######OpenITI# #META# المؤلف: علي بن الحسين الهاشمي #META# الناشر: منشورات الشريف الرضي #META# المطبعة: النهضة #META# الطبعة: ١ #META# الموضوع : #META# تاريخ النشر : ١٤١٣ هـ.ق #META# الصفحات: ٢٦٠ #META#Header#End# ### ||| * بسم الله الرحمن الرحيم ### |||| ** الحمد لله الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد ~~الأقصى ، والصلوات الدائمة على سيد أرباب الهجرة وخاتم رسله ، وسلام الله ~~على آله المنتجبين الذين خصهم الله بآية التطهير ، وجعلهم أئمة يهدون إلى ~~الخير ، وحججا على بريته ، والشهداء عليهم يوم الدين. ### ||| * (المقصورة وشرحها) سار الحسين تاركا أم القرى %~% ينحو العراق بميامين الورى # سار : فعل ماضي ، أي ذهب في الأرض. والحسين : فاعل. وتاركا : حال. وام ~~القرى : مفعول. وينحو : فعل مضارع. العراق : مفعول. بميامين الورى : جار ~~ومجرور ومضاف إليه. الحسين (عليه السلام) هو ثاني السبطين الذي قال فيه جده ~~الأكرم : «حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسينا ، حسين سبط من ~~الأسباط» (1). وروى ابن حيان ، وابن سعد ، وأبو يعلى ، وابن عساكر ، عن ~~جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : «من ~~سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة وفي لفظ (إلى سيد شباب أهل الجنة) فلينظر ~~إلى الحسين بن علي». أبوه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ~~ابن عم الرسول ، وصهره وخليفته على PageV01P001 # أمته ، وأمه فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين. ذكر ابن حجر في الإصابة ~~(1) عن ابن حريب قال : بينما عبد الله بن عمر جالس في ظل الكعبة إذ رأى ~~الحسين مقبلا ، فقال : هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم. وذكر ابن ~~سعد في طبقاته ، ونقل عنه سبط ابن الجوزي (2) قال : كان ابن عباس يمسك ~~بركاب الحسن والحسين حتى يركبا ، ويقول : هما ابنا رسول الله. وقال ابن ~~عساكر (3): وكان الحسين في جنازة فأعيا وقعد في الطريق ، فجعل أبو هريرة ~~ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه ، فقال له : «يا أبا هريرة ، وأنت تفعل ~~هذا؟!». فقال : دعني. فوالله لو يعلم الناس منك ما أعلم لحملوك على رقابهم. ~~وقال الشبراوي (4) في فصل له : وقد حل الإمام الحسين (رضي الله عنه) من هذا ~~البيت الشريف في أوج ذراه ، وعلا فيه علوا تطامنت الثريا عن أن تصل إلى ~~معناه ، ولما انقسمت ms001 غنائم المجد كان له منه السهم الأوفر والحظ الأكبر ، ~~وقد انحصرت جرثومة هذا البيت فيه وفي أخيه ، فكان لهما من خلال المجد ~~والفضل ما لا خلاف فيه. كيف لا؟ وهما ابنا فاطمة البتول ، والملحوظان بعين ~~الود والرأفة والقبول من أشرف نبي وأكرم رسول. نعم ، كما ذكر : # نسب كأن عليه من شمس الضحى %~% نورا ومن فلك الصباح عمودا ما فيه إلا سيد من سيد %~% حاز المكارم والتقى والجودا # وقال آخر : # فيا نسبا كالشمس أبيض مشرقا %~% ويا شرفا من هامة النجم أرفع # وقال آخر : # ذرية مثل ماء المزن قد طهروا %~% وطيبوا فصفت أخلاق ذاتهم # و (ام القرى) من أسماء مكة المكرمة (زاد الله شرفها وتعظيمها). وفسر PageV01P002 # قوله تعالى : ( @QUR@010 وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها ~~رسولا ) (1) على وجهين ؛ أحدهما : أنه أراد أعظمها وأكثرها أهلا ، والأخرى ~~: أنه أراد مكة. وقال ابن دريد : سميت مكة (ام القرى)؛ لأنها توسطت الأرض ~~والله أعلم. وقيل : سميت ام القرى ؛ لأنها تقصد من كل أرض وقرية ، أو لأنها ~~أقدم القرى التي في جزيرة العرب وأعظمها خطرا ؛ إما لاجتماع أهل القرى فيها ~~كل سنة ، أو لانكفائهم إليها ، وتعويلهم على الاعتصام بها لما يرجونه من ~~رحمة الله تعالى (2). وقوله عز اسمه : ( @QUR@05 ولتنذر ام القرى ومن ~~حوله ) (3)، أراد تعالى ذكره مكة. ومن أسمائها (بكة)، قال جل ذكره : ( ~~@QUR@010 إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين ) (4)، ~~وقوله عظم شأنه : ( @QUR@019 وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن ~~مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا ) (5). وذكر زكريا ~~القزويني قال في ذكر الحجاز : حاجز بين اليمن والشام ، وهو مسيرة شهر. ~~قاعدتها مكة (حرسها الله تعالى)، لا يستوطنها مشرك ولا ذمي. كانت تقام ~~للعرب بها أسواق في الجاهلية في كل سنة ، فإذا اجتمع بها قبائلهم يتفاخرون ~~ويذكرون مناقب آبائهم ، وما كان لهم من الأيام ، ويتناشدون أشعارهم التي ~~أحدثوا. وكانت العرب إذا أرادت الحج أقامت بسوق عكاظ شهر شوال ، ثم تنتقل ~~إلى ذي المجاز فتقيم فيه إلى الحج ms002. والعرب الذين اجتمعوا في هذه المواسم ~~إذا رجعوا إلى قومهم ذكروا لقومهم ما رأوا وما سمعوا (6). # ومكة هي البلد الأمين الذي شرفه الله تعالى وعظمه ، وخصه بالقسم وبدعاء ~~الخليل ( @QUR@09 رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات ) (7) (8)، ~~واجعله مثابة للناس ، وأمنا PageV01P003 # للخايف ، وقبلة للعباد ، ومنشأ لرسول الله (صلى الله عليه وآله). فهذه ~~أسماء مكة جاءت في الذكر الحكيم ، وقد أجمع أرباب التاريخ على أن الحسين ~~(عليه السلام) كان قد دخلها ليلة الجمعة ، لثلاث مضين من شعبان سنة ستين من ~~الهجرة ، وذلك عندما أبى بيعة يزيد بالمدينة ، والخنوع تحت غاشية الظلم ~~والجور ، وهو ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله). ولما نزل مكة المعظمة ~~أقبل إليه أهلها ومن كان من المعتمرين بها ، يسلمون عليه ويرحبون بمقدمه ، ~~وصار الأشراف من الناس يختلفون إليه. وقد أقام بها بقية شعبان وشهر رمضان ، ~~وشوال وذي القعدة ، وخرج منها لثمان مضين من ذي الحجة يوم الثلاثاء. يوم ~~التروية (1)، وهو اليوم الذي خرج فيه مسلم بن عقيل سفيره بالكوفة. وكان قد ~~اجتمع إليه مدة مقامه بمكة نفر من أهل الحجاز ، ونفر من أهل البصرة انضافوا ~~إلى أهل بيته ومواليه. وكان ناديه يضم وجوه المسلمين من الصحابة وأعيان أهل ~~الحجاز ؛ كعبد الله بن عباس (حبر الأمة) (2)، وعبد الله بن جعفر (3)، ~~ونظائرهما ، وأمثال عبد الله بن الزبير (1) |ألا كل من يرجو نوال ابن جعفر||سيجري له باليمن والبشر طائره| PageV01P004 # وأقرانه. وقال ابن كثير في البداية والنهاية في إقامة الحسين (عليه ~~السلام) بمكة : عكف الناس على الحسين (رضي الله عنه) يفدون إليه ، ويقدمون ~~عليه ، ويجلسون حواليه ، ويستمعون كلامه ، وينتفعون بما يسمع منه ، ويضبطون ~~ما يروون عنه. وقال أبو الفرج الأصبهاني : إن عبد الله بن الزبير لم يكن ~~شيء أثقل عليه من مكان الحسين بالحجاز ، ولا أحب إليه من خروجه إلى العراق ~~؛ طمعا في الوثوب بالحجاز ، وعلما |لست أخشى خلة العدم||ما اتقيت الله في كرمي| |كلما أنفقت يخلفه||لي رب واسع النعم| |رأيت أبا بكر وربك غالب||على أمره ms003 يبغي الخلافة بالتمر| PageV01P005 # منه بأن ذلك لا يتم له إلا بعد خروج الحسين (عليه السلام)، فلقي الحسين ~~(عليه السلام) وقال له : على أي شيء عزمت يا أبا عبد الله؟ فأخبره برأيه في ~~إتيان الكوفة ، وأعلمه بما كتب به مسلم بن عقيل. فقال له ابن الزبير : فما ~~يحبسك؟ فوالله لو كان لي مثل شيعتك بالعراق ما تلومت في شيء. وقوى عزمه ، ~~ثم انصرف. هذا وقد تواردت كتب أهل الكوفة على الحسين (عليه السلام)، وذلك ~~لما بلغهم وفاة معاوية (1)، وعلموا امتناع الحسين من بيعة يزيد ونزوله ~~مكة. قال أرباب السير : اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي (2) ~~بالكوفة ، فذكروا وفاة معاوية ، وخطبهم سليمان بن صرد ، وقال لهم فيما قال ~~: إن الحسين قد خرج من مكة ، وأنتم شيعته وشيعة أبيه ، فإن كنتم تعلمون ~~أنكم ناصروه ومجاهدوا أعدائه فاكتبوا إليه ، وإن خفتم الفشل والوهن فلا ~~تغروه. قالوا : بل نقاتل عدوه ، ونقتل أنفسنا دونه ، فكتبوا إليه : بسم ~~الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام). من سليمان ~~بن صرد ، والمسيب بن نجبه ، ورفاعة بن شداد البجلي ، وحبيب بن مظهر الأسدي (3)، PageV01P006 # وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة. سلام عليك. فإنا نحمد الله ~~الذي لا إله إلا هو. أما بعد ، فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد ~~الذي اعتدى على هذه الأمة ، فابتزها أمرها ، وانتزعها حقوقها ، وغصبها ~~فيئها ، وتأمر عليها بغير رضا منها ، ثم قتل خيارها واستبقى شرارها ، وجعل ~~مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها ، فبعدا له كما بعدت ثمود. وإنه ليس ~~علينا إمام ، فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق. والنعمان بن بشير (1) ~~في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة ولا جماعة ولا عيد ، وقد حبسنا ~~أنفسنا عليك ، ولو أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام. ثم سرحوا بالكتاب ~~مع عبد الله بن مسمع الهمداني ، وعبد الله بن وآل ، فخرجا مسرعين حتى قدما ~~على الحسين (عليه السلام) بمكة لعشر مضين من شهر رمضان ، ولبث أهل الكوفة ~~يومين بعد تسريحهم بالكتاب ms004 ، وأنفذوا قيس بن مسهر |أقسم لو كنا لكم أعدادا||أو شطركم وليتم أكتادا| # يا شر قوم حسبا وآدا |أنا حبيب وأبي مظهر||فارس هيجاء وحرب تسعر| |أنتم أعد عدة وأكثر||ونحن أوفى منكم وأصبر| |ونحن أعلى حجة وأظهر||حقا وأبقى منكم وأعذر| PageV01P007 # الصيداوي (1)، وعبد الله وعبد الرحمن ابني شداد الأرحبي ، وعمارة بن عبد ~~الله السلولي إلى الحسين (عليه السلام)، ومعهم نحو مئة وخمسين صحيفة من ~~الرجل والاثنين والأربعة ، ثم لبثوا يومين آخرين وسرحوا إليه هاني بن هاني ~~السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي ، وكتبوا إلى الحسين (عليه السلام): بسم ~~الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي (عليهما السلام) من شيعته من المؤمنين ~~والمسلمين. أما بعد ، فحيهلا ، فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك ، ~~فالعجل العجل ، ثم العجل العجل ، والسلام. ثم كتب شبث بن ربعي ، وحجار بن ~~أبجر ، ويزيد بن الحارث ، ويزيد بن رويم ، وعروة بن قيس ، وعمرو بن الحجاج ~~الزبيدي ، ومحمد بن عمير بن عطارد التميمي : أما بعد ، فقد اخضر الجناب ، ~~وأينٹت الثمار ، فإذا شئت فاقبل على جند لك مجندة ، والسلام (2). وروى ابن ~~جرير الطبري ، عن حصين أن أهل الكوفة كتبوا إلى الحسين (عليه السلام) أن ~~معك مئة ألف. قال أرباب التأريخ : وتلاقت الرسل كلها عند الحسين (عليه ~~السلام)، فقرأ الكتب وسأل الرسل عن الناس ، ثم كتب مع هاني بن هاني وسعيد ~~بن عبد الله ، وكانا آخر الرسل : «بسم الله الرحمن الرحيم. من الحسين بن ~~علي إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين. أما بعد ، فقد فهمت كل الذي اقتصصتم ~~، وقد بعثت إليكم بأخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل ، وأمرته ~~أن يكتب إلي بحالكم وأمركم ورأيكم ؛ فإن كتب إلي أنه قد أجمع رأي ملئكم ، ~~وذوي الحجى منكم على |يا بني الصيداء ردوا فرسي||إنما يفعل هذا بالذليل| PageV01P008 # مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم ، فإني أقدم إليكم وشيكا إن شاء ~~الله ؛ فلعمري ، ما الإمام إلا العامل بالكتاب ، القائم بالقسط ، الدائن ~~بالحق ، الحابس نفسه على ذات الله ، والسلام». فسار ms005 مسلم بن عقيل من مكة ~~واجتاز بالمدينة ، فصلى في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وودع أهله ~~، واستأجر منها دليلين فمرا به في برية مهجورة المسالك ، فأصابهم عطش فحادا ~~عن الطريق فضلا وماتا من العطش. ونجا مسلم ومن معه من خدمه بحشاشة الأنفس ~~حتى أفضوا إلى الطريق فلزموه ، فورد الماء ، فأقام مسلم به ، وكتب إلى ~~الحسين (عليه السلام) مع رسول استأجره من أهل ذلك الماء يخبره خبره ، وما ~~لاقى من الجهد ، ويستعفيه ، ويسأله أن يوجه غيره. فأوصل الرسول الكتاب إلى ~~الحسين (عليه السلام) فقرأه ، وكتب في جوابه : «أما بعد ، فقد ظننت أن ~~الجبن قد قصر بك عما وجهتك به ، فامض لما أمرتك به ؛ فإني غير معفيك ، ~~والسلام». فسار مسلم إلى الكوفة ، ومكث هو بمكة بقية شهر رمضان وشوال وذي ~~القعدة ، وثمان ليال خلون من ذي الحجة. وفي ذلك الحين ورد إليه كتاب مسلم ~~بن عقيل من الكوفة مع عابس بن شبيب الشاكري (1)، يقول فيه : أما بعد ، فإن ~~الرائد لا يكذب أهله (2)، PageV01P009 # وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألف ، فعجل الإقبال حين يأتيك كتابي ~~؛ فإن الناس كلهم معك ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى ، والسلام. وكان ~~يزيد آنذاك قد أرسل ثلاثين سيافا ، وأمرهم أن يقتلوا الحسين (عليه السلام) ~~أينما وجدوه بمكة ولو كان متعلقا بأستار الكعبة. فعلم الحسين (عليه السلام) ~~ذلك ، فجاء إلى منزله ليلا ، وجمع أصحابه ، وخطب فيهم ، فقال : «الحمد لله ~~، وما شاء الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وصلى الله على رسوله محمد ~~وآله أجمعين. خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة. وما أولهني ~~إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخير لي مصرع أنا لاقيه ؛ كأني بأوصالي ~~تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ، فيملأن مني أكراشا جوفا ، ~~وأجربة سغبا ، لا محيص عن يوم خط بالقلم. رضا الله رضانا أهل البيت ؛ نصبر ~~على بلائه ، ويوفينا أجور الصابرين. لن تشذ عن رسول الله (صلى الله عليه ~~وآله) لحمته ، وهي PageV01P010 # مجموعة له في حظيرة ms006 القدس ؛ تقر بهم عينه ، وينجز لهم وعده». ثم قال ~~(عليه السلام): «ألا ومن كان فينا باذلا مهجته ، موطنا على لقاء الله نفسه ~~، فليرحل معنا ؛ فإني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى». قال أهل السير : ولما ~~أراد التوجه إلى العراق طاف بالبيت ، وسعى بين الصفا والمروة ، وأحل من ~~إحرامه وجعلها عمرة مفردة. هذا ولم يرد عليه خبر مسلم بن عقيل ، وشاع خبر ~~سفره إلى العراق عند الخاصة. ذكر ابن الأثير والطبري : إن عبد الله بن عباس ~~أتى الحسين (عليه السلام)، وقال : قد أرجف الناس أنك سائر إلى العراق ، ~~فبين لي ما أنت صانع؟ قال (عليه السلام): «قد أجمعت على السير في أحد يومي ~~هذين إن شاء الله تعالى». فقال ابن عباس : إني أعيذك بالله من ذلك ، وأتخوف ~~عليك من هذا الوجه الهلاك. إن أهل العراق يريدونك كما زعموا ، فلينفوا ~~عدوهم ثم أقدم عليهم ، فإن أبيت إلا أن تخرج فسر إلى اليمن ؛ فإن بها حصونا ~~وشعابا ، ولأبيك بها شيعة. فقال له الحسين (عليه السلام): «يابن عم ، إني ~~أعلم أنك ناصح مشفق ، ولكني أزمعت وأجمعت على المسير». قال الراوي : وكرر ~~ابن عباس الدخول عليه مرة ثانية ، وقد رأى الحسين (عليه السلام) عازما على ~~الخروج ، وحققه ، فجعل يناشده في المقام ، ويعظم عليه القول في ذم أهل ~~الكوفة ، وقال له : إنك تأتي قوما قتلوا أباك ، وطعنوا أخاك ، وما أراهم ~~إلا خاذليك. فقال له : «هذه كتبهم معي ، وهذا كتاب مسلم بن عقيل ~~باجتماعهم». فقال له ابن عباس : إن كنت لا بد فاعلا فلا تخرج أحدا من ولدك ~~، ولا حرمك ، ولا نسائك ؛ فخليق أن تقتل وهم ينظرون إليك كما قتل ابن عفان. ~~فأبى ذلك ولم يقبله. قال : فلما أبى الحسين (عليه السلام) قبول رأي ابن ~~عباس ودعه وانصرف ، ومضى الحسين (عليه السلام) لوجهه. وذكر الطبري عن أبي ~~مخنف : قال أبو جناب يحيى بن أبي حية ، عن عدي بن حرملة الأسدي ، عن عبد ~~الله بن سليم والمنذر بن المشمعل الأسديين ، قالا : خرجنا حاجين من الكوفة ~~حتى قدمنا مكة ms007 ، فدخلنا يوم التروية ، فإذا نحن بالحسين (عليه السلام) وعبد ~~الله بن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى فيما بين الحجر والباب. قالا : ~~فتقربنا منهما ، فسمعنا ابن الزبير وهو يقول للحسين (عليه السلام): إن شئت ~~أن تقيم أقمت ، فوليت هذا الأمر ، فآزرناك وساعدناك ، ونصحنا لك وبايعناك. ~~فقال له الحسين (عليه السلام): «إن أبي حدثني أن بها كبشا يستحل حرمتها ، ~~فما أحب أن أكون أنا PageV01P011 # ذلك الكبش» (1). فقال له ابن الزبير : فأقم إن شئت وتوليني أنا الأمر ؛ ~~فتطاع ولا تعصى. فقال : «وما اريد هذا أيضا». قالا : ثم إنهما أخفيا ~~كلامهما دوننا ، فمازالا يتناجيان حتى سمعنا دعاء الناس متوجهين إلى منى ~~عند الظهر. قالا : فطاف الحسين بالبيت وبين الصفا والمروة ، وقص شعره وحل ~~من عمرته ، ثم توجه نحو العراق وتوجهنا نحو منى (2). قال الاستاذ علي جلال ~~الحسيني المصري (3): ولما رأى الحسين (عليه السلام) أنه وجب عليه المطالبة ~~بحقه في الخلافة ، والقيام بأمر الأمة ، وأنه قادر على ذلك ، وأنه بصرف ~~النظر عن طلب الولاية تعين عليه إنكار الفسق ، والنهي عن المنكر وجهاد ~~الظلم أجاب دعوة أهل العراق. قال أرباب التأريخ : ولقي عبد الله بن عباس ~~عبد الله بن الزبير بعد خروج الحسين من مكة ، فقال متمثلا ومخاطبا له : # يا لك من قبرة بمعمر %~% خلا لك الجو فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري %~% هذا الحسين خارج فاستبشري # وقال له ابن عباس : قد خرج الحسين وخلت لك الحجاز. أقول : لقد اتفق ~~المؤرخون على أن الحسين خرج من مكة يوم التروية لثمان مضين من ذي الحجة سنة ~~ستين من الهجرة. ذكر سبط ابن الجوزي (4) قال : وقد ذكر جدي في كتاب ~~(التبصرة) قال : إنما سار الحسين (عليه السلام) إلى القوم ؛ لأنه رأى ~~الشريعة قد دثرت ، فجد في رفع قواعد أصلها ، فلما حصروه قالوا له : انزل ~~على حكم PageV01P012 # ابن زياد. فقال : «لا أفعل». واختار القتل على الذل ، وهكذا النفوس ~~الأبية. ثم أنشد جدي : # ولما رأوا بعض الحياة مذلة %~% عليهم وعز الموت غير مذمم أبوا أن يذوقوا العيش والذل واقع ms008 %~% عليه وماتوا ميتة لم تذمم ولا عجب للأسد إن ظفرت بها %~% كلاب الأعادي من فصيح وأعجم فحربة وحشي سقت حمزة الردى %~% وحتف علي في حسام ابن ملجم # قال الاستاذ محمد عبد الباقي (1): فلو بايع الحسين يزيد الفاسق المستهتر ~~، والذي أباح الخمر والزنا ، وحط بكرامة الخلافة إلى مجالسة الغانيات ، ~~وعقد حلقات الشراب في مجلس الحكم ، والذي ألبس الكلاب والقرود جلاجل من ذهب ~~ومئات الألوف من المسلمين صرعى الجوع والحرمان. لو بايع الحسين يزيد أن ~~يكون خليفة لرسول الله على هذا الوضع لكانت فتيا من الحسين بإباحة هذا ~~للمسلمين ، وكان هذا سكوته أيضا على هذا رضا ، والرضا عن ارتكاب المنكرات ~~ولو بالسكوت إثم وجريمة في حكم الشريعة الإسلامية. والحسين بوضعه الراهن في ~~عهد يزيد هو الشخصية الأولى المسؤولة في جزيرة العرب ، بل في البلاد ~~الإسلامية كافة عن حماية التراث الإسلامي ؛ لمكانته في المسلمين ، ولقرابته ~~من رسول الله ، ولكونه بعد موت كبار المسلمين أنه كبير المسلمين في هذا ~~الوقت ؛ علما وزهدا ، وحسبا ومكانة. فعلى هذا الوضع أحس بالمسؤولية تناديه ~~وتطلبه لإيقاف المنكرات عند حدها ، ولا سيما إن الذي يرتكب هذه المنكرات ~~ويشجع عليها هو الجالس في مقعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، هذا أولا. ~~وثانيا : أنه جاءته المبايعات بالخلافة من جزيرة العرب ، وجاءه ثلاثون ألفا ~~من الخطابات من ثلاثين ألفا من العراقيين من سكان البصرة والكوفة يطلبون ~~فيها منه الشخوص لمشاركتهم في محاربة العربيد يزيد بن معاوية ، وألحوا في ~~تكرار هذه الخطابات ، حتى قال رئيسهم عبد الله بن أبي الحصين الأزدي : PageV01P013 # يا حسين ، سنشكوك إلى الله تعالى يوم القيامة إذا لم تلب طلبنا ، وتقوم ~~لنجدة الإسلام. وكيف والحسين ذو حمية دينية ونخوة إسلامية ، والمفاسد تترى ~~أمام عينه؟ كيف لا ولا يقوم بتلبية النداء؟ وعلى هذا الوضع لبى النداء كما ~~تأمر به الشريعة الإسلامية ، فنجا العراق كما قال الشاعر : # فجشمها نحو العراق تحفه %~% مصاليت حرب من ذؤابة هاشم # قلت : ينحو نحو الشيء : قصده. والعراق : علم لأرض بابل ، القطر المعروف. ~~قال الخليل : العراق : شاطئ ms009 البحر. وسمي العراق عراقا ؛ لأنه على شاطئ دجلة ~~والفرات مدا حتى يتصل بالبحر على طوله. قال : وهو مشبه بعراق القربة ، وهو ~~الذي يثنى منها فتخرز. وقيل : سميت بذلك لاستواء أرضها حين خلت من جبال ~~تعلو وأودية تنخفض. والعراق : الاستواء في كلامهم. قال الشاعر : # سقتم إلى الحق معا وساقوا %~% سياق من ليس له عراق # قال الحموي (1): والعراق أعدل أرض الله هواء ، وأصحها مزاجا وماء ؛ ~~فلذلك كان أهل العراق هم أهل العقول الصحيحة ، والآراء الراجحة ، والشهوات ~~المحمودة ، والشمائل الظريفة ، والبراعة في كل صناعة مع اعتدال الأعضاء ، ~~واستواء الأخلاط ، وسمرة الألوان. وهم الذين أنضجتهم الأرحام فلم تخرجهم ~~بين أشقر وأصهب وأبرص ، كالذي يعتري أرحام النساء الصقالبة في الشقرة ، ولم ~~يتجاوز أرحام نسائهم في النضج إلى الحراق كالزنج والنوبة والحبشة الذين حلك ~~لونهم ، ونتن ريحهم ، وتفلفل شعرهم ، وفسدت آراؤهم وعقولهم ، فمن عداهم بين ~~خمير لم ينضج ، ومجاوز للقدر حتى خرج عن الاعتدال. قال : وأقليم بابل موضع ~~التميمة من العقل ، وواسطة القلادة ، ومكان اللبة من المرأة الحسناء ، ~~والمحة من البيضة ، والنقطة من (البركار). ولقد أكثر الشعراء في مدح العراق ~~، قال بعضهم : # إلى الله أشكو عبرة قد أظلت %~% ونفسا إذا ما عزها الشوق ذلت تحن إلى أرض العراق ودونها %~% تنايف لو تسري بها الريح ضلت PageV01P014 # وذكر المسعودي في مروجه (1) قال : ذكر ذوو الدراية أن عمر بن الخطاب (رض) ~~حين فتح الله البلاد على المسلمين من العراق والشام ومصر وغير ذلك من الأرض ~~، كتب إلى حكيم من حكماء العصر : إنا أناس عرب ، وقد فتح الله علينا البلاد ~~، ونريد أن نتبوأ الأرض ، ونسكن البلاد والأمصار ، فصف لي المدن وأهويتها ~~ومساكنها ، وما تؤثره الترب والأهوية في سكانها. فكتب إليه ذلك الحكيم عن ~~وصف الأقطار ، وأعطى كل قطر صفته ، كالشام ومصر ، واليمن والحجاز ، والمغرب ~~وخراسان ، وفارس والجبال ، وخوزستان والبر ، ووصف له العراق فقال : وأما ~~العراق ، فمنار الشرق وسرة الأرض ، وقلبها إذا تحادرت المياه ، وبه اتصلت ~~النضارة ، وعنه وقف الاعتدال ؛ فصفت أمزجة أهله ، ولطفت أذهانهم ، واحتدت ~~خواطرهم ، واتصلت مسراتهم ؛ فظهر منهم ms010 الدهاء ، وقويت عقولهم ، وثبتت ~~بصائرهم. وقلب الأرض العراق ، وهو المجتبى من قديم الزمان ، وهو مفتاح ~~الشرق ، ومسلك النور ، ومسرح العينين ، ومدنه المدائن وما والاها ، ولأهله ~~أعدل الألوان ، وأنقى الروائح ، وأفضل الأمزجة ، وأطوع القرائح ، وفيهم ~~جوامع الفضائل ، وفوائد المبرات ، وفضائله كثيرة ؛ لصفاء جوه ، وطيب نسيمه ~~، واعتدال تربته ، وإغداق الماء عليه ، ورفاهية العيش به. وسأل عمر (رض) ~~كعب الأحبار عن العراق ، فقال : إن الله لما خلق الأشياء ألحق كل شيء بشيء ~~، فقال العقل : أنا لاحق بالعراق ، فقال العلم : وأنا معك. فقال المال وأنا ~~لاحق بالشام ، فقالت الفتن : وأنا معك. فقال الخصب : وأنا لاحق بمصر ، فقال ~~الذل وأنا معك. فقال الفقر : وأنا لاحق بالحجاز ، فقالت القناعة : وأنا ~~معك. فقال الشقاء : وأنا لاحق بالبوادي ، فقالت الصحة : وأنا معك. وقال ~~المسعودي (2) أيضا : وأوسط الأقاليم إقليم بابل ، وقد كان هذا الإقليم عند ~~ملوك الفرس جليلا ، وقدره عظيما ، وكانت عنايتهم إليه مصروفة ، وكانوا ~~يشتون بالعراق ، وأكثرهم PageV01P015 # يصيفون بالجبال ، وينتقلون في الفصول إلى الصرود من الأرض والحرور. وقد ~~كان أهل المروءات في الإسلام كأبي دلف القاسم بن علي العجلي وغيره يشتون في ~~الحرور ، وهو العراق. ويصيفون في الصرود ، وهي الجبال ، وفي ذلك يقول أبو دلف : # وإني امرؤ كسروي الفعال %~% أصيف الجبال وأشتو العراقا # قال أبو القاسم الزجاجي : قال ابن الأعرابي : سمي عراقا ؛ لأنه سفل عن ~~نجد ، ودنا من البحر. والعراقان : الكوفة والبصرة. ذكر ابن حوقل (1) قال : ~~وأما العراق ، فإنه في الطول من حد تكريت إلى عبادان ، وعبادان مدينة على ~~نحر بحر فارس ، وعرضه من القادسية على الكوفة وبغداد إلى حلوان ، وعرضه ~~بنواحي واسط من سواد واسط إلى قرب الطيب. وبنواحي البصرة ، من البصرة إلى ~~حدود جبى ، والذي يطيف بحدوده من تكريت فيما يلي المشرق حتى يجوز بحدود ~~سهرورد وشهرزور ، ثم يمر على حدود حلوان ، وحدود السيروان والصيمرة ، وحدود ~~الطيب والسوس حتى ينتهي إلى حدود جبى ، ثم البحر تقويس. ويرجع على حدود ~~المغرب من وراء البصرة في البادية على سواد البصرة وبطائحها إلى واسط ، ثم ~~على سواد الكوفة وبطائحها ms011 إلى الكوفة ، ثم على ظهر الفرات إلى الأنبار ، ثم ~~من الأنبار إلى حد تكريت بين دجلة والفرات. وفي هذا الحد من البحر على ~~الأنبار إلى تكريت تقويس أيضا. # وجاء في مجلة المقتطف (2): والعراق أو ما بين النهرين من أخصب بلدان ~~المسكونة تربة ؛ فإن الفرات ودجلة يحملان إليها بفيضانهما من الطمى ~~(الأبليز) كل سنة أربعة أضعاف ما يحمله النيل إلى واديه. والمرجح أن تلك ~~البلاد بلغت أوج مجدها في عهد بني ساسان ؛ لأنهم بنوا على ما خلفته لهم ~~العصور السالفة ، فإن الترع المعروفة باسم نهروان ، وعرضها 400 قدم وعمقها ~~15 قدم ، كانت تروي كل البلاد شرقي دجلة. والترعة المسماة دجيل كانت تروي ~~كل البلاد الغربية. PageV01P016 # وكان يتفرع من الفرات أربع ترع كبيرة تروي سائر البلاد حتى قال (أمبانوس ~~مرسليانوس) الذي طاف فيها في القرن الخامس : إنها روضة غناء من طرف إلى ~~طرف. ثم دوخ العرب تلك البلاد في القرن السابع فوجدوها لا تزال في أوج ~~مجدها ، ومصروا فيها الكوفة والبصرة وواسط بدل عواصمها القديمة ، وبنوا ~~بغداد (1) فصارت دار الخلافة ، ولا تزال إلى يومنا هذا أكبر مدن العراق. ~~وفاقت بغداد عواصم الدنيا في زمن الرشيد (2) والمأمون (3). ثم انحط العراق ~~رويدا رويدا ، وأجهز عليه المغول في زمن (جنكيز خان)، والتتار في زمن ~~(تيمور لنك)، في القرن الثالث عشر ؛ فخربت كل أعمال الري العظيمة حتى لم ~~يبق منها واحد ، فزال سد نمرود من دجلة ، فهبط ماؤه 25 قدما ، وبطل جريان ~~الماء في ترعتي النهروان ودجيل (4)، وأمست ضفاف دجلة العالية قفارا قاحلة ~~، سوى التي تزرع على ماء المطر (ديم)، وخربت ضفته اليسرى فما يلي تخوم ~~العجم ، ولم تعد مياهه تنصب في البطائح والمستنقعات ، ولولا الاعتماد على ~~زرع الأرز الذي تصلح له الأرض العامرة لما بقي في البلاد زرع يذكر. ~~ومساحة`أراضي العراق 12 ميلون فدان. وإذا جادت السماء بمطرها زرعت السهول ~~على الجانبين شعيرا ؛ لأنها سهول فيحاء لا تحتاج لنمو الزرع فيه إلا إلى ~~الماء. وزد على ذلك فإن النخل ينمو في كل PageV01P017 # جزيرة العراق ، أي على ضفاف دجلة ms012 والفرات. ولا يقل عدد ما فيه منها عن ~~عشرة ملايين نخلة (1). والمواشي كثيرة في العراق ، وهي من أجود الأنواع. ~~والأرض منبسطة لا تحتاج إلى تقصيب ، وهي صفراء اللون ، وفيها كثير من الجير ~~(الكلس)؛ ولذاك يسهل إصلاحها وحرثها وتنعيمها. وتكثر الآن أنجم عرق السوس ~~، والنباتات الشائكة من الفصيلة القرنية ، وفي المستنقعات أشجار الحور ~~والصفصاف. # (الميامين): مفردها ميمون ، وهو ذو اليمن والبركة. و (الورى): أي الخلق. ~~وأبو الورى كنية الدهر. فأصحاب الحسين (عليه السلام) وأيم الحق هم ميامين ~~هذا الخلق ، والصفوة من الناس وقتئذ. وقد صحبوا الحسين (عليه السلام) في ~~سفره إلى العراق ، ولم يفارقوه حتى رزقوا الشهادة بين يديه (رضوان الله ~~عليهم). قال فيهم الأزري (قدس سره) (2): # هم الأسود ولكن الوغى أجم %~% ولا مخالب غير البيض والسمر # وقال آخر : # وإذا الجدب جاء كانوا غيوثا %~% وإذا النقع ثار ثاروا اسودا PageV01P018 وكأن الإله قال لهم في ال %~% حرب كونوا حجارة أو حديدا # وللسيد حيدر الحلي (ره): # سمة العبيد من الخشوع عليهم %~% لله أن ضمتهم الأسحار وإذا ترجلت الضحى شهدت لهم %~% بيض الصوارم أنهم أحرار # وكأن الشاعر الأندلسي عناهم بقوله : # ساروا فودعهم طرفي وأودعهم %~% قلبي فما بعدوا عني ولا قربوا هم الشموس ففي عيني إذا طلعوا %~% في القادمين وفي قلبي إذا غربوا # * * * # وقد أتى بسيره منازلا %~% حصباؤها قد فاخرت شهب السما # قلت : أتى الحسين (عليه السلام) في طريقه إلى العراق منازل مشهورة معروفة ~~محدودة. فبعضها اجتازها ولم ينزل بها ، والبعض بات بها ليلته ، وبعضها قال ~~بها ، أي (حل بها وقت القيلولة) وظعن منها إلى غيرها. وعددها كما ذكرناه في ~~(المقصورة). قال أرباب السير : ولما خرج الحسين (عليه السلام) من مكة ~~اعترضه يحيى بن سعيد (1) بن العاص ومعه جماعة كان قد أرسلهم أخوه عمرو بن ~~سعيد بن العاص الأشدق ، فقالوا له : انصرف وإلا منعناك. فأبى عليهم الحسين ~~(عليه السلام) ومضى. قال : وتدافع الفريقان ، واضطربوا بالسياط ، وامتنع ~~الحسين (عليه السلام) وأصحابه امتناعا قويا. وذكر الطبري (2)، عن أبي مخنف ~~قال : حدثني الحارث بن كعب الوالبي ، عن علي ms013 بن الحسين بن علي بن أبي طالب ~~(عليه السلام) قال : لما خرجنا من مكة كتب عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ~~(عليه السلام) إلى الحسين بن علي مع ابنيه عون ومحمد (3): أما بعد ، فإني ~~أسألك بالله لما انصرفت عن هذا الوجه حين تنظر في كتابي هذا ؛ فإني PageV01P019 # مشفق عليك من الوجه الذي توجهت له أن يكون فيه هلاكك ، واستئصال أهل ~~بيتك. إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض ؛ فإنك علم المهتدين ، ورجاء المؤمنين ، ~~فلا تعجل بالمسير فإني آثر الكتاب ، والسلام. قال : وقام عبد الله بن جعفر ~~إلى عمرو بن سعيد بن العاص فكلمه ، وقال : اكتب إلى الحسين (عليه السلام) ~~كتابا تجعل فيه الأمان ، وتمنيه فيه البر والصلة ، وتوثق له في كتابك ، ~~وتسأله الرجوع ؛ لعله يطمئن إلى ذلك فيرجع. فقال له عمرو : اكتب ما شئت ~~وائتني به حتى أختمه. فكتب عبد الله بن جعفر الكتاب ثم أتى به عمرو ، وقال ~~: اختمه وابعث به مع أخيك يحيى ؛ فإنه أحرى أن تطمئن نفسه إليه ، ويعلم أنه ~~الجد منك. ففعل. قال : فلحقه يحيى وعبد الله بن جعفر ، ثم انصرفا بعد أن ~~أقرأه يحيى الكتاب. فقالا : أقرأناه الكتاب وجهدنا به ، فكان مما اعتذر به ~~إلينا أن قال : «إني رأيت رؤيا فيها رسول الله ، وأمرت فيها بأمر أنا ماض ~~له علي كان أولى». فقالا له : وما تلك الرؤيا؟ قال : «ما حدثت أحدا بها ، ~~وما أنا محدث بها حتى ألقى ربي». قال : وكان كتاب عمرو بن سعيد إلى الحسين ~~بن علي ما نصه : بسم الله الرحمن الرحيم. من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن ~~علي بن أبي طالب. أما بعد ، فإني أسأل الله أن يصرفك عما يوبقك ، وأن يهديك ~~لما يرشدك. بلغني أنك قد توجهت إلى العراق ، وإني أعيذك بالله من الشقاق ؛ ~~فإني أخاف عليك فيه الهلاك. وقد بعثت إليك عبد الله بن جعفر ويحيى بن سعيد ~~فأقبل إلي معهما ؛ فإن لك عندي الأمان والصلة ، والبر وحسن الجوار. لك الله ~~علي بذلك شهيد وكفيل ، ومراع ووكيل ، والسلام ms014 عليك. قال : فكتب إليه الحسين ~~(عليه السلام): «أما بعد ، فإنه لم يشاقق الله ورسوله من دعا إلى الله (عز ~~وجل) وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين. وقد دعوت إلى الأمان والبر والصلة ~~، فخير الأمان أمان الله ، ولن يؤمن الله يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا ~~، فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا أمانه في يوم القيامة ، فإن كنت ~~نويت بالكتاب صلتي وبري ، فجزيت خيرا في الدنيا والآخرة ، والسلام». ثم إن ~~الحسين (عليه السلام) جد بسيره حتى انتهى إلى بستان بن عامر ، وهو أول منزل ~~لمن يفصل من مكة المكرمة على هذا الطريق. PageV01P020 فالمنزل الأول بستان ابن عا %~% مر وللتنعيم مسرعا أتى # لما فصل الحسين (عليه السلام) من مكة المعظمة (زاد الله شرفها وتعظيمها) ~~كان أول منزل مر به هو (بستان ابن عامر)، وقيل : بستان ابن معمر. ذكر ~~الحموي (1) في معجمه قال : بستان بن معمر : مجتمع النخلتين ؛ النخلة ~~اليمانية ، والنخلة الشامية ، وهما واديان. والعامة يسمونه بستان ابن عامر ~~، وهو غلط. قال الأصمعي وأبو عبيدة وغيرهما : بستان بن عامر إنما هو لعمر ~~بن عبيد الله بن معمر بن عثمان بن عمرو بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي ~~بن غالب. ولكن الناس غلطوا ، فقالوا : بستان ابن عامر ، وبستان بنى عامر ، ~~وإنما هو بستان بن معمر. وقوم يقولون : نسب إلى حضرمي بن عامر ، وآخرون ~~يقولون : نسب إلى عبد الله بن عامر بن كريز ، وكل ذلك ظن وترجيم. وذكر أبو ~~محمد عبد الله بن محمد البطليوسي في شرح كتاب (أدب الكاتب)، فقال : وقال ~~يعني ابن قتيبة (2): ويقولون بستان ابن عامر ، وإنما هو بستان ابن معمر. ~~وقال البطليوسي : بستان ابن معمر غير بستان ابن عامر ، وليس أحدهما الآخر ؛ ~~فأما بستان ابن معمر فهو الذي يعرف ببطن نخلة ، وابن معمر هو عمر بن عبيد ~~الله بن معمر التيمي ؛ وأما بستان ابن عامر فهو موضع آخر قريب من الجحفة ، ~~وابن عامر هذا هو عبد الله بن عامر بن كريز ، استعمله عثمان على البصرة ms015 ، ~~وكان لا يعالج أرضا إلا أنبط بها الماء. ويقال : إن أباه أتى به النبي (صلى ~~الله عليه وآله)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنه لمسقي». ~~فكان لا يعالج أرضا إلا أنبط فيها الماء. وقال الأزرقي (3): فإن بستان ابن ~~معمر في ملتقى النخلتين الشامية واليمانية ؛ أما البستان القريب من مزدلفة ~~فهو بستان ابن عامر ، يتصل بثنية ابن كريز ، ويسمى (ذو النخيل). قلت : مر ~~الحسين (عليه السلام) بظعنه مجدا حتى وافى التنعيم. PageV01P021 # (التنعيم): بفتح ثم السكون وكسر العين المهملة وياء ساكنة وميم ، موضع ~~في الحل ، وهو بين مكة وسرف (1) على فرسخين من مكة. وقيل : على أربعة ~~فراسخ. وقال عبد المؤمن مفتي الحنابلة بالشيرية : لا خلاف بين الناس أنه ~~على ثلاثة أميال من مكة ، وهو أقرب أطراف الحل إلى البيت. وسمي بذلك ؛ لأن ~~جبلا عن يمينه يقال له : نعيم ، وآخر عن شماله يقال له : ناعم ، والوادي ~~نعمان. وبالتنعيم مساجد وسقايا ، ومنه يحرم المكيون بالعمرة ، وكان على ~~نعيم وناعم علمان قديمان. قال الفاسي ، بعد أن ذكر أنصاب الحرم : وإن نصبها ~~إسماعيل ، ثم عدنان بن أد ، ثم نصبها محمد المهدي العباسي ، وفي خلافة ~~الراضي العباسي عمر العلمان الكبيران اللذان في جهة التنعيم بالأرض لا ~~بالجبال ، وذلك سنة 325 ه (2). وذكره النميري بشعره قال : # فلم تر عيني مثل سرب رأيته %~% خرجن من التنعيم معتمرات مررن بفخ ثم رحن عشية %~% يلبين للرحمن مؤتجرات فأصبح ما بين ال3راك فحذوه %~% إلى الجذع جذع النخل والعمرات له أرج بالعنبر الغض فأغم %~% تطلع رياه من الكفرات تضوع مسكا بطن نعمان إن مشت %~% به زينب في نسوة عطرات # وقال المهلهل يرثي كليبا ، ويذكر الأنعمين (3): # بات ليلي بالأنعمين طويلا %~% أرقب النجم ساهرا أن يزولا كيف اهدى ولا يزال قتيل %~% من بني وائل ينسى قتيل (4) |لم تكلم بالجهلتين الرسوم||حادث عهد أهلها أم قديم| |سرف منزل لسلمة فالظ||هران منها منازل فالقصيم| PageV01P022 # وللأبيوردي (1) يذكر نعمان بنجدياته ، قوله : # نزلنا بنعمان الأراك وللندى %~% سقيط به ابتلت علينا المطارف فبت أعاني الوجد والركب نوم %~% وقد أخذت ms016 مني السرى والتنائف وأذكر خودا أن دعاني على النوى %~% هواها أجابته الدموع الذوارف لها في مغاني ذلك الشعب منزل %~% لئن أنكرته العين فالقلب عارف وقفت به والدمع أكثره دم %~% كأني من جفني بنعمان راعف # وذكر البكري (2) التنعيم على لفظ المصدر ؛ من نعمته تنعيما ، وهو بين مر ~~وسرف ، بينه وبين مكة فرسخان ، ومن التنعيم يحرم من أراد العمرة. وهو الذي ~~أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عبد الرحمن بن أبي بكر (رض) أن يعمر ~~منه عائشة. وإنما سمي التنعيم ؛ لأن الجبل الذي عن يمينه يقال له : ناعم ، ~~والوادي نعمان. وروى يوسف بن ماهك عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، عن ~~أبيها : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال له : «يا عبد الرحمن ، أردف ~~اختك عائشة فاعمرها من التنعيم ، فإذا هبطت بها من الأكمة فلتحرم ؛ فإنها ~~عمرة متقبلة». وفي مراصد الاطلاع (3)، قلت : لا خلاف بين الناس أنه على ~~ثلاثة أميال من مكة. وفي التنعيم قتل زيد بن الدثنة ، وصلب خبيب بعد واقعة ~~يوم الرجيع في غزاة هذيل ، وكان قد بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) ~~سرية إلى غزو هذيل. قال ابن هشام (4): وأما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان ~~بن امية ليقتله بأبيه امية بن خلف ، وبعث به صفوان بن امية مع مولى له ~~(نسطاس) إلى التنعيم ، وأخرجوه من الحرم ليقتلوه. واجتمع رهط من قريش منهم ~~أبو سفيان بن حرب ، فقال له أبو سفيان حين قدم ليقتل : أنشدك PageV01P023 # الله يا يزيد ، أتحب محمدا عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه وإنك في أهلك؟ ~~قال : والله ، ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه ~~، وإني جالس في أهلي. قال : يقول أبو سفيان : ما رأيت من الناس أحدا يحب ~~أحدا كحب أصحاب محمد محمدا. ثم قتله نسطاس (يرحمه الله). وأما خبيب : قال ~~ابن هاشم (1): قال ابن إسحاق : قال عاصم : ثم خرجوا بخبيب حتى إذا جاؤوا ~~به إلى التنعيم ليصلبوه ، قال لهم : إن رأيتم أن تدعوني حتى ms017 أركع ركعتين ~~فافعلوا. قالوا : دونك فاركع. فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما ، ثم أقبل على ~~القوم ، فقال : أما والله ، لولا أن تظنوا أني إنما طولت جزعا من القتل ~~لاستكثرت من الصلاة. قال : فكان خبيب بن عدي أول من سن هاتين الركعتين عند ~~القتل للمسلمين. قال : ثم رفعوه على خشبة ، فلما أوثقوه قال : اللهم إنا قد ~~بلغنا رسالة رسولك ، فبلغه الغداة ما يصنع بنا. ثم قال : اللهم أحصهم عددا ~~، واقتلهم بددا ، ولا تغادر منهم أحدا. ثم قتلوه (رحمه الله)، فقال الشاعر ~~في ذلك : # لعمري لقد شانت هذيل بن مدرك %~% أحاديث كانت في`خبيب وعاصم فهذا حماه الله بالنحل منهم %~% وهذا أتى من بعد بيع المغانم # والذي حماه الله هو عاصم بن ثابت بن أبي أفلح الأنصاري (رحمه الله)؛ ~~فإنه لما قتل حماه الدبر. ذكر ابن هشام قال : وكان عاصم بن ثابت يكنى أبا ~~سليمان ، ثم قاتل القوم حتى قتل وقتل صاحباه ، فلما قتل عاصم أرادت هذيل ~~أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد ، وكانت قد نذرت حين أصاب ~~ابنيها يوم احد : لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن في قحفه الخمر ، فمنعته ~~الدبر. فلما حالت بينهم وبينه الدبر قالوا : دعوه حتى يمسي فيذهب عنه ~~فنأخذه ، فبعث الله الوادي فاحتمل عاصما فذهب به. وكان عاصم قد أعطى الله ~~عهدا أن لا يمسه مشرك ، ولا يمس مشركا أبدا ، فكان عمر بن PageV01P024 # الخطاب (رض) يقول حين بلغه أن الدبر منعته : يحفظ الله العبد المؤمن ، ~~كان عاصم نذر أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا أبدا في حياته ، فمنعه الله ~~بعد وفاته كما امتنع منه في حياته (1). وفي كتاب مرآة الحرمين (2): ~~التنعيم : حد الحرم من جهة المدينة ، وهو في شمال مكة الغربي. والمسافة ~~بينه وبين باب العمرة 6148 مترا ، والطريق سهل رملي تحفه الجبال من ~~الجانبين ، وبه آبار كثيرة ، وفيه تباع المأكولات والقهوة والشاي. وقد أقيم ~~عند التنعيم علمان يفصلان الحل من الحرم ، ارتفاع كل منهما ستة أمتار ، ~~وعرضه ثلاثة ، وهما مبنيان بالحجر والملاط الجيد ، والذي بناهما ms018 محمد أو ~~أحمد بن المقتدر الراضي بالله سنة 315 ه. وبجوار هذين العلمين مسجد عائشة ~~الذي أقيم في مكان إحرامها بالعمرة بعد أن حجت مع الرسول (صلى الله عليه ~~وآله) حجة الوداع ، وطول هذا المسجد 16 مترا في عرض 15 ، وارتفاعه 4 أمتار. ~~وخلف مسجد عائشة حوض أعد لخزن المياه ، طوله 24 مترا ، وعرضه 19 مترا ، ~~وعمقه ثلاثة ، وسطحه مواز لسطح الأرض بني بالحجر والملاط الجيد ، وفي كل من ~~جهتيه الشمالية والجنوبية سلم يوصل إلى قاعة ، ويتكون من سبع درجات ، ~~وبأعلى الجهة الشرقية من الخزان حجر سطر به تاريخه ، غير أنه مقلوب الوضع. ~~وهناك صهريج كبير كان يمتلئ من السيول ، ويتوضأ منه المعتمرون ، وهذا ~~الصهريج قديم. ولما حج سنان باشا الوزير المجاهد في سنة 978 ه اعتمر من ~~التنعيم ، فرأى هذا الصهريج خاويا ، ورأى ما يعانيه المعتمرون في حمل الماء ~~من مسافات بعيدة ليشربوا منه ويتوضؤوا ، فحركته الشفقة إلى بئر قديمة هنالك ~~تبعد عن الخزان بنحو مئتي متر قد ملأها التراب ، فأمر بإصلاحها ، وأقيمت ~~هنالك ساقية ومجرى مرتفع مقدار قامة يجري الماء فيه من البئر إلى هذا ~~الصهريج الذي عمره الوزير المذكور ، وإلى الخزان السابق الذي أنشأه ، وجعل ~~للقائم بنزح المياه أجرا من ريع أوقاف له بمصر ، وذلك في سنة 981 ه. وفي ~~غربي الخزان مصلى صغير ارتفاع جدره 80 سنتيما ، وبه محراب وحجرات عن يمين ~~المحراب ، وشماله مكتوب في أحدهما حفر بالخط PageV01P025 # الكوفي تاريخ سنة 531 ه ، وما وقف عليه ، وفي ثانيهما بالحفر أيضا كتابة ~~بالخط المغربي لم أتبين رسمها. ونقلت التاريخ فإذا هو سنة 301 ه كما تبينته ~~من حضرة الأثري يوسف أفندي. # قال أرباب السير : ولما وصل الحسين (عليه السلام) بظعنه إلى التنعيم لقى ~~بها عيرا أقبل بها من اليمن ، وقد بعث بها بحير بن ريسان الحميري إلى يزيد ~~بن معاوية ، وكان عامله على اليمن ، وعلى العير الورس (1) والحلل ينطلق بها ~~إلى يزيد ، فأخذها الحسين (عليه السلام) فانطلق بها ، ثم قال لأصحاب الإبل ~~: «لا أكرهكم ؛ من أحب أن يمضي معنا إلى العراق أوفيناه كراه وأحسنا صحبته ~~، ومن أحب ms019 أن يفارقنا من مكاننا هذا أعطيناه من الكراء على قدر ما قطع من ~~الأرض». قال : فمن فارقه منهم حوسب فأوفى حقه ، ومن مضى منهم معه أعطاه ~~كراه وكساه (2). قال أرباب التاريخ : وراح الحسين يواصل السير إلى الصفاح. # ومر بالصفاح بالأهل وبا %~% لصحب ويتبع الخطى أثر الخطى # (الصفاح): بالكسر وآخره خاء مهملة ، موضع بين حنين وأنصاب الحرم على ~~يسرة الداخل إلى مكة من مشاش (3). قال الأزرقي (4): القطع أو الصفاح في ~~طريق نجد والعراق ، والأنصاب على رأس ثنية الخل منتهى الحرم. وقال ابن ~~بليهد : الصفاح في اللغة يطلق على سفح كل جبل أو كثيب صفحته ؛ فصفحته جانبه ~~، ويطلق لفظ الصفحة على جانب السيف. والموضع الذي يقال له الصفاح معروف PageV01P026 # في حدود الجبال المشرعة على واد المغمس وهي آخرها ، ويتركها قاصد مكة على ~~شماله (1). قال ابن مقبل يرثي عثمان بن عفان لما قتل : # فنعف وداع فالصفاح فمكة %~% فليس بها إلا دماء ومحرب # وحدث غالب بن عبيد الله قال : سمعت مجاهدا يذكر عن ابن عباس (رضي الله ~~عنه) قال : مر بصفاح الروحاء ستون نبيا إبلهم مخطمة بالليف ، قاصدين حج ~~البيت. قال أرباب التاريخ : وفي الصفاح لقي الفرزدق الحسين (عليه السلام) ~~خارجا من مكة. قال الفرزدق : حججت بامي سنة ستين ، فبينا أنا أسوق بعيرها ~~حين دخلت الحرم ، إذ لقيت الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) خارجا ~~من مكة مع أسيافه وأتراسه ، فقلت : لمن هذا القطار؟ فقيل : للحسين بن علي ~~بن أبي طالب (عليه السلام). قال : فأتيته وسلمت عليه ، وقلت له : أعطاك ~~الله سؤلك ، وأملك في ما تحب. بأبي أنت وامي يابن رسول الله! ما أعجلك عن ~~الحج؟ فقال : «لو لم أعجل لأخذت». ثم قال لي : «أخبرني عن الناس خلفك». ~~فقلت : الخبير سألت ؛ قلوب الناس معك وسيوفهم عليك ، والقضاء ينزل من ~~السماء ، والله يفعل ما يشاء. فقال : «صدقت ، لله الأمر من قبل ومن بعد ، ~~وكل يوم هو في شأن. إن نزل القضاء بما نحب ونرضى فنحمد الله على نعمائه ، ~~وهو المستعان على أداء الشكر ms020 ، وإن حال القضاء دون الرجاء ، فلم يبعد من ~~كان الحق بينته ، والتقوى سريرته». فقلت : أجل ، بلغك الله ما تحب ، وكفاك ~~ما تحذر. قال : وسألته عن أشياء من نذور ومناسك فأخبرني بها ، وحرك راحلته ~~وقال : «السلام عليك». ثم افترقنا. وفي ذلك يقول : # لقيت الحسين بأرض الصفاح %~% عليه اليلامق والدرق (2) # قالوا : وسار الحسين (عليه السلام) من الصفاح قاصدا وادي العتيق. PageV01P027 ثم إلى وادي العقيق بعدها %~% وافى وذات عرق هضبها علا # (العقيق): بفتح أوله وكسر ثانيه وقافين بينهما ياء مثناة من تحت. ذكر ~~ياقوت ، عن أبي منصور قال : والعرب تقول لكل مسيل ماء شقه السيل في الأرض ~~فأنهره ووسعه : عقيق. والأعقة في بلاد العرب كثيرة ؛ منها هذا العقيق الذي ~~جاء فيه : إنك بواد مبارك ، وهو الذي ببطن وادي ذي الحليفة ، وهو الذي جاء ~~فيه أنه مهل أهل العراق على ما ذكره الفقهاء في مناسكهم من ذات عرق. وهو ~~الذي ذكره الشافعي (ره) فقال : لو أهلوا من العقيق كان أحب إلي. قال في ~~المشترك : وهو اسم لعدة أودية ؛ فمنها العقيق الأعلى عند مدينة الرسول ، ~~وهو مما يلي الحرة إلى منتهى البقيع مقابر المدينة ، ومنها العقيق الأسفل ، ~~وهو أسفل من ذلك ، ومنها عقيق العارض باليمامة. والعقيق أيضا : واد يدفق ~~سيله في غور تهامة متصل بعقيق المدينة ، وهو الذي ذكره الشافعي. والعقيق ~~أيضا : بطن وادي ذي الحليفة (1). وقرئ على قصر بالعقيق : # وكم توارث هذا القصر من ملك %~% فمات والوارث الباقي على الأثر (2) # ومن الأعتقة عقيق المدينة الذي ذكره الشاعر بقوله : # إني مررت على العقيق وأهله %~% يشكون من مطر الربيع نزورا ما ضركم إن كان جعفر جاركم %~% ألا يكون عقيقكم ممطورا # وإلى هذا العقيق ينسب محمد بن جعفر بن عبد الله بن الحسين الأصغر بن علي ~~بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، المعروف بالعقيقي. له عقب ، ~~وفي ولده رياسة. ومن ولده أحمد بن علي بن محمد العقيقي ، أبو القاسم. كان PageV01P028 # من وجوه الأشراف بدمشق ، ومدحه أبو الفرج الوأواء (1)، ومات بدمشق لأربع ~~خلون من جمادي ms021 الأولى 378 ه ، ودفن بالباب الصغير. وقال صاحب حماه : ذات ~~عرق : ميقات أهل العراق ، وهي عن مكة على ثمانية وأربعين ميلا. قال في ~~العزيزي : وبين ذات عرق وغمرة ستة وعشرون ميلا (2). وقال بعض الأعراب يذكر ~~وادي العقيق : # أيا سروتي وادي العقيق سقيتما %~% حيا غضة الأنفاس طيبة الورد (3) ترويتما مج الندى وتغلغلت %~% عروقكما تحت الندى في ثرى جعد ولا يهنأن ظلاكما إن تباعدت %~% بي الدار من يرجو ظلالكما بعدي # ولأبي فرعون الشاشي (4) يخاطب بعض الحجاج : # يا خير ركب سلكوا طريقا %~% ويمموا مكة والعقيقا وأطعموا ذا الكعك والسويقا %~% والخشكنان اليابس الرقيقا (5) # وللشريف الرضي (ره) يذكر العقيق (6): # شموس قباب قد رأينا شروقها %~% فياليت شعري أين منا افولها تعالين عن بطن العقيق تيامنا %~% يقومها قصد السرى ويميلها PageV01P029 # وقال أيضا : # وهل لخشيف بالعقيق علاقة %~% بقلبي أم دانيت غير مداني وله أيضا : هل ناشد لي بعقيق اللوى %~% غزيلا مر على الركب # وللطغرائي (1) يذكر العقيق : # فيا سروتي وادي العقيق سقاكما %~% وإن لم تظلاني الغمام الرواجس # ولابن سنان الخفاجي (2) في العقيق : # يا حبذا ذات الأجارع منزلا %~% وجوارنا قبل العقيق جوارا # وللأمير شكيب أرسلان (3) يذكر العقيق : # ما بين غزلان العقيق وبانه %~% حرب بها بطل الهوى كجبانه حرب تضرم بالحضيض سعيرها %~% ولجاجها بالجزع فوق رعانه عبثت بعشاق العقيق وأوغلت %~% فدماؤهم تربى على غدرانه لم يرهبوا بأسا لقاء اسوده %~% فأبادهم حتفا لقا غزلانه يا زائرا تلك الربوع وسائرا %~% بعراصها الفيحاء في ركبانه إن تنزلن سفح العقيق فأشرفن %~% واسفح عقيق الدمع مع عقيانه وتأملن صنع الهوى بفريقه %~% فإذا رضيت فبعد ذلك عانه سبحان من خلق الفؤاد وطامه %~% أبدا على حب الحمى وحسانه # قال أهل السير : ولما اجتاز الحسين (عليه السلام) وادي العقيق ، واصل ~~سيره إلى ذات عرق. |يا أمة كفرت وفي أفواهها||القرآن فيه ضلالها ورشادها| |أعلى المنابر تعلنون بسبه||وبسيفه نصبت لكم أعوادها| |تلك الصغائن لم تزل بدرية||قتل الحسين وما خبت أحقادها| PageV01P030 # (ذات عرق): موضع مهل أهل العراق أيضا ، وهو الحد بين نجد وتهامة. وقيل : ~~عرق : جبل بطريق مكة ، ومنه ذات ms022 عرق. قال الأصمعي : ما ارتفع من بطن الرمة ~~فهو نجد إلى ثنايا ذات عرق. وعرق : هو الجبل المشرف على ذات عرق. قال ابن ~~عيينة : إني سألت أهل ذات عرق. أمتهمون أم منجدون؟ فقالوا : ما نحن بمتهمين ~~ولا منجدين. نحن أهل الغور. وكانت ذات عرق في الجاهلية بها أبيات قليلة ، ~~فلما كثر الناس تحولت. وبنى المهدي العباسي بها مسجد المحرم. ولقد وقت ~~النبي (صلى الله عليه وآله) لأهل العراق ذات عرق. وقيل : وقت لأهل البصرة ~~ذات عرق. وعن كيس بن يحيى ، عن أبيه قال : أقبل النبي (صلى الله عليه وآله) ~~حتى أشرف على بنية مسجد النجد فصلى به ، وأشرف على قرية ذات عرق ، وكان ~~يقال لها : (رهاط)، فوقفت ناقته فضرب عصاه فأنبط عينا ، فهي تسقي الآن ~~وداي النخل برهاط ، وأثر ناقته في صفا. ثم جانب العين من ذات عرق على ليلة ~~مما يلي القبلة قطاع لآل الزبير ، ولمحمد بن يوسف الجعفري. وعينهم تسمى عين ~~النبي (صلى الله عليه وآله). ودون ذات عرق بميلين ونصف مسجد للنبي (صلى ~~الله عليه وآله) وهو الميقات للإحرام ، وهو أول تهامة. سمي هذا المسجد نجدا ~~، والمسجد الذي في ذات عرق الكبير فيه المنبر ، وإلى جنب ذات عرق (الحربة) ~~سميت بعرق الجبل. فإذا صرت عند الثامن من البريد رأيت بيوت الحربة في ~~الجبل. وهناك بئر للأعراب يمنة الطريق. وأهل ذات عرق يسمون الجبل كله ذات ~~عرق (1). وذكر الأزرقي (2) قال : ذات عرق في طريق العراق ، وهي الطريق ~~التي يقال لها اليوم : (الطريق الشرقي). وذات عرق مندثرة. ويحرم الحاج من ~~(الخريبة) التي تسمى اليوم (الخريبات)، وهي بين المضيق ووادي العقيق (عقيق ~~الطائف)، وذكروا أول تهامة من قبل نجد مدارج ذات عرق. قال بعض أهل ذات PageV01P031 # عرق شعرا : # ونحن بسهب مشرف غير منجد %~% ولامتهم فالعين بالدمع تذرف (1) # وذكر محمد بن صالح بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن ~~علي بن أبي طالب (عليه السلام) ذات عرق في أبيات قالها وهو في سجن المتوكل ~~العباسي ms023 بسر من رأى ، قال (2): # ألم يحزنك يا ذلفاء أني %~% سكنت مساكن الأموات حيا وأن حمائلي ونجاد سيفي %~% علون مجدعا أشرا سنيا فقصرهن لما طلن حتى ا %~% ستوين عليه لا أمسي سويا أما والراقصات بذات عرق %~% تؤم البيت تحسبها قسيا لو أمكنني غداتئذ جلاد %~% لألفوني به سمحا سخيا # قال أبو الفرج الأصفهاني (3): ومحمد هذا حبس بسر من رأى مدة ، ثم أطلق ~~وأقام بها سنين حتى مات (رحمه الله). # وقال أبو نهشل يعاتب صديقا له بشعره ، ويذكر ذات عرق (4): # أما والراقصات بذات عرق %~% ورب البيت والركن الوثيق لقد أطلقت لي تهما أراها %~% ستحملني على مضض العقوق # وقال آخر : # كأن المطايا لم تنخ بتهامة %~% إذا صعدت من ذات عرق صدورها # ذكر الهمداني (5) قال : من بستان بن معمر إلى ذات عرق أربعة وعشرون ميلا ~~، وعرض ذات عرق أحد وعشرون جزءا وثلثا جزء. PageV01P032 # وذكر المؤرخون : أنه لما وصل الحسين (عليه السلام) بركبه ذات عرق لقيه ~~بشر بن غالب واردا من العراق ، فسأله عن أهلها ، فقال : خلفت القلوب معك ، ~~والسيوف مع بني امية. فقال الحسين (عليه السلام): «صدق أخو بني أسد. إن ~~الله يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد». وما زال (عليه السلام) يواصل سيره حتى ~~أتى (غمرة). # وغمرة مر بها ومسلح %~% ثم أفيعية فيها ما ونى # (غمرة): بفتح أوله وسكون ثانيه ، وهو منهل من مناهل الطريق ، ومنزل من ~~منازلها ، وهو فصل بين تهامة ونجد. وكان به يوم من أيامهم ، وهي التي عناها ~~الحارث بن ظالم المري بقوله : # وإني يوم غمرة غير فخر %~% تركت النهب والأسرى الرغابا # وهناك موضع يقال له : (غمرة) في الجهة الشرقية من نجد ، وهي التي عناها ~~الشمردل بن شريك بقوله : # سقى جدثا أعراق غمرة دونه %~% ببيشة ديمات الربيع هواطله وما بي حب الأرض إلا جوارها %~% صداه وقول ظن أني قائله # وهي التي عناها عمرو بن قيس المرادي بقوله : # الأ يا بيت بالعلياء بيت %~% ولولا حب أهلك ما أتيت # إلى قوله : # وحي نازلين وهم جميع %~% حذار الشر يوما قد دهيت وقد علم المعاشر ms024 غير فخر %~% بأني يوم غمرة قد مضيت فوارس من بني حجر بن عمرو %~% واخرى من بني وهب حميت متى ما يأتني يومي تجدني %~% شبعت من اللذاذة واستقيت # وهناك موضع رابع يقال له : (غمرة) في جهة خيبر على مسافة يوم أو أكثر ~~شمالا ، وتسمى (عقيلة غمرة). # وذكر في المخطوط أن وجرة بإزاء غمرة. قال الأعشى : # ظبية من ظباء وجرة أدما %~% ء تسف الكباث تحت الهدال PageV01P033 # قال الحسن الهمداني (1): ومناهل الطريق العقبة ، وسميراء ، وفيد ، ~~والنقرة ، والحاجر ، والعمق ، وأفيعية ، والمسلح ، وغمرة ، وغمرة في بلاد ~~غنى. قال الطفيل : # جنبنا من الأعراف أعراف غمرة %~% ومن هضب لبن الخيل يا بعد مجنب # قال الحسن الهمداني (2): كما إن حرش ماء لغنى كذلك الفلج ، وسمسم ، ~~وتبان ، وجدود مياه لغنى. ومن غمرة إلى ذات عرق عشرون ميلا ، وعرض غمرة ~~اثنان وعشرون جزءا. هكذا ذكره الهمداني (3). وعلى ثمانية أميال من غمرة ~~عند الحادي عشر من البريد يسرة ، وقبل البريد (أم خرمان)، ومنه يعدل أهل ~~البصرة. وهو الجبل الذي عليه علم ومنظرة ، وعنده بركة أوطاس وآبار ومنازل. ~~وأم خرمان : امرأة كانت في هذا الموضع يسمى ذلك الجبال بها. وأوطاس الذي ~~قسم النبي (صلى الله عليه وآله) عندها غنائم خيبر حين رجع من الجعرانة. ~~وعند أوطاس قصور وأبيات وحوانيت ، وبركة عن يسارها. ويقال : إن النبي (صلى ~~الله عليه وآله) كان يرضع في تلك الناحية. وثم مسجد يقال له : مسجد عائشة ، ~~بناه عبد الصمد بن علي ، فإذا انحدرت منه صرت إلى تهامة. ذكر ابن بليهد ~~(غمرة) عند ذكره (غمار) قال : هذا الاسم أي غمار يطلق على موضعين ؛ أحدهما ~~جبل محاذ بلد سميراء من الجهة الجنوبية على حدود بني أسد ، ويقال له اليوم ~~: (الغيمار)، وهو جبل أحمر شاهق إلى السماء ، وتصطاد منه الصقور ، وبه ~~مياه كثيرة ، وهناك ماءة يقال لها : غمرة. وظني أنها التي عناها زهير في ~~هذين البيتين : # رعوا ما رعوا من ظمئهم ثم أوردوا %~% غمارا تسيل بالرماح وبالدم فقضوا منايا بينهم ثم أصدروا %~% إلى كلأ مستوبل متوخم # وهي واقعة في بلاد غطفان ms025 شمالي النقرة على مسافة يوم. وقد أغزى PageV01P034 # رسول الله (صلى الله عليه وآله) عكاشة بن محصن حتى وصل غمرة ، وهي باقية ~~بهذا الاسم إلى هذا العهد (1). قلت : ولما رحل الحسين (عليه السلام) من ~~غمرة قصد مسلحا. # (مسلح): بضم الميم وسكون السين واللام. قال ابن إسحاق في غزوة بدر : ~~فلما استقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) الصفراء ، وهي قرية بين جبلين ~~، فسأل (صلى الله عليه وآله) عن جبليهما ما اسماهما ، فقالوا : هذا مسلح ، ~~وهذا مخرئ ، فكره (صلى الله عليه وآله) المرور بينهما ، فسار ذات اليمين. ~~قال المقدسي (2): من غمرة إلى مسلح ثمانية عشرة ميلا (3). ومثله ذكر ~~الحسن الهمداني (4) قال : ومن غمرة إلى مسلح سبعة عشر ميلا ، وعرض مسلح ~~اثنان وعشرون جزءا. وفي المخطوط : عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال : كان ~~(المسلح) أوله لبني سليم ، وكان الحاج ينزلون (البعث) ويسلكون أسفل المسلح ~~، بينه وبين الجهة المشرقية. وكان أول من نزل هذا الحائط عيسى بن علي ~~العباسي ، فحفر به بركة يقال لها : بركة عيسى ، وبنى هناك قصرا ، ثم ورد ~~عليه أبو جعفر المنصور فطلب منه البركة أن يهبها له ، فقال : إنها صدقة على ~~ابن السبيل ، وهي بأسفل المسلح. فلما أبى أن يهبها له استشار على بلد يحفر ~~فيه بركة ، فأشاروا عليه ببطن الوادي ، فحفر بركة تعرف ببركة (أمير ~~المؤمنين)، وقلب الطريق من البعث إلى المسلح ، فحول به القرية وعمرت. ~~فغالبة القريش لواد طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر ، ولبني ~~سليم وغيرهم. وقيل : إن المهدي طلب من عيسى ذلك. وبالمسلح قصر ومسجد ، وبه ~~بركة مربعة لها مصفاة وسط الطريق ، وتعرف بمسرور الخادم حيال القصر ، وبئر ~~من آبار السلطان حلوة الماء ، ومن قلب الأعراب عشرون قليبا ، وبئر حفرت في ~~خلافة المتوكل العباسي تعرف ببئر المعلى إلى جانب البركة التي لمسرور ، وبين PageV01P035 # أفيعية ، وغمرة طريق يختصره من لا يريد المسلح ، يعدل من غمرة على أحد ~~عشر ميلا عند الميل المكتوب عليه أربعة من البريد ، وعلى ستة أميال من ~~المسلح ، ويخرج ms026 عند الميل الذي عليه خمسة من البريد ، قبل المسلح خمسة ~~أميال يسقط من الطريق ثلاثة أميال. وعلى تسعة أميال من المسلح يمنة عن ~~الطريق بركة يقال لها : (المعتق)، وتدعى بركة عواذل وآكام صغار. فالحسين ~~(عليه السلام) قطع في طريقة إلى العراق من المسلح إلى الأفيعية أحد هذين ~~الطريقين حتى وصل الافيعية. # (افيعية): بالضم ثم الفتح والعين المهملة ، وهي منهل لسليم من أعمال ~~المدينة في الطريق النجدي إلى مكة من الكوفة. حدث عبد الله بن عمرو ، عن ~~يعقوب بن حذيفة السلمي قال : سميت الافيعية لكثرة حياتها الأفاعي. قال : ~~وبها بركة مربعة تعرف ببركة (الوادي)، وبركة مدورة وهي أعلى الجبل على ~~مقدار ميل إلى المنزل تسمى بركة (هرار)، ولها مصفاة. وبالافيعية آبار ~~لجماعة ، وهي غليظة الماء ؛ فالحسين (عليه السلام) تابع سيره من الافيعية ~~هذه إلى معدن بني سليم. # وبعدها جاء لمعدن الذي %~% قيل إلى بني سليم ينتمي # (معدن بني سليم): بفتح الميم وسكون العين. يقال له : معدن فران ، ومعدن ~~بني سليم ، وهو منسوب إلى فران بن بلى بن عمرو بن الخفاف بن قضاعة. نزلت ~~على بني سليم فدخلوا فيهم وصاروا منهم ، فكان يقال لهم : بنو القين. فلذلك ~~قال خفاف بن عمرو : # متى كان للقينين قين طمية %~% وقين بلي معدن بفران! # وقال حاتم بن رباب السلمي : # أتحسب نجدا ما فران إليكم %~% ليهنك في الدنيا بنجد لجاهل أفي كل عام يضربون وجوهكم %~% على كل نهب وجهته الكوامل # أراد أنك لجاهل إذا تحسب ماء فران نجدا ، وهنا قصر ماء وهو ممدود ضرورة. ~~ومن معدن إلى السليلية ستة وعشرون ميلا ، وبني سليم هم الذين خاطبهم العباس ~~بن مرداس لما انصرف من مكة ، فقال : يا بني سليم ، إني رأيت PageV01P036 # أمرا وسيكون خيرا ؛ رأيت بني عبد المطلب كأن قدودهم الرماح الردينية (1) ~~، وكأن وجوههم بدور الدجنة ، وكأن عمائمهم فوق الرجال ألوية ، وكأن منطقهم ~~مطر الوبل على المحل. وإن الله إذا أراد ثمرا غرس له غرسا ، وإن اولئك غرس ~~الله فترقبوا ثمرته ، وتوكفوا غيثه (2)، وتفيؤوا ظلاله ، واستبشروا بنعمة ~~الله عليكم ms027. ويقال له اليوم : مهد الذهب قريب من سايه الذي لبني سليم أيضا. ~~قال في المخطوط : وفي معدن بني سليم قصر ومسجد ، وبه بركة مدورة زبيدية ، ~~وبه آبار كثيرة قديمة وحديثة لها أسماء ، وعلى ميلين ونصف من المعدن المنزل ~~الخرب الذي يقال له : (ريان) كان الرشيد ينزله ، وبه قصور له وللقواد ~~والموالي ، وحوانيت خربة وآبار وبركة مربعة ، وعلى ميل من الريان بركة ~~ومصفاة ، ومن ريان إلى السلق سبعة أميال. والسلق : أرض مستوية ، ويقال لها ~~: الأسلاق ، وبها صخرة كبيرة كان عليها البريد الأول يقال لها : صخرة ريان. ~~وجبل من جانب الغرب ناحية يمنة الطريق مستطيل معه ، ومنه إلى جبل معترض ~~الطريق يقال له : (السويقة) (3) أقل من خمسة أميال ، فيه أقلبة ، ويهبط في ~~قاع سويقة. والعقبة التي تسمى (عقبة كراع) على أحد عشر ميلا من أفيعية ، ~~وبين العقبتين بركتان إحداهما إلى جانب الاخرى ، وهما المتعشى. وبه قصران ~~كبير وصغير ، وبئر وأبيات وحوانيت ، ودون البركتين بميل خشونة وصعوبة وهبوط ~~، وفي آخر المنزل مثل ذلك. زعم علي بن محمد أن المعدن كان به ذهب كثير ~~يستخرج في قديم الدهر ، ويحفر عليه في جبل يمنة الطريق للمصعد ، فعظمت فيه ~~المؤنة. قال علي بن محمد : وتراب البلد مخلوط بالذهب ، والذي حملهم على PageV01P037 # تركه أن المؤنة أكثر مما يخرج منه. وفي هذا المتعشى حرة يقال لها : حرة ~~بني سليم (1)، وفي حرة بني سليم (حبس سبل)، والحبس : جمعه أحباس ، فلوق ~~في الحرة تمسك الماء لو وردت عليها امة لوسعتها. وروى أبو البداح بن عاصم ، ~~عن أبيه قال : سألنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) حدثان ما قدم ، فقال : ~~«أين حبس سبل؟». فقلنا : لا ندري. فمر بنا رجل من بني سليم ، فقلت له : من ~~أين جئت؟ قال : من حبس سبل. فانحدرت به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ~~، فقلت له : زعم هذا أن أهله بحبس سبل ، فقال له : «أخرج أهلك ؛ فيوشك أن ~~يخرج منها نار تضيء أعناق الإبل منها ببصرى» (2). قال الهمداني : ومن ~~أفيعية إلى حرة بني سليم ستة ms028 وعشرون ميلا ، وعرض حرة بني سليم ثلاثة وعشرون ~~جزءا ونصف ، ومن هذا المعدن رحل الحسين بظعنه إلى عمق. # وعمق مر به وصحبه %~% تحفه كأنهم اسد الشرى # (العمق): بوزن زفر ، موضع على الطريق. قال البكري : وهذا المنهل هو واقع ~~في بلاد غطفان (3). قال ابن بليهد : وقد أخطأ الفراء بقوله إنه دون النقرة ~~، والفراء من أهل بغداد ، وعلى تحديده يكون العمق شرقا عن النقرة. وموضعه ~~الصحيح أنه بين النقرة ومعدن بني سليم ، وهو في بلاد عبد الله بن غطفان ~~معروف ، وهو في وسط أملاحها ، ولا يعد منها ؛ لأن ماءه أحسن من المياه الذي ~~حوله ، إلا ماء الوبرة كأنها أعذب منه. وعمق منهل معروف إلى هذا العهد. ~~وقال أيضا : اختلف علماء المعاجم في عمق ؛ فهذا الاسم يطلق على موضعين : ~~أحدهما في بلاد غطفان بين أملاحها ، وماؤه عذب ، والموضع الثاني في سواد ~~باهلة يقال له : عمق ، قريب منهل يقال له : لجع ، ومنهل يقال له : جفر ~~تبران. والفرق بينهما : إن الواقع في بلاد غطفان منصوب الميم ، والثاني ~~ساكنة الميم (عمق)، وهذا معروف PageV01P038 # عند جميع أهل نجد ؛ باديتها وحاضرتها (1). وقال الفرآء : وهو دون النقرة ~~، والعامة تقول : العمق بضمتين ، وهو خطأ. وبه قصر ومسجد وبئر تعرف ~~بالخضراء من عمل المنصور لا تنزح ، وبئر تعرف بالروحا من عمل البرامكة ، ~~وبئر تعرف لمحمد بن الفضل التاجر ، وبئر تعرف بأبي طاهر الزبيدي ، وبئر ~~السدرة ضيقة الرأس ، وبئر الحمام وذات القرنين ، واخرى تعرف ببئر العلم ، ~~وبها بركة نائية عن الطريق مربعة تعرف بنعيم. ومن العمق إلى المعدن اثنان ~~وعشرون ميلا ، والبريد السادس وأربعين قبل الصفحة بأربعة أميال ، والصفحة ~~على عشرة أميال من المعدن عند المتعشى ، وهي بركة تسمى الصفحة ، وهي صفاح ~~شروري مربعة. ويقال لهذا الموضع : بهوى ؛ واد حسن واسع على ستة أميال من ~~العمق ، يسير بين جبلين ، يسمى أحدهما شروري ، وهو الجبل الذي فيه الجن ، ~~وتسير في أرضه لينة. أنشد بعض الأعراب : # كأنها بين شروري والعمق %~% وقد كساها السير حبلا من عرق # نواحة تلوي بجلباب خلق # قالوا : زعم جعفر بن ms029 الحسين اليقطيني ، عن عيسى بن عبيد بن يقطين قال : ~~احتفر يقطين بن موسى بئر العمق من ماله ، فخرجت أعذب بئر ، فأمر له المهدي ~~بما أنفق عليها فأبى قبوله ، وأخبر أنه فعل ذلك لله (عز وجل)، فسأله ~~المهدي أن يجعل له حظا في أجرها ، فجعل له الثلث. قالوا : وليس في الطريق ~~أعذب من ماء العمق. وقبل المعدن بثلاثة أميال (يمنة) موضع يعرف ببستان ام ~~صالح ؛ وام صالح : امرأة من أهل المعدن حفرت في هذا الموضع بئرين ، وأحدثت ~~عليهما بستانا ، فاشتراه منها ابن نهيك ، ثم قبضها المهدي. وهي ناحية عن ~~الطريق ، وكان الطريق عليها فحول ؛ لأن هذا أقرب بميل (2). و (الشرى): ~~مأسدة جانب الفرات يضرب بها المثل ، ولقد اجتاز الحسين (عليه السلام) هذا ~~المنزل (العمق) إلى السليلية. PageV01P039 وواصل السير بركبه إلى %~% ماء السليلية وحاديه حدا # (السليلية): بفتح أوله وكسر ثانيه ، بها آبار عجيبة ، والماء غير واسع. ~~وقال أبو عبيدة : السليلية : ماء لبني برثن من بني أسد ، وإليه عنى جرير ~~بقوله : # أيجمع قلبه طربا إليكم %~% وهجرا بيت أهلك واجتنابا ووجدا قد طويت يكاد منه %~% ضمير القلب يلتهب التهابا سألناها الشفاء فما شفتنا %~% ومنتنا المواعد والخلابا لشتان المجاور دير أروى %~% ومن سكن السليلة والجنابا # ذكر ابن بليهد (1) قال : السليل معروف بهذا الاسم ، وهو واد واقع في بلاد ~~غطفان ، أعلاه يقال له : (السليلة)، وفيه ماءة يقال لها : (السليلة) أيضا ~~، وماؤها مر. والسليل والسليلة باقيان على اسميهما من الجاهلية إلى هذا ~~العهد. وقد اقتتلت عبس وأسد في السليل. وقال رجل من بني عمرو بن تعين : # لئن ختلت بنو عبس بريا %~% بغرته فلم نختل سويدا قلعنا رأسه بسقي سم %~% كلون الملح مذروبا حديدا فأوجرناهم منه فراحوا %~% وهم يوم السليل نعوا شهيدا # وعن روح بن حازم ، عن أبيه ، عن جده : أن جده كلم السليل بن زيد وأدركه ~~بالسليلة. وعن حازم بن قطرى ، عن أبيه حدثه أنها كانت لرجل من بني سليم ~~يقال له : السليل بن زيد بن الحرث بن ذكوان ، فسميت باسمه ، وكان أول من ~~اقتطنها. ومن السليلية ms030 إلى العمق ثمانية عشر ميلا. وبالسليلية قصر ومسجد ، ~~وهي للزبير بن العوام ، وبها بركة مربعة ، ولها مصفاة ، وللمصفاة مسيل ماء ~~، وبها من الآبار الغليظة الماء المعمولة بالحجارة المنقوشة ست آبار ، وعلى ~~أحد عشر ميلا بركة تسمى ضبة ؛ والضبة في واد يسرة عن الطريق مربعة ، وإلى ~~جانبها بئر فيه ماء كثير وبناء خرب ، وهو المتعشى. والجبل الذي قبالته يقال ~~له : ذات قرقر (2). ومن السليلية سار الحسين بمن معه إلى مغيثة. PageV01P040 وراح بالمسرى جدا قاصدا %~% مغيثة فالنقرة ثم الفضا # (مغيثة): اسم الفاعل من أغاثه يغيثه إذا أغاثه. يقال : غاث الله البلاد ~~، إذا أنزل بها الغيث. منزل في طريق مكة. # قال المقدسي : من معدن بني سليم إلى المغيثة ثلاثة وثلاثون ميلا. # قال الحموي : وكانت أولا مدينة فخربت ، وشرب أهله ماء المطر ، وهي لبني ~~نبهان ، ويقال لها : مغيثة الماوان. # ذكر ابن بليهد (1)، قال ياقوت : الجبل إلى جانب الصلعاء. وقال أيضا : ~~الصلعاء بين الحاجر والنقرة. والذي أعرفه بهذا الاسم موضعين ؛ الأولى هضبة ~~صغيرة يقال لها : الصلعاء ، تحمل هذا الاسم إلى هذا العهد ، وهي بين ماوان ~~والنقرة ، والموضع الثاني قطعة رمل منقطعة من رمال أعفرية يقال لها : ~~الصلعاء ، وهي تحمل هذا الاسم إلى هذا العهد. وجاء في المخطوط : وبها قصر ~~ومسجد ، وهي لبني محارث بن حفصة بن قيس بن غيلان ، وبها بركة ومصفاة ، وبها ~~خمسة آبار كلها مالحة، أنشد بعض الأعراب : # شربن بالماوان ماء مرا %~% وبالسليل مثله أو شرا (2) # وقال عروة بن الورد : # أقول لقوم بالكنيف تروحوا %~% عشية قلنا عند ماوان رزح # وقال امرؤ القيس : # عظيم طويل مطمئن كأنه %~% بأسفل ذي ماوان سرحة مرقب # وهناك موضع يقال له : معدن الماوان لرجل من الأعراب ، يقال له : مربع ، ~~ويقال للجبل المشرف على المعدن : سقر ، والمشرف على جبل يقال له : فرعون ، ~~وقبله بركة زبيدية مدورة يسرة الطريق ، وعلى ستة أميال من الماوان بركة ~~تسمى (الحيران)، وهي لحمار اليزيدي مدورة ، وهي بين الميل التاسع والعاشر ~~، وعندها |شربن من ماوان ماء مرا||ومن شبام مثله أو شرا| PageV01P041 # بئر رديئة وقباب وخزانة ms031 الخالصة. وموضع هذه البركة ثلثي طريق الكوفة من ~~مكة ، وخلفها بركة أخرى على عشرة أميال من الماوان تسمى (أريمة)، وهي ~~المتعشى ، وتعرف بالكواذع. وأريمة : جبل ممتد يمنة الطريق على أرجح من ميل ~~، وقبال المتعشى جبل يقال له : سنام. وسنام هذا غيره سنام الذي قرب الزبير. ~~ذكر ابن بليهد قال : سنام : أعرف ثلاثة مواضع يقال لكل واحد منها سنام ؛ ~~اثنان منها في بلاد العرب ، والثالث قلعة أحدتها المقنع الخارجي. وهي التي ~~عناها مالك بن الريب في قوله حين خرج مع سعيد بن عثمان بن عفان إلى خراسان : # تذكرني قباب الترك أهلي %~% ومبدأهم إذا نزلوا سناما وصوت حمامة بجبال كش %~% دعت من مطلع الشمس الحماما فبت لصوتها أرقا وباتت %~% بمنطقها تراجعني الكلاما # والموضعان اللذان في بلاد العرب أحدهما جبل مجاور لبلد الزبير يقال له : ~~(سنام)، وذكروا فيه أخبارا كثيرة أغلبها قريب من الخرافات. قالوا : إن ~~بجنبه ماء كثير السافي ، ولا شك أنه ماءة سفوان (1). وقال صاحب معجم ~~البلدان (2): إنه أول ماء يرده الدجال من مياه بلاد العرب. وذكروا في ~~رواية ثانية أنه سار من الحجاز حتى وقف مكانه الآن متأخما لبلد الزبير. ~~ونباته الذي فيه من نبات جبال الحجاز : القطف والأذخر والقيا ، كلها موجودة ~~فيه. وقالوا : إن ذلك الجبل طريقة وادي الرمة الذي يصب من قريب الحجاز ~~وينتهي قريب الزبير. ولكن هذه خرافات لا يتصورها العقل وقد اختصرناها. وهذا ~~الجبل قريب من الزبير ، ولم أر فيه أشعارا ، وهو أشهر الموضعين المعروفين ~~بهذا الاسم إلى هذا العهد. والجبل الثاني جبل صغير له رأس في بلاد غطفان ، ~~قريب من ماء المرير يقال له : (سنام)، هو الذي قال فيه شاعر من غطفان : # شربن من ماوان ماء مرا %~% ومن سنام مثله أو شرا # وللصمة بن عبد الله العشيري قالها وهو مريض في طبرستان ، ومات بعدها هناك : PageV01P042 أحقا عباد الله أن لست رائيا %~% سنام الحمى أخرى الليالى الغوابر كأن فؤادى من تذكره الحمى %~% وأهل الحمى يهفو به ريش طائر # وهذا الجبل من الحميين ؛ حمى الربذة وحمى ضربة ms032 ، وبعد أريمة بنحو من ~~أربعة أميال قباب خربة ، ودونها بئر ردية ، ووراء ذلك أحسا (1) بموضع يقال ~~له : (الأمعر)، وقبل الربذة بميل بركة ناحية عن الطريق ، وجاء الحسين ~~(عليه السلام) بركبه إلى مغيثة الماوان ، ثم غادرها إلى النقرة. # (النقرة) أو معدن النقرة على ما ذكرها المقدسي : بفتح النون وسكون القاف ~~، ورواها الزهري : بفتح النون وكسر القاف. قال الأعرابي : كل أرض منصبة في ~~وهدة فهي النقرة ، وبها سميت النقرة بطريق مكة التي يقال لها : معدن النقرة ~~(2). قال أبو عبد الله السكوني : النقرة : ضبطه ابن أخي الشافعي بكسر ~~القاف ، بطريق مكة`، يجيء المصعد إلى مكة من الحاجر إليه ، وفيه بركة وثلاث ~~آبار ؛ بئر تعرف بالمهدي (3)، وبئران تعرفان بالرشيد ، وآبار صغار للأعراب ~~تنزح عند كثرة الناس. وماؤهن عذب ، ورشاؤهن ثلاثون ذراعا ، وبها حصن وماء ~~ضعيف وموضع وحش ، هكذا ذكره المقدسي ، وعندها مفترق الطريق ؛ فمن أراد مكة ~~نزل المغيثة ، ومن أراد المدينة أخذ نحو العسيلة فنزلها. قال أبو المسور : # فصبحت معدن سوق النقره %~% وما بأيديها تحس فتره في روحة موصولة ببكره %~% من بين حرف بازل وبكره # قال أبو زياد : في بلادهم نقرتان لبني فزاره بينهما ميل (4). وذكر ابن ~~بليهد قال : PageV01P043 # النقرة أقرب ما يكون لها من المناهل الحاجر المشهور بهذا الاسم من العهد ~~الجاهلي إلى هذا العهد (1). وفي المخطوط ، عن سنان المازني مازن فزارة عن ~~أبيه ، عن جده : إن النقرة ألح عليها النقرين ، أنه حفر فيها قليبا في زمان ~~عطش في صفا ، دل عليها مهندس فنقرت في الصفا حتى أدرك ماءها ؛ فسميت ~~النقرة. وكانت إذ ذاك لبني فزارة ، ثم لبطن منهم يقال لها : ربيعة بن عدي ~~بن فزارة ؛ فأما اليوم فباديها لهم وحاضرها لقريش والنجار. وقال في ذلك ~~سويد العبسي : # قد علمت خود تحل الأبرقا %~% والنقرتين والقصيم والنقا # إنا نداوي بالسيوف الأحمقا # وعن هاشم بن محمد ، عن أبيه قال : سمي ذو نقرة بنقرين بن جنادة ؛ احتفرها ~~فنسبت إليه ، وأخوه الرمة بن جنادة نسبت إليه بطن الرمة. ومن النقرة إلى ~~مغيثة الماوان سبعة وعشرون ميلا. وبالنقرة ms033 قصر ومسجد وبركتان وآبار ، وبها ~~ثمانية أعلام ؛ علمان للدخول ، وعلمان للخروج ، وعلمان لطريق البصرة ، ~~وعلمان لطريق المدينة ، وعلى ثمانية أميال منها بئر طيبة الماء وآبار مدفنة ~~يسرة ، عندها قباب حضرتها خالصة بين الميل الثالث والرابع ، وإذا سال ~~الوادي دخلها. وعلى اثني عشر ميلا منها بركة تدعى (السمط)، وجبل أسود فيه ~~بياض ، وعند البريد قبر رجل من أهل الكوفة يدعى (اليزيدي)، وعلى ثلاثة عشر ~~ميلا من النقرة بركة تقع عن يمين الطريق عند الجبل والقصر تسمى (الأقحوانة) ~~، وهي المتعشى. وعند البريد بئران فيهما ماء غليظ ، وبعدها بأربعة أميال ~~بركة الماوان في الوادي عند المتعشى ، وقصر ومسجد يسرة الوادي يقال له : ~~(بنج)، والماوان جبل يسرة ، وبقرب العلمين في مواضع أحسا صالحة الماء ، ~~ومن الطريق يسرة منابت طرفا ، وعلى سبعة أميال من المغيثة بركة مدورة خراب ~~يسرة (2). وذكر الرحالة ابن جبير قال : ثم نزلنا يوم الأربعاء خامس رحيلنا PageV01P044 # بموضع يعرف بالنقرة ، وفيها آبار ومصانع كالصهاريج العظام ، وجدنا أحدها ~~مملوءا بماء المطر فعم جميع المحلة ، ولم ينضب على كثرة الاستماحة. قلت : ~~ومنها سار الحسين (عليه السلام) مجدا بسيره حتى وافى الحاجر. # والحاجر المعروف منه سير ال %~% رسول قيسا ذاك رائد الهدى # (الحاجر): بالجيم والراء ، وهو لغة عند العرب ، ما يمسك الماء من شفة ~~الوادي ، وكذلك الحاجور ، وهو فاعل ؛ موضع قرب معدن النقرة للقادم من ~~العراق. وقال : دون فيد حاجر ، يروى عن كعب بن زهير بن أبي سلمى ، عن أبيه ~~، عن جده أن الحاجر كان اسمه (المنيفة)، وأنه كان لغنى (1) فغلب عليه ~~الحاجر ، وإنما سمته الحاجر غطفان منذ كان في أيام الجاهلية. وقال في ذلك ~~الرجل من بني عبد الله بن عفان يقال له : (سليل بن الحرث): كانت له امرأة ~~من بني سحيم بن عبد الله ، فكأنهم اتهموه أن يكون سب أصهاره فاعتذر من ذلك ~~بقوله : # فمن يذكر بلاد بني سحيم %~% بمقلية فلست لمن قلاها هم منعوا المنيفة من علي %~% وحاجرها وهم أحموا حماها # وذكر ابن بليهد الحاجر قال : خرج وائل بن صريم اليشكري من ms034 اليمامة فقتلته ~~بنو أسيد بن عمرو بن تميم ، وكانوا أخذوه أسيرا ، فجعلوا يغمسونه في الركية ~~ويقولون : # يا أيها الماتح دلوي دونكا %~% إني رأيت الناس يحمدونكا # حتى قتلوه ، ثم غزاهم أخوه باعث بن صريم يوم حاجر ، وهو موضع بديارهم ~~فقتل منهم مئة ، وقال : # سائل اسيد هل ثأرت بوائل %~% أم هل أتيتهم بأمر مبرم إذ أرسلوني ماتحا لدلائهم %~% فملأتهن إلى العراقي بالدم PageV01P045 # ويدل على أن حاجر المزينة قول زهير بن أبي سلمى ، أو لابنه ضرغام : # إني حلفت برب مكة صادقا %~% لولا الحياء ونسوة بالحاجر لكسوت عقبة حلة مشهورة %~% ترد المدائن من كلام عائر # وبالحاجر قتل حصن بن حذيفة بن بدر ؛ وذاك أنه خرج في غزى من فزارة ~~فالتقوا في هذا الموضع مع غزى من بني عامر التقاطا ، فانهزمت بنو عامر ~~وقتلت قتلا ذريعا ، وشد كرز العقيلي عن حصن رئيس بني فزارة فقتله ، وقال ~~شاعرهم : # يا كرز إنك قد فتكت بفارس %~% بطل إذا هاب الكماة مجرب # وقال عيينة بن حصن هذا : قد نهى عمر بن الخطاب (رض) أن يدخل العلوج ~~المدينة ، وقال : كأني برجل منهم قد طعنك هنا ، ووضع يده تحت سرته ، وهو ~~الموضع الذي طعن فيه ، فلما طعنه أبو لؤلؤة (لعنه الله) قال : إن بين ~~النقرة والحاجر لرأيا. قال ابن بليهد : حاجر : منهل ماء أعرفه إلى هذا ~~العهد ، قريب النقرة التي بها المعدن المشهور ، وهو يحمل هذا الاسم إلى هذا ~~العهد (1). # وذكر ابن سنان الخفاجي الحاجر بشعره ، فقال في صباه : # تروح بنجد تغصب الذئب زاده %~% وقومك بالروحاء في المنزل الرحب وما ذاك إلا نفحة حاجرية %~% هويت لها عيش الأعاريب والجدب # وقوله أيضا بذكر الحاجر : # ماذا على الناقة من غرامه %~% لو أنه أنصف أو رثى لها أراد أن تشرب ماء حاجر %~% أريها يطلب أم كلالها فعللوها بحديث حاجر %~% ولتصنع الفلاة ما بدا لها # ولابن الخياط يذكر الحاجر : # ألا حبذا عهد الكثيب وناعم %~% من العيش مجرور الذيول لبسناه ولله واد دون ميثاء حاجر %~% تصح إذا اعتل النسيم خزاماه PageV01P046 # ولفضيلة السيد عباس شبر قاضي لواء ms035 العمارة اليوم ، يذكر الحاجر : # حجر الكرى تذكار حاجر %~% عن مقلتي والذكر حاجر أو ترتجي الغمض الجفو %~% ن وتبتغي النوم المحاجر # ولعبد المحسن الكاظمي (ره) يذكر الحاجر : # كم بالقبيبات على حاجر %~% من قمر باد ومن حاضر # إلى قوله : # فدى لعينيك عيون المها %~% من رمل نجران إلى حاجر # حدث عبد الله بن أبي سعيد الوراق قال : حدثني علي بن محمد بن سليمان ~~الهاشمي قال : حدثني أبي قال : نزلنا النابغة وهو غلام لم يبلغ الحلم مع ~~عمه ، الحاجر ، وهو ماء لنمر جاهلي على طريق الكوفة ، فأخذ عمه يسقي إبله ~~ومضى النابغة بفخ ينصبه لقنابير رآهن ، والفخ عليه حبا ، فأقبلن يجسن ~~فيلقطن ما حول الفخ ، ويهبن الفخ فلا يدنون منه ، فقال : # قاتلكن الله من قنابر %~% مهذبات في الفلا نوافر فلا سقيتن بغيث ماطر %~% ولا رعيتن بصوب الحاجر # وقال علي بن محمد الشاعر : # أقول لصاحبي والعيس تسري %~% بنا بين المنيفة والغمار (1) تمتع من شميم عرار نجد %~% فما بعد العشية من عرار (2) وبين قفارها تقف المطايا %~% فإن العيس تحبس بالقفار |فما عن قلى سلمى ولا بغضي الملا||ولا العبد من وادي الغمار تمار| |رعوا ما رعوا من ظمئهم ثم أوردوا||غمارا تسيل بالرماح وبالدم| |أشاقتك البوارق والجنوب||ومن علوى الرياح لها هبوب| |أتتك بنفحة من ريح نجد||تضوع والعرار بها مشوب| PageV01P047 # وجاء في المخطوط : ومن الحاجر إلى النقرة سبعة وعشرون ميلا ونصف ، وطريق ~~العشيرة يعدل المنحدر من الحاجر يمنة حتى يخرج إلى الأجفر ، وإن أحب أن ~~يدخل فيدا خرج من البريد الذي قبل فيد بستة أميال. وبالحاجر بركة مربعة ~~يمنة عن الطريق على ميل من المنزل ، وبئران يعرفان بالمهديين من آبار ~~المهدي عليهما حوض ، وبئران يعرفان بالحرشى ، وبئران يعرفان برماح ، وبئر ~~تعرف بالضربة ، وحسى وطوى يعرف بالصيري ، وبئر بحضرة الحصن يعرف بالمثلثة ~~ضيقة الرأس ، وبئر يعرف بالكرادية وبها سوى ذلك من الأحسا المطوية مما أحدث ~~في خلافة المتوكل ثلثة أحسا. ومن الأحسا التي غير مطوية مئة حسا ، وآبار ~~قريبة الماء ، والوادي الذي يسبق الحاجر بطن رمة ms036 في طريق المدينة ، وهو ~~أيضا يخرج إلى قريب النباح ، ومن حفر فيه ذراعين وجد الماء ، والبريد ~~الخارج يقال له بريد (أكمة المسرف)، والمسرف بموضع يقال له (القاطة)، ~~وبها قباب دارسة وخزانة يمنة الطريق لخالصة ، وبعد الحاجر بميلين أكمة يقال ~~لها (أكمة العشرق). كان عندها البريد السادس والثلاثون لحاج بغداد (1). ~~ومن هذا الحاجر سير الحسين (عليه السلام) رسوله قيس بن مسهر الصيداوي (2) ~~بكتاب إلى أهل الكوفة. وفي رواية بعث أخاه من الرضاعة عبد الله بن يقطر (3) ~~، ولم يأته آنذاك خبر مقتل مسلم بن عقيل (ابن عمه) وقتئذ ، وأكثر أرباب ~~السير ينصون على أن الذي أرسله الحسين (عليه السلام) من الحاجر إلى أهل ~~الكوفة هو قيس بن مسهر الصيداوي ، وكتب معه كتابا يقول فيه : «بسم الله ~~الرحمن الرحيم. من الحسين بن علي بن أبي طالب إلى إخوانه من المؤمنين ~~والمسلمين ، سلام PageV01P048 # عليكم. فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد ، فإن كتاب ~~مسلم بن عقيل جاءني يخبر فيه بحسن رأيكم ، وإجماع ملئكم على نصرنا والطلب ~~بحقنا ، فسألت الله أن يحسن لنا الصنيع ، وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر. ~~وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة (يوم التروية) ~~، فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم وجدوا ؛ فإني قادم عليكم في ~~أيامي هذه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته». ذكر الشيخ المفيد (ره) (1) ~~قال : فأقبل قيس بن مسهر الصيداوي يجد السير حتى إذا انتهى إلى القادسية ~~(2)، وكان ابن زياد قد بلغه قدوم الحسين (عليه السلام) إلى |||| |||| PageV01P049 # العراق ، وقد أرسل الحصين بن نمير مدير شرطته إلى البادية ، ونظم الخيل ~~والمسالح ما بين القادسية إلى خفان (1)، وما بين القادسية إلى القطقطانية ~~(2)، وقال للناس : هذا الحسين (عليه السلام) يريد العراق. قال : وعندما ~~انتهى قيس إلى القادسية ألقى الشرطة عليه القبض وجيء به إلى الحصين بن نمير ~~فأخرج قيس الكتاب ومزقه بأسنانه ، فبعث به الحصين إلى الكوفة. ولما مثل بين ~~يدي ابن زياد سأله عن اسمه وعن الكتاب ، فقال : اسمي قيس ms037 ، والكتاب من ~~الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام). قال : لمن؟ قال : إلى جماعة من ~~أهل الكوفة. فقال له : إذا لم خرقت الكتاب؟ قال : لئلا تعلم ما فيه. فقال : ~~والله ل7 تفارقني حتى تخبرني بأسماء القوم ، أو تصعد المنبر فتسب الحسين ~~وأباه. فقال : أما القوم فلا أخبرك بأسمائهم ، وأما السب فأفعل وحاشاه . ~~فأمر بصعوده المنبر ، فلما تسنم قيس المنبر حمد الله وأثنى عليه ، وذكر ~~النبي (صلى الله عليه وآله) فصلى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، أنا رسول ~~الحسين إليكم ، وقد خلفته بموضع كذا وكذا فأجيبوه ، والحسين كما تعلمون خير ~~خلق الله ، وابن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله). ثم إنه لعن ~~عبيد الله بن زياد وأباه ، ولعن يزيد بن معاوية ، وترحم على علي (عليه ~~السلام) وأصحابه. فلما سمع ابن زياد منه ذلك صاح : أنزلوه من على المنبر. ~~فأنزلته الشرطة ، ثم أمرهم فصعدوا به فوق القصر ورموه من أعلى القصر إلى ~~الأرض فتقطع. ويروى أنه وقع على الأرض مكتوفا فتكسرت عظامه ، وكان به رمق ~~الحياة ، فجاء إليه رجل يقال له : عبد الملك بن عمير اللخمي ، فذبحه ، فقيل ~~له في ذلك ، وعيب |من المحميات الغيل غيل خفية||ترى تحت لحييه الفريس المعفرا| PageV01P050 # عليه ، فقال : أردت أن أريحه. ومن النقرة إلى الحاجر أربعة وثلاثون ميلا. ~~وذكر الرحالة ابن جبير قال : نزلنا الحاجر والماء فيه في مصانع ، وربما ~~حفروا عليه حفرا قريبة العمق يسمونها أحفارا ، واحدها حفرة ، وكنا نتخوف في ~~هذا الطريق قلة الماء ، لا سيما مع عظم هذا الجمع الأنامي ، والأنعامي ~~الذين لو وردوا البحر لأنزفوه واستقوه. وذكر الخوارزمي : أنه لما سار ~~الحسين (عليه السلام) من الحاجر انتهى إلى ماء من مياه العرب ، ولا أشك أنه ~~سميراء الذي وافاه بعد الحاجر. # وسار قاصدا سميراء ومن %~% ثم أتى توز وفيد ما عدا # (سميراء): بفتح أوله وكسر ثانيه بالمد ، وقيل بالضم ، يسمى باسم رجل من ~~عاد يقال له : (سميراء)، وهو منزل بطريق مكة بعد توز مصعدا ، وقبل الحاجر. ~~ومن سميراء إلى توز ms038 عشرين ميلا. قال السكوني : حوله جبال وآكام سود ؛ بذلك ~~سمي سميراء ، وأكثر الناس يقولونه بالقصر. وقيل : هما موضعان المقصور منها ~~هو الذي في طريق مكة ، وليس فيه إلا الفتح. وفي حديث طليحة الأسدي لما ادعى ~~النبوة أنه عسكر بسميراء هذه بالمد (1). قال مطير بن أشيم الأسدي : # ألا أيها الركبان إن أمامكم %~% سميراء ماء ريه غير مجهل رجالا مفاجير الايور كأنما %~% تساقوا الى الجارات البان أيل وإن عليها إن مررتم عليهم %~% ابيا وآباء وقيس بن نوفل # وقال مرة بن عياش الأسدي : # جلت عن سميراء الملوك وغادروا %~% بها شر قن لا يضيف ولا يقري هجين نمير طالبا ومجاهدا %~% بني كل زحاف إلى عرن القدر فلو أن هذا الحي من آل مالك %~% إذا لم اجلى عن عيالهما الخضر # قال : والذين جلوا عن سميراء هم رهط العلاء بنو حبيب بن أسامة من أسد ، ~~وصار فيها بنو حجران الذين هجاهم قبيلة من بني نضر. ومن الحاجر إلى سميراء ~~ثلاثة وثلاثون ميلا ، وثمة برك وماء واسع ومزارع ، والماء PageV01P051 # عذيبي على ما ذكره المقدسي (1)، ويسميها ابن جبير سميرة. قال : ونزلنا ~~ضحوة النهار سميرة ، وهي موضع معمور ، وفي بسيطتها شبه حصن يطيف به خلق ~~كبير مسكون ، والماء فيه في آبار كثيرة إلا إنها زعاق (2) ومستنقعات وبرك. ~~وتبايع العرب فيها مع الحاج فيما أخرجوه من لحم وسمن ولبن ، ووقع الناس على ~~قرم وعيمة (3)، فبادروا الابتياع ؛ لذلك يشقق الخام التي يستصحبونها ~~لشارات الأعراب لأنهم لم يبايعونهم إلا بها. وحدث إبراهيم بن عطارد قال : ~~سميراء لبني نصر بن معين من بني أسد. وحدث داود بن محمد بن عبد الملك بن ~~حبيب بن تمام الأسدي قال : حفر أبي بئرا بين الحويز عن يسار سميراء ، يشرب ~~منه حاج البصرة. بئر حق أهل بيته وحق عيسى بن بغيض ، وكان خاصمه فرجز ، وقال : # حفرتها في منتهى المقيل %~% في حق لامع ولا مسؤول بين حلاص وبني المهزول %~% بذلت فيها نفس ذي الحجول (4) ومقبلا وكان ذا قبول %~% إذا انتهى للحول بعد الحول (5) ضربا كضرب الروم للطبول %~% جوبا ms039 كجوب البرقع المنخول # وقال بعض الأعراب : # ترعى سميراء إلى آرامها %~% إلى الطريفات إلى أهضامها في خرق تشبع من رمرامها %~% حتى إذا ما فر من أوامها وفاض برد الماء من أجرامها %~% قام إلى حمراء من كرامها PageV01P052 بازل عام أو سديس عامها %~% كأن فوق المتن من سنامها عنقاء من طفحة أو رجامها %~% مشرفة الهادي إلى أعلامها قحم في الحبلة في أخصامها %~% غمامة بيضاء من غمامها يكتشف العقبة عن لبامها %~% وتذهب العيمة من عيامها # قال : وبسميراء قصر ومسجد ، وكانت بها آبار ؛ بئر تعرف بأم العين ، وبئر ~~تعرف بالشهباء ، واخرى تعرف بالنجدية ، واخرى تعرف بالمهدي ، واخرى تعرف ~~بحويص إلى جانب السوق. وبها من الأحسا المطوية الرؤوس داخل بالموضع المعروف ~~بالعريس حسا ، وبها بركتان ؛ أحدهما زبيدية مدورة ولها مصفاة مربعة. ومن ~~سميراء إلى المشرف أميال طوال يقال لها : (الحسنات)، وعلى سبعة أميال من ~~سميراء يمنة عن الطريق قباب ومتعشى ، وبركة يقال لها : (الحسنة)، عندها ~~آبار كثيرة ، منها بئر يقال لها : واقصة (1) لبني نعامة عذبة ، وأبيات ~~أعراب عن يسار الطريق. وبعدها بثلاثة مبارك بركة تسمى العباسية ، مدورة ، ~~قطرها خمسون ذراعا ، وعمقها عشرة أذرع ، ويقال : احتفرها رجل من بني أسد في ~~الجاهلية يسمى العباس تنسب إليه ، وبعدها بميل وادي الثلوب ، وحذاءها بئر ~~كثيرة الماء يسرة ، وعندها قصران ومتعشا. ومن عندها يرى الطمنة : الجبل ~~المربع يسرة. وهو على طريق البصرة ، وعند هذا الجبل عيون ومياه ومزارع ~~للأعراب ، ويرى هذا الجبل قريب من المعدن ، وعلى ستة عشر ميلا من سميراء ~~آبار تسمى حلوة ، عذبة الماء شبيهات بالأحسا في قرب مائهن ، وهن في بطن واد ~~يقال له : (الثلاثون)، وهي آخر جفير بني أسد. وبين كل واحدة من الآبار ما ~~يقرب من نصف ميل ؛ أحداها : بقعا ، والاخرى : قبعا ، والاخرى : الواسطة ، ~~والرابعة : حلوة ، والوادي ينبت العشير ، والمشرف ببطن البراق ، وهي آخر ~~ملك بني أسد. ذكر أرباب التاريخ : أنه لما سار الحسين (عليه السلام) من ~~الحاجر انتهى إلى ماء من مياه العرب ، فإذا عليه عبد الله بن مطيع العدوي ~~وهو نازل به. فلما ms040 رأى الحسين (عليه السلام) قام PageV01P053 # إليه ، فقال : بأبي أنت وأمي يابن رسول الله! ما أقدمك؟ واحتمله وأنزله. ~~فقال له الحسين (عليه السلام): «كان من موت معاوية ما بلغك ، فكتب إلي أهل ~~العراق يدعونني إلى أنفسهم». فقال له عبد الله : اذكرك الله يابن رسول الله ~~وحرمة الإسلام أن تنتهك. أنشدك الله في حرمة قريش. أنشدك الله في حرمة ~~العرب ؛ فوالله لئن طلبت ما في أيدي بني امية لتقتلن ، ولئن قتلوك لا ~~يهابوا بعدك أحدا أبدا. والله ، إنها لحرمة الإسلام تنتهك ، وحرمة قريش ، ~~وحرمة العرب ، فلا تفعل ولا تأت الكوفة ، ولا تعرض نفسك لبني أمية. فأبى ~~الحسين (عليه السلام) إلا أن يمضي. وكان عبيد الله بن زياد قد آمر ، فأخذ ~~ما بين واقصة إلى طريق الشام ، ثم إلى طريق البصرة ، فلا يدعون أحدا يلج ~~الكوفة ، ولا أحدا يخرج منها. وأقبل الحسين (عليه السلام) يسير حتى لقى ~~جماعة فسألهم ، فقالوا : والله ما ندري ، غير أنا لا نستطيع أن نلج ولا أن ~~نخرج. قالوا : وسار الحسين (عليه السلام) من سميراء قاصدا توز. # (توز): بالضم ثم السكون وزاي ، منزل في طريق الحاج قبل فيد للقاصد إلى ~~العراق نصف الطريق ، وهو جبل مشهور لبني أسد. قال أبو المسور : # فصبحت بالسير أهل توز %~% منزلة في القدر مثل الكوز قليلة المأدوم والمخبوز %~% شرا لعمري من بلاد الخوز # وقال راجز آخر : # يا رب جار لك بالحريز %~% بين سميراء وبين توز # حدث عبد الله بن عمرو ، عن النبراسي إبراهيم بن عطارد قال : توز لبني مرى ~~من بني أسد. ومن توز إلى سميراء خمسة عشر ميلا ونصف ، وبتوز بركتان إحداهما ~~مدورة بنتها زبيدة تعرف (بالطارفية)، والاخرى مربعة تعرف ببركة القاع ، ~~ولها مصفاة ، وبها من الآبار الكبار والأوساط تسع آبار. منها : بئر تعرف ~~(بالمهدي)، وقليب يعرف (بالمنيف)، وقليب يعرف (بالزورا)، وقليب يعرف ~~(بالبحيرة)، وبئر يعرف (بالمنجدي)، وبئر يعرف (بالأكره)، ومن الإحسا ~~المطوية الرؤوس مئة حسا. والجبل الذي بتوز يقال له : صهبان ، PageV01P054 # والذي بحذائه (ضلع الماء)، والذي مما يلي القبلة منه (مريح) وهو ms041 جبل ~~أحمر ، ويقال لموضع البركة التي بتوز : (نوطة مختار) (1)، ونوطة الطليح ~~كثيرة الظل ، ويدفع إليها واد يقال له : الحوض. وعلى ميلين من توز يسرة عن ~~الطريق ثلاثة آبار ؛ بئر يقال لها : (الخشبة) حفرها خشين الخادم مربعة ولها ~~مصفاة ، وبئرين وقصر وباب ومسجد يعرف ذلك الموضع بالراجمة ، (والراجمة) ضلع ~~عن يسار الطريق ، ويعرف أيضا (بسعة الوادي الوكار)، امرأة كانت نازلة به. ~~وبعدها بميلين يسرة عن الطريق بركة (العناية)، وهي زبيدية مدورة غليظة ~~الماء ، وعندها قليب وآبار وخزانة. وعلى ثمان أميال من توز عند الميل ~~الثالث بركة تعرف (بالحمة)، وبركة أخرى يقال لها : (قرقرة)، وهي مربعة ~~عندها بئر غليظة الماء. (والجمة): جبل أسود عن يسار الطريق وهو المتعشى ، ~~وبه قباب ومسجد ، وفوق الجبل عن يمين الطريق وراء المتعشى شجر كثير (أم ~~غيلان)، وبعدها حوض يمنة الطريق وبناء خرب بناحية منه ، وقصر وبئر تعرف ~~(بجمة أمير المؤمنين)، وعلى اثنى عشر ميلا ونصف بئر عبد الله بن مالك يسمى ~~(السقيا)، كثيرة الماء ، عذبة يسرة الطريق ، ثم (المنصف): وهو موضع ~~العلمين منتصف الطريق بين الكوفة ومكة (زاد الله شرفها)، والعلمان ~~(بالدرع) دون سميراء بأربعة أميال ، ومن وراء علمي (المنصف) إلى أن يدخل ~~سميراء طريق وحش ومظلمة لا يلتقي فيه الحجاج. قالوا : فسار الحسين (عليه ~~السلام) من توز بركبه إلى فيد. # (فيد): بالفتح ثم السكون ودال مهملة. قال الزجاجي : سميت بفيد بن حام ، ~~وهو أول من نزلها ، وهي بليدة في نصف طريق مكة من الكوفة. قال البكري (2): ~~ينسب إلى حمى فيد. قال ابن الأنباري : الغالب على فيد التأنيث. PageV01P055 # قال لبيد : # مرية حلت بفيد وجاورت %~% أهل العراق فأين منك مرامها # وأنشد ابن الأعرابي ، أو الفقعسي : # سقى الله حيا بين صارة والحمى %~% حمى (فيد) صوب المدجناة المواطر # وقال الشماخ : # سرت من أعالي رحرحان وأصبحت %~% بفيد وباقي ليلها ما تحسرا # وقال المقدسي : فيد : مدينة بحصنين عامرة واسعة الماء (1)، وقال ابن ~~أيوب صاحب حماة : وفيد عن الكوفة مئة وتسعة فراسخ (2)، وقال الحموي : وهي ~~عامرة إلى الآن يودع الحجاج فيها أزوادهم ms042 ، وما يثقل من أمتعتهم عند أهلها ~~، فإذا رجعوا أخذوا أزوادهم ، ووهبوا لمن أودعوه عنده شيئا من ذلك ، وهم ~~مغوثة للحاج في مثل ذلك الموضع المنقطع. ومعيشة أهلها من ادخار العلوفة طول ~~العام إلى أن يقدم الحجاج فيبيعونه عليهم (3). قالوا : وأول من حفر فيه ~~حفرا في الإسلام أبو الديلم مولى يزيد بن عمر بن هبيرة ، فاحتفر المعين ~~التي هي اليوم قائمة وأساحها ، وغرس عليها فكانت بيده حتى قام بنو العباس ~~فقبضوها من يده ، هكذا قال السكوني. وشعر زهير وهو جاهلي يدل [على] أنه كان ~~فيها شرب ، وذلك قوله : # ثم استمروا وقالوا إن مشربكم %~% ماء بشرقي سلمى فيد أو ركك # وفيد بشرقي سلمى كما ذكر ، وسلمى جبل طيء ؛ ولذلك أقطع رسول الله (صلى ~~الله عليه وآله) زيدا فيد لأنها بأرضه. وأول أجبله على ظهر طريق الكوفة بين ~~الأجفر وفيد جبيل عنيزة ، وهو في شق بني سعد بن ثعلبة من بني أسد بن خزيمة ~~، وإلى جنبه ماءة يقال لها : PageV01P056 # الكهفة ، وماءة يقال لها : البعوضة ، وبين فيد والجبيل ستة وعشرون ميلا. ~~وقال ابن بليهد (1): فيد : شهرته تغني عن تحديده ، وهو باق باسمه إلى هذا ~~العهد ، وهو بين بلاد بني أسد وبلاد طيء ، وهو بشرقي سلمى كما ذكره زهير ~~حين قال : # (ماء بشرقي سلمى فيد أو ركك) # ذكر ابن جبير قال : وأصبحنا على فيد يوم الأحد ، وهي حصن كبير مبرج مشرف ~~في بسيط من الأرض يمتد حوله ربض يطيف به سور عتيق البنيان. وهو معمور بسكان ~~من الأعراب يتعيشون مع الحاج في التجارات والمبايعات وغير ذلك من المرافق ، ~~وهناك يترك الحاج بعض أزوادهم إعدادا للأرمال ، والزاد عند انصرافهم ، ولهم ~~بها معارف يتركون أزوادهم عندهم. وهذا نصف الطريق من بغداد إلى مكة (2) على ~~المدينة (شرفها الله)، أو أقل سيرا منها ، ومنها إلى الكوفة اثنى عشر يوما ~~في طريق سهلة طيبة ، والمياه فيها بحمد الله موجودة في مصانع كثيرة (3). ~~وذكر البكري (4): كان فيد فلاة من الأرض بين أسد وطيء في الجاهلية. فلما ~~قدم زيد الخيل على رسول ms043 الله (صلى الله عليه وآله) أقطعه فيدا ، كذلك روى ~~هشام بن الكلبي ، عن أبي مخنف في حديث فيه طول. وأول من حفر فيه حفرا في ~~الإسلام أبو الديلم مولى يزيد بن عمرو بن هبيرة ، فاحتفر العين التي هي ~~اليوم قائمة ، وأساحها وغرس عليها فكانت بيده حتى قام بنو العباس فقبضوها ~~من يده ، هكذا قال السكوني. وشعر زهير ، وهو جاهلي يدل [على] أنه كان فيها ~~شرب ، وذلك قوله : # ثم استمروا وقالوا إن مشربكم %~% ماء بشرقي سلمى فيد أو ركك PageV01P057 # وقيد بشرقي سلمى كما ذكر. وسلمى أحد جبلي طيء ؛ ولذلك أقطع رسول الله ~~(صلى الله عليه وآله) زيدا (فيدا) لأنها بأرضه. وأول أجبلة على ظهر طريق ~~الكوفة بين الأجفر وفيد جبيل عنيزة ، وهو في شق بني سعد بن ثعلبة من بني ~~أسد بن خزيمة ، وإلى جنبه ماءة يقال لها : الكهفة ، وماءة يقال لها : ~~البعوضة ، وبين فيد والجبيل ستة عشر ميلا. وقد ذكر متمم بن نويرة البعوضة ، فقال : # على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي %~% لك الويل حر الوجه أو يبك من بكى # وذكر الأصطخري (1): وليس بين المدينة والعراق منزل يستقل بالعمارة ~~والأهل جميع السنة مثل فيد. وينسب إلى فيد جماعة ، منهم : أبو محمد يحيى بن ~~ضريس الفندي ، وأبو إسحاق عيسى بن إبراهيم الفيدي. يروى عن موسى الجهني. ~~روى عنه عبد الله بن عامر بن زرارة الكوفي. وبين فيد (ووادي القرى) ست ليال ~~، وليس من دون فيد طريق إلى الشام ، وبتلك المواضع رمال لا تسلك حتى تنتهي ~~إلى (زبالة)، والعقبة على الحزن ، فربما لم يوجد فيتجنب سلوكه. وإلى فيد ~~ينسب كثير من الرجال ، وبينها وبين توز أحد وثلاثون ميلا (2). حدث عبد ~~الله بن عمرو ، عن علي بن الصباح ، عن هشام بن محمد ، عن أبيه قال : سميت ~~بفايد بن حام من بني عمليق نزلها. وحدث أبو محمد الوراق ، عن أبي حذيفة ~~مزبان بن حكيم العضبي بطن من طي قال : إنما سميت فيد ؛ لأن من حولها يستفيد ~~منها. وزعم أبو علي إسماعيل بن أبي محمد البريدي قلت ms044 : لأبي فيد مدرج بن ~~عمرو العجلي ذلك. قال : الفيد : نور الزعفران. وأخبرني بن أبي سعيد ، عن ~~عنيم بن نوابة الطائي ، عن أبيه قال : ولاة فيد من بني بنهان من بني ورد. ~~وحدث على بن حارث الموصلي قال : حدثنا أبو المنذر هاشم بن الكلبي ، أو ~~قرأته عليه ، عن أبي مخنف قال : وفد زيد PageV01P058 # الخيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فدخل المسجد والنبي (صلى ~~الله عليه وآله) يخطب ، فقال : «إني اجيركم من العمري ونبهانها ، ومما حازت ~~متاع كل مار غير بقاع ، ومن الجبل الأسود الذي تعبدونه من دون الله». فقال ~~زيد الخيل ، وكان من أجمل الرجال وأحسنهم : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك ~~رسول الله. قال (صلى الله عليه وآله): «ومن أنت؟». قال : أنا زيد الخيل بن ~~مهلهل. قال (صلى الله عليه وآله): «بل أنت زيد الخير. ما وصف لي رجل إلا ~~رأيته دون ما وصف لي غيرك ؛ فإنك فوق ما وصف لي». ثم انصرف. فقال (صلى الله ~~عليه وآله): «أي رجل إن سلم من أطام المدينة!». وكتب له كتابا ولبني نبهان ~~فوادى عبد الله بن عمر. وعن إبراهيم بن أسامة ، عن ثوابة بن سعيد المغني ~~قال : فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إني قد اقتطعتك فيدا وما ~~حازت». وكتب له الكتاب. وأخبرني عبد الله بن بشر بن علي بن الصباح ، قال ~~غالب : وقيل : لمحمد بن حبيب الفقعسي : # سقى فايدا من أجل من حل فايدا %~% إلى ذي سلامان بروق اللوامح ربيعا مريعا جاد حينا ولية %~% كأن بأيدي الممطرين المجادح! # وجاء ذكر فيد في شعر زهير بن أبي سلمى المزني بقوله من معلقته : # فلا لكان إلى وادي الغمار فلا %~% شرقي سلمى فلا فيد فلا رهم # وبفيد قصر للسلطان ، وبساتين وحصون وبعضها خربة ، ومسجد وجامع ومنبر ، ~~وبها بركة مربعة وثلاث عيون ، وآبار ليست بالعذبة ، فمن خيارها بئر يعرف ~~(بمسجد الملافينيين)، وهي بئر عبد الصمد ، وبئر الفضل بن الربيع ، وبئر ~~عمر بن فرح ، وبئر عمران بن عمر ، وبئر يعرف (بالطرخانية)، وثلاث ms045 ~~بالعلاقين ، وبئر تعرف (بوهب)، والباردة التي خارج المنزل على الطريق ~~حفرها (المهدي)، وعلى مقدار ميل من فيد على غير الطريق يسرة آبار كثيرة ~~ماؤها طيب ونخل ومزارع ، وبناء يقال له : (عزيزة). وعلى ثلاثة أميال من فيد ~~(العقيل)، وهو جبل ليس بالشاخص ، وعلى خمسة أميال ونصف من فيد ثلاث آبار ~~يعرفن (بالمكا الكبار)، وهن بموضع يقال له : (رحبة فروج) ابن حوران الأسدي ~~، ورحبة (بني محاسن وعبد الملك)، وبالميل الأول قباب (لخالصة) يقال لها : PageV01P059 # (عشب): وهو واد يقع يمنة الطريق ، وعلى أحد عشر ميلا ونصف من فيد بركة ~~وحوض وبئر لعبد الله بن عمر يسمى (العزيز)، وهو المتعشى يسرة الطريق. ~~والعريان : أكمتان سوداوان عن يسار الطريق وبرك مدورة ، وبئر كثيرة الماء ~~ليست بعذبة ، وبحذاء هذه البركة بركة أخرى يسرة الطريق. ويقال للجبل الذي ~~يمنة الطريق حيال هذه البركة (أحول)، وعن يساره جبل يقال له : (بوص)، وفي ~~هذا المبتدأ آثار ماء وأبيات للأعراب ، وعن يسار الطريق وخلفه بركة تسمى ~~(الحنظلية) على واد أعشب ، وخلفها مسجد وقباب ، وهو على تسعة أميال من توز ~~يمنة ويسرة بئران لعبد الله بن مالك يعرفان (بالوبرية)، وهن عند الميل ~~التاسع من البريد ، والأعراب يسمونها (الحفرتين)، وهما بواد يقال له : ~~(وادي البئر) التي ينسب إليها هذا الوادي ، يقال له : الثبيطا. (والثبيطا) ~~: جبل يمنة الطريق على نحو ثلاثة أميال ، ويقال لهذا الجبل المشرف على هذا ~~الموضع : (أحول). وقبل توز بأربعة أميال جبل (الأثرم) القريب منه بموضع ~~يقال له : (أبرق النعجة). قال السكوني : وبين فيد ووداي القرى ست ليال ، ~~وليس من دون فيد طريق إلى الشام. وبتلك المواضيع رمال لا تسلك حتى تنتهي ~~إلى زبالة. والعقبة على الحزن ، فربما وجد به ماء ، وربما لم يوجد فيجب ~~سلوكه. قال ابن بلهيد (1): فيد : بلد قديم جاهلي ، وهو باق على اسمه هذا ~~إلى هذا اليوم ، وينسب إلى هذا البلد محمد بن يحيى بن ضريس الفيدي ، ومحمد ~~بن جعفر بن أبي مواتية الفيدي الكوفي ، وهو عالم جليل سكن فيدا ، يروي عنه ~~موسى الجهني. روى عنه ms046 أبو عبد الله عامر بن فزارة الكوفي وغيره. وبينها ~~وبين توز أحد وثلاثون ميلا ، فحل الحسين (عليه السلام) بفيد ، ثم رحل عنها ~~وقصد الأجفر. # وحل بالأجفر وهو منزل %~% تنزله طي لوافر الكلا # (الأجفر): بضم الفاء ، جمع جفر ، وهو البئر الواسعة لم تطو ؛ موضع بين PageV01P060 # فيد والخزيمية ، بينه وبين فيد ستة وثلاثون ميلا على ما ذكره المقدسي. ~~وقال الحموي : بستة وثلاثين فرسخا. وقال الهمداني (1): ومنها إلى فيد ~~ثمانية وعشرون ميلا ، وعرض الأجفر سبع وعشرون درجة وثلث. وقال الزمخشري : ~~الأجفر : ماء لبني يربوع انتزعته منهم بنو جذيمة. وقال ابن جبر : الأجفر : ~~مشهور عندهم بموضع جميل ، وبثنية العذرين. وفي المخطوط ، عن بشر بن إبراهيم ~~بن عطارد قال : الأجفر لسعد بن سواه من بني أسد. وعن داود بن عبد الملك بن ~~حبيب بن تمام الفقسعي ، عن أبيه : إن الأجفر سميت الأجفر لحفرها وسعة قاعها ~~، وكانت فيها في كل حفرة أقلبة ، لكل بطن منها حفرة أكملت الأشياء. وسميت ~~الأجفر بعد بني مروان ، وكان اسمها في الجاهلية (السرفة)، فيها حفر لسعد ~~بن سواه ، وهي وسط البلد ، وحفرة لهم أيضا ، وحفرة لبني نصر بن معين. قال : ~~وكانت حفرة اخرى قليبا حولها فدفنوها ، والحفرة : هي الهوة يحفرون في ~~نواحيها القليبين والثلاثة. ومن الأجفر إلى فيد سبعة وعشرون ميلا طوال ، ~~وبها قصر ومسجد. وطريق العشيرة لمن أراد أن لا ينزل فيدا ، فيعدل من الأجفر ~~، وهي مصعدة يسرة فينزل (المحربة)، وبها آبار ونخل ، وبينها نحو من ثلاثين ~~ميلا. ثم يرتحل من المحربة فينزل العشيرة بها آبار عذبة وحصون ومزارع ونخل ~~، وهي لأخلاط من العرب ، وبينها نحوا من ثلاثين ميلا ، ثم يرتحل من العشيرة ~~فيسير بقية يومه وليلته ، ويأخذ ذات اليسار حتى يخرج إلى الطريق الأعظم دون ~~فيد بستة أميال عند البريد. وبالأجفر بركة مدورة قطرها خمسون ذراعا في عمق ~~ثماني أذرع ، وبها عدة آبار ؛ منها : الصادي ، والحفرة ، والمصبح ، والشبرت ~~، واللقماني ، والجهمي ، والسويدي ، والعقيلي ، والبحيري ، والدبسي ، ~~والنخعي ، والصهيبي ، والمقابلتان ، والعزوي ، والعمري ، والهديان ، ~~والمذري ، PageV01P061 # والوزيري ، والوتري ، والمسروري ، والبوصيري ، والبرمكي ، والكوكبي ، ~~والسلامي ، والعملي ms047 ، وبئر ، والقصر ، وبئر الشجرة ، والياقوتة عند النخل ~~خارج المنزل ، وهي أعذب الآبار ، وبئر الخصى. وعلى مقدار ميل ونصف من ~~الأجفر ناحية عن الطريق يسرة المصعدة آبار كثيرة ، فمن خيارها وكبارها خمس ~~آبار يعرفن بالحفايا مطوية بالحجارة من عمل المهدي ؛ بئر تعرف بالناشرية ، ~~وبئر البستان ، وبئران يعرفان بالفسيلتين. وعلى ثلاثة أميال من الأجفر يسرة ~~بئر يعرف بالحفايا أيضا ، وبعد ذلك على ستة أميال من الأجفر عادل يمنة ~~الطريق واد يسمى دعوة العقدة ، ويقال له : المئزيرة ، وهو موضع آبار ليست ~~بطيبة الماء. وعلى ستة أميال ونصف من الأجفر يمنة حوض عليه أزج معقود للماء ~~يسمى (خالصة) (1)، ويقال : إنه هروي ، وعنده بناء خرب يسرة. وعلى ثمانية ~~أميال من الأجفر بركة زبيدية يقال لها : (البله)، وعندها بئر كثيرة الماء ~~وقباب ومسجد ، والمنتصف بين وادي السلام ومكة على طريق الجلدة ، وبين الميل ~~الثاني والثالث من البريد التاسع والعشرين ، والبريد خلف البردة بميل يقال ~~له : (بريد السلم)، وخلفها بأربعة أميال ونصف على الطريق قصر ، وبناء كبير ~~وهو المتعشى عند بركة مربعة يقال لذلك الموضع : (ملك حردام)، وهو رجل داع ~~لبني أسد ، وخلفها بميلين ونصف يسرة بركة مربعة تسمى (البرمكية)، بينها ~~وبين فيد اثنى عشر ميلا ، وبحذاء البركة بئر ليس فيها ماء ، وهي على واد ~~يقال له : (سويط)، وهو يدفع ماء البركة. ومنها يرى جبلا طي ، ومنها يعدل ~~من لم يرد أن ينزل فيها فيأخذ على بطن (عوى)، وثلاثة أميال مبينة كان أبو ~~جعفر يسلكها حتى يخرج على (العرنين) عند المشرف خلف فيد باثني عشر ميلا. ~~وبعضهم يخرج على سميراء ، وهو PageV01P062 # طريق مختصر ؛ كان الأول يعرف (بالثعلبية) بعد قتل البرمكية (يميل عن ~~صحرائها له إلى الثعلبية (1)» ، تكون من البرمكية إلى الثعلبية إلى عوى ~~ثلاثة أميال ، وفيها آبار عذبة. ومن العوى إلى العرس خمسة أميال. هذا ~~الطريق أقرب بأربعة أميال ، ولكنه كثير التلال ، وعلى ستة أميال من فيد حوض ~~موسى بن عيسى عليه أزج معقود وقباب بين البريد. وقبل أن يدخل فيدا ببضعة ~~عشر ميلا تبدوا جبلا طي ms048. والبريد الثلاثون عند الحوض يقال له : (بريد ~~فهدان)، وهو بريد (الكثيل). والكثيل : جبل عن يسار الطريق. وفهدان : رجل ~~كان يوقد عنده ويغسل. وقيل : إن خالصة اشترت مئة عبد وقالت : انقلوا ~~الحجارة حتى تجعلوها من الأجفر إلى المنزل رصيفين ، فإذا فرغتم فأنتم أحرار ~~، ففعلوا ذلك ، وكان الناس يتأذون من المطر ؛ لأنه كان طينا أخضرا. فالحسين ~~(عليه السلام) كان طريقه على الأجفر هذا ، ثم واصل المسرى إلى الخزيمية. # وللخزيمية لما أن أتى %~% يوما وليلة عن المسرى ونى فحدثته زينب بما وعت %~% من هاتف لما نعى عند الدجى # (الخزيمية): بضم أوله وفتح ثانيه تصغير خزم ، منسوبة إلى خزيمة بن خازم ~~فيما أحسب. وهو منزل من مناز الحج بعد الثعلبية من الكوفة. وقيل : الخزيمية ~~بالحاء المهملة ، بينها وبين الثعلبية اثنان وثلاثون ميلا على ما ذكره ~~الحموي. وذكر ابن قتيبة (2) في باب مضار الأطعمة ومنافعها ، قال : بلغني عن ~~فتى من أهل الكتاب أنه قال : كنا في طريق مكة بالخزيمية ، فأتانا أعرابي ~~بكمأة في كساء قدر ما أطاق ، فقلنا : بكم الكمأة؟ قال : بدرهمين. ~~فاشتريناها منه ودفعنا الثمن ، فلما نهض قال بعضنا : في است المغبون عود ~~(3). قال : بل عودان. وضرب PageV01P063 # الأرض برجله فإذا نحن على الكمأة. # قال بعض الشعراء : # جنيتها تملأ كف الجاني %~% سوداء مما قد سقى السواني (1) # كأنها مدهونة بالبان (2) # وفي المخطوط : سميت بخزيمية بن خازم بما أحدث فيها من البناء ، وهي ~~المنارة والمسجد وهي لبني نهشل وأسد ، ويقال لبني مجاشع. وبينها وبين ~~الأجفر عشرون ميلا ونصف ، وبها ست آبار غليظة الماء ؛ بئر تعرف (برغوة) ~~عليها حوض ، وبئر الحمام عليها حوض ، والواثقية عليها حوض ، وبئر البستان ، ~~وبئر العروس ، والخنبثية على مقدار ميل ونصف من الخزيمية عادل عن الطريق ~~بموضع يعرف (بالمنتصفة)، وهناك قصر للخلفاء خراب كان الرشيد ربما نزله ، ~~وفيه بئر تدعى (البرود)، وقبالتها بئر أخرى مثلها بينها حوض ، وبئر أخرى ~~مثل هاتين البئرين عليها حوض ، وبئران أخريان مثلهما. ومن المنتصفة إلى مه ~~، وزرود خمسة أميال يقال لها : السفحة ، والبريد بها في تنفذ الرمل ، ومن ~~الخزيمية ms049 إليها أربعة أميال ونصف ، وزرود العتيقة التي كان الناس نزلوها ~~زمن بني أمية. وعلى مقدار ميلين من الخزيمية أيضا موضع يعرف بالقصر العتيق ~~كان أبو جعفر المنصور بناه ، وفيه بركة مربعة يكون تسعين ذراعا إلى خمس ~~وأربعين (3) وحوض. وعلى ستة أميال من الخزيمية عادل عن الطريق بئر تعرف ~~بالهاشمية عذبة ، والبريد قبل بركة عبد الله بن مالك بثلاثة أميال يقال لها ~~: سقيفة النهي ، وقبل أن يبلغ بطن الأعر يسير من الرمل أكثر من ميلين ، ~~وفيه مواضع جدد ، وهو جبل الأعر ، ودون بطن الأعر طاهر الصفرين ، والصفران ~~يدفع ماء بركة عبد الله بن PageV01P064 # مالك في بطن الأعر ، وهي مربعة لها مصفاة ، وعندها ثلاث آبار ، ماؤها عذب ~~، عليها حياض وهو المتعشى ، وبه حصن وكان هناك حوانيت يباع فيها. وعلى ميل ~~من بطن الأعر بئر تعرف بالعباسية ، ثم تنحدر العقبة على الرصيف ، وهي حجارة ~~فرش بها الطريق ؛ لكثرة الوحل إلى المنزل من عمل خالصة. والمسرف على ثلاثة ~~أميال من بطن الأعر ، وعقبة الأجفر على أربعة أميال من الأجفر ؛ حجارتها ~~مسنان الماء ، وبظهر الأعر قباب وخزانة لخالصة وآبار وبيوت خربة. وقبل ~~الأجفر بنحو من ميلين عند الرصيف بركة خالصة ، ويقال : هي للخيزران ، يمنة ~~عن الطريق مربعة. قال الخوارزمي (1): ولما نزل الحسين (عليه السلام) ~~الخزيمية أقام بها يوما وليلة ، فلما أصبح جاءت إليه اخته زينب بنت علي ~~(عليه السلام) (2)، وقالت له : PageV01P065 # يا أخي ، ألا اخبرك بشيء سمعته البارحة؟ قال لها : «وما ذاك يا أختاه؟». ~~فقالت : إني خرجت البارحة في بعض حاجة ، فسمعت هاتفا يقول : # ألا يا عين فاحتفلي بجهد %~% ومن يبكي على الشهداء بعدي على قوم تسوقهم المنايا %~% بمقدار إلى إنجاز وعد # فقال لها الحسين (عليه السلام): «يا أختاه ، كل ما قضى الله فهو كائن». ~~قالوا : وسار الحسين (عليه السلام) من الخزيمية يريد الثعلبية ، فمر في ~~طريقه بزرود. # وبعدها وافى زرود وبها %~% وافاه ناعي مسلم ينعى الحجى تنفس الحسين ثم الصعدا %~% ودمعه على ابن عمه همى # (زرود): بفتح الزاء ، والزرد : البلع. ولعلها سميت بذلك لابتلاعها ms050 الماء ~~التي تمطرها السحائب ؛ لأنها رمال. قال البكري : زرود : بفتح أوله وبالدال ~~المهملة في آخره ، وقال ابن دريد : زرود : جبل رمل ، وهو محدود في رسم عالج ~~، وفي رسم الوقيظ ، وهو 8ين ديار بني عبس وديار بني يربوع ، متصل بجدود. ~~قال أبو دؤاد : # زرود جدود خير من أراطى %~% ومن طلح اللحاء ومن أبال (1) PageV01P066 # قال ابن الكلبي ، عن الشرفي : زرود ، والشقرة ، والربذة. بنات يثرب بن ~~قانية بن مهليل بن رخام بن عبيل أخي عوض بن أرم بن سام بن نوح ، وتسمى زرود ~~العقبة ، وفي زرود بركة وقصر وحوض. قالوا : أول الرمال الشيحة ، ثم رمل ~~الشقيق ، وهي خمسة أجبل ؛ جبلا زرود ، وجبل الغر ، ومريخ وهو أشدها ، وجبل ~~الطريدة وهو أهونها حتى تبلغ جبال الحجاز. ويوم زرود من أيام العرب مشهور ~~بين بني تغلب وبني يربوع (1). ذكر النويري (2) قال : غزا الحوفزان حتى ~~انتهى إلى زرود خلف جبل من جبالها ، فأغار على نعم كثير لبني عبس فاجتازوها ~~، وأتى الصريخ لبني عبس فركبوا ، ولحق عمارة بن زياد العبسي الحوفزان فقال ~~: يا بني شريك ، قد علمتم ما بيننا وبينكم. قال الحوفزان وهو الحارث بن ~~شريك : صدقت يا عمارة ، فانظر كل شيء هو لك فخذه. فقال عمارة : لقد علمت ~~نساء بكر بن وائل إني لم أملأ أيدي أزواجهن وأبنائهن شفقة عليهن من الموت. ~~فحل عمارة النعم ليرده ، وحال الحوفزان بينه وبين النعم فعثرت بعمارة فرسه ~~فطعنه الحوفزان ، وطعنه نعامة بن عبد الله بن شريك ، وأسر ابنا عمارة ؛ ~~سنان وشداد. وكان في بني عبس رجلان من طيء ابنان لأوس بن حارثة مجاورين لهم ~~، وكان لهما أخ أسير في بني يشكر ، فلما فقدته بنو شيبان نادوا : يا لثارات ~~معدان ، فعند ذلك قتلوا ابني عمارة ، وهرب الطائيان بأسرهما ، فلما برئ ~~عمارة من جراحه أتى طيئا ، فقال : ادفعوا إلي هذا الكلب الذي قتلنا به. ~~فقال الطائي لأوس : ادفع إلى بني عبس صاحبهم. فقال لهم : تأمرونني أن أعطي ~~بني عبس قطرة من دمي ، وإن ابني أسير في بني يشكر؟! فوالله ما أرجو فكاكه ms051 ~~إلا بهذا. فلما قفل الحوفزان من غزوه بعث إلى بني يشكر في ابن أوس ، فبعثوا ~~به إليه ، فافتدى به معدان. وقال نعامة بن شريك : PageV01P067 استنزلت رماحنا سنانا %~% وشيخنا بطخفة عنانا ثم أخوه قد رأى هوانا %~% لما فقدنا بيننا معدانا # هذا يوم زرود الأول ، وهناك يوم زرود الثاني ، وهو لبني يربوع على بني ~~تغلب. ذكر النويري (1): أنه أغار خزيمة بن طارق التغلبي على بني يربوع وهم ~~بزرود ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، ثم انهزمت بنو تغلب ، واسر خزيمة بن طارق ، ~~أسره أنيف بن جبلة الضبي ، وهو فارس السليط ، وكان يومئذ نفيلا (2) في بني ~~يربوع ، وأسيد بن حناءة السليطي فتنازعا فيه ، فحكما بينهما الحارث بن قراد ~~، فحكم بناصية خزيمة للأنيف على أن لأسيد على أنيف مئة من الإبل. قال : ~~ففدى خزيمة نفسه بمئتي بعير وفرس. قال أنيف : # أخذتك قسرا يا خزيم بن طارق %~% ولاقيت مني الموت يوم زرود وعانقته والخيل تدمى نحورها %~% فأنزلته بالقاع غير حميد # وقال ابن الكليحة اليربوعي (3): وكانت كلمت فرسه فتراخت به حتى إذا أسره ~~أنيف دونه : # تدارك أرخاء العرارة دونها %~% وقد جعلتني من جذيمة أصبعا # وفيها يقول : # فقلت لكأس ألجميها فإنما %~% حللنا الكثيب من زرود لنقرعا # ذكر ابن بليهد (4) قال : زرود هو مشهور على اسمه إلى هذا العهد لم يتغير ~~منه حرف واحد ، هو في وسط رمال عالج ، وهي محيطة به من كل جانب ، وطرقه ~~صعبة المنافذ ، وفي الجهة الجنوبية منه جبلان من رمل يقال لهما : الشامات ، وفيهم PageV01P068 # من يضيفها إلى زرود ، فيقول : شامات زرود ، وهي التي ذكرها عمر بن كلثوم ~~في معلقته حين قال : # وأنزلنا البيوت بذي طلوح %~% إلى الشامات تنفي الموعدينا # وزرود هي المحطة المشهورة في طريق حاج بغداد ، وقد ذكر أبو الفرج ~~الأصبهاني في (الأغاني): أن أبا جعفر المنصور لما نزل زرود ، وهو ماء لبني ~~أسد ، وعزم على الرحيل ، وهو والربيع عديلان على جمل ، قال لبني أسد : هل ~~عندكم حاد يحدينا هذه الليلة؟ قالوا : نعم يا أمير المؤمنين ، عندنا الذي ~~يحدي بالملوك. فقال : علي به. فاندفع يتغني ms052 إلى الصبح ، فاستأذن للرجوع إلى ~~أهله ، فقال الخليفة للربيع : ادفع له خمسين درهما. فلما دفعها له قال ~~الرجل للربيع : إني حدوت بهشام بن عبد الملك في هذا الطريق ودفع لي خمسين ~~ألف درهما. فأخبر الربيع الخليفة ، فقال : اقذفه في السجن حتى يدفعها إليك ~~يا ربيع ؛ فهي من بيت مال المسلمين الذي جمعته بنو امية. فسقط في يد الأسدي ~~، ثم جاء الأسديون يستنجدون بالربيع أن يطلق لهم صاحبهم ، فكلم الخليفة ~~وعفا عنه. # وذكر ابن جبير (1) زرود في رحلته ، فقال : وهذه في بسيط من الأرض فيها ~~رمال منهالة ، وبها خلق كثير داخله ديراوات صغار شبيه بالحصن ، يعرف بهذه ~~الجهات بالقصر ، والماء بهذا الموضع في آبار غير عذبة. وفي المخطوط : حدث ~~أبو محمد الوراق ، عن علي بن الصباح ، عن هشام بن محمد ، عن أبيه قال : ~~سميت بزرود ؛ إن زرود وشقرة ابنتي يثرب بن قانية بن مهلهل بن رخام بن عبيل ~~بن عوض بن أرم بن سام بن نوح. وزرود قبل الخزيمية بميل ونصف ، وهي لبني أسد ~~وبني نهشل أيضا ، وفيها من الآبار العامرة والمدفونة نحوا من عشرين بئرا ~~ماؤها غليظ ، وبها قصر وحوانيت وبركة ماء وحوض على بئر كبير. قال الشماخ بن ضرار : # وراحت رواحا من زرود فنازعت %~% زبالة جلبابا من الليل أخضرا PageV01P069 # وروي أن الرشيد حج في بعض الأعوام ، فلما أشرف على الحجاز تمثل بقول ~~الشاعر : # أقول وقد جزنا زرود عشية %~% وراحت مطايانا تؤم بنا نجدا على أهل بغداد السلام فإنني %~% أزيد بسيري عن بلادهم بعدا # ولقد أكثر الشعراء بذكر زرود في أشعارهم ، كمهيار الديلمي بقوله : # ولقد أحن إلى زرود وطينتي %~% من غير ما جبلت عليه زرود ويشوقني عجف الحجاز وقد طفا %~% ريف العراق وظله الممدود ويغرد الشادي فلا يهتزني %~% وينال مني السائق الغريد ما ذاك إلا أن أقمار الحمى %~% أفلاكهن إذا طلعن البيد # وجاء ذكر زرود بشعر بن سنان الخفاجي ، قال : # يا زمان الخيف هل من عودة %~% يسمح الدهر بها من بعد ضن أرضينا بثنيات اللوى %~% عن زرود يا لها صفقة ms053 غبن # وللشيخ عباس الملا علي (ره) يذكر زرود بقوله (1): # ضربوا في ربى زرود خياما %~% ألا تناءت تلك الربى والخيام ما حنيني إلى زرود ولا را %~% مه لولاهم بهالي مرام أنعموا بالوصال عيني زمانا %~% ثم صدوا فصد عنها المنام واصلوني حتى إذا ملكوا القل %~% ب جفوني فاعتاد جسمي السقام لم يراعوا يوم الوداع ذماما %~% لمحب وللمحب ذمام أمن العدل أنهم يوم بانوا %~% أيقضوا جفني القريح وناموا (2) # وهناك شعر كثير يذكر ، ويترد فيه اسم زرود فليطلب من مضانه ، وفي |||| PageV01P070 # زرود جاء نعي مسلم بن عقيل للحسين (عليه السلام). ذكر شيخنا المفيد (1)، ~~عن عبد الله بن سليمان والمنذر بن المشعل الأسديان قالا : لما قضينا حجنا ~~لم تكن لنا همة إلا اللحاق بالحسين (عليه السلام) في الطريق ؛ لننظر ما ~~يكون من أمره ، فأقبلنا ترقل بنا ناقتانا مسرعين حتى لحقناه بزرود ، فلما ~~دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين ، ~~ووقف الحسين (عليه السلام) كأنه يريده ، ثم تركه ومضى ومضينا نحوه ، فقال ~~أحدنا لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا الرجل لنسأله ، فإن عنده خبر الكوفة. قالا ~~: فمضينا حتى انتهينا إليه فقلنا : السلام عليك ، فرد علينا السلام ، ~~فسألنا : ممن الرجل؟ فقال : أنا بكر ابن فلان الأسدي ، فانتسبنا له وانتسب ~~لنا ، ثم قلنا : أخبرنا عن الناس وراءك. قال : لم أخرج من الكوفة حتى قتل ~~مسلم بن عقيل وهاني بن عروة (2)، ورأيتهما |||| # هذا علي حوله أقيالها PageV01P071 # يجران من أرجلهما في الأسواق. قالا : ثم ودعنا ومضى ، ورجعنا حتى لحقنا ~~الحسين (عليه السلام) فسلمنا عليه ، فرد علينا السلام ، فقلنا له : رحمك ~~الله ، إنا عندنا خبرا إن شئت أخبرناك به علانية. قالا : فنظر إلينا وإلى ~~أصحابه ، ثم قال : «ما دون هؤلاء سر». فقلنا : رأيت الراكب الذي استقبلته ~~عشية أمس؟ قال : «نعم ، وقد أردت مسألته». فقلنا : قد والله استبرأنا لك ~~خبره ، وكفيناك مسألته ؛ وهو امرؤ منا ذو رأي وصدق وعقل ، وأنه حدثنا أنه ~~لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة ، ورآهما ms054 يجران من ~~أرجلهما في الأسواق. فقال (عليه السلام): «إنا لله وإنا إليه راجعون ، ~~رحمة الله عليهما». وصار يردد ذلك مرارا ، فقلنا : ننشدك الله في نفسك وأهل ~~بيتك إلا انصرفت من مكانك هذا من حيث أتيت ؛ فإنه ليس لك بالكوفة ناصر ولا ~~معين ولا شيعة ، بل نتخوف عليك. فنظر إلى بني عقيل ، فقال : «ما ترون وقد ~~قتل مسلم بن عقيل؟». فقالوا : والله لا نرجع حتى نصيب ثارنا أو نذوق ما ذاق ~~مسلم. فأقبل علينا الحسين (عليه السلام) وقال : «لا خير في العيش بعد ~~هؤلاء». فعلمنا أنه قد عزم رأيه على المسير ، فقلنا : خار الله لك. قال : ~~«رحمكم الله». ثم قال له أصحابه : إنك والله ما أنت مثل مسلم بن عقيل ، ولو ~~قدمت الكوفة لكان الناس إليك أسرع. فسكت ، ثم انتظر حتى إذا كان السحر قال ~~لفتيانه وغلمانه : «أكثروا من الماء». فاستقوا وأكثروا ، ثم ارتحل من زرود ~~حتى انتهى به السير إلى الثعلبية. # ثم أتى للثعلبية التي %~% بطان بعدها ومن ثم سرى # (الثعلبية): بفتح أوله ، من منازل الحج من الكوفة بعد الشقوق. قال ~~البكري : منسوبة إلى ثعلبة بن دودان بن أسد ، وهو أول من احتفرها ، وهي ماء |إن كنت لا تدرين ما الموت فانظري||إلى هانئ بالسوق وابن عقيل| |إلى بطل قد هشم السيف وجهه||وآخر يهوي من طمار قتيل| |تري جسدا قد غير الموت وجهه||ونضح دم قد سال كل مسيل| |أيركب أسماء الهماليج آمنا||وقد طلبته مذحج بذحول| |تطيف حواليه مراد وكلهم||على رقبة من سائل ومسول| PageV01P072 # لبني أسد. # عوابس تقروا الثعلبية ضمرا %~% وهن شواج بالشكيم الشواجر (1) # وقيل الخزيمية هي ثلثا الطريق ، وأسفل منها ماء يقال له : الضويجعة ، على ~~ميل منها مشرف ، ثم تمضي فتقع في برك يقال لها : برك حمد السبيل ، ثم تقع ~~في رمل متصل بالخزيمية. وذكر صاحب حماة : أن الثعلبية ثلث طريق حجاج ~~العراق. وذكر في كتاب الأطوال : أن طول الثعلبية سحل ، وعرضها كحل (2)، ~~ومن الثعلبية إلى قبر العبادي 29 ميلا (3). قالوا : وإنما سميت بثعلبة بن ~~عمرو بن ms055 مزيقياء بن عامر ماء السماء. قيل : لما تفرقت أزد مأرب لحق ثعلبة ~~بهذا الموضع فأقام به فسمي به ، فلما كثر ولده وقوي أمره رجع إلى نواحي ~~يثرب فأجلى اليهود عنها ، فولده هم الأنصار. قال الزجاجي : سميت الثعلبية ~~بثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر ، وهو أول من ~~حفرها ونزلها. وقال ابن الكلبي : سميت برجل من بني دودان بن أسد يقال له : ~~ثعلبة أدركه النوم بها فسمع خرير الماء في نومه فانتبه ، وقال : أقسم بالله ~~إنه لموضع ماء ، وأستنبطه وابتناه ، وينسب إلى ثعلبة عبد الأعلى بن عامر ~~الثعلبي عداده في الكوفيين. روى عن محمد بن الحنفية (4)، ومحمد بن علي بن ~~الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وسعيد بن جبير (5)، ويقال PageV01P073 # حديثه عن ابن الحنفية صحيفته. وفي الثعلبية أغار الضحاك على الحاج ونهب ~~أمتعتهم ، وذلك إن معاوية بن أبي سفيان دعا الضحاك بن قيس الفهري وقال له : ~~سر حتى تمر بناحية الكوفة وترتفع عنها ما استطعت فمن وجدته من الأعراب في ~~طاعة علي فأغر عليه ، وإن وجدت مسلحة أو خيلا فأغر عليها ، وإذا أصبحت في ~~بلدة فأمس في أخرى ، ولا تقيمن لخيل بلغك أنها قد سرحت إليك لتلقاها ~~فتقاتلها ، فسرحه فيما بين ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف. فأقبل الضحاك فنهب ~~الأموال ، وقتل من لقي من الأعراب حتى مر بالثعلبية فأغار على الحاج فأخذ ~~أمتعتهم ، ثم أقبل فلقي عمرو بن عميس الذهلي ، وهو ابن أخي عبد الله بن ~~مسعود صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقتله في طريق الحاج عند ~~القطقطانية (1)، ومعه اناس من أصحابه (2)، وقد نزل الثعلبية سعيد بن عمر ~~وأقام بها ثلاثة أشهر ، وذلك قبل وقعة القادسية حتى تلاحق به الناس. فكانت PageV01P074 # بعدها الوقعة الميمونة ، وفتح الله على المسلمين (1). وقال ابن جبير (2) ~~يصف الثعلبية : ولها مبنى شبه الحصن خرب لم يبق منه إلا الحلق ، وبإزائه ~~مصنع عظيم كبير الدور من أوسع ما يكون من الصهاريج وأعلاها ، والمهبط إليه ~~بأدراج كثيرة من ثلاث ms056 جهات ، وكان فيه من ماء المطر ما عم جميع المحلة ، ~~ووصل إلى هذا الموضع جمع كثير من العرب رجالا ونساء ، واتخذوا به سوقا ~~عظيمة حفيلة للجمال والكباش ، والسمن واللبن وعلف الإبل ، فكان يوم سوق ~~نافقة. وفي المخطوط : حدث عبد الله بن عمرو قال : حدثني عباد بن إبراهيم بن ~~إسماعيل بن عطا الثعلبي قال : سمعت حازم بن محراس يخبر عن أبيه : أن رجلين ~~مرا فاستسقى أحدهما فلم يسق ، فلما جازا قال أحدهما للآخر : والله ، لو ~~سقوني لدللتهم على ماء لا ينزف. قال : فسمعها عقبة بن سهل من بني ثعلبة بن ~~مالك ، وكان يقال له : العواء ؛ وذلك إنه عوى عليها حين أخذت منه. وهو الذي ~~سمى الأسامي فيها من جمادها وشعابها وأوديتها ، وإن مالكا كان في منزل يقال ~~له : الطريقين ، من الثعلبية على ميلين ، وهي على غير منقب ومنقب : الطريق ~~وكان في غنمه ، فورد عليه رجلان من الشمامين وطلبا السقي ، فتثاقل عنهما ، ~~ومضيا حتى إذا كانا بالسامة من وراء الجبل ، والجبل رمل وراه شقيقة جلد ، ~~قال أحدهما للآخر : لو سقانا لدللناه على ماء لا ينزف. وكان منخرق السمع ، ~~فسمعهما وهو على ثلاثة أميال ، فلحقهما بأداوة من ماء ، فاعتذر إليهما ~~وسقاهما ، فأخبراه عن الثعلبية ، ووصفا له الوادي ، وقالا`له : عليك بلسان ~~الطريق فاحتفر فيه. فأول ما حفر فيه (الزوراء) من ذلك حتى أنبط الماء ~~والزوراء وراء الحصن ثم حفر (الجوفاء)، ثم حفر (العسيل) التي إلى جانب ~~عسيلة أبي جعفر ، ثم حفر (الحلقا)، ويقال : إن الذي حفر العسيلة هو أبو ~~جعفر بعد ذلك ، وحفر أهل بيت عتبة بنو سريح وبنو عويمر أكثر من أربعمئة ~~ركية ، وانتقل عقبة إلى الرقة. وعسيلة أبي جعفر هي أطيب ركية بالثعلبية ، ~~وذكروا إن الثعلبية كانت ذات شجر ، ولم يكن بها ماء ، وكانت لبني ثعلبة بن ~~مالك بن PageV01P075 # ثعلبة ، وإليهم نسبت الثعلبية ، وكانت مياه الحرث بن سعد محيطة بها ، ~~وكان الزبير بن مالك بن سريح منخرق السمع يسمع الكلام من مسيرة ثلاثة أميال ~~، وكان يرعى غنما له بموضع يقال له ms057 : حمد السيل من الثعلبية على ثمانية ~~أميال ، وكان أهلها على ثمد لهم يقال له : الطريقة ، من الثعلبية على ثلاثة ~~أيام ، فمر رجلان من الشمامين الذين يعرفون مواضع الماء فقالوا لأهل الزبير ~~بن مالك : اسقونا الماء. ثم ذكروا نحوا من الأحاديث المارة الذكر ، إلا إنه ~~قال : فجاءت بنو ثعلبة مالك أبى الزبير فاشتجروا في الماء كل يدعيه ، ~~فتحاكموا إلى والي المدينة فقضى أن الماء لمن احتفره. حدثني أبو محمد ~~الوراق ، عن عقيل بن محمد بن شمردل الأسدي قال : قال رجل نعامي من نعامة بن ~~صعب بن أسد بن خزيمة : ومر على ماء الشقوق فمنعوه ماءها ، فقال : # قد قلت للعيس افردي بالبرد %~% الماء ماء الحرث بن سعد # هناك تروين بغير نقد # يعني ماء الثعلبية. وحدث بن أبي السعد ، عن داود بن محمد بن عبد الملك ~~الأسدي ، عن أبيه ، عن جده : أن الثعلبية أحدثت في زمن عبد الملك بن مروان. ~~قالت ليلى الأخيلية (1): # عوابس تعدو الثعلبية ضمرا %~% وهن شواح بالشكيم الشواجر # وقال عمرو بن شأس الأسدي : # أتعرف منزلا من آل ليلى %~% أبى بالثعلبية أن يريما # وذكر ابن بليهد (2) قال : ولما خرجت أياد من تهامة نزلوا ناحية نجد ، ثم ~~ساروا قبل العراق حتى نزلوا الشقيقة ، فتواثقوا هناك مع مرزبان من مرازبة ~~الفرس ، وأتوا حتى أقاموا بالثعلبية ، فلما انقضى أمد العهد أجلهم أياد عن ~~الثعلبية ، ثم ساروا حتى نزلوا الجبل من السواد وهزموا هنالك جيشا للفرس ، ~~ثم ساروا PageV01P076 # حتى نزلوا الجزيرة ونفوا قوما من العماليق كانوا بها ، ونزلوا الموصل ~~وتكريت ، فلما ملك كسرى أنوشروان بعث إليهم ناسا من بكر بن وائل مع الفرس ~~فهزموا أيادا ونفوهم إلى قرية يقال لها : الحرجية ، بينها وبين الحصنين ~~فرسخان فالتقوا بالحرجية وقتلت ، وقبورهم بها إلى اليوم ، وسارت بقيتهم إلى ~~أرض الروم وبعضها إلى حمص. # وذكر ابن بليهد أيضا (1) (الثعلبية): تحمل هذا الاسم إلى هذا العهد ، ~~وهي لبني أسد في الجاهلية وفي صدر الإسلام. ويقال لها في هذا العهد : ~~(الثعيلبي)، سكنته شمر وبنوا به قصورا ، وحفروا به آبارا ، وغرسوا فيه ms058 نخيلا. # وبين الثعلبية والخزيمية ثلاث وعشرون ميلا ، وبها بئر تعرف ببئر ~~(النسبان)، وبئر أخرى تعرف (بالمنصور)، وبئر أخرى تعرف ببئر (عقبة) عليها ~~حوض ، وبئر تعرف (بالمخالصية)، وبئر تعرف (بالمطهرية)، وبئر تعرف ببئر ~~(آس)، وبئر تعرف (بأبي المحسر)، وبئر تعرف لمحمد بن الربيع ، وآبار ~~متفرقة كثيرة العدد. وبالثعلبية قصر ومسجد جامع ، وبركتان مربعتان ؛ أحدهما ~~تعرف (بالكبرى) وهي المهدية ، ولها مصفاة وبركة حيال القصر تعرف (بالخالصة) ~~مربعة. ومن الآبار الكبار والصغار أكثر من ثلاثين بئرا تعرف بالكرارير ~~والموالي ، وثلاث آبار يقال لها : الوطاء ، والجوفاء ، والزوراء. وبين ~~السابع من البريد إلى الخزيمية شقائق رمل يقال له : الوعساء ، ودون الميرا ~~بثلاثة أميال رمل يقال له : جبلا زرود. والمسرف بطرف الوعساء على ميل ونصف ~~من العميس. قال الشاعر يذكر الوعساء ، وذكره ابن بليهد أنه صاحبه ذو الرمة. # أيا ظبية الوعساء بين جلاجل %~% وبين النقا أأنت أم أم سالم # ذكر ابن بليهد جلاجل ، وقال : لا أعلم اليوم موضعا بهذا الاسم (2). وقبل PageV01P077 # أن تصل إلى الخزيمية بأربعة أميال مفرق الطريق الأيمن إلى الهاشمية وهو ~~المنتصف ، والطريق الأوسط قصر أم جعفر ، والطريق الثالث إلى الخزيمية وهي ~~المجاشعية ، وليس في طريق الخزيمية من حد الرمل الذي قبلها بثلاثة أميال ، ~~إنما الأميال في الطريق الأول عن يمين نراها من بعد الخزيمية ، دونها ~~البريد بسبعة أميال موضع يقال له : داره. وعلى مقدار ميلين من الثعلبية بئر ~~تعرف بالبرمكي ، وبئر تعرف بالبستان. وعلى ثلاثة أميال من الثعلبية بركة ~~وقباب ومسجد ، والبركة مدورة تسمى القبعة ، وهي قبعة حفاف ؛ وإنما سميت ~~قبعة لأنها تقبع من الرمل وهي الحزن وهي تزرع ، وعند بركة القبعة عند ~~الأميال الثلاثة المتفرقة. والطريق العتيق يسرة الطريق الآخر ، وهي أقرب ~~الطريقين بميل وأسهلها ، تخرج عند بركة العميس. وأول الرمل الغليظ عند ~~القصر يسرة بركة يقال لها : العميس. قال أرباب السير : كان نزول الحسين ~~(عليه السلام) الثعلبية وقت الظهيرة ، فوضع رأسه فرقد ، ثم استيقظ وقال : ~~«قد رأيت هاتفا يقول : أنتم تسيرون والمنايا تسرع بكم إلى الجنة». ولقد نظم ~~هذا المعنى المغفور ms059 له الشيخ حسن الدمستاني (ره) (1)، قال : # بينما السبط بأهليه مجدا بالمسير %~% وإذا الهاتف ينعاهم ويدعو ويشير إن قدام مطاياهم مناياهم تسير %~% ساعة إذ وقف الطرف الذي تحت الحسين # قال أبو محنف : ولما نزل الحسين (عليه السلام) الثعلبية أقبل إليه رجل ~~نصراني ومعه أمه ، فأسلما على يد الحسين (عليه السلام) وصارا في ظعينته (2) ~~. ويروى أن الحسين (عليه السلام) بات بالثعلبية ، حتى إذا أصبح الصباح وإذا ~~برجل من أهل الكوفة يكنى أبا هرة الأزدي قد أتاه وسلم عليه ، ثم قال له : ~~يابن رسول الله ، ما الذي أخرجك عن حرم الله وحرم جدك محمد (صلى الله عليه ~~وآله)؟ فقال : «ويحك يا أبا هرة! إن بني امية أخذوا مالي فصبرت ، وشتموا ~~عرضي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت. وأيم الحق ، PageV01P078 # لتقتلني الفئة الباغية ، وليلبسهم الله ذلا شاملا ، ويسل عليهم سيفا ~~قاطعا ، وليسلطن عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من قوم سبأ إذ ملكتهم امرأة ~~منهم ، فحكمت في أموالهم ودمائهم». وذكر الشيخ الصدوق قال : لما نزل الحسين ~~الثعلبية أتاه رجل وسأله عن قوله تعالى : ( @QUR@05 يوم ندعو كل أناس ~~بإمامهم ) (1)، فقال (عليه السلام): «إمام دعا إلى هدى فأجابوا إليه ، ~~وإمام دعا إلى ضلالة فأجابوا إليه ؛ هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار ، وهو ~~قوله تعالى : ( @QUR@06 فريق في الجنة وفريق في السعير ) (2)». ويروى عن ~~الطرماح بن حكيم قال : لقيت حسينا وقد امترت لأهلي ، فقلت : أذكرك الله في ~~نفسك ، فلا يغرنك أهل الكوفة ، والله إن دخلتها لتقتلن ، وإني أخاف أن لا ~~تصل إليها ؛ فإن كنت مجمعا على الحرب فانزل (أجا) (3)؛ فإنه جبل منيع. ~~والله ما لنا فيه ذل قط ، وعشيرتي جميعا يرون نصرتك ما أقمت فيهم ، فإن ~~هاجك هايج فأنا زعيم لك بعشرين ألف فارس يضربون بين يديك بأسيافهم ، فوالله ~~لا يصل إليك أحد أبدا وفيهم عين تطرف. فقال له : «جزاك الله خيرا ، إن بيني ~~وبين القوم مواعيد أكره أن أخلفها ، وقولا لسنا نقدر معه إلا على الانصراف ~~، ولا ندري على م تتصرف بنا وبهم الأمور في عاقبة ؛ فإن يدفع الله ms060 فقديما ~~ما أنعم الله علينا وكفى ، وإن يكن ما لا بد منه ففوز وشهادة إن شاء الله». ~~قال : فودعته ، وقلت له : دفع الله عنك شر الإنس والجن. إني قد امترت لأهلي ~~ميرة من الكوفة ، ومعي نفقة لهم فآتيهم فأضع ذلك فيهم ، ثم آتيك إن شاء ~~الله ، فإن لحقتك لأكونن من أنصارك. فقال (عليه السلام): «إن كنت فاعلا ~~فعجل رحمك الله». قال : فعلمت أنه مستوحش إلى الرجال حتى إنه يسألني ~~التعجيل. قال : ولما بلغت أهلي وضعت عندهم ما يصلحهم وأوصيت ، فأخذ أهلي ~~يقولون ما بك؟ PageV01P079 # إنك تصنع أشياء ما كنت تصنعها قبل اليوم ، فأخبرتهم بما أريد ، ثم ~~فارقتهم ، وأقبلت حتى إذا دنوت من عذيب الهاجانات استقبلني سماعة بن بدر ~~فنعاه إلي ، وأخبرني بقتله فرجعت مغموما. قال المؤرخون : ورحل الحسين من ~~الثعلبية ، وواصل سيره إلى بطان. # (بطان): قال ياقوت الحموي : بكسر أوله ، منزل بطريق الكوفة بعد الشقوق ~~من جهة مكة دون الثعلبية (1)، وهي لبني ناشرة من بني أسد. # أقول لصاحبي من التأسي %~% وقد بلغت نفوسهما الحلوقا إذا بلغ المطي بنا بطانا %~% وجزنا الثعلبية والشقوقا وخلفنا زبالة ثم رحنا %~% فقد وأبيك خلفنا الطريقا # وذكر المقدسي أن من الثٹلبية إلى بطان تسعة وعشرون ميلا. والبطان ، على ~~مثال فعال بكسر أوله : موضع قد حددته في رسم ضرية. ورحا بطان هذا تزعم ~~العرب أنه معمور لا يخلو من السعالى والغول ، ورحاه وسطه. ويزعمون أن الغول ~~تعرضت فيه لتأبط شرا فقتلها ، وأتى قومه يحمل رأسها متأبطا له حتى أرسله ~~بين أيديهم ، فبذلك سمي تأبط شرا ، وفي ذلك يقول : # ألا من مبلغ فتيان فهم %~% بما لاقيت عند رحا بطان بأني قد لقيت الغول تهوي %~% بسهب كالصحيفة صحصحان (2) # وقال القزويني (3): رحا بطان موضع بالحجاز ، زعم تأبط شرا أنه لقى الغول ~~هناك ليلا ، وجرى بينه وبينها محاربة ، وفي الأخير قتلها ، وحمل رأسها إلى ~~الحي وعرضها عليهم حتى عرفوا شدة جأشه وقوة جنانه ، وهو يقول : # ألا من مبلغ فتيان فهم %~% بما لاقيت يوم رحا بطان بأني قد لقيت الغول تهوي %~% بسهب ms061 كالصحيفة صحصحان PageV01P080 فقلت لها كلانا نضو %~% أين أخو سفر فخلي لي مكاني فشدت شدة نحوي فأهوى %~% لها كفي بمصقول يمان فأضربها بلا دهش فخرت %~% صريعا لليدين وللجران فقالت عد فقلت لها رويدا %~% مكانك إنني ثبت الجنان فلم أنفك متكيا لديها %~% لأنظر مصبحا ماذا أتاني إذا عينان في رأس قبيح %~% كرأس الهر مسترق اللسان وساقا مخدج وشواة كلب %~% وثوب من عباء أو شنان # وفي المخطوط : حدث عبد الله بن عمرو بن بشر ، عن إبراهيم بن عطارد الأسدي ~~قال : سمعت تميم بن نبهان الياسري يخبر عن جده أرطاة الياسري : أن بطانا ~~إنما سميت بطانا لأنها بأسفل الهبير الذي يسمى بطين. والهبير : واد بنجد ، ~~وفيها نفيل من العرب ، وهي لبني ناشرة بن سعد بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن ~~أسد ، عم جعفر بن الحسين اليقطيني. قالوا : احتفر أبو موسى أخو يقطين بئرا ~~بالبطان ، ما طال الحفر حتى كانوا ينزلون بالسرج يحفرون ، فخرجت عليهم ريح ~~من جانبها فلم يمكنهم الحفر ولا النزول ، فهابوا ذلك وأخبر أبو موسى ، وكان ~~شديد القلب والبدن ، فنزل فيها فدخل في النقب الذي خرجت منه الريح ، فأخبر ~~أنه خرج إلى شبيه بالمدينة ، وإذا فيها قوم عظيم خلقهم موتى عليهم ثيابهم ، ~~فإذا أمس الواحد منهم انتثروا ، وأخرج معه سيفا ووجه به إلى المهدي. ومن ~~بطان إلى الثعلبية اثنان وعشرون ميلا ونصف ، وبها قصر ومسجد. وقالوا : هي ~~لبني أسد ، للقاسم بن منيع ، وبحضرة المنزل بركة تدعى الخالصة ولها مصفاة. ~~وعلى مقدار ميل ونصف من البركة يسرة بركة تعرف بالمهدي ، وخزانة للماء في ~~وسط الوادي من عمل عمير بن فرج ، وفيها بئر لأم المتوكل فيها ماء عذب ، وفي ~~بيوت النجار نحو من عشرين حوضا ، وقبر العبادي خارج من بطان على أقل من ميل ~~على الطريق. بلغني عن أبي بكر بن عياش أن اسمه ساسان بن روزبة ، كان ~~نصرانيا فأسلم ومات هناك. فزعم إبراهيم بن الجنيد ، عن أبي بكر بن عفان قال ~~: سمعت أبا بكر بن عباس يقول : وجاء رجل خراساني ، PageV01P081 # فقال : يا ms062 أبا بكر ، حججت فلم أرم قبر العبادي. قال : ولم ترمه (رحمه ~~الله)؟! كان رجلا صالحا ، أمر بمعروف فقتل فهذا قبره. ويسميه ابن جبير في ~~رحلته (1): المرجوم ، قال : نزلنا بموضع يعرف ببركة المرجوم ، وهي مصنع ، ~~وقد بني له ما يعلوه من الأرض مصب يؤدي الماء إليه على بعد ، وأحكم ذلك ~~إحكاما يدل على قدرة الاتساع وقوة الاستطاعة. ولهذا المرجوم المذكور مشهد ~~على قارعة الطريق ، وقد علا كأنه هضبة شماء ، وكل مجتاز عليه لا بد أن يلقي ~~عليه حجرا. ويقال : إن أحد الملوك رجمه لأمر استوجب به ذلك ، والله أعلم. ~~وبهذا الموضع بيوت كثيرة للعرب ، وبادروا للحين بما لديهم من مرافق الأدم ~~يبيعونها من الحاج ، وكان هذا المصنع مملوءا من ماء المطر ، فغمر الناس ~~وعمهم والحمد لله. وهذه المصانع والبرك والآبار والمنازل التي من بغداد إلى ~~مكة من آثار زبيدة ابنة أبي جعفر ابن المنصور ، زوج هارون الرشيد وابنة ~~عمه. انتدبت لذلك مدة حياتها ، فأبقت في هذا الطريق مرافق ومنافع تعم وفد ~~الله تعالى كل سنة من لدن وفاتها إلى الآن ، ولو لا آثارها الكريمة في ذلك ~~لما سلكت هذا الطريق ، والله كفيل بمجازاتها والرضا عنها. وجاء في المخطوط ~~: حدثني محمد بن موسى ، عن محمد بن السري ، عن هشام بن محمد الكلبي قال : ~~أخبرني أبو بكر بن عباس ، عن أخيه عمرو بن عباس ، عن ابن كثير : أن روزبة ~~بن بوذر جمهري بن ساسان كان همذانيا ، وكان على فرج من فروج الروم فأدخل ~~عليهم سلاحا فأخافه الأكاسرة ، فلحق بالروم فلم يأمن حتى قدم سعد بن أبي ~~وقاص فبنى له القصر والمسجد ، وكتب معه إلى عمر فأخبره بحاله فأسلم ، وفوض ~~له عمر في الديوان ، وأعطاه وصرفه إلى سعد مع أكرياء له. والأكرياء يومئذ ~~هم العباد ، حتى إذا كان بهذا الموضع مات فحفروا له ، ثم انتظروا من يمر ~~بهم فليشهدونه على موته ؛ ليبرؤوا من دمه ، فمر قوم من الأعراب وقد حفروا ~~له على الطريق فأشهدوهم على ذلك ، وأوردوهم إياه ودفنوه ، فقالوا بعد ذلك : ~~قبر العبادي ms063 ؛ لمكان PageV01P082 # الأكرياء الذي يسمونه العباد. قال أبو بكر : أي هو والله ، فقلت : ألا ~~تخبر الناس بحاله؟ قال : لا. وعند البريد من بطان قصر لأم جعفر خرب. قالوا ~~: وقد اجتازها الحسين (عليه السلام) وواصل سيره إلى الشقوق. # حيث الشقوق وبها لاقى الذي %~% حدثه بما بكوفان جرى # (شقوق): جمع شوق أو شق ، وهو الناحية ، منزل بطريق مكة بعد واقصة من ~~الكوفة ، وبعدها تلقاء مكة بطان وقبر العبادي ، وهو لبني سلامة بن بني أسد. ~~وفي المخطوط : من الشقوق إلى بطان اثنان وعشرون ميلا ونصف ، وبه بركة تعرف ~~بالعقبة مربعة ، ولها مصفاة وبركة مدورة تعرف بالزبيدية ولها مصفاة ، ومقر ~~يقال له : المشرف ، ومقر لماء السواني ومصفاة له ، وبها بئر تعرف بالبرود ، ~~وبئر تعرف بالرزبون ، وبئر تعرف بالرمادي ، وبئر تعرف بغنيمة ، وخزانة ~~للماء. ومن أراد طريق سحمة ، وهو طريق سهل عدل من بركة الشقوق الداخلة يسرة ~~وهو مصعد فيخرج عند المشرف يمنة. وسحمة : بئر احتفرها المهدي ، بينها وبين ~~الطريق ميلا وقد طمست وعطلت ، وعلى ثلاثة أميال من الشقوق قصر خرب لأم جعفر ~~، وعلى ستة أميال يمنة على الطريق بركة زبيدية وقباب ومسجد ، ويدعى ~~الرستمية. وهذا الموضع أول الردى ، والردى : عقاب صغار ، وأرض خشنة صعودا ~~وهبوطا إلى بطان. ويقال : إنها نيف وسبعون عقبة ، وفيه رمل كثير ، ثم بركة ~~السحنة وقصر وقباب وهو المتعشى. (الطليح) و (الطليحة) على اثني عشر ميلا من ~~بطان وليس ببركة ، وكان فيها شجر الطلح ، وقباب لخالصة وخزانة للماء ، ~~والبريد دون البطان بسبعة أميال ، والرمل المذكور بالحجاز هو الرمل الذي ~~عرضه من الشقوق إلى الأجفر ، وطوله من وراء جبلي طي إلى أن يتصل مشرقا ~~بالبحر ، وهو رمل أصفر لين ألمس (1). وذكر ابن جبير (2) قال : ونزلنا ~~بالشقوق وفيه مصفاتان ألفيناهما مملؤين PageV01P083 # ماء عذبا صافيا ، فأراق الناس مياههم وجددوا مياها طيبة ، واستبشروا ~~بكثرة الماء ، وجددوا شكر الله على ذلك. وأحد هاتين المصفاتين صهريج عظيم ~~الدائرة كبيرها لا يكاد يقطعه السابح إلا عن جهد ومشقة ، وكان الماء قد علا ~~فيه أزيد من قامتين ، فتنعم الناس من ms064 مائه سباحة واغتسالا وتنظيفا للثياب ، ~~وكان يومهم فيه من أيام راحة السفر. وذكر ابن شهر آشوب (1): وفي الشقوق ~~رأى الحسين (عليه السلام) رجلا مقبلا من الكوفة فسأله عن أهل العراق ، ~~فأخبره أنهم مجتمعون عليه ، فقال (عليه السلام): «إن الأمر لله يفعل ما ~~يشاء ، وربنا تبارك وتعالى هو كل يوم في شأن». ثم أنشد : # فإن تكن الدنيا تعد نفيسة %~% فدار ثواب الله أعلا وأنبل وإن تكن الأموال للترك جمعها %~% فما بال متروك به المرء يبخل وإن تكن الأرزاق قسما مقدرا %~% فقلة حرص المرء في الكسب أجمل وإن تكن الأبدان للموت أنشأت %~% فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل عليكم سلام الله يا آل أحمد %~% فإني أراني عنكم سوف أرحل # قالوا : ومن الشقوق سار بظعينته إلى زبالة. # حتى أتى زبالة حط السرى %~% وجاءه الكوفي في جنح الدجى نعى له ابن يقطر رسوله %~% فيا له على الحسين من نبا # (زبالة): بضم أوله ، منزل معروف بطريق مكة من الكوفة. ذكر المقدسي : من ~~زبالة وهي عامرة واسعة الماء إلى الشقوق أحد وعشرون ميلا. قال ابن الكلبي : ~~سميت زبالة باسم زبالة بنت مسعر ، امرأة من العمالقة نزلتها ، وقيل : سميت ~~بزبالة بزبلها الماء ، أي بضبطها له وأخذها منه. وهي قرية عامرة بها أسواق ~~بين واقصة والثعلبية. قال السكوني : زبالة بعد القاع من الكوفة ، وقبل ~~الشقوق فيها حصن وجامع لنبي غاضرة من بني أسد. ويوم زبالة من أيام العرب ، ~~وفي زبالة استنقذ بنو نبهان أو الغاضريون جماعة من الطالبيين الذين ثاروا مع PageV01P084 # محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم ~~السلام) بالمدينة أيام المأمون العباسي ، وكان محمد قد دعا لنفسه. ذكر ابن ~~الخطيب (1) قال : وبايعوا أي أهل المدينة محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن ~~الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) بالخلافة يوم الجمعة لثلاث خلون ~~من شهر ربيع الآخر سنة مئتين ، فلم يزل يسلم عليه بالخلافة حتى كان يوم ~~الثلاثاء لخمس خلون من جمادى الأولى سنة مئتين ، ثم ms065 صاروا إلى مكة وقاتلوا ~~هارون بن المسيب قتالا شديدا. ثم إن محمد بن جعفر سأله الأمان لأصحابه ~~الباقين بعد أن حوصر وهرب أكثر أصحابه ، فأمنهم الجلودي ، وبعدها حملهم ~~مقيدين في محامل بلا وطاء ليمضي بهم إلى خراسان إلى المأمون ، فلما وصلوا ~~بهذا الحال زبالة خرجت عليهم بنو نبهان فاستنقذوهم منه بعد حرب طويلة صعبة ~~(2). قالوا : وفي زبالة مات موسى بن عبد الله بن موسى بن الحسن بن علي بن ~~أبي طالب (عليه السلام) مسموما. ذكر المسعودي (3) قال : وحمل سعيد الحاجب ~~من المدينة موسى بن عبد الله ، وكان من النسك والزهد في نهاية الوصف ، وكان ~~معه إدريس بن موسى ، فلما صار سعيد بناحية زبالة من جادة الطريق اجتمع خلق ~~من العرب من بني فزارة وغيرهم لأخذ موسى من يده ، فسمه ومات هناك ، وخلصت ~~بنو فزارة ابنه إدريس بن موسى. وذكر الشبلنجي (4) كرامة للإمام موسى بن ~~جعفر في زبالة ، قال : من كتاب الدلائل للحميري ، روى أحمد بن محمد ، عن ~~أبي قتادة ، عن أبي خالد الزبالي قال : قدم علينا أبو الحسن موسى الكاظم ~~زبالة ومعه جماعة من أصحاب المهدي بعثهم في إحضاره لديه إلى العراق من ~~المدينة ، وذلك في مسكنه الأول ، فأتيته وسلمت عليه ، فسر برؤيتي ، وأوصاني ~~بشراء حوائج وتبقيتها PageV01P085 # عندي له ، فرآني غير منسبط ، فقال لي : «ما لي أراك منقبضا؟». فقلت : كيف ~~لا أنقبض وأنت سائر إلى هذه الفئة الطاغية ، ولا آمن عليك؟ فقال (عليه ~~السلام): «يا أبا خالد ، ليس علي بأس ، فإذا كان في شهر كذا يوم الفلاني ~~منه فانتظرني آخر النهار مع دخول الليل فإني أوافيك إن شاء الله تعالى». ~~قال أبو خالد : فما كان لي هم إلا إحصاء تلك الشهور والأيام إلى ذلك اليوم ~~الذي وعدني المجيء به ، فخرجت عند غروب الشمس فلم أر أحدا ، فلما كان دخول ~~الليل إذا بسواد قد أقبل من ناحية العراق فقصدته ، فإذا هو على بغلة أمام ~~القطار فسلمت عليه ، وسررت بمقدمه وتخلصه (1)، فقال لي : «أداخلك الشك يا ~~أبا خالد؟». فقلت : الحمد لله الذي ms066 خلصك من هذا الطاغية. فقال : «يا أبا ~~خالد ، إن لهم إلي عودة لا أتخلص منها». وفي المخطوط : حدث محمد بن عمرو بن ~~بشر ، عن إبراهيم بن عطارد قال : زبالة لبني غاضرة. وحدث أبو محمد الوراق ، ~~عن علي بن الصباح ، عن هشام بن محمد السائب ، عن أبيه قال : سميت ببلى ~~وأبلى والتلبوت ومناله وزبالة بهم ، وهم بنو حرث بن مكنف من بني عمليق. ~~وحدث أبو محمد الوراق ، عن علي بن الصباح ، عن هشام بن أبيه قال : ويقال : ~~سميت زبالة بزبالة لأنه احتفرها زبالة بن حرث فنسبت إليه. ومن زبالة إلى ~~الشقوق سبعة عشر ميلا ، وبها قصر ومسجد. ويقال : إن الحسين بن علي (رضوان ~~الله عليه) صلى فيه. وبزبالة ثلاث برك ؛ إحداهن تعرف بالعتيقة ، والاخرى ~~تعرف بالكبيرة ولها مصفاة ، ولهذه المصفاة مصفاة صغيرة ، وبزبالة من الآبار ~~التي تسقى منها بئر تعرف بالمقعد مدورة ، وبئر تعرف بالريان مدورة ، وبئر ~~تعرف بالصبي مربعة عندها بركة وحوض ، وبئر تعرف بالبرمكية مربعة عليها حوض ~~يعرف بالعتيق وبركة أخرى. وبزبالة من القلب في بطن الوادي وغيره ثلاثمئة ~~وخمسون قليبا ، وبها بئر أخرى تعرف ببئر الشجرة. وعلى ستة أميال ونصف من ~~زبالة بركة مدورة يسرة ، وهي إحدى الرضمتين ، وهي رضم أبي جعفر يعرف ~~بالقيصوم ، لها مصفاة ومسجد وقباب وخلفها يميل رضم امير المؤمنين متعشا ~~وبئر وحوض يسمى ذلك كله الرضم (1) PageV01P086 # وعلى ثلاثة أميال من زبالة في موضع الزرع نبات شيح وغيره يقال له : ~~(العثيران) ورقه أكبر من ورق (السنخ) عيدانه بيض ، وعلى أربعة أميال من ~~زبالة علم للخيزران البطن الذي فيه النبات ، ومنه يعدل يسرة إلى التنانير ~~حتى يبلغ إلى أميال يسيرة على الطريق ، وبناء خرب يقال له : ذات التنانير ، ~~وهو على اثني عشر ميلا من زبالة بالأميال الصغار ، وهو قاع كثير السدر. ~~وذكر ابن جبير قال : زبالة : هي قرية معمورة وفيها قصر مشيد من قصور ~~الأعراب ومصنعان للماء وآبار ، وهي من مناهل الطريق الشهيرة ، ونزلنا عندما ~~ارتفع النهار من اليوم المذكور. ولزبالة ذكر كثير في أشعار الشعراء ms067. قال ~~بعض الأعراب : # ألا هل إلى نجد وماء بقاعها %~% سبيل وأرواح بها عطرات وهل لي إلى تلك المنازل عودة %~% على مثل تلك الحال قبل مماتي فأشرب من ماء الزلال وأرتوي %~% وأرعى مع الغزلان في الفلوات وألصق أحشائي برمل (زبالة) %~% وآنس بالظلمات والظبيات # وينسب إلى زبالة جماعة منهم حسان الزبالي حدث عن زيد بن الحباب (1). قال ~~أرباب السير : وعندما حط الحسين (عليه السلام) رحله في زبالة أتاه نعي ~~رسوله إلى أهل الكوفة (عبد الله بن يقطر)، فعندها خطب الناس ، وقال : «بسم ~~الله الرحمن الرحيم. أما بعد ، فإنه أتانا خبر فظيع ؛ قتل مسلم بن عقيل ~~وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر ، وقد خذلتنا شيعتنا ، فمن أحب منكم ~~الانصراف فلينصرف في غير حرج ليس معه ذمام». قال أهل السير : فتفرق الناس ~~عنه وأخذوا يمينا وشمالا حتى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة ، ~~ونفر يسير ممن انضموا إليه. وإنما فعل ذلك ؛ لأنه (عليه السلام) علم أن ~~الأعراب الذين اتبعوه إنما اتبعوه بظنهم أنه يأتي إلى بلد قد استقامت له ~~طاعة أهله ، فكره أن يسيروا معه إلا وهم يعلمون على ما يقدمون عليه. ولما ~~كان السحر أمر أصحابه فاستسقوا ماء وأكثروا ، ثم رحل بظعنه من زبالة متوجها ~~إلى القاع. PageV01P087 وراح للقاع يوالي سيره %~% وبعده إلى العقبة انتحى! # (القاع): هو ما انبسط من الأرض الحرة ، السهلة الطين التي لا يخالطها ~~رمل فيشرب ماءها ، وهي مستوية ليس فيها تطامن ولا ارتفاع. والقاع : منزل ~~بطريق مكة بعد العقبة لمن يتوجه إلى مكة تدعيه أسد وطي ، ومنه يرحل إلى ~~زبالة. ويوم القاع من أيام العرب (1). قال أبو أحمد : يوم كان بين بكر بن ~~وائل وبني تميم ، وفي هذا اليوم أسر أوس بن حجر ، أسره بسطام بن قيس ~~الشيباني ، وأنشد الشاعر : # بقاع منعناه ثمانين حجة %~% وبضعا لنا إخراجه ومسائله # وفي المخطوط : من القاع إلى زبالة ثمانية عشر ميلا ونصف. وبالقاع مسجدان ~~وقصر ، وهو أحسن منازل الطريق بناء ، وبه نخلة في وسطه ، وبه بركة تعرف ~~بالقصرى وبالشهابية ، وإلى ms068 جانبها بركة تعرف بالمصفاة ، وبركة تعرف ~~بالعتيقة ، وبئر فتحتها أربعة أذرع ، وطول رشائها ثمان وثمانون قامة ليس في ~~الطريق أطول منها. وعلى ثلاثة أميال ونصف من القاع قباب مبنية عن يسرة ~~الطريق لخالصة ، وعندها أرح (2) يجتمع فيه ماء السماء. وعلى ستة أميال من ~~القاع قبل المشرق يسرة الطريق بركة زبيدية وقباب ومسجد ، وهي (الهيثم) ولها ~~مصفاة. وعلى مقدار ثمانية أميال يخرجه هذا الطريق عن يسار البيوت بزبالة ، ~~وبعد الهيثم بأقل من ميل يمنة الطريق بركة (الحريش) وقباب ومسجد وقصر وبئر ~~جاهلية عميقة. وإنما سمي الحريش ؛ لأنه كان لقوم يقال لهم : (بنو حريش)، ~~ذكر أنهم من عجل ، وذكر أنهم من سعد بن زيد بن مناة. وبعد الحريش بخمسة ~~أميال قباب يسرة الطريق يقال لموضعها : القبيبات. وقبل زبالة بثلاثة أميال ~~موضع يقال له : الخيلان ، وإنما سمي الخيلان ؛ لأنها PageV01P088 # أرض بيضاء وفيها حجارة سود ، ولمع من سواد وغيره. وللشعراء في أشعارهم ~~ذكر للقاع. قال الشريف الرضي (ره) (1): # أيا أثلات القاع كم نضح عبرة %~% لعيني إذا مر المطي بذي الأثل ويا عقدات الرمل كم لي أنة %~% إذا ما تذكرت الشقيق من الرمل # وقال الطغرائي يذكر القاع والأثلات (2): # أيا أثلات القاع أما عروقها %~% فريا وأما ظلها فظليل لك الله هل مرت بقربك رفقة %~% وأنضاء عيس سيرهن ذميل # وللأرجاني يذكر القاع بقوله (3): # صلي حبلنا يا ظبية القاع أو قفي %~% قليلا ولا تخشي تعرض نابل فما يطمع القناص فيك وإنما %~% تعلم من عينيك رمي المقاتل # وعلى ثلاثة أميال من العقبة بينها وبين القاع شعب غير مضاف كما ذكره ~~السكوني هو ماء (4). قلت : وانتحى في الأمر : جد فيه. قالوا : وأقلع ~~الحسين بركبه مجدا بالسير إلى العقبة. # (العقبة): بالتحريك ، وهو الجبل الطويل يعرض للطريق فأخذ فيه ، وهو طويل ~~صعب إلى صعود الجبل ، والعقبة : منزل في طريق مكة بعد واقصة. وبين العقبة ~~والقاع بقرب الجادة قصر يقال له : قصر حمران (5). قال ابن جبير (6) عند ~~ذكر العقبة : صعدنا العقبة وليست بالطويلة الكؤود ، ولكن ليس بالطريق وعر ~~غيرها ، فهي شهيرة بهذا السبب ms069. ونزلنا عند ارتفاع النهار على مصنع دون ماء ~~، وجزنا مانع كثيرة ، وما منها مصنع إلا وإلى جانبه قصر مبني من قصور ~~الأعراب PageV01P089 # والطريق كلها مصانع. ويروى أن الحسين (عليه السلام) كان قد نزل العقبة في ~~طريقه إلى الكوفة ، وهناك لقيه شيخ من بني عكرمة يقال له : عمرو بن لوذان ، ~~فسأله أين تريد؟ فقال الحسين (عليه السلام): «الكوفة». فقال الشيخ : أنشدك ~~الله لما انصرفت ؛ فوالله ما تقدم إلا على الأسنة وحد السيوف ، وإن هؤلاء ~~الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال ، ووطؤوا لك الأشياء فقدمت ~~عليهم كان ذلك رأيا ، فأما على هذا الحال التي تذكر فإني لا أرى لك أن ~~تفعل. فقال : «يا عبد الله ، ليس يخفى علي الرأي ، وإن الله تعالى لا يغلب ~~على أمره». ثم قال : «والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، ~~فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل فرق الأمم». ثم إن ~~الشيخ صار يخبر بتوطيد ابن زياد الخيل ما بين القادسية إلى العذيب رصدا له ~~، ثم قال له : انصرف بنفسي أنت! فوالله ما تسير إلا على الأسنة والسيوف ، ~~ولا تتكلن على الذين كتبوا إليك ؛ فإن اولئك أول الناس مبادرة إلى حربك. ~~فقال الحسين (عليه السلام): «قد ناصحت وبالغت ، فجزيت خيرا». ثم سلم عليه ~~ومضى (1). ويروى عن الصادق (عليه السلام) أن الحسين لما صعد عقبة البطن ، ~~قال لأصحابه : «ما أراني إلا مقتولا». قالوا : وما ذاك يا أبا عبد الله؟ ~~قال : «رؤيا رأيتها في المنام». قالوا : وما هي يابن رسول الله؟ قال : ~~«رأيت كأن كلابا تنهشني ، وأشدها علي كلب أبقع». قالوا : ثم سار من العقبة ~~قاصدا واقصة. # وثم قد نحب بالسير إلى %~% واقصة يطوي السهول والربى # (واقصة): بكسر القاف والصاد المهملة ، منزل بطريق مكة بعد القرعاء نحو ~~مكة يقال لها : واقصة الحزون ، وهي دون زبالة بمرحلتين ، وإنما قيل لها ~~واقصة الحزون ؛ لأن الحزون أحاطت بها من كل جانب ، والمصعد إلى مكة ينهض في ~~أول الحزن من العذيب في أرض يقال لها : البيضة ms070 حتى يبلغ مرحلة العقبة في ~~أرض يقال لها : البسيطة ، ثم يقع في ارتفاع وهو سهل. PageV01P090 # ويقال : زبالة أسهل منه ، فإذا جاوزت ذلك استقبلت الرمل ، فأول رمل تلقاه ~~يقال لها : الشيخة (1). قال الأعشى : # ألا تقنى حياءك أو تناهى %~% بكاءك مثل ما يبكي الوليد أريت القوم نارك لم أغمض %~% بواقصة ومشربنا زرود فلم أر مثل موقدها ولكن %~% لأية نظرة زهر الوقود # وفي واقصة شاهد شقيق البلخي كرامة من الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) ~~، كما ذكرها صاحب مطالب السؤول (2)، قال : عن هشام بن حاتم الأصم ، قال لي ~~أبي حاتم : قال شقيق البلخي : خرجت حاجا في سنة تسع وأربعين ومئة فنزلت ~~القادسية ، فبينا أنا أنظر إلى الناس في زينتهم وكثرتهم ، فنظرت إلى فتى ~~حسن الوجه ، شديد السمرة ضعيف ، فوق ثيابه ثوب من صوف مشتمل بشملة وفي ~~رجليه نعلان ، وقد جلس منفردا ، فقلت في نفسي : إن هذا الفتى من الصوفية ~~يريد أن يكون كلا على الناس في طريقهم ، والله لأمضين إليه ولأوبخنه. فدنوت ~~منه ، فلما رأني مقبلا قال : «يا شقيق ، @QUR@08 اجتنبوا كثيرا من الظن إن ~~بعض الظن إثم (3)». قال : ثم تركني ومضى ، فقلت في نفسي : إن هذا لأمر ~~عظيم ؛ قد تكلم بما في نفسي ، ونطق باسمي ، ما هذا إلا عبد صالح ، لألحقنه ~~ولأسألنه أن يعفو عني. فأسرعت في أثره فلم ألحقه وغاب عني ، فلما نزلنا ~~واقصة إذا به يصلي وأعضاؤه تضطرب ، ودموعه تجري. فقلت : هذا صاحبي أمضي ~~إليه وأستحله. فصبرت حتى جلس ، وأقبلت نحوه ، فلما رآني مقبلا قال لي : «يا ~~شقيق ، اتل : @QUR@09 وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى (4)». ~~ثم تركني ومضى ، فقلت في نفسي : إن هذا الفتى لمن الأبدال ؛ قد تكلم بسري ~~مرتين. فلما نزلنا زبالة وإذا بالفتى PageV01P091 # قائم على بئر وبيده ركوة أن يستسقي الماء ، فسقطت الركوة من يده في البئر ~~، وأنا أنظر أليه ، فرأيته وقد رمق السماء بطرفه ، وسمعته يقول : # أنت ريي إذا ظمئت إلى الما %~% ء وقوتي إذا اشتهيت الطعاما # اللهم سيدي ، ما لي سواها فلا تحرمنيها. قال ms071 شقيق : فوالله لقد رأيت ~~البئر وقد ارتفع ماؤه ، فمد يده فأخذ الركوة وملأها ماء ، فتوضأ وصلى أربع ~~ركعات ، ثم مال إلى كثيب رمل فجعل يقبض بيده من ذلك الرمل ويطرحه في الركوة ~~ويرحكه ويشرب ، فأقبلت إليه وسلمت عليه ، فرد السلام ، فقلت : أطعمني من ~~فضل ما أنعم الله به عليك. # قال : «يا شقيق ، لم تزل نعم الله علينا ظاهرة وباطنة ، فأحسن ظنك بربك». ~~ثم ناولني الركوة فشربت منها فإذا هو سويق وسكر ، فوالله ما شربت قط ألذ ~~منه ولا أطيب ريحا ، فشبعت وارتويت وأقمت أياما لا أشتهي طعاما ولا شرابا ، ~~ثم لم أره حتى دخلنا مكة ، فرأيته في ليلة إلى جنب قبة الشراب في نصف الليل ~~قائما يصلي بخشوع وخضوع وأنين وبكاء ، فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل ، فلما ~~رأى الفجر جلس في مصلاه يسبح ، ثم قام يصلي الغداة ، ولما فرغ من صلاته طاف ~~بالبيت سبعا وخرج فتبعته ، وإذا له حاشية وموالي ، وهو على خلاف ما رأيته ~~في الطريق ، ودار به الناس من حوله يسلمون عليه. # فقلت لبعض من يقرب منه : من هذا الفتى؟ فقال : هذا موسى بن جعفر بن محمد ~~بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام). فقلت : قد عجبت أن ~~تكون هذه العجائب إلا لمثل هذا السيد. # فنظم بعضهم هذه الكرامات شعرا فقال : # سل شقيق البلخي عنه وما شا %~% هد منه وما الذي كان أبصر قال لما حججت عاينت شخصا %~% شاحب اللون ناحل الجسم أسمر سايرا وحده وليس له زا %~% د فمازلت دائما أتفكر وتوهمت أنه يسأل الناس %~% ولم أدر أنه الحج الأكبر ثم عاينته ونحن نزول %~% دون فيد على الكثيب الأحمر يضع الرمل في الإناء ويحسو %~% ه فناديته ولبي تحير أسقني شربة فناولني من %~% ه فعاينته سويقا وسكر فسألت الحجيج من يك هذا %~% قيل هذا الإمام موسى بن جعفر PageV01P092 # قال ابن جبير (1): ثم نزلنا بواقصة ، وهي وهدة من الأرض منفسحة ، فيها ~~مصانع للماء مملوءة ، وقصر كبير وبأزائه أثر بناء ، وهي معمورة بالأعراب ، ~~وهي آخر ms072 مناهل الطريق ، وليس بعدها إلى الكوفة منهل مشهور إلا مشارع ~~الفرات. ومنها إلى الكوفة ثلاثة أيام ، ومن يريد الكوفة يسير مستقيما إلى ~~القرعاء ، فالمغيثة ، فالقادسية مشرقا. (ونحب) يقال : نحب القوم في سيرهم ، ~~أي جدوا وأسرعوا. قلت : وسار الحسين من واقصة حتى انتهى إلى القرعاء بسيره ~~، فمر بها ولم ينزلها حتى أتى مغيثة. # ثم إلى القرعاء وافى وإلى %~% مغيثة غوث الورى حث السرى # (القرعاء): تأنيث الأقرع ، كأنها سميت بذلك لقلة نباتها ، وهو منزل في ~~طريق مكة من الكوفة بعد المغيثة ، وقبل واقصة إذا كنت متوجها إلى مكة. وبين ~~المغيثة والقرعاء الزبيدية ومسجد سعد والخبراء ، وبين القرعاء وواقصة على ~~ثلاثة أميال بئر بالمرعى ، وبين القرعاء وواقصة ثمانية فراسخ. وفي القرعاء ~~بركة وركايا لبني غدانة ، وكانت به وقعة بين بني دارم بن مالك وبني يربوع ~~بسبب هيج جرى بينهم على الماء ، فقتل رجل من غدانة يقال له : أبو بدر ، ~~وأراد بنو دارم أن يدوا فلم يقبل بنو يربوع ، فهاجت الحرب بين القبيلتين ~~(2). وهناك أحساء بني وهب بين القرعاء وواقصة تسع آبار كبار على طريق ~~الحج. قلت : فوصل الحسين القرعاء في طريقه إلى الكوفة ومنها توجه إلى مغيثة. # (مغيثة): هذه غير مغيثة الماوان التي مر ذكرها ، والتي بين السليلة ~~والنقرة ؛ أما هذه فهي بين القرعاء وشراف. قال في المشترك (3): المغيثة : ~~منزل في طريق مكة بعد العذيب من جهة مكة ، وهي لبني نبهان من طي ، وقد ~~وصلها الحسين بركبه ولم ينزل بها ، فاجتازها إلى شراف. PageV01P093 ومذ أتى شراف في طريقه %~% وحط ظعن المجد في تلك الفلا قال أيا أحبتي تزودوا %~% من مائه وأكثروا من الروى ثم سرى وصحبه في إثره %~% تسري إذا هم بأسنة القنا # (شراف): بفتح أوله وآخره فاء ، وثانية مخفف فعال ، من الشرف وهو العلو. ~~ماء بين واقصة والقرعاء على ثمانية أميال من أحساء التي لبني وهب ، ومن ~~شراف إلى واقصة ميلا. وذكر صفي الدين عبد المؤمن (1) قال : شراف : ما بين ~~واقصة والقرع فيها ثلاث آبار كبار وقلب كثيرة طيبة ، وهناك بركة تعرف ms073 ~~باللوزة ، وفي شراف ثلاث آبار كبار رشاؤها أقل من عشرين قامة ، وماؤها عذب ~~كثير ، وبها قلب كثيرة طيبة الماء يدخلها ماء المطر. وقيل : شراف : استنبطه ~~رجل من العماليق اسمه شراف فسمي به. وقيل : شراف وواقصة ابنتا عمرو بن معتق ~~بن زمرة بن عبيل بن عوض بن أرم بن سام بن نوح. ومن شراف إلى الشبكة ستة ~~وعشرون كيلو مترا ، ومن شراف إلى واقصة سبع كيلو مترات أرض وعرة جدا. قال ~~المثقب العبدي في شراف (2): # مررن على شراف فذات هجل %~% ونكبن الذرانح باليمين # (الروى): الماء الغزير المروي. قال أهل السير : ولما أتى الحسين (عليه ~~السلام) وصحبه شراف أمسوا هناك ، فلما كان السحر أمر الحسين (عليه السلام) ~~فتيانه فاستسقوا الماء فأكثروا ، وأكد عليهم بالإكثار من حمل الماء ، فملأ ~~أصحابه القرب والأواني وجميع ما كان عندهم من الطسوت. ثم سار (عليه السلام) ~~حتى انتصف النهار ، فبينا هم يسيرون إذ كبر رجل من أصحابه ، فقال الحسين ~~(عليه السلام): «الله أكبر ، مم كبرت؟». قال : سيدي ، PageV01P094 # رأيت النخل. وفي رواية : رأيت السواد ، أي نخلة الكوفة (1). فقال له ~~جماعة من أصحابه : والله ، إن في هذا المكان ما رأينا نخلة قط! فقال الحسين ~~(عليه السلام): «فما ترونه؟». قالوا : نراه والله آذان الخيل. قال (عليه ~~السلام): «وأنا أرى ذلك». ثم قال : «ما لنا ملجأ نلجأ إليه فنجعله خلف ~~ظهورنا ونستقبل القوم بوجه واحد؟». فقلنا له : بلى ، هذا ذو حسم إلى جنبك ~~تميل إليه عن يسارك ، فإن سبقت إليه فهو كما تريد. فأخذ يسير إليه متياسرا ~~حتى وصل إليه. # فمال بالركب إلى ذي حسم %~% وجاءه الحر فكان الملتقى # (حسم): بالضم ثم الفتح ، مثل جرذ وصرد ، كأنه معدول من حاسم ، وهو ~~المانع ، اسم موضع. ويروى بضمتين ، هضبة منيعة. وقيل : جبل كان النعمان بن ~~المنذر يصطاد به. وفيه للنابغة أبيات ، وقد ذكرها أيضا يحيى المعروف ~~بالمهلهل (2) بشعره : # أليلتنا بذي حسم أنيري %~% إذا أنت انقضيت فلا تحوري (3) فإن يك بالذنائب طال ليلي %~% فقد أبكي من الليل القصير (4) # قلت : يروى أنه لما بانت للحسين ms074 (عليه السلام) طلايع الخيل مال بأصحابه ~~إلى ذي حسم. قال الراوي : فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل (5) PageV01P095 # فتبيناها وعدلنا. فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا ، كأن أسنتهم ~~اليعاسيب (1)، وكان راياتهم أجنحة الطير ، فاستبقنا إلى ذي حسم فسبقناهم ~~إليه ، وأمر الحسين (عليه السلام) بأبنيته فضربت ، وجاء القوم زهاء ألف ~~فارس مع رئيسهم الحر بن يزيد التميمي الرياحي (2) حتى وقف هو وخيله مقابل ~~الحسين (عليه السلام) في حر الظهيرة ، وقد PageV01P096 # أخذ العطش منهم ما أخذ ، هذا والحسين وأصحابه معتمون متقلدون أسيافهم. |إني أنا الحر ومأوى الضيف||أضرب في أعناقكم بالسيف| |عن خير من حل بأرض الخيف||أضربكم ولا أرى من حيف| |ما زلت أرميهم بثغرة نحره||ولبانه حتى تسربل بالدم| |إن تعقروا بي فأنا ابن الحر||أشجع من ذي لبد هزبر| |آليت لا اقتل حتى أقتلا||ولا اصاب اليوم إلا مقبلا| |أضربكم بالسيف ضربا معضلا||لا ناكلا فيكم ولا مهللا| |لنعم الحر حر بني رياح||صبور عند مشتبك الرماح| |ونعم الحر إذ واسى حسينا||وجاد بنفسه عند الصياح| PageV01P097 قابلهم بخلقه السامي كما %~% سقاهم من غب ذلك الظما وعندها أسمعهم خطابه %~% وأعلم الحر بما به أتى أجابه الحر بلطف وغدا %~% كالعبد من مولاه يطلب الرضا # قال أهل السير : ولما رآهم الحسين (عليه السلام)، وقد أثر العطش بهم في ~~تلك الظهيرة ، وحر البادية والهجير. هذا والشمس في كبد السماء ترسل أشعتها ~~الوقادة عليهم وهم من غير ماء ، أمر (عليه السلام) أصحابه وفتيانه ، وقال : ~~«اسقوهم الماء ، ورشفوا الخيل ترشيفا». قال : فأقبل أصحاب الحسين (عليه ~~السلام) يملؤون القصاع والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس ، فإذا عب ~~الرجل فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت ، وربما يسقى الفارس قبلها ، وسقى ~~الآخر وفرسه حتى سقوهم عن آخرهم. قال علي بن الطعان المحاربي : كنت مع الحر ~~يومئذ فجئت في آخر من جاء من أصحابه ، فلما رأى الحسين (عليه السلام) ما بي ~~وبفرسي من العطش ، قال : «أنخ الرواية». والراوية عندي السقاء ، ثم قال : ~~«يابن الأخ ms075 ، أنخ الجمل». فأنخته ، فقال : «اشرب». فجعلت كلما أشرب سال ~~الماء من السقاء ، فقال الحسين (عليه السلام): «اخنث PageV01P098 # السقاء». أي اعطفه ، فلم أدر كيف أفعل ، فقام (عليه السلام) بنفسه فخنثه ~~، فشربت وارتويت وسقيت فرسي. قالوا : وكان مجيء الحر بن يزيد من القادسية ، ~~وقد كان عبيد الله بن زياد بعث الحصين بن نمير وأمره أن ينزل القادسية ، ~~وتقدم الحر بين يديه في ألف فارس يستقبل بهم الحسين (عليه السلام). قال ~~الراوي : فلما شرب الحر الماء ومن معه ، وتغمرت (1) خيلهم ، جلسوا جميعا في ~~ظل خيولهم وأعنتها في أيديهم حتى حضرت صلاة الظهر. # صلى الحسين الظهر فأتم به %~% الجيشان والحر بمولاه اقتدى # قال أرباب التاريخ : ولما حضرت صلاة الظهر أمر الحسين (عليه السلام) ~~الحجاج بن مسروف الجعفي أن يؤذن فأذن ، فلما حضرت الإقامة خرج الحسين (عليه ~~السلام) من خبائه في إزار ونعلين ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال (2): ~~«إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون ، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت ، وأدبر ~~معروفها ، فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء ، وخسيس عيش كالمرعى ~~الوبيل. ألا ترون إلى الحق لا يعمل به ، وإلى الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب ~~المؤمن في لقاء الله محقا ، فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع ~~الظالمين إلا برما». قال : فقام زهير بن القين البجلي (3) فقال لأصحابه : ~~تتكلمون أم أتكلم؟ قالوا : بل تكلم. فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : قد ~~سمعنا هداك الله يابن رسول الله مقالتك ، والله لو كانت 7لدنيا لنا باقية ، ~~وكنا فيها مخلدين إلا أن فراقها في نصرتك ومواساتك لآثرنا الخروج معك على ~~الإقامة فيها. قال : فدعا الحسين (عليه السلام) [له]. ثم التفت إلى أصحاب ~~الحر ، وقال : «أيها الناس ، إني لم آتيكم حتى أتتني كتبكم ، وقدمت على ~~رسلكم أن أقدم علينا ؛ فإنه ليس لنا إمام غيرك لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى PageV01P099 # والحق. فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم ، فأعطوني ما أطمئن إليكم من عهودكم ~~ومواثيقكم ، وإن لم تفعلوا وكنتم لقدومي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان ms076 ~~الذي جئت منه إليكم». فسكتوا عنه ولم يتكلم أحد منهم بكلمة ، فقال للمؤذن : ~~«أقم». فأقام الصلاة ، فالتفت الحسين (عليه السلام) إلى الحر وقال له : ~~«أتريد أن تصلي بأصحابك؟». قال : لا ، بل تصلي أنت ونصلي بصلاتك. فصلى ~~الحسين بهم جميعا. ولما فرغ من صلاته دخل خباءه فاجتمع إليه أصحابه ، ~~وانصرف الحر إلى مكانه المعد له فدخل خيمته واجتمع إليه جماعة من أصحابه ، ~~وعاد الباقون إلى صفهم الذي كانوا فيه فأعادوه ، ثم أخذ كل رجل منهم بعنان ~~دابته وجلس في ظلها. ولما كان وقت العصر أمر الحسين (عليه السلام) أصحابه ~~أن يتهيؤوا للصلاة ففعلوا ، ثم أمر مناديه فنادى بالعصر وأقام ، فتقدم ~~الحسين (عليه السلام) فصلى ، ثم سلم وانصرف إليهم بوجهه فحمد الله وأثنى ~~عليه ، ثم قال : «أما بعد أيها الناس ، فإنكم إن تتقوا الله وتعرفوا الحق ~~لأهله تكن أرضى لله عليكم ، ونحن أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله)، ~~وأولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم ، والسائرين ~~فيكم بالجور والعدوان ، وإن أبيتم إلا كراهية لنا والجهل بحقنا ، وكان ~~رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم ، وقدمت به علي رسلكم انصرفت عنكم». فقال ~~الحر : أنا والله ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكرها. فنادى الحسين ~~(عليه السلام) برجل من أصحابه ، «يا عقبة بن سمعان ، اخرج الخرجين الذين ~~فيهما كتبهم إلي». فأخرج عقبة خرجين مملؤين صحفا فنثرت بين يديه ، فقال ~~الحر : إنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك ، وقد أمرنا إذا نحن لقيناك أن ~~لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد الله بن زياد. فقال الحسين (عليه ~~السلام): «الموت أدنى إليك من ذلك». ثم قال لأصحابه : «قوموا واركبوا». ~~فركبوا وانتظروا حتى ركبت العائلة ، فقال (عليه السلام) لأصحابه : ~~«انصرفوا». فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف ، فقال ~~الحسين (عليه السلام) للحر : «ثكلتك أمك! ما تريد؟». فقال الحر : أما لو ~~غيرك من العرب قالها لي وهو على مثل هذا الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر ~~امه بالثكل كائنا من ms077 كان ، ولكن والله ، ما لي إلى ذكر امك من سبيل إلا ~~بأحسن ما نقدر عليه. PageV01P100 # فقال الحسين (عليه السلام): «ما تريد؟». قال : أريد أن أنطلق بك إلى ~~الأمير عبيد الله. قال : «إذا والله لا أتبعك». قال : إذا والله لا أدعك ، ~~فترادا القول ثلاث مرات ، فلما كثر الكلام بينهما قال له الحر : إني لم ~~اؤمر بقتالك ، إنما امرت أن لا افارقك حتى أقدمك الكوفة ، فإذا أبيت فخذ ~~طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يردك إلى المدينة ، فيكون بيني وبينك نصفا حتى ~~أكتب إلى الأمير عبيد الله بن زياد ، فلعل الله أن يأتي بأمر يرزقني فيه ~~العافية من أن أبتلي بشيء من أمرك ؛ فخذ ها هنا. فتياسر عن طريق العذيب ~~والقادسية. قال أرباب التاريخ : ثم سار الحسين (عليه السلام) وجعل يسايره ~~الحر وهو يقول له : يا حسين ، إني اذكرك الله في نفسك ، فإني أشهد لئن ~~قاتلت لتقتلن. فقال له الحسين (عليه السلام): «أفبالموت تخوفني؟! وهل يعدو ~~بكم الخطب أن تقتلوني؟! وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه وهو يريد نصرة ~~رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخوفه ابن عمه ، وقال : أين تذهب فإنك ~~مقتول؟ فقال : # سأمضي وما بالموت عار على الفتى %~% إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما وواسى الرجال الصالحين بنفسه %~% وفارق مثبورا وخالف مجرما فإن عشت لم أندم وإن مت لم أذم %~% كفى بك فخرا أن تعيش وترغم» # فلما سمع الحر منه ذلك تنحى عنه ، وصار يسير بأصحابه ناحية والحسين في ~~ناحية حتى وافى البيضة. # وحين بالبيضة حل وغدا %~% يخطب بالجمع وكلهم صغى فعندها نادوا جميعا إننا %~% نكون يوم الملتقى لك الفدا أنت ابن بنت المصطفى وخير من %~% طاف ببيت الله طوعا وسعى وخامس الأشباح من قد وجبت %~% طاعته بأمر جبار السما # (البيضة): موضع بين العذيب وواقصة في أرض الحزون من ديار بني يربوع PageV01P101 # ابن حنظلة. وقيل : ماء (1). وفي مراصد الاطلاع (2): بيضة : واحدة البيض ~~لبني دارم ، وهي بالكسر ما بين واقصة إلى العذيب متصلة بالحزن لبني يربوع. ~~وذكر الطبري (3)، عن أبي مخنف ms078 ، عن عقبة بن العيزار : أن الحسين (عليه ~~السلام) خطب أصحابه وأصحاب الحر بالبيضة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ~~«أيها الناس ، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : من رأى سلطانا ~~جائرا ، مستحلا لحرم الله ، ناكثا لعهد الله ، مخالفا لسنة رسول الله ، ~~يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على ~~الله أن يدخله مدخله. ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة ~~الرحمن ، وأظهروا الفساد ، وعطلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء ، وأحلوا حرام ~~الله وحرموا حلاله ، وأنا أحق من غيري ، وقد أتتني كتبكم ، وقدمت علي رسلكم ~~ببيعتكم أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني ، فإن أقمتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم ~~؛ فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ~~نفسي مع أنفسكم ، وأهلي مع أهليكم ، فلكم في اسوة. وإن لم تفعلوا ونقضتم ~~عهدكم ، وخلعتم بيعتي من أعناقكم ، فلعمري ما هي لكم بنكر ؛ لقد فعلتموها ~~بأبي وأخي وابن عمي مسلم بن عقيل ، والمغرور من اغتر بكم ، فحظكم أخطأتم ، ~~ونصيبكم ضيعتم ، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه ، وسيغني الله عنكم ، والسلام ~~عليكم ورحمة الله وبركاته». قال : ولما فرغ الحسين (عليه السلام) من خطبته ~~قام إليه نافع بن هلال الجملي (4)، وقال : يابن رسول الله ، أنت تعلم أن ~~جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) PageV01P102 # لم يقدر أن يشرب الناس محبته ، ولا أن يرجعوا إلى ما كان أحب ، فكان منهم ~~منافقون يعدونه بالنصر ، ويضمرون له الغدر ، يلقونه بأحلى من العسل ، ~~ويخلفونه بأمر من الحنظل حتى قبضه الله تبارك وتعالى إليه. وأن أباك عليا ~~(صلوات الله عليه) قد كان في مثل ذلك ، فقوم قد أجمعوا على نصرته وهم ~~المؤمنون ، وقاتلوا معه الناكثين والقاسطين والمارقين ، وقوم قعدوا عنه ~~وخذلوه حتى مضى إلى رحمة الله وروحه وريحانه ، وأنت اليوم يابن رسول الله ~~على مثل تلك الحال ، فمن نكث عهده وخلع بيعته فلن يضر إلا نفسه ، والله ~~تبارك وتعالى مغن عنه ؛ فسر بنا يابن رسول الله راشدا معافى ، مشرقا ms079 إن شئت ~~أو مغربا ، فوالله الذي لا إله إلا هو ، ما أشفقنا من قدر الله ، ولا كرهنا ~~لقاء ربنا ، وإنا على نياتنا وبصائرنا ، نوالي من والاك ، ونعادي من عاداك. ~~وقام إليه برير بن خضير الهمداني (1)، فقال : يابن رسول الله ، لقد من ~~الله تعالى علينا بك أن |أرمي بها معلمة أفواقها||مسمومة تجري بها أخفاقها| |ليملأن أرضها إرشاقها||والنفس لا يمنعها إشفاقها| |أنا الهزبر الجملي||ديني على دين علي| PageV01P103 # نقاتل بين يديك ، وتقطع فيك أعضاؤنا ، ثم يكون جدك رسول الله (صلى الله ~~عليه وآله) شفيعا |أنا برير وأبي خضير||وكل خير فله برير| PageV01P104 # يوم القيامة لنا ، فلا أفلح قوم ضيعوا ابن بنت نبيهم ، أف لهم غدا ما ~~يلاقون! سينادون بالويل والثبور في نار جهنم وهم فيها خالدون. قال الراوي : ~~فجزاهم الحسين خيرا. قال : وخرج ولد الحسين (عليه السلام) وإخوته وأهل بيته ~~حين سمعوا الكلام ، فنظر إليهم وجمعهم عنده فبكى ، ثم قال : «اللهم إنا ~~عترة نبيك محمد (صلواتك عليه) قد أخرجنا وأزعجنا وطردنا عن حرم جدنا ، ~~وتعدت بنو امية علينا ، اللهم فخذ لنا بحقنا وانصرنا على القوم الظالمين». ~~ثم نادى بأعلى صوته : «الرحيل الرحيل». ورحل من موضعه المسمى بالبيضة إلى ~~العذيب ، والحر يسايره ، وكان كل فريق منهم على غلوة من الآخر (1). # مروا جميعا بالعذيب والردى %~% يطوف بالخامس من آل العبا # (العذيب): تصغير العذب ، وهو الماء الطيب ، وهو ما بين القادسية ~~والمغيثة. بينه وبين القادسية أربعة أميال ، وإلى المغيثة اثنان وثلاثون ~~ميلا ، وقيل : هو واد لبني تميم ، وهو من منازل الحج من الكوفة ، وقيل : هو ~~حد السواد. قال في المشترك : والعذيب : بضم العين المهملة وفتح الذال ~~المعجمة ثم مثناة من تحتها في آخرها باء موحدة. قال : وهو ماء لبني تميم ، ~~وهو أول ماء يلقاه الإنسان بالبادية إذا سار من قادسية الكوفة يريد مكة. ~~والعذيب : اسم لعدة مياه بالبرية (2)، وهناك عين شمس ما بين العذيب ~~والقادسية له ذكر في الفتوح (3)، وفي العذيب قصر للفرس يسمى (قديس) (4). ~~قال السماوي : وأضيف إلى الهجانات ؛ لأن النعمان بن ms080 المنذر ملك الحيرة كان ~~يجعل فيه إبله (5)، ولهم عذيب القوادس ، وهو غربي PageV01P105 # عذيب الهجانات فيما أفهمه من حديث سعد بن أبي وقاص. وللعماد الأصبهاني ~~(1) من قصيدة يمدح المستضيء العباسي (2)، ويذكر العذيب بقوله : # يا حبذا ماء العذيب وحبذا %~% بنطافه الغزر العذاب تمضمضى # وجاء ذكر العذيب في شعر المتنبي (3)، وهي مطلع قصيدته التي يمدح بها سيف ~~الدولة الحمداني (4) يقول : # تذكرت ما بين العذيب وبارق %~% مجر عوالينا ومجرى السوابق # فصدرهما الشاعر الفحل ابن مطروح (5) فقال : # إذا ما سقاني ريقه وهو باسم %~% تذكرت ما بين العذيب وبارق ويذكرني من قده ومدامعي %~% مجر عوالينا ومجرى السوابق PageV01P106 # وقال بشر بن ربيعة بن عمرو الخثعمي يوم القادسية : # ألم خيال من اميمة موهنا %~% وقد جعلت أولى النجوم تغور ونحن بصحراء العذيب ودارها %~% حجازية إن المحل شطير # وجاء ذكر العذيب في شعر ابن سنان الخفاجي قوله : # أعرفت من عبق النسيم الفائح %~% خبر العذيب وبانه المتناوح واقتاد طرفك بارق ملكت به %~% ريح الجنوب عنان أشقر رامح # وللأرجاني يذكر العذيب قائلا : # إن تبلغا شرف العذيب عشية %~% فتيامنا عنه إلى الوعساء وقفا لصائدة الرجال بدلها %~% فصفا جناية عينها الحوراء # وللأبيوردي (1) في العذيب : # فثم عرار يستطاب شميمه %~% وظل لخيطان الأراك صفيق أرى السير منهم عامريا وكل من %~% ثوى من هلال بالعذيب صديق # وللحاجري (2) ذكر العذيب من أبيات له : # ذكر العذيب فظل من أشواقه %~% يتنفس الصعداء دون رفاقه # وللسيد شبر البحراني (3) من ديوانه المخطوط يذكر العذيب : # فمن لي بليلات العذيب وحاجر %~% ولذات عصر فيهما لي تقدما سقاه الحيا عهدا تزاهت رياضه %~% وهب به ريح التهاني نسما PageV01P107 # ولشكيب أرسلان (1) من مطلع قصيدة له : # أمعلمها بين العذيب وبارق %~% تغزلت من غزلانه بالحقائق فديتك ربعا قد ترحل آله %~% بكل إمام للمآثر سابق # قال الهروي في الإشارات (2): العذيب : موضع ينزل به الحاج ، به قبر ~~الحصين بن وحوح ، ومسجد سعد بن أبي وقاص ، وهناك بركة أم جعفر في طريق مكة ~~بين المغيثة والعذيب (3). ذكر أرباب التاريخ ، قالوا : وبالعذيب لقى ~~المختار بن أبي عبيدة الثقفي (رحمه الله) (4) لاقيا حين توجه ms081 إلى الكوفة من ~~الحجاز ، فقال له المختار أخبرنا عن الناس ، فقال : تركت الناس كالسفينة ~~تجول بلا ملاح لها ، فقال المختار : أنا ملاحها الذي يقيمها (5). وفي ~~العذيب كانت مسلحة. قال البلاذري (6)، عن يزيد بن نبيشة العامري ، قال : ~~قدمنا العراق مع خالد بن الوليد فانتهينا إلى مسلحة العذيب. قال أبو عبد ~~الله السكوني : العذيب يخرج من قادسية الكوفة إليها ، وكانت مسلحة للفرس ، ~~بينها وبين القادسية حائطان متصلان بينهما نخل ، وهي ستة أميال ، فإذا خرجت ~~منه دخلت البادية إلى مغيثة. وكتب عمر بن الخطاب PageV01P108 # إلى سعد بن أبي وقاص : إذا كان يوم كذا فارتحل بالناس حتى تنزل فيما بين ~~عذيب الهجانات وعذيب القوادس ، وشرق بالناس وغرب بهم. وهذا دليل على أن ~~هناك عذيبين. قال ابن بليهد (1): والعذيب الثالث في بالد عذرة ، وهو الذي ~~عناه كثير في شعره حين قال : # خليلي إن أم الحكيم تحملت %~% وأخلت لخيمات العذيب ظلالها فلا تسقياني من تهامة بعدها %~% بلالا وإن صوب الربيع أسالها وكنتم تزينون البلاط ففارقت %~% عشية بنتم زينها وجمالها # هناك عذيب رابع ، بئر جاهلية قديمة يقال لها العذيب من آبار أثيفية ، وهي ~~معروفة إلى اليوم عند أهل تلك النواحي. فالحسين (عليه السلام) مر على عذيب ~~الهجانات لا على عذيب القوادس ، ومعه الحر يسايره. ذكر الخوارزمي (2) قال : ~~لما وصل الحسين (عليه السلام) إلى عذيب الهجانات ورد كتاب من ابن زياد إلى ~~الحر بن يزيد الرياحي يلومه في أمر الحسين (عليه السلام)، ويأمره بالتضييق ~~عليه. فلما أصبح الحسين (عليه السلام) وأراد أن يسير عارضه الحر أيضا بجيشه ~~، ومنعه من المسير ، فقال له الحسين (عليه السلام): «ويلك ما دهاك؟! ألست ~~قلت نأخذ على غير الطريق فأخذنا وقبلنا مشورتك؟». فقال الحر : صدقت يابن ~~رسول الله ، ولكن هذا كتاب الأمير ورد علي يؤنبني ويضعفني في أمرك ، ~~ويأمرني بالتضييق عليك. فقال الحسين (عليه السلام): «فذرنا إذا أن ننزل ~~بقرية نينوى أو الغاضريات». فقال الحر : لا والله يا أبا عبد الله ، لا ~~أستطيع ذلك ، فقد جعل علي عينا يطالبني ويؤاخذني بذلك. فقال للحسين ms082 (عليه ~~السلام) رجل من أصحابه يقال له زهير بن القين البجلي : يابن رسول الله ، ~~ذرنا نقاتل هؤلاء ؛ فإن قتالنا إياهم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا ~~معهم بعد هذا. فقال الحسين (عليه السلام): «صدقت يا زهير ، ولكن ما كنت ~~لأبدأهم بالقتال حتى يبدؤوني». فقال زهير : فسير بنا حتى ننزل كربلاء ؛ ~~فإنها على شاطئ الفرات فنكون هنالك ، PageV01P109 # فإن قاتلونا قاتلناهم ، واستعنا الله عليهم. فدمعت عينا الحسين (عليه ~~السلام) حين ذكر له كربلاء ، وقال : «اللهم إني أعوذ بك من الكرب والبلاء». ~~[قال] الطبري (1): ولما انتهى الحسين (عليه السلام) إلى عذيب الهجانات ، ~~فإذا هم بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة على رواحلهم يجبنون فرسا لنافع بن ~~هلال يقال له : الكامل ، ومعهم دليلهم. قال : فأقبل إليهم الحر بن يزيد ~~فقال : إن هؤلاء النفر الذين هم من أهل الكوفة ليسوا ممن أقبل معك ، وأنا ~~حابسهم أو رادهم. فقال له الحسين (عليه السلام): «لأمنعنهم مما أمنع منه ~~نفسي ، إنما هؤلاء أنصاري وأعواني ، وقد كنت أعطيتني أن لا تعرض لي بشيء ~~حتى يأتيك كتاب من ابن زياد». فقال : أجل ، لكن لم يأتوا معك. قال : «هم ~~أصحابي ، وهم بمنزلة من جاء معي ، فإن تممت علي ما كان بيني وبينك وإلا ~~أجزتك». قال : فكف عنهم الحر ، ثم قال لهم الحسين (عليه السلام): «أخبروني ~~خبر الناس وراءكم». فقال له مجمع بن عبد الله العائذي ، وهو أحد النفر ~~الأربعة الذين جاؤوا : أما الأشراف فقد عظمت رشوتهم ، وملئت غرائزهم ، ~~يستمال ودهم ، ويستخلص به نصيحتهم ، فهم إلب واحد عليك ؛ وأما سائر الناس ~~بعد ، فإن أفئدتهم تهوي إليك ، وسيوفهم غدال مشهورة عليك. قال : «أخبرني ، ~~فهل لكم برسولي علم؟». قالوا : ومن هو؟ قال : «قيس بن مسهر الصيداوي». ~~فقالوا : نعم ، أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى ابن زياد ، فأمره ابن زياد ~~أن يلعنك ويلعن أباك ، فصلى عليك وعلى أبيك ، ولعن ابن زياد وأباه ، ودعا ~~إلى نصرتك ، وأخبرهم بقدومك ، فأمر ابن زياد (لع) فألقي من طمار القصر. ~~فترقرقت عينا الحسين (عليه السلام) ولم يملك دمعه ms083 ، ثم قال : « @QUR@010 ~~فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا (2). اللهم اجعل لنا ~~ولهم الجنة نزلا ، واجمع بيننا وبينهم في مستقر رحمتك ، ورغائب مذخور ~~ثوابك». PageV01P110 # وأهل العبا هم : رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن ~~والحسين (عليهم السلام)، فالحسين (عليه السلام) خامس أهل العبا. قال ابن ~~جرير الهيثمي في شرح همزية البوصيري (1) عند قوله : # وبام السبطين زوج علي %~% وبنيها ومن حوته العباء # وهم : النبي (صلى الله عليه وآله) وفاطمة وعلي وابناهما الحسن والحسين ~~(عليهم السلام). # وفي نيل المراد عند ذكر بيت البوصيري : ومن حوته العباء : هم النبي (صلى ~~الله عليه وآله) وعلي وفاطمة وابناهما (عليهم السلام)، ويقال : هم أهل ~~العبا وأهل الكساء. قال ديك الجن : # والخمسة الغر أصحاب الكساء ومن %~% خير البرية من عجم ومن عرب # وقال ابن تيمية في جواب من سأله عن دخول علي (عليه السلام) في أهل البيت ~~: مما لا خلاف فيه بين المسلمين ، وهو أظهر عندهم من أن يحتاج إلى دليل ، ~~بل هو أفضل أهل البيت ، وأفضل بني هاشم بعد النبي (صلى الله عليه وآله). ~~إنه أدار كساه على علي وفاطمة وحسن وحسين ، فقال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي ~~فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» (2). # وذكر علي جلال الحسيني (3) قال : # وروى الترمذي في جامعة هذا الحديث في مناقب أهل البيت في آخر ج 2 ، عن ~~عمر بن أبي سلمة ربيب النبي (صلى الله عليه وآله) قال : نزلت هذه الآية على ~~النبي (صلى الله عليه وآله) ( @QUR@010 إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ~~أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) (4) في بيت ام سلمة ، فدعا النبي (صلى الله ~~عليه وآله) فاطمة وحسنا وحسينا وعليا (عليهم السلام) خلف ظهره ، فجللهم ~~بكساء ، ثم قال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا». ~~قالت ام سلمة : أنا معهم يا رسول الله؟ قال : «أنت على مكانك ، وأنت إلى خير». PageV01P111 # لكن ابن تيمية قال في أول ج3 من كتاب منهاج السنة النبوية ص4 : أما حديث ~~الكساء فهو صحيح ، وروى الحديث ، ثم قال : وغاية ذلك ms084 أن يكون دعا لهم بأن ~~يكونوا من`المتقين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم ، واجتناب الرجس واجب ~~على المؤمنين ، والطهارة مأمور بها كل مؤمن ... إلخ. # وابن تيمية (رحمه الله) في رأيه هذا تعدى حد الإنصاف ، وعطل الآية وحديث ~~الكساء من المعنى ؛ إذ لم يجعل لأهل البيت (عليهم السلام) فضلا على غيرهم ، ~~مع أنه واضح أن الكتاب والحديث يخصانهم بالفضل. انتهى كلام الحسيني. أقول : ~~أحسب أن ابن تيمية لو استطاع أن يحذف ويمحو هذه الآية من القرآن ، أو ~~يحرفها ويأولها في أبناء الطلقاء لفعل ، ولقبلها منه أتباعه السذج بأحسن ~~قبول ؛ لأنه ابن تيمية. # روى السيوطي (1) عن ابن جرير وابن حاتم ، عن قتادة (رضي الله عنه) في ~~قوله : ( @QUR@08 إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) قال : هم ~~أهل بيت طهرهم الله من السوء ، واختصهم برحمته. قال : وحدث الضحاك بن مزاحم ~~(رضي الله عنه) أن نبي الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول : «نحن أهل بيت ~~طهرهم الله. من شجرة النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، وبيت ~~الرحمة ، ومعدن العلم». # وقد ذكر خبر الكساء جمع من العلماء والمؤرخين ، كالترمذي (2)، ومسلم (3) ~~، وصاحب المستدرك (4)، ومعالم التنزل بهامش الخازن (5)، إلى غير ذلك من ~~المصادر الوثيقة ، فاطلبها من مضانها. قال الشاعر : # إن النبي محمدا ووصيه %~% وابنيه وابنته البتول الطاهره أهل العباء وإنني بولائهم %~% أرجو السلامة والنجا في الآخره # قلت : ثم سرى والحر يسير إلى جنبه. PageV01P112 ثم سرى والحر يسري جانبا %~% واتفق الكل على هذا السرى وصوت حاديه يدوي في الفضا %~% والكل للحادي وللرجز صغى يا ناقتي لا تذعري بل شمري %~% للسير في ركب شقيق المجتبى هذا الإمام ابن الإمام من به %~% استقام هذا الدين والشرك انمحى يا مالك النفع والضر معا %~% أيد حسين السبط خيرة الملا واخذل يزيد الجور والعهر الذي %~% أولده الشرك وغذاه الخنا # قال أرباب السير : وأخذ الحسين (عليه السلام) يسرة الطريق واتجه نحو ~~الشمال ، فقال لأصحابه : «من منكم يعرف الطريق على غير الجادة». فقال ~~الطرماح بن عدي (1): أنا يابن رسول الله. فقال : «تقدم الظعينة ms085». # فتقدم الطرماح شأن الأدلة ، وجعل يرفع صوته بالحداء قائلا : # يا ناقتي لا تذعري من زجري %~% واسري بنا قبل طلوع الفجر بخير فتيان وخير سفر %~% آل رسول الله أهل الفخر السادة البيض الوجوه الزهر %~% الضاربين بالسيوف البتر الطاعنين بالرماح السمر %~% المطعمين الضيف عام العسر يا مالك النفع معا والضر %~% أيد حسينا سيدي بالنصر # على الطغاة من بقايا الكفر # قال الراوي : فانتهى بهم المسرى إلى أقساس مالك. PageV01P113 ومر بالأقساس لم يقل بها %~% وكان جل القس منه للردى # (أقساس): قرية بالكوفة ، أو كورة يقال لها : أقساس مالك ، منسوبة إلى ~~مالك بن عبد هند ابن [نجم ، بالجيم بوزن زفر ، بن منعة بن برجان بن الدوس] ~~ابن الديل بن أمية بن حذافة بن زهر بن أياد بن نزار. وذكر ابن الفقيه قال : ~~أقساس مالك تنسب إلى مالك بن قيس (1)، والقس في اللغة تتبع الشيء وتطلبه. ~~وجمعه : أقساس ، فيجوز أن يكون مالك تطلب هذا الموضع ، وتتبع عمارته فسمي ~~بذلك. قال السمعاني (2): أقساس : هي قرية بالكوفة ، نزلت في صحرائها ~~منصرفي من الكوفة في النوبة الخامسة ، وقرأت بها خبرا على شيخنا أبي سعد ~~ابن البغدادي الحافظ. وينسب إلى هذا الموضع أبو محمد يحيى (3) بن محمد بن ~~الحسن بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الأقساسي ، وجماعة من ~~العلويين ينسبون كذلك إليها (4) كالأقساسي. قال شيخنا الأميني (5): آل ~~الأقساسي من أرفع البيوت العلوية ، لها أغصان باسقة موصولة بالدوح النبوي ~~اليانع ، بزغت بهم العراق عصورا متطاولة ، وإن كان مبعث غرسهم الزاكي ~~الكوفة من قرية كبيرة ، أو كورة يقال لها : أقساس مالك ، وهم بين عالم ~~متبحر ، ومحدث ثقة ، ولغوي متظلع ، وشاعر متأنق ، وأمير ظافر ، ونقيب فاضل. ~~وأول من عرف بهذه النسبة محمد الأصغر بن يحيى ، وأولاده تتشعب عدة شعب ؛ ~~منهم بنو جوذاب وهم من أولاد علي بن محمد الأصغر ، وبنو الموضح أولاد أحمد ~~بن محمد الأصغر ، وبنو قرة العين أولاد أحمد بن علي الزاهد بن محمد الأصغر ، PageV01P114 # وبنو صعوة أولاد أحمد بن محمد بن علي الزاهد بن محمد ms086 الأصغر. ومن بني ~~صعوة : طاهر بن أحمد ، ذكره السمعاني في الأنساب ، فقال : طاهر بن أحمد بن ~~محمد بن علي الأقساسي كان يلقب بصعوة ، وكان دينا ثقة. يروي عن أبي علي ~~الحسن بن محمد بن سليمان العربي العدوي ، عن خراش ، عن أنس بن مالك. ومنهم ~~: محمد بن علي (1) بن فخر الدين أبي الحسين حمزة بن كمال الشرف أبي الحسن ~~محمد بن أبي القاسم الحسن الأديب بن أبي جعفر محمد بن علي الزاهد بن محمد ~~الأصغر (الأقساسي) بن يحيى بن الحسين ذي العبرة بن زيد الشهيد ابن الإمام ~~علي بن الحسين (عليهما السلام). وله شعر رائق ، فمن قوله : # رب قوم في خلائقهم %~% غرر قد صيروا غررا ستر المال القبيح لهم %~% سترى إن زال ما سترى # والأقساسيون هم سلسلة المترجم له ، جده الأعلى أبو القاسم الحسن الأقساسي ~~المعروف بالأديب ، ابن أبي جعفر محمد (2). قال ابن عساكر : قدم دمشق ، ~~وكان أديبا شاعرا ، في المحرم سنة 347 ه ، ونزل في الحرمين ، وكان شيخا ~~مهابا نبيلا ، حسن الوجه والشيبة ، بصيرا بالشعر واللغة ، يقول الشعر ، من ~~أجود آل أبي طالب حظا ، وأحسنهم خلقا ، وكان يعرف بالأقساسي نسبة إلى موضع ~~نحو الكوفة. ومنهم : كمال الدين الشرف أبو الحسن (3) محمد بن أبي القاسم ، ~~ولاه الشريف علم الهدى نقابة الكوفة ، وإمارة الحاج ، فحج بالناس مرارا (4) ~~. ولما مات رثاه الشريف المرتضى بقوله : PageV01P115 عرفت ويا ليتني ما عرف %~% ت فمر الحياة لمن قد عرف # وقال ابن الأثير في الكامل (1): حج بالناس أبو الحسن الأقساسي سنة 412 ~~هج ، فلما بلغوا فيد (2) حصرهم العرب ، فبذل لهم الناصحي (أبو محمد قاضي ~~القضاة) خمسة آلاف دينار فلم يقنعوا ، وصمموا العزم على أخذ الحاج ، وكان ~~مقدمهم رجلا يقال له : حمار بن عدي (بضم العين)، من بني نبهان ، فركب فرسه ~~وعليه درعه وسلاحه وجال جولة يرهب بها ، وكان من سمرقند شاب يوصف بجودة ~~الرمي ، فرماه بسهم فقتله وتفرق أصحابه ، وسلم الحاج فحجوا وعادوا سالمين. ~~ومن آل الأقساسي : فخر الدين أبو الحسين حمزة بن كمال الشرف محمد. ذكره ~~النسابة العمري في ms087 المجدي ، وقال : هو نقيب الكوفة ، وكان لفخر الدين أخ ~~يسمى أبو محمد يحيى ذكره السمعاني في الأنساب ، وقال : كان ثقة نبيلا ، سمع ~~أبا عبد الله القاضي الجعفري. روى لنا عنه أبو القاسم إسماعيل بن أحمد ~~السمرقندي (3)، وأبو الفضل محمد بن عمر الأرموي (4) ببغداد ، وأبو البركات ~~عمر بن إبراهيم الحسني (5)، وكان بالكوفة. ومن آل الأقساسي علم الدين أبو ~~محمد الحسن النقيب الطاهر بن علي بن حمزة ، كان شيخا مهابا ، جاوز الثمانين ~~، وقد أورد له ابن الساعي أشعارا كثيرة ، منها : # اصبر على كيد الزما %~% ن فما يدوم على طريقه سبق القضاء فكن به %~% راض ولا تطلب حقيقه PageV01P116 كم قد تغلب مرة %~% وأراك من سعة وضيقه ما زال في أولاده %~% يجري على هذي الطريقه # كان (الناصر) قد ولاه النقابة ، وكانت ولادته ونشأته بالكوفة ، توفي سنة ~~593 ه. وعلى ما ذكره ابن كثير (1) قال : كان شاعرا مطبقا ، امتدح الخلفاء ~~والوزراء ، وهو من بيت مشهور بالأدب والرياسة والمروة. وخلف علم الدين ولده ~~قطب الدين أبا عبد الله الحسين نقيب نقباء العلويين في بغداد ، وكان عالما ~~شاعرا ، متطلعا على السير والتواريخ. قلد النقابة بعد عزل قوام الدين (أبي ~~علي الحسن بن معد) المتوفى 636 عن النقابة سنة 642 ه. # وجاء في الحوادث الجامعة (2): توفي فيها يعني 645 النقيب قطب الدين أبو ~~عبد الله الحسين بن الحسن بن علي المعروف بالأقساسي العلوي ببغداد ، وكان ~~أديبا فاضلا ، يقول شعرا جيدا. بدرت منه كلمة في أيام الخليفة الناصر على ~~وجه التصحيف ، وهي (أردنا خليفة جديدا)، فبلغت الناصر ، فقال : لا يكفي ~~حلقة لكن حلقتين ، وأمر بتقييده وحمله إلى الكوفة ، فحمل وسجن فيها ، فلم ~~يزل محبوسا إلى أن استخلف الظاهر سنة 623 فأمر بإطلاقه ، فلما استخلف ~~المنتصر بالله 624 رفق عليه فقربه وأدناه ، ورتبه نقيبا ، وجعله من ندمائه ~~، وكان ظريفا خليعا ، طيب الفكاهة ، حاضر الجواب. وجاء في التاريخ أنه وصل ~~الملك الناصر (ناصر الدين) داود بن عيسى في المحرم 633 إلى بغداد ، واجتاز ~~الحلة السيفية وبها الأمير شرف الدين علي ، ثم توجه منها إلى بغداد ، فخرج ~~إلى لقائه ms088 النقيب الطاهر قطب الدين أبو عبد الله الحسين بن الأقساسي ، وفي ~~سلخ ربيع الأول من السنة المذكورة وصل الأمير ركن الدين إسماعيل صاحب ~~الموصل إلى بغداد ، وخرج إلى لقائه النقيب الحسين بن الأقساسي وخادما من ~~خدم الخليفة. وجاء أن الخليفة المستنصر بالله قصد سنة 634 مشهد الإمام موسى ~~بن جعفر (عليهما السلام) في ثالث رجب ، PageV01P117 # فلما عاد أبرز ثلاثة آلاف دينار إلى أبي عبد الله الحسين الأقساسي نقيب ~~الطالبيين ، وأمره أن يفرقها على العلويين المقيمين في مشهد أمير المؤمنين ~~علي بن أبي طالب (عليه السلام) والحسين وموسى بن جعفر (عليهم السلام) (1). ~~وذكر استاذنا الشيخ الأميني (2) أفرد العلامة سيدنا المرعشي في (مجالس ~~المؤمنين) (3) ترجمة باسم عز الدين بن الأقساسي ، وقال : إنه من أشراف ~~الكوفة ونقبائها ، كان فاضلا أديبا ، له في قرض الشعر يد غير قصيرة. روى أن ~~الخليفة المستنصر العباسي خرج يوما إلى زيارة قبر سلمان الفارسي (سلام الله ~~عليه) ومعه السيد المذكور ابن الأقساسي ، فقال له الخليفة في الطريق : إن ~~من الأكاذيب ما يرويه غلاة الشيعة من مجيء علي بن أبي طالب (عليه السلام) ~~من المدينة إلى المدائن لما توفى سلمان ، وتغسيله إياه ، ورجوعه في ليلته ~~إلى المدينة ، فأجابه الأقساسي بالبديهة بقوله : # أنكرت ليلة إذ سار الوصي إلى %~% أرض المدائن لما أن لها طلبا وغسل الطهر سلمانا وعاد إلى %~% عراص يثرب والإصباح ما وجبا وقلت ذلك من قول الغلاة فما %~% ذنب الغلاة إذا لم يوردوا كذبا فآصف قبل رد الطرف من سبأ %~% بعرش بلقيس وافى يخرق الحجبا فأنت في آصف لم تغل فيه بلى %~% في حيدر أنا غال إن ذا عجبا إن كان أحمد خير المرسلين فذا %~% خير الوصيين أو كل الحديث هبا # وقد نسب السماوي هذه الأبيات في كتابه (الطليعة) مخطوط إلى السيد محمد ~~الأقساسي. قال شيخنا الأميني : ذكر ابن شهر آشوب هذه الأبيات بتغيير يسير ~~وزيادة ، ونسبها إلى أبي الفضل التميمي ، أو لغيره من أسلاف آل الأقساسي ~~الأولين ، وأنشدها قطب الدين للمستنصر. نعم ، إن أقساس مالك قرية من قرى ms089 ~~الكوفة ، وإن لم يحقق المؤرخون موقعها غير أنا نرى أن الحسين (عليه السلام) مر بها PageV01P118 # في طريقه إلى كربلا ، فهي لا شك من قرى سواد العراق ، أي حد العراق من ~~الغرب ، ومنها سار الحسين إلى الرهيمة فوافاها. # ومذ أتى عين الرهيمة التقى %~% بالرجل الكوفي في رأد الضحى # (الرهيمة): بلفظ التصغير ، ويجوز أن يكون تصغير رهمة ، وهي المطرة ~~الضعيفة الدائمة ، وهي ضيعة قرب الكوفة. قال السكوني : هي عين بعد خفية إذا ~~أردت الشام من الكوفة. بينها وبين خفية ثلاثة أميال ، وبعدها إلى القطيفة ~~مغربا. وذكر المتنبي في مقصورته التي يهجو في آخرها كافو الأخشيدي ، ويعدد ~~فيها المنازل التي مر عليها في طريقه إلى العراق قوله : # فيا لك ليلا على أعكش %~% أحم البلاد خفي الصوى وردن الرهيمة في جوزه %~% وباقيه أكثر مما مضى # فزعم قوم أن المتنبي أخطأ في قوله (جوزه)، ثم قوله (وباقيه أكثر مما ~~مضى)؛ لأن الجوز وسط الشيء. ولتصحيحه تأويل وهو : أن أعكش اسم صحراء ، ~~والرهيمة عين وسطه ، فتكون الهاء في جوزه راجعة إلى أعكش فيصح المعنى (1). ~~ذكر محمد بن نما (2) أن الحسين (عليه السلام) لما وصل إلى الرهيمة لقيه رجل ~~من أهل الكوفة يقال له : أبو هرم ، فقال : يابن رسول الله ، ما الذي أخرجك ~~عن حرم جدك؟ فقال (عليه السلام): «يا أبا هرم ، إن بني امية شتموا عرضي ~~فصبرت ، وأخذوا مالي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت ، وأيم الله ليقتلونني ~~فيلبسهم الله ذلا شاملا ، ويريهم سيفا قاطعا ، ويسلط عليهم من يذلهم (3) ~~حتى يكونوا أذل من قوم سبأ إذ ملكتهم امرأة فحكمت في أموالهم ودمائهم». ~~ورأد الضحى : أي وقت ارتفاع الشمس وانبساط الضوء. فالحسين (عليه السلام) ~~سار من الرهيمة ، وواصل سيره إلى قصر مقاتل فنزل عنده. PageV01P119 حتى أتى قصر بني مقاتل %~% رأى به الجعفي ضاربا خبا ناشده الحسين أمرا فأبى %~% والفتح مع سبط النبي ما هوى # (قصر مقاتل): قصر كان بين عين التمر والشام. وقال السكوني : هو قرب ~~القطقطانة وسلام ، ثم القريات ، وهو منسوب إلى مقاتل بن حسان بن ثعلبة بن ms090 ~~أوس بن إبراهيم بن أيوب بن مجروف بن عامر بن عصية بن امرئ القيس بن زيد بن ~~مناة بن تميم. قال ابن الكلبي : لا أعرف في العرب الجاهلية من اسمه إبراهيم ~~بن أيوب غيرهما ، وإنما سميا بذلك للنصرانية ، وخربه عيسى بن علي بن عبد ~~الله ، ثم جدد عمارته فهو له. وقال ابن طخماء الأسدي : # كأن لم يكن بالقصر قصر مقاتل %~% وزورة ظل ناعم وصديق (1) # وفي قصر مقاتل آراء المؤرخين متضاربة ؛ فمنهم من يسميه قصر مقاتل ، ~~والبعض يذكره قصر بني مقاتل ، وربما يكون وجه تسميته ببني مقاتل نسبته إلى ~~أولاد مقاتل وأحفاده ، وصحيحه قصر مقاتل ، وموقعه شرقي الأخيضر (2) الذي يذكره PageV01P120 # المستشرقون (باكيدر)، وقد ألفت (ألمس بل) كتابا ضخما أسمته (القصر ~~والجامع في الأخيضر) (1)، ذكرت فيه : (هنالك بناية أو قرية تدعى المقاتل ، ~~وقد أشار إليه ياقوت بكونها إما بين عين التمر ودمشق ، أو قرب القطقطانة ~~وسلام) (2). ثم ذكرت : (وحالة قصر المقاتل ، وقد عد خطأ بكونه الأخيضر) ~~(3)، وأيضا ذكرت : (وهذا يقضي بي مرة أخرى إلى القول أن قصر المقاتل قد ~~كان يقوم في ما قبل الإسلام ، وفي العصر الأموي ، ثم خرب واستعاد بناءه ~~عيسى بن علي. إن قصر المقاتل أعيد بناؤه في مطلع العصر العباسي) (4) (5). ~~وربما يبعد عن الأخيضر اثنى عشر كيلو مترا ، وقد اندثر القصر ولم يبق من ~~أثره إلا شبه تل ، وبالقرب من هذا التل عين نابعة تميل إلى الملوحة تسميها ~~العرب (الأخيضرة)، وهذه الأرض كلها تسمى طف العراق ، وأهالي النجف يسمون ~~المرتفع عليها شرقا والمشرف على الطف (الطارات). وقال عبيد الله بن الحر ~~الجعفي يذكر قصر مقاتل : # وبالقصر ما جربتموني فلم أخم %~% ولم أك وقافا ولا طائشا فشل وبارزت أقواما بقصر مقاتل %~% وضاربت أبطالا ونازلت من نزل PageV01P121 فلا كوفة أمي ولا بصرة أبي %~% ولا أنا يثنيني عن الرحلة الكسل فلا تحسبني ابن الزبير كناعس %~% إذا حل أغفى أو يقال له ارتحل فإن لم أزرك الخيل تردي عوابسا %~% بفرسانها حولي فما أنا بالبطل # وهذا هو عبيد الله بن الحر الجعفي الذي ms091 التقى به الحسين (عليه السلام) في ~~قصر مقاتل. ذكر صاحب در النظيم في بعض فصوله ، راويا عن أبي مخنف أنه قال : ~~لما نزل الحسين (عليه السلام) قصر بني مقاتل رأى فسطاطا مضروبا ، فقال : ~~«لمن هذا الفسطاط؟». فقيل : لعبيد الله بن الحر الجعفي ، وكان معه الحجاج ~~بن مسروق الجعفي ، وزيد بن معقل الجعفي ، فأرسل الحسين (عليه السلام) ~~الحجاج إليه يدعوه ، فلما أتاه قال له : يابن الحر ، أجب الحسين بن علي بن ~~أبي طالب. فقال له : أبلغ الحسين عني وقل له : إني لم أخرج من الكوفة إلا ~~فرارا من دمك ، ولئلا أعين عليك ، والحسين ليس له ناصر بالكوفة ولا شيعة. ~~فجاء الحجاج وبلغ الحسين مقالته ، فعظم ذلك على الحسين (عليه السلام)، ثم ~~إنه دعا بنعليه فركبهما ، وأقبل يمشي حتى دخل على عبيد الله وهو في الفسطاط ~~، وكان الحسين (عليه السلام) عليه جبة خز وكساء وقلنسوة (1)، فلما رأى ~~الحسين مقبلا قام إليه إجلالا ، وأوسع له عن صدر المجلس حتى أجلسه بمكانه. ~~قال يزيد بن مرة : حدثني ابن الحر قال : دخل على الحسين (عليه السلام) ~~ولحيته كأنها جناح غراب ، ما رأيت أحدا قط أحسن ولا أملا للعين من الحسين ~~(عليه السلام)، ولا رققت لأحد قط كرقتي على الحسين حين رأيته يمشي وأطفاله ~~حواليه ، فالتفت الحسين (عليه السلام) إلى عبيد الله وقال له : «ما يمنعك ~~يابن الحر أن تخرج معي؟». فقال : لو كنت ممن كتب لك لكنت معك ، ولكن هذه ~~خيلي المعدة والأدلاء من أصحابي ، وهذه فرسي الملحقة ، فوالله ما طلبت ~~عليها شيئا إلا أدركته ، وما طلبني أحد إلا فته ، فدونكها فاركبها حتى تلحق ~~بمأمنك ، وأنا ضمين لك بالعيالات حتى أؤديهم إليك أو أموت أنا وأصحابي ~~دونهم. وأنا كما تعلم إذا دخلت في أمر لا يضمني فيه أحد. فقال الحسين (عليه ~~السلام): «هذه نصيحة PageV01P122 # منك لي؟». قال : نعم ، فوالله الذي لا إله فوقه. فقال الحسين (عليه ~~السلام): «إني سأنصحك كما نصحتني ؛ مهما استطعت أن لا تشهد وقعتنا ولا ~~تسمع واعيتنا ؛ فوالله لا يسمع اليوم واعيتنا ms092 أحد ثم لا ينصرنا إلا أكبه ~~الله على منخريه في النار». وفي الأمالي (1): فقال له الحسين (عليه ~~السلام): «لا حاجة لنا فيك ، ولا في فرسك». ثم تلا قوله تعالى : ( @QUR@05 ~~وما كنت متخذ المضلين عضدا ) (2)، ثم فارقه الحسين (عليه السلام). قال أهل ~~السير : ولما قتل الحسين (عليه السلام) ندم عبيد الله على عدم نصرته للحسين ~~، وصار يتحسر لذلك ويتأسف بقوله : # فيا لك حسرة ما دمت حيا %~% تردد بين حلقي والتراق حسين حين يطلب بذل نصري %~% على أهل الضلالة والنفاق غداة يقول لي بالقصر قولا %~% أتتركنا وتزمع بالفراق ولو أني اواسيه بنفسي %~% لنلت كرامة يوم التلاق مع ابن المصطفى روحي فداه %~% تولى ثم ودع بانطلاق فلو فلق التلهف قلب حي %~% لهم اليوم قلبي بانفلاق لقد فاز الالى نصروا حسينا %~% وخاب الآخرون ذوو النفاق # وقال أيضا يصف حزنه على الحسين (عليه السلام): # يبيت النشاوي من امية نوما %~% وبالطف قتلى لا ينام حميمها وأضحت قناة الدين في كف ظالم %~% إذا اعوج منها جانب لا يقيمها فأقسمت لا تنفك نفسي حزينة %~% وعيني تبكي لا يجف سجومها حياتي أو تلقى امية خزية %~% يذل بها حتى الممات قرومها # وذكر الطبري (3) أن عبيد الله بن زياد تفقد أشراف أهل الكوفة فلم ير عبيد ~~الله بن الحر الجعفي ، ثم جاءه بعد أيام حتى دخل عليه ، فقال له : أين PageV01P123 # كنت يابن الحر؟ قال : كنت مريضا. قال : مريض القلب أم مريض البدن؟ قال : ~~أما قلبي فلم يمرض ، وأما بدني فقد من الله علي بالعافية. قال له ابن زياد. ~~كذبت ، ولكنك كنت مع عدونا. قال : لو كنت مع عدوك لرؤي مكاني ، وما كان مثل ~~مكاني يخفى. قال : وغفل عنه ابن زياد غفلة فخرج ابن الحر فقعد على فرسه ، ~~فقال ابن زياد : أين ابن الحر؟ قالوا : خرج الساعة. قال : علي به. فأحضرت ~~الشرطة فقالوا له : أجب الأمير ابن زياد. فدفع فرسه ، ثم قال : أبلغوه عني ~~أني لا آتيه طايعا أبدا. ثم خرج حتى أتى منزل أحمر بن أياد الطائي ، فاجتمع ~~في منزله أصحابه ms093 ، ثم خرج حتى أتى كربلاء فنظر إلى مصارع القوم فاستغفر لهم ~~هو وأصحابه ، ثم مضى حتى نزل المدائن ، وقال في ذلك : |يقول أمير غادر وابن غادر||ألا كنت قاتلت الحسين بن فاطمه| |فيا ندمي أن لا أكون نصرته||ألا كل نفس لا تسدد نادمه| |وإني لأني لم أكن من حماته||لذو حسرة ما أن تفارق لازمه| |سقى الله أرواح الذين تآزروا||على نصره سقيا من الغيث دائمه| |وقفت على أجداثهم ومحالهم||فكاد الحشا ينقض والعين ساجمه| |لعمري لقد كانوا مصاليت في الوغى||سراعا إلى الهيجا حماة ضراغمه| |فإن يقتلوهم كل نفس تقية||على الأرض قد أضحت لذلك واجمه| |وما أن رأى الراؤون أفضل منهم||لدى الموت سادات وزهر قماقمه (1) | |أتقتلهم ظلما وترجو ودادنا||فدع خطة ليست لنا بملائمه| |لعمري لقد راغمتمونا بقتلهم||فكم ناقم منا عليكم وناقمه| |أهم مرارا أن أسير بجحفل||إلى فئة زاغت عن الحق ظالمه (2) | |فكفوا وإلا ذدتكم في كتائب||أشد عليكم من زحوف الديالمه| PageV01P124 # والفتح ما هو أي الشهادة وهذه الكلمة قالها الحسين (عليه السلام) بكتابه ~~إلى أخيه محمد بن الحنفية ، كتب إليه : «أما بعد ، فمن لحق بي منكم استشهد ~~، ومن لم يلحق بي لم يبلغ الفتح ، والسلام» (1)، فأنزل الحسين (عليه ~~السلام) الشهادة بمنزلة الفتح ، وأي فتح أعظم من هذا؟ فقد ورد في الزيارة : ~~«أخرج عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة». وقد هد عرش امية ، وجدد دين جده ~~رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشهادته (عليه السلام). قال أرباب التاريخ ~~: ولما كان في آخر الليل أمر الحسين (عليه السلام) بالرحيل ، فسار من قصر ~~مقاتل ، ولما طلع الفجر نزل وصلى بأصحابه ، ثم ركب وأخذ يتياسر بهم ، وكلما ~~أراد أن يميل نحو البادية يمنعه الحر بن يزيد ويرده وأصحابه نحو الكوفة (2) ~~جهة الشرق حتى وافى كربلاء. # ولم يفارقه (الرياحي) إلى %~% أن وقف الطرف بسبط المصطفى فضيق الحر عليه قائلا %~% حط عصا الترحال يابن المرتضى فقال دعنا أن نسري غلوة %~% فقال لا تنزل إلا بالعرا # الرياحي : هو (الحر بن يزيد ms094 الرياحي)، وقد مرت ترجمته مفصلا. والغلوة : ~~رمية سهم ، وعن الليث : الفرسخ التام خمسة وعشرون غلوة (3). قال أرباب ~~التاريخ : ولما حاذى الحسين بسيره نينوى إذا براكب على نجيب عليه السلاح ~~متنكبا قوسه مقبلا ، فوقفوا ينتظرونه ، فلما انتهى إليهم سلم على الحر ولم ~~يسلم على الحسين (عليه السلام)، فدفع إلى الحر كتابا من ابن زياد ، وإذا ~~فيه : أما بعد ، فجعجع بالحسين حتى يبلغك كتابي ، ويقدم عليك رسولي ، فلا ~~تنزله إلا بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء ، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا ~~يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري ، والسلام. فلما قرأ الكتاب ، قال لهم الحر ~~: هذا كتاب الأمير عبيد الله يأمرني PageV01P125 # أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه ، وقد أمر رسوله أن لا ~~يفارقني حتى أنفذ أمره. وأخذهم الحر بالنزول على غير ماء ولا في قرية ، ~~فقالوا : دعنا ننزل في نينوى ، أو ننزل بالغاضرية ، أو شفية. فقال : لا ~~أستطيع ، هذا الرجل قد بعث عينا علي ، فقال زهير بن القين للحسين (عليه ~~السلام): أنه لا يكون والله بعد ما ترون إلا ما هو أشد منه يابن رسول الله ~~، أن قتال هؤلاء أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم ، فلعمري ليأتينا ~~بعدهم ما لا قبل لنا به ، فهلم نناجز هؤلاء. فقال الحسين (عليه السلام): ~~«إني أكره أن أبدأهم بالقتال». قالوا : وصار الحسين (عليه السلام) يسأل عن ~~اسم هذه الأرض. # فسأل الحسين ما اسم هذه ال %~% أرض فقال القوم تدعى نينوى # (نينوى): بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح النون ، بوزن طيطوى ، وهي قرية ~~يونس بن متى. # قال الحموي (1): وبسواد الكوفة ناحية يقال لها : نينوى ، منها كربلاء ~~التي قتل بها الحسين (عليه السلام). ذكر ابن أبي طاهر أن الشعراء اجتمعوا ~~بباب عبد الله بن طاهر فخرج إليهم رسوله ، وقال : من يضف إلى هذا البيت على ~~حروف قافيته بيتا؟ وهو : # لم يصح للبين منهم صرد %~% وغراب لا ولكن طيطوى # فقال رجل من أهل الموصل : # فاستقلوا بكرة يقدمهم %~% رجل يسكن حصني نينوى # فقال عبد الله بن ms095 طاهر للرسول : قل له تصنع شيئا ، فهل عنده غيره؟ فقال ~~أبو سناء القيسي : # وبنبطي طفا في لجة %~% قال لما كظه التغطيط وى # فصوبه ، وأمر له بخمسين دينارا. # ونينوى تقع شرقي كربلاء ، وهي الآن سلسلة تلول أثرية ممتدة منها ، من ~~جنوب سدة الهندية حتى مصب نهر العلقمي في الأهوار ، وتعرف بتلول نينوى. PageV01P126 # ويتفرع منها نهر العلقمي هذا من نهر الفرات الذي كأن يجري من أعالي ~~الأنبار إلى بابل في نقطة تقع شمال نينوى. قال شيخنا المظفري (1): كانت ~~قرية مسكونة ، وأراد الحسين (عليه السلام) النزول بها عندما قال للحر : ~~«دعنا ننزل القرية يعني نينوى أو هذه يعني الغاضرية أو هذه يعني شفية ». ~~فأجابه الحر : هذا رجل قد بعث عينا علي ... إلخ. وذكر الشيخ الطوسي ، ~~وتابعه الشيخ النوري : أنها قرية إلى جنب حائر الحسين (عليه السلام)، ولكن ~~الشيخ المفيد (ره) يذكر أن نزول الحسين (عليه السلام) بنفس نينوى ، وإنه لم ~~ينزل القرية العامرة. وذكر الطبري (2) قال : حتى انتهوا إلى نينوى ، المكان ~~الذي نزل به الحسين (عليه السلام)، وهي تمتد من أراضي السليمانية اليوم ~~إلى سور بلدة كربلاء المعروف (بباب طويريج) اليوم ، كما تمتد الغاضرية من ~~سور كربلاء من الموضع المعروف (بباب الحسينية) إلى قرب مرقد (عون)، أو إلى ~~(خان العطيشي). ونينوى هي اليوم الموضع المعروف (بباب طويريج) شرقي كربلاء ~~كما حققها وأثبتها العلامة المظفري ، وحتى ناقش بإثباته وتحقيقاته سيدنا ~~الحجة الشهرستاني (أيده الله)؛ إذ قال : إنها السدة الهندية اليوم ، وربما ~~تكون هي أقرب المواضع إلى مصرع الحسين (عليه السلام). وفي حديث أبي بكر بن ~~عياش : أنه خرج من قنطرة الكوفة حتى انتهى إلى نينوى ، وقد ذكرها الشعراء ~~بمراثيهم منها قول بعضهم يصف أصحاب الحسين (عليه السلام): # ومذ أخذت في نينوى منهم النوى %~% ولاح بها للغدر بعض العلائم غدا ضاحكا هذا وذا متبسما %~% سرورا وما ثغر المنون بباسم لقد صبروا صبر الكرام وقد قضوا %~% على رغبة منهم حقوق المكارم # ولشيخنا المظفري مطلع قصيدته ذكر نينوى ، قال : # قف على نينوى وحيي رباها %~% بقعة شرفت فطاب ms096 ثراها PageV01P127 # قالوا : فقال الحسين (عليه السلام): «هل لها اسم غير هذا؟». فقالوا : العقر. # أغير ذا اسم لها قالوا بلى %~% العقر فاستعوذ من كل بلا # (العقر): بفتح أوله وسكون ثانيه. قال الخليل : سمعت أعرابيا من أهل ~~(الصمان) يقول : كل فرجة تكون بين شيئين فهو عقر. قال : ووضع يديه على ~~قائمتي المائدة ونحن نتغدى فقال : ما بينهما عقر. قال علماء الجغرافية : ~~وهناك عقر يقال له : عقر سلمى لبني نبهان عن يسار المصعد إلى مكة ، هذا ~~بالحجارة ذكره البكري (1) قال : ثم يلي الجبل العقر. وذكر الدينوري (2) عند ~~وصول الحسين إلى كربلاء ، قال : فقال زهير بن القين : فهاهنا قرية بالقرب ~~منا على شط الفرات ، وهي عاقول (3) حصينة الفرات ، يحدق بها إلا من وجه ~~واحد. فقال الحسين (عليه السلام): «وما اسم تلك القرية؟». فقال : العقر. ~~فقال الحسين (عليه السلام): «نعوذ بالله من العقر». والذي يتتبع آثار ~~العراق القديمة يجد أن هناك عدة قرى ومدن كانت تسمى (بالعقر)؛ منها قرية ~~تقع على شط دجلة فوق تكريت ، وقد مر بها الرحالة ابن بطوطة عام 727 ه (4)، ~~فقال عنها ما نصه : ثم رحلنا أي من تكريت منها مرحلتين ، ووصلنا إلى قرية ~~تعرف بالعقر على شط دجلة ، وبأعلاها ربوة كان بها حصن ، وبأسفلها الخان ~~المعروف (بخان الحديد)، له أبراج ، وبناؤه حافل. والقرى والعمارة متصلة من ~~هناك إلى الموصل ، ومنها قرية بالقرب من كربلاء ، وهذه التي أشار أحد أصحاب ~~الحسين (عليه السلام) عليه بأن يسير وينزل لحصانتها ، ثم نجد هناك آثار ~~قريتين مندرستين تقعان على الفرات جنوب الأنبار الفلوجة اليوم يقال لهما : ~~عقر الغربي ، وهي التي أشار إليها زهير على الحسين أن ينزلها (5). PageV01P128 # وفي بدرة في الجانب الثاني تل يقال له : العقر ، وإلى جانبه شيدت حكومتنا ~~العراقية دورا للموظفين ، ويوجد أيضا تل كبير في قضاء الشامية من أراضي ~~(عشيرة الكرد) يسمى (عقر)، وهذا الاسم يشمل جميع الأراضي الزراعية المحيطة ~~به. وقد مررت عليه عام 1347 هج ، وشاهدت عليه بعض البيوت مقامة ، وهي من ~~سعف النخل والقصب لم يزل حتى اليوم حواليه الأرض ms097 الزراعية التي قد أوقفها ~~السيد عماد الدين وبهاء الدين على أبنائهما ذكورا وإناثا ، وقد أثبتا تلك ~~الوقفية بخط ابن إختهما العلامة الحلي ، ولم يزل حتى الآن السادة المعروفون ~~(ب آل بهية)، والعماديون يتصرفون ببعض العقر ، وإن ابتز بعض ذوي السلطة ~~قسما منها. وعقر بابل ينسب إليها أبو الدر لؤلؤ بن أبي الكرم بن فارس ~~العقري. قال صاحب اللباب (1): هذه النسبة إلى العقر ، وهي قرية على طريق ~~بغداد إلى الدسكرة ، وعقر كربلاء غيره عقر بابل. ففي عقر بابل قتل يزيد بن ~~المهلب بن أبي صفرة سنة 102 ه ، وكان قد خلع طاعة بني مروان ، ودعا إلى ~~نفسه فأطاعه أهل البصرة والأهواز وفارس وواسط ، فخرج في مئة وعشرين ألفا ، ~~فندب له يزيد بن عبد الملك أخاه مسلمة فوافقه بالعقر من أرض بابل ، فأجلت ~~الحرب عن قتل ابن المهلب. وكانوا يقولون : ضحى بنو حرب بالدين يوم كربلاء ، ~~وضحى بنو مروان بالمروءة يوم العقر. وقال الفرزدق يشبب بعاتكة بنت عمرو بن ~~يزيد الأسدي ، زوج يزيد بن المهلب : # إذا ما المزونيات أصبحن حسرا %~% وبكين أشلاء على عقر بابل وكم طالب بنت الملاءة إنها %~% تذكر ريعان الشباب المزايل # وذكرها الشعراء بمراثيهم للحسين (عليه السلام)، فللعلامة المظفري قوله : # فسل عقر الطفوف تجد لديه %~% تفاصيلا لفاجعة الطفوف # فسأل الحسين (عليه السلام): «هل لها اسم غيره؟». فأخبروه يقال لها : ~~كربلاء. PageV01P129 قال أجل فهل تسمى غير ذا %~% قالوا بلى هذي تسمى كربلا # (كربلاء): بالمد ، موضع في طرق البرية عند الكوفة. فأما اشتقاقها فمن ~~كربلة ، والكربلة : رخاوة القدمين ، يقال : جاء يمشي مكربلا ، فيجوز أن ~~تكون أرض هذا الموضع رخوة فسميت بذلك. والكربل : اسم نبت (الحماض)، فيجوز ~~أن يكون هذا الصنف من النبت يكثر هناك. وتقع كربلاء على خط الطول 43 درجة ~~و55 دقيقة شرقي (غرنج)، وعلى خط العرض 34 درجة و45 دقيقة تقريبا شمال خط ~~الاستواء ، وفي المنطقة المعتدلة الشمالية. ذكر المؤرخون أن كربلاء كانت في ~~عهد البابليين معبدا لسكان بلدتي نينوى وعقر بابل الكلدانيتين الواقعتين ~~بالقرب منها ، والاسم محرف من كلمتي (كرب) بمعنى ms098 مصلى ، أو معبد ، أو حرم ، ~~و (أبلا) بمعنى إله باللغة الآرامية ، أي حرم الإله (1). ولما فتح ~~الساسانيون العراق على عهد (شابور ذي الأكتاف) قسموا العراق إلى إستانات ~~(2)، وكل إستانة إلى (طسج) (3)، وهذه الطساسيج إلى رساتيق (4)، فأصبحت ~~الأراضي الواقعة بين (عين التمر) (5) والفرات طسجا من طساسيج الإستانة ، ~~وسميت (بهفباد الأوسط). وكانت تتألف من ستة طساسيج : طسج بابل ، طسج خطرنية ~~، طسج فلوجة الفلى ، طسج فلوجة العليا ، عين التمر ، طسج النهرين. وفي طسج ~~النهرين يقول دعبل بن علي الخزاعي (6) في قصيدته التائية : PageV01P130 نفوس لدى النهرين من أرض كربلا %~% معرسهم فيها بشط فرات |مدارس آيات خلت من تلاوة||ومنزل وحي مقفر العرصات| |بكى لشتات الدين مكتئب صب||وفاض بفرط الدمع من عينه غرب| |وقام إمام لم يكن ذا هداية||فليس له دين وليس له لب| |وما كانت الأنباء تأتي بمثله||يملك يوما أو تدين له العرب| |ولكن كما قال الذين تتابعوا||من السلف الماضي الذي ضمه الترب| |ملوك بني العباس في الكتب سبعة||ولم تأتنا عن ثامن لهم كتب| |كذلك أهل الكهف في العد سبعة||خيار إذا عدوا وثامنهم كلب| |وإني لأعلي كلبهم عنك رفعة||لأنك ذو ذنب وليس له ذنب| |لقد ضاع أمر الناس إذ ساس ملكهم||وصيف وأشناس وقد عظم الكرب| |قد قلت إذ غيبوه وانصرفوا||في شر قبر لشر مدفون| |اذهب إلى النار والعذاب فما||خلتك إلا من الشياطين| |ما زلت حتى عقدت بيعة من||أضر بالمسلمين والدين| |ولست بقائل قذعا ولكن||لأمر ما تعبدك العبيد| |يا معشر الأجناد لا تقنطوا||وارضوا بما كان ولا تسخطوا| |فسوف تعطون حنينية||يلتذها الأمرد والأشمط| |والمعبديات لقوادكم||لا تدخل الكيس ولا تربط| |وهكذا يرزق قواده||خليفة مصحفه البربط| |أيسومني المأمون خطة عاجز||أو ما رأى بالأمس رأس محمد| |إني من القوم الذين عهدتهم||قتلوا أخاك وشرفوك بمقعد| |شادوا بذكرك بعد طول خموله||واستنقذوك من الحضيض الأوهد| PageV01P131 # وقد سمي الطسج السادس (بطسج النهرين)؛ لوقوعه بين (خندق شابور ونهر ~~العلقمي). ولما فتح المسلمون العراق في عهد ms099 عمر بن الخطاب (رض) سنة 14 ه ~~بقيادة سعد بن أبي وقاص الذي أمر ابن عرفطة بفتح طسج النهرين ففتحه ، اتخذ ~~كربلاء بادئ ذي بدء مأوى لجيوش المسلمين ومركزا لقيادتهم ، ثم بعد ذلك ~~رحلوا عنها إلى الكوفة ؛ لوخامتها ورداءة مناخها وقتئذ ، فاستبدل الإسلام ~~اسم الإستانة إلى (كور)، وعرف هذا الطسج السادس (بكور بابل). وقد أخطأ بعض ~~المؤرخين بتسميتها (بكور بابل)، والصحيح كما مر اسمها (كربلاء)، وقسم ~~الإسلام أيضا طسج النهرين إلى عدة قرى ، فسميت كل قرية باسمها الخاص منها نينوى. # (نينوى): تقع شرقي كربلاء اليوم ، وهي الآن سلسلة تلول أثرية ممتدة من ~~جنوب سدة الهندية حتى مصب نهر العلقمي في الأهوار ، وتعرف (بتلول نينوى)، ~~ويتفرع منها نهر العلقمي هذا من نهر الفرات الذي كان يجري من أعالي الأنبار ~~إلى بابل في نقطة تقع شمال نينوى ، والعقر وعين التمر يقعان غربي كربلاء. ~~قال شيخنا المظفري (1) في تحقيقاته عن بلاد كربلاء : الاسم الحائز على ~~الشهرة العظيمة التي طويت الأجيال ، ولفت العصور لقداستها بما حوته من ~~جثمان سيد شباب أهل الجنة ، سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وريحانته ~~الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام). هي بالأصل اسم لموضع خاص من ~~مواضع هذه الأرض الواسعة الفسيحة غلب على الصقع بأسره ، وهو من دونها موضع ~~قاحل ، أرضه جرداء لا نبات بها سوى الحلفاء وبعض الأدغال ، وليس فيها ماء ~~في ذلك الوقت ولا سكان ، وبهذا الموضع نزل الحسين (عليه السلام) أولا ، ثم ~~تركه ونزل المخيم المعروف الآن (بالخيمكاه) بلسان الفرس ، فإنهم أنزلوه به ~~كرها ؛ امتثالا |||| |||| |||| PageV01P132 # لأمر اللعين ابن زياد في أن ينزلوه بالعراء على غير ماء ولا كلاء. ولما ~~علم منهم التصميم على قتاله ، واختبر الأرض فوجدها لا تصلح للحرب ؛ إذ إنها ~~مكشوفة. وليس بها ملجأ ، ولا لأصحابه وعيالاته من مكان يعتصمون به من غارة ~~العدو ، ورأى قريبا منها تلك التلاع الثلاث التي يتمكن لو جعلها خلف ظهره ، ~~ويحتمي بها وقت المصاولة ، فارتحل من منزله الأول وبه استشهد. وموضع نزوله ~~الأول معروف لحد الآن ms100 ، وعوام أهل كربلاء من القرويين يعرفونه باسم (كربلة) ~~مفخما ، ولأجل نزول الحسين (عليه السلام) به غلب اسمه على تلك المنطقة ~~بأسرها فسميت به عامة المواضع. وقد ظهر لي بالسؤال من أهل تلك النواحي ، ~~والنقل عن أهل الخبرة من أهل العلم أن بها موضعين ، كل واحد منهما يقال له ~~: كربلة (بالتفخيم)؛ أحدهما : ما وصفه لي بعض المطلعين أنه في بادية ~~كربلاء ، يبعد عن البلدة مقدار ستة أميال تقريبا إلى الجنوب الشرقي من قرية ~~(الرزازة) (قرية ابن هذال) أحد زعماء عنزة (اعنزة). والثاني : ما وصفه ~~الميرزا النوري (ره) في كتابه (نفس الرحمن)، ولفظه : وأما كربلاء : ~~فالمعروف عند أهل تلك النواحي أنها قطعة من الأرض الواقعة في جنب نهر يجري ~~من قبلي سور البلد ، يمر بالمزار المعروف (بابن حمزة) منها بساتين ومزارع ، ~~والبلد واقع بينها ، انتهى. يعني مزار ابن حمزة وكربلاء. ثم تحققنا من بعض ~~الخبراء المطلعين من أهل البلد ، فقال : نعم ، كربلة مقاطعة على طريق ~~المتجه إلى بغداد ، مجاورة للوند مقاطعة (السيد قاسم الرشتي) (1)؛ فعلى ~~هذا يجوز أن تكون الأرض كلها من الوند إلى ما فوق الرزازة تسمى كربلاء ، ~~وهو اسمها اليوم عند أهل البادية والقرويين ، وسميت به البلدة للمجاورة. ~~روى الجنابذي (2) مرفوعا إلى الأصبغ بن نباتة ، عن علي بن أبي طالب (رضي ~~الله عنه) قال : أتينا مع علي PageV01P133 # رضي الله عنه في سفره فمررنا بأرض كربلاء ، فقال علي (عليه السلام): «ها ~~هنا مناخ ركابهم ، وموضع رحالهم ، ومهراق دمائهم ؛ فئة من آل محمد (صلى ~~الله عليه وآله) يقتلون في هذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض» (1). ~~وروى الشيخ فخر الدين الطريحي (ره) (2) قال : كربلاء موضع معروف ، وبها قبر ~~الحسين بن علي (عليه السلام)، وروى أنه اشترى النواحي التي فيها قبره من ~~أهل (نينوى ، والغاضرية) بستين ألف درهم ، وتصدق بها عليهم ، واشترط عليهم ~~بأن يرشدوا إلى قبره ، ويضيفوا من زاره ثلاثة أيام ، وقد رووه عن الأئمة ~~الطاهرين ، فهم لا يترددون في صحته ، ولا يرتابون فيه. أقول : إني لا أشك ~~أن الحسين (عليه السلام) لما ms101 علم أن القوم غير تاركيه ، وأنهم سوف يقتلونه ~~وينتهبون ثقله كما جرى ذلك ، فكل ما كان يحمله من النقد دفعه إلى بني أسد ~~من أهل السواد ، وطلب (عليه السلام) ابتياع هذه البقعة منهم. والذي يحقق ~~ذلك أن أهل الكوفة بعد مقتله حصلوا على غنائم وافرة ، بل على كل متاع ~~الحسين (عليه السلام) نهبا ، وذكروا أشياء منه حتى الورس وغيره ، ولم ~~يذكروا هناك أنهم عثروا على نقود في متاعه عندما انتهبوه ؛ فعلى هذا صح أن ~~الحسين (عليه السلام) دفع لبني أسد كل ما كان في خزانته ، وابتاع منهم هذه ~~الأرض كي لا تضيع معالم قبره ؛ لعلمه (عليه السلام) أن قبره سوف يكون مزارا ~~لشيعته من أمة جده محمد (صلى الله عليه وآله)، وقد ذكرها الشعراء ~~بأشعارهم. هذه عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ترثي الحسين (عليه السلام)، ~~وتذكر كربلاء ، وقولها : # وا حسينا فلا نسيت حسينا %~% أقصدته أسنة الأعداء غادروه بكربلاء صريعا %~% لا سقى الغيث جانبي كربلاء # وذكر سبط ابن الجوزي في تذكرته أنه قال السدي : أول من رثى الحسين (عليه ~~السلام) عقبة بن عمرو العبسي قال : # إذا العين قرت في الحياة وأنتم %~% تخافون في الدنيا فأظلم نورها PageV01P134 مررت على قبر الحسين بكربلا %~% ففاضت عليه من دموعي غزيرها وما زلت أبكيه وأرثي لشجوه %~% ويسعد عيني دمعها وزفيرها وناديت من حول الحسين عصائبا %~% أطافت به من جانبيه قبورها سلام على أهل القبور بكربلا %~% وقل لها مني سلام يزورها سلام بآصال العشي وبالضحى %~% تؤديه نكباء الرياح ومورها ولا برح الزوار زوار قبره %~% يفوح عليهم مسكها وعبيرها # وهناك كثير ممن نظم في مراثي الحسين (عليه السلام)، وذكر بشعره كربلاء. # (النواويس): تقع شمال غربي كربلاء. والنواويس : جمع ناووس ، من القبر ما ~~سد لحده (1). كانت بها مجموعة مقابر للنصارى في قديم العهد ، وللذين سكنوا ~~هذه الأراضي في الأحقاب السالفة ، واليوم يقال لها : أراضي (الجمالية)، ~~وفي شمال شرقها أراضي الفراشية. قالوا : وكانت النواويس قبل الإسلام مقبرة ~~للأنباط والمسيحيين. وجاء ذكر النواويس في (من لا يحضره الفقيه) (2)، قال ms102 ~~الصادق (عليه السلام): «إن النواويس شكت إلى الله (عز وجل) شدة حرها ، ~~فقال لها (عز وجل): اسكتي ، فإن مواضع القضاء أشد حرا منك». قال الحموي في ~~معجمه : الناووس والقبر واحد ، ولم يذكر نواويس كربلاء ، وقد ذكرها الحسين ~~(عليه السلام) في خطبته التي خطبها بمكة قبل خروجه منها ، قال (عليه ~~السلام): «كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء». وجاء ~~في (نفس الرحمن) للشيخ النوري : والنواويس مقابر النصارى كما في حواشي ~~الكفعمي ، وسمعنا أنها في المكان الذي فيه مزار (الحر بن يزيد الرياحي) من ~~شاطئ الطف ، وهي ما بين الغرب وشمال البلد يعني كربلاء ، وقد ذكرها الشعراء ~~بمراثيهم. ولشيخنا المظفري من قصيدة له يرثي الحسين (عليه السلام) ويذكر PageV01P135 # النواويس : # عند النواويس أجساد موزعة %~% من آل يس في صال من البيد # (الطف): بالفتح والفاء المشددة ، وهو في اللغة ما أشرف من أرض العرب على ~~ريف العراق. قال الأصمعي : وإنما سميت طفا ؛ لأنه دنا من الريف ، من قولهم ~~: خذ ما طف لك واستطف ، أي ما دنا وأمكن. قال أبو سعيد : سمي الطف ؛ لأنه ~~مشرف على العراق ، من أطف على الشيء بمعنى أطل. والطف : طف الفرات ، أي ~~الشاطئ ، به قتل الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأصحابه (1)، ~~وهي أرض بادية قريب من الريف. ذكر شيخنا السماوي (رحمه الله) في أرجوزته ~~التاريخية بعض الأسماء الواردة في مواقع (كربلاء)، قال : # (الطف) ما أطل بالإشراف %~% على العراق وعلى الأرياف أو ما علا فراته من شط %~% واختص في مثوى الحسين السبط وسمي (الحائر) وهو الدائر %~% إذ دار فيه الماء وهو حائر لدن رأى هارون ثم جعفر %~% أن يحرث القبر كما سنذكر وذاك عشرون ذراعا تضرب %~% بمثلها فعم أقصى أقرب و (نينوى) لقرية قديمه %~% جدد فيها يونس أديمه إذ قذفته (النون) عاري البشره %~% فأنبت الله عليه الشجره وذاك في رواية معروفه %~% قيل بها وقيل بل بالكوفه لكنما التسمية المذكوره %~% دلت على الطرفة والباكوره و (كربلا) لأن فيها رخوا %~% أو أنها تنبت وردا أحوى أو (كور بابل) كما ms103 يقال %~% وخفف اللفظة الاستعمال و (الغاضريات) لأن غاضره %~% من أسد قد تخذته حاضره وفيه نهر لهم أو أنهر %~% تعرف في نسبتهم وتشهر و (مشهد الحسين) حيث استشهدا %~% أو حيث ما يشهده من شهدا PageV01P136 و (شاطئ الفرات) عم ثم خص %~% لكن هذا نادر لمن فحص وطوله (لج نه) والعرض (لدم) %~% لأحدث الأرصاد لا لذي قدم (1و 2) والحد منه خمسة الفراسخ %~% في مثلها حرمة قبر شامخ وحد في أربعة بالمثل %~% ووجهوه بازدياد الفضل وذاك مثل ما يوجه الخبر %~% بالحائر المحدود سبعة عشر # قال أبو دهبل الجمحي يرثي الحسين (عليه السلام) ومن قتل معه بالطف ، وقيل ~~: لسليمان بن قتة (3). # مررت على أبيات آل محمد %~% فلم أرها أمثالها يوم حلت ألم تر أن الشمس أضحت مريضة %~% لفقد حسين والبلاد اقشعرت وكانوا رجالا ثم صاروا رزية %~% ألا عظمت تلك الرزايا وجلت أتسألنا قيس فنعطي فقيرها %~% وتقتلنا قيس إذا النعل زلت وعند غني قطرة من دمائنا %~% سنطلبها يوما بها حيث حلت فلا يبعد الله الديار وأهلها %~% وإن أصبحت منهم برغمي تخلت فإن قتيل الطف من آل هاشم %~% أذل رقاب المسلمين فذلت وجا فارس الأشقين بعد برأسه %~% وقد نهلت منه الرياح وعلت (4) # وقال أيضا يذكر الطف : # تبيت النشاوى من امية نوما %~% وبالطف قتلى ما ينام حميمها وما أفسد الإسلام إلا عصابة %~% تأمر نوكاها فدام نعيمها (5) فصارت قناة الدين في كف ظالم %~% إذا اعوج منها جانب لا يقيمها PageV01P137 # وذكر يحيى بن الحكم الطف بقوله : # لهام بجنب الطف أدنى قرابة %~% من ابن زياد النغل ذي الحسب الوغل (1) سمية أضحى نسلها عدد الحصى %~% وبنت رسول الله ليست بذي نسل (2) # وذكر مصعب بن الزبير الطف بقوله : # وإن الالى بالطف من آل هاشم %~% تأسوا فسنوا للكرام التآسيا # ولآخر يرثي الحسين (عليه السلام) ويذكر الطف : # ابك حسينا ليوم مصرعه %~% بالطف بين الكتائب الخرس أضحت بنات النبي إذ قتلوا %~% في مأتم والسباع في عرس (3) # ومن رثاء عقيلة الهاشميين زينب بنت الإمام علي (عليه السلام)، ترثي ~~أخاها وتذكر الطف : # على الطف السلام وساكنيه %~% وروح الله ms104 في تلك القباب # ولشقيقتها ام كلثوم ترثي أخاها وتذكر الطف : # وإن رجالنا بالطف صرعى %~% بلا دفن وقد ذبحوا البنينا # وللسوسي يذكر الطف بشعره : # أأنسى حسينا بالطفوف مجدلا %~% ومن حوله الأطهار كالأنجم الزهر # وللعوني أيضا يذكر الطف : # فيا بضعة من فؤاد الرسول %~% بالطف أضحى كثيبا مهيلا # ولابن جمال يذكر الطف : # وذكرني بالنوح والحزن والبكا %~% غريب بأكناف الطفوف فريد PageV01P138 # وللخليعي ذكر الطف بشعره : # أم كيف لا أبكي الحسين وقد غدا %~% شلوا بأرض الطف وهو ذبيح # وللشرف الرضي يرثى جده الحسين (عليه السلام) ويذكر الطف : # إن يوم الطف يوم %~% كان للدين عصيبا لم يدع للقلب مني %~% في المسرات نصيبا لعن الله رجالا %~% ملؤوا الدنيا عيوبا سالموا عجزا ولما %~% قدروا شنوا حروبا طلبوا أوتار بدر %~% عندنا ظلما وحوبا # وجاء ذكر الطف في قصيدة مهيار الديلمي قائلا : # نقضتم عهوده في أهله %~% وجزتم عن سنن المرسام وقد شهدتم مقتل ابن عمه %~% خير مصل بعده وصائم وما استحل باغيا إمامكم %~% يزيد بالطف من ابن فاطم وها إلى اليوم الظبا خاضبة %~% من دمهم مناسر القشاعم # وذكر ابن عساكر في ترجمة خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد من كلامه في ~~قتل الحسين (عليه السلام): # أبني أمية هل علمتم أنني %~% أحصيت ما بالطف من قبر صب الإله عليكم عصبا %~% أبناء جيش الفتح أو بدر # وأكثر الشعراء الذين رثوا الحسين (عليه السلام) ذكروا الطف بشعرهم. # قال شيخنا المظفري : وأما طف الكوفة ، وتسميه عوام هذا العصر ب (الطارات) ~~، فيمتد من قرية (الشنافية) (1) مجتازا (بالحيرة) فالنجف الأشرف ، PageV01P139 # ويستمر مغربا إلى عين التمر (شفاثة)، ومن القطقطانية ينعطف إلى كربلاء. ~~قلت : وفي هذا الطف عيون كثيرة ، منها باقية حتى اليوم. قال ابن الفقيه : ~~وعيون الطف منها مثل عين الصيد ، والقطقطانة ، والرهيمة ، وعين جمل ، وعين ~~الرحبة (1). أقول : والتي وقفت عليها من تلك العيون ؛ الرحبة (2)، وعين ~~الهارمية (3)، وعين الحسن (4)، وهناك عين آل (الحياضية)، وعين (العزية). ~~وذكر البلاذري (5) قال : كانت عيون الطف مثل عين الصيد (6)، والقطقطانة ، PageV01P140 # والرهيمة (1)، وعين جمل (2)، وذواتها للموكلين بمسالح الخندق (3) ~~وغيرهم ؛ وذلك إن سابور ms105 أقطعهم أرضا فاعتملوها من غير أن يلزمهم لها خراجا ~~، فلما كان يوم ذي قار ونصر الله العرب بنبيه محمد (صلى الله عليه وآله) ~~غلبت العرب على طائفة من تلك العيون ، وبقي في أيدي الأعاجم بعضها. ثم لما ~~قدم المسلمون (الحيرة) هرب الأعاجم بعد أن طمت عامة ما في أيديهم منها ، ~~وبقي الذي في أيدي العرب فأسلموا عليه ، وصار ما عمروه من الأرضين عشريا. ~~ولما مضى أمر القادسية والمدائن دفع ما جلا عنه أهلها من أراضي تلك العيون ~~إلى المسلمين ، فأقطعوه فصارت عشريا أيضا. وكذلك مجرى عيون الطف وأراضيها ~~مجرى أعراض المدينة وقرى نجد ، وكل صدقتها إلى أعمال المدينة ، فلما ولى ~~إسحاق بن إبراهيم بن مصعب السواد للمتوكل على الله ضمها إلى ما في يده ، ~~فتولى عمالة عشرها وصيرها سوادية ، وهي على ذلك إلى اليوم ، وقد استخرج ~~عيونا إسلامية مجرى ما سقت عيونها من الأرضين هذا المجرى. قال الأقيشر ~~الأسدي من قصيدة له : # إني يذكرني هندا وجارتها %~% بالطف صوت حمامات على نيق بنات ماء معا بيض جآجئها %~% حمر مناقيرها صفر الحماليق أبدى السقاة بهن الدهر معلمة %~% كأنما لونها رجع المخانيق أفنى تلادي وما جمعت من نشب %~% قرع القواقيز أفواه الأباريق # وذكر ابن بليهد (4) الطف قد ذكره ياقوت وحدده ، وأجاد في PageV01P141 # تحديده ، ولكن هناك جهة يطلق عليها هذا الاسم وهي ساحل الخليج الفارسي ~~الذي يمتد من بلد الكويت إلى قطر. وأنا ليس عندي دليل واضح بما ذكرت إلا ما ~~سمعته من أفواه أعراب نجد وغيرهم ، إذا جاءت قافلة ممتارة من عينين أو من ~~القطيف ، وسألناهم من أين امترتم؟ قالو7 : من الطف. ثم نقول : من أي نواحيه ~~أتيتم؟ ثم يخبرونك بالجهة التي أتوها. وأما رواية ياقوت التي أوردها عن أبي ~~سعيد حين قال : من أطف على الشيء بمعنى أطل ، وهذه اللغة مستفيضة عند أهل ~~نجد يطلقون على أعلى الجبل (طفته)، وعلى أعالي الجبال طفافها ، وهذا هو ~~المشهور عندهم. # (شفية): ومن كربلاء شفية. ذكرها ابن الأثير في الكامل ، وسماها الدينوري ~~(السقبة)، وسماها بعضهم (شفيته ms106)، وفي الأخبار الطوال بعد أن ذكر ملاقاة ~~الحسين (عليه السلام) والحر ، وما جرى بينهما من الكلام ، قال : انتهينا في ~~مسايرتنا إلى نينوى ، وجاء الراكب إلى الحر بكتاب من ابن زياد فانزل بهذا ~~المكان ، ولا تجعل للأمير علي علة. فقال الحسين (عليه السلام): «تقدم بنا ~~قليلا إلى هذه القرية التي منا على غلوة ، وهي الغاضرية ، أو هذه الاخرى ~~التي تسمى السقبة فننزل في أحدهما». فقال الحر : إن الأمير كتب إلي أن أحلك ~~على غير ماء ، ولا بد من الانتهاء إلى أمره. فنزل الحسين (عليه السلام) ~~بتلك الأرض ، وهي كربلاء ، يوم الأربعاء غرة محرم سنة 61 هج (1)، أو يوم ~~الخميس الثاني من المحرم (2). PageV01P142 قال انزلوا هنا أرى مجدلا %~% وها هنا أحبتي تلقى الردى وها هنا تشب نيران الوغى %~% وها هنا ينهب رحلي والخبا # أمر ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أصحابه بالنزول في تلك البقعة ~~القاحلة الماحلة ، والتي تعرت من الكلا وعلى غير ماء ، وصار يخبر أهل بيته ~~وأصحابه أن هذه تربتي التي أقتل وأدفن فيها. ذكر القرماني (1)، عن الدميري ~~: أنه لما وصل الحسين (عليه السلام) بركبه إلى هذه البقعة سأل عن اسم ~~المكان ، فقيل له : كربلاء ، فقال : «كرب وبلاء ، لقد مر أبي بهذا المكان ~~عند مسيره إلى صفين وأنا معه ، فوقف وسأل عن هذا المكان ، وقال : ها هنا ~~محط ركابهم ، وها هنا مهراق دمائهم. فسئل عن ذلك ، فقال : نفر من آل محمد ~~(صلى الله عليه وآله) يقتلون ها هنا». ثم أمر بأثقاله فحطت في ذلك المكان. ~~والأحاديث في ذلك مستفيضة ، والتي سمعها من جده المصطفى بقتله في كربلاء ~~أكدت له ذلك ؛ هذا جابر بن عبد الله الأنصاري سمع من رسول الله (صلى الله ~~عليه وآله) ذلك ، ومثله ام سلمة (رضي الله عنها)، وهكذا أبوه علي (عليه ~~السلام) سمع من النبي (صلى الله عليه وآله)، وحدث هو بقتله. وتخبرنا ام ~~الفضل كما هو المروي عنها ، قالت : دخلت على رسول الله (صلى الله عليه ~~وآله) وقصصت عليه حلما منكرا في ليلتها ، فقال (صلى ms107 الله عليه وآله): «ما ~~هو يا ام سلمة؟». قلت : إنه شديد. قال (صلى الله عليه وآله): «ما هو؟». ~~قالت : رأيت قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري. فقال (صلى الله عليه وآله): ~~«خيرا رأيت ، تلد فاطمة إن شاء الله غلاما فيكون في حجرك». قالت : فولدت ~~فاطمة الحسين (عليه السلام) فكان في حجري كما قال (صلى الله عليه وآله). ~~قالت : فدخلت يوما عليه (صلى الله عليه وآله) وأنا أحمل الحسين (عليه ~~السلام) فوضعته في حجره ، ثم حانت مني التفاته فإذا عيناه تهرقان دموعا ، ~~فقلت : يا نبي الله ، بأبي أنت وامي! ما بالك؟ فقال (صلى الله عليه وآله): ~~«أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا بالطف». فقلت : هذا؟ قال : «نعم ، PageV01P143 # وأتاني جبرئيل بتربة حمراء» (1). قال الراوي : وفي رواية ام سلمة : ~~«أخبرني جبرئيل أن هذا يقتل بأرض العراق ، فقلت : يا جبرئيل ، أرني تربة ~~الأرض التي يقتل بها». قال : «فهذه تربتها». وعن أبي سلمة ، عن عائشة : إن ~~رسول الله (صلى الله عليه وآله) أجلس حسينا على فخذه ، فجاء جبرئيل إليه ، ~~فقال : هذا ابنك؟ قال : «نعم». قال : أما إن أمتك ستقتله بعدك. فدمعت عينا ~~رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال جبرئيل : إن شئت أريتك الأرض التي ~~يقتل فيها. قال : «نعم». فأراه جبرئيل ترابا من تراب الطف. وعن ابن عباس ~~قال : ما كنا نشك وأهل البيت وهم متوافرون أن الحسين بن علي (عليه السلام) ~~يقتل بالطف. وعن معاذ بن جبلة قال : خرج علينا رسول الله مصفر اللون ، فقال ~~: «أنا محمد اوتيت جوامع الكلم ؛ فواتحها وخواتيمها ، فأطيعوني ما دمت بين ~~أظهركم ، فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله (عز وجل)؛ أحلوا حلاله وحرموا ~~حرامه. أتتكم الموتة ، أتتكم بالروح والراحة ، كتاب من الله سبق ، أتتكم ~~فتن كقطع الليل المظلم كلما ذهبت رسل جاءت رسل ، تناسخت النبوة فصارت ملكا. ~~رحم الله من أخذها بحقها وخرج منها كما دخلها. أمسك يا معاذ ، أحص». قال : ~~فلما بلغت خمسة بالإحصاء ، قال (صلى الله عليه وآله): «يزيد ، لا بارك ~~الله في يزيد ms108». ثم ذرفت عيناه بالدموع ، ثم قال : «نعي إلي الحسين ، ثم ~~اوتيت بتربة وأخبرت بقتله وقاتله. والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم ~~لا يمنعونه إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلط عليهم شرارهم ، ~~وألبسهم الذل ، وجعلهم شيعا». ثم قال (صلى الله عليه وآله): «آه لفراخ آل ~~محمد من خليفة مستخلف مترف ، يقتل خلفي وخلف الخلف. أمسك يا معاذ». فلما ~~بلغت عشرة قال : «الوليد ، اسم فرعون هادم شرايع الإسلام ، يبوء بدمه رجل ~~من أهل بيته ، يسل الله سيفه فلا غماد له ، ويختلف الناس فكانوا هكذا ، ~~وشبك بين أصابعه ، ثم قال : وبعد العشرين والمئة موت سريع ، وقتل ذريع فيه ~~هلاكهم ، ويلي عليهم رجل من ولد العباس». وعن ام سلمة قالت : قال PageV01P144 # رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يقتل الحسين على رأس ستين من مهاجري» ~~(1). ولقد أخبر أبوه أمير المؤمنين (عليه السلام) بمقتله والموضع الذي ~~يقتل فيه. ذكر ابن أبي الحديد (2) بحذف سنده ، عن هرثمة بن سليم قال : ~~غزونا مع علي (عليه السلام) صفين ، فلما نزلنا بكربلاء صلى بنا ، فلما سلم ~~رفع إليه من ترابها فشمها ، ثم قال : «واها لك يا تربة! ليحشرن منك قوم ~~يدخلون الجنة بغير حساب». قال : فلما رجع هرثمة من غزاته إلى امرأته جرداء ~~بنت سمير ، وكانت من شيعة علي (عليه السلام)، حدثها هرثمة فيما حدث ، فقال ~~لها : ألا أعجبك من صديقك أبي حسن؟ لما نزلنا كربلاء وقد أخذ حفنة من ~~ترابها فشمها ، وقال : «واها لك أيتها التربة! ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة ~~بغير حساب» ، وما علمه بالغيب؟! فقالت المرأة : دعنا منك أيها الرجل ؛ فإن ~~أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يقل إلا حقا. قال : فلما بعث عبيد الله بن ~~زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين (عليه السلام) كنت في الخيل التي بعث ~~إليهم ، فلما انتهيت إلى الحسين (عليه السلام) وأصحابه عرفت المنزل الذي ~~نزلنا فيه مع علي (عليه السلام)، والبقعة التي رفع إليه من تربتها والقول ~~الذي قاله ، فكرهت مسيري ، فأقبلت على فرسي حتى وقفت عنده (عليه السلام ms109) ~~فسلمت عليه ، وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل. فقال الحسين (عليه ~~السلام): «أمعنا أم علينا؟». فقلت : يابن رسول الله ، لا معك ولا عليك ؛ ~~تركت ولدي وعيالي بالكوفة وأخاف عليهم من ابن زياد. فقال الحسين (عليه ~~السلام): «إذا ، فولي هاربا حتى لا ترى مقتلنا ؛ فوالذي نفس حسين بيده لا ~~يرى اليوم مقتلنا أحد ، ثم لا يعيننا إلا دخل النار». قال : فأقبلت في ~~الأرض أشتد هربا حتى خفي علي مقتلهم. قال نصر : وحدثنا مصعب قال : حدثنا ~~الأجلح بن عبد الله الكندي ، عن أبي جحفة قال : جاء عروة البارقي إلى سعد ~~بن وهب فسأله ، فقال : حديث حدثناه عن علي بن أبي طالب (عليه السلام). قال ~~: نعم ، بعثني محنف بن سليم إلى علي (عليه السلام) عند توجهه إلى صفين ، فأتيته PageV01P145 # بكربلاء فوجدته يشير بيده ، ويقول : «ها هنا ها هنا». فقال له رجل : وما ~~ذاك يا أمير المؤمنين؟ فقال : «ثقل لآل محمد (صلى الله عليه وآله) ينزل ها ~~هنا ، فويل لهم منكم ، وويل لكم منهم». فقال له الرجل : ما معنى هذا الكلام ~~يا أمير المؤمنين؟ قال : «ويل لهم منكم تقتلونهم ، وويل لكم منهم يدخلكم ~~الله بقتلهم النار». قال نصر : وقد روي هذا الكلام على وجه آخر ، أنه قال : ~~«فويل لكم منهم ، وويل لهم عليكم». فقال الرجل : أما ويل لنا منهم فقد ~~عرفناه ، فويل لنا عليهم ما معناه؟ فقال : «ترونهم يقتلون لا تستطيعون ~~لنصرتهم». قال نصر : وحدثنا سعيد بن حكيم العبسي ، عن الحسن بن كثير ، عن ~~أبيه : أن عليا (عليه السلام) أتى كربلاء فوقف بها ، فقيل له : يا أمير ~~المؤمنين ، هذه كربلاء. فقال : «ذات كرب وبلاء». ثم أومأ بيده إلى مكان ، ~~فقال : «ها هنا موضع رحالهم ، ومناخ ركابهم». ثم أومأ بيده إلى مكان آخر ، ~~فقال : «ها هنا مهراق دمائهم». ثم مضى إلى ساباط. فهذه الأحاديث وهذه ~~الأخبار تروي عن جده وعن أبيه من قبل أن يأتي إلى العراق ، ويحط رحله في ~~كربلاء ، فهو أدرى من غيره بما يجري عليه وعلى أصحابه ؛ ولهذا صار يخبر ms110 ~~أصحابه وأهل بيته وشيعته عن مقتله بهذه البقعة ، وأمرهم فنزلوا وضربوا ~~أخبيتهم امتثالا لأمره ، فضربوا خيامهم قبالة الشمال الشرقي أبوابها. وأول ~~خيمة نصبوها خيمة الحسين (عليه السلام) العظمى ، حيث هي محل مجتمعهم ~~وناديهم ، ثم ضربوا أخبية عيالات الحسين (عليه السلام) بمسافة خمسين ذراعا ~~غربي الخيمة العظمى ، وحجبوها بالزقاقات والأستار المزركشة بالإبريسم ، ثم ~~خيم أهل بيته خلف الخيمة العظمى ، أي قبلتها متصلة بخيم الهاشميات ، ثم خيم ~~الأنصار ، ونصبوا خيامهم شرقي خيم الهاشميين ، فكانت الخيم كلها كنصف دائرة ~~محيطة بخيمة الحسين العظمى (مجلسه)، ومن وراء الخيم مرابط الخيول ومعاطن ~~الإبل. ووقف أصحاب الحسين (عليه السلام) وإخوته ، وأولاده وأولاد أعمامه ~~جعفر وعقيل ، متقلدين صوارمهم ، مشرعين رماحهم أمام الخيم حتى بقية يومهم ذاك. PageV01P146 هم المغاوير إذا حم القضا %~% هم المصاليت إذا اشتد الوغى # (المغاوير): مفردها مغوار ، من الرجال الكثير الغارات. وحم القضاء ، وحم ~~الأمر (بضم الحاء): أي قضى. وحم الله (بالفتح) له كذا : قدر وقضاه له. ~~المصاليت من الرجال : الشجعان منهم. والوغى : الحرب. وهذا الوصف اتصفت به ~~إخوة الحسين وأنصاره الذين أبلوا بلاء حسنا يوم كربلاء ، وراحت البشرية ~~تفخر بهم جيلا بعد جيل. ذكر الحافظ أبو عمر بن عبد البر (1)، راويا عن ~~الحسن البصري : إن الذين قتلوا مع الحسين (عليه السلام) من أهل بيته رجال ~~ما على وجه الأرض يومئذ لهم شبه. وذكر ابن أبي الحديد (2): أنه قيل لرجل ~~شهد يوم الطف مع عمر بن سعد : ويحك! أقتلتم ذرية رسول الله (صلى الله عليه ~~وآله)؟ فقال : عضضت بالجندل (3)! إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا ؛ ~~ثارت علينا عصابة ، أيديها في مقابض سيوفها ، كالأسود الضارية تحطم الفرسان ~~يمينا وشمالا ، وتلقي أنفسها على الموت ، لا تقبل الأمان ولا ترغب في المال ~~، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية ، أو الاستيلاء على ~~الملك ، فلو كففنا عنها رويدا لآتت على نفوس العسكر بحذافيرها ، فما كنا ~~فاعلين لا ام لك؟! # وهم الذين وصفهم عميدهم وسيدهم الحسين (عليه السلام) بخطبته الشهيرة التي ~~قال فيها بعدما جمعهم : «أثني ms111 على الله أحسن الثناء ، وأحمده على السراء ~~والضراء. اللهم إني أحمدك على ما أكرمتنا بالنبوة ، وعلمتنا القرآن ، ~~وفقهتنا في الدين ، وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة ، ولم تجعلنا من ~~المشركين. أما بعد ، فإني لا أعلم أصحابا أولى ولا خيرا من أصحابي ، ولا ~~أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي ، فجزاكم الله عني جميعا خيرا. ألا وإني ~~أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا ، وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ~~ليس عليكم مني ذمام ، وهذا PageV01P147 # الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، ~~فجزاكم الله جميعا خيرا ، وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم ؛ فإن القوم إنما ~~يطلبونني ، ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري». فقال له إخوته وأبناؤه ، وبنو ~~أخيه وأبناء عبد الله بن جعفر : لم نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك! لا أرانا الله ~~ذلك أبدا. بدأهم بهذا القول العباس بن علي (عليه السلام)، وتابعه ~~الهاشميون. والتفت الحسين (عليه السلام) إلى بني عقيل ، وقال : «حسبكم من ~~القتل بمسلم ، اذهبوا قد أذنت لكم». فقالوا : إذا ما يقول الناس وما نقول ~~لهم؟ إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ، ولم نرم معهم بسهم ~~، ولم نطعن برمح ، ولم نضرب بسيف ، ولا ندري ما صنعوا. لا والله لا نفعل ، ~~ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ، نقاتل معك حتى نرد موردك ، فقبح ~~الله العيش بعدك. وابتدر مسلم بن عوسجة الأسدي قائلا : أنحن نخلي عنك؟ ~~وبماذا نعتذر إلى الله في أداء حقك؟! أما والله لا أفارقك حتى أطعن في ~~صدورهم برمحي ، وأضرب بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ، ولو لم يكن معي سلاح ~~أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة. والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا ~~غيبة رسوله فيك. أما والله لو علمت أني اقتل ثم أحيا ، ثم أحرق ثم أحيا ، ~~ثم أحرق ثم أذرى ، يفعل بي هكذا سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك ، ~~وكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ، ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها ~~أبدا؟ ثم أعقبه زهير ms112 بن القين قائلا : يا أبا عبد الله ، وددت أني اقتل ، ~~ثم انشر ، ثم اقتل ، يفعل بي هكذا ألف مرة وإن الله (عز وجل) يدفع بذلك ~~القتل عن نفسك ، وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك. وتكلم بقية أصحابه ~~بما يشبه بعضه بعضا ، فجزاهم الحسين (عليه السلام) خيرا (1)، وفي ذلك ~~الحين قيل لمحمد بن بشير الحضرمي : قد أسر ابنك بثغر الري ، فقال : ما أحب ~~أن يؤسر وأنا أبقى بعده حيا. فقال له الحسين (عليه السلام): «أنت في حل من ~~بيعتي ، فاعمل في فكاك ولدك». قال : لا والله لا أفعل ذلك ، أكلتني السباع ~~حيا إن فارقتك. فقال (عليه السلام): «إذا PageV01P148 # أعط ابنك هذه الأثواب الخمسة ليعمل في فكاك أخيه». وكان قيمتها ألف دينار ~~(1). ولما تحقق الحسين منهم الإخلاص ، وعلم منهم التوطن على المفادات دونه ~~أوقفهم على حقيقة ما عنده ، وأخبرهم بعزمه على منازلة القوم ، ثم صار يوضح ~~لهم ما يجري عليه من القتل ، فصاحوا بأجمعهم صيحة واحدة : الحمد لله الذي ~~أكرمنا بنصرك ، وشرفنا بالقتل معك ، أو لا ترضى أن نكون معك في درجتك يابن ~~رسول الله؟ قال أرباب السير : فدعا لهم الحسين بالخير (2)، وكشف لهم عن ~~أبصارهم فرأوا ما حباهم الله من نعيم الجنة ، وعرفهم منازلهم فيها (3)، ~~وليس ذلك على الله بعزيز ، ولا في تصرفات الإمام بغريب (4)؛ فإن سحرة ~~فرعون لما آمنوا بموسى (عليه السلام) وأراد فرعون قتلهم أراهم النبي موسى ~~منازلهم في الجنة ، فهم كما وصفهم المرحوم كاشف الغطاء (5) بقوله : # وأتت بنو حرب تروم ودون ما %~% رامت تخر من السما طبقاتها رامت بأن تعنو لها سفها وهل %~% تعنو لشر عبيدها ساداتها وتسومها إما الخضوع أو الردى %~% عزا وهل غير الإباء سماتها فأبوا وهل من عزة أو ذلة %~% إلا وهم آباؤها وأباتها وتقحموا ليل الحروب فأشرقت %~% بوجوههم وسيوفهم ظلماتها وبدت علوج امية فتعرضت %~% للاسد في يوم الهياج شياتها تعدوا لها فتميتها رعبا وذا %~% يوم اللقا بعداتها عاداتها فتخر بعد قلوبها أذقانها %~% وتفر قبل جسومها هاماتها وباسرتي من آل أحمد فتية %~% صينت ببذل ms113 نفوسها فتيانها PageV01P149 يتضاحكون إلى المنون كأن في %~% راحاتها قد أترعت راحاتها وترى الصهيل مع الصليل كأنه %~% فيهم قيان رجعت نغماتها وكأنما سمر الرماح معاطف %~% فتمايلت لعناقها قاماتها وكأنما بيض الظبا بيض الدمى %~% ضمنت لمى رشفاتها شفراتها وكأنما حمر النصول أنامل %~% قد خضبتها عندها كاساتها ومذ الوى شبت لظى وتقاعست %~% دون الشدائد نكصا شداتها وغدت تعوم من الحديد بلجة %~% قد أنبتت شجر القنا حافاتها خلعوا لها جنن الدروع ولاح من %~% نيرانها لجنانهم جناتها وتزاحفوا يتنافسون على لقى %~% ال آجال تحسب أنها غاداتها بأكفها عوج الأسنة ركع %~% ولها الفوارس سجد هاماتها حتى إذا وافت حقوق وفائها %~% وعلت بفردوس العلا درجاتها شاء الإله فنكست أعلامها %~% وجرى القضاء فنكصت راياتها وهوت كما انهالت على وجه الثرى %~% من شم شاهقة الذرى هضباتها وغدت تقسم بالظبا أشلاؤها %~% لكن تزيد طلاقة قسماتها # نكتفي بوصفهم عن أقوال الشعراء لهم بهذه القصيدة الرائعة ؛ واختصارا ~~للموضوع لم نثبت أكثر مما ذكرناه في وصفهم من الأخبار ، وما سجله التاريخ ~~عن يومهم الأغر ، وهاك أسماؤهم : آل أبي طالب (عليهم السلام) |1 العباس بن علي بن أبي طالب (عليه السلام). |7 عبد الله بن الحسن (عليه السلام). | |2 أبو بكر بن علي (عليه السلام). |8 القاسم بن الحسن (عليه السلام). | |3 جعفر بن علي (عليه السلام). |9 علي بن الحسين الأكبر (عليه السلام). | |4 عبد الله بن علي (عليه السلام). |10 عبد الله بن الحسين (عليه السلام). | |5 عثمان بن علي (عليه السلام). |11 مسلم بن عقيل (عليه السلام) قتيل الكوفة (10). | |6 أبوبكر بن الحسن بن علي (ع). |12 جعفر بن عقيل (عليه السلام). | PageV01P150 |13 عبد الرحمن بن عقيل (عليه السلام). |16 عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (عليه السلام). | |14 محمد بن سعيد بن عقيل (عليه السلام). |17 محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (عليه السلام). | |15 محمد بن مسلم بن عقيل (عليه السلام). || # أسماء أنصار الحسين (عليه السلام) |1 أبو الحتوف الأنصاري. |17 الحباب مولى عامر التميمي. | |2 الأدهم بن أمية العبدي. |18 حبشي بن قيس النهمي. | |3 أسلم مولى الحسين. |19 حبيب بن مظهر الأسدي (1). | |4 امية بن ms114 سعد الطائي. |20 الحجاج بن بدر السعدي. | |5 أنس بن حرث الكاهلي. |21 الحجاج بن مسروق الجعفي. | |6 برير بن خضير الهمداني. |22 الحر بن يزيد الرياحي. | |7 بشر بن عمرو الحضرمي. |23 الحلاس بن عمرو الراسبي. | |8 بكر بن حي التميمي. |24 حنظلة بن أسعد الشبامي. | |9 جابر بن حجاج التميمي. |25 رافع مولى مسلم الأزدي. | |10 جبلة بن علي الشيباني. |26 زاهر بن عمر الكندي. | |11 جنادة بن حرث السلماني. |27 زهير بن سليم العبدي. | |12 جنادة بن كعب الأنصاري. |28 زهير بن القين البجلي. | |13 جندب بن حجير الخولاني. |29 زياد بن عريب الصائدي. | |14 جون مولى أبي ذر الغفاري. |30 سالم مولى عامر العبدي. | |15 الحرث بن امرئ القيس الكندي. |31 سالم مولى بني المدينة الكلبي. | |16 الحرث مولى حمزة. |32` سعد بن الحرث الأنصاري. | PageV01P151 |33 سعد مولى علي (عليه السلام). |55 عبد الأعلى بن يزيد الكلبي. | |34 سعد مولى عمر بن خالد. |56 عبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري. | |35 سعيد بن عبد الله الحنفي. |57 عبد الرحمن بن عروة الغفاري. | |36 سلمان بن مضارب البجلي. |58 عبد الرحمن الأرحبي. | |37 سليمان مولى الحسين (عليه السلام). |59 عبد الرحمن بن مسعود التيمي. | |38 سوار بن منعم النهمي. |60 عقبة بن الصلت الجهيني. | |39 سويد بن أبي المطاع الخثعمي. |61 عمر بن جنادة الأنصاري. | |40 سيف بن الحرث الجابري. |62 عمر بن ضبيعة الضبعي. | |41 سيف بن مالك العبدي. |63 عمرو بن خالد الصيداوي. | |42 شبيب مولى الحرث الجابري. |64 عمرو بن عبد الله الجندعي. | |43 شوذب الشاكري. |65 عمرو بن قرضة الأنصاري. | |44 ضرغام بن مالك الثعلبي. |66 عمرو بن كعب أبو ثمامة الصيداوي. | |47 عامر بن مسلم العبدي. |69 عمار بن صخلب الأزدي. | |48 عباد بن المهاجر الجهيني. |70 قارب مولى الحسين (عليه السلام). | |49 عبد الله بن بشر الخثعمي. |71 القاسم بن حبيب الأزدي. | |50 عبد الله بن عمير الكلبي. |72 قاسط بن زهير التغلبي. | |51 عبد الله بن عروة الغفاري. |73 قعنب النمري. | |52 عبد الله بن يقطر (1). |74 قيس بن مسهر الصيداوي (2). | |53 عبد الله بن يزيد العبدي. |75 كردوس التغلبي. | |54 عبيد الله بن يزيد العبدي. |76 كنانة التغلبي. | PageV01P152 |77 مالك بن سريع الجابري. |87 نصر مولى علي (عليه السلام). | |78 مجمع العائذي. |88 النعمان الراسبي. | |79 مجمع الجهني. |89 نعيم الأنصاري. | |80 مسلم بن عوسجة الأسدي. |90 واضح مولى الحرث السلماني. | |81 مسلم ms115 بن كثير الأزدي. |91 هاني بن عروة المرادي (1). | |82 مسعود بن الحجاج التيمي. |92 يزيد بن ثبيط العبدي. | |83 مسقط بن زهير التغلبي. |93 يزيد بن زياد الكندي. | |84 منجح مولى الحسين (عليه السلام). |94 يزيد بن مغفل الجعفي. | |85 الموقع بن ثمامة الأسدي. || |86 نافع بن هلال الجملي. || # فهؤلاء هم أصحاب الحسين (عليه السلام) الذين حضروا بالطف ؛ سواء من ~~استشهد منهم بالطف ، أو بالكوفة وإن فارقه البعض منهم ليلة العاشرة من ~~المحرم لكنهم حضروا الطف لما نزله. وقد أحصى المؤرخون الذين رزقوا الشهادة ~~منهم اثنين وسبعين رجلا ، جاء ذكرهم بزيارة الناحية ، وفي إبصار العين ~~لشيخنا السماوي (ره). # (الغاضريات)، أو الغاضرية : نسبة إلى غاضرة ، وهي امرأة من بني عامر ، ~~وهم بطن من بني أسد كانوا يسكنون هذه الأرض ، وتقع اليوم شمالي (الهيابي) ~~التي فيها مصانع الآجر ، وتبعد عن بلدة كربلا كيلو متر تقريبا ، وهي من ~~أقربها إلى منزل الحسين (عليه السلام) بعد نينوى. قال شيخنا المظفري (2): ~~وقد يراها بعض المحققين إنها أراضي الحسينية ، أو على مقربة من خان العطيشي ~~اليوم ، مركز الشرطة الحالي. ويعرفها البحاثة الشهرستاني بأراضي الحسينية ، ~~يعني بها المقاربة لخان العطيشي ، لكنني أجزم أنها (الجنقنة) فما دونها إلى ~~بلدة كربلاء. وقد صرح لي أبو حنيفة أحمد بن ثابت PageV01P153 # الدينوري ، وهو من علماء الجغرافية : أنها بمقدار غلوة من منزل الحسين ~~(عليه السلام). ونحن نضم صوتنا إلى صوت العلامة المظفري ؛ إذ ما نقله هو ~~عين الصواب ، كما وقفنا على ذلك في مصادر وثيقة. قال الدينوري (1): حتى ~~انتهى الحسين إلى نينوى ، فإذا هو براكب على نجيب مقبل من الكوفة ، فوقفوا ~~جميعا ينتظرونه ، فلما انتهى إليهم سلم على الحر ولم يسلم على الحسين (عليه ~~السلام)، ثم ناول الحر كتابا من عبيد الله بن زياد فقرأه فإذا فيه : أما ~~بعد ، فجعجع بالحسين بن علي وأصحابه بالمكان الذي يوافقك كتابي ، ولا تحله ~~إلا بالعراء ، على غير خمر ولا ماء ، وقد أمرت حامل كتابي هذا أن يخبرني ~~بما يشاهده منك في ذلك ، والسلام. فقرأ الحر الكتاب ، ثم ناوله الحسين ~~(عليه السلام)، وقال : لا بد ms116 من إنفاذ أمر الأمير عبيد الله بن زياد ، ~~فانزل بهذا المكان ، ولا تجعل للأمير علي علة. فقال الحسين (عليه السلام): ~~«تقدم بنا قليلا إلى هذه القرية التي هي على غلوة ، وهي الغاضرية ، أو هذه ~~الاخرى التي تسمى (السقبة) فننزل في أحدهما». فقال : إن الأمير كتب إلي أن ~~أحلك على غير ماء ، ولا بد من الانتهاء إلى أمره. فقال زهير بن القين ~~للحسين : بأبي وامي يابن رسول الله! لو لم يأتنا غير هؤلاء لكان لنا بهم ~~كفاية ، فكيف بمن سيأتينا من غيرهم؟ فقال الحسين (عليه السلام): «فإني ~~أكره أن أبدأهم بقتال حتى يبدؤونا». فقال له زهير : فها هنا قرية بالقرب ~~منا على شط الفرات (وهي في عاقول) حصينة ، والفرات يحدق بها إلا من وجه ~~واحد. فقال الحسين (عليه السلام): «وما اسم تلك القرية؟». فقال : العقر ، ~~فقال الحسين (عليه السلام): نعوذ بالله من العقر. فقال للحر : «سر بنا ~~قليلا ثم ننزل». فسار معه حتى أتوا إلى كربلاء ، فوقف الحر وأصحابه أمام ~~الحسين (عليه السلام) ومنعوهم من المسير ، وقال : انزل بهذا المكان ، ~~فالفرات منك قريب. فقال الحسين (عليه السلام): «وما اسم هذا المكان؟». ~~قالوا له : كربلاء. فقال : «ذات كرب وبلاء ، ولقد مر أبي بهذا المكان عند ~~مسيره إلى صفين وأنا PageV01P154 # معه ، فوقف ، فسأل عنه فاخبر باسمها ، فقال : ها هنا محط ركابهم ، وها ~~هنا مهراق دمائهم ، فسئل عن ذلك فقال : ثقل لآل محمد ينزلون ها هنا». # (الحائر)، أو الحير : هي الأرض المنخفظة. والحائر الحسيني : موضع قبر ~~الحسين (عليه السلام)، وقد حار الماء حوله في عهد المتوكل العباسي سنة 236 ~~ه. ويذكرون أنه اسم حادث سمي بالحائر ؛ لأن الماء حار على قبر الحسين (عليه ~~السلام) عندما أراد المتوكل العباسي درس آثاره. وذكر ابن بليهد (1)، قال ~~الأصمعي : يقال للموضع المطمئن الوسط المرتفع الحروف حائر. وجمعه : حيران ~~وحوران ، وأكثر الناس يسمون الحائر الحير ، كما يقولون لعائشة عيشة ، ~~والحائر قبل الحسين بن علي (رضي الله عنه). وقيل : يجمع على حيران وحوران. ~~وهناك مواضع أسماؤها الحائر والحير والحوير ، ويسمون الحديقة ms117 حير كما يسمون ~~النخل حير. وقال أبو القاسم : هو الحائر إلا إنه لا جمع له ؛ لأنه اسم ~~لموضع قبر الحسين بن علي (رضي الله عنه). ذكر المسعودي (2) في خلافة ~~المنتصر بالله ، قال : كان آل أبي طالب قبل خلافته في محنة عظيمة وخوف على ~~دمائهم ، قد منعموا زيارة قبر الحسين والغري من أرض الكوفة ، وكذلك منع ~~غيرهم من شيعتهم حضور هذه المشاهد ، وكان الأمر بذلك من المتوكل سنة 236. ~~وفيها أمر (الديزج) بالمسير إلى قبر الحسين (رضي الله تعالى عنهما) وهدمه ، ~~ومحو أرضه وإزالة أثره ، وأن يعاقب من وجد به ، فبذل لمن تقدم على هذا ~~القبر ، فكل خشى العقوبة وأحجم ، فتناول الديزج مسحاة وهدم أعالي قبر ~~الحسين (عليه السلام)، فحينئذ أقدم الفعلة فيه. وإنهم انتهوا إلى الحفرة ~~وموضع اللحد فلم يروا فيه أثر رمة ولا غيرها ، ولم تزل الأمور على ما ذكرنا ~~إلى أن استخلف المنتصر فأمن الناس ، وتقدم بالكف عن آل أبي طالب (عليهم ~~السلام)، وترك البحث عن أخبارهم ، وأن لا يمنع أحدا زيارة الحير لقبر ~~الحسين (رضي الله تعالى عنه)، ولا قبر غيره من آل أبي طالب ، يعني مرقد ~~أمير المؤمنين (عليه السلام). وذكر شيخ PageV01P155 # الطائفة في أماليه (1)، عن محمد بن جعفر بن محمد بن فرج الرخجي قال : ~~حدثني أبي عن عمه عمر بن فرج الرخجي قال : أنفذني المتوكل في تخريب قبر ~~الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فصرت إلى الناحية ، فأمرت ~~بالبقر فمر بها على القبور فمرت عليها كلها ، فلما بلغت إلى قبر الحسين فلم ~~تمر عليه. قال عمي عمر بن فرج : فأخذت العصا بيدي فمازلت أضربها حتى تكسرت ~~العصا في يدي ، فوالله ما جازت على قبر الحسين (عليه السلام) ولا تخطته ، ~~فقال لنا محمد بن جعفر : كان عمي عمر بن فرج شديد الانحراف عن آل رسول الله ~~(صلى الله عليه وآله)، فأنا أبرأ إلى الله تعالى منه ، وكان جدي محمد بن ~~فرج شديد المودة لهم (رحمه الله ورضي عنه)، فأنا أتولاه لذلك ، وأفرح ~~بولادته. وعن عبد ms118 الله بن أذينة الطهوي قال : حججت سنة سبع وأربعين ومئتين ~~، فلما صدرت من الحج صرت إلى العراق فزرت أمير المؤمنين (عليه السلام) على ~~خيفة من السلطان ، ثم توجهت إلى زيارة الحسين (عليه السلام) فإذا هو قد حرث ~~أرضه ، ومخر فيه الماء ، وارسلت الثيران تساق في الأرض فتنساق لهم ، حتى ~~إذا حاذت مكان القبر حادت عنه يمنة وشمالا ، فتضرب العصا الضرب الشديد فلا ~~ينفع ذلك ، ولا تطأ القبر بوجه ولا سبب ، فما أمكنتني الزيارة ، فتوجهت إلى ~~بغداد وأنا أقول في ذلك : # تالله إن كانت امية قد أتت %~% قتل ابن بنت نبيها مظلوما فلقد أتاه بنو أبيه بمثله %~% هذا لعمرك قبره مهدوما (2) أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا %~% في قتله فتتبعوه رميما (3) # فلما قدمت بغداد سمعت الهائعة ، فقلت : ما الخبر؟ قالوا : سقط الطائر ~~بقتل جعفر المتوكل. فعجبت لذلك ، وقلت : لهي ليلة بليلة. وقال ابن الرومي ~~في قصيدته PageV01P156 # التي يرثي بها يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن أبي طالب ~~، وقد ذكر حادثة الحرب لقبر الحسين (عليه السلام) منها : # ولم تقنعوا حتى استثارت قبورهم %~% كلابكم منها بهيم وديزج (1) # وقال شيخنا المظفري (2): فالمتوكل شبيه أبرهة الأثرم صاحب جيش الفيل ، ~~وحبس الله بقر هذا الشقي كما حبس الله فيلة ذلك التعس عن الكعبة ، وإن قبر ~~الحسين (عليه السلام) يشبه الكعبة ، والمتوكل يشبه أبا كيسوم الأثرم ، ~~والبقر تشبه الفيلة ؛ إذ كانت الفيلة تضرب ضربا شديدا فلا تنبعث للكعبة. ~~وذكر ابن خلكان بعد ذكر الأبيات الآنفة الذكر ، قال : وكان المتوكل كثير ~~التحامل على علي (عليه السلام) وولديه الحسن والحسين (عليهما السلام)، ~~فهدم هذا المكان بأصوله ودوره ، وجميع ما يتعلق به يعني مرقد الحسين ، وأمر ~~أن يبذر ويسقى موضع قبره ، ومنع الناس من إتيانه ، ولقد قتله الله على يد ~~باغر التركي ، فقلت في ذلك : # يا سيف (باغر) لا عرا %~% ك تكهم أبد الدهور وبحدك المصقول تر %~% دي كل جبار كفور لما لمعت أريتنا %~% قتل الخليفة والوزير في ليلة حكم القضا %~% لهما بخاتمة السرور ms119 سكرا وما صحوا معا %~% إلا بملتهب السعير # وقد انتقم الله تعالى من المتوكل وهتك ستره ، فقتله ابنه (المنتصر) في ~~مجلس شرابه هو ووزيره الفتح بن خاقان. قال المسعودي ما ملخصه : إن المتوكل ~~قتل في سنة 247 ه ، وفي ليلة قتله سكر سكرا شديدا ، وكان معه الفتح بن ~~خاقان ، فأقبل عليه (باغر) ومعه عشرة من الأتراك ، فضربه (باغر) بالسيف ~~فقتله ، وقتل أحد العشرة الفتح بن خاقان ، ولفا في البساط الذي قتلا عليه ، ~~وطرحا ناحية PageV01P157 # ليلتهما وعامة نهارهما. وذكر سيدنا الحجة الشهرستاني (1) عند ذكره لمواقع ~~كربلاء وما يليها ، قال : ثم الحير ، ويسمي (الحائر) وهو موضع قبر الحسين ~~(عليه السلام) إلى حدود رواق بقعته الشريفة ، أو إلى حدود الصحن ، وكان ~~لهذا الحائر وهدة فسيحة بسلسلة تلال محدودة ، وربوات تبدأ من الشمال الشرقي ~~حيث منارة العبد (2) متصلة بباب السدرة (3) في الشمال ، وهكذا إلى موضع باب ~~الزينبية (4) من جهة الغرب ، ثم تنزل إلى باب القبلة من جهة الجنوب. وكانت ~~هذه التلال المتقاربة تشكل للناظرين نصف دائرة على شاكلة نون ، مدخلها ~~الجبهة الشرقية حيث يتوجه منها الزائر إلى مثوى سيدنا العباس (عليه السلام) ~~، ويجد المنقبون حتى يومنا في أثافي البيوت المحدقة بقبر الحسين (عليه ~~السلام) آثار ارتفاعها القديم في أراضي جهات الشمال والغرب ، ولا يجدون في ~~الجبهة الشرقية سوى تربة رخوة واطئة ؛ الأمر الذي يرشد العرفاء إلى أن ~~وضعية هذه البقعة كانت منذ عصرها القديم واطئة من جهة الشرق ، ورابية من ~~جهتي الشمال والغرب على شكل هلالي. وفي هذه الدائرة الهلالية حوصر ابن ~~الزهراء في حربه حين قتل. وأورد فخر الدين الطريحي (5) في مجمعه ذكر الحائر ~~، قال : وهو [في] الأصل PageV01P158 # مجمع الماء ، ويراد به حائر الحسين (عليه السلام)، وهو ما حواه سور ~~المشهد الحسيني (على مشرفه السلام). وهناك أسماء سمي به هذا الموضع قديمة ~~وحديثة ؛ فالقديمة منها : (عمور)، (مارية)، (صفوراء)، (شفيته)، ~~والحديثة منها : (مشهد الحسين)، (مدينة الحسين)، (البقعة المباركة)، ~~(موضع الابتلاء)، (محل الوفاء)، (النوائح) وهي مشتقة من النوح ، ولعل هذه ~~التسمية جاءت لكثرة النائحة والعويل الذي يشاهد ms120 في ذلك المكان منذ أن نزل ~~الحسين (عليه السلام) فيه حتى قتله وبعد شهادته حتى اليوم. # حتى إذا ما حط رحله أتت %~% لحربه جيوشهم تحكي الدبى # (الدبى): أول ما يكون الجراد ، ثم يكون غوغاء إذا هاج بعضه في بعض ، ثم ~~يكون كتفانا ، ثم يصير خيفانا إذا صارت فيه خطوط مختلفة ، الواحدة (خيفانة) ~~، ثم يكون جرادا (1)، ويضرب المثل بالدبى لكثرته. وقد اختلف المؤرخون في ~~عدد الجيش الذي زحف نحو الحسين ؛ فقائل يقول : كان عدد الجيش سبعين ألفا ، ~~وقيل : مئة ألف وعشرين ألف ، وقيل : ثلاثين ألفا. والرواية التي نرويها عن ~~الصادقين (عليهما السلام) إن جيش عمر بن سعد كان ثلاثين ألفا ، وهذا هو ~~الصحيح. وقد بالغ الشعراء في وصف هذا الجيش ، قال الشيخ حمادي نوح (رحمه ~~الله) (2): # جاءت وقائدها العمى وإلى %~% حرب الحسين يقودها الجهل بجحافل بالطف أولها %~% وأخيرها بالشام متصل ملؤوا القفار على ابن فاطمة %~% جند وملء صدورهم دحل # وللسيد حيدر الحلي (ره) قال (3): PageV01P159 بجمع من الأرض سد الفرو %~% ج وغطى النجود وغيطانها وطى الوحش إذ لم يجد مهربا %~% ولازمت الطير أوكانها # ولشيخنا المظفري (1) قال : # إلى أن أناخت في النواويس عيسهم %~% أتتهم جيوش من امية كالنمل # وللمرحوم السيد رضا الهندي قال (2): # هب أن جندك معدود فجدك قد %~% لاقى بسبعين جيشا ما له عدد # وللفاضل الشيخ أحمد الشيخ محمد السماوي : # ترد الجيوش الزاحفات كأنها %~% سحب ملبدة وليل مفعم # * * * # يا بأبي ضيفا كريما حل في %~% ساحتهم رمز الفخار والندى # سبق هذا المعنى لسيدنا الشريف الرضي (ره)، إذ قال من بعض مقصورته ~~الشهيرة التي نظمها ارتجالا وهو يطوف على ضريح جده الحسين (عليه السلام): # وضيوف لفلاة قفرة %~% نزلوا فيها على غير قرى لم يذوقوا الماء حتى اجتمعوا %~% بحدى السيف على ورد الردى # نعم ، إن الحسين (عليه السلام) هو أكرم ضيف نزل بساحتهم ، كريم الشيم ~~والسجايا ، ورث هذه الأخلاق من جده فهو ثاني السبطين ، أما جده فسيد البشر ~~رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأبوه سيد الأوصياء ، وأمه الصديقة ~~الزهراء ، وجدته أم المؤمنين حقا خديجة ms121 بنت خويلد ، أضف إلى ذلك إنه خامس ~~الخمسة من أصحاب العبا. ولقد سجل أرباب السير والتاريخ في أسفارهم ما يعجز ~~الرواة عن حصر بعض ما كان يتزيا به الحسين (عليه السلام) من الفضائل الجمة ~~، والأخلاق السامية. وهناك تآليف لا تحصر في أخلاقه المحمدية والمثل العليا ~~للفضائل ، حتى قيل فيه : جمع الحسين بن علي الفضائل PageV01P160 # جمعاء ؛ العلم وأسراره ، وفصاحة اللسان وبيانه ، ومنتهى الشجاعة ، وأقصى ~~غاية الجود ، والعدل والصبر ، والحلم والعفاف ، والمروءة والورع ، والزهد ~~ومكارم الأخلاق ، ومحاسن الأعمال. أضف إلى هذه المحامد كلها كثرة العبادة ، ~~وأفعال الخير كالصلاة والصوم ، والحج ، والجهاد في سبيل الله ، والإحسان ~~للناس. وكان (عليه السلام) سخيا بماله ، متواضعا للفقراء ، معظما عند ~~الخلفاء ، مواصلا للصدقة على الأيتام والمساكين ، منتصفا للمظلومين ، وكان ~~علم المهتدين ، وهدى للمسترشدين بأنوار محاسنه وآثار فضله إلى غير ذلك ~~الكثير من مزاياه وكرم أخلاقه. (أما علمه): فإنه كان يغر العلم غرا ، وإنه ~~ورث العلم من جده رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن أبيه علي (عليه ~~السلام). ومن كان النبي معلمه ، ومن كان أبوه علي بن أبي طالب (عليه ~~السلام) وأمه فاطمة الزهراء ، وناشئا في أصحاب جده رسول الله (صلى الله ~~عليه وآله) وتلامذة أبيه فلا شك إنه (عليه السلام) كان يغر العلم غرا ، ~~ومنه أخذ علم الجفر والجامعة (1) الأئمة التسعة PageV01P161 # صلوات الله عليهم. وكان الناس يقدمون على الحسين (عليه السلام) وينتفعون ~~بما يسمع منه ، ويضبطون ما يروون عنه من الأحاديث والفتيا. وأما (فصاحته): ~~فناهيك عن خطبته التي خطبها بالمدينة ، وخطبته الشهيرة التي خطبها بمكة ~~قبيل خروجه منها ، وخطبته يوم عاشوراء ، وخطبته التي تعرب عن نفسه الكريمة ~~وإبائه العظيم التي قال فيها : «ألا وإن الدعي ابن الدعي (1) قد ركز بين ~~اثنتين ، بين السلة والذلة ، وهيهات منا الذلة ؛ يأبى الله لنا ذلك ورسوله ~~والمؤمنون ، وحجور طابت وطهرت ، وأنوف حمية ، ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة ~~اللئام على مصارع الكرام». قال ابن أبي الحديد يصف الحسين (عليه السلام): ~~سيد أهل الإباء الذي علم الناس الحمية ، والموت تحت ظلال ms122 السمهرية اختيارا ~~له على الدنية. أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) ~~عرض عليه الأمان وأصحابه فأنف من الذل ، وخاف من ابن زياد أن يناله بنوع من ~~الهوان ، مع أنه لا يقتله ، فاختار الموت على ذلك. قال : وسمعت النقيب أبا ~~زيد يحيى بن زيد العلوي البصري يقول : كأن أبيات أبي تمام في محمد بن حميد ~~الطائي ما قيلت إلا في الحسين (عليه السلام): # وضيوف لفلاة قفرة %~% نزلوا فيها على غير قرى لم يذوقوا الماء حتى اجتمعوا %~% بحدى السيف على ورد الردى PageV01P162 فأثبت في مستنقع الموت رجله %~% وقال لها من تحت أخمصك الحشر تردى ثياب الموت حمرا فما أتى %~% لها الليل إلا وهي من سندس خضر # قال الشبراوي (1): والحسين (رضي الله عنه) أقدم بقوة الجنان إلى مقارعة ~~الأبطال والشجعان ، ومنازلة السيف والسنان ، فكان (رضي الله عنه) في حرب ~~أعدائه كرارا صبارا ، يرى الفرار دناءة وعارا ، فلم يزل خائضا غمرات ~~الأهوال بنفس مطمئنة ، وعزيمة مرجحنة ، يرى مصافحة الصفاح غنيمة ، ومراوحة ~~الرماح فائدة جسيمة ، وبذل المهج والأرواح في نيل العز ثمنا قيلا ، ويأبى ~~الدنية وإن تركته قتيلا. # يرى الموت أحلى من ركوب دنية %~% وليس بعيش عيش من ركب الذلا # وللمغفور له السيد حيدر الحلي (ره): # كريم أبى شم الدنية أنفه %~% فأشمه شوك الوشيج المسدد وقال قفي يا نفس وقفة وارد %~% حياض الردى لا وقفة المتردد رأى أن ظهر الذل أخشن مركبا %~% من الموت حيث الموت منه بمرصد فآثر أن يسعى على جمرة الوغى %~% برجل ولا يعطي المقادة عن يد # وقال أيضا : # وسامته يركب إحدى اثنتين %~% وقد صرت الحرب أسنانها فإما يرى مذعنا أو تموت %~% نفس أبى العز اذعانها فقال لها اعتصمي بالإبا %~% فنفس الأبي وما زانها إذا لم تجد غير لبس الهوا %~% ن فبالموت تنزع جثمانها رأى القتل صبرا شعار الكرام %~% وفخرا يزين لها شانها فشمر للحرب في معرك %~% به عرك الموت فرسانها وأضرمها لعنان السماء %~% حمراء تلفح أعنانها ركين وللأرض تحت الكماة %~% رجيف يزلزل ثهلانها PageV01P163 أقر على الأرض ms123 من ظهرها %~% إذا ململ الرعب أقرانها تزيد الطلاقة في وجهه %~% إذا غير الخوف ألوانها ولما قضى للعلا حقها %~% وشيد بالسيف بنيانها ترجل للموت عن سابح %~% له أخلت الخيل ميدانها ثوى زايد البشر في صرعة %~% له العز حبب لقيانها كأن المنية كانت لديه %~% فتاة تواصل خلصانها جلتها له البيض في موقف %~% به أنكل السمر خرصانها وأصبح مشتجرا للرماح %~% تحلي الدما منه مرانها عفيرا متى عاينته الكماة %~% يختطف الرعب ألوانها فما أجلت الحرب عن مثله %~% صريعا يجبن شجعانها تريب المحيا تظن السما %~% بأن على الأرض كيوانها # ذكر الحسيني (1) قال : ومن يطلب ما طلبه الحسين (عليه السلام)، ويجاهد ~~لأمته تقربا إلى الله وإعلاء لكلمته ، يوطن النفس على الموت ، والحسين أولى ~~بعزة النفس من سواه ، وفي كل حال فالحسين مجتهد في دينه ، مجاهد لأمة جده ، ~~عاش سيدا زكيا حميدا ، ومات بأجله كريما شهيدا ، وإذا لم يصل إلى غرضه فقد ~~قضى ما عليه. ومبلغ نفس عذرها مثل منجح ويغلب المقدار على التقدير! كما قال ~~أبوه (كرم الله وجهه). وللسيد ابن شهاب من قصيدة له يرثي الحسين (عليه ~~السلام) بقوله : # أجل قدرة المولى تبارك أنفذت %~% إرادته طبق القضاء المحتم # وإليك ما قاله في شجاعته صاحب (إسعاف الراغبين): كان الحسين (عليه ~~السلام) شجاعا مقداما من حين كان طفلا. وذكر ابن أبي الحديد قال : فيما افتخرت PageV01P164 # به بنو هاشم على بني امية قولهم : من مثل الحسين بن علي (عليهما السلام) ~~يوم الطف ، ما رأينا مكثورا قط قد فرق من إخوته وأهله وأنصاره أشجع منه ، ~~كان كالليث الجائب (1) يحطم الفرسان حطما ، وما ظنك برجل أبت نفسه الدنية ~~أن يعطي بيده ، فقاتل حتى قتل هو وبنوه وإخوته وبنو عمه بعد بذل الأمان لهم ~~والتوثقة بالأيمان المغلظة ، وهو الذي سن للعرب الإباء ، واقتدى به أبناء ~~الزبير وبنو المهلب وغيرهم. قلت : شجاعته يوم الطف ذكرتهم بصولات أبيه علي ~~(عليه السلام)، وكان المتنبي عناه بقوله : # واستعار الحديد لونا فألقى %~% لونه في ذوائب الأطفال # أو كما قال أبو بكر الرصافي : # لو كنت شاهده وقد ms124 غشى الوغى %~% يختال في درع الحديد المسبل لرأيت منه والحسام بكفه %~% بحرا يريق دم الكماة بجدول # وللآشني مثله : # ما لاح في درع يصول بسيفه %~% والوجه منه يضيء تحت المغفر إلا حسبت البحر مد بجدول %~% والشمس تحت سحائب من عثير # (وأما سخاؤه وجوده): فإنه (عليه السلام) كان يهب الألوف ، بل وعشرات ~~الألوف من الدنانير والدراهم حتى عد من سادات أجواد العرب. روى ابن عساكر ~~في تاريخه ، عن أبي هشام القباذ أنه كان يحمل إلى الحسين (عليه السلام) ~~بالمتاع من البصرة ، ولعله لا يقوم حتى يهب عامته. وقصته مع أسامة بن زيد ~~مدونة في كتب السير والتواريخ ، إذ وفى عنه ستين ألف درهم. وناهيك عن ~~عبادته وما جاء في الأثر عنه ، كان كثير العبادة والصلاة ، ولقد حج خمسا ~~وعشرين حجة ماشيا على قدميه ، والنجائب تقاد بين يديه. أما تواضعه : يكفيك ~~ما ذكره ابن عساكر في تاريخه ، قال : إن الحسين (عليه السلام) مر بمساكين ~~يأكلون في الصفة ، فقالوا : الغذاء. فنزل (عليه السلام) وقال : «إن الله لا ~~يحب المتكبرين». فتغدى معهم ، ثم قال لهم : «قد PageV01P165 # أجبتكم فأجيبوني». قالوا : نعم. فمضى بهم إلى منزله ، وقال للرباب خادمته ~~: «أخرجي ما كنت تدخرين» ... إلخ. وأيم الحق إن الحسين (عليه السلام) كان ~~أكرم أهل زمانه شيما وأخلاقا كما قال الشريف الرضي (ره): # كريم له يومان قد كفلا له %~% بنيل العلا من بأسه وسخائه فيوم نزال مشمس من سيوفه %~% ويوم نوال ماطر من عطائه فما رعت كوفان حرمة له %~% ولا وعت بما أتى في هل أتى # المراد هنا : أهل كوفان ، حذف المضاف للإيجاز والاختصار. قال الفخر ~~الرازي (1) في تفسير قوله تعالى : ( @QUR@05 واسأل القرية التي كنا فيها ) ~~(2): والمراد واسأل أهل القرية ، إلا إنه حذف المضاف للإيجاز والاختصار ، ~~وهذا نوع من المجاز مشهور في لغة العرب. قال أبو علي الفارسي : ودافع جواز ~~هذا في اللغة كدافع الضروريات وجاحد المحسوسات ، ومثله قول الشاعر : # أرى أجأ لم يسلم العام جاره (3) # كأنه يقول : إن أهل أجأ أو سكان جبل أجأ لم يسلموا جاره. وإن ms125 أجأ ذكره ~~امرؤ القيس بشعره مؤنثا بقوله : # أبت أجأ أن تسلم العام جارها %~% فمن شاء فلينهض لها من مقاتل # وهذا غلط صرف ؛ فإن أجأ مذكر ، وهو اسم جبل طي. نعم ، إن أهل الكوفة ما ~~رعت للحسين (عليه السلام) حرمة حين أقدمت على قتله وقتل ذويه وأنصاره ، ~~وذبح أطفاله ، ونهب رحله ، وسبي عياله. ذكر الحسيني (4) قال : والحقيقة أن ~~الذين أشاروا على الحسين بعدم الخروج أرادوا أن يصرفوه عن المسير إلى ~~الكوفة ؛ لعدم ثقتهم بأهل العراق ، وترجيحهم عدم ثباتهم في تأييد إمامهم ، ~~وصدق ظن من وصفهم بالغدر. PageV01P166 # وعدم الثبات ، وصادف حدسهم الواقع فيمن فشل من أهل العراق عن نصرة الحسين ~~، حتى كان من عجيب أمرهم أن ابن زياد يدخل الكوفة مع نفر من أهل البصرة ، ~~ثم يتحصن من مسلم بن عقيل بالقصر ومعه خمسون رجلا جلهم من الشرط ، وقد أحاط ~~به منهم أربعة آلاف رجل فيتفرقون عن مسلم ويتركونه وحده غريبا ، ولا رموا ~~عن قوس ولا ضربوا بعصا ، ولم يبق معه من يدله على منزل ، أو يرشده إلى طريق ~~؛ فلاذ بامرأة لا تعرفه فكانت خيرا من رجالهم ، وهي (طوعة) زوج أسيد ~~الحضرمي (رحمها الله). وغاية ما كان يخمنه العاقل ويراه البصير أن أهل ~~العراق يعدون فيخلفون ، ويبايعون فينكثون ؛ أما إنهم قاتلوا أنفسهم دون ~~الحسين (عليه السلام) فلا يكتفون بخذلانه وتركه يقاتل أخصامه ، بل يكون ~~منهم جيش يحيط به ويقاتله حتى يقتله دون أن يحدث منه أمر ينكرونه ، فلذلك ~~غدر لم يسمع بمثله ، ولم يخطر ببال إنسان ؛ فضرب المثل بهم في الغدر ، فقيل ~~: (أغدر من كوفي) كما في كتاب البغدادي (1)، وقيل : الكوفي لا يوفي ، من ~~ذلك غدرهم بأمير المؤمنين والحسن والحسين ، وشكايتهم للعمال. شكوا سعد بن ~~أبي وقاص ، فدعا عليهم ألا يرضيهم الله بوال ، ولا يرضى عليهم وال ، وشكوا ~~عمار بن ياسر فقالوا : لا يعقل ، وشكوا المغيرة بن شعبة ، والوليد بن عقبة ~~، وسعيد بن العاص وأخرجوه من الكوفة ، وغروا زيد بن علي ، وخذلوا مسلم بن ~~عقيل ، وقتلوا المختار بن أبي عبيدة. وقال عمر ms126 بن الخطاب : أعضل بي أهل ~~الكوفة ، لا يرضون بأمير ولا يرضاهم أمير. وقال قوم من أهل الكوفة للوليد ~~بن عقبة لما عزل عنهم : جزاك الله خيرا يا أبا وهب ، فما رأينا بعدك خيرا ~~منك. قال : لكني بحمد الله لم أر بعدكم شرا منكم ، وإن بغضكم لتلف ، وحبكم ~~لكلف. وقال النجاشي : # إذا سقى الله أرضا صوب غادية %~% فلا سقى الله أهل الكوفة المطرا التاركين على طهر نساءهم %~% والنائكين بشاطي دجلة البقرا PageV01P167 والسارقين إذا ما جن ليلهم %~% والدارسين إذا ما أصبحوا السورا ألق العداوة والبغضاء بينهم %~% حتى يكونوا لمن عاداهم جزرا # وقال أيضا : # لعن الله ولا يغفر لهم %~% ساكني الكوفة من حيي مضر واليمانيين فلا يحفل بهم %~% فهم من شر من فوق الغبر جلدوني ثم قالوا قدر %~% قدر الله بهم سوء القدر # وادعى النبوة من أهل الكوفة غير واحد ، منهم المختار بن أبي عبيد (1) كتب ~~إلى الأحنف بن قيس : بلغني أنكم تكذبونني ، وقد كذبت الأنبياء من قبلي ، ~~ولست خيرا من كثير منهم ، وكان منهم أبو منصور الخناق ، وكان يتولى سبعة ~~أنبياء من قريش ، وسبعة من بني عجل ، وكان منهم راشد الهجري (2)، وكانت ~~منهم هندة الأفاكة. وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لأهل الكوفة : «اللهم ~~كلما نصحتهم فغشوني ، وائتمنتهم فخانوني ، فسلط عليهم فتى ثقيف ، الذيال ~~الميال ، يأكل خضرتها ، ويحكم فيها بحكم الجاهلية». ولما قتل مصعب بن ~~الزبير خرجت سكينة بنت الحسين بن علي ، فقال لها أهل الكوفة : يا بنت رسول ~~الله ، أحسن الله صحابتك. فقالت : يا أهل الكوفة ، لا أحسن الله صحابتكم ؛ ~~لقد قتلتم جدي عليا ، وعمي الحسن كانت تنتقض جراحته حتى مات ، وقتلتم أبي ~~الحسين ، وقتلتم مصعبا ، والله لقد أيتمتموني صغيرة ، وأيتمتموني كبيرة ، ~~فلا أحسن الله عليكم الخلافة ، ولا دفع عنكم السوء (3). # وإليك البيتين الذين نظمهما الشيخ كاظم السوداني خاطب بهما سعادة الاستاذ ~~عباس البلداوي عندما كان حاكما في النجف ، ويحضر محكمة الكوفة في يوم السبت ~~من كل أسبوع ، وقد زاره السوداني في المحكمة بالنجف فأخبر أنه مضى إلى ~~الكوفة ، فكتب له هذين ms127 البيتين : PageV01P168 زرت المقام فلم أجدك ممثلا %~% فيه وشوقا قد أطلت وقوفي فسألت عنك فقيل كوفيا غدا %~% كرمت عن سبت ونسبة كوفي # فلما حضر وقرأها البلداوي طلب من الشيخ علي البازي الجواب ؛ دفاعا عن ~~بلدته الكوفة ، فقال : # يا هاجيا كوفان موطن حيدر %~% هلا رعيت حفيظة الإيمان تهجو بلا سبب ودون هداية %~% كيما تعد لنا من الأقران فبنا أتى عن جعفر بن محمد %~% خبر روته نخبة الأعيان أعلام شيعتنا وجل رواتنا %~% ومنارنا الوضاء في كوفان قدما سبقت إلى الهجا وهجوت من %~% منها تنبى في بني قحطان شيخ القريض ابن الحسين ومن به %~% شهدت أقاصي يعرب والداني أصبحت تخبط كالذي لا يرعوي %~% عن غيه ويبوء بالخسران لقد ارتكبت جريمة وجناية %~% سودت حتى أوجه السودان # وذكر اليعقوبي (1) في تاريخه أن أهل الكوفة شكوا سعد بن أبي وقاص واليهم ~~إلى عمر بن الخطاب ، وقالوا : لا يحسن يصلي. فعزله عمر عنهم وولى عليهم ~~عمار بن ياسر. ثم قدم عليه أهل الكوفة ، فقال : كيف خلفتم عمار بن ياسر ~~أميركم؟ فقالوا : مسلم ضعيف. فعزله ووجه جبير بن مطعم ، فمكر به المغيرة ~~وحمل عنه خبرا إلى عمر ، وقال له : ولني يا أمير المؤمنين. قال : أنت رجل ~~فاسق. قال : وما عليك مني؟ كفايتي ورجلتي لك ، وفسقي على نفسي. فولاه ~~الكوفة ، فسألهم عن المغيرة ، قالوا : أنت أعلم به وبفسقه. فقال : ما لقيت ~~منكم يا أهل الكوفة ؛ إن وليتكم مسلما تقيا قلتم ضعيف ، وإن وليتكم مجرما ~~قلتم هو فاسق. # ذكر سبط ابن الجوزي (2)، قال عامر الشعبي : لما بلغ عبد الله بن الزبير قتل PageV01P169 # الحسين (عليه السلام) خطب بمكة ، وقال : ألا إن أهل العراق قوم غدر فجر ، ~~ألا وإن أهل الكوفة شرارهم ؛ إنهم دعوا الحسين ليولوه عليهم ، ليقيم أمورهم ~~، وينصرهم على عدوهم ، ويعيد معالم الإسلام ، فلما قدم عليهم ثاروا عليه ~~يقتلوه ، قالوا له : إن لم تضع يدك في يد الفاجر ابن زياد الملعون فيرى فيك ~~رأيه ، فاختار الوفاة الكريمة على الحياة الذميمة ، فرحم الله حسينا وأخزى ~~قاتله ، ولعن الله من أمر بذلك ورضي ms128 به. أفبعد ما جرى على أبي عبد الله ما ~~جرى يطمئن أحد إلى هؤلاء ، أو يقبل عهود الفجرة الغدرة؟! أما والله ، لقد ~~كان صواما بالنهار ، قواما بالليل ، وأولى بينهم من الفاجر ابن الفاجر. ~~والله ، ما كان يستبدل بالقرآن الغناء ، ولا بالبكاء من خشية الله الحداء ، ~~ولا بالصيام شرب الخمور ، ولا بقيام الليل الزمور ، ولا بمجالس الذكر الركض ~~في طلب الصيود ، واللعب بالقرود. قتلوه فسوف يلقون غيا ، ألا لعنة الله على ~~الظالمين ، ثم نزل. وذكر القزويني (1)، ومثله محمد بن أبي طلحة (2) قال : ~~وكان أكثر هؤلاء الخارجين لقتاله قد شايعوه وكاتبوه ، وطاوعوه وعاهدوه ~~وبايعوه ، فلما جاءهم كذبوه ما وعدوه ، وأنكروه وجحدوه ، ومالوا إلى السحت ~~العاجل فعبدوه ، وخرجوا إلى قتاله رغبة في عطاء ابن زياد فقصدوه ، قال ~~الشاعر : # إذا ما سقى الله البلاد فلا سقى %~% معاهد كوفان بنوء المرازم أتت كتبهم في طيهن كتائب %~% وما رقمت إلا بسم الأراقم لخير إمام قام في الأمر فانبرت %~% له نكبات أقعدت كل قائم إذا ذكرت للطفل حل برأسه %~% بياض مشيب قبل شد التمائم أن اقدم إلينا يابن أكرم من مشى %~% على قدم من عربها والأعاجم PageV01P170 فودع مأمون الرسالة وامتطى %~% متون الرماسي لا الهجان الرواسم وجشمها نحو العراق تحفه %~% مصاليت حرب من ذؤابة هاشم # نعم ، إن أهل الكوفة عرفوا بالغدر والخيانة ، ومن سبر تاريخهم وقف على ~~غدرهم آنفا بخليفتهم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وما ذكر عنهم في مشاهير ~~خطبه ومطولات كتبه ، وهكذا غدروا بأولاده وأحفاده بحيث منعوهم شرب الماء ~~الذي لا يصد عنه كل ذي روح. # ومن النوادر الطريفة التي جرت في الكوفة : احتفل أهل الكوفة بقائمقام ~~النجف وقتئذ السيد حسن جواد الحسيني البغدادي ، فألقى في ذلك الحفل صديقنا ~~الخطيب الشيخ علي بازي قصيدة تكريما للقائمقام ، وقد طالب بقصيدته إنشاء ~~إسالة ماء الكوفة ، وبعد انتهاء الحفل وانفضاض الجمع إلا القليل من ~~النجفيين المدعوين وأشراف أهل الكوفة ناول أستاذنا اليعقوبي رقعة للقائمقام ~~، وقد كتب فيها بيتين على سبيل المداعبة والظرافة ، والبيتان : # لا تعر أهل الكوفة الجند سمعا %~% ودع ms129 القوم يهلكون ظماءا كيف تسقي يابن الجواد اناسا %~% منعوا جدك الحسين الماءا # فقامت قيامة الشيخ البازي ، وصار يزبد ويرعد ، وراح يشطرهما معارضا ، ~~وإليك تشطيره : # لا تعر أهل كوفة الجند سمعا %~% عجبا منك يطلبون جفاءا ويقولون لا تجبهم بشيء %~% ودع القوم يهلكون ظماءا كيف تسقي بابن الجواد اناسا %~% وسواهم يكابدون العناءا أو ترضى تعد`من حزب قوم %~% منعوا جدك الحسين الماءا # ولقد طرها الأدباء ، وخمسها الشعراء ، وإليك تشطيري (1): # لا تعر أهل كوفة الجند سمعا %~% يابن من جاز في علاه السماءا فاله عنهم ولا تعدهم بماء %~% ودع القوم يهلكون ظماءا كيف تسقي يابن الجواد أناسا %~% سقوا المرهفات منكم دماءا فحرام عليهم الماء لما %~% منعوا جدك الحسين الماءا PageV01P171 # وجاء في (كتاب البلدان) (1)، قال قطرب : سميت الكوفة من قولهم : تكوف ~~الرمل ، أي ركب بعضه بعضا. والكوفان : الاستدارة. وقال أبو حاتم السجستاني ~~: الكوفة رملة مستديرة ، يقال : كأنهم في كوفان. وقال المغيرة بن شعبة : ~~أخبرنا الفرس الذين كانوا بالحيرة ، قالوا : رأينا قبل الإسلام في موضع ~~الكوفة فيما بين الحيرة إلى النخيلة نارا تأجج ، فإذا أتينا موضعها لم نر ~~شيئا ، فكتب في ذلك صاحب الحيرة إلى كسرى ، فكتب إليه : أن ابعث إلي من ~~تربتها. قال : فأخذنا من حواليها ووسطها وبعثنا به إليه ، فأراه علماءه ~~وكهنته ، فقالوا : يبنى في هذا الموضع قرية يكون على يد أهلها هلاك الفرس. ~~قال : فرأينا والله الكوفة في ذلك الموضع. قالوا : أول من اختط مسجد الكوفة ~~سعد بن أبي وقاص ، وقال غيره : اختط الكوفة السائب بن الأقرع ، وأبو الهياج ~~الأسدي ، وكانت العرب تقول : أدلع البر لسانه في الريف فما كان يلي الفرات ~~فهو (الملطاط)، وما كان يلي الطين فهو النجف. ويروى عن أمير المؤمنين ~~(عليه السلام) أنه قال : «الكوفة كنز الإيمان ، وجمجمة الإسلام ، وسيف الله ~~ورمحه يضعه حيث يشاء. والذي نفسي بيده لينصرن الله (جل وعز) بأهلها في شرق ~~الأرض وغربها كما انتصر بالحجاز». وكان (عليه السلام) يقول : «إن موضع ~~الكوفة اليوم كانت سورستان». وكان سلمان يقول : أهل الله ، وهي قبة الإسلام ~~يحن ms130 إليها كل مسلم. وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «ليأتين على الكوفة ~~زمان وما من مؤمن ولا مؤمنة إلا بها ، أو قلبه يحن إليها». وقال ابن الكلبي ~~: وفد الحجاج على عبد الملك بن مروان ومعه أشراف العراق ، فلما دخلوا عليه ~~تذاكروا أمر الكوفة والبصرة ، فقال محمد بن عمير العطاردي : إن أرض الكوفة ~~أرض سفلت عن الشام وعملها ووبائها ، وارتفعت عن البصرة وحرها وعمقها ، ~~وجاورها الفرات فعذب ماؤها وطاب ثمرها ، وهي مريئة مريعة. فقال عبد الله بن الأهتم PageV01P172 # السعدي : نحن والله يا أمير المؤمنين أوسع منهم تربة ، وأكثر منهم دربة ، ~~وأعظم منهم برية ، وأغذ منهم في السرية ، وأكثر منهم قندا ونقدا. يأتينا ما ~~يأتينا عفوا صفوا ، ولا يخرج من عندنا إلا سائق أو قائد أو ناعق. فقال ~~الحجاج : إن لي بالبلدين خبرا يا أمير المؤمنين. قال : هات ، فأنت غير متهم ~~فيهم. قال : أما البصرة فعجوز شمطاء بخراء ذفراء ، أوتيت من كل حلي وزينة ، ~~وأما الكوفة فبكر عاطل لا حلي لها ولا زينة. فقال عبد الملك : ما أراك إلا ~~وقد فضلت الكوفة ، وكان عمر بن الخطاب يكتب إلى سيد الأمصار ، وجمجمة العرب ~~، يعني الكوفة. وكان عبد الله بن عمر يقول : يا أهل الكوفة ، أنتم أسعد ~~الناس بالمهدي. وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) للكوفة : «ويحك يا كوفة ~~واختك البصرة! كأني بكما تمدان مد الأديم ، وتعركان عرك العكاظي ، ألا إني ~~أعلم فيما أعلمني الله (عز وجل) أنه ما أراد بكما جبار سواء إلا ابتلاه ~~الله بشاغل». وكان محمد بن عمير بن عطارد يقول : الكوفة سفلت عن الشام ~~ووبائها ، وارتفعت عن البصرة وعمقها ، فهي مريئة مريعة ، برية بحرية ، إذا ~~أتتنا الشمال هبت مسيرة شهر على مثل رضراض الكافور ، وإذا هبت الجنوب ~~جاءتنا بريح السواد وورده وياسمينه ، وخيريه وأترجه ، ماؤنا عذب ، ومحتشنا ~~خصب. وكتب إليهم عمر بن الخطاب : إني اختبرتكم فأحببت النزول بين أظهركم؛ ~~لما أعرف من حكم لله ولرسوله ، وقد بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرا ، وعبد ~~الله بن مسعود مؤذنا ووزيرا ، وهما من النجباء من ms131 أهل بدر ، فخذوا عنهما ~~واقتدوا بهما ، وقد آثرتكم بعبد الله بن مسعود على نفسي. وكان زياد يقول : ~~الكوفة جارية حسناء تضع لزوجها ، فكلما رآها يسر بها. # قالوا : ولنا فتوح وأيام ، فمن فتوحنا الحيرة ، وبانقيا ، والفلوجتين ، ~~وتستر ، وبغداد ، وعين التمر ، ودومة ، والأنبار. وما فتحوا مع خالد بن ~~الوليد في مسيرهم إلى الشام : المضيح ، وحصيد ، وبشر ، وقراقر ، وسوى ، ~~وأراك ، وتدمر ، ثم شاركوا أهل الشام في بصرى ودمشق. هذا كله في خلافة PageV01P173 # أبي بكر ، ثم كان من آثارهم في خلافة عمر يوم جسر أبي عبيد ، ويوم مهران ~~، ويوم القادسية ، ويوم المدائن ، وجلولاء وحلوان. هذا كله قبل أن ينزلوا ~~الكوفة ، ثم نزلوها ففتحوا الموصل ، وآذربايجان ، وتستر ، وما سبذان ، ~~ورامهرمز ، وجرجان ، والدينور. ولهم مع أهل البصرة نهاوند ، ولهم بعض الري ~~، وبعض إصبهان ، ولهم طميس ، ونامية من طبرستان. ونزل الكوفة من الخلفاء ~~والأئمة علي والحسن (عليهما السلام)، ومن الملوك والخلفاء معاوية وعبد ~~الملك ، وأبو العباس وأبو جعفر المنصور ، والمهدي وهارون الرشيد ، وكان بها ~~عمال العراق ، والدعوة لهم في العطاء قبل أهل البصرة. عدة أهل الكوفة ~~ثمانون ألفا ، ومقاتلتهم أربعون ألفا ، وكان زياد يقول : أهل الكوفة أكثر ~~طعاما ، وأهل البصرة أكثر دراهم. وقال الأحنف بن قيس : نزل أهل الكوفة في ~~منازل كسرى بن هرمز بين الجنان اللتفة والمياه الغزيرة والأنهار المطردة ، ~~تأتيهم ثمارهم غضة لم تخضد ولم تفسد ، ونزلنا أرضا هشاشة في طرف فلاة ، ~~وطرف ملح أجاج في سبخة نشاشة لا يجف ثراها ، ولا ينبت مرعاها ، يأتينا ما ~~يأتينا في مثل مرء النعامة. قال : ولما ظهر أمير المؤمنين (عليه السلام) ~~على أهل البصرة قال أعشى همدان : # أكسع البصري إن لاقيته %~% إنما يكسع من قل وذل واجعل الكوفي في الخيل ولا %~% تجعل البصري إلا في النفل وإذا فاخرتمونا فاذكروا %~% ما فعلنا بكم يوم الجمل بين شيخ خاضب عثنونه %~% وفتى أبيض وضاح رفل جاءنا يخطر في سابغة %~% فذبحناه ضحى ذبح الحمل وعفونا فنسيتم عفونا %~% وكفرتم نعمة الله الأجل # وقال قطرب بن خليفة : نازعني قتادة في الكوفة والبصرة ، فقلت : دخل ms132 ~~الكوفة سبعون بدريا ، ودخل البصرة عتبة بن غزوان. فسكت. وقال أمير المؤمنين ~~(عليه السلام): «قبة الإسلام الكوفة ، والهجرة بالمدينة ، والأبدال بالشام ~~، والنجباء بمصر وهم قليل». PageV01P174 # وقالوا : من نزل الكوفة فلم يقر بفضل ثلاث فليست له بدار ؛ بفضل ماء ~~الفرات ، ورطب المشان ، وفضل أمير المؤمنين علي (عليه السلام). ومن نزل ~~البصرة فلم يقر لهم بثلاث فليست له بدار ؛ بفضل عثمان ، وفضل الحسن البصري ~~، ورطب الأزاذ. قالوا : ومن أسخياء الكوفة هلال بن عتاب ، وأسماء بن خارجة ~~، وعكرمة بن ربعي الفياض. ومن فتيانها ؛ خالد بن عتاب ، وأبو سفيان بن عروة ~~بن المغيرة بن شعبة ، وعمرو بن محمد بن حمزة. قال سعيد بن مسعود المازني ~~لسليمان بن عبد الملك : منا أحلم الناس الأحنف ، وأحلمهم بحلمه أياس بن ~~قتادة ، وأسخاهم طلحة بن عبد الله بن خلف ، وأشجعهم عباد بن حصين والحريش ، ~~وأعبدهم ابن قيس. فقال نظار الكوفة : منا أشجع الناس الأشتر ، وأسخاهم خالد ~~بن عتاب ، وأحلمهم عكرمة الفياض ، وأعبدهم عمرو بن عتبة بن فرقد. وقالوا : ~~إذا كان علم الرجل حجازيا ، وطاعته شاميا ، وسخاؤه كوفيا فقد كمل. # افتخار الكوفيين والبصريين (1) # قال : اجتمع عند أبي العباس أمير المؤمنين عدة من بني علي وعدة من بني ~~العباس ، وفيهم بصريون وكوفيون. منهم أبو بكر الهذلي وكان بصريا ، وابن ~~عياش وكان كوفيا. فقال أبو العباس : تناظروا حتى نعرف لمن الفضل منكم. قال ~~بعض بني علي : إن أهل البصرة قاتلوا عليا يوم الجمل ، وشقوا عصا المسلمين. ~~قال أبو العباس : ما تقول يا أبا بكر؟ قال : معاذ الله أن يجهل أهل البصرة! ~~إنما كانت شرذمة منها شذت عن سبل المنهج واستحوذ عليها الشيطان ، وفي كل ~~قوم صالح وطالح ؛ فأما أهل البصرة فهم أكثر أموالا وأولادا ، وأطوع للسلطان ~~، وأعرف برسوم الإسلام. قال ابن عياش : نحن أعلم بالفتوح منكم ؛ نحن نفينا ~~كسرى عن البلاد ، وأبرنا جنوده ، وأبحنا ملكه ، وفتحنا الأقاليم ، وإنما ~~البصرة من العراق بمنزلة المثانة من الجسد ينتهي إليها الماء بعد تغييره ~~وفساده ؛ مضغوطة قبل ظهرها بأخشن أحجار وأقلها خيرا ، مضغوطة من فوقها ms133 ~~ببطيحتها وإن PageV01P175 # كانوا يستعذبون ماءهم ، ولولا ذلك ما انتفعوا بالعيش ، ومضغوطة بالبحر ~~الأخضر من أسفلها ، ونحن قللناهم على وجه المعزاء ، وبعثنا إليهم من جندنا ~~ما كان منه قوامهم. وإنما أهل البصرة بمنزلة الرسل لنا ، ومحل الكوفة محل ~~اللهوات واللسان من الجسد ، وموضعها على صدور الأرضين ، ينتهي إليها الماء ~~ببرده وعذوبته ، ويتفرق في بلادنا ، ويجوز بالعذبة الزكية الفرات ودجلة ، ~~والبصرة من العراق بمنزلة المثانة من الجسد. قال أبو بكر : أنتم مهما وصفت ~~أكثر أنبياء ، وما لنا إلا نبي واحد وهو محمد (صلى الله عليه وآله)، وعامة ~~أنبيائكم الحاكة. فضحك أبو العباس حتى كاد يسقط عن السرير ، ثم قال له : ~~لله درك يا أبا بكر! فقال أبو بكر : وما رأيت الأنبياء مصلوبين إلا ببلاد ~~الكوفة. فقال ابن عياش : عيرت أهل الكوفة بثلثة مجانين من السفلة ادعوا ~~النبوة بالجنون ؛ فصلبهم الله بالكوفة ، فمن يعير به أهل البصرة من المدعين ~~للعقول والشرف؟ والروايات للحديث كثير كلهم يزعم أنه يهدي نفسه ويضلها ، ~~والمتنبئ بالجنون أيسر خطبا من ادعاء الصحيح هدى نفسه وضلالها ، فلقد ادعوا ~~الربوبية في قول بعضهم. فقال أبو العباس : هذه بتلك أو أشد يا أبا بكر ، ~~فاعترض عليهم بعض العلوية وهو الحسن بن زيد ، فقال : يا أبا بكر ، أما ~~قتلتم عليا يوم الجمل؟ فقال : بلى ، قاتله شرذمة وكف الله (عز وجل) أيدينا ~~وسلاحنا عن قتله نظرا منه لنا ، ثم رجع إلى الكوفة فقتلوه وولده ، وولد ~~ولده وبني عمه ، وأخرجوا الحسين بن علي بعد بيعتهم له حتى هرب منهم. فقال ~~ابن عياش : بل قصر الله أيديكم بطول أيدي الكوفة ، وبنصرتهم عليكم ، وكيف ~~تعيرنا بباطل رجل واحد منا يبلغ بباطله ما عجز عنه عامتكم ، ولقد حدثني ~~أشياخ من النخع أن أهل الكوفة كانوا يوم الجمل تسعة آلاف رجل مع أمير ~~المؤمنين (عليه السلام)، وكان عليه ثلاثون ألفا مع طلحة والزبير وعائشة ، ~~فلما التقوا لم يكن أهل البصرة إلا كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف. فقال ~~أبو بكر : ومتى كان أهل البصرة ثلاثين ألفا يقاتلون ms134 أمير المؤمنين (عليه ~~السلام)، وقد اعتزلهم الأحنف بن قيس في سعد والرباب؟! وقد دخلنا بعد ذلك ~~الكوفة فذبحنا بها ستة آلاف رجل من أصحاب نبيهم المختار كما يذبح PageV01P176 # الحملان ، سوى من هرب بعد أن جاء أسماء بن خارجة الفزاري ، ومحمد بن ~~الأشعث الكندي ، وشبث بن ربعي التميمي ، واستعانوا بأهل البصرة ، وشكا ~~إليهم المختار وأصحابه ، وما قتل من رجالهم واستباح من حريمهم ، فخرجنا مع ~~مصعب ابن الزبير حتى قتلنا نبيهم المختار ، ومن قدرنا عليه من أصحابه ، ~~واعتقناهم من الرق ، فلنا الفضل على أهل الكوفة ، ولنا المنة عليهم ، وعلى ~~أعقابهم لو كانوا يشكرون. قال ابن عياش : أتاكم أهل الكوفة يوم الجمل مع ~~علي فقتلوكم ، فأرى أهل الكوفة غالبين ومغلوبين على الحق ، وأرى أهل البصرة ~~غالبين ومغلوبين على الباطل. فقال أبو العباس : يا أبا بكر ، دونك فإني أرى ~~ابن عياش مفوها جدلا. قال أبو بكر : ما لهم بنا طاقة. قال ابن عياش : لسنا ~~في حرب فيرى مغالبنا ، وإنما نحن في كلام فأحسن الكلام أوضحه حجة. فقال ~~الحسن بن زيد : يا أبا بكر ، لا تغالب أهل الكوفة ، ولا تفاخرهم ؛ فإنهم ~~أكثر فقهاء وأشرافا منكم. فقال أبو بكر : معاذ الله ، أنى يكون هذا! وما ~~كان فيهم شريف إلا وفينا أشرف منه ، وما كان في تميم الكوفة مثل الأحنف في ~~تميم البصرة ، ولا في عبد القيس الكوفة مثل الحكم بن الجارود في عبد القيس ~~البصرة ، ولا كان في بكر الكوفة مثل مالك بن مسمع في بكر البصرة ، ولا كان ~~في قيس الكوفة من قتيبة بن مسلم في قيس البصرة. قال ابن عياش : زدنا يا أبا ~~بكر إن وجدت مزيدا ، فعندنا أضعاف ما ذكرت ، ومن أنت ذاكره إن شاء الله. ~~قال أبو بكر : كفى بهذا فخرا وعزا وشرفا. فقال ابن عياش : قطع بك يا أبا ~~بكر ، إنما أهل البصرة مثل نظام البعر المستوي واسطته درة فهي فيهم مشهورة ~~، وأهل الكوفة مثل نظيم الدر فواسطته منه لها أشباه كثيرة ؛ ذكرت الأحنف في ~~تميم البصرة ، وفي تميم الكوفة محمد ms135 بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة بن ~~عدس رهن قوسه عن جميع العرب ، والنعمان بن مقرن صاحب النبي (صلى الله عليه ~~وآله) المقدم على جميع جيوش المسلمين أيام عمر بن الخطاب ، وحسان بن المنذر ~~بن ضرار من بيت ضبة وسيدها عتاب بن ورقاء جواد العرب. وشبث بن ربعي التميمي ~~قائد أهل البصرة وسائقهم مع PageV01P177 # مصعب بن الزبير ، وعكرمة بن ربعي التميمي الذي قيل فيه : وعكرمة الفياض ~~رب الفضائل فهؤلاء سادة تميم الكوفة. والعجب لفخرك بمالك بن مسمع في بكر بن ~~وائل على مصقلة بن هبيرة وقد أقر بين يدي علي بن أبي طالب بشرفه وفضله ، ~~ومنهم خالد بن معمر وشقيق بن نثور السدوسي ، وسويد بن منجوف وحريث بن جابر ~~، والحضين بن منذر ومحدوج المخزومي ، ويزيد بن رويم الشيباني والقعقاع بن ~~شور الذهلي! وأما فخرك بقتيبة بن مسلم فما أنت وذاك؟! إنما هو رجل من باهلة ~~صنعه الحجاج ، والشرف من قيس في عامر بن صعصعة من بني لبيد بن ربيعة الشاعر ~~جاهليا وإسلاميا ، وإنما فخرت بواحد من مئة ، ألا إني أجمل لك : أميرنا علي ~~بن أبي طالب ، ومؤذننا عبد الله بن مسعود ، وقاضينا شريح ، فهات في أهل ~~البصرة واحدا من هؤلاء الثلاثة. قال أبو بكر : أميرنا عبد الله بن عباس. ~~قال ابن عياش : نحن بطانة عبد الله وظهارته ، وأنصاره وجنده عليكم ، ونحن ~~أحق به منكم. فقال ابو بكر : فإن كان مؤذنكم عبد الله بن مسعود فمنا أنس بن ~~مالك خادم النبي (صلى الله عليه وآله). فقال ابن عياش : وأين أنس من ابن ~~مسعود فتقيسه به؟! ولقد نزل الكوفة سوى من سميت لك سبعون رجلا من أصحاب ~~رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنقيم لك واحدا بأنس ، ثم نفتخر عليك بتسعة ~~وستين باقين. فقال أبو بكر : فإن كان شريح قاضيكم ففينا الحسن البصري سيد ~~التابعين ، وابن سيرين في فضلهما وفقههما. فقال ابن عياش : إن عددت هذين ~~وباهيت بهما عددنا لك أويسا القرني الذي يشفع في مثل ربيعة ومضر ، وربيع بن ms136 ~~خيثم والأسود بن يزيد ، وعلقمة ومسروقا ، وهبيرة بن يريم وأبا ميسرة ، ~~وسعيد بن جبير والحارث الأعور صاحب علي بن أبي طالب وراويته ، وأين أنت عمن ~~لم تر عينك مثله في زمانه من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)، ولا أحفظ ~~لما سمع ، ولا أفقه في الدين ، ولا أصدق في الحديث ، ولا أعرف بمغازي النبي ~~(صلى الله عليه وآله) وأيام العرب ، وحدود الاسلام والفرائض ، والغريب ~~والشعر ، ولا أوصف لكل أمر من عامر بن شراحيل الشعبي؟! فقال : كل من حضر ~~لقد كان كذلك ، وبالكوفة بيوتات العرب الأربعة ؛ PageV01P178 # فحاجب بن زرارة بيت تميم ، وآل زيد بيت قيس ، وآل ذي الجدين بيت ربيعة ، ~~وآل قيس بن معدي كرب الزبيدي بيت اليمن ، وبالكوفة فرسان العرب الأربعة في ~~الجاهلية والإسلام ؛ عمرو بن معدي كرب ، والعباس بن مرداس السلمي ، وطليحة ~~بن خويلد الأسدي ، وأبو محجن الثقفي. وأهل الكوفة جند سعد بن أبي وقاص يوم ~~القادسية ، وأصحاب الجمل وصفين ، وخانقين وجلولاء ونهاوند ، وفرسانهم ~~المعدودون في الإسلام ؛ مالك بن الحارث الأشتر النخعي ، وسعد بن قيس ~~الهمداني ، وعروة بن زيد الطائي صاحب وقعة الديلم ، وعبد الرحمن بن محمد بن ~~الأشعث الكندي. فقال أبو بكر : هذا الذي سلب الحسين بن علي قطيفته فسماه ~~أهل الكوفة عبد الرحمن قطيفة ، فقد كان ينبغي أن لا تذكره. فضحك أبو العباس ~~من قول أبي بكر ، فقال ابن عياش : والذي سار تحت لوائه أهل الكوفة والبصرة ~~وجماعة أهل العراق ، وبالكوفة من أحياء العرب بأسرهم ما ليس بالبصرة منهم ~~إلا أهل بيت واحد ، وهم الذين يقول فيهم علي بن أبي طالب : فلو كنت بوابا ~~على باب جنة لقلت لهمدان ادخلوا بسلام فقال أبو بكر : فهل فيمن سميت أحد ~~إلا قاتل الحسين بن علي وأهل بيته ، أو خذلهم أو سلبهم وأوطأ الخيل صدورهم. ~~فقال ابن عياش : تركت الفخر وأقبلت على التعبير ، أنتم قتلتم أباه علي بن ~~أبي طالب ، فأما أهل الكوفة فكان منهم مع الحسين يوم قتل أربعون رجلا ، ~~وإنما كان معه سبعون رجلا فماتوا كلهم دونه ، وقتل ms137 كل واحد منهم عدوه قبل ~~أن يقتل. فقال أبو بكر : إن أهل الكوفة قطعوا الرحم ، ووصلوا المثانة ؛ ~~كتبوا إلى الحسين بن علي إنا معك مئة ألف وغروه ، حتى إذا جاء خرجوا إليه ~~فقتلوه وأهل بيته صغيرهم وكبيرهم ، ثم ذهبوا يطلبون دمه ، فهل سمع السامعون ~~بمثل هذا؟! فقال ابن عياش. ومن أهل الكوفة أبو عبد الله الجدلي الذي صار ~~ناصرا لبني هاشم حين حصرهم ابن الزبير ، وكتب ابن الحنفية يستنصرهم ، فسار ~~في عدة ممن كان مع ابن الزبير حتى صير الله بني هاشم حيث أحبوا ، فهل كان ~~فيهم بصري؟! فنهض أبو العباس وهو يقول : الكوفة PageV01P179 # بلاد الأدب ، ووجه العراق ، ومبزغ أهله ، وعليها الجحاش ، وهي غاية ~~الطالب ، ومنزل خيار الصحابة وأهل الشرق ، وإن أهل البصرة لأشبه الناس بهم ~~، ثم قام. # ذكر ما جاء في مسجد الكوفة (1) # قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لقد صلى في هذا البيت يعني مسجد ~~الكوفة تسعون نبيا ، وألف وصي ، وفيه فار التنور ، وخرجت منه السفينة ، ~~وفيه عصا موسى ، وخاتم سليمان بن داود ، والبركة منه على اثني عشر ميلا ، ~~وهو أحد المساجد الأربعة التي تعظم ، ولأن أصلي فيه ركعتين أحب إلي من أن ~~أصلي عشرا في غيره ، إلا في المسجد الحرام ومسجد الرسول». وقال ليث بن أبي ~~سليم : بلغني أن المكتوبة في مسجد الكوفة تعدل حجة ، والتطوع يعدل عمرة. ~~ويقال : إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : «إن بالكوفة أربع بقاع قدس ~~مقدسة ، فيها أربع مساجد». قيل : سمها يا أمير المؤمنين. قال : «أحدها : ~~مسجد ظفر ، وهو مسجد السهلة ، إن أطنابها من الأرض لعلى ياقوته خضراء ، ما ~~بعث الله نبيا إلا صورة وجهه فيها. والثاني : مسجد جعفي ، لا تذهب الأيام ~~والليالي حتى تنبع منه عين. والثالث : مسجد غنى ، لا تذهب الليالي والأيام ~~حتى تنبع منه عين ، وحوله جنينة. والرابع : مسجد الحمراء ، وهو في موضع ~~بستان ، لا تذهب الليالي والأيام حتى تنبع منه عين تنطف ماء حواليه ، وفيه ~~قبر أخي يونس بن متى». ويقال : إن مسجد السهلة مناخ الخضر ، وما أتاه مغموم ms138 ~~إلا فرج الله عنه. قال : ونحن نسمي مسجد السهلة مسجد القرى. # وقد نظم ثلاثة من الأفاضل الولائية هذه القصيدة ، عنوانها (من وحي مسجد ~~الكوفة): # هنا تنشق النفس إيمانها %~% فخل الحياة وأشجانها هنا يعذب الشعر والعاطفات %~% تردد بالافق ألحانها PageV01P180 هنا يستشف الأديب البيان %~% من الخلد ينشد تحنانها هنا الروح تلهبها الذكريات %~% فتطلق بالشجو بركانها هنا دكة الحق فيها القضاء %~% توقع بالعدل تبيانها (1) هنا منبر الله فيه الولاء %~% علي يرتل قرآنها هنا حيدر يرشد العالمين %~% فكان مع الحق عنوانها هنا صادق القول في علمه %~% يخرج بالدرس نعمانها (2 ، 3) هنا يرتقي منبرا للحديث %~% يقرر للخلق عرفانها هنا مضجع للسفير الشهيد %~% (ونفس الأبى وما زانها) (4) |سلوه تضرعا وادعوه خيفه||وبعد استرحموا لأبي حنيفه| PageV01P181 هنا ساعد للحسين القتيل %~% أباد الطغاة وفرسانها هنا مسلم باعث المكرمات %~% يحطم بالسيف أوثانها هنا هانئ ذو الفداء الذي %~% أخاف العداة وسلطانها (1) هنا ميثم ينشد العالمين %~% على منبر الشتق فرقانها (2) هنا كوفة الجند فيها الطغاة %~% أطاعت على البغي شيطانها هنا حلقت أنفس الطاهرين %~% فأعلت بذلك برهانها هنا تغمر الروح نفس الأديب %~% فتلهب بالشعر إيمانها هنا رفرفت أكبد المؤمنين %~% لتظهر للآل أحزانها # لقد أفاضت الأخبار في فضل الكوفة ومسجدها. وفي البحار عن الرضا (عليه ~~السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، قال : «ذكر علي الكوفة فقال : يدفع ~~البلاء عنها كما يدفع عن أخبية النبي (صلى الله عليه وآله)». وعن ابن نباتة ~~قال : بينا نحن ذات يوم حول أمير المؤمنين (عليه السلام) في مسجد الكوفة إذ ~~قال : «يا أهل الكوفة ، لقد حباكم الله (عز وجل) بما لم يحب به أحدا ؛ ففضل ~~مصلاكم وهو بيت آدم ، وبيت نوح ، وبيت إدريس ، ومصلى إبراهيم الخليل ، ~~ومصلى أخي الخضر ، ومصلاي. وإن مسجدكم هذا أحد المساجد الأربعة التي ~~اختارها الله (عز وجل) لأهلها ، وكأني به يوم القيامة في ثوبين أبيضين شبيه ~~بالمحرم ، يشفع لأهله ولمن صلى فيه فلا ترد شفاعته ، ولا تذهب الأيام حتى ~~ينصب الحجر الأسود فيه (3)، وليأتين زمان يكون مصلى المهدي من ولدي ، ~~ومصلى كل PageV01P182 # مؤمن ، ولا يبقى مؤمن ms139 إلا كان به ، أو حن قلبه إليه ، فلا تهجروه ، ~~وتقربوا إلى الله (عز وجل) بالصلاة فيه ، وارغبوا إليه في قضاء حوائجكم ، ~~فلو يعلم الناس ما فيه من البركة لأتوه من أقطار الأرض ولو حبوا على ~~الثلج». ومن أبيات نظمتها في فضل مسجد الكوفة ، وهي : # كوفان ما أسما وأعلى مسجدا %~% بك من أتاه مؤملا لا يحرم لله من بيت تعالى رفعة %~% فله على سمك الضراح تقدم بيت أتاه آدم من غابر %~% ال أزمان حيث بفضله هو أعلم بيت له الروح الأمين وأحمد %~% وجميع رسل الله قدما يمموا وأتاه شيخ المرسلين مصليا %~% فيه وكل للإله يعظم ولكم به كان الإمام المرتضى %~% يقضي بحكم الله لما يحكم فكأنه فلك لرفعة شأنه %~% وكأنما هذي المحارب أنجم وكأن جل الأنبياء برحبه %~% قاموا إلى فرض الصلاة وأحرموا وعلي في محرابه متقدم %~% إن الإمام إلى الصلاة يقدم # وروي بحذف السند عن أسامة ، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال : ~~سمعته يقول : «الكوفة روضة من رياض الجنة». وجاء إليه رجل قال له : سيدي ، ~~إني قد ضربت على كل شيء لي ذهبا وفضة ، وبعت ضياعي فقلت أنزل مكة. فقال ~~(عليه السلام): «لا تفعل ؛ فإن أهل مكة يكفرون بالله جهرة». قال : أنزل ~~بالمدينة؟ قال : «هم شر منهم». قال : فأين أنزل؟ قال (عليه السلام): «عليك ~~بالعراق الكوفة ؛ فإن البركة منها على اثنى عشر ميلا هكذا وهكذا ، وإلى ~~جانبها قبر ما أتاه مكروب قط إلا وكشف الله كربته ، PageV01P183 # ولا ملهوف إلا وفرج الله عنه ، وهو قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)». ~~وقال (عليه السلام): «حرمت النار على قدم تغبرت في زيارة جدي أمير ~~المؤمنين (عليه السلام)» ... إلخ. # قلت : ولا وعت : أي ما حفظت ولا تدبرت ، وكأن ما سمعت بما جاء بمدحه في ~~الذكر الحكيم في قوله تعالى : ( @QUR@07 يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره ~~مستطيرا * @QUR@07 ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * @QUR@010 ~~إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ) (1). ذكر الفخر ~~الرازي (2)، والزمخشري (3)، والطبرسي (4) أن هذه الآيات نزلت في علي ms140 ~~(عليه السلام). والرواية عن ابن عباس ، ومجاهد ، وأبي صالح : أن الحسن ~~والحسين (عليهما السلام) مرضا فعادهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ~~ناس معه ، فقالوا : يا أبا الحسن ، لو نذرت على ولديك نذرا ، فنذر علي ~~وفاطمة وفضة جارية لهما إن برءا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام. فشفيا وما ~~معهم شيء ، فاستقرض علي (عليه السلام) من شمعون الخيبري اليهودي ثلاث أصوع ~~من شعير ، فطحنت فاطمة صاعا ، واختبزت خمسة أقراص على عددهم ، فوضعوها بين ~~أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل فقال : أطعمكم الله من موائد الجنة. فآثروه ~~وباتوا لم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صياما ، فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين ~~أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه ، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك ~~، فلما أصبحوا أخذ علي (رضي الله عنه) بيد الحسن والحسين (عليه السلام) ~~وأقبلوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما أبصرهم وهم يرتعشون ~~كالفراخ من شدة الجوع قال (صلى الله عليه وآله): «ما أشد ما يسوءني ما أرى ~~بكم!». وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة (عليها السلام) في محرابها قد التصق ~~ظهرها ببطنها ، وغارت عيناها ، فساءه ذلك ، فنزل جبرئيل وقال : خذ يا محمد ~~، هناك الله في أهل بيتك. فأقرأه السورة. ولبعد الباقي العمري في ذلك : PageV01P184 وسائل هل أتى نص بحق علي %~% أجبته (هل أتى) نص بحق علي فظنني مذ غدا مني الجواب له %~% عين السؤال صدى من صحفة الجبل وما درى لا درى جدا ولا هزلا %~% أني أريد بذاك الجد لا الهزل # وقال من قصيدة أخرى : # ومن أتى في حقه (هل أتى) %~% نعم وفي أولاده (قل لا) # وفي هذا البيت اكتفاء ، وهو من أنواع البديع ، ومثله قولي : في فتى قد ~~ربط يده إلى عنقه. # رؤياك للسادة تغني عن فدك %~% فاسمح لنا اليوم (ولا تجعل يدك) # أراد المغفور له العمري قوله تعالى : ( @QUR@09 قل لا أسألكم عليه أجرا ~~إلا المودة في القربى ) (1)، وأردت قوله تعالى : ( @QUR@010 ولا تجعل يدك ~~مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ) (2). فأهل الكوفة ما رعت حرمة ~~للحسين ms141 سبط نبيهم (صلى الله عليه وآله)، ولا وعت بما جاء في حقه بالذكر ~~الحكيم. # قال الشاعر : # إذا الله أثنى بالذي هو أهله %~% عليه فما مقدار ما تمدح الورى وكأن أجر المصطفى في آله %~% أن يمنعوه ورد ماء قد طما # أجر : أجر الرجل على كذا ، كافأه وأثابه عليه. وطما الماء : أي كثر. قال ~~أرباب السير : منع أهل الكوفة الحسين وصبيانه من الماء ثلاثة أيام. وذكر ~~سبط ابن الجوزي (3) عند ذكره للجيش الكوفي قال : فنزلوا مقابلهم ومنعوهم ~~الماء ثلاثة أيام ، فناداه عبد الله بن حصير الأزدي : يا حسين ، ألا تنظر ~~إلى الماء كأنه كبد السماء؟ ووالله ، لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا. فقال ~~الحسين (عليه السلام): «اللهم اقتله عطشا ، ولا تغفر له أبدا». فكان بعد ~~ذلك يشرب الماء ولا يروى حتى مات عطشا. وناداه عمرو بن الحجاج : يا حسين ، ~~هذا الماء تلغ فيه PageV01P185 # الكلاب ، وتشرب منه خنازير أهل السواد ، والحمر والذئاب ، ولن تذوق منه ~~والله قطرة حتى تذوق الحميم في نار جهنم. فكان سماع هذا الكلام على الحسين ~~(عليه السلام) أشد من منعهم إياه الماء ، وهذا جزاؤه منهم إذ سقاهم الماء ~~في تلك الصحراء القاحلة ، وكانوا قد أشرفوا على الهلاك يوم أن جاؤوا مع ~~الحر بن يزيد الرياحي ، وعددهم ألف فارس. وقديما قيل : لا ينكر المعروف إلا ~~اللئيم. ذكر ابن خلكان (1)، قال نصر الله بن مجلي مشارف الصناعة بالمخزن ، ~~وكان من ثقات أهل السنة : رأيت في المنام علي بن أبي طالب (عليه الصلاة ~~والسلام)، فقلت له : يا أمير المؤمنين ، تفتحون مكة فتقولون : «من دخل دار ~~أبي سفيان فهو آمن» (2)، ثم يتم على ولدك الحسين (عليه السلام) يوم الطف ~~ما تم؟! فقال لي : «أما سمعت أبيات ابن الصيفي في هذا؟». فقلت : لا. فقال : ~~«اسمعها منه». ثم استيقضت فبادرت إلى دار حيص بيص ، فخرج إلي ، فذكرت له ~~الرؤيا ، فشهق وأجهش بالبكاء ، وحلف بالله إن كانت خرجت من فمه ، أو خطى ~~إلى أحد ، وإن كنت نظمتها إلا في ليلتي هذه ، ثم أنشدني : # ملكنا وكان ms142 العفو منا سجية %~% ولما ملكتم سال بالدم أبطح وحللتم قتل الاسارى وطالما %~% غدونا عن الأسرى نعف ونصفح فحسبكم هذا التفاوت بيننا %~% وكل إناء بالذي فيه ينضح # فالحسين (عليه السلام) سقى أهل الكوفة الماء ، وهم منعوه شرب الماء يوم ~~الطف. الماء الذي هو عنصر حيوي لجميع الخليقة ، وكافة الموجودات على الكرة ~~الأرضية ، ولن يستغني عنه أي أحد وكل شيء ، قال (عز ذكره): (وجعلنا من ~~الماء كل شيء حي). فهو في الحقيقة أصل لكل الموجودات ، وبه حياة كل دابة ، ~~وبه قوامها واستدامتها ، وقد جعله الله مباحا لكل وارد إليه ، ولا يجوز صد ~~أيا كان عنه ؛ ولذا قال (صلى الله عليه وآله): «الناس شرع سواء في الماء ~~والكلاء». فلا يمنع من ورده أحد ؛ سواء من البشر أو الحيوانات. وجاء في ~~الحديث أيضا : «ثلاثة لا ملكية فيها ؛ الماء PageV01P186 # والنار والكلاء». ولم يذكر التاريخ أحدا منع الماء من أبناء جنسه إلا أهل ~~الشام في واقعة صفين ، وأهل الكوفة يوم الطف. فأهل الشام منعوا أهل العراق ~~الماء بأمر من معاوية ، ولكن فرسان أهل العراق ساموه الفشل وأصحابه الزعانف ~~فكشفوهم عن الفرات. قال نصر بن مزاحم (1): عندما غلب معاوية على الماء ~~وحال بين أهل العراق وبينه ، وأقبل علي (عليه السلام) حتى إذا أراد المعسكر ~~إذا القوم قد حالوا بينه وبين الماء. قال : وذهب شباب من الناس وغلمانهم ~~يستقون فمنعهم أهل الشام. قال : ففزعنا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ~~فأخبرناه بذلك ، فدعا (صعصعة بن صوحان) فقال : «ائت معاوية فقل : إنا سرنا ~~مسيرنا هذا وأنا أكره قتالكم قبل الإعذار إليكم ، وإنك قد قدمت بخيلك ~~فقاتلتنا قبل أن نقاتلك ، وبدأتنا بالقتال ، ونحن من رأينا الكف حتى ندعوك ~~ونحتج عليك. وهذه اخرى قد فعلتموها حتى حلتم بين الناس وبين الماء ، فخل ~~بينهم وبينه حتى ننظر فيما بيننا وبينكم ، وفيما قدمنا له وقدمتم ، وإن كان ~~أحب إليك أن ندع ما جئنا له ، وندع الناس يقتتلون على الماء حتى يكون ~~الغالب هو الشارب فعلنا». فقال معاوية لأصحابه : ما ترون؟ قال الوليد بن ~~عقبة ms143 : امنعهم الماء كما منعوه ابن عفان ؛ حصروه أربعين يوما يمنعونه برد ~~الماء ولين الطعام ، اقتلهم عطشا قتلهم الله (2). قال عمرو : خل بين القوم ~~وبين الماء ، لن يعطشوا وأنت ريان ، ولكن لغير الماء فيما بينك وبينهم. ~~فأعاد الوليد مقالته ، وقال عبد الله بن أبي سرح ، وهو أخو عثمان من ~~الرضاعة : امنعهم الماء ، منعهم الله يوم القيامة. فقال صعصعة بن صوحان : ~~إنما يمنع الله يوم القيامة الفجرة ، شربة الخمر ، ضربك وضرب هذا الفاسق ~~يعني الوليد . فتواثبوا يشتمونه ويتهددونه ، فقال معاوية : كفوا عن الرجل ؛ ~~فإنه رسول. قال : وبقي أصحاب علي يوما وليلة يوم الفرات بلا ماء. هذا وخاطب ~~رجل من السكون من أهل الشام يقال له : سليل بن عمرو ، معاوية قائلا : PageV01P187 اسمع اليوم ما يقول السليل %~% إن قولي قول له تأويل امنع الماء من صحاب علي %~% أن يذوقوه والذليل ذليل واقتل القوم مثل ما قتل الش %~% يخ ظما والقصاص أمر جميل فوحق الذي يساق له البد %~% ن هدايا لنحرها تأجيل لو علي وصحبه وردوا الما %~% ء لما ذقتموه حتى تقولوا قد رضينا بما حكمتم علينا %~% بعد ذاك الرضا جلاد ثقيل فامنع القوم ماءكم ليس للقو %~% م بقاء وأنا يكن فقليل # فقال معاوية : الرأي ما تقول ، ولكن عمرا لا يدعني. قال عمرو : خل بينهم ~~وبين الماء ؛ فعلي لم يكن ليظمأ وأنت ريان وفي يده أعنة الخيل ، وهو ينظر ~~إلى الفرات حتى يشرب أو يموت. وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق ، ومعه أهل ~~العراق وأهل الحجاز ، وقد سمعته أنا وأنت وهو يقول : «لو استمكنت من أربعين ~~رجلا». فذكر أمرا يعني لو أن معي أربعين رجلا يوم فتش البيت : يعني بيت ~~فاطمة . # وذكروا أنه لما غلب أهل الشام على الفرات فرحوا بالغلبة ، فقال معاوية : ~~يا أهل الشام هذا والله أول الظفر ، لا سقاني الله ولا سقى أبا سفيان إن ~~شربوا منه أبدا حتى يقتلوا بأجمعهم عليه (1). وتباشر أهل الشام ، فقام إلى ~~معاوية رجل من أهل الشام (همداني ناسك) يقال له : المعري بن الأقبل ، وكان ~~ناسكا ، وكان له ms144 (فيما يذكر همدان) لسان ، وكان صديقا ومواخيا لعمرو بن ~~العاص ، فقال : يا معاوية ، سبحان الله! الآن سبقتم القوم إلى الفرات ~~فغلبتموهم عليه تمنعونهم عنه ، أما والله لو سبقوكم إليه لسقوكم منه. أليس ~~أعظم ما تنالون من القوم أن تمنعوهم الفرات فينزلون على فرضة أخرى فيجازوكم ~~بما صنعتم؟! أما تعلمون أن فيهم العبد والأمة ، والأجير والضعيف ، ومن لا ~~ذنب له؟! هذا والله أول الجور. لقد شجعت الجبان ، وبصرت المرتاب ، وحملت من ~~لا يريد PageV01P188 # قتالك على كتفيك. فأغلظ له معاوية ، وقال لعمرو : اكفني صديقك. فأتاه ~~عمرو فأغلظ له ، فقال الهمداني في ذلك : # لعمرو أبي معاوية بن حرب %~% وعمرو ما لدائهما دواء سوى طعن يحار العقل فيه %~% وضرب حين يختلط الدماء فلست بتابع دين ابن هند %~% طوال الدهر ما أرسى حراء لقد ذهب العتاب فلا عتاب %~% وقد ذهب الولاء فلا ولاء وقولي في حوادث كل أمر %~% على عمرو وصاحبه العفاء ألا لله درك يابن هند %~% لقد برح الخفاء فلا خفاء أتحمون الفرات على رجال %~% وفي أيديهم الأسل الظماء وفي الأعناق أسياف حداد %~% كأن القوم عندهم نساء فترجو أن يجاوركم علي %~% بلا ماء وللأحزاب ماء دعاهم دعوة فأجاب قوم %~% كجرب الإبل خالطها الهناء # قال نصر : ثم سار الهمداني في سواد الليل فلحق بعلي (عليه السلام). قال : ~~ومكث أصحاب علي يوما وليلة بغير ماء ، واغتم علي بما فيه أهل العراق من ~~العطش ، وإذا برجل قبل رايات مذحج ينادي : # أيمنعنا القوم ماء الفرات %~% وفينا الرماح وفينا الحجف (1) وفينا الشوازب مثل الوشيج %~% وفينا السيوف وفينا الزغف (2) وفينا علي له سورة %~% إذا خوفوه الردى لم يخف فنحن الذين غداة الزبير %~% وطلحة خضنا غمار التلف (3) PageV01P189 فما بالنا أمس أسد العرين %~% وما بالنا اليوم شاء النجف (1) فما للعراق وما للحجاز %~% سوى اليوم يوم فصكوا الهدف (2) فدبوا إليهم كبزل الجمال %~% دوين الذميل وفوق القطف (3) فإما تحلوا بشط الفرات %~% ومنا ومنهم عليه الجيف وإما تموتوا على طاعة %~% تحلوا الجنان وتحبوا الشرف وإلا فأنتم عبيد العصا %~% وعبد العصا مستذل نطف (4) # وأتى الأشعث عليا ms145 من ليلته ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أيمنعنا القوم ~~ماء الفرات وأنت فينا ، ومعنا السيوف؟! خل عنا وعن القوم ، فوالله لا نرجع ~~حتى نرده أو نموت ، ومر الأشتر فليعل بخيله فيقف حيث تأمره. فقال (عليه ~~السلام): «ذاك إليكم». فرجع الأشعث فنادى بالناس : من كان يريد الماء أو ~~الموت فميعاده الصبح ؛ فإني ناهض إلى الماء. فأتاه من ليلته اثنا عشر ألف ~~رجل ، فقال شاعر أهل العراق : # ألا يتقون الله أن يمنعوننا ا %~% لفرات وقد يروي الفرات الثعالب وقد وعدونا الأحمرين فلم نجد %~% لهم أحمرا إلا قراع الكتائب إذا خفقت راياتنا طحنت لها %~% رحى تطحن الأرحاء والموت طالب فنعطي إله الناس عهدا نفي به %~% لصهر رسول الله حتى نضارب # وكان الأشتر قد تعالى بخيله حيث أمره علي (عليه السلام)، ونادى الأشعث : ~~ويحك يابن العاص! خل بيننا وبين الماء ، فوالله لئن لم تفعل لتأخذنا وإياكم ~~السيوف. فقال عمرو : والله لا نخلي عنه حتى تأخذنا السيوف وإياكم ، فيعلم ~~ربنا أينا اليوم أصبر. فترجل الأشعث والأشتر ، وذوو البصائر من أصحاب علي ~~(عليه السلام)، وترجل معهما اثنا عشر ألفا ، فحملوا على عمرو ومن معه من ~~أهل الشام فأزالوهم عن الماء حتى |قولا لدودان عبيد العصا||ما غركم بالأسد الباسل| PageV01P190 # غست خيل على سابكها في الماء. قال : فلما غلب علي على الماء فطرد عنه أهل ~~الشام بعث إلى معاوية : «إنا لا نكافيك بصنعك ، هلم إلى الماء فنحن وأنتم ~~فيه سواء». فأخذ كل واحد منهما بالشريعة مما يليه. فهذا ما كان من معاوية ~~حين سبق إلى الفرات إذ منع عليا وأصحابه منه ، وانظر إلى فعل أمير المؤمنين ~~مع أهل الشام حين كشفهم عن المشرعة بأبطاله وذي النجدة ، ثم بعث إليهم ~~دونكم الماء فاشربوا منه. واقتدى به شبله الحسين (عليه السلام) حين سقى ~~أعداءه الماء في تلك الصحراء ، وهم زهاء ألف فارس غير أنهم أبوا إلا أن ~~يفعلوا فعل الأراذل ؛ إذ منعوه الماء وأطفاله ، وكان هذا جزاء المصطفى جده ~~أن يجفون عترته! عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : إن ms146 رسول الله (صلى الله ~~عليه وآله) حين قدم المدينة واستحكم الإسلام ، قالت الأنصار فيما بينها : ~~نأتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنقول له : إن تعروك أمور فهذه ~~أموالنا تحكم فيها غير حرج ولا محظور عليك. فأتوه في ذلك ، فنزلت هذه الآية ~~: ( @QUR@09 قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) (1). فقرأها ~~عليهم ، وقال (صلى الله عليه وآله): «تودون قرابتي من بعدي». فخرجوا عنده ~~مسلمين لقوله ، فقال المنافقون : إن هذا لشيء افتراه في مجلسه ، أراد بذلك ~~أن يدللنا لقرابته من بعده. فنزلت قوله تعالى : ( @QUR@06 أم يقولون افترى ~~على الله كذبا ). فأرسل إليهم فتلاها عليهم ، فبكوا واشتد عليهم ، فأنزل ~~الله تعالى : ( @QUR@06 وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ) الآية ، فأرسل ~~(صلى الله عليه وآله) في أثرهم فبشرهم ، وقال : ( @QUR@03 ويستجيب الذين ~~آمنوا )، وهم الذين سلموا لقوله (صلى الله عليه وآله)، ثم قال سبحانه : ( ~~@QUR@07 ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا )، أي من فعل طاعة نزد له في تلك ~~الطاعة حسنا بأن يوجب له الثواب. وذكر أبو حمزة ، عن السدي قال : إن اقتراف ~~الحسنة المودة لآل محمد (صلى الله عليه وآله)، وصح عن الحسن بن علي (عليه ~~السلام) أنه خطب الناس وقال في خطبته : «أنا من أهل البيت الذين افترض الله ~~مودتهم على كل مسلم ، فقال سبحانه : ( @QUR@016 قل لا أسألكم عليه أجرا إلا ~~المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا )، فاقتراف الحسنة ~~مودتنا أهل البيت». وبحذف السند عن ابن عباس قال : لما نزلت PageV01P191 # ( @QUR@09 قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) الآية ، قالوا ~~: يا رسول الله ، من هؤلاء الذين أمرنا بمودتهم؟ قال (صلى الله عليه وآله) ~~: «علي وفاطمة وولدهما». وفي شواهد التنزيل لقواعد التفضيل مرفوعا إلى أبي ~~ثمامة الباهلي قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إن الله تعالى ~~خلق الأنبياء من أشجار شتى ، وخلقت أنا وعلي من شجرة واحدة ؛ فأنا أصلها ، ~~وعلي فرعها ، وفاطمة لقاحها ، والحسن والحسين ثمارها ، وأشياعنا أوراقها ؛ ~~فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا ، ومن زاغ ms147 (1) عنها هوى. ولو أن عبدا عبد ~~الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام حتى يصير كالشن البالي (2)، ثم ~~لم يدرك محبتنا أكبه الله على منخريه في النار». ثم تلا (صلى الله عليه ~~وآله) ( @QUR@09 قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ). وروى ~~زاذان ، عن علي (عليه السلام) قال : «فينا في آل حم آية لا يحفظ مودتنا إلا ~~كل مؤمن». ثم قرأ هذه الآية. وإلى هذا أشار الكميت بن زيد الأسدي (3) بقوله : # وجدنا لكم في آل حاميم آية %~% تأولها منا تقي ومعرب |فإن هي لم تصلح لحي سواهم||فإن ذوي القربى أحق وأوجب| |يقولون لم يورث ولولا تراثه||لقد شركت فيها بكيل وأرحب| PageV01P192 # وقال محي الدين بن عرب (1): # أرى حب آل البيت عندي فريضة %~% على رغم أهل البعد يورثني القربى فما اختار خير الخلق منا جزاءه %~% على هديه إلا المودة في القربى # وللسيد مهدي آل بحر العلوم (2): # هم آل بيت رسول الله جدهم %~% أجر الرسالة عند الله ودهم هم الأئمة دان العالمون لهم %~% حتى أقر لهم بالفضل ضدهم سعت أعاديهم في حط قدرهم %~% فازداد شأنا ومنه ازداد حقدهم كأن قربهم من جدهم سبب %~% للبعد عنه وإن البعد قربهم لو أنهم أمروا بالبغض ما صنعوا %~% فوق الذي صنعوا لو جد جدهم أوصى النبي برفد الآل امته %~% فاستأصلوهم فبئس الرفد رفدهم # وكأن أجر النبي الأعظم من أمته له أن استأصلوا عترته ، وأوردوهم كؤس ~~الحتوف عن الماء القراح. وللشريف الرضي (رحمه الله) قال : PageV01P193 ليس هذا لرسول الله يا %~% أمة الطغيان والبغي جزا غارس لم يأل في الغرس لهم %~% فأذاقوا أهله مر الجنا # ولعبد الباقي العمري (1) قوله يخاطب الفرات : # بعدا لشطك يا فرات فمر لا %~% تحلو فماؤك لا هني ولا مري أيسوغ لي منك الورود وعنك قد %~% صدر الإمام سليل ساقي الكوثر # * * * # إيه بني صخر بن حرب كم لكم %~% من نار حرب لم تكن نار قرى تصلى بها مهجة طه وفؤا %~% د حيدر وقلب ام النجبا جزرتم السادة في مهمهة %~% وسقتم نساءهم ms148 سوق الإما # إيه : اسم فعل يأتي للتوجع والتفجع من حديث أو فعل. وبنو صخر بن حرب : هم ~~بنو أمية ، وصخر هو أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ~~بن قصي. وكم : تأتي أولا : استفهامية عددية نحو : كم درهم لك. ثانيا : تأتي ~~خبرية بمعنى كثير ، نحو : كم عبد ، أو كم عبيد ملكت ، أي كثير ، والمراد ~~هنا الثانية. القرى : الضيافة ، ونار القرى : نار الضيافة ، كناية عن الكرم ~~والجود. ونيران الحروب التي أججتها بنو أمية في بدأ الإسلام كثيرة حاربت ~~محمدا وأصحابه ، وحزبت قريشا واليهود مناضلة عن أصنامها وأربابها. وفي ~~وقايعهم مع آل النبي الأعظم قال الشاعر : # آل صخر بكم أضرمت نار حرب %~% لبني هاشم لظاها يزيد فابن حرب للمصطفى وابن هند %~% لعلي وللحسين يزيد PageV01P194 # فمن النيران التي أضرمتها بنو أمية ؛ نار واقعة بدر الكبرى ، وأحد ، ~~والأحزاب ؛ إذ إن قريش تحزبت مع اليهود ، وقاد أبو سفيان الجيوش حتى وافى ~~المدينة فكانت واقعة الأحزاب ، وبعدها الجمل وصفين ، وواقعة الحرة وواقعة ~~ام القرى (1)، وواقعة الطف والحروب التي كانت بعد واقعة الطف ، والتي ~~سجلها التاريخ كواقعة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بالكوفة (2) ~~إلى غير ذلك من الوقائع. ولكن لا كواقعة الطف التي راحت تصلي بشواظها مهجة ~~سيد البشر (الحسين بن علي)، وفؤاد سيد الوصيين حيدرة الكرار ، وقلب بضعة ~~الرسول الأعظم فاطمة الزهراء ، أم النجباء الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، ~~وسبعة عشر بطلا من آل أبي طالب ، واثنين وسبعين من أصحابه صفوة الخليقة ~~وقتئذ ، فجزروا تلكم السادة في الطف ، وساقوا عقائل الرسول ومخدرات بني ~~هاشم أسارى كسوق الإماء من الكوفة إلى الشام في أسر الذلة ، وحملوا رؤوس ~~الشهداء على أطراف الأعواد. قال الشريف الرضي (ره): # وضيوف لفلاة قفرة %~% نزلوا فيها على غير قرى لم يذوقوا الماء حتى اجتمعوا %~% بحدا السيف على ورد الردى يا رسول الله لو عاينتهم %~% وهم ما بين قتلى وسبا من رميض يمنع الظل ومن %~% عاطش يسقى أنابيب القنا متعب يشكو أذى السير على ms149 %~% نقب المنسم مجزول المطا لرأت عيناك منهم منظرا %~% للحشى شجوا وللعين قذى # ذكر السبط ابن الجوزي (3) قال : ذكر الواقدي وهشام وابن إسحاق وغيرهم : PageV01P195 # أنه لما قتل الحسين (عليه السلام) بعث عبد الله بن الزبير إلى عبد الله ~~بن عباس ليابيعه ، وقال : أنا أولى من يزيد الفاسق الفاجر ، وقد علمت سيرتي ~~وسيرته ، وسوابق أبي الزبير مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسوابق ~~معاوية. فامتنع ابن عباس ، وقال : الفتنة قائمة ، وباب الدماء مفتوح ، وما ~~لي ولهذا؟ إنما أنا رجل من المسلمين. فبلغ ذلك يزيد بن معاوية ، فكتب إلى ~~ابن عباس : سلام عليك. أما بعد ، فقد بلغني أن الملحد في حرم الله دعاك ~~لتبايعه فأبيت عليه وفاء منك لنا ، فانظر من بحضرتك من أهل البيت ، ومن يرد ~~عليك من البلاد فأعلمهم حسن رأيك فينا وفي ابن الزبير ، وأن ابن الزبير ~~إنما دعاك لطاعته والدخول في بيعته ؛ لتكون له على الباطل ظهيرا ، وفي ~~المآثم شريكا ، وقد اعتصمت في بيعتنا طاعة منك لنا ، ولما تعرف من حقنا ، ~~فجزاك الله من رحم خير ما جازى به الواصلين أرحامهم ، الموفين بعهودهم. فما ~~أنس من الأشياء ما أنا بناس برك ، وتعجيل صلتك بالذي أنت أهله ، فانظر من ~~يطلع عليك من الآفاق فحذرهم زخارف ابن الزبير ، وجنبهم لقلقة لسانه ؛ فإنهم ~~منك أسمع ، ولك أطوع ، والسلام. فكتب إليه ابن عباس : بلغني كتابك تذكر أني ~~تركت بيعة ابن الزبير وفاء مني لك ، ولعمري ما أردت حمدك ولا ودك ، تراني ~~كنت ناسيا قتلك حسينا وفتيان بني عبد المطلب ، مضرجين بالدماء ، مسلوبين ~~بالعراء ، تسفي عليهم الرياح ، وتنتابهم الضباع حتى أتاح الله لهم قوما ~~واروهم؟! فما أنس لا أنس طردك حسينا من حرم الله وحرم رسوله ، وكتابك إلى ~~ابن مرجانة تأمره بقتله ، وإني لأرجو من الله أن يأخذك عاجلا حيث قتلت عترة ~~نبيه محمد (صلى الله عليه وآله) ورضيت بذلك. وأما قولك : إنك غير ناس بري ، ~~فاحبس أيها الإنسان برك عني وصلتك ؛ فإني حابس عنك ودي ، ولعمري إنك ما ~~تؤتينا مما لنا من ms150 في قبلك إلا اليسير ، وإنك لتحبس عنا منه العرض الطويل. ~~ثم إنك سألتني أن أحث الناس على طاعتك ، وأن آخذ لهم عن ابن الزبير ، فلا ~~مرحبا ولا كرامة! تسألني نصرتك ومودتك وقد قتلت ابن عمي وأهل بيت رسول الله ~~(صلى الله عليه وآله)، مصابيح الهدى ، PageV01P196 # ونجوم الدجى ، غادرتهم جنودك بأمرك صرعى في صعيد واحد قتلى؟! أنسيت إنفاذ ~~أعوانك إلى حرم الله لتقتل الحسين (عليه السلام)، فمازلت وراءه تخيفه حتى ~~أشخصته إلى العراق [فخرج خائفا يترقب ، فنزلت به خيلك ؛ عداوة منك لله ~~ولرسوله ولأهل بيته اللذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، (وذلك ~~قوله :) ] (*) ( @QUR@010 إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ~~ويطهركم تطهيرا ) (1). فنحن اولئك لا آباؤك الجفاة الطغاة ، الكفرة الفجرة ~~، أكباد الإبل والحمير الأجلاف ، أعداء الله وأعداء رسوله الذين قاتلوا ~~رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كل موطن. وجدك وأبوك هم الذين ظاهروا ~~على الله وعلى رسوله ، ولكن إن سبقتني قبل أن آخذ منك ثاري في الدنيا فقد ~~قتل النبيون قبلي ، وكفى بالله ناصرا ( @QUR@04 ولتعلمن نبأه بعد حين ) (2) ~~. ثم إنك تطلب مودتي وقد علمت لما بايعتك ما فعلت ذلك إلا وأنا أعلم أن ~~ولدا أبي وعمي أولى بهذا الأمر منك ومن أبيك ، ولكنكم معتدين مدعين ، أخذتم ~~ما ليس لكم بحق ، وتعديتم إلى من له الحق ، وإني على يقين من الله أن ~~يعذبكم كما عذب قوم عاد وثمود ، وقم لوط وأصحاب مدين. يا يزيد ، وإن أعظم ~~الشماتة حملك بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأطفاله وحرمه من العراق ~~إلى الشام أسارى مجلوبين ، ترى الناس قدرتك علينا ، وإنك قد قهرتنا ~~واستوليت على آل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفي ظنك أنك أخذت بثأر ~~أهلك الكفرة الفجرة يوم بدر ، وأظهرت الانتقام الذي كنت تخفيه ، والأضغان ~~الذي تكمن في قلبك كمون النار في الزناد ، وجعلت أنت وأبوك دم عثمان وسيلة ~~إلى إظهارها ، فالويل لكما من ديان يوم الدين! ووالله لئن أصبحت آمنا من ~~جراحة يدي فما أنت بآمن من جراحة ms151 لساني ، بفيك الكثكث (3) وأنت المفند ~~المثبور ، ولك الأثلب (4) وأنت المذموم ، ولا يغرنك أن ظفرت بنا اليوم ، ~~فوالله لئن لم نظفر بك اليوم لتظفرن غدا بين يدي الحاكم العدل ، الذي لا يجور PageV01P197 # في حكمه ، وسوف يأخذك الله سريعا أليما ، ويخرجك من الدنيا مذموما مدحورا ~~أثيما ، فعش لا أبا لك ما استطعت ، فقد ازداد عند الله ما اقترفت ، والسلام ~~على من اتبع الهدى. قال الواقدي : فلما قرأ يزيد كتابه أخذته العزة بالإثم ~~، وهم بقتل ابن عباس فشغله عنه أمر ابن الزبير ، ثم أخذه الله بعد ذلك ~~بيسير أخذا عزيزا. هذا يزيد ، وهذه أعماله مع العترة ، وقد نسج على منواله ~~آل مروان ، وعتاة بني امية. هاك واقرأ ما كتبه أبو بكر الخوارزمي إلى ~~الشيعة بنيسابور (1)، وقد اقتطفت نبذا من كتابه ، قوله : # اعلموا رحمكم الله ، أن بني امية الشجرة الملعونة في القرآن ، وأتباع ~~الطاغوت والشيطان ، جهدوا في دفن محاسن الوصي ، واستأجروا من كذب في ~~الأحاديث على النبي (صلى الله عليه وآله)، وحولوا الجوار إلى بيت المقدس ~~عن المدينة ، والخلافة زعموا إلى دمشق عن الكوفة ، وبذلوا في طمس هذا الأمر ~~الأموال ، وقلدوا عليه الأعمال ، واصطنعوا فيه الرجال ، فما قدروا على دفن ~~حديث من أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا على تحريف آية من ~~كتاب الله تعالى ، ولا على دس أحد من أعداء الله في أولياء الله. ولقد كان ~~ينادي على رؤوسهم بفضائل العترة ، ويبكت بعضهم بعضا بالدليل والحجة ، لا ~~تنفع في ذلك هيبة ، ولا يمنع منه رغبة ولا رهبة ، والحق عزيز وإن استذل ~~أهله ، وكثير وإن قل حزبه ، والباطل ذليل وإن رصع بالشبهة ، وقبيح وإن غطى ~~وجهه بكل مليح. # قال الكميت بن زيد ، وهو جار خالد بن عبد الله القسري : # فقل لبني أمية حيث حلوا %~% وإن خفت المهند والقطيعا أجاع الله من أشبعتموه %~% وأشبع من بجوركم أجيعا # داس عثمان بن عفان بطن عمار بن ياسر بالمدينة ، ونفى أبا ذر الغفاري إلى ~~الربذة ، وأشخص عامر بن عبد قيس التميمي ، وغرب الأشتر النخعي وعدي بن ms152 PageV01P198 # حاتم الطائي ، وسير عمر بن زرارة إلى الشام ، ونفى كميل بن زياد إلى ~~العراق ، وجفا أبي بن كعب وأقصاه ، وعادى محمد بن حذيفة وناواه ، وعمل في ~~دم محمد بن سالم ما عمل ، وفعل مع كعب ذي الخطبة ما فعل. واتبعه في سيرته ~~بنو أمية يقتلون من حاربهم ، ويغدرون بمن سالمهم ، لا يحلفون المهاجري ، ~~ولا يصونون الأنصاري ، ولا يخافون الله ، ولا يحتشمون الناس. قد اتخذوا ~~عباد الله خولا ، ومال الله دولا. يهدمون الكعبة ، ويستعبدون الصحابة ، ~~ويعطلون الصلاة الموقوتة ، ويختمون أعناق الأحرار ، ويسيرون في حرم ~~المسلمين سيرتهم في حرم الكفار ، وإذا فسق الأموي فلم يأت بالضلالة عن ~~كلالة. قتل معاوية حجر بن عدي الكندي ، وعمرو بن الحمق الخزاعي بعد الأيمان ~~المؤكدة ، والمواثيق المغلظة. وقتل زياد بن سمية الألوف من شيعة الكوفة ، ~~وشيعة البصرة صبرا ، وأوسعهم حبسا وأسرا حتى قبض الله معاوية على أسوأ ~~أعماله ، وختم عمره بشر أحواله ، فأتبعه ابنه يجهز على جرحاه ، ويقتل أبناء ~~قتلاه ، إلى أن قتل هاني بن عروة المرادي ، ومسلم بن عقيل الهاشمي أولا ، ~~وعقب بالحر بن يزيد الرياحي ، وبأبي موسى عمرو بن قرظة الأنصاري ، وحبيب بن ~~مظهر الأسدي ، وسعيد بن عبد الله الحنفي ، ونافع بن هلال الجملي ، وحنظلة ~~بن أسعد الشبامي ، وعابس بن شبيب الشاكري في نيف وسبعين من جماعة الشيعة. ~~وأمر بالحسين (عليه السلام) يوم كربلاء ثانيا ، ثم سلط عليهم الدعي بن ~~الدعي عبيد الله بن زياد يصلبهم على جذوع النخل ، ويقتلهم ألوان القتل حتى ~~اجتث الله دابره ، ثقيل الظهر بدمائهم التي سفك ، وعظيم التبعة بحريمهم ~~الذي انتهك ؛ فانتبهت لنصرة أهل البيت طائفة أراد الله أن يخرجهم من عهدة ~~ما صنعوا ، ويغسل عنهم وضر ما اجترحوا. فصمدوا صمد الفئة الباغية ، وطلبوا ~~بدم الشهيد الدين ابن الزانية ، لا يزيدهم قلة عددهم ، وانقطاع مددهم ، ~~وكثرة سواد أهل الكوفة بإزائهم إلا إقداما على القتل والقتال ، وسخاء ~~بالنفوس والأموال حتى قتل سليمان بن صرد الخزاعي ، والمسيب بن نجية الفزاري ~~، وعبد الله بن وال التيمي في رجال من خيار المؤمنين ، وعلية ms153 التابعين ، ~~ومصابيح الأنام ، وفرسان الإسلام. ولما خلت البلاد لآل مروان PageV01P199 # سلطوا الحجاج على الحجازيين ، ثم على العراقيين ، فتلعب بالهاشميين ، ~~وأخاف الفاطميين ، وقتل شيعة علي (عليه السلام)، ومحا آثار بيت النبي (صلى ~~الله عليه وآله)، وجرى منه ما جرى على كميل بن زياد النخعي (رحمه الله)، ~~واتصال البلاء مدة ملك المروانية إلى أيام العباسية ، حتى إذا أراد الله أن ~~يختم مدتهم بأكثر آثامهم ، ويجعل أعظم ذنوبهم في آخر أيامهم بعث على بقية ~~الحق المهمل والدين المعطل زيد بن علي (عليه السلام)، فخذله منافقو أهل ~~العراق ، وقتله أحزاب أهل الشام ، وقتل معه من شيعته نصر بن خزيمة الأسدي ، ~~ومعاوية بن إسحاق الأنصاري ، وجماعة من شايعه وبايعه ، وحتى من زوجه وأدناه ~~، وحتى من كلمه وماشاه. فلما انتهكوا ذلك الحريم ، واقترفوا ذلك الإثم ~~العظيم غضب الله عليهم ، وانتزع الملك منهم. ولقد كانت في بني امية مخازي ~~تذكر ومعايب تؤثر ؛ كان معاوية قاتل الصحابة والتابعين ، وأمه آكلة الأكباد ~~الشهداء الطاهرين ، وابنه يزيد القرود ، مربي الفهود ، وهادم الكعبة ، ~~ومنهب المدينة ، وقاتل العترة ، وصاحب يوم الحرة. وكان مروان الوزغ ابن ~~الوزغ لعن النبي (صلى عليه وعلى آله) أباه وهو في صلبه ، فلحقته لعنة الله ~~ربه. وكان عبد الملك صاحب الخطيئة التي طبقت الأرض وشملت ، وهي توليته ~~الحجاج بن يوسف الثقفي فاتك العباد ، وقاتل العباد ، ومبيد الأوتاد ، ومخرب ~~البلاد ، وخبيث أمة محمد الذي جاء به النذر ، وورد فيه الأثر. وكان الوليد ~~جبار بني امية ، وولي الحجاج على المشرق ، وقرة بن شريك على المغرب ، وكان ~~سليمان صاحب البطن الذي قتله بطنه كظة ، ومات سمنا وتخمة. وكان يزيد صاحب ~~سلامة وحبابة ، الذي نسخ الجهاد بالخمر ، وقصر أيام خلافته على العود ~~والزمر ، وأول من أغلى سعر المغنيات ، وأعلن بالفاحشات. وماذا أقول بمن ~~أعرق في مروان من جانب ، ويزيد بن معاوية من جانب ، فهو ملعون بين ملعونين ~~، وعريق بالكفر بين كافرين. وكان هشام قاتل زيد بن علي ، مولى يوسف بن عمرو ~~الثقفي ، وكان الوليد بن يزيد خليع بني مروان ، الكافر بالرحمن ، الممزق ms154 ~~بالسهام القرآن ، وأول من قال الشعر في نفي الإيمان ، وجاهر بالفسوق PageV01P200 # والعصيان ، والذي غشى أمهات أولاد أبيه ، وقذف بغشيان أخيه. وهذه المثالب ~~مع عظمها وكثرتها ، ومع قبحها وشنعتها ، صغيرة وقليلة في جنب مثالب بني ~~العباس الذين بنوا مدينة الجبارين ، وفرقوا في الملاهي والمعاصي أموال ~~المسلمين. هؤلاء أرشدكم الله الأئمة المهديون الراشدون الذين قضوا بالحق ~~وبه يعدلون ، بذلك يقف خطيب جمعتهم ، وبذلك تقوم صلاة جماعتهم إلخ. # لعن الله من يسب عليا %~% وحسينا من سوقة وأمام # وقال آخر : # لعن الله أعظما حملوها %~% لديار البلى على الخشبات أعظما تكره النبي وأهل ال %~% بيت والطيبين والطيبات # وللمرحوم السيد حيدر الحلي (رحمه الله): # أمية غوري في الخمول وأنجدي %~% فما لك في العلياء فوزة مشهد هبوطا إلى أحسابكم وانخفاضها %~% فلا نسب زاك ولا طيب مولد تطاولتم لا عن علا فتراجعوا %~% إلى حيث أنتم واقعدوا شر مقعد قديمكم ما قد علمتم ومثله %~% حديثكم في خزية المتجدد فماذا الذي أحسابكم شرفت به %~% فأصعدكم في الملك أشرف مصعد صلابة أعلاك الذي بلل الحيا %~% به جف أم في لين أسفلك الندي بني عبد شمس لا سقى الله حفرة %~% تضمك والفحشاء في شر ملحد ألما تكوني في فجورك دائما %~% بمشغلة عن غصب أبناء (أحمد) وراءك عنها لا أبا لك إنما %~% تقدمتها لا عن تقدم سؤدد عجبت لمن في ذلة النعل رأسه %~% به يتراءى عاقدا تاج سيد دعوا هاشما والفخر يعقد تاجه %~% على الجبهات المستنيرات في الندي ودونكموا والعار ضموا غشاءه %~% إليكم إلى وجه من العار أسود يرشح لكن لا لشيء سوى الخنا %~% وليدكم فيما يروح ويغتدي وتترف لكن للبغاء فتاتكم %~% فيدنس منها في الدجا كل مرقد ويسقي بماء حرثكم غير واحد %~% فكيف لكم ترجى طهارة مولد ذهبتم بها شنعاء أبقت وصومها %~% بأحسابكم خزيا لدى كل مشهد PageV01P201 فسل (عبد شمس) هل يرى جرم هاشم %~% إليه سوى ما كان أسداه من يد وقل (لأبي سفيان) ما أنت ناقم %~% أأمنك يوم الفتح ذنب (محمد) فكيف جزيتم (أحمدا) عن صنيعه %~% بسفك دم الأطهار من آل ms155 (أحمد) # أمية هم أئمة الكفر الذين نزل فيهم قوله تعالى : ( @QUR@07 فقاتلوا أئمة ~~الكفر إنهم لا أيمان لهم )؛ لأن أبا سفيان كان إمام الكفر ، وقائد ~~المشركين في وقعة بدر وأحد والأحزاب ، ومعه أولاده ورهطه ، وفيهم نزل قوله ~~تعالى : ( @QUR@012 إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من ~~الله شيئا ). قال الرازي فيمن يعني بالذين كفروا بعد كلام له : وقيل : هم ~~مشركوا قريش عامة ، وقيل : بل هم أبو سفيان ورهطه خاصة ، ووجهوه بما نقل من ~~إنفاقه المال الكثير على المشركين يوم بدر وأحد. وهم أيضا الشجرة الملعونة ~~في القرآن ، قال تعالى : ( @QUR@018 وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة ~~للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا ). ~~قال الفخر الرازي في تفسيره : عن سعيد بن المسيب أنه قال : إن النبي (صلى ~~الله عليه وآله) رأى في منامه أن بني امية ينزون على منبره كما تنز القردة ~~، فساءه ذلك. وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء ، وفيه عن ابن عباس : إن ~~الشجرة الملعونة هم بنو أمية ، يعني الحكم بن أبي العاص وأولاده. ومثله قال ~~النيسابوري في تفسيره ، ونظير ذلك في البيضاوي ، إلا إنه زاد أن النبي (صلى ~~الله عليه وآله) قال بعد ذلك : «هذا حظهم في الدنيا يعطونه جزاء عن ~~إسلامهم». وكأنه كناية عن أنه لاحظ لهم في الآخرة ، وقريب من ذلك في الكشاف ~~، وأشار إلى ذلك المعتضد العباسي من منشوره حيث قال : ولا خلاف في أن ~~الشجرة الملعونة هم بنو أمية ، ومما يؤكد هذا التأويل قول عائشة لمروان : ~~لعن الله أباك وأنت في صلبه ، فأنت بعض من لعنه الله. وعن صاحب كتاب ~~(الهاوية)، عن ابن مسعود أنه قال : لكل لشيء آفة ، وآفة هذا الدين بنو ~~أمية ؛ حارب أبو سفيان النبي ، وحرض عليه اليهود والمشركين حتى أسلم عام ~~الفتح كرها ، وبقي يكيد للإسلام سرا وجهرا إلى أن انتهى الأمر إلى عثمان ، ~~فقال : تلقفوها يا بني امية تلقف الكرة ؛ PageV01P202 # فإنه لا جنة ولا نار ، ولا ثواب ولا عقاب. روى البيهقي والزمخشري ms156 وكثير ~~من الرواة : أن أبا سفيان كان راكبا حمارا ، وابنه معاوية يقوده ، ويزيد ~~يسوقه ، فلما نظر إليهم النبي (صلى الله عليه وآله) قال : «لعن الله الراكب ~~والقائد والسائق». وكان أبو سفيان رأس بني أمية في الجاهلية ، وقائد ~~المشركين ، ورأس الأحزاب. فقال حسان يعرض بنسب ابنه زياد على ادعاء معاوية : # عضضت بأير من أبيك وخاله %~% وعضت بنو النجار بالسكر والرطب فلست بخير من أبيه وخاله %~% ولست بخير من معاظلة الكلب ولست بذي دين ولا ذي أمانة %~% ولست بخير من لؤي ولا كلب ولكن هجين ذو دناة لمغرف %~% مجاجة ملح غير صاف ولا عذب # وقال أيضا : # ولست من المعشر الأكرمين %~% ولا عبد شمس ولا نوفل وليس أبوك بساقي الحجيج %~% فاقع على الحسب الأرذل ولكن هجين منوط بهم %~% كما نوطت حلقة المحمل تجيش من اللؤم أحسابكم %~% كجيش المشاشة في المرجل # تشير هذه الأبيات إلى أن أبا سفيان ابن زنى كما جاء في كتب التاريخ ؛ إذ ~~إن أمه صفية بنت مزن الهلالية كانت معروفة بالزنى ، وكانت ولدته سرا بعشر ~~سنين قبل عام الفيل. قال الجاحظ في رسالة (مفاخرة بني هاشم وبني أمية). # فأمية ظلمت العباد ، وأكثرت الفساد ، وأخربت البلاد ، واتبعت الشهوات ، ~~وانتهكت الحرمات ، وأذاعت الخمور ، وهتكت الستور ، وارتكبت الفجور ، وجرت ~~على خلاف ما أمر به الإسلام ، وعادت العلم ، وعطلت الأحكام. فعمد معاوية ~~إلى هدم أساس الدين باستلحاقه زيادا ، والرد بذلك على القرآن وعلى النبي ~~(صلى الله عليه وآله)، وبجعله الخلافة إرثا ، وقتله المسلمين من الصحابة ، ~~وأبطال العراق في صفين حربا ، وعلى يد زياد ، وسمرة بن جندب ، والمغيرة بن ~~شعبة صبرا إلى غير ذلك من أعماله. وخلفه يزيد نغله قتل الذرية الطاهرة وفي ~~طليعتها سيد شباب أهل الجنة ، الحسين بن علي ريحانة رسول الله ، وكانت ~~أعماله لطخة سوداء في جبين التاريخ ، يشرب PageV01P203 # الخمر ، وكان مولعا بالقرود والفهود ، حتى أباح مدينة الرسول ، وكانت ~~هناك من المنكرات ما يندى لها الجبين ، وأعماله كلها في مدة خلافته كانت ~~مضادة للإسلام. قال الشعبي : كانت ليزيد أخت تسمى هندا ، فلما ms157 رأت أسرى أهل ~~البيت ، قالت : أيها الأسرى أيكن ام كلثوم أخت الحسين؟ فقالت ام كلثوم : ~~ويلك! ها أنا ابنة الإمام الزكي ، والهمام التقي ، والصمصام النقي ، أمير ~~المؤمنين ، وقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين ، الذي قرن الله طاعته ~~بطاعته ، وعقابه بمعصيته ، والذي فرض الله تعالى ولايته على البدوي والحضري ~~، فهو مبيد الأقران والفرسان ، والمتوج بتاج الولاية والسلطان ، وهو الذي ~~كسر اللات والعزى ، وطهر البيت والصفا. فلما سمعت أخت يزيد ذلك قالت : يا ~~ام كلثوم ، ولأجل ذلك أخذتم ، وبمثله طلبتم ، وهو أنتم يا بني عبد المطلب ، ~~بمثل ربيعة وأبي جهل وأضرابهم تسفك دماؤكم ، أنسينا أباك يوم بدر وما قتل ~~من رجالنا؟! فقالت أم كلثوم : يا بنت من خبث من الولادة والأولاد ، ويا ~~ابنة آكلة الأكباد ، لسنا كنسائهم المشهورات بالزنى والخنا ، ولا رجالنا ~~العاكفون على اللات والعزى ، أليس جدك أبو سفيان الذي حزب على الرسول ~~الأحزاب؟ أليست أمك هند باذلة نفسها لوحشي وآكلت كبد حمزة جهرا؟ أليس أبوك ~~الضارب في وجه إمامه بالسيف؟ أليس أخوك قاتل أخي ظلما ، وهو سيد شباب أهل ~~الجنة وابن بنت الرسول؟ وكثر ما ملكتموه في الدنيا فإنه في الآخرة قليل. ~~وهذا عبد الملك بن مروان أول من نهى عن الأمر بالمعروف في الإسلام ؛ فإنه ~~أتى المدينة بعد قتل ابن الزبير فصعد المنبر ، فقال : لا يأمرني أحد بتقوى ~~الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه. وأتبعه على ذلك سائر الملوك. ولكن ~~أولاده كانوا أكثر الناس اتباعا له عملا بالمنكر ، وبعدا عن المعروف ، فقد ~~كان الوليد اسمه جبارا عنيدا ، وكان يرغب في بناء القصور ، فكان حديث الناس ~~في أيامه البناء ، ولم يكن للوليد حظ من العلم ؛ صعد المنبر يوما فقال : إن ~~علي بن أبي طالب لص وابن لص بكسر الصاد فيهما. وصعد المنبر يوما فقال في ~~خطبته : يا ليتها كانت القاضية. بضم التاء ، فقال ابن عبد العزيز : يا ~~ليتها كانت القاضية ، تعريضا بالدعاء PageV01P204 # عليه ، وجميع ما اقترفه الحجاج في عنق الوليد وعبد الملك ؛ لأنه كان ~~واليا من قبلهما. # قال أبو العطاء السندي ms158 من شعراء الحكومة الأموية والعباسية : # إن الخيار من البرية هاشم %~% وبنو أمية أرذل الأشرار وبنو أمية عودهم من خروع %~% ولهاشم في المجد عود نضار أما الدعاة إلى الجنان فهاشم %~% وبنو أمية من دعاة النار وبهاشم زكت البلاد وأعشبت %~% وبنو أمية كالسراب الجاري # وكان حديث الناس في زمن سليمان بن عبد الملك الطعام والنكاح ؛ لأنه كان ~~لا يرغب في سواهما حتى قيل : إنه أكل يوما أحشاء ثلاثين حملا في ثلاثين ~~رغيفا ، ولما حضرت المائدة أكل مع الناس كأنه لم يكن قد أكل قبل. وأكل يوما ~~مئة رطل من الطعام ، وكان لشرهه لا يصبر إذا أتي له بالدجاج المشوي وهو حار ~~، فكان يتناوله بكمه ويأكله ، وكان إذا نام توضع عند رأسه أطباق الحلوى ~~ليأكل منها إذا استيقظ في أثناء الليل. وقد سبقه إلى هذا معاوية بن أبي ~~سفيان ، وهذه الخلة لا تناسب الخلافة التي قوامها المواساة للناس. وانظر ~~إلى يزيد بن عبد الملك واستهتاره بالدين والصلاة ، يروى أنه طرب يوما وعنده ~~حبابة جاريته وسلامة القس ، فقال : دعوني أطير. فقالت حبابة : على من تدع ~~هذه الأمة يا أمير المؤمنين؟ قال : عليك. وغنته بهذا البيت : # وبين التراقي واللهات حرارة %~% وما ظمأت ماء يسوغ فتبردا # فأهوى ليطير ، فقالت : يا أمير المؤمنين ، إن لنا فيك حاجة ، فقال : ~~والله لأطيرن. فقالت : على من تخلف الأمة والملك؟ قال : عليك والله. وقبل ~~يدها ، فخرج بعض خدمه وهو يقول : سخنت عينك فما أسخفك. # وخرجت يوما تتنزه معه إلى ناحية الأردن فرماها بحبة عنب ، فدخلت حلقها ~~فشرقت ومرضت وماتت ، فتركها أسبوعا لم يدفنها حتى أنتنت ، وهو يشمها ~~ويقبلها وينظر إليها ويبكي ، فكلم في أمرها حتى أذن في دفنها ، وعاد إلى ~~قصره كئيبا حزينا. وسمع جارية تتمثل بعدها : # كفى حزنا بالهائم الصب أن يرى %~% منازل من يهوي معطلة قفرا PageV01P205 # فبكى وبقي بعد موتها سبعة أيام لا يظهر للناس ، فأشار عليه أخوه (مسلمة) ~~بذلك مخافة أن يظهر منه ما يسفهه عندهم. # وقال آخر : ووجد يزيد بعد موت حبابة وجدا شديدا ، فخرج مشيعا لجنازتها ms159 ، ~~ومعه أخوه مسلمة بن عبد الملك ؛ ليسليه ويعزيه فلم يجبه بكلمة ، ولم يطلق ~~الركوب من الجزع ، وعجز عن المشي ، فأمر مسلمة فصلى عليها ، ولما دفنت بقي ~~بعدها خمسة عشر يوما ومات ودفن إلى جانبها. وأخبار يزيد مع حبابة كثيرة تدل ~~على ما بلغت به أمية من الدعارة ، وترويج الزنا والفجور ، ومخالفة أحكام ~~الإسلام. # وإليك ما يروى من أخبار هشام : اشترى هشام جارية بمال جزيل اسمها صدوف ، ~~فعتب عليها في شيء ذات يوم فحلف أن لا يبدأها بكلام ، فجلس مغموما ، فدخل ~~عليه الكميت فقال له : ما لي أراك مغموما يا أمير المؤمنين؟ فأخبره بالقصة ~~، فأنشأ استرضاء له : # أعتبت أم عتبت عليك صدوف %~% وعتاب مثلك مثلها تشريف لا تقعدن للوم نفسك دائما %~% فيها وأنت بحبها مشغوف إن العزيمة لا تقوم بمثلها %~% إلا القوي بها وأنت ضعيف # فقال هشام : صدقت والله. فقام من مجلسه ودخل عليها ، ونهضت إليه فاعتنقته ~~، وأعطى هشام الكميت ألف دينار. وعندما اشترى يزيد بن عبد الملك سلامة القس ~~التي كانت بارعة بالجمال ، قال للشاعر صفها ، فقال : # هي شمس النهار في الحسن إلا %~% إنها فضلت بفتك الطراف غضة بضة رخيم لعوب %~% وعثة المتن نحثة الأطراف خلقت فوق منية المتمني %~% فاقبل النصح يابن عبد مناف # هذه خلافة بني امية ودعارتها ، وهي تدعي الخلافة على المسلمين ، ويدعى ~~لها على المنابر ، تعالوا على الإسلام نبكي ونلطم. # والوليد بن يزيد بن عبد الملك كان ماجنا مولعا بشرب الخمر ، فقال له PageV01P206 # هشام يوما : ما أدري ، أعلى الإسلام أنت أم لا ؛ ما`تدع شيئا من المنكرات ~~إلا أتيته غير متحاش! فأجابه الوليد : # يا أيها السائل عن ديننا %~% نحن على دين أبي شاكر نشربها صرفا وممزوجة %~% بالسخن أحيانا وبالفاتر # وأبو شاكر هو مسلمة بن هشام ، وكان شريبا للخمر كالوليد ، ولما مات هشام ~~كان الوليد بالأردن ، فجاءته الرسل تهنئه بالخلافة ، وحمل إليه الخاتم ~~والقضيب ، فقال غنوا بهذه الأبيات : # طاب يومي ولذ شرب السلافه %~% وأتانا نعي من بالرصافه (1) وأتانا البريد ينعى هشاما %~% وأتانا بخاتم للخلافه فاصطبحنا من خمر عانة ms160 صرفا %~% ولهونا بقنية عزافه # وحلف أن لا يبرح من موضعه حتى يغني في هذا الشعر ويشرب عليه ، ففعلوا ذلك ~~، ولم يزالوا يغنون إلى الليل. وكان مدة خلافته مدمنا للخمر واللهو ، ~~منادما للفساق ، ولم يبال بانتهاك الحرمات ، وكان يغشى أمهات أولاد أبيه ~~غير مبال بما نهى الله عنه في الذكر الحكيم ، وقوله : ( @QUR@05 ولا تنكحوا ~~ما نكح آباؤكم )، حتى قال فيه الشاعر : # يا وليد الخنا تركت الطريقا %~% واضحا وارتكبت فجا عميقا وتماديت واعتديت وأسرف %~% ت وأغويت وأبتغيت فسوقا أبدا هات ثم هات وهات %~% ثم هات حتى تخر صعيقا أنت سكران ما تفيق فما تر %~% تق فتقا وقد فتقت فتوقا # وذكر الأنطاكي (2) أن الوليد عشق فتاة نصرانية ، فقصدها في يوم عيد بغير ~~زيه ؛ لأن معشوقته أبت مواصلته ، ودخل بستانا كانت قد مضين بنات النصارى ~~للتنزه فيها ، فالتفتت معشوقته إلى صاحب البستان وقالت : من هذا؟ فقال : مصاب. PageV01P207 # فرحمته ممازحة حتى سكن ، فقيل لمعشوقته : هل تعرفينه؟ قالت : لا. قيل لها ~~: هذا الخليفة. فمكنته من نفسها وتزوجها ، فقال فيها : # أضحى فؤادك يا وليد عميدا %~% صبا قديما للحسان صيودا من حب واضحة العوارض طفلة %~% برزت لنا نحو الكنيسة عيدا مازلت ترمقها بعيني وامق %~% حتى بصرت بها تقبل عودا عود الصليب فويح نفسي من رأى %~% منكم صليبا مثله معبودا فسألت ربي أن أكون مكانه %~% وأكون في لهب الجحيم وقودا # ولما اشتهر أمره فيها قال : # ألا حبذا سعدي وإن قيل إنني %~% كلفت بنصرانية تشرب الخمرا يهون علينا أن نظل نهارنا %~% إلى الليل لا اولى نصلي ولا عصرا # وفي تاريخ الخميس : إن الوليد أتى منزله فرأى بنتا له مع مرضعتها ، فجلس ~~على فخذها ولم يفارقها حتى افتض بكارتها. فقالت المرضعة : اخترت دين ~~المجوس؟! فقال الوليد : # من راقب الناس مات هما %~% وفاز باللذة الجسور # قال ابن أبي الحديد ، وجلال الدين السيوطي : إن سليمان عبد الملك قال : ~~لعن الله الوليد كان فاسقا ، وقد دعاني يوما إلى الفاحشة أي اللواط . فقال ~~بعض قومه : اسكت لو أراد ذلك لفعل. وأذن مؤذن للصلاة ، وكان الوليد ms161 سكران ، ~~فخرج مع جارية له وحلف لتصلين بالناس ، فمضت إلى المسجد وصلت بالناس وهي ~~سكرانة في نابتها. # وذكر المسعودي أن ابن عائشة المغني جاء يوما إلى الوليد فغناه بقوله : # إني رأيت صبيحة النحر %~% حورا تعين عزيمة الصبر مثل الكواكب في مطالعها %~% عند الغناء أطفن بالبدر وخرجت أبغي الأجر محتسبا %~% فرجعت موفورا من الوزر # قال الوليد : أحسنت. وعزم عليه بحق عبد شمس لما أعادها ، فأعاد ، ثم عزم ~~عليه بحق أمية فأعادها ، وهكذا عزم عليه بواحد واحد من بني امية وهو PageV01P208 # يستعيدها فيعيد حتى وصل إلى نفسه ، فقال : بحقي عليك لما أعدتها. فأعادها ~~، فأخذه الطرب ووقع على ابن عائشة ، وجعل يقبل أعضاء بدنه عضوا عضوا حتى ~~وصل إلى مذاكيره فانحنى ليقبلها ، فجمع ابن عائشة فخذيه فسترها. فحلف ~~الوليد ليقبلها فقبل حشفته ، فنادى وهو سكران : وا طرباه! وا طرباه! وخلع ~~لباسه عنه وخلعه على ابن عائشة ، وبقي عريان حتى جيء له بلباس فلبسه ، وأمر ~~له بألف دينار ذهبا ، وجيء له ببغل فأركب ابن عائشة وقال : لا بد أن تطأ ~~فراشي ببغلك فقد أضرمت قلبي نارا. قال المسعودي : وكان ابن عائشة قد غنى ~~يزيد أبا الوليد بهذه الأبيات قبل ذلك وأطربه ، وقيل : إنه ألحد في طربه ، ~~وفاه بكلمة الكفر ، وقال للساقي : اسقني الشراب ؛ فإني في السماء الرابعة. ~~وفي مروج الذهب ، والكامل للمبرد : إن الوليد أظهر كفره وإلحاده في قوله : # تلعب بالخلافة هاشمي %~% بلا وحي أتاه ولا كتاب فقل لله يمنعني طعامي %~% وقل لله يمنعني شرابي # هذه أعمال أمية ، فكان منهم من أدمن الخمر كيزيد بن معاوية الذي يقول في ~~الخمرة : # وشمسة كرم برجها قعر دنها %~% ومطلعها الساقي ومغربها فمي فإن حرمت يوما على دين أحمد %~% فخذها على دين المسيح بن مريم # ويزيد بن عبد الملك والوليد ابنه ، وتكتم بها من أقل من شرب الخمر منهم ، ~~ولقد سبق يزيد إلى ذلك الوليد بن عقبة ، وكان واليا في خلافة عثمان بن عفان ~~على الكوفة فخرج إلى المسجد سكرانا وصلى الصبح أربع ركعات ، ثم التفت إلى ~~الناس ms162 وقال : لو شئتم أن أزيدكم ركعة أزدتكم ، ولم يقم عثمان عليه الحد ~~لقرابته منه ، فعيب على عثمان بذلك ، وكان من أسباب قتل عثمان. # وفيهم قال الكميت : # لا كعبد الملك أو كوليد %~% أو سليمان بعده أو هشام من يمت لا يمت فقيدا وإن يح %~% يا فلا ذو إل ولا ذو ذمام PageV01P209 # وللسيد علي جليل الوردي رادا بقصيدته على قصيدة شوقي ؛ إذ راح يشيد ~~بذكرهم الخامل : # بنو أمية للشيطان ما صنعوا %~% وللضلالة ما شادوا وما دانوا القرد أشرف منهم في سجيته %~% إذ توجوه فهم للقرد عبدان بوركت (شوقي) هل أغراك بارقهم %~% فرحت تبكي ودمع العين هتان مررت بالمسجد المحزون تسأله %~% هل في المصلى أو المحراب مروان أأنت أعمى فيا عوفيت من عمه %~% فكيف يوجد في المحراب شيطان شدوت في ملكهم هدلا إن ملكهم %~% إلا ضلال وتدليس وبهتان من كل محتقر في زي محترم %~% ومبصرين وهم تالله عميان أهؤلاء يسودون الأنام هدى %~% وهؤلاء لدين الله أعوان أنا لهم باصول الدين معرفة %~% هل يعرف الدين خمار ودنان الطاس والكأس والطنبور دينهم %~% فجدهم ناقر والابن سكران فلا الأذان أذان في ديارهم %~% فقد تعالى ولا الآذان آذان وقيل قد فتح الأنصار جيشهم %~% وامتد منهم على الآفاق سلطان فقلت وا عجبا فتح ولا خلق %~% ومجد سيف ولا عدل وإيمان ما قيمة الفتح إن ساد الفساد به %~% وعم في ظله ظلم وطغيان ما الفتح أن تخضع الأقطار عن جشع %~% الفتح عدل وأخلاق وعمران يا من قد ارتاب فيما قلت معترضا %~% الحق للحق تأييد وبرهان فتلك يثرب سلها عن مثالبهم %~% تنبئك يثرب والأنباء أشبحان كم هتكت من بنات الخدر محصنة %~% وريع غيد وأطفال ورضعان حمى النبي أباحوه فوا عجبا %~% كيف استقرت على الأقذاء أجفان وذلك البيت بيت الله قد نسفت %~% جوانب منه حيث اندك أركان مجانق آل سفيان رموه بها %~% لا كان سفيان في الدنيا ولا كانوا طغت علوجهم من فرط ما غصبوا %~% حتى كأن جميع الناس عبدان ونكلوا بدعاة الحق جهدهم %~% فضج منهم محاريب وقرآن # * * * PageV01P210 ليت المشرع الذي ms163 أنقذنا %~% من ظلمة الغي إلى أسنى هدى يرى بناته تساق حسرا %~% تساقط الدمع كهطال السما # ليت : حرف تمني متعلق بالمستحيل غالبا ، وعلى الرجاء قليلا ، نحو : ليت ~~العليل الصحيح ، وهي تنصب الاسم وترفع الخبر. والمشرع : هو سيد الكائنات ، ~~نبي هذه الأمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي أخرج الأمة من هوة ~~الضلالة فأنقذها إلى سمو الهداية والرشاد. قلت : ليته يرى كرائمه سبايا ~~تساق حسرا ، وهي تساقط الأدمع كالمطر. قال الشريف الرضي : # ومسوق عاثر يسعى به %~% إثر محمول على غير وطا متعب يشكو أذى السير على %~% نقب المنسم مجزول المطا (1) # وقال ابن هاني الأندلسي (2): # وقد غصت البيداء بالعيس فوقها %~% كرائم أبناء النبي المكرم ذعرن بأبناء الضباب وأعوج %~% فأبكين أبناء الجديل وشدقم يشلونها في كل غارب دوسر %~% عليه الولايا بالخشاش مخزم فما في حريم بعدها في تحرج %~% ولا هتك ستر بعدها بمحرم # والهطال : على وزن فعال ، مثل قتال ، من أمثلة المبالغة ، اسم مجرور بكاف ~~التشبيه. والسما : اسم للسحاب. قال السيد حيدر (رحمه الله): # سبق الدمع حين قلت سقتها %~% فتركت السما وقلت الدموع # ذكر الشبراوي (3) بعد كلام له : وأخذ عمر بن سعد بنات الحسين وأخواته ، ~~ومن كان معه من الأطفال ، وعلي بن الحسين مريض ، فأدخلهم على ابن زياد ، وطيف PageV01P211 # برأس الحسين (عليه السلام) في الكوفة على خشبة ، ثم أرسل به إلى يزيد بن ~~معاوية ، وأرسل معه الصبيان والنساء مشدودين على أقتاب الجمال ، موثوقين ~~بالحبال ، والنساء مكشفات الوجوه والرؤوس. ويقال : إن الذي حضر بالرأس إلى ~~الشام عمر بن سعد بن أبي وقاص ، وفي عنق علي بن الحسين ويديه الغل. فدخل ~~بعض بني امية على يزيد فقال : ابشر يا أمير المؤمنين ، فقد أمكنك الله من ~~عدوك ، قد قتل الحسين ، ووجه برأسه إليك ، فلم يلبث إلا أياما قلائل حتى ~~جيء برأس الحسين. قال الشاعر : # رأس ابن بنت محمد ووصيه %~% للناظرين على قناة يرفع والمسلمون بمنظر وبمسمع %~% لا منكر منهم ولا متفجع # * * * # وينظر الرجس يزيد ناكثا %~% بعوده ثغر الحسين ذي العلا أبدى لذاك الحقد ما لم يبده ms164 %~% طالب وتر قط من كل الملا # عليه دام اللعن كلما جرى # دم على الأرض وغصن التوى # الواو عاطفة ، وينظر : الضمير يعود إلى المشرع الأعظم وهو رسول الله (صلى ~~الله عليه وآله). والرجس : هنا القبيح ، وهو يزيد بن معاوية. ونكت : ضرب ~~بقضيبه ، يقال : نكت الأرض بقضيبه حال التفكر فأثر فيها. والثغر : مقدم ~~الأسنان. قال الشبراوي (1): فوضع ، أي رأس الحسين (عليه السلام) بين يدي ~~يزيد بن معاوية ، فأمر الغلام فرفع الثوب الذي كان عليه ، فحين رآه غطى ~~وجهه بكمه ، كأنه شم رائحة (2). وقال PageV01P212 # الحمد لله الذي كفانا المؤن بغير مؤونة ( @QUR@06 كلما أوقدوا نارا للحرب ~~أطفأها الله ) (1). قالت ديا حاضنة يزيد : دنوت من رأس الإمام الحسين ~~(عليه السلام) حين شم يزيد منه رائحة لم تعجبه ، فإذا تفوح منه رائحة من ~~روح الجنة كالمسك الأذفر (2)، بل أطيب ، والذي ذهب بنفسه وهو قادر أن يغفر ~~لي لقد رأيت يزيد وهو يقرع ثناياه بقضيب في يده ، ويقول : ليت أشياخي ببدر ~~شهدوا. قال الشبراوي : وأصل هذه الأبيات لابن الزبعرى كما في الصواعق ، ~~وزاد يزيد فيها بيتين مشتملتين على الكفر. أقول : لقد أبدى يزيد في ذلك ~~اليوم الشماتة برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأظهر حقده الذي كان قد ~~أوغر صدره على النبي وأبنائه ، واشتفى غليله بقتل سبطه وريحانته ، وأخذ ~~ثارات عتبة بن ربيعة وشيبة أخوه والوليد بن عتبة ؛ إذ قتلهم علي (عليه ~~السلام) في واقعة بدر ، ألا تراه كيف راح يتمثل بشعر المشرك ابن الزبعرى ~~الذي كان ممن هجا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويذكر قتلاه ببدر إذ قال : # يا غراب البين أسمعت فقل %~% إنما تنطق شيئا قد فعل إن للخير وللشر مدى %~% وكلا ذلك وجه وقبل والعطيات خساس بينهم %~% وسواء قبر مثر ومقل كل عيش ونعيم زائل %~% وبنات الدهر يلعبن بكل (3) أبلغا حسان عنى آية %~% فقريض الشعر يشفى ذا الغلل (4) كم ترى بالجر من جمجمة %~% وأكف قد أترت ورجل (5) وسرابيل حسان سربت %~% من كماة أهلكوا في المنتزل (6) PageV01P213 كم قتلنا من كريم سيد %~% ماجد الجدين مقدام ms165 بطل صادق النجدة قرم بارع %~% غير ملتاث لدى وقع الأسل (1) فسل (المهراس) من ساكنه %~% بين أقحاف وهام كالحجل (2) ليت أشياخي ببدر شهدوا %~% جزع الخزرج من وقع الأسل حين حكت بقباء بركها %~% واستحر القتل في عبد الأشل (3) ثم خفوا عند ذاكم رقصا %~% رقص الحفان يعلو في الجبل (4) فقتلنا الضعف من أشرافهم %~% وعدلنا ميل بدر فاعتدل لا ألوم النفس إلا أننا %~% لو كررنا لفعلنا المفتعل بسيوف الهند تعلو هامهم %~% عللا تعلوهم بعد نهل (5) # وقد أضاف إليها يزيد بيتين وهما : # لعبت هاشم بالملك فلا %~% خبر جاء ولا وحي نزل (6) لست من خندف إن لم أنتقم %~% من بني أحمد ما كان فعل # قال الشبراوي : أخزاه الله في هذه الأبيات إن كانت صحيحة عنه ؛ فقد كفر ~~فيها بإنكار الرسالة ، ولا ريب إن الله سبحانه قضى على يزيد بالشقاء ، فقد ~~تعرض لآل البيت الشريف بالأذى ، فأرسل جنده لقتل الحسين (عليه السلام) ~~وقتله وسبى حريمه وأولاده ، وهم أكرم أهل الأرض حينئذ على الله سبحانه. ~~ولقد أبدى ابن ميسون في ذلك اليوم الشماتة بآل الرسول ، وأظهر كل ما كان ~~يكنه ضميره من الحقد الجاهلي كما قال ابن هاني الأندلسي (رحمه الله تعالى): PageV01P214 والحقد حقد الجاهلية أنه %~% إلى الآن لم يظعن ولم يتضرر وبالثأر في بدر أريقت دماؤكم %~% وقيد إليكم كل أجرد صلدم (1) # اللعن : العذاب ، جمعه لعان ولعنات. والملعون : المسيب المطرود. المشؤوم ~~: الممسوخ المخزي. المهلك : الشيطان. ذكر سبط ابن الجوزي (2) في باب كفر ~~يزيد : قال ابن عقيل : ومما يدل على كفره وزندقته فضلا عن سبه ولعنه أشعاره ~~التي أفصح بها بالإلحاد ، وأبان عن خبث الضمائر ، وسوء الاعتقاد في قصيدته ~~التي أولها : # علية هاتي واعلني وترنمى %~% بذلك إني لا احب التناجيا حديث أبي سفيان قدما سما به %~% إلى أحد حتى أقام البواكيا ألا هات أسقيني على ذاك قهوة %~% تخيرها العنسي كرما شئاميا إذا ما نظرنا في امور كثيرة %~% وجدنا حلالا شربها متواليا وإن مت يا ام الاحمير فانكحي %~% ولا تأملي بعد الفراق تلاقيا فإن الذي حدثت عن يوم بعثنا %~% أحاديث ms166 طسم تجعل القلب ساهيا ولا بد لي من أن أزور محمدا %~% بمشمولة صفراء تروي عظاميا # ومن قوله (لعنه الله): # معشر الندمان قوموا %~% واسمعوا صوت الأغاني واشربوا كأس مدام %~% واتركوا ذكر المغاني شغلتني نغمة العي %~% دان عن صوت الأذان وتعوضت عن الحو %~% ر عجوزا في الدنان # وقال محمد بن نظام الدين الأناري (3)، (وكان الأكثر) من الناس PageV01P215 # (في زمان بني امية على إمامة معاوية) مع إن الحق كان بيد أمير المؤمنين ~~علي (كرم الله وجهه) من غير ريبة ، (و) على إمامة (يزيد) ابنه مع إنه كان ~~من أخبث الفساق ، وكان بعيدا بمراحل من الإمامة ، بل الشك في إيمانه خذله ~~الله تعالى. والصنيعات التي صنعها معروفة من أنواع الخبائث ، (وأشباهها) من ~~الظلمة والفسقة. وذكر المسعودي (1) قال : شمل الناس جور يزيد وعماله ، ~~وعمهم ظلمه ، وما ظهر من فسقه من قتل ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه ~~وآله)، وما ظهر من شرب الخمر وسيرته سيرة فرعون ، بل كان فرعون أعدل منه ~~في رعيته. وروى الطقطقي (2) قال : إن يزيد بن معاوية كان موفر الرغبة في ~~اللهو والقنص ، والخمر والنساء والشعر إلخ : فمن شعره : # جاءت بوجه كأن البدر برقعه %~% نورا على مائس كالغصن معتدل إحدى يديها تعاطيني مشعشعة %~% كخدها عصفرته صفحة الخجل ثم استبدت وقالت وهي عالمة %~% بما تقول وشمس الراح لم تقل لا ترحلن فما أبقيت من جلدي %~% ما أستطيع به توديع مرتحل ولا من النوم ما ألقى الخيال به %~% ولا من الدمع ما أبكى على الطلل # وذكر ابن سعد في طبقاته في ترجمة حنظلة : أنه لما بايع أهل المدينة ليالي ~~الحرة على الموت ، وقال : يا قوم ، اتقوا الله وحده لا شريك له ، فوالله ما ~~خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء ؛ إن رجلا ينكح ~~الأمهات والبنات والأخوات ، ويشرب الخمر ، ويدع الصلاة ، والله لو لم يكن ~~معي أحد من الناس لأبليت لله فيه بلاء حسنا. وذكر صاحب البداية والنهاية ~~(3) عن الطبراني ، عن محمد بن زكريا الغلابي ، عن أبي عائشة ، عن أبيه قال ms167 ~~: كان يزيد في حداثته صاحب شراب ، يأخذ مأخذ الأحداث ، فأحس معاوية بذلك PageV01P216 # فأحب أن يعظه في رفق ، فقال : يا بني ، ما أقدرك على أن تصير إلى حاجتك ~~من غير تهتك يذهب بمروءتك وقدرك. وأنشده : # انصب نهارا في طلاب العلا %~% واصبر على هجر الحبيب القريب حتى إذا الليل أتى بالدجى %~% واكتحلت بالغمض عين الرقيب فباشر الليل بما تشتهي %~% فإنما الليل نهار الأريب كم فاسق تحسبه ناسكا %~% قد باشر الليل بأمر عجيب # قال سبط ابن الجوزي (1): لهذا تطرق إلى هذه الأمة العار بولايته عليها ~~حتى قال أبو العلاء المعري : # أرى الأيام تفعل كل نكر %~% فما أنا في العجائب مستزيد أليس قريشكم قتلت حسينا %~% وكان على خلافتكم يزيد (2) # قال سبط ابن الجوزي (3): قلت : ولما لعنه جدي أبو الفرج على المنبر ~~ببغداد بحضرة الإمام الناصر وأكابر العلماء قام جماعة من الجفاة من مجلسه ، ~~فقال : جدي : ( @QUR@06 ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود ) (4). وحكى لي بعض ~~أشياخنا عن ذلك اليوم أن جماعة سألوا جدي عن يزيد ، فقال : ما تقولون في ~~رجل ولى ثلاث سنين ؛ في السنة الأولى قتل الحسين (عليه السلام)، وفي ~~الثانية أخاف المدينة وأباحها (5)، وفي الثالثة رمى الكعبة بالمجانيق ~~وهدمها (6)؟ فقالوا : نلعنه. PageV01P217 # فقال : العنوه. وقال جدي في كتاب الرد على المتعصب العنيد : قد جاء في ~~الحديث لعن من فعل ما لا يقارب معشار عشر فعل يزيد ، وذكر الأحاديث التي ~~ذكرها البخاري في صحيحه ، ومسلم في صحيحه ؛ مثل حديث ابن معسود ، عن النبي ~~(صلى الله عليه وآله) أنه لعن الواشمات والمتوشمات. وحديث ابن عمر : لعن ~~الله الواشمة والمتوشمة ، ولعن الله المصورين. وحديث جابر : لعن رسول الله ~~(صلى الله عليه وآله) آكل الربا وموكله (الحديث). وحديث ابن عمر في مسند ~~أحمد : لعنت الخمر على عشرة وجوه (الحديث). وأورد أخبارا كثيرة في هذا ~~الباب. وهذه الأشياء دون فعل يزيد في قتله الحسين (عليه السلام) وإخوته ~~وأهله ، ونهب المدينة وهدم الكعبة ، وضربها بالمجانيق ، وأشعاره الدالة على ~~فساد عقيدته. ومن أراد الزيادة على هذا فليقف على كتابه المسمى (بالرد ms168 على ~~المتعصب العنيد). وحكى جدي أبو الفرج ، عن القاضي أبي يعلى بن الفراء في ~~كتابه (المعتمد) في الأصول بإسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل ، قال : قلت ~~لأبي : إن قوما ينسبونا إلى تولي يزيد! فقال : يا بني ، وهل يتولى يزيد أحد ~~يؤمن بالله؟! فقلت : فلم لا تلعنه؟! فقال : ومتى رأيتني لعنت شيئا؟ يا بني ~~، لم لا نلعن من لعنه الله في كتابه؟ فقلت : وأين لعن الله يزيد في كتابه؟ ~~فقال : في قوله تعالى ( @QUR@018 فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض ~~وتقطعوا أرحامكم * اولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) (1). ~~فهل يكون فساد أعظم من قتل الحسين (عليه السلام)؟ وصنف القاضي أبو يعلى ~~كتابا ذكر فيه بيان من يستحق اللعن ، وذكر منهم يزيد (2). قلت : أجمع ~~المؤرخون على أن يزيد بن معاوية حكم ثلاث سنين وتسعة أشهر ؛ ففي السنة ~~الأولى كانت باكورة أعماله قتل ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ~~وقتل أصحابه الصفوة وأهل بيته البررة ، والذين ما كان لهم على وجه الأرض من ~~شبيه حينذاك ، وسبى حرائر الرسالة PageV01P218 # من قطر إلى قطر. وفي السنة الثانية حارب أهل المدينة ، وقتل من كان فيها ~~من الصحابة ، وأباحها لجيشه يفعل فعل الوحوش حتى أكثر النهب والهتك والسفك. ~~قيل : كان جابر بن عبد الله الأنصاري يومئذ قد ذهب بصره ، فجعل ينادي في ~~أزقة المدينة : تعس من أخاف الله ورسوله! قال : سمعت رسول الله (صلى الله ~~عليه وآله) يقول : «من أخاف أهل المدينة فقد أخاف ما بين جنبي» .. فحمل رجل ~~عليه بالسيف فترامى عليه مروان فأجاره ، وأمره أن يدخله منزله ويغلق عليه ~~بابه. قال ابن كثير في البداية والنهاية : وقد أخطأ يزيد في أمر مسلم بن ~~عقبة بإباحته المدينة ثلاثة أيام خطأ كبيرا ؛ فإنه وقع في هذه الأيام ~~الثلاثة من المفاسد العظيمة في المدينة النبوية ما لا يحد ولا يوصف مما لا ~~يعلمه إلا الله عز وجل ، وقد أراد بإرسال مسلم بن عقبة توطيد سلطانه ، ~~ودوام أيامه فعوقب بنقيض قصده فقصمه الله قاصم الجبابرة ms169 ، وأخذه أخذ عزيز ~~مقتدر. قال شاعر أهل المدينة مخاطبا بني امية وهو محمد بن أسلم : # فإن تقتلونا يوم حرة وأقم %~% فنحن على الإسلام أول من قتل ونحن تركناكم ببدر أذلة %~% وابنا بأسياف لنا منكم تحل # وفي السنة الثالثة هدم الكعبة ، وأشعل النار بأستارها ، وذلك لما حوصر ~~بها ابن الزبير وقتله ، كل هذا بأمر من يزيد الفاجر ؛ ثائرا لآلهته التي ~~كان يعبدها آباؤه ، وهي اللات والعزى وهبل. # وختاما أقول : # عليه دام اللعن كلما جرى %~% دم على الأرض وغصن التوى # ألا لعنة الله على القوم الظالمين. كان الانتهاء منه في 3 رجب سنة 1375 هج. # والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين PageV01P219 ms170