~~أباك وأظهر له الغضب فشاور السلطان سالم من حضره من أكابر المسلمين فأجابوه ~~بأن لا يصغي إلى قومه ويظهر له الشدة؛ فلما رد إليه الجواب ضرب النصراني ~~بكمته على سطحة المركب وكان يفعل ذلك إذا غضب، ثم قلع مركبه ومضى مسرعا فلم ~~تكن له معاودة في هذا الخطاب. # ثم سار تركي إلى ينقل من الظاهرة وناصره أميرها من الغصون وقام معه وحرب ~~صحار وكادت تخلص له بل يقال أنها خلصت؛ فبينما الأمير العلوي يكتب الخطوط ~~للقبائل بخلوص صحار إذ نقع مدفع من قدام الحصن لا يدري من كواه فأصاب ~~الأمير فمات وانهزم عسكره وبقي تركي يتبعهم ليرجعوا إليه فأبوا وكانوا طوع ~~أمرائهم دون السلاطين ولا ينتظم لهم أمر إلا بأمير من الغصون. # ثم مضى تركي على وجهه في البلاد يلتمس النصرة على ابن أخيه من كل من وجد ~~وكانت له همة وجلدة وجراءة، ثم التمس المسلمون من السلطان سالم ما وعدهم به ~~من إظهار العدل فبقي يمنيهم ويعدهم، وهو مع ذلك يخادعهم؛ ثم أصبح تركي بن ~~سعيد في الكوت الشرقي ركب في خشبة وأخذ معه بعض الشحوح حتى جاءوا إلى الكوت ~~فدخله وفيه البلوش، فلما عرفوه لم يقدروا على منعه فتحصن فيه، وكان ينزل ~~إليهم بليل فيقتل ويرجع، فكان يزورهم زورة الذئب، وممن قتله تركي في هذه ~~الحالة عبدالله بن مشاري بن سعد بن مطلق ولد الوهابي الذي كان عذابا على ~~أهل عمان. PageV02P219 # ثم أن تركي لم يجد في الكوت ما يقوم بمؤنة من معه من طعام وشراب، وسعى ~~بينهم بعض الرؤساء أن يخرج من الكوت، فخرج سالما ومضى إلى الجانب الغربي ثم ~~جاء على طريق البر حتى وصل الشرقية وطلب من أهلها القيام على ابن أخيه، ~~وكانوا قد كرهوه لقتله أبيه، فقام معه كثير منهم، بل أكثرهم؛ وهم بنو بو ~~حسن والججريون وبعض الحرث وكبير الخارجين من الحرث ms465 سعيد بن علي بن مسعود ~~البرواني. # وكان الشيخ صالح بن علي الحارثي وهو رئيس الهناوية على الإطلاق لم يرض ~~خروجهم هذا لما تقدم من وعد السلطان سالم أن يقيم العدل. وكان الشيخ صالح ~~قد خرج من عند السلطان فوافق الجيش بسمد قاصدا لحرب السلطان؛ والمقدم فيهم ~~رئيس بني بو حسن حمد بن مسلم. وكان حمد هذا لا يخالف الشيخ صالح، فلما رأى ~~الشيخ ذلك دخل في جملة الجيش وسار معهم وهو يقول لحمد بن سالم: لا تعجل ~~بالقوم، وأرسل إلى السلطان أن يأخذ حذره، فأكثروا المناخات حتى غضب سعيد بن ~~علي البرواني فنهره الشيخ؛ فلما دنوا من مطرح أراد أن يؤخرهم فقال حمد بن ~~مسلم: ليس عندنا للقوم بهطة - يعني نفقة - فقال الشيخ أنا أعطيك لهم، فبقي ~~يمد حمدا خفية، ثم استأذنهم أن يشرف على السلطان فأذنوا له، ودخل عليه فرآه ~~قد أهمل الحزم، فأخذ يوبخه ويلومه، وأغلظ عليه، فقال السلطان قد أرسلنا إلى ~~القبائل فلم تصل ثم عملوا الحيلة أن يصلهم السلطان بنفسه إلى مطرح في الغد، ~~فجاء السلطان على الوعد، وسار إليه بعض أكابر الهناوية ومناهم بجميع ما ~~طلبوا؛ وذلك أنهم طلبوا أن يكون لتركي من وادي القاسم مغربا فقال لكم ذلك ~~ويصلكم الشيخ صالح في غد بتمام الجواب، فقالوا إن لم يصلنا إلى طلوع الشمس ~~فلا ذمة بيننا، قال نعم. PageV02P220 # ثم رجع السلطان إلى مسكد وجاء الشيخ بالغد بعد طلوع الشمس فبينما هو يسير ~~في البحر فرأى القوم قد ركضوا على مطرح ودخلوها من الجانب الغربي وخلصوها ~~في ضحوة النهار ومضوا إلى الرواية فحاصروها، وكان قد دخلهم بعض اختلاف ~~وفشل؛ وكانت مسكد قد امتلأت بالقبائل الغافرية، وكان الشيخ قد رجع إليها ~~بعد أن رأى دخول الهناوية مطرح، وكان قد نصح للسلطان باطنا وظاهرا لما كان ~~يعدهم به من القيام بالعدل. # ثم جاء النصراني فحمل تركي في المراكب وذهب به إلى الهند؛ وقيل أن تركي ~~اختار ذلك بنفسه؛ رأى أن العرب لا تنفعه لعدم اجتماعهم عليه، وبقي فيها ms466 حتى ~~جاء المجيء الذي حارب فيه الإمام عزان رضي الله عنه، وسيأتي خبر ذلك. # ثم أن السلطان سالما هم بالغدر بالشيخ صالح بن علي ببركا فسيس له أن يمسك ~~في البرزة إذا دخل للوجاه، وكانت البرزة في الحصن، فلما برز السلطان ودخل ~~الشيخ للوجاه لم يلبث أن علم بدو الشيخ بالمكيدة المصنوعة لشيخهم، فانطلق ~~واحد منهم يسعى مسرعا إلى الحصن ودخل البرزة؛ وقال للشيخ أدرك قومك فقد ~~تضاربوا؛ فخرج الشيخ يعدو ولم يتمكن السلطان من مكيدته حتى خرج الشيخ؛ ~~فأخبره أصحابه بالمكيدة ووجدهم قد تهيأوا فركبوا من حينهم مغربين، فانطلقت ~~خيل السلطان في أثرهم وعليها الوهابية، فأدركوا بعض البدو فوقع بينهم بعض ~~التناوش وقتل رجلان من الوهابية أصحاب السلطان وجرح رجل من البدو أصحاب ~~الشيخ وكانت هذه الحالة من أول أسباب النزول للسلطان سالم، بل أول نزوله ~~قتل أبيه فإنه لم يلبث في الملك إلا مدة يسيرة فقد قيل إنه ملك سنتين ~~وأشهرا فقط. PageV02P221 # ثم سار الشيخ إلى حمد بن سالم بن سلطان وهو ابن عم أبي السلطان سالم، ~~وكان في المصنعة فتواعدوا على أمر عجز حمد عن الوفاء به وذاك هو الخروج على ~~السلطان سالم ومكث الشيخ معه يومين ثم ركب إلى الرستاق ثم توجه إلى وادي ~~بني غافر وجاء على طريق نجد المخاريم، ثم منها على طريق عمان حتى وصل إلى ~~الشرقية وهي وطنه فبقي الخطاب بينه وبين الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي عالم ~~عمان في ذلك الوقت، وكان الشيخ صالح قد تلمذ عنده وتعلم منه وأخذ عنه ~~الدين، كذلك أخذ عنه جملة ممن أدركنا من المشائخ ولإخوان؛ وكان عزان بن قيس ~~سلطانا على الرستاق وكان حسن السيرة فيها، وكان الشيخ محمد بن سليم الغاربي ~~في الباطنة وهو أعلم من فيها ذلك اليوم وأفضل؛ وكان مسموعا مطاعا فيهم ~~لعلمه وفضله، وأما الرياسة فلغيره فتكاتبوا وتخاطبوا وكانوا يحاولون ظهور ~~العدل في كل حين، فلم تمكنهم الفرصة وكان الشيخ سعيد بن خلفان قد هيأ لذلك ~~الأسباب وادخر الدراهم، ولم تزل ms467 الرسل والمكاتبة بينهم حتى من الله عليهم ~~بظهور العدل واجتماع الشمل؛ فقاموا جميعا على السلطان سالم، فأخرجوه من ~~مسكد وعقدوا الإمامة على عزان بن قيس على حسب ما سيأتي شرحه إن شاء الله تعالى. # باب إمامة عزان بن قيس بن عزان ابن قيس بن الإمام # وهو الإمام المجتمع عليه من هذه الدولة رضي الله عنه؛ وذلك أن المسلمين ~~تكاتبوا وطلبوا الاجتماع والقيام على السلطان سالم بن ثويني على حسب ما ~~قدمنا ذكره، فكتب الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي عالم ذلك العصر الكتب إلى ~~رؤساء الشرق وأكبرهم منزلة وأكثرهم نصرا شيخنا الولي صالح بن علي. # وحدثني الثقة أنه لما وصلت الكتب إلى الشيخ المذكور سار بها بنفسه رسولا ~~إلى حمد بن مسلم رئيس بني بحسن؛ وكان السلطان سالم قد تجند بأعداء الدين ~~الوهابية ومنهم بنو علي. PageV02P222 # قال الثقة فحين وصلت جعلان وقع الطاعون في بني بو علي في ذلك اليوم بنفسه ~~ولم يصب أحدا من أهل عمان غيرهم فشغلهم ذلك عن نصرة سلطانهم؛ وكتب الشيخ ~~سعيد بن خلفان إلى عزان أن يسير إلى بركا، وضربوا لذلك مواعيد وجاء من ~~مطاوعة الحجريين ومن معهم نيف وعشرون رجلا، فمروا على الشيخ صالح ثم تقدموه ~~بيومين إلى سمائل لحضرة الشيخ الخليلي سعيد بن خلفان، وكان قد اشتهر خبرهم ~~وشاع ذكرهم وعرف مطلبهم، فلما سمع بهم كبير حبس استهزأ بهم وقال هؤلاء ~~الخارجون لا يستطيعون أن يسموا حمارا لو أمسك لهم فكيف يأخذون مسكد ولم ~~يعلم أن النصر بيد الله وقد قال تعالى " إنا كفيناك المستهزئين " ثم لحق ~~الشيخ بمن معه بعد يومين وجاءوا إلى سمائل من طريق وادي بني رواحة حتى ~~نزلوا بالعلاية عند الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي، ثم قام عزان من الرستاق ~~بمن حضر معه من قومه، وكانوا قدر سبعين راكبا ركبوا منها وقت العصر؛ ولحق ~~بعد ذلك من لحق وهجموا بركا من ليلتهم، فدخلوها وقت السحر من ليلة ثاني من ~~جمادى الأخرى سنة خمس وثمانين ومائتين وألف ففتحها من يومه وأقام ms468 بها حتى ~~دخل أهل الشرقية مطرحا، وذلك أن الشيخ صالح ومن معه والشيخ سيف بن أحمد ~~الرواحي ومن معه قد خرجوا ومعهم عالمهم الأكبر الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي ~~من علاية سمائل إلى جانب مطرح، وكان بنو جابر قد منعوهم الطريق. ثم جاءهم ~~الشيخ علي بن جبر الجبري وسار بهم وكان لهم خفيرا من الغافرية حتى خلصهم من ~~حرم بني جابر، ثم ساروا ونزلوا بفنجاء وهنالك أرسل إليهم السلطان هلال بن ~~أحمد البوسعيدي وبعض أصحابه ليمنيهم ويعدهم بما أرادوا ويرجعوا عنه. ولم ~~يكن المشائخ قاموا لطلب مال ولا لدولة سلطان، وإنما قاموا لإظهار الحق ~~وإقامة العدل. PageV02P223 # وكان هلال بن أحمد سيدا فاضلا، وصار في دولة المسلمين عضوا من أعضائها، ~~وكان من أهل الخير والمعروف؛ فكلمهم فيما جاء به من قبل السلطان، فلم ~~يقبلوا منه مالا ولا وعدا؛ ورجع عنهم من هنالك إلى السلطان فأخبره بتوجيههم ~~إليه وبما أرادوا. ثم ركبوا من فنجاء مشرقين، وفارقهم الشيخ سعيد من طريق ~~ليمر على بوشر، وكان له فيها منازل وأموال، فقال([1]) فيها ثم لاقاهم ممن ~~معه بموضع يقال له السليعة من أطراف الوطيه. # ثم ساروا جميعا حتى نزلوا بسويح الحرمل أول ليلة تثني عشر من جمادى ~~الأخرى وهو الشهر المتقدم ذكره من السنة المتقدمة، وكان نهوضهم من سمائل ~~ليلة عاشر من الشهر المذكور؛ وأحسب أني سمعت شيخنا يذكر أن مسيرهم من ~~القابل ليلة سادس، أو قال ليلة سادس من الشهر المذكور، فلما أناخوا بالسويح ~~قام أهل الحل والعقد للمشورة يتشاورون من أي موضع يأتون مطرح، فبينما هم ~~كذلك في تلك المشورة إذ أقبل رجل من عسكر السلطان من طائفة يقال لها ~~المشايخ؛ فقال الرجل أين الشيخ، يريد الشيخ صالح بن علي الحارثي فدلوه ~~عليه، فأخذه بجانب عن الناس وقال الشيخ له: # ( ما عندك؟ ) # قال كم تعطوني إن دللتكم على الطريق الذي لا يصيبكم منه بأس؟ # فقال الشيخ: لك ما تريد. # فقال أريد أربعمائة قرش. فقال الشيخ لك ذلك، فقال قوموا في أثري، فقاموا ~~في ms469 أثره وأرسلوا معه طائفة من الناس؛ وجاء الجمهور على الباب الكبير؛ فجاء ~~المشائخي بمن معه من المثاعيب، وهي منافذ للسيل لم يكن عليها باب، وإنما ~~وضع عليها شرباك من الخيزران فدفعوه بأيديهم. PageV02P224 # ثم دخلوا ومضوا إلى الباب ففتحوه لأصحابهم، وكان الوالي على مطرح يومئذ ~~سيف بن سليمان البوسعيدي، فوثب القوم إلى بيت الوالي فهرب منه إلى مسكد عند ~~سلطانه، وكانوا قد تقدموا على الجند أن لا يأخذوا من أموال الناس شيئا، ~~فخالف الأمر بدوي وهم أن يسلب بانيان فسلط الله البانيان عليه وسلبه سلاحه، ~~حتى مر الشيخ صالح عليه وسلاحه عند البانيان فزجره وأمر البانيان برد ~~سلاحه. فهل سمعتم ببانيان يسلب بدويا؟ إلا أنها كرامة خصوا بها حين خالف ~~أمرهم. وكان دخولهم وقت السحر من ليلة اثني عشر من الشهر المتقدم فدانت لهم ~~وبقي الكوت فيه البلوش، فلما أصبح الصباح أرسل الشيخ إلى أهل الأعمال أن ~~يصبحوا في أعمالهم ففتحت الدكاكين للتجارة وقامت الصناع في صنائعها وقام ~~السوق كما هو ولم يعتد أحد من الجيش مع كثرتهم على أحد من الرعية مع ضعفهم. ~~وقام البلوش في الكوت إلى وقت العشي فناهمهم بعض المسلمين أن ينزلوا ~~ويعطوهم الأمان فبينما هم يتخاطبون إذ سمع بعض الجيش خطابهم فضربت البراعيم ~~وزحف القوم على الكوت فطلبوا الأمان فأمنوا وخرجوا آمنين بما معهم في أول ~~ليلة ثلاثة عشر، وفي تلك الساعة التي نزل بها أهل الكوت وصل عزان ابن قيس ~~بمن معه من بركا فنزل في البيت الذي كان فيه الوالي. # ومن غريب الاتفاق أن الوالي الذي كان فيها وهو سيف بن سليمان لم يرجع ~~إليها إلا في الليلة التي تم فيها أجله فقتل عند تسور الخارجين على الإمام ~~على سور مطرح؛ وكان الوالي قائد الخارجين على حسب ما سيأتي بيانه، ثم باتوا ~~بمطرح وقالوا في أول ليلة أربعة عشر قصدوا مسكد فتجمعوا أولا بالمطيرح ~~وقعدوا للمشورة كيف يدخلون مسكد، فقال قائل انظروا أهل الباطنة حتى يصلوا ~~فتكون حجتكم أقوى وجيشكم أكثر، وقال آخر للشيخ ms470 صالح: لو شاورتنا ما خرجت من ~~بلدك وحين خرجت ووصلت هاهنا فلا تتأخر ساعة، فقام عزان والشيخ ومن معهما من ~~ساعتهم واقفين فقالوا هذا هو الرأي لا غيره. PageV02P225 # ثم تقدم عزان على العساكر وخطبهم واقفا أن لا يغيروا ولا يبدلوا ولا ~~يأخذوا من مال الرعايا شيئا وكانوا قد أذنوا لهم في أخذ ما يجدونه في بيت ~~السلطان لأنه في حكم بيت المال، وقد جعلوه لهم مكافأة وترغيبا، ثم مضوا على ~~قصدهم ذلك وركبت طائفة منهم في الهواري في البحر، والتقوا جميعا بريام ~~وصلوا هناك ركعتين في جماعة قربة إلى الله تعالى وطلبا لقضاء الحاجة وهو ~~الفتح المبين. # وكانوا قد أرسلوا إلى قابض العقبة من يخدعهم بالدراهم فركبوا العقبة حتى ~~وصلوا الباب والتفق ينقع فيهم، ولكن بلا رصاص وإنما أزالته الدراهم، ثم ~~زحموا الباب فانفتح ولعله لم يغلق من داخل وإنما أزالت غلقه الدراهم، ثم ~~انحدروا ثم جاءوا على جهة الميابين وانقسموا هنالك طائفتين فجاء الأكثر ~~منهم إلى باب الصغير وجاء الأقل شرقي الخور فقلوا السلالم على السور فاندقت ~~الجنود إلى مدافعة الجمهور وتفرغ الشرقيون فتسورا بعد أن قتل منهم ثلاثة ~~أنفس، وأما الجمهور الذين على الباب الصغير فإنها قصرت سلالمهم ورجعوا ~~متحيزين ولما تسور إخوانهم الشرقيون كبروا في أعلا السور فهربت جنود ~~السلطان من أعلا السور، ومن حول الأبواب فتوجه الداخلون إلى الباب وفتحوه ~~وأرسلوا إلى إخوانهم فدخلوا وهجموا جميعا على بيت السلطان وتحيز السلطان ~~إلى الكوت الغربي، وكان إبراهيم بن قيس قد خرج من الرستاق مغاضبا لأخيه ~~عزان فآوى إلى السلطان سالم فأكرم نزله فجاءت هذه الدخلة وإبراهيم عند ~~السلطان فتحصن معه في الكوت؛ وكان إبراهيم أشد الناس حربا عند السلطان وكان ~~الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي قد تأخر عنهم في مطرح وإنما لحق بهم من بعد في ~~تلك الليلة وكان الفتح المذكور في ليلة واحدة وهي ليلة أربع عشر من الشهر ~~المتقدم فأصبحت البلاد خالصة إلا الكيتان، فإنها حربت عند السلطان سبعة ~~أيام فحاصرهم المسلمون وتجند سالم بالنصارى ms471 فضربوا معه ضربة مدفع واحدة. PageV02P226 # ثم جاءهم النهي من دولتهم ومنعوهم أن يدخلوا بين العرب، فبينما الشيخ ~~صالح قاعد في المنزل الذي نزله بعد صلاة الفجر إذ جاء بانيان يبشره بأن ~~دولة النصارى منعت طارفتها من الحرب، وكان مدفع كبير أسود قد سحبه ثويني ~~للرستاق، وكان قد ترك عند باب الجزيرة فأخذوا حبالا، وسار إليه بعضهم ~~فربطها فيه وأحكم ربطها، ثم مدوا الحبال إلى الباب الكبير ثم جذبوه إليهم ~~جذبة صرخوا معها صرخة تزلزلت لأجلها الكيتان؛ فكان سالم بن ثويني يحدث ~~الشيخ بعد أن جاء إليهم في دولة عمه تركي يقول إنكم لما صرختم تلك الصرخة ~~لم يبق عندي أحد على باب الكوت وإنما بقيت هنالك بنفسي فتركوا المدفع تلك ~~الليلة عند الباب الكبير، فلما أصبحوا جاءوا ليخرجوا به من الباب فلم يسعه ~~فقشعوا له الباب وأخرجوه فسحبوه في الوادي؛ ثم شرقوا به إلى الميابين ~~فنصبوه هنالك مواجها للكوت الغربي فكان يضرب الكوت من هنالك وكانت الرصاصة ~~تثقب الجدارين وتسقط في البحر، فلما رأى سالم ذلك دان وسارت الأكابر بينهم ~~على أن ينزل ويكون هو السلطان وعزان سيف دولته؛ فنزل في أحد وعشرين من ~~الشهر المتقدم ونزل في بيت هلال بن أحمد. PageV02P227 # ثم أتاه من أتاه في هيئة الناصح له يخوفه من المقام عند المسلمين؛ ويقول ~~له انج بنفسك فإني أخاف أن تقتل، ولم يكونوا قصدوا قتله وإنما هي المكيدة، ~~فطلب منهم مركبا ينجو فيه بنفسه ويتبرى من الأمر باختياره، فأذنوا له في ~~ذلك فركب ومضى إلى القسم؛ فكان يحدث الشيخ بعد رجوعه إليهم بعد انقضاء دولة ~~الإمام يقول هيبة عزان في القسم كهيبته في عمان يخافونه فيها كأنه ملكها؛ ~~ولا جرم فإن الله قد نصر نبيه بالرعب مسيرة شهر؛ ولأهل الحق من هذه النصرة ~~نصيبهم، وعند ذلك دانت الأمور للمسلمين؛ ووضعت الحرب أوزارها من مسكد ~~ومطرح، فاجتمعوا وتشاوروا؛ وكان قد لحق بهم أهل الباطنة يقودهم الشيخ محمد ~~بن سليم الغاربي؛ فتشاوروا في تقديم واحد منهم فوقعت خيرتهم على عزان ms472 بن ~~قيس بن عزان بن قيس بن الإمام، فبايعوه إماما في بيت الشجر في مسكد، وهو ~~أول إمام عقد عليه في هذا البلد، وكانت الأئمة قبل ذلك إنما يعقد عليهم ~~بنزوى، وعقد على بعض أئمة المتأخرين بالرستاق وعلى بعضهم بنخل وعقد على بعض ~~بمنح وبعض بينقل والله أعلم بموضع الجلندى وأظن عقده كان بصحار. # ---------------------------------------------------------------------- ~~---------- # [1] - أي استراح وقت القاتلة. # ذكر بيعة الإمام عزان بن قيس # حين وقعت خيرة المسلمين عليه بعد التشاور والتناظر وكان رؤساء الحاضرين ~~يومئذ الشيخ سعيد بن خلفان بن أحمد الخليلي والشيخ صالح بن علي بن ناصر ~~الحارثي والشيخ محمد بن سليم الغاربي، ومن معهم من إخوانهم ووجوه القبائل، ~~وخاصة المسلمين وعامتهم؛ فبايعوه يوم الجمعة بعد العصر في يوم اثنين وعشرين ~~من جمادى الأخرى سنة خمس وثمانين ومائتين وألف؛ وبايعه الخاص والعام؛ وضربت ~~المدافع إعلاما. # وصفة البيعة الموجودة في جوابات شيخنا الخليلي نصها: PageV02P228 # بسم الله الرحمن الرحيم: قد بايعناك على طاعة الله ورسوله، وعلى الأمر ~~بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ونصبناك إماما علينا وعلى الناس على سبيل ~~الدفاع وعلى شرط أن لا تعقد راية؛ ولا تنفذ حكما ولا تقضي أمرا إلا برأي ~~المسلمين ومشورتهم؛ وقد بايعناك على إنفاذ أحكام الله تعالى، وإقامة حدوده، ~~وقبض الجبايات وإقامة الجمعات ونصرة المظلوم؛ وإغاثة الملهوف وأن لا تأخذك ~~في الله لومة لائم، وان تجعل القوي ضعيفا حتى تأخذ منه حق الله، والعزيز ~~ذليلا حتى تنفذ فيه حكم الله، وأن تمضي على سبيل الحق، وأن تفني روحك فيه؛ ~~وأن تعطينا على ذلك عهد الله، وميثاقه لنا، ولجميع المسلمين أ. ه لفظ ~~البيعة. # وهذه الشروط التي ذكروها في هذه البيعة، إنما هي شروط يشترطها المسلمون ~~على الإمام الضعيف كي لا يدخل في أمر لا يسعه الدخول فيه، وإنما اختاروا ~~عزان للإمامة مع أنه في الجماعة من هو أكثر منه علما، ولا يبلغ علمه معشار ~~ما عند بعضهم لكونه من بيت السلطنة، وتفرسوا فيه الصدق اليقين؛ وقوة ~~الإيمان وعزيمة الصبر؛ وشدة الوفاء؛ وحسن الإتباع وغاية الورع ms473 فصدق الله ~~فيه ظنهم؛ وقام بما حملوه من الواجبات؛ ووفى بما عليه وزيادة حتى ذهبت في ~~سبيل الله روحه، والمسلمون عنه راضون فرحم الله تلك الأوصال ونور الله ذلك ~~المضجع وقد أثنى عليه علماء عصره ثناء تاما، فمن ذلك ما ستجده في كتاب ~~المسلمين لإخوانهم أهل المغرب. PageV02P229 # وقال الشيخ جمعة بن خصيف بن سعيد الهنائي في سيرته؛ وفي يوم اثنين وعشرين ~~من هذا الشهر بعد العصر من يوم الجمعة عيد المسلمين، كان لهم عيد آخر بعقد ~~الإمامة للأمين، السيد الأمجد عزان بن قيس الأرشد عن إجماع على ذلك ممن هم ~~حجة الله في بلاده على من بها من عباده من علماء العصر وفقهاء المصر ~~الشيخان العالمان نيرا فلك العلم والعبادة، والورع والزهادة سعيد بن خلفان ~~بن أحمد ومحمد ابن سليم الأوحد، ومن معهم ممن هو الحجة من المسلمين، فهو ~~إمامهم الأمين، والقائم بأمر رب العالمين، الذي وجبت ولايته وحرمت عداوته، ~~ولزمت نصرته وحسنت سيرته؛ ونفذت كلمته، وعند ذلك أخذ في دعوة الناس إلى ~~طاعة الله. وأخذ من تغلب على معاقل المسلمين من الفسقة والمجرمين بالنزول ~~منها والتخلي عنها؛ فاستخلصها طوعا أو كرها. ثم شرع في رد المظالم والأخذ ~~على يد كل ظالم فنسب معالم الإسلام وحمل الناس على موافقة الشرع في الحلال ~~والحرام أ. ه المراد من كلام الشيخ جمعة. # وكتب المسلمون إلى إخوانهم من أهل المغرب كتابا يبشرونهم بهذه النعمة ~~التي من الله بها عليهم ونص الكتاب - وهو بقلم المحقق الخليلي PageV02P230 ~~قال فيه: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أيد الأحكام الشرعية بسيوف ~~الأئمة، وجعل طاعتهم واجبة على جميع الأمة؛ وجعل الحجة لهم وعليهم في ذلك ~~علماء الدين الذين بهم كشف الغمة، وكشف بعدلهم وأنوار هداهم حنادس الجور ~~المدلهية، فهم الدعاة إلى الله تعالى والهداة إليه، وبهم أكمل دينه وأتمه، ~~وصلى الله على سيدنا محمد الذي أرسله لجميع العالمين رحمة، وعلى آله وصحبه ~~الذين لا تنكر فضائلهم الجمة وسلم، وننهي إبلاغ السلام الوافر وتجديد ~~الثناء الفاخر ونشر هذا ms474 الخير العاطر إلى كافة من بأرجاء المغرب وأقطار ~~الأرض من المسلمين أهل الاستقامة في الدين من أهل العلم والفضل والحلم، ~~والفصل والعقد والحل وأرباب العقل والنقل من المشايخ الكرام؛ وجهابذة ~~الإعلام وأهل الاجتهاد في الإسلام من هم خيرة الأنام والدعاة إلى دين الملك ~~العلام. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. PageV02P231 # أما بعد فالباعث لتحرير الكتاب يا أهل المغرب إعلامكم بأن إخوانكم من أهل ~~عمان قد قاموا لله تعالى في هذا الزمان جهادا في سبيله وابتغاء مرضاته لما ~~كثر الظلم وانتشر الإثم وانتهك المحرمات وعطلت الحدود وسفكت الدماء وتعطلت ~~الأحكام وخربت المساجد وترأس الفسقة وتعاظم الجهلة، فانتدب لذلك أهل العلم ~~وبقية السلف وأولوا الغيرة على دين الله وذوو الحمية فيه، فباعوا أنفسهم ~~لله تعالى وخرجوا على سلاطين الجور، فأمكنهم الله من رقابهم وأذل بهم شوكة ~~الجبابرة فأخرجوهم من الممالك صاغرين وكانوا لهم بحمد الله قاهرين؛ فقدموا ~~لهم إماما ذا ثقة ودين وعقل وشهامة وبطش شديد في المعتدين، وهو الإمام ~~الأوحد والمقدام المؤيد والهمام المسدد ذو السطوات الهائلة والعزمات القوية ~~لنصر الله تعالى إمام المسلمين عزان بن قيس بن عزان بن قيس بن الإمام، فهو ~~الآن القائم بعمان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويظهر السنن ويميت البدع ~~ويغيث الملهوف ويرشد الضال ويفيض الخير ويقبض على يد كل جبار عنيد وفاسق ~~مريد، فينفذ فيهم حكم الله الشديد ولا يتجاوز بهم إلى ما لم يأذن الله به ~~من الوعيد. PageV02P232 # ولما كانت هذه من أكمل النعم الدينية والمعارف الإلهية لظهور ما كان درس ~~من الأحكام الشرعية وجب أن نعرفكم بها لأنكم شركاء في كل ما كان من الأمور ~~الدينية المحمدية، هذا ما لزم بيانه والسلام عليكم من كافة إخوانكم أهل ~~عمان، من إمام المسلمين عزان بن قيس، ومحمد بن سليم الغاربي، وصالح بن علي ~~الحارثي، وسالم بن عديم الرواحي، وحمد بن سليمان اليحمدي، وكاتب الأحرف ~~بأمرهم أخيكم سعيد بن خلفان الخليلي بيده، تاريخ يوم اثني عشر من ذي القعدة ~~سنة خمس وثمانين ومائتين وألف أ. ه ms475 الكتاب بتاريخه، فيكون هذا الكتاب بعد ~~البيعة بأربعة أشهر وبعض أيام ولم نقف على جواب أهل المغرب لهذا الكتاب غير ~~أني وقفت على قصيدة كتبها عالم المغرب وقطب العلماء محمد بن يوسف أطفيش ~~متعنا الله بحياته وهي قصيدة لامية كتبها للإمام يذكر فيها أنه سيصل لنصرة ~~الإمام، وقد غابت عني القصيدة غير أني أحفظ منها قوله: # على ما بحر الروم آتيك مسرعا ... = ... إذا شاء ربي أو ببر كرئبال # فانقضى أمر الدولة قبل وصول العالم المغربي ولكل امرئ ما نوى. # ذكر سرية إبراهيم بن قيس أخي الإمام.... # ذكر سرية إبراهيم بن قيس أخي الإمام # إلى قتل راشد بن عمير البريكي وزير سالم بن ثويني PageV02P233 قتل بشناص ~~من الغربية وذلك أن هذا الوزير لم يزل يطلب الغوائل للدولة ويسعى في هدمها ~~ما أمكنه طلبا لمنزلته الدنيوية؛ فلما ثبت ذلك عند الإمام وتحققه أرسل إليه ~~أخاه إبراهيم في نفر قليلين فنزلوا بلوى وركبوا منها وأخذوا عندهم واليها ~~محمد بن سعيد الهنائي وساروا إلى ذلك الوزير، وكان قد خلف على نفسه وجعل ~~حوله طبنجة، فلما وصلوا دخل إليه الهنائي وناداه فأجابه وقال نتخابر أي ~~نتصافح باليدين فقال الوزير نعم فمد الهنائي إليه يد الشمال وكان قد قبض ~~باليمين خنجره وكذلك مد البريكي اليسرى وكان قد قبض باليمين طبنجته فمكنها ~~من صدر الهنائي فحرفها الله عن لبته وأخذت من جنبه قليلا وضرب الهنائي ~~البريكي بنصله وألقاه ميتا، ثم خرج إلى أصحابه وركبوا حتى وصلوا لوى، ورجع ~~إبراهيم إلى أخيه وأقام الهنائي بلوى جريحا ثم عافاه الله. # ذكر مواجهة القبائل للإمام # وذلك أنه لما نصب الإمام رضي الله عنه دانت له القبائل وواجهه أكابرها ~~ووجوها وبايعوه البيعة العامة، وكان أكثر الناس قد حضروا البيعة إلا من شاء ~~الله فوفدت عليه الوفود فاهتزت عمان فرحا بطلعته السعيدة وأرسل إلى المعاقل ~~ففتحت له وولى عليها الولاة ونصب القضاة وحث الناس على طلب العلم، وخلصت له ~~جميع حصون الباطنة في أسرع حال، وواجهه حمد بن سالم بن سلطان ابن ms476 الإمام ~~وهو صاحب المصنعة، وكان قد جمع بها مالا جزيلا وأكثره من تركة آبائه ~~الملوك، ولعل بعضه كان مما جمعه بنفسه، فطلبوا منه مطلبا لم يذكره الناقل ~~لجهله به، فأبى ووقع بينهم بعض الاختلاف، فأخذوه وأسروه وقيدوه ومضوا إلى ~~بلاده المصنعة فأخذوها وأخذوا ما جمع بعد حكمهم عليه أنه بيت مال وسيأتي إن ~~شاء الله صورة الحكم في هذا وغيره، وأخذ الإمام من بيت حمد بن سالم بعض ~~آنية الصفر فأرسل بها إلى بلدة الرستاق، ولم يكن ذلك عن مشورة من المسلمين، ~~فدخل في نفس المسلمين من ذلك شيء لأن الشرط المتقدم في البيعة يقتضي منعه ~~من ذلك. PageV02P234 # قال شيخنا: فدخلت على الشيخ سعيد في بيته في مسكد ليلة بعد المغرب فرأيته ~~متعتبا على الإمام بما صنع، ويقول قد حملنا ولايته على رقاب العباد وهذا ~~صنيعه فنخشى أن يسألنا الله عن ذلك. # قال شيخنا: فقلت أرفق قال وكان بين بيته وبيت الإمام جدار يقتحم بين ~~السطوح قال فأرسلت أمة تستحضر الإمام فاقتحمت الجدار إلى سطح الإمام، ثم ~~جاء الإمام إليهم من هنالك. # قال شيخنا: فذكرت له ما ذكره الشيخ سعيد، وما وقع في نفوس المسلمين من ~~حمل الأواني من غير مشورة، قال فدمعت عين الإمام وقال: هذا كله في نفوسكم ~~علي ولا تذكرونه لي لو لم يكن لي ديانة في وجوب إتباعكم لكنت مروءتي توجب ~~علي ذلك ما نزلت هذه المنزلة ولا نلت هذه الدرجة إلا بسببكم، ما أخذت ~~الأواني تملكا وإنما أخذتها لكون بيت مال المسلمين بالرستاق نستعين بها على ~~ما يجوز لنا من ذلك وظننت أن حملها جائز، قال فتهلل وجه الشيخ سرورا بما ~~سمع من انقياد الإمام وحسن نيته، وأتموا له ما صنع وعذروه بالتأويل. # وكانت الغافرية من سوء رأيهم يرون أن الدولة قد صارت للهناوية فأضمروا ~~العداوة للإمام ومن معه إلا من عصمه الله منهم، فإن أفاضل الغافرية ~~والهناوية كلهم قد دخلوا تحت طاعة الإمام ورضوا أمره، وإنما بقيت رؤساء ~~القبائل وأتباعهم من كل جاهل مارق ms477 ومنافق وفاسق فدخلتهم الحمية الجاهلية ~~وتعصبوا العصبية الضالة، وصار أكثرهم يدا واحدة في الضلال والبغي واشتهر ~~بذلك أهل وادي سمائل من سيابيين وبني جابر والرحبيين والندابيين، وحرضهم ~~على ذلك إخوانهم من بني ريام والدروع والجنبة وتشهر بها السيابيون، فأوقع ~~بهم الإمام الوقعة المشهورة. # ذكر وقعة نفعا PageV02P235 وسببها العصبية الجاهلية، وذلك أن السيابيين ~~قد سفكوا بعض الدماء بالباطل فدعاهم الإمام للإنصاف فأبوا، فقالوا حاكمنا ~~البيض الهندية والسمر الخطية، فجمع لهم الإمام الجموع وركب الشيخ صالح ومن ~~معه من الشرقية ليقطعوا عنهم مدد الجنبة والدروع، فأقاموا في وادي عندام ~~بموضع يقال له غرامة قرب العلية ومعه أكابر آل وهيبة فبقوا هنالك مرابطين. # وأما الإمام فإنه سار بمجموعة وأكثرهم من أهل الباطنة، وأما أهل الشرقية ~~فإن عامتهم قد تغلقت عليهم الطرق لأنهم في أيدي الغافرية، ثم سار الإمام ~~بمجموعه حتى نزل فنجا وكان السيابيون قد جمعوا له جموعا عديدة فزحفوا إليه ~~وزحف عليهم والتقوا بموضع يقال له السعادى بين فنجا ونفعا، فاقتتلوا قتالا ~~شديدا، فولى السيابيون ومن معهم الأدبار ونصر الله الإمام ومن معه فرجعت ~~الغافرية إلى نفعا وتحصنوا بها، وكان هذا في يوم اثنين وعشرين من شوال من ~~سنة خمس وثمانين ومائة وألف وهي سنة الفتح. # ثم زحف عليهم الإمام بمن معه ودخل نفعا يوم أربع وعشرين فركن أهلها إلى ~~الفرار بعد قتل وقتال، وقتل منهم جمع كثير فمكنه الله من بلادهم وأنزلهم من ~~صياصيهم وهدمها لئلا تكون مأوى لبغيهم، وكتبوا بذلك إلى الشيخ الخليلي، ~~وكان بمسكد كتابا حاصله: أن الواقع بفنجا عرفناك به وانتقلنا إلى بلد بدبد، ~~وأراد المحبون مواجهة رجال السيابيين ومن شايعهم من الباغين فثبتوا يعدون ~~بالمواجهة ويخلفون فمضى ذلك اليوم. PageV02P236 # وفي اليوم الثاني انقطع جوابهم على الامتناع إغترارا بمن شايعهم من الهمج ~~والرعاغ وظنوا أن مواضعهم لا ترام؛ ومن لجأ إليهم لا يضام؛ فلما كان وقت ~~الزوال ملنا عليهم بجنود الله التي لا تروعها الأهوال؛ ولم يحمهم سهل الأرض ~~ولا الجبال ما جمعوا من كثرة الرجال؛ فثبت المسلمون ms478 أقدامهم وضربنا خلفهم ~~وأمامهم؛ ولم يزالوا ينتقلون من جبل إلى جبل هاربين؛ وكرار المسلمين لهم ~~طالبين حتى أحلنا الله بساحة دارهم؛ ولم يبق أحد منهم ولا من أنصارهم، وها ~~نحن بها قائمون وفي عقوبتها نازلون؛ وإذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح ~~المنذرين ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون )، وقد أكلت الحرب رجالهم ~~مائة وخمسين رجلا قد تقضت آجالهم: والسلام أ. ه لفظ الكتاب على ما رواه لنا الثقة. # قال وبعثوا به رسولا إلى الشيخ؛ وكان شيخنا قد ركب من وادي عندام وجاء ~~عقبة السوية قاصدا مناصرة الإمام؛ فلما كان أوايلهم بالمراغة وصلهم خبر ~~الفتح فرجع بعضهم يبشر الشيخ بذلك، ثم سار شيخنا حتى نزل هيل، وكانوا مع ~~البغاة فأسر أكابرهم ومضى بهم إلى الإمام فقيدهم الإمام عقوبة لتمردهم ~~وكسرا لشوكتهم؛ وأقام الإمام بنفعا يهدم بروجهم المشيدة وقلاعهم المنيعة ~~وهدم بروج من ناصرهم وأعانهم على بغيهم من بني جابر وغيرهم؛ وقيد الرؤساء ~~وهرب كبيرهم حتى لحق بسالم بن ثويني، ولحق به أيضا كبير بني ريام؛ وساروا ~~جميعا إلى رياض يستنصرون بأهل نجد فرجعوا بالخيبة. PageV02P237 # ويقال أنه لما كان الإمام بنفعا قبل هدم بروجها نزل من جبالها رجلان ~~يعتزيان عزرة بن نزرة يطلبان الإمام للمبارزة فهجموا على مجمع الشورى ورؤوس ~~الجيش وكانوا بارزين فقام علي بن سالم بن حسن العامري؛ وتلقى لأحدهما فمكنه ~~الله منه وقتله وقام سيف بن شيخان العدوي للآخر فكان غاية ما عند سيف أن ~~يتقي عن نفسه ضرب السيف بترسه والنزاري يقطع الترس قطع البطيخ، وكان سيف من ~~شجعان العرب، فلما أدركه النزاري ضحك وهي ضحكة حصلة، فضربه بعض من حضر بتفق ~~فأبقت منه بقية؛ وهوى على رجل يقال له سليمان بن سعيد، فوقعت ضربته في ثومة ~~سيف سليمان فقطعتها فاحتولوه فقتلوه؛ وكان قبل الدخلة التقى رجلان من سبور ~~الإمام برجلين من أنصار نفعا يسبران أيضا، وكان التقاؤهم عند نخلة هنالك. # قال بعض سبور الأمام: كان صاحبي من أهل الشرقية يقال له سرحان؛ قال فتوجه ~~واحد إلى سرحان ms479 وتوجه الآخر إلي، وكانت رجلي على سقف هنالك فحمل علي بسيفه، ~~فحين هممت بالحركة أنخشع السقف فانحنيت على جانب فوقعت الضربة في جذع ~~النخلة فاهتزت من أعلاها إلى أصلها؛ قال وعزيت سرحان وكان قد قتل صاحبه، ~~فقلت له: أكلني الكلب؛ قال فهوى إليه ولمضه بسيف قبل أن أتراجع، فكان هذا ~~السابر يحدث عن هذه القصة متعجبا من شجاعة سرحان والنزاري، وكان هذا ~~المتحدث من أبطال الرجال، ولكن لا غاية للشجاعة والأقران تعترف للأفران. # ثم أن الإمام أرسل المقائيد إلى مسكد فسجنوا في الكيتان والصير؛ وكانت ~~هذه أول وقعة ذلت بها رقاب الأعداء؛ وظهر بها منار الدين وسكنت بها الحركات ~~وتقاصرت بها النفوس عن أمانيها، وما النصر إلا من عند الله والله أعلم. # ذكر سرية فيصل بن حمود إلى نحو المشرق PageV02P238 وذلك أن الإمام جهز ~~ابن عمه فيصل بن حمود بن عزان في جماعة يسيرة؛ فسار بها نحو المشرق ومر على ~~وادي مجلاص ثم شرق إلى صور ثم إلى جعلان مستكشفا لأخبار الدار ومستطلعا على ~~أحوالها، فما نزل منزلا إلا وواجهه من هنالك طائعا وأجابه مستمعا، فلما وصل ~~جعلان نزل في بلاد بني بو حسن، وواجه أمير بني بو علي ونقله للضيافة، ثم ~~أرسل إلى جماعة من الحرث فوصلوا إليه فركبوا جميعا إلى بدية ثم إلى بلدان ~~الحرث ثم إلى مسكد ورجع بالظفر والفتح المبين. # ذكر الحكم على أموال الملوك من آل بو سعيد # وذلك أن الملوك من قبل الإمام قد أخذوا الجبايات من غير حلها ووضعوها في ~~غير أهلها، فتناظر المسلمون في أمرها وتشاوروا في حكمها؛ فرأى الشيخ ~~الخليلي أن سبيل هذه الأموال سبيل أموال بني نبهان التي حكم فيها الإمام ~~عمر بن الخطاب بن محمد الخروصي رحمه الله تعالى ولم يفهم الشيخ الغاربي ~~مأخذ هذا الحكم ووقع بينهم في ذلك جدال طويل وبسط واسع، وأظهر لهم الشيخ ~~الخليلي في ذك حججا كثيرة؛ وألف فيه رسالة واسعة، فسكت الشيخ الغاربي وتشجع ~~بقية العلماء وأمروا الإمام بالحكم فيها بالاستغراق في يوم ms480 ثامن من شهر ذي ~~الحجة من سنة خمس وثمانين ومائتين وألف وهي سنة الفتح؛ فكم الإمام بذلك ~~وكتبوا في ذلك كتابا ذكروا فيه صورة الحكم، ونص الكتاب: # بسم الله الرحمن الرحيم PageV02P239 هذا ما حكم به سيدنا إمام المسلمين ~~الولد عزان بن قيس بن عزان في الأموال التي خلفها الإمام أحمد بن سعيد ~~وولده الإمام سعيد بن الإمام، وأولاده قيس وسلطان ومحمد بنو الإمام أحمد بن ~~سعيد، والأموال التي خلفها هلال بن محمد بن الإمام؛ وسعود بن علي بن سيف، ~~وأموال السيد سعيد بن سلطان وابنه ثويني ابن سعيد؛ وسالم بن ثويني وعماله ~~سيف بن سليمان بن حمد وسعيد بن محمد بن سعيد وأموال بنت سيف بن محمد أم ~~السيد سعيد بن سلطان، وأموال عزا بنت سيف زوجة السيد سعيد، وأموال محمد بن ~~ناصر الجبري، قد حكم بهذه الأموال المذكورة كلها لبيت مال المسلمين، ~~لاستغراقها في الجبايات والمظالم المجهولة أربابها فكان مرجعها لبيت المال؛ ~~وقد حكم الإمام بذلك وأشهدنا عليه، بتاريخ يوم ثامن من شهر ذي الحجة من سنة ~~خمس وثمانين ومائتين وألف، وكتبه بأمره الفقير سعيد بن خلفان بن أحمد ~~الخليلي بيده. وأنا بذلك شهدت على سيدنا الإمام وكتبته بيدي وأنا صالح بن ~~علي الحارثي هذا مني صحيح وبأمري، وقد حكت به وأشهدت عليه، وأنا العبد ~~الفقير إمام المسلمين عزان بن قيس وكتبته بيدي؛ فمضى الحكم، وأخذ الإمام ~~تلك الأموال وأضافها إلى بيت المال وباع منها جملة أصول وأنفذها في عز ~~الدولة؛ وذلك كله بمشورة المسلمين وبرأي الشيخ الخليلي. PageV02P240 # وأما الشيخ الغاربي فإنه توقف في المسئلة وظن أن الحكم بهذا إنما يكون في ~~أموال من مات منهم؛ دون الأحياء فكان بعض شيوخنا يذكر لنا عنه أنه كان يقول ~~إن الحي إذا أراد أن يتخلص وقد أخذ ماله لبيت المال فمن أين ترونه يتخلص، ~~فحكم الحي خلاف حكم الميت؛ ولم ينقل لنا جواب عن اعتراضه هذا والجواب ~~الواضح أن يقال: إن الحكم بالاستغراق لا يكون إلا حيث تعذر على الحي التخلص ms481 ~~من اختلاط المظالم والجهل بأربابها والجهل بحقوقهم، فإن الخلاص مع الجهل ~~بذلك أو بشيء منه متعذر قطعا إذ لا يمكنه أن يوصل الحق إلى أهله، فغاية ~~تخلصه إذا شاء التخلص أن يجعله في باب من أبواب منافذ الأموال المجهول ~~ربها، وذلك هو بيت المال والفقراء. # وقيل يكون حشريا لا ينتفع به؛ وقيل يكون أمانة في بيت المال؛ وإذا حكم ~~الإمام فيه بقول من هذه الأقوال وجب قبول حكمه لوجوب طاعته، وصار ذلك القول ~~بمنزلة المجمع عليه، فخرج عن موضع النزاع إلى موضع الإجماع لإجماعهم على ~~وجوب طاعة الإمام والله أعلم. # ذكر فتح الجو PageV02P241 وكان معقلها البريمي وتسمى في القديم توام، ~~وكان بها السديري عاملا لصاحب نجد، وكانوا قد اتخذوها معقلا لقربها من ~~ناحيتهم، وذلك بعد أن تغلبوا على البلاد بمساعدة الغافرية وبعض الهناوية في ~~أيام سعيد بن سلطان، وسبب ذلك العقوبة التي عجلت على أهل عمان بمخالفتهم ~~شيخهم أبا نبهان وقيامهم عليه حين قام على نزوى لإظهار العدل كما تقدم، ~~فقاموا عليه فسلط الله عليهم عدوا من أنفسهم فجر عليهم أهل نجد؛ فكان منهم ~~ما تقدم ذكر بعضه، وبقي معقلهم بالبريمي إلى أيام هذا الإمام، والجو ~~والظاهرة كل في طاعتهم إلا من شاء الله، فمن الناس من أطاعهم راغبا، ومنهم ~~من أطاعهم كارها والغلب طوع، فبقوا هنالك حكاما على الناس بالجبرية يحكمون ~~بما تهوى أنفسهم، ولهم في الناس عادات ظلم، فقدم رئيس النعيم محمد بن علي، ~~وكان تحت طاعتهم، فجاء حتى وصل الشيخ الغاربي بأرض الباطنة، فذكر له ما جاء ~~به وأنه يريد من الإمام أن يقوم على البريمي؛ فقال له الشيخ الغاربي: أنت ~~لا تستطيع خلافهم لأنهم حكام عليكم ونصحه مخالفة الضرر عليه في دنياه، فقال ~~لا أهمهم إذا كان عندي الإمام وجماعة المسلمين، فركب معه الشيخ الغاربي إلى ~~الإمام ببركا؛ فأخبره بما جاء له محمد بن علي فتشاور المسلمون واتفقوا على ~~القيام، فركب الإمام بمن معه وكتب لأمراء الجنود أن يلاقوه بمن معهم في ~~صحار؛ فتجمعت الناس من ms482 كل أوب، واجتمع الجيش بصحار والإمام معهم؛ فركب ~~بالجيش من هناك وبات فلج القبائل، ثم قال بالعوهى، وكان الأمباء بها كثيرا، ~~وكان لحسنه وكثرته فيها يضرب به المثل، فيقال أمباء العوهى؛ وكان ذلك الوقت ~~وقت نضاجه، فذكروا أن ثمر الأمباء كان يتساقط على فرش القوم ولا يتناول أحد ~~منه شيئا؛ فلما هموا بالرحيل نفضوا فرشهم وبقي الأمباء مكانه. PageV02P242 # وذكروا أن خادما للإمام؛ وقيل بل مزينه، وهو المحسن أخذ أمباة واحدة ~~فأكلها فآل من الإمام على الزجر والتوبيخ، ولم يبلغ به حد العقوبة لأن ~~الثمرة كانت ساقطة بنفسها وكان الورع تركها كما ترك ذلك باقي الجيش، وذلك ~~الحال من توفيق الله للإمام وحسن رعايته، ثم راح من العوهى وبات بالسهيلات، ~~ثم نشر منها وجاء على وادي الجزي، فوجد الأعداء قد سموا الموارد فنزحوا ~~ماءها الذي فيها وكانت غزارا، ثم سار بمن معه حتى جاء على منازل بني كعب ~~فدانوا له وواجهوه. # ثم سار وساروا معه حتى نزل البريمي، فخرج أهل الخيل من أهل نجد ولاة ~~الحصن؛ وركب أهل الخيل من أصحاب الإمام، وكان في الأعداء فارس يقال له ~~مدغم، وكان قد اشتهر بالشجاعة والبسالة والإقدام في الحروب، فتقدم للبراز ~~فتقدم له من أصحاب الإمام شامس بن حسن العامري، وكان حوله ابن أخيه علي بن ~~سالم، فرأس شامس أن العدو سيأخذه؛ فأرسل إليه الحربة وأطلقها من يده فلما ~~رأى مدغم ذلك التقاها برأس الفرس فرقعت فيه فسقط الفرس ووقع الفارس على ~~الأرض، فضربه علي بن سالم بتفق فقضى عليه، فانهزم الباقون إلى الحصن ~~وتمنعوا به؛ وكان حصنا رفيعا أحيط بخندق فحاصره الإمام وضربوه بالمدافع، ~~وبذل محمد بن علي بمن معه من قومه بذلا حسنا شكره المسلمون على ذلك فخاف ~~أهل الحصن يوما أن يضرب الباب بمدفع؛ فخرجوا ليجعلوا على الباب سيبة تقابل ~~المدفع؛ فجاءهم بعض القوم من جانب آخر فناقعوهم فدخلوا الحصن، ولم يخرجوا ~~بعدها لحرب، فأرهقهم الحصار، وكانت عندهم الخيل والإبل فطلبوا الأمان ~~ليخرجوا من الحصن فأمنهم الإمام ونزلوا على يد ms483 الشيخ الغاربي وخرجوا بما ~~معهم من خيل وإبل ومتاع ودخلها الإمام بالفتح المبين. PageV02P243 # وكانت مدة الحصار خمسة أيام؛ فأقام الإمام فيها لرفع المظالم والأمر ~~والنهي وكان ذلك فتحا جليلا انقاد به كل صعب، وماتت به الأعداء كبدا؛ ورجع ~~منها إلى أرض السر وهي الظاهرة فملك ضنك والغبى؛ وانقاد أهل الظاهرة وواجهه ~~صاحب حصن العينين وهو برغش بن حميد أولاد محمد بن ناصر الغافري المتقدم ~~ذكره في حروب اليعاربة فأخذ لنفسه أمانا وأعطى كلاما فقبل منه الإمام ذلك، ~~وولى على الظاهرة بريك بن سالمين الغافري وجعل عليه عيونا ثم شك في ولايته، ~~وكتب فيه سؤالا للشيخ الخليلي ونصه: # وما تقول شيخنا إنا جعلنا الشيخ بريك بن سالمين واليا في أطراف الظاهرة ~~وبقي وسواس في النفس من قبله إذ اليوم الدنيا وغدا الآخرة، ونحن وإياك ما ~~تكلفنا هذا الشأن إلا رجاء من الله تعالى أن يمن علينا باجره، ونحن لم يرفع ~~إلينا منه شيء، وقد أظهر لنا المناب وأعلن لنا مما كان عليه المآب؛ فهل يسع ~~تركه في فعل الولاية على هذه الصفة إذا لم تشك الرعية منه شيئا فيجب عزله؛ ~~وإنما بقي على حاله التي ذكرتها لك والضرورة إلى مثله داعية إلا إذا منعها ~~عدم الجواز، صرح لنا يرحمك الله وقد جعلنا محمدا ومحمدا عليه عيونا ورقباء ~~غير أن نظره أبعد من نظرهما؛ وأنت تعرف أحوال الجميع. # فأجابه الشيخ بقوله: يترك على حاله ولا بأس بذلك ما لم يرفع عليه ما يوجب ~~عزله، واستخبروا عنه العيون فإنهم أعلم بما منه يكون والله أعلم، ثم فسح ~~لقومه وركب قاصدا وطنه وهو الرستاق وأقام بها يأمر وينهى وينشر العدل؛ ~~ويبسط المعروف، وفيها واجه هلال بن زاهر رئيس بني هناءة، ومحمد بن علي رئيس ~~بني شكيل، وكانا قد أظهرا الخلاف والتمرد، فقبض عليهما وأوثقهما بالقيود، ~~وكان بنو شكيل أنصار حصن بهلا، وكان حصن بهلا قديما في يدي اليعاربة، ثم ~~صار إلى الغافرية وبإلزام محمد بن علي خلص هذا الحصن، وكان الإمام قد لزمه ~~لذلك ms484 وبخلوصه أطلقه الإمام فكان هذا هو السبب في فتح بهلى. PageV02P244 # وفي حال قيام الإمام على البريمي انخدع سالم بن ثويني اغترارا بمن وعده ~~بالنصر والمظاهرة على الإمام، فأتى إلى نزوى، وكان قد قصد القسم والرياض ~~ولم تكن نزوى يومئذ في يد الإمام، وإنما كانت في يد حمد بن سيف بن عامر ~~البوسعيد، فلم يجد ما أمله من النصر والمظاهرة ثم قصد آل وهيبة يطلب منهم ~~النصر والمظاهرة على الإمام فآووه فأرسل الإمام إليهم ابن عمه فيصل بن حمود ~~في جماعة من جنود الله يقدمهم النصر فدخل سالم بن ثويني الرعب ولم تحمه ~~كثرة آل وهيبة ولا وسعته سيوحهم فخرج منها خائفا يترقب فرجع القائد بالظفر ~~والله يؤتي فضله من يشاء. # ذكر فتح منح # وكانت تحت صاحب نزوى وكان عسكرها بنو شكيل فركب إليها شيخنا صالح بن علي ~~بمن حضر معه من قومه؛ وكان في جملتهم علي بن سعيد بن محمد الجحافي، وكان ~~على بدويته ناصحا للدولة تسخيرا من الله وحسن عناية، فقال للشيخ إن جئت منح ~~بمن معك جفلوا منك؛ وتحصنوا عنك ولكني أتقدمكم لعلي أصادف منهم غرة فأنعم ~~له الشيخ بذلك، فتقدمهم في قدر عشرين راكبا وكانوا قد ركبوا إليها من ~~القريتين؛ فدخل علي بن سعيد سوق منح فصادف والي الحصن في السوق فقبض عليه ~~وأسره قال ما شأنك قال هذا الشيخ صالح ورائي ولا خلاص لك إلا بفتح الحصن ~~فوصل الشيخ وفتح الحصن بغير حرب ونزل من كان فيه وصار للإمام والله أعلم. # ذكر فتح ازكي PageV02P245 وكانت في يد علي بن جبر بن محمد بن ناصر الجبري ~~صارت إليه في عهد محمد ابن ناصر وبعد موته صارت إلى ولده جبر، ثم إلى علي ~~بن جبر وكان لأهل هذا البيت شرف ورئاسة في قبائل الغافرية، وكانوا يعتقون ~~لهم منزلة السلطنة، وقد تقدم أول الباب أن علي بن جبر هو الذي خفر جماعة ~~المسلمين بسفالة سمائل عند أول قيامهم، ومن هنالك انقطعت أخباره إلا أن ~~الشيخ الخليلي، ذكره في قصيدة ms485 نفعا أنه كان يومئذ في جيش البغاة المتجمعة ~~لحرب الإمام، فلما فتح الله على المسلمين بالنصر على أعدائهم من أهل نفعا ~~وغيرهم، بعث الإمام سرية وولى عليها أخاه إبراهيم بن قيس، فساروا حتى نزلوا ~~بوادي بني رواحة الغربي، وكان بينهم وبين علي بن جبر مخاطبة في تخليص الحصن ~~فخلصه لهم وهم بذلك الوادي ليلة سابع من جمادى الأخرى من سنة ست وثمانين ~~ومائتين وألف، وحسن حال علي بن جبر بعد ذلك والهداية بيد الله. # ثم سار إبراهيم إلى ازكي ونزل حصنها بجنود الله، ودعا أهل النزار إلى ~~السمع والطاعة فأجابوه حين هابوه وسمعوا حين فزعوا، وكانوا قد تجبروا على ~~جيرانهم من أهل اليمن وتعدوا فيهم الحدود حتى هموا بالجلاء من أوطانهم ~~فسكنهم إبراهيم في بلادهم، وأذن لهم في تقوية البناء على أنفسهم لكونهم ~~مستضعفين ودفع عنهم الظلم ومنع عنهم الغشم. # ذكر فتح نزوى وهي بيضة الإسلام وكرسي مملكة العرب PageV02P246 وكانت في ~~يد حمد بن سيف البوسعيدي كان آباؤه فيها ولاة فتغلبوا عليها حين اختلت دولة ~~أولاد الإمام، وصار بعضهم يقتل بعضا على الدنيا فبقوا فيها حتى أخذها ~~الإمام من يد حمد بن سيف، وذلك أن إبراهيم توجه من ازكي إليها ونزل فرق ~~ودعى أهل نزوى للدخول في طاعة الإمام فأجابوه لذلك وتلقوه بالكرامة والسمع ~~والطاعة، إلا القلعة فإنها امتنعت من الإجابة، ودعا إبراهيم سيف بن سليمان ~~النبهاني رئيس بني ريام للسمع والطاعة، وكان سيف قد تغلب على سمد نزوى، ~~وجعل جامعها مرصدا لأنصاره وأحاطه بالقلاع العالية والسيران السامية، ~~فأجابه حين دعاه وواجهه فأزالوا من بيت الله الأحداث الباطلة، وأسلم لهم ~~برج بستان قيس. ثم حاصر المسلمون قلعة نزوى الشديدة الأركان الشامخة ~~البنيان فأظهرت العتو وأقاموا على حصارها وركب الإمام إليها بمن معه فوصلها ~~يوم واحد وعشرين من جمادى الأخرى من سنة ست وثمانين ومائتين وألف، فلما ~~نزلها الإمام سلما سلطانها له، ونعم ما صنع إذ عرف الحق وأهله فأداه له، ~~وولى عليها الإمام سالم بن عديم الرواحي. # قال الشيخ جمعة ms486 بن خصيف في سيرته: ثم نبض عرق النفاق للريامي يعني سيف بن ~~سليمان، فنصب الشقاق ثم خذله الله وقاده إلى الوثاق؛ فواجه الإمام يوم عيد ~~المسلمين من الأيام بعد صلاة الجمعة يوم أربه وعشرين من هذا الشهر، المبارك ~~فعامله الإمام بما هو أهله فركبه الأدهم بعد أن ركب الكميت والأدهم، ولم ~~تحمه تلك العساكر والجنود وما ذلك إلا لطول تكبره وبغيه والسمود أ. ه كلام ~~جمعة بن خصيف، وذكر غيره أن سيف بن سليمان مات في سجن الإمام والله أعلم. # ذكر غزوة جعلان PageV02P247 وسببها أن بنو علي نزعوا يد الطاعة وخرجوا من ~~الجماعة وخالفوا الإمام، ولم ينقادوا للأحكام ولم يرضوا أن يكونوا تبعا، ~~وذلك لاعتقادهم الفاسد فإنهم كانوا على دين الوهابية وهم بقية من أنصار ~~نجد، وتعرفهم العامة بالأزارقة لأنهم شابهوا الأزارقة في تشريك أهل القبلة، ~~فلم تفرق العامة بينهم وبين الأزارقة، وهم إنما أخذوا من الأزارقة مسألة ~~التشريك، ومن الحنابلة مسئلة التشبيه؛ وأخذوا من كل مذهب أغثه، وقالوا قد ~~أصبنا دينا كما صنعت الصابئة، وكان اعتقاد الوهابية في المسلمين أسوأ ~~اعتقاد، فمن هنالك صعب عليهم الانقياد فحصنوا بلادهم واستعدوا للحرب، ~~وكانوا من قبل ذلك أنصار سالم بن ثويني فهموا بنصرته فرماهم الله بالطاعون، ~~ولم يرتفع عنهم حتى أخذت مسكد؛ ولم يصب غيرهم من أهل عمان فكانت هذه الخصلة ~~من كرامات هذا الإمام، وكان بنو بو علي أهل عدة وعدد وبسالة وشجاعة وإقدام ~~هائل يعتقدون في الموت الشهادة، ويرون الفرار حراما؛ ولهم سطوات هائلة. # وكانت ملوك عمان من قبل الإمام لم يدوسوا أرضهم إلا ما تقدم من أمر سعيد ~~بن سلطان وانتصاره عليهم بالنصارى، فعزم الإمام بالمسير إليهم بعد فتح ~~نزوى، وكتب لأمراء الجنود أن يلاقوه بمن معهم في بدية؛ وسار هو بنفسه ومن ~~معه من نزوى إلى بدية واجتمع الجيش بها ومن هنالك قصدوا جعلان ونزلوا ببلاد ~~بني بو حسن. وكان بنو بو حسن تحت طاعة الإمام فأرسل إلى بني بو علي، ~~النصائح، وأظهروا في أول مرة العتو ثم ms487 انقادوا بعد ذلك لما يرى الإمام ~~فيهم؛ ونزلوا على حكمه. PageV02P248 # ويقال أن سبب انقيادهم حصول الرعب في قلوبهم بسبب وقع عند المسلمين من ~~غير احتفال له، وذلك أنه في ليلة من الليالي وقع ضرب تفق في جيوش المسلمين ~~في هيئة النفضة؛ والنفضة ضرب متتابع فضرب الجيش كله؛ كل من سمع الضرب ضرب، ~~فتواصل الضرب بعضه ببعض؛ وقام صاحب الجاردى فضرب من غير أمر فكان يسمع لضرب ~~التفق والمدافع دوي عظيم؛ وصعقات هائلة ودوران كدوران الرحى، وكان ذلك كله ~~من غير قصد. # فأورث الأعداء رعبا وألبسهم ذلة واستشعروا العجز عن مقابلة ما سمعوا ~~بآذانهم؛ ورأوا بأعينهم فانقادوا متذللين، وجاءوا مذعنين لحكم الإمام على ~~ما يرى فيهم من الأحكام، فأخذ الإمام أكابرهم وأكابر من ناصرهم من بني راسب ~~والهشم وحملوا إلى مسكد فقيدوا بالكيتان وأمر بقلاعهم فهدمت؛ كسرا لشوكتهم ~~وإطفاء لفتنتهم، وكانت عندهم قلعة مانعة فحفروا من تحتها وأدخلوا في الحفر ~~الباروت وقادوا الباروت إلى موضع يأمنونه فأحرقوه بالنار؛ واتصل الحريق حتى ~~ثار بباروت الذي تحت القلعة فنزعها صاعدا؛ فكانت ترى في الجو كمثل السحاب ~~ثم تساقطت قطعا؛ وفي ذلك يقول المحقق الخليلي: # لا تسل عن قلاعهم كيف بالبا ... = ... روت قد أصبحت تشق العنانا # فهي مثل الجبال سيرن تس ... = ... يار غمام ثم انبثثن دخانا # وقبض عليهم حصن الميتة وجعله مرصدا للمسلمين، ثم اقتضى نظره بعد ذلك هدمه ~~فهدمه، ثم رجعوا بالنصر والظفر؛ وولى الإمام على بلادهم سيف بن عامر ينفذ ~~فيها الأحكام ويكف الناس بعضهم عن بعض؛ وكان انقياد بني بو علي والتمكن منه ~~في اليوم الرابع عشر من شعبان من سنة ست وثمانين ومائتين وألف قال شيخنا: ~~فلما وصلنا إبرى راجعين من جعلان تلقانا كتاب من الشيخ الخليلي يعاتبنا على ~~ما صنعناه في بني بو علي وأنشد فيه قول القائل: # فإن الجرح ينفر بعد حين ... = ... إذا كان البناء على فساد PageV02P249 ~~قال وكان مراد الشيخ أن يحكم في بني بو علي بحكم رسول الله صلى الله عليه ~~وسلم في بني قريظة؛ إلا ms488 أنه لا تغنم أموالهم ولا تسبى ذراريهم، وذلك لخوفه ~~على الدولة منهم؛ وقد ظهر أخيرا ما تفرسه الشيخ الخليلي؛ فكان ذهاب الدولة ~~على أيديهم كما سيأتي ذكره. # وحبس أكابر بني بو علي في الكيتان ما شاء الله من الزمان؛ ثم إنهم خادعوا ~~عقيد العسكر - عسكر الكوت - وعملوا سياسة فيما بينهم فأرسل لهم قومهم من ~~جعلان جراب تمر، وأدخلوا فيه حبلا لينزلوا به من الكوت وواعدوهم على ليلة ~~مخصوصة؛ فأتوهم في تلك الليلة بسفينة صغيرة؛ فنزلوا من الكوت إلى السفينة ~~في الحبل وأصبحوا هاربين. # وهذا العقيد كان من أهل الحوقين من الخضور؛ فيقال إن بني بو علي كانوا ~~يراسلونه وهو ببلده إلى أن مات، وسكنت عمان بعد هذه الغزوة وبها تمت فتوحات ~~البلدان ولم يبق من عمان إلا حصن الحزم؛ وهو حصن لا تبعة له؛ واستفتحه ~~الإمام بعد ذلك؛ وسيأتي خبر فتحه إن شاء الله تعالى. # قال الشيخ جمعة بن خصيف في سيرته: فها هي الآن مصر عمان قد نعمت بالأمان؛ ~~روضة أنف بالعدل والإحسان؛ مستظلة بظل الإنصاف، مستنيرة بأنوار أهل الفضل ~~والعفاف؛ تنشر فيها الأعلام السامية وتنفذ الأحكام الشرعية وتحي السنن ~~المحمدية وتمات البدع الباطلية، وترد المظالم ويؤخذ بها الظالم فما منافق ~~إلا أذله الله بنفاقه؛ ولا مشاقق إلا رجع بالوبال عليه شقاقه، فسوق الأعداء ~~في كساد؛ وأمرهم حرام عليه السداد؛ وآراؤهم منكوسة، وتدابيرهم منحوسة. # ذكر مسير الإمام بالجنود إلى البريمي لمدافعة أهل نجد وهم ملوك الوهابية ~~PageV02P250 ويقال لهم أولاد ابن سعود والقائم فيهم يومئذ عبدالله بن فيصل؛ ~~وسبب ذلك أنه وصلت تعاريف من جهة الثغور الغربية بقدوم ملك نجد لحرب ~~المسلمين، فأرسل الإمام التعاريف مع بعض الثقات إلى الشيخ الخليلي وكتب له ~~في ذلك؛ وكان بيت المال قد نهكته الدول وأخذته المصاريف لإعزاز الدولة؛ ~~فأجاز الشيخ الخليلي لهم الاقتراض من الرعية على بيت المال لدفع هذا العدو ~~المخوف كما ستراه في كتبه للإمام. وكان ذلك في شوال من سنة ست وثمانين ~~ومائتين وألف؛ وهذا جواب الشيخ الخليلي للإمام في ms489 هذه القضية. قال رحمه الله: # بسم الله الرحمن الرحيم # إلى جناب سيدنا وعزيزنا الثقة الأجل الأكرم الأحشم المجاهد في سبيل الله ~~إمام المسلمين عزان بن قيس أعزه الله ونصره، سلام عليك ورحمة الله وبركاته؛ ~~كتبك الشريفة وصلت، وما بلسان خادمك محمد بن سليمان الخروصي عرفناه؛ ~~وتعاريف فيصل ومحمد بن علي والسمار نظرناهن، وهن صريحات في حالتين، إحداهما ~~الأخبار النجدية؛ والثانية الأخبار العمانية بوجود الضعف والخيانة من أهل ~~تلك الأطراف، وكلهم يستدعي وصولك الحال، ونحن قد كنا نؤخرك لأجل التخفيف ~~لكن نرى الأمر يزيد؛ والداعي حثيث مسرع، وكذلك تعاريف زايد، والآن لا نرى ~~لك التأخير، ولا نحب لك التواهن من يوم إلى يوم ولا تسوى([1]) مثل بني أمية ~~إذ يدعوهم عاملهم بمصر فيكتبون له: رفع الأمور حتى أخذت مصر. قلت؛ الصواب ~~إنه عامل خراسان؛ وهو نصر بن سيار، والملك الأموي يومئذ مروان بن محمد؛ ~~ومنه أخذت خراسان وجميع الممالك، وانقلبت الدولة إلى بني عباس، رجع إلى ~~كلام الشيخ. PageV02P251 # قال وانتزع الملك لكن نقول تشمر وقم على بركات الله تعالى بجنود المسلمين ~~من الشرقية والباطنة وغيرها قبل وقوع الخلل في البريمي، وإذا وصل ابن سعود ~~قبلك نخاف أن تنكشف عن داهية لا يمكن تداركها؛ فلا بد من القيام إن كان ~~مرادك الدفاع عن هذه الرعية من حد بركا إلى البريمي والظاهرة، ونحن من ~~استوى خبر ابن مسعود إلى هذا الوقت الذي غرمناه في البريمي يقارب عشرة آلاف ~~لغير فائدة ولا يمكن المقام على هذا، ولا يحرك ابن مسعود إلا أهل عمان؛ فلا ~~بد من قلع هذه الشجرة الفاسدة من كل مخوف إن كانت في نصرة الله ورسوله ~~وإحياء مدة الدعوة؛ وإغاثة الفقراء والمساكين والخروج على هؤلاء البغاة من ~~أهل الشمال وغيرهم في سبيل الله وله حكم الدفاع يلزم جميع أهل عمان ~~بأموالهم وأنفسهم على الأشهر والأصح من قول المسلمين، وقد أجزنا لك دعوتهم ~~وجبرهم إليه وتأديبهم، وليس حد الجفا إذا أحاط بك الخصم وتغلقت عليك ~~البلدان؛ وصارت يدهم القوية وكلمتهم العلية. PageV02P252 # وليس ms490 جهاد بن سعود أوجب ولا ألزم من جهاد أهل عمان الذين يكاتبون عليك ~~العدو ويجرون عليك الخصم مرادهم نزع ملكك واستئصال دولتك. قال الله تعالى ( ~~وأما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء ) فكيف بمن يكاتب ويعاهد ~~ويرسل وبالجملة فلا يستقيم أمرك ولا يستقر ولا تسلم رعيتك بدون هذا نعم وقد ~~أجزنا لك في هذا الخروج القرض من الرعية على بيت المال ولو بالجبر وأمرناك ~~به فألزمهم إياه عن أمرنا ورأينا، ولا تعطل أمور المسلمين ولا تسمع قول ~~المثبطين، فإن هذا هو الصحيح في النظر، ويشهد بصحته الأثر، وأنا أقول إنك ~~أبلغهم إياه عني، واحكم به عليهم مني، فإني في ذلك مجتهد لله ومتقرب إليه ~~وإن كان في المسلمين من ينكر جوازه أو يرى باطله فأنا أحاكمه إلى آثار ~~المسلمين وسيرهم، وهي بحمد الله موجودة، وإن كانت من مسائل الاختلاف؛ ولكن ~~التوسع في الرأي المختلف فيه في وقت الضرورة أعز للدولة وأنفع للأمة، ولا ~~تنظر إلى ما يقولون من مشقة الحال وذهاب بعض المال؛ فإن المريض لأجل طلب ~~العافية يداوى بالبط والكي وقطع بعض الأعضاء لسلامة العمر؛ وإن كان ضعيف ~~القلب يؤلمه ذلك من غير نظر في العواقب، فالعاقل لا يلتفت إليه؛ والسلام من ~~أحبائك الفقراء إلى الله تعالى وشركائك في المسرة والمضرة هلال بن أحمد ~~وكاتبه والقائل به والداعي إليه سعيد بن خلفان الخليلي بيده. PageV02P253 # ملحاق خير: بحق أقول إن رأينا هذا، ونسأل الله الإعانة عليه، لكن إذا كان ~~قيام هذا الجيش وتكليف الرعية بالقرض والقيام بالأموال والأنفس؛ فإن وصل ~~أهل نجد فقد تحققت الضرورة وتبينت الحاجة وظهر الوجه، فإن أخرهم الله ~~بلطفه؛ فإن كان ليكفيك من هؤلاء الخلق أن يردوك بكلمة جميلة وطلب مسامحة، ~~ولتكثر الوسائل والأقوال وترجعوا عنهم سالمين من بأسكم مثل بني بو علي إلى ~~شهر وعادوا مخالفين، فالأولى ترك القيام في الحال، فليس هو الوجه الذي ~~أردناه، ولا الطريق الذي اعتمدناه وأمرناك به ودعوناك له؛ وأجزنا لك فيه ~~هذه الوجوه؛ وإن كان قصدك كشف ms491 قناع الحياة والتقية، وقهر كل خصم من أهل ~~الشمال والظاهرة المعاندين إلى حد مبلغ القدرة، لا تأخذك في الله لومة لائم ~~ولا قول قائل، فهو الوجه الذي أجزناه لك وأمرناك به، وهو أكرم كل صديق ~~منقطع؛ واستبقائه عضدا لك مثل زائد على ما تظاهرت منه الأخبار عن أنه قاطع ~~بخصامه ابن سعود لأجلكم فيستحق الإكرام، ومثل محمد بن علي لصحبته السابقة ~~وما بان عليه شيء كذلك؛ لكن لا تترك له الرأي فيمن يستحق القهر والضبط ~~بالسياسة ونزع ما في يده مما إذا صرح في المكر يكون في تركه على الدولة وهن ~~وفي العاقبة بلاء مثل أناس لا يخافك أمرهم. # وكل من تعصب لأهل الباطل ولم يكفه واجبه فيضبط معه. # هذا رأينا إن كنت عازما عليه فتوكل على الله وسر على بركات الله؛ والله ~~معك ولا يخذل من الله ناصره؛ ولا يضيع من كان الله معه. # وإن رأيت غير ذلك فليس منا فيه أمر ولا نقول فيه شيء إلا أن كل نازلة لها ~~حكم، والله يتولاكم ويرعاكم؛ وهو الذي يتولى الصالحين بفضله وكرمه والسلام. PageV02P254 # ملحاق خير: واصلك هذا التعريف؛ فاعرضه على الشيخ محمد بن سليم، ويعرضه ~~على كل ذي معرفة، فإن كان غير خارج عن الصواب فقد ألزمنا العمل به إن كنت ~~تراه صالحا وقواما للدولة؛ وهو رأينا ولا نلزمك إياه إن رأيت الصلاح في ~~غيره، وأما نحن فنراه هو الصلاح إن قال أحد ببطلانه فلنقم عليه الحجة أو ~~يصل إلينا ونحاكمه إلى آثار المسلمين وسيرهم. # وإياك والتواهن يا عزان والوهانة يصبح أهل نجد والظاهرة والذين في قلوبهم ~~مرض معسكرين في البريمي، شد على أعداء الله واقهرهم بحكم الله؛ وأذلهم بعزة ~~الله فإن عند الامتحان يكرم المرء أو يهان، والحليم من فكر في العواقب ~~وزايد ومحمد بن علي أعرف بما هناك؛ وخطوطهم كما ترى؛ فعرف إبراهيم وصالح ~~يلاقوك بجيشهم البريمي يأتوك بالسميع والمطيع كله، ويأخذوا القرض ولزموه ~~الناس، وإياك تسمع الوسائل والمتشفعين جزاهم الله خيرا، وإياك أن تأخذ من ~~الفقراء والضعفاء ms492 ومثل أهل السيب وبركا الملدودين بالغرامة؛ والامتحان من ~~زمن ثويني وسالم وتترك الأقوياء والمياسير أهل الباطنة؛ فيكون ذلك خارجا عن ~~العدل، ومخالفا لسيرة الأئمة الصالحين، وإن كان الشيخ محمد لا يقدر يأمر ~~فليسكت، وإن لم يقدر يسكت فدبره يسير إلى صحار أو يجيء عندنا، ولا يتعرض ~~لأهل الرستاق والباطنة وغيرهم إن كان مرادهم قوام الدولة ولا يريد الضياع، ~~وإلا فسينكشف الغطاء عند الله تعالى غدا يوم القيامة، إذا أصبح ابن مسعود ~~حاكما بعمان مستوليا على البريمي والظاهرة والشمال وغاراته تصل السد؛ ولا ~~يكفيه من أهل عمان إلا كما تحكم على ثويني يوم غرمه يجيء مائة ألف وينظر هل ~~يبقى يومئذ حكم وإمامة ودين ومعزة للإسلام؛ ليعرف هو وغيره كيف العاقبة في ~~الدنيا والآخرة؛ وهل استعملا مثل هذه الوجوه في الضرورة أقرب إلى مرضاة ~~الله تعالى وإتباع الحق، أم تركها حياء من الناس ومداراة لهم أحسن. أقول ~~قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم والسلام. PageV02P255 # ملحاق خير وسرور: إذا تعين عزمكم على القيام؛ فالذي يحتاجه أهل الشرقية ~~يأخذونه من القرض المسطر من هناك أو من سمد أو من نزوى وازكي وبهلا، ورتبه ~~لهم من تلك الجهة، وأنت مر على أهل الباطنة العزاز، وخذ منهم ومن غيرهم على ~~الترتيب السابق والذي يحصل من هنا لنجعله مددا لكم فوق ذلك والسلام ومن قبل ~~ما جاء بلسان الولد محمد بن سليمان شرحه لنا وجوابه، كذلك خذه من لسانه ~~بالترتيب؛ ونحن تكفلنا بالبيان في هذه المهمة؛ لأنها عظيمة الشأن فلم نشكل ~~بها على جواب باللسان والسلام. # حرر يوم 27 شوال سنة 1286 فعمل الإمام رحمه الله تعالى بمقتضى هذا ~~الإفتاء وأخذ القرض من الرعية وأمر عماله فاقترضوا له؛ وكتب لأمراء الجنود ~~أن يلاقوه بالبريمي؛ فسارت إليه جنود الله من كل جانب، وركب هو بمن معه من ~~جهة الباطنة، وجاء ابن عمه فيصل وأخوه إبراهيم وشيخنا بمن معهم من جهة ~~الشرقية، والتقت الجموع كلها بالبريمي عند الإمام. # وكان رجلان من الدروع قد قطعا الطريق، وقتلا ونهبا، فطلبا للحكم، فجاءت ms493 ~~بهم الدروع إلى أمير الجيش الجائلي من جهة الشرقية في هذه السرية، فدفعوهما ~~إليه ( ببسيا ) فقيدهما الأمير وأرسل بهما إلى مسكد، فلما رجع الإمام إليها ~~من سفرته هذه استحضر الرجلين وسألهما بلطف عما صنعاه، فأقر أحدهما بالقتل ~~والآخر بأخذ الأموال؛ فأنر بقطع رأس القاتل؛ وأمر أن تقطع يد ورجل المقر ~~بالنهب، فأقيم الحد عليهما بالفرضة قبل نصف النهار وعاش مقطوع اليد والرجل ~~قليلا ثم مات. # وكان قبل ذلك قد قيد رجل هاشمي برجل حبسي صاحبه إلى ازكي فقتله فقبض عليه ~~وإلى ازكي وأرسل به الإمام إلى مسكد، وأرسل الإمام إلى ولي المقتول وأحضر ~~القاتل للخصومة فأقر بالقتل؛ وعرضت الدية على الحبسي فقال لا أقبل إلا ~~القود، فقيد وقتل، وكان بقتلهم إحياء حدود الله. PageV02P256 # وكان ملك نجد وهو عبدالله بن فيصل قد جفا أخاه سعود بن فيصل وطرده فوفد ~~المطرود على الإمام فوافق هذا السفر؛ فسار مع الإمام إلى البريمي، ثم ترخص ~~بعد ذلك ونفعوه وحرضوه على أخيه، وأظن أني سمعت شيخنا يقول أنهم أعطوه ألف ~~قرش وفرسا؛ فلما سار من عندهم قتل أخاه. وذلك أنهم التقوا على ماء بنجد ~~فاقتتلوا، فكانت القاضية على عبدالله بن فيصل، وذلك بعد رجوع الإمام إلى ~~وطنه، فإنه قد كان أقام بالجموع في البريمي ينتظر قدوم ملك نجد، وكان زايد ~~بن خليفة أمير بني ياس قد أظهر لأهل نجد الخصومة، وأظهر للإمام المناصرة؛ ~~وطلب منه الإمام المواجهة فواجهه بالبريمي في عدد من الخيل والرجال فأكرم ~~الإمام مثواه، ورجع إلى بلده شاكرا؛ وبلغ ملك نجد انتظار جنود الله له ~~فخمدت همته وسكنت حركته؛ ويقال إنه رجع القهقري من الإحساء والله أعلم بما ~~هنالك، غير أنه لم يصل إلى عمان، ورجعت جنود الله بالظفر والتأييد، ولله ~~العزة ولرسوله وللمؤمنين. # ---------------------------------------------------------------------- ~~---------- # [1] - الظاهر أن الأصل: لا تسوف. # ذكر فتح الحزم # وهو الحصن الذي بناه الإمام سلطان بن سيف بن سلطان؛ وهو من أعاجيب ~~الزمان، وكانت فيه بقايا اليعاربة وبعضهم من نسل الإمام الباني، ولمنعة هذا ~~الحصن وقوته لم يقدر أحد ms494 على إخراجهم منه حتى أخرجهم هذا الإمام بعد حصار ~~شديد، وكانوا قد بغوا على أهل الرستاق بغيا شاهرا، ولم تتأت حماية الرعية ~~إلا بإخراجهم من حصنهم، فسارت إليهم أمراء الجنود وأحاطوا بالحصن وجعلوا ~~عليه السيب ورابطوا زمانا طويلا. PageV02P257 # وكان من سياسة شيخنا أن يرد إلى الحصن كل من خرج منه ليتعاونوا على أكل ~~ما فيه؛ فينفذ بسرعة؛ فكلما أراد أحد منهم أن يخرج، من نساء أو ذرية أمر ~~برده إلى الحصن، واستشكل ذلك بعض من لم يبلغه مبلغه؛ وقال كيف تردون إلى ~~البغي من يريد أن يفر منه، فكان جوابه أنهم ما خرجوا إلا لتقوية البغي، ~~أرادوا أن يستبقوا المتاع للمحاربة؛ والحصن لا يقدر عليه إلا بذهاب متاعهم؛ ~~فلما طال عليهم الحصار واشتد عليهم الأمر بعد أن كانت لهم في المرابطين ~~وقعات وقتل سيدهم، ويقال إنه نقع به محزمه في زورة زارها المرابطين، فلما ~~طال عليهم الأمد واشتد عليهم الأمر خاطبهم الشيخ الغاربي في الخروج من ~~الحصن على أمان بما معهم، فأجابوه إلى ذلك وخرجوا على يديه وبذلك تم الفتح ~~للإمام. # وكتب الشيخ الخليلي إلى والي الإمام على الرستاق عبدالله بن محمد الهاشمي ~~في حرب الحزم كتابا فيه بيان ما يسع في حربه أحببنا ذكره ها هنا لأنه من ~~جملة أحكام الإمام؛ قال وما ذكرته من قبل الرمية التي للحزم فإن جعلت على ~~الأغنياء فجائز وإن جعلت على الأموال جميعا كل بقدره حتى من مال من لا يملك ~~أمره فجائز، فالأول جهاد والثاني دفاع اليعاربة عن الرستاق لبغيهم المشهور ~~أمر غير منكور، وعسى الله أن ييسر المخرج فإنه لطيف بعباده. # وأما الشيخ خميس بن جاعد فقد سمعت عنه من زمان أنه عائد عاثرا لا قوة له ~~وينبغي أن تكفوه لأنه كبير السن إذا ضعفت قوته وقلت همته ( فهو ) غير ملوم ~~وأنا أخبرني عنه الشيخ يحيى منذ زمان، إنه كذلك اسأله عنه فيقول لي بنحو ~~هذا من حاله والله يكفي الدولة بمن يستطيعها والله لا يضيعها، ولو اعتذر ~~مثل يحيى ومثلك ms495 لرأيت أن نشد عليه والله ولي كل خير بفضله وكرمه والسلام. PageV02P258 # وكتب له أيضا ما نصه: وبعد، فقد عرفناك سابقا أن تكفينا شغل الحزم: بجعل ~~أهل الرستاق وكأنك لم تسمح بذلك إلى الإمام لعلك رأيت ذلك أصعب عليك من ~~ضياع دولة المسلمين؛ وعرفتنا سابقا من قبل فلج العوابي فأرسلنا لك تعريفا ~~لوكيله وعرفناك أن تلتمس بالقرض وغيره على دولة المسلمين من أموال محمد بن ~~طالب وغيرها، فلم يبن لنا منك امتثال ونحن لم نقم هاهنا عبثا ولا لعبا ~~وإنما أقمنا لله مقاما نعز به دينه ونرضى به وجهه ونتقرب به إليه لا نرضى ~~بفشل لأهل الحق ولا نخفي جهدا من كل وجه نقدر عليه مما يعز الإسلام وأهله ~~فإن كنت منا فالمراد قيامك بما ذكرناه لك كله قد ألزمناك ذلك ولم نوسع لك ~~في التأخر عن شيء منه. # والله سبحانه قد جعلنا الآن ناظرين في مصالح الإسلام لهذا الإمام، فليس ~~لكم إلا إتباعنا ما دمنا على الحق، وإياك والتواهن بشيء مما أمرناك به بعد ~~وصول كتابي هذا إليك فنعده منك خلافا للحق وأهله، ونحن لو رأينا سبيلا إلى ~~الرفق بالرعية والمساهلة لهم؛ لكنا أحوج إلى ذلك وأولى به، ولكن نرى أمرا ~~جليلا وخطبا جسيما لا يمكن التساهل فيه واحتمال القليل بل الكثير من ~~الأموال أولى من استئصال الدولة، وظهور أعداء الله تعالى على الممالك، ولم ~~نجد الآن السبيل إلا بتكليف الرعية. والسلام. # ذكر خروج تركي بن سعيد بن سلطان على الإمام PageV02P259 وذلك بعد أن دانت ~~الأمور وسكنت الحركات وظهر العدل والإنصاف، وأخذ الحق من القوي للضعيف وذلت ~~رقاب الجبابرة والمعاندين، فعند ذلك نجم بالرؤساء نفاقهم وكاتبوا تركي بن ~~سعيد سرا فيما بينهم، وكان قد ركب إلى الهند في دولة ابن أخيه سالم بن ~~ثويني على حسب ما قدمنا ذكره، فجاء تركي في مركب للنصارى ودخل به مكلى مسكد ~~وتوسط بين الكيتان فرأى بيارق المسلمين بيضاء تنور والبيارق([1]) هي ~~الرايات: سميت بذلك لبريقها ولمعانها، فلما راى ذلك هاله وقال الله يعيننا ms496 ~~عليك حتى تكوني حمراء، وكانت الرايات الحمر من شعار آل سلطان ابن الإمام ~~والرايات البيض من شعار آل عزان بن قيس، ثم جاوز به المركب وأنزله في لنجة ~~وركب في خشبة إلى الشمال فتعصبت له الغافرية أجمع وباطنتهم رؤوس النفاق من ~~الهناوية فتجمع غافرية الشمال عند تركي يريدون أخذ البريمي، فقاتلهم زايد ~~بن خليفة دونها فهزمهم الله وفرق جموعهم، فسار تركي إلى محضة؛ وهي من بلاد ~~النعيم، فأقام بها وأظهر غافرية عمان الخلاف، ورئيسهم برغش بن حميد صاحب ~~العينين وباطنهم رؤساء آل وهيبة وغيرهم؛ فخرج الإمام بمن معه وكانوا غير ~~كثير حتى جاء المضيبي وواجهه الرؤساء المنافقون وأرضوه في الظاهر؛ وفي ~~قلوبهم من الشحناء ما في قلوب إخوانهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ~~ومن معه. PageV02P260 # ثم أمر الإمام شيخنا أن يسير بمن معه مقدمة له إلى جانب الجوف والظاهرة ~~فركب شيخنا ممن معه حتى نزل نزوى، وكان الجنبة والدروع من جملة من خالف ~~الإمام؛ وأبوا عن الانقياد، فخشى شيخنا أموالهم التي لهم بطيمسا والردة ثم ~~جاء البدو؛ وهم الجنبة والدروع فكمنوا في واد هنالك؛ فجاء الصريخ فخرجوا ~~لهم فلم يروا أحدا، ثم رجعوا ثم جاء الصريخ الثاني فرجعوا إليهم، فتراءت ~~الفئتان فوقع بينهما بعض الرياح بالبنادق وأصابت البدو غرة من أصحاب الشيخ ~~ومن أهل نزوى فقتلوا منهم رجالا، ثم انحاز إلى موضعه؛ ورجع الشيخ بمن معه ~~إلى نزوى، ثم لحقهم الإمام بالجيش. # وسمعت شيخنا يقول إن الإمام كان قد عزم على عزم رأى أن يكون فيه الحزم ~~وهو أن يتخذ نزوى وطنا وينتخب معه من شجعان العرب ألف راكب يجعلهم عنده ~~بنزوى يستغني بهم عن جر الجيوش؛ فإن قبائل عمان لا تكاد تتفق القبيلة كلها ~~على حربه بعد ما مضى، وإن اتفقت القبيلة على حربه فإنه يصبحهم بألف راكب ~~وهو فيهم فلا تقاومهم قبيلة وهم منتخبون من شرارة العرب فيخف بذلك المغرم ~~عن بيت المال وعن الرعية، وتستريح الرعية في أوطانها ويكفيهم الإمام ~~بشرارته أمر الحروب. # قال: وعلى ms497 هذا كان صمم عزمه؛ قال وصلى في نزوى وطنا في هذه المرة غير أن ~~الداعي كان حثيثا؛ فاختار الله له ما عنده قبل أن يتم هذا الحال؛ ونرجو له ~~من الله أجره أو لو أراد الله بأهل عمان خيرا لأبقى لهم إمامهم وأتم له عزمه. # وأقول أن هذا الرأي لهو الرأي وينبغي أن يوصى به أول المسلمين آخرهم فمن ~~استطاعه منهم فليفعله. PageV02P261 # ثم سار الإمام بجيشه من نزوى وكان قد كتب لأمرائه بالباطنة أن يلاقوه ~~بالجموع بالظاهرة ليرد الخارجين عن طاعته إلى الطاعة، ويدخلهم في الجماعة؛ ~~وكان قد بقى لبرغش بن حميد حصن العينين ويبرين صفح عنهما الإمام حين واجهه ~~بالغبى، وأظهر له الطاعة ثم اغتر بآراء المنافقين، ونزع يده من الطاعة ~~وتجمع معه من عادى الإمام ونزلوا معه بيبرين، فمر عليهم جيش الإمام ~~فناقعوهم قليلا بالتفق أرادوا أن يخرجوهم من يبرين للقتال فلم يخرجوا، ~~وتحصنوا بيبرين وغرب الإمام بجيشه إلى الظاهرة، وكان أهل الباطنة من جموعه ~~قد سبقوا إليها وخرجت لهم الغافرية من عبري فاقتتلوا بلجمة عبري قتالا ثبتت ~~فيه أهل الباطنة ثباتا حسنا حمدت فيهم مواقفهم فرجعت عنهم الغافرية ~~القهقرى. # ثم وصل الإمام بجيشه الظاهرة؛ وأحاط بحصن العينين وكان فيه عمال برغش ابن ~~حميد فحاصره مدة يسيرة؛ ثم فتحه الله له وألقى الله الرعب في قلوب الأعداء ~~وتشتتوا أيادي سبا؛ وهربوا في البوادي فكبر ذلك على المنافقين من قوم ~~الإمام وكان الإمام قد هم بالمسير إلى ضنك فأرسل المنافقون إلى رؤوس ~~الأعداء أن لاقوا الإمام بضنك ونحن أهل الشرقية لسنا معه ولا نسير معه؛ ~~وكانت الأعداء تهاب أهل الشرقية أكثر من غيرهم؛ فلما أرسلوا إليهم بذلك ~~تجمعوا بضنك وفيهم تركي وهم الإمام بالمسير إليهم فأظهر له رؤساء الشرقية ~~الخلاف؛ وكانوا قد أأشاروا إليه أن يتأخر عن ضنك فلم يسمعهم فجعلوا ذلك ~~سببا للخلاف؛ فأظهروا ما أضمروا وبركوا في مباركهم، فعاتبهم من شاء الله من ~~الأفاضل ونصحوهم عن خذلان إمامهم وخوفوهم عقوبة الخلاف؛ فأعاروهم أذنا ~~صماء؛ فركب الإمام بمن ms498 أطاعه من أهل الباطنة وغيرهم فسار بهم وتخلف أهل ~~الشرقية. PageV02P262 # فلما غرب الإمام ركب أهل الشرقية مشرقا إلا شيخنا ومن معه فإنهم ساروا مع ~~الإمام وكانوا من أكبر أنصاره فجاءوا إلى ضنك من مدخل الوادي؛ وكانوا قد ~~اخذوا معهم بني زيد أهل فدى؛ وكانوا قد قدموهم على مضيق الوادي ليمنعوا ~~العدو مقاعد القتال؛ وكان في نفس بني زيد ما في نفوس الخائنين، وكان الإمام ~~قد أعدهم له فصاروا عليه؛ فلما توسط الجيش الوادي جاءهم الضرب من بني زيد ~~وغيرهم فكانت الهزيمة على المسلمين وقتل منهم خلق كثير وأكثر المقتولين من ~~أهل الباطنة؛ فاستشهد من أفاضلهم خلق؛ واستشهد سالم بن سيف الفرعي وكان ~~واليا للإمام على بدية وكان فاضلا ناسكا زاهدا معرضا عن الدنيا، ويقال أنه ~~لكما رأى الجيش انهزم؛ تقدم هو نحو العدو، وقال لمثل هذا جئنا يعني الشهادة ~~فاستشهد رحمة الله عليه. # ويقال أنه ما وجد في خرجه بعد موته إلا سروال يصلي به ومسواك يتسوك به ~~ولم يترك إلا كتبا بيعت في صداق امرأته الآجل. # وقيل أنه قيل له أن الناس انهزموا فقال عاهدته على أن لا أفر. # ثم رجع المسلمون فكانت هذه الحالة أول حالة ظفرت بها الأعداء وما هي ~~بالظفر لو عقلوا وإنما عي النار بل أول حالة ظفروا بها بالردة في الوقعة ~~التي كانت بأطراف نزوى ولله الملك الدائم. PageV02P263 # ثم رجع الإمام إلى مسكد وخافت الخونة على نفوسها القتل وعملوا أنهم قد ~~أظهروا الخلاف للإمام وما كان الإمام أراد بهم قتلا، وإنما خافوه على ~~أنفسهم في زعمهم فبالغوا في زوال الدولة ونزع الملك من يد الإمام وبذلوا في ~~ذلك كل البذل وتكاتبوا من شرق البلاد وغربها وسار سعيد بن ناصر رئيس آل ~~وهيبة إلى بني بو علي؛ وأقام معهم قدر شهرين يحرضهم على الإمام، وجاء ناصر ~~بن عامر رئيس الحبوس إلى غبى البادية، فقام عند بعض رؤسائها المنافقين ~~وبقيت المكاتبة فيما بينهم؛ والطروس تتراسل من جعلان إلى الغبى، ومن الغبى ~~إلى جعلان ومنهم إلى الغافرية ms499 الذين بعمان والظاهرة فلم يزالوا على ذلك حتى ~~عقدوا من نفاقهم سرايا فجاءت سرية فيها أكثر آل وهيبة وبعض الناس من غيرهم ~~وعليها تركي بن سعيد قصدوا إلى سمد الشان وتلقاهم فيصل بن حمود وشيخنا ~~بجيش، فنزل البغاة بالميسر وجيش المسلمين بسمد، وبقوا كذلك بعضهم يرصد بعضا. PageV02P264 # ثم جاء البغاة من واد غربي سمد يريدون أن يدخلوا سمد من أعلاها فوقف لهم ~~حبوس الروضة أعلى الوادي فمنعوهم عما أرادوا ورجعوا القهقرى، وسار تركي إلى ~~سناو وأقام بها، قامت قائمة من جعلان فيها بني بو علي وناس من بني بحسن ~~وقائدهم سيف بن سليمان آل بو سعيدي الذي كان واليا لسالم بن ثويني على مطرح ~~فساروا إلى مسكد من جانب وادي مجلاص حتى نزلوا بسد روي وقامت قائمة من ~~الهشم على وادي بني خالد؛ وقامت قائمة من العبريين وغيرهم؛ وفيها برغش بن ~~حميد على بهلى فأحاطوا بها؛ وكان فيها شيخنا ماجد بن خميس العبري واليا ~~للإمام وعسكره العوامر، وكان قد تهيأ فيها لحصار ثمانية عشر سنة، وبالجملة ~~فكل من كان له ضغن أو حقد ثار يومئذ وجمع الكل البغي وشغل كلا ما يليه، ولم ~~يكن ببال المسلمين أن سرية جعلان تصيب غرضها لقلة عددهم؛ ولكن ليقضي الله ~~أمرا كان مفعولا، فخرج من حضر من المسلمين للبغاة الذين بالسد فيقال انه ~~جاءت سحابة فأمطرت على جماعة المسلمين فبطلت تفاقهم ولم يكن من ذلك شيء على ~~جماعة البغاة فرجع المسلمون إلى السيران. # وسار بالليل إليهم البغاة، فتسوروا مطرح والإمام يقاتل من أعلى السور؛ ~~وجاءت ضربة تفق فأصابت الإمام، فاستشهد رضي الله عنه وقيل إن الضربة كانت ~~من الذين معه في داخل السور والله أعلم بحقيقة الأمر. # وقتل على السور قائد البغاة سيف بن سليمان؛ ودخل البغاة مطرح ثم قصدوا ~~مسكد؛ وكان فيها الشيخ الخليلي وإبراهيم بن قيس أخو الإمام، فسمعت بعض ~~شيوخنا أن الشيخ الخليلي دعا إبراهيم لينصبه إماما على الناس بعد قتل أخيه، ~~فشاور إبراهيم هلال بن زاهر الهنائي، وكان هلال من ms500 جملة من نافق، فقال له ~~إن هذه دولة ذاهبة، فتدارك صحار لئلا تذهب عليكم وهي مملكة آبائك. فركب ~~إبراهيم إلى صحار، فقال الشيخ الخليلي خذلك الله كما خذلتنا، فما قامت ~~لإبراهيم بعدها قائمة؛ كلما أخذ بلدة جاء السلطان فأخرجه منها كما سيأتي ذكره. PageV02P265 # وتحصن الشيخ الخليلي في الكوت الشرقي ومعه بعض بني رواحة، وأرسل البغاة ~~إلى تركي فجاءهم، وحاصر الشيخ حتى خانه من معه ولم يقدر عليهم أن يحربوا، ~~ويقال أنه جاء للشيخ بعض رؤساء الهناوية أن ينزل على أيديهم فلم يقبل أن ~~ينزل على أيديهم لما علم من خيانتهم، ونزل على يد قنصل النصارى([2]) ظنا ~~منه أنهم لا يرضون في ذمتهم؛ ورأى أنه قد استوثق لنفسه، فخانه القنصل وسلمه ~~إلى تركي فلما جيء به بين يدي تركي قال له أخرجتمونا من أوطاننا وفعلتم ~~وفعلتم، قال الشيخ ما فعلنا إلا ما تقتضيه الشريعة، فأمر به فقيد هو وولده ~~محمد بن سعيد وحمل إلى الكوت فتركا هنالك؛ فلم يخرج خبرهما، والله سائله ~~عما صنع. # وقيل إن تركي كان منتظرا في قتل الشيخ؛ وأن بعض عماله وهو ثويني بن محمد ~~خاف أن يعفو عنه تركي، فسار إليه بغير إذن فقتله هو وولده، فسلط الله على ~~ثويني من قتله في مأمنه. # ويقال إن الإمام بقي ثلاثة أيام لم يدفن فلم يتغير، ثم دفن بعد ذلك في ~~جبروه من مطرح، فكان أول إمام دفن بها فيما علمنا، وكان قتله ليلة ثامن من ~~ذي القعدة سنة سبع وثمانين ومائتين وألف، ودخلت البغاة مطرح يوم ثامن، وكان ~~وصول البغاة بالسد يوم رابع وكانت مدة إمامته سنتين وأربعة أشهر وخمسة عشر ~~يوما رضي الله عنه. # وكان رجل من بني بو حسن وهو منذري الأصل يقال له ابن الصباع؛ واسمه محمد ~~بن حمد بن جميع، وكان من أنصار الإمام وكان مشهورا بالبأس. فلما أخبر عن ~~قتل الإمام هوى على جيش البغاة، فلم يزل يقاتلهم حتى قتل رحمة الله عليه. # ثم سارت بشائر البغاة إلى البلدان يبشر بعضهم بعضا ms501 وكان الحصار على بهلى ~~قائما فنادوا الوالي وهو شيخنا ماجد أن الإمام قتل فلمن تحرب؟ قال فظننت ~~أنها خدعة فضربت فألا في المصحف، قال فخرج لي قوله تعالى ( فخلف من بعدهم ~~خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ). PageV02P266 # قال فعلمت أن الأمر قد قضى وصممت على أن لا أنزل من الحصن بل أدافع عنه ~~قال فقامت علي العسكر وقالوا لا نحرب معك بنفسك ونحن نخشى على بلداننا ~~التضييع؛ فإن شئت فخذ لنفسك وجها وإلا خرجنا عنك، وكان معه العوامر. قال ~~فقلت أما أنا فلا آخذ وجها، فأخذت العسكر لأنفسهم أمانا وتدلى الشيخ من ~~الحصن بحبل إلى الأرض، وذلك لئلا يكون قد مكن البغاة من معقل المسلمين ثم ~~نجا بنفسه حتى أصبح من الليل بمسجد البياضة من الرستاق؛ وكانت الرستاق ~~والحزم قد بقيتا في يد فيصل بن حمود عم الإمام؛ وسيأتي تمام خبرهم إن شاء ~~الله تعالى في الباب الآتي. # ---------------------------------------------------------------------- ~~---------- # [1] - البيارق جمع بيرق اسم للراية وهذا اللفظ تركي لا عربي والله أعلم. # [2] - ولا يخفى أن النصارى يريد بهم المؤلف الإنجليز؛ وهو أصحاب الدسائس ~~هنالك والمدبرون لهذا الانقلاب. فليتأمل مغزى خيانة قنصلهم للعلامة الخليلي ~~رحمه الله بعد أن استنام له ونزل على يده، ولكن الاستعماريون لا ذمة لهم ~~ولا دين إلا بقدر الحاجة. # ذكر أحكام الإمام عزان بن قيس # وقد تقدم ذكر أكثرها؛ فمن ذلك التغريق لأموال الجبابرة المستغرقة في ~~الجبايات والمظالم. ومنها جبره الرعايا على الجهاد بأموالهم وأنفسهم، لأنه ~~دفاع عن المصر؛ والدفاع يلزم كل بالغ قادر. ومنها جواز أخذ القرض على بيت ~~المال من الرعية لأجل الدفاع عن المصر، وقد فعلوا ذلك في مسيرهم إلى ~~البريمي لدفاع أهل نجد. # ومنها إنقاذ ما فضل من غلة مال مسجد شبيب الذي بالظاهرة في مصالح الدولة ~~الإسلامية وفي نظر مصالح الإسلام على قول من يقول إنها من أموال الله تعالى ~~وهو قول موجود في الأثر. PageV02P267 # ومنها حجر أكل الحلوى والفواكه من أموا ل مسجد الرستاق، وكان قد وجد ~~لأهلها فيها التوسع بمثل ذلك؛ وأمر أن ms502 ينفذ فضلة غلتها في المتعلمين؛ وكتب ~~في ذلك كتابا إلى والي الرستاق، وهو شيخنا عبدالله بن محمد الهاشمي قال فيه: # بسم الله الرحمن الرحيم: من إمام المسلمين عزان بن قيس إلى الشيخ المحب ~~المكرم المحترم الناصح العزيز الثقة الفاضل الأخ عبدالله بن محمد الهاشمي ~~وكافة المتعلمين سلمكم الله تعالى وعافاكم وحرسكم وحماكم، سلام عليكم ورحمة ~~الله وبركاته نحن بخير نحمد الله على ما أولانا من سبوغ نعمه؛ ونعرفك ~~فالواصل إليك سالم ابن هاشل الجرادي، قد بعثناه إلى بلدكم معلما في النحو، ~~وقد جعلنا له في كل شهر ثمانية قروش؛ ومن كان من أهل البلد فلا شيء له إلا ~~الفقراء، ومن كان من الغرباء فله قرشان، ويكون ذلك من أموال المتعلمين التي ~~عندكم، من فضلة أموال المساجد؛ وقد حجرنا أكل الحلوى والفواكه بالفضلة، ~~ورأينا صرفها في هذا الأمر الذي يربي العلم ويقوي الدين، ويكون التعليم في ~~جميع المساجد وكل وقت يقيم المتعلمون في مسجد، فقيامهم([1]) واحرص على ذلك ~~وذمرهم وشمر بنفسك وانصحهم، وأغلظ لهم القول وسارعوا إلى إحراز هذه الخصلة ~~الشريفة. # ومنها تجويزه أخذ المغرم من أموال أهل الرستاق حتى من لا يملك أمره لينفذ ~~في حرب الحزم لأن اليعاربة الذين كانوا فيه كانوا قد بغوا على أهل الرستاق ~~وعلى أموالهم واشتهر ذلك وعرفوا به فكان الأخذ من الأموال في هيئة الدفاع ~~عنها وقد تقدم ذكر ذلك. PageV02P268 # ومنها طني الزكاة في رؤوس النخل فيأخذها المستطني بقيمة مخصومة يدفعها ~~إلى الإمام ويأخذ الزكاة لنفسه، وقد وقع بينهم في جواز هذا الحال مباحثة ~~فأول من أشار بفعله شيخنا صالح واستنكره شيخنا ماجد وطلب الوجه فيه فكتب ~~شيخنا صالح بذلك إلى المحقق الخليلي فأجابه بقوله منك وإليك يعود؛ يعني أنت ~~أجب عنه بنفسك، ثم كتب شيخنا ماجد في ذلك كتابا لشيخنا الهاشمي وإلى الإمام ~~على الرستاق، فأرسل الوالي الكتاب إلى الإمام فأرسله الإمام إلى الشيخ ~~الخليلي فأجاب عنه ونقض ما اعتل به وأثبتوا ذلك رأيا لهم وعملوا به لمصلحة رأوها. # ومنها صلاته الجمعة في ms503 أسفاره وكان الأصحاب لا يرون للإمام أن يصلي ~~الجمعة إذا سافر، وممن رأى جواز ذلك عمر بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى ~~وتبعه على ذلك هذا الإمام، ولعلهم رأوا في ذلك مصلحة قد خفيت علينا وما ~~يراه الحاضر لا يراه الغائب، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يصل الجمعة في ~~شيء من أسفاره ولا صلاها أئمة المسلمين من قبل عزان بن قيس، إلا في أوطانهم ~~غير صحار فإنها لم تنقطع الجمعة عنها من عهد الصحابة إلى يومنا هذا، ~~يصلونها فيها خلف البار والفاجر والعادل والجائر، لأنها من الأمصار ~~الممصرة، وقد صلت الصحابة الجمعة في الأمصار الممصرة خلف البار والفاجر ~~والله أعلم. # ---------------------------------------------------------------------- ~~---------- # [1] - في هذه العبارة خرم: ولعل صوابها فقيامهم على تلك الأموال. وقوله: ~~وذمرهم أراد عنفهم على الكسل والتخلف عن دروسهم والله أعلم. # ذكر كرامات الإمام عزان بن قيس # وقد ذكروا له كرامات كثيرة نحفظ بعضها وغاب عنها الأكثر. فمنها ما ذكروه ~~أنه بقي بعد أن قتل ثلاثة أيام لم يدفن وهو مع ذلك لم يتغير، يذكرون أنه ~~كشف عن وجهه فرأوه كأنه حي. PageV02P269 # ومنها ما قدمنا ذكره عند قيامه على سالم بن ثويني أن الطاعون نزل على ~~أنصار عدوه وشغلهم عن نصرته، ولم يصب أحدا غيرهم أصلا، وبقي فيهم حتى خلصت مسكد. # ومنها ما حدث به رجل من أهل الشرقية أنه قال: كان لي مال بوادي بني خالد ~~قد كنزت منه ستين جرابا ولي مال آخر أديت زكاته لعامل الإمام وأخفيت نصف ~~الستين جراب وهي غلة مال الوادي، بل قلت لهم إنه جاء ثلاثون جرابا، فأخذ ~~مني زكاة ثلاثين جرابا قال فأما المال الذي أخرجت جميع زكاته فبقي تزيد ~~غلته، وأما المال الذي أخفيت نصف غلته فلم يزد على ثلاثين جرابا من عهد ~~الإمام إلى وقته هذا وكانت المدة قدر عشرين سنة تقريبا، فقيل له لعلك أو لم ~~تسمده، قال بل زدته ماء وسمادا. # ومنها كثرة الخيرات في زمانه ونمو البركات وزيادة الغلال على المعتادة ~~زيادة لم يروها قبله ولا بعده ms504، ونعمت في أيامه الرعية وعاشت في ظل عدله ~~وأمانه، يسير الواحد فيها حيث يشاء لا يخشى إلا الله تعالى. # ومنها أن المنافقين الذين جاهروه بالعداوة من قومه ذهب أكثرهم في الفور ~~حتى أن بعضهم لم يصل بيته بل سلط الله عليهم الموت بعضهم بالجدري وبعضهم ~~بغيره وبعضهم مات فجأة من غير مرض، ومن مات منهم مات في أسوأ حال، ومن عاش ~~منهم عاش في شر معيشة، ثم سلط على ذراريهم فمنهم من انقرض ولم يعقب عقبا، ~~ومنهم من سلب عزته التي كان فيها، ومنهم من سلب نعمته. # ومنها أن رجلا من أهل النفاق سمع الثناء على الإمام من الحاضرين، فقال ~~اسكتوا لئلا أتغوط من فمي يعني أنه سيقول كلاما خبيثا، فسلط الله بالحال ~~آفة صار بها يخرج غائطه من فمه ثم مات؛ ومنها أن الله تعالى سلط على ~~المتعاملين عليه الخوف من بعضهم بعض وأغرى بينهم العداوة والبغضاء فهم ~~يتقاتلون ويتناهبون دائما، ووقعت بينهم الملحمات العظيمة فهم على ذلك إلى ~~يومنا هذا. PageV02P270 # ومنها أن الله تعالى أرسل عليهم بعد قتله ريحا شديدة قلعت أكثر نخيلهم ~~وصارت عبرة للناظرين ويسمون تلك الريح ضربة الشلى، ولشهرتها بينهم يتذاكرون ~~بها تاريخ ما جهلوا تاريخه. # ومنها أن برغش بن سعيد سلطان زنجبار لما بلغته قتل الإمام ضرب مدفعا فرحا ~~مائة ضربة وضربة، وذلك لأنه خاف على ملكه فأرسل الله عليهم ريحا شديدة حشرت ~~زنجبار وكسرت المراكب وخربت البيوت فيقال إنها كانت تأخذ سقوف البيت ~~ومصابيحه، والتجأ برغش إلى المسجد فقال له بعض الأفاضل هذه المائة ضربة ~~والضربة فلم تبق بزنجبار شجرة قائمة إلا ما غرس بعد ذلك إلا قليلا من ذلك، ~~ويقال إن طرقها قد تعمت من كثرة ما وقع من جذور الشجر. فاعتبروا يا أولي ~~الألباب. # هذا ما حضرنا من ذكر كراماته رضي الله عنه. وأما فضائله فكثيرة وناهيك ~~أنه قد باع نفسه لله وحسبك بثناء العلماء عليه، وقد أطنبوا في ذلك كما تقدم ~~والله أعلم. # باب دولة السلطان تركي بن سعيد ابن ms505 سلطان ابن الإمام PageV02P271 وهو ~~الذي خرج على الإمام عزان وقد تقدم ذكره غير مرة، ولما قتل الإمام رضي الله ~~عنه ودخلت البغاة البلاد أرسلوا إلى تركي وهو بسناو فسار إليهم واستوى على ~~الكرسي ملكا بالقهر والغلبة على طريقة آبائه، وكان إبراهيم بن قيس قد سار ~~إلى صحار وفيصل بن حمود إلى الرستاق، وكان بلوى عامل للإمام يقال له محمد ~~بن سعيد الهنائي، فركب السلطان في مركب وجاء في البحر ومر على صحار وفيها ~~إبراهيم والوالي عنده، فلم يكن منه بصحار أمر بل جاوز عنها إلى لوى فركب ~~عاملها من صحار إليها؛ فلما أصبح أخذ من حضر وهم قدر خمسة وأربعين رجلا؛ ~~ونزل بهم الساحل ليلتقي جنود السلطان عند نزولهم من البحر فوجدهم قد نزلوا ~~في سور هنالك، فدخل الوالي ومن معه في نخل مقابل للسور وترابطوا هنالك ~~قليلا، ثم انحاز الوالي إلى الجانب الغربي من السور وتستروا ببيوت هنالك ~~ووقف الوالي في سكة غير متستر ينظر من يسير ويجيء، فكلما رأى واحدا وثب ~~عليه بالسيف وثبة الأسد وهرب منه بعض القوم حتى دخلوا البحر، ثم جاءت رصاصة ~~فضربته في مدمع عينه فرفعته من الأرض قدر ذراع ثم سقط ميتا فلما رأى أصحابه ~~ذلك هربوا وبقي منهم أربعة أرادوا حمله؛ فأدركهم الضرب؛ فأخذ واحد منهم ~~التفق والثاني الكتارة والثالث الخنجر بلا قطاعة؛ ثم نجوا بأنفسهم إلى ~~الحصن، وفيه ولده سيف بن محمد وكان شابا، فقام بالحرب أعوانه جاء قوم ~~السلطان فمثلوا بالوالي مثلة منكرة، حتى أنهم قطعوا إحليله وألقموه فاه، ~~وجاءت به من الغد نساء في سمة خباط كاللحم المقطع. # ثم نزل السلطان بمن معه وجر الجاردى على الحصن وقام الحرب ثلاثة أيام ~~وسار بينهم الناس، وواجهه سيف بن محمد ونزل من الحصن، وولى عليه السلطان ~~واليا؛ ثم رجع وجهز جيشا ولى عليه بدر بن سيف بن سليمان البوسعيدي؛ وحاصر ~~صحار وفيها إبراهيم؛ وطاولهم في الحصار حتى خرج إبراهيم منها وجاء إلى ~~الرستاق؛ وفيها ابن عمه فيصل بن حمود. PageV02P272 # وكان فيصل ms506 هذا قد غلبه أمر السياسة وأحب التخلي عن المملكة؛ واتفق رأيه ~~ورأى من حضر من المسلمين أن ينزل عن الحصون التي في يده ويدفعها إلى ~~إبراهيم، فقطع لنفسه قطعا من بيت المال واشترط أن تكون لنفسه قواما فأنعموا ~~له ونزل من الحصون وأقام ببيت القرن، وكان في حياة إبراهيم مكرما محترما، ~~وقام إبراهيم بأمر المملكة وأرسل إليه السلطان غارة فصبحته أول النهار وهو ~~في الحزم نائم؛ فأتاه الصريخ فقام من فوره وركب حصانا وخرج إلى القوم ~~فهزمهم وهو بنفسه قبل أن يلحق عليه غيره، وفي القوم أو أكثر من لا يحب قتله ~~للعصبية الباطنية؛ وألجأهم هنالك إلى مضيق واستجار به بعضهم فأجاره، ويقال ~~إن في القوم خيالا وهو من خدام اليعاربة، فقصده إبراهيم ليقتله فهرب على ~~فرسه فسقطت خنجره من حزامه، فقال له إبراهيم سقطت خنجرك يا خادم، فقال ما ~~عليها خنجر؛ وما كان همه إلا النجاة بنفسه، وخلصت للسلطان تركي حصون الساحل كلها. # وأما حصون عمان فإنها تفرقت على الرؤساء الذين كانوا بها قبل الإمام، ~~فرجعت نزوى إلى حمد بن سيف الذي أخذها الإمام من يده، ورجعت بهلى إلى برغش ~~بن حميد الغافري وسمد نزوى إلى الريامي. # ثم إن برغش بن حميد قبض على شيوخ العبريين بسياسة من بعضهم لبعض، وقتلهم ~~في سجنه بعض أقاربهم، ثم سلط الله على برغش أخاه ناصر بن حميد فقتله وقتل ~~أخاه راشدا وصارت بهلى ويبرين إلى ناصر وهو صاحبهما اليوم. PageV02P273 # وأما نزوى فإنها بقيت في يد حمد بن سيف زمانا، وكان عسكره بني هناءة؛ ~~وكان قد اتخذ هلالا ابن زاهر رئيس بني هناءة صاحبا خاصا فاحتال هلال على ~~حمد فأخرجه منها وقبضها هلال لنفسه؛ وأظهر للناس أنه فيها نائب السلطان، ثم ~~انكشف الحال بعد ذلك أنه ليس بنائب، بل هو مستقل بها لنفسه، وبقي فيها مدة ~~طويلة حتى مات حمد بن سيف وجاء ولده إلى نزوى فضرب هلالا بتفق فقتله وكان ~~ذلك في أيام السلطان فيصل بن تركي، فأرسل إليها عامله فحربها فأخذها ms507 من ~~أولاد هلال بن زاهر وولى عليها سيف بن حمد قاتل هلال. # ثم سار إبراهيم بن قيس إلى المصنعة فأخذها من عامل السلطان؛ فأرسل ~~السلطان إليها مركبا للنصارى فحربها، فخرج منها إبراهيم وجاء سالم بن ثويني ~~إلى الشرقية، وأقام ببدية يطلب النصرة على عمه السلطان تركي فلم يتفق له ~~ذلك ثم مضى إلى الهند ومات بها. # وفي آخر ذي القعدة من سنة تسعين ومائتين وألف خرج شيخنا صالح بن علي ~~الحارثي - وهو المراد عند إطلاق لفظة شيخنا - بمن معه من المطاوعة وغيرهم ~~على السلطان، فساروا وتعجل الشيخ بمن معه من مقدمة الجيش لينال غرة من مسكد ~~فطلع عليهم الفجر دونها، فرجعوا وأناخوا بسويح الحرمل؛ وتجمع الجيش هنالك ~~وكان قد صادفهم بعض الحطابين فأخبروا عنهم في مسكد؛ وكان السلطان مريضا ~~فخرجت إليهم جنوده وأكثرهم الوهابية، وعليهم رؤساء الدولة؛ فجاءوا إلى ~~السويح بعدهم وعديدهم، فالتقاهم بوادر الجيش، فاقتتلوا يسيرا ثم انهزمت ~~جنود السلطان؛ فركبهم الجيش قتلا وأوسعهم طعنا وضربا، فقتلوا منهم خلقا ~~كثيرا، ثم دخلوا مطرح ونزل الجيش بها وسالمهم الكوت. PageV02P274 # وأرسل السلطان إليهم عامله بدر بن سيف ليرضيهم بما أرادوا؛ فقال الشيخ لا ~~نرضى إلا بدخول مسكد، فقال العامل أنا أدخلكم إياها، فليصحبني من شئت من ~~قومك، وكان ذلك تلطفا منهم ليتمكنوا من المكيدة؛ فأرسل الشيخ عنده سبعين ~~رجلا؛ وفيهم رئيس الحجريين هلال بن سعيد وحمود بن سعيد الحجافي، فدخلوا ~~مسكد واتفقوا أن يأتيهم الشيخ بالجيش من الغد، وما كان عند السلطان لهم ~~مدافعة لكونه مريضا، ولأن أنصاره من القبائل لم تصله، فاستحضر السلطان حمود ~~الحجافي وشكى له الحال وتلطف به وخلع عليه الخلع ومناه الأماني وقال له رد ~~عني القوم بما شئت ولك ما شئت. # قال شيخنا: فلما كان الغد خرجت بالجيش من مطرح إلى مسكد؛ فلما صرنا ~~بالعقبة إذا نحن بمحمود مقبلا، قال فأخذني في ناحية وقال إن السلطان يمد لك ~~الفرائض ويمنيك بما تحب ويعطيك الآن ستة آلاف قرش وترجع عنه، قال فقلت اتق ~~الله ما لهذا جئنا ms508؛ إنما جئنا لإظهار العدل وتقويم الأمر، قال نحن لا نريد ~~ملكا؛ فإما أن تأخذ هذا الوجه وإما أن أفرق هذه الدراهم في الجيش وأخذلهم ~~بها. قال وقد علمت أنه إن لم أقبل سيفعل ما قال، فقلت له إن لم يكن لك بد ~~عن هذا فخذ لنا منه خمسين ألفا، قال يكفيكم هذا. # قال شيخنا فلن نقدر عليه إلا بما يريد، وعلمت أنه سيفسد علي القوم، ~~فطاوعته وخرجنا من مطرح؛ ثم قاموا على السلطان مرة أخرى وكتبوا لإبراهيم بن ~~قيس أن يلاقيهم فلاقاهم بمن معه؛ وجاءوا على الرواية وحاصروها؛ ثم تخاون ~~القوم ورجعوا من غير شيء. ثم قاموا على السلطان قياما ثالثا وفيهم أخو ~~السلطان عبد العزيز بن سعيد، فساروا حتى أقلوا([1]) السلالم على سيران ~~مسكد؛ فقصرت السلالم فسقط بعضها على الأرض وجنود السلطان تضربهم من أعلا ~~السيران، فرجعوا عنها من غير شيء. PageV02P275 # وسبب خروج عبد العزيز عندهم على أخيه ما وقع بينه وبين أخيه من الضغن على ~~الدولة. وذلك أن عبد العزيز كان بالهند وأرسل إليه أخوه السلطان وضمه إلى ~~نفسه واستعان به على أمره، واستخلصه على مملكته حين خرج لحرب النزار من ~~ازكي، وكان السلطان قد قدم بعض رؤساء الهناوية، فاحتالوا عليه حتى خرج من ~~مسكد وسار إلى جؤاذر وملكوا أخاه عبد العزيز بن سعيد طمعا فيما عنده فلم ~~يجدوا عنده ما تأملوا؛ فكاتبوا السلطان تركي أن يأتيهم إليهم بمسكد وعملوا ~~الحيلة لعبد العزيز، فأخرجوه من مسكد إلى سمائل وعقب السلطان لمسكد، وخرج ~~عبد العزيز من سمائل إلى الشرقية؛ وأقام بسمد الشان زمانا وخرج على أخيه ~~فلم يتفق له مطلوبه. ثم سار إلى الهند في أيام فيصل بن تركي وأقام بها ~~زمانا ومات فيها. ثم أن السلطان بعد رجوعه من جؤاذر قبض على الرؤساء الذين ~~احتالوا عليه وفيهم حمود بن سعيد الحجافي فقيدهم؛ وسكنهم فما فكهم منه إلا ~~شفاعة شيخنا، وكان له عنده كلمة. PageV02P276 # ثم خرج إبراهيم بن قيس ملك الرستاق فأخذ المصنعة مرة أخرى وجعل عليها ~~عاملا، ورجع ms509 من هنالك وأحاط بالعوابي. ثم جاء السلطان بجنوده إلى المصنعة؛ ~~فجاء إبراهيم إلى آل سعد يطلب نصرتهم، وأقام بالملدة يعدونه فلم يفوا له ~~حتى خلصت المصنعة للسلطان ورجع جيش إبراهيم عن العوابي خاليا، ورجع إبراهيم ~~إلى الرستاق؛ ثم جاء أهل سرور يستنصرون على جيرانهم بني جابر، وطلبوا من ~~شيخنا أن ينصرهم، وأقام رئيسهم عند عبد العزيز بن سعيد بسمد الشان يطلب منه ~~النصرة؛ فاتفقوا على نصرته؛ فساروا جميعا حتى مكنوهم في أماكنهم وأذلوا ~~خصمهم. وكان السلطان قد مال بعصبيته إلى بني جابر، فأخرج إليهم بعد ذلك بعض ~~أولاده، فسار شيخنا وأقام بوادي الراك من الجرداء، فرجع جيش السلطان ولم ~~يكن بينهما قتال، ثم خالف السلطان بنوا بطاش، فبقوا كذلك مدة ثم تمكن ~~السلطان من رئيسهم فقتله وجمع لهم جندا فسار إليهم يقدمهم ولده فيصل؛ ~~فدخلوا بلدانهم وتمكنوا منها. # ثم خرج إبراهيم بن قيس وأخذ حصن السويق من الباطنة، فجاءه مركب للنصارى ~~من قبل السلطان، فخاطبه بالخروج فخرج قبل أن يضرب، ثم رجع من هنالك إلى ~~الرستاق، وأقام بها زمانا، ثم خرج فأحاط بالعوابي وحاصرها بضعة عشر يوما ~~وضرب حصنها بمدفع فخلصت له، وكان ذلك آخر عمر السلطان تركي. وفي سنة إحدى ~~وثلاثمائة وألف مات الشيخ محمد بن سليم الغاربي رحمة الله عليه وكان موته ~~بالخبة من الباطنة وفيها قبره؛ وفي هذه السنة أيضا مات بالشرقية الشيخ سعيد ~~بن علي الصقري، وكان رجلا فاضلا يؤوي الأخيار ويحب العلماء وبينه وبين ~~علماء المغرب مكاتبة([2]) وله عندهم خصوصية. وفي آخر سنة خمس وثلاثمائة ~~وألف مات السلطان تركي بن سعيد واستوى من بعده ولده فيصل بن تركي على ~~الكرسي. # ---------------------------------------------------------------------- ~~---------- # [ PageV02P277 1] - في الأصل قلوا؛ فإن لم تكن هذه لغة عمانية فصوابه ~~أقلوا، أي رفعوا كما صححناه والله أعلم. # [2] - رأيت له مكاتبات مع شيخنا قطب الأئمة وكان يرسل إليه بعض تآليفه ~~ليبرزها إلى عالم المطبوعات منها كتبه الثلاثة في البلاغة كتب على كل منها ~~بخط القطب: يرسل إلى الشيخ سعيد الصقري ليطبعه ثم يرده. # وقد رأيت مثل ms510 هذا على كثير من تآليفه الأولى ويظهر أنه كان عازما على طبع ~~كثير من تآليف شيخنا ولم تسعفه المقادير فعجلته بالموت رحمهما الله وله ~~ثواب نيته فنية المؤمن خير من عمله والحمد لله # باب دولة السلطان فيصل بن تركي ابن سعيد بن سلطان بن الإمام # ولي السلطنة في اليوم الذي مات فيه أبوه، وكان هو أوسط إخوته؛ وكان ~~أحسنهم سياسة وحزما، فاستوى على الكرسي وأرسل رسله إلى شيخنا يذكر له وفاة ~~والده ويطلب منه المهادنة والصلح، فعقدوا الصلح بينهما ثم أخذ في جمع ~~الجيوش وخرج بها إلى الرستاق في أول سنة ست وثلاثمائة وألف، وعسكر ببركا ~~وأتاه بعض الرؤساء بكلمة في الرجوع عن الرستاق وترد إليهم العوابي لأنها ~~أخذت منهم قريبا فظنوا أن الخروج لأجلها فلم يقبل ذلك؛ ومضى بنفسه في الجيش ~~حتى دخل الرستاق وعسكر في برج المزارعة وسحبت المدافع وقربت من الحصن وضرب ~~بها الحصن وفيها يومئذ إبراهيم بن قيس وأولاد أخيه الإمام عزان. وكان ممن ~~اشتهر يومئذ بالدفاع سعود ابن الإمام، فإنه كان أكثر ملوكها دفاعا وبقي ~~الحرب كذلك زمانا، ثم تخاونت جنود السلطان وجاء أهل الباطنة لنصر إبراهيم ~~بجيش عظيم وتبين للسلطان الخيانة في قومه فرجع عنها بدون شيء وبقيت العوابي ~~في يد إبراهيم ورجع السلطان إلى مسكد. PageV02P278 # وفي أول سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف دخل شيخنا وادي دما؛ وكان بها بنو ~~شهيم قوم أظهروا البغي وطلب منهم شيخنا الحق فأبوا وسار إليهم بالجنود ~~ودخلها بعد أن ظنوا أنها مانعة لا يقدر عليها. ودما هذه غير دما المشهورة ~~في الكتب فإن المشهورة في السيب، وليست بمانعة لأنها أرض من الباطنة، وهذه ~~واد قد اكتنفته الجبال الشامخة، ثم وقع بين السلطان وبين شيخنا بعض أشياء ~~في النفوس وكتب إليه شيخنا كتابا ذكر له فيه أنه لا يملك إلا نفسه يعني أنه ~~لا يعطيه ذمة إلا عن نفسه؛ فقيل إن السلطان استنكر الكتاب وقال له قائل: إن ~~هذا الكتاب يشعر برد البرى فأعرض السلطان عن الكتاب وجعله كلا ms511 شيء ولعله ~~إنما فعل ذلك رغبة في استبقاء الصحبة. # ثم خرج عبدالله بن صالح بن علي الحارثي، وسار إلى نزوى في جماعة عديدة ~~لأمر مهم هنالك، ثم رجع من نزوى على طريق ازكي ثم على وادي بني رواحة ثم ~~على سمائل ثم دخل مسكد فقابلهم السلطان بالإكرام، فلما كان بعض الليالي ~~هجموا على بيت السلطان وعلى سائر المقابض فتمكنوا منها وخرج السلطان إلى ~~الكوت، ثم جاء شيخنا بالجيوش ومعه سعود ابن الإمام حتى نزلوا بسويح الحرمل ~~وكتب للسلطان كتابا كشف له فيه القناع أنه حرب له، فقام الحرب في مسكد ~~ونصرت الغافرية السلطان والهناوية الشيخ، وكذلك الرحبيون نصروا الشيخ، وقام ~~الحرب نيفا وعشرين يوما، ثم دخل الناس بالصلح بينهم ودفع السلطان إلى الشيخ ~~اثني عشر ألف قرش وتوثقوا على أشياء لم يف السلطان بشيء منها؛ وكانت هذه ~~الدخلة في شعبان من هذه السنة، ثم رجع الشيخ إلى وطنه القابل من الشرقية ~~وأقام بها. PageV02P279 # وفي اليوم السابع من ذي الحجة وقت الضحى من سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة ~~وألف مات عبدالله ابن شيخنا صالح بن علي، وسبب وفاته مرض أصابه بين أهله ~~بعد رجوعهم من واقعة حرب مسقط الأخير بمدة تزيد على الشهرين قليلا، وقد كان ~~في وقته منفردا بالسياسة في الحروب والتدبير في الدول والبسالة في الأمور ~~والشجاعة في الإقدام؛ وكان على وفق مراد والده المذكور، وقد سارت بسمعته ~~الركبان واشتهر بهذا الوصف في جميع البلدان مع صغر سنه فإنه توفي وهو ولد ~~عشرين سنة أو فوقها بقليل، وفي سنة أربع عشرة وثلاثمائة وألف في يوم ~~الأربعاء وقت العصر لست مضين من ربيع الآخر توفي شيخنا الصالح صالح بن علي ~~بن ناصر بن عيسى بن صالح الحارثي، وسبب وفاته أنه خرج مجاهدا في جيش، فحمل ~~على بلد الجيلة - وكانت من أعوان الجبابرة - في ضحى ذلك اليوم فأصابته ~~رصاصة في فخذه فبقي جريحا حتى توفي شهيدا في وقت العصر؛ ولم يمت رضي الله ~~عنه حتى أقر الله عنه بنيل مطلوبه في أهل ms512 الجيلة؛ فإن أولاده الكرام حملوا ~~بمن معهم من الأقوام على أولئك الظلمة، فاستفتحوا دارهم ومحوا آثارهم؛ فبقي ~~القوم بين طريد وأسير وقتيل. ثم أمر به ابنه عيسى فحمل إلى علاية سمائل ~~فدفن فيها، غفر الله له ورحمه ورضي عنه وبرد مضجعه آمين. # وقد كان رضي الله عنه أعلم أهل زمانه في الحلال والحرام وأشدهم حرصا على ~~قوام الإسلام وأكثرهم خصالا في صفات الكرام، وكان أحد الثلاثة الذين دارت ~~عليهم مملكة إمام المسلمين عزان بن قيس رضي الله تعالى عنه. # وأما قريناه الآخران فهما شيخنا سعيد بن خلفان بن أحمد بن صال الخليلي ~~الخروصي وشيخنا محمد بن سليم الغاربي ثم استشهد ذلك الإمام ووزيره شيخنا ~~الخليلي وبقي هذا الشيخ من بعدهما محاربا للجبابرة ومسارعا إلى أعمال ~~الآخرة؛ وله في ذلك وقائع مشهورة وأحاديث مذكورة. PageV02P280 # وقد استشهد رضي الله وعمره يناهز الستين سنة، وتأمر بعده ولده عيسى ابن ~~صالح، ورجع من الجيلة إلى وطنه، فلما وصل وطنه بلغه أن السلطان جمع الجيوش ~~لحرب بني رواحة، وكان بنو رواحة من أنصار الشيخ، وكان السلطان قد طمع بموت ~~الشيخ أن يصيب من أنصاره غرة فجمع الجموع وأرسل إليه عيسى يكاتبه بالتأخير ~~عن الحرب ويمنيه بالوجوه الجميلة فلا يرى في أجوبته إلا الخشونة فجمع ~~السلطان جنوده وسار إلى وادي سمائل ونزل بسيجا، وكان بنو جابر من أعوانه ~~وأنصاره، وركب الأمير عيسى بمن خف معه حتى نزلوا العلاية من سمائل وفيها ~~أولاد الشيخ الخليلي. PageV02P281 # وكان أحمد بن سعيد ولد الشيخ الخليلي عالما فاضلا؛ وكان قد رأى في منامه ~~قوله تعالى ( سيهزم الجمع ويولون الأدبار )، فاستبشر الشيخ وبشر إخوانه، ~~فلما جاوز السلطان إلى سيجا وكانوا يظنون أنه يقصد العلاية، أراد الأمير ~~عيسى أن يركب إلى الوادي الغربي ليحميه خوفا عليه من السلطان؛ فقال رؤساء ~~العلاية أن هذه مكيدة من السلطان، وأنه لم يقصد الوادي، وإنما قصد العلاية؛ ~~فعمل الأمير ومن معه حيلة، فأرسلوا من يصيح بالقوم فركبوا في هيئة من يثبت ~~الصائح حتى دخلوا الوادي الغربي ونزلوا ms513 فيه وأخذوا مقاعدهم للقتال، وكان ~~السلطان قد أرسل إلى رؤساء بني رواحة أن يواجهوا، فواجهوا على يد شيوخ بني ~~غافر ومنهم - وهو كبيرهم - ناصر بن حميد صاحب بهلى، فلما وصلوا أمر بهم ~~السلطان فقيدوا، فكلمه الشيوخ فيهم فأبى أن يطلقهم، ورأى أنه لا خفر لهم ~~عليه لأنه سلطانهم، فدخل ذلك في نفس الشيوخ لأنهم يرونه نقصا في منزلتهم ~~وتضييعا لذمتهم؛ وكان ذلك سببا لخذلان السلطان، فمشى بعض الشيوخ إلى بعض ~~واتفقوا أن لا يجتهدوا في حربه؛ فأمر بالمسير إلى الوادي وخرج هو في أولهم ~~فخرج الجيش أجمع، فلما قربوا من الوادي انحاز الشيوخ الذين اتفقوا على ~~خذلان السلطان على جانب في موضع يسترهم عن الضرب جبل؛ واندفع باقي جنود ~~السلطان إلى الوادي وأكثرهم بذلا فيهم بنو جابر فوقع الضرب من الجانبين ~~وكانت الصمع يومئذ قليلة لا يوجد منها عند الأمير وأصحابه في ذلك الوقت إلا ~~قدر ثلاثين تفقا وهي التي هزت القوم. وأما جند السلطان فكان عندهم من الصمع ~~شيء كثير قيل أن عددها في دفتر السلطان كان أربعة وعشرين مائة تفق([1]). PageV02P282 # وأما عدد الرجال من جنود السلطان فقد كانوا آلافا كثيرة فوقع الضرب من ~~الفريقين وضرب مدفع السلطان؛ ثم وقعت على المدفع خلة قيل إنها انكسرت رجله ~~ثم انكشفت جنود السلطان بعد أن كادوا يشارفون الوادي فأصيب منهم قتلى تزيد ~~على أربعين رجلا فيما قيل فرجعوا على أعقابهم وكان السلطان بنفسه يحرضهم ~~على فرس قدامهم، فلما انهزموا رجع السلطان إلى حصن سمائل ثم منها إلى مسكد؛ ~~ولم يقتل من أصحاب الأمير أحد إلا رجل كبير السن من بني رواحة كان في زرع ~~هنالك فجاءته رصاصة سائبة فقتلته؛ فرجع الأمير بمن معه بالنصر والسلامة وفي ~~شوال وقت المغرب ليلة أربعة وعشرين من هذه السنة وهي سنة أربعة عشر ~~وثلاثمائة وألف توفي سعيد بن حمد بن عامر بن خلفان الراشدي ببندر مطرح وكان ~~قاصدا لحج بيت الله الحرام بالأجرة عن غيره فأصابه فيها ألم الجدري فمات ~~منه، ودفن في ذلك البندر ms514 بالموضع المعروف بالعريانة، غفر الله له ورضي عنه؛ ~~وكان من أهل سناو فانتقل منها إلى الفتح من بلدان الشرقية، وكان مسارعا إلى ~~الخيرات معروفا بالسكينة والوقار تاركا لحظوظ النفس ومتصفا بالكمالات ~~الإنسانية؛ مجدا في تحصيل العلم النافع وفي الاستفادة والإفادة فيه، ومهر ~~في العلم مع صغر سنه فإنه توفي وعمره نيف وعشرين سنة على التحري، ومات بعد ~~أن شرع في التصنيف فإنه قد صنف منظومتين فائقتين في فنهما: إحداهما في الرد ~~على من يدعي قدم القرآن نونية سماها فيض المنان، والثانية لامية في الدفاع ~~والجهاد سماها علم الرشاد. PageV02P283 # وفي سنة خمسة عشر وثلاثمائة وألف في اليوم التاسع عشر من شعبان توفي أبو ~~عبدالله حمد بن سيف بن سعيد بن راشد البوسعيدي رضي الله عنه؛ وسبب موته ~~رحمة الله عليه أنه خرج حاجا من عمان عن غيره؛ وكان قد حج عن نفسه فتوجه ~~أولا ( إلى ) أرض السواحل، ومر على ساحل الهند؛ فأصابه ألم الجدري بالبندر ~~المعروف ( بمبي ) وهو يومئذ في يد النصارى أخزاهم الله تعالى وأذلهم، وقد ~~كان عالما فاضلا نبيها فطنا نزيها اتفق كل من يعرف حاله على تفضيله على ~~سائر فضلاء مصره في دهره، وكان سنه يوم توفى نيفا وأربعين سنة، بل كان إلى ~~الخمسين أقرب؛ وفي سنة ستة عشر وثلاثمائة وألف في اليوم الرابع من المحرم ~~عند غروب الشمس توفي والدي حميد بن سلوم السالمي في بندر جدة من ألم ~~الجدري. # وفي يوم أحد عشر من هذا الشهر المذكور توفي إبراهيم بن قيس أخو الإمام ~~بالرستاق وكان ملكها، وملكها من بعده سعود بن الإمام عزان بن قيس وكان ~~إبراهيم قد خلف ولدين أحدهما صغير جدا يقال له أحمد بن إبراهيم والثاني رجل ~~شاب يقال له سعيد بن إبراهيم، وكان إبراهيم قد جعل عسكر قلعة الرستاق من ~~بني هشام ورئيسهم ناصر بن محمد المخطوم، فاتفقوا هم ومن حضر من رؤساء ~~الهناوية على تقديم سعود، فلما دخل سعود الحصن هرب سعيد على فرس ومعه رجلان ~~أو ثلاثة أهل خيل حتى ms515 جاءوا الحزم، وكانت رؤساء الهناوية قد جعلوا في الحزم ~~نائبا من أهل الباطنة يقال له حمدان ليمنع الحصن من سعيد، فلما جاء سعيد ~~صادف حمدان على باب الحصن فأمسكه، وقال لا بد من فتح الحصن أو أقتلك ~~فناداهم أن افتحوا له ففتحوا له فدخل؛ فلما دخل سعيد الحصن ظهرت حجته على ~~من فيه فأخرجهم منه وبقي هو وأعوانه. PageV02P284 # وكان سعود بن عزان ثقة تقيا فاضلا مرضيا، كان شيخنا يفضله على أبيه ~~الإمام قبل عقد الإمامة، وكان قد هم بعقد الإمامة عليه بالقابل من الشرقية؛ ~~وكتب للقبائل أن يحضروا البيعة؛ فجاءت القبائل بعضهم قد وصل وبعضهم في ~~الطريق فكان من الأمر المقدر أن حصلت موانع عن تمام ذلك العزم، ولا حاجة ~~إلى ذكر ما منع. # فلما تولى سعود الرستاق كتب إلى أفاضل المسلمين ورئيسهم عيسى بن صالح ~~فحضروا معه الرستاق، وفيهم أيضا ابن عم الإمام فيصل بن حمود، ووصل شيخنا ~~ماجد بن خميس العبري؛ وقال سعود بن عزان قد كنتم تحاولون معقلا للمسلمين ~~تقيمون فيه العدل؛ وقد مكنني الله من هذا المعقل فقبضته لكم حتى تصلوا؛ ~~فإما أن تكونوا شركائي في الأمر وإما أن أخرج إلى بيتي، فقال له المسلمون: ~~كن مكانك ونحن إن شاء الله تعالى من ورائك ومن أعوانك، وهذه ثقات الرستاق ~~يعينوك على مهماتك الحاضرة وتكلموا فيما بينهم أن ينصبوه إماما على ~~المسلمين وعلى ذلك صمم عزمهم، وكانت الناس من الأطراف ينتظرون تقديمه إماما ~~لعلمهم بأهليته؛ وكتب بعض الأفاضل من بعض الأطراف في ذلك قصيدة ميمية أحفظ ~~منها قوله: # فإن شاء الإله فمن قريب = يقال له الإمام ابن الإمام # فلم يقدر الله ذلك، ولا يكون إلا ما يريد الله؛ وكما تكونوا يولي عليكم؛ ~~فانفشل الأمر وضعف العزم ورجع كل إلى بلده، ومات حمود بن سعيد الحجافي ~~بالرستاق في هذه المرة، وبقي سعود بن عزان أميرا عادلا على الرستاق وما ~~يتعلق بها والعوابي؛ وسار فيما ملك سيرة حسنة، وولى أمره العلماء والثقات؛ ~~وجعل نفسه كواحد منهم. PageV02P285 # وفي شوال من ms516 هذه السنة قصد الأمير عيسى بن صالح وبعض أصحابه الحج على ~~طريق البر، فمر على سعود بن عزان بالرستاق، ثم على زايد بن خليفة في بوظبي، ~~ثم إلى قطر، ثم إلى الإحساء ثم إلى نجد ثم إلى المدينة ثم إلى مكة، وكان ~~بنو هشام وهم عسكر قلعة الرستاق قد شق عليهم ما رأوه من عدل سعود وحسن ~~سيرته؛ وشق على رؤساء النفاق من أهل الرستاق وغيرهم ذلك فخافوا أن يكبر ~~أمره وقد رأوه يكبر؛ فعملوا المكيدة فيه واحتالوا عليه بواسطة أخيه حمود بن ~~عزان فأدخلوا حمودا الحصن خفية ليلة ثماني وعشرين من شوال من سنة ست عشرة ~~وثلاثمائة وألف؛ فلما طلع الفجر خرج سعود بن عزان للصلاة بالجماعة الذين ~~لازموه في غرفة الصلاة، فصلى بهم ركعة من فريضة الفجر؛ فلما قام إلى ~~الثانية نقعت فيه من ورائه التفاق فقتلته من حينه، وضربت رجلا من ورائه من ~~حبوس الروضة كان معه يسمى محمد بن مطر، وهو خال حمود بن عزان؛ والضاربون ~~فيهم بعض رؤساء بني هشام، ومكنوا حمود بن عزان وهو أخو سعود من الحصن. ودفن ~~سعود تحت الحصن من الجانب الغربي، فقيل إنهم كانوا يرون الأنوار عليه ~~ساطعة، وبقي حمود في يد بني هشام آلة ووسيلة لهم على ظلم أهل الرستاق. PageV02P286 # وأما العوابي فإن واليها بعد قتل سعود سلبها إلى سعيد بن إبراهيم، ثم ~~أساء سعيد في أهلها السيرة فتعصبوا بالعبريين فأحاطوا بها وأخرجوا عسكر ~~سعيد، وتمكن منها السلطان فيصل فصارت له إلى اليوم، وفسدت أمور الرستاق ~~وسلط الله عليهم الآفات من جدري وطاعون، وسلط عليهم الظلمة يسومونهم سوء ~~العذاب، قامت قائمة من أكابر آل سعد أهل الباطنة وأرادوا أن يحتالوا على ~~حصن الرستاق ليدخلوه ويمسكوه عن بني هشام، ففطنوا لهم فوقع بينهم ضرب وقتل ~~في الفريقين، وقتل ناصر بن محمد رئيس بني هشام؛ وذلك كله داخل الحصن وترأس ~~بعده أخوه حارث بن محمد؛ وبقيت الرستاق لحمود بن عزان اسما ولحارث ابن محمد ~~معنى؛ وفسدت أمورها واختصمت رعيتها؛ واحترب أهل ms517 الغشب وتعصبوا بالقبائل ~~الخارجية ووقعت بينهم الحرب؛ فلما رأى حمود بن عزان وحارث بن محمد فساد ~~الأمور عليهم واختلاف الرعايا كتبوا للأمير عيسى أن يصلهم، وكان الأمير قد ~~تأخر عنها لأنه لا يعرف لها قابضا أمينا، فمن قدر الله تعالى أن أظهر سعيد ~~بن إبراهيم المتاب؛ وكتب بعض ثقات الرستاق بتوبته وكان ذلك منه مخادعة ~~للمسلمين يطلب بها الرستاق فيما ظهر من أمره بعد ذلك. # إذا سبحت قيطون همت بسرقة= فحذرك من قيطون حين تسبح PageV02P287 فركب ~~الأمير ومن معه من الشرقية؛ وكان السلطان قد نشب أظافيره بالرستاق طمعا ~~فيها، حتى قيل إنه كان بنو هشام يعدونه بها، فأرسل ولده تيمور وخادمه سيف ~~دولته سليمان بن سويلم في مركب فأنزلهم بالسيب ثم ارتفعوا إلى الخوض ~~وأرسلوا قوما من بني جابر فقطعوا عقبة القرط على طريق الأمير، وكان طريقا ~~ضيقا؛ فجاء الأمير على سرور، ثم منها إلى فنجا بعد مناقعة حصلت بين بعض ~~القوم وبين أهل العمقات من السيابيين بعد طلوع الشمس بنحو ساعة؛ ثم قالوا ~~بفنجا ثم راحوا منها وانحدروا في وادي فنجا فوافقوا بعض سبور قوم السلطان ~~هنالك فأمسكوه معهم، فقبل غروب الشمس بقليل وصلوا قرب عقبة القرط، فرآهم ~~الرصد فنقعوا فيهم؛ فعقل القوم ركابهم وركضوا على من بالعقبة فانهزموا ~~وولوا الأدبار، ولا ندري ما الذي وقع فيهم. # وأما قوم الأمير فلم يصب أحدا منهم بأس، لا في أول النهار ولا في آخره. ~~ثم ساروا حتى عرسوا بفليج السيد؛ ثم نشروا حتى قالوا بوادي المعاول في بلد ~~حبرى، ثم راحوا حتى باتوا بين العوابي والرستاق، ثم صبحوا الرستاق فتلقاهم ~~حمود بن عزان بأهل الخيل في علاية الرستاق للتجليل والإكرام ثم ساروا معه ~~حتى أنزلهم مسجد البياضة، وهنالك واجه أمراء العسكر من بني هشام فذكر لهم ~~ما كتبوه له ووعدوه به؛ وهو أن تكون الدار داره والحصن حصنه؛ فلم يجد منهم ~~وفاء، وأقام ثلاثا يراجعهم في الوفاء بما وعدوا فامتنعوا؛ فخرج غاضبا وهو ~~يعزم على أن يأتوا بسعيد بن إبراهيم من ms518 الحزم ويقاوموا الحصن بحرب. PageV02P288 # وكان حمود بن عزان قد مل الإقامة بين بني هشام لكونهم قد استطالوا عليه ~~وحكموا المقابض دونه؛ فأرسل إلى الأمير أن ينتظره أو يصل إليه بصباح الشرجة ~~فأرسل إليه الأمير أني انتظرك بمسجد قصرى فوصل حمود بن عزان مسجد قصرى ~~وأظهر التسليم والإذعان، وقال لا أحب أن أكون هنا بين بني رواحة إلا أن ~~تزيلوهم عني، فمكث عندهم، وأرسلوا إلى سعيد بن إبراهيم وجاءوا به؛ وبقي ~~حارث بن محمد يماكرهم، ويعدهم ويمنيهم؛ وكان السلطان قد نزل بالمصنعة وأرسل ~~ولده تيمور بجيش، وأقام في جما، وأرسل خادمه وعامله سليمان بن سويلم بجيش ~~وأقام بالعوابي؛ وكان ولده نادر بن فيصل ببركا ومعه قوم والسلطان في مركبه ~~بإزاء المصنعة، وتارة يشرق به وتارة يغرب، والكل يحاولون الرستاق؛ وحارث ~~يماكر الجميع، وأقاموا على ذلك شهرا. # ثم إن حارث بن محمد وهو أمير الحصن أرسل إلى الأمير عيسى وإلى سعيد بن ~~إبراهيم أن يدخلوا عليه الحصن للمشورة والنظر على شرط أن لا يزيد من دخل ~~على سبعة أنفس؛ فشاور الأمير من حضره يقول: يسعني أن أدخل معه، فأجيب أن ~~الدخول ليس بتمليك، ولو كان سعيد جائرا جاز لك الدخول معه على هذا الحال، ~~فإنه دخول للمشورة فقط، فدخلوا وبقوا في المشورة وحارث يشرط الشروط على ~~سعيد: أنك تكون أنت الملك على شروط ذكرها، فلم يتفقوا تلك الليلة، ثم ~~أصبحوا فلم يتفقوا إلا بعد الظهيرة أو بعد الظهر، وذلك أن حارثا يشترط على ~~سعيد أن لا يبرز في الحصن ولا يدخله إلا بأربعة أعبد وعسكر الحصن كله من ~~جماعة حارث، وكانوا يريدون غير هذه الشروط؛ فأبى حارث إلا التمسك بها، ولا ~~قدرة لهم على زواله بالقهر؛ فلما رأوا ذلك أعطوه ما طلب، وضربت المدافع ~~إعلاما بأن الملك سعيد بن إبراهيم، وأطلق حارث الباب فارتفع الأمير ووجوه ~~قومه في الحصن؛ وأقاموا في الغرف، وحارث مع ذلك يماكر السلطان ويعده ~~ويمنيه، والسلطان مقيم على ما تقدم. PageV02P289 # ثم انكشفت لهم أحوال حارث، واطلعوا على بعض ms519 مكاتبته للسلطان وكان يعد ~~السلطان بإدخاله في حصن الرستاق؛ وكان حصن المزاحيط في يد السلطان أعطاه ~~إياه حمود بن عزان وقت مخالفته هو وابن عمه سعيد بن إبراهيم، وبقي في يده ~~إلى اليوم، ولم يكن للسلطان منه فائدة لكن له بقبضة غوائل، فوصل ولده تيمور ~~يوما ببعض قومه إلى حصن المزاحيط، ثم رجع إلى جما. # ثم إن الأمير ووجوه قومه قد صمم عزمهم على إخراج حارث ومن معه حين رأوا ~~أنه مخادع فعملوا لذلك حيلة وأظهروا أن الأمير يقيم بالرستاق عند سعيد ابن ~~إبراهيم ويرخص قومه يرجعون إلى الشرقية فقالوا لوجوه القوم من شاء منكم ~~الرخصة فليجيء بكرة عندنا، وكان مقامهم بالحصن وكان مقام البدو خارجا، فلما ~~تعالموا بالرخصة جاءوا وقت الضحى واجتمعوا كلهم بالحصن؛ وحارث لم يفطن ~~للمكيدة وكان من مخادعته أن أظهر أنه تائب يتعاطى النسك. # وكان سالم بن عمير من وجوه القوم، وكان حارث قد اتخذه صاحبا لا يفارقه ~~مكرا وخداعا وأراد سالم بن عمير أن يكتب وصية عند القاضي راشد بن سيف ~~اللمكي فخرج في ذلك الوقت إلى القاضي بقصرى ليكتب له؛ وصحبه حارث والناس ~~يجتمعون بالحصن لأخذ الرخصة في الظاهر. PageV02P290 # وكان الأمير ومن معه قد أخرجوا دفتر القوم الذي فيه كتابة نفقاتهم، ~~وأخرجوا كيس القروش وكل من رأى ذلك من البدو قعد، ولم يفارقهم كيلا يكون ~~الإنفاق وهو غائب. ثم أبطأ عليهم حارث، فقال قائل: أرسلوا إليه يذهب من ~~هناك؛ فأبى الأمير إلا أن يأخذه بحجة وبيان؛ ثم خرج إليه الأمير بنفسه ولا ~~أقول منفردا بل يحتمل أن يكون معه رجلان، وكان قبل ذلك قد أرسل إليه فلم ~~يحضر؛ فلما سار إليه تلاقوا بالطريق، فقال حارث - أو سالم - ما هناك؟ قال ~~سعيد بن إبراهيم أبي أن نرخص القوم وجماعة حارث في الحصن وقال أنه يخشى على ~~نفسه منكم ويخاف أن تصنعوا به مثل ما صنعتم بسعود؛ فلما دخلوا الحصن ورأى ~~حارث القوم مجتمعين فيه أيقن بالذل واستشعر العجز وعلم أنه لا محالة خارج ~~من الحصن ms520؛ وقال له الأمير ومن معه قد أعطيناك جوابا([2]) أن تكون في الحصن ~~واليا ونحن نفي لك بذلك ولكن رخص جماعتك وابق عندك اثني عشر رجلا حتى يأمن ~~سعيد بن إبراهيم من غوائلكم؛ وقال حارث لا أقيم إلا بجماعتي ولا لي مقام ~~بعدهم، فقالوا له إذن يكون ذلك برأيك فلا تقل أخرجناك؛ فحمل جميع ما في ~~الحصن مما قدر على حمله وأعطوه عن الأثقال دراهم بقدر قيمتها وزيادة وأتوه ~~بالركاب وخرج بين المغرب والعشاء وأرسوا معه الخفراء وصحبوه إلى العوابي، ~~وفيها سليمان بن سويلم خادم السلطان وواليه فلما رأى السلطان ذلك أيس من ~~الرستاق ورخص باقي الجنود ورجع إلى مسكد، وكان هذا آخر رجب من سنة إحدى ~~وعشرين وثلاثمائة وألف. # وكان ركوب الأمير بمن معه من الشرقية إلى الرستاق في أواخر جمادى الأخرى ~~من السنة المذكورة فمدة المرابطة قدر شهر. PageV02P291 # ثم بقي سعيد بن إبراهيم في حصن الرستاق والحزم، وكانوا يظنون فيه بعض ~~الخير وكانوا يرون أنهم لم يدخلوه في حصن الرستاق وإنما أدخله حارث لكنهم ~~أخرجوا حارثا عنه وبقي هو وهم في الحصن؛ وكانوا قادرين على إخراجه أيضا غير ~~أنهم لم يجدوا الأصلح في الحال ولم يتهيأ لهم ذلك الحين إلا السكوت عن ~~التقديم والتأخير، وكانوا يظنون منه غير ما وقع، وكان قد أظهر لهم الجميل ~~وأعطاهم العهود؛ فرخص الأمير جنوده وبقي هو ومعه خادم يخدمه عند سعيد في ~~حصن الرستاق ليكون مطلعا على أحواله مقوما لاعوجاجه وبقي سعيد يداريه ما ~~دام عنده. # ثم آنس الأمير منه الانحراف عما كان عاهدهم عليه وكتب إلى بعض وجوه قومه ~~يخبرهم عن الحال الواقعة من سعيد، فسار إليه منهم جماعة ورجعوا جميعا إلى ~~الشرقية وبقي سعيد بن إبراهيم هنالك، وأظهر بعد خروج الأمير عنه ما كان ~~يستره من خبث السريرة وسوء السيرة وظلم الرعية، وأفسد في الأرض ولم تزل ~~اليعاربة تحاول حصن الحزم حتى وجدوا له فرصة في أيام سعيد خادعوا خادما من ~~الخدام قابضا على الحصن فجاء بهم وأخفاهم في خيمة قرب ms521 الحصن حتى أصبح الصبح ~~وكان في وقت الضحى يجد لذلك فرصة وكان قد أخرهم لأجلها، فلما كان ذلك الوقت ~~أشار إليهم بدخول الحصن فجاءوا إلى الباب فوجدوه مفتوحا فدخلوا في البرج ~~وكان في البرج رجل من بني ريام يقال له خصيف ومعه ابنه، فلما رآهم ظهروا من ~~الدرجة ضربهم وقتل منهم؛ فرأوا أن يحاصروه لظنهم أنه لا مغيث له ولا شك فهو ~~نازل وبقي يمانعهم؛ وكان سعيد بن إبراهيم في الباطنة وسارت إليه الرسل فركب ~~في الحال وجاء أهل الرستاق وأحاط سعيد ومن معه بالحصن، وأرسل لهم خصيف حبلا ~~من دريشة البرج فصعدوا فيه فلم تشعر اليعاربة إلا والقوم قد ملأوا الحصن ~~فأيقنوا بالغلبة وخرجوا على يد ناصر بن راشد كبير بني غافر بعد أخذ سلبهم ~~وقتل من قتل منهم قبل الأمان فبقي سعيد على سوء سيرته في الرعية حتى أخذه ~~الله بغتة في مأمنه. PageV02P292 # وذلك أنه في يوم أربعة وعشرين من ربيع الأول سنة 1330 دخل أولاد فيصل بن ~~حمود بن عزان وهما محمد وإبراهيم مع سعيد بن إبراهيم في الحصن بإذن منه لهم ~~ومرادهم في ظاهر الأمر ينظرون ولده، وكان ابن أختهم وكان طفلا صغيرا ودخل ~~معهما رجل من أصحابهما يقال له سيف بن حمد القمشوعي؛ وقد باطنوا أربعة من ~~خدامه واحدهم مملوك سعيد، فلكا تمكنوا فوق الحصن ضربوا سعيدا ثلاث ضربات ~~تفق وثلاث ضربات خنجر فوقع صريعا ميتا بالحال وأرادوا قبض أخيه أحمد بن ~~إبراهيم. PageV02P293 # وكان في حد الاحتلام فهرب عنهم بالحال وتوجه إلى الحزم، ثم التفتوا إلى ~~باقي الخدام فقتلوا منهم أربعة وركض إلى القلعة اثنان من الخدام الذين مع ~~أولاد فيصل والقمشوعي وخادم قبضوا برج الحديث الذي أعلا من الصباح وواحد من ~~الخدام في برج الريح وهو مملوك سعيد واسمه مسعود وبقي النقع بينهم وباقي ~~خدام سعيد في الصباحات ومع الخدم بنو غافر، ومن أراد من أهل البلاد يسير ~~معهم منعه الخدام وبنو غافر وبقي النقع بينهم من الضحى إلى صلاة الظهر، ثم ~~أن خدام سعيد ms522 نادوا خادمة تفتح لهم الصباح الداخل الذي يدخل إلى السكنة من ~~الجانب التحتي، فدخلوا على أولاد فيصل من هناك، فلم يشعروا إلا والضرب من ~~تحتهم وورائهم، فضرب عليهم الخادم المسمى الفيل، فعند ذلك ركضوا إلى ~~القلعة، أعني محمد وإبراهيم فضرب إبراهيم على باب القلعة؛ ثم ضرب الخادم ~~المسمى سالم بن الحميدي على ستار القلعة، ثم ركض بنو غافر والخدام إلى برج ~~الحديث؛ فضربوا الباب فأصابت سيف القمشوعي فمات، فاستجار الخادم المسمى ~~درويش، ثم جاءوا إلى القلعة وبقي النقع بينهم ومحمد بن فيصل، فألجأوه إلى ~~غالة منها بعدما ضرب منهم جملة بين قتيل وجريح؛ فاستجار بهم فلم يجيروه، ~~وتعلق بمن يرجو منه النفع منهم فلم يجبه أحد، فحرقوا عليه بالنار، فلما أحس ~~بالهلاك ألقى نفسه من دريشة ضيقة إلى خارج الحصن، فضربوه قدر عشر ضربات تفق ~~فمات، والخادم الذي في برج الريح أخذ شملة فدلاها إلى خارج الحصن؛ فهرب إلى ~~بلد العوابي فقبضه عامل السلطان فيصل. PageV02P294 # ثم رجع أحمد بن إبراهيم وهو أخو سعيد المقتول إلى الرستاق بوفوده من بني ~~غافر وأهل الحوقين وغيرهم، فدخل الحصن وصار عدد القتلى ثمانية خدام والسادة ~~ثلاثة: الجملة أحد عشر قتيلا وخمسة جرحى، منهم زهران بن شيخان الغافري؛ ثم ~~مات من جراحاته وطرشوا لآل سعد، ووصلت فرقة منهم لتركيد الأمور؛ وأرسلوا ~~بذلك رسولا إلى الأمير بالشرقية فكتبوا له بهذا الواقع، وذكروا له أن ~~القائم فيها الآن أحمد بن إبراهيم؛ وطلب منه بعضهم الوصول لتركيد الأمر، ~~فلم ير للوصول معنى؛ فلما رأى من انقلاب حال سعيد بن إبراهيم بعدما تمكن، ~~فأحمد بن إبراهيم هو الآن ملك الرستاق؛ فهذه أحوال الرستاق بعد إبراهيم بن ~~قيس إلى الآن، ذكرتها لك متتابعة على طريق الاختصار لاستحضار الفائدة ~~وجمعها في موضع واحد، وإن خالف أسلوب التاريخ. # وأما حارث فإنه لما خرج من الرستاق سار إلى الوادي الغربي من وادي بني ~~رواحة وهو وطنه، فأقام بها حتى قتل، سلط الله عليه ثلاثة أنفس كانوا أعوانه ~~فيما قبل على قتل سعود بن ms523 عزان فقتلوه غيلة في مأمنه، ثم قتل الثلاثة بعده ~~قتلهم جماعة حارث. وهذه كلها عقوبات تتبعهم من خيانتهم في قتل الشهيد سعود ~~ابن الإمام عزان رحمهما الله. # وكذلك سلط الله على من عاونه ولو بمشورة، فلم نعلم أن أحدا تشهر بمعونة ~~في ذلك إلا وقد سلط عليه فقتل، ومن بقي منهم ينتظر القتل، وكان شيخ المعاول ~~ناصر بن محمد قد تشهر بذلك، فسلط الله عليه رجلا من جماعته فقتله في مأمنه ~~نهارا، وما زال أهل الدنيا يتقاتلون على الدنيا؛ يقتل بعضهم بعضا. # تفانى الرجال على حبها = وما يحصلون على طائل PageV02P295 وفي أول سنة ~~تسعة عشر جرى فلج الظاهر بالشرقية بعلاية بدية على يد شيخنا الفاضل جمعة بن ~~سعيد بن علي المغيري رحمه الله؛ فجاء نهرا مباركا، وتوفي هذا الشيخ ليلة ~~رابع من ذي القعدة من سنة ثلاثة وعشرين، ووصلنا نعيه ببكة يوم رابع ذي ~~الحجة، وكان قد مات في صلاة العشاء الآخر بمسجد الظاهر وهو يصلي بالناس وما ~~كان به من بأس، فحين قام إلى الركعة الثالثة خر ميتا رحمة الله عليه. # وفي أول سنة تسعة عشر أيضا خرج من مسكد بالوز الإنجليز؛ ويقال له القنصل؛ ~~ومعناه بالعربية الوالي([3]) فجاء على طريق قريات؛ ومنها إلى صور، ومنها ~~إلى وادي مسلق؛ وكان قد استأذن السلطان في ذلك، وكان قد هم أن يدخل الشرقية ~~من رفصة المشارفة، وانتدب لمنعه شيخنا الأمير ورؤساء القبائل وتعاقدوا على ~~منعه خوف غوائله؛ وكتبوا بذلك إلى رئيس المشارفة؛ وركب الأمير إلى بدية ثم ~~إلى جعلان في معارفة الناس لدفع الشر المتوقع بمنعه. # وكتب البالوز إلى السلطان فيصل بالواقع فداخلته الحمية في رد هذا القنصل؛ ~~إذ كان عن ابنه خرج، فركب بمن حضر معه البحر ونزل بصور؛ وكان قد حمل معه ما ~~يحتاج إليه، فيقال إن متاعه من الدراهم غرقت به الماشورة عند التنزيل من ~~المركب. PageV02P296 # ثم أرسل السلطان إلى بعض رؤساء الصواويع، وهم من شيوخ بني بحسن فذمرهم ~~عند البالوز وأرسل معه ولده تيمور، وكان يومئذ يقارب ms524 الاحتلام، فركب الأمير ~~من القابل ومعه وجوه قومه؛ ونزلوا بالمنترب من بدية وركب معهم رئيس ~~الحجريين هلال بن سعيد ومعه كثير من مطاوعتهم وبعض قومه؛ وساروا جميعا حتى ~~نزلوا بالفليج من بلدان المشارفة؛ ثم ركبوا من هنالك قاصدين الرفصة لمنع ~~البالوز وأعوانه؛ فإذا هم قد دخلوا الرفصة؛ فرجع الأمير ومن معه والبالوز ~~ومن معه يسيرون وراءهم ولم يعاجلوهم سياسة منهم، خافوا الفرقة بين المسلمين ~~ورجعوا متحرفين لقتال ومنتظرين للفرج حتى وصلوا موضعا يقال له أم الخم؛ وهو ~~مرصد للقتال أحاطت به الجبال؛ والطريق بين الجبال في الوادي، فهنالك قبضوا ~~عليهم الطريق؛ وكان الوقت حرا والشمس في كبد السماء؛ فوجهت إليهم التفاق ~~وهموا بقتلهم إن لم يرجعوا إلى أعقابهم. PageV02P297 # ثم رأى الأمير أن يكلم تيمور لعله أن يرجع من غير قتال؛ فأتى إليه وسط ~~قومه والنصراني قد جلس في الأرض مادا رجليه متحيرا؛ فكلم الأمير تيمور في ~~ذلك قبل إطلاق التفاق؛ فأجابه برفق ولين واتفقوا على أن ينزلوا جميعا ~~بالفليج ويكتبوا بالواقع إلى السلطان؛ وكان بصور؛ فنزلوا بالفليج وقد أمنوا ~~بعضهم بعضا؛ وقد كان في أول الأمر إنما وصل عند الأمير وجوه القوم؛ وحين ~~نزلوا بالفليج وصارت تأتيهم الرجال متوالية؛ وصار السلطان ينفق على ~~الفريقين؛ ولما آيس البالوز من وصول الشرقية طلب أن يرى معدن الضحام؛ ويسمى ~~الفحم وهو جبل فيه حجر يحمل لوقيد النار في المراكب وغيرها؛ وأكثر علم ~~المراكب عليه، فاقتضى رأيهم أن يسمحوا له برؤيته، ولم يرفض بعض الناس بذلك ~~فقطعوا له في طريق المعدن، وكان معه تيمور بن فيصل وبعض الناس من أصحاب ~~الأمير فأطلق القاطعون فيهم التفاق؛ وأصابت ضربة منهم الحصان الذي تحت ~~البالوز فقتله ووقع البالوز على بطنه في الأرض، فصار يرفس برجليه كهيئة ~~السابح في البحر؛ فوثب بعض من كان معه من أصحاب الأمير فكفوهم عن النقع؛ ثم ~~ساروا حتى وصلوا جبل الضحام فأروه إياه على عجل وأزعجوه في الرجوع، فلم ~~يتمكن من رؤيته كما أراد. # ثم رجعوا إلى منزلهم وأرسل البالوز إلى الأمير ms525 أن يأتيه أو يأذن له في ~~إتيانه، فقال الأمير: لا أراه ولا يراني، ثم رجعوا إلى صور وواجهه رئيس ~~الحجريين السلطان بصور ومعه بعض الناس من وجوه القوم وأعطاهم السلطان ~~عطايا، وأرسل للأمير هدايا ( فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم بسوء ) ~~ورد الله كيد البالوز في نحره. نسأل الله أن يحفظ بلاد الإسلام. PageV02P298 # وفي ذي القعدة من هذه السنة قتل شيخ بني علي، وهو حاكم ينقل من الظاهرة ~~وهو هلال بن غصن؛ وكان فيما سمعنا رئيسا فاصلا، آمرا ناهيا، شديدا على أهل ~~المناكر؛ كثير العبادة والتلاوة؛ واصطلحت في أيامه بلدانه واستراحت رعاياه، ~~وكان هلال بن غصن قد جهز جيشا لحرب فدى؛ فقتل والجيش محاصرا لها؛ وكانت قد ~~أمر على الجيش ابن أخيه سليمان بن سنان وكانوا ينتظرون فتحها؛ وبقتله تفرق ~~الجيش عن أميره؛ ورجعوا عنها بعدما عاينوا الظفر. # وكان قتله على يد ابن أخيه خلف بن سنان بن غصن وهو أمير ينقل اليوم، ~~ويقال إن قتله كان عن شورى من السلطان وواليه سليمان ومن رغب في خلف في ~~الملك بعد عمه، ويقال إن هلال بلغه أن خلفا سيقتله، قال ما أصنع به؟ يقضي ~~الله ما كان قاضيا؛ لا يحل لي أن أقتله بالتهمة، ولا يجمل لي أن أشتت ~~أقاربي فبينما هلال جالس بعد صلاة العشاء الأخيرة في المسجد يذكر الله إذ ~~دخل عليه خلف، فقال كيف تأخرت إلى الآن، يعني على الصلاة، وهو ظن أنه جاء ~~ليصلي، فقال الآن جئت، ثم أرسل أهل بيت هلال إلى هلال الخادمة لتنذره ~~وتحذره من خلف، فدعته ليخرج إليها؛ فيحن خرج إليها نقع فيه خلف من ورائه ~~بتفق فوقع على الأرض وهو يقول: لا إله إلا الله ثم قضى نحبه ولم يتمكن خلف ~~من ملك ينقل إلا بعد أن قتل جملة من أقاربه وخدامهم؛ ثم دانت له الأمور ~~ولله الأمر كله. # وفي سنة ثلاثة وعشرين وثلاثمائة وألف خرجت من بيتي بالقابل قاصدا حج بيت ~~الله الحرام فمررت على السلطان فيصل ذاهبا وراجعا، وقابلني ms526 هو وأولاده ~~بالإجلال والاحترام، ومن لم يشكر الناس لن يشكر الله؛ وطلبت منه الخلوة على ~~لسان ولده تيمور، وكلمته في اجتماع الشمل والقيام بالعدل وجمع العرب تحت ~~راية واحدة، فقال إن حصل لكم ذلك بقبول عمي نريد غيره؛ وأراد بعمه ~~عبدالعزيز بن سعيد. PageV02P299 # ومعنى قوله إنكم إن اجتمعتم على هذا الحال لا نريدك بل نريد عمك؛ فتجاهلت ~~له كأني لم أفطن لما أراد، وقلت له من غيرك؟ أي لا يوجد غيرك ممن هو أهل ~~لهذا والحجة عليه في هذا، فقال إن الوالي سليمان سيخرج إلى الشيخ عيسى ~~لمواعدة بينهم، والجواب يكون على لسانه، فما ينقله عني فهو مني؛ وكنت قد ~~كتبت له عند رجوعي من الحج في المركب برفع العشور والكرنتينة عن الحجاج، ~~فرفعهما من تلك السنة إلى هذا العام إلا سنة واحدة لم يكن هو فيها بمسكد؛ ~~فكرتن الحجاج وعشروا؛ ثم رجعت إلى الوطن سالما شاكرا والحمد لله تعالى. ~~وكنت قد اجتمعت في مكة برجال من علماء قومنا؛ وكان رجل منهم يقال له الزبير ~~بن علي الأصغر من أهل عظيم أباد من أرض الهند قد سبقني إلى مكة؛ ولما سمع ~~بوصولي أتى إلي في بيت الرباط وسألني عن أصول المذهب وفروعه؛ وأهله ومحله، ~~فشرحت له ذلك شرحا وافيا كافيا، وطلب مني بعض كتب المذهب فدفعت إليه مشارق ~~الأنوار، وكان لم يحضر غيرها؛ والكلام في ذكر جميع ما سأل عنه يطول به ~~الكتاب، ثم بقي يتردد علي مرارا ويناظرني في الخلاف والواقع بيننا وبينهم، ~~وكان رجلا أديبا حسن الجدال ذا ذكاء وفطنة لا يكابر الحجة إذا رآها، وكان ~~هو السبب في الاجتماع بعلماء الآفاق في ذلك العام، وقد من الله علي بإظهار ~~الحجة على جميعهم فاعترف بعضهم بالحق الذي في أيدينا؛ فمنهم من قال إن ~~الأباضية أقرب الفرق إلى الحق، وقائل ذلك عبد الرزاق البغدادي؛ ومنهم من ~~قال: أعلم أن الأصلح والأسلم ما أنتم عليه، وقائل ذلك الزبير؛ وكان يكنى ~~أبا عبدالله؛ وقلت له حاشاك أبا عبدالله أن تترك الأصلح ms527 والأسلم؛ فسكت ولم ~~يجب، ولم يكن بعد هذه المقالة بيني وبينهم مناظرة. PageV02P300 # وفي آخر سنة أربعة وعشرين جاء الوالي سليمان بن سويلم إلى الشرقية ~~للمواعدة التي جرت بينه وبين الأمير؛ فقابله الأمير ووجوه قومه بالإجلال ~~والاحترام؛ وفي ليلة إحدى عشر من شهر الحج من هذه السنة مات الشيخ المرحوم ~~أحمد بن الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي؛ وكان عالما فاضلا فجاء الخبر والوالي ~~عند الأمير بالقابل. # ثم قصد الوالي سليمان راجعا إلى السلطان وصحبه وجوه الناس من أهل ~~الشرقية، وكان السلطان قد جعل سليمان سيف دولته وكان قد أذل له كثيرا من ~~القبائل وكانت القبائل قد أظهرت لسليمان العداوة منم السيابيون فوقف له ~~فتية من رجال السيابيين على طريق العق وكمنوا له في جبل هنالك عل الطريق، ~~حيث لا يراهم المار فبينما الوالي ومن معه يسيرون ضحى إذ نقعت التفاق في ~~الوالي وهو على ناقته فسقط ميتا وانكب عليه خادم له فضرب فوقه؛ فالتفت ~~القوم إلى الضارب فإذا هم قد صعدوا الجبل كالظباء ونقعوا فيهم فلم يصيبوا ~~أحدا واختفوا عنهم بالجبل. # ثم هم السلطان بحرب السيابيين وسخط الأمير عليهم بما صنعوا حيث قتلوه وهو ~~خارج من بلاده وعنه وجوه قومه وجاء شيوخهم ليرضوا الأمير فلم يقبل منهم , ~~ثم رجعوا إلى بلادهم وكاتبوا السلطان فكتب لهم بالعفو في الظاهر وهو يريد ~~أن يأخذهم بالحيلة فرجعوا بكتاب السلطان إلى الأمير وأروه إليه وطلبوا منه ~~المسامحة فسامحهم , ثم رجعوا إلى بلادهم وأخرج السلطان ولده نادرا إلى ~~سمائل وولاه عليها وأظهر نادر أنه يأمر فيها وينهى وشد على أهل المناكر وهو ~~مع ذلك يعمل الحيلة لرئيس السيابيين سيف بن محسن. PageV02P301 # وكان رجل من بني هناءة يقال له سعيد بن خميس بن حويسن قد واطئ نادرا على ~~قتل سيف , وبقي يعمل الحيلة: يظهر لسيف التودد ويريه الخطوط التي تأتيه من ~~السلطان وأولاده , وكشف له أخبارهم فكان يأتيه بخبر كل حادثه تزيد عنهم ~~وللناس غوائل؛ والمأخوذ غافل فاطمأن سيف بن محسن إلى قوله وصدقه في زعمه ~~وكان ms528 لا يمتنع منه متى جاء وهو مع ذلك لا يظن أن مثله يقوى على مثل ذلك ~~فأتاه يوما ومعه رجل من العسكر كأنه يصحبه في الطريق فأرسل إلى سيف بن محسن ~~ليجيئه في موضع من أطراف نفعا فأتاه منفردا , وقيل أن بعض قومه أراد أن ~~يصحبه فمنعه؛ فلما وصل تلقاه سعيد بن خميس بالترحيب واللين وأعطى سيف رجلا ~~بنا ليخدم قهوة ويشغل العسكري ودخل هو وسعيد في مسجد هنالك ليأخذ منه السر ~~الذي جاءه به فجلس سيف على دريشة في المسجد , فجاء العسكري من ورائه ونقع ~~فيه من خارج الدريشة وخر ميتا ووثب سعيد والعسكري الذي معه إلى حصن بدبد , ~~وضربوا المدافع سرورا وكانوا يرون أنهم قد أخذوا ثأر واليهم سليمان بن ~~سويلم , وبعد ذلك رجع نادر إلى حضرة أبيه بمسكد , وترأس من بعد سيف ابن ~~أخيه محسن بن زهران بن محسن , وكان فيما قيل يطلب غره من السلطان وأولاده ~~حتى كان ذات يوم خرج السلطان إلى نخل وأناخ بها , وكان في قومه رئيسا بني ~~عمر: سالم بن مرهون , وخليفة بن عبيد؛ وكان قاتل سيف بن محسن من جماعة هذين ~~الرئيسين , فلما كانا في هجعة من الليل نقعت التفاق في سالم وخليفة فماتا ~~من ذلك وأشتد لذلك غضب السلطان , وقيل له إن السيابيين هم القاتلون , ورجع ~~من نخل حتى وصل فليج السيد وأرسل ولده نادرا وبعض القوم إلى بدبد , ومضى هو ~~إلى مسكد ثم جمع الجموع وأرسلها على ولده ببدبد , ثم أرسل ولده تيمور وغصت ~~بدبد بالجنود وواجه رؤساء السيابيين وهم مع ذلك ينكرون القتل فأخذوا ~~أعيانهم وقيدوهم ثم أرسلوا إلى بعض البنيان بنفعا فهدموه وحملوا المقائيد ~~إلى مسكد وحبسوا بالكوت زمانا ثم أطلقوهم. PageV02P302 # وفي يوم اثني عشر قبل العصر بقليل في جمادى الأولى من سنة ثمان وعشرين ~~وثلاث مائة وألف, مات فيصل بن حمود بن عزان ابن عم الإمام ببلد الوصل من ~~بدية , وفيها قبر وكان قد تردد عليها مرارا وتزوج منها وسكن فيها وحمل ~~المرأة إلى الرستاق , وكانت ms529 فاضلة صالحة وماتت بالرستاق , وجاء في هذه ~~المرة الأخيرة في أواخر سنة سبع وعشرين , وأقام أياما وتزوج منها بامرأة ~~أخرى, فما طالت أيامه حتى مات بالتاريخ المتقدم , وكان معه ولداه محمد ~~وإبراهيم , وبعد أيام العزاء ركب إلى الرستاق وأقاما بها حتى قتلا بالحصن ~~على حسب ما تقدم. # والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وسلم. # قد تم الجزء الثاني من السيرة المسماة ( تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان ) ~~تأليف شيخنا العلامة نور الدين أبي محمد عبدالله بن حميد بن سلوم السالمي ~~رحمه الله وغفر له ونور ضريحه ms530