######OpenITI# #META# URI: 1434CabdGhaffarMakkawi.ZairMinJanna.Hindawi53813195 #META# Tags: plays #META# ID: 53813195 #META# Title: زائر من الجنة: ومسرحيات أخرى #META# AuthorID: 46308160 #META# Author: عبد الغفار مكاوي #META# EditorID: None #META# Editor: None #META# TranslatorID: None #META# Translator: None #META# Related_books: None #META#Header#End# # الإهداء‏ # زائر من الجنة‏ # الانتهازيون لا يدخلون الجنة‏ # الموت والمدينة‏ # ثوب الإمبراطور‏ # المرآة‏ # الجراد‏ # الكنز‏ # الإهداء‏ # زائر من الجنة‏ # الانتهازيون لا يدخلون الجنة‏ # الموت والمدينة‏ # ثوب الإمبراطور‏ # المرآة‏ # الجراد‏ # الكنز‏ # | زائر من الجنة # | زائر من الجنة # | ومسرحيات أخرى # تأليف # عبد الغفار مكاوي # | الإهداء # إلى أحبائي الثلاثة: # وحيد النقاش. # ميخائيل رومان. # صلاح عبد الصبور. # وعدتكم فما استجاب لي القدر، # وعشت في انتظار عودة المطر. # | زائر من الجنة # مسرحية في أربعة مشاهد # الشخصيات # المرأة. # زوجها الثاني. # الشاب. # المعتوه. # أصوات نساء وأطفال. # المسرحية مستوحاة من لوحة شعبية كتبها «معلم» صناع الأحذية - في ~~مدينة نورمبرج - وشاعر عصر النهضة «هانز زاكس» (1494-1576م)، الذي ~~ترك عددا كبيرا من الأشعار واللوحات الدرامية أو بالأحرى ~~«الطرف» التمثيلية التي استمد مادتها وشخصياتها النمطية ~~وحوارها ولغتها الخشنة من النوادر والحكايات الشعبية في العصور ~~القديمة والوسيطة. واللوحة التي اعتمدت عليها هي إحدى تمثيليات ~~عيد الفصح القصيرة التي كتبها «هانز زاكس»، وجعل عنوانها «الطالب ~~المسافر إلى الفردوس» (وتقع في طبعة «ركلام» الصغيرة في حوالي ثلاث ~~عشرة صفحة، شتوتجارت 1958م) وغني عن الذكر أن هذه الصياغة تتصرف ~~في الحكاية الأصلية تصرفا كبيرا، وربما تكون قد جنت على روحها ~~الفلاحية الساذجة، ولو كنت من شعراء العامية المصرية أو كتابها ~~لجاءت أكثر توفيقا. # 1 ~~(قاعة كبيرة في بيت ريفي. على اليمين دولاب ~~كبير، وفي الوسط وعلى اليسار أرائك (كنب) مريحة ومنضدة وبضعة كراسي ~~على حصير ملون مفروش على الأرض. في الواجهة نافذة عريضة تطل ~~منها المرأة البدينة المتسربلة بالسواد. بين الحين والحين تفتح ~~الدولاب وتخرج صورة كبيرة لرجل ريفي في أواسط العمر، تتأملها ~~وتبتسم وتمسح دموعها في وقت واحد، ثم تضعها في مكانها وتعود إلى ~~النافذة. البدر يتوسط السماء، تنظر إليه وإلى الحارة والمزارع ~~والأشجار البعيدة. تتردد أصوات نساء وأطفال يعبرون بالنافذة وهم ~~يغنون ويثرثرون، ويمكن أن ترى أشباحهم أو يكتفى بسماع أصواتهم ~~...) # المرأة ~~: # آه ... البدر اكتمل في السماء، وعدتني أن تأتي في مثل هذه ~~الليلة. في مثل هذه الليلة وعدتني ~~(تطل من النافذة) ~~. # أصوات نساء ms001 وأطفال ~~: # يا جارة نامي يا جارة، # فالسامر ودع سماره، # والشاعر ألقى أشعاره، # لكن الزائر ما زارا، # والقادم لم يبرح داره، # يا جارة نامي يا جارة ... # المرأة ~~(تبتعد قليلا عن النافذة) ~~: # أنام؟ كيف أنام؟ اذهبوا ... اذهبوا، أنتم لا تعرفون ... لو ~~كنتم مثلي تنتظرون. # أصوات النساء والأطفال ~~: # الجارة تنتظر إشارة، # تسأل تتسمع أخباره، # يا جارة قولي يا جارة، # هل جاء رسول ببشارة، # أم ترك على الباب حماره؟ # يا جارة ردي يا جارة. # المرأة ~~: # وماذا أقول؟ يسمونني المجنونة، سكنتني روح ملعونة، ~~لكن من منا الملعون؟ ومن المجنون؟ # صوت امرأة ~~: # المجنونة ... المجنونة. # امرأة أخرى ~~: # ظهر خيالها وغاب. # صوت طفل ~~: # أطلت من النافذة. # طفل آخر ~~: # ونظرت للبدر. # امرأة ~~: # بل كلمته ... # امرأة أخرى ~~: # وماذا قال؟ # أصوات النساء والأطفال ~~: # الطير الغائب قد طارا، # والليل طواه وتوارى، # مذ راح وهاجر أوكاره، # لا تنتظريه يا جارة، # يا جارة نامي يا جارة. # امرأة ~~: # انظروا ... إنها تطل على الحارة. # امرأة أخرى ~~: # هل جاء رسول ببشارة؟ # طفل ~~: # اسمعوا ... # طفل ~~: # إنه قادم هناك. # امرأة ~~: # أرى شبحه. # امرأة أخرى ~~: # أبصر جناحيه. # طفل ~~: # حمار بجناحين؟ # طفل آخر ~~: # أليس حمار العمدة؟ # امرأة ~~: # وحمار العمدة يا جارة، # يتغزل في ظل حمارة. # امرأة أخرى ~~: # قد جاء من الجنة يسعى، # ويقص عليها أخباره. # امرأة ~~: # أرأيت المرحوم عليه؟ # امرأة أخرى ~~: # وسمعت نهيقا يا جارة! ~~(أصوات أطفال تقلد نهيق الحمير، ضحك وتهليل ~~...) # امرأة ~~: # مسكينة ... جسدها في الدنيا. # امرأة أخرى ~~: # وعقلها في الآخرة. # امرأة ~~: # تنتظر القادم من الجنة. # امرأة أخرى ~~: # أو من جهة أخرى. # امرأة ~~: # حرام عليك ... كان رجلا طيبا. # امرأة أخرى ~~: # ليته أخذها معه. # امرأة ~~: # اطمئني ... سيعود زوجك أيضا. # المرأة ~~: # يعود؟ فأل الله ولا فألك. # امرأة ~~: # ويأخذك معه. # امرأة ~~: # ويدفئك من البرد يا أختي ~~(يتضاحكن) ~~. # أصوات النساء والأطفال ~~: # ذهب المرحوم ولم يأت، # من خمس سنين أو ست، # هل يرجع أحد يا أختي، # من أرض الوحشة والموت؟ # المرأة ~~(تلف وتدور في المكان وهي تضع يديها ~~على أذنيها) ~~: # سيرجع ... سيرجع، قولوا مجنونة ... قولوا ملعونة، ولكنه ~~سيرجع ... سيرجع. ~~(تتجه إلى الدولاب وتفتحه، وتمد يدها ms002 ~~بداخله.) # أصوات النساء والأطفال ~~: # قد ران الصمت على الصمت، # والفلك الدائر ما دارا! # وانسكب الدمع بلا صوت، # وصبرت كأنك صبارة، # الغائب راح ولن يأتي، # لا تنتظريه يا جارة، # لن يرجع أبدا للبيت، # يا جارة نامي يا جارة. # صوت امرأة ~~: # بل نامي أنت يا جارة. # امرأة أخرى ~~: # تنام ... ماذا جرى؟ # صوت امرأة ~~: # وأنت ... وأنت ... هيا يا أولاد. # صوت طفل ~~: # إنه قادم ... هناك. # طفل ~~: # من الجنة؟ # امرأة ~~: # أو من الحانة. # امرأة أخرى ~~: # زوجها الثاني ... أعوذ بالله. # امرأة ~~: # أرى ظل الموت ولا أرى وجهه ... هيا هيا. # امرأة أخرى ~~: # يا ويلك يا مسكينة. # امرأة ~~: # سيضربها ككل ليلة. # امرأة ~~: # وسيرتفع عويلها ولن تنام. # امرأة أخرى ~~: # الجبار الظالم ... ولا نحن سننام. # امرأة ~~: # هيا هيا ... قبل أن يرانا. # امرأة أخرى ~~: # الذئب يا أولاد. # صوت طفل ~~: # يفرق القطيع. # المرأة ~~: # والشاة يا أولاد. # صوت طفل ~~: # والحمل الوديع، # يسوقه الجلاد؛ # للذبح يا أولاد، # كأنه الرضيع. # صوت أطفال ونساء ~~: # الشاة يا أولاد، # والحمل الوديع، # يسوقه الجلاد؛ # للذبح يا أولاد، # هيا البسوا السواد، # وأعلنوا الحداد. ~~(وهم ينصرفون مولولين صائحين): # هيا البسوا السواد، # وأعلنوا الحداد. # المرأة ~~(تسحب الصورة من الدولاب، تتأملها ~~وتعانقها وهي تطوف بأرجاء القاعة) ~~: # نعم نعم ... صدقتم يا أولاد، سامحكم الله يا أولاد، لبست ~~السواد من سنين، أعلنت الحداد من سنين ... آه يا زوجي ~~الحبيب، يا زوجي الطيب الحبيب، هل تذكر ليلة احتضارك قلت ~~إنك ستعود، وقلت سألبس السواد حتى أراك، قلت يومها ستلبسين ~~البياض، وأزف إليك كما في ليلة عرسنا، ثوب العرس لا يزال ~~في مكانه، لا زال يلف صورتك ~~(تنشر ثوب الزفاف القديم بين يديها، وتحتضنه ~~وتقبله) # يا زوجي الطيب ... يا زوجي الحبيب، هل ~~نسيتني هناك في الجنة؟ عني شغلتك الحور العين؟ ألست ~~ملاكك الطيب الحنون؟ ألست ملاكي الذي سيجيء مع الفجر؟ ~~انظر ... ها هو البدر في تمامه ... في الليلة التي وعدت، ~~فلماذا تأخرت؟ لماذا تأخرت؟ ~~(تقبل الصورة وتمسح دموعها، تسمع صوتا فتجفل ~~وتتجه إلى الدولاب بسرعة) # لا بد أنه حضر من ~~القهوة، أو جاء يتخبط من الحانة، إنه ms003 زوجي الثاني ... ~~صدقتم يا أولاد، يسوقني الجلاد للذبح يا أولاد، فلأخف ~~الصورة في مكانها، إنه لا يطيق رؤيتها، والثوب أيضا، لو ~~رآها في يدي لبرزت السكين في يده، فلأنزل إليك يا ذئبي ~~العجوز ... يا ذئبي العزيز. ~~(تغلق الدولاب، وتتحرك للنزول ~~بسرعة، بينما يعلو صوت الزوج الثاني من أسفل ~~النافذة) ~~: يا امرأة ... يا امرأة، أنت أيها ~~العجوز النكدة! هل نمت يا ملعونة؟ أأرجع كل ليلة وأنت ~~نائمة كالبقرة؟ ألا تنتظرين؟ ألم أقل لك انتظريني؟ # المرأة ~~(وهي تسرع إلى النافذة) ~~: # انتظر ... نعم ... أنتظره هو ~~(بصوت عال) # نعم يا زوجي ... نعم يا ثوري ~~العجوز. # صوت الرجل ~~: # ثورك ... نعم، ولكنني لست عجوزا. # المرأة ~~: # البقرة تنتظرك ولم تنم، العشاء جاهز. # صوت الرجل ~~: # لا أريد عشاء، بقرة لا تفكر إلا في المضغ، وثورها يموت ~~عطشان. # المرأة ~~: # هل أحضر لك كوب الحليب؟ # صوت الرجل ~~: # تعلمين ما يروي عطشي، هيا اقذفي الدنانير. # المرأة ~~: # الدنانير ~~(لنفسها) # وماذا يهمك؟ أرضي وتعب آبائي وأجدادي ... تذيبها في ~~الكأس كل ليلة ~~(تبحث في جيبها) # خذ ... ~~سكران لا يفيق، متى تعود؟ # صوت الرجل ~~: # أعود أو لا أعود، عندما أشاء. # المرأة ~~: # لا تتأخر، العشاء جاهز ودافئ. # صوت الرجل ~~(وهو ينصرف) ~~: # بقرة لا تفكر إلا في المضغ، وثور يبحث في ضوء البدر عن ~~الدنانير ... الدنانير ... الدنانير. # المرأة ~~(وهي تنصرف حزينة عن النافذة) ~~: # سمعت يا زوجي الحبيب؟ غزالك الجميل أصبح بعدك بقرة، ~~والثور يحلبها كل ليلة، يمص دمها وعمرها، ولا يشبع ولا ~~يرتوي، وتنتظر البدر وتنتظرك ... ويطلع البدر ولا تأتي ... ~~تشكو له ولا تسمع ... وأنت لا ترى ولا تسمع. ~~(تتحرك الستارة ويسمع ~~صوت) ~~: بل أرى وأسمع. # المرأة ~~(كأنها في غيبوبة تسمع وترد على الصوت ~~الغامض) ~~: # فلماذا لم تأت؟ # الصوت ~~: # كل شيء بأوان. # المرأة ~~: # أوترسل من الجنة إشارة؟ # الصوت ~~(يغني) ~~: # قد جاء رسول ببشارة. # المرأة ~~(تواصل الغناء كأنها تردد صدى ~~الأغنيات السابقة) ~~: # والجارة تنتظر إشارة، # تسأل ... تتسمع أخباره، # لكن الزائر ما زارا، # والطير الغائب قد طارا، # يا جارة نامي ... # لا لن أنام، لن أنام، سأظل ساهرة ~~أنتظرك، خمس ms004 سنين وأنا أنتظرك، أفتح عيني على وجهك، أغمض ~~عيني على وجهك، سأنتظرك وستعود، برغم الثور السكير، برغم ~~الذئب المخمور، برغم الجارة والجار، برغم صياح الأطفال ~~(تجري نحو الدولاب، وتخرج ~~الصورة وتقبلها) # يقولون مجنونة، يقولون ~~ملعونة ~~(تغني) # لكني في ~~نظرك أنت غزال ... وغزالك ينتظرك يا صياد تعال ... ينتظرك ~~يا صياد تعال. ~~(تتجه إلى باب في ~~اليسار، تفتحه وتغيب وراءه. يظهر الشاب من خلف ~~الستارة، فقير في أسمال، يبدو عليه تراب التعب والسفر، ~~يحمل على كتفه كيسا كبيرا يضعه على الأرض وهو ~~يمسح عرقه ويقول): # الشاب ~~: # وها هو الصياد قد جاء، فتعال يا صيدي الثمين، تعال يا ~~غزال، تنتظر الزائر من الجنة؟ منذ سنين وسنين، ولماذا لا ~~أكونه؟ أم أن منظري لا يوحي بجنة ولا ... حقا، يوحي ~~بالعائد من نار جهنم ~~(يتجول في ~~القاعة، وينظر حوله يقف أمام مرآة) # لا ... لا ~~يمكن أن أشبهه. الشعر الأشعث، غبرة السفر الدائم والتراب ~~والمطر والريح، والوجه الضامر كالفأر الجائع، والأسمال ~~البالية كأني في الأكفان ... لا لا يمكن أن أكون عائدا من ~~الجنة، أين أخفت صورته؟ ليتني أراه وأتملى وجهه، لا ... لا ... ~~لا يصح أن أفتش في الدولاب، لست لصا، ولكني صياد، وقد ~~أرسلتك السماء إلي يا غزال ~~(يرفع صوته) # فتعال تعال ... تعال. # المرأة ~~(تظهر وتنظر فزعة) ~~: # من؟ ماذا أرى؟ من أنت؟ # الشاب ~~: # سيدتي لا تخافي ... لا تخافي ~~(يقترب منها) ~~. # المرأة ~~(تتراجع) ~~: # من أنت؟ # الشاب ~~: # أنا من تنتظرين. # المرأة ~~: # لا أصدق ... هل جئت الآن؟ # الشاب ~~: # نعم الآن اكتمل البدر في السماء، سمعت ورأيت ~~وجئت. # المرأة ~~: # ربي! من الجنة؟ # الشاب ~~: # من الجنة أو من النار ... المهم أنني جئت. # المرأة ~~: # ولكن صوتك ... وجهك. # الشاب ~~: # صوتي ليس صوته، وجهي ليس وجهه، وهذه الأسمال ... اطمئني ~~لم يقس عليه الزمن قسوته علي، زوجك بخير. # المرأة ~~: # زوجي بخير؟ وأين هو؟ # الشاب ~~: # أين هو؟ في الجنة طبعا ... يستمتع بالنعيم ... ويأتنس ~~بالملائكة والحور العين، إذا عطش سقته الملائكة من عين ~~سلسبيل في أكواب من عسل أو خمر طهور، وإذا جاع مدت ~~له الموائد بما ms005 تشتهي النفس من فاكهة ولحم وطعام، لم تره ~~عين بشر ولم تذقه البطون ~~(يتحسس بطنه ويتأوه) # أما أنا ... # المرأة ~~: # من أنت؟ من أنت؟ # الشاب ~~: # تمنيت لو تكون زوجي. # المرأة ~~: # لا يمكن أن تكون زوجي. # الشباب ~~: # بالطبع ... بالطبع لا يمكن أن يكون ضامر الوجه مثلي، لا ~~يمكن أن يكون الجوع والعطش قد أهلكه مثلي. # المرأة ~~: # تكلم ولا تكذب، من أنت إذن؟ # الشاب ~~: # ومن أكون يا سيدتي؟ رسول من عنده بالطبع. # المرأة ~~: # رسول من عنده؟ هو الذي أرسلك؟ ~~(تفرح فرحا شديدا) ~~. # الشاب ~~: # ومن غيره؟ من أين سأعرف عنوانك؟ من أخبرني أنه ذهب من ~~خمس سنين، إنه وعدك عند طلوع الروح أنه سيزورك أو يبعث ~~برسول. # المرأة ~~: # رسول يحمل البشارة ... كنت أعرف هذا، كنت أثق به ولا أشك ~~فيه، كذبتن يا نساء القرية، وأنتم يا أطفالها الملاعين، قد ~~جاء رسول ببشارة ... قد جاء رسول ببشارة ~~(تغني) ~~. # الشاب ~~(ينبهها متوسلا) ~~: # ولكن الرسول جاء من سفر بعيد ... سفر بعيد بعيد و... ~~(يشير إلى ~~بطنه) ~~. # المرأة ~~(تواصل الغناء وهي تدور حول ~~نفسها) ~~: # قد جاء رسول ببشارة. # الشاب ~~: # سيدتي، لا يمكن أن تغني بينما الرسول ... # المرأة ~~: # اطمئن ... أعرف أنك جئت من سفر بعيد. # الشاب ~~: # ولقيت الأهوال والأهوال ... # المرأة ~~: # وستحكي لي. # الشاب ~~: # طبعا طبعا، ولكني ... ~~(يشير ~~إلى حلقه وبطنه) ~~. # المرأة ~~: # ولكنك ظامئ وجوعان ... طمئني أولا. # الشاب ~~(متوسلا) ~~: # سيدتي! # المرأة ~~: # ستحكي كل شيء؟ # الشاب ~~: # كل شيء ... ولكن عجلي قبل أن يرجع الثور العجوز. # المرأة ~~: # حقا، كيف غاب هذا عني؟ وتعرفه أيضا؟ تعرف كيف ~~يسومني العذاب؟ كيف يمتص دمي ولحمي وعمري ومالي؟ هذا ~~الذئب الجشع ~~(تبكي) ~~. # الشاب ~~: # الجلاد الجزار المخمور السكير ... عجلي بالله ~~عليك. ~~(تنصرف وهي تمسح دموعها إلى الباب على ~~اليسار، وتختفي وراءه لحظات في أثنائها يكلم الشاب ~~نفسه.) # الشاب ~~: # حقا إنها لغزال ثمين، وأنا الصياد الذي يعرف كيف يأكل ~~لحم كتفيه وفخذيه، قادم من الجنة؟ لم لا ... ورأيته هناك؟ ~~وكيف لا؟ أليس رجلا صالحا تزفه الملائكة وترعاه الحور ~~العين ويباركه الأولياء والقديسون؟ يا لهذه الليلة ~~الغريبة! ما أكثر ms006 ما طرقت على الأبواب فلم يفتح باب. أنا ~~الذي عبرت النار وتلظيت بالجحيم طول حياتي، أسقط رأسا ~~من الجنة على رأس هذه المسكينة، هي مثلي تعيش في الجحيم، ~~مثلي أيضا تحلم بالجنة ... الجنة! ها ها ها! فلأضع الزوج ~~البائس فيها، ولأضعك فيها إن شئت وشاء نصيبك. هل أحتاج ~~لشيء غير الخيال؟ وهل ضيعني شيء كالخيال؟ سأشرب وأحشو ~~بطني الفارغة منذ أيام إلا من كلأ الأرض وأشواك الصبار ... ~~آه! رائحة اللحم تفوح، ليتك تأتين معها بشراب دافئ ... ~~فالليلة باردة على القادم من الجحيم ... الخيال! ولماذا لا ~~أطلب منها شيئا يدفئني، لا بل يدفئه من برد ... الجنة ... ~~نعم نعم ... ولم لا؟ ~~(تدخل المرأة وهي تحمل صينية عليها أطباق ~~تتصاعد منها روائح الطعام، الشاب الذي وضع كيسه بجانبه يهرع ~~لحملها وهو يلهث بالدعاء.) # الشاب ~~: # بارك الله فيك أيتها المرأة الصالحة، لا عجب أن يكون ~~زوجك الطيب في الجنة، وأن تلحقي به بعد عمر طويل. # المرأة ~~: # كل واشرب أيها البشير الأمين، ولكن ماذا قلت؟ # الشاب ~~(وهو يقبل على الطعام بشراهة) ~~: # ماذا؟ هل قلت شيئا؟ # المرأة ~~: # كيف ألحق به بعد عمر طويل؟ هل يتركني أنتظره كل هذا ~~الوقت؟ ألم يقل إنه سيحضر بنفسه؟ # الشاب ~~: # يحضر بنفسه؟ نعم ... نعم بالطبع، ولكن هذا يحتاج لبعض ~~الإجراءات. # المرأة ~~: # هل يعقدون الأمور هنا وهناك؟ # الشاب ~~: # ليست الأمور بهذه البساطة، لا في الدنيا ولا في الآخرة. ~~لا بد من إذن أو تصريح في الدخول والخروج، وزوجك الطيب قد ~~قدم الطلب بالفعل، قدمه للملاك المشرف على الجناح الذي ~~يقيم فيه، والملاك يرسله إلى ملاك يتولى شئون المنطقة، ~~وهذا يرفعه إلى الملاك المكلف بالدائرة، وهذا يلتمس ~~الإذن بقبوله من رئيس ملائكة المحافظة، وهذا يؤشر عليه ~~بالموافقة، ثم يلتمس رفعه إلى رئيسه في السماء الأولى، ~~وحتى يصل إلى السماء السابعة، ثم يرفع أخيرا. # المرأة ~~(في حزن) ~~: # حقا ... لا بد أن يمر وقت طويل. # الشاب ~~(مقبلا على الأكل بشراهة) ~~: # لا لا، مسألة روتين، لا تخافي أبدا، أنا أوصيت عليه ~~بنفسي قبل أن أخرج من ms007 هناك. # المرأة ~~: # لا بد أنك تعبت حتى وصلت إلى هنا. # الشاب ~~(ضاحكا) ~~: # تعبت؟ قولي هلكت، غرقت، مت ثم بعثت، كم من جبل ~~ومنحدر، من أنهار وبحور، من أحراش وصحاري ... آه لا ~~تذكريني، وكم دميت قدماي، وتثلج عظمي واحترق، ~~انظري. # المرأة ~~(تنظر إلى قدميه وهيئته) ~~: # مسكين ... مسكين. # الشاب ~~: # كان من الممكن أن يرسلوني على جناحي ملاك مخصوص، ولكن ~~الملاك كلف في آخر لحظة بمهمة علوية، وبقي علي أن ~~أسلم الرسائل بنفسي. # المرأة ~~: # رسائل؟ هل أحضرت معك رسالة؟ # الشاب ~~(وهو يتجشأ راضيا) ~~: # وهل رأيت رسولا بدون رسائل؟ بالطبع بالطبع منذ وصلت إلى ~~الدنيا، وأنا أسلم رسائل في الشرق والغرب ... الهند والسند ~~... رسائل للأهالي والآباء والأبناء من ذويهم ~~الصالحين. ~~(يفتح الكيس الكبير كأنه يريها ~~الرسائل، يستخرج مظروفا أصفر عليه أختام كثيرة، يرفعه في ~~وجهها ثم يرده إلى الكيس.) # وهذه آخر رسالة أوزعها، تعبت حتى عرفت العنوان، ~~قريتكم بعيدة جدا، تصوري أنها غير موجودة على ~~الخريطة؟! # المرأة ~~: # أرجوك ... أرجوك. # الشاب ~~: # تريدين أن تقرئيها ... أليس كذلك؟ هذا الشوق أعرفه في كل ~~العيون، طالما لمحته في وجوه الأبناء، ولمسته في قلوب ~~الزوجات الوفيات. # المرأة ~~: # اقرأه لي، أسرع أرجوك. # الشاب ~~: # آه! نسيت! قبل أن يعود زوجك الثاني، أقصد ثورك ~~المخمور. # المرأة ~~: # لو رآك هنا لقتلني، أسرع! أسرع! # الشاب ~~(يشرب الشاي) ~~: # اطمئني، وما الحاجة لقراءته؟ إنني أعلم ما فيه، ثم إنه ~~قاله لي بنفسه. # المرأة ~~: # إذن فقد رأيته أيضا؟ # الشاب ~~(ضاحكا) ~~: # رأيته؟! يا له من سؤال! وهل له في الجنة حبيب ~~سواي؟ # المرأة ~~: # يا زوجي المسكين ... وحيد أنت في الدنيا والآخرة؟ # الشاب ~~: # وحيد؟ لا لا! لا تقولي هذا ... أليس الفقراء ~~لبعضهم؟ # المرأة ~~: # فقراء؟ وهل هو فقير؟ # الشاب ~~: # طيبة أنت يا حاجة ... اسمحي لي أن أسميك بهذا الاسم ~~المبارك، إنه أفقر من الفقر نفسه. # المرأة ~~: # قلبي عليك يا زوجي، أهكذا تسكت على نفسك؟ # الشاب ~~: # وهذا ما كتبه لك ... أسعفيني يا زوجتي الصالحة. # المرأة ~~: # وكيف يترك نفسه هكذا؟ كيف يتركونه ... # الشاب ~~: # هذه حكاية طويلة يا حاجة ... كان في البداية غارقا ms008 في ~~النعيم ... حرير أرق من أجنحة الملائكة ... عسل وفاكهة وخمر في ~~أكواب وأطباق ذهبية وفضية ... كراسي وأرائك وسجاد وستائر ... ~~قصور وحدائق وجنات وأنهار ... ثم ... # المرأة ~~: # ثم ماذا؟ ماذا حدث؟ # الشاب ~~: # حدث ما يحدث أحيانا بينكم في هذه الدنيا ... اختلف مع بعض ~~الصالحين، تنافسوا على بحيرة يملكها أحد الأولياء ~~الطاهرين، تطور الأمر إلى عراك بالأيدي وسباب وشتائم ... ~~فزعت الملائكة، وأشاحت بوجوهها الحور العين، واضطربت ~~السماء الأولى والثانية والثالثة. # المرأة ~~: # زوجي لا يمكن أن يفعل هذا. # الشاب ~~: # هذا ما حدث يا حاجة، هل تعلمين ماذا فعلوا به؟ # المرأة ~~: # من هؤلاء؟ # الشاب ~~: # رئيس الملائكة وأعوانه المباركون ... قرروا نفيه في كوخ ~~صغير، حكموا عليه أن يخلع حرير الجنة وطيلسان النعيم ~~والقصور، ويفرغ جيبه من الذهب والدنانير ... حكموا ~~عليه. # المرأة ~~(تبكي) ~~: # مسكين يا زوجي الطيب، ألا يكفيهم أن يسير كالشحاذ ~~المسكين؟ # الشاب ~~: # حكموا عليه أن يبقى في الكفن الذي دفن فيه. # المرأة ~~: # الكفن الأبيض وحده؟ # الشاب ~~: # حكم السماء يا حاجة ... عاري الرأس ... حافي القدمين ... إذا ~~خرج من كوخه ليتريض قليلا بعد العصر. # المرأة ~~: # ويراه الناس حافيا عاري الرأس؟ # الشاب ~~: # أشار إليه الملائكة والصالحون، وقالوا: هذا هو الرجل ~~الذي لم يدخل الجنة، ولم يدخل النار. # المرأة ~~: # لم يدخل الجنة؟ # الشاب ~~(مستدركا) ~~: # ولم يخرج منها أيضا ... أقصد أنه في حالة طوارئ، لا هو في ~~الجنة، ولا هو في النار. # المرأة ~~: # يحفظك الله يا زوجي، ما هكذا يعاملونك. # الشاب ~~: # ولهذا أرسل إليك هذه الرسالة الذهبية ~~(يخرجها ويريها لها من ~~بعيد) # انظري ... هذا هو ختم الحارس الأكبر، ~~وهذا ختم وكيله وكاتم سره، إنه يطلب ... # المرأة ~~: # أسرع أسرع، ماذا يطلب؟ # الشاب ~~: # أشياء قليلة ... اطمئني. # المرأة ~~: # قلت لك أسرع ... أخشى أن يأتي ... # الشاب ~~: # الثور الملعون، لا أخشى شيئا، سيتخبط في الظلام طويلا ~~قبل أن يهتدي إلى الباب. ~~(تسمع خشخشة في الحارة، أصوات نحنحة وسعال ~~شديدين.) # الشاب ~~: # آه ... ماذا يطلب صاحبي المسكين؟ عشرة دنانير ذهبية، حتى ~~لا يمشي فارغ الجيب واليد. # المرأة ~~: # طبعا طبعا، ربما اشتاقت نفسه لشراب أو طعام دافئ، خذ ms009 ~~(تضع يدها في صدرها، وتخرج ~~كيسا صغيرا تفرغ منه عشرة دنانير) # خذ، وهذا ~~لك أيضا. # الشاب ~~: # دينار ذهبي؟! # المرأة ~~: # جزاء المشوار، والله يجازيك. # الشاب ~~: # شكرا شكرا، وسيدعو لك زوجك بالستر وبالعافية، هذا ~~أفضل من التسول والعيش على صدقات الأتقياء الصالحين، ويطلب ~~أيضا ... # المرأة ~~(تنظر من النافذة وترجع) ~~: # تكلم تكلم، الزوج ينادي ويلعن على الباب. # الشاب ~~: # إن كان لديك سترة من الصوف أو معطف ثقيل، الدنيا في ~~الآخرة برد كما تعلمين. # المرأة ~~(تهرع للدولاب، تقلب في الملابس وتخرج ~~معطفا أسود) ~~: # خذ، ها هو ذا ... لا بد أن الكفن قد بلي وتعفر ~~بالتراب. # الشاب ~~: # لا تنسي الغيارات الداخلية؛ قميصين وسروالين. يستحسن ~~أن يكونا من الصوف. # المرأة ~~(تقلب في الدولاب وتعطيه) ~~: # خذ ... خذ. # الشاب ~~: # وجلبابا ... جلبابا يستره يا حاجة. # المرأة ~~(تعطيه) ~~: # واحدا من الصوف، وواحدا من الجوخ، لن تبرد أبدا يا ~~زوجي وأنا حية. # الشاب ~~: # وطاقية إذا أمكن من الصوف. # المرأة ~~(بسرعة) ~~: # خذ طاقيتين، واحدة للمشي وأخرى للنوم. # الشاب ~~: # نسيت، كيف أنسى هذا؟ # المرأة ~~: # ماذا ... تكلم تكلم. # الشاب ~~: # هل نتركه يمشي حافي القدمين؟ # المرأة ~~: # آه ... كيف غاب هذا عنا؟ ولكن ليس لدي إلا هذا، قدم زوجي ~~هذه أكبر من قدمه. # الشاب ~~: # لا مانع ... لا مانع، الحذاء أفضل من القدم العارية على ~~الأرض. ~~(يزداد صياح الزوج على الباب، طرق شديد ~~مصحوب باللعنات: افتحي أيتها البقرة، أين ذهبت المجنونة؟ ~~نامت لتحلم بالمرحوم! ها ها ها! المرحوم المرحوم! أم عاد ~~إليها فوق جناح ملاك؟ ها ها! ليته أخذها وأراحني. ليت إبليس ~~يأخذهم جميعا ... إبليس؟ لا لا ... أقصد عزرائيل ... عزرا... عز عز ~~عز...) # المرأة ~~(تطل من النافذة) ~~: # يبدو أنه نام على العتبة. # الشاب ~~: # وماذا أفعل؟ لا بد من الخروج بسرعة، فالطريق ~~طويل. # المرأة ~~: # تعال أريك الباب الثاني، ستخرج من دوار البهائم ~~والحمير. # الشاب ~~: # جزاك الله! أهكذا يعامل القادم من الجنة؟ # المرأة ~~: # لو رآك لذبحك وعلق رأسك بالباب، هيا هيا ... لا تنس أن ~~تسلم عليه، قل له ... # الشاب ~~: # سأقول له كل شيء، اطمئني، سأسعى للعفو عنه. وسيحضر ~~بنفسه ms010. # المرأة ~~: # أنا في انتظاره، منذ أن ذهب وأنا في انتظاره، قل له ~~أيضا ... قل له يأخذ باله من نفسه، سلم عليه ... سلم عليه ... ~~سلم عليه. ~~(تشيعه إلى الباب وهي تشير له، يحمل ~~كيسه على ظهره ويقول وهو يخرج.) # الشاب ~~: # جزاك الله خيرا. # المرأة ~~: # لا تتباطأ عني، وإذا احتاج لشيء فارجع. # الشاب ~~: # وإذا احتجت لشيء، بالطبع سأرجع ... بالطبع سأرجع. # 2 ~~(نفس المنظر، تدخل المرأة وهي تسند ~~زوجها.) # المرأة ~~(تغني) ~~: # يا جارة مرحى يا جارة، # قد عاد رسول ببشارة، # أفق يا رجل ... أفق واسمع. # الرجل ~~: # أفيق؟ لماذا أفيق؟ # المرأة ~~(تواصل الغناء) ~~: # كي تسمع مني أخباره، # وتسر وتعرف أسراره. # الرجل ~~: # لا أريد أن أسمع ... لا أريد أن أعرف، ثم لماذا ~~تغنين؟ # المرأة ~~(تغني) ~~: # زوجي في خير يا جارة، # يا جارة غني يا جارة، # إن كانت معك القيثارة، # فلنشد سويا يا جارة، # ونزيح عن القلب مراره. # اصح يا زوجي، ألا تريد أن تفيق؟ أكل ~~ليلة أرش وجهك بالماء؟ # الرجل ~~: # هيه؟ ولماذا أصحو؟ لأسمعك يا مجنونة؟ ثم لماذا ~~تغنين؟ # المرأة ~~(تهزه بشدة) ~~: # لأن من حقي أن أغني، بعد خمس سنوات معك أغني وأغني ~~وأغني. # الرجل ~~: # في عز الليل تغنين؟ ألا يكفي أنهم يعيرونني بك، في ~~الحانة والسوق والطريق، يشيرون إلي ويقولون: زوج ~~المجنونة. # المرأة ~~: # ويعيرونني بك أيضا، عند النبع وفي الحارة، في المأتم ~~والفرح، فوق الجبل وعند السفح، يقولون: زوج السكير، زوج ~~الثور المخمور. # الرجل ~~: # ثور؟ أنا ثور؟ وأنت البقرة ~~(يصفعها) ~~. # المرأة ~~(ترد الصفعة) ~~: # وأنت الذي حلبتها ومصصت دمعها ولحمها. # الرجل ~~(يفيق قليلا، يجري وراءها ~~ويخطئها) ~~: # أنا؟ أنا؟ أنا الذي رضيت بك يا مجنونة؟ قلت أرملة ~~مسكينة، تزوجتك لوجه الله. # المرأة ~~: # تزوجت الحقل والبيت والساقية وثلاثة ثيران وحمارين ~~وبقرتين. # الرجل ~~(ضاحكا) ~~: # بل بقرة واحدة، بقرة واحدة. # المرأة ~~: # يرحمك الله يا زوجي الأول، كنت تحبني وترعاني وتخشى ~~أن تجرحني النسمة، لماذا تركتني للثور المخمور؟ # الرجل ~~(بدأ يفيق) ~~: # احذري أن ينطحك ويذبحك أيضا، لا تنسي أنه ثور ~~وجزار، أيتها البقرة المغنية. # المرأة ~~: # ألا تسأل لماذا أغني؟ # الرجل ~~(يعلو ms011 شخيره) ~~: # ولماذا تغنين؟ # المرأة ~~: # لو عرفت لغنيت معي، لو عرفت لفرحت لزوجتك. ~~(الرجل يعلو شخيره.) # المرأة ~~(تهزه بشدة) ~~: # لقد عاد ... عاد. # الرجل ~~: # من؟ المرحوم؟! # المرأة ~~: # رسول من عنده. # الرجل ~~(يصحو فجأة) ~~: # من الجنة؟ # المرأة ~~: # وهل يعود مثلك من جهنم؟ # الرجل ~~(يفيق تماما، يبحث في كل ~~مكان) ~~: # أنا الذي سيلقيه في جهنم، أين هو؟ أين؟ # المرأة ~~: # عم تبحث؟ لقد ذهب. # الرجل ~~: # جاء وذهب ... إلى الجنة أيضا؟ # المرأة ~~: # بالطبع ... جاءني بالبشارة وأعطيته الأمارة. ~~(تغني): # قد جاء رسول ببشارة، # يا جارة غني يا جارة. # الرجل ~~: # ما هذا؟ أتلعبين برأسي أيتها البقرة؟ ~~(يهجم عليها.) # المرأة ~~: # وهل تركت الخمر فيها شيئا ألعب به؟ دعني ... ~~دعني. # الرجل ~~: # ألعب كما أشاء ... ما شأنك أنت؟ # المرأة ~~: # تلعب بمالي، بما تسرقه من أرضي وأرض أجدادي. # الرجل ~~(متلطفا) ~~: # دعينا من هذا، قولي من الذي جاء؟ ماذا أعطيته؟ # المرأة ~~: # وهل تركتني أقول لك؟ هل سألت عن المعجزة؟ # الرجل ~~: # معجزة؟ # المرأة ~~: # أن يحضر شاب من الجنة، ومعه رسالة من المرحوم، ألا ~~تسمي هذا معجزة؟ # الرجل ~~: # شاب فقير؟ ~~(لنفسه) # لا ~~بد أنه لص خطير، صفيه لي. # المرأة ~~: # كيف أصفه؟ ليتك رأيته معي. # الرجل ~~: # كنت خنقته بيدي، هيا صفيه لي. # المرأة ~~: # قلت لك شاب فقير، عبر الجبال والصخور، والصحاري ~~والبحور، فتش في كل مكان عني، هل تعلم أن قريتنا ~~ليست على الخريطة؟ # الرجل ~~: # ما هذا الهراء، قرية وخريطة، ماذا كان يلبس؟ # المرأة ~~: # مسكين، أسمالا سودها التراب والمطر، شعره طويل ~~طويل، وقدماه حافيتان. # الرجل ~~: # وماذا يحمل على ظهره؟ # المرأة ~~: # ماذا يحمل على ظهره؟ نعم نعم ... ألم أقل لك؟ الكيس ~~الكبير، فيه رسالة إلي، وكله رسائل مختومة من ~~الملائكة. # الرجل ~~: # يا إلهي، مختومة أو مبصومة ... وأين هي؟ # المرأة ~~: # تعلم أنني لا أقرأ. # الرجل ~~: # لا تقرئين ولا تفهمين، أين هي؟ # المرأة ~~: # قلت لك قرأها علي، رسالة من المرحوم، ألا يسرك أن ~~يكتب إلي ... # الرجل ~~: # يسرني؟ طبعا يسرني، وماذا يقول فيها؟ ~~(لنفسه) # هؤلاء الملاعين، ~~يستغلون السذج المساكين، ويوزعون عليهم المنشورات، ~~يبشرونهم بالجنة ويسرقونهم، ماذا قال فيها؟ # المرأة ~~: # ماذا ms012 قال فيها ؟ ~~(تبكي.) # الرجل ~~: # أف ... ما الذي يبكيك الآن؟ # المرأة ~~: # لو سمعت لبكيت معي. # الرجل ~~: # سأبكي حتما ... سأبكي. # المرأة ~~: # هل تتصور أنه يعيش وحيدا في كوخ صغير؟ زوجي الطيب ~~الصالح يعيش وحده في كوخ. # الرجل ~~: # كوخ ... كوخ في الجنة؟ # المرأة ~~: # أنت لا تعرف الحكاية ... دبت بينه وبين بعض الصالحين ~~خناقة، ثار زوجي المسكين كعادته وسبهم ولعن أجدادهم، ~~فجاء رئيس الملائكة ... # الرجل ~~: # الحمد لله، وقذفه في الجحيم. # المرأة ~~: # معاذ الله، إنه لا يزال في الجنة، ولكن على ~~الحدود. # الرجل ~~: # على الحدود؟ وماذا يفعل هناك؟ # المرأة ~~: # بل قل كيف يعيش؟ ماذا يلبس؟ # الرجل ~~: # قولي أنت ... # المرأة ~~: # قلبي تقطع وأنا أسمع ما قاله الشاب، بكيت حتى احمرت ~~عيناي ... تصور أنه الآن يلبس الكفن الذي دفن فيه؟ # الرجل ~~: # بالطبع، وهل يلبس ملابس الزفاف؟ # المرأة ~~: # زوجي المسكين ... زوجي المسكين ~~(تبكي) ~~. # الرجل ~~: # أنا المسكين ... أنا المسكين ... وماذا أعطيته؟ # المرأة ~~: # وهل رأيته حتى أعطيه؟ ليته جاء بنفسه بعد طول الانتظار ~~(تبكي) ~~. # الرجل ~~(يهدئها) ~~: # سيجيئ حتما، ماذا أعطيت الشاب الملعون؟ # المرأة ~~: # كل ما يحتاجه، قميصين وسروالين. # الرجل ~~: # آه. # المرأة ~~: # والجلباب الجوخ، وجلباب الصوف. # الرجل ~~: # الصوف؟ # المرأة ~~: # الدنيا برد هناك ... أقصد الآخرة، وطاقيتين. # الرجل ~~: # يا إلهي، تمت المعجزة، وكيف أنام الليلة؟ # المرأة ~~: # وعندما قال إنه يعيش على الصدقات أعطيته ... # الرجل ~~: # تمت ... تمت، ماذا أعطيته؟ # المرأة ~~: # هل يرضيك أن يتسول هناك؟ # الرجل ~~: # بالطبع لا، كم أعطيته؟ # المرأة ~~: # عشرة دنانير. # الرجل ~~: # ذهبية؟! # المرأة ~~: # أتريد أن يمد يديه للناس؟ ودينارا آخر. # الرجل ~~: # لمصروف الطريق ~~(لنفسه) # يا لعينة! وحين أسألك تبخلين ~~وتمكرين. # المرأة ~~: # ماذا تقول؟ # الرجل ~~: # لا شيء. # المرأة ~~: # ألست راضيا عني؟ # الرجل ~~: # راض؟ كل الرضا. # المرأة ~~: # كنت أقول هذا لنفسي، أنت زوج طيب برغم كل شيء. # الرجل ~~: # ولكن يا زوجتي الطيبة. # المرأة ~~: # ماذا يا زوجي الطيب؟ # الرجل ~~: # ألم يخطر ببالك أن هذا المبلغ قليل؟ # المرأة ~~: # صحيح، أتظن أنه قليل؟ # الرجل ~~: # أظن؟ بكل تأكيد. وماذا تنفع عشرة دنانير في الجنة؟ هل ~~تكفي للعسل أو الخمر؟ # وماذا يفعل المرحوم لو قابله مجذوب من أهل ms013 الله، وسأله ~~حسنة تنقذه من الجوع وذل السؤال؟ # المرأة ~~: # حقا ... ماذا يفعل؟ # الرجل ~~: # لا لا لا ... لا بد من مضاعفة المبلغ ... هيا هيا أعطيني ~~عشرة أخرى لألحق به قبل أن يصل إلى هناك، من أين ~~ذهب؟ # المرأة ~~: # من الباب الآخر عبر الدوار. # الرجل ~~: # نعم نعم ... في أي طريق؟ # المرأة ~~: # آه ... أظن أنه سيصل إلى التلة، ثم ينحدر منها إلى ~~الأرض البور خلف محطة الوابور، ثم يسير مع خط السكة ~~الحديد، حتى يبلغ سلسلة الجبال، وإذا عبرها سار في خط ~~مستقيم ~~(تناوله الدنانير ~~العشرة) ~~. # الرجل ~~: # طبعا ... طبعا هو الطريق المعلوم، وماذا كان ~~يلبس؟ # المرأة ~~: # قلت لك لا يلبس شيئا. # الرجل ~~(صارخا) ~~: # تذكري ... لا بد أنه يلبس شيئا، حتى ولو كان كفنا ~~كالمرحوم. # المرأة ~~: # آه ... أجل على ظهره كيس كبير بني اللون، فيه رسائل ~~مختومة. # الرجل ~~: # بختم الملائكة، وعليه بذلة أم جلباب؟ # المرأة ~~: # بذلة؟ نعم بذلة زرقاء، ولكنها أسمال ... أسمال، وحول رقبته ~~شال أسود. # الرجل ~~: # شال أسود ... حسن ... حسن، وربما يلبس جلبابي الأسود ~~فأخنقه. # المرأة ~~: # ماذا؟ ماذا تقول؟ # الرجل ~~: # أقصد سأعرفه على الفور، وسأعطيه الدنانير العشرة ~~ليسلمها للمرحوم. # المرأة ~~: # جزاك الله كل خير يا زوجي العزيز، هذا ما كنت أقوله ~~دائما لنفسي. # الرجل ~~: # زوج طيب رغم كل شيء، هيا لا تضيعي الوقت. # المرأة ~~: # أتريد أن تعطيه شيئا آخر؟ # الرجل ~~(صائحا) ~~: # هيا أسرجي الحمار، هيا بلا إبطاء. # المرأة ~~: # جزاك الله الخير يا زوجي، كنت أعرف أنك وفي ~~(تذهب) ~~. # الرجل ~~: # رغم كل شيء ... آه يا ربي، لماذا ابتليتني بهذه ~~البلية؟ # المرأة ~~(تعود) ~~: # لو شاء الله ومت سأرسل لك أكثر مما أرسلت إليه. # الرجل ~~: # قلت اذهبي، امرأة بلا عقل ولا روح ولا جسد ... بقرة عجوز ~~حمقاء، قردة تضحك عليها القرود وتبكي ... لماذا يا ربي أعميت ~~عقلها وصممته وأخرسته؟ كيف نفخت فيها من قبسك المنير ~~وبقي مع ذلك في ظلام بهيم؟ لكي أتعثر فيه وأسقط؟ لكي ~~أرتطم بخفافيش الحمق ليل نهار؟ لكي تفضحني في الشارع ~~والسوق والبيت والطريق؟ آه يا ربي ألأني أشفقت عليها ~~ورضيت بها ms014؟ ومن سيصدق أنها ترسل المال والثياب والحذاء ~~لرجل مات من خمس سنين؟ أهو الحب الذي يصيب العقل بالعمى ~~والعين بالجنون؟ أف من هذه المصيبة! جعلتني أخلط أيضا ~~وقريبا أصبح كالمجنون، وأنت ... أنت أيها اللص المتسول أيها ~~الأفاق اللئيم! كيف أوقعتها في مصيدتك؟ لا بد أنك طالب ~~متسكع أو فقيه فاسد أو محتال مأجور. أكاد أعرفك من ~~كثرة ما سمعت عنك. آه لو وقعت في يدي! ستعرف من منا ~~الأمكر والأدهى، سترى أن الكتب لم تنفعك ولن تنجيك ... ~~سأقتص منك وأجعلك تتوب. سأزفك على حمار أعرج في شوارع ~~القرية وأفرج عليك العميان وأسمع الصم صياحك ونواحك ... ~~أيها الجدي الضال! لن تفلت من الثور المخمور ... الثور ~~المخمور، وسأشرب في صحتي حتى أصبح الثور والجزار والضحية ~~والسكين والكلب المسعور. ~~(ينصرف وهو يخور ويكشر عن أسنانه وينبح ~~بصوت عال.) # 3 ~~(خلاء وبرد في الصباح والجو غائم، الشاب يجلس ~~على شجرة مقطوعة ويناجي نفسه ... الكيس أو الجراب أمامه، يقلبه ~~ويستخرج منه بعض محتوياته ثم يطويها. يحدث نفسه ويذرع المكان ~~جيئة وذهابا، يلمح شبحا قادما فيحاول أن يخفي الجراب. الشبح ~~يظهر عن قرب ... يسبقه أنينه وتأوهاته.) # الشاب ~~: # ما بك أيها الرجل؟ لماذا تئن وتتأوه؟ # الرجل ~~: # ولدي يا ولدي. ولدي يوشك أن يسبقني إلى الجنة. # الشاب ~~: # أنت أيضا؟ ما الذي جرى؟ هل يتسابق الجميع هنا إلى ~~الجنة؟ # الرجل ~~: # منذ شهرين وهو يموت ... يلفظ روحه نفسا نفسا أمام ~~عيني. # الشاب ~~: # وماذا تفعل هنا في العراء؟ كيف تتركه وتمضي؟ # الرجل ~~: # أتركه؟ أنا لا أتركه يا بني، إنما جئت أبحث عن ~~الشيخ. # الشاب ~~: # أي شيخ يا رجل؟ # الرجل ~~: # الشيخ الواعظ أيها الشاب، يقولون عني معتوه، ولكني ~~أعرف الواعظ من الفاسق، هل رأيته يا ولدي؟ # الشاب ~~: # وكيف أراه يا رجل؟ هل ترى شيئا حولك؟ أتبحث عنه بين ~~الأشواك وشواهد القبور؟ # الرجل ~~: # قالوا في القرية المجاورة، وراء التل، سألت عنه هناك ~~فقالوا هو في الخلاء، يصوم ويعتكف ويدعو ويصلي لله. ألم ~~تره يا ولدي؟ # الشاب ~~: # لم أر إنسا ولا جنا، في هذه الأرض ms015 لا ترى حيا ولا ~~حياة. # الرجل ~~: # إذن فسأبحث عنه وراء الهضبة، ربما يكون هناك يا ~~ولدي. # الشاب ~~: # اذهب إلى ابنك يا رجل، كيف تتركه؟ # الرجل ~~: # قلت لم أتركه ... أأنت أيضا؟ # الشاب ~~: # لا لا ... أنت رجل عاقل، ولكن ارجع لتكون مع ابنك. # الرجل ~~: # أنا معه يا ولدي، من أجله أبحث عن الشيخ. أريد أن يكون ~~معه، أن يقرأ آيتين على رأسه. قالوا هذا يجعله من أهل ~~الجنة. # الشاب ~~: # اذهب يا رجل، عد إلى ابنك. # الرجل ~~: # وإذا رأيته ترسله في الحال. أرجوك يا ولدي. # الشاب ~~: # قبل أن تصل إلى عتبة بيتك، اذهب ... اذهب. # الرجل ~~: # قل له بيت المعتوه، ابني يموت يا ولدي، ابني ~~يموت. # الشاب ~~: # اطمئن ... سأقول له كل شيء. # الرجل ~~: # وهو يعرف أنني لست بمعتوه، يعرف أنهم ... # الشاب ~~: # بالطبع، أنهم يظلمونك ... أسرع أسرع. # الرجل ~~: # قل له لا يتأخر ... أرجوك. # الشاب ~~: # أسرع يا رجل ... أسرع. ~~(ينصرف الرجل، يعود الشاب إلى جرابه ويقلب ~~في محتوياته، يفرك يديه من البرد.) # الشاب ~~: # برد، برد شديد! ماذا كنت سأفعل لولا الدنانير؟ ~~الدنانير؟ بل لولا دينار واحد؟ كنت هلكت كالبهيم ونفقت ~~كالحمار. عندما دخلت المطعم بعد طلوع الفجر، حقا إنها ~~حكاية! النادل العجوز يكنس السلم. عبرته غير مبال، دخل ~~ورائي مسرعا، صعد في بصره وأنزله ... لماذا تنظر هكذا! ~~وبصوت مرتفع كالأعيان وأصحاب الأملاك هيا ... أعد ~~الفطور! ولا تنس شرائح اللحم، والبيض والجبن من كل ~~الأنواع. لماذا تنظر إلي أيها الأبله؟ ألا أليق بهذا ~~الفطور الملكي؟ لا ترضيك سترتي البالية وشالي المعفر ~~ووجهي الذي لطمت الرياح والأمطار والعواصف صخرته الناتئة ~~وجعدتها وملأتها بالشقوق؟ وهرعت إلى الدنانير ... أخرجت ~~الكيس وأسمعته الرنين، فزع المعتوه. ترك المكنسة وربط ~~المداعة، وأقبل على العمل. هل يطلب سيدي شايا بالحليب؟ ~~قهوة بالحليب يا ثور! هكذا يفعلون في بلاد الله ~~المتحضرة. قهوة باللبن، وسكر كثير كثير. فالطريق وعر لا ~~يزال ... الطريق وعر على الدوام. ولا تسل عن الانحناءات ~~والاحترامات والتحيات. هذا لك! والدعوات أيضا والابتهالات ~~(يخرج الكيس ~~ويرنه) # هكذا تفعل أيها السم البراق! تفتح ~~العيون ms016 وتغمضها وتدفع الأبواب بالأقدام. دينار معك فأنت ~~مع نفسك، مع الحق، مع القوة، مع العدل والحقيقة ... الحقيقة؟ ~~تتمدد كالجثة إن لم ينفخ فيها الدينار الدفء. إن لم ~~تنعشها شمس الدينار الذهبية! بوركت أيتها المرأة ~~الطيبة! أيتها الحاجة الصغيرة البائسة! الحاجة! ها ها! ~~سميتها الحاجة، ولم لا؟ صيد ثمين يا غزال! صيد يكفيني ~~مئونة الشتاء. وماذا كنت أفعل الآن بغير دفء ولا شراب؟ ~~ليت الوقت اتسع، ليت الذاكرة لم تكن كالغربال المخروق. ~~إذن لطلبت شايا وسكرا وبنا وكومة أرغفة تعين على ~~الطريق. الطريق طويل يا امرأة. الطريق وعر يا حاجة! آه لو ~~عرفت أنه يؤدي دائما إلى الجحيم! الجنة! أجل أجل، حلمت ~~بها طويلا، وحرقت عيون الفكر والعزم والخيال. حاولت أن ~~أصنعها للأطفال والجيران والأصحاب وأهل القرية. وفي كل مرة ~~تتهشم أجنحة الحلم على صخرة القبح والظلم. في كل مرة ~~تسحقها أقدام القردة، وتلوكها أنياب الذئاب والكلاب، ~~حتى الحمير الراضية القانعة تصمم أن يكون العلف من ~~الأحلام. فإذا شبعت تمددت في الشمس ورفعت النهيق آمين ~~آمين! وأنا المطارد والمطرود. أهيم من بلد إلى بلد بلا ~~عدة ولا حذاء، جواب آفاق أم أفاق؟ حالم بالجنة أم هارب ~~من الجحيم؟ ودائما أعود إلى المركز، وألف حول الدائرة ~~وحيدا في البرد والليل، في الصحراء والهجير. ابتعدي أيتها ~~الذكريات! بدأت الشمس تسلط على رأسي سياطها فدعيني. ~~وماذا أفعل الآن؟ لا بد من الاحتياط، ربما يكون الثور ~~المخمور في أعقابي. ربما أفاجأ به يقبض على خناقي، ~~فلأسرع أيتها الحيلة أين وصاياك وعكازك؟ أين نذورك ~~وبخورك وألاعيبك يا شيخ السوء وحاوي السيرك المغمور؟ ها ~~ها! ها هي ذي! الجبة والشال والعمامة. لو لبست الجلباب ~~لعرفني. لو بقيت بهذه الأسمال لوقعت في القفص كالنسناس ~~المذعور. والشال الأسود ... حمدا لله أنني لم أنسه على ~~رقبتي! وشكرا لك أيها المعتوه، أنا الشيخ الذي تنتظره ... ~~أنا الذي سيرسل ابنك للجنة ... يرسله؟ ولماذا لا آخذه معي؟ ~~لماذا؟ ~~(ينزع الشال الأسود، ~~ويلقيه في الجراب، يستخرج الجبة والعمامة والشال ~~الأبيض، يتلفت حوله) ~~. # أرض بور ms017! أرض خراب ! أشواك وبقايا جذوع وشواهد قبور، أما ~~من شجرة أقبع في ظلها أو أستند عليها وأغير ملابسي؟ ~~أدائما تكشف الرغبات وتعرى الأحلام؟ وماذا لو رأيته ~~الآن ووقعت في الفخ؟ من أجلك يا سيدتي المسكينة. من أجلك ~~يا حاجة أحتمل عذاب الرحلة للجنة أو للجحيم. ~~(يبدأ في تغيير ملابسه قطعة قطعة ~~وهو يدندن بلحن الأغنية التي سمعها من النساء ~~والأطفال مع بعض التغيير): # يا جارة مرحى يا جارة، # قد جاء رسول ببشارة، # ورآك وحقق أوطاره، # واحتال الشاطر بشطارة، # يا جارة مرحى يا جارة. # عظيم! شيخ أخنى عليه الزمان، معلم لم ~~تعلمه الأيام. من أجلك أيتها المسكينة، وأنت أيها الطفل ~~المسكين، هل بقي شيء؟ نعم نعم. الجراب، لا بد من إخفائه، ~~أين أخفيه؟ أين أخفيه؟ لعن الله هذا الخلاء. لم تبق إلا ~~الأرض، أيها الرحم المفتوح على الدوام. أيها الكهف الأمين ~~اللعين. وأين المهرب منك؟ اليوم تلقم الجراب وغدا صاحب ~~الجراب! ~~(يحفر حفرة يخفي فيها ~~الجراب. يرتب ملابسه وعمامته ويفتح كتابا في يده، ~~يتلفت وراءه فيلمح شيئا يتقدم نحوه) ~~. # ها هو ذا! تعال يا ثوري المخمور. تعال يا ثوري ~~المسعور. # وهل تعجزني التعاويذ والبخور؟ ~~(يتقدم الزوج وينزل من على حماره.) # الزوج ~~: # سلام أيها الشيخ! # الشاب ~~(يرفع رأسه من على الكتاب) ~~: # سلام أيه العبد المؤمن. # الزوج ~~: # معذرة ... سؤال بسيط. # الشاب ~~: # بارك الله يا ولدي ... ولي سؤال بسيط. # الزوج ~~: # أجب أولا عن سؤالي. # الشاب ~~: # سأفعل إن شاء الله إذا أجبت عن سؤالي. # الزوج ~~: # ولكنني متعجل، إن لم تجب هرب الجاني. # الشاب ~~: # لا يغرك أنني أقرأ وأنني جالس، إن لم تجبني مات ~~المرحوم. # الزوج ~~: # المرحوم؟ هل رأيته؟ # الشاب ~~: # وهل كنت أسألك؟ أنا هنا تائه يا ولدي. غريب عن هذا البلد ~~وعن هؤلاء الناس. لا أرى غير الأشواط ولا أشم غير رائحة ~~الموتى والمستنقعات، هل تدلني على ... # الزوج ~~: # هل تدلني أنت على رجل مر من هنا؟ # الشاب ~~: # لا أجيب حتى تجيب، أيقظوني من عز النوم لأحضر وفاة ~~طفل مسكين. تركوا العنوان وتركوني بغير دليل، هل ms018 تعرف كفر ~~البور؟ # الزوج ~~: # أعرفها ... إني آت منها، وماذا تريد منها يا شيخ؟ من ~~تريد؟ # الشاب ~~: # فلاح هناك، يبدو أنه رجل طيب موعود. أقصد معتوه من أحباب ~~الله، قالوا بيته بجوار دوار شيخ البلد، وله طفل واحد، ~~والمسكين يموت. # الزوج ~~: # لا حول ولا قوة إلا بالله، يكفي أن تتجه وراء ~~التلة. # الشاب ~~: # نعم نعم ... # الزوج ~~: # وتجتاز البركة الكبيرة. # الشاب ~~: # تصور يا ولدي حال المسكين! أب معتوه والابن الوحيد. ~~والابن الوحيد يصارع القضاء والمقدور، منذ ليال وأسابيع ~~وشهور. # الزوج ~~: # الموت حق يا شيخ. # الشاب ~~: # بالطبع يا ولدي، توكلنا على الحي الذي لا يموت، سأقرأ ~~على رأسه إن شاء الله. # الزوج ~~: # يا شيخ ... افعل ما قدرك الله، ولكن بالله عليك ... # الشاب ~~: # ماذا تريد يا ولدي؟ # الزوج ~~: # هل نسيت؟ سؤالي لم تجب عليه. # الشاب ~~: # اسأل يا ولدي وستعرف إن شاء الله. # الزوج ~~: # هل مر عليك أحد الآن؟ رجل يلبس بذلة زرقاء، عليه أسمال ~~بالية، وعلى رقبته شال أسود، وفوق ظهره ... # الشاب ~~: # جراب ... جراب بني منفوخ. # الزوج ~~: # تماما يا شيخ ... أسرع بالله عليك، أين ذهب؟ # الشاب ~~: # ذهب يا ولدي ... لم يتوقف حتى أسأله. # الزوج ~~: # بالطبع بالطبع كان متعجلا. # الشاب ~~: # جريت وراءه وأنا ألهث، لم يرحم ضعفي وشيخوختي ~~(يسعل) ~~. لم يرد بكلمة ~~واحدة. # الزوج ~~: # هو نفسه ... هو اللص الملعون. # الشاب ~~: # لص ... وملعون، القلوب يعلمها علام الغيوب يا ولدي ... أين ~~ذهب؟ # الزوج ~~: # أنا الذي أسألك يا شيخ ... # الشاب ~~: # كان يسرع كالحصان في الرهان، يا ولدي انتظر ... ~~انتظر. # الزوج ~~: # ولم يرد عليك. # الشاب ~~: # لم يلتفت إلي ... شباب هذه الأيام! # الزوج ~~: # ذهب في أي اتجاه؟ # الشاب ~~: # وكيف أعرف؟ قلت لك لم يرد، اختفى وراء هذه الهضبة، ~~عبرها كالمهر الطائر في الريح، أتعرف ماذا فكرت حين رأيته ~~وهو يجري؟ # الزوج ~~: # ماذا يا شيخ؟ # الشاب ~~: # تخيلت ما كنت أسمعه في طفولتي ... بدا كأنه نعش ~~يطير. # الزوج ~~: # نعش؟ أيكون قد مات قبل أن أخنقه بيدي؟ # الشاب ~~: # لا لا، هذه خرافات يا ولدي ... كانوا يقولون إن الرجل ~~الصالح يطير نعشه في الهواء ms019، وكأنه يسبق المشيعين إلى ~~الجنة. # الزوج ~~: # عرفته يا شيخ ... هو أيضا يزعم أنه ذاهب إلى ~~الجنة. # الشاب ~~: # أرأيته قبل هذا؟ # الزوج ~~: # لو رأيته لفصلت رأسه الملعون عن جسده النجس، ولكنني ~~عرفت ما فعل، قال إنه ذاهب إلى الجنة، وترك في البيت نارا ~~تشتعل. # الشاب ~~: # معاذ الله، أحرق البيت؟ # الزوج ~~: # نهب ما فيه، هل تفعل النار أكثر من هذا؟ # الشاب ~~: # وماذا نهب يا ولدي؟ اربط الحمار إلى هذا الجذع ~~وتكلم. # الزوج ~~: # تعطلني يا شيخ، حتى الحمار يستعجلني للإمساك به، لا ~~تدري كم نهب وخرب. # الشاب ~~: # لا بد أنه لص مشهور. # الزوج ~~: # يقولون طالب صعلوك، وربما واعظ فاسق أغواه إبليس. # الشاب ~~: # أعوذ بالله، إلى هذا الحد يا ولدي؟ # الزوج ~~: # وأكثر يا شيخ، ضحك على زوجتي البلهاء. قال لها إنه قادم ~~من الجنة، هذه النعجة الحمقاء وقعت في يد الجزار. # الشاب ~~: # الجزار، لا أفهم يا ولدي. # الزوج ~~: # رجل صالح مثلك لا يفهم أولاد هذا الزمان. # الشاب ~~: # هل ذبحها لا سمح الله؟ # الزوج ~~: # ذبحني أنا يا شيخ، هل تعرف ماذا فعلت المسكينة؟ # الشاب ~~: # وماذا فعلت؟ # الزوج ~~: # لم يكفها ما أخذ، الدنانير وجلبابين من الجوخ والصوف، ~~وحذاء أدخره للشتاء. أعطته كذلك عشرة دنانير، دنانير من ~~الذهب يا شيخ. # الشاب ~~: # من الذهب؟ في أيام لا نعثر فيها حتى على القش والعلف؟ ~~لماذا يا ولدي؟ # الزوج ~~: # لكي يسلمها لزوجها الأول. كانت متزوجة قبلي. المعتوهة لا ~~ترضى بي، لا ترضى عني، ولهذا تنتظر أن يرجع الزوج الصالح ~~من الجنة. # الشاب ~~: # مسكينة، تريد الجنة وتقع في نار إبليس. # الزوج ~~: # أنا الذي وقعت يا شيخ، ولكنه لن يفر، لن يهرب ~~مني. # الشاب ~~: # وماذا ستفعل يا ولدي؟ استعذ بالله واسترح قليلا. # الزوج ~~: # أستريح؟ لا بد من اللحاق به يا شيخ. لا بد من ضربه حتى ~~يتوب، ثم خنقه حتى يستريح منه الناس، أف لقد ~~عطلتني. # الشاب ~~: # إذن فعجل، هل سيسعفك هذا الحمار؟ # الزوج ~~: # الحمار؟ حقا لم أفكر في هذا، بالطبع لن يسعفني، شيطان ~~كسول لا ينفع في شيء، هل ستبقى هنا ms020 قليلا يا شيخ؟ # الشاب ~~: # سأبقى يا ولدي حتى تعود، إنني متعب ولا بد أن ~~أستريح، ولكن لا تتأخر فالطفل المسكين ... # الزوج ~~: # الطفل؟ قبل أن أترك القرية، سمعت صواتا من ناحية الدوار ~~الكبير. # الشاب ~~: # يرحمه الله، هكذا تموت الأطفال، وتموت معها الأحلام، ~~أسرع يا ولدي. # الزوج ~~: # سامحك الله يا شيخ، تفكر في الأطفال والأحلام، ~~وتعطلني عن الإمساك باللصوص! # الشاب ~~: # أنا أعطلك يا ولدي؟ اذهب اذهب في أمان الله. # الزوج ~~: # وهذا الحمار الملعون؟ # الشاب ~~: # خذه أو اتركه في أمان بإذن الله. # الزوج ~~: # ستنتظرني إذن؟ # الشاب ~~: # بالطبع يا ولدي، لكن لا تتأخر ... لا تتأخر. # الزوج ~~: # إذن إلى اللقاء. # الشاب ~~: # إلى اللقاء يا ولدي، وليعني الله على البلاء. # الزوج ~~: # خذ بالك من الحمار ~~(يجري ~~مسرعا نحو الهضبة) ~~. # الشاب ~~: # توكل على الله، توكل على الله ... في يوم واحد كل هذا ~~البلاء، طفل يموت وبيت يخترق وحمار كسول، هيا قف في مكانك، ~~أتريد أن تذهب معه؟ أتريد أن تعرف الطريق إلى الجنة. الجنة ~~هنا تحت قدميك، وأنت ستكون تحت قدمي. هذا الثور المخمور ~~يظن أنني صيد سهل. ومع ذلك فالمسكينة تعز علي، أيتها ~~الطيبة الصالحة تكفيك نار هذا الثور المسعور، هذا الجزار ~~المخمور. لا بد من الإسراع قبل أن يرجع إليك ويفسد الحلم ~~علي وعليك. لا بد من الإسراع ~~(يستخرج الجراب) # لست لصا ولا أفاقا، ~~إنني شريد مطرود. نعم نعم، شريد مطرود. أنتقم ممن ~~يستحق الانتقام، أما أنت أيتها المسكينة، أيتها الطيبة ~~العينين، أيتها الحالمة بطيف الجنة، ها هو الحالم يعود ~~إليك من وسط النار يعود. من قلب النار يعود ليعتذر إليك، ~~هل تعفين وتنسين؟ سيعود إليك ولن يعفو عن نفسه، لن يجرؤ ~~أن يوقظك من الحلم. إنه يحلم مثلك في وسط النار يقيم خيام ~~الأحلام، من وسط النار يعود إليك ~~(يلقي نفسه على ظهر الحمار) # وإليك أيها ~~المعتوه، تحلم أن يسبقك إلى الجنة ولم لا؟ وأنت أيها الطفل ~~المسكين، لا بد أنك تنتظرني، هيا ... هيا ... هيا ~~(يلكز الحمار ~~ويمضي) ~~. # 4 ~~(نفس المنظر الأول، المرأة تذهب وتجيء ms021 في ~~القاعة . تتجه للنافذة بين حين وحين، تلمحها إحدى الجارات المارة ~~في الشارع فتكلمها وتسمع صوتها من بعيد.) # صوت الجارة ~~: # مساء الخير يا جارة. # المرأة ~~: # مساء الخير. # الجارة ~~: # ما لك يا جارة؟ # المرأة ~~: # مالت الشمس للغروب ولم يعد. # الجارة ~~: # ربما يرجع مع الفجر، أو عندما يكتمل البدر. # المرأة ~~: # لا يمكن أن يتأخر، لقد ذهب على الحمار. # الجارة ~~: # يا حسرتي عليك، تعيشين حياتك في انتظار، هل جاء وذهب ~~بالحمار؟ # المرأة ~~: # من تقصدين؟ إنه زوجي. # الجارة ~~: # أيهما يا جارة؟ المرحوم أم المخمور؟ # المرأة ~~: # ألم أقل لك؟ باركي لي يا أختي. # الجارة ~~: # وعلام أبارك؟ لأنه ركب الحمارة؟ # المرأة ~~: # أنت لا تعرفين، جاء رسول ببشارة. # الجارة ~~: # أخيرا جاء؟ # المرأة ~~: # قلت لك جاء، في الليل وجدته أمامي، على ظهره جراب، وفي ~~الجراب رسالة. # الجارة ~~: # رسالة منه؟ من المرحوم؟ # المرأة ~~: # بالطبع، ألم أقل لك أن قلبي لا يكذب، ذهبية ومختومة بختم ~~الملائكة. # الجارة ~~: # وما هي أحواله يا أختي؟ ماذا يقول؟ # المرأة ~~: # بخير، بخير والحمد لله، ولكن البرد هناك شديد. # الجارة ~~: # البرد؟ هناك في الجنة؟ # المرأة ~~: # طبعا يا جارة. البرد هنا وهناك. والمرحوم ضعيف كما ~~تعلمين. # الجارة ~~: # أعلم يا أختي، وهو هناك ... # المرأة ~~: # وحيد وفقير ... تركوه في الكفن الذي دفن فيه، هل يمكن أن ~~أتركه بلا مال ولا ثياب؟ # الجارة ~~: # مسكين، وماذا فعلت يا أختي؟ # المرأة ~~: # ماذا فعلت؟ ما تفعله الزوجة الوفية. # الجارة ~~: # أرسلت إليه الثياب والمال؟ # المرأة ~~: # بالطبع يا أختي، أرسلتها مع البشير، جلبابين وطاقيتين ~~وحذاء وعشرة دنانير. # الجارة ~~: # وزوجك؟ هل علم بهذا؟ # المرأة ~~: # وذهب ليعطيه الباقي. قال عشرة دنانير لا تكفي، ألم أقل ~~لك إنه زوج طيب رغم كل شيء؟ # الجارة ~~: # رجل طيب يا أختي، وركب الحمارة. # المرأة ~~: # ليلحق به ويعطيه الأمانة، لا بد أنه سيرجع بعد ~~قليل. # الجارة ~~: # يا فرحته بك يا أختي! # المرأة ~~: # ويا فرحتي به وبك، غني يا أختي. قد جاء رسول ببشارة، ~~غني ودعي الجارات يغنين. # الجارة ~~: # الجارات والأطفال يبكين يا أختي. # المرأة ~~: # يبكين؟ ولماذا يا أختي؟ # الجارة ~~: # ألم تسمعي النواح ms022 منذ قليل ؟ إنهن في المأتم. # المرأة ~~: # كفى الله الشر، من الذي مات؟ # الجارة ~~: # ألا تعرفين؟ ابن المعتوه مات اليوم. البلد كلها هناك ~~تعزيه. # المرأة ~~: # يرحمه الله، لقد كنت نائمة، لم يبق له أحد في ~~الدنيا. # الجارة ~~: # والشيخ عنده من الصباح، يقرأ على رأسه من كتاب ~~الله. # المرأة ~~: # الله يصبره يا أختي، الطفل الميت يذهب للجنة. # الجارة ~~: # هذا ما يقوله الشيخ، وعندما يموت أبواه يأخذ بأيديهما ~~إلى هناك. ~~(تسمع أصوات نواح وعويل من بعيد.) # المرأة ~~: # يا حسرتي على الصغير، كان يزورني ويغني لي. # الجارة ~~: # يا حسرتي عليه وعليك، سيزورك حتما فانتظريه. # المرأة ~~: # سأنتظره يا أختي، سأنتظره. # الجارة ~~: # ها هو زوجك قد عاد، هيا يا أختي لتستقبليه. # المرأة ~~: # أرأيته؟ ألم أقل لك؟ # الجارة ~~: # يا حسرتي عليه وعليك، يا حسرتي على الجميع ... يا حسرتي ~~على الجميع ~~(تنصرف) ~~. # المرأة ~~(تفتح الباب) ~~: # زوجي؟ هل عدت؟ # الزوج ~~(مترنحا يتأوه) ~~: # وهل ظننت أنني لن أعود؟ # المرأة ~~: # يبدو عليك التعب يا زوجي الحبيب، يبدو عليك التعب، ~~ولماذا لم تركب الحمار؟ # الزوج ~~: # الحمار؟ نعم، أين الحمار؟ # المرأة ~~: # هل نسيته يا زوجي؟ لقد وضعت السرج عليه في ~~الصباح. # الزوج ~~: # الحمار والسرج، نعم نعم ... تذكرت. # المرأة ~~: # تكلم يا زوجي ~~(لنفسها) # ربي، تفوح منه رائحة البراميل، ~~هل شربت يا زوجي؟ # الزوج ~~: # شربت؟ طبعا طبعا. كأسين فقط، في صحة السرج ~~والحمار! # المرأة ~~: # ألم تجد الرجل؟ ألم تعطه الدنانير؟ # الزوج ~~: # كيف يا امرأة؟ رأيته وأعطيته الحمار والدنانير. # المرأة ~~: # الحمار أيضا؟ وماذا تفعل بدونه؟ # الزوج ~~: # وماذا يفعل مسافر إلى الجنة؟ هل أتركه يمشي على قدميه؟ ~~الطريق طويل يا امرأة، الطريق وعر وطويل! # المرأة ~~: # الطريق وعر طويل، حقا يا زوجي العزيز، حسنا فعلت، كيف ~~غاب هذا عني؟ # الزوج ~~: # ألم أقل لك أنت امرأة طيبة. # المرأة ~~: # أنت الطيب يا زوجي، كنت أعلم أنك لن تغار من زوجي ~~الأول المسكين، كنت أعلم أنك لن تبخل عليه. # الزوج ~~: # أنا أبخل عليه؟ المهم ألا تبخلي أنت علي. # المرأة ~~: # أبدا يا زوجي الطيب، لن أبخل أبدا عليك. # الزوج ~~: # ولن تخفي الدنانير ms023؟ # المرأة ~~: # جرب أن تموت يا زوجي، وسأرسل إليك كل شيء. الثياب ~~والأحذية والدنانير. # الزوج ~~: # ولا تنسي البرميل. # المرأة ~~: # أعرف أعرف. # الزوج ~~: # ها ها ... برميل على ظهر جمل يا امرأة، جمل وبرميل ... جمل ~~وبرميل. ~~(يتجه للانصراف.) # المرأة ~~: # إلى أين تذهب؟ # الزوج ~~: # ولماذا لا أذهب؟ رجلي وأنا حر فيها، والحمار ضاع، ~~والدنانير ... # المرأة ~~: # ألم تعطها له؟ # الزوج ~~: # كيف لم أعطها له ~~(يربت على ~~ظهرها وخديها) # هل نتركه يتسول في الجنة ~~كالشحاذين؟ أخذها يا امرأة، ولكنه أعطاني واحدا ~~للطريق. # المرأة ~~: # رجل طيب. # الزوج ~~: # وأنا؟ ألست طيبا يا امرأة؟ ألا أستحق أن أشرب على ~~روحك وروحه؟ # المرأة ~~: # أتذهب الآن؟ # الزوج ~~: # إلى الجنة؟ لا ليس الآن، لا تنسي يا زوجتي الطيبة، جمل ~~وبرميل ... البرميل فوق الجمل. والجمل فوق البرميل ... البرميل ~~البرميل ~~(يخرج) ~~. # المرأة ~~: # طيب ووفي، كنت أعرف هذا ولا أصدقه. آه لو يترك ~~الخمر! كان المرحوم صالحا لا يترك الجامع. وأنت لا تترك ~~الحانة، ولكنكما طيبان، ولكنكما طيبان، يرحمنا الله ... ~~يرحمنا الله. ~~(يظهر الشاب فجأة من وراء الستار، هو الآن ~~شيخ معمم، يضع الجراب على الأرض.) # الشيخ ~~: # يرحمك الله ... يرحمك الله. هل نسيت يا حاجة؟ # المرأة ~~: # من؟ أنت؟ # الشيخ ~~(يخلع العمامة والجبة) ~~: # عرفت الآن؟ # المرأة ~~: # اختف يا رجل، من أين أتيت؟ ألم تذهب ... # الشيخ ~~: # ذهبت وعدت. اطمئني يا حاجة. # المرأة ~~: # بهذه السرعة؟ # الشيخ ~~: # كان الملاك الحارس ينتظرني. ما كدت أعبر التلة حتى ~~حملني إلى الجنة. # المرأة ~~: # الملاك؟ ألم تركب الحمار؟ ألم يعطه لك زوجي؟ # الشيخ ~~: # الحمار ... آه تذكرت، إنه أمام الباب. # المرأة ~~: # فهمت، رجعت عليه. # الشيخ ~~: # أوصلني الملاك إلى القرية، ثم ركبت الحمار. # المرأة ~~: # كيف حاله؟ هل أعطيته؟ # الشيخ ~~: # ماذا أقول لك؟ # المرأة ~~: # تكلم ... تكلم هل يطلب شيئا آخر؟ # الشيخ ~~: # بل يشكرك على هداياك. رفض أن يقبل شيئا. # المرأة ~~: # رفض؟ كيف رفض هل هو غاضب علي؟ # الشيخ ~~: # انتظري يا حاجة، سأل عنك، فقلت له: هي على ما يرام. ~~تزوجت بعدك، ولكنها لا تنساك. # المرأة ~~: # الله أعلم بحالي، أنا أيضا لا أنساه. # الشيخ ~~: # ولكنه قال: لا ms024 حاجة لي بالدنانير، أعطها لها فهي أولى ~~بها. ~~(يعطيها الدنانير.) # المرأة ~~: # أنا أولى بها؟ ومن أين ينفق هو؟ # الشيخ ~~: # لا لا، اطمئني الدنيا بخير، لو كنت معي لما صدقت، أنا ~~نفسي لم أصدق عيني، حرير في حرير، ذهب في ذهب، كأنه ~~ملاك منير. # المرأة ~~: # هل ترك الكوخ الذي كان فيه؟ # الشيخ ~~: # وهو الآن في قصر بديع. حدائق وحراس وأسوار وأعناب ~~ونخيل. ابتهجي يا حاجة، زغردي إن كنت تستطيعين ... إنه في ~~نعيم أي نعيم. ~~(تحاول أن تضع يدها على فمها لتزغرد، يهجم ~~عليها فيمنعها، تجفل إلى الوراء.) # الشيخ ~~: # صوتي إذا استطعت. # المرأة ~~: # أصوت؟ تأتيني بالبشارة ومع ذلك تمنعني. # الشيخ ~~: # ألم تسمعي الصياح والعويل؟ ألم يتأثر قلبك؟ # المرأة ~~: # الصياح والعويل؟ نعم نعم، الطفل الصغير ... كيف ~~عرفت؟ # الشيخ ~~: # كنت هناك، مات على صدري. # المرأة ~~: # كنت هناك؟ # الشيخ ~~: # جاءني أبوه وأنا في طريقي إلى الجنة. كان يبكي وينوح ~~ويمزق الوجه والجلباب. دعاني أن أرجع معه لأقرأ على رأس ~~الصغير، كنت أعرف ... # المرأة ~~: # كنت تعرف أنه سيموت؟ # الشيخ ~~: # إنه في طريقه إلى الجنة، ملاكي الحارس قال لي: خذه معك ~~إلى هناك. # المرأة ~~: # ولكنك ... # الشيخ ~~: # أفهم سؤالك، لكنني لست شيخا. # المرأة ~~: # لم تكن كذلك عندما رأيتك. # الشيخ ~~: # اجلسي يا حاجة، اهدئي واجلسي. # المرأة ~~: # تخيفني وتقول اهدئي! # الشيخ ~~: # اهدئي وأفيقي، افتحي عينيك وأذنيك. # المرأة ~~: # تكلم ... هل أسمع ما أخشاه؟ # الشيخ ~~: # لا تخشي شيئا، افتحي عينيك، أتسمعين هذا ~~النواح؟ ~~(تسمع أصوات النواح من ~~بعيد.) # أنا أيضا مثل هذا الطفل المسكين، مت ~~مثله عشر مرات، مائة مرة، في كل مرة كنت أغمض عيني على ~~حلم يموت، ثم أفتحها وأشقى في الدنيا لأغمضها من ~~جديد. # المرأة ~~: # ربي! كلامك عجيب. # الشاب ~~: # ليس في الأمر عجيب. مع كل طفل يموت يموت كذلك حلم، ~~وأنا مت ألف مرة، لكن الحلم لم يمت. هل تعرفين أباه ~~المعتوه؟ المسكين سيزداد جنونه، لقد مات حلم يدخره ... ~~حلم للأرض وللقرية وللأب المسكين، أما أنا فكنت ولا زلت ~~أحلم. والحلم في كل مرة يقتل في عيني وبين يدي ms025. يقتل ~~في البيت والشارع والسوق والقرية والمدينة، حلمت فصرت ~~معلما في كتاب، ثم مات الحلم فتركت الكتاب والكتب، ~~حلمت فصرت واعظا في جامع، ثم رأيت الأحلام تموت في عيون ~~البؤساء وتركت الوعظ والجامع. جربت أن أنادي في الشارع ~~والسوق، صرت حاويا وبائع أدوية وبخور وتعاويذ. صرت ~~منجما وقارئ كف وفنجال ومهرجا في سيرك، في كل مرة كان ~~الحلم يموت، وحش ينقض عليه ويخنقه وينزع جناحيه. # المرأة ~~: # كلامك غريب ... كلامك غريب. # الشاب ~~: # وجربت بيع الأحلام وشراء الأحلام، الأحلام تموت على ~~الأرض وبين الناس. فلأجرب أحلاما أخرى لأناس آخرين، لهذا ~~جئت إليك من الجنة بالأحلام. # المرأة ~~: # نعم جئت ... زوجي أعطاك العنوان. # الشاب ~~: # افتحي عينيك يا امرأة، أفيقي وافتحي عينيك، الناس ~~تقول عني: أفاق ومحتال، وأنا أقول لنفسي: بائع أحلام، ~~هل تغفرين لي؟ # المرأة ~~: # أغفر لك؟ هل اقترفت ذنبا حتى أغفر لك؟ # الشاب ~~: # بعت لك الحلم، زوجك المخمور سيقول: نصبت عليك. # المرأة ~~: # لا لم يقل شيئا، لقد لحق بك ليعطيك الدنانير وترك ~~لك الحمار، إنه زوج طيب. # الشاب ~~: # كلهم طيبون، زوجك الأول أيضا كان طيبا. # المرأة ~~: # أنت رأيته بنفسك في الجنة، وقريبا سترجع إليه. # الشاب ~~: # أفيقي يا امرأة، افتحي عينيك وأذنيك، أنا لم أره ولن ~~أراه ... إنها الأحلام ضاقت بها الدنيا، فذهبت للآخرة أحلام ~~... أحلام. # المرأة ~~: # أحلام أو غير أحلام، لقد قابلته وطمأنتني عليه. # الشاب ~~: # قابلته؟ أنت أول من صدق الحلم. # المرأة ~~: # لأني أصدقك أيها الشاب؛ لأنني أثق فيك، ألم يقل إنه ~~سيفي بوعده، ألم يقل إنه سيزورني عن قريب. # الشاب ~~(يحمل جرابه على ظهره، ويطيل التأمل في ~~وجهها العجوز البريء) ~~: # سيزورك بالطبع ... بالطبع. # المرأة ~~: # قل له: سأظل انتظرك كما وعدت. # الشاب ~~: # نعم نعم، لا يمكن أن يخيب رجاءك. # المرأة ~~: # سأظل أنتظره حتى يأتي في ليلة اكتمل فيها البدر، ليلة ~~تشبه ليلة عرسنا، سأظل أنتظره. # الشاب ~~: # كلنا ننتظر، كل الأحلام تموت إلا هذا الحلم. # المرأة ~~: # هل تذهب اليوم؟ # الشاب ~~: # نعم نعم، لا بد أن أذهب. # المرأة ~~: # وتراه هناك؟ # الشاب ~~: # أراه؟ بالطبع بالطبع ... ألم ms026 أقل لك ليس لي صديق ~~سواه؟ # المرأة ~~: # ألا تريد أن تأخذ شيئا معك؟ # الشاب ~~: # قلت لك هو الآن بخير، ملاك ينعم في قصر عظيم. نور يحيا ~~في النور. # المرأة ~~: # أعرف ... أعرف، ولكن ربما يحتاج لشيء، سكر أو شاي. فطيرة ~~أو دجاجة، لقد رد الثياب والدنانير. # الشاب ~~: # لا ... لا، كل شيء هناك. هل نسيت ما قلته لك؟ # المرأة ~~: # لم أنس ... لم أنس، إنها الجنة أيها الشاب. # الشاب ~~: # نعم نعم هي الجنة. # المرأة ~~: # المهم ألا ينساني هناك. # الشاب ~~: # ينساك؟ هل يمكن أن تشغله الجنة عنك؟ يكفي أن ~~تنتظريه. # المرأة ~~: # وسأظل أنتظره. # الشاب ~~: # وتصرين على الحلم؟ # المرأة ~~: # سمه كما تشاء، ولكنه لن يموت. # الشاب ~~: # يكفيني هذا، يكفيني حلم واحد لا يموت ... الوداع ~~(ينظر إليها في ~~صمت) ~~. # المرأة ~~: # أتذهب؟ تذكر إن كان في حاجة إلى شيء، إن كنت تحتاج ~~شيئا. # الشاب ~~: # لا ... ليس في حاجة إلى شيء، لست في حاجة إلى ~~شيء. # المرأة ~~: # والطفل المسكين؟ ألن تأخذه إلى هناك؟ # الشاب ~~: # اطمئني، لقد حمله الملاك وسبقني على الطريق. # المرأة ~~: # كل الأطفال تذهب إلى الجنة. # الشاب ~~: # لتواصل الأحلام، الوداع. # المرأة ~~: # الوداع. # الشاب ~~: # إلى أن يجيء ... # المرأة ~~: # سأواصل الانتظار. ~~(الشاب يطيل النظر إليها قبل أن يستدير، ~~يمد يده مسلما، ولكنها لا تنتبه إليه، يسحبها حين يرى بريق ~~عينيها الناظرتين إلى السماء، بعد قليل تكتشف خروجه، تهرع ~~إلى النافذة، يسمع صوت امرأة تتبعه أصوات نساء وأطفال.) # صوت ~~: # يا جارة، هل سمعت يا جارة. # صوت ~~: # جاء رسول ببشارة ~~(يضحكن) ~~. # صوت ثالث ~~: # حرام عليكن، الميت لم يجف دمه في القبر. # صوت ~~: # مسكين، الموت رحمه من الموت. # صوت ~~: # منذ شهور وهو يلفظ أنفاسه. # صوت ~~: # وأبوه، يا حسرتي عليه، يهيم في الشوارع ~~كالمجنون. # صوت ~~(يضحك) ~~: # ويقول ابني راح الجنة وسألحق به. # صوت ~~(ضاحكا) ~~: # ولماذا لا يذهب إليه؟ # صوت آخر ~~: # ولماذا لا ينتظر حتى يأتي إليه، حتى يأتيه رسول ببشارة ~~(ينادي) # يا جارة ... ~~يا جارة. # المرأة ~~(تنظر من النافذة) ~~: # نعم يا جارة. # صوت ~~: # هل جاء رسول ببشارة؟ # صوت آخر ~~: # هل جاء وأعطاك أمارة ms027؟ # صوت آخر ~~: # بل أخذ أمارة ... شالا وحذاء وحمارة. # صوت ثالث ~~: # انظرن ... انظرن، قد ترك على الباب حمارا. ~~(ترتفع ضحكاتهن، المرأة تقول في ~~ثبات): # المرأة ~~: # غني يا جارة، غني يا جارة. # قد جاء رسول ببشارة. # صوت ~~: # هل جاء من الجنة يجري، # أم فوق حمار أو مهر؟ # هل جاء بعسل أو خمر # من نبع الكوثر كالفجر؟ # المرأة ~~: # قد جاء وعاد إلى الجنة. # افرحن يا جارات، افرحن معي، وقريبا يأتي زوجي ~~الحبيب. # سأظل أنتظره كما وعد. # صوت ~~: # لا تنتظريه يا جارة. # ها هو يترنح في الحارة. # يحجل كغراب أو فأرة. # غرقت في برميل الخمرة. ~~(يتضاحكن ويبتعدن فرارا.) # الزوج ~~(يدخل بعد قليل وهو يترنح) ~~: # ما هذا يا امرأة؟ ما هذا الضحك والصياح؟ # المرأة ~~: # وما هذه الرائحة يا رجل؟ # الزوج ~~(يغني بصوت أجش) ~~: # الجميل ببرميل الخمرة، # قد غرق وأصبح كالفأرة. # المرأة ~~: # أف لك، دائما تفضحني أمام الناس. # الزوج ~~: # وأنت؟ ألم تفضحيني أمام البلد كلها؟ # المرأة ~~: # جاراتي جئن يباركن لي. # الزوج ~~: # يباركن أو يضحكن عليك؟ ~~(يقترب منها ويصفعها على وجهها) ~~. # المرأة ~~: # وتصفعني أيها الجمل الأجرب ... أيها الثور ~~المخمور؟ # الزوج ~~: # والثور هو الجزار المخمور، خذي! ~~(يهجم عليها فترده ويسقط على ~~الأرض) # لو كان معي السكين، لو كان معي ~~السكين. # المرأة ~~: # وتريد أن تصبح قاتلا. # الزوج ~~(لاهثا) ~~: # وأدفنك حية. # المرأة ~~: # لن تخيفني ~~(يختفي وراء ~~الستار، ثم يعود وفي يده السكين) ~~. # الزوج ~~: # وأسلخك وأقطع لحمك أيتها البقرة. # المرأة ~~(تتحداه) ~~: # افعل لو كنت شجاعا. # الزوج ~~: # وأشجع من المرحوم. # المرأة ~~: # مخمور وجبان، هو أشرف منك وأطهر. # الزوج ~~: # تحملتك خمس سنين. # المرأة ~~: # ونهبتني خمس سنين. # الزوج ~~: # السكين ... السكين ~~(تسقط من ~~يده) ~~. # المرأة ~~: # ملعون ... ملعون. # الزوج ~~: # هات السكين. # المرأة ~~: # ترتعش يداك من الخمرة، # يا جملا أجرب يا فأرة. # الزوج ~~: # نادي المرحوم ... ها ها ها، نادي المرحوم! # حتى أذبحك وأذبحه بالسكين، # آكل لحمكما ثم أصوم. # المرأة ~~: # لا تذكر اسمه. # الزوج ~~: # ها ها، هل هو معصوم؟ # يا مرحوم! يا مرحوم! # المرأة ~~: # اخفض صوتك القبيح. # الزوج ~~: # أنا حر ... أنادي عليه. # المرأة ~~: # أخفض صوتك. # الزوج ~~: # حتى لا ms028 يسمعنا الجيران ؟ ها ها! يا جارة قولي للجارة ~~ننتظر من الزوج زيارة! # المرأة ~~: # سأنتظره وحدي. # الزوج ~~: # وأنا؟ ألست زوجك الطيب؟ زوجك الوفي؟ # المرأة ~~: # زوجي في الجنة. # الزوج ~~: # وأنا في البرميل! ها ها ها! ~~(سمع أصوات النساء والأطفال ~~وهي تغني من بعيد كما في المشهد الأول): # تحلم - لا زالت - ~~بمحال. # بالزوج يعود من الجنة، # هل يجري ماء في العالي، # والميت هل يترك كفنه؟ # الزوج ~~: # سمعت؟ الميت هل يترك كفنه؟ ~~(يحاول أن ينهض ليتجه إلى النافذة، ~~فيسقط على الأرض.) # المرأة ~~: # سيعود، رغم أنفك سيعود. # أصوات النساء والأطفال ~~: # ما جدوى الأرق أو السهد، # والدمع على الخد الوردي؟ # قد ذهب الحلم بلا عود، # والوردة ذبلت في الخد، # كالطفل الميت في المهد، # قد ذهب الحلم بلا عود. # الزوج ~~: # سمعت! ذهب الحلم بلا عود، كالطفل الميت في المهد. مات ... ~~مات الحلم. # المرأة ~~: # موتوا بغيظكم ... الحلم لا يموت. # الزوج ~~: # غني يا جارة! غني يا جارة. # أصوات نساء وأطفال ~~: # يا جارة عودي يا جارة، # للأرض وإن كانت نارا. # الزوج ~~: # للأرض. # المرأة ~~: # للجنة. # أصوات النساء والأطفال ~~: # فالأرض هي الأم البارة. # الزوج ~~: # الأرض هي الأم البارة. # المرأة ~~: # الأرض جحيم. # الزوج ~~: # يا جارة ... # أصوات النساء والأطفال ~~: # يا جارة عودي يا جارة، # وتعالي نهبط يا جارة، # من برج الحلم إلى الحارة. # الزوج ~~: # هيا افتحي الباب. # المرأة ~~: # الباب مفتوح. # الزوج ~~: # تعالي إلى الحارة. # المرأة ~~: # اذهب أنت. # الزوج ~~: # وتأتين معي؟ # المرأة ~~: # سأنتظره. # الزوج ~~: # الميت لا يترك كفنه، هيا معي ~~(يهجم عليها بعد أن أفاق قليلا ~~ويضربها) ~~. # المرأة ~~: # سيعود ... يعود من الجنة. # الزوج ~~: # وها هو الباب ~~(يغلق ~~الباب) ~~. # المرأة ~~(تفتحه) ~~: # سيعود ... يعود وأنتظره. # الزوج ~~: # وسأسلخ جلدك يا بقرة. ~~(يضربها، تبكي، ينهار على الأرض وهو ~~يحاول أن يغلق الباب.) # المرأة ~~(تفتحه رغما عنه) ~~: # سيظل الباب مفتوحا، وسأظل أنتظره. # أصوات من بعيد ~~: # ما جدوى الأرق أو السهد، # والدمع على الحلم الوردي؟ ... إلخ. # المرأة ~~: # سأنتظره ... اسمعوني جميعا، سيعود، يعود وأنتظره. # الأصوات ~~: # قد ذهب الحلم بلا عود. # والورد يموت على الخد، # كالطفل الميت في المهد. # المرأة ~~(تصرخ كالمجنونة، وهي ms029 تدور بين الباب ~~والنافذة) ~~: # سيعود، يعود من الجنة، # والميت قد مزق كفنه، # الباب مفتوح ... تعال ... تعال، إنني ~~أنتظرك. ~~(تبكي وتنهار على الأرض، ثم تنهض بعد ~~قليل وتفتح الأبواب والنوافذ على اتساعها، تتردد من بعيد ~~أصوات النساء.) # هل يصعد ماء في العالي؟ # والميت هل يترك كفنه؟ # تحلم لا زالت بمحال، # بالزوج يعود من الجنة. # المرأة ~~(تتجه إلى النافذة، وتتطلع منها في ~~تحد. تنظر باحتقار إلى الزوج الممدد على الأرض. ترجع ~~إلى الباب وتواجهه في إصرار وهي تردد بصوتها الذي ~~يعلو على أصوات النساء) ~~: # لا بد أن يعود. # لا بد أن يعود. # | الانتهازيون لا يدخلون الجنة # مسرحية في ستة مشاهد # مهداة إلى عبد الرحمن فهمي. # الشخصيات # المريض. # زينب: # زوجته. # أحلام: # ابنتهما. # الطبيب. # محمد دربالة: # وهو الشق الآخر من نفس المريض المنقسمة. # صبري: # وكيل وزارة سابق. # الممرضون. # الملاك الأسود الصامت. # جوقة الأطفال. # هذه المسرحية صياغة حرة لقصة «الجلسة» لصديق العمر الكاتب الفنان ~~عبد الرحمن فهمي. ولو سلمنا بوجود عدد من روائع القصة المصرية ~~القصيرة - قد لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة أو اليدين - لكانت ~~«الجلسة» في تقديري هي إحدى هذه الروائع بغير منازع (نشرت القصة ~~في مجموعته الأخيرة «العود والزمان»، القاهرة سنة 1969م، من صفحة 7 ~~إلى صفحة 42). ~~(حجرة واسعة في عيادة طبيب الأمراض النفسية ~~والعقلية، مكتب كبير في مواجهة النظارة، يجلس الطبيب على كرسي ~~موضوع أمامه أو يقوم أحيانا ليعاين المريض أو يكلمه، على ~~اليمين أريكة مستطيلة يتمدد عليها المرضى أثناء التحليل، يقف ~~خلفها أربعة من الممرضين في ثياب بيض، وهم يمثلون الجوقة ~~التي تراقب الأحداث أو تستفسر عنها وتعقب عليها. المريض جالس ~~على الأريكة بعد أن انتهى الطبيب من فحصه، يدفن رأسه بين كفيه ~~ويبكي. الممرضون يحاولون أن يساعدوه على ارتداء ملابسه، وفي يد ~~كل منهم قطعة منها.) # 1 # المريض ~~: # ابنتي ماتت يا دكتور. ابنتي ماتت. # الطبيب ~~: # أعرف، أعرف. # المريض ~~: # إنه يتهمني بقتلها، يتهمني بقتلها. # الطبيب ~~: # اهدأ أرجوك. # المريض ~~: # أهدأ؟ كيف أهدأ بالله عليك؟ هل تتصور أنني قتلتها؟ هل ~~سمعت عن أب قتل ms030 ابنته؟ ~~(يبكي.) # الطبيب ~~: # كفى بكاء. نريد أن نتناقش في هدوء، هيا ارتد ~~ملابسك أولا. ~~(الممرضون يحاولون أن يساعدوه على ارتداء ~~ملابسه فيصدهم بعنف.) # المريض ~~: # بل قل أنت أولا، هل تعتقد أنني مجنون؟ # الطبيب ~~: # مجنون؟ لا لا، لا تبالغ. # المريض ~~: # هو الذي أقنعك بهذا. أليس كذلك؟ وزوجتي أيضا، لم ~~يكتفوا باتهامي بقتل ابنتي، اتهموني أيضا ~~بالجنون. # الطبيب ~~: # قلت لك لا تبالغ في كلامك. نحن الأطباء حريصون في ~~استعمال الألفاظ. إنه مجرد فحص عادي. فحص انتهينا منه ~~ويمكنك أن تطمئن. # المريض ~~: # أطمئن؟ أطمئن وأنت تعتقد أنني مجنون! # الطبيب ~~: # بل أعتقد أنك سليم، الكبد سليم، القلب سليم، الرئة ~~سليمة، اهدأ الآن وارتد ملابسك. # المريض ~~: # اهدأ، اهدأ، أليس عندك غير هذه الكلمة؟ هل جربت فقد ~~عزيز أو حبيب؟ هل رأيت في حياتك إنسانا يحتضر؟ ابنتي ~~ماتت يا دكتور، ماتت! ~~(ينشج ~~نشيجا مؤلما.) # الطبيب ~~: # وهذا هو سبب الأزمة. أزمة طارئة ستزول، كل شيء سيعود ~~أفضل مما كان. # المريض ~~: # وتسميها أزمة؟ موت أحلام واتهامي بالقتل والجنون في ~~رأيك أزمة؟ # الطبيب ~~: # قلت لك احترس في استعمال الألفاظ. # المريض ~~: # الجنون أو القتل. ما الفرق بينهما؟ إنهما يطاردانني ~~في كل مكان، أصابعهما تشير إلي حتى في المنام، تآمرا ~~علي يا دكتور تآمرا علي، هل أنت معهم أم معي؟ # الطبيب ~~: # سنتناقش الآن، ستحكي كل شيء. وسنعرف الحقيقة. # المريض ~~: # وهؤلاء؟ # الممرضون ~~(في صوت واحد) ~~: # نحن مع الحق، # لسنا معك ولا ضدك. # نحن مع الحق. # المريض ~~(يلتفت إليهم فزعا كأنه يكتشفهم ~~فجأة. يرى أيديهم الممدودة بقطع ملابسه) ~~: # سألتك من هؤلاء؟ # الطبيب ~~: # ما الذي يخيفك؟ إنهم يمدون أيديهم إليك. يريدون أن ~~يساعدوك. # المريض ~~: # يساعدونني أم يخنقونني؟ ابتعدوا أيها ~~الجلادون! # الممرضون ~~: # لسنا جلادين ولا نحن قضاة. # المريض ~~: # هو الذي أرسلكم. # الممرضون ~~: # لم يرسلنا أحد. من تقصد؟ # المريض ~~: # الذي يطاردني ويتآمر علي، هو ولا أحد سواه. محمد ~~دربالة. # الممرضون ~~: # محمد دربالة؟ # المريض ~~: # كلكم محمد دربالة. كلكم تتربصون بي. كلكم تمدون ~~إلي حبل المشنقة. # الممرضون ~~(ضاحكين) ~~: # أتسمي السترة مشنقة. # نحن نمد إليك قميصك، # ياقة رقبتك، حزامك ms031. # ساعدنا حتى نقف جوارك ونساعدك ~~ونرعاك. # المريض ~~(ثائرا) ~~: # بل أنتم جلادون وقتلة. أبعدهم يا دكتور؟ # الممرضون ~~: # لسنا جلادين ولا قتلة. # نحن شهودك، ظلك، صوت ضميرك، # تابعناك طوال العمر، نظرنا في مرآتك، # فانفض تذكاراتك، # اجعلنا أهلك وصحابك، # ساعدنا كي نقرأ معك كتابك. # المريض ~~: # اسألوه أن يساعدكم. اذهبوا إليه. اقرءوا كتبه. أنا لا ~~أقرأ كتبا مثله ولا أؤلف كتبا. # الممرضون ~~: # من هو محمد دربالة؟ # نحن لا نعرف محمد دربالة، # الحقيقة هي ما نريد أن نعرف. # تهت في الظلام، نريد أن نضع مصباحا في ~~طريقك. # اعوجت شجرة عمرك؛ دعنا نعالج ~~جذورها. # لطخ الدنس ثوبك؛ دعنا نطهره. # مد يديك إلينا، وسوف نضعك على ~~صدورنا. # الطبيب ~~: # مد يديك إليهم، ساعدهم. # المريض ~~: # مرهم أن يبتعدوا، أن يتخلوا عني. # الممرضون ~~: # نحن تخلينا عنك سنين، # أحصيناها بلغت في العدد ثلاثين، # فصرت إلى ما صرت إليه. # المريض ~~: # نفس كلامه. هذا هو نفس كلامه. # أبعدهم عني، أبعدهم عني (يبكي). # الطبيب ~~(يتقدم إليه) ~~: # ابتعدوا عنه. ما الذي تخشاه منهم؟ # إنهم يعاونونني ويعاونونك، # مد ذراعك، نعم هكذا. # استرح، نحن نريد راحتك، # بعد أن ترتدي ملابسك سنتفاهم في ~~هدوء، # ستحكي لنا عن الملعون محمد دربالة. # المريض ~~(مستجيبا له كالطفل) ~~: # ملعون وقاتل! # الطبيب ~~: # وهو يتهمك ويظلمك. # المريض ~~: # صدقتني أخيرا يا دكتور؟ # الطبيب ~~: # أنا أصدقك من البداية. # المريض ~~: # ولكن لماذا يصدقني كل الناس ويكذبني؟ لماذا لا ~~يرحمني؟ حتى الضحية غفرت لي. # الطبيب ~~: # الضحية؟ # المريض ~~: # إنه يتصور أنني تسببت في سجنه، يتصور أنني أدخلته ~~السجن وحكمت عليه بالأشغال الشاقة، الحمار لا يريد أن ~~يفهم، لا يريد أن يفهم أنني فعلت كل شيء من أجلها. # الطبيب ~~: # فهمت، من أجل ابنتك. # المريض ~~: # وابنتي ماتت يا دكتور، ابنتي ماتت. # الطبيب ~~: # أعرف، أعرف، سنرى الآن كل شيء. # المريض ~~: # المهم أن يعرف هو، المهم أن يفتح عينيه ويرى، هل تعتقد ~~أني مذنب يا دكتور؟ هل تعتقد أنني قتلتها؟ # الطبيب ~~: # بالطبع لا. استرح الآن. مدد ساقيك وأرخ ذراعيك. ~~استرح وتنفس بهدوء، سنعرف كل شيء معا، سيخرج كل شيء إلى ~~النور. # المريض ~~: # النور ms032؛ هذا ما أريده أيضا كي يرى ويفتح عينيه. # الطبيب ~~: # وستحكي لنا كل شيء، كل شيء. # المريض ~~: # ما الفائدة إذا كان لا يصدق؟ # الطبيب ~~: # وربما اكتشفنا أنه غير موجود. # المريض ~~(يحاول أن ينهض في غضب) ~~: # هل صدقت كلام زوجتي؟ إنه موجود يا دكتور. # الطبيب ~~: # إذن فهو موجود. # المريض ~~: # كيف يكون غير موجود وهو يبكيني ليل نهار؟ # الطبيب ~~: # قلت لك هو موجود، المهم أن تستريح الآن. # المريض ~~: # حذار أن ترجع لاتهامي بالجنون. # الطبيب ~~(صارخا) ~~: # قلت لك لا تنطق هذه الكلمة. # المريض ~~(في خوف) ~~: # خفت أن تتهمني بالجنون كما اتهمني بالقتل ... إنني ~~بريء يا دكتور ~~(ينظر ~~للممرضين) # إنني بريء. # الممرضون ~~: # نحن نصدقك تماما. # وسنعرف إن كنت بريئا، # أو إن كان هو الجاني. # المريض ~~: # ساعدوني. # الممرضون ~~: # سنساعدك جميعا. # مدد رجليك، استرخ قليلا. # وتنفس في عمق. # الطبيب ~~: # أعمق ... أعمق. # الممرضون ~~: # انفض أحزانك، # ساعد تذكاراتك كي تطفو فوق السطح؛ # لنساعدك فيلتئم الجرح. # الطبيب ~~: # هيا تذكر، ماذا حدث عندما عدت إلى بيتك؟ # المريض ~~: # وفي يدي اللعبة والدواء. # الطبيب ~~: # تطفر فرحا وتغني. # الممرضون ~~: # تضع المفتاح بثقب الباب. # وتنادي: يا أحلام. # المريض ~~: # أحلام، أحلام. ~~(يخفت الضوء. يرى على اليمين فراش ~~طفلة صغيرة، يتقدم المريض نحوها وهو يثب فرحا. الزوجة ~~والطبيب يجلسان صامتين أمام الجثمان.) # 2 # المريض ~~: # كنت فرحا كما لم أفرح في حياتي. # الممرضون ~~: # بالطبع؛ فالترقية بجيبك، # في قبضتك المجد، # وفيها جوهرة العمر. # كم عانيت طويلا حتى تصل، # وها أنت وصلت، # لكن وا أسفاه! # صعد السلم حتى طال النجم، # لكن سقط السلم في الطين المعتم. # وا أسفاه! وا أسفاه! # ماتت أحلام ومات الحلم. # المريض ~~: # أحلام، يا أحلام، افتحي ذراعيك لأبيك، انهضي لنلعب ~~معا، أحلام. # الزوجة ~~: # تأخرت كالعادة، لن تستطيع أن تلعب معك. # المريض ~~: # لماذا؟ هل نامت الليلة مبكرة؟ # الزوجة ~~: # نعم نامت. # المريض ~~: # لا بد أن تصحو. سأزف إليك خبرا سارا يا أحلام. لن ~~تفهمي كثيرا ولكنك ستضحكين وترقصين. حتى العروس التي ~~طلبتها سترقص وتغني معنا. # انظري يا أحلام. # الزوجة ~~: # لا تتعب نفسك. # المريض ~~: # ماذا بكما؟ قومي لتري عروسك يا أحلام ms033. # الزوجة ~~: # ماذا حدث ؟ ماذا حدث؟ # الممرضون ~~: # خيم صمت الموت على الإنسان، # جثم على الخدين، على الشفتين، # على الأجفان. # وامتد الظل على الجدران. # الزوجة صامتة كالبوم، # والطب العاجز، # في وجه طبيبك مهموم. # وتمد يديك لكي تتحسس صدر ابنتك، # فلا تسمع نبض القلب، # ولا تلمس إلا الجثمان. # المريض ~~: # صرخت وبكيت، نشجت واختنقت بالدموع، ضربت وجهي على ~~سريرها حتى سال دمي، تكلمي. ماذا حدث؟ # الزوجة ~~: # تأخرت عليها بالدواء. # الطبيب ~~: # ونفذ قضاء الله يا محمد، نفذ القضاء. # المريض ~~: # لم أتأخر، الوزير هو الذي وصل متأخرا، أخبرتك ~~أنني سأكون في استقباله. # الزوجة ~~: # وطلبت منك أن تعجل بإحضار الدواء. # المريض ~~: # ما ذنبي إذا كانت طائرة الوزير تأخرت؟ هل كنت أعلم ~~أنها ستتعطل ساعتين؟ هل كنت في علم الغيب؟ # الزوجة ~~: # وابنتك؟ ألم تكن أولى بك؟ # المريض ~~: # وهل فعلت ما فعلت إلا من أجلها؟ هل سعيت لاستقبال ~~الوزير إلا لأسعدها؟ أكان يرضيك أن تضيع مني ~~الترقية؟ # الزوجة ~~: # أفضل من أن تضيع ابنتك. # المريض ~~: # قومي يا أحلام. أبوك أصبح وكيل وزارة، تعب من أجلك ~~حتى وصل. افتحي عينيك يا ابنتي. انظري إلي ~~وكلميني. # الممرضون ~~: # الزوجة صامتة صمت البوم، # والطب العاجز في وجه طبيبك مهموم. # عبثا تصرخ يا مسكين، # عبثا تصرخ يا مسكين. # المريض ~~: # أحلام، أحلام، انتبهي يا ابنتي، تكلمي يا حبيبتي، ~~نادي على أبيك. # الزوجة ~~: # نادت عليك ساعتين. # المريض ~~: # قلت لك لم أتأخر بإرادتي. # الزوجة ~~: # ظلت تبكي وتقول: أريد بابا، أريد بابا. # الطبيب ~~: # وأبوها ينتظر الترقية من الوزير. # المريض ~~: # حصلت عليها من أجلها. تعبت وشقيت طول العمر ~~لأسعدها. هل بنيت الفيلا واشتريت العربة إلا ~~لها؟ # الزوجة ~~: # الفيلا والعربة؟ كانت تريدك أنت بجانبها. # المريض ~~: # اسمعيني أنت يا أحلام. أمك لن تفهمني ولن يفهمني أحد ~~سواك. قومي يا حبيبتي، تعالي وانظري عروسك الجميلة، ~~أنت نائمة تحلمين، انهضي لتري الحلم الجديد، قومي، ~~قومي! # الممرضون ~~: # ناديت وناديت فهل سمعت صوتك؟ # المريض ~~: # سمعته وقامت، لم يرها أحد غيري. # الممرضون ~~: # كيف يقوم الموتى؟ # المريض ~~: # وقفت كعروس تخرج من نبع صاف كالفجر. ما كادت تلمح ~~لعبتها ms034 حتى التقطتها، ضمتها للصدر: عروسي، سآخذها معي ~~(تتمثل الرؤيا أمامه في ~~ضوء الحلم الوردي الأخضر، يتابعها بعينيه ولا يراها ~~أحد غيره) ~~. # المريض ~~: # إلى أين يا ابنتي؟ # أحلام ~~: # ألا تراه هناك؟ # المريض ~~: # من يا حبيبتي؟ # أحلام ~~: # هناك، هناك. # المريض ~~: # ونظرت حيث أشارت. كان يستند على حافة الشباك صامتا ~~حزين العينين، ملاك أسود ضخم، بجناحين كالليل الأسود، ~~يحدق فيها ولا يتكلم، تقدمت منه وقالت: # أحلام ~~: # من أنت؟ # هل أنت صديق؟ # أم أنت عدو؟ # المريض ~~: # والملاك الأسود صامت لا يحول عينيه عنها. # أحلام ~~: # لم لا تتكلم؟ # جئت لتأخذني؟ # المريض ~~: # أطرق الملاك برأسه. لم يجب، شعرت أنه خجل أو ~~نادم. لكنها مدت ذراعها نحوه وقالت: # أحلام ~~: # ستكون رقيقا وحنونا، # لا تقس علي. # أدفئني تحت جناحيك، # دثرني، # خذني بين ذراعيك، # ولا تقس علي. # المريض ~~: # مد الملاك يده إليها. وضع يدها في يده وسار صامتا ~~كالنسر الكبير الذي يقبض على فراشة، جريت وراءهما باكيا: ~~تعالي يا ابنتي، تعالي، إلى أين تذهبين؟ رفرفت طيور ~~بيضاء بأجنحة بيضاء، انطلقت تغني: # الموت طفل صغير، # بوجه شيخ عبوس. # والموت باب كبير، # يفضي إلى الفردوس. # المريض ~~: # هللت أحلام وأشارت إلي: # افرح يا أبي. موعدنا في الفردوس. # الله دعاني، # لبيت الدعوة، # والملك الحاني # يعبر بي الهوة. # جريت وراءها وأنا أبكي: لا تتركيني يا أحلام، لا ~~تتركيني. التفتت إلي وصاحت: تعال يا أبي، تعال! ~~أتعرفون ماذا فعل؟ # الممرضون ~~: # من؟ الملاك؟ # المريض ~~: # بل هو. محمد دربالة. انشقت عنه الأرض ووقف أمامي. سد ~~علي الطريق كالجبل. # الممرضون ~~: # وماذا قال؟ # المريض ~~: # صرخ كذئب جائع: الانتهازيون لا يدخلون الجنة. # الممرضون ~~: # الانتهازيون لا يدخلون الجنة؟ # المريض ~~: # بكيت وصرخت وضربت الأرض بقدمي. حاولت أن ألكمه ~~ولكنه كان كالصخر. ابتعد عن طريقي يا محمد، لماذا ~~تطاردني يا محمد؟ دعني أذهب مع ابنتي. دعني أخرج من هذا ~~العالم ما دمت لا أستطيع أن أعيش معك فيه. # الممرضون ~~: # وهو الصامت كالجبل الأجرد، قاس كالصخر. # المريض ~~: # أقسى منه امرأتي، أقسى منه طبيبي. # الممرضون ~~: # ماذا فعلا؟ # المريض ~~: # راحا يناديان: تعال يا مجنون. ابنتك في ms035 فراشها. ~~تعال لا تتعب نفسك. وابنتي تبكي وتشير إلي: # تعال، تعال، # العالم وحش، # فلنهرب منه. # والعالم نعش، # فلنخرج منه. # وأنا أنادي: # إنهم يمنعونني يا حبيبتي، # إنهم يظلمونني. # الممرضون ~~: # من منهم ظلمك؟ # المريض ~~: # كلهم، كلهم ظلموني. # الممرضون ~~: # الجنة لا يدخلها ... # المريض ~~: # أترددون قوله؟ ألا يكفي ما قاله منذ أيام؟ # الممرضون ~~: # ومتى قابلته؟ # المريض ~~: # في اليوم التالي. يوم جاء الناس لتهنئتي وتعزيتي. # الممرضون ~~: # ارو علينا ما حدث هناك. احك لنا ما قال. # الطبيب ~~: # نعم هكذا، استرح ومدد ساقيك. أرخ ذراعيك. # الممرضون ~~: # خذ نفسا أعمق، # وارو علينا ما قال، # الجنة لا يدخلها ... # لا، لا تغضب. # الأفضل أن نسمعها منك، # أو نسمعها منه، # ارو علينا ما قال. ~~(يخفت الضوء على المريض الممدد على ~~الأريكة، يسلط على الجانب الآخر من المسرح، تظهر حجرة ~~مظلمة كالقبر، معفرة بتراب الملفات والسجلات. شخص يشبه ~~المريض في مظهره وملبسه، يقف بجانب السلم المعدني ويقلب ~~في ملف قديم.) # 3 # المريض ~~: # لم أدر كيف وقفت أمام باب هذه الحجرة، ولا كيف فتحت ~~الباب ودخلت. # الطبيب ~~: # ألم تذهب أولا إلى الوزارة؟ # المريض ~~: # في اليوم التالي لدفن ابنتي، أفقت من الكابوس ورجعت ~~لنفسي. # الممرضون ~~(يتضاحكون) ~~: # رجعت لنفسك؟ # أم رجعت نفسك لك؟ # المريض ~~: # لا تسخروا بي. كان يوم تهنئتي بالترقية هو يوم تعزيتي. ~~تزاحم السعاة والموظفون على بابي. سمعت ضجيجهم وراء ~~الباب فتقززت من كل شيء. # الممرضون ~~: # ولماذا تتقزز منهم؟ سيان، # أن يأتوا للتهنئة، # أو التعزية وتقديم القربان، # وصل النسر إلى القمة، # ما وجد سوى الديدان. # المريض ~~: # وهذا ما ضاعف اشمئزازي. واربت الباب قليلا ونظرت. ~~كانوا يقفون في طابور طويل وينتظرون. أيتها الكلاب ~~الشامتة. لو مت وأنا في الدرجة الخامسة ما مشى في جنازتي ~~كلب واحد، ناديت الساعي وصحت به: اطردهم جميعا، لا ~~أريد أن أرى أحدا. ~~(يظهر الساعي.) # الساعي ~~: # مستحيل يا سعادة البيك. # المريض ~~: # ولماذا؟ قل لهم الوكيل مشغول. قل لهم ليس ~~موجودا. # الساعي ~~: # إنهم يراقبون الأبواب من الصباح. # المريض ~~: # قل لهم لا أريد أن أقابل أحدا. # الساعي ~~: # هل ترفض تهنئتهم؟ # المريض ~~: # أم تعزيتهم ms036؟ قلت لك اصرفهم حالا. # الساعي ~~: # لا أستطيع يا سعادة البيك. # المريض ~~: # ولماذا لا تستطيع؟ # الساعي ~~: # مراقب شئون العاملين يحمل دفترا للتوقيع، كل واحد ~~منهم سيوقع قبل أن يدخل لتهنئتك. # المريض ~~: # هل أعد دفترا آخر للتعزية؟ # الساعي ~~: # لا أدري يا سعادة البيك. # المريض ~~: # الصادر والوارد. سركي الابتسامات والدموع. # الساعي ~~: # نعم يا سعادة البيك. والمراقب أعد قصيدة ~~عصماء. # المريض ~~: # قلت لك اصرفهم حالا. قل لهم لا أريد أن أرى ~~أحدا. # الساعي ~~: # سينتظرون حتى الليل. سيبيتون هنا إذا لزم الأمر، إنهم ~~مصممون على تقديم الواجب. # المريض ~~: # أم على إظهار الحسد؟ # الساعي ~~: # أستغفر الله يا بيك. # المريض ~~: # قلت لك لا أريد أن أرى أحدا، لا أريد أن أراك أيضا، ~~اذهب، اذهب، أغلق كل الأبواب. # الممرضون ~~: # وغلقت الأبواب، # كم كافحت لتفتح هذي الأبواب، # ولتجلس في نفس الحجرة، # وترى الخدم مع الحجاب، # والزوار على الأعتاب، # وكأنك صنم فوق العرش، # مطاع الأمر مهاب! # ماذا حدث؟ # انكسر الصنم، # انهار العرش، # وصرت وحيدا، # لا أتباع ولا أحباب. # المريض ~~: # نعم. وجدت نفسي وحيدا، خفت أن أنظر في عيونهم فلا أرى ~~إلا دموع الحسد ولا عزاء، أو ابتسامة الشماتة بلا حياء، ~~خفت أن تنطق الدموع والابتسامات: لقد وصلت، ~~وصلت. # الممرضون ~~: # وصلت وصلت، # فما معنى الكلمة؟ # كم تتردد بين الناس على كل لسان! # لكن ما غاية تعب الإنسان؟ # هل يصل لغير تراب الأرض وللأكفان؟ # يسعى البطل الظافر للمجد ويشقى قلب ~~ويدان، # وعلى جبهته يضع الناس الإكليل، # وتحسده الأعين بل يحسده الثقلان. # لكن البطل الظافر بعد زمان، # يصبح مأدبة للديدان، # يصبح مأدبة للديدان. # المريض ~~: # نعم. لقد حسدوني، كانوا دائما يحسدونني، ولهذا هربت من ~~عيونهم. # الطبيب ~~: # إلى أين؟ # المريض ~~: # تسللت من الحجرة دون أن يراني أحد، ساقت رجلي قوة ~~مجهولة إليه. # الطبيب ~~: # من تقصد؟ # المريض ~~: # محمد دربالة. لم أكن أتصور أنني سأراه هناك، جريت على ~~السلم الخلفي حتى وجدتني في البدروم، أمام هذه الحجرة ~~نفسها، كان الصمت يحيط بي والظلام. وكان الباب مواربا ~~فدفعته ودخلت. # الطبيب ~~: # لا شك أنه كان ينتظرك. # المريض ~~: # لم أعرف ms037 هذا في البداية . كان يقف وسط الملفات ~~المعفرة بالتراب كأنه ملف قديم. تقدمت منه وقلت: ~~أنت هنا يا محمد؟ ~~(يظهر محمد ~~دربالة في الضوء الخافت وفي يده ملف وحوله ~~ملفات.) # محمد دربالة ~~: # أنا هنا من ثلاثين سنة، منذ عينا في قرار ~~واحد. # المريض ~~: # وكيف نعمل معا في وزارة واحدة ولا تسأل عني؟ هل ~~نسيتني يا محمد؟ # محمد ~~: # لما نسيتني نسيتك. # المريض ~~: # أنا لم أنسك أبدا يا محمد، أنت الإنسان الوحيد الذي ~~بقي لي. لا تتخل عني. # محمد ~~: # تخليت عنك لما تخليت عن نفسك. # المريض ~~(باكيا) ~~: # ابنتي ماتت أمس يا محمد، لا تتركني. # محمد ~~: # لن أتركك بعد اليوم. لقد تركتك ثلاثين سنة فصرت إلى ~~ما صرت إليه. # المريض ~~: # وتقدم مني. ضمني إلى صدره وأخذ يربت على ~~ظهري. شعرت بدموعه على خدي. شعرت أنه الإنسان ~~الوحيد الذي يحزن لحزني. بعد قليل قال لي: # محمد ~~: # يجب أن تتماسك. كنت رجلا فيما مضى. # المريض ~~: # نعم فيما مضى، أما الآن فابنتي ماتت. # محمد ~~: # أنت الذي قتلتها. # المريض ~~: # ما زلت قاسيا كما كنت يا محمد. أنا لم أقصر معها ~~في شيء. # محمد ~~: # قصرت معها في أهم شيء. # المريض ~~: # لا تظلمني يا محمد. لقد شقيت من أجلها ووصلت الليل ~~بالنهار لأجلها. # محمد ~~: # بل شقيت من أجل الوصول، وها أنت قد وصلت. # المريض ~~: # وأنت الوحيد الذي لم تهنئني. # محمد ~~: # أهنئك أم أعزيك؟ # المريض ~~: # أرجوك لا تعذبني يا محمد، هل فعلت ما فعلت إلا ~~لها؟ # محمد ~~: # وانشغلت عنها طوال الوقت. # المريض ~~: # ربما لم أعطها من نفسي إلا قليلا. # محمد ~~: # لم تعطها شيئا على الإطلاق. # المريض ~~: # أعطيتها لعبة جميلة. # محمد ~~: # ليست أجمل من أبيها. # المريض ~~: # أعطيتها فيلا وحديقة واسعة. # محمد ~~: # الدنيا كلها ضيقة إذا خلت من أبيها. # المريض ~~: # لما مرضت أحضرت لها أعظم الأطباء. # محمد ~~: # الطبيب الوحيد الذي كانت تحتاج إليه كان ينتظر الوزير ~~في المطار. # المريض ~~: # ما ذنبي إذا كانت الطائرة تأخرت أربع ساعات عن ~~موعدها؟ هل كنت أعلم أنها ستتعطل في روما؟ # محمد ~~: # كنت تعلم أن ابنتك في ms038 انتظار الدواء. # المريض ~~: # أقسم لك أنني اشتريت لها العروس والدواء. قدرت أن ~~الانتظار لن يطول أكثر من ساعة. # محمد ~~: # كانت في انتظارك تنادي: بابا، أريد بابا. وكنت في ~~انتظار الوزير لينعم عليك بالدرجة. # المريض ~~: # هل كنت تريد ألا أنتظره فتطير مني الدرجة التي تعبت ~~طول العمر لأصل إليها؟ هل كنت تريد أن يخطفوها مني؟ ~~بعد أن نزل الوزير من الطائرة وهنأته بسلامة الوصول ~~وهنأني بالترقية سارعت إلى البيت. # محمد ~~: # ووصلت بعد أن ماتت أحلام. # المريض ~~: # وهل أنا طبيب؟ هل اطلعت على الغيب؟ خالها الطبيب ~~كان بجانبها. # محمد ~~: # ولكنها كانت تريد أباها. # المريض ~~: # حضرت ومعي الدواء والعروس. # محمد ~~: # ومعك الدرجة. # المريض ~~: # من أجلها، أقسم لك من أجلها. لماذا لا تريد أن ~~تفهمني؟ لماذا تظلمني؟ ~~(يبكي) # لا تتركني كما تركتني في ~~الماضي. # محمد ~~: # تركتك لما تركتني، لما تجاهلتني ولم تسمع ~~صوتي. # المريض ~~: # ومع ذلك لم ترحمني. # محمد ~~: # لما عرفت أنك أصبحت جلادا. # المريض ~~: # لا تؤلمني يا محمد. كان هذا من عشر سنوات. # محمد ~~: # والضحية قضت في السجن عشر سنوات بسببك. # المريض ~~: # أنا الآن الضحية يا محمد، أنت تعرف أنني لم أكن ~~السبب. # محمد ~~: # ومن الذي هيأ له الطريق للاختلاس؟ من الذي أغراه ~~بالرشاوى وزيف الفواتير؟ # المريض ~~: # هو الذي دبر كل شيء، كان كل شيء بخطه، لم يجدوا ~~كلمة واحدة بخطي، وعند التحقيق كانت صفحتي بيضاء. ألا ~~تذكر يا محمد؟ # محمد ~~: # أذكر أنك أنت الذي بلغت عنه. # المريض ~~: # بلغت عنه لأنه منحرف، واجب وطني، واجب إنساني. هل ~~أسكت على مختلس ومنحرف؟ ما ذنبي إذا كان قد ضيع أموال ~~الخزينة في الخمر والقمار؟ # محمد ~~: # ذنبك أنك أردت أن تصل إلى درجته. # المريض ~~: # السيد الوكيل هنأني بنفسه، هنأني على نزاهتي وعينني ~~مكانه. # محمد ~~: # وصلت، ووصلت الضحية إلى الليمان. # المريض ~~: # قلت لك أنا الآن الضحية يا محمد. # محمد ~~: # مجرد تبادل في الأدوار، كل الجلادين يصبحون في ~~النهاية ضحايا. # المريض ~~: # ولكنه غفر لي يا محمد، الضحية غفرت وأنت لا تريد أن ~~تغفر. لقد قابلته في الأسبوع الماضي ms039. # محمد ~~: # أين قابلته ؟ # المريض ~~: # في القهوة يا محمد، كان يجلس على القهوة. # محمد ~~: # واحتقرك بالطبع. # المريض ~~: # بل جرى ورائي ودعاني لفنجان قهوة. ~~(يظهر صبري وكيل الوزارة السابق وهو يسحب ~~المريض من يده ليجلس معه.) # صبري ~~: # تعال يا محمد، تعال نشرب فنجان قهوة. # المريض ~~: # تدعوني لفنجان قهوة بعد كل ما حدث. # صبري ~~: # وماذا حدث يا أخي؟ كل شيء انتهى. # المريض ~~: # ألا تكرهني يا صبري بيك؟ ألا تحقد علي؟ # صبري ~~: # السجن علمني ألا أكره، علمني ألا أحقد، ثم إنك لم ~~تفعل شيئا. # المريض ~~: # يتهمونني بأنني بلغت عنك. # صبري ~~: # وافرض أنك فعلت. لقد أديت واجبك، ثم إنني أنا ~~المسئول عن كل شيء، أنا الذي شربت وقامرت، أنا الذي ~~أمرتك بتزوير الفواتير واختلست المبالغ الضخمة ~~وبددتها في الليالي الحمراء. # المريض ~~: # هل تصفح عني؟ # صبري ~~: # استغفر الله، هو الذي يصفح عنا جميعا، أنت شاب طموح ~~تريد أن تصل. # محمد ~~: # تريد أن تصل. # المريض ~~: # انتظر يا محمد، إنه لم يكتف بالصفح عني، سألني أيضا ~~عن ابنتي أحلام ودعا لها بالبركة، ثم دعا لي بالستر ~~وقبلني. # محمد ~~: # الضحية تقبل جلادها. # المريض ~~: # افهمني يا محمد، افهمني وارحمني، أنا الآن الضحية، ~~أنا الآن الضحية. ~~(ينشج في ألم. ينهض محمد ويضع يده على ~~رأسه.) # محمد ~~: # انهض يا محمد. # المريض ~~: # أتذكر اسمي؟ # محمد ~~: # وأذكر ماضينا. # المريض ~~: # كانت أياما حلوة. كل شيء ضاع الآن. # محمد ~~: # الطريق طويل، وما ضاع يسترد. # المريض ~~: # ألا ترى الشعر الأبيض يغزو رأسي؟ ألا تراني ~~وحيدا؟ # محمد ~~: # قلت لك لن أتخلى عنك، بعد ثلاثين سنة عدت ~~إليك. # المريض ~~: # ابق معي يا محمد، لم يبق لي أحد بعد أن ماتت ~~ابنتي. # محمد ~~: # ماتت لما مات ضميرك، لما ضاع صوته وسط أصوات السياط ~~التي ألهبت ظهرك للوصول إلى القمة، وها أنت تتمرغ في ~~الحضيض. # المريض ~~: # ساعدني يا محمد. # محمد ~~: # ستعود للحياة إذا عاد ضميرك. # المريض ~~: # وابنتي؟ لقد مت يا محمد بموتها. # محمد ~~: # ستعود هي أيضا للحياة. # المريض ~~: # معقول يا محمد؟ هل أنت المجنون أم أنا؟ # محمد ~~: # ستعيش في قلبك يوم ms040 تنصت لقبك. انهض ، كن رجلا وانهض ~~على قدميك. # المريض ~~: # إلى أين يا محمد؟ # محمد ~~: # إلى بيتنا القديم، حجرتنا القديمة المظلمة في الحسين. ~~يوم كنا شبانا نحلم ونغضب ونجوع. # المريض ~~: # أما زلت تذكرها يا محمد؟ # محمد ~~: # وما زلت أسكن فيها مع أولادي وزوجتي. # المريض ~~: # هل تدعوني إلى بيتك؟ # محمد ~~: # أنت لا تحتاج للدعوة. # المريض ~~: # ولماذا لا تأتي معي؟ هل تخجل مني؟ # محمد ~~: # أنت تعرف العنوان. ~~(ينصرف طيف موظف الأرشيف، ينهض المريض ~~ويناديه.) # المريض ~~: # محمد، محمد، لا تتركني وحدي، يا محمد دربالة. لا تتركني ~~في الظلام والحضيض والوحل. أنت الوحيد الذي بقي لي، ~~الكل يحتقرني فلا تحتقرني أنت، لا تتركني، لا ~~تتركني! # الممرضون ~~: # لا لن يتركك وحيدا. # لن يتخلى عنك، # فامض الآن لبيته. # وسنعرف منه ومنك، # إن كان الذنب عليه، # أو كان الذنب عليك. ~~(ينطفئ الضوء، يسقط من جديد على المريض ~~الذي يجلس على نفس الأريكة في حجرة مظلمة.) # 4 ~~(المريض ممدد على الأريكة في استرخاء، ~~يمر بيده على جبهته بين الحين والحين، كأنه يحاول أن ينفذ من ~~الضباب الذي يغشى بصره. الطبيب أمامه، والممرضون من حوله، ~~وذكرياته تتمثل في مشهد الحجرة المظلمة التي يدور فيها الحوار بينه ~~وبين محمد دربالة.) # الطبيب ~~: # وبحثت عن العنوان. # المريض ~~: # لم أكن في حاجة للبحث عنه، سرت في الحسين فإذا بأيام ~~صباي وشبابي تبرز من كل ركن ومنعطف، تصافحني وتأخذ ~~بيدي وتتأمل وجهي. # الممرضون ~~: # ووجدت البيت المتداعي، # كعجوز فان منهار، # وهبطت السلم للقاع، # والليل يخيم في الدار، # كالأعمى يحلم بشعاع، # من فرح أو ضوء نهار، # وطرقت الباب. # المريض ~~: # وصحت، يا محمد! كيف تتحمل كل هذا الظلام؟ وخرج ~~محمد وفتح الباب، ضحك، وأمسك بذراعي وقال: # محمد ~~: # وأتحمل كل شيء. # المريض ~~: # كادت رقبتي تنكسر. # محمد ~~: # هل نسيت ما كنت تقوله لي: أنت أستاذ في الصبر؟ # المريض ~~: # وأولادك يا أخي، ما ذنبهم؟ # محمد ~~: # تعلموا في المدرسة نفسها. # المريض ~~: # ودخلت الحجرة، هي بعينها التي كنا نسكنها معا أيام ~~شبابنا، الظلام بعينه، الفقر نفسه، والمصباح الزيتي الذي ~~يرتعش ضوءه على الحائط القديم ms041، والحصيرة المتهرئة ~~على البلاط الأجرب، صحت: هي نفس الحجرة يا محمد! # محمد ~~: # والساكن هو نفسه. # المريض ~~: # الدنيا كلها تحركت يا محمد، وأنت واقف في مكانك، ~~الناس كلهم صعدوا إلى النور. # محمد ~~: # وأنا في بير السلم! # المريض ~~: # ثلاثون سنة في نفس الحجرة، في الظلام والبؤس ~~والمرض. # محمد ~~: # الحمد لله، أنا راض على كل حال. # المريض ~~: # إذا كنت ترضى بهذا لنفسك، فكيف ترضاه لزوجتك ~~وأولادك؟ # محمد ~~: # نحن مستورون والحمد لله، زوجتي قانعة وأولادي ~~سعداء. # المريض ~~: # سعداء، في هذا الجب المعتم؟ لماذا لم تتصل بي ~~وأنت تعمل معي في نفس الوزارة؟ # محمد ~~: # ولماذا أتصل بك؟ # المريض ~~: # أدلك على شقة أخرى، أساعدك يا أخي، هل نسيت أننا ~~إخوة؟ # محمد ~~: # لست أنا الذي نسي. # المريض ~~: # أنا مثلا أسكن في فيلا على النيل، حديقتها باتساع ~~أربعمائة متر، يمضي الزمن ولا تسأل عني، لا ~~تزورني. # محمد ~~: # ولماذا أزورك؟ # المريض ~~: # كنت أنتظر زيارتك. # محمد ~~: # لما نسيتني نسيتك. # المريض ~~: # أنت جاحد يا محمد، وحسود أيضا، هل تنكر أنك ~~تحسدني؟ # محمد ~~: # ولماذا أحسدك؟ # المريض ~~: # لأنني وصلت، هذا هو السبب. هل تدرون ماذا فعل؟ ظل يضحك ~~ويضحك، غاظني ضحكه، نفس الضحكات التي كانت تجلجل أيام ~~كنا في الجامعة، في نفس الحجرة، أتعلمون ماذا قال ~~بعدها؟ # الممرضون ~~: # ماذا قال؟ # محمد ~~: # أحسدك؟ إنني أشفق عليك وأرثي لك. تصوروا، هذا ~~اللئيم الحسود يشفق علي، هذا الموظف درجة خامسة يرثي ~~لي! # الممرضون ~~: # حقا أنت تحركت، # الويل لمن لا يتحرك. # وبلغت الذروة، # والويل الويل لمن يسقط. # وجلست على عرش القوة، # وصديقك باق في الهوة. # لكني أرجع لسؤالي: # أوصلت؟ فما معنى الكلمة؟ # ما الغاية منها؟ ما الحكمة؟ # المريض ~~: # غاظني ضحكه فقلت له: أهكذا تستقبلني في بيتك يا ~~محمد؟ أما زلت تحتقرني؟ # محمد ~~: # لم أحتقرك أبدا. # المريض ~~: # الشفقة نوع من الاحتقار. # محمد ~~: # ربما كنت أنت الذي تحتقرني وترثي لي. # المريض ~~: # نعم، أرثي لك. # محمد ~~: # لأنني ما زلت فقيرا؟ لأنني أسكن في نفس الحجرة في ~~البدروم، وأعمل في نفس الأرشيف في البدروم؟ # المريض ~~: # لأنك تظلم أولادك معك، تسكت على ms042 نفسك ولا تلجأ ~~إلي. # محمد ~~: # ولماذا ألجأ إليك؟ كنت أراقبك فتزداد سعادتي بما أنا ~~فيه. إنني أقرأ وأكتب، أرسم وأسمع الموسيقى، أربي ~~أولادي بشرف، وأنتظر الدرجة في شرف، ماذا أريد من دنياي ~~أكثر من هذا؟ # المريض ~~: # ونسيت طموحك القديم؟ نسيت طموحك النبيل؟ # محمد ~~: # لم أنس شيئا ... فعلت ما استطعت. # المريض ~~: # وأحلامك بمستقبل البشرية؟ وتمردك وغضبك واستعدادك أن ~~تشنق في سبيل الإنسان؟ # محمد ~~: # عندما يطلبني الإنسان، سيجدني مستعدا لأن أشنق في ~~سبيله. # المريض ~~: # وكتبك التي تؤلفها وتسهر فيها؟ # محمد ~~: # ها هي أمامك. # المريض ~~: # ولكنها مخطوطات، كل هذه المخطوطات ولم تفكر في ~~نشرها؟ # محمد ~~: # عندما أحس أن الناس في حاجة إليها سأنشرها، أو ~~ينشرها من يحتاجون إليها بعد موتي. # المريض ~~: # وأحلامك؟ أين ذهبت أحلامك؟ # محمد ~~: # تقصد أحلامنا؟ # المريض ~~: # أنا حققت أحلامي. # محمد ~~: # نمت نوما سيئا، فرأيت أحلاما سيئة. # المريض ~~: # أتعود لاتهامي والحقد علي؟ ألا يكفيك أنها ~~ماتت؟ # محمد ~~: # ولهذا لا أحقد عليك ولا أتهمك. # المريض ~~: # ولكنك تحتقرني وترثي لي. # محمد ~~: # ولا هذا أيضا، إنما أذكرك. # المريض ~~: # بأيام الفقر والجوع؟ # محمد ~~: # وأيام الحب والغضب والثورة على الفقر والجوع. تعال ~~تعال، تذكر نفسك الأخرى التي لم تحلم بالوصول. ~~لم تفكر في الفيلا والمرسيدس والدرجة ~~والكرسي. # المريض ~~: # آه يا محمد! ما زلت قاسيا كما كنت. # محمد ~~: # لم أقس عليك أبدا. كانت لنا قيم قدسناها ~~وأردنا لها أن تعيش، تعاهدنا على الثورة في سبيلها ~~والموت في سبيلها، وعندما كنت أراك تنحرف عنها كنت ~~أقسو عليك. # المريض ~~: # أذكر كيف شتمتني ولعنت أجدادي بسبب تلك المرأة ~~البيضاء السمينة. # محمد ~~: # لأنني أردت ألا تمرغ حبك في الوحل. # المريض ~~: # نعم نعم، حبي لزينب. # محمد ~~: # كنت أعرف أن حبك الطاهر لها هو الذي سينقذك، ~~وحكمت عليك بأن تمشي على قدميك من الدراسة إلى ~~العباسية وتحج إلى بيتها. # المريض ~~: # وطفت حوله سبع مرات. # محمد ~~: # وكفرت عن علاقتك بالحشاشة التي أغرتك بأن ~~تتزوجها وتعمل معها. # المريض ~~: # لا تقس عليها يا محمد، كانت طيبة القلب. أرادت أن ~~تتزوجني على سنة الله ورسوله. أتذكر يوم ms043 قالت لي: ~~اترك الملعونة التي يسمونها الشيوعية وتعال اعمل ~~معي، ستأكل ذهبا؟ # محمد ~~: # وفضلت أن تجوع على أن تأكل ذهبا. # المريض ~~: # وجعت وتمردت في سبيل الحب. # محمد ~~: # وفي سبيل زينب. # المريض ~~: # زينب؟ نعم نعم. كانت جميلة كفينوس، شفافة كالملائكة ~~في الفردوس، ولكن ما الفائدة؟ لقد تزوجت بأخرى. # محمد ~~: # تزوجتها هي نفسها. # المريض ~~: # لا لا، لا تدنس ذكرى زينب القديمة. زوجتي الآن لا ~~تفهمني، هي مثلك لا ترحمني. # محمد ~~: # لأنك لم تشعر بوجودها، ولم تشعر بوجود ابنتك. # المريض ~~: # تصور أنها تتهمني بقتلها! لا يمكن أن تكون هي ~~زينب. # محمد ~~: # هي الحبيبة التي عبدتها وطفت حول بيتها. # المريض ~~: # تقدمت منه وحدقت في عينيه، صممت أن تنزل عليه ~~الحقيقة كالصاعقة. قلت له: لقد أحبتك أنت يا محمد! ~~سألني وكأنه لا يعرف: أحبتني أنا؟ # المريض ~~: # وهجرتني بسببك. # محمد ~~: # ومتى كان هذا؟ # المريض ~~: # من عشر سنين، لا لا، ربما من عشرين. # محمد ~~: # ألم تسأل نفسك عن السبب؟ # المريض ~~: # قلت لك أنت السبب. بدأت ألاحظ أنها لا تكف عن ~~ترديد اسمك. كلما عدت في آخر الليل مهدودا من التعب ~~تقول: ليتني تزوجت محمدا. وأقول لها: ألا تخجلين من ذكر ~~اسمه أمامي؟ فترد علي: بل أنت الذي تخجل منه. تثور ~~عندما يذكرك أحد بشبابه وأحلامه وحبه القديم. حتى بعد أن ~~بنيت لها الفيلا على شاطئ النيل واشتريت لها العربة ~~ظلت تحلم بالحياة معك. وبعد أن أنجبنا «أحلام» لم ~~تتورع عن الكلام عنك وإلقاء سمومها في وجهي: لو كنت ~~محمد دربالة لاهتممت بها ورعيتها. وأصرخ في وجهها: ~~لمن أتعب وأشقى إلا لها ولك؟ لمن بنيت الفيلا؟ فتواصل ~~كالنمرة المفترسة: كنت سعيدة معه في حجرته المظلمة. ~~وأصيح من جديد: في ذلك القبر؟ فتثبت عينيها في: كانت ~~الحياة فيها جنة. كنا سعداء ومستورين. وتركتني يا محمد ~~بعد أن ماتت أحلام. # محمد ~~: # إلى أين تركتك؟ # المريض ~~: # ثرت عليه ومددت يدي أريد أن أصفعه. صحت في ثورة ~~عارمة: تسألني إلى أين؟ هجرتني وجاءت إليك، فضلت ~~أن تعيش معك في هذا القبر. أجاب ms044 وهو يبتسم في ~~سخرية. # محمد ~~: # ألم تقل إنه جنة؟ # المريض ~~: # هي التي قالت هذا. هي التي فضلت الحياة في جنتك ~~الرطبة المظلمة على الحياة في الفيلا. هي التي هجرتني ~~وجاءت إلى هذا القبر. لمعت ابتسامته على فمه كأنها عين ~~ثعبان لئيم. # محمد ~~: # ليس قبرا يا محمد ما دام الحب والشرف يسكنان ~~فيه. # المريض ~~: # صحت غاضبا القبر قبر ولا يمكن أن يكون جنة. ابتسم ~~ولمعت السخرية على فمه كالسم: بل هو الجنة يا ~~محمد. ما دامت السعادة ترفرف عليه. # رفعت صوتي وناديت: يا زينب! هل أنت سعيدة معه يا ~~زينب؟ هل أنت سعيدة في هذا القبر؟ قال في هدوء: لا ~~ترفع صوتك هكذا. لن ترد عليك. # صحت: لماذا لا ترد علي؟ # قال وابتسامة السخرية تتسع كبركة ماء آسن: لأنها ~~تخجل أن تراني معك. نزل علي قوله كالصاعقة: تخجل أن ~~تراني معك؟ وأولادك؟ # عاد يبتسم في هدوء ~~: ~~يخجلون أن يروك معي. # المريض ~~: # إلى هذا الحد يا محمد؟ تخجلون مني أنا؟ تطردونني من ~~جنتكم؟ # محمد ~~: # الانتهازيون لا يدخلون الجنة. # المريض ~~: # بكيت وسقطت على قدمي. لا تكن قاسيا يا محمد. حتى ~~إبليس يعفو الله عنه وأنت لا تعفو. # محمد ~~: # الانتهازيون لا يدخلون الجنة. # المريض ~~: # تطردني وتخجل مني؟ تطردني وتخجل مني؟ # محمد ~~: # اذهب يا محمد دربالة، اذهب وطهر ثوبك، اذهب، اذهب، ~~اذهب. # 5 # الطبيب ~~: # وماذا بعد؟ # المريض ~~: # وجدتني وحيدا في الشارع، غريبا في الحي الذي احتضن ~~أيام شبابي، مطرودا من الحجرة التي جعت فيها وتمردت ~~وأحببت. # الطبيب ~~: # تقصد من الجنة؟ # المريض ~~: # نعم نعم، تلك المغارة الرطبة بدت لي كأنها الجنة، ولكن ~~رضوان وقف على بابها كالجلاد القاسي. # الطبيب ~~: # رضوان؟ # المريض ~~: # أقصد محمد دربالة، هذا الموظف الحقير درجة خامسة، هذا ~~الفقير الفظ يطرد وكيل الوزارة. والذي أغاظني أكثر ~~... # الطبيب ~~: # ماذا؟ # المريض ~~: # أن أولاده وزوجته ~~رفضوا أن يسلموا علي، أن زينب خجلت من أن تراه ~~معي! # الطبيب ~~: # زينب الجميلة كفينوس، الشفافة كالملائكة في ~~الفردوس؟ # المريض ~~: # نعم هي، لقد تركتني وتزوجته. # الطبيب ~~: # هل كنت نسيت هذا؟ هل تذكرته فجأة ms045؟ # المريض ~~: # بل كنت أعرفه؛ ~~ولهذا تناسيته متعمدا. قررت بيني وبين نفسي أنهما قد ~~ماتا إلى الأبد. صممت أن أتركهما في الوحل وأصعد بجهدي ~~وعرقي إلى النجوم. اندفعت في طريق المجد وتركتهما ورائي ~~في الغبار والضباب. كنت أريد أن أحطم صنم ~~غرورهما. # الطبيب ~~: # وغاظك أنه لم يتحطم. # المريض ~~: # هذان التعيسان، بقيا على غرورهما الكاذب، فضلا ~~الحياة في الوحل والظلام وتصورا أنهما في الجنة. # الطبيب ~~: # وزرته بعد ثلاثين سنة فطردك منها. # المريض ~~: # الحسود الحقير، ظل يلاحقني كالكلب المسعور ~~بشتائمه. # الطبيب ~~: # ووجدت نفسك تقف وحيدا في الخلاء. # المريض ~~: # آه! إنك لا تدري ماذا جرى لي في هذه الليلة. # الممرضون ~~: # طرد الشيطان من الجنة. # يا للكارثة ويا للمحنة! # المريض ~~: # أنا الشيطان أم ~~هو؟ حتى الشيطان يمكنه أيضا أن يبكي. # الطبيب ~~: # كنت حزينا؟ # المريض ~~: # الحزن لا يكفي، سمها الزلزلة أو الصاعقة. أحسست ~~كأني أتعرى في الشارع. # الممرضون ~~: # من ثوبك المستورد البديع، # من عرشك المنمق الرفيع. # الطبيب ~~: # أرجوكم. # المريض ~~: # لو كنتم معي لوقفتم بجانبي في تلك الليلة. # الطبيب ~~: # أكمل، كنت وحيدا. # المريض ~~: # عاريا من كل شيء؛ المنصب سقط مني، الفيلا تداعت ~~وأصبحت حطاما. أنوار المجد انطفأت، والمرسيدس بدت ~~كعربة كارو يسوقها حصان عجوز أجرب. وملت على جدار جامع ~~الحسين وأخذت أبكي وأنادي ابنتي. # الطبيب ~~: # تناديها؟ ألم تكن تعرف أنها ماتت؟ # المريض ~~: # لا لا، كان العالم كله قد مات، إلا ابنتي، هي الوحيدة ~~التي استجابت لندائي؛ هي الوحيدة التي هرعت إلي ... ~~تقدمت نحوي في ثوبها الأبيض المرصع بالذهب وهي تقول: ~~أبي، تعال يا أبي ~~(يبكي) ~~. # الطبيب ~~: # لا تبك، أرجوك تماسك ولا تبك. # الممرضون ~~: # ها أنت وحيد ضائع، # مع فيلتك وعربتك وزيف المجد الخادع، # ترقص مذبوحا وسط الشارع، # كمهرج سيرك يقف على جثمان ابنته، # يندب بالصوت الدامع. # نهاز الفرص البارع، # ذئب مسعور جائع، # اختلط الأمر عليه، # فحسب الطمع طموحا، # والجشع كفاحا، # وتسلل كالثعبان إلى العش الهاجع، # وجد الرزق متاحا؛ # قطعا من لحم الفقراء، # ومزقا من ثوب الفقراء، # وبقايا عفن سماه نجاحا. # نهاز الفرص البارع، # ذئب مسعور جائع. # ها ms046 أنت وحيد ضائع ، # ها أنت وحيد ضائع. # الطبيب ~~: # بكيت كثيرا. # المريض ~~: # ككلب مريض يستند إلى جدار وينتظر الموت. # الطبيب ~~: # الدموع جسر ينقلك إلى بر الشفاء. # المريض ~~: # حذار أن تعود لاتهامي بالجنون! # الطبيب ~~: # إنني طبيب. # المريض ~~: # هم الذين أوحوا إليك بهذا، هم الذين تآمروا علي. ~~إنني وحيد يا دكتور. # الطبيب ~~: # لست وحيدا. إنهما معنا الآن. # المريض ~~: # من؟ الذين تآمروا علي؟ # الطبيب ~~: # لم يتآمر أحد عليك. # المريض ~~: # بالطبع يا دكتور، محمد دربالة يتهمني بقتل ~~ابنتي. # الطبيب ~~: # أنت محمد دربالة. # الممرضون ~~: # أنت محمد دربالة. # المريض ~~: # إنه يتهمني بقتل ابنتي. # الممرضون ~~: # لم يقتلها غيرك. # المريض ~~: # أنا أقتل ابنتي؟ كيف تصدقونه؟ إنه يحسدني ويحقد ~~علي. # الممرضون ~~: # لم يحسده ولا حقد عليه سواك. # المريض ~~: # أنا أحسد هذا الحقير؟ موظف الدرجة الخامسة؟ الجثة ~~المتعفنة كالضفدعة الغبية. # ثلاثون سنة في الأرشيف؟ # الممرضون ~~: # أنت محمد دربالة، # أنت الجثة والضفدع، # كنت ربيب الأرشيف، # وكنت الوحل، المستنقع. # المريض ~~: # وخرجت منه بعزيمتي. بهمتي طفوت على السطح، صعدت ~~القمة وتركت محمد دربالة في السفح. # الممرضون ~~: # أنت محمد دربالة، # ومحمد دربالة هو أنت. # المريض ~~: # مستحيل، مستحيل، قل لهم أيها الطبيب. # الممرضون ~~: # وطبيبك يعرفك الآن، # ويعرف من أنت من كنت، # يعلم أنك حين سرقت السلم وتسلقت، # وتوهمت بأنك فوق القمم جلست، # وبأنك للمجد وصلت، # قد خنت محمد دربالة. # المريض ~~: # أنا لم أخن أحدا. # الممرضون ~~: # نفسك خنت، # نفسك خنت. # المريض ~~: # ساعدني يا دكتور، مساعدوك تخلوا عني. # الممرضون ~~: # أنت الآن وحيد ضائع، # أنت الآن وحيد ضائع. # الطبيب ~~: # لا ليس وحيدا، ها هي زينب. # المريض ~~: # زينب ماتت، ماتت عندما تركتني وتزوجت محمد ~~دربالة. # الممرضون ~~: # الصمت الصمت، # يموت الموت، # وحبك لا يعرف طعم الموت. # المريض ~~: # زينب ماتت. # زينب ~~(تظهر بجوار الطبيب) ~~: # لم أمت يا محمد، أنا زوجتك. # المريض ~~: # أنت زينب أخرى، قتلتني واتهمتني بالقتل ~~والجنون. # زينب ~~: # أنا حبيبتك. # الممرضون ~~: # جميلة كأنها فينوس، شفافة كأنها الملاك في ~~الفردوس. # المريض ~~: # لا لا، قلت لكم لقد تركتني وتزوجت محمد ~~دربالة. # الممرضون ~~: # أنت محمد دربالة، # زينب لم تتركك، # وها هي تقف أمامك. # تدعوك ms047: تعال، تعال. # المريض ~~: # محمد دربالة هناك، في حجرته المظلمة في الحسين. # زينب ~~: # ليتنا بقينا فيها، هل تذكر أيامنا الأولى؟ كنا مستورين ~~كأنا في الجنة. # المريض ~~: # سمعتم؟ وأنا أخرجتها من جنتها لتحيا في جحيم الفيلا ~~على شاطئ النيل؛ ولهذا تركتني وذهبت إليه. # زينب ~~: # لم أتركك ولم أذهب إليه. # المريض ~~: # وتنكرين؟ ذهبت إليه وخلفت منه عشرة أولاد وخمس ~~بنات. # زينب ~~: # لم نخلف إلا بنتا واحدة يا محمد، وابنتنا ~~(تبكي) ~~. # المريض ~~: # قوليها، أنا الذي قتلتها؟ # زينب ~~: # تأخرت عليها بالدواء. # المريض ~~: # نفس القصة، ماتت وهي تنادي: بابا، تعال يا ~~بابا. # زينب ~~: # طالما نادت عليك، طالما اشتاق صدرها لحنانك، وعندما ~~اشتدت عليها الحمى ... # المريض ~~: # وهل أنا طبيب؟ هل كنت في علم الغيب؟ ألم أفعل كل شيء من ~~أجلها؟ هل تعبت إلا لإسعادها؟ # زينب ~~: # وسعادتها بك، هل فكرت فيها؟ # المريض ~~: # والمبلغ المحترم في البنك بعد وفاتي؟ والمركز والمنصب ~~والسمعة؟ ألم تكن لإسعادها؟ # زينب ~~: # لا تساوي قبلة على وجهها، بسمة على فمها، ومرور ~~يديك على شعرها ورأسها قبل أن تنام. # المريض ~~: # أحلام نساء، تريد أن أتركها للكلاب تنهشها، للمستقبل ~~المجهول يفترسها، تريد أن أجلس في البيت ~~لأداعبها. # زينب ~~: # كنت دائما مشغولا عنا، هل رأيتني لحظة واحدة؟ هل ~~لاحظت المرأة التي في نفسي وجسدي؟ هل نظرت في المرآة ~~لترى الشخص الآخر الذي يأكل وينام معي. # المريض ~~: # لهذا تخليت عنه؟ # زينب ~~: # نعم، ذهبت لمحمد دربالة الذي أحببته وأحبني عندما ~~كنا في حجرتنا المظلمة في الحسين، لموظف الأرشيف الذي ~~عشت معه تحت سقف الستر والشرف. # المريض ~~: # سمعتم؟ تعترف بخيانتها، بعظمة لسانها تقول إنها ~~تركتني. # زينب ~~: # بعد أن تركتنا أنا وابنتي ورحت تلهث وراء الدرجة ~~والفيلا والمرسيدس. # المريض ~~: # نفس كلام محمد دربالة. # زينب ~~: # أرأيت؟ أنت تتهم نفسك بنفسك. محمد دربالة خان محمد ~~دربالة. كل شيء تغير فيك، نظرة عينيك وحركة شفتيك، ~~وجهك تغير من كثرة الخطوط التي حفرها عليه التعب ~~والخوف، والقلق والأرق، حتى جسدك لم أعد أعرفه من كثرة ~~الانحناء والركوع. # المريض ~~: # ولماذا لا تقولين من شدة الجهد والتعب. قضى ms048 علي ~~المجتمع بالسقوط في الحضيض. لكنني تحديته وارتفعت ~~بكفاحي إلى السماء، أصبحت غولا لكي أحميكما من ~~الغيلان. # الممرضون ~~: # حجة كل الأبطال بهذا العصر وكل ~~الفرسان؛ # ولهذا صار المجتمع بفضلك، # أنت وأمثالك غابة غيلان. # زينب ~~: # ولهذا لم تنشغل عنا وحدنا، حتى أمك. # المريض ~~: # أمي؟ # زينب ~~: # نعم أمك، كانت في القرية تحتضر وأنت مشغول ~~عنها. # المريض ~~: # أرسلت إليها كل شهر ما يكفيها، كلفت أحسن ~~الأطباء بعلاجها. # زينب ~~: # وماتت وهي تنادي باسمك. # المريض ~~: # هل قصرت أبدا في حقها؟ هل بخلت عليها ~~بشيء؟ # زينب ~~: # قصرت في أهم شيء، في نفسك. # المريض ~~: # عملت لها مأتما لم تشهده البلد كلها، أحضرت لها ~~أعظم المقرئين. # زينب ~~: # كانت تريد ابنها ولا تريد ماله. ماتت وهي تردد ~~اسمك. كما ماتت أحلام، كما ماتت أحلام ~~(تبكي) ~~. # المريض ~~: # نفس كلام محمد دربالة. # الممرضون ~~: # أنت محمد دربالة. # المريض ~~: # لقد تآمر مع زوجته علي. # الممرضون ~~: # زوجته هي زوجتك حبيبة عمرك. # المريض ~~: # لا لا، إنهما يتآمران علي، كلكم تتآمرون علي. ~~إنني وحيد، وحيد. # الطبيب ~~: # ابك فإن دموعك هي جسر شفائك. # المريض ~~: # وأنتم أيضا؟ ألم يبق لي أحد؟ # الطبيب ~~: # يبقى أن تعرف نفسك. # الممرضون ~~: # تعرف سر دوائك، # أنت محمد دربالة، # فاعلم أن رداء الشرف، # على كتفيه نفس ردائك. # زينب هي زوجتك، حبيبة عمرك، # قبلة أملك ورجائك. # المريض ~~: # زينب تركتني، تركتني. # الطبيب والممرضون ~~: # تركت كلب السلطة والسلطان لترجع ~~للإنسان. # وتخلت عن جنتك الزائفة؛ # لتسقط في نيران الأحزان. # المريض ~~: # أنتم ضدي، هذا حكم بالإعدام. # الطبيب والممرضون ~~: # لسنا بقضاتك، نحن شهود عيان. # لا شأن لنا بالحكم ولا بالأحكام. # المريض ~~: # الكل تخلى عني. لم تبق سوى أحلام. # الطبيب والممرضون ~~: # أحلام، في القبر الآن. # المريض ~~: # بل في الجنة، يا أحلام، يا أحلام. # الطبيب والممرضون ~~: # ارجع يا مسكين. # الزوجة ~~: # ارجع لحبيبة عمرك. # المريض ~~: # عودي أنت إليه. # الزوجة ~~: # قلبي هو نفس القلب، # وفي لك وأمين، # تعال، تعال. # المريض ~~: # هي تدعوني. # الزوجة ~~: # ردوه، ردوا العقل إليه. # مدوا جسرا ليسير عليه. # لا تدعوه يسقط منكم في جوف الموج. # هل قضي علي بموت الابنة وجنون ms049 الزوج؟ ~~... # المريض ~~: # أحلام تنادي. # الطبيب والممرضون ~~: # ارجع يا مسكين. # ارجع يا مسكين. # المريض ~~: # أحلام، أحلام. # 6 ~~(تظهر الرؤيا التي عرفناها في المشهد الثاني. ~~النور الأخضر الشاحب يغمر المكان، الملاك الأسود الصامت يسحب ~~«أحلام» من يدها، والممرضون في ثياب بيض وأجنحة ملائكة يزفونها، ~~إلى اليمين باب الجنة، تحيط به جوقة ملائكة في صورة أطفال ~~مجنحين مكللين بالزهور، أما في عمق المسرح فيبدو الطبيب ~~والزوجة كأنهما شبحان في الظلام.) # المريض ~~: # إلى أين تذهبين يا أحلام؟ # أحلام ~~: # الله دعاني، # لبيت الدعوة. # والملك الحاني، # يعبر بي الهوة. # المريض ~~: # انتظريني يا حبيبتي. # الممرضون ~~: # انتظرتك طويلا وتأخرت # راحت تحتضر وفات الوقت. # المريض ~~: # تأخرت يا حبيبتي، لم يكن الأمر في يدي. # الممرضون ~~: # نادت باسمك حتى اختنق الصوت، # نادت فأجاب الموت، # ورد الصمت. # المريض ~~: # وأحضرت الدواء معي. # الممرضون ~~: # لكن بعد فوات الوقت، بعد فوات الوقت. # المريض ~~: # والعروس يا حبيبتي، العروس الجميلة لم أنسها. # أحلام ~~: # ها هي يا أبي، تعال العب معي. # المريض ~~: # مدي ذراعيك يا حبيبتي. # أحلام ~~: # تعال يا أبي. # المريض ~~: # خذي بيدي. # أحلام ~~: # ساعده أيها الملاك. ~~(الملاك الأسود ينظر إليه في صمت.) # الممرضون ~~: # مثلك لا يدخل من باب الجنة. # طهر ثوبك، طهر قلبك؛ # فلعلك تجتاز المحنة. # المريض ~~: # أرجوكم، دعوها تساعدني. # الممرضون ~~: # لا تستطيع، لا تستطيع. # المريض ~~: # إنني أتألم يا حبيبتي. # أحلام ~~: # أيا حبيب روحي، # فراشتي تطير، # للنار أو للنور، # في صدرك الجريح. # المريض ~~: # ساعديني يا حبيبتي. # أحلام ~~: # لا تبك يا أبي، # فإنني فداك. # غدا سنلتقي، # موعدنا هناك. # المريض ~~: # الجرح عميق يا ابنتي. # أحلام ~~: # ستسكت الجراح، # وينطفي الحريق. # وزهرة الصباح، # تضيء لي الطريق. # المريض ~~: # طريقي مظلم يا حبيبتي. # أحلام ~~: # ودموعي ستضيء طريقك. # المريض ~~: # ذنبي أكبر من أن يغفر. # أحلام ~~: # غفراني أكبر من ذنبك. # المريض ~~: # إن أنت عفوت فهل يعفون؟ # أحلام ~~: # باب الجنة أوسع مما يدرون. # المريض ~~: # باب الجنة؟ # الممرضون ~~: # لا يتسع لمثلك يا ملعون. # المريض ~~: # سمعت؟ # أحلام ~~: # وشل الخوف جناني، # شل عيوني، # لم تقسون عليه، # وتسدون الباب، # وتتجنون؟ # يا أبت، كفكف دمعك. # الممرضون ~~: # طهر ثوبك يا مسكين، # واغسل بدموعك ms050 رجس سنين، # لن نغفر ذنبك نحن، # فهل تغفره أرض الوادي؟ # هل يغفره ماء النيل، العشب، الطين؟ # بنيت الفيلا، # هل فكرت بمن يسكن وسط الأموات؟ # نهبت الفرص، تسلقت على الأعناق، # وفي رأسك أحلام المجد، # وفي جيبك دفتر شيكات، # ونسيت ألوف المحرومين من الأقوات، # ألوف حفاة وعراة، # إلا من حظ الأموات. # عشت لنفسك والنفس، # إذا لم تحي لغيرك، قبر وجحيم. # وظننت بأنك ترتفع من الوحل إلى أعتاب ~~الأنجم، # لم تدر بأنك في الوحل مقيم. # طهر قلبك يا مسكين، # واغسل ثوبك بدموع العين، # لعلك تغسل رجس سنين. # أحلام ~~: # يا أبتي طهر ثوبك. # الممرضون ~~: # كفر ذنبك. # أحلام ~~: # والله غفور يا أبت، حنون. # الممرضون ~~: # سنسوق ابنتك إلى الجنة. # أحلام ~~: # وغدا ألقاك. # ويهنأ قلب محزون. # الممرضون ~~: # لن يدخلها نهاز الفرص لعين، # لن يدخلها غير شريف ونزيه وأمين. # أحلام ~~: # يا أبت وداعا، # ها أنا ذا أسبقك إليها. # المريض ~~: # هذا يكفيني. # الممرضون ~~(يلتفون حول الصبية ~~ويغنون) ~~: # تقدمي يا صغيرة، # كنجمة أو أميرة، # على جناحي ملاك، # تزفك الأفلاك. # أحلام ~~: # يا أبت، وداعا، # لا تتأخر. # لن أقبل عذرا. # المريض ~~: # لن أتأخر، # لن يشغلني شيء عنك. # أحلام ~~: # يا أبت، سلاما. # المريض ~~: # لا تنسيني # لا تنسيني. ~~(الممرضون والجوقة من الأطفال الملائكة ~~يحيطون بها. تتقدمهم إلى الباب الذي يفتح للموكب الجميل ~~بينما تغني): # أحلام ~~: # الله دعاني # لبيت الدعوة # والملك الحاني # يعبر بي الهوة. # الجميع ~~: # ستدخلين الحديقة # تحفك الأنغام # وتعرفين الحقيقة # وتقرئين السلام # على الزهور الرقيقة # والفجر والأنسام # أحلام ~~: # يا أبت، وداعا، # لا تنس الموعد. # المريض ~~: # لا، لن أتأخر، # فامضي بسلام، # هذا يكفيني. # الممرضون ~~(يلتفتون إليه قبل أن يغيبوا وراء ~~الباب) ~~: # طهر ثوبك، # كفر ذنبك، # رد الدين، # واغسل قلبك # يا مسكين بدمع العين. # أحلام ~~(هي تختفي وراء الباب) ~~: # يا أبت، وداعا. # المريض ~~(وهو ينشج) ~~: # سأطهر ثوبي، # وسأغسل قلبي، # فامضي بسلام، # فامضي بسلام، # هذا يكفيني. # أحلام ~~: # يا أبت، وداعا. # المريض ~~: # لا، لا تنسيني، # لا، لا تنسيني. # الموكب ~~: # تقدمي يا صغيرة، # كنجمة أو أميرة، # على جناحي ملاك، # تزفك الأفلاك. ~~(بينما تتردد أنغام الأغنية الأخيرة يتقدم ~~الطبيب ms051 والزوجة إلى النور ، ينحنيان على المريض ويمدان إليه ~~أيديهما. ينهض في هدوء ويسلم إليهما يديه ويمضي الجميع ~~ليختفوا في قاع المسرح وتسدل الستار.) # | الموت والمدينة # مسرحية في مشهدين # الشخصيات # الراوية. # الشبح. # الملك. # الكاهن. # القائد. # الوزير. # الكاتب. # الحكيم. # المتعب من الحياة. # رسول من ملك الهكسوس. # حراس، أفراد من الشعب، أصوات. # تقوم هذه المسرحية على قصة مصرية قديمة هي قصة «الشبح»، وتروى ~~عن ملك عجوز تطارده وتؤرق نومه روح ميت تهدم قبره، ولا تهدأ حتى ~~يأمر الملك ببناء قبر جديد له (انظر كتاب روايات وقصص مصرية، ~~ترجمها إلى الفرنسية جوستاف لوفيفر وإلى العربية المحروم الدكتور ~~علي حافظ). أما قصة ملك الهكسوس المتبجح - الذي تزعجه أصوات أفراس ~~البحر في طيبة، بينما هو في شرق الدلتا! - فهي أشهر من أن تذكر، ~~وأما الأشعار المنبثة في المسرحية، فقد استوحيت بعضها من «نذر ~~ايب أور»، وبعضها الآخر من حديث متعب من الحياة مع نفسه - في ~~ترجمتي أرمان وفوكنر - وكلاهما من أروع نصوص الأدب المصري القديم، ~~وكنت قد قرأت نص حديث المتعب في أصله الهيروغليفي قبل أكثر من ~~عشرين عاما. كتبت المسرحية بعد نكسة 1967، وقامت بتمثيلها فرقة ~~المسرح الوطني ببنغازي وبعض فرق الهواة من جامعات الأزهر والمنصورة ~~والثقافة الجماهيرية ببورسعيد وكلية الآثار، كما أذيعت من البرنامج ~~الثاني بإذاعة القاهرة من إخراج الأستاذ هلال أبو عامر. # المشهد الأول ~~(قاعة العرش والعدالة في قصر فرعون العجوز. إلى ~~الخلف شرفة كبيرة بابها مفتوح، يدخل الراوية في الظلام. يقف في ~~مقدمة المسرح ويسلط عليه الضوء. يلاحظ أن الشبح لا يراه طوال ~~المسرحية إلا الملك ولا يكلم أحدا سواه.) # الراوية ~~: # في أوقات المحن والأزمات، # وحين تتكاثر على الناس الظلمات، # ويبتعد النور ويغيب، # يتلفت القلب للتاريخ، # تقلب اليد أوراقه وسجلاته، # يحس دبيبه في قطرات دمه، # يشعر بعبئه فوق كاهله، # يقول: آه، ماذا فعل أجدادي؟ # وإذا رأى أنهم كانوا عاجزين، # يسأل نفسه: لماذا عجز الأجداد؟ # ونحن قد بحثنا كثيرا في الأوراق والنقوش ~~والسجلات، # فقفز أمامنا ملك عجوز، # والقفز هنا من قبيل المبالغة والتهويل، # فهو ms052 في الحقيقة شيخ مريض مسكين، # يعجز حتى عن تحريك إصبعه، # ينام على نفسه بالليل والنهار، # وإذا صحا فلكي يسأل: ما العمل يا أولادي؟ # ثم يعود للنوم أو للموت من جديد. # يقال إنه حكم أربعا وتسعين سنة، # وهذا أيضا كما ترون من قبيل المبالغة ~~والتهويل # على أن هذا كما قلنا لكم تاريخ قديم، # فلا تحكموا عليه بميزان العقل والتفكير، # بل عيشوا لحظة في جنة الخرافات ~~والأساطير، # وشاهدوا ذلك الملك المسكين، # وارثوا له إن شئتم أو اضحكوا عليه، # لأنه سيظهر لكم بنفسه بعد قليل. ~~(ينحني الراوية معتذرا ويختفي.) ~~(بينما يدخل الملك العجوز، وهو يجري ~~مذعورا.) # الملك ~~: # الشبح عاد ... الروح يطاردني، أيقظني من النوم وجرى ~~ورائي، ها هو يتبعني ... ها هو يتقدم ويبتسم ويضحك ... ~~أنقذوني يا أولادي. # أين أنتم يا حراس ... يا حراس؟ # الحارس ~~: # مولاي ينادي؟ # الملك ~~: # مولاك يصيح يا ولدي، مولاك يستغيث. # الحارس ~~(متثائبا) ~~: # ادع الآلهة يا مولاي. # الملك ~~: # ادعها أنت يا ولدي، اطلب منها الحماية والأمان ~~لمولاك. # الحارس ~~: # أيها الإله رع ... أيها الإله بتاح ... يا كبير الآلهة ~~آمون. # الملك ~~: # إنه لم يتزحزح من مكانه. # الحارس ~~: # من يا مولاي؟ # الملك ~~: # ألا تراه، أيمكن أن يضحك ولا تسمعه؟ # الحارس ~~: # أيها الآلهة العظام ... رع وآمون. # الملك ~~: # كفى كفى، اذهب ونادهم، قل لهم يحضروا جميعا. # الحارس ~~: # من يا مولاي؟ من الذي تريده جلالتك الملكية؟ # الملك ~~: # أيها الغبي، إنك تنام فكيف توقظ النيام؟ اذهب ونادهم ~~جميعا، أفزعهم وهزهم من أكتافهم، قل لهم مولاك ينتفض ~~ويرتعش ويصيح. # قل لهم عاد يطارده من جديد، قل لهم ... # الحارس ~~(متثائبا) ~~: # ولكن هل يتكرم مولاي ويقول لي من هم؟ # الملك ~~(صارخا) ~~: # حرسي وحاشيتي يا غبي ... الكاهن والوزير ... والقائد والكاتب ~~... هيا هيا ~~(يذهب الحارس متباطئا ~~وهو يهز رأسه تعجبا) ~~. # الملك ~~: # ما زلت تقف هناك وتبتسم، ماذا تريد؟ هل أقذف بنفسي من ~~الشرفة؟ هل يرضيك أن تبقى البلاد بلا راع؟ تكلم. اصرخ في ~~أذني قبل أن يأتوا، قل أي شيء. اطلب ما تشاء، من أين ~~أتيت؟ عم تبحث؟ ماذا يرضيك؟ في كل ليلة ms053 تفزعني، ألا ترى ~~ضعفي؟ ألا ترحم شيخوختي؟ ألا تعلم أنني أحكم البلاد؟! ~~(الشبح يبتسم من بعيد ~~ويقترب منه) # أرجوك، ابتسم كما تحب، ولكن لا ~~تقترب مني ... تسعون سنة وأنا أحكم البلاد، أتبتسم أيضا؟ ~~ألا يرضيك هذا العدد؟ ألا تقول كلمة واحدة؟ أتريد أن ~~تتكلم أمامهم؟ هل تخشى أن أكون قد أصبت بالصمم؟ هل ~~تصدق أنني لا أحرك حتى إصبعي؟ تكلم، تكلم. لا تنس أنني ~~فرعون، لا تنس أن لدي القوة والرهبة والجلال، حتى ولو ~~كنت في التابوت، ألا زلت تبتسم؟ ها هي خطواتهم قادمة، ~~أتوسل إليك. ~~(يدخل الكاهن الأكبر، يتبعه بعد قليل ~~الوزير فالقائد يرتبون ملابسهم بسرعة، أو يمسحون عيونهم، أو ~~يسوون شعورهم - فيما عدا الكاهن الأصلع بالطبع ~~- من أثر النوم.) # الملك ~~: # ها هم قد جاءوا. # الكاهن ~~: # مولاي الملك العظيم. # الملك ~~: # مولاك مسكين، مولاك مطارد. # القائد ~~(يدخل مسرعا) ~~: # من يجرؤ أن يطارد مولاي؟ أليس في القصر حراس؟ أليست ~~معهم خناجر وسيوف؟ # الوزير ~~(مسرعا) ~~: # تكلم يا مولاي، أين هم الأعداء؟ # الملك ~~: # لا لا، لا تقولوا هذا، أخفوا الخناجر والسيوف. اخفضوا ~~أصواتكم. # الكاتب ~~(مسرعا بدفاتره وأوراقه) ~~: # ها أنا قد جئت يا مولاي، معي الدفاتر والوثائق والسجلات. ~~ومعي الريشة والمحبرة والأقلام، أمل علي وليسجل ~~التاريخ. # الملك ~~: # إنه يقف هناك. # الجميع ~~: # أين يا مولاي؟ # الملك ~~: # ألا ترونه؟ ألا تخيفكم ابتسامته؟ ألم يطاردكم أيضا ~~في الليل؟ ألم يهزكم من النوم؟ # الجميع ~~: # نحن لا نرى شيئا يا مولاي، لكن عينكم الملكية. # الملك ~~: # عيني الملكية؟ أيمكن أن تبصر ما لا تبصرون، تكلموا ~~إليه يا أولادي. تكلموا. # الجميع ~~: # ماذا نقول يا مولاي؟ # الملك ~~: # اسألوه ماذا يريد؟ لماذا يفزع مولاكم العجوز؟ # الجميع ~~: # تكلم ... تكلم ~~(يذهب كل في ~~اتجاه) ~~. # الملك ~~: # هنا هنا ... ها هو أمامي، ما يزال يبتسم. # الجميع ~~: # قل ماذا تريد؟ # الملك ~~: # تكلم أيها الروح الجليل، قل للكاهن ماذا تريد؟ # الكاهن ~~(يتقدم إليه ولا يراه) ~~: # أخبرني ماذا تريد؟ لماذا خرجت من قبرك المقدس؟ من أنت ~~حتى أقدم باسمك قربانا للآلهة وأعمل كل ما يجب علي، ألا ~~تريد قربانا باسمك ms054، باسم أبويك العظيمين ؟ # الملك ~~: # إنه يهز رأسه، تكلم تكلم. # الكاهن ~~: # أنا على استعداد لتنفيذ رغبتك، أقسم بآلهة السماء ~~والأرض، والشرق والغرب، والجنوب والشمال. قل لي أين تقع ~~مقبرتك، سأعمل على تجديدها، سآمر لك بتابوت جديد، لن ~~تحتمل برد الشتاء إن كنت عاريا، وإذا جعت لن تحرم من ~~الخبز والنبيذ. # الملك ~~: # ما يزال يهز رأسه ... استمر ... استمر. # الكاهن ~~: # لا تجعل قلبي يضطرب كالنيل في الفيضان، هل يرضيك أن ~~أصوم عن الأكل والشرب؟ إن لم تتكلم فلن أبصر أشعة الشمس ~~ولن أتنسم نسيم الشمال، ما دمت أيها الروح تأتي كل يوم ~~ومعك الظلمات. # الملك ~~: # أرجوك، قل لهم من أنت؟ # الوزير ~~: # أكنت رئيسا لخزائن الملك؟ # القائد ~~: # أم أميرا في الجيش؟ # الوزير ~~: # أم رئيسا للديوان؟ # الكاتب ~~: # أم الكاتب الأول لفرعون؟ # الكاهن ~~: # ألم تمنح أوعية التحنيط الأربعة؟ ألم يضعوك في النعش ~~المصنوع من الرخام الأبيض؟ ألم تدفن في قبر مذهب ~~الأبواب والجدران؟ # الملك ~~: # تكلم تكلم ... هل تهدم القبر وانهار؟ هل أصبحت ~~الرياح تهب داخله؟ # الوزير ~~: # أقسم أنني سأعيد بناءه. # الكاهن ~~: # وسأجعل لك خمسة عبيد من الرجال وخمسا من النساء. # الوزير ~~: # ليصبوا لك الماء ويقدموا لك زكيبة قمح كل ~~يوم. # الكاهن ~~: # ومن أجلك سنقدم القرابين ونريق الخمر والماء. # الكاتب ~~: # كلمني عن اسم أبيك وأمك العظيمين، الوثائق معي ~~والسجلات. # الوزير ~~: # أو اسم أولادك وأحفادك. أقسم لك أن أعينهم في أعلى ~~المناصب، وأعفيهم من الضرائب والرسوم. # القائد ~~: # وسآمر لكل منهم بخنجر من الذهب وسيف من البرونز، ~~وسيذهبون معي لتأديب البدو في الصحراء ~~(الشبح يبتسم) ~~. # الملك ~~: # ما زال يبتسم، بل إن ابتسامته تتسع. # الجميع ~~: # تكلم تكلم أيها الروح العظيم. # نتضرع إليك باسم الآلهة المقدسين، # وباسم هذا الملك الشيخ الجليل، # سيصعد الرجال بقارب في النيل نحو الشمال، # وسيبحثون عن المكان العظيم، # الذي ستخلد فيه أيها الروح. # الملك ~~: # شكرا يا أولادي، ها هو يفتح فمه. # الجميع ~~: # ماذا يقول؟ ماذا يقول؟ # الملك ~~: # أنصتوا ... تكلم أيها الروح، لم جئت من بلد ~~الموت؟ # الروح ~~: # عليك أن تحسن السؤال؟ # الملك ~~: # وماذا أقول ... ماذا أقول؟ # الروح ms055 ~~: # تقول: لم جئت إلى بلد الموت والأموات؟ # الملك ~~: # بلد الموت والأموات؟ أين هي أيها الروح؟ من هم؟ # الروح ~~: # تحت أقدامك ... أمام عينيك، في كل مكان. # الملك ~~: # لا أفهم أيها الروح ... ما اسم هذه البلد؟ صفها لي. # الروح ~~: # هي البلد التي يحكمها الموت. # الملك ~~: # ألا تفسر كلامك أيها الروح؟ أهناك حاكم غيري؟ ~~(الروح يبتسم.) # الملك ~~: # عدت للابتسام. ~~(الروح يضحك.) # الملك ~~: # وتضحك أيضا؟ # الجميع ~~: # نحن لا نسمع الضحك، ولا نرى الابتسام. # ليته يتكلم لنعرف ما يقول. # ليته يتكلم لنعرف ما يريد. # الروح ~~(ضاحكا) ~~: # لا يسمعون ولا يبصرون، ألم أقل لك إنها بلد ~~الأموات؟ # الملك ~~: # لكن يا ولدي، ماذا تريد بهذا الموت؟ من تقصد ~~بالأموات؟ # الروح ~~: # الموت في الضمير، والموت في الصدور، والموت في ~~التراب. # الملك ~~: # رجعت للألغاز؟ # الروح ~~: # أتريد أن تراهم؟ ها هو أحدهم. # الملك ~~: # أين؟ أين؟ ~~(يسمع صوتا عميقا مهيبا ~~يأتي من بعيد) ~~: لديك الحكمة والعدالة، لكنك ~~تترك الفساد ينتشر في البلاد. # الروح ~~: # سمعت؟ # الملك ~~: # من هذا؟ # الروح ~~: # أتحب أن تراه؟ # الملك ~~: # إن كان هذا يرضيك. # الروح ~~: # ها هو يطرق الباب، هل تأذن له بالدخول؟ # الملك ~~: # أدخلوه ... أدخلوه. # الجميع ~~: # من يا مولاي ... من؟ # الملك ~~: # أيها الموتى، ألا تسمعون الطرق على الباب؟ ~~(الشبح يبتسم، بينما يهرع الجميع لفتح ~~الباب، يدخل شيخ عجوز أعمى يتوكأ على عصا طويلة، يتحسس ~~طريقه إلى الملك بعد أن يقترب من الكاهن والوزير ... إلخ. ~~ويلمسهم بيده واحدا بعد الآخر.) # الملك ~~: # إنه أعمى. # الروح ~~: # إنه حكيم. # الملك ~~: # أهذا هو الموت؟ # الروح ~~: # استمع أولا لما يقول. # الحكيم ~~: # أين أنت أيها الملك؟ # الملك ~~: # إنه يتجه نحوي. # الحكيم ~~: # يا من تقبع في قصرك من مئات السنين؟ # الملك ~~: # غير صحيح، إنني كما يقولون لم أحكم أكثر من تسعين ~~... # الحكيم ~~(بعد أن يتعرف عليه يمد يديه نحوه ~~ويهزه من صدره) ~~: # كذبوا عليك، كذبوا عليك. # الملك ~~: # من أيها الحكيم؟ من؟ # الحكيم ~~: # يقولون لديك الحكمة والبصيرة والعدالة. # الملك ~~(للكاهن والوزير ... إلخ) ~~: # سمعتم؟ يقول لدي الحكمة والبصيرة والعدالة. # الجميع ~~: # يا له من شيخ حكيم. # الحكيم ~~: # ولكنهم كذبوا ms056 عليك. # الملك ~~: # هل كذبتم علي حقا؟ # الحكيم ~~: # فتركت الفساد ينتشر في البلاد. # والبلاد تشتعل والشعب على شفا الهلاك. # الملك ~~: # الشعب؟ سمعت هذه الكلمة من قبل، لماذا لم تقولوا لي من ~~هو الشعب؟ # الروح ~~: # لا تقاطعه أيها الملك. انتظر ولا تقاطعه. # الحكيم ~~: # انظر، إن السرور قد مات. # ولم يبق حيا على الأرض إلا أنين ~~المظلومين. # إنني أقف في قاعة العدالة، # لكن العدالة موجودة باسمها فقط، # وحين يلجأ الناس إليها لا يلقون إلا ~~الظلم. # الملك ~~: # ليس هذا صحيحا، لم يلجأ إلي أحد أيها الشيخ. # الروح ~~: # انتظر، قلت لك انتظر. # الحكيم ~~: # العظيم والحقير كلاهما يقول: ليتني كنت ميتا، الطفل ~~الصغير يصرخ ويقول: ليتني لم أولد، القطعان قلوبها ~~تبكي. # الملك ~~: # حتى القطعان أيها الحكيم؟ # الشبح ~~(يبتسم) ~~: # ألم يقل إنهم كذبوا عليك؟ # الملك ~~(صائحا) ~~: # لم كذبتم علي؟ كيف حجبتم الناس عني؟ ألم يهزكم بكاء ~~الطفل وأنين القطعان؟ # الجميع ~~: # أتكلمنا يا مولاي؟ # أم تكلم الروح الخالد العظيم؟ # الكاهن ~~: # باسم الآلهة المقدسين. # الروح ~~: # أسكتهم. # الملك ~~: # اسكتوا، أنصتوا لما يقول الحكيم. # الجميع ~~: # الحكيم؟ يا له من أخرس حكيم ~~(يضحكون بصوت عال) ~~. # الملك ~~: # تكلم أيها الحكيم، تكلم إلي بالحكم والأمثال. # الحكيم ~~: # ليتني كنت أعرف كلاما لا يعلمه أحد، أو أمثالا جديدة ~~لم يرددها لسان، أو أحاديث خالية من التكرار لم ~~يقلها الأجداد. # انظر ... القلب الشجاع هو رفيق صاحبه في الملمات، فتعال ~~إذن يا قلبي لأتحدث إليك. # الملك ~~(للروح) ~~: # سمعت؟ إنه لا يريد أن يتحدث إلي. ~~(يهز الحكيم كتفه) # أنا ~~مولاك، إنني أسمعك، إنني أقف أمامك. # الروح ~~: # قلت لك لا تقاطعه. # الحكيم ~~(مستمرا) ~~: # أجبني يا قلبي وفسر لي ما يقع في البلاد. # الملك ~~(للروح) ~~: # أيعجبك هذا؟ أيرضيك أن يتجاهلني؟ # الروح ~~: # هش ... # الملك ~~: # إنني لا أطيق هذا. # الروح ~~: # طالما تكلموا وتكلمت، تعلم الآن أن تسمع ~~وتنصت. # الملك ~~: # وهل تقول الحقيقة أيها الحكيم؟ حذار. # الروح ~~: # حاذر أنت واستمع. # الحكيم ~~: # إن المصائب تقع اليوم، وكوارث الغد لم تأت بعد ~~... # والناس كلهم لاهون، # مع أن البلاد في اضطراب عظيم، # إنهم يستيقظون كل صباح ليتألموا ms057، # ولكن قلوبهم راضية بما حدث، # وما من أحد يدفعه الغضب إلى الكلام. # آه ... ماذا أقول؟ ماذا أقول؟ # إن همي ثقيل ومرضي طويل، # ومن المؤلم أن يظل الإنسان ساكتا على ما يسمعه ~~ويراه. # الملك ~~: # يسألني: ماذا أقول؟ هل قال لي: ماذا أفعل؟ # الروح ~~: # الحكيم لا يفعل، الحكيم يقول. # الملك ~~: # لكن صوته لم يصلني. # الروح ~~: # أتظن أنك كنت تصدقه؟ ~~(يشير ~~إلى الكاهن والقائد ... إلخ.) # الملك ~~: # كنت أظن أن كل شيء على ما يرام. # الكاهن ~~: # نعم ... هذا ما قاله بتاح حوتب من أزمان. # الروح ~~: # لكنه انتهى إلى الأبد، ألا تفهم ما قاله الحكيم؟ # الملك ~~: # ألا يزال لديه ما يقول؟ # الروح ~~: # هل تحب أن يحكى لك عن اللصوص والأشرار الذين يجوبون ~~الطرق ويملئون مخازنهم بالغلال؟ أم عن قوانين العدل التي ~~يدوسها الناس بالأقدام؟ # الحكيم ~~: # كل شيء يدور مقلوبا على رأسه كما تدور عجلة صانع ~~الفخار. # الملك ~~: # قل له يكف عن الكلام، أسأله ماذا أفعل؟ ماذا لو كان ~~مكاني؟ # الروح ~~: # ألا تنتظر حتى يحدثك عما فعله الأعداء؟ # الملك ~~: # الأعداء؟ وهناك أعداء ولا أدري؟ # الروح ~~: # ألم يقل لك: لديك الحكمة والبصيرة. # الحكيم ~~(صارخا وضاربا بعصاه متجها إلى باب ~~الخروج) ~~: # ولكنك تترك البلاد ينتشر فيها الفساد. # الملك ~~: # انتظر أيها الحكيم، إلى أين تذهب وتتركني؟ من هم هؤلاء ~~الأعداء؟ من هم هؤلاء الأعداء؟ # الجميع ~~: # الأعداء؟ # الملك ~~: # ألم تسمعوا بهم؟ ألم تروهم؟ # الجميع ~~: # نحن نعيش هنا يا مولاي في أمان # والقصر يحيطه الحراس من كل مكان # وكل شيء في طيبة على ما يرام # الأعداء؟ من هم هؤلاء الأعداء؟ ~~(يلتفتون إلى بعضهم البعض.) # الصوت ~~: # الذي لم يكن يجد رغيفا يمتلك مخازن ~~الغلال، # ومن لم يكن يملك زوجا من الثيران، # قد أصبح يملك القطعان. # الملك ~~: # أيحدث كل هذا ولا أعلم؟ لماذا كذب على الكاهن والقائد ~~والكاتب والوزير؟ لماذا قالوا كل شيء على ما يرام؟ # الملك ~~(يناجي نفسه) ~~: # آه ... لا تهتم بأخ، ولا تصاحب صديقا، ولا تثق ~~بأحد، فليس في ذلك كمال. # إن تمت فاسهر على قلبك بنفسك، # إذ ليس للرجل في ms058 وقت البلية إخوان ، # آه ... لقد أعطيت الفقراء وأطعمت اليتامى، # وسمحت بدخول من لا قيمة له ومن له قيمة، # ولكن أولئك الذين أكلوا خبزي كذبوا ~~علي، # وذلك الذي مددت له يدي نشر الذعر في ~~البلاد، # والذين لبسوا كتاني الرقيق عادوني، # والذين تعطروا بعطري غدروا بي، # لا ... ليس كل شيء على ما يرام، ليس كل شيء على ~~ما يرام. # الروح ~~(يصفق) ~~: # أكل هذا بسبب هذا العجوز الحكيم؟ # الملك ~~: # نعم، كان عجوزا. فهل من حقك أن تسميه الحكيم؟ # الروح ~~: # ربما أسميه باسم آخر. # الملك ~~: # ماذا تسميه؟ # الروح ~~: # هو الذي ذكرته لك. # الملك ~~: # إنني أنسى، أعده على عقلي المسكين. # الروح ~~: # الموت في الضمير. # الملك ~~: # الموت في الضمير؟ # الروح ~~: # جاء يقول إن العدالة نبذت، والظلم أخذ مكانه في قاعة ~~العدل. # الملك ~~: # كان عليه أن ينصحني بما أفعل، انصحني أنت أيها الروح، ~~تكلم أيها الحي بين الأموات. # الروح ~~: # انتظر ... كان يريد أن يقول: الرجال ينامون، ويأكلون ~~ويشربون ... وينسون أن الأعداء في البلاد. # الملك ~~: # تكلم عن الأعداء فلم أعرف معنى الكلمة، ولم يعرف أيضا ~~هؤلاء، أرجوك أيها الروح. # الروح ~~: # إنه الموت الأخير. # الملك ~~: # الموت الأخير؟ ذكرني أيها الروح. # الروح ~~: # هو الذي سميته الموت في التراب، أتريد أن يدخل ~~عليك؟ # الملك ~~: # يدخل علي؟ # الروح ~~: # كما دخل الحكيم، ألا تسمع وقع أقدام؟ # الملك ~~: # قل لي أولا ماذا أفعل؟ # الروح ~~: # لا أستطيع الآن ~~(يبدأ في ~~الاختفاء) ~~. # الملك ~~(يجري وراءه) ~~: # لا تستطيع؟ من يستطيع إذن؟ # الروح ~~: # ألا ترى الفجر يطلع؟ ألا تسمع الديك يصيح؟ # الملك ~~: # لكن ماذا أفعل؟ تكلم ... تكلم. # الروح ~~: # انتظر حتى يحضر الرسول، مر الوزير أن يكرم وفادته، ~~اجعل الكاهن ... لكن لم التسرع؟ انتظر قليلا حتى يشرق ~~النهار ~~(يختفي) ~~. # الملك ~~: # انتظر؟ أرجوك أيها الروح، هل قلت إنه رسول الأعداء؟ ~~إلي أنا الملك العجوز المسكين؟ ماذا أفعل؟ ماذا ~~أفعل؟ ~~(يهرع الكاهن والوزير ... إلخ إليه ويحيطون ~~به، ويحاولون العناية به.) # الجميع ~~: # مولاي، عوفيت يا فرعون. # الملك ~~: # ها هم الأعداء في الطريق، قولوا ماذا أفعل؟ ~~(الراوية يظهر بعد أن تسدل الستار ببطء ms059 ~~ويقول): # الراوية ~~: # لكنهم وجموا وأصابهم الذهول. # دعا الكاهن باسم الآلهة أن يشفي المريض، # هز القائد رأسه وقال: # من قال إن هناك أعداء؟ # أليس هناك حصون؟ # أليس هناك حراس أشداء؟ # فتش الكاتب في الوثائق والسجلات ~~والأوراق، # قال بعد أن نام فرعون من الإرهاق: # لا، ليس هناك ذكر للأعداء، # هذا شيء قديم شطب من النقوش والسجلات، # أما الوزير فخاف أن يكون في الأمر شيء، وسأل ~~نفسه: والوزارة؟ والأرض؟ والقصر؟ والأتباع؟ # أتكون مؤامرة دبرها اللصوص والرعاع؟ # فلنتركهم الآن حتى يفيق الملك الجليل، # لنسمع ما سيقوله الرسول بعد قيل (يختفي ~~بسرعة). # المشهد الثاني ~~(نفس المنظر، نفس الأشخاص ... الكاهن والوزير ~~والقائد والكاتب يستيقظون، الملك نائم.) # الكاهن ~~(يستيقظ) ~~: # آه ... ظهري يؤلمني. # الوزير ~~: # أف ... من يصدق أن الوزير ينام على الأرض؟ ~~(يهز الكاتب ~~والقائد.) # الكاتب ~~: # أين أنا؟ # الكاهن ~~: # وأين تريد أن تكون؟ في حضن إيزيس؟ # الكاتب ~~(مذعورا) ~~: # أين أوراقي؟ أين وثائقي وسجلاتي؟ # الوزير ~~: # نائمة بجوارك، حذار أن توقظها. # الكاهن ~~: # وألا تحرك التاريخ ~~(يضحكون) # أيها القائد ... أيها القائد. # الوزير ~~: # أليس عجيبا أن نصحو جميعا بينما يعلو شخيره؟ # الكاتب ~~: # وما العجب في هذا؟ # الوزير ~~: # ألم يدخل الروح إلى القصر دون أن يفطن الحراس؟ ألم يقل ~~إن الأعداء في البلاد؟ # القائد ~~(متثائبا) ~~: # كل ما لا أراه بعيني فلا وجود له عندي. ليس هناك روح، ~~ليس هناك أعداء. # الكاهن ~~: # والضجة التي أثارها فرعون؟ # الوزير ~~: # وحديثه الطويل معه؟ # الكاتب ~~: # وصوت الحكيم الذي يردد حكمة التاريخ؟ # القائد ~~: # شيخ مريض وعجوز ... ألسنا ننتظر موته من عشرات السنين؟ ~~ألم ينتظره آباؤنا وأجدادنا؟ # الكاهن ~~: # والروح ... هل تشكون في عودته؟ هل تشكون في ~~ظهوره؟ # الوزير ~~: # ليظهر عندكم في المعابد كما يشاء، أما أن يظهر ليلا ~~لفرعون. # القائد ~~: # فهذا تخريف رجل عجوز. # الوزير ~~: # وهو دليل على أنه يحتضر. # القائد ~~: # وأن روحه تدعوه إلى الغرب بعد أن ملت الانتظار. # الكاهن ~~(مشيرا إلى فرعون النائم) ~~: # انظروا، ها هو ينعس في النوم كطفل شاب شعره، انظروا ~~كيف يبتسم، إن شفتيه تتحركان ~~(يلتفون حوله) ~~. # الكاهن ~~: # ربما يناجي الروح. # الوزير ~~: # الروح؟ الروح؟ نحن ms060 لم نر شيئا . # الكاهن ~~: # الروح لا ترى يا ولدي، إنها تشعر وتحس. # الوزير ~~: # كيف خرجت من قبرها؟ كيف فتحت التابوت؟ # الكاهن ~~: # إنها تسكن مع الآلهة والأجداد، أيها الإله رع العظيم، ~~أيمكن أن تشك؟ # الوزير ~~: # لست أشك يا أبي، أنا أيضا لي روح، ومن أجل أن تعود ~~إلي بعد الموت أبني الآن مقبرتي الفخمة، وأزين تابوتي ~~بالذهب والفضة، ولكن هذه الروح التي تزعج سيدنا. # القائد ~~: # بعد أن نام في سلام تسعين سنة. # الوزير ~~: # هذه الروح الضالة الهائمة. # القائد ~~: # بلا اسم ولا أب ولا أم. # الكاتب ~~: # ربما كانت روح التاريخ، هذه الوثائق. # الوزير ~~: # اسكت أنت بوثائقك وسجلاتك. # الكاهن ~~: # ولكنني أشعر بوجودها. # القائد ~~: # قلت لك أنا لا أشعر إلا بما أراه أمامي، بما أطعنه ~~بخنجري وأنفذ فيه رمحي. # الوزير ~~: # روح كهذا يعكر سلام المملكة. # القائد ~~: # يجب أن تطرده بتعاويذك ودعواتك. # الكاهن ~~: # هش ... إنه يتحرك ... يفرك عينيه ... يبتسم ويهز رأسه، قولوا ~~معي: أيها الفرعون العظيم ... لا تخف من الروح. # الوزير ~~: # سوف نبني له قبرا جديدا إن كان قبره تهدم. # القائد ~~: # ونجعل عليه من الحراس أربعة رجال وأربع نساء. # الكاهن ~~: # ونقدم القرابين من اللحم والفاكهة والنبيذ. # الكاتب ~~: # لكي لا يجوع أو يعطش أو يعرى في برد الشتاء. # الوزير ~~: # ولا يعكر صفو المملكة التي تعيش في سلام. # القائد ~~: # ولا يزعجنا بأخبار الموت والحرب والأعداء. ~~(يسمع طرق شديد على الباب يستيقظ له ~~الملك من نومه.) # الملك ~~: # هل سمعتم؟ ها هو يطرق الباب. # الجميع ~~: # الروح؟ # الروح ~~(يظهر على البعد ويقترب من الملك دون ~~أن يراه أحد سواه) ~~: # وهل مثلنا يطرق الأبواب؟ # الملك ~~(مذعورا) ~~: # إذن فمن الطارق؟ # الكاهن ~~: # أيتها الآلهة، عاد الملك يتحدث إلى نفسه. # القائد ~~: # أف ... ما أطول ساعة الاحتضار عند الملوك. # الروح ~~: # ألم أقل لك؟ # الملك ~~: # إنني أنسى، ألا ترى أنني مريض وعجوز؟ # الروح ~~: # إنه الموت. # الملك ~~: # أي واحد فيهم؟ # الروح ~~: # الموت الأخير ... الموت الأكبر. # الملك ~~: # أكبر من الموت في الضمير؟ # الروح ~~: # أكبر ... أكبر. # الملك ~~: # تكلم بحق الآلهة المقدسين، أيكون موتي أنا؟ ~~(الروح يضحك.) # الملك ~~: # إذن اقتربت ms061 ساعتي؟ هل آمرهم بتجهيز الجنازة وإعداد ~~التابوت؟ # الروح ~~: # ليته اقتصر على هذا. # الملك ~~: # إذن ماذا يكون؟ أتحل كارثة بالقصر؟ مجاعة بالبلاد؟ ~~زلازل؟ براكين؟ هل يفيض النيل؟ هل يجف ماؤه؟ # الروح ~~: # أكبر ... أفظع، إنه الموت في التراب. # الملك ~~: # سمعتك تقول هذا، فسره بحق رع وآمون وبتاح. # الروح ~~: # عندما تموت الأرض، عندما يموت التراب، عندما يموت ~~الوطن. # الملك ~~: # الأرض؟ التراب؟ الوطن؟ # الكاهن ~~: # تكلم أيها الروح الجليل، ارحم شيخوخة الملك ~~وضعفه. # الروح ~~: # الطرق يشتد على الباب. # الملك ~~(صارخا) ~~: # افتحوا الأبواب ... افتحوا الأبواب. ~~(يدخل أحد الحراس مندفعا.) # الحارس ~~: # مولاي ... سيدي القائد ... سيدي الوزير ~~(يلهث) ~~. # الملك ~~: # تكلم ... تكلم. # الحارس ~~: # رجل عجيب يقف بالباب، يركب شيئا غريبا سألته عنه فقال ~~اسمه عربة، لهذا الشيء الغريب أربعة أشياء مستديرة سألته ~~عنها، فقال اسمها العجلات، وأمام هذا الشيء الغريب الذي ~~اسمه العربة التي تقف على أشياء غريبة اسمها العجلات يقف ~~مخلوق أشد غرابة سألته عنه قائلا ما هذا الشيء الغريب ~~فقال اسمه حصان. # الملك ~~: # أيها الأبله، ماذا تريد؟ لم جاء؟ # الحارس ~~: # انتظر يا مولاي، لم أصف لك شكله بعد، لم أصف لك ~~ملبسه. # الملك ~~: # أيها الأحمق، ألم يكن الأولى أن تسأله من هو وماذا أتى ~~به؟ # الحارس ~~: # هداني تفكيري يا مولاي أن أعرف لبسه وشكله ووجهه لكي ~~يسهل بعد ذلك معرفة مهمته. # القائد ~~: # ما شكله أيها الحارس؟ ماذا يرتدي ... # الحارس ~~: # بعد أن سألته عن الشيء الغريب الذي يقف عليه فقال إنه ~~العربة ... وعن ... # القائد ~~(نافد الصبر) ~~: # وعن الأشياء الغريبة التي يقف عليها هو والعربة فقال ~~إنها العجلات والمخلوق الغريب الذي يقف أمامها. # الحارس ~~: # فقال إنه الحصان. # القائد ~~(صارخا) ~~: # قلت لك ما شكله؟ ما لون وجهه؟ ماذا يرتدي؟ # الحارس ~~: # مهلا يا سيدي، لقد تفرست فيه جيدا، وتأملته من أصابع ~~قدميه إلى شعر رأسه، هل تعرف من هو؟ # القائد ~~: # من؟ من؟ # الحارس ~~: # رجل أسمر الوجه، ذو لحية طويلة، يبدو لون بشرته كأنه من ~~رمال الصحراء، وعليه ملابس مصنوعة من الجلد والوبر. # القائد ~~(لنفسه) ~~: # وجه أسمر ... لحية طويلة. # الملك ~~: # أدخلوه ... أدخلوه ms062. # القائد ~~(لنفسه) ~~: # هل هجم البدو من الصحراء؟ أم الأعداء الذين حدثني ~~عنهم الأجداد؟ # الملك ~~(للقائد) ~~: # هل قلت شيئا أيها القائد؟ # القائد ~~: # أنا؟ أبدا يا مولاي. # الملك ~~: # أليس عندك شيء تقوله؟ # القائد ~~: # إن كان لا بد فكل شيء على ما يرام. # الملك ~~: # أحقا يا وزير؟ # الوزير ~~: # بالطبع يا مولاي، كل شيء على ما يرام. # الملك ~~: # وأنت؟ # الكاتب ~~: # التاريخ يؤكد هذا بالتمام. # الملك ~~: # والأعداء ... ماذا يقول عن الأعداء؟ # الكاتب ~~: # كلمة قديمة شطبت من الأوراق والسجلات. # الوزير ~~: # بعد أن اشتدت طيبة وهزمت كل الأعداء. # الكاهن ~~: # ببركة رع وآمون وباقي الآلهة الأجلاء. # الحارس ~~(يدخل) ~~: # ها هو الرجل الغريب يا مولاي. # الرسول ~~: # سلاما أمير مدينة الجنوب. # الروح ~~(مبتسما) ~~: # أو أمير مدينة الموت. # الجميع ~~: # سلاما أيها الفارس. # الملك ~~(ينتبه) ~~: # سلاما أيها الفارس، لماذا جئت إلى مدينة الجنوب؟ لم قمت ~~بهذه الرحلة حتى مثلت بين يدي؟ # الجميع ~~: # تكلم أيها الفارس الشجاع، فمولانا يحب أن يسمع ما ~~تريد. # الرسول ~~: # إنه أميري أبو فيس الذي أرسلني إليك لأقول ... # الملك ~~: # ماذا يقول يا ولدي؟ # الرسول ~~: # أخل البحيرة الواقعة شرقي المدينة من أفراس البحر؛ ~~لأنها تحول بيننا وبين النوم في الليل والنهار، وتملأ آذان ~~سكان المدينة بالضوضاء. # الملك ~~: # أية مدينة يا ولدي؟ # الرسول ~~: # مدينة أواريس أيها الملك. # الملك ~~: # أواريس؟ لأول مرة أسمع هذا اسم، أين هي أيها القائد؟ في ~~الشمال أم في الجنوب؟ في الشرق أم في الغرب؟ # القائد ~~: # أواريس؟ أواريس؟ # الكاتب ~~: # انتظر يا مولاي حتى أبحث في السجلات. # القائد ~~: # سمعت الأجداد يحكون عنها. # الكاتب ~~: # والوثائق والأوراق تقول. # القائد ~~: # إنها في أقصى الشمال. # الوزير ~~: # والتحصينات المنيعة تحرسها. # القائد ~~: # وحائط الحاكم يحميها من غارات الآسيويين. # الرسول ~~(ضاحكا) ~~: # يحرسها ويحميها؟ مولاي وأجداده يقيمون فيها من مائة ~~وخمسين سنة، الحصون تهدمت والحائط خربه الفرسان ~~الآسيويون. # الملك ~~: # فرسانكم الآسيويون؟ من هم يا ولدي؟ صفهم لي. # الرسول ~~: # لا يستقرون في مكان واحد. # أقدامهم صنعت لكي تتجول بهم بعيدا، # إنهم يحاربون منذ أيام الإله ست، # لا يقهرون ولا يقهرون، # يقاتلون ولا يحددون يوما للقتال، # كاللص الذي يفاجئ ms063 الإنسان إذا كان ~~بمفرده، # ولا يهاجم مدينة بها سكان كثيرون. # الملك ~~: # أكمل يا ولدي، هل قلت التماسيح ... # الرسول ~~: # أفراس النهر. # الملك ~~: # ماذا فعلت يا ولدي؟ ذكرني فقد نسيت. # الرسول ~~: # تزعج مولاي وتملأ آذان سكان المدينة. # القائد ~~: # ولكن مدينتكم بعيدة، هناك في أقصى الشمال، ونحن هنا في ~~أقصى الجنوب. # الملك ~~: # نعم نعم، هل سمع سيدك حقيقة وهو في تلك المدينة النائية ~~عن البركة الواقعة شرقي مدينة الجنوب؟ # الرسول ~~: # وسمع أصوات أفراس البحر التي تمنعه أن ينام بالليل أو ~~بالنهار. # الملك ~~: # كيف يسمعها يا ولدي؟ كيف يسمعها؟ # الرسول ~~: # فكر فيما بعثني من أجله مولاي. ~~(الروح يضحك.) # الملك ~~(متجها إليه) ~~: # لماذا تضحك؟ أيمكن أن يحدث هذا؟ أيمكن أن يسمعها من هذا ~~المكان البعيد؟ # الروح ~~: # ما دمت لا تسمع ولا ترى، # فالعدو حاد البصر مرهف الآذان، # وأفراس البحر في البحيرة الهادئة، # التي لا يزعج صوتها أي إنسان، # يسمعها العدو في أقصى الشمال، # وتزعجه في الصحو كما تزعجه في المنام. # الجميع ~~: # مولاي، دع الروح الآن، كلم الرسول. # القائد ~~: # ما كنت أعرف أن أفراس البحر تزعجه إلى هذا الحد. # الملك ~~: # هل قلت العدو؟ أهذا هو العدو. # الروح ~~: # بل هو الموت، الموت الأكبر. # الملك ~~: # ماذا أفعل؟ # الروح ~~: # من يسأل هذا السؤال لا يفعل شيئا. # الملك ~~: # أحب أن أعرف أين ذهبت قوتي؟ # الروح ~~: # وأنا أحب أن تكرم الرسول. # الملك ~~(منتبها) ~~: # هيا ... أكرموا وفادة الرسول، قدموا له الأشياء ~~الطيبة. # الرسول ~~: # فكر فيما بعثني من أجله مولاي. # الملك ~~: # قل لسيدك إن الملك سيستجيب لطلبه. # لكن ليس قبل أن تذوق الفطائر واللحوم، # هيا أيها الحارس ... # مره بما يجب عليه أيها الوزير. ~~(الوزير ينادي على الحارس، يذهب معهما ~~ثم يعود بعد قليل.) # أيها الروح ... يا رسول الأجداد. # الروح ~~: # تريد أن تعرف ماذا تفعل؟ # الملك ~~: # أغثني أرجوك. # الروح ~~: # ألا تسأل مستشاريك؟ # الملك ~~: # من؟ هؤلاء؟ # الروح ~~: # إن الذهول يبدو على وجوههم. # الملك ~~: # تخلوا عني ... كذبوا علي. # الروح ~~: # ولكنهم مستشاروك. # الملك ~~(ملتفتا إليهم) ~~: # أشيروا علي ... # هل حلت الكارثة بالبلاد؟ # هل فاض النيل أم جف الماء ms064؟ # قل أيها القائد : أين عساكري وأسودي؟ # وأنت يا وزير: أين كنوزي وماشيتي وعبيدي؟ # وأنت أيها الكاهن: لمن توجه الدعوات وعلى من تصب ~~اللعنات؟ # ويا كاتبي: ماذا ستكتب عني في الوثائق ~~والأوراق؟ # ماذا ستنقش على قبري ليذكره التاريخ؟ # هل ضاعت قوتي؟ هل داسني الأعداء؟ # أهذا هو اليوم الذي تنبأ به الحكيم؟ # أهذا هو الموت الأكبر الذي توعدني به ~~الروح. ~~(الجميع واجمون.) # الملك ~~: # تكلموا ... تكلموا، أحقا يقول الطفل ليتني لم ~~أولد؟ # ويسير الأمير عاريا في الطرقات؟ # ويمتلك اللص مخازن الغلال؟ # أحقا إنني تركت الفساد ينتشر في ~~البلاد، # والآسيويون يهدمون حائط الحاكم؟ # أين إذن ما قاله عني الحكيم؟ # الكاهن ~~: # مولاي ... لديك الحكمة والبصيرة والعدالة. # القائد ~~: # ولديك القوة التي تهزم الأعداء. # الكاتب ~~: # والمجد الذي ورثته عن الأجداد. # الوزير ~~: # والمدينة العامرة باللحم والفطائر والنبيذ. # الملك ~~: # المدينة؟ أليست هي مدينة الموت؟ تكلم أيها الروح. # الروح ~~: # دعهم أولا يتكلمون. # الملك ~~: # أشيروا علي ... ماذا أفعل؟ ماذا تفعلون؟ # الكاهن ~~: # سأصب اللعنات على الأعداء. # الروح ~~(ضاحكا) ~~: # بالسحر بدلا من السلاح! # الكاهن ~~: # سنكتب أسماءهم على الدمى والأواني ومعها الأوعية ~~والتعاويذ. # الروح ~~: # ونحطمها في حضور الملك والملكة حسب المراسم ~~والطقوس. # الوزير ~~: # ما لنا نحن وللأعداء في الشمال؟ # انظر ... إن وسط البلاد معنا، # والناس هنا تعيش في أمان، # إنهم يزرعون لنا أحسن الأراضي، # وماشيتنا ترعى في الحقول والمستنقعات، # والقمح والشعير يرسل علفا للخنازير، # وقطعاننا سعيدة لم يسرقها اللصوص. # القائد ~~: # والأعداء الذين تخشاهم ليس لهم وجود. # فلو رأيناهم لذبحناهم وبقرنا البطون، # وأخذنا النساء والعبيد ومحونا الحصون، # وحرقنا مدنهم بأمر صادق المشورة آمون. # الكاتب ~~: # لم يأت ذكرهم في البردي والنقوش. # الملك ~~: # والرسول الذي بعثوه؟ # الوزير ~~: # سنكرم الرسول. # الملك ~~: # وأفراس البحر التي تزعجهم؟ # القائد ~~: # سنؤكد لهم أن صوتها عذب محبوب. # الملك ~~: # وأرقهم في الليل والضوضاء؟ # الكاهن ~~: # سندعو آمون ورع وسائر الآلهة الكبار أن يريحهم في ~~الليل ويمتعهم في النهار. # الملك ~~: # ألم يرسلوا هنا الرسول ليتحدانا؟ أليسوا ~~أعداءنا؟ # الكاتب ~~: # سنثبت لهم من النصوص أن كلمة الأعداء لم تكتب على ~~المعابد من مئات السنين. # الجميع ~~: # بذلك نعيش في ms065 سلام وأمان، # فتملأ مخازننا بالغلال، # ومعابدنا بالبخور والتماثيل والصلوات، # وبيوتنا بالنبيذ واللحوم والنساء، # ونعيش في سلام ... نعيش في سلام. # الروح ~~(ضاحكا) ~~: # ولكنهم لن يتركوكم في سلام. # الملك ~~(مرددا) ~~: # لن يتركوكم في سلام. # الجميع ~~: # ما دمنا نعيش في سلام، # فسوف يتركوننا في سلام. # صوت ~~: # آه ... أين ذهبت قوتي؟ # أين جيشي ليسير أمامي كالريح أو كالنار؟ # أصابتنا، ولست أدري لماذا، نقمة من ~~الإله، # فاندفع نحونا أقوام مجهولون، # هدموا حائط الحاكم، واحتلوا أواريس. # صوت ~~: # بينما الحراس نائمون ... بينما الحراس نائمون. # صوت ~~: # غروا الأرض، وأخضعوا البلاد. # أحرقوا المدن، وهزموا حكام الإمارات. # صوت ~~: # دون أن ندخل معهم في حرب، دون أن ينشب بيننا قتال ~~... # صوت ~~: # أتلفوا المعابد وأحرقوا التماثيل، # نهبوا الحقول وسرقوا القطعان، # غنموا الزوجات وذبحوا الرجال. # صوت ~~: # بينما نحن نأكل ونشرب وننام. # لا نفيق من الكابوس من مئات السنين. # صوت ~~: # آه ... الدماء تنزف منا، متى تسكت ~~الجراح؟ # متى نجفو النوم ما دام العدو يقظان؟ # متى نرفض اللقمة المعجونة بالعار؟ # متى نهجر القصور والبيوت التي يتربص بها الأعداء ~~لنتعلم مثلهم كيف نضرب الخيام في الصحراء؟ # ونصاحب العطش والقحط والعواصف والرمال؟ # صوت ~~: # متى يترك الفلاح أرضه ومحراثه ومواشيه ليحمل ~~الخنجر والسهم والرماح؟ # متى ينزع أظافره من الطين ليغرزها في أعناق ~~الأعداء؟ # متى يطهر الأرض السمراء من خيول الغرباء؟ # متى يكف عن قوله: كل شيء على ما يرام. # الملك ~~: # متى؟ متى؟ متى؟ # الجميع ~~: # عاد يكلم الروح. # الكاهن ~~: # لا بد من تحضير الجنازة. # الوزير ~~: # سأسرع بإعداد المقبرة وتجهيز التابوت. # الكاتب ~~: # وأجمع الكتبة والرسامين والحفارين. # القائد ~~: # وأعلن في البلاد، على رأسي سيستقر التاج. # الوزير ~~: # ألم نتفق أنني الوريث الوحيد؟ # الكاهن ~~: # بل على رأسي سيستقر التاج. # الكاتب ~~: # ألا تسألونني؟ إنني أدرى الناس بشجرة الأنساب. # الوزير ~~: # أنا ... # القائد ~~: # أنا ... # الكاهن ~~: # أنا ... ~~(يتنازعون.) # الملك ~~: # اخرجوا ... اخرجوا ... آه. ~~(يخرجون.) # الروح ~~: # أتتألم؟ # الملك ~~: # تعبت من الحياة. # الروح ~~: # أم تعبت من الموت؟ # الملك ~~: # الموت ... الموت، أليس عندك إلا الموت؟ # الروح ~~: # الموت يحكم المدينة. # الملك ~~(صارخا) ~~: # أنا الذي أحكم المدينة. ~~(الروح يضحك.) # الملك ~~: # قل لي، ماذا ms066 تريد؟ # الروح ~~: # أريد ما لا تستطيع. # الملك ~~: # هل هناك شيء لا يستطيعه فرعون؟ ~~(الروح يضحك.) # الملك ~~(يائسا) ~~: # لم تقل ماذا تريد؟ # الروح ~~: # أن ترفع الموت عن المدينة. # الملك ~~: # دلني عليه. # الروح ~~: # إنه الموت في الضمير، ألم تسمع ما قاله الحكيم؟ # الملك ~~: # ذلك المخرف العجوز؟ # صوت الحكيم ~~: # لديك الحكمة والبصيرة والعدالة، # لكنك تترك الفاسد ينتشر في البلاد. # الملك ~~(باكيا) ~~: # تخلوا عني. # الروح ~~: # والموت في النفوس والصدور. # الملك ~~: # كيف أعرفه؟ أين أراه؟ # الروح ~~: # ألم يحدثوك عن ذلك الرجل المشهور؟ ذلك الرجل ~~المسكين؟ # الملك ~~: # ما اسمه؟ في أي مكان ألقاه؟ # الروح ~~: # يسمونه المتعب من الحياة، وأسميه المتعب من ~~الموت. # الملك ~~: # آه ... الموت راحة، كيف يتعب من الموت. # الروح ~~: # اسمع ... # الملك ~~: # لا، إنني أحتضر، لا أريد أن أكلم أحدا. # الروح ~~: # لا تخف، فهو لا يجد من يكلمه أو يشكو إليه. # صوت ~~(ويمكن أن يدخل شخص نحيل عليه أسمال ~~بالية أشبه بشبح من الماضي ويقول) ~~: # لمن أتكلم اليوم؟ # الظلم الذي يجوب البلاد، # ليس له آخر، # لا يوجد رجل عادل، # والبلاد تركت للأشرار والظالمين. # الملك ~~(هامسا) ~~: # نفس ما قاله الحكيم. # الروح ~~(هامسا) ~~: # لأن الشكوى خالدة. # الصوت ~~: # لمن أتكلم اليوم؟ # الأخوة سوء، # القلوب جشعة، # وما من أحد يمكنك أن تثق فيه. # الملك ~~: # ألم يكن له أم أو أب؟ ألم يكن له صديق؟ # الروح ~~: # كان له صديق واحد. # الملك ~~: # اذكر له اسمه. # الروح ~~: # ها هو يناديه. # الصوت ~~: # لمن أتكلم اليوم؟ # الموت أمامي، كالشفاء للمريض، # كرائحة بخور المر، # الموت أمامي، # كالجلوس تحت ظل الشراع في يوم عاصف ~~الريح، # كعطر أزهار اللوتس، كالسماء عندما تصفو السماء ~~من الغيوم. # الموت أمامي اليوم، # كعودة الرجل إلى بيته بعد سنوات في ~~الأسر، # كالجلوس على شاطئ الحب والسكر. # الملك ~~: # إلى هذا الحد يشتاق للموت؟ # الروح ~~: # سيجد هناك من يشكو إليه. # الصوت ~~: # حقا، إن من يعش هناك سيصبح إلها ~~حيا. # إن من يعيش هناك سيصبح حكيما. # ولن يمنعه أحد من الشكوى لرع. # الملك ~~: # الموت الموت، أيمكن أن يحبه كل هذا الحب؟ # الروح ~~: # بحث حوله فلم ms067 يجد سواه. # الملك ~~: # والأمل؟ والحب والنور؟ والزوجة؟ والأولاد؟ # الروح ~~: # لم تكن إلا أسماء لشيء واحد. # الملك ~~: # حذار أن تقول إنه الموت. # الروح ~~: # ومن غيره؟ منذ القدم وهو يحكم المدينة، بنى الهرم ~~والمصطبة والمعبد. # أقام التمثال ونقش على المسلة وزخرف التابوت، أحب الأخت ~~وأنجب الأولاد ليقدموا لروحه القرابين، أنشد الأشعار ~~ونطق بالأمثال وحفظ الوصايا؛ لكي لا ينسى اسمه. عصر النبيذ ~~وشرب الجعة، وتمتع بيوم سعيد قبل أن يغيب في الظلام، تعب ~~في الحقل وحارب في الميدان وبرع في البناء ليرضى عنه ~~فرعون، وينعم عليه بقبر صغير، الموت ... الموت ... الموت ... ~~يا أرض الأكفان والتوابيت والندابين، يا أرض الجثث ~~المحنطة وكتاب الموتى والمتعب من الحياة، والعازف الأعمى ~~على القيثار، يا أرض السجلات والملفات واللجان ~~والدواوين، يا أرض البردي والجعارين والمساكين ~~والدجالين. # الملك ~~: # إنه التاريخ، أتريد أن تلغي التاريخ؟ # الروح ~~: # ومن يستطيع أن يلغيه؟ # الملك ~~: # ماذا تريد إذن؟ # الروح ~~: # أريد أن نتحرر منه. # الملك ~~: # تتحرر منه؟ كيف؟ # الروح ~~: # نفك الأربطة عن الجثة الخالدة، نتخلص من تاريخ الموت ~~لنبدأ تاريخ الحياة. # الملك ~~: # يا لك من طموح، وهل هناك من تحرر منه؟ منذ زمن الأجداد ~~الراقدين في الأهرام، هل هناك من تحرر منه؟ # الروح ~~: # ليس هذا ما أعنيه، أعني الموت الآخر. # الملك ~~: # أيهم يا ولدي، حيرتني؛ فهم كثير. # الروح ~~: # ألم أقل لك إنه يحكم المدينة؟ # من عهد مينا وخوفو وهو يسكن القلوب ~~والقبور. # الخوف في العيون، # الذل فوق الظهر والجبين، # الجوع والحرمان في البطون، # القهر والهوان والعذاب والأنين. # صوت ~~: # العدل يا مولاي للمظلوم. # صوت ~~: # من يفتح السجون؟ # صوت ~~: # من يقتل التنين؟ # صوت ~~: # من يطعم المسكين؟ # صوت ~~: # من ينصف المغبون؟ # صوت ~~: # من يهزم الظلام في الصدور والعيون؟ # صوت ~~: # من يمسك الميزان والأشرار من يدين؟ # صوت ~~: # العدل يا مولاي، العدل يا فرعون. # الملك ~~: # فرعونكم مسكين، فرعونكم مسكين ~~(يبكي) ~~. # الروح ~~: # أتبكي؟ # الملك ~~: # تخلوا عني، كذبوا علي. # الروح ~~: # تركت الفساد ينتشر في البلاد. # الملك ~~: # أنت أيضا؟ إنني أموت كاليتيم. # الروح ~~: # ما زلت بجانبك؟ # الملك ~~: # ما الذي جاء بك؟ لم طاردتني ms068؟ من أنت؟ # الروح ~~: # أنا؟ # الملك ~~: # ما اسمك؟ ما اسم أبويك؟ # الروح ~~: # ليس لي اسم، أنا أيضا يتيم مثلك. # الملك ~~: # من أي قبر خرجت؟ هل جئت من عند الآلهة والأجداد؟ # الروح ~~: # أنا من تراب هذه الأرض، ليس لي اسم ولا مكان؛ لأنني في ~~كل اسم وكل مكان. # في الجبل وحبة الرمل، في الريح وقطرة النيل، في زهرة ~~اللوتس وأغصان النخيل، في الثور والفراشة، في التمساح ~~والعصفور، في قلب المحتضر وابتسامة الوليد. # الملك ~~: # تكلم، ماذا أفعل؟ # الروح ~~: # فات الوقت. # الملك ~~: # هل تتخلى عني؟ # الروح ~~: # أنا بجانبك. # الملك ~~: # أهناك أمل؟ # الروح ~~: # إذا خرج الموت من المدينة. # الملك ~~: # سيأخذني معه. # الروح ~~: # وسيأتي غيرك. # الملك ~~: # أيستطيع أن يحكم بعدي؟ أيستطيع أن يهزم الموت في ~~الضمير، والموت في الصدور؟ # الروح ~~: # والموت في التراب. # الملك ~~: # والذي يزعجه صوت أفراس البحر؟ # الروح ~~: # عندما يزعجه بصوت الفئوس والرماح والحراب. # الملك ~~: # ليتني أراه قبل أن أموت. # الروح ~~: # اسمع ... ها هم يتحدثون عنه. # صوت ~~: # سيد كل الناس، # الراعي الشجاع الذي يجمع قطعانه الباكية، # يطفئ حريق الفتنة، # لا يحمل في قلبه شرا. # أين هو اليوم؟ # أين هو اليوم؟ # هل هو نائم؟ # انظر، إن بأسه لا يرى، # ولكنه سيظهر عما قريب، # سيظهر عما قريب. # الروح ~~: # أيها الملك ~~(يتحسسه فيجد ~~أنه مات) ~~... نعم نعم ... سيظهر عما قريب. # الراوية ~~(يظهر في هالة من الضوء) ~~: # هكذا يكون الملك قد مات. # الملك الذي عاش ومات في قصره كاليتيم، # بعد أن حكم، كما يقول التاريخ، من السنين أربعا ~~وتسعين، # وبعد أن مات هذا الشيخ المسكين، # ظل الحكماء ينذرون، والندابون يندبون، # والمتعبون من الحياة يتألمون ويشكون، # حتى خرج من الشعب الذي نسيه الملك ~~العجوز، # رجل عرف كيف يغضب وينتفض ويثور، # ويجمع حوله القطعان الباكية في الحقول، # والجياع من الشوارع، والمساجين من ~~السجون، # أزعجه صوت ذلك المتبجح المغرور، # الذي أزعجته أصوات أفراس البحر، # نادى على المظلومين والمتعبين ~~والفلاحين، # فخرجوا بالعصا والحجارة والفئوس، # وهجموا بالأظافر والأسنان على الهكسوس، # في أوقات المحن والكوارث والأزمات، # يرجع الإنسان للتاريخ وينبش الذكريات. # صوت ~~: # تذكروا العدو ms069 الذي لا يزال هناك. # صوت ~~: # لا تنسوا أنه هدم حائط الحاكم العجوز. # صوت ~~: # تذكروا أن أفراس النهر لا تزال تزعجه. # صوت ~~: # لا تنسوا أنه يذبح الرجال والأطفال والنساء. # صوت ~~: # تذكروا ... تذكروا ... تذكروا. # صوت ~~: # لا تنسوا ... لا تنسوا ... لا تنسوا! ~~(ستار) # | ثوب الإمبراطور # مسرحية من ثلاثة مشاهد # الشخصيات # المنادي. # المهرج. # الخياط الأول. # الخياط الثاني. # الإمبراطور. # الحارس. # الفلاح. # العامل. # الشاعر. # المؤرخ. # البطل. # الجلاد. # الطفل. # الأم. # مجموعة من الفلاحين ~~والعمال والشعراء والمفكرين والعلماء والفرسان والحراس ~~وأفراد الحاشية. # عنوان المسرحية يشير بنفسه إلى القصة المشهورة لكاتب الأطفال ~~الدنماركي العظيم «هانز كرستيان إندرسون»، وإن كان لا يشير إلى ~~التصرف فيها عند كتابتها تحت تأثير أحزان النكسة. أذيعت من ~~البرنامج الثاني بإذاعة القاهرة من إخراج الأستاذ هلال أبو عامر، ~~وعرضتها فرقة المنتدى الثقافي بالبصرة، ونشرت لأول مرة سنة 1971م ~~في مجلة الآداب البيروتية. # المشهد الأول ~~(المهرج يترنح على المسرح، يجرب ثيابا ~~مختلفة يخرجها قطعة بعد قطعة من كيس أمامه، يسمع صوت المنادي بين ~~الحين والحين آتيا من بعيد.) # المهرج ~~: # هذا هو المهرج وإلا فلا، رقع في كل مكان، حمراء وخضراء ~~وزرقاء ومن كل الألوان ... طرطور أحمر على الرأس، سروال يصلح ~~قميصا وقميص يصلح سروالا، ولم لا؟ كل شيء جائز، ما دمت ~~قد قررت أن أكون بهلوانا، إذا ضحكت ضحك الناس، وإذا ~~بكيت ضحكوا أيضا. يكفي أن أسير أمامهم على قدمي أو على ~~رأسي لا يهم، المهم أن ضحكاتهم ستصل إلي كأمواج البحر، ~~وأن أيديهم ستصفق لي، أيديهم التي تعودت على السلام ~~والنفاق وعد النقود. الآن تنطلق هذه الأيدي الخشنة، هذه ~~الأيدي المتوحشة. الآن تعرف اللعب والبراءة والضحك فكرة ~~رائعة، لا أدري لماذا لم تهطر لي قبل الآن! هل هناك أسهل ~~من هذه المهنة؟ يكفي أن تنظر إلى الناس من أعلى أو من ~~أسفل، أن تتحول إلى عصفور فوق رءوسهم أو نملة تحت ~~أقدامهم، هم يسيرون على قدمين، جرب أن تسير على رأسك، هم ~~يسلمون بالأيدي. جرب أن تسلم بقدميك، هم يخرجون الكلام من ~~أفواههم. جرب أن ms070 تخرجه من بطنك أو من ... معذرة. ~~(للجمهور) # لم أكن ~~أدري أنكم تسمعونني، لكن ماذا أفعل وقد ضقت بحرفتي، أو في ~~الحقيقة ضاق بها الإمبراطور، نعم نعم عندنا إمبراطور، ~~أراكم لا تصدقون، لكن انسوا ما قلته الآن. لحظة واحدة ~~فقط، انسوا المهرج والبهلوان، وتذكروا ... تذكروا، لا ... ~~الأفضل أن أذكركم أنا، حرفتي هي الخياطة. دكان في حارة ~~ضيقة، لا يدخلها نور الشمس ولا نور القمر والنجوم، ولم ~~تطأها قدم عبد عبيد الإمبراطور، لكن الأيام ليس لها أمان، ~~فقد خفت أن يدخلها سيف الإمبراطور، ويبحث عن رأسي هذه التي ~~تختفي تحت الطرطور ~~(يرفع ~~الطرطور قليلا في يده) # ومن يقطع الرأس يقطع ~~معها الأنف والعيون والخدود التي تكسوها المساحيق ~~(يخرج مرآة من ~~صدره) # بذمتكم، أليست هذه خسارة، وكل هذا ~~التعب يروح على الأرض ... الأبيض على الوجه، والأحمر على ~~الرقبة ~~(يمسك رقبته ~~ويصرخ) # آه، والكحل في العينين ~~(يفتح عينيه ممسكا إياها ~~بيديه) # ثم التحسينات الأخرى التي تستجد، ~~ريشة في الأذن أو على الرأس، قرنان على الجانبين، قناع وقت ~~الضرورة، كل هذا بضربة سياف، آه ... لكنني نفدت بجلدي، ~~طبعا فهمتم ما أريد، فالإمبراطور قد أمر بذبحنا جميعا، ~~أقصد الخياطين في الإمبراطورية ... لماذا؟ وهل هذا سؤال؟ ~~بالطبع لأننا فاشلون، لأننا لا نصنع الثياب التي ترضيه، ~~لا ثياب الرعية بالطبع، فهؤلاء يرضون بأي شيء يستر ~~العري؛ لأن العري كما تعلمون ممنوع في الإمبراطورية ... ~~لماذا؟ وهل هذا سؤال؟ ~~(في لهجة ~~خطابية) # لأن البلد فيها قانون، فيها محاكم، ~~فيها حراس، فيها إمبراطور، فيها ... فيها ... أعود لحكايتي، ~~الإمبراطور لا يعجبه العجب، في كل يوم يلبس ثوبا، وفي كل ~~يوم يذبح خياطا، طبعا تعرفون الملك شهريار، إمبراطورنا ~~شهريار من نوع آخر، ترك العذارى والتفت للخياطين، الثوب ~~الضيق لا يعجبه ... الواسع لا يعجبه، نقدم له الطويل ~~المجرجر فيقول: لا ... وتسقط رأس ... والقصير فوق الركبتين ~~فيصرخ لا ... وتسقط رأس، نقدم له بذلة الأبطال الشجعان ~~فيقول: ما هذا السخف؟ أين ثوب الحكماء؟ ونقدم له عباءة ~~الحكماء. فيقول: ما هذا الملل؟ أين سلطان الإمبراطور؟ ~~وعندما خفت ms071 أن يأتي الدور علي ، مع أنني كما قلت لكم خياط ~~الرعايا والرعية الذين لا يطلبون إلا الستر. قلت أفصل ~~لنفسي هذا الثوب، طبعا ترون أنني كنت من أمهر الخياطين ~~(يسمع صوت المنادي ~~يقترب) # اللهم اجعله خيرا، قلت لكم كنت ... ~~في الماضي والله، وحق رءوسكم ورءوس أجدادكم، لا تقولوا ~~شيئا لهذا الشيخ الملعون وإلا فضحني في طول البلاد وعرضها ~~(يدخل المنادي الأعمى يسبقه ~~صوته الجهور) ~~. # المنادي ~~: # يا أهالي الإمبراطورية، من الرعايا والرعية، الحاضر ~~يعلم الغائب، والماشي يقول للراكب، عظمة الإمبراطور، الذي ~~وجهه كالنور، وطلعته كبدر البدور، وعطاياه بالذهب ~~والبللور، أمر وأمره مطاع، واجب على الأعيان والرعاع، أن ~~يجهز له ثوب لطيف، يليق بجسده الشريف، ليس له مثيل في ~~البلاد، ولم تلبس مثله العباد، إن أرضاه رفع صاحبه إلى ~~أعلى مقام، وإن أغضبه قطع رأسه بالسيف ومزق جسمه بالسهام، ~~يا أهالي الإمبراطورية، من الرعايا والرعية، الحاضر يعلم ~~الغائب، والماشي يقول للراكب ... إلخ. # المهرج ~~: # أعوذ بالله، لو كانت عينه مثل صوته، لرحت في ألف ~~داهية. # المنادي ~~(يقترب منه) ~~: # أنت يا من هناك ... أنت ... # المهرج ~~: # لا ... لا أحد هناك. # المنادي ~~: # لماذا لا ترد؟ إنسان أنت أم حيوان؟ # المهرج ~~: # أنا يا عم كما تشاء، المهم دعني في حالي. # المنادي ~~: # هذا الصوت ليس غريبا علي، لماذا تقف هناك كالثور، ألم ~~تسمع أن الإمبراطور ... # المهرج ~~(مكملا) ~~: # الذي وجهه كالنور، وطلعته كبدر البدور. # المنادي ~~: # ألم تسمع أن الحاضر عليه أن يبلغ الغائب. # المهرج ~~: # سمعت. # المنادي ~~: # ولماذا لم تتحرك؟ # المهرج ~~: # ومن قال لك أنني حاضر؟ # المنادي ~~: # صوتك. # المهرج ~~: # ألم يقل لك إنني حاضر كالغائب، وغائب كالحاضر. # المنادي ~~(متشككا) ~~: # بل قال إنني سمعته قبل هذا. # المهرج ~~(منزعجا) ~~: # إما أنه قال لك ولم تفهم، أو أنك لم تفهم ما قال. # المنادي ~~: # هذا يؤكد أنني سمعته من قبل، أين؟ أين؟ أين؟ # المهرج ~~: # في السيرك؟ # المنادي ~~(متفكرا) ~~: # لا. # المهرج ~~: # في السوق؟ # المنادي ~~: # لا ... لا. # المهرج ~~: # من سابع أرض؟ # المنادي ~~: # لم أتعلم لغة الشياطين. # المهرج ~~: # من سابع سما؟ # المنادي ~~: # لم أتشرف بصحبة الملائكة والقديسين ms072. # المهرج ~~: # إذن فأنت لا تراني. # المنادي ~~: # أنا أسمعك ولا أراك. # المهرج ~~: # لو رأيت ثيابي. # المنادي ~~: # تمام ... الثوب. # المهرج ~~: # ما هذا؟ إن لم تر بعينيك فاطلب من صوتك أن ~~يريك. # المنادي ~~: # صوتك أنت يريني. # المهرج ~~: # وماذا رأيت؟ # المنادي ~~: # الحارة التي لا يدخلها النور. # المهرج ~~: # إذن فاذهب إليها واتركني في حالي. # المنادي ~~: # دكان الخياط اللئيم. # المهرج ~~: # خياط؟ ما هذه المصيبة؟ # المنادي ~~: # إذن المنادي هي عينه، الآن عرفتك. # المهرج ~~: # يا سيد ... المهرجون يعرفون من ثيابهم. # المنادي ~~: # والخياطون أيضا. # المهرج ~~: # رجعنا للخياطين؟ يا عم دعني في حالي، ألم تسمع ~~بمذبحتهم؟ ألم يكفك ما جرى لهم؟ ألم يبق إلا ~~المهرجون؟ # المنادي ~~: # تعال يا كذاب ... يا كافر، ثوبي أو فلوسي؟ أين ~~الثوب؟ # المهرج ~~: # رحمتك يا رب، رجعنا للثوب، يا عم أنا لا أعرفك. # المنادي ~~: # عرفت فلوسي؟ # المهرج ~~: # ولا عمري رأيتك. # المنادي ~~: # وقست مقاسي بيديك. # المهرج ~~: # ألم أتزوج بنتك أيضا؟ ألم أخطف منك زوجتك؟ ألم؟ # المنادي ~~: # فلوسي ... ثوبي ... فلوسي ... ثوبي ~~(يتحسس ويبحث عنه حتى يمسك بخناقه) ~~. ~~(يدخل رجلان أحدهما طويل ضخم والآخر صغير ~~ضئيل، يلبسان ثيابا غريبة، ويسيران كأنهما يحملان حملا ~~ثقيلا جدا، ولكنه لا يرى.) # الرجل الأول ~~: # ما هذا؟ أليس في هذه البلاد قانون؟ # الرجل الثاني ~~: # أليس فيها محاكم؟ # الرجل الأول ~~: # أليس فيها حراس؟ # الرجل الثاني ~~: # أليس فيها أقفاص؟ ~~(يفرقان ~~بينهما بعد أن يضعا حملهما الوهمي على ~~الأرض.) # المنادي ~~: # فلوسي يا محترم. # الرجل الأول ~~: # أين فلوسه يا رجل؟ # المهرج ~~: # في عرضك، هل مثلي معه فلوس؟ # الرجل الثاني ~~(يمد يده، ويرفع طرطوره من على رأسه ~~ويهزه) ~~: # لا ليس معه فلوس. # المنادي ~~: # ثوبي يا محترم. # المهرج ~~: # في طولك، هل مثلي يعرف الثياب؟ # الرجل الثاني ~~(يركع على الأرض، وينظر إليه من أسفل ~~إلى أعلى) ~~: # لا ... ليس عليه ثياب. # المهرج ~~: # يحيا العدل. # المنادي ~~(يصرخ) ~~: # يا ناس ... فلوسي ... ثوبي ... فلوسي. # المهرج ~~: # عرفت الآن أن البلد فيها قانون. # الرجل الأول ~~: # وفيها محاكم. # الرجل الثاني ~~: # وفيها حراس. # الرجل الأول ~~: # وفيها أقفاص. # الرجل الثاني ~~(يشب على قدميه ويقلد عمل السياف على ~~رأس المنادي) ~~: # وفيها ms073 سياف. # المنادي ~~: # سياف ... لا ... لا، وقعت من مهرج في سياف، ما هذا اليوم ~~الأسود! ~~(ينادي) # النداء ~~أسلم، يا أهلي الإمبراطورية، من الرعايا والرعية ... ~~إلخ. ~~(يواصل نداءه ويخرج من المسرح ~~مذعورا.) # الرجل الأول ~~: # وفيها إمبراطور؟ # الرجل الثاني ~~: # وفيها إمبراطور؟ # المهرج ~~: # وفيها إمبراطور، والإمبراطور له إمبراطورية، ~~والإمبراطورية فيها رعية، والرعية ... # الرجل الأول ~~: # والرعية فيها خياطون. # الرجل الثاني ~~: # والخياطون يصنعون الثياب؟ # المهرج ~~: # رجعنا للخياطين والثياب؟ # الرجل الأول ~~: # وهل يمشي الناس عرايا؟ # المهرج ~~: # الغالبية، نعم ... أنا مثلا. # الرجل الأول ~~: # وهذه الملابس التي عليك؟ # المهرج ~~: # وهل تسمي هذه ملابس؟ # الرجل الثاني ~~: # أنا أسميها ملابس يمكن بشيء من الصبر أن تصبح ~~ثيابا. # المهرج ~~: # ما هذا اليوم الأسود؟ هل كل من أقابلهم اليوم عميان؟ لم ~~يبق إلا أن تقولا: أنت الإمبراطور. # الرجل الأول ~~(ضاحكا) ~~: # لطيف جدا. # الرجل الثاني ~~(يشب ليربت على كتفه) ~~: # ذكي جدا. # المهرج ~~(يربت عليه أيضا) ~~: # قصير جدا جدا. # الرجلان ~~(يضحكان) ~~: # هذا من نعتمد عليه ... هذا من نبحث عنه. # المهرج ~~(منزعجا) ~~: # أنتما أيضا تبحثان عني؟ أأكون صنعت لكما ثوبا ~~ونسيت؟ # الرجل الأول ~~(معا) ~~: # هذا من يملك عينين. # الرجل الثاني ~~: # ولسانا وذراعين. # المهرج ~~: # وطرطورا ذا قرنين. # الرجل الأول ~~: # ويرى اللحم وراء الثوب. # الرجل الثاني ~~: # ويرى العظم وما في القلب. # المهرج ~~: # ويرى أنكما بغلان ... وسخيفان ومجنونان. # الرجل الأول ~~: # هذا المبصر في بلد العمى. # الرجل الثاني ~~: # والمتكلم في بلد الصم. # المهرج ~~: # كفى شعرا. # الرجلان ~~(يضحكان) ~~: # والشاعر في بلد الخرس. # المهرج ~~: # قلت كفى شعرا، هل تظنان أن البلد بلا حكومة؟ # الرجل الأول ~~: # سمعنا أنها إمبراطورية. # المهرج ~~: # طبعا وللإمبراطورية إمبراطور. # الرجل الثاني ~~: # وله قصر؟ # المهرج ~~: # وهل ينام في كوخ؟ # الرجل الأول ~~: # والقصر له حراس؟ # المهرج ~~: # والحراس عندهم سيوف، والسيوف تقطع الرقاب، والرقاب تستحق ~~القطع، ماذا تريدان إذن؟ # الرجل الأول ~~: # نريد أن نتفق معك. # الرجل الثاني ~~: # على الخير والشر. # الرجل الأول ~~: # والمكسب بالنصف. # المهرج ~~: # والأجر على الله ~~(يريد أن ~~ينصرف) ~~. # الرجل الأول ~~: # تعال هنا. # الرجل الثاني ~~: # هل تظن البلد بلا قانون؟ # الرجل الأول ~~: # ولا محاكم. # الرجل الثاني ~~: # ولا حراس؟ # الرجل الأول ms074 ~~(مشيرا إلى رأسه) ~~: # ولا سياف؟ # المهرج ~~: # في عرضكم، من أنتم؟ من أين أتيتم؟ ماذا تريدان؟ # الرجل الأول ~~: # أنا أجيب على السؤال الأول. # الرجل الثاني ~~: # وأنا على الثاني. # الرجل الأول ~~: # وأنت على الثالث. # المهرج ~~: # نبدأ بالسؤال الأول، من أنتما؟ # الرجل الأول ~~: # هل لك عينان؟ # المهرج ~~: # أنا الذي أسأل ... من أن...ت...ما؟ # الرجل الأول ~~: # انظر إلى هذا الصندوق. # الرجل الثاني ~~: # ارفع غطاءه أولا. # المهرج ~~(يتلفت حوله) ~~: # وهل هناك صندوق حتى أرى غطاءه؟ # الرجل الأول ~~(يصفعه فجأة) ~~: # رجعنا للف والدوران، قلنا لك انظر الصندوق، فلا بد أن ~~ترى الصندوق. # الرجل الثاني ~~(يصفعه على خده الآخر) ~~: # وترفع الغطاء، يعني لا بد أن ترفع الغطاء. # المهرج ~~: # آه ... لا داعي للضرب، أنا تحت أمركم، ماذا تريدان ~~مني؟ # الرجل الأول ~~(يهدده بيده الضخمة) ~~: # أن ترى الصندوق. # المهرج ~~: # طبعا أراه كالشمس، أستطيع أيضا أن أحضر لكما ما ~~بداخله. # الرجل الثاني ~~: # بداخله ثوب. # المهرج ~~(لنفسه) ~~: # رجعنا للثياب ~~(ثم ~~لهما) # ثوب واحد؟ ولماذا لا يكون عدة ثياب؟ ~~وهل سأدفع شيئا من جيبي؟ # الرجل الأول ~~(يصفعه بشدة) ~~: # قلت لك ثوب واحد. # الرجل الثاني ~~(يشب ليصفعه فيهرب المهرج ~~منه) ~~: # ثوب واحد يعني ثوبا واحدا. # المهرج ~~: # طبعا ثوب واحد، وجميل جدا. # الرجل الأول ~~: # نسجته أيدي العذارى. # المهرج ~~: # يا سلام. # الرجل الثاني ~~: # اخرس. # الرجل الأول ~~: # وباركه الكاهن الأعظم. # المهرج ~~: # واضح ... واضح. # الرجل الثاني ~~(يحاول أن يصفعه فيتلافاه ~~المهرج) ~~: # قلت لك: اخرس. # الرجل الأول ~~: # مرصع بالذهب والجواهر. # المهرج ~~: # وحريره من الهند والصين. # الرجل الثاني ~~: # رأيت؟ # المهرج ~~: # تقصد ... فهمت. # الرجل الأول ~~: # يهمنا أن نجد رجلا مثلك. # الرجل الثاني ~~: # يرى في بلاد العميان. # المهرج ~~: # ويسمع في بلاد الصم. # الرجل الأول ~~: # ويخرس عندما نقول له اخرس ~~(يصفعه مرة أخرى) ~~. # المهرج ~~: # رأيت وسمعت وفهمت وخرست. # الرجل الأول ~~: # اتفقنا؟ # الرجل الثاني ~~(مهددا) ~~: # قل نعم. # المهرج ~~: # نعم نعم ~~(بعد لحظة) # على أي شيء؟ # الرجل الأول ~~: # على أن نذهب للإمبراطور. # الرجل الثاني ~~: # وتقدمنا إليه. # المهرج ~~: # لكن ... # الرجل الأول ~~(مهددا) ~~: # وتصيح، هذا هو الخياط يا مولاي. # الرجل الثاني ~~(مهددا) ~~: # وهذا هو مساعده ms075. # المهرج ~~: # وهذا هو الصندوق . # الرجل الأول ~~: # والثوب النادر بداخله. # المهرج ~~(صائحا) ~~: # الثوب النادر، الثوب العجيب ... الثمين ... النفيس. # الرجل الثاني ~~: # نسجته أيدي العذارى. # المهرج ~~: # من حرير الهند والصين. # الرجل الأول ~~: # بالذهب والجواهر. # الرجل الثاني ~~: # ملمسه كالمخمل الناعم. # المهرج ~~: # لا يليق إلا بالإمبراطور. # الرجل الثاني ~~: # اتفقنا. # الرجل الأول ~~: # هيا بنا. # المهرج ~~: # إلى قصر الإمبراطور ~~(ينظر إليه ~~فيتقدمهما ويسيران وراءه) ~~. # المهرج ~~(ملتفتا بعد أن يسير خطوات) ~~: # وغدا نعود لنحمل الصندوق. # الرجل الأول ~~: # حقا ... الصندوق. # الرجل الثاني ~~: # الصندوق ... الصندوق. ~~(يعود الجميع ويتعاونون على حمل الصندوق ~~الوهمي، ويخرجون من المسرح بينما يرن صوت المنادي من بعيد: يا ~~أهالي الإمبراطورية، من الرعايا والرعية ... إلخ.) # المشهد الثاني ~~(حجرة في قصر الإمبراطور، الخياطان منهمكان في ~~العمل الوهمي، حارس غليظ يغط في النوم، المهرج يتقدم من المسرح ~~ويخاطب الجمهور.) # المهرج ~~: # مضى علينا الآن شهران، في هذا المنفى الذي يسمونه الآن ~~جناح خياط الإمبراطور، لا أحد يرانا، ولا نرى أحدا، حتى ~~العصافير حرمتنا من غنائها، لا صوت نسمعه، لا أحد يسمع ~~صوتنا، لا شيء يربطنا بالعالم إلا فتحة في الجدار نرى منها ~~السحب، وهي تعبر كالخيول البيضاء، لا بل ترف كثوب ~~الإمبراطور، شفافة وبيضاء وشاحبة، في بعض الأحيان أناديها: ~~أيتها السحب المسافرة، قولي لأهلي: أنا هنا في قصر ~~الإمبراطور، قولي للناس: نحن نصنع ثوب الإمبراطور، الثوب ~~الذي سيرونه ويهتفون: يا للمعجزة، يا للروعة. الآن استراح ~~قلب الإمبراطور ... الآن اطمأنت الإمبراطورية، ها هو الثوب ~~الذي ذبح من أجله كل الخياطين، الثوب الذي يجعله أعظم ~~إمبراطور كما يجعله الإمبراطور أعظم الثياب. بوركت أيها ~~الخياط السعيد! من أي بلد جئت أيها الساحر المجيد؟ أكنت ~~تفصل الأثواب لحوريات الفردوس؟ أم تعلمت الفن على يد ~~إبليس، لكن هل يا ترى سيذكرني أحد؟ هل سيسمعون عن المهرج ~~الذي قاد الخياطين إلى قصر الإمبراطور؟ هل سيتحدثون عن ~~الرجل الذي سيعلمهم أن يسيئوا الظن بعيونهم، بل يلعنوا ~~أمهاتهم التي ولدتهم بهذه العيون القديمة البالية، فيروا ~~بعيونهم الجديدة ما لا يوجد، ويجدوا ما لا يرون؟ غدا يظهر ~~إلى الشعب ms076 في ثوبه الجديد، نعم غدا فكل شيء الآن على ما ~~يرام، وسيتعلم الناس ما جهلوه من آلاف السنين، أن يغمضوا ~~العيون ليروا جيدا، أو يفتحوها لكي لا يروا شيئا، إلا ما ~~يراه الإمبراطور، أعني خياط الإمبراطور، أعني الخياط ~~ومساعده، أعني مهرجه. ~~(يشير إلى نفسه، ينحني انحناءة ~~بسيطة) # وحارسه الغبي الغليظ ~~(يشير إلى الحارس الذي يغط في ~~نومه) # هل تعرفون ما ضايقني حتى الآن؟ شيئان ~~اثنان، هذا الحارس الذي لا يصحو من النوم إلا لينام، ولا ~~يريد أن يفهم أنه على عتبة عصر جديد، عصر العيون الجديدة، ~~عصر الثوب الجديد. وهؤلاء الخياطون الذين يلتهمون خير ~~الطعام على صينية طباخ الإمبراطور، ويتركون لي العظام ~~ويقولون: كل هذا الديك، كل هذه الدجاجة، هل ألومهما أم ~~ألوم عيني التي لم تتعلم أن ترى اللحم مكان العظام؟ ~~المهم، لا يمكن بالطبع أن أقضي الوقت في الكلام، لا بد ~~من عمل شيء، انظروا الآن بعيونكم القديمة لحظة واحدة ~~(يصفع الحارس على وجهه، ~~فيصحو مذعورا من نومه) ~~. # الحارس ~~: # هه ... هه ... من ... من؟ # المهرج ~~: # ألم أقل لك ألف مرة افتح عينيك؟ # الحارس ~~(يفرك عينيه) ~~: # ومن قال لك إنني أغلقتهما؟ # المهرج ~~: # شخيرك العالي. # الحارس ~~: # هذا نوع جديد من الحراسة، تماما مثل الفن الذي تعلمته ~~منك. # المهرج ~~: # وما هو هذا الفن؟ # الحارس ~~: # هل نسيت؟ الرؤية بعيون مغمضة. # المهرج ~~: # آه تذكرت، أنت تحفظ الدروس بنصها، نعم قلت لك: تعلم ~~كيف تفتح عينيك فلا ترى أي شيء، وكيف تغمضها فترى كل ~~شيء. # الحارس ~~: # وهذا ما فعلته يا مولاي. # المهرج ~~: # وماذا رأيت؟ # الحارس ~~: # رأيت كأنني أطير في الهواء. # المهرج ~~: # علامة سيئة. # الحارس ~~: # والثوب الإمبراطوري ملفوف حول جسدي يرفعني إلى السماء ~~بجناحين. # المهرج ~~: # بجناحين؟ # الحارس ~~: # والإمبراطور فوق عربته يصيح وتصيح معه جماهير الشعب ~~الإمبراطوري: أعد إلينا الثوب يا مجنون. # المهرج ~~: # طبعا مجنون، وهل جننت في عقلك حتى تسرقه وتطير به في ~~الهواء؟ # الحارس ~~: # هل نسيت؟ الرؤية بعيون مغمضة إليهم خصوصا وأنهم كانوا ~~يتوسلون ويبكون وينتظرون، ولكنني ... # المهرج ~~: # حذار أن تقول أنك كنت عاريا. # الحارس ms077 ~~: # ابن حلال، ولكن هل كنت معي في المنام؟ # المهرج ~~: # وأنا الذي سأوقظك منه ~~(يصفعه) ~~. # الحارس ~~: # ما هذا؟ # المهرج ~~: # وأعيدك إلى الأرض يا عريان ~~(يصفعه مرة أخرى) ~~. # الحارس ~~: # والله مظلوم مظلوم مظلوم. # المهرج ~~: # افهم الآن نحن في عصر جديد ~~(يدخل الخياطان يتلمظان) ~~. # الخياط الأول ~~: # تمام، عصر يحتاج لتفكير جديد. # الخياط الثاني ~~: # ونظر جديد. # المهرج ~~(يتلمظ مثلهما) ~~: # وطعام جديد. # الحارس ~~(يتلمظ مثلهما) ~~: # خصوصا الطعام. # الخياط الأول ~~: # ومن جاء الآن بسيرة الطعام؟ إلى العمل يا كسالى. # الخياط الثاني ~~: # لم يبق إلا القليل وتنتهي المعجزة. # المهرج ~~: # ويبدأ عصر جديد. # الخياط الأول ~~: # قلت هيا للعمل. # المهرج ~~: # أمرك ... المقص؟ # الخياط الأول ~~: # وماذا أفعل به؟ ألم ننته من قص الثوب من شهرين؟ هل نسيت ~~أن الإمبراطور سيشرفنا اليوم؟ # المهرج ~~: # طبعا طبعا، إذن بقي العمل في الرقبة ~~(الحارس يتابعه بعينيه) # هنا ... # الخياط الأول ~~: # بل في الذيل ... يا للغباء. # المهرج ~~: # طبعا طبعا، هنا أيضا ~~(الحارس يتابعه) ~~. # الخياط الأول ~~: # إلى متى أعلمك فن الرؤية الجديد؟ # المهرج ~~: # معك حق، والتفكير الجديد، والعصر الجديد. # الخياط الثاني ~~: # قلنا إلى العمل، كفى ثرثرة، أين الإبرة الجديدة؟ # المهرج ~~: # لم نتفق على أنها جديدة. # الخياط الأول ~~(صارخا) ~~: # الإبرة العجيبة. # المهرج ~~(مسرعا كأنه يبحث في مكان ويحضرها ~~ويناولها له) ~~: # أما العجيبة فنعم ... ها هي. # الخياط الأول ~~: # من هنا، نحن الآن في اللمسات الأخيرة ... في ماذا؟ # المهرج ~~: # اللمسات الأخيرة، يا لك من فنان! # الخياط الأول ~~: # لا تنس أن تضيف: فنان جديد. # المهرج ~~: # طبعا طبعا، كل شيء الآن جديد. # الخياط الأول ~~: # وأنت يا حمار، عندما يحضر الإمبراطور. # الحارس ~~(يضرب سلاما) ~~: # مولانا الإمبراطور ... ~~(الخياطان منهمكان في العمل، لا يلتفتان ~~إلى دخول الإمبراطور ومعه اثنان من الحاشية.) # الخياط الأول ~~: # هذا هو الثوب ~~(مشيرا إلى ~~شيء وهمي) ~~. وهذا هو النول الجديد، وهذه هي ~~الخيوط الجديدة. ~~(الحارس يتابعه بعينيه ويضرب ~~السلام.) # الإمبراطور ~~: # هل رأيتما النول الجديد؟ # الرجل الأول ~~(من الحاشية) ~~: # يا له من نول عظيم. # الإمبراطور ~~: # والخيوط الجديدة. # الرجل الأول ~~: # يا لها من خيوط رائعة! # الإمبراطور ~~: # ما أسعدني ... أنا الإمبراطور السعيد. # الرجل الأول ms078 ~~: # الإمبراطور السعيد. # الرجل الثاني ~~: # الإمبراطور السعيد. # الخياط الأول ~~: # شرفتنا يا مولاي. # الخياط الثاني ~~(وهو يعمل) ~~: # لم تبق إلا اللمسات الأخيرة. # الإمبراطور ~~(يلف حولهما) ~~: # ألم أقل لكما أنا الإمبراطور السعيد. # الرجل الأول ~~: # السعيد. # الرجل الثاني ~~: # السعيد. # الخياط الأول ~~: # وبعد قليل تصبح الإمبراطور الجديد. # الرجل الأول ~~: # الجديد. # الرجل الثاني ~~: # الجديد. # الإمبراطور ~~: # ألم أقل لكما؟ الإمبراطور السعيد الجديد ~~(يضحك) ~~. # الرجل الأول ~~(جانبا) ~~: # ما يحيرني ... أين هو الثوب؟ # الرجل الثاني ~~(جانبا) ~~: # وما يحيرني أن تسأل هذا السؤال؟ # الرجل الأول ~~: # إذا كنت لا أرى شيئا. # الرجل الثاني ~~: # لأنك لم تتعلم كيف ترى. # الرجل الأول ~~: # وهل هناك ما أراه؟ # الرجل الثاني ~~: # ليس المهم ما تراه، المهم ما يراه الإمبراطور. # الرجل الأول ~~: # وهل يرى شيئا؟ # الرجل الثاني ~~: # هل جننت؟ أم تريد أن تجد رأسك أمام قدميك؟ # الإمبراطور ~~: # أنا سعيد يا أبنائي ... أنا سعيد ... ألم أقل لكم إنني سمعت ~~العصافير تغني. # الرجل الأول ~~: # وتقول صو ... صو، الإمبراطور السعيد. # الرجل الثاني ~~(يقلد العصافير) ~~: # السعيد ... السعيد. # الإمبراطور ~~: # والبقر في المراعي. # الرجل الأول ~~(يقلد البقر) ~~: # الإمبراطور الجميل ... الإمبراطور الجميل. # الرجل الثاني ~~: # الجميل ... الجميل. # المهرج ~~: # والحمير أيضا يا مولاي، لا تنس الحمير. # الإمبراطور ~~: # هي أيضا؟ وماذا تقول يا ولدي؟ # المهرج ~~(يقلد الحمير) ~~: # الإمبراطور العظيم ... الإمبراطور العظيم. # الرجل الثاني ~~: # العظيم ... العظيم. # الإمبراطور ~~: # أنا لا أخاف الآن شيئا يا أولادي. # الرجل الأول ~~: # الإمبراطور لا يخاف ... لا يخاف. # الإمبراطور ~~(حزينا) ~~: # بل أخاف من شيء واحد يا أولادي. # الرجل الثاني ~~: # الإمبراطور يخاف ... يخاف. # الإمبراطور ~~: # أخاف على شعبي من هذه السعادة. ماذا يقول التاريخ عن هذا ~~اليوم؟ هل يقول الإمبراطور قتل الناس من السعادة؟ # الرجل الأول ~~: # هذا ما تتمناه كل الشعوب يا مولاي. # الرجل الثاني ~~: # أن تموت من السعادة يا مولاي. # الخياط الأول ~~: # الآن ... # الإمبراطور ~~: # آه ... أخشى أن أكون أول من يموت من السعادة يا ~~أبنائي. # الرجل الثاني ~~: # هذه خرافة أعداء الوطن يا مولاي. # الإمبراطور ~~: # صحيح يا أبنائي، إنها الغيرة ... الحسد. # الخياط الأول ~~(يضع ثوبا وهميا على كتفيه، الثاني ~~يساعده) ~~: # لا ... لا تتحرك يا مولاي. أهم شيء ms079 أن تبدو طبيعيا، ~~تماما كما لو كنت تلبس أقدم الثياب. # الخياط الثاني ~~: # الثوب العجيب. # المهرج ~~: # الذي نسجته أيدي العذارى ~~(الإمبراطور يضحك) ~~. # الخياط الأول ~~: # من حرير الهند والصين ~~(الإمبراطور يضحك) ~~. # المهرج ~~: # وعبير بلاد العرب ومسك الشام ~~(الإمبراطور يضحك) ~~. # الخياط الأول ~~: # وجواهر الأرض ولآلئ البحار ~~(الإمبراطور يضحك) ~~. # الخياط الثاني ~~: # وكل من يراه يخر على قدميه. # المهرج ~~: # ومن لا يراه يخر أيضا على قدميه. # الإمبراطور ~~: # حتى العصافير والبهائم يا أولادي. # المهرج ~~: # والحمير أيضا يا مولاي ~~(يقلد ~~صوت الحمير) ~~. # الإمبراطور ~~(يضحك) ~~: # وكل هذا غدا؟ # الرجل الأول ~~: # غدا يبدأ عصر جديد. # الرجل الثاني ~~: # كما قال الفلكيون يا مولاي. # الإمبراطور ~~: # قالوا هذا؟ حقا إنهم فلكيون. # الرجل الأول ~~: # والشعراء والمؤرخون. # الرجل الثاني ~~: # والكتاب والصحفيون. # الرجل الأول ~~: # ورجال السينما والتليفزيون. # الرجل الثاني ~~: # ورواد الفضاء والنجوم. # المهرج ~~: # والمجانين والمهرجون. # الإمبراطور ~~: # حتى هؤلاء؟ ما أخلصكم يا أبنائي! # المهرج ~~: # وأرواح الخياطين المقتولين. # الإمبراطور ~~(غاضبا) ~~: # لا لا ... امنعوهم من الحضور، لا أريد إثارة ~~الأحزان. # المهرج ~~: # باستثناء أرواح الخياطين. # الإمبراطور ~~: # لا داعي لهم أبدا ... لا أحياء ولا ميتين. # الخياط الأول ~~(للمهرج) ~~: # يا وجه الشوم. # المهرج ~~: # لا أحياء ولا ميتين. # الإمبراطور ~~(يبكي) ~~: # هل تريدون أن أبكي يا أبنائي، مع أنني الإمبراطور ~~السعيد؟ # الرجل الأول ~~: # السعيد. # الرجل الثاني ~~: # السعيد. # الإمبراطور ~~: # غدا يحضر الجميع. ~~(للخياطين) # هل انتهيتما؟ الرقبة ضيقة ~~قليلا، يمكنكم أن توسعوا الأكمام ... ماذا قلت؟ # الرجل الأول ~~: # توسعوا الأكمام ... توسعوا الأكمام. # الإمبراطور ~~: # قبل هذا. # الرجل الثاني ~~: # الرقبة ضيقة قليلا. # الإمبراطور ~~: # قلت قبل هذا ... قبل هذا. # المهرج ~~: # غدا يحضر الجميع. # الإمبراطور ~~: # تمام ... الشعراء والمفكرون. # الرجل الأول ~~: # والمؤرخون والفلكيون. # المهرج ~~: # والمهرجون والمجانين. # الرجل الأول ~~: # والأحرار والمساجين. # الرجل الثاني ~~: # ورجال السينما والتلفزيون. # المهرج ~~: # والعصافير والحمير. # الإمبراطور ~~: # ادعوهم أيضا، أريد أن يحضر الجميع. # الرجل الأول والثاني ~~: # الجميع ... الجميع ... الجميع. # الإمبراطور ~~: # أشكركم يا أبنائي، أنا ... # الرجل الأول ~~: # الإمبراطور السعيد ... الإمبراطور السعيد ~~(جانبا لصاحبه) # هل خلع ~~الإمبراطور الثوب؟ # الرجل الثاني ~~(جانبا) ~~: # وهل رأيته حين لبسه حتى أراه حين خلعه؟ # الرجل الأول ~~(جانبا) ~~: # اسكت ... اسكت، يظهر أن رأسك ... # الرجل الثاني ~~(جانبا) ~~: # لا ms080 تخف، لم تسقط حتى الآن رأس منافق أمام ~~قدميه. # الإمبراطور ~~: # والآن يا أبنائي ... ماذا تطلبون؟ # الخياط الأول ~~(وهو يخلع الثوب عنه بعناية ويضعه ~~بعناية) ~~: # راحتك يا مولاي. # الخياط الثاني ~~: # ورضاك عنا يا مولاي. # الإمبراطور ~~: # بالطبع يا أولادي، لكن ألا أسمع ما تطلبون؟ # المهرج ~~: # نحن نطلب رضاكم، لكن ما تطلبه البطون. # الإمبراطور ~~(ضاحكا) ~~: # حالا ... حالا ... لك ما تشاء يا ملعون. # الخياط الأول ~~: # طلب واحد. # الخياط الثاني ~~: # واحد وبسيط. # الإمبراطور ~~: # تكلما ... تكلما. # الخياط الأول ~~: # تطلب أن تأمروا المنادي. # الإمبراطور ~~: # بماذا آمره فيستجيب؟ # الخياط الأول ~~: # أن ينادي ويقول: # المهرج ~~: # الحاضر يعلم الغائب، والماشي يقول للراكب ... # الخياط الأول ~~(ينظر للمهرج مهددا) ~~: # ليحضر الجميع ... ليحضر الجميع. # الخياط الثاني ~~: # الشيخ والرضيع ... والكريم والوضيع. # الخياط الأول ~~: # ويأتوا معهم بعيون جديدة. # الخياط الثاني ~~: # ترى الأشياء القريبة بعيدة. # الخياط الأول ~~: # والأشياء المعدومة موجودة. # الإمبراطور ~~(لرجلي الحاشية) ~~: # سجلا يا أبنائي ... عيون جديدة. # الرجل الأول ~~(يكتب في دفتر) ~~: # عيون جديدة. # الرجل الثاني ~~(يكتب في دفتر) ~~: # ترى الأشياء القريبة بعيدة. # الرجل الأول ~~(يكتب) ~~: # والمعدومة موجودة. # الرجل الثاني ~~: # وتترك العيون القديمة البليدة. # الرجل الأول ~~: # لتنظر بعيون جديدة. # الرجل الثاني ~~: # عيون جديدة وسعيدة. # الإمبراطور ~~(وهو ينصرف) ~~: # جديدة وسعيدة، غدا يا أولادي. ها ها الإمبراطور سعيد، ~~والرعية أيضا سعيدة ~~(ينصرف رجلا ~~الحاشية وراء الإمبراطور وهما يكرران المقاطع الأخيرة ~~من كلماته، يدخل خادم يحمل صينية عليها طعام فاخر، ~~فيتلقاه المهرج في حماس) ~~. # المهرج ~~: # وأصحاب العيون الجديدة، لا يرون الأشياء غير الموجودة، ~~مثل هذه الصينية الفريدة. # الحارس ~~(متوسلا) ~~: # أنا عيوني ما زالت قديمة. # المهرج ~~: # يا ضيعة تعليمي فيك، أرني ~~(ينظر في عينيه) # أبدا، أنت أذكى مما كنت ~~أظن، أنت لا ترى الآن أي شيء. # الخياط الأول ~~: # ما هذه الصينية العجيبة؟ # الخياط الثاني ~~: # ما هذه الصينية الفريدة؟ # المهرج ~~: # صينية؟ من قال لكما إن هناك صينية؟ # الحارس ~~: # بطني نبتت لها عيون. # المهرج ~~: # عيون أثرية قديمة، ابعد. ~~(يذهب ~~بالصينية في ركن بعيد ويأكل متلمظا) # كل ~~واحد في مكانه، شهرين وأنا أرى الثوب العجيب بعيوني ~~الجديدة. ألا يحق لي أن أرى ms081 شيئا واحدا بعيوني القديمة ؟ ~~خذوا. # الحارس والخياطان ~~: # عظم؟ # المهرج ~~: # هل عميتما؟ من قال إنه عظم؟ من ينكر أنه لحم مثل من ينكر ~~أن الهواء ثوب، إنه لا يستحق أن يدخل العصر ~~الجديد. # الحارس والخياطان ~~: # في عرضك، نريد أن ندخل العصر الجديد شبعانين. # المهرج ~~: # ادخلوه وحدكم، أما أنا فلا أدخله حتى آتي على هذه ~~الصينية خذوا ... خذوا ... لحم ... لحم ... لحم. # الحارس ~~(باكيا) ~~: # والله عظم ... عظم ... عظم. # المشهد الثالث ~~(منصة كبيرة عليها كرسي العرش، أفواج من رجال ~~الحاشية والحراس والفرسان تتوافد على المكان، وتتخذ مكانها على ~~جانبي المنصة، تدخل أفواج أخرى من الشعب، فلاحون وعمال وأمهات مع ~~أطفالهن، وشحاذون ... إلخ ينظمهم الحراس على الجانبين، المهرج في ~~مقدمة المسرح يواجه الجمهور، يمر المنادي الأعمى ويقول): # المنادي ~~: # الآن يا سادة يا كرام، تبدأ الحفلة وفصل الختام، الناس ~~جاءت من الفلاحين، والمدن ازدحمت بالملايين، ناديت في كل ~~مكان، تعالوا إلى أكبر ميدان، فملئوا الشوارع بالفرح ~~والسرور، كأنهم بعثوا من القبور، ترون الرجال والنساء ~~والأطفال، والقواد والفرسان الأبطال، وعلية القوم ~~النابهين، مع الصعاليك والشحاذين، وجميعهم يا سادة يا ~~كرام، ينتظر طلعة الإمبراطور من الحمام. # المهرج ~~(مقلدا المنادي) ~~: # لم يبق إلا القليل، وتروا الثوب الذي ليس له مثيل؛ فهو ~~قد تم على ما يرام، وسيحمله إلى هنا جيش من الفرسان؛ ~~لأنه أطول وأعرض مما تتصورون، والذهب الذي عليه يزن من ~~الأطنان مليون، معجزة العصر والأوان، سترونها بأنفسكم ~~الآن، فافتحوا عيونكم يا كرام، ليتم كل شيء على ما يرام، ~~عظمة الإمبراطور خرج من الحمام، وأراه الآن يتقدم إلى ~~الأمام، يشق طريقه وسط الجماهير، ويحيي العظيم فيهم ~~والحقير، ووراءه سار الخياطان، ومعهما جمع من الفرسان، ~~يحملون العجب العجاب، ثوبا ولا كل الثياب، عظمة ~~الإمبراطور المهاب. # الإمبراطور ~~: # هيا يا أولادي. # حاجب ~~: # مولانا الإمبراطور يقول: هيا يا أولادي. # الإمبراطور ~~: # هيا ... هيا. # الحاجب ~~: # مولانا يقول: هيا ... هيا. # الإمبراطور ~~: # تعسا لك، أبعدوا هذا الحاجب، إنه يفسد سعادتي، اقتلوه ~~... اقتلوه. # الحاجب ~~: # مولانا يقول: أنا أفسد سعادته، اقتلوني اقتلوني ~~(الحاشية تحيط ~~به) ~~. # الإمبراطور ~~: # بل اتركوه ms082 ... اتركوه. # الحاجب ~~: # مولانا يقول : اتركوه ... اتركوه ~~(يضع رجال الحاشية أيديهم على فمه، ويخرجونه من ~~المسرح) ~~. # الإمبراطور ~~: # لا داعي للقتل والانتقام، منظر الدم يفسد الحمام ~~(يصفق بيديه) # قلت: هيا ... ~~هيا. # أحد رجال الحاشية ~~: # هل نبدأ يا مولانا بشاعر البلاط؟ # الإمبراطور ~~: # أنا أتشاءم من الشعر القديم. # رجال الحاشية ~~: # أم بالخطيب المحنك العظيم؟ # الإمبراطور ~~: # قلت: لا داعي للمقدمات. # رجل الحاشية ~~: # إذن نترك المؤرخين والمنجمين. # الإمبراطور ~~: # لا داعي للمقدمات، أين الخياط؟ # الخياط الأول ~~: # أمر مولانا مطاع، هل يأمر مولاي ...؟ # الإمبراطور ~~: # مولاي ... مولاي، أين الثوب العجيب؟ # الخياط الأول ~~: # لا بد من كلمة تقال، إن اليوم ... # الإمبراطور ~~: # اليوم والغد والأمس. # الخياط الأول ~~: # اسمح يا مولاي لعبدك الأمين. # الإمبراطور ~~: # ضع الثوب أولا على جسدي، ألا تراني أرتعش من ~~البرد؟ # الخياط الأول ~~: # أمر مولاي مطاع، هذا الثوب العجيب. # الإمبراطور ~~: # هيا ... هيا ~~(يشير إلى الفرسان ~~أن يحملوا الثوب إليه) ~~. # الخياط الأول ~~: # ليسعد مولاي الإمبراطور، ولتهلل معه الجماهير ~~(وهو يلبسه الثوب الوهمي هو ~~ومساعده) # الرقبة أولا يا مولاي، نعم هكذا ... ~~اليوم يبدأ عهد جديد ... عهد مجيد وسعيد، الذراع اليمنى من ~~هنا، والذراع اليسرى أيضا، بشرى للإمبراطور العظيم، بهذا ~~الثوب الرائع الثمين، الذي نسجته أيدي العذارى. # الخياط الثاني ~~(وهو يساعده بحركات وهمية) ~~: # من حرير الهند والصين. # الإمبراطور ~~: # حقا حقا ... إنه ناعم ورقيق. # الخياط الأول ~~: # ومرصع بالذهب والماس. # الخياط الثاني ~~: # ولائق على القد والمقاس. # الإمبراطور ~~: # تماما يا أولادي ~~(يدور حول ~~نفسه)، # لكن يظهر أنه شفاف. # الخياط الأول ~~: # بالطبع يا مولاي، شفاف وهفهاف. # الخياط الثاني ~~: # انظروا كيف يبهر العيون. # الخياط الأول ~~: # لأنه كما ينبغي أن يكون. # الخياط الأول ~~: # مناسب في العرض والطول. # الخياط الثاني ~~: # لكل الأوقات والفصول. # الإمبراطور ~~(يتمشى على المنصة) ~~: # هكذا تكون ثياب الملوك. # الخياط الأول ~~: # اهتفوا وقولوا مبروك. # رجل من الحاشية ~~: # أيها الشعب اهتف معي: مبروك. # أصوات الشعب ~~: # مبروك ... مبروك ... مبروك. # الخياط الأول ~~: # اسمع الآن لعبدك يا مولاي، أن يبين مزايا هذا الثوب ~~العجيب، ويشرح لشعبك الطيب الأمين. لماذا وهبت حياتي لهذا ~~العمل الثمين؟ كنت أنا وزميلي المسكين، نتجول في الأسواق ms083 ~~والميادين، فسمعنا عن رغبة الإمبراطور، في ثوب ليس له ~~نظير، يدخل على قلبه السرور، ويريحه من الضيق والنفور، ~~ويحل الأمن والنظام، محل الفوضى والخصام، وينشر العدل بين ~~العباد، ويقضي على الظلم والفساد. # الإمبراطور ~~: # قلت لكم أنا أتشاءم من الشعر. # الخياط الثاني ~~: # ليس هذا شعرا، إنه سجع يا مولاي. # الإمبراطور ~~: # شعر أو سجع، ادخلوا في الموضوع. # الخياط الأول ~~: # أمرك مطاع بالطبع، فلا داعي للشعر ولا السجع. # الإمبراطور ~~(صائحا) ~~: # قلت لك ادخل في الموضوع. # الخياط الأول ~~: # لجأت أياما طويلة إلى الجبل، مثل كل الأنبياء ~~والملهمين، ثم رجعت إلى زميلي وقلت له: أنا اكتشفت سر ~~السعادة البشرية، إنها في كلمة واحدة: الثياب ... الثياب ~~تصنع العدل والظلم. تخلق اليأس والأمل، تجعل الحيوان ~~ملاكا والملاك حيوانا. أعطني الإبرة والمقص وأنا أعطيك ~~سر الحياة والوجود. تعجب صديقي وقال: كيف هذا يا مجنون؟ ~~قلت له: الثوب هو الإنسان، والإنسان هو الثوب، يخلق ~~الجلادين والقديسين، ويميز السلاطين من الشحاذين، يفرق ~~البيض عن السود، والأرانب من الأسود، الثياب هي سبب ~~البلاء، ومصدر الضحك والبكاء، قال صديقي: ماذا ~~نفعل؟ # الخياط الثاني ~~(مزهوا) ~~: # لم أقل هذا فقط، قلت: هيا نقضي على الثياب. # الخياط الأول ~~: # لكنك لم تعرف الدواء الوحيد، الذي يأتي بالشفاء ~~الأكيد. # الإمبراطور ~~(ضاحكا) ~~: # أرجوك ابتعد عن الشعر، وصف لنا الدواء بالنثر. # الخياط الأول ~~: # الثوب الواحد يا مولاي. # الإمبراطور ~~: # أي ثوب؟ # الخياط الأول ~~: # الثوب الذي تلبسه الآن يا مولاي. # الإمبراطور ~~: # ثوبي أنا ... ماذا تقصد؟ # الخياط الأول ~~: # إنه الخيمة التي تغطي على شعبك كله. # الإمبراطور ~~: # أنا ... ألبس خيمة؟ # الخياط الثاني ~~: # إنه يتكلم بالرمز يا مولاي. # الإمبراطور ~~: # هل تترك الشعر لتذهب للرمز، قلت: ماذا تقصد؟ # الخياط الأول ~~: # هل يذكر مولاي ما طلبته منه؟ # رجل من الحاشية ~~: # صينية باللحم، لكن المهرج أكلها. # الخياط الأول ~~: # شيئا آخر، طلبت أن يحضر الناس اليوم. # الإمبراطور ~~: # تذكرت طلبك الغريب، بعيون جديدة. # الخياط الأول ~~: # لأن هذا الثوب فيه صفة عجيبة. # الخياط الثاني ~~: # تضم إلى بقية صفاته الغريبة. # الخياط الأول ~~: # كل من يراه ينسى نفسه. # الخياط الثاني ~~: # لجماله وسحره ms084. # الخياط الأول ~~: # ولأن الإمبراطور هو الذي يلبسه، ألم أقل إنه خيمة، كل ~~من تضمه تحتها عرايا. # الإمبراطور ~~: # لكن شعبي ليس عريانا. # رجل من الحاشية ~~: # هذا كذب يا مولاي. # رجل آخر ~~: # هذا كلام الخونة والأعداء. # الخياط الأول ~~: # انتظروا ... انتظروا. # الخياط الثاني ~~: # في عرضك، ابعد عن الشعر والرموز. # الخياط الأول ~~: # هم عرايا؛ لأنك وحدك تلبس يا مولاي. هم أغبياء؛ لأنك ~~وحدك تفكر. هم مشلولون؛ لأنك وحدك تعمل. هم خرس؛ لأنك ~~وحدك تتكلم. # الإمبراطور ~~(للخياط الثاني) ~~: # قل لصاحبك يبتعد عن الرموز. # الخياط الثاني ~~(لصاحبه) ~~: # في عرضك. # الخياط الأول ~~: # لنسأل الحاضرين يا مولاي، أنت يا وزير البلاط. # رجل من الحاشية ~~: # أجل يا سيدي. # الخياط الأول ~~: # افتح عينيك، لا ... لا عينيك الجديدتين. # الرجل ~~: # فتحتهما ... فتحتهما. # الخياط الأول ~~: # هل ترى ثوب الإمبراطور؟ # الرجل ~~: # بالطبع. # الخياط الأول ~~: # أليس جميلا؟ # الرجل ~~: # جميل؟ يا له من لفظ حقير إلى جانب جماله الباهر ~~المنير. # الخياط الأول ~~: # وهل يمكن أن يكون هناك أجمل منه؟ # الرجل ~~: # أجمل منه، أنت تطلب المستحيل، ولا أعظم ولا أكمل ولا ~~أشجع، ولا أنبل ولا أحكم ولا أبدع. # الخياط الأول ~~: # وأنت ... نعم أنت. # الإمبراطور ~~: # أنت تشير إلى مؤرخي وفيلسوفي الحكيم. # المؤرخ ~~: # أمر مولاي مطاع. # الخياط الأول ~~: # ألم يبدأ اليوم عهد جديد؟ # المؤرخ ~~: # هذا أقل ما يقال يا ولدي، الحمد للآلهة أنني عشت لأؤرخ ~~له. # الإمبراطور ~~: # ماذا ستقول يا مؤرخي الحكيم؟ # المؤرخ ~~: # سيرتعش القلم قليلا في يدي، لكنني سأقول ما لا بد من ~~قوله، في الساعة العاشرة من صباح هذا اليوم السعيد، ~~وبحضور الوزراء والأعيان. # المهرج ~~(صائحا من مكانه بين الجمهور) ~~: # لا تنس المهرج أيها المؤرخ الحكيم. # المؤرخ ~~: # وعلى مشهد من الفرسان والشجعان. # فلاح ~~: # والفلاحين. # شحاذ ~~: # والشحاذين. # جلاد ~~: # والجلادين. # المؤرخ ~~: # اطمئنوا ... المؤرخون لا ينسون، جلس الإمبراطور العظيم ~~على العرش الرائع المكين. # الإمبراطور ~~: # أعرف البقية ... غيره. # الخياط الأول ~~: # لنسأل شاعر البلاط. # الإمبراطور ~~: # أرجوك، إلا الشعر. # الشاعر ~~: # العصافير تغني، والأزاهير التي ... # الإمبراطور ~~: # يا سياف. # السياف ~~: # وأنا يا مولاي أراك في ثوبك الجديد، وسيفك يهتز فوق ~~رقاب العابثين. # فارس ~~: # ويهزم أعداء ms085 الوطن الغادرين. # حارس ~~: # ويعيد الأمن للخائفين. # فلاح ~~: # وأراك في جلبابك الأزرق الثمين، وفي يدك الفأس ينغرز في ~~الطين. # عامل ~~: # وفي يدك المطرقة والمنشار، والعرق يسيل من الجسد والجبين ~~كالأنهار. # شحاذ ~~: # ويدك تمتد وتقول لله يا محسنين. # المهرج ~~: # وبذلتك المرقعة تضحك المتفرجين. # أب ~~: # ويدك تمسح على الآباء والبنين. # الإمبراطور ~~: # الفضل لهذا الثوب الجميل، الفضل لهذا الثوب ~~الثمين. # الخياط الأول ~~: # أرأيت يا مولاي؟ إنه ليس ثوبا ككل الثياب، وليست مثله ~~كل الثياب. # الإمبراطور ~~(يدور حول نفسه) ~~: # حقا، وإن كنت أرتعش من البرد. # الخياط الثاني ~~: # البرد؟ لا بد أن مولاي يمزح. # الإمبراطور ~~: # هو جميل حقا، ولكنني أرتعش. # الخياط الأول ~~: # ترتعش وعليك كل هذا الصوف. # الإمبراطور ~~: # ألم تقل إنه من حرير ... نسجته أيدي العذارى. # الخياط الأول ~~: # من الحرير والصوف والوبر وكل ما تشاء، إنه ثوب الثياب يا ~~مولاي. # الطفل ~~: # ماما ... ماما. # الأم ~~: # اسكت يا ولدي، اسكت. # الطفل ~~: # انظري يا ماما ... انظري يا ماما. # الأم ~~: # اسكت وإلا سمعك الإمبراطور. # الإمبراطور ~~: # لنسمع ما يقوله الأطفال ... تعال يا ولدي. # الطفل ~~: # الإمبراطور عريان ... الإمبراطور عريان. # أصوات ~~: # عريان ... عريان. # الإمبراطور ~~(يقف وينظر لنفسه) ~~: # هل صحيح أنني عريان؟ هل هذا صحيح يا وزير البلاط؟ # الوزير ~~: # معاذ الله يا مولاي، عريان؟ # الإمبراطور ~~: # ما دمت أرتعش من البرد. # الوزراء ~~: # رعشة الثوب الجديد. # الخياط الأول ~~: # الثوب الثمين. # الخياط الثاني ~~: # الجميل. # فارس ~~: # الذي نسجته أيدي العذارى. # السياف ~~: # من حرير الهند والصين. # الشاعر ~~: # وزينته الأنامل الرقيقة. # عامل ~~: # بالذهب والجواهر والماس. # الطفل ~~: # ماما ... ماما. # الإمبراطور ~~: # أنا أرتعش حقا، هل سمعتم هذا الطفل؟ # رجل من الحاشية ~~: # أبعدوا هذا الطفل. # رجل آخر ~~: # إنه يفسد الحفل. # السياف ~~: # سأقطع رقبته يا مولاي. # الأم ~~(صائحة) ~~: # ولدي ... ولدي ~~(تهرب ~~بولدها) ~~. # الإمبراطور ~~: # هل صحيح أنني عريان؟ # الشاعر ~~: # أنا الشاعر، سأعلمه أن يصرخ بالشعر. # رجل ~~: # وأنا الطبيب، سأعلمه كيف ينظر بعيون جديدة. # المؤرخ ~~: # وأنا المؤرخ، سأحرمه من دخول التاريخ. # الخياط الأول ~~: # شكرا يا أصحابي، لا يمكن أن نترك الأطفال الصغار، ~~يزعجون احتفال الكبار. # المهرج ~~: # والمهرجون مثل الأطفال، اسمعوا ... اسمعوا. # الإمبراطور ~~: # ماذا يريد المهرج أن ms086 يقول؟ هيا يا ولدي . # المهرج ~~: # مولاي، صدق عيون المهرجين والأطفال. # الخياط الأول ~~: # ويكذب الفرسان والأبطال؟ والشاعر والمؤرخ الحكيم؟ ~~والفلاح الطيب والعامل الأمين؟ والأب الذي يخاف على أولاده ~~والموظف الذي يريد أن يضمن المرتب والمعاش؟ والجلاد الذي ~~يعاقب الخونة والحاقدين ... والتقي الورع الذي يقول ~~آمين. # لا ... لا يا مولاي، لا تصدق الطفل الصغير، ولا الرجل ~~المجنون. # المهرج ~~: # يا ناس ... يا هوه ... مولانا عريان. # أصوات ~~: # عريان ... عريان ... عريان؟ # السياف ~~: # يا خائن البلاد. # الفارس ~~: # يا عدو يا جبان. # فلاح ~~: # يا كافر النعمة. # عامل ~~: # يا جاحد اللقمة. # المؤرخ ~~: # يا جاهل يا متأخر. # صوت ~~: # يا عدو التطور. # صوت ~~: # أمسكوه. # صوت ~~: # اطردوه. # صوت ~~: # انفوه. # صوت ~~: # اشنقوه ~~(تختلط الأصوات، ويهرب ~~المهرج) ~~. # صوت ~~: # اقتلوه. # صوت ~~: # اصلبوه. # الإمبراطور ~~: # أرجوكم، قولوا يا أطفال، صوت واحد يريحني، هل أنا ~~عريان؟ هل أنا عريان؟ لا صوت يجيب، ألم يبق هنا طفل واحد؟ ~~هل كل عيونكم جديدة؟ ألا يذكر أحد كيف ينظر الأطفال؟ هل ~~بعتم عيونكم القديمة؟ هل رميتموها للكلاب؟ أم سقطت منكم في ~~البحار؟ قل لي يا مؤرخ، هل ضاعت تحت عجلة التاريخ؟ وأنت يا ~~شاعر؟ هل تاهت في الكنايات والاستعارات؟ وأنت يا جلاد؟ هل ~~قطعت رقبتها؟ أم وقعت منك في الساقية يا فلاح، وسقطت في ~~الطين؟ أريد صوتا واحدا ... صوتا واحدا يقول لي: هل أنا ~~حقا عريان؟ أين ذهب الطفل؟ قطعت رأسه يا سياف؟ اتهمته ~~بالخيانة يا وزير؟ علمته الحكمة يا حكيم؟ أيها الطفل ~~المسكين ... أيها المهرج الحزين، أين أنتما؟ من بعدكما يقول ~~لي إن كنت مستورا أو عريان؟ من ... من؟ من ... من؟ ~~(يبكي وينزل ستار الوسط.) # المهرج ~~(يزيح الستار ويتقدم للجمهور) ~~: # الآن يا سادة يا كرام، تنتهي حكايتنا المعروفة بالتمام. ~~كان بودي أن أنهيها بالضحك والمزاح، لكن المؤلف يحب ~~الكآبة والنواح ... المهم لا أريد أن أطيل عليكم، فيكفي أننا ~~أتعبناكم وضيعنا سهرتكم، لكن قبل أن تتركوا هذا المكان، ~~وتعودوا إلى البيوت لتناموا في أمان، نرجوكم أن تنظروا مرة ~~في عيون الأطفال؛ لتتذكروا عيونكم القديمة التي تلفت من ~~كثرة الاستعمال، وتعرفوا ms087 أن الدهشة والبراءة، هي منبع ~~الصدق والجراءة، وأن كلمة آمين جنت على جنس البني آدمين، ~~وجعلتهم يرون العريان في حلل الحرير والطيلسان، والضعيف ~~والجبان، كأنه أشجع الشجعان، وقبل أن أقول لكم مساء الخير ~~أذكركم بأن الثياب أمر خطير، ومن يتخل عن ثوبه أو ~~يبعه في المزاد. فلا يغضب لهوان شأنه بين العباد، ولا ~~يحزن إذا رآه طفل أو بهلوان، وصاح شوفوا الرجل الذي يمشي ~~في الشارع عريان، يا ما ثياب تتباهى، لكنها أكفان، وراها ~~جثة ريحتها تفوح بكل مكان، بيعيش صاحبها وبيموت كما اتولد ~~عريان، يا رب سترك وطلعنا من الدنيا على خير، والسامعين يا ~~رب يمسوا ويصبحوا على خير. # 1968م # | المرآة # الشخصيات # جحا. # تيمور لنك. # حارس تيمور لنك الخاص. # قائد. # حراس وجنود مختلفون. # فكرة المسرحية مستوحاة من حكاية ذكرها شاعر الألمان الأكبر ~~«جوته» في تعليقاته على ديوانه الشرقي؛ فقد رأى القائد المغولي ~~المرعب وجهه لأول مرة في المرآة، فاستبشعه وانخرط في بكاء مر. ~~عندئذ قال له بعض المحيطين به: إذا كنت قد بكيت بعد رؤية وجهك مرة ~~واحدة، فماذا نفعل ونحن نراه كل يوم؟! أما عن لقاء جحا وتيمور لنك، ~~فتذكره بعض نوادر جحا، وبعض كتب التاريخ. ~~(خيمة تيمور لنك الحريرية، وفرسانه يحاصرون ~~مدينة جحا «آق شهر» بالأناضول استعدادا لغزوها، حارسه الخاص ~~يساعده على ارتداء ملابسه، تسمع بين حين وحين أصوات أبواق وصلصلة ~~سلاح كما ترى أشباح جنود تتحرك في الخلف.) # الحارس ~~(ممسكا بفردة حذاء) ~~: # لم تبق إلا هذه الفردة يا مولاي. # تيمور ~~: # قلت لك لا أريد. # الحارس ~~: # ويسير مولاي حافيا؟ # تيمور ~~(ينهض ويمشي) ~~: # وما الضرر؟ هل قالوا لك أني ولدت بحذاء في قدمي؟ # الحارس ~~: # لم يقل أحد هذا، ولكن لن يصدق أحد أن تيمور لنك العظيم ~~... # تيمور ~~: # دعني وشأني، قلت لك: اذهب واتركني وحدي. # الحارس ~~: # عفوا يا مولاي، ولكن من يتصور أن الملك الذي يضع التاج ~~على رأسه يسير بقدم حافية؟ من يتصور أن القدم التي تدور ~~على نصف العالم تظل عارية؟ # تيمور ~~: # نفاق ... نفاق، كلكم تجيدون النفاق ms088، سواء كنت تيمور لنك ~~السفاح الجبار، أو كنت أضعف خلق الله، المهم أن تروا التاج ~~على الرأس أو السيف في اليد. # الحارس ~~: # ولكن يا مولاي. # تيمور ~~: # قلت لك: دعني، ألا ترى كيف لا أحتمل الكلام؟ # الحارس ~~: # أجل يا مولاي، وقد عرفت دائما عنك ... # تيمور ~~: # تكلم، ماذا عرفت؟ # الحارس ~~: # عرفت حبكم للصمت، سمعت أنكم تجلسون دائما وحدكم بجبين ~~مقطب ووجه مكفهر حزين. # تيمور ~~: # حزين؟ نعم هذه هي الكلمة المناسبة، هل جربت البكاء مرة ~~واحدة في حياتك يا ولدي؟ # الحارس ~~: # مرة؟ بالطبع يا مولاي، أظن أنني لا أختلف في هذا عن أي ~~إنسان، ولكني لا أصدق. # تيمور ~~: # لا تصدق أن تيمور لنك يمكنه أن يبكي. # الحارس ~~: # لم أقصد هذا يا مولاي، فأنت أيضا بشر. # تيمور ~~: # لأول مرة تترك النفاق، نعم أنا أيضا بشر، ولكن الناس ~~تنتفض رعبا إذا سمعت باسمي أنهم يسمونني الشيطان ~~الأكبر والسفاح الأعظم والأسد الفاتك والإله الأعمى. لا ~~يعرفون أن تيمور له قلب مثلهم، ولا يتصورون أنه يبكي في ~~بعض الأحيان. # الحارس ~~: # إن أذنتم يا مولاي ... متى؟ # تيمور ~~: # متى بكيت؟ بكيت دائما يا ولدي، بدموع جامدة تغيب في ~~نفسي كأنها تغيب في أعماق البئر، كنت في طفولتي أجلس على ~~سطح بيتنا في المدينة الخضراء، أمد بصري إلى القوافل ~~الذاهبة إلى سمرقند، وأسمع نشيد الفلاحين في عودتهم من ~~الحقول ونداء المؤذن يدعو الناس للصلاة وأحاديث التجار ~~والدراويش والشحاذين عن القوافل والحروب والمعارك. كانت ~~أمي قد ماتت وأنا صغير، فلم أتذكر ملامح وجهها، وكان أبي ~~دائم الجلوس مع المشايخ والعلماء، ثم ذهب إلى صومعة انصرف ~~فيها إلى العبادة. # الحارس ~~: # طفولة حزينة يا مولاي، ألم يكن لك رفاق ... أتراب ~~لعب؟ # تيمور ~~: # هؤلاء أيضا كانوا دائما يعجبون لحالي، كنت أسير بينهم ~~مطرق الرأس، كثير التفكير، قليل الضحك. لم يكن عبثهم ~~يحرك في شعرة واحدة، وكلما سألوني عن السر في ذلك ~~أقول: على المرء أن يسلك الطريق الذي كتبه القدر. # الحارس ~~: # وهذا القدر يا مولاي؟ # تيمور ~~: # الحزن يا ولدي. # الحارس ~~: # الحزن؟ أيمكن أن يصنع ms089 الحزن رجلا، لا بل ... # تيمور ~~: # نعم الحزن، إنه المسئول عن كل شيء، عبوس الوجه، تقطيب ~~الجبين، الصمت ... الصمت الدائم الذي لم أكن أخرج ~~عنه. # الحارس ~~: # لا أفهم يا مولاي. # تيمور ~~: # لم أكن كما تعلم ابن ملك كالإسكندر ولا ابن زعيم قبيلة ~~مثل جنكيز خان، ولكن الحزن هو الذي علمني الطموح، هل ~~تعرف من الذي حببني في الدم؟ الحزن. هل تعرف من الذي فتح ~~شهيتي لرؤية آلاف الرءوس المقطوعة؟ الحزن. هل تعرف من الذي ~~علمني القسوة التي لا ترحم الطفل ولا المرأة ولا الشيخ؟ ~~الحزن ... الحزن ... الحزن. # الحارس ~~: # مولاي ... لا أتصور أن الحزن يمكنه أن يغلب ملوك الهند ~~والصين وفارس وما بين النهرين، أن ينتصر على كل الأعداء، ~~ويقتحم كل الحصون ... أن يبث الخوف في نفوس الملوك والفرسان ~~والعامة ... أن يكون ملك العالم. # تيمور ~~: # نعم هو الحزن ... الحزن الذي جعلني أمشي وحيدا إلى ~~سمرقند، لا أملك غير سيفي، وليس معي سوى خادمي عبد الله. ~~الحزن هو الذي جعلني أصبح أملك العالم كما تقول. # الحارس ~~: # معذرة يا مولاي، هل أتوسل إليكم بلبس هذه الفردة حتى ~~يتم الحزن؟ # تيمور ~~: # ويحك! ألا يتم الحزن إلا إذا لبستها؟ # الحارس ~~: # ولكن منظركم هكذا، أخاف أن أقول ... # تيمور ~~: # منظر مضحك؟ ولكنه لا يضحكني كما ترى، ولن يضحك أحدا، إذ ~~لم يخلق من يجرؤ على الضحك في وجه تيمور. ~~(بعد قليل) # أين ذلك الرجل ~~الذي طلبته؟ لماذا تأخر؟ # الحارس ~~: # جحا؟ إنهم يبحثون عنه من ثلاثة أيام. # تيمور ~~: # أريد اليوم أن أضحك، أضحك من القلب، أضحك وأضحك ~~وأضحك. # الحارس ~~: # إذن فليضحك مولاي، يكفي أن يراني أجري وراءه بهذا الحذاء ~~فيضحك ~~(يحاول أن يجري فينظر إليه ~~تيمور فيتجمد في مكانه) ~~. # تيمور ~~: # أريد هذا الرجل، ماذا كان اسمه؟ # الحارس ~~: # جحا يا مولاي. # تيمور ~~: # وماذا تعرف عنه؟ # الحارس ~~: # أعرف عن حماره أكثر مما أعرف عنه. # تيمور ~~: # حماره؟ ألم أسمع أنه قاض؟ هل يتاجر أيضا في ~~الحمير؟ # الحارس ~~: # إنه لا يكاد ينفصل عن حماره، الناس لا يعرفونه من ~~ملابسه؛ لأنه يغيرها كل يوم ms090، ولا من صنعته فهو يوما ~~قاض أو واعظ في جامع أو معلم في مدرسة أو سائح في بلاد ~~الله، ولا حتى من زوجته فهم يقولون إن له أكثر من زوجة، ~~وربما كان هو نفسه لا يعرفهن، ولكنهم إذا راوا حماره ~~عرفوا مكانه. # تيمور ~~: # وكيف سيهتدي إليه فرساني؟ هل يعرفون ذلك الحمار؟ # الحارس ~~: # يعرفونه؟ إنه أشهر حمار في المدينة، بل أشهر حمار في ~~التاريخ، إنه ابنه ورفيق عمره، ومستشاره وكاتم ~~سره. # جحا ~~(ضجة في الخلف، صوت جحا يصيح ~~مستغيثا: حماري ... حماري، ويدخل وهو يقول في غضب ~~شديد) ~~: # حماري ... حماري أيها الملاعين! حماري أيها اللصوص! والله ~~لا أعدل به قافلة جمال، والله لا أرضى بفرسان تيمور كلها ~~عوضا عنه، والله ولا حتى بتيمور نفسه. ~~(يتلفت حوله ويستعيذ ~~بالله) # أقصد لا أرضى أن يركبه غيري، ولو كان ~~هو نفسه، أعوذ بالله من اسمه. حماري يا ناس، حماري يا ~~عالم. # الحارس ~~: # ما هذه الضجة أيها الرجل؟ ألا تعرف أين أنت؟ # تيمور ~~(همسا للحارس) ~~: # حذار لا تقل شيئا. # جحا ~~: # وأين أكون إذن؟ في جنة عدن؟ في قصر أمير المؤمنين؟ حماري ~~أيها اللصوص، ألستم من فرسان تيمور؟ أليست صناعتكم هي ~~السلب والنهب والسطو على أملاك الناس وحميرهم؟ # الحارس ~~: # هل أحتمل هذه البذاءة كلها؟ # تيمور ~~: # هش، قلت لك لا تفتح فمك، أوصيهم أيضا ألا يدخل علينا ~~أحد ~~(لجحا) # هيه ماذا ~~تريد أيها الرجل؟ عم تبحث؟ هل أستطيع أن أساعدك؟ # جحا ~~: # ماذا تريد؟ عم تبحث؟ وكيف تساعدني بالله عليك وأنت ~~أصم؟ # تيمور ~~: # قل لي ماذا تريد؟ # جحا ~~: # يظهر أنك لست أصم فقط، بل غبي أيضا، ألم أصح بملء ~~صوتي؟ ألم أصرخ كالمجنون؟ # تيمور ~~: # هيه، فهمت، لقد ضاع منك شيء وتبحث عنه. # جحا ~~: # ما شاء الله. # تيمور ~~: # هل قلت إنه حمار؟ # جحا ~~: # نعم والله، وفيه شبه منك. # تيمور ~~: # وكيف دخل إلى هنا؟ # جحا ~~: # كيف يدخل إلى هنا؟ كما يدخل كل شيء بقدرة قادر ~~(يشير إشارة السطو ~~والسرقة) ~~. # تيمور ~~: # هل هرب منك مثلا؟ هل ضاع؟ # جحا ~~: # هرب ... ضاع؟ والله إن ms091 لك أسئلة لا يسألها حماري ، وهل يهرب ~~شيء أو يضيع وفرسان تيمور أحياء يرزقون، إن الهواء نفسه ~~يخاف منهم. الشمس نفسها تخشى أن يسرقوا نورها، البحر ~~والسماء والرياح. # تيمور ~~: # كفى ... كفي، أين كنت حين اختفى حمارك؟ # جحا ~~(مقلدا صوته) ~~: # كنت أنا وهو نختفي منكم. # تيمور ~~(بصبر شديد) ~~: # وأين؟ # جحا ~~: # وأين أختفي حتى لا يروني؟ أين أختفي حتى لا يعرفوا أنني ~~حي أرزق؟ في الجبانة طبعا، نزلت في أحد القبور المفتوحة ~~حين أبصرتهم من بعيد. # تيمور ~~(مبتسما وهو يقترب منه) ~~: # ومعك حمارك؟ # جحا ~~: # يا لذكاء الفرسان! هل كتب علي أن أتحمل ذكاءكم بعد ~~أن تحملت شجاعتكم؟ # تيمور ~~: # تكلم، هل كان الحمار معك؟ # جحا ~~: # بالطبع لا أيها الفارس الذكي الشجاع، تركت حماري يرعى ~~وأسرعت بإخفاء نفسي في قبر مفتوح وجدته صدفة ~~أمامي. # تيمور ~~: # كيف كان هذا؟ ارو الحكاية. # جحا ~~: # يا عم أنا لم أجئ لأروي حكايات، إنما جئت لأبحث عن ~~حماري، حبيبي وصديقي ومنى عيني. # تيمور ~~: # ورفيق عمرك ومستشارك وكاتم سرك. # جحا ~~: # ومن أين عرفت؟ إن أحدا لا يعرف هذا، هل قاله لك الحمار ~~بنفسه؟ # تيمور ~~: # ربما. # جحا ~~: # إذن ساعدني في البحث عنه. # تيمور ~~: # ألم أعرض عليك هذا من قبل؟ هيا نتكلم، ماذا فعلت حين ~~رأيت الفرسان؟ # جحا ~~: # وماذا أفعل بالله عليك؟ ماذا أفعل أيها الفارس الطيب ~~(يرى قدمه الوحيدة حافية ~~فيضحك) # ماذا يفعل رجل على نياته مثلك حين يرى ~~أحد فرسان تيمور؟ # تيمور ~~(متجاهلا نظراته إلى قدميه) ~~: # نعم، ماذا يفعل؟ # جحا ~~: # يرتعش وينتفض، يتصور عزرائيل أمامه، يقرأ الشهادة على ~~روحه. # تيمور ~~: # حسن جدا، ولهذا أسرعت إلى القبر المفتوح؟ # جحا ~~: # خلعت ملابسي أولا، ثم دخلت القبر كما ولدتني ~~أمي. # ولما اقترب الفرسان ورأوني في القبر عاري الجسم استغربوا ~~حالي وسألوني: ماذا تفعل في القبر يا هذا؟ فحرت في ~~الجواب، ولكنني استدركت بسرعة، أنا يا سادتي الفرسان من ~~أهل القبور، أرقد هنا من عشرات السنين، وقد سئمت طول ~~المكث فاستأذنت ربي أن أخرج قليلا للفسحة. ~~(تيمور يضحك بصوت عال.) # جحا ~~(ينظر إليه) ~~: # هكذا ms092 ضحكوا يا سيدي، ولكنهم لم يكتفوا بالضحك. # تيمور ~~: # وماذا فعلوا؟ # جحا ~~: # أعوذ بالله، أبعد هذا كله تسألني: ماذا فعلوا؟ سرقوا ~~حماري الذي جئت أبحث عنه، فإذا بحضرتك تعطلني كل هذا ~~الوقت ~~(جحا يبحث في كل ركن في ~~الخيمة تحت المقاعد ... بين الكراسي ... تحت السرير ... وراء ~~قماش الخيمة وهو يقول): # حماري ... حماري، اظهر يا نور عيني ... اظهر ولا تخف، أنا ~~لست من فرسان تيمور السفاح، أنا صاحبك، صاحبك جحا ~~المسكين، أرجوك يا حماري. نهقة واحدة ترد روحي ~~(يقترب من تيمور ~~لنك) ~~. # جحا ~~(يرفع ثوب تيمور لنك، وينظر في داخله ~~وتحته) ~~: # هل أنت هنا يا حبيبي؟ # تيمور ~~: # ماذا تفعل يا جحا؟ # جحا ~~: # عدت للسؤال يا ذكي؟ # الحارس ~~(يتقدم إليه غاضبا) ~~: # أجننت أيها الأحمق؟ أتبحث في ثوب ... # تيمور ~~: # حذار ... # الحارس ~~: # في ثوب هذا الفارس الشجاع عن حمارك؟ # جحا ~~(بثبات وهو يواصل البحث) ~~: # ولم لا؟ وهل يصعب شيء على الفرسان الشجعان من أمثاله، ~~إنهم يسرقون مال النبي، ويخطفون الكحل من العين، ويلهفون ~~الرءوس من على الأجسام، انحن قليلا يا رجل. # الحارس ~~: # كيف تخاطب الفارس بهذه اللهجة؟ # جحا ~~: # وما المانع؟ وهل بقي شيء بعد أن ضاع الحمار؟ ~~(يمد يده إلى عمامة تيمور، وتيمور ~~مستسلم له) ~~. # الحارس ~~: # وهل يختفي الحمار في العمامة يا أحمق؟ # جحا ~~: # وهل هي ككل العمامات يا غبي؟ هل تضيق عمامة أحد فرسان ~~تيمور عن حمار صغير لطيف مثل حماري؟ أسنانك يا رجل. # الحارس ~~(صارخا) ~~: # وتبحث في أسنان مولاك أيضا؟ # جحا ~~: # وما المانع أيها الغبي العنيد؟ ثم من الذي أسماه مولاي؟ ~~هذا الجلف الضخم ال... # الحارس ~~(وقد نفذ صبره) ~~: # إنه تيمور لنك يا أحمق، إنه تيمور لنك. # جحا ~~: # من؟ ماذا قلت؟ # تيمور ~~(يربت عليه بهدوء، للفارس) ~~: # لا فائدة منك يا غبي، لا تخف يا جحا. ~~(جحا يسقط على الأرض مغشيا ~~عليه، تيمور لنك ينحني، ويحاول أن يفيقه من غشيته. ~~جحا يفتح عينيه، ثم يقفلهما بسرعة، يرفع رأسه، ثم لا ~~يلبث أن يخفضها ويتماوت) # اصح يا جحا ... ~~اصح. # جحا ~~: # من ينادي علي؟ # تيمور ~~: # أنا ms093 يا جحا بجانبك. # جحا ~~: # من ؟ عزرائيل؟ # تيمور ~~: # بل السلطان تيمور لنك. # جحا ~~: # آه ... الله يرحمني، ظننت أنني لا زلت أطالع في الروح ~~(يتماوت) ~~. # تيمور ~~: # أفق يا جحا، قلت لك لا تخف. # جحا ~~: # الحمد لله أنني مت من زمان. # تيمور ~~: # لم تمت بعد، ألا تسمع صوتك؟ # جحا ~~: # ضعت وضاع حماري أيضا، كنت على ظهره فضعت معه. # تيمور ~~(يضحك) ~~: # هيا، أفق، قلت لك لا تخف ~~(ينهضه بالقوة) ~~. # جحا ~~: # أسرع يا مولاي، أسرع. # تيمور ~~: # وما الداعي للسرعة يا جحا؟ # جحا ~~: # ألم تأمر بالسيف والنطح؟ هيا اضرب رأسي قبل أن أفيق من ~~نومي. # تيمور ~~(مدعيا الغضب) ~~: # قلت لك ألف مرة لا تخف، أم تريد أن ترى كيف يتصرف تيمور ~~لنك السفاح؟ # جحا ~~: # أرجوك يا مولاي ~~(يزحف إلى ~~قدمه) # ها هي قدمك أقبلها. إنها حافية وهذا ~~يسهل الأمر ~~(يقبلها) ~~. # تيمور ~~: # انهض، قلت لك أفق وإلا ... # جحا ~~: # لا ... لا، أفقت وصحوت ~~(يتحسس ~~رأسه)، # وما زال رأسي على كتفي أيضا، أشكرك ~~يا مولاي، أشكرك وأتوسل إليك. # تيمور ~~(يأخذ بيده في لطف، ويتجه به إلى ~~أريكة) ~~: # بل أنا الذي أتوسل إليك. # جحا ~~: # أنت يا مولاي؟ ملك العالم يتوسل لحمار مثلي؟ ~~(يمتنع عن الجلوس.) # تيمور ~~: # اجلس ... # جحا ~~: # وأجلس أيضا؟ # تيمور ~~: # قلت لك اجلس، أتدري لماذا أرسلت إليك؟ # جحا ~~: # مولاي أرسل إلي أنا؟ # تيمور ~~: # فرقة كاملة من الفرسان تبحث عنك في كل مكان، من ثلاثة ~~أيام وهم يسألون عنك. كان يحب عليهم أن يسألوا عن ~~حمارك. # جحا ~~: # وقد سألوا يا مولاي وسرقوه. # تيمور ~~: # سأتحقق من هذا بنفسي، اجلس الآن بجانبي ~~(جحا يجلس) ~~. # جحا ~~: # وإذا لم تجده يا مولاي. # تيمور ~~: # أعوضك عنه، هل قالوا لك إن تيمور لنك فقير أو ~~بخيل؟ # جحا ~~: # عفوا يا مولاي، ولكن حماري لا يعوضه شيء. # تيمور ~~: # إذا لم أعثر عليه فسأعوضك تعويضا كافيا، سأعطيك جرابا ~~مملوءا بالذهب في حجم الجراب الذي تضع له العلف ~~فيه. # جحا ~~: # المهم هو أن تجده يا مولاي، وتستطيع أن تعطيه الذهب، ~~وتترك لي العلف. # تيمور ~~: # أتحبه إلى هذا الحد يا جحا ms094؟ # جحا ~~: # أحبه؟ إن كلمة الحب لا تكفي يا مولانا، لقد ربيته ~~كابني، أخلص لي أكثر من زوجتي وأولادي، فهمني أكثر من كل ~~الناس. واساني حين لم أجد أحدا يسمع شكواي، تحمل حماقاتي ~~حين ضاق بها الجميع، أتقول أحبه؟ في بعض الأحيان أتصور أنه ~~ظلي، لا بل إنني ظله. # تيمور ~~(يضحك) ~~: # لا بد أنه شديد الإخلاص لك يا جحا، ألم تفكر مرة في ~~بيعه؟ # جحا ~~: # كلما ضاقت بي الحال، وسدت في وجهي أبواب الرزق فكرت ~~في بيعه، ولكني كنت أشترط على الشاري شرطا لم يرض به ~~أحد. # تيمور ~~: # وما هو هذا الشرط يا جحا؟ # جحا ~~: # أن يشتريني معه، أن يأخذني لأكون بجانبه. # تيمور ~~(ضاحكا) ~~: # الناس معذورون لرفضهم هذا الشرط يا جحا. # جحا ~~: # إنني أخشى عليه حتى من نفسه، يخيل لي أنه لو ضاع لضعت ~~معه، ولو مات فلا بد أن أموت أنا أيضا، جاء جاري يطلب ~~إعارته، فقلت: إنني ذاهب للحمار أستشيره عساه يقبل، ثم ~~دخلت إلى الإصطبل وعدت لأقول له: لقد استشرت الحمار فلم ~~يرض؛ لأنه يزعم أن ملاك الحمير أوحى إليه بأنك ستضربه ~~ضربا مبرحا وتشتمه وتسبه هو وصاحبه. # تيمور ~~: # ملاك الحمير؟ ها ها وماذا تفعل لو خانك الحمار، فنهق ~~مثلا؟ # جحا ~~: # فعلها يا مولاي، جاءني جار آخر يطلب نفس الشيء، فقلت له: ~~إن الحمار في السوق، وما كدت أتم عبارتي حتى بدأ الخائن ~~ينهق بصوت منكر من داخل الإصطبل، فقال جاري: يا شيخ هذا ~~الحمار يملأ الدنيا نهيقا وتنكر أنت وجوده؟ أسعفني طول ~~لساني، فهززت رأسي وقلت: ما أغربك يا رجل! أتصدق الحمار ~~وتكذب هذه اللحية الشائبة ~~(تيمور ~~يضحك) ~~. ~~(يدخل أحد قواد الجيش، ينحني لتيمور لنك ~~ويحيي بجلبة السلاح ويقول): # القائد ~~: # مولاي، الفرسان ينتظرون الإشارة. # تيمور وجحا ~~(معا) ~~: # هل وجدتم الحمار؟ # القائد ~~(مرتبكا) ~~: # حمار؟ ماذا تريد يا مولاي؟ # تيمور ~~: # ماذا تريد أنت أيها القائد؟ ماذا يريد فرساني ~~الشجعان؟ # القائد ~~: # ماذا يريدون؟ لا يريدون إلا ما تشاء إرادتكم يا ~~مولاي. # تيمور ~~: # تبا لك يا جحا، لقد نسيت لماذا كلفت ms095 الفرسان ~~بالاستعداد، ذكرني أيها القائد . # القائد ~~: # إنهم على أهبة الاستعداد يا مولاي، سيوفهم تتحرك شوقا ~~لطعن هؤلاء الخبثاء. # تيمور ~~: # الخبثاء؟ من هم أيها القائد؟ طالما أرحنا خبثاء كثيرين ~~من نفوسهم الخبيثة. # القائد ~~: # ومن غيرهم يا مولاي؟ أهالي آق شهر. # جحا ~~(قافزا من مكانه) ~~: # من؟ # القائد ~~: # الذين لا يخافون بقدر ما يعبثون بنا. # تيمور ~~: # يعبثون؟ وكيف هذا أيها الفارس؟ # القائد ~~: # لم يخلق بلد فيها من الحمير بقدر ما في بلدهم، تصور ~~أنهم يرسلون الحمير للتجسس علينا. # تيمور ~~(فجأة) ~~: # وهل وجدتم بينهم حمار جحا؟ # جحا ~~: # نعم يا ولدي، إنني أستطيع التعرف على نهيقه من بين ألف ~~حمار، أرجوك يا ولدي. # القائد ~~: # إننا نقتلها أولا بأول، ونستعد الآن لتأديب ~~أهلها. # جحا ~~: # مولاي، أتوسل إليك. # تيمور ~~: # أيها القائد، دعني الآن قليلا، قل للفرسان يستريحوا ~~حتى يأتي تيمور. # جحا ~~: # أتوسل إليك يا مولاي، إنهم ضعاف مساكين. # تيمور ~~: # قلت أنا الذي أتوسل إليك، هيا عد إلى مكانك. # جحا ~~: # العجزة والأطفال والنساء. # تيمور ~~: # قلت لك: اجلس، نعم هنا بجانبي، هل تعلم لماذا أرسلت ~~إليك؟ # جحا ~~: # لو كان حماري معي لعرفت يا مولاي. # تيمور ~~(ضاحكا) ~~: # لا أشتهي سماع نهيق الحمار، أريد أن أسمعك أنت يا جحا، ~~ماذا كنت تقول؟ # جحا ~~: # ماذا كنت أقول؟ انتظر حتى أستشير حماري. # تيمور ~~: # ولكنه ليس معنا يا جحا. # جحا ~~: # ولكن روحه دائما معي يا مولاي، انتظر ... انتظر، ما رأيك ~~يا حماري؟ صحيح ... صحيح. # تيمور ~~(ضاحكا) ~~: # زدني يا جحا. # جحا ~~: # ماذا أقول يا مولاي؟ # تيمور ~~: # لا تقل شيئا، أضحكني ... أضحكني. # جحا ~~: # إنك تضحك يا مولاي. # تيمور ~~: # لا أريد هذا الضحك، أريد أن أضحك من القلب، الضحك الذي ~~يغسل الروح ويطهر الجسد ... الضحك الذي يغسل الدماء من ضميري ~~ينسيني منظر الرءوس المقطوعة والأجسام المصلوبة والبيوت ~~المحترقة والمآذن المهمة ... الضحك الذي ينسيني الخراب ~~والموت والدم في كل مكان داسته قدماي. ~~(جحا ينظر إلى قدمه الحافية ويضحك.) # تيمور ~~: # ما الذي يضحكك يا جحا؟ # جحا ~~: # تمنيت لو كان حماري هنا. # تيمور ~~: # وماذا كان يفعل؟ # جحا ~~: # ربما كنت استعرت ms096 حدوته وأعطيتها لك. # تيمور ~~(ضاحكا ) ~~: # قل لي يا جحا، كيف يضحك الناس؟ كيف تزيل العبوس من ~~وجوههم؟ كيف تحيي الابتسامة على شفاههم؟ # جحا ~~: # أنا أضحك الناس؟ من قال هذا يا مولاي، إنهم هم الذين ~~يضحكون على أنفسهم. أريهم العالم المقلوب الذي يعيشون ~~فيه، فيكتشفون أنه عالمهم ويضحكون ... أسير أمامهم على رأسي ~~أو أمشي على أربع كما يفعلون، فيكتشفون أنهم كانوا يفعلون ~~ذلك دائما فيضحكون. أبين لعلمائهم ومشايخهم أنهم ~~يقلبون اللغة أيضا على رأسها، فيضحك الناس منهم ~~ويطاردونني في البلاد ... إنني لا أضحك الناس يا مولاي، لم ~~يخلق إنسان له هذه الموهبة الخارقة ... إنني أريهم وجوههم في ~~المرآة. # تيمور ~~: # تريهم وجوههم في مرآة، وما هي المرآة يا جحا؟ # جحا ~~(بينما يبحث في جيوبه) ~~: # اختراع غريب يا مولاي، لا أدري إن كنتم قد سمعتم به ~~أولا، ربما اخترعه الناس في أرض فرعون. # تيمور ~~: # زدني يا جحا، زدني عن هذه المرآة. # جحا ~~(يخرج بعض الأشياء من جيوبه ~~وعبه) ~~: # رغيف أعطته لي امرأتي لأتغذى به، أوصتني أن أطعم منه ~~الحمار وآكل ما يفيض منه. # تيمور ~~(يضحك) ~~: # ثم ماذا يا جحا ... ثم ماذا؟ # جحا ~~(يبحث في جيوبه) ~~: # ولباسي أيضا، كان منشورا على الحبل وما زال مبتلا، ~~هل تدري لماذا أعطته لي امرأتي؟ لأنني كثيرا ما أبول على ~~نفسي يا مولاي، عادة قديمة لم أستطع التخلص منها. # تيمور ~~(ضاحكا) ~~: # والمرآة يا جحا ... المرآة. # جحا ~~(يبحث في جيوبه) ~~: # أظن أنها أعطتها لي أيضا لأنظر فيها كلما أردت أن ~~أضحك. # تيمور ~~: # أين هي يا جحا؟ أين هي؟ # جحا ~~(يخرج من جيبه مرآة صغيرة في حجم ~~الكف) ~~: # أخيرا، ها هي يا مولاي. # تيمور ~~(يسرع نحوه) ~~: # أرني يا جحا. # جحا ~~: # انتظر يا مولاي، انتظر، أتظنها مرآة عادية؟ أتحسب أن كل ~~من هب ودب يستطيع أن ينظر فيها؟ إنها مرآة يستطيع ~~الإنسان أن يرى فيها كل شيء. # تيمور ~~: # وماذا يرى يا جحا؟ هل هي حقا البلورة المسحورة التي ~~سمعنا عنها؟ # جحا ~~: # في بعض الأحيان يا مولاي تطل فيها كما تطل في ms097 أعماق ~~بئر. قد ترى هناك قصورا مسحورة وعذارى جميلات وبساتين ~~وفاكهة من كل نوع. # تيمور ~~: # أرني يا جحا، أرني هذه المرآة، هذه البلورة ~~المسحورة. # جحا ~~: # وقد ترى فيها شياطين مردة بذيول وقرون في جباهها ونيران ~~تخرج من عيونها وأفواهها أنوافها. # تيمور ~~: # لنترك هذه الشياطين يا جحا، لنر القصور المسحورة ~~والعذارى. # جحا ~~: # قد ترى وجها لم تره من سنين وسنين، وجه أبيك أو أمك أو ~~معلمك أو حبيبتك. # تيمور ~~: # شيء غريب يا جحا، وماذا أيضا؟ # جحا ~~: # وقد ترى شيئا تضحك له، تضحك كما لم تضحك في حياتك ~~أبدا. # تيمور ~~(مقاطعا) ~~: # هذا ما أريده يا جحا، هذا ما أتوسل إليك أن تحققه لي، ~~لهذا أرسلت فرساني يبحثون عنك ثلاثة أيام وليالي، أرجوك يا ~~جحا، أتوسل إليك، أريد أن أضحك ... أضحك من قلبي كما لم أضحك ~~في حياتي ... أريد أن أنسى حزني وعبوسي وصمتي، أرجوك يا ~~جحا. # جحا ~~: # ما دمت ترجوني فلا مانع، هيا تعال هنا. # تيمور ~~(طائعا) ~~: # أين يا جحا؟ أين البئر؟ ~~(يبحث ~~حوله.) # جحا ~~: # أية بئر يا ~~(يتدارك ~~نفسه) # يا مولانا ... انظر هنا. # تيمور ~~: # نعم ... نعم، ماذا أرى؟ أهو وجه إنسان يا جحا؟ # جحا ~~: # المسألة ليست سهلة إلى هذا الحد ~~(لنفسه) # وجه إنسان؟ أيعقل ~~أن يكون وجه إنسان؟ أيمكن أن يكون وجه إنسان؟ # تيمور ~~: # ماذا تقول يا جحا؟ # جحا ~~: # نعم، ماذا أقول؟ أولا عليك أن تسكت تماما، أن تنظر فقط ~~وتسكت، تماما كما يجلس الأطفال أمام صندوق الدنيا، هل ~~جلست؟ # تيمور ~~: # نعم يا جحا، وأنتظر أن تفسر لي ما أراه. # جحا ~~(أمرا) ~~: # قلت لك اسكت، هل ترى هذا الوجه؟ ~~(يمسك المرآة أمام وجه ~~تيمور) # انظر جيدا، هل تبصر قرنين في جبينه؟ ~~هل تلمح النار التي تخرج من عينيه وأنفه وفمه؟ # تيمور ~~: # لا يا جحا، ولكنه وجه غريب. # جحا ~~: # قلت لك: اسكت، نعم هو وجه غريب، صاحبه قوي الجسم، مفتول ~~العضل، كبير الرأس كالمجانبين، واسع العينين تظهر فيهما ~~الصرامة والقسوة والتكبر، هل ترى جبينه؟ إنه عريض، ممتلئ ~~بالتجاعيد، لا يرى أحد ماذا ms098 يدور في داخله. رأس محموم يغلي ~~كقدر الساحرة الشمطاء بالأوهام والخيالات والأحلام، أتدري ~~من صاحبه؟ قلت لك: اسكت، كان طفلا عاديا نشأ في بيت ~~عادي، بيت من الطين والأخشاب، حوله سور من الطين ذو جدران ~~أربعة، ماتت أمه وهو صغير، فحرم من عطفها، وانعزل أبوه ~~يتعبد في صومعته، فحرم من حنانه. هل تدري ماذا كان ~~يفعل؟ # تيمور ~~(لنفسه) ~~: # هذا الشارب أيمكن؟ # جحا ~~(بشدة) ~~: # قلت لك: ولا تفتح فمك. كانت تسليته الوحيدة أن يجلس على ~~سطح البيت، وينظر للفضاء البعيد، ويحلم بمدينة القوافل ~~والذهب والنساء الجميلات، المدينة التي يحدثه عنها التجار ~~والفرسان والدراويش، من هنا بدأ يعرف الوحدة، والوحدة ~~علمته الصمت، والصمت علمه العبوس، والعبوس علمه الطموح، ~~والطموح دفعه أن يمسك السلاح، والسلاح أغراه أن يهدم ويخرب ~~ويقتل، والقتل دفعه إلى المزيد من القتل، والمزيد من القتل ~~إلى المزيد منه. # تيمور ~~: # عجيب يا جحا، هل يستطيع رجل واحد أن يفعل هذا ~~كله؟ # جحا ~~: # ألم أقل لك لا تفتح فمك؟ # تيمور ~~: # جحا، أنسيت أنك تكلم ... # جحا ~~: # هش! أتريد أن تختفي الرؤية من أمامك؟ أتظن أن الإنسان ~~يمكن أن يرى مثل هذا الوجه مرتين في حياته؟ اجتمع القتلة ~~حوله من كل الأجناس والشعوب والقبائل. وكلما غزا قبيلة أو ~~أسقط قلعة أو أحرق مدينة انضم إليه المزيد من القتلة، ومضى ~~بفرسانه من بلد إلى بلد، يغلبون خصومهم في كل مكان، ~~ينتصرون على كل عدو، يقتحمون كل حصن، يفتكون بكل إنسان ~~وحيوان. # تيمور ~~: # أيمكن أن يكون هذا! # جحا ~~: # هش، قلت لك اسكت. # تيمور ~~(لنفسه) ~~: # ترى هل يكرر التاريخ نفسه؟ # جحا ~~: # أتريد أن يختفي الوجه من أمامك؟ انظر ... ألا ترى العين ~~تزداد حزنا والشعر شيبا، والجبين يمتلئ ~~بالتجاعيد؟! # تيمور ~~: # ماذا كان يريد صاحبنا؟ # جحا ~~: # ماذا يريد؟ أن يفتح العالم كله، أن يقف فوق الأرض ويقول: ~~هل فيك شبر لم تمش عليه أقدام خيولي وفرساني؟ أن يحرق كل ~~مدينة ويمعن السيف والسلب والنهب في كل شيء، هل تعلم ماذا ~~فعل في مدينة حلب؟ # تيمور ~~: # وهل ذهب إلى ms099 هناك أيضا؟ # جحا ~~: # أتريد أن يغضب منك ويختفي؟ # تيمور ~~: # لا ... لا، إنه وجه غريب حقا، تكلم يا جحا. # جحا ~~: # ترك جنوده يقتلون ويحرقون وينهبون كما يشاءون، حتى صار ~~الإنسان لا يكاد يقع إلا على جثة إنسان، هل تذكر شكل ~~المآذن؟ هل سمعت بأهرام فرعون؟ يقولون إنه بني من رءوس ~~القتلى عشرة مآذن وثلاثة أهرامات، عشرون ألف طفل وشيخ ~~وامرأة وشاب ماتوا تحت أرجل الخيل أو بسيوف ~~الفرسان. # تيمور ~~: # يخيل إلي يا جحا. # جحا ~~: # لا تتخيل شيئا، قلت: انظر وأنت ساكت. هل تعلم ما ~~يقوله الناس عما فعله في دمشق؟ # تيمور ~~: # وهل دخل دمشق أيضا؟ # جحا ~~: # وهل بقيت هنالك مدينة لم يدخلها؟ يقول العجائز إنه أمر ~~رجاله باقتحام المدينة وسيوفهم مشهورة في أيديهم، نهبوا ما ~~قدروا عليه وسبوا النساء جميعا، وساقوا الرجال والأولاد ~~بعد أن ربطوهم في الحبال، وأشعلوا النار في المنازل ~~والمساجد، حتى صار اللهيب يناطح السحاب، وعصفت المدينة ~~مثل جهنم، أتعرف بماذا كان يتسلى وهو يرى هذا كله؟ # تيمور ~~: # يتسلى؟ هل وجد الوقت لهذا أيضا؟ # جحا ~~: # بالطبع، إنها تسلية قديمة. # تيمور ~~: # وماذا كان يفعل يا جحا؟ # جحا ~~: # كان يلعب الشطرنج. # تيمور ~~: # الشطرنج؟ هل أنت متأكد يا جحا؟ # جحا ~~: # وهل تعلم أيضا ماذا كان يقول لأتباعه وهو يرى النار ~~تأكل الأخضر واليابس، وتأتي على الحي والميت؟ # تيمور ~~: # إلهي، ماذا كان يقول؟ # جحا ~~: # إن طريقي هو طريق القدر، كل ما فعلته كان مقدرا. # تيمور ~~: # نفس الكلام يا جحا، نفس الكلام. # جحا ~~: # قلت لك: اسكت حتى لا يختفي في البئر. # تيمور ~~: # يخيل إلي أنه وجه عجيب يا جحا. # جحا ~~: # بل وجه مضحك يا مولاي، ألا تحس بالرغبة في الضحك وأنت ~~تراه؟ ألا تريد أن تضحك؟ ~~(يضحك ~~بشدة) # أليس من المضحك أن يحاول الإنسان أن ~~يكون قدرا، أن يصبح شيطانا، أن ينوب عن الموت؟ تصور يا ~~مولاي ماذا كنت تفعل لو قالوا لك إن صاحب هذا الوجه هو ~~الموت نفسه؟ ~~(يبعد ~~المرآة.) # تيمور ~~(مفكرا، يذرع المكان جيئة ~~وذهابا) ~~: # جحا ... هل نظرت مرة في ms100 هذه المرآة؟ # جحا ~~: # نعم يا مولاي، كلما اشتقت إلى رؤية حماري. # تيمور ~~: # جحا، هل خدعتني يا جحا؟ # جحا ~~: # خدعتك؟ حاشاي أن أفعل يا مولاي، وهل غاب عني أنك ~~... # تيمور ~~: # لماذا سكت؟ أكمل عبارتك ... أنني السفاح الأكبر. الرجل ~~الذي أصبح هو القدر والشيطان والموت. # جحا ~~: # وهل جننت يا مولاي حتى أفعل هذا؟ إنها المرآة البلورة ~~المسحورة. # تيمور ~~: # أريد أن أعرف هذا الاختراع، والويل لك إن اكتشفت أنك ~~كنت تضحك علي. # جحا ~~: # خوفي يمنعني أن أفعل هذا يا مولاي، حتى الحمار ~~نفسه. ~~(يدخل القائد بينما يشير جحا مصادفة في ~~اتجاهه، تيمور يغالب الضحك، ولكنه يتماسك بينما يقول ~~القائد): # القائد ~~: # الفرسان سئموا الانتظار يا مولاي، وسيوفهم تشتاق. # تيمور ~~(ناظرا إلى جحا) ~~: # إلى رءوس سكان آق شهر، أليس كذلك؟ ~~(جحا لا يرد.) # القائد ~~: # ولأي شيء يشتاقون غير الرءوس يا مولاي؟ # تيمور ~~: # ولن ينسوا الحمير أيضا، أليس كذلك؟ # جحا ~~: # إلا الحمير يا مولاي، أتوسل إليك، بحق حماري المسكين، ~~أرجوك، أقبل قدميك. # تيمور ~~: # هيا أيها القائد ~~(يغالب ~~الضحك)، # ولنجرب مذبحة الحمير لأول مرة ~~(يخرج مع القائد، بينما يقف ~~جحا وحده حائرا) ~~. # جحا ~~(لنفسه) ~~: # أهكذا تفشل يا جحا؟ هل انكشفت لعبتك بهذه السهولة؟ ومن ~~الذي كشفها؟ هذا السفاح الغبي الغليظ؟ أين حكمتك وذكاؤك؟ ~~أين عبطك وخبثك؟ أتضحك على ذقون العلماء والمشايخ ~~والفرسان والتجار ويفلت منك هذا الجلف المتكبر؟ ماذا ~~يكون مصيرك الآن؟ ماذا يكون مصير آق شهر؟ أهلك وأولادك ~~وجيرانك وزوجتك الحمقاء وحمارك الطيب العجوز، أيكون عبطك ~~هو السبب أم ... أم هذه المرآة اللعينة؟ أكنت تحسب أن هذا ~~التتري المتوحش الذي غزا نصف العالم سيعجز عن معرفة ~~وجهه؟ ويلي ... ويلي، ويلك أيتها المرآة الملعونة، يا من ~~تزيدين النساء غرورا والملوك ظلما والمجانين جنونا. هل ~~يصعب عليك أن تضحكيهم على أنفسهم؟ ولماذا أضحك أنا على ~~نفسي كلما نظرت فيك؟ أأنا أكثر منهم حكمة أم أكثر منهم ~~غباء؟ أف، تعالي ~~(يكسرها بقوة ~~على الأرض فتتناثر قطعا صغيرة في كل مكان، يحاول أن ~~يبكي فيختلط ضحكه وبكاؤه ... يدخل ~~تيمور) ~~. # تيمور ms101 ~~: # جحا ... جحا، ها أنا قد جئت، أين المرآة؟ هاتها ليرى ~~الفرسان فيها أنفسهم، نعم نعم كما رأيت نفسي. أيها الأحمق، ~~ماذا فعلت؟ أيمكن أن يكسر الإنسان بلورة مسحورة؟ ~~(ينحني على الأرض، ويجمع القطع ~~المتناثرة، يأخذ قطعة منها وينظر فيها ثم ... ~~يضحك.) # جحا ~~: # لماذا تضحك يا مولاي؟ # تيمور ~~: # لماذا أضحك؟ وكيف لا أضحك يا جحا وأنا أرى هذا الوجه ~~لأول مرة؟ # جحا ~~: # مولاي. # تيمور ~~: # اسكت يا جحا، هل أطلب منك شيئا ... شيئا واحد؟ # جحا ~~: # بالطبع يا مولاي، ما دمت أنتظر بين لحظة وأخرى. # تيمور ~~: # أف، ألم أقل لك لا تخف؟ اسمع ... أريد أن تصبح نديمي مدى ~~الحياة. # جحا ~~(مذعورا) ~~: # أنا يا مولاي؟ # تيمور ~~: # نعم أنت، لكي أنسى وجهي كلما نظرت في وجهك، لكي أستطيع ~~... ~~(جحا ينفجر باكيا.) # تيمور ~~: # لماذا تبكي يا جحا؟ ألا يرضيك أن تكون رفيقي ونديمي؟ ألا ~~يشرفك أن تكون بجوار أشجع رجل وأقوى رجل ~~(يزداد بكاء جحا) # تكلم يا ~~جحا، تكلم. # جحا ~~: # ارحمني يا مولاي. # تيمور ~~: # إنني لا أفهمك. # جحا ~~: # لقد رأيت وجهك مرة واحد، فماذا أفعل أنا لو رأيته كل ~~يوم ~~(تيمور ينظر في وجهه، ثم ~~يضحك) ~~. # تيمور ~~: # جحا ... جحا، أيها المغفل، أيها الأحمق، أيها الحكيم ~~(ينظر في وجهه ~~ويضحك) ~~. # أتدري ماذا خطر لي الآن؟ وجهك أيضا مرآة، الآن عرفت ~~لماذا يضحك الناس عندما ينظرون فيه، أتعرف كيف اكتشفت ~~لعبتك؟ من شاربي، تذكرت فجأة أن السفاح الذي تكلمت ~~عنه لا يمكن أن يكون غيري، تسألني لماذا؟ لأنه لا يمكن أن ~~يجتمع سفاحان بشارب من نوع واحد، شارب تترا نحيل مبروم ~~إلى أسفل، ومنسدل تحت الذقن، شاربي الذي طالما شددت ~~شعراته وأنا مطرق صامت أفكر في كل مذبحة قادمة. ها ها ~~(يضحك يدخل القائد ~~فيلمحه) # اذهب أيها القائد، قل للفرسان أن ~~تيمور سيخيب ظنكم لأول مرة في حياته. من يأمركم بالحرق ~~ولا بالموت ولا بالتدمير، قل لهم إن السفاح الأكبر يضحك، ~~يضحك لأول مرة على نفسه، يضحك لأول مرة من قلبه، أليس كذلك ~~يا جحا ~~(يعانقه ويقبله ويكتشف ms102 ~~أنه يبكي ويتشنج) # لماذا تبكي أيها ~~الأحمق؟ # ألم أقل إنني أضحك على نفسي؟ ألم تعلمني المرآة هذا؟ ~~لم تخاف إذن على نفسك؟ على أهل بلدتك؟ آه، هيا يا جحا ... ~~اضحك ... اضحك ... اضحك، هل أعلمك كيف تضحك أنت أيضا على ~~نفسك؟ خذ. هذه قطعة من المرآة ترى فيها أنفك الطويل، ورأسك ~~الغبي، وفمك المضحك، هيا اضحك ... اضحك ~~(جحا يضحك) ~~. # جحا ~~: # ألم تذهب أيها القائد؟ خذ، هذه قطعة من المرآة، وهذه ~~قطعة أخرى. وهذه ... أعط كل فارس مرآة، قل لهم إن تيمور نظر ~~فيها فضحك، أليس كذلك يا جحا؟ ضحك لأول مرة في حياته، قل ~~لهم من يضحك على نفسه لا يقتل غيره، أتخشى أن يمسك كل منهم ~~في يده مرآة، فيتعلموا الضحك وينسوا الحرب؟ أليس هذا أيضا ~~شيئا مضحكا؟ اضحك أيها القائد، اضحك ... اضحك على نفسك كما ~~يفعل تيمور لنك، لا، ليس هكذا، ضحكا أقوى ... أشد ... أعلى ~~نبرة ... أعلى ... أعلى ... أعلى. ~~(القائد يقف متسمرا في مكانه، يفتح فمه من ~~الدهشة، ثم لا يلبث أن يشاركهما ضحكهما الذي يرتفع شيئا فشيئا ~~قبل أن يسدل الستار.) # 1968م # | الجراد # مهداة إلى الدكتور نعيم عطية. # الشخصيات # الرجل. # المرأة. # المسرحية مستوحاة من قصة «الخادمان» للكاتب اليوناني القبرصي ~~الأصل نيقوس نيقولائيدس الذي عاش ومات في مصر سنة 1956م. كنت قد ~~قرأتها مع مجموعة من القصص التي اختارها الدكتور نعيم عطية من ~~الأدب اليوناني الحديث، وصدرت حوالي سنة 1969م عن دار الكاتب ~~العربي بالقاهرة (من صفحة 48 إلى صفحة 61). عاشت القصة في نفسي ~~سنوات طويلة، وجرى عليها ما يجري على كل حي من تغير وتحول قبل ~~كتابتها على هذه الصورة. ويطيب لي أن أهديها إلى الصديق الكريم ~~تعبيرا عما أكنه له من الحب والعرفان. ~~(المشهد يتألف من منظرين، المطبخ الكبير على ~~اليمين، تبدو الأرفف ومساند الأطباق، ومنضدة عليها مفرش ومطفأة ~~سجائر، وبجوارها كرسيان من أعواد القش، النافذة إلى اليمين تفتح ~~على الحديقة، وتظهر منها أعالي الشجر والسور الحديدي ... إلى اليسار ~~ممشى طويل، في أوله باب يفتح بعد قليل على ms103 غرفة الاستقبال في ~~البيت الكبير الذي يحرسه الخادمان العجوزان منذ سنين، المرأة بدينة ~~قصيرة، ترتب الأواني وتنظف المكان بفرشاة طويلة في يدها. ~~والرجل نحيل ضئيل الجسم والوجه، حركاته تنم عن ضعف بصر ~~شديد.) # المرأة ~~(وهي تنظف وتتمتم لنفسها) ~~: # صباح الخير يا سيدتي، صباح الخير يا سيدي ~~(تنحني باحترام) # يوم سعيد. ~~يوم أسعد، ألا زال الصغير نائما؟ أحلام سعيدة يا سيدي. ~~يوم سعيد يا حبيبي، ولترعك عين الله وعيون الملائكة. ~~القهوة؟ في الحال. الماء على النار، والفحم في المدفأة، ~~والغرفة مرتبة ودافئة ككل يوم، ككل مساء. النافذة ~~سأفتحها ليدخل النور، وفي الليل أوقد الثريات والمصابيح. ~~نعم يا سيدي، أمرك يا سيدتي ~~(تتثاءب) # آه! أين غاب عقلي؟ ~~(تتلفت حولها، تخطو خطوات وتنظر في ~~الممر) # كل صباح أكلم نفسي، أكلم سادتي، كأنهم ~~أمامي، كأني أرى وجوههم وأسمع وقع أقدامهم، لكنهم غائبون ~~منذ سنين، غائبون منذ متى يا رب؟ نعم نعم، منذ ظهر الجراد، ~~فتح فاه وافترسهم. أكل الخضرة وتركنا وحدنا. آه! منذ كم ~~سنة؟ وكيف أعرف؟ زوجي هو الذي يحسب ويقرأ؟ سأسأله الآن. ~~العجوز النكد! لا بد أنه يخفي عني سرا. لا بد أنه ~~يعرف ولا يقول، ثم إنه لم يعد يصلح لشيء ... آه يا ربي! ~~سنوات مع هذا الرجل المتعب. لا عقل في دماغه حتى بصره. ~~أوشك أن يصبح أعمى ~~(تنادي) # أين أنت؟ هيه! أين أنت؟ تتركني ~~أعمل وتختفي. هيه، لا بد أنه انطرش أيضا. ~~(تنحني على الأرض، وتجمع أعواد ~~الكبريت وأعقاب السجائر) # الكلاب والقطط ~~يقوم سلوكها. أما هو فيظن أن المطفأة موضوعة ~~للزينة. # الرجل ~~(يدخل حاملا في يده الجاروف، وخرطوم ~~الماء وجردلا ومكنسة، يتنهد) ~~: # هيه، لا زلت نائمة؟ # المرأة ~~: # نائمة؟ أنا أم أنت؟ # الرجل ~~: # عجوز بلهاء، ألا ترين ما في يدي؟ # المرأة ~~: # عجوز نكد، وهل ترى أنت؟ # الرجل ~~: # هل ينام من روى الشجر والزرع ومسح السور من التراب، ~~ونظف السلم والمدخل؟ كان شخيرك يقلق الجيران. # المرأة ~~: # وأنت الذي يرتفع شخيرك طول الليل كثور يلفظ ~~أنفاسه. # الرجل ~~: # وتسللت من جانبك وأنا أقول ms104: عجوز لا نفع فيها، ونزلت ~~إلى الحديقة، وأتممت كل شيء. آه من هذا الغبار، كل يوم ... ~~كل يوم ... تعبت ... تعبت. # المرأة ~~: # المتعب هو أنت، أصبحت تتكاسل عن أداء الواجب. # الرجل ~~: # أنا أم أنت؟ يا إلهي! # الأرضية وغسل المفارش؟ من جمع أعقاب السجائر التي ترميها ~~على الأرض. كأن سادتنا لن يرجعوا أبدا. # المرأة ~~: # ومن الذي نظف الأواني والأطباق؟ من رتب الصحون ~~وكنس؟ # الرجل ~~: # سادتنا؟ نعم ... نعم ~~(ينحني ~~باحترام) ~~. # المرأة ~~: # سيرجعون ويحاسبونك، قلبي يقول لي ... # الرجل ~~: # تتكلمين عنهم كأنهم ذهبوا إلى الأبد، ألا تشعرين أن ~~أنفاسهم تدفئ البيت؟ # المرأة ~~: # نعم ... أنفاسهم حاضرة معنا، هذه أصدق كلمة قلتها يا زوجتي ~~منذ سنين، منذ متى يا زوجي؟ # الرجل ~~(يجلس على كرسي ويضع حمله بجوار ~~الحائط) ~~: # منذ سنين ~~(يتنهد) ~~. # المرأة ~~: # أنت تقرأ وتعرف الحساب، من كم سنة غابوا؟ # الرجل ~~: # قلت لك لم يغيبوا، أنفاسهم تدفئنا، أرواحهم حاضرة معنا، ~~أتوقع كل لحظة أن يظهر سيدي بالباب. # المرأة ~~(تنهض وتنحني) ~~: # أوامرك يا سيدي. # الرجل ~~: # أو أسمع خطوات سيدتي. # المرأة ~~(تنهض وتنحني) ~~: # السمع والطاعة يا سيدتي. # الرجل ~~: # والخطاب الأخير يؤكد أنهم سيعودون. # المرأة ~~(في حزن) ~~: # مضت عليه سنين. # الرجل ~~: # سنين؟ أين ذهب عقلك؟ لم تمض إلا شهور. # المرأة ~~: # لتكن أخبارهم طيبة يا إلهي. # الرجل ~~: # أف لك ولذاكرتك الخربة كالغربال، أنسيت ما قالوه؟ # المرأة ~~: # ما قالوه؟ # الرجل ~~: # يا أعزائي، الشتاء عندكم قاتل وطويل، وابننا العزيز ~~... # المرأة ~~: # يحفظه الله ويرعاه. # الرجل ~~: # صحته لا تحتمله، وعندما يمر ... # المرأة ~~: # وجاء شتاء آخر ... شتاء قارس ... شتاء ... ~~(تسمع دقات الجرس، تنهض العجوز مذعورة وهي ~~تنظر في رعب إلى النافذة الكبيرة المفتوحة، تبدو لها أقنعة ~~مخيفة على هيئة الجراد، يذهب قناع ويأتي قناع، العجوز ترى ~~الوجوه المقنعة كالأشباح، ولا يستطيع زوجها أن يراها، وربما ~~كان يحس بها من كلام زوجته أو يعرفها من زمن قديم. المرأة ~~تجري نحو النافذة الزجاجية من حين إلى آخر، ثم تندفع في ~~النهاية وتسدل عليها ستارة ثقيلة.) # المرأة ~~: # أرأيت؟ ~~(يسمع دق ~~الجرس.) # الرجل ~~: # أسمعت؟ # المرأة ~~(ساهمة شاردة) ~~: # رجعوا ... # الرجل ~~: # لا ms105 بد أنه ساعي البريد. # المرأة ~~: # انظر إليهم ... انظر . # الرجل ~~(لا يرى شيئا) ~~: # من تظنين؟ أيمكن أن يرجعوا هكذا بغير أن يخبرونا؟ لا ... ~~لا، ربما أرسلوا إلينا. # المرأة ~~(مذعورة) ~~: # نفس الوجوه ... الوجوه الصفراء اللعينة، والعيون ... لا ليست ~~عيونا، قوارض وأنياب وأسنان تتدلى كالحراب، رجعوا يا ~~زوجي. # الرجل ~~(متعجبا يتابع كلامه) ~~: # قلت لك لا يمكن أن يرجعوا الآن. الشتاء عندنا. # المرأة ~~: # الشتاء قارس طويل، كيف يزحفون علينا في الشتاء؟ ألم ~~ترهم في الحديقة؟ ألم تر عيونهم تلمع وسط الأشجار ~~والأزهار؟ انظر ... انظر. # الرجل ~~(يدق جرس الباب) ~~: # أنظر أم أسمع ... ألا تسمعين أنت؟ ألا تفتحين الباب ~~يا امرأة، أصبحت في آخر العمر صماء. # المرأة ~~: # وأنت أصبحت أعمى، إنهم هم ... اذهبوا ... اذهبوا. # الرجل ~~: # لا فائدة منك، لا بد أن أذهب أنا، سأفتح ... سأفتح الباب ~~(يدق الجرس) # اصبر ~~قليلا، حتى الصبر اختفى من هذه الدنيا ... حتى الصبر ~~(ينصرف) ~~. # المرأة ~~: # لماذا رجعتم الآن؟ إنهم لم يرجعوا لبيتهم، نحن وحدنا ... ~~عجوزان مريضان ... عجوزان مسكينان ... اذهبوا ... دعونا في حالنا ~~... اذهبوا ... اذهبوا ~~(تندفع إلى ~~النافذة. الأقنعة المخيفة تتراقص أمام النافذة، وتلعب ~~لعبة الأشباح. المرأة تسدل الستار البنية القائمة ~~بعنف، ثم تلقي بنفسها على أقرب كرسي وصدرها يهتز ~~بشدة) ~~. # المرأة ~~: # رحمتك يا رب، ما الذي ذكرهم بنا؟ لماذا رجعوا بعد كل ~~هذه السنين؟ ماذا يريدون منا؟ هل بقي في البيت أحد؟ ~~(تلتفت وراءها وتخاطبهم ~~صارخة) # تركوا لكم البيت وذهبوا، غابوا عنه ~~سنين ولم تغيبوا، ماذا تريدون منهم؟ ماذا تريدون منا؟ ما ~~نحن إلا خادمان عجوزان، نرتب البيت ونحافظ عليه. # الرجل ~~(يرجع مسرعا وكأنه يرقص) ~~: # ألم أقل لك؟ # المرأة ~~(مستمرة) ~~: # نعم نحافظ عليه، سنصونه ونحافظ عليه كما فعلنا طول ~~العمر، حتى آخر نفس في وفي عجوزي الأحمق. # الرجل ~~(ضاحكا) ~~: # أحمق؟ بل أنت الحمقاء ولا تدرين ما هذا؟ # المرأة ~~(تنتبه إليه وتخاطبه) ~~: # لماذا رجعوا اليوم؟ هل تعرف السر في هذا اللغز؟ # الرجل ~~: # كما تقولين تماما، إنه سر ... لغز. # المرأة ~~: # وماذا يريدون منا؟ ماذا يريدون من سادتنا؟ ما ~~السر؟ # الرجل ~~: # إنه سر يا ms106 زوجتي العزيزة. # المرأة ~~(غاضبة) ~~: # طبعا سر. # الرجل ~~: # لا يكفي أن تسميه سرا أو لغزا، سميه المصادفة أو ~~الحظ الطيب، أو ... ولكنه في الحقيقة سر. # المرأة ~~: # وإذا رجعوا مرة أخرى. # الرجل ~~: # قلت لك لم يرجعوا ... كيف يرجعون بلا خبر؟ هل يظهرون على ~~الباب هكذا فجأة؟ ألم تسمعي أن زمان المعجزات فات؟ ولكن ~~... # المرأة ~~: # ولكنك عجوز نكد، لا تفهم ولا ترى. # الرجل ~~: # وأنت لا ترين ما في يدي. # المرأة ~~: # إنك تطبقها كمحارة، وماذا أرى فيها؟ # الرجل ~~: # السر يا امرأة ... اللغز، لا ... كلام فارغ، الحظ الطيب ... ~~كلام فارغ أيضا، المعجزة نعم المعجزة. # المرأة ~~: # بدأت تخرف. # الرجل ~~: # هذا ما تقولينه دائما، عجوز مخرف، وهل هذا تخريف؟ ~~(يفتح يده.) # المرأة ~~: # ما هذا؟ لا أرى شيئا. # الرجل ~~: # لا ترين ولا تسمعين، وتتهمينني بأنني أعمى ~~وأصم. # المرأة ~~: # وأعمى من العميان، استغثت بك فلم تنظر ولم ~~تسمع. # الرجل ~~: # وإذا لم أكن قد سمعت الجرس، فمن الذي فتح ~~البوابة؟ # المرأة ~~: # الجرس؟ هل دق اليوم؟ # الرجل ~~: # وأصم من الصم، وهذا الخطاب؟ # المرأة ~~: # خطاب من أين؟ متى؟ # الرجل ~~: # نعم خطاب، وأنت لا ترين ولا تسمعين. # المرأة ~~: # كف عن ثرثرتك، هيا اقرأه علي ~~(تقف باحترام وتنحني لسادتها) ~~. # الرجل ~~: # وكيف يقرأ الأعمى؟ # المرأة ~~: # قلت كفى ثرثرة، هيا اقرأ أخبار سادتنا. # الرجل ~~: # وهذه الستارة، لماذا أرخيتها؟ إنني لا أرى ~~شيئا. # المرأة ~~: # أف لك، هيا أثبت لي أنك لم تصبح أعمى ~~(تضع المصباح أمامه على ~~المنضدة) ~~. # الرجل ~~(ضاحكا) ~~: # نسيت أن توصلي النور ~~(تصل ~~السلك بمفتاح الكهرباء) # ونسيت ... # المرأة ~~: # ماذا أيضا؟ التبغ أمامك. # الرجل ~~: # والمنفضة أيضا، سأضع فيها الأعواد وأعقاب ~~السجائر. # المرأة ~~: # ضعها حيثما شئت، فلا فائدة فيك، المهم أن نطمئن على ~~سادتنا. # الرجل ~~(يفض غلاف الخطاب ويبدأ في ~~القراءة) ~~: # أخبار طيبة. # المرأة ~~: # حمدا لك يا رب. # الرجل ~~: # عجوزاي العزيزان! هذا خط السيد ... # المرأة ~~(تقف احتراما بينما يقلد زوجها صوت ~~السيد ونبرته) ~~: # نعم يا سيدي. # الرجل ~~: # نرجو أن تكونا بخير، وأن تكون صحتكما ... # المرأة ~~: # نحن عجوزان مريضان، المهم أن تكونوا أنتم بخير. # الرجل ~~: # اشتقنا لرؤية وجهيكما ms107، والحياة في بيتنا الكبير. # المرأة ~~: # والبيت الكبير يشتاق إليكم، متى يا رب ترجعون؟ # الرجل ~~: # ألا تكفين عن مقاطعتي؟ ~~(يشعل ~~سيجارة وينفخ الدخان في وجهها.) # المرأة ~~: # قل له نحن بخير ما داموا في خير، والبيت ... # الرجل ~~: # أقول له؟ سمعت يا سيدي؟ # المرأة ~~: # والبيت في خير، نصونه كالعهد بنا منذ دخلناه. # الرجل ~~: # وتزوجنا فيه، وأدركتنا الشيخوخة والصمم والحمق بين ~~جدرانه. # المرأة ~~: # قل له لا زالت الكلاب الطيبة تحرسه وتحميه، في كل يوم ~~نرتبه وننظفه ونطمئن على كل شيء في مكانه، السجاد النفيس ~~بين أيدي حراس لا يغفلون ... والأواني والثريات والمصابيح ~~والصور والتماثيل الصغيرة مغطاة كما تركتها ولم تمسها يد ~~غريبة، وشجرة الليمون. # الرجل ~~: # أف لك، أتظنين أنه يسمعك أو يراك، دعيني أكمل. # المرأة ~~: # أكمل أكمل، لن تتغير أبدا، دائما تسبح عكس ~~التيار. # الرجل ~~: # وأنت تقلبين القارب بما فيه ومن فيه! # المرأة ~~: # هيا واخفض صوتك، أتريد أن توقظ سيدنا الصغير ... # الرجل ~~: # سيدنا الصغير؟ # المرأة ~~: # يا رب اشفه ولا تحرمنا منه. # الرجل ~~: # لو صبرت قليلا ~~(يقرأ) # إنه الآن في دور النقاهة. # المرأة ~~: # شكرا لك يا رب، أكمل أكمل ... # الرجل ~~: # هو الآن بخير، والخطر زال عنه. # المرأة ~~: # آمين ... آمين. # الرجل ~~(يواصل القراءة) ~~: # لم يرد الله أن يتركنا بلا أولاد، حمدا له. # المرأة ~~: # حمدا لك يا رب. # الرجل ~~: # ولكن الشتاء عندكم. # المرأة ~~: # بارد وشديد. # الرجل ~~: # اصبري، إنه لا يقول بارد وشديد. # المرأة ~~: # صبرت ... وماذا يقول؟ أليس باردا على كل حال؟ # الرجل ~~: # ولأن الشتاء عندكم أقسى مما هو عندنا، عجيب عجيب. هل ~~يمكن أن يكون أشد بردا؟ # المرأة ~~: # أو أشد ظلاما. # الرجل ~~: # حقا ... كان كذلك يوم رحلوا عنا فجأة. # المرأة ~~: # وقبل رحيلهم أيضا. # الرجل ~~: # واستمر على قسوته كل هذه السنين، ولأن الشتاء عندكم ... ~~آه قرأت هذا من قبل، فسوف نتغيب عن بيتنا. # المرأة ~~: # ألم يكتب متى يرجعون؟ # الرجل ~~: # انتظري، سوف نتغيب سنة أخرى، أو ربما أكثر من سنة، لا بد ~~أن نحارب الموت حتى النهاية. # المرأة ~~: # نعم لا بد، الموت والجراد ... # الرجل ~~: # الموت والشتاء، ليتهم كانوا معنا ms108. # المرأة ~~: # وليتنا معهم ~~(صمت. بعد ~~فترة) # أكمل أكمل . # الرجل ~~(سارحا) ~~: # ماذا أكمل؟ انتهى كلام السيد. # المرأة ~~: # وسيدتي، ألم تقل شيئا؟ # الرجل ~~: # انتظري، نعم ... نعم، بقيت سطور صغيرة بخط يدها. # المرأة ~~: # لا بد أنها موجهة لي. # الرجل ~~: # صدقت، إنها لك ... عجوزي العزيزة. # المرأة ~~(تقف باحترام وتشبك يديها على ~~صدرها) ~~: # أعزك المولى يا سيدتي. # الرجل ~~: # عرفت من الصحف أن الشتاء عندكم هذا العام. # المرأة ~~(مقاطعة) ~~: # الشتاء والبرد والظلام والجراد. # الرجل ~~(مستمرا) ~~: # هذا العام كان أشد، مع ذلك أرجو أن تكون مدفأتنا في غرفة ~~الاستقبال الصغيرة على ما يرام، وأن تبعث الدفء في ~~أوصالك. # المرأة ~~: # سمعت؟ إنها تذكرني أيضا، طيبة وحنون. # الرجل ~~(مستمرا) ~~: # إن شالي الأسود بالنقاط البنفسجية يصلح لك، ضعيه على ~~كتفيك، إنه من الصوف الخالص وسيدفئك. # المرأة ~~: # يا لسيدتي الحبيبة الغالية! # الرجل ~~: # ماذا تنتظرين؟ إنها ... # المرأة ~~: # يا إلهي ~~(تفكر) ~~. # الرجل ~~: # تنقصنا الثقة بالنفس، هذا ما يجب الاعتراف به. # المرأة ~~: # أتريد أن نفتحها؟ إنها مغلقة منذ رحلوا. # الرجل ~~: # خفنا أن نلمس مفروشاتها فتركناها مغلقة، لم نجدد ~~الهواء، ولم نترك ضوء الشمس يدخل إليها. # المرأة ~~: # هل يمكن أن نفتحها بغير أمرهم؟ # الرجل ~~: # أليس هذا أمرا؟ أليس من الواجب أن نفتحها لنرى ~~حالها؟ # المرأة ~~: # أأنت جاد؟ # الرجل ~~: # بالطبع، سترين التراب الذي تراكم فوق الأرائك والكراسي ~~والستائر، سترين العناكب. # المرأة ~~: # ليحفظنا الله. # الرجل ~~(وهو ينهض) ~~: # قولي ليغفر لنا الله تقصيرنا. # المرأة ~~: # لقد حافظنا على كل شيء وتركناه على حاله، أتسمي هذا ~~تقصيرا؟ # الرجل ~~: # بالطبع يا امرأة، هيا ... هيا ... إلى العمل. ~~(يفتحان غرفة الاستقبال، يصر الباب وتثور ~~زوبعة من الغبار، يدخلان الغرفة، ويفتحان النوافذ على اتساعها، ~~يقبلان على العمل في صمت ونشاط ولا يكاد أحدهما ينطق بكلمة ~~إلا لكي ينبه الآخر إلى ترتيب شيء، أو يأمره بتنظيف آنية أو ~~تحفة صغيرة أو صورة من التراب العالق بها، الرجل يحمل السجاجيد ~~إلى الخارج، ويكنسها وينظفها ويعود بها ليسويها في مكانها، ~~والمرأة تزيح الأغطية عن الثريا والمرآة واللوحات التي تصور ~~الطبيعة الصامتة، وتنفض الورق عن الشمعدانات وتنفخ الغبار ms109 ~~المتراكم عليها، وبعد أن ترتب الغرفة تماما كما كانت على عهد ~~سادتهما يتنهدان وينظران إلى بعضهما.) # الرجل ~~: # الحمد لله. # المرأة ~~: # الحمد لله. # الرجل ~~: # كان يمكن أن تتسرب المياه من المدخنة إلى المدفأة، ~~فتسبب تلفا جسيما ~~(يجلس على ~~المقعد الذي كان يجلس عليه سيده ويقربه من المدفأة. ~~يضع علبة التبغ كما يضع المنفضة على المنضدة الصغيرة ~~بجواره) ~~. # المرأة ~~: # وكان يمكن أن تعشش العناكب على السقف والحائط ~~والنجف ... # الرجل ~~: # حمدا لله. # المرأة ~~: # حمدا لله ~~(تفتح دولاب سيدتها ~~وتخرج منه الشال الأسود وتضعه على كتفيها، تجلس على ~~مقعد جلدي في مواجهة زوجها وترتب علبة البن والسكر على ~~المنضدة، تنهض وتملأ إناء القهوة بالماء وتضعه عليها، ~~تتذكر أنها نسيت شيئا فتذهب إلى المطبخ وتحضر السلة ~~التي تحتفظ فيها ببكرات الصوف وإبر التطريز، وتعود ~~لتجلس في مقعدها) ~~. # الرجل ~~: # لا زالت الغرفة دافئة. # المرأة ~~: # كما تركوها يوم رحيلهم. # الرجل ~~: # مع أننا لم نشعل الفحم في المدفأة. # المرأة ~~: # مع أن الشتاء قاس هذا العام. # الرجل ~~: # لن يكون قاسيا عندما يرجعون. # المرأة ~~: # فليرجعوا بسلامة الله. # الرجل ~~: # هل سنعيش لنراهم؟ # المرأة ~~: # نعيش أو لا نعيش، المهم أن يعودوا إلى بيوتهم. # الرجل ~~: # نعم ... يعودوا إلى بيتهم. # المرأة ~~: # ويجلسوا في هذه الغرفة الدافئة، على هذه المقاعد ~~المريحة. # الرجل ~~: # ويشربوا القهوة التي تعدينها ~~(يشعل سيجارة وينهض ليمشي خطوات في ~~أرض الغرفة، تتمتم العجوز كأنها تريد أن تثور غاضبة ~~عليه، ثم تنهض بدورها وتذهب إلى المطبخ لإعداد القهوة، ~~ترجع بعد قليل لتراه يقلب في الصور القديمة، وينزع ~~عنها الورق الذي غطيت به، يتجه إلى مقعده وفي يده ~~صورة رجل عجوز) ~~. # المرأة ~~: # بحق الله، ماذا تفعل؟ # الرجل ~~: # انظري، أليس هذا هو السيد؟ # المرأة ~~: # أعمى ومفسد أيضا؟ كيف تمد يدك إليها؟ ماذا يقولون ~~عنا؟ # الرجل ~~: # قولي أنت ... تحققي منها. # المرأة ~~: # أقول معذرة يا سادتنا، عفوا يا سيد ~~(تنحني باحترام) ~~. # الرجل ~~: # أليس هو بنفسه يوم دخلنا هذا البيت؟ # المرأة ~~(تمد يدها إلى الصورة) ~~: # ولا تعرفه أيضا؟ وهل كان له شارب طويل؟ هل كان الشعر ~~أبيض على ms110 رأسه، يا حسرتى على عينيك! # الرجل ~~: # إنه الجد الطيب ... الجد العجوز. # المرأة ~~: # كأنني أراه الآن أمامي، جالسا على المقعد الذي تجلس ~~عليه. # الرجل ~~: # أتذكرين كيف حيانا ورحب بنا ~~(يقلد صوت الجد) # تفضلوا ~~يا أولادي، البيت بيتكم. # المرأة ~~: # كنا غرباء بلا مأوى. # الرجل ~~: # مشردين من بلد إلى بلد. # المرأة ~~: # البيت بيتكما. # الرجل ~~(مقلدا صوت الجد) ~~: # أمانة في رقبتكما، كنز أنتما حراسه. # المرأة ~~: # وأنت تنحني باحترام وتقول: نحن في خدمتكم يا سيدي، أنا ~~وزوجتي. # الرجل ~~: # أنت وزوجتك أولادي، من يدخل بيتي لا يخرج منه إلا إلى ~~القبر. # المرأة ~~: # سنكون عند حسن ظنك يا سيدي. # الرجل ~~: # قلبي لا يكذبني، ستعيشان هنا وتربيان أبناءكما ~~وتشيخان. # المرأة ~~: # ليس لنا أولاد يا سيدي، وربما أكون أنا، أو هذا ~~الرجل. # الرجل ~~: # كنزي يكفيكما. # المرأة ~~: # كنزك؟ # الرجل ~~: # ألم أقل لكما؟ إنه كنزي من الدنيا، ضعاه في قلبكما كما ~~أضعه في قلبي. # المرأة ~~: # وظهر على وجهك الغباء وأنت تردد. # الرجل ~~(ضاحكا) ~~: # كنزك هو بيتك، سنحافظ عليه ونحرسه كالكلاب التي لا ~~تنام. سنضعه في قلوبنا وعيوننا، ويضحك الرجل على غبائي، ~~ويشير إلى صبي يصعد سلالم الحديقة، ويتجه نحونا ~~(مقلدا صوته) # هذا هو كنزي ~~... درع عزتي وأملي، سترى حبه يحفر رويدا رويدا في قلبك، ~~وفي قلب زوجتك أيضا، وستطويانه بين ضلوعكما كما يطوي ~~المنجم أغلى كنوزه، انظري إليه وهو يصعد السلم. # المرأة ~~: # وأقبل سيدي علينا، مرحا متهللا كما عرفناه دائما، سلم ~~علينا بحرارة. # الرجل ~~: # ولما ملت على يده لأقبلها سحبها وصاح: أستغفر الله يا ~~والدي. # المرأة ~~: # ورفعت يدي للسماء ودعوت: يا رب احفظه واحفظ بيته. # الرجل ~~: # وصاح بك الجد الطيب، وأنا؟ هل نسيني الله؟ # المرأة ~~: # وهتفت ... أنت الأصل، هل يرعى الله الثمرة إلا وهي على فرع ~~الشجرة؟ # الرجل ~~: # ضحك الجد العجوز، وكشف عن فمه العاري كفك السمكة. # المرأة ~~: # ضحك وهو يداعب ولده، وقال: ليت البذرة تنمو منها شجرة ... ~~ليت الشجرة تنبت ثمرة. # الرجل ~~: # وصاح الجد: بل ستعيش الشجرة، ستمد جذورها في هذا البيت ~~وتنبت ألف ثمرة وثمرة، وستمر السنون. # المرأة ~~: # ومرت ms111 السنون. # الرجل ~~: # عشرة ... عشرون؟ # المرأة ~~: # السنوات العجاف هي التي تحصى. # الرجل ~~: # تقصدين سبع سنين؟ # المرأة ~~: # أقصد ما لا يفهمه عقلك الغبي، مرت السنون كأنها يوم واحد ~~سعيد، كبر الصبي وأتم دروسه، تزوج وأضاءت سيدتي البيت ~~بنور البهجة والعقل، واستقبلنا الزوار في كل المناسبات ~~السعيدة، في أعياد الزواج وأعياد الميلاد، وانحنينا لهم ~~وأضأنا الثريات، وفتحنا هذه الحجرة المغلقة، حتى بدأت ~~سنوات القحط، حتى كان اليوم المشئوم. # الرجل ~~: # لا تذكريني به. # المرأة ~~: # يوم أن زحف الجراد. # الرجل ~~: # الجراد؟ # المرأة ~~: # الجرادة الكبيرة التي افترست سيدنا. # الرجل ~~: # آه ... تقصدين الرجل الذي كان يحمل الحقيبة ~~الكبيرة؟ # المرأة ~~: # ووضع سيدنا الصغير فيها، أنسيت يا رجل؟ # الرجل ~~: # اصبري، لا ... لم أنس، لا زلت أراه كأنه أمامي، لا زلت ~~أسمع وقع ضرباته على الباب. ~~(تسمع طرقات شديدة على الباب، الرجل ~~والمرأة يجلسان في مكانهما كأنهما مخدران أو غارقان في كابوس. ~~يدخل شبح يكتسي قناع جرادة كبيرة، ويجوس في أرجاء الغرفة ~~كالرعب الجاثم فوق الصدر، الرجل والمرأة يتابعان حركاته ~~مفتوحي الأعين والأفواه، تتحرك الجرادة، وتتكلم بصوت مبهم ~~كأنه يصدر من بوق بينما يتردد صوت الجد والابن من ~~بعيد.) # الجرادة ~~: # هذا بيت السيد؟ # الرجل ~~(في الغيبوبة) ~~: # نعم ... من أنت؟ ~~(المرأة تخفي وجهها.) # الجرادة ~~: # ناد عليه ~~(يتحرك في المكان، ~~ويقلب الأوراق والصور والكتب ويفتح الخزائن، ويلقي ~~بالأواني والأطباق والتحف على الأرض ... ~~إلخ) ~~. ~~(الرجل يتبعه كالظل العاجز.) # الجرادة ~~: # لا شأن لك، قلت ناده. # ص. السيد ~~: # ها أنا ذا. # الجرادة ~~: # كنت تتوقع مجيئي؟ # ص. السيد ~~: # وحقيبتي جاهزة. # ص. الجد ~~(من بعيد) ~~: # من؟ من أيها العجوز؟ # الرجل ~~: # لا شيء يا أبي، لا شيء. # الجرادة ~~: # ستشرفنا هناك. # ص. السيد ~~: # على أتم استعداد. # الجرادة ~~: # تعجبني شجاعتك، الاعتراف أولى ~~(يتجول في المكان، ويراقب كل شيء، ويقلب في كل ~~شيء) ~~. # ص. السيد ~~: # هل أصبح الدفاع عن الحرية جريمة؟ # الجرادة ~~: # هذا ما يكشف عنه التحقيق. # ص. الجد ~~: # من يا بني؟ # ص. السيد ~~: # لا شيء يا أبي، اطمئن. # ص. الجد ~~: # ما هذه الضجة؟ # ص. السيد ~~: # إجراء بسيط. # الجرادة ~~: # تماما، إجراء ms112 عادي، هل أعددت حقيبتك؟ # ص. السيد ~~: # جاهزة. # الجرادة ~~: # سنأخذ هذه الكتب والأوراق. # ص. السيد ~~: # لتحقق معها أيضا؟ # الجرادة ~~: # لنتحقق منك، هيا خذوا هذه ... وهذه ... وهذه ~~(تظهر أفواج الجراد تتناول منه الكتب ~~والأوراق والملفات وتسلمها ~~لبعضها) ~~. # الرجل ~~: # لكن يا سيدي، لا يمكن ... # الجرادة ~~: # اخرس أنت. # ص. السيد ~~: # اطمئن يا والدي. ~~(للجرادة) # هل تسمح لي بتوديع زوجتي ~~وابني؟ # الجرادة ~~: # بالطبع، نحن إنسانيون جدا، أكثر مما تتصور ~~(يشير لجرادتين ~~باصطحابه) ~~. # المرأة ~~: # ماذا تريدون بسيدي؟ ماذا تريدون؟ # الجرادة ~~(وهي لا تزال تتجول في أرجاء الغرفة، ~~وتفحص كل ما يقع تحت بصرها ويدها) ~~: # ومن أنت؟ # المرأة ~~(صارخة) ~~: # بل قل من أنت؟ من أنتم؟ # الجرادة ~~(ضاحكا) ~~: # نحن الذين ترينهم. # المرأة ~~: # جراد ... جراد، أين الشرطة؟ أين الدولة؟ # الجرادة ~~: # نحن الدولة. # الرجل ~~: # اعذرها يا سيدي، إنها زوجتي، تربينا في هذا البيت ونحن ~~نحافظ على الحديقة، ونسقي الزرع ونروي الشجر. # الجرادة ~~: # ونحن نحافظ على البيت والحديقة والزرع والشجر. # الرجل ~~: # وسيدي؟ # الجرادة ~~: # اطمئن، إجراء بسيط. # ص. الجد ~~: # أيها العجوز، أريد أن أعرف من ... # الجرادة ~~: # اطمئن يا جدي، جئنا من أجلك أيضا. # الرجل ~~: # إنه عجوز مقعد. # الجرادة ~~: # قلت اطمئن، نحن نحافظ عليه وعليك وعلى هذه ... # الرجل ~~: # سامحها يا سيد، عجوز بلهاء تحب البيت وأهله. # الجرادة ~~: # ونحن نحبه أيضا، وفي سبيل الحب والحرية. # ص. السيد ~~(قادما) ~~: # في سبيل الحب والحرية. # الجرادة ~~: # هيا. # ص. السيد ~~: # هيا. # الجرادة ~~(لأفواج الجراد التي تقف على استعداد ~~وتحيط بالسيد) ~~: # هيا ~~(يخرج الجميع كما يحدث في ~~كابوس، يعود الرجل إلى كرسيه، تتثاءب العجوز ~~وتصحو) ~~. # الرجل ~~: # ومرت السنون. # المرأة ~~: # سبع سنين. # الرجل ~~: # في كل شهر أختفي مع سيدي، ونذهب إلى هناك. # المرأة ~~: # لم تقل لي أبدا إلى أين ... # الرجل ~~: # نذهب ونعود ... نذهب ونعود. # المرأة ~~: # والعجوز يسأل كل يوم. # الرجل ~~: # والعجوز يموت كل يوم. # المرأة ~~: # حتى كانت تلك الليلة. # الرجل ~~: # صرخ ونادى ... كنزي ... بيتي. # المرأة ~~: # حتى فاضت روحه على صدري. # الرجل ~~: # حتى خرج السر. # المرأة ~~: # وتحملنا الآلام. # الرجل ~~: # وبكينا لما بكت السيدة. # المرأة ~~: # على الزوج الغائب، والجد الغائب. # الرجل ~~: # وفتحنا ms113 البوابة والحجر المغلقة للمعزين. # المرأة ~~: # ولم أخلع ثياب الحداد. # الرجل ~~: # حتى رجع السيد يوما من ذات الأيام. # المرأة ~~: # فهم بغير كلام. # الرجل ~~: # عانق زوجته وابنه. # المرأة ~~: # وأتاني بملابس الحداد. # الرجل ~~: # وبكينا لما مسح الدمع عن الخدين. # المرأة ~~: # وكان الشتاء. # الرجل ~~: # وامتد شتاء بعد شتاء. # المرأة ~~: # برد وظلام. # الرجل ~~: # مرض الابن المسكين. # المرأة ~~: # ارتجف العصفور المسكين. # الرجل ~~: # لم ينفع معه طب ولا حنان. # المرأة ~~: # حتى كان صباح ... # الرجل ~~: # يوم مشئوم. # المرأة ~~: # أفقنا على صراخ الأم، نهجر هذا العش؟ # الرجل ~~: # والسيد يبكي، نترك بيتنا؟ # المرأة ~~: # والسيدة تولول: هل أتركه يحتضر أمامي؟ # الرجل ~~: # وتهاجر الطيور المذعورة. # المرأة ~~: # وتبقى الكلاب المذعورة. # الرجل ~~: # تبكي وجه الأحباب، وتنبح في وجه الأغراب. # المرأة ~~: # ونقوم بالحراسة كل صباح، كل مساء. # الرجل ~~: # الإنسان ضعيف أمام الشتاء. # المرأة ~~: # وأمام الفراق. # الرجل ~~: # وأنا أجري من البيت إلى الباب، ومن الباب إلى البيت. ~~حاضر يا سيدي، أوامرك يا سيدتي ~~(ينهض ويمشي نحو الدولاب، يفتحه ويضم يديه على ~~شيء) ~~. # هذا هو المعطف يا سيدي، المعطف الأسود الثقيل، إن كنت ~~نسيته فلم أنسه. # المرأة ~~: # يومها تخيلت أنك تحمل إناء أسود مليئا بكل ~~الدموع. # الرجل ~~: # على البيت ... والجد العجوز ... والصبي المريض. # المرأة ~~: # وأنا أجري إلى الحديثة وأقطف الزهور الأخيرة ... الزهور ~~الشاحبة. # الرجل ~~: # وتقدمينها للابن العزيز. # المرأة ~~: # لن أنسى منظره أبدا. # الرجل ~~: # عصفور يرتجف من البرد. # المرأة ~~: # يوشك أن يحتضر. # الرجل ~~: # وتذكرين عينيه، والنظرات المذعورة في عينيه. # المرأة ~~: # والشمس الصغيرة التي نورت وجهه حين ناولته باقة ~~الورود. # الرجل ~~: # الورود الأخيرة. # المرأة ~~: # وذهبوا واختفت العربة. # الرجل ~~: # ولوحوا بأيديهم من الزجاج. # المرأة ~~: # واستندت إليك لأصعد السلم. # الرجل ~~: # ذهبوا. # المرأة ~~: # وعادوا في تلك الليلة. # الرجل ~~: # من؟ # المرأة ~~(تنظر مذعورة إلى النوافذ، تشيح ~~بيديها وقدميها) ~~: # عادوا من جديد. # الرجل ~~(لا يرى شيئا) ~~: # سيعودون حتما، سيعودون إلى بيتهم. # المرأة ~~(تنهض وتصرخ في النوافذ) ~~: # اذهبوا ... اذهبوا، ماذا تريدون الآن؟ # الرجل ~~: # اهدئي يا عزيزتي ... اهدئي يا حبيبتي. # المرأة ~~: # تركوه ... تركوا بيتهم، أهذا ما كنتم تريدون؟ لم يبق ~~سوانا. # الرجل ~~(يحاول تهدئتها) ~~: # لم يبق ms114 سوانا، ولكنهم سيرجعون. # المرأة ~~: # اذهبوا ... اذهبوا ~~(تختفي ~~الأقنعة ) # نحن نحافظ عليه، الكلاب الأمينة ~~تحرس البيت الذي تربت فيه، لن تغفل عيوننا ... لن تغفل ~~أبدا. # الرجل ~~: # تعالي يا زوجتي ... تعالي ~~(يحملها إلى الكرسي، ينتفض جسدها، ثم تهدأ شيئا ~~فشيئا، يحمل إليها كوبا من الماء، تشربه وتنظر في ~~الفراغ) ~~. # الرجل ~~: # سيعودون يا عزيزتي الصغيرة ... سيعودون. # المرأة ~~: # متى؟ متى؟ # الرجل ~~: # لا بد من الانتظار. # المرأة ~~(تسوي الشال البنفسجي على ~~كتفيها) ~~: # يا سيدتي الغالية. # الرجل ~~(يتأمل صورة السيد على الحائط) ~~: # يا سيدي المبجل. ~~(صمت. بعد ~~قليل لزوجته) # ألا يخيل إليك أننا دخلنا ~~الحجرة توا، حيث كان سيدي وسيدتي يجلسان بجوار المدفأة ~~قبل أن يذهبا للنوم. # المرأة ~~: # كأن ما رأيناه حلم. # الرجل ~~: # كأنه حلم. # المرأة ~~: # هنا كانا يشربان قهوة المساء. # الرجل ~~: # وتتركينهما بلا قهوة؟ هيا يا عزيزتي. ~~(المرأة تنهض وتمشي إلى المطبخ، يتمدد ~~في كرسيه ويفتح علبة التبغ ويشعل سيجارة، تعود بعد قليل لتقدم ~~له القهوة.) # الرجل ~~: # عزيزتي. # المرأة ~~(تجلس في كرسيها، وتسوي الشال على ~~كتفيها وتمسك بإبرتها وجواربها) ~~: # عزيزي. # الرجل ~~: # ألا تعتقدين أن في إمكان الناس أن يعيشوا ~~متقاربين. # المرأة ~~: # ماذا تعني؟ # الرجل ~~: # أعني أن يمدوا أيديهم إلى بعضهم. # المرأة ~~: # ربما يا عزيزي ... ربما. # الرجل ~~: # وأن يحيوا في ثقة ومحبة. # المرأة ~~(لنفسها) ~~: # إلهي، كأنه سيدي نفسه، ممكن يا عجوزي الطيب. # الرجل ~~: # بل واجب يا عجوزي المسكينة ~~(يطفئ سيجارته في المنفضة، يشعل سيجارة جديدة، ~~ويلقي بعود الثقاب فيها) # انظري، ما الذي ~~منعهم من هذا؟ # المرأة ~~(لنفسها) ~~: # أهذا ممكن؟ يطفئ السيجارة كأي سيد مهذب، ويضع عود ~~الثقاب أيضا في المنفضة! ما الذي منعهم يا عزيزي؟ # الرجل ~~: # لأنهم نسوا الجنة التي طردهم منها الله، ولم يحاولوا أن ~~يعودوا إليها. # المرأة ~~: # حقا يا عزيزي، حقا. # الرجل ~~: # لم يحاولوا أن يعودوا إليها، فهمت؟ ولم يبذلوا جهودهم ~~ليوجدوها على الأرض. # المرأة ~~: # ماذا ... على الأرض؟ # الرجل ~~(يطفئ سيجارته في المنفضة) ~~: # الجنة طبعا. # المرأة ~~(لنفسها) ~~: # لا يدوسها على السجاد كعادته، شيء يصعب تصديقه. # الرجل ~~: # لماذا يصعب تصديقه؟ لقد حقت عليهم لعنته الأبدية ms115 بأن ~~يأكلوا خبزهم بعرق جبينهم، أن يعيشوا في جحيم على ~~الأرض. # المرأة ~~: # صدقت في هذا يا عزيزي، جحيم على الأرض. # الرجل ~~: # هل قلت يعيشون في الجحيم؟ إنهم في الحقيقة يصنعونه كل ~~يوم، يشعلون ناره كلما انطفأت بوقود جديد ~~(يطفئ السيجارة في ~~المنفضة) ~~. # المرأة ~~: # عجيب؟ شيء لا يمكن تصديقه. # الرجل ~~: # ليس عجيبا كما تتصورين، أتدرين ما السبب؟ # المرأة ~~(لنفسها) ~~: # إلهي، كأني أسمع صوت سيدي، وما السبب يا عزيزي؟ # الرجل ~~: # إنها الشياطين التي تفرق الناس إلى شيع يحارب بعضها ~~بعضا، وتؤلب الأبيض على الأسود، والبر على البحر. # المرأة ~~: # غريب يا زوجي الطيب ... غريب. # الرجل ~~: # ليس غريبا كما تظنين، لقد تصوروا أن الحي الذي لا ~~يموت لم يخلف وراءه وصية، وماذا حدث؟ # المرأة ~~: # ماذا؟ ماذا حدث؟ # الرجل ~~: # فكري في الأمر معي، انقض الورثة المطرودون من الجنة على ~~ممتلكاته كل من نهب أرضا أو زرعا أو حيوانا، وضع حوله ~~سورا وقال: هذا ملكي، من يتعدى هذا السور عدوي. # المرأة ~~: # وخطف كل منهم ما أمكنه خطفه. # الرجل ~~: # تماما، واستعر الجحيم الذي أشعلوه بأيديهم. # المرأة ~~: # صحيح يا زوجتي، ولم ينتظروا الجحيم في يوم ~~الحساب. # الرجل ~~(يرشف القهوة ويشعل سيجارة، ويطفئ عود ~~الثقاب في المنفضة) ~~: # ألم أقل لك. # المرأة ~~: # صدقت يا عجوزي الطيب، ما أجمل حديثك الليلة، كأني أسمع ~~... # الرجل ~~: # كأنك تسمعين سيدي، أليس كذلك؟ # المرأة ~~: # نعم ... نعم، حتى أعقاب السجائر. # الرجل ~~(ضاحكا) ~~: # أضعها في المنفضة، ولا أدعكها بقدمي. ~~(ينهض ويذرع الغرفة جيئة ~~وذهابا) # أتعرفين يا زوجتي الطيبة ... # المرأة ~~: # ماذا تريد يا عزيزي؟ # الرجل ~~: # يخيل إلي أنني أرى سيدتي. # المرأة ~~(ضاحكة) ~~: # سيدتك؟ هذا لأنك ... # الرجل ~~: # لأني أعمى لا أرى، قوليها ولا تترددي، ولكن جلستك ... ~~حديثك ... الشال الأسود بالنقط البنفسجية، حتى القهوة التي ~~رشفتها الآن، كأني أسمع سيدتي وأبصرها أمامي. # المرأة ~~: # وكأني أسمع سيدي وأبصره أمامي. # الرجل ~~: # فليرجعوا بسلامة الله. # المرأة ~~: # ليرجعوا إلى بيتهم بسلامة الله، ~~(الرجل لا يزال يذرع الغرفة، وهو ~~سارح البصر مطرق الرأس) # ألم يحن موعد النوم ~~يا عزيزي؟ # الرجل ~~: # بلى يا عزيزتي، بلى! # المرأة ms116 ~~: # هيا ... ضع كل الصور في مكانها. # الرجل ~~: # وأغلقي النوافذ، ولا تنسي الشال الأسود ~~(تخطو المرأة نحو النوافذ، تتذكر ~~الشال فترجع وتضعه في مكانه على الأريكة، وتحمل إناء ~~القهوة والأكواب لتتجه بها إلى المطبخ، تسمع هتاف ~~زوجها) ~~. # الرجل ~~: # انظري ماذا وقع مني؟ # المرأة ~~: # ماذا؟ قلت لك كن حذرا. # الرجل ~~: # لم ينكسر شيء، وقع هذا من جيبي. # المرأة ~~: # ماذا وقع؟ # الرجل ~~: # الخطاب. # المرأة ~~: # إذن ضعه في جيبك وهيا. # الرجل ~~: # لم تفهميني، كنت أنحني لأضع المنفضة في مكانها المعتاد، ~~سقط الخطاب مني، ضغطت على مفتاح النور، وماذا رأيت؟ # المرأة ~~: # خطاب سيدي وسيدتي. # الرجل ~~: # على الصفحة الأخرى ... على الصفحة الأخرى سطور ~~بخطه. # المرأة ~~: # هيا يا رجل، قل وأرحني. # الرجل ~~: # لا، بل هي بخط عزيزنا الصغير. # المرأة ~~(فرحة) ~~: # العصفور المسكين، وماذا يقول؟ # الرجل ~~: # إنه بخير. # المرأة ~~: # فلتحفظه يا رب، اقرأ يا رجل ~~(تضع الآنية والأكواب على المنضدة وتسرع ~~إليه) ~~. # الرجل ~~(مقربا المصباح من الخطاب) ~~: # اسمعي يا عزيزتي ~~(يتردد صوت ~~الابن بمجرد أن يفتح العجوز فمه) ~~. # ص. الابن ~~: # عجوزاي العزيزان، صحتي تحسنت كثيرا. # المرأة ~~: # الحمد لله ... الحمد لله. # ص. الابن ~~: # سأعود إلى بيتنا قريبا. # المرأة ~~: # عد يا حبيبي إلى بيتك، عد بسلامة الله. # ص. الابن ~~: # كان مرضي شديدا، ولكني نجوت منه، لن أموت. # المرأة ~~: # ستعيش يا حبيبي ... ستعيش بأمر الله. # ص. الابن ~~: # سأعود وأقبلكما أنا وأبي وأمي. # المرأة ~~(تلتفت إلى النوافذ، ترى أقنعة الجراد ~~تملؤها وتكاد تصدر منها أصوات الضحك والاستنكار، تجري ~~نحوها لتغلقها) ~~: # سيعود ... سيعود ~~(الأقنعة تضحك ~~وتكشر في وقت واحد) ~~. # سيعود ويطاردكم إلى آخر الدنيا. ~~(الأقنعة تضحك وتكشر وتتراقص على ~~النافذة، يسرع إليها العجوز ويهدئها ويغلقها معها.) # اذهبوا ... اذهبوا، سيعود سادتنا في يوم قريب، أقرب مما ~~تتصورون. # الرجل ~~: # اهدئي يا عزيزتي، اهدئي. # المرأة ~~: # لن أهدأ حتى يعودوا. # الرجل ~~: # سيعودون. # المرأة ~~: # ويطاردونهم إلى آخر الدنيا. # الرجل ~~: # ويختفون بلا عودة. # المرأة ~~: # عد يا سيدي، عد يا حبيبي الصغير. # ص. الابن ~~: # سأعود قريبا ... سأعود. # المرأة ~~: # نحن وحدنا يا سيد، عد إلى بيتك وتمتع بحياتك. # ص. الابن ~~: # كان ms117 مرضي شديدا، ولكني نجوت منه، لن أموت. # الرجل ~~: # عد وستجد الحديقة كما هي، والزهور والأشجار. والقطة التي ~~تعودت على الجلوس في حجرك، عد وستجدنا نحرس الحديقة ~~والبيت. # المرأة ~~: # نحرسها من الجراد، نحرسها من الجراد. # ص. الابن ~~: # سأعود ولن أموت ... سأعود ولن أموت. # المرأة ~~(نحو النافذة) ~~: # وستذهبون بلا عودة ... ستذهبون ... ستذهبون. # الرجل ~~: # هيا يا عزيزتي، هيا ~~(يغلق ~~النوافذ ويطفئ النور، يلمس الأرائك والكراسي لمسات ~~أخيرة، ويطمئن على أن كل شيء في ~~مكانه) ~~. # المرأة ~~: # هل ذهبوا؟ # الرجل ~~: # ذهبوا يا عزيزتي. # المرأة ~~: # هل رأيتهم يا عزيزي؟ فظيع ومخيف. # الرجل ~~: # صدقت يا عزيزتي، ذهبوا ولن يعودوا. # المرأة ~~: # كأني أحلم. # الرجل ~~: # كأنه كابوس. # المرأة ~~: # وسادتنا، أتظن أنهم ... ~~(تستند ~~عليه.) # الرجل ~~: # سيعودون يا عزيزتي ... حتما سيعودون. # ص. الابن ~~: # سأعود قريبا ... سأعود ... سأعود. # المرأة ~~(تنحني) ~~: # بسلامة الله يا حبيبي. # الرجل ~~(ينحني) ~~: # بسلامة الله يا ولدي ~~(يأخذ ~~بيدها وينصرفان) ~~. # صوت الابن ~~(يتردد) ~~: # لن أموت، سأعود ... سأعود ... سأعود. # | الكنز # مسرحية عن الأدب الصيني # الشخصيات # الفلاح. # الحارس. # مدير السجن. # القائد. # الوزير. # القيصر. # القصة التي استوحيت منها المسرحية من روائع الأدب الصيني، ~~ترجمتها إلى الألمانية السيدة «إلزه كورن» مع مجموعة أخرى من القصص ~~تحت عنوان «نواة ثمرة الكمثرى» كما صاغها الأستاذ «فالتر رشتر» ~~صياغة مسرحية لفرق الهواة مع مجموعة أخرى من المسرحيات بعنوان ~~«الحمير والحمقى» (صدرت عن دار النشر المركزية للثقافة، ليبزج ~~1975م) وهذه الصياغة تدين بالفضل والعرفان للمحاولات السابقة، كما ~~تعد نفسها محاولة حرة ومختلفة. ~~(تكفي لتصوير المشهد قضبان قفص حديدي أو زنزانة ~~سجن انفرادي، يقف وراءها فلاح نحيل يرتدي ثوبا متواضعا من ~~الكتان، ويخاطب من خلالها بقية الشخصيات. الملابس تتدرج في سلم ~~الأبهة والفخامة من الحارس إلى مدير السجن إلى القائد والوزير، حتى ~~تبلغ ذروتها لدى القيصر، الفلاح يهز قضبان القفص ويدقها ~~بشدة.) # الفلاح ~~: # يا حارس! يا حارس! # الحارس ~~(يسمع صوت من بعيد) ~~: # هدوء! هدوء! # الفلاح ~~: # اسمعني يا حارس! # الحارس ~~(من بعيد) ~~: # هدوء ... قلت الزم الهدوء. # الفلاح ~~(رافعا صوته) ~~: # أريد القيصر ... أريد القيصر. # الحارس ~~(متجها إليه) ~~: # ما هذا؟ تريد ms118 أن أفقد عملي بسبب صعلوك مثلك؟ ماذا يحدث ~~لو رآني مدير السجن أو سمعني أكلمك؟ قلت لك الكلام ~~ممنوع. # الفلاح ~~: # القيصر، أريد أن أقابل القيصر. # الحارس ~~(يضرب كفا بكف) ~~: # القيصر نفسه؟ هل التهم الجوع بقية عقلك؟ هل سكرت من ~~العطش؟ ومع ذلك فلم أقصر في حقك. # الفلاح ~~: # حقا، يمكنك أن تهنئ نفسك؛ لأنني لم أمت جوعا وعطشا ~~أمام أطباقك الفارغة. # الحارس ~~: # فارغة؟ ألم أقدم لك ما يكفي من الأرز والخبز؟ إن مدير ~~السجن يتهمني بسرقة طعام المساجين، وهو الذي يعلم الجميع ~~أنه يبيع طعامهم في السوق، بيني وبينك يا صاحبي، لقد أثرى ~~ثراء فاحشا، وله بيت فخم كالكبار، وحتى لو كنت أسرق كما ~~يقولون، هل أسرق طعام فلاح مسكين مثلك؟ شبح هزيل يرتعش ~~أمامي؟ # الفلاح ~~: # احمد السماء؛ لأن هذا الشبح لم يمت جوعا. لو مت ~~لقطعوا رأسك. # الحارس ~~(ضاحكا) ~~: # لن يقطعوه بسبب لص مثلك. # الفلاح ~~: # لص؟ وماذا سرقت؟ أتسمي هذا ...؟ ~~(مشيرا إلى جيب الحارس.) # الحارس ~~: # هذا الغليون الذي ضبطتك وأنت تضعه في جيبك؟ # الفلاح ~~: # لست أنا الذي وضعته في جيبك، ثم إنه قديم ورأسه مشروخ. ~~أتتهمني بالسرقة بدلا من أن تشكرني لأنني رفعته من التراب ~~والوحل والطين؟ لأنه لم ينكسر تحت أقدام عابر سبيل أو تحت ~~عجلات عربة مارة على الطريق، إن كان ملكا لك فقد أخذته، ~~وإن لم يكن ملكا لأحد فلماذا تضعني في السجن؟ # الحارس ~~: # لأنها سرقة، لم يكن من حقك أن تمد يدك إليه. # الفلاح ~~: # ولكنه ليس ملكا لأحد. # الحارس ~~: # ما لا يملكه أحد يملكه القيصر، هذا هو القانون. # الفلاح ~~: # قانون القيصر؟ إذن فدعني أقابله، أريد القيصر ... أريد ~~القيصر. # الحارس ~~: # رجعت لجنونك؟ أتظن أن القيصر لديه وقت لأمثالك؟ أتحسب أن ~~مهام المملكة تترك له لحظة لمقابلة لص مثلك؟ # الفلاح ~~: # لست لصا، قلت لك وجدت شيئا على الطريق. # الحارس ~~: # وجدت شيئا على الطريق؟ هذه حجتكم دائما، نسيت أن ~~الطريق ملك القيصر، وكل ما يوجد على الطريق هو بحسب ~~القانون ملك القيصر، ثم إنني ضبطتك متلبسا بالجريمة، ~~ربما لا ms119 تعلم أنني ضبطتك بجوار سور القصر. # الفلاح ~~: # قصر القيصر ؟ لماذا لم تقل لي؟ # الحارس ~~: # ولماذا تندهش؟ إن كل القصور ملك القيصر. وكل الأسوار ~~ملكه أيضا. # الفلاح ~~: # ليتني عرفت هذا ... # الحارس ~~: # وعرفت أيضا أن الطريق ملك القيصر، والوحل الذي على ~~الطريق، والعربات التي تسير على الطريق، والسائقون والخيول ~~والأبقار التي تجر العربات، والأرز في حقول الفلاحين وفي ~~أطباق طعامهم، والتفاح والكمثرى على رءوس الشجر، وأجور ~~الموظفين والجنود التي يوزعها الوزراء والقواد، والذهب في ~~خزينة الدولة وخزائن القصر. كلها ملك القصر، ومن يمد يده ~~ليسرق غليونا تافها ملقى في وحل الطريق سيمد يده ~~... # الفلاح ~~(ساخرا) ~~: # ليسرق الأرز من حقول الفلاحين وأطباقهم. وثمار التفاح ~~والكمثرى من على رءوس الأشجار، والعربات والسائقين والخيول ~~والأبقار وأجور الموظفين والجنود، والذهب في خزينة الدولة ~~وخزائن القصر. # الحارس ~~: # فهمت أخيرا، ثم يمد يده في النهاية ليسرق التاج من على ~~رأس القيصر. # الفلاح ~~: # ولهذا أريد مقابلة القيصر. # الحارس ~~: # لتسرق تاجه؟! # الفلاح ~~: # بل لأهديه ألف تاج مثله، لأملأ خزائنه بالذهب، وأملأ ~~قلبه بالسرور. # الحارس ~~(يضحك) ~~: # فلاح بائس مثلك يفعل كل هذا؟ # الفلاح ~~: # وأكثر منه. # الحارس ~~(يخرج الغليون من جيبه ويتأمله، يضربه ~~على كفه ثم يقول) ~~: # يظهر أن الكلام معك مسل، برغم الأوامر المشددة من ~~مدير السجن بعدم الكلام مع المسجونين، وأين هذا الكنز أيها ~~الصعلوك؟ أين تخفيه؟ # الفلاح ~~: # أخفيه هنا في قلبي، سر لن أعلنه إلا للقيصر نفسه، ثم ~~إنني لست صعلوكا. # الحارس ~~: # لص من الريف، هل يرضيك هذا؟ # الفلاح ~~: # ولا هذا، لقد جئت من بلدتي البعيدة، وتحملت عذاب السفر ~~والجوع. # الحارس ~~: # لتتسكع في طرقات المدينة، حتى تبلغ سور القصر، وتنادي: ~~يا قيصر، فيقول: لبيك. # الفلاح ~~: # سيكون هذا في صالحه هو، إنني لن أكسب شيئا. # الحارس ~~: # نسيت أن أسألك: من أي بلد أنت؟ # الفلاح ~~: # مع أن السؤال من حق القيصر وحده، ومع أنني عاهدت نفسي ~~وأهل بلدتي ألا أفضي بالسر إلا للقيصر نفسه، فإن وجهك ~~الطيب يشجعني على القول بأنني من بلدة هان هان. # الحارس ~~: # في المقاطعة الشمالية، أليس كذلك ms120؟ # الفلاح ~~: # نعم. # الحارس ~~: # وما الذي جعلك تتحمل السفر الطويل لتأتي إلى ~~هنا؟ # الفلاح ~~: # عيناك تقولان إنك طيب، لكن لا تقولان إنك غبي. # الحارس ~~: # حاذر في كلامك، لا تنس أنني حارسك، ويمكن أن ... # الفلاح ~~: # يمكن أن تأمر بجلدي أو حتى قطع رقبتي، ولكنك لن تستطيع ~~أن تجلد السر الذي أحمله في قلبي أو تقطع رقبته، ألم أقل ~~لك إنه سر خطير؟ # الحارس ~~: # وما هو؟ # الفلاح ~~: # كيف أقوله لك وهو سر؟ ألم تسمع أنني عاهدت نفسي ... # الحارس ~~: # وعاهدت أهل بلدتك ألا تعلنه إلا للقيصر نفسه، ومع ذلك يا ~~صاحبي يمكننا أن نتكلم عنه من بعيد. # الفلاح ~~: # هل أفهم من هذا أنك ستساعدني؟ # الحارس ~~: # ربما، إذا اقتنعت بأنه يستحق أن يبلغ إلى هناك ~~(يشير إلى أعلى) ~~. # الفلاح ~~: # إذن ستكلم مدير السجن، ومدير السجن ... # الحارس ~~: # ومدير السجن يكلم القائد، والقائد يكلم الوزير، والوزير ~~يكلم رئيس الحرس، ورئيس الحرس ... # الفلاح ~~: # اعلم يا صاحبي أنه كنز، كنز أثمن من كل الكنوز التي ~~تتخيلها. كنز لا يصلح أن يلمسه إلا أرفع إنسان وأطهر ~~إنسان. # الحارس ~~: # ولماذا لم تبحث عن هذا الإنسان في بلدتك؟ ألا يمكن أن ~~تجده فيها أو في البلاد المجاورة؟ # الفلاح ~~: # مستحيل ... لا أنا ولا أهل بلدتي ولا البلاد المجاورة إلى ~~ما وراء حدود المملكة، لو كان الأمر بهذه السهولة لاحتفظت ~~به لنفسي، أو لأحد أولادي، أو أحد أقاربي. # الحارس ~~: # هذا ما يقوله العقل السليم، أو لحارسك الذي يتكلم معه ~~الآن برغم أوامر مدير السجن. # الفلاح ~~: # لو أمكن هذا ما ترددت. # الحارس ~~: # ولو فعلت لأمكنه أن يفعل شيئا من أجلك. # الفلاح ~~: # قلت لك إن الشخص الوحيد الذي ... # الحارس ~~: # القيصر، سمعت هذا من قبل، ولكن القيصر أيها الغبي ليس ~~فقيرا مثلي أو مثلك، ما قيمة كنز يضاف إلى كنوزه التي لا ~~تعد ولا تحصى؟ ثم إنه لا ينفعك الآن وأنت وراء القضبان، ~~أما أنا فيمكنني مثلا أن أخفف عنك، أزيد كمية الأرز ~~التي تصرف لك، بدلا من أن تذهب إلى زكائب مدير السجن الذي ~~يبيعها في ms121 السوق، أقدم لك وعاء به ماء عذب بدلا من الطين ~~الذي تشربه كل يوم، أسمح لك بنزهة أطول في فناء السجن، ~~أستعطف المدير ليخفف عنك العقوبة التي تنتظرك. # الفلاح ~~: # لتكن العقوبة ما تكون، لن يمكنكم أن تمنعوني من مقابلة ~~القيصر. # الحارس ~~: # وما الذي يؤكد لك هذا؟ # الفلاح ~~: # سأصرخ بأعلى صوتي، حتى لو كنت على أعلى درجات المشنقة، ~~أريد مقابلة القيصر، أريد ... # الحارس ~~: # اخفض صوتك، عرفت ما تريد، سمعته حتى أصبت ~~بالصمم. # الفلاح ~~: # لن يرحمكم إذا بلغ مسامعه أنني اختفيت أو مت ومعي ~~السر، سيعلقكم جميعا على المشانق إذا عرف أنكم حرمتموه من ~~أغلى كنوز المملكة، وستصرخ روحي من القبر. # الحارس ~~: # لم تصل روحك ولا جسمك إلى القبر بعد، هيا نتكلم ~~كأصحاب، لم تقل لي لماذا لم تأخذ الكنز لنفسك أو تعطه ~~لأحد من أقاربك أو أهل بلدك؟ # الفلاح ~~: # لأن أحدا لا يستحقه، لا أنا ولا هم. # الحارس ~~: # ولماذا؟ # الفلاح ~~: # قلت إنه لا يصلح إلا لأطهر إنسان وأرفع إنسان في ~~المملكة، نظرت في نفسي، وراقبت جيراني وأهل بلدتي «هان ~~هان» فلم أجد أحدا يصلح له. # الحارس ~~: # لم تجد أحدا؟ عجيب. # الفلاح ~~: # وما وجه العجب في هذا؟ إننا جميعا فقراء ... فقراء غارقون ~~من رءوسنا إلى آذاننا في مستنقع الذنوب، قد تكون ذنوبنا ~~صغيرة حقا، ولكننا لسنا الأتقياء الطاهرين، هل تعرف ما ~~قاله لي صاحب اليد المباركة التي أعطتني الكنز؟ قال لي ~~صوته العميق الذي لم أستطع أن أرى وجه صاحبه: اذهب وابحث ~~عن أطهر إنسان، ابحث عنه في كل مكان. لا تيئس أبدا ~~وستجده حتما، سألت زوجتي فقالت مذعورة: لا يمكن أن تكونه ~~أنت، لا يمكن أبدا أن تكونه. لقد كسرت اليوم ذراعي من ~~الضرب. ورأيتك أمس وأنت تسرق التفاح والكمثرى من بستان ~~جارنا، ثم إنك تنظر خفية إلى زوجته، هل تظن أن هذا يخفى ~~علي؟ لا ... لست أطهر إنسان في المملكة ولا في البلدة، ~~قلت: يا امرأة وماذا أفعل؟ قالت: استشر أهل البلدة. قلت: ~~أتظنين أني واجد بينهم من أسلمه الكنز ms122 وأستريح؟ قالت: من ~~يدري؟ اسألهم وافعل ما يمليه عليك الواجب. قلت لنفسي: ~~ربما يكون هذا الإنسان الطاهر شحاذا مسكينا، أو فلاحا ~~مغمورا، أو راهبا في مغارة بالجبل، أو سائق عربة صغيرة ~~أو حمالا عليه ثوب يكشف عريه، ودرت على الجميع، لم أستثن ~~حتى لصوص الجبال والهاربين في الغابات من وجه القانون. ~~ضحكوا جميعا من سذاجتي، وقال لي الراهب الذي ألححت عليه ~~بالكنز: اذهب يا ولدي، لن تلقى أطهر إنسان إلا في المهد، ~~في طفل ولد حديثا، طفل يبتسم ويبكي كملاك صاف، قلت: يا ~~سيدي وماذا يفعل طفل في المهد بهذا الكنز؟ الصوت المبارك ~~قال: لا بد أن يكون رجلا ... رجلا طاهر القلب. كالثلج على ~~قمة الجبل والنور في الفجر، قال: اذهب وابحث عنه في كل ~~مكان، ولما ضاقت بي الحال قال لي الفلاحون وهم يضحكون: ~~اذهب للمدينة، سألتهم: وإن لم أجده هناك، هل أعود يائسا ~~وأنا أنفض كفي وأقول: ألم أقل لكم؟ قالوا: ربما تجد أرفع ~~الرجال وأطهرهم هناك، سألت: تقصدون القيصر؟ تقصدون أكبر ~~الكبار؟ قالوا: من يدري؟ ربما يكون كذلك، وإذا أخذ منك كنز ~~الكنوز فربما يتذكرنا، ربما يحضر بنفسه وينتشلنا، وهكذا ~~يا صاحبي. # الحارس ~~: # هكذا جئت إلى المدينة؛ لأضبطك متسكعا حول أسوار ~~القصر. # الفلاح ~~: # نسيت أن أقول لك ما قاله الراهب: ابحث يا ولدي عن ~~الحقيقة، إن لم تجدها فيكفيك أنك تعبت في البحث ~~عنها. # الحارس ~~(ضاحكا) ~~: # وهل قال لك أيضا أن تبحث عن هذا الغليون وتضعه في ~~جيبك؟ # الفلاح ~~: # ألا زلت تتهمني بالسرقة؟ أأنا الذي وضعته في ~~جيبي؟ # الحارس ~~(يتأمل الغليون) ~~: # إنه مكسور كما تعلم، ومع ذلك فهو خدش بسيط، لا بأس ... لا ~~بأس، يمكنني أن أستعمله قبل النوم، حين أنظر لأولادي ~~الخمسة المكومين في حضن أمهم على بقايا الفرش ~~البالي. # الفلاح ~~: # أنت أيضا؟ # الحارس ~~: # بالطبع يا صاحبي، كنت أظن أنك ستعترف لي بسرك. # الفلاح ~~: # وهل تظن أنك تصلح ... # الحارس ~~: # لا أخفي عنك أنني لست من تبحث عنه، أنا أيضا لا أخلو ~~من ذنب هنا وذنب هناك ms123، ثم إنني أقول لك من الآن ... # الفلاح ~~: # ماذا تقول ؟ # الحارس ~~: # أقول: لا تتعب نفسك، ولكن ما شأني أنا بهذا؟ إنني مجرد ~~حارس صغير. # الفلاح ~~: # وضعني وراء هذه القضبان كأني لص. # الحارس ~~: # إنني أنفذ القانون، وقانون القيصر يقول إن ما لا ~~يملكه أحد يملكه القيصر، حتى الوحل ... # الفلاح ~~: # حتى الوحل على الطريق، والأرز في حقول الفلاحين وأطباقهم ~~(فجأة يرفع صوته)، # ولكنني لست لصا، لست لصا. لقد سافرت ثلاثة أشهر لأقابل ~~القيصر، أريد مقابلة القيصر. # الحارس ~~: # اسكت اسكت، تريد أن تقابل القيصر أم تريد أن يطردني ~~مدير السجن؟ ~~(يدخل مدير السجن، ~~يفاجأ الحارس وينحني نصف انحناءة.) # المدير ~~: # جميل ... جميل، ماذا أسمع؟ ماذا أرى؟ # الحارس ~~: # إنه يا سيدي، هذا الفلاح الصعلوك. # المدير ~~: # أعرف أعرف، أتظن أن عيني مغمضة؟ أتظن أن أذني لا يصل ~~إليها دبيب النمل على الجبل والفئران في الجحور؟ # الحارس ~~: # إنه يا سيدي. # المدير ~~: # سرق من الطريق ما لا يملكه أحد، والطريق كما يقول ~~القانون ملك القيصر، وكل ما على الطريق ... ~~(الحارس يقدم إليه الغليون، فيأخذه منه ~~عنوة، ويتأمله قبل أن يلقي به من يده، ويلتقطه الحارس.) # المدير ~~: # غليون، مشروخ من رأسه أيضا، أتظن أني لا أعرف؟ ووضعته ~~في جيبك كما تضع حفنة أرز من طعام المساجين، لا تنكر، ~~تظنني لا أعرف؟ ثم من سمح لك بالكلام مع هذا الرجل؟ ألم ~~أمنع الحراس من الكلام مع المساجين؟ # الحارس ~~(يزداد انحناؤه) ~~: # نعم. # الفلاح ~~: # أنا الذي بدأ الكلام يا سيدي. # المدير ~~: # ومن أمرك بفتح فمك؟ # الفلاح ~~: # أنا الذي ناديت بأعلى صوتي: أريد مقابلة القيصر. # المدير ~~(يتفرسه في هدوء) ~~: # هكذا؟ فلاح مثلك. # الفلاح ~~: # نعم يا سيدي، وصعلوك وفقير وجائع وعطشان. ~~(الحارس ينظر إليه مستعطفا ~~فيستطرد.) # الفلاح ~~: # لا تخش شيئا يا صاحبي، لقد قمت بواجبك وقدمت لي طبقا ~~مملوءا بالأرز، ووعاء شربت منه الماء الصافي، ولكن هذا ~~لم يمنعني من الصياح في طلب القيصر؛ لأنني يا سيدي المدير ~~أملك أنفس شيء في الوجود. # المدير ~~: # تملك أنفس شيء؟ # الفلاح ~~: # أجل يا سيدي، أملك أغلى كنز في ms124 المملكة، كنز ~~الكنوز. # المدير ~~: # سمعت يا حارس؟ # الحارس ~~: # نعم يا سيدي، هذا ما يردده طول الوقت. # المدير ~~: # تملك كنز الكنوز، أنت؟ # الحارس ~~: # ويصر على ألا يقدمه إلا للقيصر نفسه. # المدير ~~(يتفرس في وجهيهما قليلا ... يتفكر ثم ~~يقول لنفسه) ~~: # من يدري؟ ربما يكون هذا الفلاح صادقا، ثم إنه لو ظل ~~يصرخ هكذا فلا بد أن يبلغ صوته القيصر. ولو عرف القيصر ~~أننا منعناه من مقابلة جلالته فسيعاقبنا حتما، لا أريد أن ~~أضيف جريمة إلى جرائمي التي يعلمها، فلأجرب مع هذا، ~~أنت! # الفلاح ~~: # نعم يا سيدي. # المدير ~~: # أتقول الحقيقة؟ # الفلاح ~~: # كل الحقيقة يا سيدي. # المدير ~~: # وتصر على أنك تملك كنزا. # الفلاح ~~: # وأصر على تقديمه للقيصر. # المدير ~~: # القيصر لديه من الكنوز ما يكفي، استمع إلي ... # الفلاح ~~: # أريد أن يستمع القيصر نفسه إلي، سيجعله الكنز غنيا ~~بلا حدود. # المدير ~~: # أيها الأحمق، إنه غني بلا حدود، ثم إنه لن يكترث بفلاح ~~مثلك لا يختلف عن ملايين الفلاحين، وحتى لو حدثت معجزة ~~وتكلمت معه، فسيأخذ منك الكنز دون كلمة شكر، ويتركك هنا ~~تحت تصرفي. إنني أنا مدير السجن، إن سلمتني الكنز فسوف ~~أختصر مدة عقوبتك أياما أو أسابيع، وربما زدت في إكرامك ~~وحصلت لك على بعض المال من خزينة القائد الذي يسرق أجور ~~الجنود، أليس من مصلحتك أن تقدمه لي بدلا من ~~القيصر؟ ~~(يظهر القائد الذي كان يتسمع منذ قليل ~~للحوار، ينحني الحارس انحناءة شديدة، يلتفت مدير السجن فينحني ~~نصف انحناءة.) # القائد ~~: # يقدمه لك بدلا من القيصر؟ ما هذا الذي تتحدث عنه يا ~~مدير السجن؟ # المدير ~~: # لا شيء يا سيدي القائد ... لا شيء. # الحارس ~~: # فلاح مجنون يا سيدي، وسيدي المدير. # القائد ~~: # اخرس أنت. ~~(للقائد) # منذ سنين وأنت تهرب الأرز من السجن إلى السوق. أتريد ~~الآن أن تحول السجن إلى سوق؟ هيا تكلم. # المدير ~~: # هذا الفلاح الأحمق يا سيدي يزعم أن معه شيئا نفيسا ~~يصر على تقديمه إلى القيصر نفسه. # القائد ~~(للفلاح) ~~: # أنت؟ # الفلاح ~~: # نعم أنا. كنز لا أقدمه إلا للقيصر نفسه. # القائد ~~: # كنز لا تقدمه إلا ms125 للقيصر نفسه. ~~(متفكرا وحده ثم بصوت عال) # أنا لا أعرف ~~إلا كنزا واحدا يمكن أن يقدمه فلاح مثلك للقيصر، هذا ~~الكنز هو حياتك. ولا أعرف إلا مكانا واحدا يمكنك أن ~~تقدمه له فيه، هذا المكان هو ميدان الحرب، ولكن من الذي ~~ينفق على الحرب التي ترفع الوطن لأعلى القمم، وتخفض ~~الفلاحين إلى الحضيض! إنه أنا، لهذا فإن الكنز لا يقدم إلا ~~لي، هيا ... مد يديك، وسوف أنظر في أمر الإفراج عنك قبل ~~الموعد المحدد والإغداق عليك من خزينة المملكة. # الوزير ~~(يدخل فجأة) ~~: # خزينة المملكة لا يتصرف فيها سواي. لا أحد سواي، أنا ~~وزير المال أيها القائد. # القائد ~~: # بالطبع بالطبع ~~(ينحني نصف ~~انحناءة) ~~. # الحارس ~~: # يقينا يا سيدي ~~(ينحني انحناءة ~~عميقة تقترب من الركوع) ~~. # الوزير ~~: # يقينا وبالطبع، فكما أن الأرز ليس ملكا للحقل ولا ~~للفلاح، وكما أن الثور ليس ملكا للعربة ولا للسائق، كذلك ~~خزينة المملكة لا تملكها المملكة ولا الشعب، وإنما أتحكم ~~فيها أنا، أنا وحدي. # القائد ~~: # صحيح! # المدير ~~: # تماما! # الحارس ~~: # لا شك في هذا. # الوزير ~~: # لا شك في هذا! من الذي يجرؤ إذن على أن يمد أصابعه ~~إليها؟ مهما طالت كأشعة الشمس في المساء، أو قصرت كظل ~~المشنقة في الصباح فلا بد أن أقطعها. # القائد ~~: # من يتجرأ على هذا؟ لا أحد. # المدير ~~: # ومع ذلك تريد أن تمد يدك إليها؟ # القائد ~~: # لا لأقلل منها يا سيدي، بل لأملأها بالكنز الذي يقدمه ~~هذا الفلاح. # المدير ~~: # من؟ هذا الفلاح؟ # الفلاح ~~: # لن أقدم شيئا إلا للقيصر. # الوزير ~~: # ما هذا الذي تقدمه؟ أي كنز هذا؟ # الفلاح ~~: # ولن أرد إلا على أسئلة القيصر. # الوزير ~~(للفلاح) ~~: # هكذا؟ اسمع أيها السجين، إنني أستطيع أن أحررك. # الفلاح ~~: # القيصر وحده هو الذي سيحررني. # الوزير ~~: # قلت اسمع وكفى ثرثرة. كما أن الشمس لا تغيب في الصباح، ~~ولا تشرق في المساء، كذلك ليس لفلاح مثلك أن يقدم ~~شيئا، وإنما عليه أن يعطي. وليس للوزير أن يرجو وإنما ~~الوزير يأمر. إن الثلج يوجد على قمم الجبال، والتاج الذي ~~سرقه القيصر يحمل من الكنوز ms126 فوق كفايته، هيا ... هيا ... هات ~~كنزك المزعوم، إن مكانه الصحيح في خزينة المملكة، وخزينة ~~المملكة أنا المتصرف فيها. وأنا الذي يمكنه أن يطلق ~~سراحك أسرع من أي إنسان آخر، ويمكنه أن يغدق عليك أكثر ~~من مائة قيصر. # أصوات تنادي ~~: # القيصر ... القيصر. ~~(يظهر القيصر الذي استمع في غفلة من ~~الحاضرين إلى العبارات الأخيرة.) ~~(يركع الحارس، ثم تصبح ركعته سجودا خاشعا ~~أمامه، يركع مدير السجن، ينحني القائد انحناءة عميقة، أما ~~الوزير فينحني نصف انحناءة. القيصر يدور عليهم ويتفرس طويلا ~~في وجوههم.) # القيصر ~~: # شيء مدهش! لا لا شيء يدعو للحزن. أليس كذلك؟ # الوزير ~~: # صاحب الجلالة. # القائد ~~: # فداء العرش. # مدير السجن ~~: # في خدمة مولاي. # الحارس ~~: # مولاي. # القيصر ~~: # شيء محزن، محزن. مؤامرة على تاجي في قبو السجن، وخيوطها ~~السوداء أمام عيني يا وزير. # الوزير ~~: # افتراءات يا صاحب الجلالة! محض افتراءات من أعداء ~~المملكة، تنتفخ كالفقاقيع فوق سطح المستنقع، ثم لا تلبث أن ~~تختفي كالحشرات في الجحور. # القيصر ~~: # حسن ... حسن، وقائدي الهمام؟ هو أيضا بالقرب من ~~الحشرات؟ # القائد ~~: # لا أعرف يا مولاي إلا نوعا واحدا من الحشرات، أعداء ~~مولاي. # القيصر ~~: # عظيم. # المدير ~~: # أنا أؤدي واجب الطاعة نحو العدالة. وطاعة العدالة هي ~~طاعتكم ~~(يركع أمامه مرتعد ~~الفرائص) ~~. # القيصر ~~: # اخجل من نفسك وانهض، الشعور بالذنب متوقع من مساجينك ~~وحراسك لا منك ~~(يركل الحارس ~~بقدمه) ~~. # الحارس ~~: # الرحمة ... الرحمة يا مولاي. # المدير ~~: # صدقت يا مولاي، إنه الحارس هو المسئول ولا أحد ~~سواه. # القيصر ~~(للحارس) ~~: # وأنت أيها الحارس، من هذا الذي تحرسه؟ # الحارس ~~(وهو لا يزال ساجدا) ~~: # هذا يا مولاي؟ هذا الفلاح؟ # المدير ~~: # نعم يا صاحب الجلالة، هذا الفلاح التعس. # القيصر ~~: # وماذا فعل حتى تتجمعوا حوله؟ # المدير ~~: # سرق غليونا من الطريق. # القائد ~~: # من أمام السور المحيط بقصر مولاي. # القائد ~~: # ومن يمد يده إلى شيء بجانب السور ... # الحارس ~~(وهو يقدم الغليون للقيصر) ~~: # ولو كان غليونا مشروخ الرأس ولا نفع فيه ~~(القيصر يتأمل الحارس والغليون ووجوه ~~الحاضرين باحتقار) ~~. # القائد ~~: # فيمكنه أن يمد يده إلى الصناديق التي أحفظ فيها أجور ~~الجنود. # الوزير ~~: # أو إلى ms127 الخزينة التي أحافظ فيها على كنوز ~~المملكة. # القيصر ~~: # وأخيرا إلى تاج القيصر نفسه، شيء محزن ... شيء محزن أيها ~~الفلاح. # المدير ~~: # ولهذا أمرت بوضعه وراء القضبان ليكفر عن ذنبه. # القائد ~~: # كان من رأيي أن يداس بالأقدام كما يداس أعداء ~~القيصر. # الوزير ~~: # اليوم يمد يده إلى غليون قديم، من يدري إن كان سيمدها ~~غدا إلى خزينة المملكة. # القيصر ~~: # لص خطير، بل وباء ينهش جسم المملكة، أليس كذلك أيها ~~الفلاح؟ # الفلاح ~~: # معهم الحق يا مولاي. قانونك أيضا معه الحق، ما لا ~~يملكه أحد يملكه القيصر. وأنا وامرأتي وأولادي وأهل بلدتي ~~«هان هان» وأهل البلاد والمدن جميعا ملكك، إن ذنبي في ~~عيني القانون فظيع، ولهذا طلبت من عبيدك هؤلاء أن ~~يساعدوني على التكفير عنه. # القيصر ~~: # وكيف تكفر عنه؟ # الفلاح ~~: # طلبت منهم أن يسمحوا لي بمقابلتك. # القيصر ~~: # أهذا صحيح يا وزير؟ # الوزير والقائد والمدير ~~: # صحيح يا مولاي! # القيصر ~~: # ولماذا تريد مقابلتي؟ # الفلاح ~~: # لأقدم لك شيئا نفيسا؛ أنفس شيء في الوجود، كنز. # القيصر ~~: # كنز؟ أنت تملك كنزا؟ # الفلاح ~~: # بل كنز الكنوز أيها القيصر. لا يليق إلا بأرفع إنسان ~~تحت الشمس. لا يمسه إلا أطهر إنسان تحت السماء. ناديت وصحت ~~وصرخت، ولكنهم أرادوا أن يستولوا عليه. # الحارس ~~: # أنا؟ بريء والله يا مولاي. # المدير ~~: # كذاب ومنافق. # القائد ~~: # يريد أن ينجو بجلده؟ # الوزير ~~: # لا تصدقه يا صاحب الجلالة، إن أمثاله يزيد كذبهم كلما ~~قل طعامهم. # القيصر ~~: # اسكتوا، إنها مؤامرة. وكل واحد يريد أن يستولي عليه، ~~يستأثر به لنفسه. هل يحسب كل منكم أنه أرفع إنسان في ~~المملكة وأطهر إنسان تحت الشمس؟ أنت؟ وأنت؟ أم أنت؟ أم أنت ~~أيها الحشرة؟ # الحارس ~~: # بريء، الرحمة! # المدير ~~: # العدل يا مولاي! # القائد ~~: # أتصدق فلاحا ولا تصدق قائدك يا مولاي؟ # الوزير ~~: # وإذا صدقته وكذبتني فافتح خزائن المملكة لفئرانهم ~~وبراغيثهم، وألق بتاجك وصولجانك في أجرانهم وحقول ~~أرزهم. # القيصر ~~(للجميع) ~~: # متآمرون ووقحون أيضا أيها الرعاع. ~~(للفلاح) # ناولني كنزك ~~أيها الفلاح، هات أيها العبد الطيب. # الفلاح ~~: # في الحال يا مولاي، ~~(هاتفا) # أين أنتم لتروني وتسمعوني يا أهل ~~هان ms128 هان؟ ألم تقولوا ستجد أرفع إنسان وأطهر إنسان تحت ~~الشمس؟ ها هو ذا، وها هو الكنز. ~~(يحفر بيده عميقا في جيبه، يستخرج لدهشة ~~العيون المحملقة لفافة من قماش متسخ وضع فيها النواة. يأخذها ~~القيصر متأففا ويناولها للوزير الذي يناولها بدوره للقائد، ~~ويسلمها هذا لمدير السجن الذي يضعها أخيرا في يد الحارس ~~المذهول.) # القيصر ~~: # أف. افتح اللفافة. # الوزير ~~: # افتحها. # القائد ~~: # افتحها. # المدير ~~: # قلت لك افتحها. ~~(يفتحها الحارس ويستخرج النواة. يناولها ~~لمدير السجن حتى تصل إلى القيصر الذي يتفحصها مأخوذا.) # الحارس ~~: # عجيب، نواة كمثرى. # المدير ~~: # نصب واحتيال! نواة! # القائد ~~: # وقاحة! نواة! # الوزير ~~: # لا خجل ولا حياء، نواة! # القيصر ~~(للفلاح) ~~: # نواة؟ نواة كمثرى؟ # الفلاح ~~: # أجل، نواة كمثرى. # القيصر ~~: # وهي الكنز؟ # الفلاح ~~: # بل كنز الكنوز، أنفس شيء في الوجود. # القيصر ~~: # إنها نواة كمثرى عادية؟ # الفلاح ~~: # لأجل أطهر إنسان تحت الشمس، لتهديه أعظم ثروة تحت ~~السماء. # القيصر ~~: # لا بد أنك جننت، لا بد أنك تكذب، كيف يمكنني أن أتصور ~~هذا؟ # الفلاح ~~: # عفوا يا مولاي، إنها ليست نواة عادية. تفضل بغرسها في ~~الأرض وسوف تنمو وتصبح شجرة في نفس العام. # القيصر ~~: # شجرة؟ وما قيمة شجرة؟ # الفلاح ~~: # عفوا يا مولاي. ليست شجرة عادية، إنها شجرة تطرح كمثرى ~~ذهبية. كمثرى من ذهب خالص. # الجميع ~~(يتدافعون على النواة) ~~: # آه ... آه، من ذهب خالص. # الفلاح ~~: # ابتعدوا ... ابتعدوا، لا يلمسها إلا أطهر إنسان تحت ~~الشمس. # القيصر ~~: # ابتعدوا أيها الرعاع. # الفلاح ~~: # هذا هو سرها يا مولاي. لا يلمسها إلا صاحب قلب كالثلج ~~الأبيض على قمم الجبال، كالنور الصافي في الفجر. # القيصر ~~: # قلت ابتعدوا، ولكن أيها الفلاح ... # الفلاح ~~: # مولاي. # القيصر ~~: # لماذا لم تغرسها بنفسك في الأرض؟ # الفلاح ~~: # حاشاي يا مولاي، لو فعلت لنمت ببطء ككل الأشجار، لو ~~لمستها يدي لما أثمرت غير كمثرى عادية. # القيصر ~~: # أنا لا أفهم هذا، كيف؟ # الفلاح ~~: # لا بد لكي تطرح ثمرات ذهبية أن يتحقق شرط ... # القيصر ~~: # أي شرط هذا؟ # الفلاح ~~: # لا يحققه سواك يا مولاي القيصر. # القيصر ~~: # لا يحققه سواي؟ تكلم. # الفلاح ~~: # لقد ذكرته منذ قليل يا مولاي ms129، إن هذه النواة لن تنمو ~~شجرة تطرح الكمثرى الذهبية حتى تغرسها في الأرض يد إنسان ~~طاهر، إنسان شريف، ولكن هذا لا يكفي؛ إذ يمكن أن يدعي كل ~~إنسان ... # القيصر ~~: # مفهوم ... مفهوم، أكمل. # الفلاح ~~: # لا بد أن يكون أطهر إنسان سطعت عليه الشمس. # القيصر ~~(كأنه يكلم نفسه) ~~: # صحيح، قلبه كالثلج فوق قمم الجبال، كالفجر. # الفلاح ~~: # إنسان لا يسرق، ولا يرتشي، ولا يمد يده إلى ما يملكه ~~سواه، لا يحقد على أحد. # القيصر ~~: # أكمل ... أكمل. # الفلاح ~~: # وأنا لست هذا الإنسان يا مولاي، لست هذا الإنسان، وإلا ~~ما رأيتني الآن وراء القضبان، إنني غارق في الذنوب. ولست ~~أخجل من الاعتراف بهذا. أما أنت يا مولاي القيصر ... # القيصر ~~: # مفهوم ... مفهوم. # الفلاح ~~: # أما أنت فتجلس فوق العرش كالشمس في سماء يوم من أيام ~~الربيع. مثل أعلى للناس وقدوة، أنت وحدك يا قيصر، أنت ~~وحدك أرفع إنسان وأطهر إنسان تحت الشمس. أنت وحدك الذي ~~يمكنني أن أهديه النواة، ولهذا أقدمها إليك ومعي أهل ~~بلدتي هان هان. # القيصر ~~(مضطربا) ~~: # أجل، أجل. أنت وأهل هان هان. ~~(ينتحي جانبا ويكلم ~~نفسه) # ورطة حقيقية، ومن الذي يوقعني فيها؟ ~~فلاح مجهول من بلدة، ماذا كان اسمها؟ أف لذاكرتي. بلدة ~~حقيرة مجهولة، قطرة ضائعة في بحر مملكتي الشاسعة، ويريد ~~مني أن أكون أطهر إنسان. أنا؟ أنا الذي سرقت كل شيء من ~~الشعب، كل ثروتي، كل شيء، حتى التاج والنساء، والحصان ~~النبيل الذي أمتطي صهوته في رحلات الصيد، ألم يكن ملك فلاح ~~كهذا؟ لا ... لا، ليس من حقي أن أغرس النواة في الأرض. لن ~~أستطيع هذا أبدا. وماذا يكون مصيري إذا لم تطرح الشجرة ~~إلا الكمثرى العادية؟ ماذا أفعل إذا أشار الناس إليها ~~وإلي وقالوا: هذا هو أطهر إنسان! ~~(للفلاح) # اسمع أيها الفلاح. ~~إن جلالة القيصر يشكرك بنفسه، هذه هدية رائعة أيها الفلاح ~~الطيب. وهي تدل على أن مملكتي لم تخل من الرعايا ~~المخلصين، ولكن قصري غني بالذهب، حيثما تلفتت عين جلالتي ~~رأيت الذهب في التحف والأواني والأثاث وفي الخزائن ~~العامرة. لهذا فكرت ms130 في وزيري المخلص العجوز. ~~(للوزير) # لقد كنت أفكر منذ ~~فترة طويلة في مكافأتك على خدماتك للقصر والمملكة. والآن ~~وقد حان وقت إحالتك للمعاش، فقد جاءت الفرصة تسعى إليك. خذ ~~يا وزيري الأمين ~~(يناول النواة ~~للوزير الذي ينزعج ويتراجع للخلف) # جاء اليوم ~~الذي كنت أنتظره منذ سنين، خذ هذه النواة العجيبة، اغرسها ~~بنفسك لتطرح الثمار الذهبية التي تستحقها أنت وأولادك ~~وأحفادك! ~~(القيصر يعانق الوزير ~~بحماس وتأثر مبالغ فيهما. الوزير يخلص نفسه من بين ~~أحضانه وينتحي جانبا) ~~. # الوزير ~~: # هذه العاطفة غريبة عليه وعلي. لقد ألهبت جسدي كأنها ~~بركان صب حممه علي. آه ضعت وانتهى الأمر. # القيصر ~~: # ماذا قلت يا وزيري الأمين؟ # الوزير ~~: # كنت أقول شكرا يا مولاي، شكرا من قلب عبدك المخلص طول ~~العمر، ولكن ألا ترى جلالتك أن السن قد تقدمت بي كثيرا ~~وأنني ... # القيصر ~~: # وما المانع من قبول الهدية؟ ستحصد الفاكهة الذهبية في ~~شيخوختك المباركة، ثم يحصدها ... # الوزير ~~: # أقصد يا صاحب الجلالة أن المرء في الشيخوخة لا يتطلع ~~للذهب والمال. إن قلب الشيخ المحنك الذي غمرته بهداياك ~~يشتاق إلى الحكمة كما يشتاق النهر للبحر. اعذرني يا مولاي، ~~هذا القلب الذي طالما خفق في طاعتك لم يعد نزقا كالجدول ~~الصغير الذي يعبث بالحصى والرمال، وهو يتمنى أن يخفق من ~~أجلك حتى آخر لحظة. وأنا الذي أمضيت العمر حارسا على ~~خزائن مملكتك أعرف من هو أحوج مني للذهب الذي ستحمله ~~الشجرة وأكثر منه. # القائد ~~(مفزوعا) ~~: # لا تقل إنه الجيش والجنود! # الوزير ~~: # قائدك الأمين. # القائد ~~: # لا يا مولاي، لا وألف لا. فالجيش لديه من السلاح ما ~~يكفيه. ومن الذي يسهر على تسليحه؟ أنا! ومن الذي يمكنك ~~الاعتماد عليه أكثر من أي شجرة؟ إنه أنا، لهذا فإن مدير ~~السجن أولى بالهدية السامية، ثم إن عمله لا يضطره للسفر ~~والتنقل، كما أن لديه الوقت الكافي لغرس النواة ورعاية ~~الشجرة، هيا تقدم لمولاك؟ ~~(مدير السجن يطيع أمر القائد مترددا ~~خائفا) # تعال، لا تتردد. صحيح أنه معروف ~~بقسوته على المساجين، ولكنه في النهاية رجل أمين ونفسه ~~طاهرة ms131. ولهذا أفضله على نفسي وأدعوه لغرس النواة. # القيصر ~~: # عظيم ، كنت أقول هذا لنفسي. # مدير السجن ~~(ينتحي جانبا ليكلم نفسه، بينما يصفق ~~القيصر والوزير والقائد إعجابا) ~~: # معنى هذا أن أضع نفسي وراء القضبان؟ هذا القائد النظيف ~~يعلم تمام العلم أنني أنهب من المساجين نصيبهم من الأرز ~~وأبيعه في السوق، ~~(ثم يواجه ~~الحاضرين ويقول) # شكرا لكم على هذا الشرف ~~العظيم. إنكم بهذا تخجلونني وتعطونني أكثر مما أستحق، ~~ولكنني وهبت حياتي لخدمة العدالة. والعدالة تطالبني ~~بأن أرد الفضل لأصحابه، ~~هل يمكنني أن أنسى حراسي الساهرين على ميزان العدل؟ ماذا ~~أكون بغيرهم؟ ماذا يكون البرج الشامخ بغير قاعدته؟ وما ~~قيمة الشجرة بدون جذورها؟ هل كنت أقدر على شيء بغير حراسي ~~الأمناء؟ تعال أيها الحارس الطيب، تعال فأنت أحق مني ~~بتكريم مولاي ومولاك. # الحارس ~~(صارخا) ~~: # لا ... إلا هذا. # المدير ~~(للقيصر) ~~: # اسمح لي يا مولاي بأن أناوله وسامك الرفيع. # الحارس ~~(باكيا) ~~: # مصيبة، هذه مصيبة، ماذا أفعل ولا أحد تحت سلطتي؟ لمن ~~أسلم النواة ولا أحد تحتي؟ لا أحد. # المدير ~~: # انظروا، إنه لا يصدق. الفرحة جعلته يهذي. # الحارس ~~(يسرع نحو القيصر ويركع تحت ~~قدميه) ~~: # إلا هذا يا مولاي، إلا هذا، افعل بي ما شئت. ضعني مكان ~~هذا الفلاح إذا أحببت، لكن أعفني من هذه النواة، إنني رجل ~~عادي، رجل ضعيف وصغير. اليوم في الصباح شتمت جاري ولعنت ~~زوجتي وأولادي وحظي وصفعت مسجونا عجوزا، وسرقت من هذا ~~الفلاح غليونه. نعم ها هو ذا، نهبته منه وسقته إلى السجن ~~وهو بريء. أعترف بهذا يا مولاي، أعترف أمامكم يا سادتي. ~~سولت لي نفسي الخبيثة أن أحتفظ به لنفسي. ها هو ذا إن ~~شئتم، لا ... لا إلا النواة يا مولاي، لن تحمل شجرتي الكمثرى ~~الذهبية ولا الخشبية. كيف يكون حالي حين أصبح سخرية الناس؟ ~~كيف أعيش؟ أي إنسان آخر أولى بها مني. أصدر أمرك يا مولاي ~~فأناولها لهذا الفلاح. إنه رجل طاهر. # الفلاح ~~: # من كان يظن هذا؟ أنا يا مولاي؟ # الجميع ~~: # نعم أنت. # الفلاح ~~: # إذن فلن تنمو الشجرة الذهبية أبدا. # المدير ms132 ~~: # تنمو أو لا تنمو. المهم أن تغرسها بنفسك في ~~الأرض. # الحارس ~~: # إنه لم يفعل شيئا يا مولاي. غليون قديم كان ملقى في ~~الوحل. # المدير ~~: # صحيح، وجريمته لا تساوي شيئا بجانب الكمثرى التي ~~سيحصدها. # القائد ~~: # ومن أحق منه بغرسها في الأرض؟ أليس هو الذي عثر ~~عليها؟ # الفلاح ~~: # لا يا مولاي القيصر، لا ... إنني مذنب، لص حسب قانونك ~~المقدس. # الوزير ~~: # ما الداعي للمبالغة؟ وما قيمة غليون قديم مشروخ؟ ما ~~أهميته؟ حبة رمل في صحراء السرقة، قطرة ماء في بحر الذنوب؟ ~~لا ... لا، أنا لم أر في حياتي أشرف من هذا الفلاح. لماذا ~~انحنى على الطين والتقط الغليون؟ لأنه تعود أن يغوص بقدميه ~~ورجليه في الطين. فلتأمر بإطلاق سراحه يا مولاي، إن ~~هلاهيله المرقعة تثبت براءته. أكثر من ألف حارس ومدير سجن، ~~مره بأن يغرس النواة في الأرض، ثم إن هذه هي مهنته. # الفلاح ~~: # لا ... لا يا مولاي، بحقك وبحق الأرض. إنني مذنب ... ~~مذنب. # القيصر ~~(بعد أن يمر عليهم واحدا واحدا وهو ~~يتفكر) ~~: # ليكن ما تقول يا وزيري المخلص الأمين، اسكت يا رجل، أنت ~~من الآن حر ~~(القيصر يشير بإصبعه ~~فيطلق سراح الفلاح، النواة تنتقل من يد الحارس إلى يد ~~مدير السجن فالقائد فالوزير فالقيصر الذي يناولها له ~~بنفسه) ~~. ~~(الفلاح يمسكها في يد ويتأملها طويلا قبل ~~أن يلفها بعناية في الخرقة البالية. يتتابع عليه القيصر ~~والوزير والقائد والمدير، يلقون عباراتهم الأخيرة، وينصرفون ~~واحدا بعد الآخر.) # القيصر ~~: # ستبقى الكمثرى الذهبية ملك القيصر. القانون هو ~~القانون! # الوزير ~~: # ولا بد من تسليمها إلي، أقصد إلى خزينة المملكة التي ~~ستظل كالبئر عميقة وبغير قرار. # القائد ~~: # من يحتاج إلى الذهب والمزيد من الذهب؟ من يحرسك ويحرس ~~بلدتك وكل بلاد المملكة؟ إنه الجيش ... إنهم الجنود. لا تنس ~~هذا. # المدير ~~: # إذا تذكرتني من وقت لآخر ببعض الكمثرى، فسوف أغمض عيني ~~في المرة القادمة. ~~(ينصرف الجميع، يبقى الفلاح الذي لا يزال ~~يقلب اللفافة في يده وأمامه الحارس. ينظران إلى بعضهما لحظات ~~يسودها الصمت، ثم يقول الفلاح.) # الفلاح ~~: # وأنت؟ ألا تريد أن ms133 تحجز نصيبك من الكمثرى ~~الذهبية؟ # الحارس ~~(يمد يده بالغليون ) ~~: # خذ يا أخي، هذا هو غليونك، أنت أولى به. # الفلاح ~~(ضاحكا) ~~: # من كان يظن هذا؟ ~~(يفتح اللفافة ~~البالية بعناية، يرفع النواة إلى فمه، ثم يقضمها ~~ويقدم بقيتها للحارس.) # الحارس ~~: # ما هذا؟ ماذا تفعل؟! # الفلاح ~~: # خذ يا صاحبي، هذا نصيبك من الآن. # الحارس ~~(يتناولها منه وتغيب في فمه، ثم يقول ~~ضاحكا) ~~: # ألم أقل لك؟ # الفلاح ~~(وهو يتوجه للجمهور) ~~: # ألم أقل لكم يا أهل هان هان؟ ~~(يواصلان الضحك، ثم ينصرفان ويسدل ~~الستار.) ms134