######OpenITI# #META# URI: 1427NajibMahfuz.AsdaSiraDhatiyya.Hindawi82695209 #META# Tags: literature :: biographies #META# ID: 82695209 #META# Title: أصداء السيرة الذاتية #META# AuthorID: 71616385 #META# Author: نجيب محفوظ #META# EditorID: None #META# Editor: None #META# TranslatorID: None #META# Translator: None #META# Related_books: None #META#Header#End# # أصداء السيرة الذاتية‏ # أصداء السيرة الذاتية‏ # | أصداء السيرة الذاتية # | أصداء السيرة الذاتية # تأليف # نجيب محفوظ # | أصداء السيرة الذاتية # دعاء # دعوت للثورة وأنا دون السابعة. # ذهبت ذات صباح إلى مدرستي الأولية محروسا بالخادمة. سرت كمن يساق إلى سجن، بيدي ~~كراسة وفي عيني كآبة، وفي قلبي حنين للفوضى، والهواء البارد يلسع ساقي شبه ~~العاريتين تحت بنطلوني القصير. وجدنا المدرسة مغلقة، والفراش يقول بصوت جهير: بسبب ~~المظاهرات لا دراسة اليوم أيضا. # غمرتني موجة من الفرح طارت بي إلى شاطئ السعادة. # ومن صميم قلبي دعوت الله أن تدوم الثورة إلى الأبد! # رثاء # كانت أول زيارة للموت عندنا لدى وفاة جدتي. كان الموت ما زال جديدا، لا عهد لي به ~~عابرا في الطريق. وكنت أعلم بالمأثور من الكلام أنه حتم لا مفر منه، أما عن شعوري ~~الحقيقي فكان يراه بعيدا بعد السماء عن الأرض. هكذا انتزعني النحيب من طمأنينتي، ~~فأدركت أنه تسلل في غفلة منا إلى تلك الحجرة التي حكت لي أجمل الحكايات. # ورأيتني صغيرا كما رأيته عملاقا، وترددت أنفاسه في جميع الحجرات؛ فكل شخص تذكره وكل ~~شخص تحدث عنه بما قسم. # وضقت بالمطاردة، فلذت بحجرتي لأنعم بدقيقة من الوحدة والهدوء. وإذا بالباب يفتح وتدخل ~~الجميلة ذات الضفيرة الطويلة السوداء، وهمست بحنان: لا تبق وحدك. # واندلعت في باطني ثورة مباغتة متسمة بالعنف متعطشة للجنون. وقبضت على يدها وجذبتها ~~إلى صدري بكل ما يموج فيه من حزن وخوف. # دين قديم # في صباي مرضت مرضا لازمني بضعة أشهر. تغير الجو من حولي بصورة مذهلة، وتغيرت ~~المعاملة. ولت دنيا الإرهاب، وتلقتني أحضان الرعاية والحنان. أمي لا تفارقني، وأبي يمر ~~علي في الذهاب والإياب، وإخوتي يقبلون بالهدايا. لا زجر ولا تعيير بالسقوط في ~~الامتحانات. # ولما تماثلت للشفاء خفت أشد الخوف الرجوع إلى الجحيم. عند ذاك خلق بين جوانحي شخص ~~جديد. صممت على الاحتفاظ بجو الحنان والكرامة. إذا كان الاجتهاد مفتاح السعادة؛ فلأجتهد ~~مهما كلفني ذلك من عناء. وجعلت أثب من نجاح إلى نجاح، وأصبح الجميع أصدقائي ~~وأحبائي. # هيهات أن ms01 يفوز مرض بجميل الذكر مثل مرضي! # الحركة القادمة # قال برجاء حار: جئتك لأنك ملاذي الأول والأخير. # فقال العجوز باسما: هذا يعني أنك تحمل رجاء جديدا. ~~- تقرر نقلي من المحافظة في الحركة القادمة. ~~- ألم تقض مدتك القانونية بها؟ هذه هي تقاليد وظيفتك. # فقال بضراعة: النقل الآن ضار بي وبأسرتي. ~~- أخبرتك بطبيعة عملك منذ أول يوم. ~~- الحق أن المحافظة أصبحت وطنا لنا ولا غنى عنه. ~~- هذا قول زملائك السابقين واللاحقين، وأنت تعلم أن ميعاد النقل لا يتقدم ولا ~~يتأخر. # فقال بحسرة: يا لها من تجربة قاسية! ~~- لم لم تهيئ نفسك لها وأنت تعلم أنها مصير لا مفر منه؟ # مفترق الطرق # عرفت في بيتنا بأم البيه، حتى اليوم لم أعرف اسمها الحقيقي؛ فهي عمتي أم البيه. تجلس ~~في حجرتها فوق الكنبة متحجبة مسبحة. كلما طمعت في مصروف إضافي تسللت إلى مجلسها. وعلى ~~فترات متباعدة تقف سيارة أمام بيتنا الصغير فيغادرها البيه، قصيرا وقورا مهيبا، يلثم ~~يد أمه ويتلقى دعاءها. # زيارته تنفخ في البيت روحا من السرور والزهو، وقد تحمل إلي علبة من الحلوى. رجل ~~آخر يتردد على أم البيه كل يوم جمعة، صورة طبق الأصل من البيه، غير أنه يرتدي عادة ~~جلبابا ومركوبا وطاقية، وتلوح في وجهه أمارات المسكنة. وتستقبله عمتي بترحاب، وتجلسه ~~إلى جانبها في أعز مكان. # حيرني أمره. # وحذرتني أمي من اللعب في الحجرة في أثناء وجوده. # ولكنها لم تجد بدا في النهاية من أن تهمس لي: إنه ابن عمتك! # تساءلت في ذهول: أخو البيه؟! # أجابت بوضوح: نعم ... واحترمه كما تحترم البيه نفسه! # وأصبح يثير حب استطلاعي أكثر من البيه نفسه. # الأيام الحلوة # كنا أبناء شارع واحد، تتراوح أعمارنا بين الثامنة والعاشرة. وكان يتميز بقوة بدنية ~~تفوق سنه، ويواظب على تقوية عضلاته برفع الأثقال. وكان فظا غليظا شرسا مستعدا ~~للعراك لأتفه الأسباب. لا يفوت يوم بسلام ودون معركة، ولم يسلم من ضرباته أحد منا، ~~حتى بات شبح الكرب والعناء في حياتنا. فلا تسأل عن فرحتنا الكبري حين علمنا بأن أسرته ~~قررت ms02 مغادرة الحي كله. شعرنا حقيقة بأننا نبدأ حياة جديدة من المودة والصفاء والسلام. ~~ولم تغب عنا أخباره تماما؛ فقد احترف الرياضة وتفوق فيها وأحرز بطولات عديدة، حتى اضطر ~~إلى الاعتزال لمرض قلبه، فكدنا ننساه في غمار الشيخوخة والبعد. # وكنت جالسا بمقهى بالحسين عندما فوجئت به مقبلا يحمل عمره الطويل وعجزه ~~البادي. # ورآني فعرفني فابتسم، وجلس دون دعوة. وبدا عليه التأثر، فراح يحسب السنين العديدة التي ~~فرقت بيننا، ومضى يسأل عمن تذكر من الأهل والأصحاب، ثم تنهد وتساءل في حنان: هل تذكر أيامنا الحلوة؟ # النسيان # من هذا العجوز الذي يغادر بيته كل صباح ليمارس رياضة المشي ما استطاع إليها ~~سبيلا؟ # إنه الشيخ مدرس اللغة العربية الذي أحيل على المعاش منذ أكثر من عشرين عاما. # كلما أدركه التعب جلس على الطوار أو السور الحجري لحديقة أي بيت، مرتكزا على عصاه، ~~مجففا عرقه بطرف جلبابه الفضفاض. # الحي يعرفه والناس يحبونه، ولكن نادرا ما يحييه أحد لضعف ذاكرته وحواسه. أما هو فقد ~~نسي الأهل والجيران والتلاميذ وقواعد النحو. # المطرب # قلبي مع الشاب الجميل. وقف وسط الحارة وراح يغني بصوت عذب: # الحلوة جاية. # وسرعان ما لاحت أشباح النساء وراء خصاص النوافذ، وقدحت أعين الرجال شررا، ومضى الشاب ~~هانئا تتبعه نداءات الحب والموت. # قبيل الفجر # تتربعان فوق كنبة واحدة. تسمران في مودة وصفاء. الأرملة في السبعين، وحماتها في ~~الخامسة والثمانين. نسيتا عهدا طويلا شحن بالغيرة والحقد والكراهية. والراحل استطاع ~~أن يحكم بين الناس بالعدل، ولكنه عجز عن إقامة العدل بين أمه وزوجه، ولا استطلاع أن ~~يتنحى. وذهب الرجل فاشتركت المرأتان لأول مرة في شيء واحد، وهو الحزن العميق ~~عليه. # وهدهدت الشيخوخة من الجموح، وفتحت النوافذ لنسمات الحكمة. # الحماة الآن تدعو للأرملة وذريتها من أعماق قلبها بالصحة وطول العمر. # والأرملة تسأل الله أن يطيل عمر الأخرى حتى لا تتركها للوحدة والوحشة. # السعادة # رجعت إلى الشارع القديم بعد انقطاع طويل لتشييع جنازة. # لم يبق من صورته الذهبية أي أثر يذكر. # على جانبيه قامت عمارات شاهقة في موضع الفيلات ms03 ، واكتظ بالسيارات والغبار وأمواج البشر ~~المتلاطمة. # تذكرت بكل إكبار طلعته البهية وروائح الياسمين. # وتذكرت الجميلة تلوح في النافذة باعثة بشعاعها على السائرين. # ترى أين يقع قبرها السعيد في مدينة الراحلين؟ # ويوافيني الآن قول الصديق الحكيم: «ما الحب الأول إلا تدريب ينتفع به ذوو الحظ من ~~الواصلين.» # الطرب # اعترض طريقي باسما وهو يمد يده. تصافحنا وأنا أسأل نفسي عمن يكون ذلك العجوز، وانتحي ~~بي جانبا فوق طوار الطريق وقال: نسيتني؟! # فقلت في استحياء: معذرة، إنها ذاكرة عجوز! ~~- كنا جيرانا على عهد الدراسة الابتدائية، وكنت في أوقات الفراغ أغني لكم بصوت جميل، ~~وكنت أنت تحب التواشيح ... # ولما يئس مني تماما مد يده مرة أخرى قائلا: لا يصح أن أعطلك أكثر من ذلك ... # قلت لنفسي: يا له من نسيان كالعدم، بل هو العدم نفسه! ولكنني كنت وما زلت أحب سماع ~~التواشيح. # المرح # نظرت إلي بعينين باهتتين ذابلتين. النظرة تشكو مر الشكوى، وتريد أن تبوح، ولكن اللسان ~~عاجز. # كنت أعودها والحجرة خالية. # الجلد متهرئ، والعظام بارزة، والأركان تفوح منها رائحة الموت. # يا صاحبة المداعبات التي لا تنسى. # طفولتي عامرة بمداعباتك اللطيفة. # لم يكن يعيبك إلا الإغراق في المرح. # أي نعم ... الإغراق في المرح. # رسالة # وردة جافة مبعثرة الأوراق عثرت عليها وراء صف من الكتب وأنا أعيد ترتيب ~~مكتبتي. # ابتسمت. انحسرت غيابات الماضي السحيق عن نور عابر. # وأفلت من قبضة الزمن حنين عاش دقائق خمسا. # وند عن الأوراق الجافة عبير كالهمس. # وتذكرت قول الصديق الحكيم: «قسوة الذاكرة تنجلي في التذكر كما تنجلي في ~~النسيان.» # عتاب # همت على وجهي حاملا طعنة الغدر بين أضلعي. # وقال الصديق الحكيم: «لست أول من كابد الهجران.» # فسألته: أليس للشيخوخة مقام؟ # فقال: «غر من يعشق قصة معادة قديمة.» # ووقفت تحت شجرة الكافور أرنو من بعيد إلى الملهى. # وهي تجلس وسط الشرفة يشع منها نور الإغراء المبين. # لا يدركها كبر، ولا يمسها انحلال. # وتتخطاني بنظرة لا مبالية فليس لقرارها تبديل، بل وسوف أرجع وحيدا كما بدأت. # التلقين # جلست فوق السرادق أنتظر تشييع ms04 الجنازة. # خيمت فوقنا ذكريات ذلك العهد القديم. # وجاء رجال ذلك العهد يسيرون رجلا وراء رجل. كانت الأرض تزلزل لأي منهم إذا ~~خطا. # اليوم هم شيوخ ضائعون لا يذكرهم أحد. # وجاء خلفاؤهم تنحني الأرض تحت وطأة أقدامهم. تقول نظراتهم الثابتة إنهم ملكوا الأرض ~~والزمن. # أخيرا، هل النعش فوق الأعناق فتخطى الجميع وذهب. # الوظيفة المرموقة # أخيرا مثلت بين يدي مدير مكتبه. وصلت بفضل اجتهاد مضن وشفاعة الوجهاء ~~المكرمين. # ألقى نظرة أخيرة على التوصيات التي قدمتها، ثم قال: لشفعائك تقدير وأي تقدير، ولكن ~~الاختبار هنا يتم بناء على الحق وحده. # فقلت برجاء: إني على أتم استعداد للاختبار. ~~- أرجو لك التوفيق. # فسألته بلهفة: متي ندعى للامتحان؟ # فتجاهل سؤالي وسألني: ولماذا هذه الوظيفة بالذات على ما تتطلبه من جهد خارق؟ # فقلت بإخلاص: إنه الحب، ولا شيء سواه. # فابتسم ولم يعلق. # ورجعت وأنا أتذكر قول صديقي الحكيم: «من ملك الحياة والإرادة؛ فقد ملك كل شيء، وأفقر ~~حي يملك الحياة والإرادة.» # الصور المتحركة # هذه الصورة القديمة جامعة لأفراد أسرتي ... # وهذه جامعة لأصدقاء العهد القديم. # نظرت إليهما طويلا حتى غرقت في الذكريات ... # جميع الوجوه مشرقة ومطمئنة وتنطق بالحياة. # ولا إشارة ولو خفيفة إلى ما يخبئه الغيب. # وها هم قد رحلوا جميعا فلم يبق منهم أحد. # فمن يستطيع أن يثبت أن السعادة كانت واقعا حيا، لا حلما ولا وهما؟ # العدل # ذهبت إلى محام معروف بلا تردد. ما أجمل صراحته حين قال لي: أنت صاحب حق، ولكن خصمك ~~أيضا صاحب حق! # فقلت له: عرضت عليه أن نحتكم إلى شخص يكون موضع ثقتنا معا. ~~- هيهات أن يوجد هذا الشخص في زماننا. ~~- لدي خطابات مسجلة ستعرف منها المحكمة حسن نيتي. ~~- قد يطعن فيها بالتزوير. ~~- الحق أني بريء مائة في المائة. ~~- لا يوجد إنسان بريء مائة في المائة. ~~- ليس الأمر بالمستحيل. ~~- ألم تهدده في لحظة غضب بالقتل؟ ~~- هو نفسه لم يأخذ كلامي مأخذ الجد. ~~- بل قام باحتياطات كثيرة، وزار الأضرحة ونذر النذور. # فهتفت ضاحكا: هذا هو الجنون! ~~- عليك أن تثبت أنه مجنون، خاصة ms05 أن محاميه سيحاول من ناحيته أن يثبت جنونك. # فأغرقت في الضحك حتى قال المحامي: لا يوجد ما يدعو إلى الضحك. ~~- اتهامي بالجنون مثير للضحك. ~~- بل إنه يدعو للأسى. ~~- لماذا يا سيدي؟ ~~- الجنون يدعو للأسى. ~~- طالما أني عاقل فلا أهمية للاتهام. ~~- ولكن عدم الاهتمام قد يعني الجنون نفسه. # فسألته بذهول: هل يداخلك شك في عقلي؟ ~~- بل إني على يقين. اختلافكما المزمن يدل على جنونكما معا. ~~- لكنك أبديت استعدادا طيبا للدفاع عني؟ ~~- إنه واجبي! # وتنهد المحامي من أعماقه وواصل: ولا تنس أنني مجنون مثلكما ... # من التاريخ # في ذلك الوقت البعيد قيل إنه هاجر أو هرب، والحقيقة أنه كان يجلس على العشب على شاطئ ~~النيل مشتملا بأشعة القمر، يناجي أحلامه في حضرة الجمال الجليل. # عند منتصف الليل سمع حركة خفيفة في الصمت المحيط، ورأى رأس امرأة ينبثق من الماء أمام ~~الموضع الذي يفترشه. وجد نفسه أمام جمال لم يشهد له مثيلا من قبل. ترى أتكون ناجية من ~~سفينة غارقة؟ لكنها كانت غاية في العذوبة والوقار؛ فداخله الخوف، وهم بالوقوف تأهبا ~~للتراجع، ولكنها قالت له بصوت ناعم: اتبعني. # فسألها وهو يزداد خوفا: إلى أين؟ ~~- إلى الماء لترى أحلامك بعينيك. # وبقوة سحرية زحف نحو الماء وعيناه لا تتحولان عن وجهها. # الأشباح # عقب الفراغ من صلاة الفجر، رحت أتجول في الشوارع الخالية. جميل المشي في الهدوء ~~والنقاء بصحبة نسائم الخريف. ولما بلغت مشارف الصحراء جلست فوق الصخرة المعروفة بأم ~~الغلام. # وسرح بصري في متاهة الصحراء المسربلة بالظلمة الرقيقة. وسرعان ما خيل إلي أن ~~أشباحا تتحرك نحو المدينة. قلت: لعلهم من رجال الأمن. ولكن مر أمامي أولهم، فتبينت فيه ~~هيكلا عظميا يتطاير شرر من محجريه. # واجتاحني الرعب فوق الصخرة، وتسلسلت الأشباح واحدا إثر آخر. # تساءلت وأنا أرتجف عما يخبئه النهار لمدينتي النائمة ... # قطار المفاجآت # في عيد الربيع يحلو اللهو ويطيب. وقفنا جماعة من التلاميذ في بهو المحطة بالبنطلونات ~~القصيرة، وبيد كل سلة من القش الملون مملوءة بما قسم من طعام. وكان علينا أن نختار ~~بين رحلتين وقطارين ms06 ؛ قطار يذهب إلى القناطر الخيرية، وآخر يمضي إلى جهة مجهولة يسمى ~~بقطار المفاجآت. # قال أحدنا: القناطر جميلة ومضمونة. # فقال آخر: المغامرة مع المجهول أمتع. # ولم نتفق على رأي واحد. # ذهبت كثرة إلى قطار القناطر. # وقلة جرت وراء المجهول. # حمام السلطان # حلمت مرة أنني خارج من حمام السلطان، تعرضت لي جارية ودعتني إلى لقاء سيدتها، ومالت ~~بي في الطريق إلى حجرتها لتهيئني للقاء كما يملي عليها واجبها. وألهاني التدريب عن ~~غايتي حتى كدت أنساها. ولما وجب الذهاب، وذهبت إلى السيدة الجميلة وأنا من الخجل في ~~نهاية. ووقفت بين يديها منهزما وقد علاني الصدأ. # هكذا تحول الحلم إلى كابوس. # وكان لا بد من معجزة لتشرق الشمس من جديد. # العقاب # رآه ماثلا أمامه كالقدر. غاب طويلا، ولكن لم ينحن له ظهر أو يرق بصر. بسرعة انقضاض ~~الزلزال جرى شريط الذكريات الدامية، وسحب وراءه صورة أسرته البريئة التي عرفته مثالا ~~للاجتهاد والرزق الحلال، جاهلة ما وراء ذلك. ~~- اتفقنا على أن نفترق إلى الأبد. # فقال له الزائر بهدوء: للضرورة أحكام وإني مهدد بالإفلاس. # وقال لذاته: إن طوفان الابتزاز يبدأ بقطرة. ~~- كنا شريكين فما يصيبني يصيبك. # فقال الزائر: عند اليأس أقول: علي وعلى أعدائي يا رب! # أسرته هي ما يهمه، حتى إذا كان ~~الانتحار هو الحل. # فرصة العمر # صادفتها تجلس تحت الشمسية، وتراقب حفيدها وهو يبني من الرمال قصورا على شاطئ البحر ~~الأبيض. # سلمنا بحرارة. جلست إلى جانبها. عجوزين هادئين تحت مظلة الشيب. # وضحكت فجأة وقالت: لا معنى للحياء في مثل عمرنا، فدعني أقص عليك قصة قديمة. # وقصت قصتها وأنا أتابعها بذهول حتى انتهت. وعند ذاك قلت: فرصة العمر أفلتت، يا ~~للخسارة! # هيهات # ما ضنت علي بشيء جميل مما تملك. # فنهلت من ينبوع الحسن حتى ارتويت. # ولكن البطر بالنعمة قد يرتدي قناع الضجر. # ومن أمارات خيبتي أني فرحت بالفراق. # وعلى مدى طريقي الطويل لم يفارقني الندم. # وحتى اليوم يرمقني هيكلها العظمي ساخرا. # رسالة لم تكتب # في عام واحد علمت بتعيين همام رئيسا لمحكمة استئناف الإسكندرية، كما ms07 قرأت خبر تنفيذ ~~حكم الإعدام في سيد الغضبان لقتله راقصة. كنا - أنا وهمام والغضبان - أصدقاء طفولة. ~~وكان الغضبان بؤرة الإثارة لجمال صوته ونوادره البذيئة. وافترقنا قبل أن نبلغ التاسعة، ~~فمضى كل إلى سبيله. عرفت من بعض الأقارب بانخراط همام في سلك الهيئة القضائية، وتابعت ~~أنباء الغضبان في الصحف الفنية كبلطجي من بلطجية الملاهي الليلية. # والحق أن خبر الإعدام هزني، وطار بي على جناح التأمل إلى العهد القديم. وفكرت أن أكتب ~~رسالة إلى همام أضمنها تأثري وتأملاتي. وشرعت في الكتابة، ولكنني توقفت وفتر حماسي أن ~~يكون قد نسي ذلك العهد وأهله، أو أنه لم يعد يبالي بهذه العواطف. # الزيارة الأخيرة # لولا المعلم عبد الدائم لضاع كل وافد على المدينة القديمة. يستقبل الوافدين في مقهى ~~المعز، ثم يفتح لكل مغلق الأبواب. وكان عبد الله أحد أولئك الوافدين. # ما لبث أن ألحقه بوظيفة مساعد بواب، فحمد الرجل ربه على الرزق والمأوى. وحثه على الرشد ~~والتدبير حتى زوجه من بنت الحلال. وجعل عبد الله يزوره في المقهى من حين لآخر اعترافا ~~بفضله وإحسانه، غير أنه لما استغرقه العمل وتربية الأولاد، ندرت زياراته حتى انقطعت. ~~وبلا الرجل الحياة بحلوها ومرها، وتصبر حتى وقف الأولاد على أقدامهم، وانطلق كل في ~~سبيل. ومع تقدم السن شعر عبد الله بأنه آن له أن يستريح وينفض عن رأسه الهموم. وفي ~~فراغه تذكر المعلم عبد الدائم، فشعر بالخجل والندم، وصمم على زيارته، داعيا الله أن يجده ~~متمتعا بالصحة والعافية. وقصد مقهى المعز وهو يعد نفسه للاعتذار وطلب العفو. لاحظ من ~~أول نظرة ما حل بالمقهى من تجديد وفرنجة في الأثاث والخدمة والزبائن، ولم يعثر لصاحبه ~~على أثر. ووضح له أن أحدا لم يسمع به. وظهر عجوز يسرح بالمسابح والبخور، وكان الوحيد ~~الذي تذكره، والوحيد الذي يعرف منزله بالإمام، ولا يعرف عنه أكثر من ذلك. ولم تحل تلك ~~الصعوبات بين الرجل ورغبته، فمضى من فوره إلى الإمام. كان يقوده شعور قوي بالوفاء، وبأنه ~~ذاهب إلى غير رجعة ... # ليلى # في أيام النضال ms08 والأفكار والشمس المشرقة، تألقت ليلى في هالة من الجمال ~~والإغراء. # قال أناس: إنها رائدة متحررة. # وقال أناس: ما هي إلا داعرة. # ولما غربت الشمس وتوارى النضال والأفكار في الظل، هاجر من هاجر إلى دنيا الله ~~الواسعة. # وبعد سنين رجعوا، وكل يتأبط جرة من الذهب وحمولة من سوء السمعة. # وضحكت ليلي طويلا وتساءلت ساخرة: تري ما قولكم اليوم عن الدعارة؟ # الرحمة # البيت قديم وكذلك الزوجان. # هو في الستين وهي في السبعين. # جمعهما الحب منذ ثلاثين عاما خلت، ثم هجرهما مع بقية الآمال. # ولولا ضيق ذات اليد لفر العصفور من القفص. # يعاني دائما من شدة نهمه للحياة، وتعاني هي من شدة الخوف. # ويسلي أحلام يقظته بشراء أوراق اليانصيب لعل وعسى. # كلما اشتري ورقة غمغم: رحمتك يا رب. # فيخفق قلب المرأة رعبا وتغمغم: رحمتك يا رب. # البحث # لدى المساء قصد المدفن الذي يجتمع فيه مع بعض الأقران للسمر والمرح وتبادل أنات ~~الشكوى. وسأله أحدهم: كيف انتهى سعيك هذا اليوم؟ # فأجاب بفتور: كالأيام السابقة. # فقال آخر: إنك تضيع وقتك بين أوغاد، وعندنا أقصر طريق للرخاء. # فقال بامتعاض: وهو أقصر طريق إلى السجن أيضا! # فقال الآخر ساخرا: الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. # سؤال وجواب # سأل العجوز السيدة: معذرة يا صديقة العمر، لماذا تبذلين نفسك للهوان؟ # فأجابت بوجوم: من حقك علي أن أصارحك بالحقيقة؛ كنت أبيع الحب بأرباح وفيرة، فأمسيت أشتريه ~~بخسائر فادحة، ولا حيلة لي مع هذه الدنيا الشريرة الفاتنة. # التحدي # في غمار جدل سياسي سأل أحد النواب وزيرا: هل تستطيع أن تدلني على شخص طاهر لم يلوث؟ # فأجاب الوزير متحديا: إليك - على سبيل المثال لا الحصر - الأطفال والمعتوهين والمجانين؛ فالدنيا ما زالت ~~بخير ... # المليم # وجدت نفسي طفلا حائرا في الطريق. في يدي مليم، ولكني نسيت تماما ما كلفتني أمي ~~بشرائه. حاولت أن أتذكر ففشلت، ولكن من المؤكد أن ما خرجت لشرائه لا يساوي أكثر من مليم ... # دموع الضحك # قلت له: الحمد لله، لقد أديت رسالتك كاملة، وبلغت بأسرتك بر الأمان ms09 ، وانتزعت من وحش ~~الأيام أنيابه الضارية، فآن لك أن تخلد إلى الراحة والسكينة في الأيام القليلة ~~الباقية. # حدجني بارتياب وسألني: هل تذكر أيامنا الطاهرة في الزمان الأول؟ # قرأت هواجسه فقلت: ذاك زمان قد مضى وانقضى. # فقال بنبرة اعتراف: يا صديقي الوحيد، في عز النصر والرخاء، كثيرا ما بكيت الكرامة ~~الضائعة. # الحوار # رجع الأب إلى البيت فوجد الأبناء في انتظاره، أخرج حافظة نقوده متجهما وغمغم: الأب في زماننا شهيد. # فالتزموا الصمت. # ثم تفرقوا تفرق الشهداء. # المتسول # إنه يسبح في بحر الماضي فتغمره موجة مخضبة بلون قاتم، وصداها ينداح في نغمة حزينة لا ~~تتلاشي. # عندما يكون المرء في العشرين وجارته فوق الخمسين، وقد وهبته من الذكريات الحنان ~~والأمومة. # وفي خلوة بريئة تهل خواطر من عالم الرغبات المتوهجة. # وتند عن لمعة العين حرارة النداء. # يشكمه الحياء قليلا وشيء كالخوف. # يرافقه بعد ذلك الندم. # ويتسول النسيان. # الوحدة # لزق المنظر البشع بذاكرتها لا يتزحزح. منظر كف الضابط العمياء وهي تهوي على خد أبيها ~~العليل. وبقدر ما كانت تحب أباها وتقدسه، بقدر ما خاصمت كل شيء، نفسها والعالم من حولها. ~~وتتقدم بها السن وهي وحيدة ترمقها ثقوب الكون برثاء. # عيد الميلاد # ما أكثر ما يسير بلا هدف! وإذا التعب نال منه توقف، لكنه لا يكف عن مناجاة الأشياء ~~الثابتة والمتحركة. # في نهاية هذا العام يبلغ الثلاثين من عمره ... # سؤال بعد ثلاثين عاما # بعد انقطاع عشرين عاما عن حي الشباب، دعتني مناسبة إلى عبوره. لولا ما جاش في صدري من ~~عواطف نائمة ما عرفته في عمائره الجديدة وزحامه الصاخب. وثبتت عيناي على بيت قديم بقي ~~على حاله، فشعرت بابتسامة ترف على الروح والجسد. إنها اليوم وحيدة في الثمانين، وآخر ~~لقاء جمع بيننا بالمصادفة كان منذ ثلاثين عاما، حين أخبرتني بهجرة وحيدها إلى الخارج ~~بصفة نهائية. طويت مظلتي وقصدت الباب بعد تردد، وضغطت على الجرس. فتحت شراعة الباب عن وجه امرأة غريبة، فداريت ارتباكي بسؤال: ألا تقيم ست سامية هنا؟ # فأجابت بسرعة: نحن نقيم هنا منذ ثلاث سنوات ms10 ! # تحولت عن موقفي في حيرة، وذهبت إلى مشواري وأنا أتساءل: ترى أين هي؟ هل تقيم في حي ~~آخر؟ هل لحقت بابنها في الخارج؟ هل رحلت عن دنيانا دون أن نعلم رغم القربي؟ وهل يصلح ~~ذلك نهاية لذلك التاريخ المؤجج بالعواطف والأحلام؟ # وجمعني في نفس العام مأتم مع الباقين من الأسرة، فسألت أحدهم: ماذا تعرف عن ست سامية؟ # فرفع حاجبيه بدهشة، وقال: أعتقد أنها ما زالت تقيم في البيت القديم. # وجه من الماضي # رأيت ست نفوسة في المنام. ماذا جاء بك بعد غياب سبعين عاما بل يزيد؟ كانت طلعتك بهية، ~~وبشرتك صافية، وشعرك غزيرا. وكان بيتك يطل على النيل. وكنا نزورك كثيرا، وكنت أعتبر ~~أوقات زيارتك من أسعد الأوقات. ومن نافذة الحجرة كنت أغوص ببصري في الأمواج الهادئة ~~فيسبح حتى الشاطئ البعيد. # ولم يبق من الحلم إلا وجهك، وتساؤلي: ترى أما زالت على قيد الحياة؟ # أما وقائع الحلم فقد تلاشت بعد استيقاظي مباشرة. # المطر # دفعنا المطر إلى مدخل بيت قديم. في الخارج صوت انهلال المطر وهزيم الرعد، وفي الداخل ~~لون المغيب. وقفنا متقابلين في المدخل الضيق، وليس معنا إلا بئر السلم وأفكارنا الخفية. ~~قلت لنفسي: يا لها من امرأة! وسرحت هي في الجو البارد معتزة محتشمة. # قالت وكأنما تحدث نفسها: هذا المطر مقلب ما بعده مقلب. # فقلت وأنا حائر بخواطري: إنه رحمة للعالمين. # رجل الساعة # دائما هو قريب مني، لا يبرح بصري أو خيالي، يريق علي نظراته الهادئة القوية، من ~~وجه محايد فلا يشاركني حزنا أو فرحا. ومن حين لآخر ينظر في ساعته موحيا إلي بأن ~~أفعل مثله. أضيق به أحيانا، ولكن إن غاب ساعة ابتلاني الضياع. جميع ما لاقيت في حياتي ~~من تعب أو راحة من صنعه. وهو الذي جعلني أتوق إلى حياة لا توجد بها ساعة تدق. # الساحرة # مرت بي في خلوتي كالوردة اليانعة فوق الغصن النضير. وانهمرت ذكريات تلك الأيام ~~الباهرة. وذهلت لسرعة الزمن. وكنت شكوت إلى صديقي الحكيم بعض ما لقيت، فعقب على شكواي ~~قائلا: هل تنكر ms11 حظك من دفء الدنيا ونشوتها؟ # فعددت الحسنات إقرارا مني بفضل الوهاب، فقال: جميع تلك الحظوظ ثمرة لإعراضها. # وبعد صمت قصير سألني: ألا تذكر إثارة من إقبالها؟ # فقلت: نظرة رضا عابرة تحت النخلة! ~~- هل تذكر مذاقها؟ ~~- أطيب من جميع الحظوظ مجتمعة. # فقال بهدوء: لذلك أقول لك إنها سر الحياة ونورها. # شق الطريق # كنت أنتظر لصق جدار بالطريق الضيق المكتظ بالناس والدكاكين. في ذلك التاريخ كنت ~~معذبا في مقام الحيرة تتجاذبني رياح متضاربة. وجذبتني قوة خفية إلى ناحية ما، فرأيت ~~عجوزا وقورا يشع طيبة وصفاء. # أقبل نحوي حتى صار على بعد شبر مني، وهمس: إنها لا تساوي شيئا ... # أيقنت أنه قرأ هواجسي، وأنه يدعوني إلى قطع الروابط. # ارتجفت جوارحي وخفق قلبي بشدة. # وتبدى لي الإغراء في صورة حسناء لم أشهد لجمالها مثيلا من قبل. # لكني ترددت. # وفي تلك الآونة رجعت زوجتي حاملة قراطيس العطارة، جارة أبنائي الثلاثة. # وأفقت من غشيتي، وحملت الأصغر بين يدي، وتقدمت أسرتي أشق لها طريقا وسط ~~الزحام. # سر الرجل # كان يمر بمجالسنا وهو يصيح: إنها آتية لا ريب فيها. # ثم يمضي مهرولا فلا يبقى منه إلا منظر ثيابه المهلهلة ونظرته الشاردة. # ووقعت الكارثة ... # قوم قالوا: إنه ولي من الأولياء. # وقوم قالوا: ما هو إلا عميل من العملاء. # رجل يحجز مقعدا # بدأ الأوتوبيس مسيرته من الزيتون في نفس اللحظة التي انطلقت فيها سيارة رجل من مسكنه ~~في حلوان. # غيرت كل منهما سرعتها، أسرعت وأبطأت، وربما توقفت دقيقة أو أكثر تبعا لما لاقته في ~~سيرها من ظروف الطريق. # ولكنهما بلغا ميدان المحطة في وقت واحد، بل ووقع بينهما صدام خفيف، أتلف مصباح ~~الأوتوبيس، وكشط مقدم السيارة. # وكان رجل يمر فانحصر بين السيارتين، وسقط فاقد الحياة. # كان يعبر الميدان ليحجز مقعدا في قطار الصعيد. # هدية # في عزلة الشيخوخة وعجزها ينتشر التأمل مثل عبير البخور ... وقال لصاحبه العاكف على ~~العبادة وكأنه يعتذر: في زحمة هموم أسرتي ومطالب الشئون العامة ضاع عمري؛ فلم أجد وقتا ~~للعبادة. # في تلك الليلة زاره في المنام من ms12 أهدى إليه وردة بيضاء وهمس في أذنه: هدية لا يستحقها إلا العابدون الصادقون! # القبر الذهبي # رأيت في المنام قبرا ذهبيا قائما تحت أغصان شجرة سامقة مغطاة بالبلابل ~~الشادية. # وعلى صدره نقشت بأحرف جميلة واضحة كلمات تقول: «هنيئا لمن كانت نشأته في بوتقة الهجران». # الرسالة # عثرت يوما على وردة مطروحة تحت قدمي. لم تخل من إثارة ورونق، فالتقطتها. # وإذا بورقة مطوية مربوطة بخيط أبيض حول عودها الأخضر. بسطتها بفضول فقرأت: «تعال. ~~ستجدني كما تحب». # سرحت في ابتسامة وتساءلت: كيف أخطأت الرسالة هدفها؟ لماذا ألقي بها في التراب؟ # وهمت حينا في وادي الفروض والاحتمالات، ولكني أثنيت على الدنيا التي لا ينضب فيها ~~معين الحب. # ونسمت علي نسائم من الماضي البعيد، فخفق القلب بقدر ما أتيح له. # وفجأة تجاوزت ترددي القديم. # وعزمت على أن أبدأ الإجراءات ليكون لي مدفن في هذه المدينة المترامية. # النداء # أحيانا يظهر لي بوجهه الجميل فيلقي إلي نظرة رقيقة ويهمس: «اترك كل شيء واتبعني.» # قد يلقاني وأنا في غاية الإحباط، وقد يلقاني وأنا في نهاية السرور، ودائما ينتزع من ~~صدري الطرب والعصيان. # وكلانا لم يعرف اليأس بعد. # المنشود # في غمار شيخوخة وعزلة وأفكار يقطر منها ماء الورد، ترددت أنفاس الوعد المنشود، ودق الجرس على غير توقع، وجاءت الجارة مستأذنة. # واندمجت فيما أنا مندمج فيه حتى آمنت بأنها الوعد المنشود. # الغوص في الماء # شهد ذات ليلة خسوف القمر. وتلقى من تعاسته المتوارية خلف الغلالة المظلمة كآبة قطعت ~~ما بينه وبين الأشياء. لم يعد يأنس لشيء، واحتار الأطباء فيه. ونصح بالهجرة إلى مكان ~~ناء لتغيير المنظر والمخبر. ذهب يائسا يتجول على شاطئ البحر. وعلى بعد رأى شمسية ~~تستكين فيها امرأة شبه عارية غاية في الجمال والسكينة. انجذب نحوها كأول شيء يلقاه، فلا ~~يبعث في نفسه الكآبة والوحشة، وشعر بأنها ترحب به دون كلمة أو حركة فاستخفه الطرب. ~~وقامت متوجهة نحو الماء، فتجرد من ثيابه وتبعها. وغاصا في الماء معا دون أن يلقيا على ~~ما وراءهما نظرة واحدة. # التوبة # مرت أمامي الجميلة ms13 الفاتنة وهي تتأود وتتنهد، فلم ألتفت إليها. # نعمت في ذلك الوقت الجاف بإرضاء كبرياء الزهد والإعراض عن مغريات الدنيا. # وثبت إلى طبيعتي في ليلة قمرية ذات بهاء. # وسعيت وراء الجميلة الفاتنة وأنا مشفق من العقاب، ولكنها تلقتني بابتسامة وقالت: ~~لتهنأ بمصيرك فإنني أقبل التوبة. # التسبيح # في وضح النهار والحارة تموج بأهلها من النساء والرجال والأطفال، والدكاكين على الصفين ~~تستعد لاستقبال الزبائن. # في وضح النهار سقط رجل ضعيف ضحية لعملاق جبار. # وشاهد الناس الجريمة، وتواروا في برج الخوف. # لم يشهد منهم أحد، ومضى القاتل آمنا. # وشهد الدرويش الحادث، ولكنه لم يسأل للاعتقاد الراسخ في بلاهته. # وغضب الأبله غضبا كونيا؛ فعزم على الانتقام من الجميع. # كلما واتته فرصة قضى على رجل أو امرأة وهو يسبح لله. # النصيحة # كان لنا جار من المريدين، وكان يدعو شيخه كل ليلة خميس لإقامة الذكر والإنشاد. # وكنت أقف مع الصبية المتجمعين وراء المدعوين المتربعين على الأبسطة. # وكان الذكر يمتعنا والإنشاد يطربنا. # ومرة سأل الشيخ سائل من المريدين: نراك وجيها في منظرك، بادي الصحة والعافية، تحب الأكل والشرب، ولست كالشيوخ ~~الزاهدين! # فقال الشيخ بصوت سمعه الجميع: نحن قوم نعمل لنرتزق ولا نتسول. نقبل على دنيا الله ولا ~~نعرض عنها. قرة أعيننا في العشق والسكر، وسياحتنا الليلية من التأمل والذكر. # الدرس # كنت منطلقا مهرولا لأشهد حلقة الذكر. مررت في طريقي بعجوز رث الملبس، تعيس المنظر ~~وهو يبكي. صرفت نفسي عن الانشغال به أن يفوت علي قصدي. ولما احتل الشيخ مكانه وسط ~~حلقة الذكر، نظر فيما حوله حتى وقع بصره علي، فأومأ إلي لأقترب منه، ومال على أذني ~~هامسا: أهملت العجوز الباكي فأضعت فرصة للخير لن تحظى بمثلها باستماعك إلى درسي اليوم ... # ليلة القدر # زينا حجرة الاستقبال بالورود، وتسلل البخور من نوافذ بيتنا إلى عرض الطريق، ~~وأعددنا من أسباب السرور ما يلذ السمع والبصر والذوق. # وأملنا كالآخرين أن ينزل الشيخ في ضيافتنا ويسهر عندنا ليلة القدر. واستغرق والداي في ~~التلاوة، وجعلت أذهب وأجيء بين النافذة والباب المفتوح. # وفجأة تعالت في ms14 جلال الليل زغرودة من بيت أحد الجيران. # وتبادلنا نظرات الأسى في صمت. # وقال أبي متنهدا: لا يريد الحظ أن يبتسم بعد. # همسة عند الفجر # في مرحلة حاسمة من العمر، عندما تسنم بي الحب ذروة الحيرة والشوق، همس في أذني صوت عند ~~الفجر: هنيئا لك فقد حم الوداع. # وأغمضت عيني من التأثر، فرأيت جنازتي تسير وأنا في مقدمها أسير، حاملا كأسا كبيرة ~~مترعة برحيق الحياة. # الهجر # لم أشعر بأنه مات حقا إلا في مأتمه. # شغلت المقاعد بالمعزين، وتتابعت تلاوة القرآن الكريم. وانهمك كل متجاورين في حديث، ~~فذكرت حوادث لا حصر لها، إلا الراحل فلم يذكره أحد. # حقا لقد غادرت الدنيا أيها العزيز، كما أنها قد غادرتك. # البلهاء # كانت الخادمة بلهاء ويدعونها الشيخة. وكانت الست وحيدة في الحلقة السادسة. وكان البيت ~~يضطرب أحيانا تحت وطأة الرغبة. وتسلل الاضطراب إلى روح الخادمة البلهاء؛ فاستحوذت عليها ~~الكآبة. وسألتها الست وكانت تعطف عليها: ما لك يا شيخة؟ # فأجابت بتأفف: أنا ذاهبة ... # فانزعجت الست وتساءلت: وتتركينني وحدي يا شيخة؟! # فقالت بحدة: لست وحدك يا فاجرة. # الطاهر # رأت الشيخة رجلا حائرا وهي تسير في السوق بجلبابها الأبيض وخمارها الأخضر ~~فسألته: عم تبحث يا رجل؟ # فأجاب بصبر نافد: أبحث عن ماء طاهر. # فقالت بلهجة لم تخل من عتاب: لا يوجد ما هو أطهر من عرق المرأة. # الحياة # أجبرتني ظروف الحياة يوما لأكون قاطع طريق. وبدأت أولى ممارساتي في ليلة مظلمة، ~~فانقضضت علي عابر سبيل. # وارتعب الرجل بشدة شارفت به الموت، وهتف برجاء حار: خذ جميع ما أملك حلالا لك، ولكن لا تمس حياتي بسوء. # ومنذ تلك اللحظة وأنا أحوم بروحي حول سر الحياة! # في الحجرة الواسعة # في المنام رأيتني في حجرة واسعة عالية السقف، خالية من الأثاث عدا مائدة مستديرة في ~~الوسط حولها كرسيان متقابلان. جلست على كرسي، وجلس على الآخر صديق حميم، وأمام كل منا ~~فنجان قهوة. وثمة باب يفضي إلى حجرة أخرى مظلمة جدا، لا أدري شيئا عما ~~بداخلها. # وقال صديقي: علينا أن ننجز المهمة. # فقلت ms15 موافقا: لا بد من إنجازها. # وفجأة قام صديقي فمضى نحو الحجرة المظلمة واختفى، وتبين لي بعد ذهابه أن القهوة اختفت ~~من فوق المائدة، فناديت عليه. # لم أسمع ردا، ولكن ظهر شخص غريب فجلس مكانه، وقد لفت انتباهي بعباءته البيضاء. ورغم ~~أنني لم أكن أعرفه، فإنني قلت لنفسي إن وجوده خير من عدمه. أما هو فقد وضع أمامه كأسا، ~~وكأسا أمامي، وقال: لنشرب نخب الضوء والظلام. # فرفعت الكأس لأشرب، ولاحت مني التفاتة إلى داخلها، فرأيت وجه صديقي الغائب يرنو إلي، ~~فارتعشت يدي وقلت للجالس أمامي: لا بد من إنجاز المهمة. # اللحن # في حلم ثان وجدتني في حجرة متوسطة يضيئها مصباح غازي يتدلى من سقفها. في ركن منها ~~جلس جماعة من الرجال والنساء على شلت متقابلة، يتسامرون ويضحكون بأصوات مرتفعة. لم يكن ~~في الجدران باب ولا نافذة إلا فتحة صغيرة في اتساع عين منظار، مرتفعة بعض الشيء، فلم أر ~~منها إلا سماء تتواري وراء المساء. شعرت برغبة شديدة في العودة إلى أهلي وداري، ولم ~~أدر كيف يمكن أن يتيسر لي ذلك، وسألت السمار: أكرمكم الله، كيف أستطيع الخروج من هنا؟ # فلم يلتفت إلي أحد، وواصلوا السمر والضحك. وغزت الوحشة أعماقي. عند ذاك لاح من خلال ~~الفتحة وجه غير واضح المعالم وقال لي: إليك هذا اللحن، احفظه مني جيدا، وترنم به عند ~~الحاجة، وستجد فيه الشفاء من كل هم وغم. # الفتنة # كنت أتمشى عند الباب الأخضر، فصادفت درويشا منتحيا جانبا بامرأة. كانت وسيطة ~~العمر، ريانة الجسم، فواحة الأنوثة، محتشمة النظرة. # ولما اقتربت منهما سمعتها تقول: يا سيدنا، إني أرملة، أعيش مع شقيقتي، مستورة والحمد ~~لله، ولكني أخاف الفتنة. # فقال لها: أدي الفرائض. # فقالت بصدق: لا تفوتني فريضة. # وأضافت: وأسمع تلاوة القرآن لدى كل فرصة. # فقال: لن يمسك الشيطان. # فقالت: ولكني أخاف الفتنة. # المعركة # رجعت إلى الميدان بعد زيارة للمشهد الحسيني. رأيت زحاما يحدق براقصة وزمار. الزمار ~~يعزف، والراقصة تتأود لاعبة بالعصا، والناس يصفقون، والوجوه تتألق بالسرور والنشوة. فكرت ~~غاضبا كيف أفض الجمع، ولكن ms16 في لحظة نور رأيت في مرمى الزمن الجميع وهم يهرولون نحو ~~القبر، كأنهم يتسابقون حتى لم يبق منهم واحد. # عند ذاك وليتهم ظهري وذهبت. # الأضواء # استعدت الكاميرا في موقعها، وضبطت الأضواء، وأشار المخرج ببدء التصوير. # تلاقي حبيبان ودار حوار. انتهى تصوير اللقطة. # همس الموزع للمنتج وهما يجلسان على مبعدة يسيرة وراء الكاميرا: لن تصلح لأدوار الحب بعد اليوم. قلبي معها ... # أشعلت الممثلة سيجارة لتريح أعصابها من عناء التمثيل. # ووقف المؤلف في زاوية بعيدا عن الأضواء يصغي ويتابع، لا يبالي به أحد. # على مائدة الرحمن # عمرت مائدة الرحمن بالصائمين. ولما ترامى إليهم الأذان تأهبوا وبسملوا، وهتف رجل ذو ~~شأن: طعامنا حرام على من بقلبه زيغ. # وندت عن رجل ضحكة عالية لفتت إليه الأنظار. # أمسك عن الضحك وقال: عندي غذاء أجمل فأصغوا إلي. # ولكنهم أقبلوا على الطعام وهم يسخرون من الرجل. # ولما امتلأت البطون وثقلت الأجفان؛ فغفوا إغفاءة قصيرة، ورأوا في نومهم عالما يفتن ~~ويسحر. ولما استيقظوا توجهوا نحو الرجل الضاحك، فلم يجدوا له أثرا. # وترك الغائب في كل قلب لوعة ... # البلياردو # جلست في ركن المقهى الذي تقوم فيه مائدة البلياردو. # وجاء رجل نشط وراح يلاعب نفسه فيرمي الكرة مرة، ويرد في الأخرى. # وقلت له بأدب: هل تسمح لي أن ألاعبك؛ فهو أجلب للمتعة. # فقال دون أن ينظر إلي: بل المتعة أن ألعب وحدي وأن يتفرج الآخرون. # ونظرت حولي فرأيت جميع الزبائن يغطون في النوم. # اللؤلؤة # جاءني شخص في المنام ومد لي يده بعلبة من العاج قائلا: تقبل الهدية. # ولما صحوت وجدت العلبة على الوسادة. # فتحتها ذاهلا، فوجدت لؤلؤة في حجم البندقة. # بين الحين والحين أعرضها على صديق أو خبير وأسأله: ما رأيك في هذه اللؤلؤة الفريدة؟ # فيهز الرجل رأسه ويقول ضاحكا: أي لؤلؤة؟ العلبة فارغة ... # وأتعجب من إنكار الواقع الماثل لعيني. # ولم أجد حتى الساعة من يصدقني. # ولكن اليأس لم يعرف سبيله إلى قلبي. # المصادفة # تحت التمثال تقابلنا مصادفة. # توقفت عن السير. إنه يبتسم، وأنا أرتبك. صافحته بالإجلال الذي يستحقه فسألني ms17 : كيف الحال؟ # فأجبت بأدب وحياء: الحمد لله، فضلك لا ينسي ... # فقال بصوت لم يخل من عتاب رقيق: حسن أن تعتمد على نفسك، ولكن خيل إلي أنك ~~نسيتني! # فقلت بحياء: لا أحب أن أثقل عليك، ولكن لا غنى عنك بحال. وافترقنا وقد أثار شجوني ... تذكرت عهدي الطويل معه عندما كان كل شيء في حياتي، كما ~~تذكرت فضله وأياديه. تذكرت أيضا أطواره الأخرى مثل إعراضه وجفائه ولا مبالاته دون ~~تفسير يطمئن إليه القلب. # رغم كل شيء اعتبرت اللقاء مصادفة سعيدة. # الحنين # كنت ألقاه في الخلاء وحيدا يحاور الناي، ويعزف لجلال الكون. # قلت له يوما: ما أجدر أن يسمع الناس ألحانك. # فقال بامتعاض: إنهم منهمكون في الشجار والبكاء! # فقلت مشجعا: لكل امرئ ساعة يحن فيها إلى الخلاء. # الطاعة # لم ترفض في حياتها طلبا أو تتجاهل إشارة. # وكانت تلبي نداء الشوق دون مبالاة بالثمن. # وأنذرها منذر بسوء العاقبة. # ولكنها كانت شديدة الإيمان بالغفور الرحيم. # ساعة الحساب # جلس يتناول طعامه في المطعم الصغير بهدوء وشهية. # ذو مظهر مقبول ووجه مرهق. # ولما حان وقت الحساب قال لصاحب المطعم: لا تؤاخذني ليس في جيبي مليم واحد، وكنت ~~جائعا لحد الموت. # بهت الرجل ولم يدر ماذا يصنع. # وكأنه حرص على أن تبقى الواقعة سرا لا يدري به أحد. # الغفلة # كالعصافير يمرحون في كنف الوالدين. البيت صغير والرزق محدود، ولكنهم لم يتصوروا ~~نعيما يفوق النعيم الذي ينعمون به. وتمادي يوم حار من أيام الصيف بأنفاسه المحملة ~~بالرطوبة، فهتفت عصفورة: أف ... متى يجيء الخريف؟ # وغمغم وهو يراقبهم من بعيد: لماذا تفرطون في الأيام المتاحة الطيبة؟ # دعابة الذاكرة # رأيت شخصا هائلا ذا بطن يسع المحيط، وفم يبلع الفيل، فسألته في ذهول: من أنت يا سيدي؟ # فأجاب باستغراب: أنا النسيان، فكيف نسيتني؟ # البلاغة # قال الأستاذ: البلاغة سحر. # فأمنا على قوله ورحنا نستبق في ضرب الأمثال. # ثم سرح بي الخيال إلى ماض بعيد يهيم في السذاجة. # تذكرت كلمات بسيطة لا وزن لها في ذاتها مثل: أنت ... فيم تفكر؟ طيب ... يا لك من ماكر ms18 ! ... # ولكن لسحرها الغريب الغامض جن أناس ... وثمل آخرون بسعادة لا توصف ... # الطرب # يا له من زمن؛ زمن الطرب! # ترسل الحناجر الذهبية أنغامها فتنتشر النشوة كالشذا الطيب النفاذ. # وتتخلق في هالة الطرب امرأة جميلة تعشقها القلوب البيضاء، ولكنها لا تعثر لها على أثر ~~في غير دنيا الطرب ... لقد اختارت قلب الطرب مقاما لها لا تبرحه. # على الشاطئ # وجدت نفسي فوق شريط يفصل بين البحر والصحراء. شعرت بوحشة قاربت الخوف. وفي لحظة عثر ~~بصري الحائر على امرأة تقف غير بعيدة وغير قريبة. لم تتضح لي معالمها وقسماتها، ولكن ~~داخلني أمل بأنني سأجد عندها بعض أسباب القربى أو المعرفة. ومضيت نحوها، ولكن المسافة ~~بيني وبينها لم تقصر ولم تبشر بالبلوغ. ناديتها مستخدما العديد من الأسماء والعديد من ~~الأوصاف؛ فلم تتوقف ولم تلتفت. # وأقبل المساء، وأخذت الكائنات تتلاشى، ولكنني لم أكف عن التطلع أو السير أو ~~النداء. # سر النشوة # حلمت بأنني صحوت من نوم ثقيل على أنفاس رقيقة لامرأة آية في الجمال، رنت إلي بنظرة ~~عذبة وهمست في أذني: إن الذي أودع في سر النشوة المبدعة قادر على كل شيء، فلا تيأس أبدا. # الانبهار # ذاع عنه أنه عالم بكل شيء. وقصدته الجموع في ركن الطريق الذي يجلس على أريكة فيه. ~~وقال وسيط خير: لا وقت للأسئلة السهلة. هاتوا ما لديكم من أسئلة مستعصية. # وانهالت عليه الأسئلة المستعصية حقا. # وساد صمت عميق ليسمع كل الجواب الذي يعنيه. # لم أر حركة تدب في شفتيه، ولم أسمع صوتا يند عن فيه. # ورجعت من عنده وسط جموع قد انبهرت بما سمعت لحد الجنون ... # الذكرى # في يوم السوق بحارتنا، اخترقت الجموع امرأة عارية تتهادي، تسير في ترفع، وتذيب مفاتنها ~~الصخور. # كف الناس عن البيع والشراء ووقفوا ينظرون بأعين ذاهلة. كذلك مضت حتى غيبها المنعطف ~~الأخير، وأفاق الناس من ذهولهم فركبتهم حال جنون، واندفعوا نحو المنعطف. فتشوا في كل ~~مكان، ولكنهم لم يعثروا لها على أثر. # كلما خطرت ذكراها على القلوب أكلتها الحسرة ... # الندم # حملت إلي أمواج الحياة المتضاربة امرأة ms19 ، ما إن رأيتها حتى جاش الصدر بذكريات الصبا. ~~ولما ذابت حيرة اللقاء في حرارة الذكريات سألتها: هل تتذكرين؟ # فابتسمت ابتسامة خفيفة تغني عن الجواب. # فقلت متهورا: التذكر يجب أن يسبق الندم. # فسألتني: كيف تجده؟ # فقلت بحرارة: ذو ألم كالحنين ... # فضحكت ضحكة خافتة، ثم همست: هو كذلك، والله غفور رحيم! # المعركة # في عهد الصبا والصبر القليل، نشبت خصومة بيني وبين صديق. اكتسح طوفان الغضب المودة، ~~فدعاني متحديا إلى معركة في الخلاء حيث لا يوجد من يخلص بيننا. ذهبنا متحفزين. وسرعان ~~ما اشتبكنا في معركة ضارية حتى سقطنا من الإعياء، وجراحنا تنزف بغزارة. # وكان لا بد من أن نرجع إلى المدينة قبل هبوط الظلام. # ولم يتيسر لنا ذلك دون تعاون متبادل. # لزم أن نتعاون لتدليك الكدمات، ولزم أن نتعاون على السير. # وفي أثناء الخطو المتعثر، صفت القلوب، ولعبت البسمات فوق الشفاه المتورمة. # ثم لاح الغفران في الأفق. # حوار الأصيل # إنه جارنا فنعم الجيرة ونعم الجار. # عند الأصيل يتربع على أريكة أمام الباب متلففا بعباءته. # بذلك يتم للميدان جلاله وللأشجار جمالها، وعندما تودع السماء آخر حدأة يرجع أبناؤه ~~الثلاثة من أعمالهم. # وعشية السفر إلى الحج نظر في وجوههم وسألهم: ماذا تقولون بعد هذا الذي كان؟ # فأجاب الأكبر: لا أمل بغير القانون. # وأجاب الأوسط: لا حياة بغير الحب. # وأجاب الأصغر: العدل أساس القانون والحب. # فابتسم الأب وقال: لا بد من شيء من الفوضى كي يفيق الغافل من غفلته. # فتبادل الإخوة النظر مليا، ثم قالوا في نفس واحد: الحق دائما معك! # الرحلة # بقضاء لا راد له حملني الإذعان إلى أرض الغربة. # وعلمت أن الواقعة آتية لا ريب فيها، غدا أو بعد غد. # انتظر قليلا ولا تتعجل المجهول. # وقال الطيبون: لا تخف فقد سبقناك في نفس الطريق. # تنبسط أمامي حديقة مترعة بالحسن، وتذهب الفاتنات وتجيء. # ودعيت للغناء، ولكني شغلت بالخواطر، والهواجس. # وانتزعت حواسي لاجتياز الغابة الدامية. # لم يبق لي منها إلا ذكريات أشباح وأصداء كوابيس خانقة، وأثر باق لمعركة ~~طاحنة. # وقالوا: آن لك التجوال في رياض ms20 الشمال. ولكن قلبي نازعني إلى الملعب بين السبيل ~~والتكية. # وصلت وأنا ألهث. # الوجه والإهاب والنظر، كل شيء تغير. # وتلقاني الأحبة، ومن حولهم ترامى الجليل بهوائه وضجيجه. # وقال لي قلبي: استقر في ظله، وليحفظه الصمد. # الشذا # نظر إلى الوراء طويلا فلم يبق منه إلا ما يبقى من الورد بعد جفافه؛ اللهو وصفاء ~~الأحلام ودفء السيدة الحنون. # هي دائما كبيرة، ولكن لا تجوز عليها الشيخوخة، ودائما تلهج بالدعاء. # وتعرض ثقب الظلام ناشرا لواء الفراق. # وتحرك طابور الوداع، وتأوه العريس الذي لم يتم زفافه. # وتلاشت وجوه الحب، وعبق الجو بالشذا الطيب. # الثابت والمتغير # ذهبوا إلى السوق، وبقيت في البيت وحدي. # وجاءت صغيرة ذات ضفيرتين تتضوع منها رائحة القرنفل، تحمل طبقا فارغا، مرسلة من ~~قبل أمها بمهمة خاصة. # ولما لم تجد أمي همت بالذهاب، ولكني دعوتها للانتظار، فانتظرت. # وذاب المتسوقون في السوق، وزقزقت العصافير طويلا، يظهرها الصيف ويخفيها ~~الشتاء. # وقلت لها لأملأ الزمن: تخففي من ثيابك فهو أطيب لك. # فقالت بحياء: عندما يحين الموسم. # وهكذا جمعنا الزمان والمكان والشوق. # أما الزمان والمكان فلا ثبات لهما، وأما الشوق فلا يورث إلا الحزن. # المهمة # قالت لي أمي: اذهب إلى جارتنا وقل لها هاتي الأمانة. # فسألتها وأنا أهم بالذهاب: وما الأمانة؟ # فقالت وهي تداري ابتسامة: لا تسأل عما لا يعنيك، ولكن احفظها عندما تتسلمها كأنما هي ~~روحك. # وذهبت إلى جارتنا وبلغتها الرسالة، فحركت أعضاءها لتطرد الكسل، وقالت: يجب أن ترى بيتي ~~قبل ذلك. # وأمرتني أن أتبعها، ومضت أمامي وهي تتبختر. # وانقضى الوقت مثل نهر جار. # وكانت أمي ترد على خاطري أحيانا، فأتخيلها وهي تنتظر. # في العاصفة # زلت قدمي في ليلة عاصفة ممطرة، فآويت إلى دكان عطار. وسألت العطار: متى تهدأ العاصفة؟ # فأجاب بهدوء: ربما بعد دقيقة واحدة، وربما استمرت حتى مساء الغد. # ولمحت على ضوء مصباح الدكان شخصا يهرول في الخارج، ناشرا فوق رأسه مظلة سوداء. شعرت ~~بأنني لا أراه لأول مرة رغم أنني لا أعرفه، والحق أنني لم أرتح إليه. وقال له العطار: لا لوم على ms21 من يؤثر السلامة في هذه الليلة. # فقال الرجل وهو يمضي دون توقف: أنا لا أخلف المعياد. # وجاءت سيدة جميلة لتلوذ بالدكان، فنسينا الرجل ومظلته. # الظاهر أن المرأة رأت أن تنتهز الفرصة لتتسوق فسألت العطار: هل عندك دواء للوساوس والأرق؟ # فأشار الرجل إلى برطمان وقال: ليس في الدنيا ما هو أجمل من الصحة وخلو البال. # المخبر # كنت أتأهب للنوم عندما طرق الباب طارق. فتحت الشراعة فرأيت شبحا يكاد يسد الفراغ ~~أمام عيني وقال: مخبر من القسم. # ومد لي يده ببلاغ يأمرني بالحضور مع المخبر لأمر هام. # أصبح من المألوف في حينا أن يذهب هذا المخبر إلى أي ساكن لاستدعائه. يذهب في أي وقت ~~ودون مراعاة لأي اعتبار، ولا مناص من التنفيذ ولا مفر. # ولم أجد جدوى في المناقشة؛ فرجعت إلى غرفة نومي لارتداء ملابسي. # سرت في إثره دون أن نتبادل كلمة واحدة. # ولمحت في النوافذ أشباح الناس يتابعوننا ويتهامسون. # وإني أعرف ما يتهامسون به؛ فقد طالما فعلت ذلك وأنا أتابع السابقين. # الريح تفعل ما تشاء # قد ضجرت الساعة من دقة عقاربي في الزمان الأول. # وعقدت حبال العزيمة حول ذراع الأمان ونمت. # ولكن حملتني ريح الغربة فوق السحاب صادعة بأمر المجهول. # لم يكن في نيتي ما أفعل، ولا فعلت ما كنت نويت. وأيقظني رفيقي الرقيق من غفوتي قائلا: ~~غدا نسفك الدماء. # فقلت مشهدا الكون على استسلامي المطلق: لتكن مشيئة الله. # المرشد والبائعة # من أول يوم اكتشفت أن عملي في المنطقة يحتم علي التجوال المستمر في أنحائها. سألت ~~عن مرشد طريق فدلوني على رجل يقيم بالدرب الأحمر، تبين لي أنه أعمى، ولكن أهل الحل ~~والعقد أكدوا لي صدق فراسته وعمق خبرته، وحفظه زوايا الحي عن ظهر قلب. # وتأبطت ذراعه فسار بي بقدمين ثابتتين، وسرعان ما وثقت به وآنست إليه. # كان يمكن أن أبقى معه وحده حتى نهاية العمر، لولا أن صادفتنا ذات يوم بائعة خبز ذات ~~حسن، فودعت مرشدي وسرت معها. وتجمعني الطريق أحيانا بمرشدي القديم، فأحييه بوجد، ولكنه ~~يرد علي بفتور ويمضي ms22 كل في سبيله. # وربما حلا لنا في بعض أوقات الفراغ أن نذكره في سياق الدعابة والعبث، ولكن هيهات أن ~~ينكر عاقل فضله. # سلم نفسك # خطر على بالي فتفجر قلبي بالشوق. ذهبت إلى مسكنه في آخر مساكن الضاحية المحفوفة ~~بالحقول. رحب بي بود قائلا: مضى عمر على آخر زيارة، ولكنك جئت في وقت مناسب. # قال ذلك وهو يشير إلى خوان قصير، وضعت عليه صينية بالعشاء المكون من سمك مشوي، وزيتون ~~مخلل، وخبز ساخن. # ودعاني للعشاء فجلست. # وما كدنا نبسمل حتى ترامى إلينا صوت من مكبر يصيح: سلم نفسك. # وثب إلى مفتاح الكهرباء فأغلقه، فساد الظلام. وسرعان ما انهال علينا الرصاص من جميع ~~الجهات كالمطر. # وقلت لنفسي وأنا أرتعد من الرعب: سعيد من يستطيع أن يسلم نفسه. # بعد الخروج من السجن # غص البهو بطلاب الحاجات. # جلسنا نتبادل النظر في قلق، ونمد البصر إلى الباب العالي المفضي إلى الداخل، المغطى ~~بجناحي ستارة عملاقة خضراء. # متى يبتسم الحظ ويجيء دوري؟ متى أدعى إلى المقابلة فأعرض حاجتي وأتلقى الرجاء؟ الباب ~~مفتوح لا يصد قاصدا، ولكن لا يفوز باللقاء إلا أصحاب الحظوظ. # على ذاك تمضي الأيام، فأذهب بصدر منشرح بالأمل، ثم أعود كاسف البال. # وخطر لي خاطر: لماذا لا أختفي في مكان في الحديقة، حتى إذا انفض السامر وخرج الرجل ~~لرحلته المسائية، رميت بنفسي تحت قدميه؟ # لكن الخدم انتبهوا لتسللي، وساقوني إلى القسم، ومن القسم إلى السجن، فألقيت في ~~ظلماته. # عبثا حاولت تبرئة ساحتي. # كيف أذهب طامعا في وظيفة شريفة، فينتهي بي المآل إلى السجن؟ # وانتهى إلينا التهامس بأن الرجل الجليل سيزور السجن، ويتفقد حاله، ويستمع إلى شكاوى ~~المظلومين. # عجبت أن يتيسر لي في السجن ما تعذر في الحياة. # وهذه حاجتي إلى عطفه تشتد وتتضاعف. # وأحنيت رأسي بين يديه وقصصت قصتي. # لم يبد عليه أن صدق، ولم يبد عليه أنه كذب. # قلت بضراعة: كل ما أتمنى أن يسمح لي باللقاء بعد الخروج من السجن. # فقال بصوت هادئ وهو يهم بالسير: بعد الخروج من السجن! # النهر # في ms23 دوامة الحياة المتدفقة جمعنا مكان عام في أحد المواسم. # من تلك العجوز التي ترنو بنظرة باسمة؟ # لعل الدنيا استقبلتنا في زمن متقارب. # واتسعت ابتسامتها، فابتسمت رادا التحية بمثلها. # سألتني: ألم تتذكر؟ # فازدادت ابتسامتي اتساعا. # قالت بجرأة لا تتأتى إلا للعجائز: كنت أول تجربة لي وأنت تلميذ ... # وساد الصمت لحظة، ثم قالت: لم يكن ينقصنا إلا خطوة! # وتساءلت مذهولا: أين ضاعت تلك الحياة الجميلة؟! # حديث من بعيد # في حارتنا بيت مسكون لا يقربه أحد؛ فهو مغلق الباب والنوافذ، مستسلم لعوامل ~~البلى. # أمر به فلا أصدق عيني وأقول لنفسي: ما هي إلا أسطورة من أساطير الأولين. # وفاجأني المطر يوما وأنا أمر أمام بابه، وأسخر منه كعادتي، وإذا بصوت يتهادى إلي ~~هادئا: إن كنت في شك، بت ليلة في البيت؛ يأتك البرهان بلا وسيط. # ركبني الرعب وانعقد لساني. # وتذكرت ما قرأت عن عالم الأرواح، فقال الصوت: كن مع العقل وإلا تعرضت لتجربتنا ~~القاسية. # واشتد المطر، فسكت الصوت كأنما قد ذاب فيه. # فيلسوف صغير جدا # يطاردني الشعور بالشيخوخة رغم إرادتي وبغير دعوة. لا أدري كيف أتناسى دنو النهاية ~~وهيمنة الوداع. تحية للعمر الطويل الذي أمضيته في الأمان والغبطة. تحية لمتعة الحياة في ~~بحر الحنان والنمو والمعرفة. # الآن يؤذن الصوت الأبدي بالرحيل. ودع دنياك الجميلة واذهب إلى المجهول. وما المجهول ~~يا قلبي إلا الفناء. دع عنك ترهات الانتقال إلى حياة أخرى. كيف ولماذا وأي حكمة تبرر ~~وجودها؟ أما المعقول حقا فهو ما يحزن له قلبي. الوداع أيتها الحياة التي تلقيت منها ~~كل معنى، ثم انقضت مخلفة تاريخا خاليا من أي معنى. ~~«من خواطر جنين في نهاية شهره التاسع». # أصل الحكاية # الست في الشرفة ترنو إلى أسفل من وراء الخصاص بعينين ملؤهما اليقظة والحنان. الصبي ~~يلعب أسفل البيت ويغني. وبين الحين والحين يمضي إلى حارة من الحارات التي تصب في جوانب ~~الميدان آتية من أنحاء المدينة المترامية. وعند المغيب ينتزع الصبي نفسه من دنيا اللعب ~~والسياحة ويدخل البيت. # ولم يدم الحال على ذلك طويلا. # خلت الشرفة ms24 من الحنان. # وأدخل الصبي داخل حارة فلم يرجع. # المتنبئ # دعينا إلى سهرة في بيت صديق. وجلسنا حوله في الحديقة الصغيرة يسكرنا شذا زهر ~~البرتقال. # وحدثنا الصديق عن مشروع قيم لعلنا نسهم فيه. ولمحت على ضوء عود ثقاب زميلا غائبا عن ~~وجودنا في دنيا أحلامه، فلمسته بكوعي، ولكنه لم يلتفت نحوي. # وفي طريق العودة قلت له: يقينا أنك لم تسمع كلمة مما قال صاحبنا. # فقال ببساطة مثيرة: قلبي حدثني بأنه سيرحل عن دنيانا قبل طلوع الشمس! # العجب أن صاحب المشروع رحل حقا قبل شروق الشمس. # أما الأعجب فهو أن الصديق الآخر الذي تنبأ رحل عند الفجر. # ومن يومها كلما جاد الزمان بساعة طيبة، أبيت أن أغيب عنها بشيء مضى أو بشيء ~~آت. # شكوى القلب # ثقل قلبي بعد أن أعرض عني الزمن، وراح الطبيب يبحث عن سر علته في صورته التي طبعتها ~~الأشعة. تأملته بفضول حتى خيل إلي أنه يراني كما أراه، وأنا نتبادل النظر. وجالت ~~أيضا نظرة عتاب في عينيه، فقلت له كالمعتذر: طالما حملتك ما لا يطاق من تباريح ~~الهوى. # فإذا به يقول: والله ما أسقمني إلا الشفاء. # السر # طالما سمعت الحكايات عن الملاك المتجسد في صورة امرأة. وكم بحثت عنه في الميادين ~~والطرق والحواري وأنا أقول لنفسي: إن رؤيته تضارع رؤية النور في ليلة القدر! # وفي ليلة الموسم المباركة سمعت همسا بأنه سيمر عند السبيل حين سطوع القمر. وتجولت ~~حول السبيل بنية العاشق وعزيمة البطل. وإذا بامرأة تلوح لفترة قصيرة، فاقتحمني وجهها ~~السافر الملائكي وغمرني بالهيام والنشوة، ولكني لم أسع وراءها لعلمي باستحالة العبور ~~من دنيا البشر إلى دنيا الملائكة. # عند ذاك انكشف لي سر حبي الأول. # ملخص التاريخ # أحببت أول ما أحببت وأنا طفل، ولهوت بزمني حتى لاح الموت في الأفق. وفي مطلع الشباب ~~عرفت الحب الخالد الذي يخلفه الحبيب الفاني. وغرقت في خضم الحياة. ورحل الحبيب. واحترقت ~~الذكريات تحت شمس الظهيرة. وأرشدني مرشد في أعماقي إلى الطريق الذهبي المفروش ~~بالمعاناة، والمفضي إلى الأهداف المراوغة. فطورا يلوح السيد ms25 الكامل، وطورا يتراءى ~~الحبيب الراحل. # وتبين لي أن بيني وبين الموت عتابا، ولكنني مقضي علي بالأمل. # رجل الأقدار # لم أنس ذلك الرجل. كان معلمي فترة طويلة من العمر. اشتهر في حياته بتلاحق المحن، ~~والتعاسة الزوجية، ورقة الحال. ولكنه اشتهر أيضا بالصبر والقدرة على معايشة الألم ~~والانغماس في الكآبة. ولما تقدم به العمر انضاف إلى متاعبه تصلب الشرايين. وأخذت ذاكرته ~~تضعف وتتلاشى، ومضى ينسى فيما ينسي خسائره وجميع ما ناله من عنت الحياة؛ فخف عبؤه وهو ~~لا يدري. وطعن في المرض، فنسي زوجته تماما وأنكرها، وأصبح يتساءل عن سر وجودها في ~~بيته. وذهب عنه الكثير من كدره. وبلغ به المرض مداه فنسي شخصه، ولم يعد يعرف من هو؛ ~~وبذلك تسنم قمة الراحة. هكذا أفلت من قبضة الحياة القاسية، حتى غبطه من كان يرثي ~~له. # الصفح # إعجابي بك يا سيدتي يفوق أي حساب. إنك تنورين المكان بصفاء شيخوختك. تلقين الإساءة ~~بالصمت، وتغفرين للمسيئين إليك؛ فلم أعرف أما قبلك بهذا الوفاء. # قلت لها يوما: إنك ضحية القسوة والأنانية ... # فقالت باسمة: بل إني ضحية الحب. # ولما قرأت الدهشة في وجهي قالت: أنت تتوهم أن سلوكهم معي صادر من قسوة وأنانية. ~~الحقيقة أنه صادر من حبهم الشديد لأبنائهم، وهكذا كنت أحبهم، ومن أجل ذلك قد صفح قلبي ~~عنهم. # الضحكة # وقفت فوق فوهة القبر ألقي نظرة الوداع على جثة العزيز التي يعدونها للرقاد الأخير. ~~ترامت إلي ضحكته المجلجلة قادمة من الماضي الجميل، فجلت بنظري فيما حولي، ولكني لم ~~أر إلا وجوه المشيعين المتجهمة. # وعند الرجوع من طريق المقابر همس صديق في أذني: ما رأيك في ساعة راحة بالمقهى؟ # وسرت الدعوة في أعصابي برعشة ارتياح. ونشطت قدماي إلى حيث المجلس، وقدح الماء المثلج ~~والقهوة المحوجة، ومناجاة اللاحقين عن السابقين. # الاختيار # ذهبت إلى السوق حاملا ما خف وزنه وغلا ثمنه، واتخذت موضعي منتظرا رزقي. وهدأ ~~الضجيج فجأة، واشرأبت الأعناق نحو الوسط. نظرت فرأيت ست الحسن تتهادى في خطى ملكة على ~~أحسن تقويم. # سلبت عقلي وإرادتي قبل أن تتم ms26 خطوة، فنهضت لأتبعها مخلفا ورائي العقل والإرادة ~~وأسباب رزقي، حتى دخلت بيتا صغيرا أنيقا يطالع القادم بحديقة الورد. واعترض سبيلي ~~بواب مهيب الجسم، حسن الهندام، وحدجني بنظرة مستنكرة فقلت: إني على أتم استعداد لأهبها ~~جميع ما أملك. # فقال الرجل بلهجة قاطعة: إنها لا ترحب بمن يجيئون إليها هاجرين عملهم في ~~السوق. # السؤال # راحت القافلة تخوض الصحراء، يقودها عزيف الناي، ودق الطبول، والصمت من حولها محيط، ~~ولا يبدو أن لشيء نهاية. وخطر لي أن أتساءل عن الموضع الذي يحب صاحب القافلة أن يسير ~~فيه. # سمعني جار فقال: في مقدمة القافلة كما يليق بمقامه. ولكن ماذا دعاك للسؤال؟ # وإذا بجار آخر يقول: بل لعله في المؤخرة ليراقب كل حركة. ماذا يهمك من ذلك؟ # ولم أجد ما أجيب به. وظننت أن الأمر انتهى، وأنني سأعرف الجواب عند انتهاء ~~الرحلة. # ولكني وجدت الرءوس تتقارب، والأعين تسترق النظر إلي، والريبة تتفشى في الجميع. رباه ~~كيف أقنعهم بأنني لم أقصد سوءا، وأنني لا أقل عن أي منهم ولاء للرجل؟ # ودنا مني رجل صارم الوجه وقال لي: اترك القافلة ودعنا في سلام. # ولم أر بدا من الخروج لأجد نفسي في خلاء مطبق وكرب مقيم. # في الظلام # كنت راجعا إلى بيتي أخوض ظلمات الليل، ولا بصيص نور يشع في الظلماء. وارتطمت بشبح ~~فوقفت حذرا متوثبا وأنا أتساءل: من أنت يا عبد الله؟ # فقال: لعلك صاحب الحظ الذي أبحث عنه. ~~- أي حظ تعني؟ # فقال بعذوبة: إني أدعوك إلى سهرة في بيتي يجول فيها الحب والطرب. # فخطر لي أنه يهذي. # وفي لحظة الشك غابت أنفاسه المترددة، فعلمت أنه اختفى. # وغصني الندم على إفلات فرصة قد تكون هي الحظ المأمول. # وما زلت أدور في الظلام مناديا حتى بح صوتي. # أقوى من النسيان # طالعني وجهه بوضوح، ومن قريب بقوة نفاذة، وهمس في أذني: تذكرني لتعرفني حين ألقاك. # ولما صحوت لم تغب عني صورته. وكم شغلت عنه بالعمل حينا وباللهو حينا، ولكنه يعود ~~بكل قوته وكأنه لم يغب لحظة واحدة! # وأتساءل تحت وطأة ms27 القلق: متى يلقاني؟ كيف يتم اللقاء؟ وما الداعي إلى ذلك كله؟ # ويندر أن أطرد عني الهواجس حتى في الأحضان الدافئة ... # ذكاء الجسد # فوق السطح وقفا يتناجيان، هو أطول قامة وهي أجمل وجها، أما أنا فألعب بالطوق مرة، ثم ~~أراقبهما ولا أفهم. ويغيبان في حجرة السطح قليلا، ثم يرجعان، فأعود إلى استراق النظر ~~بمزيد من الحيرة. # وجاء الإدراك متعثرا من خلال الأعوام الحامية ... # الشروق والغروب # رأيته في حالين مختلفين. # مرة والشمس تشرق عليه فبدا غاية في البهاء والجلال، يتكلم فيجد السامع الحكمة فيما ~~يفهمه من كلامه، والشعر فيما لا يفهمه. # ومرة والشمس تغيب عنه فبدا ضئيلا مسكينا يهرول في أسمال بالية، يتكلم فيجد السامع ~~الابتذال فيما يفهمه من كلامه، والبلاهة فيما لا يفهمه. # الشبيه # كان الشبه العجيب بين القاضي والمتهم لافتا أنظار النساء والرجال الذين صحبوا جارتهم ~~أم المتهم إلى المحكمة. # وتذكر أناس منهم بكري المرأة الذي فقدته في زحام المولد، ولكن أحدا لم يربط بحال بين ~~الولد التائه والقاضي. وقالت امرأة همسا: القاضي ابن ناس، أما الولد المفقود فلا يقع ~~إلا في أيدي أولاد الحرام. # وكانت الأم قد نسيت بكريها تماما، ولم تعد تفكر إلا في ابنها القابع في ~~القفص. # حتى نطق القاضي بالحكم الرهيب. # وعند ذاك دوى الصوات في قاعة الجلسة. # ربة البيت # يا ربة البيت اصحي، صلي ثم ابسطي يديك بالدعاء. # جهزي الفطور وادعي إلى المائدة رجلك وأولادك. # عاوني الصغار على تنظيف أنفسهم، وكشري لمن يركن إلى الكسل. # اكنسي بيتك ورتبيه وتسلي بترديد أغنية. # سوف يجمعهم الحظ السعيد حول مائدة العشاء إذا سمح الدهر. # ويبقى الأولاد للمذاكرة، ويذهب الرجل إلى المقهى للسمر. # اغتسلي ومشطي شعرك، وغيري ملابسك، وبخري غرفة النوم. قد شهد اليوم ما يستحق الشكر ~~والحمد. # تذكري ذلك إذا جاء اليوم الذي يتفرق فيه الجميع كل إلى سكنه. # واليوم الذي لا تجد هذه الذكريات من يتذكرها. # سيدتي الحقيقة # عرفت منازل الحقيقة في عصر الفطرة. # عندما تقرفص المرأة أمام طشت الغسيل، أقرفص قبالتها، فتلعب يدي في الماء، وتسترق ms28 عيناي ~~النظر. # عندما ألهو فوق السطح في الليالي البدرية، أمد يدي في الفضاء لأقبض على وجه ~~القمر. # عندما نزور القبر في المواسم، أركز عيني على جداره لأرى. # نعم الرفيق الشغف والمنازل. # شهد الضحك علينا # شهدنا مجلس السمر بالحديقة على أتم ما نكون من العدد والمرح. ينتقل بنا الحديث من شأن ~~إلى شأن كالنحل بين الزهور، والجو الرطيب يضج بضحكاتنا. # في تلك الجلسة نسينا الدهر ونسيناه. وإذا بأحدنا يقول فجأة، ودون مناسبة ظاهرة: ~~تصوروا أين وكيف نكون بعد نصف قرن؟! # الجواب أيها الصديق غاية في البساطة، وإن يكن في الوقت نفسه غاية في التعقيد، ولكن ~~لماذا تذكرنا بذلك؟ # اليوم يمر على تلك الجلسة ربع قرن فقط، على ذاك لم يبق من سمارها إلا اثنان. # ويذكر أحدهما الآخر بقول العزيز الراحل. # ويتنهدان ويتخيلان أين وكيف ما حلا لهما التخيل. # هل حقا عاش أولئك جميعا، وتبادلوا المودة والأمل؟! # أصل الحكاية # سارت في ظل أمها، وكان هو يلعب في الطريق. أسعد ما يسعد أمها ضفيرتها الفواحة بشذا ~~القرنفل. أما هو فكان يلعب الحجلة. توقف قليلا ريثما تمر الأم وابنتها الصغيرة. نظرت ~~إليه نظرة غامضة، فامتلأ بالخيلاء، وانطلق يعدو ليشهد الجميع على قوته وسرعته. # ودعت الأم بالخير لكل مخلوق وهمست: أخاف عليها من النظرة، وأخاف عليه من الجري. ~~فاشملهما بالرعاية يا رب. # وكان ثمة رجل جالس في ركن ممن يقرءون الخواطر، فقال لها وكأنما لا يعنيها بالذات: ~~فلتنظر إليه ما طاب لها النظر، وليجر هو حتى تخور قواه فيخمد. # مأوى النعمة # ما أجمل العصفور في طيرانه وشدوه. مرة في سكرة من النشوة هتفت: يا ليتني خلقت ~~عصفورا. وإذا بي أنقلب عصفورا يحلق ويشدو، ويثب من غصن إلى غصن. ومن خبرتي السابقة ~~حذرت القطط والزواحف، وعشقت شعاع الشمس. منذ قديم وأنا أغبط العصافير على تحليقها ~~ورؤيتها لجمال حبيبتي الذي لا يبلغه الهائمون فوق الأرض. أيقنت مع الجهد الضائع أنه لا ~~سبيل إلى الفوز إلا بالطيران واستراق النظر من فوق هامات الشجر. وجعلت أخطف النظرات ~~المحترقة بالأشواق ms29 وهي تتهادى في أعماق البيت. وارتويت برحيق الهناء حتى ثملت. ويوما ~~رأيت فوق سور السطح طبقا مملوءا بالقرطم؛ فتحلب ريقي، ونسيت الحذر وطرت نحو الطبق، ~~وحططت عليه، ورحت ألتقم بمنقاري الحب بنهم وسرور. وإذا بيد تقبض علي بحنان وصوت عذب ~~يقول: أخيرا وقعت ... # وأودعتني القفص، وقد بعث مسها في كياني سكرة لا تجيء إلا من خمر الفراديس. # وكلما فاض كأس حظي بالسعادة، أقبلت بحسنها الدري لترنو إلي وتقدم لي الماء ~~والغذاء. # وها أنا يغمرني جنون السرور والفرح. # وفي أوقات الفراغ أتطلع إلى جماعات العصافير فوق الشجرة سعيدة بين الشدو والطيران، ~~ولكن لا شدوها ولا طيرانها بشيء يذكر إلى جانب قرب الحبيب. # عبد ربه التائه # كان أول ظهور الشيخ عبد ربه في حينا حين سمع وهو ينادي: «ولد تائه يا أولاد الحلال.» # ولما سئل عن أوصاف الولد المفقود قال: فقدته منذ أكثر من سبعين عاما؛ فغابت عني جميع ~~أوصافه. فعرف بعبد ربه التائه. وكنا نلقاه في الطريق أو المقهى أو الكهف، وفي كهف ~~الصحراء يجتمع بالأصحاب، حيث ترمي بهم فرحة المناجاة في غيبوبة النشوات، فحق عليهم أن ~~يوصفوا بالسكارى، وأن يسمى كهفهم الخمارة. # ومذ عرفته داومت على لقائه ما وسعني الوقت وأذن لي الفراغ. وإن في صحبته مسرة، وفي ~~كلامه متعة، وإن استعصى على العقل أحيانا. # التعارف # وكان لي صديق خطاط ومن مريدي الشيخ، فرجوته أن يقدمني إليه، فمضى بي إلى الكهف مخترقين ~~صحراء المماليك، وهناك رأيته وسط صحبه يتبادلون أنخاب المناجاة في نشوة هادئة نقية، ~~فقدمني صديقي بين يديه، ولكنه استمر فيما كان فيه غير ملتفت إلى ما أضرم الحياء في قلبي، ~~ولكن صديقي أخذني من يدي وجلسنا في آخر الصف. # وهمست في أذنه: الأفضل أن نذهب ... # فهمس في أذني: لقد قبل صداقتك، ولو كان رفضك لطردك بإشارة من يده. # وختمت الليلة بغناء طويل جميل، ولدى العودة سألني صاحبي: ما رأيك في المكان وأهله؟ # فقلت: دخلوا قلبي بلا وسيط. عروتهم ساحرة، أصواتهم عذبة، والمكان جذاب هادئ، ورائحته ~~زكية ... # عندما التقت ms30 العينان # مضى زمن قبل أن يلتفت إلي وتلتقي عينانا. ولما شاعت ابتسامة في ملامحه، وثبت إلى ~~جانبه وقلت: اقبلني في طريقتك ... # فسألني: ماذا يدفعك إلينا؟ # فقلت بعد تردد: أكاد أضيق بالدنيا وأروم الهروب منها. # فقال بوضوح: حب الدنيا محور طريقتنا وعدونا الهروب. # وشعرت بأنني أنطلق من مقام الحيرة. # الانتظار # ولكن لماذا هذا الكهف بالذات؟ # قيل إن سيدة المكان كانت تطوف بالموقع حول الكهف في المواسم. وكثيرون قد جنوا بسحر ~~جمالها، وجدوا في البحث عنها دون جدوى. وقيل إنها قد تختار قرينها ذات يوم في الكهف. ~~وقصد الكهف أناس لا حصر لهم، ولكن عبد ربه التائه ومريديه صمدوا إلى النهاية. # أغلب أحاديثهم وأغانيهم عن المرأة الجميلة، ينتظرون الرضا ولا يعرفون اليأس. # مأمور # وجذب انتباهي شخص لا مثيل لنشاطه في خدمة الإخوان، فسألت عنه، فقال عبد ربه التائه: له حكاية فاسمعها. ما ندري ذات ليلة إلا وقد اقتحم علينا خلوتنا ويقول: صدر الأمر ~~بإغلاق الخمارات! # فقلت له: شرابنا النجوي فاشرب هذه الكأس. # وقدمت له شرابا. وكان سحر المكان قد شاع في جسده وروحه فشرب، ثم تركنا وذهب. وفي ~~ليلة تالية رجع مرتديا ملابس عادية وقال باستسلام: تركت الخدمة وجئت إليكم ... # فهللنا وكبرنا. ومن ساعتها وهو مندمج في مودتنا. # وفي المواسم يغني ويرقص حتى مطلع الفجر. # الذكرى المباركة # سألني صديقي الحكيم عن حلم لا أنساه، فقلت: وجدتني في خمارة وسط جماعة من أهل الخير ~~والبركة، نشرب ونغني. وسأل سائل: ترى من يكون صاحب الحظ السعيد؟ # وانزاحت الستارة المسدلة على باب الخمارة، ودخلت امرأة عارية تموج برحيق الحياة ~~وفتنتها. # ووقفنا ذاهلين ننظر وننتظر. واتجهت المرأة نحوي حتى التصقت بي، وحلت عقدة شعرها ~~المعقوص فانصب حولنا كموجة عاتية فغطانا. # وثمل الجميع بسعادة شاملة وأنشدنا معا: # بشرى لنا # نلنا المنى # داء # قال الشيخ عبد ربه التائه: بالأمس وأنا راجع من السهرة قبيل الفجر، اعترضني في ظلمة ~~الحارة شخص لم أتبين معالمه، وقال لي: أنا قادم إليك من وراء النجوم. # فهزتني العزة وقلت بفرح: من أجلي أنا ms31 هبطت؟ # فقال بنبرة لم تخل من امتعاض: لم تسلم بعد من الخيلاء! # واختفى صاعدا بسرعة البرق. # فمن يعيده إلي ومعه الغفران؟! # فسألته: وماذا كنت تنوي أن تطلب منه؟ # فأجاب متجاهلا سؤالي: الحياة فيض من الذكريات تصب في بحر النسيان. أما الموت فهو الحقيقة الراسخة. # الشكوى # كان الكهف عامرا بالخلان، والنشوة تذيب الأحجار. # ونفخ نافخ فأطفأ الشموع، وترددت الأنفاس في ظلام دامس. # وتهادى صوت إليهم يقول: «في السماء ضجروا من الأفعال الخسيسة والروائح ~~المنكرة.» # وذهبت تاركا صمتا ثقيلا، فقال أحدهم: إنها رسالة. # وقال آخر: بل هو أمر. # وانطلقوا في الأسواق يحملون على كل خسيس ومنكر. # وغضب السادة، فزمجروا بالغضب، ولوحوا بالعصي. # الرقص في الهواء # ومرة قال لي الشيخ: إن القصص التي تنشر ليست بالقصص الحقيقية. وأراد أن يقدم لي قصة ~~فقال: في أحد أصابيح الربيع جذبتني ضجة نحو الباب الأخضر. خضت حاجزا من البشر يلتف حول رجل ~~وامرأة، قيل إنهما كانا من مجاذيب الحسين. ثم أغواهما الغرام، فهجرا دنيا الأسرار إلى ~~دنيا العشق، ورؤيا وهما يترنحان من السكر، ويترنمان بالأغاني الساخنة. # وكاد الناس يفتكون بهما لولا تدخل الشرطة. # ونسي الأمر مع الزمن. وذات صباح وأنا أسير في الصحراء رأيت سحابة تهبط كالطائرة أو ~~السفينة حتى صارت في متناول الرؤية الواضحة. # رأيت على سطحها رجلا وامرأة يرقصان، وسمعت صوتهما قائلا: متى تصعد يا عبد ربه؟! # عبير من بعيد # قال الشيخ عبد ربه التائه: ساقتني قدماي إلى القبر المهجور الذي رحل جميع من كانوا يعنون بتذكره. وجدته آيلا ~~للسقوط وعليه طابع العدم. وصدر نداء خفي من الذاكرة، فأقبل نحوي جمع من النساء والرجال ~~كما عهدهم الزمان الأول. وردد أحدهم ما قاله لي مرارا: لا أغير ريقي قبل أن أسمع ~~أغنية الصباح في الإذاعة. # الخلود # قال الشيخ عبد ربه التائه: وقفت أمام المقام الشريف أسأل الله الصحة وطول العمر. دنا مني متسول عجوز، مهلهل الثوب، ~~وسألني: هل تتمنى طول العمر حقا؟ # فقلت بإيجاز من لا يود الحديث معه: ومن ذا الذي لا يتمنى ذلك ms32 ؟ # فقدم لي حقا صغيرا مغلقا وقال: إليك طعم الخلود. لن يكابد الموت من يذوقه! # فابتسمت باستهانة فقال: لقد تناولته منذ آلاف السنين، وما زلت أنوء بحمل أعباء الحياة ~~جيلا بعد جيل ... # فغمغمت هازئا: يا لك من رجل سعيد! # فقال بوجوم: هذا قول من لم يعان كر العصور وتعاقب الأحوال ونمو المعارف ورحيل الأحبة ~~ودفن الأحفاد. # فتساءلت مجاريا خياله الغريب: تري من تكون من رجال الدهر؟ # فأجاب بأسي: كنت سيد الوجود، ألم تر تمثالي العظيم؟ ومع شروق كل شمس أبكي أيامي الضائعة وبلداني ~~الذاهبة، وآلهتي الغائبة! # السمع والطاعة # قال الشيخ عبد ربه التائه: قلت له بخشوع وعيناي لا تفارقان طلعته: لم أر أحدا في مثل بهائك من قبل. # فقال باسما: الفضل لله رب العالمين. ~~- أريد أن أعرف من تكون يا سيدي. # فقال بهدوء وكأنه يتذكر: أنا الذي كان يوقظك من النوم قبل شروق الشمس. # أصغيت باهتمام، فواصل: أنا الذي ناصرتك على الكسل فانطلقت مع العمل. # فكرت بعمق فيما قال، واستمر هو: أنا الذي أغراك بحب المعرفة. # فهتفت: نعم ... نعم. ~~- وجمال الوجود أنا الذي أرشدتك إلى منابعه. ~~- إني مدين لك إلى الأبد. # وساد صمت متوتر، وشعرت بأنه جاء يطالبني بشيء، فقلت: إني طوع أمرك. # فقال بهدوء شديد: جئت لأضع فوق عملي نقطة الكمال. # سؤال عن الدنيا # سألت الشيخ عبد ربه عما يقال عن حبه النساء والطعام والشعر والمعرفة والغناء، فأجاب ~~جادا: هذا من فضل الملك الوهاب. # فأشرت إلى ذم الأولياء للدنيا، فقال: إنهم يذمون ما ران عليها من فساد. # المشي في الظلام # قال الشيخ عبد ربه التائه: عرفت الرجل في طورين في حياته الطويلة. # عرفته في شبابه محبا للعبادة، ملازما للمسجد، مأخوذا بسماع القرآن الكريم. # وفي شيخوخته ساقه قدره إلى الخمارة، فأدمن الخمر متناسيا ما لا يهمه. # وكان يرجع إلى بيته في الهزيع الأخير من الليل، ثملا يترنح، ويغني أغاني الشباب، ~~خائضا الظلمة الحالكة. # وحذره محبوه من المشي في الظلام، فقال: حراس من الملائكة يحيطون بي، ويشع من رأسي نور ~~يضيء المكان ms33 ... # قول # قال الشيخ عبد ربه ذات ليلة في سهرة الكهف: ما أجمل قصص الحب! عفا الله عن الزمن الذي ~~يحييها ويميتها. # تعريف # سألت الشيخ عبد ربه: ما علامة الكفر؟ # فأجاب دون تردد: الضجر. # سيدتي الجميلة # قال الشيخ عبد ربه: حدث ذلك وأنا أسير بين الطفولة والصبا. # رأيت فوق الكنبة الوسطى تحت البسملة، امرأة جالسة لم أشهد في حياتي شيئا أجمل منها. ~~ابتسمت إلي فذهبت إليها، فحنت علي، وقبلتني، ووهبتني قطعة من الملبن. وكتمت السر ~~ليدوم العطاء. وكلما ذهبت إلى الحجرة؛ رجعت مجبور الخاطر بقبلة وقطعة من الحلوى. # ويوما ذهبت كالعادة، فوجدت الحجرة خالية. # هل أفقد الجمال والسعادة؟ # وسألت أمي عن الضيفة الجميلة الكريمة. # فدهشت لسؤالي، كما دهش أبي، وجعلت أحلف بأغلظ الأيمان. # ولم يصدقا حرفا مما حكيت، وساورهما القلق طويلا. وظلت الكآبة كامنة في الأعماق حتى ~~هلت ليالي القمر. # على وشك الهروب # حدث الشيخ عبد ربه التائه قال: أغرتني نشوة الطرب ذات مرة بالتمادي في الطرب، حتى طمعت ~~أن أثب من الطرب الأصغر إلى الطرب الأكبر، فسألت الله أن يكرمني بحسن الختام. # عند ذاك همس في أذني صوت: «لا بارك الله في الهاربين.» # عندما # سألت الشيخ عبد ربه التائه: متى يصلح حال البلد؟ # فأجاب: عندما يؤمن أهلها بأن عاقبة الجبن أوخم من عاقبة السلامة ... # ساعي البريد # في تلك الليلة من ليالي الكهف اشتدت الريح وانهل المطر، ولعبت دفقات الهواء المتسللة ~~من المدخل بذؤابات الشمع، فخفقت القلوب بعنف، ومدوا الأبصار إلى المدخل وانتظروا، ~~فازداد خفقان القلوب. # وهمس أحدهم: يقولون إن ليلة هذا العام مباركة. # وتطلعت القلوب إلى المدخل بكل ما تملك من قوة. # وترامى إليهم صفير فهبوا واقفين، وعند ذاك دخل ساعي البريد بزيه المألوف وحقيبته، ~~يكاد يغرق في الماء الذي تشربته ثيابه. # وبهدوء أعطى كل يد ممدودة رسالة، وذهب دون أن ينبس. وفضوا الظروف ونظروا في الرسائل ~~على ضوء الشموع. # وجدوها بيضاء لا شيء فيها. # وهتف عبد ربه: العقبى للصابرين. # عزرائيل # قال الشيخ عبد ربه التائه: استدعاني المأمور يوما وقال ms34 لي: كلماتك تدفع الناس إلى التمرد، فحذار! # فقلت له: أسفي على من يطالبه واجبه بالدفاع عن اللصوص ومطاردة الشرفاء! # فصاح بي: هذا إنذار نهائي ... # ولما كان عزرائيل يخف لنجدتي في الملمات؛ فقد تجلي ثواني للمأمور، حتى ارتعدت مفاصله، ~~وسقط عن كرسيه هاتفا: الله بيني وبينك! # الرحمة # سألت الشيخ عبد ربه التائه: كيف لتلك الحوادث أن تقع في عالم هو من صنع رحمن رحيم؟ # فأجاب بهدوء: لولا أنه رحمن رحيم ما وقعت! # الواعظة # قال الشيخ عبد ربه التائه: اعترضتني في السوق امرأة آية في الجمال، وسألتني: هل أعظك أيها الواعظ؟ # فقلت بثقة: أهلا بما تقولين. # فقالت: لا تعرض عني؛ فتندم مدى العمر على ضياع النعمة الكبرى. # في الحظيرة # قال الشيخ عبد ربه التائه: حلمت بأنني واقف في حظيرة أغنام مترامية الأطراف. وكانت تأكل وتشرب وتتبادل الحب في ~~طمأنينة وسلام. تمنيت أن أكون أحدها، فكنت جديا بالغ القوة والجمال. # ويوما جاء صاحب الحظيرة يتبعه الجزار حاملا سكينه. # انتهاء المحنة # سألت الشيخ عبد ربه التائه: كيف تنتهي المحنة التي نعانيها؟ # فأجاب: إن خرجنا سالمين فهي الرحمة، وإن خرجنا هالكين فهو العدل. # لا تصدق # قال الشيخ عبد ربه التائه: جاءني رجل وقال لي: لا تصدق ... ما أنت إلا ابن الصدفة العمياء ... وصراع العناصر ... بلا ~~هدف جئت ... وبلا هدف تذهب ... وكأنك لم تكن. # فقلت له: سبق أن صدق أبوك ما لا يجب تصديقه؛ فخسر الراحة والنعيم. # الفعل الجميل # حدث الشيخ عبد ربه التائه قال: عثرت يوما على حقيبة تحوي كنزا من المال، وفيها ما يدل على شخص صاحبها ~~وعنوانه. # وكان من المنحرفين الذين ابتليت بهم البلاد، فقررت ألا أردها إليه، وأودعتها سرا ~~بدروم رجل فقير من أصحابنا عرف بالتقوى، وأنا لا أشك في أنه سينفقها في سبيل الله. ثم ~~علمت أنه ردها إلى صاحبها نازلا عن حقه الشرعي فيها، فحزنت وأسفت. # ثم توفي صاحبنا التقي الفقير فهرعت إليه، وغسلته وكفنته، وحملته إلى الجامع، وصليت ~~عليه. ولما انتهت الصلاة لمحت بين المصلين خلف نعشه الرجل الغني ms35 المنحرف وهو يبكي ~~بحرارة. # واهتز فؤادي وقلت: سبحانك يا مالك الملك، تعلم ما لا نعلم. وربما جاءت الصحوة بإذنك ~~من حيث لا يدري أحد. # دعاء # أصابتني وعكة فزارني الشيخ عبد ربه التائه، ورقاني ودعا لي قائلا: اللهم من عليه بحسن الختام، وهو العشق. # العريس # سألت الشيخ عبد ربه التائه عن مثله الأعلى فيمن عاشر من الناس، فقال: رجل طيب، تجلت ~~كراماته في المداومة على خدمة الناس وذكر الله. وفي عيد ميلاده المائة سكر ورقص وغنى ~~وتزوج بكرا في العشرين. # وفي ليلة الدخلة جاءت كوكبة من الملائكة فبخرته ببخور من جبل قاف. # العزلة # قال الشيخ عبد ربه التائه: كنت أعبر ميدانا غاصا بالخلق، فرأيت مجذوبا يضرب بعصاه في جميع الجهات كأنما يقاتل ~~كائنات غير منظورة، حتى خارت قواه، فجلس على الطوار، وراح يجفف عرقه. وطيلة الوقت لم ~~يبال به أحد، فاقتربت منه وسألته: ماذا كنت تفعل يا عبد الله؟ # فأجاب بحنق: كنت أقاتل قوة جاءت تروم القضاء على الناس، ولكن لم يفهم عملي أحد، ولم يعاوني ~~أحد. # صوت القبر # قال الشيخ عبد ربه التائه: كنت أسير في طريق المقابر راجعا من سهرة الخمارة. تسلل ~~إلي صوت من قبر وهو يسأل: لماذا انقطعت عن زيارتنا والحديث معنا؟ # فأجبته: لا يحلو لكم الكلام إلا عن الموت والأموات، وقد مللت ذلك. # صفحة القلب # قال الشيخ عبد ربه التائه: رحت أشاهد قلبي في مرآة كاسي، فهالني صفاؤه، وقلت له: من يصدق أنك خفقت بذلك الحب ~~كله؟ كيف كنت عالما يموج بالنساء والرجال والأشياء؟ # ولم يبق من دليل يا قلبي على حقيقة ما كان، إلا دموع تفجرت في الهواء، وتلاشت في ~~الفضاء. # الثبات # رأيت الشيخ عبد ربه التائه ماشيا في جنازة. ولعلمي بأنه لا يشيع إلا الطيبين، ~~انضممت إلى صفه حتى صلينا عليه معا، ثم سألت الشيخ عنه فقال: رجل نبيل وما أندر الرجال ~~النبلاء! أبي رغم طعونه في العمر أن يقلع عن الحب حتى هلك ... # ذلك الحب # قلت للشيخ عبد ربه التائه: سمعت قوما يأخذون ms36 عليك حبك الشديد للدنيا ... # فقال: حب الدنيا آية من آيات الشكر، ودليل ولع بكل جميل، وعلامة من علامات ~~الصبر. # عتاب الموت # قال الشيخ عبد ربه التائه: مرة ضايقتني فكرة الموت أكثر من المعتاد. كنت أهم بالنوم فخطر لي أن الموت قد ~~يزورني في النوم فلا يطلع علي الصباح. وسألت الله السلامة رحمة بأناس ينتظرون معونتي ~~في اليوم التالي. # واستغفر الله طويلا، ثم غمغم: شد ما تشربت عمق التسبيح في مقام الحيرة. # الطوفان # قال الشيخ عبد ربه التائه: سيجيء الطوفان غدا أو بعد غد. سيكتسح الفساد والفاسدين العاجزين، ولن تبقى إلا قلة ~~من الأكفاء. وتنشأ مدينة جديدة تنبعث من أحضانها حياة جديدة. ليت العمر يمتد بك يا عبد ~~ربه لتعيش ولو يوما واحدا في المدينة الآتية. # في التجارة # قال الشيخ عبد ربه التائه: حذار ... فإنني لم أجد تجارة هي أربح من بيع الأحلام. # الزمن الحلو # قال الشيخ عبد ربه التائه: وجدتني على ربوة أنظر إلى شاشة عرض مبسوطة في الفضاء. ورقصت فرقة من الفاتنات، وغنت ~~على إيقاع كوني، فنثرن من حركاتهن لآلئ النور البهيج. # سألت بصوت جهير: من أنتن؟ # فأجبن: نحن الأيام القليلة الحلوة التي مرت في غاية من البهاء والصفاء، ولم يشبها ~~كدر. # الراقصان # قال الشيخ عبد ربه التائه: ما روعني شيء كما روعني منظر الحياة وهي تراقص الموت على ذلك الإيقاع المؤثر الذي لا نسمعه إلا مرة واحدة في العمر كله. # المطارد # قال الشيخ عبد ربه التائه: هو يطاردني من المهد إلى اللحد، ذلك هو الحب. # الفائز # 1 # قال الشيخ عبد ربه التائه: ذاع في الحارة أن المرأة الجميلة ستهب نفسها للفائز. وانهمك الشباب في السباق بلا ~~هوادة. ومضى الفائز إلى المرأة ثملا بالسعادة مترنحا بالإرهاق. وعند قدميها تهاوي ~~قرينا للوجد فريسة للتعب. وظل يرنو إليها في طمأنينة حتى لعب النعاس بأجفانه. # الهاوية # 2 # قال الشيخ عبد ربه التائه: حتى أنا شهدتني حجرة الاستقبال وأنا أنتظر راجيا التوفيق. # ويدخل الأب وقورا ودودا، ولكنه ينذر بالقيود والعواقب. # ودعاني صوت باطني إلى الهرب ms37 . # ثم تجيء هي متعثرة في الحياء فأسقط في الهاوية. # الحياء # قال الشيخ عبد ربه التائه: ما تجلى لعيني إلا نور الوجنات وعذوبة الحياء. # أكرر السؤال فتغوص في الصمت أكثر. # تجود بكل ثمين، ولكنها من الكلام تجفل. # الضيف # قال الشيخ عبد ربه التائه: كان بيتنا عامرا بالأحباب. # وذات يوم نزل بنا ضيف لم أره من قبل. # وحرصا على راحته أرسلني أبي لألعب بعيدا. # ولما رجعت وجدت البيت خاليا؛ فلا أثر للضيف، ولا للأحباب. # حزن الحياة # سئل الشيخ عبد ربه التائه: هل تحزن الحياة على أحد؟ # فأجاب: نعم ... إذا كان من عشاقها المخلصين ... # القبر الذهبي # قال الشيخ عبد ربه التائه: رأيت في المنام قبرا ذهبيا قائما تحت شجرة سامقة غاصة بالبلابل الشادية. # وعلى صورة نقشت بأحرف جميلة واضحة كلمات تقول: هنيئا لمن عاش ومات في بوتقة الهجران. # الكمال # قال الشيخ عبد ربه التائه: الكمال حلم يعيش في الخيال، ولو تحقق في الوجود لما طابت الحياة لحي. # السحر # قال الشيخ عبد ربه التائه: تبدو الحياة سلسلة من الصراعات والدموع والمخاوف، ولكن لها سحر يفتن ويسكر. # الوفاء في الملاح # قال الشيخ عبد ربه التائه: آه من تلك المرأة الجميلة التي لا وفاء لها. # لا هي تشبع، ولا عشاقها يتعظون. # طبيعتنا # قلت مرة للشيخ عبد ربه التائه: قد أرحب بتعب عام متصل، ولكني أضيق بعطلة شهر واحد. # فقال: طبعنا على حب الحياة وكره الموت. # الكذب الصادق # قال الشيخ عبد ربه التائه: بعض أكاذيب الحياة تتفجر صدقا. # المشيئة # قال الشيخ عبد ربه التائه: في الكون تسبح المشيئة، وفي المشيئة يسبح الكون. # الحب المتبادل # قال الشيخ عبد ربه التائه: إنهما اثنان، بقوته خلق الأول الآخر، وبضعفه خلق الآخر الأول. # العقل # قال الشيخ عبد ربه التائه: لقد فتح باب اللانهاية عندما قال: «أفلا تعقلون؟» # برقية # قال الشيخ عبد ربه التائه: في إحدى ليالي الكهف التي لا تنسى، غلبني السكر بعد أرق وحيرة. وإذا بذرة هائمة في ~~أعماق الكون تهمس في وجداني أن أطمئن. # لقاء في الظلام # قال الشيخ ms38 عبد ربه التائه: وأنا في مطلع الشباب حلمت هذا الحلم: رأيت الصحراء مترامية أمامي، فأوغلت فيها ثملا بحريتي. ولما أدركني المساء أردت أن ~~أرجع، ولكنني ضللت سبيلي، وضعت في الظلمة كنسمة هائمة. واستحوذ علي الخوف واليأس. ~~ونظرت إلى السماء فلم تقل لي النجوم شيئا. وانتبهت على تردد أنفاس تلفح وجهي، فجفلت ~~وتساءلت: من هنا؟ # فأجاب صوت هادئ: اتبع شبحي ... # فتبعته مسلما أمري للمقادير. وكلما مر الوقت دون وقوع ما يريب، اطمأننت. ودس الشبح ~~في يدي قارورة، وطلب مني أن أشرب، فشربت شربة روية سرى تأثيرها من الرأس إلى القدمين. ~~وسألت: أي شراب هذا؟ # فأجاب الشبح: خمر صنعتها في بيتي. # وكدت أرتعب لولا أن طارت بي النشوة فوق الهواجس. # وهلت بشائر الشروق ونحن نسير. ولمحت وجهه على ضوء أول شعاع، فإذا به وجه امرأة لم ~~أشهد لحسنها مثيلا من قبل. # ورجوتها أن تقف لحظة، وركعت أمامها في خشوع، وأحطتها بذراعي. # شهيق زفير # قال الشيخ عبد ربه التائه: مع شهيق الكون وزفيره، تهيم جميع المسرات والآلام. # الحرية # قال الشيخ عبد ربه التائه: أقرب ما يكون الإنسان إلى ربه، وهو يمارس حريته بالحق. # السر # ولم يكن الشيخ عبد ربه التائه يخفي ولعه بالنساء. وفي ذلك قال: الحب مفتاح أسرار الوجود. # حديث الموت # قال الشيخ عبد ربه التائه: رأيت الموت في هيئة شيخ فان وهو يقول معاتبا: «لو كففت عن عملي عاما واحدا ~~لانتزعت منكم الإقرار بفضلي.» # التفاؤل # سألت الشيخ عبد ربه التائه: لماذا يغلب عليك التفاؤل؟ # فأجاب: لأننا ما زلنا نعجب بالأقوال الجميلة، حتى وإن لم نعمل بها. # ما تشاء # أثار الشيخ عبد ربه التائه عجب بعض المريدين بإغراقه في الحياة الدنيا، فقال لهم: ~~«افعل ما تشاء بشرط ألا تنسى وظيفتك الأساسية، وهي الخلافة.» # المهزلة والمأساة # قال الشيخ عبد ربه التائه: من خسر إيمانه خسر الحياة والموت. # السرعة # قال الشيخ عبد ربه التائه: ما نكاد نفرغ من إعداد المنزل حتى يترامى إلينا لحن الرحيل. # المستشار # قال الشيخ عبد ربه التائه: حبا في الهداية ms39 ؛ قررت زيارة صاحبكم الذي ضجت الأرض من ظلمه وفساده. طلبت مقابلته ~~فاستقبلني مستشاره وقدم لي القهوة. والتقت عينانا لحظة، فعرفت فيه إبليس متنكرا. ولما ~~أحس بأنني عرفته ضحك قائلا: خسرت هذه الجولة فالعب غيرها ... # الخصم القوي # قال الشيخ عبد ربه التائه: يا من أيقظتن الفؤاد في دار الفناء، أشهد بأنكن خلقتن الخصم القوي الذي يتحدى ~~الموت. # الاختيار # قال الشيخ عبد ربه التائه: جاءتني امرأة جميلة تسألني الرأي في مسألة تعنيها. ولما ~~وافيتها بالجواب قرأت طالعها في جبينها الوضاء. # وقلت لها: «أمامك طريقان؛ طريق العفة والسماء، وطريق الحب والإنجاب.» # فقالت بابتسام واحتشام: «لقد أعدني ذو الجلال للحب والإنجاب، ولن أخالف له مشيئة.» # بحر # قال الشيخ عبد ربه التائه: وجدتني في بحر تتلاطم فيه أمواج الأفراح والأكدار. # شكر # قال عبد ربه التائه: الحمد لله الذي أنقذنا وجوده من العبث في الدنيا، ومن الفناء في الآخرة. # خفقة # قال الشيخ عبد ربه التائه: خفقة واحدة من قلب عاشق، جديرة بطرد مائة من رواسب الأحزان. # أنا الحب # قال الشيخ عبد ربه التائه: كنا في الكهف نتناجي حين ارتفع صوت يقول: «أنا الحب. لولاي لجف الماء، وفسد الهواء، وتمطى الموت في كل ركن.» # الاقتحام # قال الشيخ عبد ربه التائه: حاولت يوما العزلة، ولكن تنهدات البشر اقتحمت خلوتي. # الحب والحبيبة # قال الشيخ عبد ربه التائه: قد تغيب الحبيبة عن الوجود، أما الحب فلا يغيب. # لا تلعن # قال الشيخ عبد ربه التائه: لا تلعنوا الدنيا فهي تكاد ألا يكون لها شأن بما يقع فيها. # واجب العزاء # قال الشيخ عبد ربه التائه: جاءني رجل شاكيا، فسألته عما به فقال: إني غريق في بحر المتع ولا أشبع! # فقلت له: سأزورك يوم تشبع؛ لأقدم لك واجب العزاء. # الدنيا والآخرة # قال الشيخ عبد ربه التائه: إذا أحببت الدنيا بصدق، أحبتك الآخرة بجدارة. # بلا ترحيب # قال الشيخ عبد ربه التائه: الصديق الذي يندر أن نرحب به، هو الموت. # السر # قال الشيخ عبد ربه التائه: كما تحب تكون. # الوسط # قال الشيخ عبد ربه التائه ms40 : أناس شغلتهم الحياة، وآخرون شغلهم الموت. # أما أنا فقد استقر موضعي في الوسط. # الترنح # قال الشيخ عبد ربه التائه: كتب على الإنسان أن يسير مترنحا بين اللذة والألم. # الجوهران # قال الشيخ عبد ربه التائه: جوهران موكلان بالباب الذهبي يقولان للطارق: تقدم فلا مفر، هما الحب والموت. # الدورة اليومية # قال الشيخ عبد ربه التائه: استلقيت فوق الأرض الخضراء تحت ضوء القمر أهيم في الرؤية، فهمست الأرض في أذني ~~شاكية: «ينفسون علي لقمتي اليومية، وما فعلت سوى أن استرددت ما سبق أن وهبت.» # سر وراء السر # قال الشيخ عبد ربه التائه: قلت للحياة: حقا إنك سر من أسرار الوهاب. # فقالت بحياء: إن أبنائي يسألونني، فلا يجدون عندي إلا السؤال. # الوقت الأخير # سألت الشيخ عبد ربه التائه: كيف نتعامل مع وقت الرضا والسرور؟ # فأجاب: اعتبره آخر ما تبقى لك من وقت. # انظر # قال الشيخ عبد ربه التائه: إن مسك الشك، فانظر في مرآة نفسك مليا. # نسمة الحب # قال الشيخ عبد ربه التائه: نسمة حب تهب ساعة، تكفر عن سيئات رياح العمر كله. # خطبة الفجر # قال الشيخ عبد ربه التائه لسمار الكهف: أسكت أنين الشكوى من الدنيا. لا تبحث عن حكمة وراء المحير من فعالها. وفر قواك لما ~~ينفع. وارض بما قسم. وإذا راودك خاطر اكتئاب، فعالجه بالحب والنغم. # الزمن # قال الشيخ عبد ربه التائه: يحق للزمن أن يتصور أنه أقوى من أي قوة مدمرة، ولكنه يحقق أهدافه دون أن يسمع له ~~صوت. # الصراع الشامل # قال الشيخ عبد ربه التائه: أشمل صراع في الوجود هو الصراع بين الحب والموت. # الأصل # قال الشيخ عبد ربه التائه: أطبق الشر على الإنسان من جميع النواحي؛ فأبدع الإنسان الخير في جميع المسالك. # الخيال # قال الشيخ عبد ربه التائه: قد يدرك المعمر يوما أنه أطول عمرا من أجمل رموز ~~الحياة. # الطائر الأخضر # قال الشيخ عبد ربه التائه: أحببت حتى الذروة، وحلقت بجناحي النجاح، وأطربني الغناء في الليالي البدرية. وعند ~~المغيب هبط الطائر الأخضر، فغرد وأشجاني دون أن أفقه له ms41 معني. # خفقة قلب # قال الشيخ عبد ربه التائه: ما بين كشف النقاب عن وجه العروس وإسداله على جثتها، إلا لحظة مثل خفقة قلب. # الحركة # قال الشيخ عبد ربه التائه: جاءني قوم وقالوا إنهم قرروا التوقف حتى يعرفوا معنى الحياة، فقلت لهم: تحركوا دون ~~إبطاء؛ فالمعني كامن في الحركة. # لا تندم # قال الشيخ عبد ربه التائه: اخفق يا قلبي واعشق كل جميل، وابك بدمع غزير إذا شئت، ولكن لا تندم. # حسن الختام # قال الشيخ عبد ربه التائه: ما أجمل أن تودعها وقد ازداد كل منكما بصاحبه رفعة. # عنوان # قال الشيخ عبد ربه التائه: اقترح تعليق لوحة فوق مدخل الكهف يكتب فيها: «الله يديم دولة حسنك». # ما يملأ الفضاء # قال الشيخ عبد ربه التائه: لولا همسات الأسرار الجميلة السابحة في الفضاء؛ لانقضت الشهب على الأرض بلا ~~رحمة. # اللهفة # قال الشيخ عبد ربه التائه: كابدت من الشوق ما جعل حياتي لهفة مكنونة في حنين. # الغباء # قال الشيخ عبد ربه التائه: لا يوجد أغبى من المؤمن الغبي، إلا الكافر الغبي. # الغناء # قال الشيخ عبد ربه التائه: الغناء حوار القلوب العاشقة. # الآن # قال الشيخ عبد ربه التائه: الحاضر نور يخفق بين ظلمتين. # الدين # قال الشيخ عبد ربه التائه: الحياة دين ثقيل، رحم الله من سدده. # الصفح # قال الشيخ عبد ربه التائه: أقوى الأقوياء من يصفحون. # تذكرة # قال الشيخ عبد ربه التائه: عندما يلم الموت بالآخر، يذكرنا بأننا ما زلنا نمرح في نعمة الحياة. # الواحة # قال الشيخ عبد ربه التائه: في الصحراء واحة هي أمل الضال. # الحديقة # قال الشيخ عبد ربه التائه: ما أجمل راحة البال في حديقة الورد! # الفرج # وفي ليلة الموسم جمعنا الكهف فلم يتخلف أحد. # في الخارج عوت الرياح الباردة، وزمجرت. # في الداخل جاد كل صدر بحنينه حتى عمت نشوة شادية. # وقال الشيخ عبد ربه التائه: هنيئا لمن قام بواجبه في السوق، أو تحدى الكدر. # غضضنا الأبصار من الحياء، وأصغينا إلى ناي الراعي القديم. # وقال الشيخ: انظروا إلى باب الكهف، ولا تحولوا عنه ms42 الأبصار. # وخفقت القلوب حتى ارتعشت جذورها في انتظار الفرج. # وفي لهفتنا، رأته البصيرة وسمعته السريرة. ms43