######OpenITI# #META# MULTIVOLUME: IDs 3376, 3377, 3405, 3406, 3425 #META# المؤلف: أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ] #META# المحقق: د. أحمد محمد المهدي #META# الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة #META# المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة #META# الطبعة: ٢ #META# الموضوع : #META# تاريخ النشر : ١٤٢٤ هـ.ق #META# ISBN (ردمك): 977-18-0315-8 #META# الصفحات: ٥٥٢ #META#Header#End# ### | مقدمة المؤلف ### ||| * بسم الله الرحمن الرحيم # وبه التوفيق والإعانة ولا حول ولا قوة إلا بالله (1). # الحمد لله الذي لا يبلغ مدى عظمته الواصفون ، ولا يدرك كنه حقيقته ~~العارفون ، ولا يحيط بجلال صمديته العالمون ، تعالى عن أن تحيط به الأوهام ~~والظنون ، وجل [عن (2) ] أن تخلقه الأعوام والسنون ، الخالق لكل موجود سواه ~~؛ فهو كائن بعد ما لم يكن ، وفاسد بعد أن يكون. # والصلاة على محمد رسوله القائم بشرعه ، والمظهر لدينه بعد أن كان مكنونا ~~، وعلى آله وأصحابه أعلام الهدى ، ومعادن السر المصون. وبعد : # فإنه لما كان كمال كل شيء وتماميته بحصول كمالاته الممكنة له ؛ كان كمال ~~الأنفس الإنسانية بحصول ما لها من الكمالات : وهى الإحاطة بالمعقولات ، ~~والعلم بالمجهولات. # ولما كانت العلوم متكثرة ، والمعارف متعددة ، وكان الزمان لا يتسع لتحصيل ~~جملتها ، والعمر يقصر عن الإحاطة بكليتها ، مع تقاصر الهمم وقصورها ، وضعف ~~الدواعى وفتورها ، وكثرة القواطع واستيلاء الموانع ، كان (3) الواجب السعى ~~في تحصيل أكملها ، والإحاطة بأفضلها ؛ تقديما لما هو الأهم فالمهم (4) وما ~~الفائدة في معرفته (5) أتم. # ولا يخفى أن أولى ما تترامى إليه بالنظر أبصار البصائر ، وتمتد نحوه ~~أعناق الهمم والخواطر ؛ ما كان موضوعه أجل الموضوعات ، وغايته أشرف الغايات ~~، والحاجة إليه في تحصيل السعادة الأبدية من الأبديات ، وإليه مرجع العلوم ~~الدينية ، ومستند النواميس الشرعية ، وبه صلاح العالم (6) ونظامه ، وحله ~~وإبرامه ، والطرق الموصلة (7) إليه يقينيات ، PageV01P067 # والمسالك المرشدة نحوه قطعيات ، وذلك هو العلم الملقب بعلم الكلام ، ~~الباحث في ذات واجب الوجود ، وصفاته ، وأفعاله ، ومتعلقاته ؛ فكان أولى ~~بالاهتمام بتعجيله ، والنظر في تحقيقه وتحصيله. # ولما كنا مع ذلك قد حققنا أصوله ، ونقحنا فصوله ، وأحطنا بمعانيه ، ~~وأوضحنا مبانيه ، وأظهرنا أغواره ، وكشفنا أسراره ، وفزنا فيه بقصب سبق ~~الأولين ، وحزنا غايات أفكار المتقدمين والمتأخرين ، واستترعنا منه خلاصة ~~الألباب ، وفصلنا القشر عن اللباب. سألنى بعض الأصحاب (1)، والفضلاء من ~~الطلاب ؛ جمع كتاب حاو لمسائل الأصول ، جامع (2) لأبكار أفكار أرباب ~~العقول. مقتصد لا يخرجه التطويل إلى الملل ، ولا فرط (3) الاختصار إلى ~~النقص والخلل ؛ فأجبته إلى دعوته ، والحقته (4) بأمنيته / رجاء للفوز يوم ~~المعاد ، والغبطة عند ms0001 قيام الأشهاد ، وهو المسئول أن يلهمنا الرشد فيما ~~رمناه ، ويسددنا لما قصدناه ، وأن يقيلنا من العثار ، وسوء الإكثار ، إنه ~~قريب ممن دعاه ، مجيب لمن قصده واستجداه ، وسميته : ### | أبكار الأفكار # وجعلته مشتملا على ثمانى قواعد ؛ متضمنة لجميع مسائل الأصول : # الأولى (5): في العلم وأقسامه. # الثانية : في النظر وأقسامه وما يتعلق به. # الثالثة : في الطرق الموصلة إلى المطلوبات النظرية (6). # الرابعة : في انقسام المعلوم إلى الموجود والمعدوم ، وما ليس بموجود ولا معدوم. PageV01P068 # الخامسة : في النبوات. # السادسة : في المعاد وما يتعلق به من السمعيات ، وأحكام الثواب والعقاب. # السابعة : في الأسماء والأحكام. # الثامنة : في الإمامة ومن له الأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر. PageV01P069 ### | القاعدة الأولى ### | في حقيقة العلم وأقسامه # وتشتمل على أربعة أقسام : # الأول (1): في حد العلم وحقيقته. # الثاني : في العلم الضرورى ، واختلاف العلماء فيه. # الثالث : في العلم الكسبى. # الرابع : في أحكام العلم. PageV01P071 ### | القسم الأول ### | في حد العلم وحقيقته (1) # أما حقيقة العلم : فقد اختلف العلماء في العبارات الدالة عليها. # فقال بعض المعتزلة (2): العلم اعتقاد الشيء على ما هو عليه. # وهو باطل بالمعتقد عن تقليد وجود الرب تعالى ؛ فإنه معتقد للشىء على ما ~~هو عليه ، وليس اعتقاده علما. (3) وهذا مما لا يندفع وإن زيد في الحد : مع ~~سكون النفس إليه (3). ثم إنه يخرج منه العلم بالمعدوم المستحيل الوجود ؛ ~~فإنه علم ، وما تعلق به ليس بشيء بالاتفاق. # ومنهم (4) من زاد في الحد : إذا وقع عن ضرورة أو دليل. وهذه الزيادة ، ~~وإن اندفع بها الإشكال الأول فلا يندفع بها الإشكال الثاني. # ومن زعم أن العلم لا يتعلق بالمعدوم المستحيل الوجود ؛ فحكمه بذلك علم ~~تصديقى ، والعلم التصديقى يستدعى علمين تصوريين ، وأحد التصورين المعدوم ~~المستحيل الوجود ؛ فيكون مناقضا لقوله : والعلم التصديقى. مع كونه مكابرا ~~للبديهة ، وما يجده كل عاقل من نفسه من العلم باستحالة الجمع بين النفى ~~والإثبات ، وهو غير متصور مع كون النفى غير معلوم. # وانظر الإنصاف للباقلانى. طبع الخانجى ص 13. والتمهيد له أيضا طبع دار ~~الفكر العربى ص 34 وأصول الدين للبغدادى. طبع مطبعة الدولة باستانبول ص 5 ، ~~6 والإرشاد لإمام الحرمين. نشر ms0002 الخانجى ص 12 ، 13 والمحصل للرازى. طبع ~~الحسنية ص 69 ومعالم أصول الدين له أيضا ص 5 على هامش المحصل. # وانظر شرح المواقف للجرجانى. ط دار الطباعة العامرة ص 29 36 حيث يختصر ~~صاحب المواقف ما أورده الآمدي مفصلا هنا. وأيضا شرح المقاصد للتفتازانى. ط ~~دار الطباعة العامرة باستانبول ص 13 15. PageV01P073 # وقال القاضى أبو بكر (1): العلم (2) معرفة المعلوم على ما هو به (3) # وهو باطل من وجهين : # الأول (4): أن لله تعالى علما عنده بعلم ، ولا يقال لعلمه معرفة ~~بالإجماع ؛ فلا يكون الحد جامعا. # الثانى : أنه عرف العلم بالمعلوم. والمعلوم مشتق من العلم ، والمشتق من ~~الشيء يكون أخفى من ذلك الشيء ، وتعريف / الأظهر (5) بالأخفى ممتنع. كيف ~~وفيه زيادة لا حاجة إليها وهى قوله : على ما هو به ؛ فإن المعرفة بالمعلوم ~~لا تكون إلا على ما هو به. # وقال الشيخ الأشعرى (6): فيه عبارات : # الأولى : العلم هو الذي يوجب كون من قام به يكون عالما. # الثانية : هو الذي يوجب لمن قام به اسم العالم. # الثالثة : العلم إدراك المعلوم على ما هو به. # والعبارتان الأوليان مدخولتان ؛ من حيث أنه أخذ العالم في حد العلم ؛ وهو ~~أخفى من العلم. والثالثة [مدخولة أيضا (7) ] من جهة أنه أخذ المعلوم في ~~تعريف العلم ؛ وهو أخفى منه (8). PageV01P074 # وأيضا : فإنه أخذ الإدراك في حد العلم ، والإدراك على أصله نوع من العلم ~~؛ وتعريف الجنس بنوعه ممتنع. ثم لا حاجة إلى الزيادة وهى : على ما هو به ؛ ~~كما تقدم. # قال الأستاذ أبو بكر بن فورك (1): العلم ما صح بوجوده من الذي قام به ~~إتقان الفعل وإحكامه. # وهو باطل ؛ فإنه إن أراد به ما يصح به إحكام الفعل وإتقانه بطريق ~~الاستقلال ؛ فهو محال ، فإن إتقان الفعل كما يتوقف على العلم ، يتوقف على ~~القدرة. وإن أراد به أنه يتوقف عليه الإتقان ولا يستقل به ؛ فيلزم عليه ~~القدرة ؛ فإنها أيضا كذلك ؛ وليست علما. # وأيضا : فإن الواحد منا له علم ، وهو غير مؤثر في إتقان فعل من الأفعال ~~القائمة به ، ولا الخارجة عنه ؛ إذ هو غير موجد لهما على أصلنا. # وقد قيل في إبطاله ms0003 أيضا : إن العلم قد يكون بما لا يصح به إتقانه [كعلم ~~(2) ] الواحد منا بنفسه وبالله تعالى ، وبالمستحيلات ؛ فإن ما تعلق به ليس ~~فعلا ، ولا مما يصح إتقانه [به (3) ] وإنما يلزم هذا الإبطال أن لو قيل : ~~العلم هو ما يصح به إتقان كل ما يتعلق به. وأما إذا أريد به ما يصح به في ~~الجملة إتقان الفعل ، فلا. # وقال الشيخ أبو القاسم الأسفرايينى (4): العلم ما يعلم به. # وفيه أيضا : تعريف العلم بما هو أخفى منه. # الأستاذ أبو بكر بن فورك : محمد بن الحسن بن فورك : المتكلم ، الأصولى ، ~~الأديب ، النحوى ، الواعظ. من متكلمى الأشاعرة ، له تصانيف كثيرة في أصول ~~الدين ، وأصول الفقه توفى سنة 406 ه. PageV01P075 ### |||| ** وقال بعض الأصحاب : العلم إثبات المعلوم على ما هو به. # وهو فاسد من ثلاثة أوجه (1): # الأول : أن فيه تعريف العلم بالمعلوم ؛ وهو فاسد ؛ على ما تقدم. # الثانى : أنه إذا كان العلم إثبات المعلوم ؛ فالعالم بالمعلوم يكون مثبتا ~~للمعلوم ؛ ويلزم من ذلك أن يكون علمنا بوجود الرب تعالى : إثباتا له ؛ وهو محال. # الثالث : أن الإثبات قد يطلق ويراد به إيجاد الشيء ، وقد يطلق ويراد به ~~تسكين الشيء عن الحركة ، وقد يطلق تجوزا على العلم. # ولا يخفى أن إرادة الإثبات بالاعتبار الأول والثاني فيما نحن فيه ؛ ~~ممتنع. والثالث / فيه تعريف العلم بالعلم ؛ وهو ممتنع. ### |||| ** وقال غيره من الأصحاب : العلم تبيين المعلوم على ما هو به. # ولا يخفى ما فيه من الزيادة ، وتعريف العلم بما هو أخفى منه. والذي يخصه ~~أن التبيين مشعر بالظهور بعد الخفاء ، والوضوح بعد الإبهام ؛ وذلك مما يوجب ~~خروج علم الرب تعالى عن الحد. # وقال غيره : العلم هو الثقة (2) بأن المعلوم على ما هو عليه. # ولا يخفى ما فيه من الزيادة ، وتعريف العلم بما هو أخفى منه. # كيف وأنه يلزم من كون العلم هو الثقة (2) بالمعلوم ؛ أن يكون من قام [به] ~~(3) العلم واثقا ؛ وذلك يوجب كون البارى تعالى واثقا بما هو عالم به ، ~~وإطلاق ذلك على الله تعالى ممتنع شرعا. ### |||| ** وقالت الفلاسفة : العلم عبارة عن انطباع ms0004 صورة المعلوم في النفس. # ويلزم عليه أن من علم الحرارة والبرودة : أن تكون صورة الحرارة ، ~~والبرودة ؛ منطبعة في نفسه ؛ ويلزم من ذلك أن يكون العالم بهما حارا ، أو ~~باردا ؛ وهو محال. PageV01P076 ### |||| ** فإن قيل : المنطبع إنما هو مثال الحرارة ، والبرودة ، لا نفس الحرارة والبرودة. # قيل : فالمثال إن كان مساويا في الحقيقة للمثل ؛ فالإشكال لازم ، وإلا ~~فليس مثلا له ، ولا العلم متعلقا به (1). # ولعسر تحديد العلم ؛ اختلف العلماء المتأخرون. # (2) فقال بعضهم (2): إنه لا طريق إلى تعريفه بالحد ؛ بل تعريفه إنما هو ~~بالقسمة ، والمثال. # وقال بعضهم (3): العلم بالعلم بديهى ؛ لأن ما عدا العلم لا يعرف إلا ~~بالعلم ، فلو كان غيره معرفا له ؛ لكان دورا ؛ ولأن الإنسان يعلم بالضرورة ~~وجود نفسه ، والعلم أحد تصورى هذا التصديق البديهى ، وما يتوقف عليه ~~البديهى يكون بديهيا ؛ فتصور العلم بديهى ؛ وهما باطلان : # أما القول الأول : فلأن الطريق المذكور في التعريف إن حصلت به معرفة ~~العلم وتمييزه عن غيره ؛ فلا معنى للحد إلا هذا. وإن لم يحصل به تمييز ~~العلم عن غيره ، فلا يكون معرفا للعلم. # وأما القول الثانى : فغير لازم ، فإن الدور يوجب أن لا يكون التحديد بأمر ~~خارج عن العلم ، فلا يلزم من ذلك امتناع التحديد مطلقا ؛ إذ الحد أعم من ~~الحد بأمر خارج عن المحدود على ما لا يخفى إلا أن يكون العلم بسيطا ، وليس ~~كذلك (4)؛ إذ هو نوع من مقولة الكيف ؛ على رأى. ومن مقولة المضاف ، على ~~رأى ؛ فيكون مركبا. # كيف وأنه لا دور ؛ (5) إذ الدور إنما يكون (5) مع اتحاد جهة التوقف ، ~~وتوقف غير العلم على العلم لا من جهة (6) كون العلم (6) صفة مميزة له ؛ بل ~~من جهة كونه مدركا به ، وتوقف / العلم على الغير بالضد ؛ فلا دور أصلا. PageV01P077 # وعلم الإنسان بوجود نفسه وإن كان بديهيا ، فلا يلزم أن تكون العلوم ~~التصورية بديهية لوقوع النسبة البديهية بينهما ؛ فإنه لا معنى للقضية ~~البديهية إلا إذا ما حصل العلم بمفرداتها بادر العقل إلى النسبة الواجبة ~~لها من غير توقف على نظر ولا استدلال. وسواء كانت المفردات معلومة ms0005 ~~بالبديهية ، أو النظر. ولهذا فإن النفس أحد التصورات في المثال المذكور ؛ ~~والعلم بمعنى النفس غير بديهى (1). # والأشبه في تحديده أن يقال : # العلم عبارة عن (2) صفة يحصل بها لنفس المتصف تمييز حقيقة ما ، غير ~~محسوسة في النفس احترازا من المحسوسات حصل عليه حصولا لا يتطرق إليه احتمال ~~كونه على غير الوجه الذي حصل عليه (2)، ويدخل فيه العلم بالإثبات ، والنفى ~~، والمفرد ، والمركب (3). وتخرج عنه الاعتقادات والظنون حيث (4) أنه لا ~~يبعد (4) فى النفس احتمال كون المعتقد والمظنون على غير الوجه الذي حصل ~~عليه في النفس ، وهو وجودى لا سلبى ؛ لأنه لو كان سلبيا ؛ فسلبه يكون ~~إثباتا ؛ لأن سلب السلب إثبات. ولو كان كذلك ؛ لما صح سلب العلم عن المعدوم ~~المستحيل الوجود ؛ لما فيه من اتصاف العدم المحض بالصفة الثبوتية ؛ وهو محال. # فإن قيل : هذا وإن دل على أن العلم ثبوتى ؛ فهو معارض بما يدل على كونه ~~سلبيا ؛ وذلك لأن الجهل البسيط نقيض العلم. والجهل البسيط ليس أمرا سلبيا ~~وإلا كان سلبه إثباتا كما ذكرتموه. ولو كان إثباتا ؛ لما صح سلب الجهل عن ~~المعدوم المستحيل الوجود ؛ لما فيه من إثبات الصفة الثبوتية للعدم المحض ؛ ~~وهو محال. # وإذا كان الجهل البسيط ثبوتيا ؛ فالعلم المناقض له يكون سلبيا. PageV01P078 # قلنا : هذا إنما يلزم أن لو كان الجهل البسيط نقيضا للعلم ؛ وليس كذلك ؛ ~~[بل (1) هو مقابل له ؛ والمتقابلان (1) ] أعم من المتناقضين. ولا يلزم من ~~كون أحد المتقابلين ثبوتيا أن يكون الأخر سلبيا ؛ (2) ولهذا فإنهما يجتمعان ~~في الكذب بالنسبة إلى ما هو غير قابل للعلم ، ولو كانا متناقضين لما اجتمعا ~~في الكذب (2). وقد قيل : إن العلم صفة إضافية بين العالم والمعلوم ؛ وفيه نظر. # فإنه إن قيل : إن الإضافة عدم ؛ فسلب الإضافة يكون ثبوتيا. ويلزم منه أن ~~يكون سلب الإضافة عن الأعدام المحضة ؛ موجبا لاتصاف العدم المحض بالصفة ~~الثبوتية ؛ وهو محال. # وإن قيل : إن الإضافة وجود فيلزم [أن تكون الإضافة بين] (3) المتقدم ~~والمتأخر ؛ صفة ثبوتية لهما. مع أن أحدهما معدوم. وأن تكون الإضافة / ~~بالتقابل بين السلب والإيجاب صفة ثبوتية لهما ms0006 ؛ والسلب عدم محض. # وإذا كان كل واحد من الأمرين محالا ؛ فالعلم لا يكون صفة إضافية. # وإذا عرف معنى العلم ؛ فهو حاصل متحقق باتفاق العقلاء. ولم يخالف في ذلك ~~غير السوفسطائية (4)، وسيأتى (5) الكلام معهم فيما بعد إن شاء الله تعالى (5). # وهو ينقسم إلى : قديم ، وإلى حادث. # أما العلم القديم : فهو علم الله تعالى وسيأتي الكلام فيه فيما بعد (6). # وأما العلم الحادث : فينقسم إلى ضرورى ، وإلى كسبى ؛ فلا بد من الإشارة ~~إليهما (7). PageV01P079 ### | القسم الثانى ### | في العلم الضرورى (1) # واختلف الناس فيه. ### |||| ** وقد قال القاضى أبو بكر : (2) # العلم الضرورى : هو الذي يلزم نفس المخلوق لزوما لا يجد عن الانفكاك عنه سبيلا. # وهذه العبارة وإن وقع (3) الاحتراز فيها (3) عن علم الله تعالى إلا أنه ~~لا مانع من زوال العلم الضرورى ، وثبوت أضداده كما يأتى ؛ فلا يكون جامعا. # وإن قيل : المراد به منع الانفكاك مقدورا للعبد ، أو عادة (4)، فيدخل ~~العلم النظرى (4) بعد حصوله ، فإنه كذلك وليس ضروريا عنده ؛ فلا يكون الحد ~~مانعا ، وإنما يصح أن لو أريد به منع الانفكاك قبل النظر مقدورا للمكلف ، ~~أو عادة (5). # والحق أن الضرورى قد يطلق على ما أكره عليه ، وعلى ما تدعو الحاجة إليه ~~دعوا قويا : كالحاجة إلى الأكل في المخمصة ، وعلى (6) ما سلب فيه الاقتدار ~~على الفعل والترك : كحركة المرتعش. إلا أن إطلاق العلم الضرورى على العلم ~~الحادث ؛ إنما هو بهذا الاعتبار الأخير. ### |||| ** وعلى هذا : فالعلم الضرورى : هو العلم الحادث الذي لا قدرة للمخلوق على تحصيله بالنظر والاستدلال. (7) # وذلك كالعلم بالمحسوسات (8) الظاهرة (8): كالعلم بالمسموعات ، والمبصرات ~~، والمشمومات ، والمذاقات ، والملموسات. PageV01P080 # أو بالحواس الباطنة : كعلم الإنسان بلذته وألمه ، والعلم بالأمور العادية ~~: كعلمنا بأن الجبال المعهودة لنا ثابتة ، والبحار غير غائرة ، وكالعلم ~~بالأمور التى لا سبب لها ولا يجد الإنسان نفسه خالية عنها : كالعلم بأنه لا ~~واسطة بين النفى والإثبات ، وأن الضدين لا يجتمعان ، وأن الكل أكثر من ~~الجزء ونحوه. وربما خصت هذه بالبديهيات. # وإذا عرف معنى العلم الضرورى ؛ فقد اختلف فيه : # فقال قوم من المعتزلة : إن جميع العلوم الواقعة ضرورية غير مقدورة ms0007 ~~للعباد. # لكن من هؤلاء من قال : إن الجميع غير مقدور للعباد ، ولا يتوقف على نظر ~~واستدلال. ### |||| ** ومنهم من قال : العلوم كلها وإن كانت غير مقدورة فمنها : ما حصوله لا عن نظر ، ومنها : ما ~~حصوله عن نظر ، لكن بعد تمام النظر يقع العلم ضروريا غير مقدور عليه. ### |||| ** وقال قوم : العلوم المتعلقة بذات الله تعالى وصفاته والاعتقادات الصحيحة ضرورية غير ~~نظرية. وما عدا ذلك ؛ فلا يمتنع أن يكون نظريا. (1) ### |||| ** وقال بعض الجهمية (2): جميع العلوم نظرية لا ضرورة فيها. ### |||| ** وقال بعض المتأخرين (3): ما كان من العلوم التصورية ؛ فهى ضرورية. وما كان من العلوم ~~التصديقية ؛ فمنقسمة إلى ضرورى ، ونظرى. ### |||| ** والذي عليه المحصلون : أنه ليس كل علم ضروريا ؛ إذ هو خلاف ما يجده كل عاقل من نفسه في المسائل ~~المختلف فيها. كحدوث العالم ، ووجود الصانع ، والجوهر الفرد وبقاء الأعراض. ~~إلى غير ذلك. # انظر المحصل ص 71 ، وشرح المواقف ص 43. PageV01P081 # ثم لو كانت العلوم كلها ضرورية ؛ لما ساغ الخلاف فيها من الجمع الكثير من ~~العقلاء ممن تقوم الحجة بقولهم ، ولما وجد واحد من نفسه الخلو عنها. # وعلى هذا أيضا : يبطل قول من فصل بين العلوم المتعلقة بالإله تعالى ~~وصفاته ، والاعتقادات الصحيحة ، وبين غيرها. # ومن قال بكون العلم ضروريا مع حصوله عن النظر فلا نزاع معه في غير ~~التسمية ، فإنا لا نعنى بكونه مقدورا وغير ضرورى ؛ غير كون الطريق المفضى ~~إليه مقدورا للعبد. لا بمعنى أن العلم الحاصل عنه مقدور. # كيف وأن معرفة الله تعالى واجبة بالإجماع : إما بالعقل ، أو بالشرع. # فإن كان بالعقل : فالعقل لا يوجب فعل ما ليس بمقدوره. # وإن كان ذلك بالشرع : فالشارع أيضا لا يوجب فعل ما ليس بمقدور على ما ~~يأتى ، وكما أنه ليس كل علم ضروريا ؛ فليس كل علم نظريا. وإلا لزم التسلسل ~~الممتنع ؛ بل البعض ضرورى ، والبعض نظرى ؛ وسيأتى الرد على شبه منكرى ~~الضروريات فيما بعد. (1) # ومن قال بالفرق بين التصور ، والتصديق ؛ فقد احتج عليه بحجج (2) أبطلناها ~~في كتاب دقائق الحقائق (2). # والقائل بالفرق بين التصور ، والتصديق : هو الإمام الرازى. انظر المحصل ms0008 ص ~~3 5 وقد نقل الآمدي رأى الرازى المذكور في المحصل بالتفصيل في كتابه دقائق ~~الحقائق في ل 5 / أ، ل 5 / ب. وقد قابلته على ما ورد بالمحصل وتأكد لى صحة ~~نقل الآمدي. الذي بدأه بقوله : قال بعض المتأخرين : ثم بدأ في نقده ، والرد ~~عليه فقال بعد نقله رأى الرازى بالتفصيل وهذا منه تساهل في التحقيق ، ثم ~~نقده نقدا تفصيليا في ل 5 / ب ل 7 / ب. PageV01P082 ### | القسم الثالث ### | في العلم الكسبى (1) # والعلم المكتسب : هو العلم المقدور بالقدرة الحادثة. # وقد اختلف أصحابنا في جواز وقوع العلم المكتسب من غير نظر ، واستدلال. ~~فجوزه قوم وإن كانت العادة على خلافه كالأستاذ أبى إسحاق (2) ومنع منه آخرون. # وعلى هذا فمن لم يجوز انفكاك العلم المكتسب عن النظر ؛ فحد المكتسب عنده ~~مطرد في العلم النظرى ؛ فكل علم مكتسب عنده نظرى ؛ وكل نظرى مكتسب. # ومن جوز الانفكاك : لم يطرد / حد المكتسب عنده في النظرى ؛ فإن اطرد حد ~~النظرى في المكتسب ؛ فكل نظرى مكتسب ، وليس كل مكتسب نظريا. # وعلى هذا فقد اختلف أرباب هذا (3) المذهب في العبارات (3) الدالة على ~~العلم النظرى. # فمنهم من قال : هو العلم الواقع عقيب النظر الصحيح. # ومنهم من قال : ما يوجبه النظر الصحيح. # ومنهم من قال : هو الواقع عن النظر الصحيح. # ومنهم من قال : هو المقدور المنظور فيه نظرا صحيحا. # ومنهم من قال : ما يتضمنه النظر الصحيح (4). # والعبارة الأولى : مدخولة بما يقع من العلوم الضرورية عقيب النظر الصحيح ~~: كالعلم بما يحدث من الألم ، واللذة ، والفرح ، والغم ونحوه ؛ فإنه ليس ~~نظريا مع وجود الحد. PageV01P083 # والعبارة الثانية ، والثالثة فغير مرضية على رأى أصحابنا ؛ لإشعارهما ~~بوجود العلم ووجوبه بالنظر ؛ وليس كذلك على ما سيأتى في النظر (1). ### |||| ** والعبارة الرابعة : فغير مطردة على رأى من يرى من أصحابنا أن العلم الحاصل بالنظر غير مقدور للعبد. ### |||| ** وأما العبارة الخامسة : فهى عبارة القاضى أبى بكر. وهى موافقة لأصول أهل الحق من أصحابنا ، وإن كان ~~فيها نوع غموض بسبب غموض معنى التضمن. # وكشفه أن يقال : معنى تضمن النظر الصحيح للعلم : أنهما بحال لو قدرنا ~~انتفاء ms0009 الآفات ، وأضداد العلم ؛ لا ينفك أحدهما عن الآخر (2) من غير إيجاب ~~ولا تولد : كالعرض مع الجوهر ، وتذكر النظر وإن لم يكن هو نفس النظر ؛ ~~فالعلم الحاصل عنده لا يخرج عن أن يكون النظر متضمنا له ؛ فعبارة القاضى ~~تكون مطردة في هذه الصورة أيضا. PageV01P084 ### | القسم الرابع : في أحكام العلم # ويشتمل على تسعة فصول : # الأول : في تجويز وقوع العلم (1) الضرورى نظريا ، وبالعكس # الثانى : في مراتب العلوم. # الثالث : في العلم الواحد الحادث. هل يتعلق بمعلومين ، أم لا؟ # الرابع : في جواز تعلق علم بمعلوم ، (2) أو معلومات على الجملة (2). # الخامس : في اختلاف العلوم وتماثلها. # السادس : في تعلق العلم بالشيء من وجه دون وجه. # السابع : في امتناع وجود علم لا معلوم له. # الثامن : في محل العلم الحادث ، وأنه لا بقاء له. # التاسع : في أضداد العلم الحادث ، وأحكامها. PageV01P085 ### | الفصل الأول ### | في تجويز وقوع العلم الضرورى نظريا وبالعكس # أما أن العلم الضرورى هل يجوز وقوعه نظريا (1)؟ # فقد قال به القاضى أبو بكر فى بعض أقاويله وجماعة من المتكلمين. ونفاه آخرون. # ومنهم من لم يجوز ذلك فيما كان من العلوم الضرورية شرطا في كمال العقل. ~~وجوزه فيما عداه. # وقد ذهب القاضى أبو بكر إلى هذا التفصيل في قول أخر. وإليه ميل (2) أبى ~~المعالى (3) من أصحابنا. # وأحتج من قال بتجويز ذلك في العلوم الضرورية مطلقا : بأن العلوم من جنس ~~واحد ؛ فما جاز في البعض جاز على الكل ، وقد جاز في بعض العلوم أن تكون ~~نظرية ؛ فكذلك في الباقى (4). ### ||| ** ولقائل أن يقول : # وإن كانت من جنس واحد ؛ فلا يمنع ذلك من اختلافها ، وتميز كل واحد بتعين ~~غير تعين الآخر. # ومع ذلك فلا يلزم أن ما جاز على أحدهما يجوز على الآخر ؛ لجواز أن يكون ~~ما جاز على أحدهما بسبب تعينه ، أو أن تعين الآخر يكون مانعا منه ، واشتراك ~~العلوم كلها في عارض واحد وهو الإدراك والإحاطة ، أو غير ذلك. غير دال على ~~الاتحاد ؛ إذ لا مانع من اشتراك المختلفات في لازم واحد عام لها. PageV01P087 # وأيضا : فإنه لو جاز وقوع جميع العلوم ms0010 الضرورية نظرية ؛ فكل ما هو جائز ~~أن يكون ؛ لا يلزم من فرض وقوعه المحال. فلنفرض وقوع جميع العلوم الضرورية ~~نظرية. ولو كان كذلك ؛ لاستحال وقوع شيء من العلوم النظرية ؛ لأن العلم ~~النظرى لا بد وأن ينتهى إلى العلم الضرورى وإلا لتسلسل الأمر إلى غير ~~النهاية ؛ وهو ممتنع. # وأيضا : فإنه إذا جاز وقوع جميع العلوم الضرورية نظرية ، لجاز وقوع ~~العلوم الضرورية التى هى شرط كمال العقل في النظر نظرية. (1) وإذا كانت ~~نظرية (1)؛ فتكون متوقفة على النظر ، والنظر متوقف على كمال العقل ، الذي ~~لا يتم النظر إلا به. وكمال العقل الذي لا يتم النظر إلا به ، متوقف على ~~تلك العلوم الضرورية ؛ فيكون دورا. # وأيضا : فإنه لو جاز وقوع جميع العلوم الضرورية نظرية ؛ (2) فالنظر على ~~ما يأتى مضاد (2) وقوع المنظور فيه. ففى حالة النظر لا يكون عالما بها. ~~وذلك يجر إلى تجويز أن يكون العاقل حالة النظر [غير] (3) عالم باستحالة ~~اجتماع الضدين ، وأن لا واسطة بين النفى والإثبات ، وأن الواحد أقل من ~~الاثنين ، وأن الجسم في آن واحد لا يكون في مكانين. # ولا يخفى ما في ذلك من الإحالة ، واتجاه قول منكرى البديهيات. # فإن قيل : هذا وإن دل على امتناع وقوع الضروريات نظرية ؛ فما المانع من ~~وقوعها كسبية مقدورة للعبد ، وإن لم تفتقر إلى نظر واستدلال؟ كما قال ~~الأستاذ أبو إسحاق في بعض مذاهبه. # فنقول : لو وقعت كسبية مقدورة للعبد ، لصح الإضراب عنها ؛ لكونها مقدورة ~~؛ فإنه لا معنى للمقدور إلا ما يصح فعله / وتركه وإلا كان (4) مضطرا إليه ~~وملجأ ؛ فلا يكون مقدورا. ولا يخفى أن إضراب العاقل عن العلوم البديهية محال. # كيف وأن هذا مما لا يطرد في العقل عنده ؛ إذ هو من العلوم الضرورية. فلو ~~جاز وقوعه مقدورا ؛ لصح الإضراب عنه. وإضراب العاقل عن عقله محال. ثم إن ~~حصول العلم مقدورا ؛ يستدعى حصول العقل. وحصول العقل إذا كان من العلوم ~~المقدورة ، فحصوله مقدورا ؛ يتوقف على حصوله في نفسه. وحصوله في نفسه ؛ ~~يتوقف على كونه مقدورا ؛ وهو دور ممتنع. PageV01P088 ### |||| ** وربما قيل في إبطاله ms0011 : لو جاز حصول العلم الضرورى مقدورا من غير نظر ؛ لجاز حصول العلم النظري من ~~غير نظر واستدلال. ولو جاز ذلك لا يتحتم علينا الدعاء إلى النظر والاستدلال ~~المفضى إلى معرفة الله تعالى مع وجوبه ؛ لجواز أن يقول المدعو : ذلك حاصل ~~لى من غير نظر ولا استدلال. # وهو إنما يلزم أن لو لزم من جواز وقوع الضرورى مقدورا من غير نظر ، جواز ~~ذلك في النظرى ، ولا بد من دليل جامع ؛ ولا دليل عليه. # وأيضا : فإن حصول ذلك مع تجويزه خارق للعادة ، والمخبر عن نفسه مما يخرق ~~العادة غير مصدق فيه. # وأما من منع من جواز ذلك مطلقا. فحجته ما أشرنا إليه (1) في الاعتراض (1). # وربما احتج : بأنه لو جاز وقوع العلم الضرورى نظريا ؛ لجاز وقوع الآلام ~~والأوجاع ، وغير ذلك مما وقوعه غير مكتسب مكتسبا. # وهو تمثيل من غير دليل جامع ؛ فلا يكون صحيحا كما تقدم. # ومن قال بالتفصيل (2) بين العلوم الضرورية التى بها كمال العقل وغيرها ~~فمستنده : أما فيما قضى فيه بالجواز ؛ فمستند (3) القائلين بتعميم الجواز ، ~~وقد عرف ما فيه (4) وفيما قضى فيه بنفي الجواز ؛ فما أسلفناه من الدور في ~~الاعتراض على القائلين بالجواز مطلقا (5). # وأما أن العلوم النظرية هل يجوز أن تقع ضرورية غير مقدورة للعبد؟ (6) ~~فهذا مما اتفق عليه أهل الحق من أصحابنا. PageV01P089 # وأما المعتزلة : فموافقون على الجواز في الكل. غير أنهم يمنعون من الوقوع ~~في البعض : كالعلم بالله تعالى وصفاته. من حيث أن العلم بالله تعالى وصفاته ~~واجب على العبد فلو لم يكن ذلك مقدورا له ؛ لكان الإيجاب قبيحا. # ومستندهم في الجواز : أن العلوم من جنس واحد ؛ فما يثبت للبعض ، جاز أن ~~يكون ثابتا للكل. والله تعالى قادر على خلق العلوم الضرورية للعبد غير (1) ~~مقدورة له ؛ فكذلك في الباقى. # ويرد عليه من الإشكال ما ورد على / حجة القائلين بجواز وقوع العلوم ~~الضرورية نظرية على ما سبق (2). PageV01P090 ### | الفصل الثانى ### | في مراتب العلوم # لا نعرف خلافا في جواز كون العلم النظرى مستندا إلى علم ضرورى ، أو إلى ~~علم نظرى يستند في ms0012 الآخرة إلى علم ضرورى. # وإنما الخلاف في جواز استناد العلم الضرورى إلى النظري ، أو إلى ضرورى ~~آخر. أما استناد العلم الضرورى إلى النظرى (1)؛ فقد اختلف أصحابنا فيه : # فمنهم من جوزه اعتمادا منه على أن العلم باستحالة اجتماع الضدين ضرورى ، ~~والتضاد لا يكون إلا بين الأعراض. والعلم بوجود الأعراض نظرى لا ضرورى ؛ ~~فالعلم باستحالة اجتماع الأضداد (2) ضرورى ؛ وهو مستند إلى العلم بوجود ~~الأضداد ؛ وهو نظرى ؛ ولهذا فإن (3) من لا يعلم وجود الأضداد ، لا يحكم ~~باستحالة اجتماعها. # وأنكره الباقون : من حيث أن العلم الضرورى لا خلو للنفس عنه. بخلاف العلم ~~النظرى فإنه لا يمتنع الخلو عنه بتقدير عدم النظر. فلو كان العلم الضرورى ~~مستندا إلى العلم النظرى ؛ لأفضى إلى جواز خلو النفس عن الأصل مع امتناع ~~خلوها عن التابع ؛ وهو محال. # ثم اختلف هذا الفريق في الجواب عن مستند الفريق الأول : # فمنهم من قال بأن العلم باستحالة اجتماع الضدين نظرى ، وليس بضرورى ، ~~ولهذا يحسن إقامة الدليل عليه على من قال : بجواز اجتماع الحركة ، والسكون. ~~والسواد ، والبياض في محل واحد من أرباب الكمون والظهور (4). # (انظر الملل والنحل 1 / 56 وتاريخ الفلسفة في الإسلام لديبور ص 47). PageV01P091 # ومنهم من قال : العلم باستحالة اجتماع الضدين وإن كان ضروريا ؛ إلا أنه ~~مستند إلى علم ضرورى ؛ فإن من نفي الأعراض لا ينكر طرو الألم واللذة عليه ، ~~ولا يستريب في ذلك. وإنما هو مستريب في كون هذه الصفات مغايرة للذوات. ~~والعلم باستحالة اجتماع هذه الأضداد لا يتوقف على كونها مغايرة للذوات. ~~فإذا ما توقف عليه الضرورى ، ضرورى. وما ليس بضرورى ؛ فالضرورى غير متوقف ~~عليه. (1) # والحق عندى في ذلك متوقف على تلخيص محل النزاع ؛ ليكون التوارد بالنفي ~~(2) والإثبات على محز (3) واحد. # فنقول : العلم بالنسبة الواقعة بين مفردات القضية بعد تصور مفرداتها ؛ قد ~~يقال له ضرورى. بمعنى أن العلم بها (4) غير مكتسب ولا مقدور ، وإن كان ~~نظريا كما أسلفناه في القسم الثانى (5). # وقد يقال : العلم بالنسبة ضرورى ، بمعنى أنه لا يتوقف بعد العلم ~~بالمفردات على النظر / والاستدلال. # فإن كان الأول : فالقضية نظرية (6). ولا ms0013 منافاة بين كونها نظرية ، وبين ~~كون العلم بها غير مقدور. # وعلى هذا فلا يمتنع استناد مثل هذا الضرورى الذي هو نظرى إلى العلم ~~النظرى. وإن كان الثانى : فالقول باستناد مثل هذا الضرورى إلى العلم النظرى ~~: إما بمعنى أنه يستند إلى علم نظرى خارج عن العلم بالمفردات ، أو نظرى ~~متعلق بالمفردات. # فإن كان الأول : فهو تناقض ؛ إذ الكلام (7) فيما لا يفتقر بعد تصور ~~مفرداته إلى النظر ، فإذا قيل بافتقاره إلى النظر ؛ فقد خرج (8) عن أن يكون ~~ضروريا بهذا الاعتبار. PageV01P092 # وإن كان الثانى : فلا خفاء بجوازه. ولا تخرج القضية بذلك عن أن تكون ~~ضرورية ؛ إذ القضية الضرورية بهذا الاعتبار : هى التى يبادر العقل بالنسبة ~~الواجبة لها بعد تصور مفرداتها من غير توقف على (1) نظر واستدلال ، وسواء ~~كان العلم بالمفردات : ضروريا بهذا الاعتبار ، أو نظريا على ما أسلفنا ~~تحقيقه. # وعلى هذا. فلا يمتنع خلو النفس عن العلم بهذه النسبة ، مع فرض عدم التصور ~~للمفردات. # (2) فمن سلم بأن مثل هذا (2) العلم الضرورى لا تخلو النفس عنه مطلقا. ~~وإنما لا تخلو (3) عنه مع فرض تصور المفردات (4)، والقول بأن العلم ~~باستحالة (5) الجمع بين (5) الضدين نظرى ؛ فلا يخفى ما فيه من إنكار ~~البديهة ، وإمكان (6) قول ذلك (6) في كل بديهى. # والقول بأنه يحسن الاستدلال على القائلين بالكمون ، والظهور ؛ فإنما يلزم ~~أن لو كان استدلالا على استحالة الجمع بين الضدين ؛ وليس كذلك ، بل على ~~استحالة ما يعتقدونه من الكمون والظهور. بما يفضى إليه من الجمع بين الضدين ~~، وفرق بين المقامين. # ومن قال من أصحابنا : إن العلم بكل واحد من الضدين ضرورى : إما أن يريد ~~به الحقيقة ، أو الوجود. # فإن أراد به الحقيقة : فلا يخفى أن العلم بحقيقة السواد والبياض مثلا ؛ ~~غير ضرورى. فإنه كم من عاقل انقضى عليه الدهر ، ولم يعلم حقيقتهما دون نظر ~~واستدلال. # وإن أريد به العلم بوجود السواد والبياض عينا : بمعنى الوجود الخارجى ؛ ~~فالوجود على أصل أصحابنا لا يزيد على الحقيقة. فإذا كانت الحقيقة غير ~~معلومة ضرورة ، فكذلك الوجود. PageV01P093 # وأما أنه هل يجوز استناد العلم الضرورى ms0014 إلى الضرورى :؟ فقد (1) اختلف فيه ~~أصحابنا أيضا : # فجوزه القاضى أبو بكر محتجا عليه بأن العلم الضرورى / بأمر من الأمور ~~الخارجة عن نفس العالم به ؛ متوقف على العلم بنفس العالم ؛ وعلم المرء ~~بنفسه ضرورى. # وأنكره آخرون : اعتمادا منهم على أن الضرورى لو افتقر إلى أمر آخر في ~~حصوله ؛ لخرج عن كونه ضروريا. (2) # والحق : أنه إن قيل : إن الضرورى يكون بعد معرفة مفردات القضية ؛ متوقفا ~~على أمر يتضمنه ؛ فهو غير ضرورى ؛ فالحق ما قاله النفاة. # وإن أريد به ما يلازمه لا على وجه يكون متضمنا له ؛ فالحق ما قاله ~~القاضى. # هذا ما عندى فيه ، وعسى [أن (3) ] يكون عند غيرى غيره. PageV01P094 ### | الفصل الثالث ### | في تعلق العلم الواحد الحادث بمعلومين (1) # وقد أختلف في ذلك : # فمذهب الشيخ أبى الحسن الأشعرى ، وكثير من المعتزلة : أن العلم الواحد ~~الحادث لا يتعلق بمعلومين على التفصيل. # وذهب بعض أصحابنا : إلى جواز ذلك مطلقا (2). # ومن أصحابنا : من فصل بين العلم الضرورى ، والنظرى : فجوز ذلك في العلم ~~الضرورى دون النظرى : كالشيخ أبى الحسن الباهلى (3). # والذي ارتضاه القاضى أبو بكر ، وأبو المعالى (4): أن كل معلومين يتصور ~~العلم بأحدهما مع إمكان عدم العلم بالآخر : كالسواد ، والبياض ، والقديم ، ~~والحادث ، ونحوه ؛ فلا يتصور تعلق العلم الواحد الحادث بهما. # وكل معلومين لا يتصور فرض العلم بأحدهما (5)؛ مع إمكان عدم العلم بالآخر ~~: كالعلم بالعلم بالشيء ، والعلم بذلك الشيء ، فإنه لا يتصور العلم بالشيء ~~مع إمكان عدم العلم بالعلم بذلك الشيء وكذلك بالعكس ، وكالعلم بمماثلة أحد ~~الشيئين للآخر ، مع العلم بمماثلة الآخر له ؛ فإنه لا يتصور انفكاك العلم ~~بأحدهما عن العلم بالآخر ، وكذلك في طرق المضادة والمخالفة ؛ بل وكالعلم ~~بالنسبة الواقعة بين المفردات إيجابا وسلبا ؛ فإنه لا يمكن انفكاكه عن ~~العلم بالمفردات : كالعلم بأن الإنسان حيوان ، وأنه ليس بحجر ؛ فلا بد وأن ~~يكون العلم بهما واحدا. PageV01P095 ### ||| ** أما المذهب الأول : # فحجته أنه لو جاز أن يتعلق العلم الواحد الحادث (1) بمعلومين ، لجاز أن ~~يتعلق بثالث ، ورابع إلى ما لا يتناهى. ويلزم من ذلك أن يكون الواحد (2) ~~منا عالما بعلم واحد ms0015 بمعلومات لا تتناهى ؛ وهو ممتنع. ### ||| ** أما المذهب الثانى : # فحجته أنه لا مانع من تعلق العلم الواحد (2) إذا كان قديما بمعلومات ~~متعددة ؛ فكذلك العلم الحادث ؛ فإن أحكام العلل مما لا تختلف شاهدا ، ~~وغائبا. ### ||| ** وأما المذهب الثالث : # القائل بالتفصيل بين الضرورى ، والنظري ؛ فحجته في جواز تعلق العلم ~~الضرورى ، بمعلومين ما هو حجة من قبله. # وحجته في امتناع تعلق العلم النظرى بمعلومين ؛ أن كل واحد من المعلومين ؛ ~~فالعلم به نظرى على ما وقع فيه (3) الفرض. والعلم النظرى متوقف على النظر ، ~~ويلزم من ذلك اجتماع النظرين المفضيين إلى العلم بالمعلومين. وكل نظرين (4) ~~صحيحين ؛ فهما متماثلان ، وكل متماثلين (4). متضادان على ما يأتى في قاعدة ~~النظر (5) فصل المتماثلات واجتماع الضدين محال. ### ||| ** وأما المذهب الرابع : # وهو مذهب القاضى أبى بكر. فحجته في الطرف الأول من وجهين : # الأول : أنه لو جاز تعلق علم واحد حادث بمعلومين ، يتصور العلم بأحدهما ~~مع إمكان عدم العلم بالآخر ؛ لانقلب الجائز مستحيلا ؛ وذلك محال. # انظر الفصل الخامس في اختلاف العلوم وتماثلها ل 10 / ب. PageV01P096 # وبيانه : أن العلم بالسواد مثلا ، مما يجوز انفكاكه عن العلم بالبياض ؛ ~~فلو كان العلم المتعلق بهما واحدا ؛ لما تصور انفكاك العلم بأحدهما عن ~~العلم بالآخر ؛ وذلك محال ؛ لما فيه من انقلاب الجائز ممتنعا. # الثانى : أنه لو جاز أن يكون العلم الموجب لكون العالم عالما بالسواد ، ~~وعالما بالبياض واحدا مع الاتفاق على تجويز أن يكون مختلفا ؛ لكانت الصفة ~~الواحدة موجبة لما توجبه الصفات المختلفة من الأحكام. ولو جاز ذلك ؛ لجاز ~~وجود صفة واحدة توجب ما يوجبه العلم والقدرة ، من كون العالم عالما ، ~~والقادر قادرا ؛ وذلك (1) محال. # وحجته في الطرف الثانى من وجهين أيضا : # الوجه الأول : أنه إذا علم الواحد منا شيئا (2): فإما أن يكون عالما ~~بعلمه بذلك الشيء أولا. لا جائز أن يكون غير عالم به ؛ وإلا لساغ أن يقال : ~~إن الواحد منا عالم بجميع المعلومات ؛ ولكنه لا يشعر بكونه عالما : ولا ~~يخفى أن حصول علم (3) الإنسان (3) وهو لا يشعر به ، محال. # وإن كان عالما بعلمه بذلك الشيء : فإما أن يكون ms0016 علمه بعلمه بذلك الشيء ، ~~هو علمه بذلك الشيء ، أو غيره. # لا جائز أن يقال بالمغايرة : وإلا كان (4) العلم بالعلم بذلك الشيء ، غير ~~العلم بالعلم بذلك الشيء ؛ فيلزم منه التسلسل الممتنع. # وإن كان هو هو ؛ فهو المطلوب ؛ فإن العلم واحد ، والمعلوم مختلف ؛ وهو ~~الشيء (5) والعلم به (5). # الوجه الثانى : أنه لما (6) امتنع الانفكاك بين كون العالم عالما بالشيء ~~، وبين كون ذلك الشيء معلوما ، ولزم من ذلك امتناع إضافة هذين الحكمين إلى ~~علمين يكون أحدهما / موجبا لحكم العالمية ، والآخر موجبا لحكم المعلومية ، ~~فكذلك إذا كانت PageV01P097 # معلومية كل واحد من الشيئين لا تنفك عن الأخرى ؛ امتنع استنادها إلى ~~علمين ، ووجب أن يكون الموجب لهما علما واحدا. ### ||| ** وفي حجج هذه المذاهب نظر : ### |||| ** أما حجة المذهب الأول : فلقائل أن يقول : لا نسلم أنه يلزم من جواز تعلق العلم الواحد بمعلومين (1) ~~فصاعدا على وجه يكون متناهيا ؛ جواز تعلقه بمعلومات غير متناهية (1) وإن ~~كان المحتج بها معتزليا ؛ فيلزم عليه القدرة الحادثة ؛ (2) فإنه يجوز عنده ~~تعلقها بمقدورين (2) فصاعدا مع اتحادها ، وما لزم من ذلك جواز تعلقها ~~بمقدورات غير متناهية وإن كان ذلك غير ممتنع في القدرة ؛ فمثله في العلم من ~~غير فرق. ### |||| ** وأما حجة المذهب الثانى : فلا يخفى أنها قياس تمثيلى ، وإلحاق شاهد بغائب من غير دليل جامع ؛ فتكون ~~باطلة. (3) # ثم تلزم على من احتج بذلك من أصحابنا القدرة الحادثة ، فإنها لا تتعلق ~~بأكثر من مقدور واحد على أصلنا كما يأتى وما لزم من جواز تعلق قدرة الرب ~~تعالى بمقدورين فصاعدا ؛ جواز ذلك في القدرة الحادثة ؛ ولا يخفى تعذر الفرق ~~بين العلم والقدرة. ### |||| ** وأما حجة المذهب الثالث : على جواز تعلق العلم الضرورى بمعلومين مع اتحاده ؛ فهى حجة المذهب الثانى ، ~~وقد عرف ما فيها. ### |||| ** وأما حجته على امتناع تعلق العلم النظرى بمعلومين : فإنما يلزم أن لو امتنع تعلق العلم الواحد بمعلومين بناء على نظر واحد ؛ ~~وهو غير مسلم. ### |||| ** وأما الحجة الأولى على الطرف الأول من المذهب الرابع : وهو مذهب القاضى أبو بكر ، فإنما تلزم أن لو قيل بجواز انفكاك العلم ms0017 ~~بالسواد عن العلم بالبياض مطلقا ؛ وليس كذلك ؛ بل لقائل أن يقول : إنما ~~يجوز الانفكاك أن لو علمنا بعلمين ، وأما إذا علمنا بعلم واحد فلا. PageV01P098 # فإذا حالة جواز الانفكاك ، لا تجامع حالة عدم الانفكاك ؛ فلا يلزم منه ~~انقلاب الجائز مستحيلا. # فإن قيل : إذا جاز أن يكون السواد والبياض [معلومين (1) ] بعلمين. فلو ~~جاز أن يكونا معلومين بعلم واحد ، فكل واحد من المعلومين يجوز أن يتعلق به ~~علم لا يجوز تعلقه بالآخر ، (2) وعلم يجوز تعلقه بالآخر (2)، والعلمان : ~~إما متماثلين ، أو غير متماثلين : فإن كان الأول فيلزم من تماثلهما ~~اشتراكهما في أخص صفات النفس ، وأخص صفات نفس أحدهما : أنه لا يجوز تعلقه ~~بالمعلوم / الآخر. وأخص صفات نفس العلم الآخر (3) جواز تعلقه بالمعلوم ~~الآخر ؛ وذلك يجر إلى أن يكون كل واحد من العلمين يجوز تعلقه بالمعلوم ~~الآخر ، ولا يجوز ؛ وهو محال. # وإن كانا غير متماثلين : فإما أن يكونا من قبيل ما يجوز اجتماعهما أولا : # فإن كان الأول : فيلزم منه جواز تعلق علمين بمعلوم واحد ؛ وهو ممتنع. ~~وإلا كان العالم بالشيء عالما به مرتين ، وعاقل ما لا يجد ذلك من نفسه. كيف ~~وأن أحد العلمين لا يكون مفيدا ؛ ضرورة كون ما يتعلق به معلوما. # وإن كان الثانى : فيلزم من عدم اجتماعهما ؛ استحالة اجتماع حكمهما. وإلا ~~كان الحكم ثابتا دون موجبه ؛ وهو محال. والاجتماع بين حكمهما غير ممتنع (4) # فلقائل أن يقول : # المختار إنما هو القسم الثالث : وهو استحالة الجمع بين العلمين. # والقول بأنه لو استحال الجمع بين العلمين ؛ لاستحال الجمع بين حكميهما ؛ مسلم. # ولكن لا نسلم جواز الجمع بين الحكمين ، فإن حكم (5) كل واحد من العلمين : ~~كون من قام به عالما. # وكما يمتنع الجمع بين الموجبين ، يمتنع الجمع بين الحكمين ، وإلا كان ~~الحكم ثابتا دون موجبه ؛ وهو محال. PageV01P099 # والحكمان المجتمعان ، فأحكام العلوم المجتمعة لا غير. كيف وأنا لا نسلم ~~أن كون العالم عالما ؛ يزيد على قيام العلم به ، حتى يقال بالموجب والحكم. # وأما الحجة الثانية على الطرف الأول : فإنما (1) تلزم أن لو امتنع على ~~الصفة الواحدة أن ms0018 توجب ما توجبه الصفات المختلفة ، ولا يلزم من امتناع ذلك ~~في بعض الأحكام كالعالمية ، والقادرية مع الاختلاف امتناع ذلك مطلقا ، إلا ~~أن يبين الاشتراك في دليل المنع ؛ ولا سبيل إليه. # كيف وأنه قد (2) لا نسلم أن ثم موجبا وحكما ، على ما تقرر (3) قبل هذا ، ~~فلا يصح الاشتراك (4). ### |||| ** وأما الحجة الأولى على الطرف الثانى : ففى غاية الحسن والقوة ؛ لكن لقائل أن يقول : الكلام إنما هو في جواز تعلق ~~العلم الواحد بمعلومين ، وتعلق العلم بنفسه نسبة وإضافة ، بين العلم ونفسه ~~، وذلك يستدعى التغاير بين العلم ونفسه ؛ وهو محال ؛ (5) فلا تعلق للعلم بنفسه. # وقول القائل : نفسه وذاته وإن كان صحيحا ؛ فنسبة في اللفظ دون المعنى (5). ### |||| ** وأما الحجة الثانية : فحاصلها أيضا يرجع إلى قياس تمثيلى ، من غير دليل عقلى موجب للاشتراك في ~~الحكم ؛ فلا يصح (6). # كيف ولقائل أن يقول في الفرق : إن العلم يستدعى وجود المعلومية ، ~~والعالمية ولا يستدعى وجود معلومتين / ؛ فلا يلزم من امتناع إسناد ~~المعلومية والعالمية إلى علمين ؛ امتناع استناد المعلومين إلى علمين. وإن ~~اشترك كل واحد من القائلين في عدم الانفكاك. ### |||| ** وبالجملة : فأقرب هذه المذاهب. إنما هو مذهب القاضى ؛ فعليك بالاجتهاد في تحقيقه. PageV01P100 ### | الفصل الرابع ### | في جواز تعلق علم بمعلوم ، أو معلومات على الجملة (1) # وقد اختلف في ذلك : ### |||| ** فذهبت المعتزلة ، والقاضى أبو بكر : إلى تجويزه. ### |||| ** وذهب كثير من أصحابنا ، وابن الجبائى فى بعض أقواله إلى المنع من ذلك. # وصورة المسألة : العلم بأن رجلا في الدار ؛ مع قطع النظر عن تمييزه ، وأن ~~معلومات الله تعالى لا تتناهى ؛ مع قطع النظر عن تفاصيلها. (2) وقبل الخوض ~~في التصحيح والإبطال ؛ لا بد من تلخيص محل النزاع. # فنقول : لا خفاء بأن المفهوم من العلم بأن معلومات الله تعالى غير ~~متناهية ، وأن في الدار رجلا ؛ غير المفهوم من العلم بتفاصيل المعلومات ، ~~وتمييز الرجل عن غيره. # فعلى هذا : العلم بالجملة : إما أن يراد به : العلم بعدم النهاية في ~~معلومات الرب تعالى ويكون الرجل في الدار ، غير (3) مشروط بملازمة الجهل ~~(3) بتفاصيل المعلومات ، وتمييز الرجل [عن غيره (4) ] ؛ او العلم بذلك ms0019 ~~مشروط بملازمة الجهل بالتفاصيل والتمييز. ### |||| ** فإن كان الأول : فالعلم بالجملة غير مناف للعلم بالتفصيل والتمييز ؛ وهو غير ممتنع ، لا في ~~حق القديم ، ولا في حق الحادث ، على ما لا يخفى. وسواء انفرد في حق الحادث ~~العلم بالجملة عن العلم بالتفصيل ، أو لم ينفرد. ### |||| ** وإن كان الثانى : فالعلم بالجملة غير متصور في حق الله تعالى ؛ لما فيه من لزوم الجهل في حقه ~~ومتصور في حق المخلوق ؛ فإنه لا يبعد علمنا بأن معلومات الله تعالى غير ~~متناهية ، مع جهلنا بتفاصيلها. PageV01P101 ### |||| ** فإن قيل : إذا جوزتم تعلق العلم الحادث بالمعلوم بهذا الاعتبار : فإما أن تجوزوا على ~~الله تعالى العلم بما علمه العبد على ما علمه (1) أولا : فإن جوزتم ذلك ، ~~لزم الجهل في حق الله تعالى بالتفاصيل (2)؛ وهو محال ، وإن لم تجوزوا ذلك ~~: فقد (3) أوجبتم على الله تعالى الجهل بما علمه العبد ؛ وهو أيضا محال. # وأيضا : فإن العلم بالجملة بهذا الاعتبار لا يجامع العلم بالتفصيل. وعند ~~ذلك : فإما أن يكونا متضادين ، أو غير متضادين : # لا جائز أن يقال بالأول : إذ هو خلاف مذهبكم في العلوم المختلفة. # ولا جائز أن يقال بالثانى : وإلا لما تعذر الاجتماع ؛ وهو خلاف الفرض. # وأيضا : فإن العلم بالمعلوم على الجملة / بهذا الاعتبار ؛ إذا كان لا ~~ينفك عن الجهل بالتفصيل : فإما أن يكون العلم بالجملة هو الجهل بالتفصيل ، ~~أو غيره. # فإن كان الأول : فيلزم أن يكون العلم جهلا ؛ وهو محال. # وإن كان الثاني : فلا يمتنع أن يكون الأمر بالشيء ، غير النهى عن أضداده. # وإن كان لا ينفك الأمر بالشيء عن النهى عن أضداده ؛ ولم يقولوا به. # وهذه المحالات ، إنما لزمت من القول بتعلق العلم الحادث بالمعلوم على ~~الجملة بالاعتبار المذكور ؛ فيكون محالا. ### |||| ** والجواب عن الإشكال الأول : أنه لا يمتنع سلب العلم عن الله تعالى بما علمه العبد ؛ إذا كان إثبات ذلك ~~العلم يجر إلى الجهل في حق الله تعالى ؛ بل سلبه واجب ، نفيا للجهل عنه. ~~والعلم بالجملة بهذا الاعتبار يلازمه الجهل ؛ فكان ممتنعا في حق الله تعالى . PageV01P102 ### |||| ** وعن الثانى : أن العلم على ms0020 الجملة غير مضاد للعلم بالتفصيل ؛ بل يلازمه الجهل بالتفصيل ، ~~والجهل بالتفصيل مضاد للعلم بالتفصيل ؛ فكان امتناع الجمع بين العلم ~~بالجملة ، والعلم بالتفصيل لا لتضادهما ؛ بل لملازمة ضد العلم بالتفصيل ؛ ~~للعلم بالجملة. ### |||| ** وعن الثالث : أنه إنما (1) يلزم أن يكون العلم بالجملة (2) جهلا بالتفصيل ، وأن لو ~~تلازما لزوما متعاكسا كما في الأمر بالشيء ، والنهى عن اضداده ؛ وليس كذلك ~~؛ فإن العلم على الجملة ، وإن لازمه الجهل بالتفصيل ؛ فالجهل بالتفصيل ، لا ~~يلازمه العلم (3) بالجملة (3)، فافترق البابان. PageV01P103 ### | الفصل الخامس ### | في اختلاف العلوم وتماثلها (1) # وكل علمين تعلقا بمعلومين فهما مختلفان. وسواء تماثل (2) المعلومان ~~كبياضين ، أو اختلفا ؛ كسواد ، وبياض (2). # واحتج بعض الأصحاب (3) عليه بأن (3) العلم بأحد المعلومين ، لا يقوم (4) ~~مقام الآخر ، ولا يسد مسده (4)؛ وإلا كان العلم بأحد البياضين علما بالآخر ~~، والعلم بالبياض علما بالسواد ؛ وهو محال. # ويلزم عليه البياضان ، والسوادان ، فإنهما متماثلان. وما لزم من تماثلهما ~~أن يكون أحدهما هو الآخر ، فكذا لا يلزم من تماثل العلمين ، أن يكون العلم ~~بأحد المعلومين ، هو العلم بالمعلوم الآخر. (5) ### ||| ** والأقرب في ذلك أن يقال : # لو لم يختلفا ؛ لتماثلا ؛ ولو تماثلا ؛ لما اجتمعا. إذ المثلان على ما ~~يأتى متضادان. ولهذا فإنه يمتنع اجتماع بياضين [أو (6) ] سوادين في محل ~~واحد ، وكل علمين تعلقا بمعلوم واحد فإن (7) اتحد المعلوم ووقته ومحل ~~العلمين واحد ؛ فالعلمان متماثلان (7)؛ لقيام كل واحد منهما مقام الآخر ، ~~فإن كل واحد منهما وهو علم يعين ما هو معلوم الآخر. # وأما إن اتحد محل العلمين واختلف وقت المعلوم بالعلمين : بأن كان أحد ~~العلمين متعلقا به في وقت ، والآخر في وقت آخر. PageV01P104 ### |||| ** فقد قيل : اختلاف الوقت لا يؤثر في اختلاف العلمين ، كما لا يؤثر اختلاف الوقت وتقدمه ~~وتأخره في اختلاف الجوهرين ؛ وليس كذلك ؛ فإن المعلوم فيما نحن فيه ليس من ~~حيث هو جوهر ، أو عرض من الأعراض فقط ؛ بل مقيدا بوقت معين ؛ فإن المفهوم ~~من كون الجوهر معلوما في وقت كذا ؛ غير المفهوم من كونه معلوما في وقت غير ~~ذلك الوقت. # وإذ اختلف المعلومان : فقد بان أنه يلزم منه إختلاف العلمين ms0021. اللهم إلا ~~أن ينظر إليه من حيث هو جوهر ما ، أو عرض ما ، ويقطع / النظر عما وقع فيه ~~(1) الاختلاف من الوقت ؛ فالمعلوم (2) يكون واحدا ، والعلمان المتعلقان به ~~متماثلان. # وأما إذا اختلف محل العلم ، واتحد وقت المعلوم : كالعلم القائم بزيد ، ~~والعلم القائم بعمرو. ### ||| ** قال الأصحاب : # فإن قلنا : إن كل واحد من العلمين ، اقتضى لذاته أن يكون مختصا بذلك ~~المحل دون غيره ، فهما مختلفان ، وإلا فهما متماثلان. # وهو (3) غير سديد ، فإنهما لو تماثلا ؛ لتضادا على أصول أصحابنا ، ولو ~~تضادا ؛ لما اجتمعا ، ولا مانع من اجتماعهما (3). # وعلى هذا فما كان من العلوم متماثلا ؛ فهى متضادة. # وما كان منهما مختلفا ؛ فقد اختلف أصحابنا في تضادها. # والذي عليه المحصلون (4): أنها غير متضادة ؛ فإنه ما من علمين مختلفين ~~إلا ويتصور الجمع بينهما نظرا إلى الاستقراء. وما يمتنع فيه الجمع بين ~~المختلفات فليس (5) لذواتها ؛ بل بالنظر إلى جرى العادة (5). # وبالجملة : فالقول بنفى التضاد بين العلوم المختلفة حتى لا يوجد منها ~~ضدان ، أو إثباته غير يقينى ، إذ لا يساعد عليه دليل قطعى ، غير النظر إلى ~~السبر ، والاستقراء الناقص (6)؛ وليس بقطعى (7). PageV01P105 ### | الفصل السادس ### | في العلم بالشيء من وجه والجهل به من وجه (1) # وقد اختلف في ذلك : ### |||| ** فقال بعض أصحابنا : بجوازه ؛ فإنه من علم وجود الجوهر ، وجهل تحيزه ؛ فقد علم الشيء من وجه ~~وجهله من وجه. # وقال القاضى أبو بكر : المعلوم من حيث هو معلوم يمتنع أن يكون مجهولا من ~~وجه. ومن علم وجود الجوهر ؛ فمعلومه من حيث هو ذات ما ليس مجهولا من وجه ، ~~والمجهول من التحيز فأمر (2) زائد على معلومه ؛ والمعلوم (2) غير المجهول. ~~أما أن يكون الشيء الواحد معلوما من وجه ومجهولا من وجه فلا (3). # ومن أراد أن يكون الشيء مجهولا من وجه ، ومعلوما من وجه ما ذكرناه ، فهو ~~متجوز ، ولا منازعة معه في غير الإطلاق والعبارة. والحق ما ذكره القاضى. # ثم اتفق المتكلمون على امتناع العلم بوجود شيء ، والجهل بوجود ذلك الشيء ~~وأن يكون الشيء مجهولا من جهة ما كان معلوما. وهذا إنما يتم تحقيقه أن لو ms0022 ~~اتحدت جهة العلم والجهل من القوة والفعل ؛ بأن يكون معلوما مجهولا بالفعل ، ~~أو بالقوة. # وأما إن اختلفت الجهتان : فلا يمتنع أن يكون الشيء معلوما بالقوة ، ~~مجهولا بالفعل مع اتحاده : وذلك كما إذا علمنا علما كليا عاما : أن كل ~~اثنين فهو زوج ، واتفق أن كان ما في يد زيد اثنان فقد علمنا كونه زوجا ~~بالقوة ؛ لدخوله تحت عموم القضية الكلية. # وإذا جهلنا اثنيته : فقد جهلنا كونه زوجا بالفعل ؛ فالعلم به بالقوة ؛ ~~للعلم بالقضية الكلية. والجهل به بالفعل ؛ للجهل بالقضية الجزئية. PageV01P106 ### | الفصل السابع ### | في امتناع وجود علم لا معلوم له (1) # وقد اتفق العقلاء على امتناع وجود علم لا معلوم / له # وخالفهم أبو هاشم (2): فى العلم المتعلق بالمستحيلات ؛ طردا لتحديد ~~الشيء بأنه المعلوم ، فقال : العلم بامتناع اجتماع الضدين ، (3) وانتفاء ~~شريك الإله (3) تعالى ، وامتناع كون الجزء مساويا للكل ، ونحو ذلك ؛ علم لا ~~معلوم له. مع موافقته على تعلق العلم بالمستحيلات ، وكوننا عالمين بها. فقد ~~وافق في المعنى ، وخالف في اللفظ ؛ فإنه لا معنى لكونها معلومة غير تعلق ~~العلم بها. وإلا فكيف يتصور وجود علم لا معلوم له؟ مع أن العلم والمعلوم من ~~قبيل المتضايفين اللذين لا تعقل لكل واحد منهما إلا مع تعقل الآخر. # ولو ساغ ذلك ؛ لساغ القول بوجود معلوم بلا علم ولا عالم ، ووجود علم ولا ~~عالم ، وذكر ولا مذكور ، وقدرة ولا مقدور ، إلى غير ذلك ؛ ولم يقل به قائل. ~~وكل ما يتخيل في منع الانفكاك في هذه الصور ؛ فهو لازم فيما نحن فيه. # وقد قيل في إبطاله أيضا : أن العلم باستحالة اجتماع الضدين ؛ علم بالضدين ~~؛ وهما معلومان. والعلم باستحالة وجود شريك البارى تعالى علم بوجود البارى ~~؛ وهو معلوم. وكذا العلم بكل استحالة لا بد وأن يكون العلم فيها متعلقا ~~بمعلوم ؛ فإطلاق القول بأن علما لا معلوم له محال ؛ لكنه (4) مبنى على ~~القول بأن كل أمرين لا يتصور (5) العلم بأحدهما (6)، مع الجهل بالآخر ؛ ~~فالعلم بهما واحد ؛ وقد عرف (7) ما فيه. # ثم لو قال أبو هاشم : المراد بهذا الإطلاق : أنه ليس كل ما ms0023 تعلق به العلم ~~يكون معلوما ، كالاستحالة لا غيرها ؛ لاندفعت هذه المؤاخذة اللفظية. PageV01P107 ### | الفصل الثامن ### | في محل العلم الحادث وأنه لا بقاء له (1) ### ||| ** أما محل العلم : # فاعلم أن العلم ينقسم : إلى ما يتعلق بالكليات : وهى المعانى المشتركة ~~بين الجزئيات المجردة عن المخصصات (2) الموجبة للتشخيص : كالعلم بحقيقة ~~الجسم من حيث هو جسم ، وهو ما يصلح لاشتراك الأجسام المشخصة فيه. وإلى ~~العلم بالجزئيات التى لا يصلح معناها لاشتراك كثيرين فيها : كالعلم بهذا ~~الجسم وهذا الجسم ، ونحوه. فما كان من القسم الأول : # فقد قالت الفلاسفة إن محله النفس (3). وسيأتى تحقيق معنى النفس فيما ~~بعد. وما كان من القسم الثانى : # فمحله قوى جسمانية قائمة بأجزاء خاصة بالبدن ، وتلك القوى منقسمة إلى ~~ظاهرة ، وإلى (4) باطنة : ### |||| ** فأما القوى الظاهرة : فهى الحواس الخمس الظاهرة وهى : السمع ، والبصر ، والشم ، والذوق ، واللمس (5). ### |||| ** فالسمع : عبارة عن [قوة (6) ] مرتبة في عصبة سطح الدماغ (7) بصماخ (7) الباطن من ~~الأذن (7). من شأنها إدراك ما يتأدى / إليها من الأصوات الحادثة بواسطة ~~تموج الهواء. ### |||| ** والبصر : فعبارة عن قوة مرتبة في العصبة المجوفة من العين من شأنها إدراك ما ينطبع ~~في الرطوبة الجليدية من أشباح الأجسام ذوات الألوان المضيئة ، والمستنيرة ~~بواسطة الأجسام المشفة. PageV01P108 ### |||| ** والشم : فعبارة عن قوة مرتبة في زائدتي مقدم الدماغ ، من شأنها إدراك ما يتأدى ~~إليها من (1) الرائحة بواسطة الهواء المستنشق. ### |||| ** والذوق : فعبارة عن قوة منبثة في العصبة المنبسطة على السطح الظاهر من اللسان ، من ~~شأنها أن (2) تدرك ما يرد عليه من الطعوم ، بتوسط ما فيه من الرطوبة ~~الغذائية. ### |||| ** واللمس : فعبارة عن قوة منبثة في كل البدن من شأنها (2) إدراك ما ينفعل عنه (3) ~~البدن من الكيفيات الملموسة. ### |||| ** وأما القوى الباطنة (4) ### |||| ** : فهى خمس أيضا : وهى المعبر عنها بالحس المشترك والمصورة ، والمتخيلة ، ~~والوهمية ، والحافظة. ### |||| ** أما الحس المشترك : فعبارة عن قوة مرتبة في مقدم التجويف الأول من الدماغ ، من شأنها إدراك ما ~~يتأدى إليها من الصور المنطبعة في الحواس الظاهرة. ### |||| ** وأما المصورة : فعبارة عن قوة مرتبة في مؤخر التجويف الأول من الدماغ ، من شأنها حفظ ما ~~يتأدى إلى الحس ms0024 المشترك من الصور. ### |||| ** وأما المتخيلة : فعبارة عن قوة مرتبة في مقدم التجويف الأوسط من الدماغ ، من شأنها (5) ~~الحكم على ما في المصورة بالاتفاق والافتراق. ### |||| ** وأما الوهمية : فعبارة عن قوة مرتبة في مؤخر التجويف الأوسط من الدماغ ، من شأنها (5) ~~إدراك المعانى الغير (6) محسوسة من المعنى المحسوس (6): كالمعنى الذي ~~تدركه الشاة من الذئب موجبا لنفرتها منه. ### |||| ** وأما الحافظة : فعبارة عن قوة مرتبة في التجويف الأخير من الدماغ من شأنها حفظ ما أدركته ~~الوهمية ، # وزعم بعض متفلسفة المتأخرين أن المدرك للكليات والجزئيات : إنما هو النفس ~~والقوى الظاهرة والباطنة غير مدركة ؛ بل آلة في إدراك النفس لهذه المدركات. PageV01P109 ### |||| ** وأما أصحابنا : فالبنية المخصوصة عندهم غير متوسطة كما يأتى ؛ بل كل جزء من أجزاء بدن ~~الإنسان إذا قام به إدراك أو علم ؛ فهو مدرك عالم به ، وهل ذلك مما يقوم ~~بالقلب أو غيره؟ فمما لا يجب عقلا ، ولا يمتنع. لو لا دل الشرع عليه بقوله ~~تعالى : ( @QUR@08 إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ) (1). وقوله : ( ~~@QUR@010 فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو / آذان يسمعون بها ) (2). وقوله : ~~( @QUR@07 أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) (3). # وأما الكلام على وجود النفس وكونها مدركة للكليات دون الجزئيات : فسيأتى ~~فيما بعد. ### ||| ** وأما أن العلم غير باق : # فمما اختلف فيه أيضا : # والذي عليه إجماع المعتزلة : بقاء العلوم الضرورية والمكتسبة التى لا ~~يتعلق بها التكليف. وأما العلوم المكتسبة المكلف بها : فقد قال الجبائى (4) ~~: إنها غير باقية. وإلا كان المكلف بها حال بقائها غير مطيع ، ولا عاص ، ~~ولا مثاب ، ولا معاقب ؛ مع تحقق التكليف ؛ وهو خلاف أصلهم في لزوم (5) ~~الثواب والعقاب عل ما كلف به بتقدير الفعل أو الترك ، حتى إنه طرد ذلك في ~~كل عرض مقدور يتعلق به التكليف. # وخالفه أبو هاشم في ذلك. وأوجب بقاء العلوم مطلقا. # وأما أصحابنا : فإنهم قضوا باستحالة بقائها لكونها أعراضا. وسيأتى تحقيق ~~ذلك في استحالة بقاء الأعراض إن شاء الله تعالى (6). PageV01P110 ### | الفصل التاسع ### | في أضداد العلم الحادث وأحكامها (1) ### |||| ** وأضداد العلم الحادث : الجهل ، والشك ، والظن ، والغفلة ، والذهول ، والنوم ، والنظر ms0025 ، والموت. ### |||| ** أما الجهل : فقد يطلق على بسيط ومركب : (2) # أما البسيط : فهو عدم العلم فيما من شأنه أن يكون عالما (3)، لا عدم ~~العلم مطلقا ، وإلا لوصفت الجمادات بكونها جاهلة ؛ إذ هى غير عالمة. وعلى ~~هذا : فالجهل بهذا الاعتبار إثبات عدم ، لا أنه صفة إثبات. # والفرق بين الأمرين ظاهر. # وعلى هذا ، فلا يخفى أن التقابل وامتناع (4) الجمع بين العلم والجهل بهذا ~~الاعتبار ؛ لذاتيهما ، لا لأمر خارج عنهما. وبه يظهر إحالة قول من أخرج ~~الجهل بهذا الاعتبار عن أضداد العلوم. إلا أن يشترط في الضد أن يكون ذاتا. ### |||| ** وأما الجهل المركب : فقد قيل فيه : إنه عبارة عن اعتقاد المجهول على خلاف ما هو عليه. لا على ~~خلاف كونه مجهولا. وإلا لخرج عن كونه مجهولا ؛ بل على خلاف ما اعتقد به ؛ ~~وهو غير سديد ؛ لما فيه من تعريف الجهل بالمجهول ، وهو أخفى من الجهل ؛ ~~لكونه مشتقا منه. # فالأولى فيه أن يقال : الجهل : هو اعتقاد المعتقد على خلاف ما المعتقد ~~عليه في نفسه. ولا يخفى أن لفظ المعتقد يعم الموجود والمعدوم الذي ليس بشيء ~~؛ فكان أولى من لفظ الشيء. # وهذا مما لا خلاف في كونه ضدا للعلم. PageV01P111 ### ||| ** وأما أحكام الجهل : # فمنها : أنه غير مقدور التحصيل للعبد بنظر واستدلال ، وسواء كان بسيطا ، ~~أو / مركبا ؛ فإن النظر إن كان صحيحا ، فهو يتضمن العلم لا الجهل. وإن لم ~~يكن صحيحا فلا (1) يتضمن الجهل كما يأتى ؛ بل المقدور بالنظر والاستدلال ~~[رفعه (2) ] بأن يحاول الناظر (3) نظرا صحيحا يفضى به إلى العلم الذي هو ~~ضده ؛ فيرتفع. # فإذن جهل العبد حاصل له بخلق الله تعالى له ذلك من غير نظر واستدلال. ~~وزعم بعض الناس : أنه لا قدرة لله تعالى على خلق الجهل ؛ لأنه عالم بجميع ~~مقدوراته ، فلو كان قادرا على فعل الجهل لغيره ؛ لكان عالما [به (4) ] ، ~~وخرج الجهل عن كونه جهلا ، أو كان عالما بما هو جاهل به ؛ وهو ممتنع. # وهو غير سديد ؛ فإن من فعل الجهل لغيره لا يلزم أن يعود إليه حكمه حتى ~~يكون جاهلا به. فإنما يعود حكمه إلى ms0026 من هو قائم به ؛ بل الفاعل له يكون ~~عالما به على ما هو عليه من كونه جهلا. ومن علم الجهل على ما هو عليه ؛ لا ~~يكون جاهلا. ثم لو عاد إلى الله تعالى حكم الجهل بسبب خلقه الجهل في العبد ~~حتى يوصف بكونه جاهلا ؛ لعاد إليه حكم الغفلة ، والسهو ، والعجز ؛ بسبب ~~خلقه لذلك في العبد باتفاق المسلمين. ووصف بكونه غافلا ، وساهيا ، وعاجزا ؛ ~~وهو ممتنع. # وأما حكم الجهل في جواز تعلق الواحد منه بمجهولين ، وجواز الجهل بشيء ~~واحد من وجه دون وجه ، واختلاف الجهالات ، وتماثلها وامتناع وجود جهل لا ~~مجهول له ، وامتناع بقائه وتعين محله ؛ فعلى ما سبق في العلم (5) الحادث. ~~والاختلاف في كل مقام كالاختلاف في العلم ، والاحتجاج كالاحتجاج في المزيف ~~والمختار. ومن أحكامه أن الجهل هل هو مثل العلم أم لا؟ ### |||| ** أما الجهل البسيط : فلا خلاف في كونه ليس مثلا للعلم ؛ فإن عدم الشيء لا يكون مثلا لذلك الشيء. PageV01P112 ### |||| ** وأما الجهل المركب : فذهب كثير من المعتزلة إلى كونه مثلا للعلم ؛ فإن من اعتقد كون زيد في ~~الدار مثلا ، ولم يكن زيد فيها ، وبقى على ذلك الاعتقاد حتى وجد زيد في ~~الدار ؛ فإن اعتقاده الأول الموصوف (1) بكونه جهلا (1). من جنس اعتقاده ~~الثانى مع كونه علما. وما به الافتراق من كون زيد في الدار في إحدى ~~الحالتين ، وعدمه في الأخرى ؛ فأمر خارج غير موجب للاختلاف بين الاعتقادين ~~، وقد أجمعوا على أن اعتقاد المقلد للشىء على وفق ما هو عليه مثل للعلم (2). # وذهب أصحابنا : إلى امتناع المماثلة بين العلم والجهل بهذا الاعتبار ، ~~محتجين على ذلك بأن الجهل لو كان مماثلا للعلم ؛ (3) لجاز على كل واحد ~~منهما ما جاز على الآخر (3). ومن صفات العلم جواز حصوله بالنظر الصحيح ، ~~وذلك غير متصور في الجهل بالاتفاق / ؛ فلا يكون مثلا للعلم ؛ فإن (4) من ~~حكم المثلين : أن ما جاز على أحدهما يكون جائزا على الآخر. وعلى هذا فقد ~~بطل أن يكون اعتقاد كون زيد في الدار وهو فيها [مماثلا (5) ] لاعتقاد كونه ~~فيها قبل ذلك. ### ||| ** وأما الشك : # فقد ms0027 اختلف في كونه معنى ، وفي كونه مفردا. ### |||| ** فقال أبو هاشم : فى قول : إنه عبارة عن عدم العلم. # وهو باطل بانتفاء العلم عن الجمادات ؛ فإنه ليس بشك. وإن أضيف إليه عدم ~~العلم فيما من شأنه أن يكون (6) له (6) العلم ؛ فيبطل بالظان إثبات أمر ، ~~أو نفيه ، فإنه غير عالم بالنفى ولا بالإثبات ؛ وليس شاكا. وينتقض أيضا ~~بالنائم والغافل ؛ فإنه غير عالم مع كونه قابلا للعلم ؛ وليس شاكا. ### |||| ** وقال في قول آخر : إن الشك عبارة عن اعتقادين متعاقبين لا يتصور الجمع بينهما؛ PageV01P113 # وهو باطل. بما إذا اعتقد أمرا ؛ فإنه حالة اعتقاده جازم بمعتقده ، غير ~~شاك فيه. وإذا زال ذلك الاعتقاد باعتقاد نقيضه. فحالة اعتقاده الثانى ، هو ~~أيضا غير شاك ؛ لكونه جازما بمعتقده ؛ فكل واحد من الاعتقادين هو جازم به ~~وليس بشاك ، وليس بين الاعتقادين حالة فاصلة يمكن أن يكون شاكا فيها. وإن ~~(1) كان (1) بينهما حالة يمكن أن يكون الشك فيها ؛ فليس الشك هو ما ذكر من ~~الاعتقادين ؛ بل أمر أخر غيرهما. ### |||| ** وقال أصحابنا : الشك معنى مفرد. ### |||| ** وعبر عنه القاضى أبو بكر (2) بقوله : إنه (2) عبارة عن استواء معتقدين في نفس المستريب ، مع قطعه ~~أنهما لا يجتمعان. # وهذه العبارة غير سديدة ؛ فإنه وصف كل واحد من الأمرين المتقابلين بكونه ~~معتقدا. ومن ضرورة كونه معتقدا ، تعلق الاعتقاد الجازم به (3)؛ وذلك مع ~~الاسترابة محال. # وأيضا : فإن استواء المعتقدين في نفس المستريب : إما في نفس الاعتقاد ، ~~أو في الشك ، أو غيره. # فإن كان في نفس الاعتقاد : فإما أن يكونا معا ، أو على التعاقب. # الأول : محال ؛ إذ هما لا يجتمعان. # والثانى : ففيه عود إلى قول أبى هاشم ؛ وقد عرف ما فيه. # وإن كان في الشك : ففيه تعريف الشك بالشك ؛ وهو ممتنع. # وإن كان في غير الشك : فاستواء المعتقدين في غير الشك لا يلزم أن يكون ~~شكا ؛ كاستواء المعتقدين في الإمكان ، أو غيره من الصفات. ### |||| ** وقال أبو المعالى (4): الشك هو الاسترابة في معتقدين نفيا وإثباتا ، وهو من النمط الأول : ~~حيث إنه جمع بين الاعتقاد والاسترابة ، بالنسبة إلى شيء واحد ؛ وهو ms0028 محال. # ثم إن الاسترابة في المعتقدين : إما أن تكون هى نفس / الشك ، أو غيره. # فإن كان الأول : ففيه تعريف الشك بالشك. PageV01P114 # وإن كان الثانى : فلا بد من تمييز الشك عن الاسترابة ؛ ولا سبيل إليه. ### |||| ** فالأقرب في ذلك أن يقال : الشك هو القضاء بإمكان أمرين متقابلين ، لا ترجح لوقوع أحدهما على الآخر في النفس. # وهو مضاد للعلم ؛ لاستحالة كون الشخص عالما بشيء ، وشاكا فيه من جهة واحدة. ### ||| ** وأما أحكام الشك : # فمنها (1) أنه لا بد وأن يتعلق بأمرين ؛ إذ هو تجويز أمرين لا مزية ~~لأحدهما على الآخر ، ولو قدر أمران يمتنع وقوع الشك (1) في أحدهما دون ~~الآخر ، أو يتصور وقوع الشك في أحدهما دون الآخر ، فالخلاف في جواز تعلق ~~الشك الواحد فيه (2) بالأمرين (2)، كالخلاف في العلم ، والاحتجاج ~~كالاحتجاج. # ومنها : (3) أنه قد يقع (3) ضروريا ، غير مكتسب للعبد وقد (4) يقع مكتسبا ~~، والخلاف في كونه مخلوقا له (5)، كالخلاف في الجهل. # ومنها : أنه لا يبعد أن يكون مأمورا به في الفروع الاجتهادية. # وأما الشك في الله تعالى فقد قال الأستاذ أبو بكر ، وأبو هاشم (6) لا ~~يمتنع (7) أن يكون مأمورا به ، بناء على أن النظر في معرفة الله تعالى ~~واجب. وذلك لا يتم في العادة دون سابقة الشك ، وما لا يتم الواجب إلا به ؛ ~~فهو واجب. # ومنهم من خالف في ذلك ؛ لجواز وقوع النظر عقلا من غير سابقة شك ، وبتقدير ~~امتناع خلو النظر عن سابقة الشك ، فليس كل ما يتوقف عليه المأمور يكون ~~مأمورا ، لجواز أن لا يكون مقدورا (8): كالحياة. # وبتقدير أن يكون مقدورا ، فلا يكون مأمورا ؛ لجواز أن لا يكون (8) حسنا. ~~والشك في الله تعالى ليس بمقدور ولا حسن عنده ؛ فلا يكون مأمورا. # والواجب أن يقال : إن أريد بالشك ابتداء حصوله ؛ فهو غير مأمور ؛ لكونه ~~غير مقدور. PageV01P115 # وإن أريد به دوام الشك : فلا يمتنع أن يكون مأمورا ؛ إذ هو مقدور الإزالة ~~بالنظر ، والإبقاء بترك النظر ، ووقوع النظر ، وإن أمكن عقلا من غير سابقة ~~دوام الشك ، فالعادة على خلافه (1). والحسن والقبح فليس من الصفات الذاتية ~~على ما ms0029 سيأتى (2)؛ فلا يكون ذلك مانعا من الأمر. # والقول بملازمة كون الشك في الله تعالى مأمورا به ، للأمر بمعرفته بناء ~~على أن ما لا يتم الواجب إلا به ؛ فهو واجب ؛ فهو حق على (3) ما سيأتى (3). ### ||| ** وأما الظن : # فعبارة عن ترجيح أحد ممكنين متقابلين في النفس على الآخر. وهو أيضا : ضد ~~العلم ؛ لاستحالة اجتماع العلم والظن ، من جهة واحدة بالنسبة إلى شيء واحد. # وهو لا محالة متعلق بأمرين مع اتحاده ، كما في الشك وإن كان أحدهما (4) ~~راجحا / وهو (5) منقسم إلى : مقدور ، وغير مقدور للعبد كما في العلم ، ~~والحكم في جواز تعلقه مع اتحاده بأمرين يمكن تقدير الظن بأحدهما ، مع عدم ~~الظن بالآخر ، أو يمتنع ، والخلاف في ذلك ، فكما (6) سبق في العلم (7): # فإن منه ما لا يمتنع أن يكون مأمورا به : كالظنون في المجتهدات. # ومنه ما لا يكون مأمورا به : كالظن بنقيض الحق. # وقد قال أصحابنا : إن الظنون أجناس مختلفة. # فمنها : ما هو (8) أجلى بحيث يكون قريبا من القطع. # وعلى هذا : فلا يمتنع أن يكون مأمورا به. هذا إن عنى به دوام الشك ، وأما ~~ابتداؤه فغير مقدور ، فلا يكون مأمورا به على ما يأتى). PageV01P116 # ومنها : ما هو أخفى بحيث يكون قريبا من الشك. # ومنها : ما هو متوسط بين الرتبتين. # ويمكن أن يقال : إنها من جنس واحد نظرا إلى اشتراكها فيما ذكرناه في حد ~~الظن وما به الاختلاف ، فراجع إلى أمور عرضية لا توجب الاختلاف في الحقيقة. ~~ولا يمكن أن يقال باتحاد الحقيقة. وعود الاختلاف إلى كثرة أعداد الظن في ~~الجلى ، واتحاده في الخفى وإلا كان الظان بمظنون واحد ، ظانا له بظنون ~~متعددة معا ؛ وذلك محال ؛ لأن الظنون إن كانت متماثلة : فالمتماثلة أضداد ~~على ما يأتى. والأضداد لا تجتمع ، وقد قيل بالاجتماع. # وإن لم تكن متماثلة : فهى مختلفة. والمختلفات : إما أضداد ، أو لا. # فإن كانت أضدادا : فلا تجتمع (1) أيضا ، وقد اجتمعت. # وإن لم تكن أضدادا : فقد قيل إنها مختلفة ، ولا اختلاف مع اتحاد الحقيقة. ### ||| ** وأما الغفلة ، والذهول ، والنسيان : # وإن اختلفت عباراتها ، فيقرب أن يكون ms0030 المعنى متحدا ، ومعناها ضد العلم ؛ ~~لاستحالة الجمع. # وحكم هذه الأضداد في جواز تعلقها بمتعلقين ، أو بمتعلق واحد ؛ كالحكم في ~~العلم ، والخلاف كالخلاف. # لكن اتفق المحققون على امتناع كون الغفلة مقدورة للبشر ، فإن شرط وقوع ~~المقدور بالقدرة : أن يكون مرادا مقصودا. والقصد إلى الشيء ينافي الذهول ، ~~والغفلة عنه. # وإذا ثبت أن الغفلة غير مقدور عليها للعبد ، وهى ضد للعلم المكتسب ~~المقدور ، فقد بطل قول المعتزلة : بأن القدرة على أحد الضدين ، تكون قدرة ~~على الضد الآخر. اللهم إلا أن يفسروا الضد بمعنى ثبوتى ، ويمنعوا كون ~~الغفلة والذهول معنى كما ذهب PageV01P117 # إليه بعض البصريين من المعتزلة (1) فيلزمهم أن لا ينتفى العلم بطريان ~~الغفلة ، لأنها ليست ضدا للعلم ، والعلم وجميع الأعراض فلا تنتفى عندهم إلا ~~بطريان الضد عليها. ### ||| ** وأما النوم : # فهو أيضا ضد للعلم ؛ لاستحالة الجمع بينهما. # 1 واصل بن عطاء ، رأس المعتزلة ومؤسس المذهب ت 131 ه. # 2 عمرو بن عبيد ، شريك واصل في تأسيس فرقة الاعتزال ت 143 ه. # 3 أبو الهذيل العلاف ت 235 ه. # 4 إبراهيم بن سيار النظام ت 231 ه. # 5 معمر بن عباد السلمى ت 220 ه. # 6 هشام الفوطى ت 228 ه. # 7 عباد بن سليمان ت 250 ه. # 8 أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ت 256 ه. # 9 أبو يعقوب الشحام ت 230 ه. # 10 أبو على الجبائى ت 303 ه. # 11 أبو هاشم الجبائى ت 323 ه. # 12 أبو عبد الله البصرى 369 ه. # 13 عبد الله بن عياش. # 14 القاضى عبد الجبار الهمزانى ت 415 ه. # 15 أبو الحسين البصرى ت 436 ه. # 1 بشر بن المعتمر مؤسس فرع بغداد ت 210 ه. # 2 ثمامة بن الأشرس ت 213 ه. # 3 أحمد بن أبى دؤاد ، وزير المأمون. # 4 أبو موسى المردار الملقب براهب المعتزلة ت 226 ه. # 5 جعفر بن حرب ت 226 ه. # 6 جعفر بن مبشر ت 234 ه. # 7 محمد بن عبد الله الإسكافي ت 240 ه. # 8 أبو الحسين الخياط ت 290 ه. # 9 أبو القاسم البلخى الكعبى ت 319 ه. PageV01P118 ### ||| ** وأما النظر : # فهو مضاد للعلم بالمنظور فيه ؛ لأن النظر لتحصيل / العلم بالمنظور فيه ~~(1)، وذلك يستدعى عدم العلم بالمنظور فيه ؛ فإن طلب تحصيل الحاصل محال. ~~ومن حصل له العلم بالمنظور فيه بعد تمام نظره ms0031 ، وأخذ في ضرب أخر من النظر ~~مع علمه بالمنظور فيه ، فليس مطلوبه (2) العلم بالمنظور فيه ؛ إذ هو حاصل ~~(3)، وتحصيل الحاصل محال ؛ بل مطلوبه كون المنظور فيه دليلا ، وذلك لا ~~يجامع النظر فيه. # وإن كان ذلك لتحصيل ما حصل بالنظر الأول ؛ فلا يتصور ذلك إلا مع الذهول عنه. ### ||| ** وأما الموت (4): # فقد اختلف فيه قول أبى هاشم : # فقال تارة : إنه عبارة عن انتقاض البنية المشروطة في الحياة. # وعلى هذا : فلا يكون الموت عنده (5) ضد للحياة (5)، وإن زالت به الحياة. # وقال تارة : إنه معنى مضاد للحياة. # وتردد بينهما في قول آخر. # وعلى كل تقدير ، فلا يكون الموت ضدا (6) للعلم (6)؛ بل مزيلا لشرطه على ~~القول الأول ، ومضادا لشرطه على القول الثانى. # وقال أصحابنا : الموت معنى (7) مضاد للعلم (7). # أما أنه معنى : فيدل عليه ما يدل على باقى الأعراض ، كما سنبينه بعد (8). # وأما أنه ضد للعلم : فلاستحالة الجمع بينهما ، ولا معنى لكونه ضدا إلا ~~هذا ، وسواء كان استحالة الجمع بواسطة انتفاء الحياة ، أو لم يكن. ولا معنى ~~للنزاع في العبارة. PageV01P119 # وهو غير مقدور للعبد ؛ لأن المقدور بالقدرة يستدعى وجود القدرة مع وجوده ~~، والموت والقدرة مما لا يجتمعان. خلافا للجبائى : فإنه قال : هو مقدور ~~للعبد. وخالف أصله : في أن القدرة على أحد المتضادين ، تكون قدرة على الضد ~~الآخر ، حيث أنه جعل الموت مقدورا ، والحياة المضادة له غير مقدورة. (1) # وإذا عرفت أضداد العلم ، فاعلم أن الجهل البسيط منها لا يضاد الجهل ~~المركب ، ولا الشك ، ولا الظن ، ولا النظر ، ولا النوم والغفلة ؛ فإنه لا ~~يمتنع الجمع بينه وبينها ؛ ولكن يضاد الموت (2)، فإن الجهل البسيط على ما ~~علم : عدم العلم فيما من شأنه أن يقوم به العلم ، وذلك غير متصور في حالة ~~الموت (3). ### |||| ** وأما الجهل المركب : فلا يضاد الجهل البسيط ، ويضاد باقى أضداد العلم ، فهو أعم مضادة من الجهل ~~البسيط. # أما مضادته للنوم ، والغفلة ، والموت ؛ فظاهر. # وأما مضادته للشك : فمن جهة أنه اعتقاد جازم لأحد المتقابلين. # والشك : تردد بين أمرين من غير جزم ، ولا ترجيح. # وأما مضادته للنظر : فمن جهة ms0032 أن الناظر طالب ، والمعتقد مصمم جازم ، ولا ~~طلب مع التصميم والاعتقاد الجازم بالمنظور فيه. # ويمكن أن يقال : إن الاعتقاد الجازم إذا كان جهلا ، فحرام ، لا يمتنع ~~التشكك معه / بتقدير التشكيك ، بخلاف العلم ، فلا يبعد معه النظر لطلب ~~العلم الذي لا يلحقه التشكك. ### |||| ** وأما الشك : فلا يضاد الجهل البسيط ، ولا النظر ؛ ولكن يضاد الجهل المركب على ما عرف ~~وباقى أضداد العلم. # أما مضادته للنوم ، والغفلة ، والموت ؛ فظاهر. PageV01P120 # وأما مضادته للظن : لأن الظن ترجيح أحد المتقابلين على الآخر في النفس ، ~~ولا ترجيح مع الشك. # وأما الظن : فلا يضاد النظر لتحصيل العلم الجازم ، ولا الجهل البسيط ، ~~ويضاد باقى أضداد العلم. # أما الجهل المركب : فلتفاوتهما في الجزم. # وأما الشك : فلتفاوتهما في الترجيح. # وأما النوم ، والغفلة ، والموت ؛ فظاهر. # وأما النظر : فلا يضاد الجهل البسيط ، ولا الشك ، ولا الظن ، ويضاد ما ~~عدا ذلك من أضداد العلم. # وأما النوم والغفلة : فمضادان لجميع أضداد العلم ، ولغيرها من القدرة ~~والإرادة (1) سوى الجهل البسيط (1)؛ فهما أعم في المضادة مما تقدم ذكره. # وأما الموت : فمضاد لجميع أضداد العلم أيضا ، ومضاد لكل صفة من شرطها ~~الحياة ، فمضادته أعم من كل الأضداد. PageV01P121 ### | «القاعدة الثانية» ### | في النظر وما يتعلق به # وتشتمل على ثمانية فصول : # الأول : في حقيقة النظر. # الثانى : في شرائط النظر. # الثالث : في أن النظر الصحيح يفضى إلى العلم ، وإثباته على منكريه. # الرابع : في كيفية لزوم العلم بالمنظور فيه عن النظر الصحيح. # الخامس : في أن النظر الفاسد لا يتضمن الجهل. # السادس : فيما قيل من أن النظر ينقسم إلى الجلى ، والخفي. # السابع : في أن النظر الصحيح المؤدى إلى معرفة الله تعالى واجب. # الثامن : في أول واجب على المكلف. PageV01P123 ### | الفصل الأول ### | في حقيقة النظر (1) ### |||| ** والنظر في وضع اللغة : قد يطلق بمعنى الانتظار ، والرؤية ، والرأفة ، والمقابلة ، والتفكر ، ~~والاعتبار. كما يأتى تحقيقه في مسألة الروية إن شاء الله تعالى (2). ### |||| ** وأما في اصطلاح المتكلمين : فالنظر موضوع لبعض مسمياته في اللغة : وهو التفكر والاعتبار ؛ فالمعنى ~~واحد. وإن كان اللفظ مختلفا. ### |||| ** وأقرب ما قيل فيه من العبارات : ما قاله القاضى ms0033 أبو بكر : من أن النظر : هو الفكر الذي يطلب به من قام به ~~علما ، أو غلبة ظن. # وقوله : هو الذي يطلب به من قام به علما ، أو غلبة ظن. شرح لمعنى الفكر ؛ ~~فإنه لما قال : النظر هو الفكر. كأن سائلا سأل وقال : فما الفكر؟ # فقال : هو الذي يطلب به من قام به علما ، / أو غلبة ظن. وقد قصد بقوله : ~~يطلب به : الاحتراز عن سائر الصفات المشروطة بالحياة ، وعن الحياة ؛ فإنه ~~لو قال : هو الذي يطلب من قام به علما ، أو غلبة ظن. ولم يقل به ؛ لانتقض ~~بسائر هذه الصفات ؛ فإنها قائمة بطالب العلم ، أو الظن ، وليست فكرا. # وبقوله : علما ، أو غلبة ظن ، تعميم القاطع ، والظنى. ### ||| ** ويرد عليه إشكالات أربعة : ### |||| ** الأول : أنه إذا كان النظر ، هو الفكر. وذلك الفكر : هو ما يطلب به العلم ، أو الظن ~~؛ فالنظر : يطلب به العلم ، أو الظن. # والظن المطلوب بالنظر ، ينقسم إلى : ما المظنون فيه على وفق الظن ؛ فيكون ~~حقا. وإلى ما هو على خلافه ؛ فيكون جهلا ؛ ويلزم من ذلك أن يكون الجهل ~~مطلوبا بالنظر ؛ وهو ممتنع. PageV01P125 ### |||| ** الثانى : أن المطلوب إنما هو تحديد النظر مطلقا. ومن المعلوم أن ما يطلب به العلم ~~غير ما يطلب به الظن ؛ (1) لاستحالة الجمع بين (1) كون الشيء الواحد موصلا ~~إلى العلم ، والظن معا ؛ وهما داخلان تحت جنس النظر. وتحديد الشيء بذكر ~~أقسامه ، وعد أنواعه ممتنع. ### |||| ** الثالث : أنه إذا كان الظن (2) مطلوبا بالنظر ؛ فلا يخفى أن المفهوم من غلبة الظن ~~يزيد على المفهوم من أصل الظن. # وعند ذلك : فيخرج عن الحد. النظر الذي يطلب به أصل الظن دون العلم ، ~~وغلبة الظن ؛ فلا يكون الحد جامعا. ### |||| ** الرابع : أن في الحد زيادة لا حاجة إليها. فإنه لو قال : النظر هو الذي يطلب به من ~~قام به علما ، أو غلبة ظن. (3) لقد كان كافيا عن (3) إدراج الفكر فيه. (4) # ويمكن أن يجاب عن الأول : بأن النظر (5) من حيث هو ظن. أعم من كونه (6) ~~مخالفا للمظنون ، أو موافقا (6) له. وهو إنما يطلب بالنظر ، من جهة كونه ~~ظنا ms0034. وليس بجهل ، إلا من جهة كونه مخالفا للمظنون. ### |||| ** وعن الثانى : أن الحد المذكور إنما هو رسمى. والمذكور فيه إذا كان من الخواص المميزة له ~~عما سواه ؛ كان صحيحا. والمحدود وإن كان هو النظر من جهة كونه نظرا ، وأنه ~~مما يستحيل أن يطلب به العلم ، والظن معا ؛ فلا يخفى أن من خواصه انقسامه ~~إلى : ما يطلب به العلم. وإلى ما يطلب به الظن ؛ فيكون صحيحا. ### |||| ** وعن الثالث : أن طلب العلم بالنظر ، وطلب الظن به ، وغلبة الظن من خواص النظر ، ولا يخفى ~~أن الاقتصار على ذكر بعض الخواص ، دون البعض ؛ غير موجب لفساد الرسم. PageV01P126 ### |||| ** وعن الرابع : أن ذكر الفكر في الحد. لم يكن لدخوله في الحد ؛ بل لبيان اتحاد مدلول النظر ~~والفكر. والحد (1) هو قوله : ما يطلب به من قام به (2) علما ، أو غلبة / ظن (3). ### ||| ** وأما نحن فالذى نختاره أن نقول : # النظر عبارة عن تصرف العقل في الأمور السابقة المناسبة للمطلوبات (4) ~~بتأليف وترتيب ؛ لتحصيل (5) ما ليس حاصلا في العقل (6). # وهو منقسم : إلى ما علم فيه وجه دلالة الدليل على المطلوب ؛ فيكون صحيحا. ~~وإلى ما ليس كذلك ؛ فيكون فاسدا. # وما ذكرناه من الحد فيعم القسمين ، ويعم الموصل إلى التصور والتصديق ، ~~والقاطع والظنى على اختلاف أقسامه. PageV01P127 ### | الفصل الثانى ### | في شرائط النظر (1) # وشرائط النظر : # منها ما يعم النظر الصحيح ، والفاسد. # ومنها ما يخص الصحيح دون الفاسد. # فأما الشروط العامة : فالعقل ، وانتفاء أضداد النظر (2). # أما اشتراط العقل : فلتعذر النظر دونه. وتحقيق ذلك يتوقف على بيان معنى ~~العقل ، وحقيقته ؛ فنقول : اعلم أن اسم العقل : قد يطلق باعتبارات متعددة ~~في الاصطلاحات : ### ||| ** فأما في اصطلاح الفلاسفة (3): # فقد يطلق بإزاء الماهية المجردة عن المادة وعلائقها. ولم يتحاشوا من ~~إطلاق اسم العقل بهذا الاعتبار على البارى تعالى وعلى المعلول الصادر عنه ، ~~والمبادئ المجردة عن المواد ، وعلائقها الصادرة عنه ، وبتوسطه. على ما يأتى ~~شرحه وإبطاله (4). وقد يطلق على القوة التى بها التوصل من المعلومات ~~الكلية إلى المجهولات المناسبة لها ؛ ويسمى : العقل النظرى. # وعلى القوة التى يتصرف بها بالفكرة (5) والروية فيما يجب أن ms0035 يفعل من ~~الأمور الجزئية ؛ ويسمى : العقل العملى. # وعلى القوة التى بها استعداد الطفل لإدراك الكتابة : فإن لم يكن قد حصل ~~له العلم بمفردات الكتابة ؛ قيل لها العقل الهيولانى. وإن حصل له العلم ~~بذلك : فإن كان يفتقر عند التركيب إلى الفكرة والروية ؛ قيل لها العقل ~~بالملكة. وإن لم يفتقر إلى الفكرة والروية ، قيل (6): العقل بالفعل. # وعلى القوة التى بها إدراك المعلوم من غير تعلم. ويقال لها العقل القدسى (7). PageV01P128 ### ||| ** وأما في اصطلاح أهل العرف : # فقد يطلق العقل على صحة الفطرة ، وعلى كثرة التجربة ، وعلى الهيئة ~~المستحسنة للإنسان في حركاته وسكناته ؛ لكن المقصود هاهنا : إنما هو تعريف ~~العقل الذي هو مناط التكليف. ### ||| ** وقد اختلفت عبارات المتكلمين فيه : ### |||| ** فقال بعض المعتزلة : العقل ما يعرف به قبح القبيح ، وحسن الحسن. بناء على فاسد أصولهم ، إن ~~الحسن ، والقبح وصف ذاتى (1) يمكن تعقله لا من جهة / الشارع ؛ وسيأتى ~~إبطاله (2). # ومنهم من قال بناء على هذا الأصل أيضا : العقل هو ما يميز بين خير ~~الخيرين ، وشر الشرين. # وفيه احتراز عن البهائم ؛ فإنها وإن ميزت بين الخير والشر ؛ فلا تميز بين ~~خير الخيرين ، وشر الشرين. ### |||| ** وقالت الخوارج (3) ### |||| ** : العقل ما عقل به عن الله أمره ، ونهيه. # وفيه تعريف العقل بالتعقل ؛ وهو أخفى من العقل. كيف ويخرج عنه العاقل ~~الذي لم تبلغه دعوة الشارع بأمر ، ولا نهى ، أو بلغه. غير أنه ما يعقل أمره ~~، ولا نهيه ؛ فإنه عاقل ، وله عقل ؛ مع أنه ما عقل أمر الله ، ولا نهيه. PageV01P129 ### ||| ** وأما أصحابنا : # فمنهم من قال : العقل هو العلم ولهذا يقال لمن (1) علم شيئا : عقله ، ومن ~~عقل شيئا : علمه (1). وهو اختيار أبى إسحاق الأسفرايينى. # وهو غير سديد ؛ فإنه إن أراد به : كل علم ؛ فيلزم منه : أن لا يكون عاقلا ~~من [فاته (2) ] بعض العلوم ، مع كونه محصلا لما عداه. وإن أراد بعض العلوم ~~؛ فالتعريف غير حاصل ؛ لعدم التمييز. وما ذكر (3) من الاستدلال ؛ فغير صحيح ~~؛ لجواز أن يكون العلم مغايرا للعقل ؛ وهما متلازمان. # ومنهم من قال : إنه غريزة يتوصل بها إلى المعرفة. وهو إن أراد بالغريزة ms0036 ~~العلم : فيلزمه ما لزم الأول. وإن أراد [بها] (4) غير العلم : فقد لا نسلم ~~وجود أمر وراء العلم يتوصل به إلى المعرفة ؛ وهو مما تعسر الدلالة عليه. ### |||| ** والذي اختاره القاضى : (5) أن العقل بعض العلوم الضرورية : كالعلم باستحالة اجتماع الضدين ، وأنه ~~لا واسطة بين النفي والإثبات ، وأن الموجود لا يخرج عن أن يكون قديما ، أو ~~حادثا ، (6) وأن الجبال المعهودة لنا ثابتة ، والبحار غير غائرة (6)، ونحوه. ### |||| ** وقد احتج إمام الحرمين (7) على صحة اختيار القاضى ، وإبطال ما عداه ، بطريقة جامعة مانعة في زعمه ~~فقال : العقل موجود ؛ فإنه لو كان نفيا محضا ؛ لما اختص به ذات دون ذات. ~~وإن كان موجودا : فإما أن يكون قديما ، أو حادثا. PageV01P130 # لا جائز أن يكون قديما : إذ لا قديم غير الله تعالى وصفاته ، كما هو ~~معلوم في مسألة حدوث العالم (1). ولا وجود للإله ولا لشيء من صفاته في شيء ~~من المحدثات ؛ فلا يوجب كون شيء منها عاقلا ؛ فإن حكم الذات لا يكون ثابتا ~~للذات من غير ما قام بها ، كما يأتى أيضا. # وعلى هذا فقد بطل قول الحشوية (2) بكون العقل قديما. # وإن كان حادثا : فهو إما جوهر ، وإما عرض. # لا جائز أن يكون جوهرا : إذ الجواهر متجانسة كما يأتى أيضا (3). فلو كان ~~بعض الجواهر عقلا ؛ لكان كل جوهر عقلا ؛ لأن ما ثبت لأحد المثلين يكون ~~ثابتا للآخر. # وأيضا : فإنه لو كان العقل جوهرا ؛ لما عاد بسببه إلى العاقل به حكم ؛ ~~وهو كونه عاقلا ؛ إذ الأحكام إنما تثبت للجواهر / لا بها. # وإن كان عرضا : فلا يمكن أن يكون عبارة عن مجموع الأعراض ؛ فإنه قد يتصف ~~بالعقل من لم يكن متصفا بجميع الأعراض. # فإذا كان هو بعض الأعراض : فإما أن يكون من العلوم ، أو من غيرها. # لا جائز أن يكون من غير العلوم : وإلا لصح أن يتصف بالعقل من لم يعلم ~~شيئا. كيف وأنه ما من شيء من أجناس الأعراض إلا ويمكن تقدير وجود العقل مع ~~عدمه ما عدا العلوم وما يصححها. وإذا كان من العلوم : فلا جائز أن يكون ~~عبارة ms0037 عن كل العلوم ؛ لاتصاف الإنسان بالعقل مع تعريه عن معظمها. # وإذا كان بعض العلوم : فإما أن يكون ضروريا. أو نظريا. لا جائز أن يكون ~~نظريا : إذ العقل شرط في العلم النظرى ، فلو كان العقل نظريا ؛ لكان دورا. # وأيضا : فإنه قد يتصف بالعقل من لم ينظر ، ولم يستدل أصلا. PageV01P131 # وإذا كان ضروريا : فلا يمكن أن يكون (1) هو مجموع العلوم الضرورية (1)؛ ~~فإن العلم بالمحسوسات من جملتها ، وقد يتصف بالعقل (2) من لم يكن مدركا ~~لشيء منها (2). # فإذن هو بعض العلوم الضرورية : وهى كل علم ضرورى يمتنع خلو الموصوف ~~بالعقل منها (3)، ولا يشاركه فيها من ليس بعاقل : كالعلم بأن النفي ~~والإثبات لا يجتمعان ، وأن الموجود لا يخرج عن كونه قديما ، أو حادثا ، ونحوه. # وعلى هذا ما أمكن الاتصاف بالعقل دونه ، ولو في حالة ما ؛ فلا مدخل له في ~~مسمى العقل : كالعلوم العادية ، ونحوها ؛ لجواز تغيرها (4). ### ||| ** وقد يتجه على هذه الحجة تشكيكات : ### |||| ** الأول : ما المانع من أن يكون مسمى العقل عدما. # قوله : لأن النفي المحض لا اختصاص له بذات دون ذات. إنما يصح في النفي ~~المطلق ، وما المانع من كونه عدما مضافا؟ لكن يمكن أن يستدل على كونه ~~وجوديا بحجة أخرى. وهى أنه لو كان العقل عدما ، فسلبه يكون ثبوتيا ؛ لأن ~~سلب السلب إثبات. ولو كان كذلك ؛ لما صح سلب العقل عن الأعدام المحضة ؛ لما ~~فيه من اتصاف العدم بالثبوت ؛ وهو محال. ### |||| ** الثانى : وإن سلم كونه وجوديا ، فما المانع من قدمه ، كما ذهب إليه الحشوية؟ قوله : ~~لأنه لا قديم إلا الله تعالى وصفاته ، ولا وجود لشيء من ذلك في شيء من ~~الحوادث ؛ مسلم ؛ ولكن لم قال : إنه (5) لا يكون عاقلا به؟ # قوله : لأن كون العاقل عاقلا ؛ حكم للذات ، وحكم الذات ، لا يكون ثابتا ~~(6) لها من غير ما قام بها ؛ يلزم عليه العلم ؛ فإنه لا يوجب (7) حكما لما ~~تعلق به ، وهو كونه معلوما ، وإن لم يكن ذلك العلم قائما به ؛ بل بالعالم ~~كما في / الجمادات (8). PageV01P132 # ويمكن أن يجاب عنه : بأن المعلومية ليست حكما ثابتا للمعلوم وإلا ms0038 قامت ~~الصفة الإثباتية بالمستحيل ، ضرورة كونه معلوما ؛ وهو (1) محال (1). ### |||| ** الثالث : وإن كان حادثا ، فما المانع من كونه جوهرا؟ # قوله : لأن الجواهر متجانسة ؛ غير مسلم. وما يذكره في تحقيق التجانس ؛ ~~فسيأتى إبطاله أيضا في موضعه (2). ### |||| ** الرابع : وإن قدر أنه عرض ؛ فما المانع من كونه من غير العلوم؟ # قوله : لو كان من غير العلوم ؛ لصح أن يتصف بالعقل من لم يحصل له العلم ~~بشيء ؛ مسلم ؛ ولكن لا نسلم : أنه لا يصح اتصافه بالعقل ، وإنما لا يصح ~~اتصافه بالعقل أن لو كان العقل هو العلم ؛ فعدم اتصافه بالعقل ، يتوقف على ~~كون العقل هو العلم ، وكون العقل هو العلم يتوقف على عدم اتصافه بالعقل ؛ ~~فيكون دورا. # قوله : إنه ما من شيء من أجناس الأعراض إلا ويمكن تقدير وجود العقل مع ~~عدمه ما عدا العلوم ، وما يصححها ، ممنوع ؛ فإنه من الجائز أن يكون مسمى ~~العقل عرضا من الأعراض وهو ملازم للعلم الذي يوصف الإنسان بكونه عاقلا عنده ~~، ولا يكون هو نفس العلم ، ولا سبيل إلى تقدير انتفاء ذلك اللازم مع بقاء العقل. ### |||| ** الخامس : هو أن كون العاقل عاقلا حكم واحد : مثل كون القادر قادرا ، وكون العالم ~~عالما ؛ فلو كان العقل عبارة عن بعض العلوم الضرورية وهى ما ذكرتموه من ~~العلوم ؛ فيلزم (3) أن يكون الحكم الواحد معللا بعلل متعددة ؛ وهو محال كما يأتى. # فإن قيل : العقل (4) ليس مجموع ما ذكرناه (4) من العلوم الضرورية ؛ بل ~~العلم بكونه عالما بها ، والعلم بكونه عالما بها (5)؛ علم ضرورى وهو واحد ~~؛ فلا يكون فيه تعليل الحكم الواحد بعلل متعددة. PageV01P133 ### |||| ** قلنا : فالعلم بكونه عالما بكل واحد من تلك العلوم إن كان غير كل واحد منها ؛ ~~فيفضى إلى التسلسل الممتنع ؛ وهو أن يكون العلم بالعلم بتلك الأمور : زائدا ~~عليه ، وهلم جرا ؛ وهو محال. وإن كان العلم بالعلم بتلك العلوم الضرورية : ~~هو (1) نفس العلم بها ؛ فيلزم من تعددها تعدده ؛ ويعود الإشكال. ### |||| ** السادس : أنه إذا كان العقل بعض العلوم الضرورية كما ذكرتموه ؛ فلا يخلو : إما أن ~~يمكن تحديده ، أو لا يمكن تحديده. # فإن أمكن تحديده ms0039 : فقولكم هو بعض العلوم الضرورية ليس (2) بحد ؛ لعدم ~~التعين والحصر. وما لا يكون حدا ؛ لا يكون معرفا لما كان من قبيل التصورات. # وإن لم يمكن تحديده : فالعلم (3) به غير بديهى ؛ فلا يكون معلوما. وبهذا ~~يندفع قول من قال : ليس من شرط كل معلوم أن يحد ؛ فإن ذلك إنما يكون فيما ~~سلم كونه / معلوما ، وأما ما ليس بمعلوم ؛ فلا بد في معرفته من التحديد. ### |||| ** السابع : أنه إذا كان العقل عبارة عن العلوم الضرورية التى لا خلو للنفس عنها ؛ ~~فيلزم منه أن لا يقع التفاوت بين العقلاء في مراتب العقل. وأن لا يفرق بين ~~العامى الأبله ، ومن هو في غاية الجودة من الذكاء ، وشدة القريحة ؛ لعدم ~~اختلاف الناس فيما ذكرتموه من الضروريات ؛ ولا يخفى ما فيه من المكابرة ، ~~والعناد. # ويمكن أن يجاب عنه : بأن القضاء بالتفاوت في العقل بين الناس ليس باعتبار ~~العقل الذي هو مناط التكليف : وهو ما نحن بصدد تعريفه. وإنما ذلك باعتبارات ~~، وهى ما (4) قدمنا ذكرها (4) من صحة الفطرة ، أو التجربة ، أو حسن الحالة ~~(5)، أو العلم. # وعند ذلك : فقد يمكن تحديده بما لا بأس به ، # وهو أن العقل عبارة عن : العلوم الضرورية التى لا خلو لنفس الإنسان عنها ~~بعد كمال آلة (6) الإدراك ، ولا يشاركه فيها شيء من الحيوانات. PageV01P134 # ولا يخفى أن العقل بهذا الاعتبار موجود ، وأنه لا بد للنظر منه ؛ قطعا ~~للتسلسل الممتنع. ### |||| ** وأما اشتراط انتفاء أضداد النظر : فلأن وجود كل واحد من الضدين ، متوقف على انتفاء الضد الآخر ؛ لاستحالة ~~الجمع بينهما. # وأضداد النظر : العلم بالمنظور فيه ، واعتقاده على خلاف (1) ما هو عليه ، ~~والنوم ، والغفلة ، والموت ، على ما سبق تحقيقه في قاعدة العلم (2). ### ||| ** وأما الشروط الخاصة بالنظر الصحيح : # فأن يكون النظر في الدليل دون الشبهة ، وفي الوجه الذي منه يدل الدليل ~~دون غيره. # وإن اختل شيء من ذلك ؛ فالنظر يكون فاسدا. PageV01P135 ### | الفصل الثالث ### | في أن النظر الصحيح يفضى إلى العلم بالمنظور فيه ، ### ||| * وإثباته على منكريه (1) # وإذا كان النظر الصحيح في دلالة قطعية ، ولم يعقبه ضد من أضداد العلم ؛ ~~أفضى ms0040 إلى العلم بالمنظور فيه. خلافا لبعضهم في قوله : إن النظر لا يفضى إلى ~~العلم (2)، وما يفضى إلى العلم الذي ليس بديهيا ، غير خارج عن الحواس ~~وأخبار التواتر. وربما خالف بعضهم في الخبر المتواتر أيضا. ### ||| ** والحجة لنا من ثلاثة أوجه : ### |||| ** الحجة الأولى : [وهى] (3) أن النظر على ما حققناه : عبارة عن تصرف العقل في المعلومات ؛ أو ~~المظنونات السابقة المناسبة للمطلوب بترتيب بعضها إلى بعض ، توسلا بذلك إلى ~~تحصيل ما ليس حاصلا في العقل. # وعند ذلك : فلا يخفى أن من حصل عنده العلم بالمواد الصادقة ، والعلم بما ~~اقترن بها من الصورة الصحيحة ، والتأليف الخاص الذي يتولى بيانه / المنطقى ~~؛ علم بالضرورة لزوم المطلوب عنها ، وكونه صحيحا : وذلك كعلمنا بأن الأربعة ~~زوج ، عند علمنا بأن الأربعة منقسمة بمتساويين ؛ وأن كل منقسم بمتساويين زوج. ### |||| ** الحجة الثانية : أنا نجد من أنفسنا العلم بأمور كلية حصلت لنا بعد ما لم تكن ، ولو خلينا ~~على أصل الفطرة من غير طلب لها لم نعلمها ؛ وذلك كالعلم بمعنى النفس ، ~~والعقل ، وغيره. ولا بد لها من مدرك يوصل إليها ؛ فإنها غير بديهية ، وليس ~~المدرك لها الحواس ؛ إذ هى غير محسوسة. ولا الخبر المتواتر ؛ فإنه لا يفيد ~~العلم فيما ليس بمحسوس ، والذي يفيد العلم بها غير هذين المذكورين (4) هو ~~المعنى بالنظر. PageV01P136 # وأيضا : فإنا (1) نجد من أنفسنا العلم بوجود الإله تعالى وما يجوز عليه ، ~~وما لا يجوز بعد ما لم يكن حاصلا لنا ، وليس ذلك من الأمور البديهية ، ولا ~~من الأمور التى تعلم بالحس ، ولا التواتر ؛ إذ هى غير محسوسة ؛ فلم يبق إلا النظر. ### |||| ** الحجة الثالثة : وهى مختصة بإبطال مذهب الخصم هو أنا نقول : القول بنفي إفضاء النظر (2) إلى ~~العلم : إما أن يكون معلوما ، أو غير معلوم. # فإن كان معلوما : فإما أن يكون بديهيا ، أو غير بديهى. # لا جائز أن يكون بديهيا : فإنه لو خلى الإنسان ودواعى نفسه من مبدأ نشوه ~~مع قطع النظر عن النظر ؛ لم يجد من نفسه الجزم بذلك أصلا ، وليس البديهى ~~كذلك. ولأن البديهى لا يخالف فيه أكثر العقلاء ، وأكثر ms0041 (3) العقلاء (3) وهم ~~القائلون : بإفضاء النظر إلى العلم مخالفون فيه. # وإن كان غير بديهى : فلا بد له من مدرك. وليس مدركه الحواس ؛ إذ هو غير ~~محسوس ، ولا الخبر المتواتر ؛ لذلك أيضا ؛ فلم يبق إلا النظر. # وإن كان غير معلوم : فالجزم بنفيه متعذر. ### ||| ** وللخصوم على ذلك شبه : ### |||| ** الشبهة الأولى : هو أن المعلومات السابقة المناسبة التى يتصرف العقل فيها بالترتيب المفضى ~~إلى المطلوب ؛ لا بد وأن تكون بديهية ، أو مستندة إلى البديهى ؛ قطعا ~~للتسلسل ، والدور الممتنع ، والبديهيات لا حاصل لها. وبيانه من خمسة أوجه : ### |||| ** الأول : أنه لا يخلو : إما أن تكون الفطرة الإنسانية كافية في حصولها من غير احتياج ~~إلى أمر آخر ، أو لا بد لها من أمر آخر. لا جائز أن يقال بالأول : وإلا ~~لكانت البديهيات حاصلة لنا في مبدأ النشو ، وحصول علم للإنسان (4) وهو لا ~~يشعر به محال. PageV01P137 # وإن كان الثانى : فهى غير بديهية ؛ إذ لا معنى للبديهى ؛ إلا ما لا يتوقف ~~(1) العقل في تعقله على (1) أمر خارج عنه. ### |||| ** الثانى : أن البديهيات من المعقولات ، والمعقولات فرع المحسوسات ، ومنتزعة منها ؛ ~~ولهذا قيل : إن من فقد / حسا ؛ فقد فقد علما. وقد ذهب جمع من العقلاء : إلى ~~أن المحسوسات غير يقينية ، فما هو متفرع عليها ؛ أولى أن لا يكون يقينيا. # وبيان أنها غير يقينية : ما نشاهده من القطرة النازلة ؛ (2) خطا مستقيما ~~(2)، والنار في رأس العود الدائر بسرعة ؛ دائرة متصلة ، والصغير كبيرا : ~~كالنار البعيدة في الظلمة ، والكبير صغيرا : كالمرئيات من بعد ، والمتحرك ~~ساكنا : كالكواكب ، والساكن متحركا : كالأشياء التى يراها راكب السفينة على ~~الشطوط ، والمتحرك إلى جهة ، وهو متحرك إلى خلافها : كحركة القمر في الغيم ~~، والمعدوم موجودا : كالمرئى في المرايا من الصور ، والألوان المختلفة : ~~كقوس قزح ، وما يشاهده النائم في منامه ، وصاحب الرسام من الصور التى لا ~~وجود لها. إلى غير ذلك. # وهذا كله مما يدل على غلط المحس ، فما هو متفرع عليه ، كيف يكون يقينيا؟ ### |||| ** الثالث : هو أن أجلى البديهيات : الحكم بأن لا واسطة بين النفي والإثبات ، وهو غير ~~يقينى ؛ فما دونه أولى أن لا ms0042 يكون يقينيا. وبيانه : أن التصديق بهذه القضية ~~؛ متوقف على تصور مفرداتها ، وهما النفي والإثبات ، والنفي غير بديهى ~~التصور ؛ ولذلك وقع الاختلاف بين العقلاء في تصوره ؛ فما هو متفرع عليه ؛ ~~أولى أن لا يكون بديهيا. ### |||| ** الرابع : هو أنا قد نجد أنفسنا جازمة بقضايا على نحو جزمنا بالبديهيات ، والجزم بها ~~غير جائز : كجزمنا بأن ما شاهدناه من ماء البحر باق بحاله مع جواز إعدامه ، ~~أو قلبه دما عبيطا (3)، أو غير ذلك ، وكجزمنا بأن ما شاهدناه مرة بعد مرة ~~: أنه عين المرئى أولا. مع جواز إعدام الأول وخلق مثله ، وكالذى يجزم قضيته ~~بناء على دليلها جزما لا يرتاب PageV01P138 # فيه ، وقد يظهر له الغلط في ذلك حتى أنه ينتقل عن اعتقاد شيء إلى ضده ، ~~ويجزم به ، مع استحالة الجمع (1) بين الجزمين. # وإذا جاز ذلك في غير البديهيات مع كونها جازمة كالجزم في البديهيات ؛ ~~فكذلك في البديهيات. ### |||| ** الخامس : (2) هو أن كل صاحب مذهب قد يدعى البديهة بأمور يكذبه المخالفون له فيها ؛ ~~وذلك قادح في البديهيات : كمن يدعى العلم البديهى بحسن الشكر ، وقبح ~~الكفران ، وكون العبد خالقا لأفعال / نفسه ، وأن كل (3) ما لا يكون متحيزا ~~ولا حالا (3) في المتحيز فليس بموجود. وأن الأجسام باقية ، وأن إعادة ~~المعدوم ممتنعة ، إلى غير ذلك. ### |||| ** الشبهة الثانية : أن المطلوب بالنظر : إما أن يكون معلوما من كل وجه ، أو مجهولا من كل وجه ، ~~أو معلوما من وجه ، ومجهولا من وجه. # فإن كان معلوما من كل وجه : فلا حاجة إلى طلبه ؛ فإن تحصيل الحاصل محال. ### |||| ** وإن كان مجهولا من كل وجه : فلا يقع في النفس طلبه. وبتقدير الطلب ، قد لا يعلم أن ما ظفر به هو مطلوبه ~~، أم لا؟ # وإن كان الثالث : فإما أن يكون مطلوبا من جهة ما علم ؛ أو من جهة ما جهل ~~، وكل واحد من الأمرين ممتنع ؛ لما سبق. ### |||| ** الشبهة الثالثة : هو أن القول بصحة النظر : إما أن يكون معلوما ، أو مجهولا (4). # فإن كان معلوما : فإما أن يكون بديهيا ، أو نظريا ؛ لاستحالة كونه ~~محسوسا. # لا جائز أن يكون بديهيا ms0043 : وإلا لما خالف فيه جمع كثير من العقلاء. وإن ~~كان نظريا : فيلزم منه توقف صحة النظر على صحة النظر ؛ لأن العلم بصحة ~~الطريق المفضى إلى المطلوب ؛ متقدم على العلم بصحة المطلوب ؛ وفيه توقف (5) ~~العلم بصحة النظر على العلم بصحة النظر ، وتقدم الشيء على نفسه ؛ وهو محال. PageV01P139 ### |||| ** وإن كان مجهولا : فلا سبيل إلى (1) الجزم به (1). ### |||| ** الشبهة الرابعة : أن العلم بلزوم المطلوب عن النظر : إما بديهى ، أو (2) نظرى. # وليس بديهيا ؛ لوقوع الخلاف فيه. # وإن كان نظريا : فيفتقر إلى نظر آخر ، والكلام فيه ؛ كالكلام في الأول ؛ ~~ويلزم منه التسلسل ، أو الدور ؛ وهو ممتنع. ### |||| ** الشبهة الخامسة : هو أن كل واحد من أرباب الأديان ، والمقالات المختلفة جازم بما أدى إليه ~~نظره ، معتقد له اعتقادا لا يتمارى فيه ، ولا يشككه فيه مشكك. مع استحالة ~~الجمع في الصحة ، وليس بعضه أولى بالصحة من البعض ، مع أن كل واحد جازم بما ~~ذهب إليه معتقد له. ### |||| ** الشبهة السادسة : أنا نرى الناظر قد يؤديه نظره إلى اعتقاد أمر لا يشككه فيه مشكك برهة من ~~الزمان ، ثم ينتقل عنه بالنظر إلى اعتقاد مقابله وإبطال معتقده الأول ، ~~وتبين فساد النظر المؤدى إليه وعند ذلك : فلا نأمن في كل نظر يفرض من تبين ~~فساده / ، وظهور إبطاله ؛ وما هذا شأنه ؛ فلا يمكن الجزم بصحته. ### |||| ** الشبهة السابعة : أن ملازمة المطلوب للنظر : إما واجبة لا يتصور الانفكاك فيها ، أو غير واجبة. ### |||| ** فإن كانت واجبة : فهى اضطرارية ، غير داخلة تحت اختيار الناظر ، ويلزم من ذلك قبح التكليف ~~بحصول مثل هذه المطلوبات ، وامتناع المدح ، والذم عليها إيجادا وعدما ؛ ~~واللازم ممتنع باتفاق الأمة. # وإن كانت غير (3) واجبة : فكل ما ليس واجبا أن يكون فهو : إما ممكن ، أو ~~ممتنع. وعلى كلا التقديرين ؛ فلا يمتنع القول بعدم ملازمة المطلوب للنظر. PageV01P140 ### |||| ** الشبهة الثامنة : أن ملازمة المنظور فيه للنظر متوقف على انتفاء الدليل المعارض في نظر ~~الناظر ، وإلا لما امتنع الجزم بالمطلوب مع ظهور المعارض في نظر الناظر ؛ ~~وهو ممتنع. # وإذا توقف على انتفاء [الدليل] (1) المعارض ؛ فالعلم بانتفاء المعارض غير ~~ضرورى ؛ فلا بد ms0044 [له] (2) من دليل. والكلام في دليل انتفاء المعارض كالكلام ~~في الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع. ### |||| ** الشبهة التاسعة : أن العلم بالمنظور فيه : إما أن يقع مع النظر ، أو بعد انقضائه. لا سبيل ~~إلى الأول : فإن النظر يضاد العلم بالمنظور فيه ، كما بينتموه في قاعدة ~~العلم (3). وإن كان بعده : فغير ممتنع أن يتعقب عدم النظر ما يضاد العلم ؛ ~~فإن انقضاء النظر غير مقتض لنفي أضداد العلم بالمنظور فيه ، والعلم ~~بالمنظور فيه مع وجود ضده محال. فإذن انقضاء النظر لا يلازمه العلم ~~بالمنظور فيه. ### |||| ** الشبهة العاشرة : أن العلم بالمنظور فيه ، إذا كان مرتبطا بالنظر ؛ فلا يتصور حصوله مع ~~الذهول عن النظر ، وأركانه. # والنظر إذا كان مشتملا على أركان ومقدمات ؛ فلا يتصور للناظر العلم بها ~~معا ، على ما يجده كل عاقل من نفسه : أنه متى حاول علما بشيء ، تعذر عليه ~~محاولة العلم بغيره حالة محاولته له. وإذا كان العلم بالجميع غير متصور ~~معا. والعلم بالبعض غير مفض إلى العلم (4) بالمنظور فيه (4)؛ فالنظر لا ~~يكون مفضيا إلى العلم بالمنظور فيه. ### |||| ** الشبهة الحادية عشرة : أن إفادة (5) النظر للعلم (5) بالمنظور فيه ؛ إما أن يكون معلوما ، أو غير معلوم. PageV01P141 # فإن لم يكن معلوما : امتنع القول بأن النظر مفيد للعلم بالمنظور فيه (1) # وإن كان معلوما : فالعلم بإفادة النظر للعلم بالمنظور فيه / وإن كان ~~معلوما فالعلم بإفادة النظر للعلم بالمنظور فيه علم بإضافة بين النظر ، ~~والعلم بالمنظور فيه. والعلم بالإضافة يتوقف على العلم بالمضافين ، وأحد ~~المضافين العلم بالمنظور فيه ؛ وفيه توقف العلم بالمنظور فيه على العلم ~~بإفادة النظر له ، وتوقف العلم بإفادة النظر له على العلم به ؛ وهو دور ممتنع. ### |||| ** الشبهة الثانية عشرة : أن العلم بالمنظور فيه : إما أن يتوقف على العلم بدلالة الدليل عليه ، أو ~~لا يتوقف. # فإن كان الأول : فدلالة الدليل على العلم بالمنظور فيه ، علم بأمر إضافي ~~بين الدليل ، والعلم بالمدلول. والإضافة متوقفة على المضاف إليه ؛ فإذا ~~توقف العلم بالمضاف إليه على العلم بالإضافة ؛ كان دورا. ولأن العلم بدلالة ~~الدليل : إما أن يبقى مع العلم بالمدلول ، أو لا ms0045 يبقى. # فإن بقى : فاجتماع علمين مختلفين محال ، كما تقدم في قاعدة العلم (2). # وإن لم يبق : فالعلم بالمدلول مع عدم العلم بدلالة الدليل عليه ممتنع ؛ ~~لعدم تمييز ذلك الدليل ، عما ليس بدليل. # ولهذا المعنى يمتنع القسم الثانى وهو : أن لا يتوقف العلم بالمدلول ، على ~~العلم بدلالة الدليل عليه. ### |||| ** الشبهة الثالثة عشرة : أن النظر الصحيح : إما أن يكون شرطا في حصول العلم بالمنظور فيه ، أو لا ~~يكون شرطا. # فإن كان شرطا : فالشرط لا بد وأن يكون متحققا مع المشروط ؛ لاستحالة وجود ~~المشروط دون شرطه ؛ وهو محال ؛ لما حققتموه من مضادة النظر للعلم بالمنظور ~~فيه (3). PageV01P142 # وأيضا : فإن الشرط لا يتضمن المشروط : كالحياة ؛ فإنها لا تتضمن العلم ~~لما كانت شرطا له ، ولا توجبه ، ولا تولده. والنظر على اختلاف القائلين به ~~لا يخرج عن ذلك. # وإن لم يكن شرطا فيه : فلا ارتباط بينه وبينه ، وإذا لم يكن النظر مرتبطا ~~بالعلم بالمنظور فيه ؛ فلا يكون مؤديا إليه كغيره من الأمور الأجنبية عنه. ### |||| ** الشبهة الرابعة عشرة : أن الناظر إذا نصب دليلا على وجود الصانع مثلا ، فالمدلول : إما وجود ~~الصانع ، أو العلم بوجود الصانع. # لا جائز أن يقال بالأول ؛ لأن افضاء النظر إلى المطلوب لا يخرج عند ~~القائلين به عن جهة التضمن ، أو التولد ، أو الوجوب على اختلاف المذاهب (1) ~~، والنظر غير متضمن لوجود الرب تعالى / ولا موجب له ، ولا مولد له. # ولا جائز أن يقال بالثانى ؛ لأن الأدلة الدالة على العلم بوجود الصانع ، ~~دالة لذواتها ، وصفات أنفسها. فلو لم يوجد الرب تعالى من يستدل بها على ~~العلم بوجوده ، ولا (2) خلق من يعلم وجود الرب (2) تعالى فإن خرجت تلك ~~الأدلة عن كونها أدلة ، فلم تكن أدلة لذواتها ؛ بل لنظر الناظر فيها. # وإن (3) بقيت أدلة بحالها : فالدليل مضايف للمدلول. فلو كان مدلولها هو ~~العلم بالوجود ؛ لاستحال العلم بالوجود مع عدم العالم المستدل ؛ فكان ~~الدليل بلا مدلول ؛ وكل ذلك محال. ### |||| ** الشبهة الخامسة عشرة : أن النظر الصحيح : إما أن يوجب حالا للناظر ، أو لا يوجب. والأول : محال ؛ ~~إذ النظر الصحيح مجموع أفكار ms0046 مختلفة الأجناس ، مفضية إلى العلم بالمنظور ~~فيه ، والموجب للحال (4) لا يكون مختلف الجنس. # وإن كان الثانى : فهو خلاف ما يجده العاقل من نفسه من الأحوال المختلفة ~~باختلاف النظر الصحيح ، والفاسد. وإذا بطل القسمان ؛ فالنظر الصحيح ممتنع. # أما القائلون بالتولد فهم المعتزلة ، # والقائلون بالوجوب هم الفلاسفة. انظر ما يأتى ل 23 / ب. PageV01P143 ### |||| ** الشبهة السادسة عشرة : أنه وإن جاز إفضاء النظر إلى العلم بالمنظور فيه ، فما الذي يؤمن أن يكون ~~ما أفضى إليه النظر جهلا ، أو شيئا آخر من الأمور العرضية؟ ولا سيما عند من ~~يرى أن الجهل مماثل للعلم ، ومشارك له في أخص أوصافه ، كما سبق في قاعدة ~~العلم (1). ### ||| ** والجواب عما ذكروه من الشبه من وجهين : # أحدهما عام ، ### ||| ** والآخر خاص بكل واحد واحد منها. ### ||| ** أما الجواب العام : # فهو أنا نقول : ما ذكرتموه من الشبه : إما أن تكون مفيدة (2) لإبطال ~~النظر (2)، أو غير مفيدة له. # فإن كان الأول : فقد أبطلتم النظر بالنظر ؛ وفيه ما يوجب صحة بعض ضروب ~~النظر. وإن كان الثانى : فقد استغنينا عن الجواب ؛ لعدم الفرق بين وجوده وعدمه. # فإن قيل : ما ذكرناه وإن كان فاسدا ، غير أن المقصود منه : معارضة ما ~~ذكرتموه ، ومقابلة الفاسد بالفاسد. ### |||| ** قلنا : فهذه المعارضة إن أفادت شيئا ؛ فهى من جملة ضروب النظر ، وإن لم تفد شيئا ~~، فلا حاجة إلى جوابها. ### |||| ** الجواب الثانى : أنا نخص كل شبهة بجواب : ### |||| ** أما الشبهة الأولى : فجوابها بلزوم كون المقدمات بديهيات ، أو مستندة إليها ، وما ذكروه فتشكيك ~~على البديهيات ؛ / فلا يقبل. PageV01P144 # كيف وأنا نجيب عن التشكيك الأول : بأن القضية البديهية ما يصدق العقل بها ~~من غير توقف على أمر خارج عن مفرداتها ؛ بل مهما (1) علمت المفردات بأى ~~طريق كان ، بادر العقل [بالنسبة] (2) الواجبة لها من غير توقف على أمر آخر ~~، فتعقل القضية البديهية بعد أن لم تكن معقولة في مبدأ النشو ، إنما كان ~~لتوقفها على كمال آلة الإدراك للمفردات ، وهى غير كاملة في مبدأ النشو فإذا ~~كملت ، وحصل بها إدراك المفردات ؛ بادر العقل بالنسبة الواجبة لها ؛ وذلك ~~لا يوجب خروجها عن كونها ms0047 بديهية. ### |||| ** وعن التشكيك الثاني : بمنع وقوع الغلط ، والتشكيك في المحسوسات التى هى أصول البديهيات. فإن ~~المحسوسات التى هى أصول البديهيات ما لا يكذبها (3) العقل ، وما أورده من ~~المحسوسات ؛ فالعقل مكذب لها. ### |||| ** وعن الثالث : بمنع كون (4) النفي غير بديهى ، وإن اختلف فيه. وإن لم يكن بديهيا ؛ فلا ~~يمنع ذلك عند تعقله من مبادرة العقل بالنسبة بينه وبين الإثبات من غير توقف ~~على أمر خارج ؛ فلا تخرج القضية بذلك عن كونها (5) بديهية. ### |||| ** وعن الرابع : بمنع التساوى في الجزم بين البديهيات ، وما ذكر ؛ فإن الجزم في البديهيات ~~مع الجزم باستحالة مخالفة المجزوم (6) به عقلا ، وفي غيرها عادة. ### |||| ** وعن الخامس : أنه ليس من شرط البديهى أن لا يخالف أصلا ؛ بل شرطه أن لا يخالفه أكثر ~~العقلاء ، وكل ما خالفه أكثر العقلاء ؛ فلا يكون بديهيا. ### |||| ** والجواب عن الشبهة الثانية : أن الطلب لما هو معلوم من وجه ، ومجهولا من وجه : أعنى معلوما بالقوة ، ~~ومجهولا بالفعل. وذلك قد يكون عند كون الإنسان عالما بقضية كلية ، وهو جاهل ~~بما هو داخل تحتها بالجزئية ، أو هو عالم به ؛ لكنه غافل عن الارتباط ~~الواقع بينهما. PageV01P145 ### |||| ** مثال الأول : علمنا بأن كل اثنين زوج ، وجهلنا بزوجية ما في يد زيد مثلا ؛ لجهلنا ~~باثنينيته ؛ لكن جهلنا به إنما هو جهل بالفعل ، وإن كان معلوما بالقوة من ~~جهة دخوله تحت عموم علمنا ، بأن كل اثنين زوج. ### |||| ** ومثال الثانى : ظن كون البغلة المنتفخة البطن حبلى ، مع العلم بأنها بغلة ، وأن كل بغلة ~~عقيم ؛ فالعلم بكونها عقيما واقع بالقوة ، والجهل بذلك بالفعل. # فمستند الجهل في المثال الأول : إنما هو عدم العلم بالمقدمة (1) الجزئية. # وفي الثانى : الغفلة عن / الارتباط بين المقدمتين ؛ فالطلب إذن إنما (2) ~~هو لمثل هذا المجهول ؛ فإذا بحث عن الشيء الفلانى أنه كذلك ، أم لا. فإذا ~~ظفر به وعرفه على الصفات التى كانت معلومة له بالقوة ، عرف لا محالة أنه ~~مطلوبه. # أما أن يكون الطلب لما علم ، أو جهل مطلقا ؛ فلا. ### |||| ** وعن الشبهة الثالثة : أن العلم بصحة النظر ضرورى ، ومخالفة بعض العقلاء فيه ؛ لا تقدح ms0048 فيه ، كما ~~سبق. وبه اندفاع الشبهة الرابعة. # ثم وإن سلمنا أنه نظرى ؛ لكن إثبات صحة النظر بالنظر غير متناقض كما يعلم ~~العلم بالعلم. # وأما نفي صحة النظر بالنظر ؛ فاعتراف بإفضاء النظر ؛ إلى إبطال النظر ؛ ~~وهو تناقض ، وليس إثبات صحة النظر بالنظر ، هو إثبات صحة النظر بصحة النظر ~~، (3) ولا إثبات النظر بالنظر ، حتى يكون الشيء الواحد مثبتا لنفسه ، ويكون ~~من حيث هو مطلوب غير حاصل ، ومن حيث هو آلة في طلب نفسه حاصلا ؛ فيكون ~~تناقضا. ### |||| ** وعن الشبهة الخامسة والسادسة : أن النظر الصحيح ، لا يتصور معه التشكك والريبة في (4) المنظور فيه ، بخلاف ~~الفاسد (4). PageV01P146 # فأى هذه الأنظار كان بهذه المثابة (1)؛ فهو النظر الصحيح ، وما عداه ~~فاسد ، والاشتراك في الصحة غير متصور بين الأنظار المتقابلة. ### |||| ** وعن الشبهة السابعة : أن ملازمة المطلوب للنظر الصحيح واجبة ، والتكليف ليس بملازمة المطلوب ~~للنظر الصحيح ؛ بل بالنظر الذي يلازمه المطلوب ، وهو مقدور ؛ فلا يلزم ما قيل. ### |||| ** وعن الشبهة الثامنة : أن الكلام إنما هو في النظر الصحيح ، وهو ما كانت مقدماته ضرورية مقترنة ~~بالصورة الحقة. # وعند ذلك : فالعلم بانتفاء المعارض يكون ضروريا ؛ لاستحالة تعارض القواطع ~~؛ فلا تسلسل. ### |||| ** وعن الشبهة التاسعة : أن معنى كون النظر الصحيح مفضيا إلى العلم بالمنظور فيه : أن العلم ~~بالمنظور فيه ، يتعقب النظر الصحيح ، إذا (2) لم يتعقبه ضد من أضداد العلم. ### |||| ** وعن الشبهة العاشرة : أنا لا نعنى بارتباط العلم بالمنظور فيه بالنظر ، إلا أنه يتعقب النظر ~~الصحيح (2)، ولا يتصور حصوله دون سابقة النظر. # والقول بأنه لا يتصور حصول العلم بأركان النظر معا ممنوع (3) على ما سبق ~~بيانه (3) في قاعدة العلم (4). ### |||| ** وعن الشبهة الحادية عشرة : أن ذلك إنما يصح أن لو كان النظر / مفيدا للعلم بالمنظور فيه ؛ وليس كذلك. ~~فإن المفيد ، لا بد وأن يوجد مع ما أفاده ، والنظر مضاد للعلم بالمنظور فيه ~~؛ فلا يكون معه. نعم غايته أن وجود العلم بالمنظور فيه متعقب للنظر ، كما ~~سبق بيانه. ### |||| ** وعن الشبهة الثانية عشرة : أن العلم بالمدلول لا يتوقف على العلم بدلالة الدليل عليه ؛ بل على العلم ~~بالوجه الذي صار ms0049 به الدليل دالا على المدلول ، وهما غيران ، والوجه الذي ~~صار به الدليل دالا ، غير إضافي. PageV01P147 # وإن كانت دلالة الدليل إضافية : فإذن العلم بدلالة الدليل ، والعلم ~~بالمدلول تابعان للعلم بوجه دلالة الدليل ، وأحدهما ليس تابعا للآخر ؛ بل ~~يقعان معا تبعا للعلم بوجه دلالة الدليل. وهل العلم بالمدلول متأخر عن ~~العلم بوجه دلالة الدليل ، أو معه؟ فقال قوم بالتأخير ؛ لأن العلم بوجه ~~دلالة الدليل من أركان النظر ، والنظر مضاد للعلم بالمدلول ؛ فلو جاز أن ~~يكون مع ركن من أركان النظر ؛ لجاز أن يكون مع النظر. # والحق ما ارتضاه القاضى : وهو أن النظر بحث عن وجه دلالة الدليل وبعد ~~العثور عليه ؛ فالنظر يكون مقتضيا ، وليس ركنا منه ؛ فلا يمتنع أن يكون ~~العلم بالمنظور فيه ، مع العلم بوجه دلالة الدليل ، متعقبان للنظر ، ولا ~~يمتنع اجتماع العلوم المختلفة ، كما سبق في قاعدة العلم (1) ### |||| ** وعن الشبهة الثالثة عشرة : أنا إن قلنا : إن النظر شرط للعلم بالمنظور فيه ؛ فلا نعنى به غير أن العلم ~~بالمنظور فيه ؛ متوقف عليه. # وإن قلنا : إنه ليس بشرط ؛ فلا يلزم أن يكون غير متوقف عليه ؛ فإن ما ~~يتوقف عليه الشيء أعم من كونه شرطا. ### |||| ** وعن الشبهة الرابعة عشرة : فالمختار (2) أن مدلول الدليل ، وجود الصانع ، ومع ذلك فلا نسلم أن الدليل ~~يوجب المدلول ، ولا يولده ، ولا يتضمنه ؛ بل هو متعلق به ؛ والتعلق (3) أعم ~~مما ذكر (3). # والذي يقول بكونه متضمنا : إنما هو العلم بوجه الدليل ، للعلم بالمدلول ، ~~فالنسبة بين الدليل والمدلول بالتعلق ، وبين العلم بوجه الدليل ، والعلم ~~بالمدلول بالتضمين. ### |||| ** وعن الشبهة الخامسة عشرة : بمنع وجود أمر للناظر وراء علمه بالمقدمات المترتبة الترتيب المفضى إلى ~~المطلوب ، والعلم بوجه دلالة الدليل ، والعلم بالمنظور فيه : وهو القدر ~~الذي يجده كل عاقل من نفسه ؛ وليس ذلك حالا. # وإن سلمنا وجود حال / له زائدة على ذلك ؛ فلازمة من علمه بوجه دلالة ~~الدليل ؛ والعلم بوجه دلالة الدليل واحد لا تعدد فيه. PageV01P148 ### |||| ** وأما الشبهة السادسة عشرة : فلازمة على من قال من المعتزلة بأن الجهل مماثل للعلم ، ولا يحصل له ~~الانفصال عنها ms0050 بتمييز العلم عن الجهل بركون النفس إلى المعتقد في العلم ، ~~بخلاف الجهل ؛ فإن ذلك مع القول بالتماثل ممتنع. # كيف ويلزم عليه اعتقاد الكفرة المصممين على معتقداتهم ، الداعين إليها مع ~~موافقته أنه (1) ليس بعلم (2). ### ||| ** وأما نحن فنقول : # إذا تم النظر الصحيح ، وحصل عند الناظر العلم بالمقدمات الصادقة ، ~~وترتيبها المفضى إلى لزوم المطلوب ؛ فإنا نعلم بالضرورة أن اللازم عنه علم ~~، وليس بجهل ولا غيره ، وإذا كان النظر غير صحيح ؛ فلا نجد ذلك أصلا. PageV01P149 ### | الفصل الرابع ### | في كيفية لزوم العلم بالمنظور فيه عن النظر الصحيح # ولا خلاف عند القائلين بالنظر في لزوم العلم بالمنظور فيه عن النظر ~~الصحيح (1) غير أن منهم من قال : النظر الصحيح (2) موجب للعلم (2) بالمنظور فيه # وهو خطأ ؛ فإن الموجب لا بد وأن يكون متحققا مع الموجب. والنظر مضاد ~~للعلم بالمنظور فيه ، (3) كما عرف في قاعدة العلم (3)، فلا يكون معه ؛ فلا ~~يكون موجبا له. # وإن فسر معنى الإيجاب : بما لا يفتقر فيه إلى الوجود مع الوجود ؛ فحاصل ~~النزاع معه في العبارة. # وقالت المعتزلة : (4) النظر مولد للعلم بالمنظور فيه. ومنعوا أن يكون ~~تذكر النظر مولدا له ؛ إذ التذكر قد يقع بطريق الضرورة من غير كسب بفعل ~~الله تعالى ، فلو كان التذكر مولدا للعلم بالمنظور فيه ؛ لكان العلم به من ~~فعل فاعل السبب وهو التذكر. # ويلزم من ذلك ارتفاع التكليف بالمعارف النظرية ؛ إذ هو تكليف بفعل الغير ~~، وهو قبيح على أصولهم. بخلاف النظر ؛ فإنه مقدور للناظر. # وطريق (5) الرد عليهم يأتى في إبطال التولد إن شاء الله تعالى (6) # ثم ما ذكروه في امتناع تولد العلم بالمنظور فيه عن تذكر النظر ؛ يوجب ~~امتناع حصول العلم بالمنظور فيه عن تذكر النظر ؛ لأنه لو حصل العلم به : ~~فإما أن يكون متولدا عنه ، أو لا يكون متولدا عنه. والتولد لا يقولون به. # وإن لم يكن متولدا : فإما أن يكون واقعا ضروريا ، أو مكتسبا : # فإن كان الأول : فالتكليف به يكون ممتنعا ؛ وهو ممتنع على أصولهم. PageV01P150 # وإن كان مكتسبا : فيلزمهم جواز وقوع العلم / المكتسب من غير سابقة نظر ~~ولا ms0051 تذكر نظر ، إذ لا نظر وتذكر النظر عديم الأثر ؛ ولم يقولوا به. ### |||| ** فالحق ما اختاره أصحابنا : من أن النظر الصحيح يتضمن العلم بالمنظور فيه على ما سبق تفسيره في قاعدة ~~العلم (1). PageV01P151 ### | الفصل الخامس ### | في أن النظر الفاسد لا يتضمن الجهل (1) ### |||| ** والنظر الفاسد : وهو ما لم يعلم (2) فيه وجه (2) دلالة الدليل على المدلول على ما حققناه ~~(3) لا يتضمن الجهل : وهو اعتقاد (4) الشيء على خلاف ما هو عليه. ### |||| ** وقال بعض الفقهاء (5): النظر في الشبهة مع عدم العلم بوجه دلالة الدليل يتضمن الجهل. # وربما أحتج على ذلك بأن من اعتقد أن العالم قديم ، وأن كل قديم واجب ~~الوجود لذاته. فإن هذا النظر مع فساده يتضمن اعتقاد أن العالم واجب الوجود ~~لذاته : أى يلازمه عند نفي الآفات ، وأضداد الاعتقاد : كما في النظر ~~الصحيح. وإن كان جهلا وهو غلط فإن النظر الفاسد ، وإن لازمه الجهل على ما ~~قيل ، فلا يلزم أن يكون النظر الفاسد يتضمنه ؛ إذ المراد بتضمن النظر ~~للمطلوب : أن يكون الدليل المنظور فيه مع المطلوب على صفتين في ذاتيهما ، ~~لا يتصور معهما الانفكاك بينهما ، مع انتفاء أضداد المطلوب كما حققناه وهذا ~~هو الذي نفيناه عن النظر الفاسد ، لا مطلق اللزوم وهو كذلك. ### |||| ** وبيانه : أن الشبهة المنظور فيها ، ليس لها لذاتها صفة ولا وجه يلازمه المطلوب ، بل ~~الملازمة بينها وبين المطلوب ترجع إلى اعتقاد الناظر وجود صفة في الشبهة ~~يلازمها المطلوب ، وهو مخطئ فيه. بخلاف الدليل ، فإنه لصفة ذاته على وجه ~~يلازم النظر فيه العلم بالمطلوب. PageV01P152 # وبيانه أن الشبهة ليس لها صفة ، ولا وجه يكون مناطا للملازمة عند النظر. ~~ولهذا فإنه على تقدير ظهور الغلط في كنه وجه الدلالة لا ينفى الدلالة ، ولو ~~كانت الدلالة لوصف ذاتى في الشبهة ، لما انتفت الدلالة ، ولكان إحاطة ~~المعصومين عن الخطأ كالأنبياء عليهم السلام بها عند النظر فيها ، أولى. # وحيث لم يحصل لهم الجهل بالنظر في الشبهة : دل على عدم وجه الدلالة فيها ~~؛ بل (1) ولكان البارى تعالى عالما (1) بها ، وما دلت عليه من الجهل حاصلا ~~له ؛ فيكون جاهلا ms0052 ، تعالى الله عن ذلك. ### |||| ** والذي يدل على ذلك أيضا : هو أن الشبهة الواحدة ، قد يختلف اعتقاد الناظرين / فيها بالجهل ، والظن ، ~~والشك. ولو كانت جهة الدلالة لوجه ذاتى في الشبهة ؛ لما وقع الاختلاف ، كما ~~في الدليل. PageV01P153 ### | الفصل السادس ### | فيما قيل (1) من أن النظر ينقسم إلى خفي ، وجلى (1) ### |||| ** وقد ذهب بعضهم (2) إلى أن : مراتب النظر الصحيح متفاوتة ، ومنقسمة إلى (3) الخفي والجلى ، ~~محتجا على ذلك (3) بما تجده من سرعة بعض النظار إلى إدراك مقصده ، وبعد ~~غيره ، وافتقار البعض إلى بحث (4) أشد من بحث الآخر ، وذلك مختلف باختلاف ~~المطلوب في قرب الإدراك وبعده. حتى إن النظر في مسألة افتقار الممكن إلى ~~محدث (5) أقرب وأجلى من النظر في مسألة حدوث العالم ، وغيرها من المسائل ~~الغامضة الدقيقة. وإطلاق العقلاء ، وأهل التحقيق ، شائع ذائع بقولهم : هذا ~~نظر جلى ، وهذا خفي ؛ وهو بعيد عن التحقيق ، فإن النظر بحث يطلب به البيان ~~، وهو مضاد للبيان ، على ما تقدم في القاعدة الأولى (6)، وما يضاد البيان ~~؛ لا يكون موصوفا به ، وما لا يكون موصوفا بالبيان لا يقال : منه ما هو جلى ~~، وخفي ؛ إذ الجلاء ، والخفاء من صفات البيان. وسرعة بعض النظار في إدراك ~~مقصده ، وبعد الآخر ؛ ليس بسبب تفاوت النظر في الجلاء والخفاء ؛ بل إنما ~~ذلك بسبب استناد النظر إلى الضروريات وقلة الوسائط المستندة إليها وكثرتها ~~، وطول الزمان وقصره ، أو بسبب التفاوت في كلال القريحة ، والقوى الدراكة ~~في البحث عن وجه دلالة الدليل. # وبالنظر إلى الاحتمال الأول : كان قرب حصول بعض المطلوبات دون البعض. ~~وعليه يجب حمل الإطلاق بانقسام النظر إلى الجلى ، والخفي. # أما أن يكون أحد النظرين أبين في نفسه من النظر الآخر ؛ فلا. # وإن أطلق الجلاء والخفاء باعتبار ما حققناه ؛ فالمنازعة في اللفظ دون ~~المعنى. PageV01P154 ### | الفصل السابع ### | في وجوب النظر (1) # أجمع أكثر أصحابنا ، والمعتزلة ، وكثير من أهل الحق من المسلمين ، (2) ~~على أن النظر (2) المؤدى إلى معرفة الله تعالى واجب. # غير أن مدرك وجوبه عندنا : الشرع. خلافا للمعتزلة في قولهم : إن مدرك ~~وجوبه : العقل ، دون الشرع. ### ||| ** وقد احتج أصحابنا على ms0053 وجوبه من جهة الشرع بمسلكين : ### |||| ** المسلك الأول : التمسك / بظواهر النصوص الدالة على وجوب النظر. # منها قوله تعالى : ( @QUR@07 قل انظروا ما ذا في السماوات والأرض ) (3). # ومنها قوله تعالى : ( @QUR@010 فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحي الأرض ~~بعد موتها ) (4). # أمر بالنظر ، والأمر ظاهر في الوجوب. # وأيضا : لما نزل قوله تعالى : ( @QUR@011 إن في خلق السماوات والأرض ~~واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) (5)، قال النبي ~~صلى الله عليه وسلم «ويل لمن لاكها بين لحييه ولم يتفكر (6) فيها» تواعد بترك ~~الفكر والنظر فيها ؛ وهو دليل الوجوب. إلى غير ذلك من الأدلة. وموضع معرفته ~~: أن صيغة افعل : للأمر ، وأن الأمر للوجوب ؛ فلا يفي بأصول الفقه. وعلى كل ~~تقدير ؛ فهى غير خارجة عن الحجج الظاهرية ، والأدلة الظنية. PageV01P155 ### |||| ** المسلك الثانى : هو أنهم قالوا : أجمعت الأمة (1) من المسلمين على وجوب معرفة الله تعالى ؛ ~~ووجوب معرفة الله تعالى لا يتم إلا بالنظر إذ هو غير بديهى وكل ما لا يتم ~~الواجب إلا به ؛ فهو واجب ؛ فالنظر واجب (2). ### |||| ** وهذا هو المعتمد (3) ### |||| ** عند جمهور الأصحاب ، وترد عليه إشكالات : ### |||| ** الأول : أن وجوب المعرفة متوقف على إمكان المعرفة ؛ وهى غير ممكنة ؛ لأنها لو كانت ~~ممكنة : فإما (4) أن تكون ضرورية ، أو نظرية. ### |||| ** والأول : محال. فإنه لو خلى الإنسان ، ودواعى نفسه من مبدأ نشوه (5) من غير نظر ؛ لم ~~يجد من نفسه [العلم (6) بذلك أصلا] (6)؛ وليس الضرورى كذلك. ### |||| ** والثانى : فمتوقف على إمكان إفضاء النظر إلى العلم ؛ وهو ممتنع كما (7) سبق في إنكار ~~(7) النظر. # سلمنا إمكان المعرفة ؛ ولكن لا نسلم إمكان وجوبها شرعا ؛ فإن الإيجاب ~~الشرعى ؛ إنما يكون بإيجاب الله تعالى وإيجابه بأمره. # وهو : إما أن يكون أمرا للعارف بالله تعالى ، أو لغيره. # الأول : محال ؛ لما فيه من الأمر بتحصيل الحاصل. # والثانى : محال ؛ لأن معرفة أمره متوقفة على معرفته في نفسه ؛ فإن من لا ~~يعرف الآمر ؛ لا يعرف أمره. # فإذن إيجابه يتوقف على معرفته ، ومعرفته تتوقف على معرفة إيجابه ؛ فيكون دورا. # سلمنا إمكان وجوب المعرفة شرعا ؛ ولكن لا نسلم الوقوع. PageV01P156 # قولكم : الأمة مجمعة على ذلك. لا نسلم تصور ms0054 انعقاد الإجماع ؛ فإن الأمة ~~مع كثرتها ، واختلاف دواعيها ، مما يمتنع عادة اتفاقهم على شيء واحد. كما ~~يمتنع اتفاقهم على أكل طعام واحد في يوم واحد. # سلمنا (1) تصور انعقاد الإجماع ؛ ولكن لا نسلم كونه حجة (1)، وبيانه من ~~/ وجهين: ### |||| ** الأول : أن كل واحد من آحاد الإجماع يتصور عليه الخطأ بتقدير انفراده ، فإذا (2) ~~انضم قول المخطئ إلى المخطئ الآخر ؛ لا يصير بذلك صوابا ، ولا حجة. ### |||| ** [الثانى] (3) ### |||| ** : سلمنا الإصابة في إجماعهم ؛ ولكن متى يجب على المجتهد اتباع الإجماع؟ # إذا كان مصيبا في اجتهاده ، أو إذا لم يكن. # الأول : ممنوع ؛ فإنه ليس ترك أحد الصوابين (4)، واتباع الآخر أولى من ~~العكس. والثانى : فيوجب إمكان تطرق الخطأ إلى كل واحد من آحاد الإجماع ، ~~ويخرج عن كونه حجة كما سلف. # سلمنا أن الإجماع حجة ؛ ولكن لا نسلم وقوعه فيما نحن فيه. وبيانه من جهة ~~الإجمال ، والتفصيل. ### |||| ** أما الإجمال : فهو أن الإجماع لا يتم إلا باتفاق جميع أهل الحل والعقد في عصر من الأعصار. ~~ويحتمل أن واحدا منهم كان في بلاد الكفار ، وفي موضع لا يبلغه حكم هذه ~~الواقعة ، ولا هو مجتهد فيها. ومع تطرق هذا الاحتمال ؛ فلا إجماع. ### ||| ** وأما التفصيل : فمن وجهين : ### |||| ** الأول : هو أن كثيرا من المسلمين ، وأهل الحق. قد ذهبوا إلى أن جميع العلوم تقع ~~ضرورية غير مقدورة للعباد ، ولا مكتسبة لهم. وما يكون وقوعه ضروريا ، لا ~~يكون واجبا وكل من اعتقدها ضرورية ، اعتقد أنها غير واجبة ؛ ومع هذه ~~المخالفة ؛ فلا إجماع. PageV01P157 ### |||| ** الوجه الثانى : هو أنا نعلم أنه ما من عصر من الأعصار من زمن النبي صلى الله عليه وسلم ~~والصحابة (1) إلى زمننا هذا. إلا وفيه العوام ، ومن لا علم له بالله تعالى ~~وذاته وصفاته على ما يليق [به] (2) عن بديهة ، ولا نظر ؛ لعدم أهلية النظر ~~والاستدلال في حقهم وهم أكثر الخلق في كل عصر ؛ بل غاية الموجود في حقهم ~~مجرد الإقرار باللسان ، والتقليد المحض الذي لا يقين فيه. ومع ذلك فالنبى ~~صلى الله عليه وسلم والصحابة والأئمة من كل عصر حاكمون بإسلامهم قاضون ~~بإيمانهم ، مقرون ms0055 لهم على ذلك ؛ بل وقد كانوا يقرون من يعلم بالضرورة عدم ~~اعتقاد المسائل الغامضة في حقه ؛ كدقائق مسائل الصفات ، وغيرها [مما لا ~~خطور لها] (3) بذهنه. فضلا عن كونه معتقدا لها. # ولو كانت المعرفة بالله تعالى واجبة شرعا ؛ لما جاز من النبي ~~صلى الله عليه وسلم والصحابة والأئمة ، الإقرار على تركها ، وإهمال التوصل إلى ~~تحصيلها ، وإن (4) سمى مسم الاعتقاد (4) التقليدى علما ؛ فلا منازعة معه / ~~في غير التسمية. # سلمنا وقوع الإجماع على وجوب معرفة الله تعالى ولكن لا نسلم صحة إفضاء ~~النظر إلى وجوبه ؛ فضلا عن كونه متوقفا عليه. وبيانه ما سبق من إنكار النظر (5). # سلمنا صحة إفضاء النظر إليه ، ولكن (6) لا نسلم أنه لا طريق إلى معرفة ~~الله تعالى إلا النظر ، والاستدلال ؛ بل امكن حصولها بطريق آخر : # إما بأن يخلق الله تعالى للمكلف العلم بذلك من غير واسطة. وإما بأن يخبره ~~به من لا يشك في صدقه : كالمؤيد بالمعجزات القاطعة. PageV01P158 # وإما بطريق السلوك والرياضة ، وتصفية النفس وتكميل جوهرها ، حتى تصير ~~متصلة بالعوالم العلوية عالمة بها ، مطلعة على ما ظهر وبطن من غير احتياج ~~إلى دليل ، ولا تعلم ، ولا تعليم. على ما سيأتى تحقيقه في النبوات (1). # سلمنا أنه لا طريق إلى معرفة الله تعالى إلا بالنظر ؛ ولكن لا نسلم أن ما ~~لا يتم الواجب إلا به ؛ فهو واجب. # ويدل عليه أنه لا تحقق للمعرفة دون وجود الدليل المنصوب عليها ، وانتفاء ~~الأضداد المانعة منها ، وأن يكون العارف بها موجودا ، حيا ، عاقلا. وليس ~~شيء من ذلك واجبا ، لعدم القدرة عليه. # سلمنا دلالة ما ذكرتموه على وجوب النظر ؛ لكن معنا ما يدل على أنه ليس واجبا. ### ||| ** وبيانه من أربعة أوجه. ### |||| ** الأول : أنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة. الخوض في النظر ~~والاستدلال في مسائل الكلام ، وتفاصيلها. ولو خاضوا في ذلك ؛ لنقل عنهم : ~~كما نقل عنهم الخوض والبحث في المسائل الفقهية على اختلاف أصنافها ، ولو ~~كان النظر المؤدى إلى ذلك واجبا ؛ كان الصحابة والتابعون ، أولى بالمحافظة ~~عليه ؛ فحيث لم ينقل عنهم ms0056 ذلك ؛ دل على أنه غير واجب. ### |||| ** الثانى : إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على البحث في هذه المسائل والنظر فيها ؛ حيث ~~أنكر على الصحابة وقد رآهم يتكلمون في القدر وقال : «إنما هلك من كان قبلكم ~~؛ لخوضهم في هذا (2)» وقال أيضا : «عليكم بدين العجائز (3)». وهو الكف عن ~~النظر. إلى غير ذلك ، وتابعه على ذلك : الصحابة ، والتابعون ، والأئمة ~~المجتهدون. والأخبار المأثورة عنهم في ذلك أكثر من أن تحصى. PageV01P159 ### |||| ** الثالث : هو أن الأمر بالنظر وإيجابه إيجاب لما لا يتم النظر إلا به ، ولا يتم / ~~النظر في معرفة الله تعالى إلا مع عدم المعرفة ؛ لأن النظر مضاد للعلم ~~بالمنظور فيه ؛ فلا يجامعه. فإيجاب النظر المؤدى إلى معرفة الله تعالى ؛ ~~يكون إيجابا لما لا يتم إلا به : وهو عدم المعرفة ؛ وذلك محال. ### |||| ** الرابع : هو أن وجوب النظر : إما أن يكون معلوما بالضرورة ، أو بالنظر. # لا جائز أن يقال بالأول ؛ لما سلف في العلم بالمعرفة. # وإن قيل بالثانى ؛ فلا معنى لايجاب النظر ؛ إذ للموجب عليه أن يقول : لا ~~أعرف وجوب النظر ، حتى أنظر ، ولا أنظر حتى أعرف وجوب النظر ؛ وهو دور ~~[ممتنع (1) ]. # سلمنا أن النظر واجب ؛ ولكن لا نسلم صحة انحصار مدرك الوجوب في الشرع ؛ ~~فإن ذلك مما يفضى إلى إفحام الرسل ، وسقوط حجج الأنبياء عليهم السلام ؛ وذلك ~~لأن الرسول ، إذا ادعى النبوة ، وأظهر المعجزة ، ودعا إلى النظر فيها لقصد ~~الاستدلال على صدقه ؛ فللمدعو أن يقول : لا أنظر حتى يجب على النظر ، ووجوب ~~النظر متوقف على استقرار الشرع ، واستقرار الشرع موقوف على النظر في ~~المعجزة ؛ وهو ممتنع من ثلاثة أوجه : ### |||| ** الأول : أنه يلزم منه الدور ؛ حيث توقف النظر على استقرار الشرع ، [وتوقف استقرار ~~الشرع (2) ] على النظر. ### |||| ** الثانى : أن النظر إذا توقف على استقرار الشرع ، واستقرار الشرع متوقف على النظر ؛ ~~فيكون النظر متوقفا على نفسه. ### |||| ** الثالث : أنه إذا توقف النظر على استقرار الشرع ، فهو متوقف على ما لو (3) عرف ؛ ~~لاستغنى به عن النظر ؛ وهو دافع للنظر. (4) PageV01P160 ### |||| ** فالجواب عن الإشكال الأول : بانعقاد الإجماع على الوجوب ؛ وهو دليل الإمكان ms0057. وما ذكروه في إبطال النظر ~~؛ فقد سبق جوابه في (1) موضعه. # وعن الثانى : منع توقف الوجوب ، على معرفة الآمر والأمر ؛ بل الوجوب ~~يتحقق ، والشرع يستقر ، بإمكان المعرفة [بالعقل (2) ] الهادى ، والأدلة ~~المنصوبة على ذلك. # وعن الثالث : بوقوع الإجماع ، على وجوب الصلوات الخمس ، وصوم رمضان ، ~~واتفاق الأمة على أنهم مكلفون ، متعبدون باتباع أوامر الله تعالى ونواهيه ؛ ~~ولو كان غير متصور ؛ لما وقع. # وعدم اتفاقهم على أكل طعام واحد ، في يوم واحد ؛ إنما امتنع عادة ؛ لعدم ~~الصارف لهم إليه بخلاف الأحكام الشرعية / ؛ فإن الصارف لهم إليها اتباع ~~الحق ، والنصوص المضبوطة الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك. # وعن الرابع : ببيان كونه حجة ؛ وذلك بما ورد عن النبي عليه السلام من ~~الألفاظ المختلفة ، المتفقة المعنى ، في الدلالة على شرف هذه الأمة ، ~~وعصمتهم عن الخطأ ؛ بحيث أوجب مجموعها العلم الضرورى بذلك ؛ لنزولها منزلة ~~التواتر ، وإن كانت آحادها غير متواترة ؛ كالأخبار الموجبة علمنا بسخاء ~~حاتم ، وشجاعة عنترة ، وإن كانت آحادها غير متواترة ؛ وذلك ما نقل عنه عليه ~~الصلاة والسلام ، أنه قال : «لا تجتمع أمتى على الخطأ» ، «لا تجتمع أمتى ~~على الضلالة» و «لم يكن الله بالذى يجمع أمتى على الضلالة». و «سألت الله ألا ~~يجمع أمتى على الضلالة فأعطانيه» (3)، و «من سره بحبوحة الجنة فليلزم ~~الجماعة» وقوله : «يد الله على الجماعة (4)». PageV01P161 # و «من خرج عن الجماعة ، وفارق الجماعة قيد شبر ؛ فقد خلع ربقة الإسلام من ~~عنقه» ، و «من فارق الجماعة ومات ، فميتته جاهلية (1)» إلى غير ذلك من ~~الأخبار. وهذه أخبار مروية في الكتب الصحاح ، منقولة على لسان الثقات لم ~~يوجد لها نكير (2). # فإن قيل : يحتمل أنه أراد بذلك العصمة عن الكفر ، أو عن بعض أنواع الخطأ ~~، وبتقدير أن يريد به العصمة عن الكل ؛ فظاهر لفظ الأمة لكل من آمن به إلى ~~يوم القيامة. ونحن نقول بأن إجماع هؤلاء يكون حجة. # قلنا : أما الأول : فهو تأويل ، وتخصيص بغير دليل ، مع أن في الأخبار ما ~~يدرأ هذه التأويلات ، حيث أنه أوردها في معرض تخصيص هذه الأمة بالتعظيم ، ~~والتمييز ms0058 ، وفي الحمل على بعض أنواع الخطأ ، ما يبطل فائدة هذا التخصيص ، ~~لمشاركة بعض آحاد الناس لهم في ذلك. # وأما الثانى : فنعلم أنه ما أراد به كل الأمة على ما ذكروه ، ولهذا ندب ~~إلى موافقة الجماعة ، وذم على المخالفة ، وتواعد عليه. ولو كان المراد ~~بالجماعة كل الأمة ؛ لما تحقق ذلك إلى يوم القيامة ؛ بل إنما أراد من يتصور ~~منه الموافقة والمخالفة : وهم أهل الحل والعقد دون الصبيان ، والمجانين ، ~~ومن ليس له أهلية الموافقة ، ولا المخالفة. # قولهم : إن الخطأ متصور على كل واحد منهم حالة الانفراد. # قلنا : الحكم الثابت للأفراد ، لا يلزم أن يكون ثابتا للجملة. / # وقد أورد الآمدي هذه الأحاديث في كتابه الإحكام ص 162 ، 163 مقدما لها ~~بقوله : «وأما السنة وهى أقرب الطرق في إثبات كون الإجماع حجة قاطعة ، فمن ~~ذلك ما روى أجلاء الصحابة ، كعمر ، وابن مسعود ، وأبى سعيد الخدرى ، وأنس ~~بن مالك ، وابن عمر ، وأبى هريرة ، وحذيفة بن اليمان ، وغيرهم. بروايات ~~مختلفة الألفاظ متفقة المعنى في الدلالة على عصمة هذه الأمة عن الخطأ ، ~~والضلالة. PageV01P162 ### |||| ** قولهم : متى يجب على المجتهد اتباع الإجماع ، إذا كان مصيبا ، أو مخطئا؟ ### |||| ** قلنا : إذا ثبت الإصابة فيما أجمع عليه الأمة ؛ فقد أجمعوا على أنه يجب اتباع ~~الإجماع مطلقا ، ويلزم أن يكون اتباع الإجماع صوابا ؛ فإذا كان صوابا ، كان ~~خلافه خطأ. ويدل على وجوب اتباع الإجماع مطلقا ، ذم النبي (1) عليه السلام ~~(1) لمخالف الجماعة على ما سبق ، والاستقصاء فى هذا الباب لائق بأصول ~~الأحكام. ### |||| ** قولهم : يحتمل أن واحدا من أهل الحل ، والعقد ، كان منقطعا فى بعض البلاد ~~النائية. # قلنا : الغالب من حال من هو من أهل الحل والعقد ؛ أن يكون مشهورا معروفا ~~، ولا سيما فى العصر الأول ، لقلة المجتهدين فيه. وعند ذلك ؛ فالغالب معرفة ~~مذهبه ، ومراجعته فى ذلك. كيف وأنه يحتمل غيبة المجتهد ، كما ذكروه ، ~~ويحتمل عدم الغيبة والأصل عدم الغيبة ؛ فمن ادعاه يحتاج إلى الدليل (2). ### |||| ** وما ذكروه فى الوجه الأول من التفصيل وإن كان حقا إلا أن القائل به مسبوق بالإجماع ، فكان حجة عليه. ### |||| ** وما ذكروه فى ms0059 الوجه الثانى من التفصيل ؛ فغير مسلم ؛ وذلك لأن المعرفة الواجبة تنقسم إلى : ما حصولها عن معرفة ~~الدليل من جهة الجملة ، لا من جهة التفصيل بأن لم يكن مقدورا على تحريره ~~وتقريره ، والانفصال عن الشبهة الواردة عليه. وإلى ما حصولها عن الدليل ~~المعلوم بجهة التفصيل المقدور على تحريره ، وتقريره ، ودفع الشبهة الواردة ~~عليه ، وعلى المناظرة ؛ فلا جرم اختلف الأصحاب فيه. ### |||| ** فمنهم من قال : المعرفة بالاعتبار الأول : واجبة على الأعيان ، والمعرفة بالاعتبار الثانى ~~: واجبة وجوب كفاية : إذا أضرب عنها الجميع أثموا ، وإن قام بها البعض ، ~~سقطت عن الباقين. ### |||| ** ومنهم من قال : إن المعرفة بالاعتبار الثانى : واجبة على الأعيان ، لكن إن كان الاعتقاد ~~موافقا للمعتقد. من غير دليل ، ولا شبهة ؛ فصاحبه مؤمن عاص بترك النظر ~~الواجب. PageV01P163 ### |||| ** ومنهم من اكتفى فى المعرفة بمجرد الاعتقاد ، الموافق للمعتقد ؛ وإن لم يكن عن دليل ، وسماه علما. # وصار أبو هاشم من المعتزلة : إلى أن من لا يعرف الله تعالى بالدليل ؛ فهو ~~كافر ؛ لأن ضد المعرفة النكرة (1). والنكرة كفر ؛ وأصحابنا مجمعون على خلافه. # وعلى هذا / إن قلنا : إن الواجب هو الاعتقاد الموافق للمعتقد وإن لم يكن ~~عن دليل فلا يلزم من وجوب المعرفة بهذا التفسير ، وجوب النظر. # وإن قلنا : الواجب (2) هو المعرفة المستندة إلى الدليل المفصل ؛ لزم عليه ~~تقرير العوام على تركه ؛ فلم يبق إلا المعرفة بالدليل ، من جهة الجملة ، لا ~~من جهة التفصيل ؛ وذلك مما لا يسلم انتفاؤه فى حق العوام حتى يقال بعدم ~~وجوبه فى حقهم مع التقرير لهم عليه ؛ بل التقرير إنما هو على عدم المعرفة ~~بالدليل المفصل ؛ وهو غير واجب على الأعيان عندنا ، وإليه ميل أبى المعالى ~~، وبه دفع الإشكال. # وأما إنكار إفضاء النظر إلى العلم ؛ فقد سبق جوابه (3). ### |||| ** قولهم (4): لا نسلم توقف المعرفة على النظر. ### |||| ** قلنا : نحن إنما نقول بوجوب النظر فى حق من لم يحصل له العلم بالله تعالى بغير ~~النظر ، وإلا فمن حصلت له المعرفة بالله تعالى بغير النظر ؛ فالنظر فى حقه ~~غير واجب. ### |||| ** قولهم : لا نسلم أن ما لا يتم الواجب ms0060 إلا به فهو واجب ؛ فقد أجاب عنه بعضهم ؛ ~~بأنه لو لم يجب ما لا يتم الواجب إلا به ؛ فإيجاب ذلك الواجب يكون تكليفا ~~بما لا يطاق (5). PageV01P164 # وهو غير سديد ، فإنه إنما يكون تكليفا بما لا يطاق ؛ أن لو كان ما توقف ~~الواجب (1) على فعله غير ممكن ، وعدم إيجابه لا يخرجه عن الإمكان ؛ فالأقرب ~~(2) فى ذلك أن يقال: # إذا ثبت وجوب المعرفة ؛ فالمعرفة من جهة حقيقتها وماهيتها ، لا توصف ~~بالوجوب الثابت بخطاب التكليف ؛ فإن خطاب التكليف بالوجوب ، والتحريم : ~~إنما يتعلق بأفعال المكلفين ، والمعرفة ليست من صفات الأفعال ؛ ولهذا لا ~~يقال لمن عرف شيئا من جهة كونه عارفا أنه فعل شيئا. فإذا قيل بوجوب المعرفة ~~؛ فمعناه وجوب تحصيلها ، والتحصيل إنما يكون بسلوك ما به تحصل المعرفة. # فإذا قلنا : يجب التحصيل بما ليس واجبا ؛ كان متناقضا لفظا ، ومعنى ، وهو ممتنع. # وأما ما يتوقف عليه الواجب مما ليس فعلا للمكلف ، ولا مقدورا له ؛ فلا ~~يمكن إيجابه إلا على رأى من لا يمنع التكليف بما لا يطاق ، بخلاف ما كان ~~مقدورا للمكلف : كالنظر ، ونحوه. # قولهم : لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة الخوض ~~فى النظر ، فى مثل هذه المسائل. # قلنا : لأنهم كانوا مشاهدين الوحى ، والتنزيل ، وعقائدهم صافية ، وأدلتهم ~~من الكتاب والسنة ظاهرة ، ولم يكن فى زمانهم / من يحوج إلى النظر ، ~~والمناظرة. # أما أن يكونوا جاهلين بأدلة هذه المسائل ، ومعرفة الله تعالى وصفاته ، مع ~~صفاء أذهانهم ، وشدة قرائحهم ، وصلابتهم فى (3) التنقير عن قواعد الدين ، ~~وتحقيق مراسمه والكتاب والسنة مشحونان بأدلتها مع معرفة الآحاد منا لذلك ؛ ~~فهو بعيد ، لا يعتقده من له أدنى تحصيل ، كما لم ينقل عنهم أنهم وضعوا كتبا ~~فى التفسير ، والحديث ، والجرح والتعديل ، والناسخ والمنسوخ ، والأحكام ~~الفقهية ، على الترتيب الخاص ، والمراسم PageV01P165 # المعهودة فى زمننا هذا ، مع أنهم أعلم الناس بأصولها ، وفروعها ، وإليهم ~~مرجعها ، وهم ينبوعها. # قولهم : إن النبي عليه السلام ، والصحابة أنكروا (1) النظر. # لا نسلم ذلك ؛ فإنا بينا أن النظر واجب بالطريقين السابقين ، وما يكون ~~واجبا ؛ لا يكون ms0061 منكرا ، ثم كيف يكون النظر منكرا ؛ وقد أثنى الله تعالى ~~(1) على الناظرين ، والمتفكرين بقوله تعالى ( @QUR@010 ويتفكرون في خلق ~~السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا ) (2) والمنكر لا يثنى على فعله ؛ ~~بل الإنكار إنما كان على المجادلة والمناظرة ، ولا كل مناظرة ومجادلة ، بل ~~المناظرة بالأهواء ، والمجادلة لقصد التشكيك فى الحق ، والإغواء ؛ وذلك ~~بتقرير الشبه الفاسدة ، والآراء الباطلة ، ودفع الحجج الحقة ، والمكابرة ~~فيها ، والتدليس ، والتلبيس ؛ بإظهار الباطل فى صورة الحق ، كما قال تعالى ~~( @QUR@05 وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ) (3) وقال تعالى ( @QUR@013 ~~ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ) (4) # وأما المناظرة والمجادلة بالحق ، ولقصد إظهار الحق ؛ فمأمور بها ، ومأذون ~~فيها بقوله تعالى ( @QUR@04 وجادلهم بالتي هي أحسن ) (5) وقوله تعالى : ( ~~@QUR@08 ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ) (6). # وقد ناظر النبي (7) عليه الصلاة والسلام (7) لعبد الله بن الزبعرى : حيث ~~اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم عند نزول قوله تعالى ( @QUR@011 إنكم وما ~~تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ) (8) فقال عبد الله بن ~~الزبعرى : فقد عبدت الملائكة ، والمسيح (9). أفتراهم يعذبون؟ PageV01P166 # فقال له النبي صلى الله عليه وسلم « صلى الله عليه وسلم : «ما أجهلك بلغة قومك ~~، إذا علمت أن ما لما لا يعقل» وكان أهل مكة : يحاجون / النبي ~~صلى الله عليه وسلم (1) ويوردون عليه الشبه ، والتشكيكات ، ويطالبونه بالحجج ~~على التوحيد والنبوة على ما قال تعالى : ( @QUR@04 بل هم قوم خصمون ) (2) ~~وكان النبي عليه الصلاة والسلام : يحاجهم ، ويناظرهم : بإيراد الآيات ، ~~والدلائل الواضحات. وقد كان الصحابة رضى الله عنهم يناظرون فى ذلك : كما ~~روى عن على كرم الله وجهه أنه قال لمن قال : «إني أملك حركاتى ، وسكناتى ، ~~وطلاق زوجتى وعتق أمتى» : أتملكها دون الله ، أو تملكها مع الله؟ # فإن قلت : أملك دون الله ، فقد أثبت مع الله مالكا. # وإن قلت أملكها مع الله ؛ فقد أثبت مع الله تعالى شريكا. # إلى غير ذلك من الوقائع الجارية بين الصحابة ، ولو كان ذلك منكرا ؛ لما ~~وقع منهم. # وقوله : «عليكم بدين العجائز». ذكر أئمة الحديث ، أنه ms0062 لم يثبت ، ولم يصح ~~، وإن كان صحيحا ؛ فيجب حمله على الورع والتفويض إلى الله تعالى ، فيما ~~قضاه ، وأمضاه ؛ جمعا بين الأدلة. ### |||| ** قولهم : إن الأمر بالنظر ، يكون أمرا بعدم المعرفة ؛ ليس كذلك ؛ فإن عدم المعرفة ~~، وإن كان شرطا فى الأمر بالنظر ؛ فليس كل ما يكون شرطا فى الواجب ؛ يكون ~~واجبا ، إلا أن يكون مقدورا ، وعدم العلم بالله (3) غير مقدور (3)؛ فلا ~~يكون واجبا. ### |||| ** قولهم : العلم بوجوب النظر ضرورى ، أو نظرى. ### |||| ** قلنا : نظرى. ### |||| ** قولهم : إن ذلك يفضى إلى (4) الدور ؛ ممنوع (4) على ما سبق من أن الوجوب الشرعى ، ~~غير متوقف على النظر ؛ بل على إمكان النظر. ### |||| ** قولهم : لا نسلم انحصار مدارك الوجوب فى الشرع. PageV01P167 ### |||| ** قلنا : دليله أن القائل بالوجوب قائلان : قائل بالحصر ، وقائل بعدم الحصر. وقد ~~أجمع الكل على أن مدرك الوجوب ، لا يخرج عن العقل والشرع ؛ فإذا بطل أن ~~يكون العقل مدركا ، تعين الشرع. # وبيان امتناع كون العقل موجبا : أنه لو كان موجبا ؛ لم يخل : إما أن يوجب ~~لفائدة ، أو لا لفائدة ، وإن (1) كان لا لفائدة (1)؛ فهو عبث ؛ والعقل لا ~~يوجب عبثا. # وإن كان لفائدة : فإما أن ترجع إليه ، أو إلى المعبود. لا جائز أن ترجع ~~إلى المعبود ؛ فإنه يتعالى ، ويتقدس عن الأغراض. # وإن رجعت إليه : فإما فى الدنيا ، أو فى الأخرى. # لا جائز أن ترجع إليه فى الدنيا ؛ إذ لا حظ له فى ذلك ، غير التعب ، ~~والنصب ، والكلفة بما يوجبه العقل ؛ وهو غير مطلوب للعقلاء. # / ولا جائز أن يكون الغرض منه ، معرفة الشيء على ما هو عليه ؛ وإلا لوجب ~~النظر فى معرفة موجودات الأعيان ، على ما هو عليه ، مما (2) يؤبه به ، وما ~~يؤبه به (2)؛ وهو ممتنع. ولا لكونه (3) حسنا فى نفسه ؛ إذ هو مبنى على ~~التحسين والتقبيح ؛ وسيأتى إبطاله (4). # ولا جائز أن يرجع إليه في الأخرى ؛ فإن العقل مما لا يستقل بمعرفتها دون ~~إخبار الشرع عنها. ### |||| ** فإن قيل : احتمال (5) العقاب (5) بترك المعرفة ، والشكر ، والأمن منه بالمعرفة ، ~~والشكر قائم ، والعاقل لا يخلو عن خطور هذه الاحتمالات له ، والعقل يدعو ~~إلى سلوك طريق الأمن ms0063 فيوجبه. ### |||| ** فنقول : لا نسلم امتناع خلو العاقل عن خطور هذه الاحتمالات له ، ودليله الشاهد فى ~~الأكثر ، وإن امتنع ذلك ؛ لكنه معارض باحتمال نقيضه ؛ وهو احتمال العقاب على PageV01P168 # النظر ، والشكر بإتعابه لنفسه ، وتصرفه فى ملك الله تعالى بغير إذنه من ~~غير منفعة ترجع إليه ، ولا إلى الله تعالى والأمن فى ترك النظر والشكر. # وعند ذلك ؛ فليس القول بالوجوب ، أولى من القول بعدمه. # وإذا بطل جميع الأقسام الممكنة ، التى لا خلو لإيجاب العقل عنها ؛ فقد ~~بطل القول بالإيجاب العقلى ، وتعين الإيجاب الشرعى ، كيف وأنه لا معنى ~~للإيجاب ، إلا ترجيح أحد طرفى الفعل على الآخر ؛ والعقل يعرف الترجيح ، لا ~~أنه مرجح ؛ فلا يكون موجبا. ### |||| ** قولهم : إن (1) ذلك يفضى إلى إفحام الرسل ، عنه جوابان. ### |||| ** الأول : منع توقف استقرار الشرع على النظر ؛ كما تقدم (2). ### |||| ** الثانى : أنه أيضا لازم على من قال : مدرك الوجوب هو العقل ؛ وذلك لأن العقل غير ~~موجب لذاته دون نظر وتأمل ، وإلا لما انفك عاقل ما عن معرفة الوجوب ؛ بل لا ~~بد من النظر والتأمل. وعند ذلك فللمدعو أيضا أن يقول : لا أنظر فى معجزتك ، ~~حتى أعرف وجوب النظر بالعقل ، ولا أعرف ذلك ما لم أنظر ؛ فيكون أيضا دورا ، ~~والجواب عن الإشكال يكون متحدا. # وإن رجعوا فى ذلك إلى امتناع خلو العاقل عن الخاطر ، كما ذكروه قبل ؛ ~~فالجواب ما تقدم. ### |||| ** وعلى الجملة ؛ فمسألة وجوب النظر : ظنية ، لا قطعية. PageV01P169 ### | الفصل الثامن ### | فى أول واجب على المكلف (1) # وقد اختلف فى ذلك : ### |||| ** فقال بعض أصحابنا : أول واجب على المكلف معرفة الله تعالى إذ هى أصل المعارف الدينية ، ~~والواجبات / الشرعية. # وقال غيره : النظر فى معرفة الله تعالى واجب بالاتفاق ؛ وبه تحصل المعرفة ~~؛ وهو متقدم عليها ؛ فهو أول واجب على المكلف. # وقال غيره (2): بل أول واجب ، أول جزء من النظر ؛ إذ النظر متقدم على ~~المعرفة ، وأول جزء من النظر ، متقدم على النظر ؛ وهو اختيار القاضى. # وقال غيره : بل أول واجب : إنما هو القصد إلى النظر ؛ إذ النظر يستدعى ~~القصد إليه ، والقصد إليه ، متقدم عليه ؛ وهو اختيار الأستاذ ms0064 أبى بكر (3). # وقال (4) أبو هاشم (4): وجوب النظر ، والقصد إليه ، يستدعى سابقة الشك ~~فى الله تعالى ، وإلا كان النظر فى تحصيل الحاصل ؛ وهو محال. والشك سابق ~~على إرادة النظر ؛ فكان هو الواجب الأول. وزعم أن الشك فى الله تعالى حسن. # وقد قيل فى إبطاله (5): إن كل واجب مأمور به ، فلو كان الشك فى الله ~~واجبا ؛ لكان مأمورا به ، والأمر بالشك فى الله تعالى يستدعى معرفة أمر ~~الله تعالى ، ومعرفة أمر الله تعالى مع الشك فيه ؛ تناقض. # وهو غير سديد ؛ فإنه : إما أن يكون مدرك الوجوب (6) الشرع ، أو العقل (6). ### |||| ** فإن كان مدرك الوجوب العقل ؛ كما هو مذهبه ؛ فقد اندفع التناقض. PageV01P170 # وإن كان مدرك الوجوب الشرع : كما هو مذهبنا ؛ فالإشكال كما هو (1) وارد ~~عليه فى إيجاب الشك ، هو وارد علينا فى إيجاب النظر ، أو المعرفة ؛ فإن ~~الأمر (2) بالنظر والمعرفة (2) يستدعى عدم المعرفة بالله تعالى ، ومعرفة ~~أمر الله تعالى مع عدم معرفته ممتنع ؛ فما هو جواب لنا ؛ يكون جوابا له. # بل (3) الحق أن يقال : ابتداء حصول الشك (3) فى الله ليس مقدورا للمكلف ؛ ~~بل هو واقع من غير اختياره ، والوجوب إنما يتعلق بالمقدور ، لا بغيره ، ~~بخلاف دوام الشك على ما سبق (4). # والمختار أنه : إن كان المقصود : بيان أول واجب مما هو مقصود فى نفسه ؛ ~~فهو المعرفة. # وإن كان المقصود : بيان أول واجب ، وإن لم يكن مقصودا لنفسه ؛ فهو إرادة ~~النظر ، أو دوام الشك فى الله تعالى. # وعلى هذا : فلو قلنا : إن أول واجب هو النظر ، أو ما هو متقدم ، فإن مضى ~~عليه زمان يتسع للنظر ، والتوصل إلى المعرفة فى مثله من غير عذر ؛ فهو كافر. # وإن شرع فيما كلف به (5) من غير تأخير ؛ لكن اخترمته المنية قبل انقضاء ~~الزمان الذي يتسع للنظر المؤدى إلى المعرفة ؛ فحكمه حكم من مات صبيا ؛ كما يأتى. # وإن أخر الشروع فيما كلف به (5) عن أول زمان التكليف من غير عذر ، ثم / ~~اخترمته المنية ، قبل أن ينقضى زمان يتسع للنظر ؛ بل لبعضه ؛ فالأظهر الحكم ~~بكفره ، إذا مات غير عالم ، مع ظهور ms0065 التقصير منه ، وتبين عدم اتساع الزمان ~~للنظر (6) من ابتداء (6) التكليف إلى حالة الاخترام ، مما (7) لا يمنع (7) ~~من تكفيره بعد دخول وقت التكليف وتقصيره ، كما PageV01P171 # لو أصبحت المرأة مفطرة ؛ فإنها تأثم وإن طرت الحيضة عليها ، وتبينا أن ~~زمان طهرها لم يكن متسعا لصوم اليوم ؛ حيث قصرت فى البعض. ### |||| ** وبالجملة ؛ فاحتمال عدم التكفير منقدح. PageV01P172 ### | القاعدة الثالثة ### | فى الطرق الموصلة إلى المطلوبات النظرية ### ||| * وتشتمل على مقدمة ، وبابين PageV01P173 ### ||| ** أما المقدمة (1): # فهو أن كل شيء : إما أن ينظر إليه من جهة ذاته ونفسه ، أو من جهة نسبته ~~إلى غيره ؛ نفيا ، أو إثباتا. ### |||| ** فإن كان الأول : فالعلم به يسمى تصوريا : كعلمنا بمعنى الجوهر ، والعرض ، ونحوه. ### |||| ** وإن كان الثانى : سمى العلم به تصديقيا : كعلمنا بأن العالم حادث ، وأن الصانع موجود ، وأنه ~~ليس محدثا. # والعلم بكل واحد من هذين القسمين (2): إما أن يكون ضروريا مطلقا ، أو ~~نظريا مطلقا ، أو البعض ضرورى ، والبعض نظرى. # الأول ، والثانى : باطلان ؛ لما تقدم فى قاعدة العلم (3). # فلم يبق إلا الثالث : وهو أن يكون البعض من كل واحد منهما ضروريا ، ~~والبعض نظريا ، وكل واحد من النظريين منهما ، لا بد له من طريق يتوصل بصحيح ~~النظر فيه إليه ، وإلا لما كان العلم به نظريا ؛ وهو خلاف الفرض. # لكن ما كان من هذه الطرق موصلا إلى التصور يسمى حدا ، وما كان موصلا إلى ~~التصديق يسمى دليلا ، ولا يوصل أحدهما إلى ما يوصل إليه الآخر البتة ؛ فلا ~~جرم دعت الحاجة إلى تحقيق كل واحد منهما ، ولنرسم فى ذلك بابين : PageV01P175 ### | الباب الأول ### | فى الحد # ويشتمل على أربعة فصول : # الأول : فى أن الحد يرجع إلى قول الحاد ، أو إلى صفة المحدود. # الثانى : فى حد الحد ، وأقسامه. # الثالث : فى [شرائط (1) ] الحد ، وما يجتمع جملة أقسام الحدود فيه ، وما ~~لا يجتمع. # الرابع : فى التنبيه على ما يجب التحرز عنه فى الحدود. PageV01P177 ### | الفصل الأول ### | فى أن الحد يرجع إلى قول الحاد ، أو إلى صفة المحدود. ### |||| ** وقد (1) ### |||| ** اختلف أئمتنا فى ذلك : # فذهب أكثرهم : إلى أن الحد راجع إلى نفس المحدود ، وصفته فى نفسه ms0066 ، فالحد ~~والحقيقة عندهم بمعنى واحد ؛ ولهذا قالوا : / الحد هو حقيقة الشيء ، ~~ومعناه. # وذهب القاضى : إلى أن الحد راجع إلى قول الحاد المنبئ عن حقيقة المحدود ~~وصفته. معتمدا فى ذلك على أنه (2): لو كان الحد هو الحقيقة ؛ لصدق إطلاق ~~الحد ، على كل ما يصدق عليه إطلاق الحقيقة. # وهو غير مطرد فى حق الله تعالى ؛ حيث يقال له حقيقة ، ولا يقال له حد (3) ~~. والحق فى ذلك : أن الحد فى اللغة ، عبارة عن المنع ، ومنه يقال للبواب ~~حداد ؛ لمنعه بعض الناس عن الدخول ، وللحديد حديد ؛ لامتناع تفككه بسهولة. ~~وللعقوبات حدود ؛ لافضائها إلى المنع من الإقدام على الجنايات. # وعند ذلك فلا يخفى صحة إطلاق الحد لغة : على حقيقة الشيء ، من حيث إنها ~~حاصرة له مانعة من دخول غيره فيه ، والقول المعبر عن الحقيقة أيضا ، مطابق ~~لها ؛ فيكون مشاركا لها فى المنع من دخول ما خرج عن الحقيقة فيها ؛ فلا ~~يمتنع أيضا إطلاق اسم الحد عليه لغة ، ولا معنى لتصويب أحد القولين ، ~~وإبطال الآخر من جهة اللغة ، وامتناع إطلاق اسم الحد على الله تعالى وجواز ~~إطلاق الحقيقة عليه ، مما لا يدل على امتناع كون الحقيقة حدا بالمعنى ~~اللغوى ، وإن امتنع إطلاق ذلك شرعا ؛ لعدم ورود الشرع به ، أو لوروده ~~بالمنع منه ؛ لكن مع هذا كله ، ليس المقصود البحث (4) عن معنى الحد لغة ؛ ~~بل البحث عن الحد الذي هو طريق تعريف الحقيقة ، بالكشف (5) عنها ؛ وذلك لا ~~يكون بنفس الحقيقة ؛ بل بما هو خارج عنها وهو دليل عليها ؛ وذلك هو القول ؛ ~~فليكن البيان مختصا به. PageV01P179 ### | الفصل الثانى ### | فى حد الحد المعرف للمحدود (1) # وقد اختلف فى ذلك : # فقال (2) قوم : هو الجامع المانع. # وهو باطل. بما لو سئل عن حد (3) الإنسان ؛ فقيل هو إنسان ؛ فإنه جامع ~~مانع ، ومع ذلك لا يكون حدا صحيحا ؛ لما فيه من تعريف الشيء بنفسه ؛ وهو ~~محال ؛ إذ المعرف للشىء يجب أن يكون أعرف من ذلك الشيء ، وأسبق منه فى ~~المعرفة ؛ وتعريف الشيء بنفسه يوجب كون الشيء أسبق فى المعرفة ، من معرفة ~~نفسه ؛ وهو ممتنع ms0067 (4). # والحق فى ذلك أن يقال : هو ما يعرف المطلوب ، ويميزه عما سواه (5)، هذا ~~هو حد الحد مطلقا ، ويدخل فيه حد حد الحد ؛ فلا يفضى إلى التسلسل ؛ كما ظن. ### ||| ** وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام : # لأنه إما أن يطلب به شرح الحقيقة ، أو شرح اسمها. # فإن طلب به شرح الحقيقة وتميزها. فلا يخلو : إما أن يكون / مميزا لها ~~تمييزا ذاتيا ، أو عرضيا. # فإن كان الأول : فيسمى حدا حقيقيا. # وإن كان الثانى : فيسمى حدا رسميا. # وإن كان شارحا للاسم : فيسمى حدا لفظيا. ### |||| ** أما الحد الحقيقى : فهو ما يميز المطلوب عن غيره ، بأمر ذاتى. وهو منقسم إلى : تام ، وناقص. PageV01P180 ### |||| ** فالتام : هو ما يميز المطلوب عن غيره تمييزا ذاتيا ، مع دلالته على كمال الماهية ~~المشتركة من غير خروج عن دلالة المطابقة والتضمن ، كقولنا فى حد الإنسان ~~مثلا (1): إنه حيوان ناطق ؛ فإنه مشتمل على جميع الذاتيات العامة والخاصة. ### |||| ** والناقص : هو ما يميز المطلوب عن غيره تمييزا ذاتيا ، من غير دلالة على كمال ما له من ~~الذاتيات العامة : كقولنا فى حد الإنسان : إنه جوهر ناطق ، أو (2) أن يقتصر ~~(2) على قولنا : ناطق (3)؛ فإن الناطق ، لا دلالة له على الذاتيات العامة ~~(4) بغير الالتزام ؛ إذ (5) الناطق : شيء ذو نطق ، اتفق أن كان حيوانا ؛ ~~ولا اعتبار بهذه الدلالة فى الحدود الحقيقية ، والجوهر لا يطابق ما بقى ~~تحته من الذاتيات العامة : كالجسم والحيوان ، ولا يتضمنها ؛ إذ ليست جزء ~~معناه. ولا يلتزمها ؛ إذ الأعم لا يلزم منه الأخص. ### |||| ** وأما الرسمى : فهو ما يميز المطلوب عن غيره ، تمييزا عرضيا. # وهو أيضا : إما تام ، أو ناقص. ### |||| ** فإن كان تاما : فهو ما يميز المطلوب عن غيره تمييزا عرضيا ، وله دلالة على كمال الماهية ~~المشتركة. دلالة لا تخرج عن المطابقة والتضمن ، كقولنا فى رسم الإنسان : ~~إنه حيوان ضاحك. ### |||| ** والناقص : ما يميز المطلوب عن غيره تمييزا عرضيا ، من غير دلالة على كمال الماهية ~~المشتركة بإحدى الدلالتين ، وهى المطابقة والتضمن ، كقولنا فى رسم الإنسان ~~: إنه ضاحك ، أو جوهر ضاحك ؛ فإن الضاحك شيء ذو ضحك ، اتفق أن كان حيوانا ؛ ~~فلا ms0068 يطابق الذاتى المشترك ، ولا يتضمنه. ### |||| ** والجوهر أيضا : لا دلالة له على ما تحته من الذاتيات بإحدى الطرق ، كما سبق. ### |||| ** وأما الحد اللفظى : فهو ما يطلب به شرح دلالة الاسم على مسماه لغة. PageV01P181 # وذلك إنما يكون في حق العالم بحقيقة المسمى ، الجاهل بدلالة الاسم عليه ، ~~كما إذا سأل من يعرف حقيقة الخمر ، عن شرح لفظ العقار ، عند جهله بدلالته. # فجوابه : إما بلفظ مرادف يكون (1) أشهر عند السائل : كالخمر ، أو بحده ، ~~أو رسمه ، وهو أن يقال : هو المائع المعتصر من العنب المشتد. معناه دلالة ~~لفظ العقار على هذا. وهذه الأقسام متفاوتة / الرتب ، فأعلاها : الحد ~~الحقيقى ، ثم (2) الرسمى (2)، ثم اللفظى. # وقد أورد على هذه الحدود تشكيكات أبطلناها فى كتاب دقائق الحقائق (3). ### |||| ** وأما التعريف بالمثال : كتعريف النفس فى البدن : بالربان فى السفينة ، ونحوه ، فغير مستقل بالتعريف ~~؛ فإنه كما أن الربان فى السفينة مشابه للنفس فى البدن ، فمشابه لرب البيت ~~فى البيت ، والملك فى مدينته ؛ فلا يتم التمييز به ، وإن كان مقربا إلى ~~الفهم ، فلا يكون التعريف به داخلا فى الحدود ؛ كما ظن. PageV01P182 ### | الفصل الثالث ### | فى شرط الحد ، وما يجتمع جملة أقسام ### ||| * الحدود فيه ، وما لا يجتمع. # وشرط الحد على اختلاف أقسامه : # أن يكون جامعا : لا يخرج عنه شيء من المحدود. # مانعا : لا يدخل فيه ما هو خارج عن المحدود. # فإنه إذا لم يكن جامعا ؛ كان المحدود أعم من الحد ، ولو (1) لم يكن مانعا ~~؛ كان الحد أعم من المحدود. # وعلى كلا التقديرين ؛ لا يكون الحد مميزا للمحدود (2)، ولا معرفا له. # ويلزم من هذا الشرط أيضا : أن يكون الحد مطردا ، مع المحدود : أى يلزم من ~~وجوده ، وجود المحدود. # ومنعكسا : أى يلزم من انتفائه ، انتفاء المحدود. # لأنه لو لم يكن مطردا ، لما كان الحد مانعا. # ولم لم يكن منعكسا ؛ لما كان الحد جامعا. # ثم الشيء المحدود : إما أن يكون مركبا ، أو بسيطا ، لا تركيب فيه. # فإن كان مركبا : فيمكن تحديده بالحد الحقيقى ، لتركبه ، وبالرسمى ؛ لأنه ~~لا يخلو شيء من خاصية تخصه دون غيره ، وباللفظى : إن كان للفظ ms0069 مرادف ، أو ~~بحده ، أو رسمه كما سبق. ### |||| ** وإن كان بسيطا لا تركيب فيه : فليس له الحد الحقيقى ، وله الرسمى الناقص ، دون التام ، واللفظى. PageV01P183 ### | الفصل الرابع ### | فى التنبيه على ما يجب التحرز عنه فى الحدود # ويجب أن تصان الحدود عن : # الألفاظ المهملة : التى لا مدلول لها. # والغريبة : التى لا يعرفها المخاطب. # والمشتركة : كتعريف الكون بأنه يصير إلى الجوهر ؛ لدخول الحركة المكانية ~~إلى الجوهر فيه. # والمجازية (1) الغير منقولة (1): كتعريف الشمس : بأنها عين النهار ، لأن ~~ذلك مما يخل بالتفاهم ، والوقوف على غرض الحاد ، إلا أن ذلك مما لا يفسد ~~الحد مع التفسير ، وإن كان استعماله مكروها ، لبعده عن المقصود. # وأن لا يعرف الشيء بنفسه : كتعريف الإنسان ، بأنه إنسان ؛ إذ المعرف يجب ~~أن يكون سابقا بالمعرفة على المعرف ؛ وفيه تقدم الشيء على نفسه فى المعرفة ~~؛ وهو محال. # ولا بما هو أخفى منه فى المعرفة : وسواء / كانت معرفة الأخفى متوقفة على ~~معرفة المحدود ، كتعريف الشمس بأنها كوكب يطلع نهارا ؛ إذ النهار لا يعرف ~~إلا بزمان طلوع الشمس ؛ وهو دور. # أو غير متوقفة عليه : كتعريف النار : بمشابهتها بالنفس ، والأولى أن يكون ~~بالعكس. # ولا بما هو مساو فى المعرفة والخفاء : كتعريف أحد المتضايفين بالآخر : ~~كتعريف الأب : بالابن ؛ إذ لا أولوية. # وأن لا يترك الجنس فى الحد التام ، والرسم التام ، وأن لا يبدل بالعرض ~~العام : كحد (2) الإنسان بأنه متحرك ناطق. # ولا الفصل بالخاصة فى الحقيقى ، PageV01P184 # ولا أن يذكر الجنس مكان الفصل ، والفصل مكان الجنس : كقولهم العشق إفراط ~~المحبة. والأولى أن يقال : المحبة المفرطة ، إذ المحبة جنس ، والإفراط فصل. # ولا الجنس بالنوع كقولهم : الشر ظلم الناس ، وظلم الناس نوع من الشر (1). # ولا المادة الكائنة بدل الجنس : كقولهم : السرير خشب يجلس عليه. # ولا المادة الفاسدة : كقولهم : الرماد خشب محترق. # وعليك (2) بالنظر فى كتبنا (2) الخصيصة بهذا الفن ، تجد الكلام فى هذه ~~الفصول مستقصى فيها (3). PageV01P185 ### | الباب الثانى ### | فى الدليل ### ||| * ويشتمل على سبعة فصول : # الأول : فى حد الدليل ، وانقسامه إلى : عقلى ، وغير عقلى. # الثانى : فى أن الدليل العقلى متركب من مقدمتين ، فلا يزيد ms0070 عليهما. # الثالث : فى أقسام صور مقدمات الدليل. # الرابع : فى انقسام مقدمات الدليل إلى : قطعى ، وغير قطعى. # الخامس : فى أقسام صور الدليل. # السادس : فى شرط الدليل العقلى. # السابع : فيما ظن أنه من الأدلة المفيدة لليقين ؛ وليس منها. PageV01P187 ### | الفصل الأول ### | فى حد الدليل ، وانقسامه إلى : عقلى ، وغير عقلى (1) # والدليل فى وضع اللغة : قد يطلق باعتبارين : ### |||| ** الأول : الدال ، والدال قد يطلق بمعنى الذاكر للدليل ، وقد يطلق بمعنى الناصب ~~للدليل. ### |||| ** الثانى : ما فيه دلالة وإرشاد ؛ وهذا هو المسمى دليلا فى عرف المتكلمين. # وهو عبارة عما يمكن أن يتوصل بصحيح النظر فيه ، إلى مطلوب تصديقى. # وإنما قلنا : يمكن أن يتوصل به ، ولم نقل هو الذي يتوصل به ؛ لأن الدليل ~~يكون دليلا فى نفسه ؛ وإمكان التوصل به ملازم له دون التوصل بالفعل. # وإنما قلنا : بصحيح النظر ؛ حتى يخرج منه النظر الذي ليس بصحيح : إما ~~لقصور الناظر ، أو لتقاصره ؛ فإن النظر الذي / ليس بصحيح لا يمكن أن يتوصل ~~به إلى المطلوب. ولا يخرج الدليل بذلك عن أن يكون دليلا. # وإنما قلنا : إلى مطلوب تصديقى. حتى يخرج عنه الحد الموصل إلى التصور. # وهو ينقسم : إلى ما يدل لذاته ، وإلى ما لا يدل لذاته ؛ بل بالوضع ~~والاصطلاح ، سواء كان من وضع الشارع ، أو غيره. # فالأول : هو الدليل العقلى. # والثانى : هو الدليل السمعى. PageV01P189 ### | الفصل الثانى ### | فى أن الدليل العقلى مركب من مقدمتين ، ولا يزيد عليهما. # واعلم أن المطلوب التصديقى : لا بد فيه من نسبة بين أمرين. إيجابا ، أو ~~سلبا ؛ فالمنسوب ، والمنسوب إليه ، هما جزءا المطلوب. # وعند ذلك : فالدليل العقلى الموصل إليه ، لا بد وأن يكون سابقا فى ~~المعرفة عليه. فإنه لو كان العلم به ، مع العلم بالمطلوب ؛ لم يكن تعريف ~~أحدهما بالآخر ، أولى من العكس. # ولو كان متأخرا فى المعرفة ؛ كان فيه تعرف المعلوم بالمجهول ؛ وهو (1) ~~محال (1). ولا يكفى أى معلوم سابق اتفق ، وإلا كان كل معلوم سابق ، يوصل ~~إلى كل مجهول ؛ وهو محال ، # بل لا بد ، وأن يكون مناسبا للمطلوب. # ولا يكفى أن يكون معلوما واحدا ؛ فإن المعلوم الواحد ms0071 المناسب : إما أن ~~يكون مناسبا لكل المطلوب ، وإما لنقضه ، وإما لجزء المطلوب. # فإن كان مناسبا لكل المطلوب : كما لو كان مطلوبنا أن النهار موجود ، ~~فقلنا : إن كانت الشمس طالعة ؛ فالنهار موجود ؛ فالمناسب للمطلوب طلوع الشمس. # ولا (2) يكفى ذلك فى المطلوب ، دون استثناء عين ملزومه ؛ وهو أن يقول : ~~لكن الشمس طالعة ؛ فيلزم أن يكون النهار موجودا ؛ وهما مقدمتان ، لا يتم ~~المطلوب دونهما ؛ ولا يفتقر إلى غيرهما. # وإن كان مناسبا لنقيض المطلوب : كما لو كان مطلوبنا : أن الشمس ليست ~~طالعة. فقلنا : إن كانت الشمس طالعة ؛ فالنهار موجود ؛ فالمذكور إنما هو ~~نقيض المطلوب : وهو طلوع الشمس. والمناسب له وجود النهار. ولا يكفى ذلك فى ~~المطلوب دون استثناء نقيض لازم نقيض المطلوب : وهو أن النهار ، ليس بموجود ~~؛ فيلزم منه انتفاء ملزومه ؛ وهو طلوع الشمس ؛ وهو عين المطلوب ، من غير ~~حاجة إلى مقدمة أخرى. PageV01P190 # وإن كان مناسبا لجزء المطلوب : كما لو كان مطلوبنا : أن العالم حادث ~~فقلنا : العالم مؤلف ؛ فالمؤلف مناسب للعالم ؛ وهو موضوع المطلوب ؛ فلا بد ~~وأن يكون المؤلف مناسبا / لمحمول المطلوب وهو الحادث. # وهو أن يقول : وكل مؤلف حادث ، حتى يلزم العالم حادث ، ولا يتم المطلوب ~~دون هذين العلمين التصديقيين من غير حاجة إلى ثالث. # فقد بان أنه لا بد من علمين تصديقيين سابقين ؛ هما مقدمتا المطلوب. ولا ~~يكفى ذلك ؛ بل لا بد من ترتيب خاص ، وهيئة معينة بين العلمين التصديقيين ~~كما يأتى ، وإلا كان كل ترتيب يلزم عنه المطلوب ؛ وهو محال. # فالمعانى السابقة ، المناسبة للمطلوب ؛ كالمادة للدليل ، والتأليف الخاص ~~كالصورة ؛ وهو مركب منهما ، ولا يصح إلا بصحتهما. وفساده قد يكون بفسادهما ~~، أو بفساد أحدهما. PageV01P191 ### | الفصل الثالث ### | فى أقسام مقدمات الدليل (1) # ولما بان أن الدليل العقلى ، لا يتم إلا من (2) مقدمتين (2) تصديقيتين. ~~فالمقدمة لا تخلو : إما أن لا يوجد فى أحد جزئيها عند التحليل نسبة خبرية ، ~~أو يوجد. ### ||| ** فإن كان الأول : # فتسمى (3) حملية : [وهى ما يحكم (4) فيها] بشيء على غيره ، أنه هو ، أو ~~ليس هو. # والمحكوم عليه : يسمى موضوعا. # والمحكوم به : يسمى محمولا ms0072. # والموضوع فيهما : إما أن يكون شخصيا ، أو كليا. # فإن كان شخصيا : فتسمى مخصوصة وشخصية : وهى إما موجبة ، وإما سالبة : ~~فالموجبة : قولنا : زيد إنسان ، # والسالبة : قولنا : زيد ليس هو حجرا. ### |||| ** وإن كان الموضوع كليا : فإما أن يدخل عليه سور يبين كمية نسبة المحمول إليه ، [أو لا (5) ]. ### |||| ** فإن كان الأول : فإما أن يكون السور كليا ، أو جزئيا. # فإن كان كليا : فتسمى محصورة كلية # وهى : إما موجبة ، أو سالبة. # فالموجبة : كقولنا : كل إنسان حيوان. # والسالبة : كقولنا : لا شيء من الإنسان حجرا. PageV01P192 # وإن كان السور جزئيا : فتسمى محصورة جزئية : # وهى : إما موجبة ، أو سالبة. # فالموجبة : كقولنا : بعض الحيوان إنسان. # والسالبة : كقولنا : ليس كل حيوان إنسانا. # وإن لم يدخل على الموضوع سور : فتسمى مهملة : كقولنا : الإنسان حيوان. # ولما احتمل أن يصدق كلية ، وجزئية. وصدق الجزئية لازم من صدق الكلية ، ~~ولا عكس ؛ كان حكمها حكم جزئية محصورة ؛ لتيقنها. # هذا إن قلنا : إن الألف واللام ليست للعموم فى لغة العرب ، وإلا فلا مهمل ~~فى لغتهم ؛ بل هى محصورة كلية. ### ||| ** وإن كان الثانى : # وهو أن يوجد لأجزاء المقدمة عند التحليل نسبة خبرية : فتسمى شرطية. وهى ~~إما أن تكون النسبة بين جزئيها فى حالة الإيجاب باللزوم / والاتصال ، وإما ~~بالعناد والانفصال. # فالأولى تسمى : متصلة. # والثانية تسمى. منفصلة. ### |||| ** أما المتصلة : فمنها كلية موجبة. كقولنا : كلما كانت الشمس طالعة ؛ فالنهار موجود. ومنها ~~كلية سالبة. كقولنا : ليس البتة إذا كانت الشمس طالعة فالليل (1) موجود. # ومنها جزئية موجبة. كقولنا : قد يكون إذا كانت الشمس طالعة ؛ فالنهار موجود. # ومنها جزئية سالبة. كقولنا : ليس كلما كانت الشمس طالعة ؛ فالليل موجود. ### ||| ** وأما المنفصلة : # فمنها : ما هى حقيقية ، ومنها ما هى غير حقيقية. PageV01P193 ### |||| ** أما الحقيقية : فهى [ما لفظها (1) ] إما ، وإما فيها مانعة الجمع بين الجزءين ، والخلو منهما. # وهى إما كلية موجبة : كقولنا : دائما إما أن يكون العدد زوجا ، وإما فردا. # وإما كلية سالبة : كقولنا : دائما ليس إما أن يكون العدد زوجا ، وإما ~~منقسما بمتساويين. # وإما جزئية موجبة : كقولنا : قد يكون إما أن يكون العدد زوجا ، وإما فردا. # وإما ms0073 جزئية سالبة : كقولنا : ليس دائما إما أن يكون العدد زوجا ، وإما ~~منقسما بمتساويين. ### |||| ** وأما غير الحقيقية : فإما مانعة الجمع دون الخلو ، أو مانعة الخلو دون الجمع. # فإن كانت مانعة الجمع دون الخلو : # فإما كلية موجبة. كقولنا : دائما إما أن يكون المتحرك جمادا ، وإما نباتا. # وإما كلية سالبة. كقولنا : دائما ليس إما أن يكون المتحرك إنسانا ، وإما ناطقا. # ولا يخفى مثال الجزءين [منهما (2) ]. # وأما إن كانت مانعة الخلو دون الجمع : # فإما كلية موجبة : كقولنا : دائما إما أن يكون الجسم لا أسود ، وإما لا أبيض. # وإما كلية سالبة : كقولنا : دائما ليس إما أن يكون الجسم أبيض ، وإما أسود. # ولا يخفى مثال الجزءين منهما. # فهذه هى جملة أصناف المقدمات (3). PageV01P194 ### | الفصل الرابع ### | فى انقسام مقدمات الدليل إلى قطعية ، وغير قطعية (1) # والمقدمات منها قطعية ، وغير قطعية : ### ||| ** أما القطعية : فأنواع سبعة : ### ||| ** النوع (2) الأول : الأوليات : # وهى التى يصدق العقل بها عند تصور مفرداتها ، من غير توقف على نظر ~~واستدلال ، ولا يجد الإنسان من نفسه بعد تصور المفردات الخلو عنها : كالعلم ~~بأن النفى والإثبات لا يجتمعان ، وأن الواحد أقل من الاثنين ، ونحوه. ### ||| ** الثانى : المقدمات النظرية القياس : # وهى كل قضية أوجب التصديق / بها ، التصديق الضرورى بمقدماتها (3): ~~كالعلم بأن الأربعة زوج ؛ لعلمنا بأن الأربعة منقسمة بمتساويين ؛ وكل منقسم ~~بمتساويين زوج. ### ||| ** الثالث : المشاهدات : # وهى كل قضية صدق العقل بها ، بواسطة الحس : كعلمنا بحرارة النار ، وبرودة ~~الثلج ، ونحوه. ### ||| ** الرابع : المجربات : # وهى كل قضية يصدق العقل بها بواسطة الحس مع التكرار ، ونوع من النظر : ~~كالعلم بأن السقمونيا يسهل الصفراء. ### ||| ** الخامس : الحدسيات : # وهى كل قضية يصدق العقل بها بواسطة الحدس : كالعلم بحكمة صانع العالم ، ~~عند رؤية العالم على غاية الحكمة ، والإتقان. PageV01P195 ### ||| ** السادس : المتواترات : # وهى كل قضية صدق (1) العقل بها بواسطة إخبار جماعة. يؤمن من مثلهم ~~التواطؤ على الكذب : كالعلم بوجود مكة ، وبغداد ، ونحوه. ### ||| ** السابع : الوهميات فى المحسوسات : # كالعلم (2) بأن كل جسم يجب أن يكون مشارا إليه ، وإلى جهته. فهذه هى ~~المقدمات اليقينية ، التى يجب انتهاء الدليل إليها ، قطعا للتسلسل. # والدليل المنتهى إليها يكون إن ms0074 كانت صورته صحيحة كما يأتى (3) قطعيا. إلا ~~أن ما حصل لبعض الناس من تجربة ، أو تواتر ، أو حدس ، وإن كان حجة عليه مع ~~نفسه ، فلا يكون حجة على غيره إلا أن يشاركه فيما حصل له. ### |||| ** وأما المقدمات التى ليست قطعية : فمنها ظنية ، ومنها غير ظنية : ### ||| ** أما الظنية : # وهى ما يصدق العقل بها مع تجويز نقيضها ، تجويزا بعيدا ؛ فأنواع أربعة : ### ||| ** الأول : المسلمات : # وهى كل قضية يصدق العقل بها على أنها مبرهنة فى علم آخر. ### ||| ** الثانى : المشهورات : # وهى القضايا التى أوجب التصديق بها ، اتفاق الجم الغفير ، والعدد الكثير ~~عليها : كالحكم بأن العدل حسن لذاته ، والجور قبيح لذاته. ### ||| ** الثالث : المقبولات : # وهى القضايا التى يصدق العقل بها ؛ لحسن الظن بمن أخذت عنه : كاعتقاد ما ~~يأخذه التلميذ عن أستاذه ، ونحوه. PageV01P196 ### |||| ** الرابع : ما أوجب التصديق بها قرائن الأحوال الظاهرة : # كالتصديق بنزول المطر ، عند طلوع السحاب ، ونحوه. # فهذه هى مقدمات الدليل الظنى. ### ||| ** وأما الغير ظنية (1): # فإما أن تؤثر فى النفس تأثيرا ، من ترغيب ونفرة من غير تصديق بها ، أو لا ~~تؤثر شيئا أصلا. / ### |||| ** والأولى (2) ### |||| ** : تسمى المخيلات (2) ### |||| ** : وهى ما تقال لأجل الترغيب فيما يقصد الترغيب فيه ، أو التنفير عما يقصد ~~التنفير عنه : كتشبيه العسل بالمرة الصفراء ، ونحوه. # فهذه هى مقدمات الدليل التخييلى. # وإن لم تكن مؤثرة تأثيرا ما ، أو كانت مؤثرة ، لكنها كاذبة فى نفسى الأمر ~~؛ فالدليل المركب منها يكون فاسدا. PageV01P197 ### | الفصل الخامس ### | فى أصناف صور الدليل ، وتنوع تأليفه (1). # فإذا (2) بان أن الدليل لا بد وأن يكون مناسبا للمطلوب : فإما أن يكون ~~مناسبا لجزء المطلوب ، أو (3) لجملة المطلوب (3). # فإن كان الأول : فيسمى اقترانيا. # وإن كان الثانى : فيسمى استثنائيا. ### |||| ** أما الاقتراني (4) ### |||| ** : فلا بد فيه من مقدمتين ، كل مقدمة تشتمل على مفردين ، أحدهما : يسمى موضوعا ~~؛ وهو المحكوم عليه ، بأنه الآخر ، أو ليس ، والآخر : يسمى محمولا : وهو ~~المحكوم به على الآخر أنه هو ، أو ليس هو ، إلا أن أحد المفردات لا بد وأن ~~تكون متكررة فى المقدمتين ويسمى حدا أوسط. والجزءان المختلفان فى المقدمتين ~~؛ هما جزءا المطلوب. # إلا أن ما كان ms0075 منهما محمولا فى المطلوب ؛ يسمى حدا أكبر. # وما كان منهما موضوعا فى المطلوب يسمى حدا أصغر. # والمقدمة التى فيها الأصغر ؛ تسمى صغرى. # والتى فيها الأكبر ؛ تسمى كبرى. ### ||| ** وهو أربعة أنواع : # لأنه : إما أن يكون الحد الأوسط محمولا فى الصغرى ، موضوعا فى الكبرى ، ~~وإما محمولا فيهما ، وإما موضوعا فيهما ، وإما موضوعا فى الصغرى ، ومحمولا ~~فى الكبرى. ### ||| ** أما النوع الأول : # فشرط لزوم المطلوب عنه ، إيجاب صغراه ، وأن تكون فى حكم الموجبة ، وهى أن ~~تكون ممكنة سالبة ، وإلا فلا يلزم من الحكم على أحد المتباينين بأمر ، ~~الحكم به على PageV01P198 # الآخر ، لا إيجابا ، ولا سلبا ، وأن تكون كبراه كلية ، وإلا فالحد الأوسط ~~مختلف (1). ### |||| ** وهو أربعة أضرب : الضرب الأول : من كليتين موجبتين : كقولنا : كل إنسان حيوان ، وكل حيوان جسم ؛ فاللازم ~~(2) كل إنسان جسم. ### |||| ** الضرب الثانى : من كليتين ، والكبرى سالبة : # كقولنا : كل إنسان حيوان ، ولا شيء من الحيوان حجر ؛ فاللازم (3) لا شيء ~~من الإنسان حجرا. ### |||| ** الضرب الثالث : من موجبتين ، والصغرى جزئية : # [كقولنا (4): بعض الحيوان إنسان (4) ] ، وكل إنسان ناطق ؛ فاللازم بعض ~~الحيوان ناطق. ### |||| ** الضرب الرابع : من جزئية / صغرى موجبة ، وكلية كبرى سالبة. ### |||| ** كقولنا : بعض الحيوان إنسان ، ولا شيء من الإنسان حجرا ؛ فاللازم : بعض الحيوان ~~ليس حجرا. # واللزوم فى هذه الضروب بين ؛ لأن الحكم على العام يكون حكما على الخاص. ### ||| ** وأما النوع الثانى (5): # وهو ما الحد الأوسط فيه محمول فى المقدمتين. # فشرط لزوم المطلوب عنه : # اختلاف مقدمتيه فى الإيجاب والسلب ، وإلا فلا يلزم من إيجاب شيء لشيئين ، ~~أو سلبه عنهما ، إيجاب أحد الشيئين للآخر (6)، ولا سلبه عنه (6). PageV01P199 # وأن تكون كبراه كلية ، وإلا فالجزء الخارج عن المحمول فى الكبرى من ~~الموضوع أمكن أن يكون مسلوبا عن الحد الأصغر ، وأمكن أن يكون ثابتا له ؛ ~~فلا انتاج ، لا سلبا ، ولا إيجابا ؛ فلا ينتج غير السالب. ### ||| ** وهو أيضا أربعة أضرب : ### |||| ** الضرب الأول : من كليتين ، والكبرى سالبة. # كقولنا : كل إنسان حيوان ، ولا شيء من الحجر حيوان ؛ فاللازم : لا شيء من ~~الإنسان حجرا. ### |||| ** الضرب الثانى : من كليتين ، والصغرى سالبة : # كقولنا : لا شيء من الإنسان ms0076 فرسا ، وكل صاهل فرس ؛ فاللازم : لا شيء من ~~الإنسان صاهل. ### |||| ** الضرب الثالث : من جزئية صغرى موجبة ، وكلية كبرى سالبة : كقولنا : بعض الحيوان إنسان ، ~~ولا شيء من الحجر إنسان ؛ فبعض الحيوان ليس حجرا. ### |||| ** الضرب الرابع : من جزئية صغرى سالبة ، وكلية كبرى موجبة : # كقولنا : بعض الحيوان ليس إنسانا ، وكل ناطق إنسان ، فبعض الحيوان ليس ~~ناطقا. واللزوم فى هذه الضروب غير بين إلا ببيان ؛ وهو أن يقول : # إن لم يصدق المطلوب فى كل واحد من هذه الضروب ، صدق نقيضه ، ثم يجعل نقيض ~~المطلوب صغرى للكبرى فى الكل ؛ فإنه ينتج نقيض (1) المقدمة الصغرى الصادقة ~~من أحد ضروب النوع الأول البين ؛ وهو محال. # وليس المحال لازما عن نفس الصورة ؛ لأنها حقه. # ولا عن نفس المقدمة الكبرى ؛ لأنها صادقة. # فلم يبق لزومه (2) إلا عن نقيض المطلوب ؛ فيكون كاذبا ، ويلزم من كذبه ~~صدق المطلوب. PageV01P200 # وإن شئت بينت بالعكس : # وهو أن تعكس الكبرى فى (1) الأولى (1)، وتبقيها بحالها ؛ فتعود إلى ~~الضرب الثانى من النوع الأول ؛ ناتجا عين المطلوب. # وتعكس الصغرى من الثانى ، وتجعلها كبرى ، فتعود إلى الضرب الثانى من ~~النوع الأول أيضا ، / ناتجا كلية سالبة عكسها عين المطلوب. # وتعكس الكبرى من الثالث ، وتبقيها بحالها ؛ فتعود إلى الضرب الرابع من ~~الأول ؛ ناتجا عين المطلوب. # والرابع فلا يتبين بالعكس ؛ لأن الصغرى جزئية سالبة ، ولا تنعكس ، ~~والكبرى لو عكست ؛ عادت جزئية ؛ ولا إنتاج عن جزءين. ### |||| ** النوع الثالث (2) ### |||| ** : وهو ما الحد الأوسط فيه موضوع فى المقدمتين. # وشرط لزوم المطلوب عنه. إيجاب صغراه لما ذكرنا فى النوع الأول وكلية إحدى ~~مقدمتيه ، أيهما كانت. وإلا كان الحد الأوسط مختلفا ، ولا ينتج غير الجزئى. # وضروبه المنتجة ستة : ### |||| ** الضرب الأول : من كليتين موجبتين : # كقولنا : كل إنسان حيوان ، وكل إنسان ناطق ؛ فبعض الحيوان ناطق. ### |||| ** الضرب الثانى : من جزئية صغرى موجبة ، وكلية كبرى موجبة : # كقولنا : بعض الحيوان جسم ، وكل حيوان حساس ؛ فبعض الحيوان حساس. ### |||| ** الضرب الثالث : من كلية موجبة صغرى ، وجزئية موجبة كبرى : # كقولنا : كل إنسان حيوان ، وبعض الإنسان ناطق ؛ فبعض الحيوان ناطق. ### |||| ** الضرب الرابع : من كلية صغرى موجبة ms0077 ، وكلية كبرى سالبة : # كقولنا : كل إنسان حيوان ، ولا شيء من الإنسان حجرا ؛ فبعض الحيوان ليس حجرا. PageV01P201 ### |||| ** الضرب الخامس : من كلية صغرى موجبة ، وجزئية كبرى سالبة : # كقولنا : كل إنسان حيوان ، وبعض الإنسان (1) ليس حجرا ؛ فبعض الحيوان ليس حجرا. ### |||| ** الضرب السادس : من جزئية صغرى موجبة ، وكلية كبرى سالبة : # كقولنا : بعض الحيوان إنسان ، ولا شيء من الحيوان حجر ؛ فبعض الإنسان ليس حجرا. # واللزوم (2) فى هذه الضروب أيضا (2): غير بين دون بيان. وهو أن نأخذ ~~نقيض النتيجة فى الكل ، ونجعله كبرى للصغرى ؛ فينتج نقيض المقدمة الكبرى ~~الصادقة ؛ فيكون نقيض المطلوب باطلا ؛ لما حققناه فى النوع الثانى. # وان شئت بينت بالعكس ، والرد إلى النوع الأول البين ؛ فتعكس الصغرى من ~~الأول ، والثانى ، والرابع ، والسادس ، وتبقيها بحالها. # فإن الأول والثانى ، يعودان إلى الضرب الثالث من النوع الأول ، ناتجا عين ~~المطلوب. # والرابع والسادس يعودان إلى الضرب الرابع من النوع الأول ، ناتجا عين ~~المطلوب. # وأما الثالث : فتعكس منه الكبرى / وتجعلها صغرى ؛ فيعود إلى الضرب الثالث ~~من (3) النوع الأول ، ناتجا جزئية موجبة ، عكسها عين المطلوب. # وأما الخامس : فلا يتبين بالعكس ؛ لأن الجزئية السالبة منه لا تنعكس ، ~~وعكس الكلية الموجبة ، جزئية موجبة ؛ ولا إنتاج عن جزئيتين. ### ||| ** النوع الرابع : # وهو (4) ما الحد (4) الأوسط فيه موضوع فى الصغرى ، ومحمول فى الكبرى. PageV01P202 ### ||| ** وشرط انتاجه : # إيجاب إحدى مقدمتيه ؛ فإنه لو كان الحد الأوسط مباينا للطرفين لما لزم ~~بين الطرفين إيجاب ، ولا سلب ؛ كما بيناه فى النوع الثانى. # وكلية إحدى مقدمتيه ، وإلا لاختلف الحد الأوسط. # وكلية السالبة من مقدمتيه ؛ فإنها لو كانت جزئية ؛ فإن كانت صغرى ؛ فالحد ~~(1) الأوسط ؛ لا يكون متحدا. # وإن كانت كبرى : فلجواز أن يكون البعض الخارج عن المحمول فى الكبرى ثابتا ~~للأصغر تارة ، ومسلوبا عنه أخرى. # فلا إنتاج لا بإيجاب ، ولا سلب. # وأن تكون صغراه كلية موجبة ، إن كانت كبراه جزئية موجبة ، حتى يدخل كل ~~الأوسط تحت الأصغر ؛ فإذا حكم بإيجاب الأوسط على بعض الأكبر ؛ كان الأكبر ~~محكوما (2) به على (2) بعض الأوسط ، والأوسط على (3) بعض الأصغر ؛ فيكون ~~الأكبر محكوما به على بعض الأصغر ms0078. # وأن تكون كبراه كلية سالبة ، إن كانت صغراه جزئية موجبة ؛ لأنه إذا كان ~~الأكبر مباينا للأوسط ، والأوسط هو بعض الأصغر ؛ فالأكبر يكون مباينا لبعض ~~الأصغر. ### ||| ** وضروبه المنتجة خمسة : ### |||| ** الضرب الأول : من كلية سالبة صغرى ، وكلية موجبة كبرى. # كقولنا : لا شيء من الإنسان حجرا ، وكل ناطق إنسان ؛ فلا شيء من الحجر ناطق. ### |||| ** الضرب الثانى : من كليتين موجبتين : # كقولنا : كل إنسان حيوان ، وكل ناطق إنسان ؛ فبعض الحيوان ناطق. ### |||| ** الضرب الثالث : من كلية صغرى موجبة ، وجزئية كبرى موجبة # كقولنا : كل إنسان حيوان ، وبعض الناطق إنسان ؛ فبعض الحيوان ناطق. PageV01P203 ### |||| ** الضرب الرابع : من كلية صغرى موجبة ، وكلية كبرى سالبة. # كقولنا : كل إنسان حيوان ، ولا شيء من الحجر إنسان ؛ فبعض الحيوان ليس حجرا. ### |||| ** الضرب الخامس : من جزئية صغرى موجبة ، وكلية كبرى سالبة. # كقولنا : بعض الحيوان / إنسان ، ولا شيء من الحجر حيوان ؛ فبعض الإنسان ~~ليس حجرا. # واللزوم في هذه الضروب أيضا بعيد عن الطباع ؛ غير بين إلا ببيان. وهو أن ~~تأخذ نقيض النتيجة في الكل ، وتجعله في الأول صغرى للكبرى ؛ فيعود إلى ~~الضرب الثالث من النوع الأول ؛ ناتجا جزئية موجبة ، عكسها نقيض المقدمة ~~الصغرى الصادقة ، وكبرى للصغرى في الثانى ، والثالث ؛ فإنه يعود إلى الضرب ~~الثانى ، من النوع الأول ، ناتجا كلية سالبة ، عكسها نقيض المقدمة الكبرى ~~الصادقة. وتجعله صغرى (1) للكبرى في الرابع والخامس ؛ فإنه يعود إلى الضرب ~~الثانى من النوع الأول ، ناتجا كلية سالبة ، عكسها نقيض المقدمة الصغرى ~~الصادقة ؛ فيكون النقيض محالا ؛ لما سبق. # وإن شئت بينت بالعكس. وهو أن تجعل الصغرى في الأول كبرى للكبرى ؛ فيعود ~~(2) إلى الضرب الثانى (2)، من النوع الأول ، ناتجا كلية سالبة (3)، عكسها ~~عين المطلوب. # وأن تجعل الصغرى كبرى ، للكبرى في الثانى ؛ فيعود إلى الضرب الأول ، من ~~النوع الأول ، ناتجا كلية موجبة ، عكسها عين المطلوب. وكذلك في الثالث. # وأن تعكس الصغرى والكبرى في الرابع والخامس ، وتبقيها بحالها. فإنه يعود ~~إلى الضرب الرابع من النوع الأول ؛ ناتجا عين المطلوب. ### ||| ** وأما الاستثنائى : # فإما أن يكون المناسب للمطلوب فيه ، مناسبته مناسبة لزوم ، أو مقابلة. ### |||| ** فإن كان من ms0079 الأول : فيسمى استثنائيا متصلا. ### |||| ** وإن كان الثانى : فيسمى استثنائيا منفصلا. PageV01P204 ### ||| ** أما المتصل : # فالمناسب للمطلوب فيه : إما أن يكون لازما ، أو ملزوما له. # فإن كان لازما له : فيلزم من انتفائه ؛ انتفاء الملزوم ؛ وذلك كما لو كان ~~مطلوبنا : أن الشمس ليست طالعة فقلنا : # إن كانت الشمس طالعة ؛ فالنهار موجود. # فإذا قلنا : والنهار ليس (1) موجودا ، # لزم أن (1) الشمس ليست طالعة. # وإن كان ملزوما للمطلوب : كما لو كان مطلوبنا أن النهار موجود. فقلنا : ~~إن كانت الشمس طالعة ؛ فالنهار موجود. # فإذا قلنا : والشمس طالعة ؛ لزم : النهار موجود. # ولا يلزم من انتفاء الملزوم ؛ انتفاء اللازم ؛ ولا من وجود اللازم ؛ وجود ~~الملزوم ، لجواز أن يكون اللازم أعم من الملزوم. # وإن (2) اتفقت المساوات بين اللازم والملزوم في العموم والخصوص / ، فيلزم ~~من وجود كل واحد منهما ؛ وجود الآخر ، ومن انتفائه ؛ انتفاؤه ؛ ولكن لا ~~لنفس الصورة ؛ بل (3) لخصوص المادة. ### ||| ** وأما المنفصل : # فإما أن يكون المناسب للمطلوب ، مقابلته له ، مقابلة حقيقية ، أو غير ~~حقيقية. # فإن كانت حقيقية : كما سبق تعريفه ؛ فيصح الاستدلال بوجود المقابل له على ~~انتفائه ؛ وبانتفائه على وجوده ؛ ضرورة استحالة الجمع بينهما والخلو منهما ~~: كما في قولنا : العدد إما زوج ، وإما فرد ؛ فإنه يلزم من وجود الفرد ؛ ~~انتفاء الزوج ، ومن انتفاء الفرد ؛ وجود الزوج وكذا بالعكس. PageV01P205 # هذا إذا كانت أجزاء المنفصلة لا تزيد على جزءين. # وإن كانت أكثر من ذلك ؛ لزم من وجود الواحد ؛ انتفاء الباقى ، ومن ~~انتفائه منفصلة موجبة من الباقى. # وأما إن كانت المقابلة غير حقيقية : فإما أن تكون من مانعة الجمع ، دون ~~الخلو ، أو من مانعة الخلو دون الجمع. # فإن كان الأول : لزم من وجود الواحد ؛ انتفاء الآخر ؛ لاستحالة الجمع ، ~~ولا يلزم من انتفائه وجود الآخر ؛ لجواز الخلو. # وإن كان الثانى : لزم من انتفاء الواحد ؛ وجود الآخر ؛ لاستحالة الخلو ~~منهما ، ولا يلزم من وجوده ؛ انتفاء الآخر ؛ لجواز الجمع. فهذه هى جملة صور ~~الأدلة المنتجة ، أوردناها على غاية الإيجاز والاختصار. ومن لم يقنع ~~باليسير (1)؛ فعليه بمراجعة كتبنا (1) المخصوصة بهذا الفن (2). PageV01P206 ### | الفصل السادس ### | في شرط الدليل العقلى # وشرط ms0080 الدليل العقلى : أن يكون مطردا بالاتفاق. # وليس من شرطه أن يكون منعكسا : أى يلزم من انتفائه ، انتفاء المدلول ~~خلافا لبعض الفقهاء ؛ فإن حدوث الحوادث دليل وجود الصانع في نفسه ، ولو ~~قدرنا عدم حدوث الحوادث ؛ لما لزم منه انتفاء الصانع في نفسه ، وإن لم يعلم ~~وجوده ؛ لعدم الدليل الدال عليه ، ولأنه لا مانع من قيام أدلة على مدلول ~~واحد. فلو لزم انتفاء المدلول عند انتفاء واحد منها ؛ لما لزم من باقى ~~الأدلة وجود المدلول ، وخرجت عن كونها أدلة ؛ لعدم اطرادها ؛ وهو خلاف الفرض. # وعلى هذا. فقد أخطأ من سلم من المعتزلة : أن الدليل الدال على كون العالم ~~منا عالما بعلم معلل بالعلم ؛ جواز ثبوت هذا الحكم في حقنا ؛ إذ نفى ذلك في ~~عالمية الله تعالى لا ينفى جواز ثبوت حكم العالمية في حقه ، حيث أنه نفى ~~المدلول لانتفاء دليله. / # ومهما قيل : بامتناع انتفاء المدلول ، لانتفاء الدليل (1)؛ فلا يتصور ~~اجتماع دليلين متقابلين على شيء واحد بالنفى والإثبات : أحدهما مطرد منعكس ~~، والآخر مطرد غير منعكس ، حتى يقال بترجيح المنعكس على غير المنعكس ، كما ~~قد يظن ؛ بل ولا يتصور أن يكونا دليلين في نفس الأمر ؛ بل هما شبهتان ، أو ~~أحدهما شبهة ، والآخر دليل. # ولا نعرف خلافا في أنه لا يشترط في وجه دلالة الدليل على المدلول نصب ~~ناصب ، ولا وضع واضع ؛ بل ذلك للدليل من حيث هو هو لا لأمر خارج ؛ فلا (2) ~~يخرج (2) عن كونه دليلا على المدلول ، وإن قدرنا عدم الناصب له والواضع. # ولا يشترط [فى] (3) دلالة الدليل على المدلول ، أن يثبت للدليل وصف وجودى ~~، ولا حال زائدة وراء لزوم المدلول عنه ؛ وإلا لثبت (4) ذلك للعدم ، عند ~~كونه دليلا ؛ وهو ممتنع ؛ لما فيه من قيام الثبوت بالعدم. PageV01P207 ### | الفصل السابع ### | فيما ظن أنه من الأدلة المفيدة لليقين ، وليس منها # وهى ستة : ### ||| ** الدليل الأول : الاستقراء (1) # وهو عبارة عن الحكم بنسبة كلى ، إلى كلى آخر ، بإيجاب ، أو سلب ؛ لتحقق ~~نسبته بتلك الكيفية ، إلى ما تحت الكلى المحكوم عليه ، من الجزئيات : # كالحكم بالتحيز على الجوهر الكلى ؛ لوجود ms0081 التحيز في الجواهر ؛ وهو غير ~~يقينى ؛ فإنه (2) لا يخلو : # إما أن يكون الاستقراء ناقصا : بأن لا يكون قد استقرى جميع الجزئيات ، أو ~~تاما : قد استقرى فيه جميع الجزئيات. # فإن كان من الأول : فلا يخفى أنه من الجائز أن يكون الحكم فيما لم يستقر ~~، على خلافه ، فيما استقرى. # وعند ذلك ؛ فلا يلزم أن يكون الحكم الثابت لبعض الجزئيات ؛ ثابتا للكلى ~~المشترك بينها ؛ وإلا لما خلا عن ذلك الحكم شيء من جزئياته. وذلك كالحكم ~~على الحيوان ، بأنه إذا أكل تحرك فكه الأسفل ، أخذا من استقراء أكثر جزئيات ~~الحيوان ، والحكم في التمساح على خلافه. # وإن كان تاما : فإنما يلزم أن يكون الحكم الثابت لكل واحد من الجزئيات ؛ ~~ثابتا للأمر الكلى المشترك ، أن لو ثبت امتناع ثبوته لكل واحد من الجزئيات ~~؛ لخصوصه ، وتعينه ؛ وهو عسير جدا ، وعدم العلم بدليله ؛ لا يدل على عدمه ~~في نفسه كما يأتى بعد. ### ||| ** الدليل الثانى : الحكم بانتفاء المدلول لانتفاء / دليله (3). # وهذه الطريقة ، إنما تتم ببيان انتفاء الأدلة ، وبيان لزوم انتفاء ~~المدلول من انتفائها. # ولا طريق إلى الأول إلا بالبحث ، والسبر مع عدم الاطلاع عليها. PageV01P208 # وأما الثانى : فطريقه أن يقال : لو لم يلزم من انتفاء الدليل انتفاء ~~المدلول ؛ لما ثبت المدلول عند وجود دليله ؛ لاحتمال أن يكون الغلط واقعا ~~فيه ؛ مع عدم الدليل عليه ، ولجاز أن يكون بين أيدينا جبال شامخة ، وأمور ~~هائلة ، وإن كنا لا نحس بها ، ولا قام الدليل على وجودها ؛ وهو ممتنع. # وهو أيضا : غير يقينى ؛ فإنه لا يلزم من البحث والسبر العلم بعدم الدليل ~~؛ بل غايته عدم العلم بالدليل ، ولا يلزم من عدم العلم بالدليل ؛ عدم ~~الدليل في نفسه. # سلمنا : أنه يلزم منه عدم الدليل في نفسه ؛ غير أنه يلزم من انتفاء دليل ~~النفى ؛ انتفاء النفى ؛ لما قررتموه ، ونفى النفى ثبوت ؛ فانتفاء أدلة ~~النفى من جملة أدلة الإثبات. # وعند ذلك : فإن ادعى نفى بعض [أدلة] (1) الإثبات ؛ فلا يلزم منه عدم ~~الإثبات ؛ لجواز ثبوته بدليل آخر. # وإن ادعى انتفاء جميع أدلة الإثبات ؛ حتى يدخل فيها انتفاء أدلة ms0082 النفى ؛ ~~فقد سلم أن دليل النفى ؛ غير منتف ؛ فيكون ثابتا. وعند ذلك فيكون النفى ~~محالا على دليله ، لا على عدم دليل الإثبات. # سلمنا : انتفاء جميع أدلة الإثبات ؛ ولكن لا نسلم أنه يلزم منه عدم ~~المدلول ، فإنا لو قدرنا أنه لا دليل على وجود الإله غير حدوث الحوادث ، ~~وقدرنا عدم حدوث الحوادث ؛ لم يلزم منه عدم الإله تعالى. # وأما العلم بانتفاء الغلط ، عند العلم بلزوم المدلول عن النظر الصحيح ؛ ~~فمستند إلى دليل انتفاء الغلط ؛ وهو العلم بالمقدمات البديهية ، أو ~~المستندة إلى البديهيات ، لا إلى عدم دليل الغلط ، والعلم بعدم الجبال ~~الشامخة بين أيدينا إذا لم تكن محسوسة ؛ فبديهى. لا أنه مستند إلى العلم ~~بانتفاء دليل الوجود وإلا كان نظريا. # سلمنا : دلالة ما ذكرتموه على عدم المدلول ؛ ولكنه معارض بما يدل على أنه ~~غير معدوم : وهو انتفاء دليل العدم على ما قررتموه ، ولا سبيل إلى الجمع ~~بين الوجود والعدم ، ولا سبيل إلى الترجيح ؛ لعدم الأولية. PageV01P209 # كيف : وأنه يلزم منه الاعتراف بأن انتفاء / دليل أحد المتقابلين ، لا يدل ~~على عدمه. وإن (1) قيل بإبطالهما ؛ ففيه (1) تسليم المطلوب. # لكن هذا السؤال فيه نظر ؛ # فإنه إذا سلم الخصم انتفاء دليل الثبوت ، وأنه دليل النفى ؛ فانتفاء (2) ~~دليل الثبوت ؛ من جملة أدلة النفى. # وعند ذلك : إن ادعى نفى جميع أدلة النفى في المعارضة على وجه يدخل فيها ~~انتفاء أدلة الإثبات ؛ فقد منع ما سلم. # وإن ادعى انتفاء بعض أدلة النفى ؛ فلا يلزم من انتفاء بعض الأدلة ؛ ~~انتفاء المدلول ؛ لاحتمال وجود دليل آخر. ### ||| ** الدليل الثالث : قياس التمثيل. # وهو الحكم باشتراك معلومين في حكم أحدهما (3)، بناء على جامع بينهما : ~~كالحكم بأن البارى تعالى مشار إليه ، وإلى جهته ؛ لكونه موجودا ؛ كما في ~~الشاهد. # وقد تسمى الصورة المتنازع فيها فرعا ، والمتفق على حكمها أصلا ، والوصف ~~الجامع (4) علة ، والمعلل حكما ؛ # وهو غير يقينى ، # فإنه ليس من ضرورة اشتراك أمرين ، في صفة عامة لهما ؛ اشتراكهما في حكم ~~أحدهما إلا أن يكون ما به الاشتراك ، علة للحكم المتنازع فيه ، وليس ما يدل ~~على كونه علة ms0083 عند القائلين به غير طريقين : أحدهما الطرد والعكس ، والآخر ~~السبر والتقسيم ؛ # وهما غير مفيدين لليقين. ### |||| ** أما الطرد والعكس : فلأنه لا معنى له غير ملازمة وجود الحكم للعلة ، وانتفاؤه عند انتفائها. ~~ولا بد فيه من الاستقراء لجميع الجزئيات ، وفي سائر الأحوال ؛ ولا سبيل ~~إليه ؛ لخروج الفرع عنه (5)؛ فيكون ناقصا. PageV01P210 # وإن سلمنا كون الاستقراء تاما ؛ ولكن لا يلزم منه أن يكون الوصف المشترك ~~علة ؛ لجواز أن تكون العلة مركبة من أوصاف ؛ وهو بعضها ، وحيث وجد (1) ~~الحكم عند وجوده ، يحتمل أن باقى أوصاف العلة كانت موجودة ؛ وبه كمال ~~العلة. وحيث انتفى الحكم عند انتفائه ؛ كان لأنه بعض العلة. # وعند ذلك فلا يلزم من وجوده في الفرع ؛ وجود الحكم ؛ لجواز تخلف باقى ~~أوصاف العلة ، أو بعضها. # وإن تعرض مع ذلك إلى بيان نفى وصف آخر غير المدار المذكور ؛ فسيأتى ~~إبطاله في السبر والتقسيم. # كيف وأن الدوران وجودا وعدما ، متحقق في الطرفين ؛ فليس جعل أحد الدائرين ~~علة للآخر باعتبار الدوران ، أولى من العكس ، وإن بين كون الوصف صالحا ~~لإثبات الحكم ، والحكم / غير صالح لإثبات الوصف بطريق آخر ؛ فلا حاجة إلى ~~الدوران ، ولا إلى القياس على الأصل المذكور. ### |||| ** وأما السبر والتقسيم : فهو أن تحصر أوصاف محل الحكم المجمع عليه ، ويبطل التعليل بما عدا المستبقى ~~؛ وهو إنما يفيد كون الوصف علة ، بعد الحصر ؛ ولا دليل عليه غير البحث ~~والسبر ، مع عدم الدليل على غير المستبقى ؛ وقد بينا أن ذلك لا يدل على ~~عدمه في نفسه. # وإن سلم الحصر ؛ فلا بد من إبطال التعليل بكل واحد واحد (2) من الأوصاف ~~المحذوفة ، وإبطال كل رتبة تحصل من اجتماعهما ؛ ولا يكفى في إبطال المحذوف ~~، وتصحيح المستبقى ؛ ثبوت الحكم مع المستبقى في صورة ، وانتفاء المحذوف ؛ ~~لجواز أن يكون الحكم معللا في صورتين بعلتين ، والوصف المستبقى مشترك ~~بينهما. # هذا كله إن ذكر في التمثيل جامعا ، وإلا [فالحكم] (3) تحكم محض ، ودعوى ~~لا دليل عليها ، ويلزم القائل بذلك أن يعترف بصحة حكم من حكم بأن جميع ~~الآدميين PageV01P211 # سودان ؛ إذا لم يشاهد غير الزنوج ، وأن جميعهم ms0084 لا يموتون ؛ إذا لم يشاهد ~~ميتا ، ولا سمع به ؛ ولا يخفى [ما فيه] (1) من الجهالة. ### ||| ** الدليل الرابع : قياس الفراسة. # ويسمى أيضا قياس الدلالة. وهو نوع من التمثيل ، إلا أن الوصف المشترك بين ~~الأصل والفرع ، دليل على العلة ، وليس علة في نفسه : وذلك كالاستدلال بعرض ~~أعالى الإنسان على شجاعته ؛ بناء على أنهما تابعان لمزاج واحد في بدن الأسد ~~(2)، ومعلولان له ، ويلزم من أحد الموجبين في (3) الإنسان (3)؛ وهو عرض ~~الأعالى ؛ وجود موجبه ، ومن وجود موجبه ؛ وجود الموجب الآخر ؛ وهو الشجاعة ~~؛ ولا يساعد في ذلك غير الطرد والعكس ، والسبر والتقسيم ؛ وقد عرف ما فيهما. # وإن سلمنا إتباع الحكمين في الأسد ؛ لمزاج واحد ؛ فوجود أحدهما في ~~الإنسان غير واجب أن يكون معللا بما كان معللا به في الأسد ؛ بل جاز أن ~~يكون بغيره ؛ فإنه لا مانع من تعليل الحكم بعلتين ، بالنسبة إلى محلين ~~مختلفين. # ومع ذلك فلا يلزم الموجب الآخر. لجواز أن لا يكون علة عرض الأعالى (4) فى ~~الإنسان علة للشجاعة. ### |||| ** الخامس : اتفاق (5) ### |||| ** الأصحاب على إلحاق الغائب بالشاهد ، بجامع الحد ، والعلة ، ~~والشرط ، والدلالة. ### |||| ** أما الحد : فقالوا : إذا ثبت أن حد العالم في الشاهد من قام / به العلم ؛ فيجب أن يكون ~~حده في الغائب كذلك ؛ لأن الحد يجب اطراده ، ولا يختلف شاهدا ، ولا غائبا. ### |||| ** وأما العلة : فقالوا : إذا ثبت كون العالم معللا بالعلم في الشاهد وجب أن يكون معللا به ~~في الغائب ؛ لأن ما ثبت لأحد المثلين ؛ وجب أن يثبت للآخر. ### |||| ** وأما الشرط : فقالوا : إذا كان شرط كون العالم عالما في الشاهد ، قيام العلم به ؛ وجب أن ~~يكون العالم في الغائب كذلك ؛ لما تحقق في العلة. PageV01P212 ### |||| ** وأما الدلالة : فقالوا : إذا دل قبول الحوادث شاهدا ، على استحالة تعرى القابل لها عنها ؛ ~~لزم مثله في الغائب ؛ لأن شرط الدلالة الاطراد. # وزاد الأستاذ أبو إسحاق طريقا آخر فقال : كل أمرين ثبت تلازمهما في ~~الشاهد ؛ لزم أن يتلازما غائبا. ولم يعتبر في ذلك جامعا. ### ||| ** وعند هذا فنقول : # أما الجمع بالحد ؛ فإن ثبت أن حد العالم : من قام به العلم ms0085 ، وثبت أن ~~مسمى العالم ، متحد في الغائب والشاهد ، فلا حاجة إلى القياس على الشاهد ، ~~والاعتبار به ؛ لأن نسبة الحد إلى جميع مجارى المحدود واحدة ؛ فليس إلحاق ~~البعض بالبعض أولى من العكس. # وإن لم يثبت الحد ، أو ثبت ؛ ولكن لم يثبت اتحاد مسمى العالم ؛ فالإلحاق متعذر. # وعلى هذا يكون الكلام في العلة والشرط ، ويزيد في العلة والشرط إشكال آخر ~~: وهو احتمال كون العالم في الشاهد معللا بالعلم ، أو مشروطا به ؛ لكونه جائزا. # وهذا المعنى : غير موجود في الغائب ؛ فلا يلزم التعدية. # أو بمعنى آخر لم نطلع عليه ، ولا يلزم من عدم العلم به وبدليله ؛ العلم ~~بعدمه كما سبق. # وبمثل هذا الاحتمال يمكن القدح في الطريقة الرابعة : وهو أن يقال : الدال ~~على امتناع تعرى القابل للحوادث في الشاهد ، ليس مطلق قبول الحوادث ؛ بل ~~قبول الجائز لها ، أو لمعنى آخر يخصه من حيث هو شاهد ، وبتقدير أن يكون ذلك ~~لكونه قابلا للحوادث ؛ فلا حاجة إلى إلحاق الغائب بالشاهد. ولا بالعكس ؛ ~~لتساوى الدلالة بالنسبة إليهما. # وأما طريقة الأستاذ أبى إسحاق : فيلزمه عليها : أن يكون البارى تعالى ~~جوهرا ؛ ضرورة كونه قائما بنفسه ؛ لضرورة التلازم بينهما في الشاهد ؛ فإن ~~كل قائم بنفسه في الشاهد جوهر ، وكل جوهر قائم / بنفسه ، ولا (1) محيص عنه (1). PageV01P213 ### ||| ** السادس : الاستدلال بما يتوقف كونه دليلا ، على معرفة مدلوله (1). # وذلك كالاستدلال بكلام (2) الله تعالى ، على صدق رسوله ، ووجود البارى ~~تعالى ونحوه ؛ وهو دور ممتنع ؛ حيث أنا لا نعرف المذكور من كلامه ، إلا بعد ~~معرفة وجوده ، وصدق رسوله فإذا توقف معرفة وجوده ، وصدق رسوله على معرفة ~~كلامه ؛ كان دورا. # فهذه الطرق غير يقينية ، وإن كان بعضها مفيدا للظن (3). PageV01P214 ### | «القاعدة الرابعة» ### | فى انقسام المعلوم ### ||| * إلى الموجود ، والمعدوم ، وما ليس بموجود ، ولا معدوم ### ||| ** وتشتمل على ثلاثة أبواب : # الباب الأول : في الموجود. # الباب الثانى : في المعدوم. # الباب الثالث : فيما ليس بموجود ، ولا معدوم. PageV01P215 ### | الباب الأول ### | في الموجود ### ||| ** ويشتمل على : مقدمة ، وقسمين PageV01P217 ### ||| ** أما المقدمة : # فهو أن العلم بالوجود من حيث هو وجود هل هو فطرى ، أم لا؟ # وقد ذهبت ms0086 الفلاسفة إلى : أن العلم به فطرى. محتجين على ذلك بوجوه : ### |||| ** الأول : أنه لو كان العلم به نظريا ؛ فما به تعريفه : إما أن يكون وجودا ، أو لا ~~يكون وجودا. # فإن كان الأول : ففيه تعريف الشيء بنفسه ؛ وهو تعريف الوجود بالوجود ؛ ~~وهو ممتنع. # وإن كان الثانى : ففيه تعريف الوجود ، بعدم الوجود ؛ وهو ممتنع أيضا. ### |||| ** الثانى : هو أن العلم باستحالة اجتماع الوجود والعدم في شيء واحد ، من جهة واحدة ؛ ~~بديهى. ولا يجد عاقل من نفسه عند عدم أضداد العلم : من النوم ، والغفلة ، ~~والذهول ، وغيره ؛ الخلو (1) عنه (1)، ولو كان العلم بمفرديه : وهما ~~الوجود والعدم ، نظريا ؛ لتوقف العلم بالنسبة بينهما على تحصيل العلم بهما ~~بالنظر ؛ وهو خلاف ما يجده كل عاقل من نفسه. ### |||| ** الثالث : هو أن كل عاقل ، يجد من نفسه العلم البديهى بوجود ذاته ، ومفهوم الوجود في ~~الكل واحد ؛ على ما سيأتى (2)؛ فكان العلم بالوجود المطلق فطريا (3). # وهو (3) بناء منهم على أن المفهوم من الوجود واحد في كل موجود ، وأنه ~~زائد على ذات الموجود. PageV01P219 # وهو غير صحيح على أصول أصحابنا ، حيث اعتقدوا أن لفظ الوجود مشترك ، وأن ~~المفهوم منه (1) مختلف ؛ لأن وجود كل شيء هو ذاته ، وذاته وجوده على أصولهم ~~، والذوات مختلفة ؛ فكان (2) مفهوم الوجود مختلفا على ما سيأتى / تحقيقه ~~(3) وليس معنى عاما متحدا في كل موجود. # وعلى هذا : فمنه ما هو نظرى : كالعلم بمعنى النفس ، والعقل (4)، وغيره ~~(4). ومنه [ما هو] (5) فطرى : وهو ما كان من الذوات ، والوجودات مبدأ ~~للنظريات ؛ على ما سلف (6). ### |||| ** وعلى هذا الأصل ، يمكن تخريج ما أورده من الحجج. ### |||| ** أما الحجة الأولى : فلأن مفهوم الوجود ، ليس معنى عاما مشتركا بين الذوات ، حتى إذا قيل ~~بتعريفه بما هو موجود ، كان تعريفا للشىء بنفسه ؛ بل لفظ الوجود مشترك بين ~~وجودات مختلفة : بعضها فطرى ، والبعض نظرى ، وتعريف البعض بالبعض ؛ لا يكون ~~تعريفا للشىء بنفسه. ### |||| ** وأما الحجة الثانية : فلأنه أمكن أن يقال : إذا كان العلم ببعض الموجودات بديهيا ؛ كما سلف (7)؛ ~~فالعلم باستحالة الجمع بينه ، وبين عدمه ، هو البديهى الذي لا يتصور خلو ~~نفس العاقل عنه ms0087 بتقدير عدم الأضداد ، دون ما عداه. أما أن يكون هو الوجود ~~المطلق العام فلا ؛ لعدم تحققه في نفسه ، كما يأتى. ### |||| ** وأما الحجة الثالثة : فمبنية على أن المفهوم (8) من (8) الوجود في الكل واحد ؛ وهو ممتنع ؛ كما ~~يأتى (9). # وإذا عرف ذلك فنقول : # مسمى الوجود : إما أن يكون بحيث يلزم المحال من فرض عدمه لذاته ، أو لا ~~يلزم المحال من فرض عدمه لذاته. PageV01P220 # فإن كان الأول : فهو واجب الوجود لذاته. # وإن كان الثانى : فهو الجائز الوجود. # ولا بد من بيان كل واحد منهما ، وما يتعلق به. PageV01P221 ### | القسم الأول ### | في واجب الوجود # والنظر فيه في سبعة أنواع : # الأول : في إثبات واجب الوجود [لذاته] (1)، وبيان حقيقته ، ووجوده. # الثانى : في الصفات النفسانية لواجب الوجود. # الثالث : فيما يجوز عليه تعالى. # الرابع : فيما لا يجوز (2) عليه. # الخامس : في وحدانية الله تعالى. # السادس : في أفعال الله تعالى. # السابع : في أسماء الله تعالى. PageV01P223 ### | النوع الأول ### | في إثبات واجب الوجود بذاته ، وبيان حقيقته ، ووجوده # ويشتمل على أربعة مسائل : PageV01P225 ### | المسألة الأولى ### | في إثبات واجب الوجود لذاته ### |||| ** مذهب أهل الحق (1) ### |||| ** من المتشرعين ، وطوائف الإلهيين : القول بوجوب وجود موجود ، وجوده لذاته ، لا لغيره ، وكل ما سواه ؛ فمتوقف ~~في وجوده عليه. خلافا لطائفة شاذة من الباطنية (2) # ومنشأ الاحتجاج على ذلك ما نشاهده من الموجودات / العينية ، ونحققه من ~~الأمور الحسية ؛ فإنه إما أن يكون : واجبا لذاته ، أو لا يكون واجبا لذاته : # الأشعرى في كتاب اللمع ص 17. نشر الخانجى تحقيق د. حموده غرابه. ~~والباقلانى في كتابيه : التمهيد ص 44 ط : دار الفكر العربى ، والإنصاف ص 22 ~~ط 2 بمؤسسة الخانجى. # وعبد القاهر البغدادى في كتابه أصول الدين ص 68. طبع مطبعة الدولة ~~باستنبول. # وإمام الحرمين الجوينى في كتبه : الشامل ص 262 طبع منشأة المعارف ، ~~والإرشاد ص 28 طبعة الخانجى ، ولمع الأدلة ص 76 ط. الدار القومية # والإمام الغزالى : في كتابه الاقتصاد في الاعتقاد ص 13 طبع مطبعة حجازى. # والشهرستانى : في نهاية الاقدام ص 54 وما بعدها طبع المثنى ببغداد. # والرازى : في كتابيه المحصل ص 106 طبع الحسينية ، ومعالم أصول الدين ص 21 ~~على هامش المحصل. # الكندى : في كتابه ms0088. (فى الفلسفة الأولى) ص 92. ط : الحلبى. # وابن سينا في الإشارات 3 / 36 ط : الحلبى ، والنجاة ص 198 وما بعدها ط ~~الكردى. # انظر غاية المرام للآمدى ص 9 : نشر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، ~~وانظر شرح مطالع الأنظار على مطالع الأنوار للبيضاوى ص 151. ط : المطبعة ~~الخيرية ، والمواقف للإيجي ص 266. ط : مطبعة العلوم ، وشرح المقاصد ~~للتفتازانى 2 / 42 طبع استانبول. # وانظر درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية 3 / 88 90 فقد نقل ما أورده ~~الآمدي من أول قوله «مذهب أهل الحق من المتشرعين ... إلى قوله : وإن كان ~~الثانى فهو ممتنع». # ومن فرقها الإسماعيلية ، والدروز ، والناصرية ، والصباحية. وهى من ~~الطوائف التى انتسبت إلى الإسلام وهى أبعد ما تكون عنه ؛ بل إنها خطر على ~~كل الأديان السماوية. # أما عن رأيهم في إثبات الواجب ، فقد قالوا انا لا نقول : هو موجود ، ولا ~~لا موجود ، ولا عالم ، ولا جاهل ولا قادر ، ولا عاجز ... الخ (الفرق بين ~~الفرق ص 281 312 ، الملل والنحل ص 192 ، 193 ، التبصير في الدين ص 83 ، ~~اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص 76 81). PageV01P227 # فإن كان الأول : فهو المطلوب. # وإن كان الثانى : فكل موجود لا يكون واجبا لذاته ؛ فهو ممكن لذاته ؛ لأنه ~~لو كان ممتنعا لذاته ؛ لما كان موجودا. وإذا كان ممكنا ؛ فالوجود والعدم ~~عليه جائزان. # وعند ذلك : فإما أن يكون في وجوده مفتقرا إلى مرجح ، أو غير مفتقر إلى ~~المرجح. فإن لم يكن مفتقرا إلى المرجح ؛ فقد ترجح أحد الجائزين من غير مرجح ~~؛ وهو ممتنع. # وإن افتقر إلى المرجح : فذلك المرجح : إما واجب لذاته ، أو لغيره. # فإن كان الأول ؛ فهو المطلوب. # وإن كان الثانى : فذلك الغير إما أن يكون معلولا لمعلوله ، أو لغيره. # فإن كان الأول : فيلزم أن يكون كل واحد منهما مقوما للآخر ؛ ويلزم من ذلك ~~أن يكون كل واحد منهما مقوما لمقوم نفسه ؛ فيكون كل واحد منهما مقوما لنفسه ~~؛ لأن مقوم المقوم مقوم. وذلك يوجب جعل كل واحد من الممكنين متقوما بنفسه ، ~~والمتقوم بنفسه لا يكون ممكنا ؛ وهو خلاف الفرض ، ولأن التقويم إضافة بين ~~المقوم والمقوم ؛ فيستدعى المغايرة بينهما ، ولا مغايرة بين الشيء ونفسه. # وإن كان الثانى ms0089 : وهو أن يكون ذلك الغير معلولا للغير : فالكلام في ذلك ~~الغير ، كالكلام في الأول. # وعند ذلك [فإما] (1) أن يقف الأمر على موجود هو مبدأ الموجودات غير مفتقر ~~في وجوده إلى غيره ، أو يتسلسل الأمر إلى غير النهاية. # فإن كان الأول ؛ فهو المطلوب. # وإن كان الثانى ؛ فهو ممتنع (2). PageV01P228 ### |||| ** أما على رأى الفلسفى : فلأنهم قالوا : لو فرضنا عللا ، ومعلولات لا نهاية لها. قلنا أن نفرض ~~الوقوف على الواحد منها ؛ فلو كان ما قبله لا نهاية له (1)، فلو فرضنا ~~زيادة متناهية على الجملة المفروضة ، ولتكن الزيادة عشرة مثلا. # فالجملة الأولى : إما أن تكون مساوية لنفسها مع فرض الزيادة المتناهية ~~عليها أو أزيد ، أو أنقص. # القول بالمساواة ، والزيادة محال ؛ إذ الشيء لا يكون مع غيره ، كهو لا مع ~~غيره ، ولا أزيد : فإن كانت الجملة الأولى ناقصة بالنظر إلى الجملة الثانية ~~: فمن المعلوم أن التفاوت بينهما ؛ إنما هو بأمر متناه. # وعند ذلك : / فالزيادة لا بد وأن تكون لها نسبة إلى الباقى بجهة من جهات ~~النسب على نحو زيادة المتناهى ، على المتناهى ، ومحال أن يحصل بين ما ليسا ~~بمتناهيين النسبة الواقعة بين المتناهيين. # وأيضا (2): فإنه إذا (2) كانت إحدى الجملتين أزيد من الأخرى بأمر متناه ~~؛ فلنطبق بين الطرفين الأخيرين بأن نأخذ من الطرف الأخير من إحدى الجملتين ~~عددا مفروضا ، ومن الأخرى مثله ، وهلم جرا. # فإما أن يتسلسل الأمر إلى غير النهاية ؛ فيلزم منه مساواة الأنقص للأزيد ~~في كلا طرفيه ؛ وهو محال. # وإن قصرت الجملة الناقصة في الطرف الذي لا نهاية له ؛ فقد تناهت. ~~والزائدة إنما زادت على الناقصة بأمر متناه ، وكل ما زاد على المتناهى بأمر ~~متناه ؛ فهو متناه : # وقد مهد ابن تيمية للنقل بقوله في ص 40 : قال الآمدي : وباقى الوجوه في ~~الدلالة على ما ذكرناه في امتناع حوادث غير متناهية في إثبات واجب الوجود ، ~~وقد ذكرت ، فلا حاجة إلى إعادتها. وهو قد ذكر قبل ذلك في امتناع ما لا ~~يتناهى أربعة طرق ، فزيفها واختار طريقا خامسا. # الأول : التطبيق ، وهو أن يقدر جملة فلو كان ما قبلها ms0090 لا نهاية له ... ثم ~~ينقل ما أورده الآمدي هنا بالتفصيل في كتابه من ص 40 56 من المجلد الثالث. ~~وما نقله ابن تيمية يتفق تماما مع ما أورده الآمدي هنا في اللوحات من ل 41 ~~/ ب 44 / أ. PageV01P229 # إلا أن هذا مما لا يستقيم على موجب (1) عقائدهم ، وتحقيق قواعدهم. حيث ~~أنهم قضوا بأن كل ما له الترتيب الوضعى : كالأبعاد ، والامتدادات ، أو ~~الترتيب الطبيعى ، وآحاده موجودة معا : كالعلل ، والمعلولات ؛ فالقول بعدم ~~النهاية فيه ؛ مستحيل. # وأما ما سوى ذلك ؛ فالقول بعدم النهاية فيه ؛ غير مستحيل. وسواء كانت ~~آحاده موجودة معا : كالنفوس بعد مفارقة الأبدان ، أو هى على التعاقب ~~والتجدد : كالأزمنة ، والحركات الدورية ؛ فإن ما ذكروه وإن استمر لهم فيما ~~قضوا عليه بالنهاية ؛ فهو لازم لهم فيما قضوا عليه بعدم النهاية. # وعند ذلك : فلا بد من بطلان أحد الأمرين : إما الدليل : إن كان اعتقاد ~~عدم النهاية حقا. # وإما اعتقاد (2) عدم النهاية : إن كان الدليل حقا ؛ لاستحالة الجمع. # وليس لما (3) ذكره الفيلسوف المتأخر (4) من جهة الفرق بين العلل ~~والمعلولات ، والأزمنة والحركات ، قدح في الجمع. وهو قوله : إن ما لا ترتب ~~له وضعا ، ولا آحاده موجودة معا وإن كان ترتبه طبيعيا فلا يمكن فرض جواز ~~قبوله للانطباق (5)، وفرض الزيادة والنقصان فيه بخلاف مقابله ؛ لأن المحصل ~~يعلم : أن الاعتماد على هذا الخيال في تناهى ذوات الأوضاع ، وفيما له ~~الترتيب الطبيعى ، وآحاده موجودة معا ليس إلا من جهة / إفضائه إلي وقوع ~~الزيادة والنقصان ، بين ما ليسا بمتناهيين ؛ وذلك إنما يمكن بفرض زيادة على ~~ما فرض الوقوف عنده من نقطة ما من البعد المفروض ، أو وحدة ما من العدد ~~المفروض. # وعند ذلك : فلا يخفى إمكان فرض الوقوف على جملة من أعداد الحركات ، ~~والنفوس الإنسانية المفارقة لأبدانها ، وجواز فرض الزيادة عليها بالتوهم ~~مما هو من نوعها. وإذ ذاك فالحدود المستعملة في القياس المذكور في محل ~~الاستدلال بعينها ، مستعملة في صورة الإلزام ، مع اتحاد الصورة القياسية من ~~غير فرق. # والنجاة ص 124 127 ، 252 255. # والمقصود بالفيلسوف المتأخر هنا ابن سينا. انظر النجاة 124 127 ، 252 255 ~~وانظر الشفاء الفن الثالث من ms0091 الطبيعيات ص 70. PageV01P230 # وأيضا : فإنه ليس كل جملتين تفاوتتا بأمر متناه ، تكونا متناهيتين ؛ فإن ~~عقود الحساب مثلا ، لا نهاية لأعدادها. وإن كانت الأوائل أكثر من الثوانى ، ~~بأمر متناه ، وهذه الأمور ، وإن كانت تقديرية ذهنية ، فلا خفاء أن وضع ~~القياس المذكور فيها على نحو وضعه في الأمور الموجودة بالفعل ؛ فلا يتوهمن ~~الفرق واقعا من مجرد هذا الاختلاف. # والقول بأن ما زادت به إحدى الجملتين على الأخرى ، لا بد وأن يكون له ~~نسبة إلى الباقى (1)؛ غير مسلم. ولا يلزم من قبول المتناهى لنسبة المتناهى ~~إليه ، قبول غير المتناهى لنسبة المتناهى إليه. ### |||| ** وأما المتكلم : فله في إبطال القول بعدم النهاية طرق : ### ||| ** الأول (2): # ما أسلفناه من الطريقة المذكورة ، ويلزم عليه ما ذكرناه ، ما عدا التناقض ~~اللازم للفيلسوف ، من (3) ضرورة اعتقاد (3) عدم النهاية فيما ذكرناه من ~~الصور ، وعدم اعتقاد المتكلم لذلك ، غير أن المناقضة لازمة للمتكلم من جهة ~~اعتقاده عدم النهاية في معلومات الله تعالى ، ومقدوراته ، مع وجود ما ~~ذكرناه من الدليل الدال على وجوب النهاية فيها. # وما يقال من أن المعنى بكون المعلومات ، والمقدورات غير متناهية ؛ صلاحية ~~العلم ؛ لتعلقه بكل ما يصح أن يعلم ، وصلاحية القدرة لتعلقها بكل ما يصح أن ~~يوجد ، وما يصح أن يعلم ويوجد غير متناه ؛ لكنه من قبيل التقديرات الوهمية ~~، والتجويزات الإمكانية ؛ وذلك مما لا يمتنع كونه غير متناه عندنا ؛ بخلاف ~~الأمور الوجودية ، والحقائق العينية ؛ فلا أثر لها في القدح أيضا ؛ فإن هذه ~~الأمور وإن لم تكن من موجودات الأعيان ؛ غير أنها متحققة في الأذهان. ولا ~~يخفى أن نسبة ما فرض استعماله فيما له وجود ذهنى ، على نحو استعماله فيما ~~له وجود عينى. ### ||| ** الطريق الثانى (4): # قوله : لو وجد أعداد لا نهاية لها. لم تخل : إما أن تكون شفعا ، أو وترا ~~، أو شفعا ووترا معا ، أو لا شفع ، ولا وتر. # وانظر غاية المرام للآمدى ص 11 وانظر درء التعارض لابن تيمية 3 / 47 ، 48 ~~حيث ينقل ما أورده الآمدي هنا بنصه ثم يرد عليه في 3 / 48 وما بعدها. PageV01P231 # فإن كانت شفعا : فهى تصير وترا بزيادة واحد ، وإن ms0092 كانت وترا : فهى تصير ~~شفعا بزيادة واحد. واعواز (1) الواحد لما لا يتناهى محال. # وإن كانت شفعا ووترا ، فهى محال ؛ لأن الشفع ما يقبل الانقسام بمتساويين ~~، والوتر غير قابل لذلك ، والعدد الواحد لا يكون قابلا لذلك ، وغير قابل له. # وإن لم يكن شفعا ، ولا وترا : فيلزم منه وجود واسطة بين النفى والإثبات ؛ ~~وهو محال. # وهذه المحالات ؛ إنما لزمت من القول بعدد لا نهاية له : فالقول به محال. # وهو من النمط الأول في الفساد ؛ لوجهين : ### |||| ** الأول : أنه قد لا يسلم استحالة الشفعية ، أو الوترية فيما لا نهاية له ، والقول ~~بأن ما لا يتناهى ، لا يعوزه الواحد الذي به يصير شفعا : إن كان وترا ، أو ~~وترا : إن كان شفعا ؛ فدعوى مجردة ، ومحض استبعاد لا دليل عليه. ### |||| ** الوجه الثانى : أنه يلزم عليه عقود الحساب ، ومعلومات الله تعالى ومقدوراته ؛ فإنها غير ~~متناهية إمكانا ، مع إمكان إجراء الدليل المذكور فيها. ### ||| ** الطريق (2) الثالث : # أنه لو وجد اعداد لا نهاية لها : فكل واحد منها محصور بالوجود ؛ فالجملة ~~محصورة بالوجود ، وما لا يتناهى ؛ لا ينحصر بحاصر أصلا. ### ||| ** وهو أيضا فاسد لثلاثة أوجه : ### |||| ** الأول : أنا لا نسلم أن الوجود زائد على الموجود. حتى يقال بكون الوجود حاصرا له ؛ ~~بل الوجود هو ذات الموجود ، وعينه على ما يأتى (3). ### |||| ** الثانى : وإن كان زائدا على كل واحد من آحاد الجملة ؛ فلا نسلم كونه حاصرا ؛ بل عارض ~~مقارن لكل واحد من الآحاد ، والمعارض المقارن للشىء لا يكون حاصرا له. # ودرء التعارض 3 / 49 ، 50 حيث ينقل ابن تيمية ما ورد هنا بنصه ، ويعتمد ~~رده على الفلاسفة والمعتزلة ثم يرد عليه أخيرا من وجهة نظره. PageV01P232 ### |||| ** الثالث : سلمنا أن الوجود حاصر لكل واحد من آحاد الجملة ؛ ولكن لا نسلم أن الحكم على ~~الآحاد يكون حكما على الجملة ؛ ولهذا يصدق أن يقال لكل واحد من آحاد الجملة ~~، أنه جزء الجملة ، ولا يصدق / على الجملة أنها جزء الجملة. ### ||| ** الطريق الرابع (1): # أنه لو وجد علل ، ومعلولات لا نهاية لها ، فما من وقت يقدر إلا والعلل ~~والمعلولات منتهية إليه ؛ وانتهاء ما لا يتناهى ms0093 محال. # وهو غير سديد أيضا ؛ فإن الانتهاء من أحد الطرفين وهو الأخير وإن سلمه ~~الخصم ، فلا يوجب النهاية في الطرف الآخر ، ثم يلزم عليه عقود الحساب ، ~~ونعيم أهل الجنة ، وعذاب أهل النار ؛ فإنه وإن كان متناهيا من طرف الابتداء ~~؛ فغير متناه إمكانا في طرف الاستقبال. # والأقرب في ذلك أن يقال : # لو كانت العلل ، والمعلولات غير متناهية ، وكل واحد منها ممكنا على ما ~~وقع به الفرق (2) فهى : إما متعاقبة ، أو معا (3). # فإن كانت متعاقبة : فقد قيل إن ذلك محال لوجوه (4) ثلاثة (4): ### |||| ** الأول : هو أن كل واحد منها يكون مسبوقا بالعدم ، والجملة مجموع الآحاد ؛ فالجملة ~~تكون مسبوقة بالعدم ، وكل جملة مسبوقة بالعدم ؛ فلوجودها أول تنتهى إليه ، ~~وكل ما لوجوده أول ينتهى إليه ؛ فالقول بكونه غير متناه محال. ### |||| ** الثانى : هو أن كل واحد منها يكون مشروطا في وجوده بوجود علته قبله ؛ فلا يوجد حتى ~~توجد علته ، وكذلك الكلام في علته بالنسبة إلى علتها ، وهلم جرا. # فإذا قيل بعدم النهاية ؛ فقد تعذر الوقوف على شرط الوجود ، فلا وجود ~~لواحد منها. وهذا كما إذا قيل : لا أعطيك درهما إلا وقبله درهم ؛ فإنه لما ~~كان إعطاء الدرهم مشروطا # ودرء التعارض لابن تيمية 3 / 52 حيث ينقل ما أورده الآمدي هنا بنصه. PageV01P233 # باعطاء درهم قبله ، وكذلك في إعطاء كل درهم يفرض ، إلى غير النهاية ؛ كان ~~الإعطاء محالا. ### |||| ** الثالث : هو أن القول بتعاقب العلل والمعلولات ، يجر إلى تأثير العلة في معلولها بعد ~~عدمها ، وتأثير المعدوم في الموجود محال. ### ||| ** وهذه الحجج مما لا ثبت لها : ### |||| ** أما الأولى : فلأنه لا يلزم من سبق العدم على كل واحد من الآحاد ، سبقه على الجملة ؛ فإن ~~الحكم على الآحاد ، لا يلزم أن يكون حكما على الجملة ؛ كما سبق تحقيقه. ### |||| ** وأما الثانية : فإنما تلزم أن لو كان ما توقف عليه الوجود وهو شرط في الوجود غير موجود ؛ ~~كما في المثال المذكور. # وأما إن كان موجودا : فلا يلزم امتناع وجود المشروط ، والقول بأن الشرط ~~غير موجود ، محل النزاع ؛ فلا تقبل الدعوى به من غير دليل .. ### |||| ** وأما الثالثة ms0094 : فإنما تلزم أيضا : أن لو كان معنى التعاقب ، وجود المعلول ، بعد عدم علته ؛ ~~وليس كذلك ؛ بل معناه وجود المعلول متراخيا عن وجود علته ، مع بقاء علته ~~موجودة / إلى حال وجوده وبقائه موجودا بعد عدم علته ، وكذلك في كل علة مع ~~معلولها ؛ وذلك لا يلزم منه تأثير المعدوم في الموجود ، ولا أن تكون العلل ~~والمعلولات موجودة معا. وذلك متصور في العلل الفاعلة بالاختيار. ### ||| ** والأقرب في ذلك أن يقال : # لو كانت العلل والمعلولات متعاقبة ، فكل واحد منها حادث ، لا محالة. وعند ~~ذلك فلا يخلو : إما أن يقال بوجود شيء منها في الأزل ، أو لا بوجود شيء ~~منها في الأزل. # فإن كان الأول : فهو ممتنع ؛ لأن الأزلى ، لا يكون مسبوقا بالعدم ، ~~والحادث مسبوق بالعدم ، فلو كان شيء منها في الأزل ؛ لكان مسبوقا بالعدم ؛ ~~ضرورة كونه حادثا ، وهو غير مسبوق بالعدم ؛ ضرورة كونه أزليا. PageV01P234 ### |||| ** وإن كان الثانى : فجملة العلل ، والمعلولات مسبوقة بالعدم ؛ ضرورة أن لا شيء منها في الأزل ، ~~ويلزم من ذلك أن يكون لها ابتداء ونهاية ، غير متوقف على سبق غيره عليه ؛ ~~وهو المطلوب (1). # وأما إن كانت العلل ، والمعلولات المفروضة موجودة معا : ولا يخفى أن ~~النظر إلى الجملة غير النظر إلى كل واحد من آحادها ؛ فإن حقيقة الجملة ، ~~غير حقيقة كل واحد من الآحاد. # وعند ذلك : فالجملة موجودة : وهى إما أن تكون واجبة لذاتها ، أو ممكنة. # لا جائز أن تكون واجبة : وإلا لما كانت آحادها ممكنة وقد قيل إنها ممكنة ~~كما سبق ثم وإن كانت واجبة ؛ فهو مع الاستحالة ، عين المطلوب. # وإن كانت ممكنة : فلا بد لها من مرجح ، والمرجح : إما أن يكون داخلا فيها ~~، أو خارجا عنها. # لا جائز أن يقال بالأول : فإن المرجح للجملة مرجح لآحادها. ويلزم أن يكون ~~مرجحا لنفسه ؛ ضرورة كونه من الآحاد ، ويخرج بذلك عن أن يكون ممكنا ؛ وهو ~~خلاف الفرض ، وأن يكون مرجحا لعلته ؛ لكونها من الآحاد. وفيه جعل العلة ~~معلولا ، والمعلول علة ؛ وهو دور ممتنع. # وإن كان المرجح خارجا عنها : فهو إما ممكن ، أو واجب. # فإن ms0095 كان ممكنا : فهو من الجملة ؛ وهو خلاف الفرض ؛ فلم يبق إلا أن يكون ~~واجبا لذاته ؛ وهو المطلوب. # فإن قيل : سلمنا أن الموجود المفروض ممكن ، وأن الوجود والعدم عليه ~~جائزان ؛ ولكن لا نسلم احتياجه إلى المرجح في وجوده. ### ||| ** وبيانه من أحد عشر وجها : ### |||| ** [الوجه] (2) ### |||| ** الأول : أنه لو احتاج إلى / المؤثر في وجوده ؛ فتأثير المؤثر في الوجود : إما في ~~حال وجوده ، أو في حال عدمه. PageV01P235 # فإن كان الأول : فهو (3) تحصيل الحاصل ، وإيجاد الموجود ؛ وهو محال. # وإن كان الثانى : فيلزم منه اجتماع الوجود ، والعدم في حالة واحدة ؛ وهو محال. ### |||| ** [الوجه] الثانى : أنه لو احتاج إلى المؤثر في وجوده لكونه ممكنا ؛ لا احتاج إلى المؤثر في ~~عدمه لكونه ممكنا ؛ وهو ممتنع لوجهين : ### |||| ** الأول : أن المؤثر يستدعى أثرا ، والعدم نفى محض ؛ فلا يكون أثرا. وسواء كان أصليا ~~، أو طارئا. ويختص العدم الأصلي بامتناع التأثير فيه ؛ لما فيه من تحصيل ~~الحاصل ؛ وهو ممتنع. ### |||| ** الثانى : هو أن المرجح للعدم : إما أن يكون هو المرجح للوجود ، أو غيره. # فإن كان الأول : فيلزم منه أن يكون ما اقتضى الشيء مقتضيا لنقيضه ؛ وهو ~~محال. ولأنه يلزم منه أن لا يتحقق أحدهما ؛ ضرورة استواء النسبة إلى ~~المرجح. # وإن كان الثانى : فيلزم منه امتناع الوجود والعدم ؛ فإنه ليس العمل بأحد ~~المرجحين ، أولى من الآخر. ### |||| ** الوجه الثالث : أنه لو افتقر في وجوده إلى مرجح ، وعلة ؛ فذلك المرجح : إما أن يكون دائما ~~علة ، أو حدث كونه علة. # فإن كان دائما (1) علة (1): وجب أن لا يتأخر وجود معلوله عن وجوده ؛ ~~ويلزم من ذلك امتناع حدوث الممكن ، وأن لا يكون في العالم ممكنا حادثا ؛ ~~وهو محال. # وإن كان الثانى : فالكلام في حدوث ذلك الحادث ؛ كالكلام في الأول ؛ وذلك ~~يؤدى إلى علل ومعلولات لا نهاية لها ؛ ولم يقولوا به (2). ### |||| ** الوجه الرابع : هو أن الممكن لو كان محتاجا إلى المؤثر في وجوده ؛ فالحاجة إلى المؤثر صفة ~~زائدة على نفس الممكن ، وهى : إما أن تكون واجبة ، أو ممكنة. # لا جائز أن تكون واجبة ؛ فإنها صفة الممكن ، والصفة مفتقرة إلى ms0096 الموصوف ؛ ~~والمفتقر إلى غيره ؛ لا يكون واجبا لذاته. # وإن كانت ممكنة : فإما أن تكون محتاجة إلى المرجح ، أو غير محتاجة إليه. PageV01P236 # فإن كان الأول : فقد لزم التسلسل (1). # وإن كان الثانى : ففيه تسليم المطلوب. ### |||| ** الوجه الخامس : [أنه] (2) لو احتاج الممكن إلى المرجح : فالحاجة صفة ثبوتية ؛ لأن نقيضها ~~لا حاجة ، ولا حاجة (3) أمر عدمى ، ولهذا يتصف بها المستحيل (4) / الوجود. ~~ولو كانت صفة ثبوتية ؛ لما اتصف بها النفى المحض. وإذا كان لا حاجة أمرا ~~عدميا : فالحاجة تكون ثبوتية ؛ وهو ممتنع لأمرين : ### |||| ** الأول : أن الحاجة إلى التأثير متقدمة على التأثير ، المتقدم على الوجود ، الذي هو ~~أثر ، والصفة الثبوتية للشىء ؛ لا تكون متقدمة علي ثبوت ذلك الشيء. ### |||| ** الثانى : أن الحاجة إلى التأثير معللة بالإمكان ، ولهذا يقال : إنما احتاج لكونه ~~ممكنا. ولهذا إن ما ليس بممكن ، لا يكون محتاجا ، والإمكان صفة عدمية ؛ فلا ~~يكون علة للأمر الثبوتى. ### ||| ** وبيان كون الإمكان عدميا أمران : ### |||| ** الأول : أن ما وجد بعد العدم ، يصح اتصافه بالإمكان قبل وجوده. فلو كان الإمكان ~~وصفا وجوديا ؛ لكانت الصفة الوجودية قائمة لما ليس بموجود ؛ وهو محال. ### |||| ** الثانى : أنه لو كانت صفة الإمكان وجودية : فإما واجبة ، أو ممكنة. لا جائز أن تكون ~~واجبة : وإلا لما كانت صفة لغيرها على ما تقدم. # وإن كانت ممكنة : فيجب أن تكون ممكنة بإمكان آخر. والكلام في ذلك الإمكان ~~، كالكلام في الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع. ### |||| ** الوجه السادس : أنه لو احتاج الممكن إلى المرجح في ابتداء وجوده لكونه ممكنا في حال بقائه ~~؛ لاحتاج في حال بقائه لكونه ممكنا ، فإنه لو لم يكن ممكنا في حال بقائه ؛ ~~لكان واجبا. ولو كان واجبا ؛ لاستحال فرض عدمه. واحتياج الممكن حال بقائه ~~إلى المؤثر ممتنع ؛ لما فيه من تحصيل الحاصل. PageV01P237 ### |||| ** الوجه السابع : أنه لو احتاج الممكن إلى المؤثر ، فالمؤثر : إما أن يؤثر في ماهية (1) ~~الممكن (1)، أو في وجوده ، أو في موصوفية الماهية بالوجود. # وعلى كل تقدير فيلزم منه (2) خروج الماهية ، أو الوجود ، أو موصوفية ~~الماهية بالوجود (3) عن حقيقته عند فرض عدم ذلك المؤثر ؛ وهو محال. ### |||| ** الوجه ms0097 الثامن : أنه لو افتقر الممكن إلى مؤثر ؛ فتأثير المؤثر فيه صفة زائدة على ذات ~~المؤثر والأثر ؛ إذ التأثير نسبة وإضافة بين الأثر والمؤثر ؛ فالنسبة بين ~~الشيئين صفة لهما ، والصفة زائدة على الموصوف. # ولهذا فإنه يمكننا تعقل ذات كل واحد منهما مع الشك في كون هذا أثرا ، ~~وكون هذا مؤثرا ، والمعقول غير المجهول. وإذا كان التأثير صفة زائدة على ~~ذات المؤثر والأثر فالتأثير نقيض لا تأثير ، ولا / تأثير عدم ؛ فالتأثير ثبوت. # وهو إما أن يكون واجبا ، أو ممكنا. # لا جائز أن يكون واجبا : وإلا لما كان مفتقرا إلى غيره ، والصفة مفتقرة ~~إلى الموصوف ، فلا بد وأن يكون ممكنا ، ولا بد له من مؤثر ، والكلام في ~~تأثير المؤثر فيه : كالكلام في الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع. وهذا المحال : ~~إنما لزم من القول بافتقار الممكن إلى المؤثر ؛ فيكون محالا. ### |||| ** الوجه التاسع : أنه لو افتقر الممكن إلى تأثير المؤثر في وجوده ؛ لكان التأثير متقدما على ~~الأثر ؛ لافتقار الأثر إليه (4)، ويمتنع أن يكون تأثير المؤثر متقدما على ~~الأثر ؛ إذ التأثير نسبة (5)، وإضافة بين الأثر والمؤثر ؛ كما سبق ؛ فيكون ~~التأثير (5) صفة للأثر والمؤثر ، والصفة متأخرة عن الموصوف ؛ لافتقارها ~~إليه ، وفي ذلك ما يوجب جعل المتقدم متأخرا ، والمتأخر متقدما ؛ وهو محال. ### |||| ** الوجه العاشر : أنه لو افتقر الممكن إلى المؤثر (6)؛ لكان ما وجد من الحوادث مفتقرا إلى ~~المؤثر ؛ لكونه ممكنا ، والمؤثر فيه : إن كان حادثا ؛ لزم التسلسل ، أو الدور. PageV01P238 # وإن كان قديما : فقد تجدد له صفة التأثير بعد أن لم يكن مؤثرا. # والكلام في تجدد صفة التأثير ، كالكلام في الأول ؛ ويلزم منه التسلسل ، ~~أو الدور. ### |||| ** الوجه الحادى عشر : أنه لو افتقر الممكن إلى المرجح ؛ لما ترجح ممكن إلا بمرجح ، وليس كذلك : ~~فإن العطشان ، إذا خير بين قدحين متساويين من كل وجه ؛ فإنه يختار أحدهما ، ~~من غير سبب مرجح ؛ ضرورة فرض المساواة من كل وجه. # وكذلك القاصد إلى مكان معين ، إذا عرض له طريقان متساويان من كل وجه ؛ ~~فإنه يسلك أحدهما من غير سبب مرجح ، مع تساويهما في الإمكان. # سلمنا ms0098 أنه لا بد للوجود من مرجح ؛ ولكن ما المانع من كون المرجح لوجود ~~الممكن ذاته ، لا على وجه ينتهى إلى حد الوجوب المانع من العدم ؛ بل بمعنى ~~أن ذاته أولى بالوجود من العدم ، مع جواز فرض العدم؟ # سلمنا أنه لا بد من مرجح خارج ؛ ولكن لا نسلم أنه لا بد وأن يكون وجوديا ~~؛ فإن وجود الممكن ، مقابل لعدمه ، فكما جاز أن يكون عدم علة الوجود مرجحا ~~للعدم ، وعدم شرط الوجود مرجحا للعدم ؛ فما المانع أن يكون عدم علة العدم ، ~~أو عدم شرط / العدم ؛ مرجحا للوجود؟ # سلمنا (1) أنه يمتنع أن يكون مرجح الوجود عدميا ؛ ولكن ما المانع (1) من ~~كونه غير موجود ، ولا معدوم : كما ذهب إليه الملاحدة؟ # وبيان جواز ذلك : هو أن صفة الإمكان تابعة للماهية الممكنة ، ومعلولة بها ~~من حيث هى : لا موجودة ، ولا معدومة ، فإن الماهية من حيث هى موجودة : ~~يستحيل أن تكون ممكنة العدم ، ومن حيث هى معدومة : يستحيل أن تكون ممكنة ~~الوجود ، وصفة الإمكان ثابتة للماهية بالنسبة إلى الطرفين ؛ فإذن علة صفة ~~الإمكان للماهية من حيث هى ؛ لا موجودة ، ولا معدومة. # سلمنا أنه لا بد وأن يكون المرجح موجودا ؛ ولكن ما المانع من كونه ممكنا؟ ~~ولم قلتم بامتناع التسلسل؟ PageV01P239 ### |||| ** قولكم : إما أن تكون العلل والمعلولات متعاقبة ، أو معا ؛ فلم قلتم بامتناع ~~التعاقب؟ # قولكم (1): إن لم يوجد منها شيء في الأزل ، فلها أول وبداية. # فنقول : لا يلزم من كون كل واحد من العلل والمعلولات غير موجود في الأزل ~~؛ أن تكون الجملة غير أزلية ؛ فإنه لا يلزم من الحكم على الآحاد ، أن يكون ~~حكما على الجملة؛ # بل جاز أن يكون كل واحد من آحاد الجملة غير أزلى ، والجملة أزلية. بمعنى ~~تعاقب آحادها إلى غير النهاية. # سلمنا أنها غير متعاقبة ؛ لكن لم قلتم بوجود واجب الوجود؟ # قولكم : النظر إلى الجملة غير النظر إلى الآحاد. # فنقول : (2) لا نسلم وجود ما يسمى جملة في غير المتناهى ؛ ليصح ما ~~ذكرتموه ، ولا يلزم من صحة ذلك في المتناهى مع إشعاره بالحصر ، صحته في غير ms0099 ~~المتناهى. # سلمنا أن مفهوم (3) الجملة حاصل فيما لا يتناهى ، وأنه ممكن ؛ ولكن لا ~~نسلم أنه زائد على الآحاد المتعاقبة إلى غير النهاية. # وعند ذلك : فلا يلزم أن يكون معللا بغير علة الآحاد. # سلمنا أنه زائد على الآحاد ؛ ولكن ما المانع من أن يكون مترجحا بآحاده ~~الداخلة فيه؟ لا بمعنى أنه مترجح بواحد منها ؛ ليلزم ما ذكرتموه ؛ بل طريق ~~ترجحه بالآحاد الداخلة فيه ، ترجح كل واحد من آحاده بالآخر إلى غير ~~النهاية. # وعلى هذا : فلا يلزم افتقاره إلى مرجح خارج عن الجملة ، ولا أن يكون ~~المرجح للجملة ، مرجحا لنفسه ، ولا لعلته. # سلمنا أنه لا بد من وجود واجب الوجود ؛ ولكن لا نسلم أنه غير / قابل ~~للعدم ، كما ذكرتموه ، وإنما يمتنع كونه قابلا للعدم : أن لو امتنع انقلاب ~~الواجب ، إلى الممكن ، أو الممتنع ، وكذلك بالعكس ؛ وهو غير مسلم. ولهذا ~~قلتم بأن العالم ممتنع الوجود في PageV01P240 # الأزل ، وجائز الحدوث. فإذا جاز انقلاب الممتنع جائزا ، مع أنه أحد قسمى ~~الضرورى ؛ فلا مانع من انقلاب الواجب جائزا ، وانقلاب الجائز واجبا. # وعلى هذا : فلا يمتنع على واجب الوجود العدم السابق ، ولا العدم اللاحق ؛ ~~فلا يلزم أن يكون أزليا ، ولا أبديا. # سلمنا دلالة ما ذكرتموه على إثبات واجب الوجود بالاعتبار الذي أردتموه ، ~~ولكنه معارض بما يدل على أنه غير ثابت. # وبيانه : أنه لا يخلو : إما أن يكون ممكنا ، أو ليس بممكن؟ # فإن كان ممكنا : فالممكن لا (1) يكون واجبا (1) بالاعتبار المذكور. # وإن لم يكن ممكنا : فما ليس ممكنا أن يكون ؛ لا يكون موجودا ، وما لا ~~يكون موجودا ؛ فلا (2) يكون (2) واجب الوجود. ### ||| ** والجواب : # أما منع احتياج (3) الممكن إلى المرجح في وجوده : فغير صحيح ؛ لأن الممكن ~~قابل للوجود والعدم ؛ وهما بالنسبة إلى ذات الممكن سيان. ### |||| ** وعند هذا قال بعض الأصوليين : والشيء الذي يكون (4) كذلك يمتنع أن يدخل في الوجود ؛ إلا بعد أن يصير ~~وجوده راجحا على عدمه ؛ فكذلك الرجحان سابق على وجوده ، ويمتنع أن يكون محل ~~ذلك الرجحان ؛ هو وجوده ؛ لأن ذلك الرجحان : لو كان صفة لوجوده ؛ لكان ~~متأخرا عن ms0100 وجوده ؛ لكنا بينا أنه متقدم على وجوده ؛ وهو دور. فذلك الرجحان ~~؛ يجب أن يكون صفة لشيء آخر يلزم من وجوده وجوده ، وذلك هو المؤثر ؛ فثبت ~~أن كل ممكن ؛ فهو مفتقر إلى المؤثر. ### |||| ** وقال بعضهم : إذا كانت ماهية الممكن مقتضية للتساوى ، والتساوى مقابل للرجحان ، فلو حصل ~~الرجحان ؛ فيلزم اجتماع المتقابلين في شيء واحد ؛ وهو محال. ### |||| ** والحجتان (5) ### |||| ** باطلتان (5) PageV01P241 ### |||| ** أما الأولى : فلأن الخصم قد يمنع توقف الدخول في الوجود على سابقة الترجيح (1)، وأنه لا ~~معنى للترجيح إلا الدخول في الوجود دون العدم ، وكذلك بالعكس. # وعند هذا : فلا يكون الترجيح (2) سابقا على الوجود ؛ ليلزم ما (3) قيل من ~~الدور (3). # كيف وأنه لو كان الترجيح سابقا على الوجود / ؛ لكان صفة لغير الوجود حتى ~~لا يفضى إلى الدور كما قرر. ولو كان كذلك ؛ لكان الموصوف به هو الراجح ، لا ~~نفس الوجود ؛ وهو محال. ### |||| ** وأما الثانية : فإنما يلزم أن لو كان حصول الرجحان مستندا إلى ذات الممكن ، وأما إذا لم ~~يكن مستندا إليها ، ولا إلى غيرها ؛ فلا. # والحق في ذلك أن يقال : إذا ثبت أن الوجود والعدم بالنسبة إلى ذات الممكن ~~متساويان ؛ فاحتياج وقوع أحد المتساويين إلى المرجح معلوم بالضرورة ؛ ولهذا ~~فإن العاقل إذا رأى موضعا خليا عن العمارة والأبنية المرتفعة ، ثم رآه ~~مشغولا بها بعد ذلك ، أو رأى صنعة محكمة ؛ فإن عقله يضطره إلى العلم بوجود ~~سبب موجب لذلك. ولو جاز في العقل وجود أحد الجائزين دون الآخر من غير مرجح ~~؛ لما كان كذلك. وهذا مما لا يجد أحد من العقلاء في نفسه مخالفته ، ولا ~~مناكرته. # وعلى هذا : فما أوردوه من الشبه ؛ فحاصله يرجع إلى التشكيك في البديهيات ~~؛ وهو غير مقبول. # وعلى تقدير القبول ؛ فنجيب عن كل ما ذكروه. ### |||| ** قولهم : تأثير المؤثر فيه : إما في حال وجوده ، أو في حال عدمه. ### |||| ** قلنا : بل في حال وجوده ، لا بمعنى أنه أوجده (4) بعد وجوده. حتى يقال بتحصيل ~~الحاصل ؛ بل بمعنى أنه لو لا المؤثر ؛ لما كان موجودا في الحال (5) التى ~~فرض كونه موجودا فيها. ### |||| ** قولهم : لو احتاج إلى المؤثر ms0101 في وجوده ؛ لاحتاج إلى المؤثر في عدمه. PageV01P242 ### |||| ** قلنا : وهو كذلك ؛ فإنه مهما كان الشيء ممكنا ؛ فلا بد له (1) من مرجح في وجوده ~~، وعدمه ؛ وإلا فهو واجب ، أو ممتنع. فكما أنه في حال وجوده يفتقر (2) إلى ~~المرجح ؛ فكذلك في حال عدمه. ### |||| ** قولهم : العدم نفى محض ؛ فلا يكون أثرا. ### |||| ** قلنا : معنى كونه أثرا ، لا بمعنى أنه شيء ؛ بل بمعنى أنه لو لا المؤثر ؛ لما ~~كان معدوما. وسواء كان العدم طارئا ، أو أصليا. ### |||| ** قولهم : المرجح للعدم : إما أن يكون هو المرجح للوجود ، أو غيره. ### |||| ** قلنا : المرجح (3) للعدم هو المرجح للوجود (3)؛ لكن إن كان مرجحا بذاته عند ~~القائلين بذلك ؛ فعدمه هو المرجح للعدم ، لا نفس وجوده. وإن كان مرجحا ~~بالقدرة والإرادة : عند القائلين به ؛ فيصح أن يقال : إن عدم المعدوم في ~~حال عدمه مستند إلى عدم تعلق القدرة بإيجاده ، والإرادة بتخصيصه في ذلك ~~الوقت. ويصح أن يقال / بكونه مستندا إلى قدرة قديمة ، اقتضت عدمه ، وإرادة ~~قديمة اقتضت تخصيصه بذلك الوقت ، كما اقتضت تخصيص وجوده بوقت آخر ، كما ذهب ~~إليه القاضى أبو بكر في أحد قوليه. ### |||| ** قولهم : لو افتقر إلى مرجح في وجوده ؛ فذلك المرجح : إما قديم ، أو حادث. على ما ~~قرروه. فإنما يلزم ، أن لو كان مستند الحوادث موجبا بذاته وطبعه حتى يلزم ~~من حدوثه التسلسل ، ومن قدمه ؛ قدم معلوله ، وليس كذلك ؛ بل هو فاعل قديم ~~مختار اقتضى بقدرة قديمة ، وخصص بإرادة أزلية ، وجود الحادث حال حدوثه من ~~غير تقدم ، ولا تأخر. ولا يلزم من قدم القدرة والإرادة ؛ قدم المقدور ~~والمراد ؛ إذ القدرة عبارة عن : معنى من شأنه تخصيص الحادث بالوجود (4)، ~~دون العدم ؛ لا ما يلازمه الوجود. # والإرادة : عبارة عن معنى من شأنه تخصيص الحادث (4)، بوقت دون وقت. # فإذا قيل : لم كانت الإرادة مقتضية للتخصيص بوقت دون وقت ، مع قدمها ، ~~واستواء نسبتها إلى جميع الأوقات؟ فكأنه قيل : لم كانت الإرادة إرادة؟ PageV01P243 # وهو غير مسموع ، كما لو قيل : لم كان الإنسان إنسانا؟ والفرس فرسا؟ ونحوه. # وهذا (1) مما وافق (1) عليه الفلاسفة الإلهيون حيث قالوا : إن الأفلاك ms0102 ~~متحركة على الدوام ؛ لتحصيل ما لها من الأوضاع الممكنة لها ، على جهة ~~التعاقب ، والتجدد ؛ طلبا للتشبه بمعشوقها ، مقتضية للحركات الدورية ، ~~بإرادة قديمة للنفس الفلكية ، وبتوسط الحركات الدورية ، والاتصالات ~~الكوكبية ؛ وجد في عالم الكون والفساد ، امتزاجات ، واعتدالات ، وحوادث ~~عرضيات ، وبتوسط هذه الامتزاجات ، وتجدد قبول القابليات ؛ وجدت الأنفس ~~الإنسانية ، والصور الجوهرية للعناصر والمركبات. لا بمعنى أنها الفاعلة لها ~~؛ بل الفاعل لها إنما هو العقل الفعال. الموجود مع جرم فلك القمر. وما لم ~~يوجد منها. فليس لعدم الفاعل ؛ بل لعدم القابل. فإذا تحقق القابل والفاعل ~~موجود ؛ لزم القول بوجودها. ### |||| ** قولهم : إن حاجة الممكن إلى المؤثر : إما واجبة ، أو ممكنة؟ # قلنا : كونه محتاجا ؛ لا معنى له ؛ إلا أنه لا يتم وجوده دون المؤثر ؛ ~~وذلك لا يستدعى الاحتياج إلى مؤثر آخر ؛ ليلزم / التسلسل كما قيل. ### |||| ** فإن قيل : الحاجة نقيض لا حاجة ؛ ولا حاجة يجوز اتصاف المعدوم المستحيل [الوجود] ~~(2) بها ؛ فلا حاجة عدم ، وإلا كان الإثبات صفة للنفى المحض ؛ وهو محال. # وإذا كان لا حاجة عدما ؛ فالحاجة ثبوت. # ولا جائز أن تكون واجبة : وإلا لما كانت صفة مفتقرة إلى الموصوف ؛ فلم ~~يبق إلا أن تكون ممكنة. # وعند ذلك : فإن افتقرت إلى المرجح (3)؛ لزم التسلسل ، وإن لم تفتقر ؛ ~~فهو المطلوب. # وربما (4) قيل في دفعه : لو دل ما ذكرتموه على كون لا حاجة (5) عدما ؛ ~~فلا يخفى أن نقيض امتناع ، لا امتناع ، والعدم الممكن يصح وصفه بأنه غير ~~ممتنع ؛ فلا امتناع يجب PageV01P244 # أن يكون عدما حتى لا يكون العدم موصوفا بالثبوت ، وما لزم من ذلك أن يكون ~~امتناع المناقض له ثبوتيا ؛ فإن الامتناع صفة للممتنع ، الذي ليس بثبوتى ، ~~فلو كان الامتناع صفة ثبوتية ؛ لكان الثبوت صفة لما لا ثبوت له ؛ وهو ممتنع. # وهو قدح في البديهيات ؛ فلا يقبل. ### ||| ** والواجب أن يقال : # قد بينا أن معنى حاجة الممكن إلى المؤثر ، أنه لا يتم وجوده دون المؤثر. ~~فنقيض الحاجة بهذا التفسير ، أنه يتم وجوده دون المؤثر. # وعلى هذا : فنقيض الحاجة ، لا يتصور أن يكون صفة للممتنع (1)، وإلا كان ~~مما (1) يتم وجوده ms0103 ، دون المؤثر ، والممتنع غير موجود. ### |||| ** وعلى هذا : فقد اندفعت الشبهة الخامسة أيضا. ### |||| ** قولهم : لو احتاج الممكن في ابتداء وجوده إلى المرجح (2)؛ لاحتاج في حال بقائه. ~~عنه جوابان. ### |||| ** الأول : منع اللزوم ؛ فإنه لا يلزم من احتياج الممكن حال حدوثه إلى المرجح ؛ ~~احتياجه حال بقائه ؛ إذ الباقى (3) هو عين المترجح حالة الحدوث (3). ### |||| ** الثانى : أنه وإن احتاج حال بقائه إلى المرجح ؛ فلا (4) يلزم (4) منه تحصيل الحاصل ~~؛ فلأنه (5) لا معنى لاحتياجه إلى المرجح حال بقائه ، إلا أنه لو لا المرجح ~~؛ لما كان باقيا. ### |||| ** قولهم : يلزم من ذلك خروج الأثر عن حقيقته عند فرض عدم المؤثر مسلم. # ولكن لا نسلم كون ذلك محالا. كيف. وأنه لو امتنع خروج الأثر عن حقيقته ~~عند عدم علته ؛ لامتنع انقلاب ما ليس موجودا موجودا ؛ وهو خلاف شاهد ~~الحوادث. PageV01P245 ### |||| ** قولهم : تأثير المؤثر في الأثر صفة زائدة على ذات المؤثر ، والأثر مسلم ؛ ولكن لا ~~نسلم أن التأثير صفة ثبوتية. وما ذكروه في بيانه ؛ فقد سبق إبطاله في جواب ~~/ الشبهة الرابعة. # وربما أجيب عن هذه الشبهة بأنها جارية في امتناع حدوث حادث ما في وقت ~~معين ؛ وهو غير ممتنع. وذلك أنه لو حدث حادث في وقت معين ؛ فحدوثه في ذلك ~~الوقت صفة زائدة على ذات الحادث ؛ لأن الحدوث في ذلك الوقت نسبة بين الذات ~~الحادثة ، وذلك الوقت. # والنسبة بين الشيئين صفة زائدة عليها ، ولأنا نعقل ذات الحادث ، ونجهل ~~كونه حادثا في ذلك الوقت ، والمعلوم مغاير للمجهول. وإذا كان صفة زائدة ؛ ~~فيجب أن تكون صفة ثبوتية ؛ لأن نقيض الحدوث ، لا حدوث. ولا حدوث : صفة ~~للمستحيل ؛ فيكون عدما ؛ فالحدوث ثبوت. ولا بد وأن يكون حادثا في ذلك الوقت ~~بحدوث آخر ؛ فالكلام (1) في ذلك الحدوث الثانى كالكلام في [الحدوث] (2) ~~الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع. # وهو غير سديد ؛ إذ لقائل أن يقول : الحدوث وإن كان صفة ثبوتية زائدة ، ~~وهو حادث ؛ لكن بحدوث هو نفسه ، لا بحدوث زائد (3) عليه ؛ فلا تسلسل. # قولهم : التأثير صفة للأثر ؛ فلا يكون التأثير متقدما عليه. # لا نسلم أن التأثير صفة للأثر ؛ بل صفة ms0104 للمؤثر ؛ فلا يمتنع أن يكون ~~متقدما عليه ، والتأثير وإن كان مضايفا [للأثر] (4)، فلا يمتنع أن يكون ~~متقدما عليه ، كما في التقدم والتأخر ، وأنهما وإن تضايفا ؛ فالتقدم سابق ~~على التأخر. # وإن سلمنا أن التأثير صفة للأثر ؛ فلا يلزم أن يكون التأثير متقدما على ~~الأثر ؛ لضرورة افتقاره إليه ؛ إذ المفتقر إليه ، أعم من المتقدم. ### |||| ** قولهم : المؤثر في الحادث : إما قديم ، أو حادث. # قلنا : بل هو قديم. PageV01P246 ### |||| ** قولهم : إن تأثيره في الأثر صفة متجددة ، بعد أن لم تكن ، ويلزم من ذلك التسلسل ، ~~أو الدور ؛ وليس كذلك ؛ فإنه وإن كان التأثير صفة متجددة ؛ فلا معنى له غير ~~وجود الحادث بقدرة المؤثر في وقت حدوث الأثر ، وتجدد الإيجاد بالقدرة ، من ~~مقتضيات القدرة القديمة ؛ فإن القدرة عبارة : عما من شأنه تخصيص الحادث ~~بالوجود ، دون العدم. لا ما يلازمه التخصيص ؛ فلا يلزم من ذلك وجود سبب آخر ~~، ومؤثر آخر ؛ فلا دور ، ولا تسلسل. ### |||| ** قولهم : إن المخير بين قدحين ، أو طريقين متساويين. قد يختار أحدهما من غير سبب مرجح. ### |||| ** قلنا : التساوى : إنما وقع في الفرض والمقصود ، وهو عندنا غير مفيد في / الترجيح ~~كما يأتى. والمرجح إنما هو القدرة المتعلقة بالإيجاد ، والإرادة المخصصة ؛ ~~وهو موجود لا محالة. حتى أنه لو لم يكن قادرا على أخذ أحد القدحين ، أو ~~سلوك أحد الطريقين ، ولا تعلقت إرادته بأحدهما ؛ فإن الترجيح يكون ممتنعا. ### |||| ** قولهم : ما المانع أن تكون ذات الممكن أولى بالوجود من العدم ، لا على وجه ينتهى ~~إلى حد الوجوب بالذات؟ ### |||| ** قلنا : لو كانت ذاته أولى بالوجود ، فإن لم تجوز مع ذلك عدمه ؛ فهو واجب لذاته ، ~~وليس ممكنا ؛ وهو خلاف الفرض. # وإن (1) جوز مع ذلك عدمه ؛ ففرض عدمه ؛ غير محال. # وعند فرض عدمه ، فإن كان العدم أولى بذاته : فالأوقات (2) متشابهة ويلزم ~~(3) من ذلك أن يكون الوجود والعدم أولى بالممكن معا : وفيه جمع بين ~~متقابلين ؛ وهو محال. # وإن لم يكن العدم أولى به : فلا بد له من علة خارجة ، وإلا كان الممكن قد ~~ترجح من غير مرجح أصلا ؛ وهو محال. PageV01P247 # فالمرجح للعدم عند ms0105 ذلك : إما أن يكون مساويا في اقتضائه للعدم لما اقتضى ~~الوجود ، أو راجحا ، أو مرجوحا. # لا جائز أن يقال بالأول : وإلا لامتنع [عليه] (1) الوجود والعدم ؛ إذ لا ~~أولوية لأحدهما (2). # وإن كان الثانى ، أو الثالث : فيلزم منه تعيين أثر الراجح ، وامتناع أثر ~~المرجوح. وقد قيل بجواز كل واحد منهما. # وهذه المحالات : إنما لزمت ؛ من فرض أن الممكن أولى بالوجود من عدمه ؛ ~~فهو (3) ممتنع (3). # قولهم : لا نسلم أن المرجح للوجود وجودى ، # فقد قيل في جوابه : إنه لا فرق بين عدم المؤثر ، وبين المؤثر العدمى. # وقد (4) قيل (4) أيضا : إن العدمى لا تميز له في نفسه ؛ لأنه لو كان ~~متميزا ؛ لكان ذاتا. وما ليس بمتميز ؛ فلا يمكن إسناد الأثر إليه ؛ وهما ~~باطلان. # أما الأول : فلأن الخصم قد لا يسلم عدم الفرق بين عدم المؤثر ، والمؤثر ~~العدمى ؛ ولهذا ؛ فإن عدم الشرط مؤثر في عدم المشروط. ولو عدم هذا المؤثر ؛ ~~بأن عدم عدم الشرط ؛ لما لزم منه انتفاء المشروط. # وأما الثانى : فإنما يلزم في العدم المطلق دون العدم المضاف. ### ||| ** والأقرب في ذلك أن يقال : # لو كان المؤثر في حدوث الممكنات (5) عدما : فهو إما قديم ، أو حادث. # فإن كان حادثا : فالكلام فيه : كالكلام في الأول ؛ ويلزم منه التسلسل ، ~~أو الدور / ؛ وهما ممتنعان ؛ كما سبق (6). PageV01P248 # وإن كان قديما : فإما أن يتوقف تأثيره في الوجود الحادث على تجدد أمر لم ~~يكن ، أو لا يتوقف. # فإن كان الأول : فالتسلسل ، أو الدور لازم. # وإن كان الثانى : فيلزم من قدم المؤثر ؛ قدم الأثر ، ومن حدوث الأثر ؛ ~~حدوث المؤثر ، وهو خلاف الفرض ، ولا (1) يلزم على هذا إذا كان (1) المؤثر ~~وجوديا ؛ لإمكان اتصافه بالقدرة ، والإرادة القديمة المؤثرة في تخصيص ~~الحادث كما سبق ؛ بخلاف المؤثر (2) العدمى. ### |||| ** قولهم : ما المانع من كون المؤثر غير الموصوف بالوجود ، ولا بالعدم؟ ### |||| ** قلنا : بطلان (3) أمر لا موجود ، ولا معدوم ، سيأتى في مسألة الأحوال (4). ### |||| ** قولهم : إن الإمكان معلل بالماهية ، من حيث هى لا موجودة ، ولا معدومة ، إنما ~~يلزم أن لو كان الإمكان صفة ثبوتية ، وليس كذلك ؛ فإنه لا معنى للإمكان غير ms0106 ~~سلب المحال من فرض الوجود والعدم ، وبتقدير أن يكون صفة ثبوتية ؛ فلا نسلم ~~أن الماهية علة مؤثرة فيه ؛ بل قابلة ، والقابل غير المؤثر. # وإن سلمنا أنها مؤثرة فيه ؛ فما ذكروه إنما يلزم أن لو كان الوجود زائدا ~~على الماهية ، وليس كذلك ؛ بل الوجود هو نفس الماهية ، والماهية نفس الوجود ~~؛ كما يأتى في مسألة المعدوم (5)، وهل هو شيء أم لا؟ ### |||| ** قولهم : الماهية من حيث هى موجودة يمتنع أن تكون ممكنة العدم ، وكذلك بالعكس. ### |||| ** قلنا : إذا فرضنا الماهية موجودة ، فمعنى كونها ممكنة العدم بأنه لو فرض العدم ~~بدل الوجود ؛ لما كان ممتنعا. وكذلك بالعكس ، والإمكان بهذا الاعتبار لا ~~ينافيه الوجود ، ولا العدم. PageV01P249 ### |||| ** قولهم : لا يلزم من كون كل واحد من العلل والمعلولات غير موجود في الأزل ، صحة ~~الحكم بذلك على الجملة. ### |||| ** قلنا (1): إذا كان كل واحد من الآحاد لا وجود له في الأزل وهو بعض الجملة فليس ~~بعض من أبعاض الجملة يكون موجودا في الأزل ، وإذا لم يكن شيء من الأبعاض ~~موجودا في الأزل ؛ فالجملة غير موجودة في الأزل ؛ فإنه لا وجود للجملة دون ~~وجود أبعاضها. ### |||| ** قولهم : لا نسلم وجود ما يسمى جملة في غير المتناهى. ### |||| ** قلنا : مسمى الجملة : هو ما وصفتموه بكونه غير متناه ، ولا شك أنه غير كل واحد ~~من الآحاد ؛ إذ كل / واحد من الآحاد متناه ، والموصوف بما لا يتناهى : هو ~~الأعداد المفروضة ؛ بحيث لا يخرج منها واحد. ### |||| ** قولهم : لا نسلم أن مفهوم الجملة زائد على الآحاد المتعاقبة إلى غير النهاية. ### |||| ** قلنا : إن أردتم أن مفهوم الجملة هو نفس المفهوم من كل واحد من الآحاد ؛ فهو ~~ظاهر الإحالة. وإن أردتم به الهيئة الاجتماعية من آحاد الأعداد ؛ فلا خفاء ~~بكونها (2) زائدة على كل واحد من الآحاد (2)؛ وهو المطلوب. ### |||| ** قولهم : ما المانع من أن تكون الجملة مترجحة بآحادها الداخلة فيها كما قرروه؟ ### |||| ** قلنا : إما أن يقال بترجح الجملة بمجموع (3) الآحاد الداخلة فيها ، أو بواحد منها. # فإن (4) كان بواحد منها (4)، فالمحال الذي ألزمناه حاصل. # وإن كان بمجموع الآحاد ؛ فهو نفس الجملة المفروضة ms0107. # وفيه ترجح الشيء بنفسه ؛ وهو محال. ### |||| ** قولهم : لا نسلم أن واجب الوجود لذاته غير قابل للعدم. PageV01P250 ### |||| ** قلنا : لو كان قابلا للعدم : فإما مع بقاء كونه واجب الوجود ، أو لا مع بقاء كونه واجبا. # فإن كان الأول : فهو محال ؛ إذ الواجب هو ما لو فرض معدوما ، عرض عنه ~~المحال لذاته. # وإن كان الثانى : فيلزم منه انقلاب حقيقة الواجب لذاته جائزا ، أو ممتنعا ~~؛ وقلب الحقائق محال. # ولو جاز ذلك ؛ لما بقى الوثوق بالقضايا البديهية ؛ لجواز انقلاب حقائقها ~~، وعاقل ما لا يتردد في صحة القضايا البديهية ، ولا يتشكك. # قولهم : لا يخلو : إما أن يكون الواجب بذاته ممكنا ، أو غير ممكن. # قلنا : ممكن بالمعنى العام : أى أنه غير ممتنع الوجود ، وكونه ممكنا ~~بالمعنى العام لا ينافى الوجوب بالذات. كما لا ينافى الإمكان الخاص. وليس ~~ممكنا بالمعنى الخاص ، وسلب الإمكان بالمعنى الخاص لا ينافى الوجوب بالذات ~~أيضا (1)، كما لا ينافى الامتناع. وإنما يمتنع كونه واجبا لذاته ، أن لو ~~كان ممكنا بالمعنى الخاص ، أو غير ممكن بالمعنى العام. # وعلى هذا : فقد بان أنه لا بد من موجود ، هو (2) واجب الوجود لذاته ، ~~وأنه يجب أن يكون أزليا أبديا ، لا يتصور عليه العدم ، متقدما عليه ؛ ولا ~~متأخرا عنه. PageV01P251 ### | المسألة الثانية ### | في حقيقة واجب الوجود ، وأنها مشاركة لباقى الحقائق ### ||| * في مسمى الحقيقة ، أو / مخالفة لها # وقد اختلف في ذلك : ### |||| ** فذهب بعض المتكلمين (1): إلى أن مسمى الحقيقة والذات ، مشترك بين ذات واجب الوجود ، وغيره من ~~الذوات. وإنما تتميز ذات واجب الوجود ، وحقيقته عن باقى الذوات ؛ بوصف يكون ~~أخص وصف الإلهية ، ولا بد وأن يكون ثبوتيا ؛ فإن التمييز بين الذوات لا ~~يحصل بالصفات السلبية : ككونه (2) لا حد له ، ولا نهاية ، ولا جسم ، ولا ~~عرض ، ونحوه. # لكن هل (3) يجوز (3) أن يكون ذلك الوصف مما يدرك ، أم لا؟ اختلفوا فيه : ~~وقد احتج صاحب هذا المذهب : على أن مسمى الحقيقة والذات مشترك بين جميع ~~الذوات بحجتين : ### |||| ** الأولى : أنه يصح أن يقال الذوات : إما واجبة ، وإما (4) ممكنة ، والذات (4) هى مورد ~~التقسيم (5)، ومورد التقسيم (5) يجب أن ms0108 يكون واحدا ؛ فمسمى الذات واحد. ### |||| ** الثانية : هو أن المفهوم من مسمى الذات ، لا يختلف باختلاف اعتقاد كون الذات واجبة ، ~~أو ممكنة ، ولو كان مسمى الذات في الواجب والممكن مختلفا ؛ لاختلف باختلاف ~~هذه الاعتقادات. # قال : وإذا ثبت أن مسمى الذات واحد ، وأنه لا امتياز به بين الذوات ؛ فلا ~~خفاء بأن المفهوم من واجب الوجود متميز عن المفهوم من ممكن الوجود ، وليس ~~التمايز في مسمى الذات ؛ فتعين أن يكون بصفة زائدة على مسمى الذات ؛ لأن ما ~~به الافتراق غير ما به الاتفاق. PageV01P252 # قال : وإذا ثبت أنه لا بد من وصف زائد يكون به التمايز بين ذات واجب ~~الوجود ، وذوات الممكنات ؛ فلا جائز أن يكون التمايز بصفات سلبية مختصة بكل ~~واحدة من الذوات ، أو ببعض الذوات دون البعض. ### |||| ** أما الأول : فلأن ما سلب عن إحدى الذاتين ، إن كان مسلوبا عن الذات الأخرى ؛ فلا تمايز. ~~وإن لم يكن مسلوبا عن الذات الأخرى ؛ فالذات الأخرى مختصة بوصف ثبوتى ، لا سلبى. ### |||| ** وأما الثانى : فلأن الذوات متعددة متكثرة فإذا (1) اختص بعضها بالوصف الوجودى ، والبعض ~~بسلبه. فإما أن يختص الواحد من الذوات (2) بالثبوت ، والباقى بالسلب ، أو ~~الواحد بالسلب ، والباقى بالثبوت. # وعلى كلا التقديرين ؛ فالتمايز : وإن حصل بين ما اختص بالثبوت والسلب ؛ ~~فالتمايز بين الذوات المشتركة / فى الثبوت ، أو السلب ؛ ممتنع. # وأيضا : فإنه لو استغنت الذات ، من حيث إنها ذات عن الصفة مع اتحادها ؛ ~~لما وقع الفرق بين ذات السواد ، وبين (3) ذات البياض ، والجوهر ، والعرض ، ونحوه. # فإذن ما به التمايز وجودى. ### |||| ** ومن المتكلمين من ### |||| ** قال : التمايز بالوصف الخاص ، إنما يكون عند الاشتراك بين (4) الذوات في مسمى الذات والحقيقة (4)؛ وليس كذلك ؛ بل واجب الوجود مخالف بذاته وحقيقته لباقى الذوات ، ولا مشاركة بينه وبينها في غير التسمية. محتجا على ذلك بأنه : لو كان مسمى الذات متحدا ؛ لوجب الاشتراك بين واجب الوجود ، وممكن الوجود فيما هو ثابت بالذات لكل واحد منهما ؛ لأنه متى ثبت اقتضاء الذات لحكم لذاتها كان ذلك ثابتا لها مهما كانت ثابتة ، ويلزم من ذلك أن تكون ذات الممكن ms0109 واجبة لذاتها ؛ ضرورة ثبوت ذلك لها في واجب الوجود ، وأن تكون ذات واجب الوجود ممكنة لذاتها ؛ ضرورة ثبوت ذلك في ممكن الوجود ؛ وكل ذلك محال. PageV01P253 # فإن قيل : اختصاص واجب الوجود ، وممكن الوجود بما اختص به من الوجوب ~~والإمكان ليس لمسمى الذات المشتركة ؛ بل لما به تعين كل واحد منهما ، وما ~~به التعين مختلف. # [قلنا] (1): فالكلام في اختصاص كل واحدة من الذاتين بتعينها مع اتحاد ~~مسمى الذات : كالكلام في الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع. # قال : وعلى هذا : فمورد القسمة إلى الواجب ، والممكن ؛ ليس مسمى الذات ؛ ~~بل اسم الذات. والقول بأن مسمى الذات ، لا يختلف باختلاف الاعتقادات من ~~معنى الجوهر ، والعرض ، والواجب ، والممكن ؛ غير مسلم ؛ بل الذي لا يختلف ؛ ~~إنما هو الاسم ، دون المسمى. # وإن سلمنا أن مسمى الذات واحد ؛ ولكن لا نسلم أن التمايز لا بد وأن يكون ~~بوصف ثبوتى ؛ بل جاز أن تكون ذات واجب الوجود متميزة عن غيرها من الذوات ~~بسلب ما وجب لغيرها عنها ، وتمايز باقى الذوات بصفات وجودية كل واحد منها ~~مختص بصفة وجودية لا وجود لها في باقى الذوات الأخرى. # والقول بأنه لو استغنت الذات عن الصفة مع اتحادها ؛ لما وقع الفرق بين ~~الذوات المختلفة. # قلنا : عدم استغناء الذات عن الصفة المميزة ، لا يوجب كون الصفة المميزة ~~وجودية ؛ / فإن ما يقع به التمييز (2) بين الذوات من الصفات (2) أعم من ~~كونها وجودية ؛ فلا يلزم من عدم الفرق عند فرض عدم الاختلاف بالصفة ؛ عدم ~~الفرق مع فرض الاختلاف بالسلب ، والإيجاب. PageV01P254 ### | المسألة الثالثة ### | في أن وجود واجب الوجود ، هل هو نفس ذاته ### ||| * أو (1) هو زائد على ذاته (1)؟ # ذهبت الأشاعرة ، والفلاسفة ، وبعض المعتزلة : الى أن وجود واجب الوجود لا ~~يزيد على ذاته ؛ بل ذاته وجوده ، ووجوده ذاته. # وخالفهم في ذلك طائفة من المتكلمين. # أما (2) حجة من قال بأن وجوده لا يزيد على ذاته : أنه لو كان وجوده زائدا ~~على ذاته لم يخل : إما أن يكون واجبا ، أو ممكنا. لا جائز أن يكون واجبا ؛ ~~لأنه مفتقر إلى الذات ضرورة كونه صفة لها ms0110 ، ولا شيء من المفتقر إلى غيره ~~يكون واجبا ؛ فإذن وجوده لو كان زائدا على ذاته ؛ لما كان واجبا ؛ فلم يبق ~~إلا أن يكون ممكنا. # وإذا كان ممكنا : فلا بد له من مؤثر كما سبق (3). # والمؤثر فيه : إما الذات ، أو خارج عنها. ### ||| ** فإن كان الأول : فهو ممتنع لوجهين : ### |||| ** الأول : أن الذات بسيطة لا تركيب فيها ، وهى قابلة للوجود ؛ فلو كانت مؤثرة ؛ لكانت ~~قابلة ، وفاعلة ، فلها قوتان : قوة القبول ، وقوة الفعل. والبسيط الواحد ~~ليس له قوتان مختلفتان ؛ فإن الكلام في قبوله للقوتين المختلفتين : كالكلام ~~في الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع. ### |||| ** الثانى : أنها لو كانت مؤثرة في الوجود ؛ فالمؤثر في الوجود ، لا بد وأن يكون موجودا ~~على ما تقدم ؛ فإذن تأثير الماهية في وجودها مفتقر إلى وجودها ؛ فالوجود ~~مفتقر إلى نفسه ؛ وهو محال ؛ كما سبق. PageV01P255 ### |||| ** وإن كان الثانى : وهو أن يكون المؤثر في الوجود غير ماهية واجب الوجود ، فوجود واجب الوجود ، ~~مستفاد له من غيره ، وكل ما استفاد وجوده من غيره ؛ فليس واجبا لذاته. # وهذه المحالات : إنما لزمت من كون وجوده زائدا على ذاته ؛ فلا يكون زائدا. # وهذه الحجة ضعيفة ؛ إذ لقائل أن يقول : ما المانع من كون الوجود الزائد ~~على الماهية واجبا لنفسه؟ # قولكم : لأنه مفتقر إلى الماهية ، والمفتقر إلى غيره ، لا يكون واجبا ~~لنفسه (1). لا نسلم أن الواجب لنفسه ؛ لا يكون مفتقرا إلى غيره ؛ بل ~~الواجب لنفسه : هو الذي لا يكون مفتقرا إلى مؤثر فاعل ، ولا يمتنع أن يكون ~~موجبا لنفسه. # وإن كان مفتقرا إلى القابل / ؛ فإن الفاعل الموجب بالذات ؛ لا يمتنع توقف ~~تأثيره على القابل. وسواء كان اقتضاؤه بالذات لنفسه ، أو لما هو خارج عنه. ~~وهذا كما يقوله الفيلسوف في العقل الفعال ؛ فإنه موجب بذاته للصور الجوهرية ~~، والأنفس الإنسانية ، وإن كان ما اقتضاه لذاته متوقفا على وجود الهيولى ~~القابلة. # وإن سلمنا أنه لا بد وأن يكون ممكنا ؛ ولكن لا نسلم أن حقيقة الممكن هو ~~المفتقر إلى المؤثر ؛ بل الممكن هو المفتقر إلى الغير. والافتقار إلى الغير ~~؛ أعم من الافتقار إلى المؤثر ms0111. وقد تحقق ذلك بالافتقار إلى الذات القابلة (2). # سلمنا أنه لا بد من مؤثر ؛ فلم قلتم بامتناع كون الذات هى المؤثرة؟ ### |||| ** قولكم : إنها قابلة ، وفاعلة ؛ مسلم ؛ ولكن لم قلتم بامتناع ذلك في البسيط ~~الواحد؟ فإن القبول ، والفعل غير (3) خارج عن (3) النسب والإضافات ، ولا ~~مانع من اتصاف البسيط الواحد بنسب مختلفة : كاتصاف الوحدة التى هى مبدأ ~~العدد : بأنها نصف الاثنين ، وثلث الثلاثة (4) [وربع الأربعة] (4)، وهلم جرا. PageV01P256 ### ||| ** والذي يخص الفيلسوف أن يقال : # ما المانع من أن تكون القابلية والفاعلية باعتبار صفات لا توجب التعدد ~~والتكثر في ذات البسيط الواحد ، ولا توجب التسلسل؟ كما قلتم في صدور الكثرة ~~عن المعلول الأول لذات واجب الوجود. فإنكم قلتم : الصادر عنه : عقل ، ونفس ~~، وجرم : هو جرم الفلك الأقصى ؛ وذلك باعتبارات متعددة ؛ لضرورة أن الواحد ~~عندكم لا يصدر عنه إلا واحد (1). # فإن كانت هذه الاعتبارات صفات وجودية ، وأمورا حقيقية ؛ فقد ناقضتم ~~مذهبكم في قولكم : الواحد (2) لا يصدر عنه إلا واحد (2). # وإن لم تكن هذه الاعتبارات صفات وجودية ، ولا موجبة للتكثر ، ولا (3) ~~للتسلسل (3)؛ فما المانع من كون الذات الواحدة قابلة ، وفاعلة بمثل هذه ~~الاعتبارات؟ # وأما الوجه الثانى : في بيان امتناع كون الذات مؤثرة ؛ فلا (4) مخرج (4) ~~عنه ، وإلا لجاز إسناد الأمور الحادثة إلى ما ليس بموجود ، ولا معدوم ، ~~وبطل القول بوجوب واجب الوجود. # وإنما الطريق في الرد على هذه الحجة بالاقتصار على هذه الإشكالات ~~السابقة. # فإن قيل : فكما يمتنع تأثير الذات في الوجود ؛ لما فيه من افتقار الوجود ~~إلى الوجود ، فيمتنع أن تكون / الذات قابلة للوجود ؛ لأن القابل للوجود ، ~~لا بد وأن يكون موجودا ؛ وفيه افتقار الوجود إلى الوجود. # قلنا : لا نسلم أنه يلزم من ضرورة كون الفاعل للوجود موجودا ، أن يكون ~~القابل للوجود موجودا ؛ بل شرطه أن يكون ثابتا ، والثابت أعم من الموجود. ### ||| ** وأما القائلون بأن الوجود زائد على ذاته ؛ فقد احتجوا بحجج : ### |||| ** الأولى : قالوا : لا خفاء بصحة قول القائل : ذات واجب الوجود موجودة. PageV01P257 # وهو حكم تصديقى يستدعى محكوما عليه ، ومحكوما به ، فلو كانت ذاته وجوده ؛ ~~كان حاصل القضية ms0112 ذاته ، ذاته ، أو (1) وجوده ، وجوده ؛ وهو هذر من الكلام. ### |||| ** الثانية : أنه قد يعقل وجود واجب الوجود ، من يجهل حقيقته ، والمعلوم يجب أن يكون ~~مغايرا للمجهول (2). ### |||| ** الثالثة : أن مفهوم الوجود واحد مشترك بين جميع الموجودات على السوية ، كما سيأتى في ~~المسألة الرابعة (3). والمفهوم من الذات مختلف كما سبق (4). وعند ذلك : ~~فيجب أن يكون زائدا على الذات لثلاثة أوجه : ### |||| ** الأول : أن ما به الاختلاف يجب أن يكون غير ما به الاتفاق. ### |||| ** الثانى : أنه إذا كان الوجود هو نفس الماهية ، والوجود مشترك ؛ فليس القول بأن ~~[وجود] (5) واجب الوجود علة لوجود (6) غيره ، أولى من العكس. ### |||| ** الثالث : أنه إذا كان مسمى الوجود واحدا ، فلو كان هو نفس الذات ؛ لكان مسمى الذات ~~واحدا ، ويلزم من ذلك أن كل ما كان ثابتا لبعض الموجودات بمقتضى ذاته أن ~~يكون ثابتا للآخر ضرورة الاتحاد في المقتضى ، ويلزم من ذلك أن يكون واجب ~~الوجود ممكنا لذاته ضرورة الاتحاد في المقتضى ، ويلزم من ذلك أن يكون واجب ~~الوجود ممكنا لذاته ضرورة أن غيره من الموجودات ممكنا لذاته ، وأن يكون ~~غيره واجبا لذاته ضرورة مشاركته لواجب الوجود في المقتضى لوجوب الوجود ؛ ~~وفيه ما يوجب جعل الواجب ممكنا ، والممكن واجبا ؛ وهو قلب للحقيقة ؛ ~~فيمتنع. ### |||| ** وهذه الحجج أيضا بعيدة عن التحصيل ؛ بل أبعد مما تقدم. ### |||| ** أما الحجة الأولى : فلقائل أن يقول : الحمل ، والوضع ، والمحكوم به ، والمحكوم عليه ؛ ليس في ~~المعنى ؛ بل في اللفظ. وعند اختلاف اللفظ لا يكون هذرا ؛ بل هو كقول PageV01P258 # القائل : الإنسان بشر ، وكذا في جميع الألفاظ المترادفة ؛ فإنه قد يقصد ~~به بيان أن مدلول أحد اللفظين : هو مدلول / الآخر بخلاف ما إذا اتحد اللفظ. ### |||| ** وأما الحجة الثانية : فمبنية على أن الوجود زائد على الحقيقة ، وإلا فمع القول بأن الوجود هو نفس ~~الحقيقة يمتنع تسليم العلم بالوجود مع الجهل بالحقيقة. ### |||| ** وأما الحجة الثالثة : فمبنية على أن المفهوم (1) من (1) الوجود واحد مشترك بين واجب الوجود ، ~~وممكن الوجود ، وسيأتى إبطاله في المسألة التى (2) بعدها إن شاء الله (2). # فهذه هى عمدة الفريقين. وإن كانت حجة ms0113 المذهب الأول أشبه. وعسى أن يكون ~~عند غيرى تحقيق أحد الطرفين. PageV01P259 ### | المسألة الرابعة (1) ### | في أن وجود واجب الوجود مشارك لوجود [سائر] (2) ### ||| * الممكنات في المعنى ، أم لا؟ # وقد اختلف في ذلك : ### |||| ** فمذهب (3) ### |||| ** الأشعرى ، وأبى الحسين البصرى (4): أنه غير مشارك لباقى الوجودات في معناه ، وإنما هو مشارك لها في الاسم. ### |||| ** وذهب الحذاق من الفلاسفة ، وبعض المتكلمين : إلى أن مفهوم الوجود في الكل واحد. # وقد احتج من قال بالاختلاف : بأن وجود واجب الوجود نفس ذاته ، وذاته ~~مخالفة لباقى الذوات على ما تقدم (5) من برهان كل واحدة من المقدمتين ؛ ~~فمسمى الوجود يكون مختلفا ؛ وقد عرف ما فيه. # وأما حجة القائلين باتحاد مسمى واجب الوجود ، بين واجب الوجود وغيره ؛ ~~فمن أربعة أوجه : ### |||| ** الأول : هو أنه يصح تقسيم الوجود : إلى الواجب ، والممكن ، والقديم ، والحادث ؛ ~~فالوجود مورد القسمة ، وكل ما يكون مورد القسمة ، يجب أن يكون واحدا ؛ ~~فالوجود واحد. ### |||| ** الثانى : هو أنا إذا اعتقدنا شيئا موجودا ؛ فاعتقاد كونه موجودا ، لا يختلف باختلاف ~~الاعتقادات بكونه واجبا ، أو ممكنا ، أو لا ، أو بكونه جوهرا ، أو عرضا ، ~~أو سوادا ، أو PageV01P260 # بياضا ، إلى غير ذلك. ولو لم يكن المفهوم من الوجود في الكل واحدا ؛ ~~لاختلف باختلاف الحقائق. ### |||| ** الثالث : أنا إذا قلنا : هذا الوجود خاص ، كان هذا الحكم تصديقيا حقا. والتصديق ~~يستدعى سابقة التصور ، وأحد التصورين الوجود مطلقا. والآخر الخاص ؛ فالتصور ~~للوجود المطلق ، سابق على التصور للوجود الخاص ، ولا معنى للوجود المطلق ؛ ~~إلا ما كان صالحا لاشتراك كثير من الموجودات فيه ؛ فيكون مسمى الوجود من ~~حيث هو وجود متحدا. ### |||| ** الرابع : هو أن قول القائل : مسمى الوجود غير مشترك فيه من (1) الماهيات / إما أن ~~يكون المراد به : الوجود المطلق ، أو الخاص. فإن أراد به الوجود الخاص : ~~فلا نزاع فيه ، ولا (2) حاجة إلى نفى ما وقع الاتفاق عليه. وإن أراد به ~~الوجود المطلق : فالحكم على الوجود المطلق بأنه لا يقع الاشتراك فيه ؛ ~~اعتراف بالوجود المطلق ؛ لأن التصديق مسبوق بالتصور ؛ فيكون القول متناقضا ~~؛ إذ الوجود المطلق هو الصالح للاشتراك فيه ؛ فالقول بأنه لا (3) اشتراك ~~(3) فيه ms0114 يكون تناقضا. ### ||| ** وفي هذه الحجج نظر (4) أيضا (4). ### |||| ** أما الحجة الأولى ، والثانية : فقد سبق الكلام عليهما في مسألة أن مسمى الذات واحد ، أم لا؟ (5). ### |||| ** وأما الحجة الثالثة : فمندفعة ؛ إذ لقائل أن يقول : الحاصل من قولنا : هذا الوجود خاص : أنه ~~مخالف بذاته لباقى الوجودات ؛ وذلك لا يستدعى كونه مطلقا. ### |||| ** وأما الحجة الرابعة : فالمراد من قولنا مسمى الوجود ليس مشتركا فيه بين الذوات : أى أنه ليس لاسم ~~الوجود مسمى مشتركا (6) فيه من الذوات (6)، وليس حكما بعدم الاشتراك على ~~مسمى متحقق ، لا مطلقا ، ولا خاصا ؛ ولا يخفى الفرق بين الاعتبارين. PageV01P261 # وغاية ما يلزم من ذلك التأويل بحمل اللفظ على ما ليس ظاهرا فيه ؛ وهو غير بعيد. # والأقرب من المذهبين إنما هو الأول ؛ لما تقدم (1). PageV01P262 ### | النوع الثانى ### | في الصفات النفسانية لذات واجب الوجود # ويشتمل على إحدى عشرة مسألة : # الأولى (1): في إثبات الصفات النفسانية على وجه عام. # الثانية : في إثبات صفة القدرة. # الثالثة : في إثبات صفة الإرادة. # الرابعة : في إثبات صفة العلم. # الخامسة : في إثبات صفة الكلام. # السادسة : في إثبات الإدراكات. # السابعة : في إثبات صفة الحياة. # الثامنة : في أنه هل له صفة زائدة على هذه الصفات؟ # التاسعة : في أن الصفة هل هى نفس (2) الوصف ، أو غيره؟ # العاشرة : في أن الصفة هل هى نفس الموصوف ، أو غيره؟ أو لا هى هو ، ولا ~~هى غيره؟ [ (3) وأن الصفة هل توصف ، أم لا (3) ]؟ # الحادية عشرة : في تعلق هذه الصفات بمتعلقاتها ، وأنه وجودى ، أو لا؟ PageV01P263 ### | المسألة الأولى ### | في إثبات الصفات النفسانية على وجه عام ### |||| ** مذهب أهل الحق من الأشاعرة : أن الواجب بذاته قادر بقدرة ، مريد بإرادة ، عالم بعلم ، متكلم بكلام ، ~~سميع بسمع ، بصير ببصر ، حي بحياة ، وهذه كلها صفات وجودية ، أزلية ، زائدة ~~على / ذات واجب الوجود. ### |||| ** وذهبت الفلاسفة ، والشيعة (1): إلى نفيها. # ثم اختلفت الشيعة : # فمنهم (2): من لم يطلق عليها شيئا من الأسماء الحسنى. # ومنهم (3): من لم يجوز خلوه عنها. # وأما المعتزلة (4): فلهم تفصيل مذهب في الصفات يأتى شرحه في كل مسألة ~~على التفصيل. # ونحن الآن نبتدئ بمعتمد المعطلة (5)، والتنبيه علي وجه ms0115 فساده ، ثم نذكر ~~ما هو معتمد أهل الحق في ذلك فنقول : # ويلاحظ أن المقصود بالشيعة هنا الغلاة منهم : كالباطنية ، والمتأخرين ~~الذين خلطوا التشيع بالاعتزال. أما القدماء فأكثرهم مثبتة ؛ بل منهم من غلا ~~ونزع إلى التجسيم. كما صرح بذلك في الجزء الثانى ل 256 / ب ، وانظر في ذلك ~~مقالات الإسلاميين 1 / 105. PageV01P265 ### |||| ** قالت النفاة (1): لو قدر له صفات وجودية ، زائدة على ذاته : فإما أن تكون كلها واجبة ، ~~أو ممكنه ، أو البعض واجبا ، والبعض ممكنا. # لا جائز أن يقال بالأول : إذ هى مفتقرة إلى الذات ، ضرورة كونها صفات ~~الذات ، والمفتقر إلى غيره ، لا يكون واجبا لذاته. # ولا جائز أن يقال بالثانى : وإلا لافتقرت إلى علة موجبة لها ، والعلة ~~الموجبة لها : إما الذات ، أو غيرها. لا يمكن أن يكون الموجب لها الذات ؛ ~~إذ الذات قابلة لها ، والقابل لا يكون هو الفاعل من جهة كونه قابلا ، وإن ~~كان من جهتين ، فالجهات لا بد وأن تكون وجودية ؛ فإن نقيض الجهة ، لا جهة ، ~~ولا جهة عدم ؛ فالجهة وجود ، والكلام في تلك الجهات : كالكلام في الأول ؛ ~~ويلزم منه التسلسل ، أو الدور الممتنع ؛ وهما ممتنعان. # وإن كان الموجب لها غير الذات : فواجب الوجود مفتقر إلى غيره في إفادة ~~كمالاته له ، ويلزم أن يكون مشروطا بالنظر إلى ذلك الغير ؛ وهو ممتنع. # ثم ذلك الغير : إما أن يكون قديما ، أم محدثا. # لا جائز أن يكون قديما ؛ إذ لا قديم عندكم سوى (2) واجب الوجود ، وصفاته. # وإن كان حادثا : فصفات واجب الوجود تكون حادثة ، ضرورة حدوث المحدث لها ؛ ~~وهو غير قابل لحلول الحوادث في ذاته ؛ كما يأتى بعد (3). # وإن كان الثالث : وهو أن يكون البعض منها واجبا ، والبعض ممكنا : فبطلان ~~كل واحد منهما ؛ بما به بطلان القسمين الأولين ؛ فإذن واجب الوجود ؛ واجب ~~من جميع جهاته ، وليس له صفات وجودية زائدة على ذاته ، ولا ما يوجب فيه ~~تعداد ، ولا كثرة. وما يوصف به واجب الوجود فلا يخرج عن أن يكون من أسماء ~~الذات : كقولنا : إنه ذات ، ووجود (4)، وماهية ، وشيء ، ومعنى ، ونحوه (4). PageV01P266 # أو من الصفات السلبية : كقولنا ms0116 : إنه واجب : أى لا يفتقر إلى غيره في (1) ~~وجوده ، ونحوه. # أو الإضافية (1): كقولنا : [إنه] (2) جواد ، وعلة ، ومبدأ ، وخالق ، ~~ومبدع / ونحوه. ### ||| ** وأما ما (3) يخص المعتزلة (3)، والشيعة : فإنهم قالوا : # لو كان له صفات وجودية زائدة على ذاته ؛ لم يخل : إما أن تكون هى هو ، أو ~~هى (4) غيره. # فإن كانت هى هو ؛ فلا صفة له زائدة عليه. # وإن كانت غيره ، فإما قديمة ، أو حادثة. # فإن كانت قديمة : فالقدم أخص وصف الإلهية ؛ وذلك يفضى إلى القول بتعدد ~~الآلهة ؛ وهو ممتنع ؛ كما (5) يأتى : # وإن كانت حادثة : فيلزم أن يكون واجب الوجود محلا للحوادث ؛ وهو ممتنع ؛ ~~كما (6) يأتى. # وأيضا : فإنه لو قام به صفات وجودية ؛ لكانت مفتقرة إلى الذات في وجودها. ~~وذلك يؤدى إلى إثبات خصائص الأعراض لصفات واجب الوجود ؛ وهو محال. # وأيضا : فإن الله تعالى كفر النصارى بإثباتهم الأقانيم الثلاثة ، وهى : ~~الذات ، والعلم ، والحياة. فمن أثبت له ذلك ، وزيادة ؛ كان أولى بالتكفير. ### ||| ** والجواب : ### |||| ** أما الشبهة الأولى : فقد سبق الجواب عنها ، في مسألة أن وجود واجب الوجود ، هل هو زائد على ذاته ~~، أم لا (7)؟ PageV01P267 # وما قيل من أن القدم أخص وصف الإله تعالى ، فإن أريد به أنه خاص بالله ~~(1) تعالى (1) على وجه لا يشاركه فيه غيره من الموجودات الخارجة عن مسماه ؛ ~~فمسلم ؛ ولكن ليس في ذلك ما (2) يدل على (2) نفى القدم عن صفاته. # وإن أريد به أنه غير متصور أن يعم شيئين علي وجه يدخل فيه ذات واجب ~~الوجود ، وصفاته ؛ فهو المصادرة على المطلوب. # ثم هو لازم للخصم (3)، إن كان ممن يعتقد كون المعدوم شيئا ، وذاتا ثابتة ~~في القدم في حالة العدم ؛ على ما لا يخفى. ### |||| ** وقد أجاب بعض الأصحاب (4) عن هذه الشبهة : بأن قال : # لو كان القدم أخص وصف الإلهية ؛ فمفهومه لا محالة يزيد على مفهوم كونه ~~موجودا. # وعند ذلك فالوجود : إما أن يكون أعم من القدم ، أو أخص منه. # فإن كان أعم : فقد تركبت ذات الإله تعالى من وصفين ؛ أعم ، وأخص # وإن كان أخص : فيلزم أن يكون كل موجود إلها ؛ وينقلب الإلزام. # وهو غير ms0117 صواب ؛ لجواز أن لا يكون أعم ولا أخص ، بناء على أن مسمى الوجود ~~مختلف ؛ وإن اتحد اسم (5) الوجود (5)؛ كما سبق. # ولا يلزم من تعدد مفهوم اسم الوجود والقدم ، التكثر في اسم مدلول اسم ~~الإله تعالى إلا أن يكون المفهوم من القدم معنى وجوديا ، وأمرا حقيقيا ؛ ~~وليس كذلك ؛ بل حاصله يرجع (6) إلى سلب الأولية لا غير. وهذا / بخلاف ~~الصفات الوجودية التى سلبت عنها الأولية. ### |||| ** وأما القول بأن قيام الصفات (7) بذاته ؛ يفضى إلى ثبوت خصائص الأعراض لها ؛ فإنما يستقيم ، أن لو ثبت ~~أن خاصية العرض قيامه بالمحل مطلقا ؛ وليس كذلك ؛ PageV01P268 # بل خاصية العرض ، وجوده في الحيز تبعا لمحله فيه ؛ وهو غير متصور في صفات ~~الإله تعالى أو نقول : إن خاصية العرض : قيامه بالمحل مع حدوثه ، وتجدده ؛ ~~وهو أيضا غير متصور في صفات الله تعالى . ### |||| ** وأما تكفير النصارى : فلم يكن بإثباتهم العلم ، والحياة ؛ بل بإثباتهم آلهه ثلاثة على ما قال ~~الله تعالى : ( @QUR@08 لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ) (1). # هذا ما اعتمد عليه النفاة. ### ||| ** وأما أهل الإثبات (2): # فقد سلك بعضهم في الإثبات مسلكا ضعيفا : وهو أنهم تعرضوا لإثبات أحكام ~~الصفات أولا. ثم توصلوا منها إلى إثبات العلم بالصفات ثانيا. ### |||| ** فقالوا : العالم لا محالة على غاية من الحكمة ، والإتقان ، وهو مع ذلك جائز وجوده ~~، وجائز عدمه ؛ كما سيأتى. # وهو مستند في التخصيص ، والإيجاد إلى واجب الوجود ؛ كما (3) سيأتى أيضا (3). # فيجب أن يكون قادرا عليه ، مريدا له ، عالما به ، كما وقع به الاستقراء ~~في الشاهد ؛ فإن من لم يكن قادرا ؛ لا يصح صدور شيء عنه. ومن لم يكن مريدا ~~؛ لم يكن تخصيص بعض الجائزات عنه دون البعض أولى من العكس ؛ إذ نسبتها إليه ~~نسبة واحدة. ومن لم يكن عالما بالشيء ، لا يتصور منه القصد إلى إيجاده ، ~~ولا الإتقان ، والإحكام في صنعه. ### |||| ** قالوا : وإذا ثبت كونه قادرا ، مريدا ، عالما ؛ وجب أن يكون حيا ؛ إذ الحياة شرط ~~هذه الصفات ؛ على ما عرف في (4) الشاهد (4)، وما كان له في وجوده أو عدمه ~~شرط ، لا # منهم الباقلانى في ms0118 التمهيد 152 153 ، وإمام الحرمين في الإرشاد 61 63 ، ~~والشهرستانى في نهاية الأقدام 170 وقد نقل ابن تيمية في كتابه (درء تعارض ~~العقل والنقل 4 / 32 34 ما ذكره الآمدي هنا من أول قوله «وأما أهل الإثبات ~~... إلى قوله والشرط لا يختلف شاهدا ولا غائبا» ثم علق عليه وناقشه. [درء ~~تعارض العقل والنقل 4 / 32 34]. PageV01P269 # يختلف شاهدا ، ولا غائبا ؛ ويلزم من كونه حيا ؛ أن يكون سميعا ، بصيرا ، ~~متكلما ، فإن من لم يثبت له هذه الصفات من الأحياء ، فهو متصف بأضدادها ، ~~كالعمى ، والطرش ، والخرس ؛ على ما عرف في الشاهد أيضا ، والإله تعالى ~~يتقدس عن الاتصاف بهذه الصفات. # قالوا : وإذا ثبتت هذه الأحكام ؛ فهى في الشاهد معللة بالصفات ، فالعلم ~~في الشاهد ؛ علة كون العالم عالما ، والقدرة ؛ علة كون القادر قادرا ، وعلى ~~هذا النحو في باقى الصفات ، والعلة لا تختلف شاهدا ، ولا غائبا. # وأيضا : فإن حد العالم في الشاهد ؛ من قام به العلم ، والقادر / من قامت ~~به القدرة ، وعلى هذا النحو ، والحد أيضا لا يختلف لا شاهدا ، ولا غائبا. # وأيضا : فإن شرط العالم في الشاهد ؛ قيام العلم به ، وكذلك في القدرة ~~وغيرها ، والشرط لا يختلف شاهدا ، ولا غائبا (1). # وأعلم أن هذه الحجة : مما يضعف التمسك بها جدا ؛ فإن حاصلها يرجع إلى ~~الاستقراء في الشاهد ، وإلحاق الغائب بالشاهد بقياس التمثيل ، وقد سبق ~~إبطاله في الفصل السابع (2) من الباب الثانى في الدليل (2). ### ||| ** والذي نريده هاهنا ، أن نقول : # القياس هاهنا يعترف بالتفاوت بين صفات الغائب ، والشاهد ، حتى أن القدرة ~~في الشاهد لا يتصور بها عنده الإيجاد بخلاف القدرة في الغائب ، وكذلك ~~الإرادة في الشاهد ، لا يتصور بها التخصيص ، بخلاف الإرادة في الغائب. وعلى ~~هذا النحو في باقى الصفات. فإذن ما وجد في الشاهد غير موجود في الغائب ، ~~وما وجد في الغائب غير موجود في الشاهد ؛ فلا يصح القياس. PageV01P270 # وأيضا : فإن التوصل من الصفات الإحكامية (1) فى حق الغائب ، إلى الصفات ~~النفسانية يوجب أن تكون الصفات الإحكامية ، أعرف من الصفات النفسانية ، ~~وإلا لما أمكن التوصل بها إلى معرفتها. وإذا كانت الصفات النفسانية ، أخفى ~~فكيف [توجد (2) في حد الصفات ms0119 الإحكامية (2) ] وشرط المعرف ؛ أن يكون أعرف ~~مما يعرف به. # ولما تخيل بعض الأصحاب (3) ضعف هذه الطريقة ؛ لم يستند في إثبات أحكام ~~الصفات عند ظهور الإتقان في الكائنات ، وكذا في إثبات الصفات عند ثبوت ~~أحكامها ، إلى غير الضرورة ، ودعوى البديهية ، دون إلحاق الغائب الشاهد. # وهو بعيد أيضا ؛ فإن العلم الضرورى بذلك ، وإن كان واقعا في الشاهد جريا ~~على العادة ، فإن من رأى بناء مرتفعا ، وصناعة محكمة في الشاهد ؛ اضطره ~~عقله إلى العلم بعلم صانعه ، وقدرته ، وإرادته ، إلى غير ذلك من الصفات ، ~~ولا يلزم مثله في الغائب ؛ وإلا لاطرد ذلك فيما نعلمه بالضرورة في الشاهد : ~~من كون صانع البناء المحكم حيوانا ، متحركا بالإرادة ، مغتذيا ، ناميا ، ~~مولدا ؛ وليس كذلك. # وأيضا : فإنه لو خلى الإنسان ، ودواعى نفسه من مبدأ نشوه ، إلى آخر عمره ~~من غير التفات إلى نظر ، أو تقليد ؛ لم يجد من نفسه / العلم بذلك في حق ~~الغائب أصلا. ولو كان بديهيا ؛ لما كان كذلك ، ولما خالف فيه أكثر العقلاء. ~~وإن اكتفى في ذلك بمجرد الدعوى ؛ فقد تؤمن المقابلة بمثله في طرف النقيض. ~~هذا كله بعد تسليم ثبوت أحكام لهذه الصفات ، وراء قيام الصفات بالذات ؛ ~~وإلا فالاستدلال باطل. # والقول (4) بأنه لو لم يكن متصفا بهذه الصفات مع كونه حيا ؛ لكان متصفا ~~بما يقابلها ؛ فالتحقيق فيه يتوقف على بيان حقيقة المتقابلين ، وبيان ~~أقسامهما ؛ فنقول : ### |||| ** أما المتقابلان : فما لا يجتمعان في شيء واحد من جهة واحدة. # وهو إما أن لا يصح اجتماعهما في الصدق ، ولا في الكذب ، أو يصح ذلك في ~~أحد الطرفين. PageV01P271 ### |||| ** فالأول : هما المتقابلان بالسلب ، والإيجاب ؛ وهو تقابل التناقض. والتناقض هو ~~اختلاف القضيتين بالإيجاب ، والسلب على وجه لا يجتمعان في الصدق ولا الكذب ~~لذاتيهما كقولنا : زيد حيوان. وزيد ليس حيوانا. ومن خاصيته استحالة اجتماع ~~طرفيه في الصدق ، أو الكذب ، وأنه لا واسطة بين الطرفين ، ولا استحالة لأحد ~~الطرفين إلى الآخر. # والثانى : فلا يخلو : إما أن يتحافظا ، أو لا يتحافظا. # فإن تحافظا : فهما المتقابلان بالتضايف : وهما اللذان لا تعقل لكل واحد ~~منهما إلا مع ms0120 تعقل الآخر كقولنا : زيد أب ، زيد ابن. وخاصيته توقف كل واحد ~~من طرفيه على الآخر في الفهم. # وإن لم يتحافظا : فإما أن يسد كل واحد منهما الآخر ، أو لا يسد. # فإن كان الأول : فهما المتقابلان بالتضاد. والمتضادان كل أمرين يتصور ~~اجتماعهما في الكذب دون الصدق ، وسد كل واحد منهما الآخر. وسواء كانا ~~وجودين : كالسواد ، والبياض. أو وجود ، وعدم : كالزوجية ، والفردية. # ومن خواصه جواز استحالة كل واحد من طرفيه إلى الآخر في بعض صوره ، وجواز ~~وجود واسطة بين الطرفين تمر عليه الاستحالة من أحد الطرفين إلى الآخر : ~~كالصفرة ، والحمرة بين السواد ، والبياض. # وإن كان لا يسد كل واحد منهما الآخر : فهو تقابل العدم والملكة. ### |||| ** أما (1) ### |||| ** الملكة بالمعنى الخاص : فهو معنى وجودى أمكن أن يكون ثابتا للشىء. إما بحق جنسه : كالبصر للإنسان ~~، أو بحق نوعه : ككتابة زيد ، أو بحق شخصه : كاللحية / للرجل. ### |||| ** وأما العدم المقابل لها : فهو ارتفاع هذه الملكة. وسواء كان ذلك في وقت الإمكان : كالأمية بعد البلوغ ~~، أو قبله : كعدم الكتابة في حال الصغر. وسواء كان مما يزول : كالمرودة (2) ~~، أو لا يزول : كالعمى. # الأمرد : الشاب طر شاربه ولم تنبت لحيته. مرد كفرح مردا ومردودة ، وتمرد ~~: بقى زمانا ثم التحى. (القاموس المحيط ، فصل الميم. باب الدال). PageV01P272 # ولما لم تكن ملكة البصر بالتفسير المذكور ثابتة للحجر ، لا يقال له أعمى ~~ولا بصير. ومن خواص هذا التقابل : جواز انقلاب الملكة إلى العدم ، ولا عكس. # وعلى [هذا] (1) إن أريد بالتقابل هاهنا تقابل التناقض بالسلب والإيجاب : ~~وهو أنه لا يخلو من كونه سميعا ، وبصيرا ، ومتكلما ، أو ليس ؛ فهو ما يقوله ~~الخصم ، ولا يقبل نفيه من غير دليل. # وان أريد بالتقابل تقابل المتضايفين : فهو غير متحقق بين البصر ، والعمى ~~، والسمع ، والطرش ، ونحوه. # ثم وإن كان من قبيل تقابل التضايف ؛ فلا يلزم من نفى أحد المتضايفين ؛ ~~ثبوت الآخر ؛ بل ربما انتفيا معا. # وإن أريد بالتقابل تقابل الضدين : فإنما يلزم أن لو كان واجب الوجود ~~قابلا لتوارد الأضداد عليه ؛ وهو غير مسلم. وإن كان قابلا فلا يلزم من ms0121 نفى ~~أحد الضدين وجود الآخر ؛ لجواز اجتماعهما في العدم ، ووجود واسطة بينهما. ~~ولهذا يصح أن يقال : البارى تعالى ليس بأسود ، ولا أبيض. # وإن أريد بالتقابل تقابل العدم ، والملكة : فلا يلزم أيضا من نفى الملكة ~~تحقق العدم ، ولا بالعكس ؛ إلا في محل يكون قابلا لهما ؛ ولهذا يصح أن يقال ~~: الحجر لا أعمى ، ولا بصير. والقول بكون البارى تعالى قابلا للبصر والعمى ~~؛ دعوى محل النزاع ، والمصادرة على المطلوب. # وعلى هذا : فقد امتنع لزوم العمى ، والخرس ، والطرش في حق الله تعالى ، ~~من ضرورة نفى البصر ، والسمع ، والكلام عنه (2). ### ||| ** وأما المعتزلة (3): # فإنهم قالوا في إبطال إلحاق الغائب بالشاهد في هذه الصفات : أن هذه ~~الأحكام ؛ وهى العالمية ، والقادرية ، والمريدية ، ونحوها ؛ واجبة لله ~~تعالى ، والواجب لا يفتقر PageV01P273 # إلى ما يعلل به كما في الشاهد ؛ فإن التحيز للجوهر ، وقبول الجوهر للعرض ~~، لما كان واجبا ؛ لم يفتقر إلى علة. وإنما المفتقر إلى العلة ؛ ما كان في ~~نفسه جائزا غير واجب ، وذلك ككون العالم عالما في الشاهد ، وكالموجود (1) ~~الحادث ونحوه. ### ||| ** قال بعض / الأصحاب (2): # قولكم : بأن الواجب (3) لا يعلل ، والجائز هو المعلل ؛ منتقض في كلا ~~الطرفين. # أما انتقاض طرف الجواز : فهو أن الوجود الحادث جائز ، وليس معللا. # وأما انتقاض طرف الوجوب : فهو أن كون العالم عالما في الشاهد ، بعد أن ~~ثبت ، واجب ، وهو معلل ؛ ورده غير صحيح (4). # أما قوله : الوجود الحادث جائز ، وليس معللا. إنما يلزم أن لو قيل : إن ~~كل جائز معلل بالصفة ، وليس كذلك ؛ بل إنما قالوا : لا يعلل إلا الجائز ، ~~ولا يلزم من كون التعليل لا يكون إلا للجائز ؛ أن يكون كل جائز معللا. # وأما قوله : بأن العالم في الشاهد بعد أن ثبت كونه عالما واجب وهو معلل ؛ ~~فغير صحيح ؛ وذلك لأن الواجب ينقسم : إلى ما وجوبه بنفسه (5)، وإلى ما ~~وجوبه مشروط بغيره. # فإن أريد به أنه واجب بالمعنى الأول : فقد ناقض ؛ حيث جعله معللا ، فإن ~~الواجب بنفسه ما لا يفتقر في وجوده إلى غيره. # وإن أراد به الواجب (6) بالمعنى الثانى : فلا يخرج عن كونه جائزا ؛ فإن ms0122 ~~كل ما وجوبه بغيره ؛ فهو جائز بنفسه ، على ما سبق (7). وإذا (8) كان جائزا ~~؛ فتعليله غير ممتنع. PageV01P274 # وما يمتنع تعليله ؛ ليس إلا ما كان واجبا بنفسه ، أو ممتنعا. # وهذا وإن كان واجبا ؛ فليس وجوبه بنفسه ؛ فلا يتجه به النقض. # وأيضا : فإن الخصم قد يسلم ثبوت هذه الأحكام للبارى تعالى ؛ ولكن على وجه ~~تكون النسبة بينها ، وبين أحكام ذواتنا على نحو النسبة بين ذاته ، وذواتنا. # وعند ذلك ؛ فلا يلزم من تعليل أحد المختلفين تعليل الآخر ؛ وإن وقع ~~الاشتراك بينهما في التسمية على ما لا يخفى. ولا يلزم عليه أن يقال. فما ~~تذكرونه في العلة مع المعلول ، لازم لكم في الشرط مع المشروط ؛ حيث أنكم ~~قلتم : إن البارى حى ؛ ضرورة كونه شرطا لكونه عالما ، وقادرا ، ومريدا في ~~الشاهد. فما هو اعتذاركم في الشرط ؛ هو اعتذارنا في العلة. فإن الخصم قد لا ~~يسلم أن طريق إثبات كونه حيا ، جهة الاشتراط ؛ بل غيره من الطرق. # كيف وأن البنية المخصوصة عنده شرط في الشاهد ، ومع ذلك لم نلتزم اطراد ~~ذلك في الغائب ، فكيف يلتزم الاطراد في غيره؟ ### ||| ** وإنما الطريق في الرد على المعتزلة فيما أوردوه أن يقال : # إن أردتم بكونها واجبة للبارى تعالى ، أنها لا تفتقر / إلى علة ؛ فهو ~~المصادرة على المطلوب. # وإن أردتم أنه لا بد منها لواجب الوجود ؛ فذلك لا ينافى التعليل بالصفة. # والقول بأن التحيز للجوهر ، وقبوله للعرض في الشاهد لما كان واجبا ؛ لم ~~يفتقر إلى علة : فمبنى على فاسد أصولهم في قولهم : إن هذه توابع الحدوث ، ~~وتوابع الحدوث مما لا يدخل تحت القدرة ، ولا ينسب إلى فعل فاعل. # وهو غير صحيح عند أهل الحق ؛ بل كلما تخيل في الأذهان فما له وجود عينى ~~[أصليا كان ، أو تابعا (1) ] ؛ فهو مقدور لله تعالى ، ومخلوق له ، وليس ~~شيئا مما يفرض في الشاهد واجبا لنفسه. اللهم إلا أن يعنى بكونه واجبا ، أنه ~~لازم لما هو ثابت له على وجه لا تقع المفارقة بينهما أصلا ؛ لكن الواجب ~~بهذا التفسير غير مانع من تعليله ؛ كما سبق. PageV01P275 ### |||| ** فإن قيل ms0123 : هذه الأمور اللازمة وإن كانت مفتقرة إلى فاعل مرجح ؛ لكنها لا تفتقر إلى ~~صفة قائمة بمحلها تكون علة لها كما في افتقار العالمية في الشاهد إلى صفة ~~العلم وهو المقصود بلفظ العلة ، وإذا لم يفتقر إلى علة ، لكونها لازمة ؛ ~~فكذلك فيما نحن فيه. ### |||| ** قلنا : تفسير عدم افتقارها إلى العلة بالمعنى المذكور وإن كان صحيحا فقولهم : ~~إنها لا تفتقر إلى العلة لكونها لازمة ، ممنوع ؛ بل لا مانع من أن تكون ~~معللة وإن كانت لازمة ، وتكون علتها ملازمة أيضا. # والقول بأنه لا يعلل إلا ما كان جائزا ، فإنما ينفع أن لو كانت هذه ~~الأحكام غير جائزة ، ولا يمتنع القول بجوازها من حيث إنه لا يمكن القول ~~بعدمها إلا وقد لزم المحال عنه ؛ لأن المحال قد يلزم عند فرض عدم الشيء ~~لنفسه ؛ فيكون واجبا لذاته. # وقد يكون فرض المحال لازما عن أمر خارج وإن كان الشيء في نفسه جائزا وذلك ~~كما في فرض عدم المعلول مع وجود علته : كالكسر مع الانكسار ، ونحوه ؛ فلما ~~لم يبينوا أن المحال اللازم عند فرض عدم هذه الأحكام ، لازم لنفسها ، لا ~~لوجود عللها ؛ لا يلزم أن تكون واجبة لنفسها ؛ فهذا خلاصة ما ذكره الأصحاب ~~في هذا الباب. ### |||| ** واعلم أن هاهنا طريقة رشيقة (1)، سهلة المعرك ، قريبة المدرك ، يعسر على المنصف المتبحر ، الخروج عنها ~~، والقدح فيدلالتها / يمكن طردها في إثبات جميع الصفات النفسانية ، وهى مما ~~ألهمنى الله تعالى إياه ، ولم أجدها على صورتها ، وتحريرها لأحد غيرى (2)، ~~وذلك أن يقال : # المفهوم من كل واحد من الصفات المذكورة : إما أن يكون في نفسه وذاته مع ~~قطع النظر عما تتصف به صفة كمال ، أو لا صفة كمال. لا جائز أن تكون لا صفة كمال ؛ # والشيخ محمد عبده في شرحه على العقائد العضدية ص 276 وما بعدها. وقد نقل ~~ابن تيمية في كتابه (درء تعارض العقل والنقل 4 / 37 ، 38) من أول قول ~~الآمدي «واعلم أن هاهنا طريقة رشيقة ... إلى قوله ومحال أن يكون الخالق ~~أنقص من المخلوق» وعلق عليه بقوله : «قلت : هذه الحجة مادتها صحيحة ، وقد ~~استدل ms0124 بها ما شاء الله من السلف والخلف الخ». PageV01P276 # وإلا كان حال من اتصف بها في الشاهد أنقص من حال من لم يتصف بها ؛ إن كان ~~عدمها في نفس الأمر كمالا ، أو مساويا لحال من لم يتصف بها ؛ إن لم يكن ~~عدمها في نفس الأمر كمالا. وهو خلاف ما نعلمه بالضرورة في الشاهد ؛ فلم يبق ~~إلا القسم الأول وهو أنها في نفسها ، وذاتها كمال وعند ذلك فلو قدر عدم ~~اتصاف البارى تعالى بها ؛ لكان ناقصا بالنسبة إلى من اتصف بها من مخلوقاته ~~تعالى ؛ ومحال أن يكون الخالق أنقص من المخلوق. # فإن قيل : لا نقول بأنها صفة كمال على الإطلاق ، ولا أنها غير كمال على ~~الإطلاق ؛ بل صفة كمال بالنظر إلى الشاهد ، ولا كمال بالنظر إلى الغائب. # وعند ذلك فلا يلزم منه أن يكون حال من اتصف بها في الشاهد مساويا لحال من ~~لم يتصف بها ، أو (1) أنقص ، ولا أن يكون (1) الخالق أنقص من (2) مخلوقه (2). # سلمنا دلالة ما ذكرتموه على وجوب اتصاف واجب الوجود بهذه الصفات ؛ لكنه ~~منقوض بالشم ، والذوق ، واللمس ، وغير ذلك من كمالات الموجودات في الشاهد. # فإن ما ذكرتموه جار فيها مع أنها غير ثابتة لله تعالى. # سلمنا عدم الانتقاض ؛ ولكنه معارض بما يدل على أن هذه الصفات غير موجودة ~~للرب تعالى ؛ وذلك لأن ما تثبتونه للرب من هذه الصفات : إما أن يكون من جنس ~~ما في الشاهد ، أو لا من جنسه. # فإن كان الأول : فهو محال. وإلا لزم أن تكون صفاته مشاركة لصفات موجودات ~~الشاهد في العرضية ، والإمكان ، وأن يكون البارى تعالى محلا للأعراض ؛ وهو ممتنع. ### |||| ** وإن كان الثانى : فهو غير معقول. وما ليس بمعقول لا يحكم عليه بكونه صفة فضلا [عن] (3) كونه ~~كمالا لغيره ، أو ليس كمالا له ، ولا أن يحكم على ما هو معقول بما حكم عليه ~~، ولا بالعكس. PageV01P277 ### |||| ** قلنا : أما (1) الإشكال (1) الأول ؛ فمندفع. فإن كل واحد من الصفات مع قطع النظر ~~عما يتصف به / لا يخرج عن كونه كمالا ، أو لا. ضرورة أنه لا واسطة بين ms0125 ~~النفى ، والإثبات. # والقول بأن كل واحد من آحاد الصفات مع قطع النظر عما يتصف به لا يكون ~~كمالا. ولا لا (2) كمال (2)، إثبات واسطة بين النفى والإثبات ، وهو ممتنع. ### |||| ** وأما النقض بما ذكروه من الكمالات : فالوجه في دفعه أن كل ما ثبت كونه كمالا في الشاهد ؛ فإن لزم من إثباته نقص ~~في حق الغائب ؛ فلا سبيل إلى إثباته ، وإلا فلا مانع من إثباته للغائب على ~~أصول أصحابنا. وإن تعذر إطلاقه لفظا لعدم ورود الشرع به. وعند ذلك فمن ادعى ~~أن إثبات ما ذكرناه من الصفات في حق الغائب مما يلزم منها نقص في حقه ؛ ~~فعليه البيان. # قولهم : إما أن يكون من جنس ما في الشاهد ، أو لا؟ # قلنا : من جنس ما في الشاهد. # قولهم : يلزم منه أن تكون صفاته مشاركة لما في الشاهد في الإمكان ، ~~والعرضية. # قلنا : إن عنوا بكونها ممكنة ؛ أنها غير واجبة بذاتها ، وبكونها عرضا ؛ ~~افتقارها إلى المحل ؛ فذلك غير ممتنع عندنا. # وإن عنوا به معنى آخر ؛ فهو غير مسلم ؛ فلا بد من تصويره. # وقد يتجه على هذه الطريقة إشكالات أخر خاصة بكل صفة ، صفة يأتى تفصيلها ، ~~والجواب عنها في كل مسألة من مسائل الصفات على التفصيل إن شاء الله تعالى. PageV01P278 ### | المسألة الثانية ### | في إثبات صفة القدرة لله تعالى # وقبل الخوض في ذلك بالنفى ، والإثبات ، لا بد من تحقيق معنى القدرة فنقول : ### |||| ** القدرة : عبارة عن صفة وجودية ، من شأنها تأتى (1) الإيجاد ، والإحداث بها على وجه ~~يتصور ممن قامت به الفعل ، بدلا عن الترك ، والترك بدلا عن الفعل. # وهى منقسمة : إلى قديم ، وحادث. ### |||| ** أما القدرة الحادثة : فسيأتى الكلام فيها وفيما يتعلق بها فيما بعد (2). ### |||| ** وأما القدرة القديمة : فقد احتج الأصحاب (3) على ثبوتها لله تعالى بالنص ، والمعقول. ### |||| ** أما النص : فقوله تعالى ( @QUR@010 أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ) ~~(4) وقوله تعالى واصفا لنفسه ( @QUR@03 ذو القوة المتين ) (5) وقوله تعالى ~~: ( @QUR@02 القوي العزيز ) (6) ### |||| ** فإن قيل : الاستدلال بالنصوص على وصفه بالقدرة ؛ فرع إثبات صفة الكلام ، وهو غير ثابت ~~بعد ؛ فلا يصح الاحتجاج / بها ms0126. وإن صح الاحتجاج بها ؛ إلا أنها متروكة ~~الظاهر ؛ فإن القوة في الحقيقة : عبارة عن الصلابة المناقضة للخور ، والله ~~تعالى يتقدس عن الاتصاف بذلك. PageV01P279 # وإذا آل الأمر إلى التجوز ؛ فليس حمل القوة على القدرة ، بأولى من حملها ~~على كونه بحال يصدر عنه جميع الموجودات. ### ||| ** والجواب : ### |||| ** أما السؤال الأول : فمندفع ؛ وذلك أنه لا يخلو : إما أن تكون صفة الكلام ثابتة ، أو غير ثابتة. # فإن كان الأول : فقد صح الاستدلال. # وإن كان الثانى : فليس من شرط الدليل أن يكون مسلما ؛ بل شرطه أن يكون ~~بحال يمكن تسليمه بالدلالة عليه وتقريره ، وإثبات صفة الكلام بهذه الحالة ؛ ~~فإنا سنبين كونها ثابتة فيما بعد (1). ### |||| ** وما ذكروه من مخالفة الظاهر ؛ ممنوع ؛ فإن القوة وإن كانت في أصل الموضوع عبارة عن الصلابة كما ذكروه ؛ ~~إلا أن استعمالها بإزاء (القدرة) (2) مجاز مشهور. # ولهذا إذا قيل فلان قوى على كذا. تبادر إلى الفهم منه عند الإطلاق ؛ أن ~~له عليه قدرة ، ولا كذلك ما ذكروه من التأويل والذي يدل على امتناع الحمل ~~على ما ذكروه من المجاز قوله تعالى ( @QUR@04 هو أشد منهم قوة ) فقد أثبت ~~لهم أصل القوة ، وهى غير مفسرة في حقهم بالإيجاد ، فإنا سنبين أنه لا موجد ~~(3) غير الله تعالى فتعين تفسير القوة بما ذكرناه. # وبالجملة فطريق الاستدلال في هذا الباب بالنصوص المذكورة لا يخرج عن الظن ~~، والتخمين ؛ وهو غير مكتفى به في اليقينيات. # وأما من جهة المعقول : فهو أنهم قالوا : إذا ثبت حدوث العالم وهو كل ~~موجود سوى الله تعالى فإما أن يكون وجوده بنفسه ، أو بخارج عنه. PageV01P280 # لا جائز أن يكون وجوده بنفسه : لما سبق في إثبات واجب (1) الوجود (1). ~~وإن كان بغيره : فذلك الغير إن كان غير الله تعالى فهو من العالم ؛ فيكون ~~حادثا ، ولا بد له من محدث ، والكلام فيه ، كالكلام في الأول ؛ فلا بد من ~~الاستناد إلى الله تعالى قطعا للتسلسل ، والدور الممتنع. # وعند ذلك. فإما أن يكون البارى تعالى موجدا له بذاته ، أو بصفة زائدة على ~~(2) ذاته. # فإن كان موجدا له بذاته : فإما أن ms0127 يتوقف إيجاده له على أمر ، أو لا يتوقف. # فإن توقف على أمر. فإما قديم ، أو حادث. # فإن كان قديما : لزم من قدم / الذات ، وقدم الشرط ؛ قدم الحادث عنه ؛ وهو محال. # وإن كان الشرط حادثا : فالكلام فيه ؛ كالكلام في الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع. # وإن لم يتوقف على شرط : لزم من قدمه ، قدم ما صدر عنه ، أو من حدوث ما ~~صدر عنه حدوثه ؛ وكل واحد من الأمرين محال. # وإن كان البارى تعالى موجدا له بصفة زائدة على ذاته : فإما أن تكون قديمة ~~، أو حادثة. # لا جائز أن تكون حادثة : إذ الكلام في حدوثها ؛ كالكلام فيما حدث بها ؛ ~~وهو تسلسل ممتنع. كيف ويلزم منه أن يكون الرب تعالى محلا للحوادث ؛ وهو ~~ممتنع ؛ كما سيأتى (3). # وإن كانت الصفة قديمة : فلا تخلو : إما أن تكون صفة وجودية ، أو عدمية ، ~~أو لا وجودية ، ولا عدمية. PageV01P281 # لا جائز أن يقال بكونها عدمية ، ولا بكونها غير موجودة ، ولا معدومة كما ~~سبق في إثبات واجب الوجود (1). فلم يبق إلا أن [تكون (2) وجودية (2) ] وهى ~~إما أن تكون بحيث يلازمها الإيجاد ، ولا يتصور معها الترك بدلا عن الفعل ، أو لا. # فإن كان الأول : فيلزم من قدمها ، قدم معلولها ، أو من حدوث معلولها ؛ ~~حدوثها ؛ وهو محال. # وإن كانت بحيث يتصور معها الترك بدلا عن الفعل ؛ فهو المعنى بالقدرة. # فإن قيل : لا نسلم حدوث كل موجود سوى الله تعالى وإن (3) سلمنا حدوث كل ~~موجود سوى الله تعالى (3)؛ فما المانع من أن يكون البارى تعالى موجدا له بذاته؟ # قولكم : لو كان موجدا له (4) بذاته : إما أن يتوقف إيجاده له على تجدد ~~أمر ، أو لا يتوقف. # قلنا : ما المانع من أن تكون الأزلية مانعة من وجوده ، وزوالها شرطا في ~~عدمه ، ويكون البارى تعالى متوقفا في إيجاده له بذاته على زوال المانع ، ~~وتحقق الشرط؟ # سلمنا أن الأزلية ليست مانعة ، ولا زوالها شرطا ؛ ولكنا أجمعنا على أن ~~شرط إيجاد العلة لمعلولها وسواء كانت موجبة له بالطبع ، أو الاختيار أن ~~يكون المعلول ممكنا في نفسه ؛ فإن ما ليس ms0128 ممكنا [فى (5) نفسه (5) ] ؛ فلا ~~يكون معلولا لغيره. # وعند هذا. فلا يخلو : إما أن يكون وجود العالم في الأزل ممكنا ، أو غير ~~ممكن. فإن كان ممكنا : فقد تعذر عليكم القول بامتناع قدمه ، فإن الممكن لا ~~يكون ممتنعا ؛ وهو خلاف مذهبكم ، ثم إنه لا يمتنع / أن يكون وجوده واجبا في ~~الأزل بالواجب (6) بذاته ، ويكونا (6) معا بالوجود ، وإن تفاوتا في التقدم ~~، والتأخر بالذات ؛ كتقدم حركة اليد على حركة الخاتم. وإن كانا معا ~~بالوجود. PageV01P282 # وعند ذلك : فيمتنع القول بإثبات القدرة لله تعالى إذ هو مبنى على حدوث ~~العالم. وإن لم يكن العالم في الأزل ممكنا : فقد فات شرط إيجاب (1) العلة ~~لمعلولها في الأزل ؛ فلذلك امتنع أن يكون العالم موجودا مع البارى في الأزل ~~، بخلاف الحكم في حالة الحدوث. # ثم إن الإمكان المتجدد : إما أن يكون وجودا ، أو عدما. # فإن كان وجودا : فقد تجدد أمر لم يكن ، والكلام فيه كالكلام في الأول ؛ ~~ويلزم منه التسلسل الممتنع. # وإن كان عدما : فعدمه في الأزل وجود ؛ لأن عدم العدم وجود ، وليس ممكنا ، ~~وإلا كان الموجود الممكن ثابتا في الأزل ؛ وهو خلاف الفرض ؛ فهو واجب ~~لذاته. فإذا قيل بعدمه ؛ فقد قيل بجواز عدم الواجب (2) لذاته (2)؛ وهو ممتنع. # سلمنا أنه لا يتوقف إيجاده له على شرط ؛ ولكن ما المانع من أن يكون ~~البارى تعالى مقتضيا بذاته لإيجاد العالم حادثا ، لا أزليا؟ # وعند ذلك لا يلزم من قدم العلة ؛ قدم المعلول ، ولا من حدوث المعلول ؛ ~~حدوث العلة. # سلمنا دلالة ما ذكرتموه على وجود القدرة القديمة ؛ ولكن معنا ما يدل على ~~أنها غير موجودة. ### ||| ** وبيانه من عشرة أوجه : ### |||| ** الأول : أنه لو كان موجدا بالقدرة القديمة : فإما أن يتوقف الإيجاد بالقدرة على ~~تجدد أمر ، أو لا يتوقف ، # فإن توقف ؛ لزم التسلسل. # وإن لم يتوقف : فيلزم قدم المقدور ؛ لقدم القدرة ، أو حدوث القدرة ؛ ~~لحدوث المقدور ؛ وكل واحد من الأمرين محال. PageV01P283 ### |||| ** الثانى : هو أن وجود المقدور بالقدرة : إما أن لا يكون متوقفا على تعلق القدرة به ، ~~أو يكون متوقفا على تعلق القدرة به. # فإن كان ms0129 الأول : فلا يكون (1) وجوده أولى من عدمه ، ولا وجوده أولى من ~~وجود غيره بها ؛ لعدم تعلق القدرة به. # وإن كان الثانى : فلا يخفى أن تعلق القدرة بالمقدور نسبة وإضافة بين ~~القدرة ، والمقدور ، والنسبة بين الشيئين ، متوقفة عليهما ، وأحد المتعلقين ~~هو المقدور ؛ فتعلق القدرة / متوقف عليه ؛ فإذا (2) كان وجود المقدور ~~متوقفا على تعلق القدرة به ؛ كان دورا ممتنعا. ### |||| ** الثالث : أن وجود المقدور : إما أن يتوقف على تأثير القدرة فيه أو لا. فإن كان الأول ~~: فالتأثير أيضا نسبة وإضافة (3) بين الأثر ، والمؤثر ؛ وذلك يفضى إلى ~~الدور ؛ كما سبق في تحقيق التعلق. # وإن كان الثانى : فيلزم منه وجود الأثر بدون تأثير المؤثر فيه ؛ وهو ممتنع. ### |||| ** الرابع : هو أن تأثير القدرة في وجود الحادث يتوقف على تميزه في نفسه ؛ وإلا لما كان ~~تأثيرها فيه أولى من غيره ؛ فإذن تميزه في نفسه ، مقدم على تأثير القدرة ~~فيه ، وتميز المقدور في نفسه صفة له ، وصفة الشيء متأخرة عنه ، والمقدور ~~متأخر عن تأثير القدرة فيه (4)؛ فالتمييز الذي هو متأخر عن المقدور ، ~~المتأخر عن تأثير القدرة فيه ؛ يكون متأخرا عن تأثير القدرة ، وقد كان ~~متقدما عليها ؛ وهو محال. ### |||| ** الخامس : أن تأثير القدرة في الوجود ، بدلا عن العدم ، أو العدم بدلا عن الوجود : ~~إما أن يكون متوقفا على مرجح لأحد الطرفين على الآخر ، أو لا. # لا جائز أن يقال بعدم المرجح : وإلا لزم منه ترجيح أحد الجائزين على ~~الآخر من غير مرجح ؛ وهو محال ؛ لما سبق (5). PageV01P284 # وإن كان متوقفا علي مرجح : فعند وجود المرجحات ، وانتفاء الموانع : إما ~~أن يكون الترك ممكنا ، أو لا. # فإن كان الأول : فلا يلزم من فرض عدمه المحال. # فإذن الفعل والترك [ممكنان (1) ] والتقسيم في تحقيق الوجود دون العدم ~~يكون عائدا ؛ ويلزم منه التسلسل الممتنع. # وإن كان الثانى : فقد صار وجوده واجبا ، وحتما لازما ، وخرج عن أن يكون ~~موجودا (2) بالقدرة ؛ إذ القدرة ما يتأتى بها الإيجاد ، ولا يمتنع معها ~~الترك ، بدلا عن الفعل. ### |||| ** السادس : هو أن وجود الحادث في وقت حدوثه : إما أن يكون معلوما لله ms0130 تعالى ، أو لا. # فإن لم يكن معلوما لله (3): كان جاهلا بعواقب الأمور : وهو على الله ~~تعالى محال. # وإن كان معلوما : فلا بد من وقوعه ؛ حتى لا يكون علمه جهلا. # وعند ذلك ؛ فلا حاجة إلى القدرة. # وإن كان لا بد من القدرة : فالإيجاد (4) بها مما (4) لا يتهيأ معه الترك ~~حتى لا يكون العلم جهلا ؛ فلا يكون قدرة. ### |||| ** السابع : هو / أن وجود الحادث في وقت حدوثه : إما أن يكون مرادا لله تعالى أولا يكون ~~مرادا له # فإن كان مرادا له ؛ فيمتنع أن لا يقع. # وعند ذلك : فلا حاجة إلى القدرة ، أو أن تكون القدرة مما لا يتهيأ معها ~~الترك ؛ وهو ممتنع ؛ على ما سبق (5). PageV01P285 # وإن لم يكن مرادا له ؛ فهو غير مختار في إيجاده. ### |||| ** الثامن : أنه لو كان موجدا بالقدرة : فإما أن يكون مريدا لما يوجده ، أو لا يكون ~~مريدا لما يوجده. # فإن كان مريدا لما يوجده : فهو ممتنع ؛ لوجهين : ### |||| ** الأول : هو أن إرادته له : إما أن تكون سابقة على الحادث ، أو معه. # فإن كانت سابقة : فهى عزيمة ، والعزم إنما يتصور في حق من أجمع على شيء ~~بعد تردده فيه ، وذلك في حق الله تعالى محال. # وإن كان وجودها مع وجود الحادث بها : فهى حادثة ؛ وهو محال. ### |||| ** الوجه الثانى : هو أنه لو كان مريدا لمقدوره : فإما أن تكون إرادته له (1) أولى (1) من [لا ~~إرادة (2) ] أو لا تكون أولى له. # فإن لم تكن إرادته له أولى له : فليس إرادة الفعل أولى من الترك. # وإن كانت إرادته أولى به : فهو لا محالة يستفيد بإرادته له كمالا ، وبعدم ~~الإرادة يفوت عليه ذلك الكمال ، ويلزم من ذلك أن يكون كمال الرب تعالى ~~مستفادا له من مخلوقه ؛ وهو محال. # وإن لم يكن مريدا لما يوجده ؛ فهو غير موجد بالاختيار. ### |||| ** التاسع : هو أن الإيجاد بالقدرة ، إما أن يكون العدم معه مقدورا ، أو لا. # لا جائز أن يقال بالأول : إذ القدرة صفة مؤثرة فتستدعى أثرا ، والعدم نفى ~~محض ؛ فلا يكون أثرا للقدرة. # وإن قيل بالثانى : فهو غير موجود بالاختيار ms0131 ؛ فإن الموجد بالاختيار : من ~~صح منه الفعل بدلا عن الترك ، والترك بدلا عن الفعل. PageV01P286 ### |||| ** العاشر : لو كان موجدا بالقدرة ، والقدرة قديمة ؛ لوجب تعلقها بجميع المتعلقات ؛ ~~فإنه ليس تخصيص القديم ببعض الجائزات دون البعض بأولى من العكس ، ولو كانت ~~متعلقة بجميع الجائزات ؛ فهو ممتنع لوجهين : # الأول : هو أن العالم مشتمل على خيرات ، وشرور ، فلو كان موجدا للجميع ؛ ~~لوجب (1) أن يكون خيرا ، شريرا على ما تقرر في العقول من خيرية موجد الخير ~~، وشرية موجد الشر ؛ وذلك على الله تعالى محال. # الثانى : هو أن من جملة الجائزات : أفعال العباد ؛ فإنها مقدورة / لهم ؛ ~~كما سيأتى (2) تعريفه. فلو تعلقت بها قدرة الرب تعالى ؛ للزم منه وجود ~~مقدور بين قادرين ؛ وهو ممتنع كما سيأتى بيانه (3). # وأيضا : فإن كثيرا من الموجودات الجائزة متولد (4) بعضها من بعض كالذى ~~نشاهده من تولد حركة الخاتم من (5) حركة اليد ، وكذا (5) فى حركة كل متحرك ~~بحركة ما هو قائم به ، وملازم له ، ولا يمكن أن يقال بأن حركة الخاتم ~~مخلوقة لله تعالي ؛ فإنها غير متولدة من حركة اليد ، وإلا لجاز أن يخلق ~~إحدى الحركتين دون الأخرى ؛ وهو ممتنع. # سلمنا أنه موجد بالقدرة ؛ ولكن هل القدرة القديمة واحدة ، أو متعددة؟ ### |||| ** فإن كانت واحدة : فهل هى متناهية في ذاتها وبالنظر إلى متعلقاتها ، أم لا؟ ### |||| ** وإن كانت غير متناهية : فما علمه الله تعالى أنه لا يكون هل يكون مقدورا للرب ، أم لا؟ PageV01P287 ### ||| ** والجواب : ### |||| ** قولهم (1): لا نسلم حدوث كل موجود سوى الله تعالى قلنا (2): سنبين ذلك فيما بعد (3). ### |||| ** قولهم : ما المانع من أن تكون الأزلية مانعة من الوجود ، وعدمها شرطا؟ ### |||| ** قلنا : ما من وقت يفرض وجود العالم فيه حادثا ، إلا ويمكن فرض وجوده قبل ذلك ، ~~مع انتفاء الأزلية المانعة ، فلو كان البارى تعالى موجدا بذاته ؛ لوجب أن ~~يكون موجدا له في كل وقت يفرض فيه انتفاء الأزلية ، ويلزم من ذلك أن لا ~~يكون العالم موجودا وقت وجوده ؛ بل قبله ؛ وهو محال ؛ فدل على أنه موجب ~~بالقدرة ، والاختيار. ### |||| ** قولهم : العالم في الأزل : إما أن يكون ممكنا ، أو ms0132 غير ممكن. ### |||| ** قلنا : عنه جوابان : # الأول : أنه ممكن غير ممتنع لذاته ، وإنما هو ممتنع باعتبار أمر خارج ؛ ~~فلا منافاة بين كونه ممكنا باعتبار ذاته ؛ ممتنعا باعتبار غيره. # الثانى : أنه وإن لم يكن ممكنا في الأزل : فما من وقت يفرض حدوثه فيه ، ~~إلا وهو ممكن قبل ذلك الوقت. فلو كان البارى تعالى موجبا له بذاته ؛ لكان ~~موجبا له في كل حالة يفرض كونه ممكنا فيها ، ويلزم من ذلك أن يكون العالم ~~حادثا ، قبل وقت حدوثه ؛ وهو ممتنع. ### |||| ** قولهم : الإمكان المتجدد : إما وجود ، أو عدم؟ ### |||| ** قلنا : بل عدم ؛ كما سيأتى تعريفه. ### |||| ** قولهم : فسلب الإمكان في الأزل يكون وجودا : يلزم عليه الامتناع ؛ فإنه عدم ؛ إذ ~~هو صفة للمنع ، والممتنع نفى محض ؛ فلو كان الامتناع صفة وجودية ؛ لكان ~~الوجود صفة للنفى المحض ؛ وهو محال. وسلب الامتناع مع كونه عدما ، ليس أمرا ~~وجوديا ؛ فإن PageV01P288 # سلب الامتناع صفة للعدم الممكن ، والعدم نفى محض ؛ فما يكون صفة له ؛ لا ~~يكون وجودا (1). ### |||| ** قولهم : ما المانع من أن يكون البارى تعالي مقتضيا بذاته لوجود العالم حادثا ؛ لا أزليا. # قلنا : فكان يجب أن يكون مقتضيا لوجوده في كل وقت يمكن أن يفرض العالم ~~فيه حادثا ، ويلزم من ذلك وجوب حدوثه قبل وقت حدوثه ؛ وهو محال. ### |||| ** قولهم : لو كان موجدا / للعالم بالقدرة : فإما أن يتوقف الإيجاد بالقدرة على تجدد ~~أمر ، أو لا. # قلنا : لا يتوقف على تجدد أمر ، ولا يلزم من ذلك قدم المقدور ؛ إذ ليس ~~معنى القدرة ما يلازمه (2) المقدور ؛ بل ما من شأنه تحقق المقدور به ، ~~وتخصيص الإيجاد بوقت الوجود دون ما تقدم ، أو تأخر ، فمستند إلى الإرادة ~~كما سيأتى (3). # قولهم (4): لو كان موجدا بالقدرة القديمة ؛ فإيجاد المقدور : إما أن ~~يتوقف على تعلق القدرة به ، أو لا. عنه جوابان : # الأول : أنه لا معني لتعلق (5) القدرة به غير حصوله عنها ، وهو نفس ~~المعلول. وعند ذلك ؛ فلا دور. # الثانى : أن هذا لازم على من زعم أن الرب تعالى موجب بذاته. # والجواب إذ ذاك يكون متحدا ، وبهذين الجوابين يكون اندفاع الشبهة الثالثة ms0133 ~~، وبالثانى منهما ، اندفاع الشبهة الرابعة. # (قولهم : إذا كان ممكنا أن لا يمنع وجوب وجوبه بالواجب لذاته إنما يلزم ~~أن لو كان الإيجاد بالذات ممكنا وهو غير مسلم. ولا نسلم أن تولد وجود حركة ~~الخاتم من حركة اليد ، بل هما معلولان لأمر خارج وإن كان أحدهما لازما ~~للآخر كما سنبينه). PageV01P289 ### |||| ** قولهم : تأثير القدرة في الوجود بدلا عن العدم ، وبالعكس ، إما أن يتوقف على مرجح ، أم لا. ### |||| ** قلنا : هو متوقف على مرجح : هو القدرة ، ومخصص : هو الإرادة. لا على أمر خارج ~~عنهما ، وليس في ذلك ما يوجب وجود الممكن من غير مرجح. ### |||| ** قولهم : إما أن يجوز مع ذلك الترك ، أو لا. ### |||| ** قلنا : أما بعد التعلق فلا ، ولكن لو قدرنا عدم التعلق بالإيجاد بدلا عن التعلق ~~بالإيجاد ، لما (1) كان (1) ممتنعا. وبهذا تميز الموجب بالقدرة عن الموجب ~~بالذات ؛ فإن الموجب بالذات لا يتصور أن لا يكون موجبا. ### |||| ** قولهم : وجود الحادث في وقت حدوثه : إما أن يكون معلوما لله تعالى ، أو لا. ### |||| ** قلنا : حدوثه معلوم له مقدورا ، لا غير. مقدور. # وعند ذلك فلو فرضنا حدوثه لا بجهة القدرة ؛ كان علمه جهلا ### |||| ** قولهم : وجود الحادث في وقت حدوثه : إما مرادا لله تعالى ، أو غير مراد. ### |||| ** قلنا : مراد الجهة بجهة القدرة ، لا مطلقا ؛ وذلك لا ينافى القدرة. ### |||| ** قولهم : الإرادة إن كانت سابقة ، فهى عزيمة. # لا نسلم ذلك ؛ فإن العزيمة إنما تتصور في حق من إرادته السابقة مسبوقة ~~بالتردد والفكر ؛ وهو غير مسلم في حق الرب تعالى بخلاف الشاهد. ### |||| ** قولهم : إما أن تكون إرادة العالم أولى ، أو لا. ### |||| ** قلنا : الأولى إنما يطلب في فعل من يطلب في فعله رعاية الصلاح ، أو الأصلح ؛ ~~وليس البارى تعالى كذلك على ما يأتى (2). # وعلى / هذا فلا يصح القول بأنه لا أولوية لتخصيص أحد الأمرين دون الآخر ؛ ~~فإن هذا هو شأن الإرادة ، وهو تخصيص أحد الجائزين دون الأخر. PageV01P290 # فإذا قيل : لم كان كذلك؟ كان هذا السؤال يتضمن إبطال حقيقة الإرادة ، ~~وكأنه قيل : لم كانت الإرادة ؛ إرادة؟ وهو غير مسموع. # ثم وإن قدرنا الأولى ms0134 في فعله ؛ فإنما يلزم بسببه الكمال والنقصان ، في حق ~~واجب الوجود أن لو كانت حكمة الأولوية عائدة إليه ، وليس كذلك ؛ بل هى ~~عائدة إلى المراد دون المريد ، ثم هذا الإشكال مما لا يصح إيراده ممن يعترف ~~بكون الله تعالى مريدا. من المعتزلة. ولا من الفلاسفة الإلهيين حيث قضوا : ~~بأن النفوس الفلكية ، مخصصة للحركات الدورية ، بإرادة نفسية على ما سيأتى ~~تحقيقه (1). وإن كانت النفوس الفلكية أشرف من الحركات المخصصة بها. # ثم هو لازم على القائل بالإيجاب بالذات ، إذ يمكن أن يقال : الإيجاب ~~بالذات : إما أن يكون أولى من عدم الإيجاب بالذات ، أو لا يكون أولى ، وهلم ~~جرا ، إلى آخر الإشكال. # وعند ذلك : فما هو جواب له في الإيجاب بالذات ؛ فهو جواب له في الإيجاب ~~بالقدرة ، والاختيار. ### |||| ** قولهم : الإيجاد بالقدرة : إما أن يكون العدم معه مقدورا ، أو لا. ### |||| ** قلنا : بل مقدور. وما (2) أوردوه (2) من الإشكال ؛ فقد سبق جوابه. ### |||| ** قولهم : العالم مشتمل على خيرات وشرور. # فقد أجاب عنه بعض الأصحاب بأن قال : أفعال المكلفين وإن انقسمت إلى خيرات ~~، وشرور ، لكن القدرة (3) إنما تتعلق (3) بها من جهة وجودها ، وهى من هذا ~~الوجه ليست شرورا ، وإنما يلحقها الشر بالنسبة إلي صفات هى منتسبة (4) إلى ~~فعل العبد ، وقدرته ، كما يأتى تحقيقه في مسألة خلق الأعمال ، وهى من تلك ~~الجهة غير مقدورة لله تعالى ولا مرادة له. فإذن ما هو الخير مستند إلى فعل ~~الله تعالى وما هو الشر # الفصل السابع : في إبطال قول الفلاسفة إن الأفلاك ذوات أنفس وأنها متحركة ~~بالإرادة النفسية ل 32 / أوما بعدها. PageV01P291 # مستند إلى فعل العبد. وسنبين إبطاله في مسألة خلق الأعمال (1)، ونبين ~~أنه ما من حادث ، إلا وهو حادث بإحداث الله تعالى # بل الحق في ذلك أن يقال : # القدرة إنما تتعلق به من جهة حدوثه ، ووجوده ، وليس من هذه الجهة شر ؛ إذ ~~الشر ليس وصفا ذاتيا ، ولا أمرا حقيقيا ؛ بل حاصله / يرجع إلى مخالفة الفرض ~~؛ وهو غير خارج عن الأمور النسبية ، والأحوال الإضافية ؛ كما يأتى تحقيقه ~~في مسألة التحسين ، والتقبيح (2). # ثم وإن ms0135 قدر استناد الشر إلى الله تعالى فى الخلق ، والإيجاد ؛ فلا يلزم ~~أن يقال له باعتبار ذلك شريرا إلا بالقياس على الشاهد ؛ وهو غير صحيح كما ~~سبق (3). # وإن كان المورد له معتزليا ؛ فيلزمه تسمية الرب (4) تعالى مطيعا ؛ لكونه ~~خالقا للطاعة ؛ كما قيل في الشر ؛ وليس كذلك. ### |||| ** فإن قيل : تسمية الواحد منا مطيعا : إنما كان بالنسبة إلى ما أوجده فيما هو مأمور به ~~، وملجأ إليه ، والبارى تعالى منزه عن ذلك. ### |||| ** قلنا : فما المانع من أن تكون تسمية الواحد منا شريرا بالنسبة إلى ما أوجده عما ~~نهى عنه؟ والرب يتعالى ، عن ذلك. ### |||| ** قولهم : من جملة الجائزات أفعال العباد ، والمتولدات. ### |||| ** قلنا : أما أفعال العباد : فسنبين أنها مخلوقة لله تعالى دون العبيد ، فيما (5) ~~بعد (5). ### |||| ** وأما المتولدات : فسيأتى (6) أيضا إبطالها ، وبيان أنه ما من حادث إلا وهو حادث بإحداث الله ~~تعالى وملازمة حركة الخاتم لحركة اليد : غير مانع من حدوثهما PageV01P292 # بإحداث الله تعالى لهما ؛ فإنه لا مانع من وجود أمرين. أحدهما يلزم الآخر ~~: إما عادة : كملازمة التسخين للنار. وإما اشتراطا : كملازمة العلم للإرادة ~~، والحياة للعلم ، وليس أحدهما مستفادا من الآخر ؛ بل كلاهما مخلوقان لله ~~تعالى . ### |||| ** قولهم : القدرة القديمة واحدة ، أو متعددة. ### |||| ** قلنا : بل واحدة ، لا تعدد فيهما ، ودليله مسلكان : ### |||| ** المسلك الأول : أنها لو كانت قابله للتعدد : فإما أن تكون أعدادها ، متناهية ، أو غير ~~متناهية. # فإن كانت متناهية : فما من عدد يفرض إلا وفرض الزيادة عليه لا يلزم منه الحال. # فكل عدد معرض قائله له ؛ فهو جائز عليها. # وعند ذلك فتخصيصها ببعض الأعداد دون البعض : إما لمخصص ، أو لا لمخصص. # فإن كان الأول : فالمخصص لها بذلك العدد : إما موجب بالذات ، أو ~~بالاختيار. # فإن كان الأول : فهو محال ، فإن نسبة الموجب بالذات إلى كل ما يفرض من ~~الأعداد نسبته واحدة ، فليس تخصيصه للبعض دون البعض ؛ أولى من العكس. # وإن كان موجبا بالاختيار ، والقدرة : فإما / أن تكون تلك القدرة قديمة ، ~~أو حادثة. # فإن كانت قديمة : فهى من الجملة المفروضة ، وليس جعل البعض منها مخصصا ~~للباقى ، أولى من العكس. # وإن ms0136 كانت حادثة : فالحادث لا يكون مخصصا للقديم. # وإن كان ذلك لا لمخصص : ففيه فرض وقوع الجائز لا لمخصص ؛ وهو محال كما ~~سبق (1). # وأما إن كانت أعدادها غير متناهية ؛ فهو ممتنع لما سبق أيضا (2)، ويلزم ~~من إبطال كل واحد من القسمين ؛ إبطال التعدد. PageV01P293 ### |||| ** المسلك الثانى : أن يقول : لو كانت متعددة متكثرة ؛ فلا يخلو : إما أن تكون متفقة من كل وجه ~~، أو مختلفة من كل وجه ، أو متفقة من وجه دون وجه. ### |||| ** فإن كان الأول : فلا تعدد ، ولا كثرة ؛ فإن التكثر في أشخاص الحقيقة الواحدة من غير مميز محال. ### |||| ** وإن كان الثانى : فالقدرة ليست إلا واحدة منها ، والباقى ليس بقدرة. ### |||| ** وإن كان الثالث : فما به تميز كل واحد من أعداد القدر (1) عن الآخر إما أن يكون اختصاصه به ~~لذاته ، أو لمخصص من خارج. # لا جائز أن يقال بالأول : وإلا لما وقع الاختلاف فيه بين أعداد القدر (2) ~~؛ لاشتراك الكل في حقيقة القدرة الموجبة لتخصيصه. # ولا جائز أن يقال بالثانى : وإلا فالمخصص لكل واحد منها بما تخصص به إما ~~أن يكون موجبا لذلك بالذات ، أو بالقدرة. # فإن كان بالذات : فهو أيضا محال ؛ لأن نسبة الموجب بالذات إلى الكل نسبة ~~واحدة ؛ ضرورة التماثل ، وليس تخصيصه [بما] (3) تخصص به البعض دون البعض ؛ ~~أولى من العكس. # وإن كان مخصصا بالقدرة : فالقدرة المخصصة : إما قديمة ، أو حادثة. # لا جائز أن تكون حادثة ؛ فإن الحادث لا يكون مخصصا للقديم. # وإن كانت قديمة : فهى من الجملة ، والكلام فيما تخصصت به : كالكلام في ~~الأول. وذلك يجر إلى التسلسل ، أو الدور ؛ وهو ممتنع. # وإذا بطل كل واحد من الأقسام اللازمة من التعدد ؛ فلا تعدد. # كيف وأن الطريق إلى ثبوت صفة القدرة إنما هو كون الكائنات ؛ وذلك إنما ~~يدل على أنه لا بد من قدرة يحصل بها الإيجاد ، ولا مانع من أن تكون القدرة ~~واحدة ، PageV01P294 # والمتعلقات متعددة ؛ وذلك على نحو تعلق الشمس بما قابلها ، واستضاء بها ؛ ~~فإنه وإن كان متعددا غير موجب للتعدد في الشمس المتعلقة به ؛ فالقول ~~بالزيادة / على ذلك قول لا ms0137 دليل عليه. # وأيضا : فإن القول بالتكثر يوجب التمايز بصفات خارجة عن الصفات النفسانية ~~من غير دليل عقلى ، ولا (1) نقل سمعى ؛ وهو ممتنع. # غير أن هذه استبصارات ؛ والبرهان ما ذكرناه من المسلكين : # فإن قيل : ما ذكرتموه إنما يلزم أن لو كان ما وقع به التمايز بين أعداد ~~القدرة من الصفات الوجودية ، والأمور الحقيقية. وما المانع من أن يكون ~~التمايز باعتبار سلوب ، وإضافات ، ومتعلقات خارجة ليست من الصفات الوجودية؟ # وذلك على نحو ما يقوله الفيلسوف : في تعدد الأنفس الإنسانية ، بعد مفارقة ~~الأبدان : بناء على ما حصل لها في حال مقارنة الأبدان من النسب ، ~~والإضافات. # قلنا : أما التعدد بالسلوب المحضة ؛ فبعيد ؛ وذلك لأن ما سلب عن أحد ~~الأعداد ؛ إن وقعت المشاركة فيه : بأن يكون مسلوبا أيضا عن الكل ؛ فلا (2) ~~تمايز به. وإن لم يكن مسلوبا عن الكل فما سلب عن بعضها ؛ فهو ثابت للبعض ~~الآخر ، ويلزم من ذلك إثبات صفة وجودية زائدة يكون التمييز حاصلا بها ، لا ~~بمحض السلب. # وأما التغاير باعتبار الإضافات ، والتعلقات فلا يخلو : إما أن تكون موجبة ~~لقيام صفات وجودية بالمتعلق ، أو لا. # فإن كان الأول : ففيه إثبات صفة وجودية على ما سلف. # وإن لم يوجب قيام صفة وجودية به (3)؛ فهى غير موجبة للتعدد في المتعلق ~~كما ذكرناه من تعلق الشمس بما قابلها واستضاء بها ؛ فإذن صفة القدرة ~~القديمة واحدة لا تعدد فيها. PageV01P295 ### |||| ** قولهم : [أهى] (1) غير متناهية في ذاتها ، ومتعلقاتها ، أم لا؟ # قلنا : بل هى غير متناهية في ذاتها ، ولا بالنظر إلى متعلقاتها. # أما بالنظر إلى ذاتها : فبمعنى أنها حقيقة واحدة ، لا انقسام فيها" لا ~~(2) بأجزاء حد (2)، ولا بأجزاء كمية ، وهذا هو المعنى من سلب النهاية عن ~~ذات واجب الوجود ، وباقى صفاته. # وأما سلب النهاية عنها باعتبار متعلقاتها : فمعناه أن ما يصح (3) أن ~~تتعلق به القدرة من الجائزات لا نهاية له بالقوة ، وإن كان متناهيا بالفعل. ~~وهذا هو المعنى بسلب النهاية في متعلقات باقى الصفات. ### |||| ** قولهم : فما علم الله تعالى أنه لا يكون ، هل (4) يكون مقدورا منه ما هو ممتنع ms0138 ~~الكون له؟ ### |||| ** قلنا : ما علمه الله تعالى أنه لا يكون : منه / ما هو ممتنع الكون في نفسه : ~~كاجتماع الضدين ، وكون الجسم الواحد في آن واحد في مكانين ، ونحوه ، ومنه ~~ما هو جائز في نفسه : مع قطع النظر عن تعلق العلم بأنه لا يكون. # فما كان من القسم الأول : فغير مقدور من غير خلاف. سواء تعلق العلم بأنه ~~لا يكون ، أو لم يتعلق. # وأما القسم الثانى : فقد اختلف فيه ، فذهب أئمتنا ، وأكثر المعتزلة : إلى ~~أنه مقدور خلافا لعباد (5)؛ فإنه قال : هو غير مقدور لله تعالى . # وحاصل النزاع في هذه المسألة آئل إلى العبارة ؛ فإن من قال بكونه مقدورا ~~لا يعنى به غير أنه بالنظر إلى ذاته ممكن ، والممكن من حيث هو ممكن غير مستحيل PageV01P296 # الوجود ، والقدرة من حيث هى قدرة لا يستحيل تعلقها بما هو في ذاته ممكن ~~إذا قطع النظر عن تعلق العلم بأنه لا يكون ، إذ الممكن من حيث هو ممكن لا ~~ينبوا عن تعلق القدرة القديمة به ، والقدرة من حيث هى قدرة لا تتقاصر عن ~~التعلق به لقصور فيها ، ولا ضعف. # ولا معنى لكونه مقدورا إلا هذا. وإن كان مستحيل الوجود بالنظر إلى تعلق ~~العلم بأنه لا يكون حتى لا يفضى إلى وقوع خلاف المعلوم. # ومن قال بكونه غير مقدور ؛ فهو لا ينازع في كونه مقدورا بالتفسير ~~المذكور. # وإنما قال بكونه غير مقدور : بمعنى أنه يلزم المحال من فرض وقوعه ، ~~وتخصيصه بالقدرة من حيث تعلق العلم بأنه لا يكون ؛ وهو غير ممنوع عند ~~القائل بكونه مقدورا بالتفسير المذكور ؛ والله أعلم. PageV01P297 ### | المسألة الثالثة ### | في إثبات صفة الإرادة. ### |||| ** مذهب أهل الحق (1): أن البارى تعالى مريد بإرادة قائمة بذاته. قديمة ، أزلية ، وجودية ، ~~واحدة ، لا تعدد فيها ، متعلقة بجميع الجائزات ، غير متناهية بالنظر إلى ~~ذاتها ، ولا بالنظر إلى متعلقاتها. ### |||| ** وذهب الفلاسفة (2)، ### |||| ** والشيعة (3)، ### |||| ** والمعتزلة (3): إلى إنكار ذلك. # وإذا قيل له مريد : فمعناه عند الفلاسفة : راجع إلى سلب الكراهة عنه. ### |||| ** ووافقهم على ذلك النجار (4) ### |||| ** من المعتزلة : حيث أنه فسر كونه مريدا ؛ بسلب الكراهة ، والغلبة ms0139 عنه. # انظر اللمع للأشعرى ص 47 59 ، والتمهيد للباقلانى ص 47 49 ، 152 والإنصاف ~~ص 36 له أيضا ، وأصول الدين للبغدادى ص 102 105 ، والإرشاد لإمام الحرمين ص ~~63 71 ، 237 254 ولمع الأدلة له أيضا ص 83 85 والاقتصاد في الاعتقاد ~~للغزالى ص 47 51 ونهاية الأقدام للشهرستانى ص 238 268 ، والمحصل للرازى ص ~~121 123 ومعالم أصول الدين ص 44 45 على هامش المحصل. # ومن كتب الآمدي غاية المرام ص 52 75. # ومن الكتب التى تأثر أصحابها بالآمدي : # انظر شرح الطوالع ص 179 182 والمواقف للإيجي ص 290 292 # وشرح المقاصد للتفتازانى 2 / 69 72. # (الملل والنحل 1 / 88 ، والفرق بين الفرق ص 207 ، ومقالات الإسلاميين 1 / ~~216). أما عن رأيه في الإرادة فانظر شرح الأصول الخمسة ص 440 والملل والنحل ~~1 / 89 والفرق بين الفرق ص 208. PageV01P298 ### |||| ** وأما النظام (1)، ### |||| ** والكعبى (2) ### |||| ** فإنهما قالا : إن وصف بالإرادة شرعا ؛ فليس معناه إن أضيف ذلك إلى أفعاله إلا أنه خالقها. # وإن أضيف إلى أفعال العبد ؛ فالمراد أنه أمر بها. # وزاد الجاحظ (3) على هؤلاء بإنكار الإرادة شاهدا ، وقال : مهما كان ~~الإنسان / غير غافل ، ولا ساه عما يفعله ؛ بل إن كان عالما به ؛ فهو معنى ~~كونه مريدا. ### |||| ** وذهب البصريون من المعتزلة : إلى أنه مريد بإرادة قائمة لا في محل. ### |||| ** وذهبت الكرامية (4): إلى أنه مريد بإرادة حادثة في ذاته ، تعالى الله عن قول الزائغين. # وطبقات المعتزلة ص 49 والملل والنحل 1 / 53 والفرق بين الفرق 131 150 ~~والنظام تأليف أبو ريدة). # أما عن رأيه في الإرادة : فانظر شرح الأصول الخمسة ص 434 والملل والنحل 1 / 55. # (وفيات الأعيان 2 / 248 والعبر 2 / 176 والفرق بين الفرق ص 181). # أما عن رأيه في الإرادة : فانظر شرح الأصول الخمسة ص 434 والملل 1 / 78. ~~ولمزيد من البحث والدراسة راجع ما سيأتى في الجزء الثانى القاعدة السابعة : ~~ل 246 / ب. # (وفيات الأعيان 3 / 140 ولسان الميزان 4 / 355 وتاريخ بغداد 2 / 212) # أما عن رأيه في الإرادة فانظر : الملل والنحل 1 / 75 والفرق بين الفرق ~~176 ، 177. ولمزيد من البحث والدراسة راجع ما سيأتى في الجزء الثانى ~~القاعدة السابعة ل 246 / ب. # والكرامية ثلاثة أصناف : حقائقية ، وطرائقية ، وإسحاقية. # (الملل والنحل 1 / 108 والفرق بين الفرق 215). # أما عن رأيهم في الإرادة : فانظر الملل والنحل 1 / 110 والفرق بين الفرق ص 220. # ولمزيد من البحث والدارسة عن هذه الفرقة راجع ما سيأتى في الجزء الثانى ~~القاعدة السابعة ل 256 / ب فقد تحدث الآمدي ms0140 عن آراء الكرامية بالتفصيل. PageV01P299 # وقبل الخوض في الحجاج (1) نفيا ، وإثباتا ؛ لا بد من تحقيق معنى الإرادة ~~على مذهب أهل الحق من أئمتنا ؛ ليكون التوارد بالنفى ، والإثبات على معنى واحد. # وقد اختلفت عباراتهم فيها : # فقال بعضهم : هى القصد إلى المراد. # وقال بعضهم : هى إيثار المراد. # وقال بعضهم : هى اختيار الحادثات (2). # وقال القاضى أبو بكر : هى المشيئة المجردة. # وفي هذه العبارات نظر. ### |||| ** أما العبارة الأولى والثانية : ففيهما تعريف الإرادة بالمراد ، والمراد مشتق من الإرادة ؛ فيكون أخفى في ~~المعرفة من معرفة الإرادة ؛ فلا يصلح للأخذ في التعريف. ### |||| ** والذي يخص العبارة (3) ### |||| ** الأولى : أن الإرادة أعم من القصد ، وتعريف الأعم بما هو أخص منه ممتنع ؛ ولهذا ~~فإن الإرادة على رأى الأصحاب يجوز تعلقها بفعل الغير ، والقصد إلي فعل ~~الغير ؛ ممتنع. # وقول القائل في العرف : قصدى لفعلك لأجل مصلحتك ؛ فمن أجل مصلحتك ، فمن ~~باب التجوز ، والتوسع ؛ والكلام إنما هو في الحقيقة. ### |||| ** وأما العبارة الثانية : وهى الإيثار. فقد قيل فيها : الإيثار مشعر بسابقة التردد بين أمرين. # أحدهما أثر عن الآخر ، والإرادة أعم من ذلك ؛ فإنها قد تكون حيث لا تردد ~~: كالمكره على فعل شيء ؛ فإنه لا يخطر له غير الفعل الذي به نجاته ؛ وهو ~~مريد له. # ويمكن دفعه : بأنه مؤثر لجانب فعله علي عدمه ، ولا خلو له عنه. وما مثل ~~هذا التشكيك فوارد على العبارة الثالثة : وهى الاختيار. PageV01P300 # وبالجملة : فجملة هذه العبارات ؛ وإن سلم تساويها في المعنى عموما ، ~~وخصوصا ؛ فحاصلها راجع إلى التعريف بالحد اللفظى : وهو تبديل لفظ بلفظ ~~مرادف له. # وهذا (1) إنما يفيد عند الجاهل بدلالة اللفظ ، العالم بمعناه. وأما ~~بالنسبة إلى الجاهل بنفس المعنى ؛ فلا. ### ||| ** والأقرب في ذلك أن يقال : # الإرادة عبارة عن معنى من شأنه تخصيص أحد (2) الجائزين ، دون الآخر ؛ لا ~~ما يلازمه التخصيص. # ولا يخفى مفارقتها للعلم ، والقدرة ، والكلام ، والسمع ، والبصر ، ~~والحياة ؛ إذ ليس من / شأن (3) العلم التخصيص بل الكشف والإحاطة بالشيء على ~~ما هو عليه ، فيكون تابعا للتخصيص ، فلا يكون هو الموجب للتخصيص. ولا من ~~شأن القدرة ذلك ؛ بل (4) الإيجاد (4). وأما باقى ms0141 الصفات فظاهر. # وليست هى الشهوة ، ولا التمنى ، ولا العزيمة ، ولا المحبة ، ولا الرضى. # وقد اختلف في ذلك كله : ### |||| ** أما الشهوة : فهى توقان النفس إلى إدراك بعض المدركات ، ولا تتعلق بجميع الجائزات ~~الواقعة ، بل ببعضها ، وهى ما فيه لذة ، واستطابة بخلاف الإرادة ، وقد ~~تتعلق الشهوة بما فيه لذة ، وإن لم يكن مرادا ؛ وذلك عند ما إذا علم الشخص ~~أن هلاكه فيه ، وحيث يطلق لفظ الشهوة بإزاء الإرادة ؛ فليس إلا بجهة التجوز ~~(5)، والتوسع (5). ### |||| ** وأما التمنى : فقد قال بعض أصحابنا : إنه نوع من الإرادة ، حتى قال في حده : # هو إرادة ما علم أنه لا يقع ، أو شك في وقوعه. # واتفق المحققون من أصحابنا ، ومن المعتزلة : على أنه ليس بإرادة ؛ لكن ~~اختلف قول أبى هاشم فيه. PageV01P301 # فقال تارة : هو قول القائل : ليت ما لم يكن كان ، وما كان لم يكن. # وتارة : أنه ضرب من الاعتقادات ، والظنون. # وتارة : أنه التلهف ، والتأسف. # والحق أن الإرادة مغايرة للتمنى ، وبيانه من ثلاثة أوجه : ### |||| ** الأول : أن التمنى قد يتعلق بما فات. وهو ما يدل عليه بقول القائل : ليت ما كان لم ~~يكن ، وما لم يكن كان ؛ والإرادة لا تتعلق بما فات. ### |||| ** والثانى : هو أن الإرادة قد تتعلق بما يعلم وقوعه ؛ بخلاف التمنى. ### |||| ** والثالث : هو أن الإرادة قد تتعلق بقتال (1) العدو القاصد للهلاك ؛ بخلاف التمنى ؛ ~~فإنه لا يتعلق بقتاله (2). # وإذا عرف الفرق بين التمنى ، والإرادة بما ذكرناه ؛ فقد امتنع جعل التمنى ~~نوعا من الإرادة. وإلا لزم من وجود التمنى ؛ وجود الإرادة ؛ ضرورة لزوم ~~وجود الأعم ؛ من وجود الأخص ؛ وهو باطل بما ذكرناه من الفرق الأول ، وامتنع ~~أيضا تفسيره بالقول ؛ فإن التمنى قد يوجد في حق من لا قول له. # وامتنع تفسيره بالتأسف ، والتلهف : إذ هو مخصوص بما فات ، والتمنى قد ~~يتعلق بما هو آت. # وامتنع تفسيره بأنه ضرب من الاعتقادات والظنون : إذ هو غير مميز للتمنى ؛ ~~فإن ما عداه من ضروب الاعتقادات والظنون ، يصدق عليه أنه ضرب من الاعتقادات ~~والظنون ؛ وليس تمنيا. # والمقصود : إنما هو بيان الفرق / بين الإرادة ، والتمنى ms0142 ، وقد حصل ذلك ~~بما حققناه ؛ فلا حاجة إلى تحديد التمنى ، وشرح معناه. ### |||| ** وأما العزيمة : فعبارة عن توطين النفس على أحد أمرين بعد سابقة التردد فيهما (3). # إلا أنها (3) نفس الإرادة المتقدمة على المراد بأزمنة ، كما ذهبت إليه ~~المعتزلة حتى أنهم منعوا بذلك من إثبات الإرادة (4) القديمة لله تعالى ومن ~~أراد بلفظ العزيمة ذلك ؛ PageV01P302 # فلا مانع من إثباته في حق الله تعالى وإن كان إطلاق لفظ العزيمة عليه ~~ممتنعا ؛ لعدم وورود الشرع به. ### |||| ** وأما المحبة والرضى : فقد اختلف أصحابنا فيه. # فذهب المعظم منهم : إلي أن الإرادة هى نفس المحبة والرضى ، وذهب الباقون ~~: إلى المغايرة بينهما. ### |||| ** أما القائلون بالاتحاد : فقد احتجوا بمسلكين : ### |||| ** الأول : بأن قالوا : لو كانت الإرادة مغايرة للمحبة ، والرضى. فلا يخلو : إما أن ~~تكون المحبة والرضى مخالفين للإرادة ، أو مماثلين لها. # فإن كان الأول : فإما أن يكونا مضادين ، أو غير مضادين لها. فإن كانا ~~متضادين لها ؛ فيلزم منه استحالة الجمع بين إرادة الشيء ومحبته ، والرضى به ~~؛ وهو ممتنع. وإن لم يكونا مضادين ؛ فكل مختلفين غير متضادين لا يمتنع وجود ~~أحدهما مع ضد الآخر ، ويلزم من ذلك جواز وجود المحبة والرضى ، مع وجود ضد ~~الإرادة ، وهو الكراهة ؛ وهو ممتنع. فلم يبق إلا التماثل ؛ ويلزم الاشتراك ~~في معنى الإرادة. # ولقائل أن يقول : وإن سلمنا أنهما لا يتضادان مع الاختلاف ، فمن الجائز ~~أن يكونا من قبيل المتلازمين اللذين لا انفكاك لأحدهما عن الآخر. # وعند ذلك فلا يلزم جواز وجود أحدهما مع ضد الآخر ، وإن جاز ذلك فيما ~~عداهما من المختلفات الغير متلازمة. ### |||| ** المسلك الثانى : أن مريد الشيء يستحيل أن لا يكون محبا له ، وكذلك بالعكس. ولو تغايرا ؛ ~~لتصور الانفكاك بينهما ؛ وهو ضعيف أيضا ؛ فإن الانفكاك بين المحبة والإرادة ~~؛ غير ممتنع ؛ ولهذا فإن شرب الدواء المستكره مراد ، وليس بمحبوب. # ولو قال القائل هو (1) مراد لى ، وليس بمحبوب (1)، لم يكن مستبعدا. ~~وبتقدير عدم الانفكاك ؛ فلا (2) يدل ذلك على الاتحاد في المعنى ؛ لما سبق ~~في المسلك الذي قبله (2). PageV01P303 ### ||| ** وأما القائلون بالمغايرة : فقد احتجوا بمسلكين / أيضا : ### |||| ** الأول : قوله ms0143 تعالى ( @QUR@02 يحبهم ويحبونه ) (1) وقوله تعالى ( @QUR@05 والذين ~~آمنوا أشد حبا لله ) (2). أثبت المحبة المتعلقة بالله. فلو كانت المحبة ؛ ~~هى الإرادة ؛ لما تعلقت بالله تعالى ؛ لكونه قديما ، وكون الإرادة لا تتعلق ~~بغير الحادث. # وهو أيضا ضعيف ؛ إذا أمكن أن يكون المراد من قوله تعالى ( @QUR@01 يحبونه ~~) ومن قوله : ( @QUR@03 أشد حبا لله ) إرادة طاعته. هكذا ذكره ابن عباس ؛ ~~وعلى هذا فلا منافاة بين الإرادة ، والمحبة. ### |||| ** المسلك الثانى : وهو الأقوى ، وعليه الاعتماد ، أنهم قالوا : سنبين أن الله تعالى مريد ~~لجميع الجائزات ، والكفر والفساد من جملتها ؛ فيكون مريدا له. فلو كانت ~~الإرادة هى المحبة والرضى ؛ لكان البارى تعالى محبا للفساد ، وراضيا بالكفر ~~؛ وهو محال لقوله تعالى ( @QUR@04 والله لا يحب الفساد ) (3). وقوله تعالى ~~: ( @QUR@04 ولا يرضى لعباده الكفر ) (4). # فإن قيل : إن الله تعالى يحب الفساد من حيث هو معاقب عليه. ### |||| ** قلنا : فلا منافاة بينه ، وبين كون الفساد في ذاته غير محبوب على ما دل عليه النص. # [وإذ] (5) أتينا على ما أردنا تحقيقه من معنى الإرادة ؛ فهى تنقسم إلى ~~قديم ، وحادث. والمقصود هاهنا ، إنما هو بيان إثبات الإرادة القديمة لله ~~تعالى . ### |||| ** وأما الإرادة الحادثة : فسيأتى الكلام عليها فيما بعد إن شاء الله تعالى. (6) والمعتمد في ذلك أن يقال : PageV01P304 # إذا ثبت [أن] (1) العالم حادث ، وأنه من أفعال واجب الوجود ؛ فلا يخفى أن ~~تقدير وجوده قبل أن وجد ، وبعد أن وجد ، على شكل ومقدار أكبر مما هو عليه ~~(2) أو أصغر من الجائزات. ووقوع بعض الجائزات ، دون البعض ؛ ليس له لذاته ؛ ~~لما سبق ؛ فلا بد له من مخصص. # والمخصص : إما ذات واجب الوجود ، أو أمر خارج عنها. # لا جائز أن يكون هو ذات واجب الوجود ؛ فإن نسبة ذاته إلى جميع الجائزات ~~نسبة واحدة ؛ فليس تخصيصها للبعض دون البعض ، أولى من العكس. # فلم يبق إلا أن يكون خارجا عنها ، وليس ذلك هو القدرة ، والعلم ، وباقى ~~الصفات المذكورة من قبل ؛ لما سبق ؛ فيكون زائدا عليها ، وذلك هو المعنى ~~بالإرادة (3). ### |||| ** فإن قيل : لا نسلم صحة اتصاف الرب تعالى بالإرادة. ### |||| ** قولكم : لأن اختصاص العالم بما هو ms0144 عليه من الصفات دون باقى الصفات الجائزة يستدعى ~~مخصصا. / إنما يصح ، أن لو ثبت لكم أن ما عدا الصفات التى خلق العالم عليها ~~جائزة عليه. ولم قلتم بأن ما وجد عليه من الصفات لم تكن متعينة له ، وأن ما ~~عداها ليس بممتنع عليه ؛ لخصوص ذاته؟ # سلمنا أن ذلك جائز على العالم ؛ ولكن ما المانع من أن يكون الرب (4) ~~تعالى موجبا للعالم بما هو عليه ، باعتبار ذاته ، لا بصفة زائدة؟ ### |||| ** قولكم (5): لأن نسبة جميع الجائزات إلى ذاته نسبة واحدة ، غير مسلم. # وما المانع من أن يكون باعتبار ذاته لا يقتضي من جملة الصفات الجائزة إلا ~~ما وجد ، وذلك لأن (6) الصفات الجائزة مختلفة في ذواتها وإن اتحدت في صفة ~~الجواز. PageV01P305 # والموجب بذاته لا بد وأن يكون بينه وبين ما أوجبه مناسبة طبيعية : ~~باعتبارها يتحقق جعل الموجب علة والموجب معلولا ، وإلا فليس جعل أحدهما علة ~~للآخر ، أولى من العكس ؛ بل وليس جعله علة لما (1) فرض معلولا ؛ أولى من ~~غيره (2). # وعند ذلك فمن الجائز : أن تكون ذاته مناسبة لبعض الجائزات ، دون البعض. # وعلى هذا التقدير ؛ فلا يستدعى مخصصا [زائدا] (3). # سلمنا أن الكل جائز بالنسبة إلى ذاته ، وأن تخصيص كل واحد بالنسبة إلى ~~ذاته جائزة ؛ ولكن لا نسلم أنه يلزم من ذلك الافتقار إلى مخصص زائد على الذات. # والذي يدل على ذلك : أن الأمر الزائد : إما أن يكون قديما ، أو حادثا. # فإن كان قديما : فإما أن يكون مخصصا باعتبار ذاته ، أو بصفة زائدة. # فإن كان الأول : فقد وقعتم فيما فررتم منه. # وإن كان الثانى : فالكلام فيه كالكلام في الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع. # وإن (4) كان حادثا : افتقر إلى مخصص آخر ، والكلام في ذلك المخصص : ~~كالكلام في الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع (4). # سلمنا أنه لا بد من مخصص خارج عن ذاته تعالى ولكن ما المانع من كونه عدميا؟ # وإن امتنع كونه عدميا : فما المانع من كونه ليس بموجود ، ولا معدوم؟ كما ~~قاله النجار من المعتزلة : إن المخصص كونه مريدا لذاته في الأزل ، للجائزات ~~فيما لا يزال من غير ms0145 احتياج إلى صفة الإرادة ، وكونه مريدا حالة لا موجودة ~~، ولا معدومة. # سلمنا أنه لا بد وأن يكون وجوديا ؛ ولكن لم قلتم إنه لا بد وأن يكون ~~قائما بذات الله تعالى ؟ PageV01P306 # وما المانع من كونه مخصصا بإرادة لا في ذاته ، كما هو مذهب البصريين / من ~~المعتزلة. # سلمنا أنه لا بد وأن يكون المخصص قائما بذاته ؛ ولكن ما المانع من كونه ~~حادثا ، كما هو مذهب الكرامية؟ # سلمنا أنه لا بد وأن يكون قديما ؛ ولكن لا نسلم أن ذلك المخصص هو الإرادة ~~؛ بل جاز أن يكون المخصص كونه عالما بما اشتمل عليه الجائز من المصلحة ~~المرجحة له على غيره ، كما يقوله أبو الحسين البصرى ، ومع ذلك ؛ فلا حاجة ~~إلى الإرادة. # سلمنا أن العلم بالمصلحة غير مرجح ؛ ولكن لم قلتم بامتناع كون المرجح ~~قوله : ( @QUR@01 كن )؟ كما ذهب إليه بعض الكرامية. # ويدل على كونه مرجحا قوله تعالى : ( @QUR@010 إنما قولنا لشيء إذا أردناه ~~أن نقول له كن فيكون ) (1). # سلمنا دلالة ما ذكرتموه على أنه لا بد من إرادة قديمة قائمة بذات واجب ~~الوجود ؛ ولكن معنا ما يدل على امتناع ذلك ؛ وبيانه بحجج أربع. ### |||| ** الأولى : أن حدوث الحادث : إما أن يكون متوقفا على تعلق الإرادة به ، أو لا يكون ~~متوقفا عليها (2). ### ||| ** فإن كان الأول : فهو ممتنع لثلاثة أوجه : ### |||| ** الأول : أن تعلق الإرادة به لا يخلو : إما أن يكون أولى من عدم التعلق ، وإما عدم ~~التعلق أولى ، أو أن التعلق وعدمه سيان. # فإن كان الأول : فالرب تعالى يستفيد بإرادته له (3) كمالا ، وبعدم إرادته ~~نقصانا ؛ وهو محال على الرب تعالى # وإن كان الثانى : كان التخصيص [بالوجود] (4) ممتنعا. # وإن كان الثالث : لم يكن التخصيص أولى من عدمه ؛ لعدم الأولوية. PageV01P307 ### |||| ** الثانى : أنه يلزم منه الدور من جهة أن التخصيص متوقف على تعلق الإرادة به ، وتعلق ~~الإرادة به وصف إضافى بين الإرادة وتخصيص الحادث ؛ فيكون متوقفا على ~~التخصيص ؛ لأن النسبة متوقفة على المنسوب ، والمنسوب إليه ؛ وذلك يوجب توقف ~~تعلق الإرادة على التخصيص ، وتوقف التخصيص علي تعلق الإرادة ؛ وهو دور. ### |||| ** الثالث : هو أن ms0146 تعلق الإرادة بالتخصيص : إما أن يكون قديما ، أو حادثا. # فإن كان قديما : لزم من قدمه قدم التخصيص ؛ وهو محال. # وإن كان حادثا : فإما أن يتوقف على مخصص آخر ، أو لا يتوقف. # فإن كان الأول : لزم التسلسل ، أو الدور ؛ وهو ممتنع. # وإن كان الثانى : لزم تخصيص الجائز لا بمخصص ؛ وهو محال ، ولو جاز ذلك ؛ ~~لجاز في كل حادث. # هذا كله إن توقف التخصيص على تعلق الإرادة / به. # وإن لم يكن متوقفا عليها : لم يكن تخصيص بعض الجائزات بالإرادة دون البعض ~~أولى من الآخر ؛ ضرورة التساوى في عدم تعلق الإرادة بكل واحد منها. ### |||| ** الحجة الثانية : أنه لا يخلو : إما أن يكون البارى تعالى عالما بحدوث الحادث في وقت حدوثه ~~على الوجه الذي حدث عليه ، أو لا يكون عالما به. # لا (1) جائز أن يكون غير عالم به (1): وإلا لكان جاهلا بعواقب الأمور ؛ ~~وهو على الله تعالى محال. # وإن كان عالما به : فيلزم من ذلك وقوع الحادث على وفق ما تعلق به العلم ؛ ~~وإلا كان علمه جهلا ؛ وهو محال. # وعند ذلك : فلا حاجة إلى الإرادة. ### |||| ** الحجة الثالثة : إن قدرة الرب تعالى إما أن تكون متعلقة بإيجاد (2) الحادث (2)، أو لا تكون ~~متعلقة بإيجاده. PageV01P308 # فإن كان الأول : فمن ضرورة تعلق القدرة بإيجاده ، وجوده على وفق ما تعلقت ~~به القدرة. وإلا كان البارى تعالى عاجزا عنه ، وإذا لزم وجوده من ضرورة ~~تعلق القدرة به ؛ فلا حاجة إلى الإرادة. # وإن كان الثانى : فهو ممتنع التحقق ، ولا فائدة في الإرادة. # وعند ذلك فالواجب (1) تفسير المخصص بالعلم ، والقدرة ، كما ذهب إليه ~~النظام ، والكعبى من المعتزلة. ### |||| ** الحجة الرابعة : هو أن الإرادة : إما أن تكون حادثة ، أو قديمة. # فإن كانت حادثة : فهو محال ؛ لما سبق. # وإن كانت قديمة : فهو ممتنع لوجهين : # الأول : أنه إذا كانت الإرادة قديمة ؛ فهى سابقة على الحادث ، والإرادة ~~السابقة على الحادث عزم ، والعزم لا يتصور إلا في حق من أجمع على شيء بعد ~~تردده ، وفكره فيه ؛ وهو محال في حق الله تعالى . # الثانى : أنها لو كانت قديمة نفسانية ms0147 ؛ لوجب تعلقها بجميع الجائزات من ~~أفعاله ، وأفعال العباد ؛ فإن نسبة القديم إلى سائر الجائزات نسبة واحدة. # / وعند ذلك : فليس تعلقه بالبعض ، أولى من البعض الآخر ؛ ضرورة التساوى ~~في النسبة ، ### |||| ** ويلزم من تعلقه بجميع الجائزات ، محالات ثلاثة : ### |||| ** المحال الأول : أنه يلزم منه تعلقها بوجود كل شيء جائز (2)، أو بعدمه ، وبسكون كل جوهر ، ~~وبحركته (2)؛ ضرورة جواز الكل ، ويلزم من ذلك اجتماع الوجود ، والعدم ، ~~والحركة ، والسكون في شيء واحد معا ؛ وهو (3) محال. ### |||| ** المحال الثانى : أن العالم مشتمل على خيرات وشرور فلو تعلقت إرادته بالجميع ؛ لكونه جائزا ؛ ~~فيلزم منه أن يكون خيرا ، شريرا ؛ لما تقرر في العقول : أن مريد الخير ؛ PageV01P309 # خير ، ومريد الشر ؛ شرير ، والاتصاف بكونه شريرا ؛ من صفات القبح ؛ فلا ~~يكون البارى تعالى متصفا به. ### |||| ** المحال الثالث : أن الله تعالى أمر بالطاعة ، ونهى عن المعصية ، ولعل ما أمر به لا يقع ، ~~وما نهى عنه واقع. فلو كان مريدا لما وقع من المنهيات ، ولما لم يقع من ~~الطاعات ؛ للزم أن يكون قد نهى عما أراد ، وأمر بما لم (1) يرد (1). # ولا يخفى ما في ذلك من التناقض ، وتكليف المحال ؛ فيجب تنزيه الرب تعالى ~~عنه. كيف وقد ورد الكتاب العزيز بما يدرأ ذلك. وهو قوله تعالى ( @QUR@04 ~~والله لا يحب الفساد ) (2)، وقوله تعالى ( @QUR@04 ولا يرضى لعباده الكفر ~~) (3)، وقوله تعالى ( @QUR@013 والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين ~~يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ) (4) # وقوله تعالى : ( @QUR@08 يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) (5) ~~وقوله تعالى ( @QUR@07 لا يحب الله الجهر بالسوء من القول ) (6) وقوله ~~تعالى : ( @QUR@05 وما الله يريد ظلما للعباد ) (7) وقوله تعالى : ( ~~@QUR@06 تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة ) (8) وقوله تعالى : ( ~~@QUR@06 وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) (9) وقوله تعالى : ( @QUR@010 ~~سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ) إلى قوله تعالى ( ~~@QUR@08 إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون ) (10) حيث كذبهم في قولهم ~~، إلى غير ذلك من الظواهر التى يستقصى ذكرها في مسألة خلق الأعمال (11). # سلمنا أنه مريد بإرادة وجودية قديمة قائمة بذاته ، وأنها متعلقة بجميع ~~المتعلقات الجائزة ، ولكن ms0148 لا نسلم أنها واحدة. # وإن سلمنا أنها واحدة ؛ فلا نسلم أنها غير متناهية في ذاتها ، ولا بالنظر ~~إلى متعلقاتها. PageV01P310 ### ||| ** والجواب : # أما منع (1) وجود العالم قبل أن وجد ؛ فمندفع ؛ فإنا لو قدرنا وجود / ~~العالم قبل وقت وجوده بألف سنة ، لم يلزم عنه لذاته المحال (2). ولا معنى ~~لكونه جائز الوجود قبل [وقت] (3) وجوده إلا هذا. # كيف وأنه لو لم يكن جائز الحدوث قبل وقت حدوثه ؛ لكان إما واجبا لذاته ~~قبل ذلك ، أو ممتنعا. ولو كان واجبا ؛ لما كان معدوما ، ولو كان ممتنعا ~~لذاته لما وجد ؛ فلم يبق إلا أن يكون جائزا. ولا يلزم على هذا جواز وجوده ~~بعد امتناع أزليته ، فإن (4) ما هو الممتنع (4)؛ إنما هو الأزلية ؛ وهو ~~غير زائل ، وما هو الممكن : إنما هو الحدوث ؛ وإمكان الحدوث غير متجدد ؛ ~~وذلك غير ممتنع ؛ بخلاف القول بتجدد إمكان الحدوث بعد أن لم يكن. ### |||| ** قولهم : ما المانع من أن يكون لذاته مقتضيا لبعض الجائزات دون البعض؟ ### |||| ** فقد قيل في جوابه : إن المصحح للتخصيص بالمخصص : إنما هو الإمكان. وإذا كان الإمكان عاما لجملة ~~الجائزات ؛ كان تخصيص الكل بالنسبة إلى المخصص بالذات جائزا. # وهو ضعيف ؛ فإنه إن قيل : إن المستقل بصحة التخصيص ؛ هو (5) الإمكان لا ~~غير ؛ فهو غير مسلم ؛ وذلك مما يعسر مساعدة الدليل عليه. # وإن قيل : إنه لا بد منه في التصحيح ؛ فمسلم ؛ ولكن لا يلزم من وجود ما ~~لا بد منه فى التخصيص ؛ تحقق التخصيص ؛ لجواز فوات غيره مما لا بد منه أيضا. ### ||| ** والحق أن يقال : # المخصص للعالم بوقت حدوثه ، مع جواز حدوثه ، قبل وقت حدوثه ، إذا كان ~~تخصيصه له بذاته : فإما أن يتوقف على شرط لا بد منه ، أو لا يتوقف. PageV01P311 # فإن توقف : فذلك الشرط إما قديم ، أو حادث. # فإن كان قديما : لزم من قدم العلة والشرط ؛ قدم المشروط. # وإن كان حادثا : فالكلام في تخصيصه ، كالكلام في الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع. # وإن لم يتوقف على شرط : وجب (1) من قدم الذات المقتضية للتخصيص ؛ وقوع ~~التخصيص قبل كل وقت يفرض التخصيص فيه ؛ ضرورة قدم المخصص ms0149 ، وعدم توقفه فى ~~التخصيص على أمر خارج عنه. ### |||| ** قولهم : المخصص إذا كان زائدا : فإما أن يكون قديما ، أو حادثا. # قلنا : بل (2) قديم (2)؛ وهو مخصص بذاته. # قولهم (3): فيلزمكم فيه ما فررتم منه (3) فى الموجب بالذات. # قلنا : متى إذا كان للعالم مخصص هو الإرادة ، أو غيرها؟ # الأول ممنوع. والثانى : مسلم ؛ وذلك لأنه لا معنى للإرادة : إلا معنى من ~~شأنه / تخصيص بعض الجائزات دون البعض. ولا يقال : لم كان تخصيصها للبعض ، ~~دون البعض ؛ مع قدمها ، وتساوى نسبتها؟ فإن حاصله يرجع إلى أنه : لم كانت ~~الإرادة ، ، إرادة؟ فإنه لا معنى لها إلا هذا ؛ وهو غير مسموع. ### |||| ** قولهم : ما المانع من كون المخصص عدميا ، أو أن يكون لا موجودا ، ولا معدوما؟ فقد ~~سبق إبطاله في إثبات واجب الوجود (4). # وقول النجار : إنه مخصص بكونه مريدا ، وكونه مريدا : معناه أنه غير مغلوب ~~، ولا مستكره ؛ فهو باطل من أربعة أوجه : ### |||| ** الأول : أنه يلزم من ذلك أن يكون مريدا لنفسه ، وللمستحيلات ؛ إذ هو غير مغلوب ~~عليها ، ولا مستكره. PageV01P312 ### |||| ** الثانى : يلزم منه أن يكون الجماد ، وجميع الأعراض مريدة ؛ إذ هى غير مستكرهة ، ولا ~~مغلوبة. ### |||| ** الثالث : أنه إذا كان معنى كونه مريدا : سلب الكراهية ، والغلبة عنه ؛ فسلب السلب ؛ ~~إثبات ، ويلزم من ذلك أن يكون الرب تعالى موصوفا بكراهية ما لا يكون مريدا ~~له ؛ وهو محال. ### |||| ** الرابع : أنه وإن كان معنى كونه مريدا : ما ذكر ؛ غير أنه نفى محض ، وعدم صرف ؛ وذلك ~~غير صالح للتخصيص ؛ فلا بد من مخصص وجودى. # قولهم : لم قلتم إنه (1) لا بد وأن يكون المخصص قائما بذات الله تعالى ؟ # قلنا : لأنه لو لم يكن قائما بذاته ؛ لم يخل : إما أن يكون قائما في محل ~~، أو لا في محل. # فإن كان قائما في محل : فذلك المحل : إما قديم ، أو حادث. فإن كان حادثا ~~: فهو مفتقر في وجوده إلى مخصص. والمخصص له. إما نفس ما قام به ، أو غيره. # لا جائز أن يكون هو نفس ما قام به : وإلا لأفضى (2) إلى الدور من جهة ~~توقف كل واحد منهما على الآخر ms0150 ؛ فإن المخصص صفة قائمة بالمحل ؛ فيكون ~~متوقفا على المحل. فإذا كان ذلك المحل متوقفا في تخصصه على ما قام به من ~~المخصص ؛ فهو (3) دور ممتنع (3). # وإن كان المخصص لذلك المحل غير ما قام به من المخصص : فالكلام في ذلك ~~المخصص الثانى : كالكلام في الأول ؛ ويلزم منه التسلسل ، أو الدور الممتنع. # ثم ليس القول بكون البارى تعالى مخصصا للعالم بوقت حدوثه بذلك المخصص ~~أولى من كون ما قام به ذلك المخصص ، هو المخصص للعالم ؛ بل وهو الأولى. PageV01P313 # وأما (1) إن (1) كان المحل قديما : فسنبين أنه لا قديم غير الله تعالى ~~وصفاته. # ثم إن إضافة التخصيص إلى المحل القديم الذي قام به / المخصص وهو غير الله ~~تعالى ؛ أولى من إضافته إلي الله تعالى . # وأما إن كان المخصص قائما لا في محل : فقد قال بعض الأصحاب في إبطاله : ~~[إنه] (2) يلزم أن يكون كل مخصص في الشاهد هكذا ؛ فإن ما ثبت لبعض أشخاص ~~الحقيقة ، جاز ثبوته للباقى. والمخصص من حيث هو مخصص لا يختلف شاهدا ، ولا ~~غائبا. فإن كان مستغنيا عن المحل غائبا ؛ فيلزم مثله في الشاهد ؛ وهو محال. # قالوا : ولا (3) يمكن (3) إنكار المخصص في (4) الشاهد (4)؟. فإن كل عاقل ~~يجد من نفسه معنى مخصصا للجائزات المقدورة له : كما يجد من نفسه أن له علما ~~، وقدرة ، وغير ذلك. ولا يمكن إسناد ذلك إلى العلم بما في الجائز من ~~المصلحة ؛ فإنه قد يجد العاقل من نفسه المعنى المخصص مع علمه بتساوى ~~الجائزين في المصلحة والمفسدة. كما في صورة تخصيص العطشان أخذ أحد القدحين ~~المتساويين في مقصوده ، وكذلك في سلوك أحد الطريقين المتساويين في الإيصال ~~إلى مطلوبه ؛ وهو إنما يفيد مع تسليم وجود المخصص فى الشاهد : أن لو سلم ~~اتحاد حقيقة المعنى المخصص شاهدا ، وغائبا. ولعل الخصم قد يقول باختلاف ~~الحقيقة ؛ وإن وقع الاشتراك في اسم المخصص. # وعند ذلك : فلا يلزم أن يكون ما حكم به على أحدهما ، حكما على الآخر. نعم ~~إنما يلزم ذلك : البصريين المعترفين بالتماثل بين الإرادة في الشاهد ، ~~والغائب. # والأولى في ذلك أن يقال ms0151 : # لو كان المخصص قائما لا في محل ؛ لم يخل : إما أن يكون حادثا ، أو قديما. PageV01P314 # فإن كان حادثا : فلا بد له من مخصص آخر ؛ ويلزم (1) منه التسلسل (1)، أو الدور. # فإن قيل : المخصص لا يستدعى مخصصا آخر وإن كان حادثا كما في الشاهد ولهذا ~~فإن من [وجدت] (2) له إرادة لشيء لا تستدعى تلك الإرادة ، إرادة أخرى. وإلا ~~أفضى إلى التسلسل وأن لا يتم لأحد إرادة إلا مع وجود إرادات غير متناهية ؛ ~~وهو مما يحسن (3) من (3) النفس بطلانه. # وربما عضدوا هذا بأمثلة أخرى : كالتمنى ، والشهوة ، ونحو ذلك. # قلنا : أما قولهم : بأن المخصص لا يستدعى مخصصا ، وإن كان حادثا : ليس ~~كذلك ؛ فإن ما تخصص بالمخصص : إنما كان مفتقرا إليه من جهة كونه ممكنا ، ~~وحادثا لا من جهة كونه ذاتا ، أو حقيقة ما. وهذا المعنى المحوج إلى المخصص ~~متحقق في المخصص إذا قيل بكونه ممكنا ، أو حادثا. # قولهم : الإرادة في الشاهد لا تستدعى مخصصا / آخر : ليس كذلك ؛ بل لا بد ~~لها من جهة كونها ممكنة وحادثة ، من مخصص. نعم غايته أنه لا يجب أن يكون ~~المخصص لها إرادة أخرى لمن له الإرادة في الشاهد ؛ بل المخصص لها : إنما هو ~~الإرادة القديمة القائمة بنفسه ؛ وعلى هذا : فلا تسلسل. وعلى هذا : يكون ~~الكلام فيما كثروا به من [أمثلة] (4) التمنى ، والشهوة أيضا. # وأيضا (5)؛ فإنه لو كان بمعنى (5) المخصص حادثا لا في محل. لم تكن نسبته ~~إلى البارى تعالى بكونه مخصصا به أولى من نسبته إلى غيره من الحوادث. # وإن قيل : بوجوب نسبته إلي الله تعالى لما بينهما من الاشتراك في عدم ~~الافتقار إلى المحل. فمع عدم جهة الملازمة من ذلك أمكن أن يقال بوجوب ~~النسبة إلى باقى الحوادث ؛ لما بينهما من الاشتراك في الحدوث ؛ بل أولى من ~~حيث إنما (6) يتحقق من الاشتراك بين الحادثين أكثر مما به الاشتراك بين ~~القديم ، والحادث. ثم لو لزم نسبته إلى الله تعالى لما بينهما من الاشتراك ~~في نفى المحلية ؛ لوجب نسبته إلى سائر PageV01P315 # الجواهر والأجسام ؛ إذ هي مشاركة له في هذا ms0152 المعنى ، فإنها غير مفتقرة ~~إلى المحل ، وإلا لزم التسلسل ، وكون الإرادة مشاركة للبارى تعالى فى عدم ~~التحيز ، ومفارقته (1) للجواهر (1) فى ذلك مما لا يوجب إعادة حكمها إلى ~~الله تعالى دون الجواهر بدليل أنفسنا ، وسائر الأعراض الغير (2) متحيزة (2). # وأيضا : فإنه لو جاز أن يكون مخصصا بمخصص موجود لا في ذاته ؛ لجاز أن ~~يكون موجدا بقدرة ، قائمة لا في ذاته. وأن يكون عالما بعلم ، قائم لا في ~~ذاته. كما صار إليه جهم (3) ومتبعوه ، إلى غير ذلك من الصفات ، ولجاز أن ~~يكون الواحد منا عالما. وقادرا ، بعلم قائم لا في ذاته ، وقدرة قائمة ، لا ~~في ذاته ؛ ولم يقل به هذا القائل. # وبما ذكرناه هاهنا : يبطل القول بكون المخصص القائم لا في ذاته قديما ~~أيضا. كيف وأنه مما لا قائل به؟ # وإذا ثبت أنه لا بد وأن يكون مخصصا بصفة زائدة على ذاته ، وبطل كونها ~~قائمة لا في ذاته ؛ تعين أن تكون صفة قائمة بذاته. ### |||| ** قولهم : ما المانع من كون المخصص القائم بذاته حادثا؟ # قلنا : لما بيناه من لزوم التسلسل (4). كيف : وإنا سنبين امتناع حلول ~~الحوادث بذات الرب تعالى فيما بعد (5)؟ ### |||| ** قولهم : ما المانع من أن يكون المخصص كونه عالما بما اشتمل عليه الجائز من ~~المصلحة؟ # قلنا : لأنا سنبين في مسألة التجويز ، والتعديل (6). أن رعاية الحكمة في ~~فعله غير لازم ؛ فلا / يكون المخصص ما ذكروه من الداعى. ### |||| ** قولهم : ما المانع من كون المرجح قوله ( @QUR@01 كن )؟ PageV01P316 # قلنا : لو كان قوله : ( @QUR@01 كن ) مخصصا ؛ لكان صدور ذلك عنا مخصصا ؛ ~~ضرورة اتحاد الحقيقة. وأن ما ثبت للذات لا ينفك عنها. والآية فغايتها ~~الدلالة على أن أمره بالكون عند الإرادة قوله ( @QUR@01 كن )؛ وليس في ذلك ~~ما يدل على كونه مخصصا. # وما ذكروه من الوجه الأول والثانى في الحجة الأولى : فقد سبق الجواب عنه ~~في مسألة القدرة (1). ### |||| ** قولهم في الوجه الثالث : تعلق الإرادة بالحادث : إما قديم ، أو حادث. # قلنا : هذا إنما يلزم أن لو كان تعلق الإرادة بالحادث أمرا يزيد على ~~تخصصه بالإرادة ؛ وليس كذلك ؛ فإنه لا معنى لتعلق الإرادة ms0153 بالحادث غير ~~تخصصه بها. # وعلى هذا فالإشكال يكون مندفعا ، وبتقدير أن يكون التعلق زائدا على ~~التخصيص ؛ وهو قديم. فلا نسلم أنه يلزم من ذلك قدم التخصيص ؛ إذ (2) لا ~~مانع (2) من أن تكون الإرادة في القدم مقتضية لتخصيص الحادث في وقت حدوثه ؛ ~~وهو المعنى بقدم التعلق. # كيف وأن هذا الإشكال بعينه لازم على القائل بكون المخصص ، مخصصا بذاته ، ~~لا بصفة زائدة على ذاته ، أو بصفة زائدة غير الإرادة ، فما هو جوابه ؛ هو ~~جواب لنا. ### |||| ** قولهم في الحجة الثانية : إذا كان البارى تعالى عالما بحدوث الحادث في وقت حدوثه ؛ فلا حاجة إلى ~~الإرادة كما قرروه. # فقد سبق جوابه في مسألة القدرة (3). ### |||| ** قولهم في الحجة الثالثة : إما أن تكون قدرته متعلقة بإيجاد الحادث ، أو لا؟ # قلنا : متعلقة بإيجاده مرادا ، لا غير مراد. # وعلى هذا : فلا يستغنى عن الإرادة. ### |||| ** قولهم في الحجة الرابعة : أنه لو كانت الإرادة متقدمة (4) على الحادث كانت عزما. # فقد سبق جوابه أيضا في مسألة القدرة (5). PageV01P317 ### |||| ** قولهم : لو كانت قديمة ؛ لتعلقت بجميع الجائزات. ### |||| ** قلنا : إن أرادوا بذلك : أنها يجب أن تكون مخصصة لكل جائز ؛ فليس كذلك ؛ إذ ليست ~~حقيقة الإرادة التخصيص لكل جائز ؛ بل ما من شأنها أن تخصص بعض الجائزات دون البعض. # ولو لا ذلك للزم وقوع كل جائز ؛ وليس كذلك. # وإن أرادوا بذلك أنها يجب أن تكون مخصصة لكل جائز كائن / ، أو كان ، أو ~~سيكون ؛ فهو حق على ما سيأتى تحقيقه في مسألة (1) خلق الأعمال (1). # وعلى هذا : فقد اندفع ما ذكروه من المحال الأول. كيف وأن اجتماع الوجود ، ~~والعدم في شيء واحد ، والحركة والسكون ، وكذا كل متقابلين ؛ غير جائز ؛ بل ~~مستحيل ؛ فلا يكون متعلق القدرة والإرادة. ### |||| ** قولهم : العالم مشتمل على خيرات ، وشرور. ### |||| ** قلنا : مراد الله تعالى من حيث هو مراد له ليس بشر ؛ فإن تعلق الإرادة به إنما ~~هو من جهة تخصيصه بالوجود دون العدم ، أو العدم ، دون الوجود ، أو ببعض ~~الأحوال الجائزة دون البعض ؛ وذلك مما لا يوصف بكونه شرا ، من حيث هو كذلك ~~؛ فإن الشر ليس وصفا ms0154 ذاتيا ؛ لما وصف بكونه شرا ، ولا له وجود في نفسه ؛ بل ~~هو أمر نسبى ، ومعنى إضافى ؛ كما يأتى تحقيقه في مسألة التحسين ، والتقبيح ~~(2). وذلك لا يمنع من تعلق الإرادة القديمة بالمراد الموصوف به ، ولو كان ~~ذلك مانعا من كونه مرادا ؛ لما كان ما يجرى في العالم من الخسف ، والزلازل ~~، والأمراض المؤلمة ؛ والآفات العامة ؛ مرادا لله تعالى ؛ لكونه موصوفا ~~بالشر ؛ ولم يقولوا به. # كيف وأن مستندهم في إطلاق اسم الشرير على مريد الشر في حق الغائب ، ليس ~~غير الشاهد. # وهو فاسد على ما حققناه في مسألة القدرة (3). # انظر ل 281 / ب وما بعدها. PageV01P318 # وما ذكروه من لزوم المحال الثالث : فإنما يلزم أن لو كان المأمور والمنهى ~~مرادا ؛ وليس كذلك ؛ بل المأمور الذي علم وقوعه ، والمنهى الذي علم ~~الانتهاء عنه ؛ هو المراد. # وأما ما علم أنه لا يوجد ؛ فهو غير مراد الوجود وإن كان مأمورا به. # وما علم وجوده ؛ فليس بمراد الانتفاء ، وإن كان منهيا عنه ، وسنبين في ~~مسألة الكلام أنه لا ملازمة بين الأمر ، وإرادة الامتثال ، ولا بين النهى ، ~~وإرادة الانتهاء. # وعلى هذا فلا يلزم من الأمر بالوجود ، وإرادة العدم ما ذكروه من التناقض ~~، وليس ثمرة الأمر الامتثال ؛ بل من الجائز أن يكون له ثمرة أخرى ؛ فلا ~~يكون عبثا ، ولا متناقضا. # ولهذا قال بعض الأصحاب : أنه لو علم الله تعالى من أحد من الأمة : أنه لو ~~كلف بخصلة من خصال الخير ؛ لم يأت بها ، ولو ضوعفت عليه لأتى (1) بها ؛ فإن ~~(1) أمره بالضعف يكون مفيدا. وإن لم يكن ذلك مرادا. وذلك على نحو أمر النبي ~~عليه السلام ليلة المعراج بالصلوات. هذا كله إن قيل / برعاية الحكمة ~~والمصلحة في أفعال الله تعالى ، وإلا فلا حاجة إلى هذا التكليف. ### |||| ** قولهم : إنه يفضى إلى التكليف (2) بما لا يطاق (2)؛ مسلم. وسيأتى تحقيقه فيما ~~بعد (3). # وأما ما ذكروه من الظواهر ، فمما لا نسوغ التمسك بها في مسائل الأصول ؛ ~~إذ هى مع ما يقابلها من ظواهر أخر ممكنة التأويل جائزة التخصيص ؛ والمقطوع ~~لا يستفاد من المظنون. # كيف : وأن القول ms0155 بموجب أكثرها متجه هاهنا. فإنا لا نقول إن إرادته ، ~~ورضاه ، ومحبته ، مما يتعلق بالمعاصي على اختلاف أصنافها من حيث هى شرور ، ~~ومعاصى ، وفساد ؛ فإنها من هذه الجهات أمور إضافية لأدوات حقيقية ، ~~والإرادة : إنما تتعلق بالمعاصي من حيث هى أفعال حادثة ؛ لا من تلك الجهات. PageV01P319 # على أننا نقرر قاعدة في معنى المحبة ، والرضا ، والإرادة ؛ يمكن التوصل ~~منها إلى تأويل كل ما يرد من هذا القبيل فنقول : أما المحبوب ، والمرضى في ~~حق الله تعالى فمعناه : أنه ممدوح عليه في العاجل ، ومثاب في الآجل. ~~والمسخوط في مقابلته. # فعلى هذا معنى قوله تعالى ( @QUR@05 لا يحب الله الجهر بالسوء ) (1) ~~وقوله : ( @QUR@03 لا يحب الفساد ) (2)، وقوله ( @QUR@04 لا يرضى لعباده ~~الكفر ) (3) أنه غير ممدوح عليه في العاجل ، ولا مثاب عليه في الآجل. # وهكذا تأويل كل ما يرد من هذا القبيل. # وقد يمكن حمل قوله تعالى : ( @QUR@04 ولا يرضى لعباده الكفر ) على ~~المؤمنين من عباده ، ويكون اختصاصهم بلفظ العباد تشريفا ، وتكريما (4) لهم ~~(4) كما في قوله تعالى : ( @QUR@05 عينا يشرب بها عباد الله ) (5) والمراد ~~به المؤمنون. ### |||| ** وأما الإرادة : فإنها قد تتعلق بالتكليف من الأمر ، والنهى ، وقد تتعلق بالمكلف به ؛ أى ~~بإيجاده ، أو إعدامه ، فإذا قيل : إن الشيء مراد : قد يراد به : أن التكليف ~~به ؛ هو المراد ، لا عينه وذاته. وقد يراد به : أنه في نفسه مراد ؛ أى ~~إيجاده ، أو إعدامه. فعلى هذا ما وصف بكونه مرادا ، ولا وقوع له ؛ فليس ~~المراد به إلا إرادة التكليف به فقط. # وما قيل إنه غير مراد ؛ وهو واقع ؛ فليس المراد به ؛ إلا أنه لم يرد ~~التكليف به فقط. # ومن حقق هذه القاعدة أمكنه التقصى عن قوله تعالى ( @QUR@05 وما الله يريد ~~ظلما للعباد ) (6) بأن يقول : المراد به : إنما هو نفى الإرادة بالتكليف به ~~، [لا نفى] (7) إرادة حدوثه. وكذا قوله : ( @QUR@08 يريد الله بكم اليسر ~~ولا يريد بكم العسر ) (8) معناه : الأمر باليسر ، ونفيه عن العسر. PageV01P320 # وعلى هذا / يخرج قوله تعالى ( @QUR@06 وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ~~) (1)؛ فإنه ليس المراد به وقوع العبادة ؛ بل الأمر بها ؛ وأمكن أن يكون ~~المراد ms0156 به : أنهم عبيد له. # وأما قوله تعالى : ( @QUR@08 إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ) (2) ~~تكذيبا للمشركين في قولهم : ( @QUR@05 لو شاء الله ما أشركنا )؛ فهو تكذيب ~~لهم في دعواهم : اعتقاد ذلك قصد اللحد عن الحق ، والميل إلى المراغمة. ~~ولهذا قال تعالى ( @QUR@04 إن يتبعون إلا الظن ) هكذا قاله أهل التفسير. # وأما أن إرادة الرب واحدة غير متناهية في ذاتها ، ولا بالنظر إلى ~~متعلقاتها ؛ فبيانه على ما حققناه في مسألة القدرة (3). PageV01P321 ### | المسألة الرابعة ### | في إثبات صفة العلم لله تعالى ### |||| ** مذهب أهل الحق (1) ### |||| ** : أن البارى تعالى عالم بعلم واحد قائم بذاته ، قديم أزلى ، متعلق بجميع ~~المتعلقات ، غير متناه بالنظر إلى ذاته ، ولا بالنظر إلى متعلقاته. ### ||| ** وأما الفلاسفة (2): فمختلفون. # فمنهم من نفى كونه عالما مطلقا ، لا بذاته ، ولا بغيره (3). # ومنهم من أثبت كونه عالما بذاته ، دون غيره (4). # ومنهم من أثبت كونه عالما بذاته وبغيره ، إن كان معنى كليا ، ولم يجوز ~~كونه عالما بالجزئيات : من حيث هى جزئيات ؛ بل على نحو كلى. # ومن الكتب التى تيسر لى الاطلاع عليها ما يأتى : # اللمع للأشعرى ص 24 ، 25 ، والتمهيد للباقلانى ص 47 ، والإنصاف له أيضا ص ~~35 ، 36 ، وأصول الدين للبغدادى ص 95 ، والإرشاد لإمام الحرمين ص 84 94 ~~والشامل ص 621 625 ولمع الأدلة ص 82 ، 83 له أيضا ، والاقتصاد في الاعتقاد ~~للغزالى ص 47 ، ونهاية الأقدام للشهرستانى ص 215 237 ، والمحصل للرازى ص ~~118 120 ، ومعالم أصول الدين ص 40 42 له أيضا. # ومن كتب الآمدي غاية المرام في علم الكلام ص 76 84. # ومن الكتب المتأخرة عن الأبكار والتى رددت معظم الآراء الواردة به وتأثر ~~أصحابها به إلى حد بعيد خاصة صاحب المواقف ما يأتى : # شرح الطوالع ص 176 179 ، والمواقف للإيجي ص 285 290 ، وشرح المقاصد ~~للتفتازانى ص 64 69 وشرح العقائد العضدية للدوانى (الشيخ محمد عبده بين ~~الفلاسفة والمتكلمين) طبع الحلبى. تحقيق د. سليمان دنيا ص 339 454. PageV01P322 # وهذا هو الذي ينصره أبو على بن سينا (1). ### ||| ** وأما المتكلمون : ### |||| ** فمنهم من قال : لا يوصف البارى تعالى بما يوصف به خلقه ؛ فلا يوصف بكونه عالما ، ولا حيا ؛ ~~ولكن يوصف بكونه قادرا ، خالقا ؛ لأنه لا يوصف شيء من مخلوقاته بذلك على ~~الحقيقة ، وأثبت لله ms0157 علوما حادثة لا في محل ؛ وهذا هو مذهب جهم بن صفوان (2). ### |||| ** ومنهم من قال : هو عالم : بمعنى أنه ليس بجاهل ؛ وهو مذهب ضرار بن عمرو (3). # وذهب الجبائى ، وابنه أبو هاشم : إلى أنه عالم لذاته ؛ لكن اختلفا. # فقال الجبائى : هو عالم لذاته : أى لا يقتضي كونه عالما ، صفة زائدة من ~~علم ، أو حال. ### |||| ** وقال أبو هاشم : هو عالم لذاته : بمعنى أنه ذو حالة زائدة لا توصف بالوجود ، ولا بالعدم ، ~~ولا بكونها معلومة ، ولا مجهولة (4). # الحسين بن عبد الله بن سينا ، أبو على ، شرف الملك ، الفيلسوف الرئيس ~~صاحب التصانيف المشهورة في الطب ، والمنطق ، والطبيعيات ، والإلهيات صنف ~~نحو مائة كتاب بين مطول ، ومختصر ، وقد شرح الآمدي كتاب الإشارات له في ~~كتابه : كشف التمويهات. مما يدل على اهتمامه به وبطريقته ، كما أنه يقدم ~~لآرائه غالبا بقوله : قال أفضل المتأخرين ولد ببلخ سنة 370 ه ، وتوفى ~~بهمذان سنة 428 ه (وفيات الأعيان) 1 / 419 ومعجم المؤلفين 4 / 20). أما عن ~~رأيه في العلم فانظر النجاة ص 243 251 ، والإشارات 3 / 201 206. # (ميزان الاعتدال ترجمة رقم 3953 والفرق بين الفرق ص 213 ولسان الميزان 3 ~~/ 203 والملل والنحل 1 / 90) أما عن رأيه في العلم : فانظر الملل والنحل 1 ~~/ 90 91. # انظر الأصول الخمسة ص 182. PageV01P323 # وذهب أبو الهذيل العلاف (1): إلى أن البارى تعالى عالم بعلم ؛ هو ذاته. ### |||| ** وذهب أبو الحسين البصرى ، وهشام (2) ### |||| ** بن الحكم : إلى أن اتصافه بكونه عالما بالجزئيات متجدد ، وبالكليات أزلى. # وذهب آخرون : إلى أنه لا يعلم ما لا نهاية له من المعلومات ؛ بل إنما ~~يعلم ما كان متناهيا. # / ثم إن من اعترف من الفلاسفة (3). بكونه عالما بنفسه وبغيره ، انتهج في ~~الاستدلال على ذلك منهجين : ### |||| ** المنهج الأول : أنه بين كون الرب تعالى عالما بذاته أولا ، ثم بين استلزام علمه بذاته ؛ ~~لعلمه بغيره ثانيا. # فقال : واجب الوجود يعلم ذاته ، ويلزم من علمه بذاته علمه بغيره. أما أنه ~~يعلم ذاته : فهو أن وجود واجب الوجود مجرد عن المادة ، وعلائقها : أى أنه ~~ليس بجسم ، ولا جسمانى ؛ على ما يأتى تحقيقه. وكل ماهية مجردة عن المادة ، ~~وعلائقها ؛ فهى عقل : إذ لا نعنى بالعقل إلا هذا. فواجب الوجود ms0158 بما هو هوية ~~مجردة : عقل. وبما يعتبر له أن ذاته له هوية مجردة : هو عاقل ذاته ؛ إذ لا ~~معنى لتعقل الشيء لذاته إلا حصول ذاته المجردة لذاته ، وبما يعتبر له أن ~~هويته المجردة لذاته : هو معقول. وإذا ثبت أنه عاقل # (مقالات الإسلاميين 1 / 106 والفرق بين الفرق ص 65 والملل والنحل 1 / ~~184) ولمزيد من البحث والدراسة انظر ما سيأتى في الجزء الثانى القاعدة ~~السابعة ل 248 / أ. # أما عن رأيه في العلم : فانظر الأصول الخمسة ص 183. PageV01P324 # لذاته ، وعالم بها ؛ فيجب أن يكون عاقلا لما وجوده من وجوده ؛ لأنه إذا ~~علم ذاته ، وذاته مبدأ ، لما وجوده بوجوده بالذات ؛ فيجب أن يكون عالما ، ~~بأن ذاته مبدأ لغيره. ومتى علم أن ذاته مبدأ لغيره ؛ فلا بد وأن يكون عالما ~~بذلك الغير ؛ لأن العلم بكونه مبدأ لذلك الغير ، علم بمعنى إضافى بين ذاته ~~، وما وجب عنه. ولا تحقق لذلك دون العلم بالمضافين ، ويلزم من علمه بذلك ~~الغير ؛ علمه بما صدر عن ذلك الغير ، وهكذا على الترتيب النازل من عنده ~~طولا ، وعرضا ، إلى (1) ما لا يتناهى (1). ### |||| ** المنهج الثانى : أنه بين كون الرب تعالى عالما بغيره ، ثم بين أن علمه بغيره يستلزم كونه ~~عالما بذاته. # فقال : إن علم غيره ؛ علم (2) ذاته ، وقد علم غيره ؛ فيلزم أن يكون عالما ~~بذاته (2). # وبيان أنه يلزم من علمه بغيره ، علمه بذاته : أن من علم شيئا ؛ فلا بد ~~وأن يعلم أنه عالم بذلك الشيء ، وعلمه بأنه عالم بذلك الشيء : علم بصفة له ~~؛ وهو كونه عالما. # والعلم بالصفة ، يستدعى العلم بالموصوف ؛ ضرورة. # وإذا ثبت أنه يلزم من علمه بغيره ؛ علمه بذاته : فبيان أنه عالم بغيره هو ~~أن واجب الوجود مجرد (3) عن المادة (3)، وعلائقها. وطبيعة الوجود من حيث ~~هو طبيعة الوجود ؛ غير ممتنع عليه أن يعلم ، ويعقل. # وإنما يفرض له أن لا يعلم ؛ بسبب كونه فى المادة ، ومتعلقا (4) بعلائق ~~المادة ، وواجب الوجود ليس في المادة ، ولا له تعلق بعلائق المادة كما يأتى ~~؛ فلا يمتنع عليه أن يعلم ، ويعقل. وكل ما لا يمتنع عليه أن يكون معلوما ، ~~بانفراده لا ms0159 يمتنع عليه أن يكون / معلوما مع غيره من المجردات ؛ فواجب ~~الوجود لا يمتنع عليه أن يكون معلوما مع غيره ، وكل ما لا يمتنع تعقله مع ~~غيره ؛ فلا تمتنع مقارنة ماهيته لماهية ذلك الغير في العقل. PageV01P325 # وإذا لم يكن ذلك ممتنعا ؛ فلا معنى لكونه عالما بغيره إلا أن ماهيته ~~المجردة مقارنة لغيره من الماهيات المجردة ، فكونه عالما بغيره ؛ غير ممتنع. # وإذا لم يكن ممتنعا : فإما واجب ، أو ممكن. # لا جائز أن يكون ممكنا : لعدم افتقار واجب الوجود إلى غيره مطلقا ؛ فلم ~~يبق إلا أن يكون علمه بغيره واجبا ؛ ويلزم منه أن يكون عالما بذاته لما مضى. ### ||| ** وهذان المسلكان ضعيفان : ### |||| ** أما المسلك الأول : فمن أربعة أوجه : ### |||| ** الأول : أنه قد لا يسلم أن ذات واجب الوجود عقل. ### |||| ** قولهم : إن العقل هو الماهية المجردة عن المادة ، وعلائق (1) المادة (1)، ليس ~~كذلك ؛ بل العقل ضرب من العلوم الضرورية كما سبق (2). # وذلك هو الذي يحصل به العلم ؛ كما تقدم. والبارى تعالى ليست ذاته علما ؛ ~~وإلا كان العلم قائما بنفسه ، وكان كل علم هكذا ؛ وهو محال. # وإن سمى مسم ما تجرد عن المادة وعلائقها عاقلا ؛ فلا منازعة في غير ~~التسمية. ### |||| ** الثانى : أنه وإن كانت ذات واجب الوجود عقلا ؛ فلا نسلم أنه عالم بذاته. ### |||| ** قولهم : لأن ذاته حاصلة لذاته التى هى عقل ؛ فتكون ذاته معقولة لذاته. إنما ~~يستقيم إطلاق القول بحصول ذاته ، لذاته مع المغايرة ؛ فإن حصول الشيء للشىء ~~بنسبة ، وإضافة بين الشيئين. ومع عدم التعدد ؛ فالقضاء (3) بالحصول محال. ### |||| ** الثالث : أنه وإن صح إطلاق القول بحصول الذات للذات ؛ فلا نسلم أن مطلق الحصول ؛ ~~يوجب كون ذاته عالمة بذاته ؛ لأن حصول الذات ، للذات المسماة ؛ لا يوجب ~~كونها معقولة له ؛ فإن حصول الذات للعقل أمر أعم من تعقل العقل لها ؛ فإن ذلك قد PageV01P326 # يصح إطلاقه مع التعقل (1) ومع الملازمة من غير تعقل ؛ فلا (2) يلزم ~~التعقل (2). ### |||| ** الرابع : وإن (3) سلمنا أنه عالم بذاته ؛ ولكن لا يلزم من كونه عالما بذاته : أن ~~يكون عالما بما ذاته مبدأ له. اللهم إلا أن يعلم ذاته من ms0160 حيث هى مبدأ لغيره ~~، وعلمه بأنها مبدأ يزيد (4) على العلم بذاته ، ولهذا يصح العلم بالذات ، ~~والجهل بكونها مبدأ ، وتوصف الذات بكونها مبدأ ؛ والمعلوم غير المجهول ، ~~والصفة غير الموصوف. / # وعند ذلك : فلا يلزم من كونه عالما بذاته ، أن يكون عالما بما لها من ~~الصفات ، وإلا كان كل من علم شيئا : علم ما هو ملازم له ، ويلزم من ذلك أن ~~يكون العلم لنا بالله تعالى ، علما بكل ما صدر عنه ولزمه ، وكذا يلزم أن ~~يكون علمنا ببعض المخلوقات ، علما بجميع صفاته ومباديه ؛ وهو محال. ### |||| ** وأما المسلك الثانى : فمن سبعة أوجه : ### |||| ** الأول : هو أنا لا نسلم أنه يعلم غيره. # قولهم : إن واجب الوجود موجود مجرد عن المادة وعلائقها ؛ مسلم. ولكن لم ~~قالوا بأنه يكون عالما بغيره؟ ### |||| ** قولهم : لأن طبيعة الوجود من حيث هو كذلك : غير ممتنع عليه أن يعلم. لا نسلم ذلك ~~، ولا يلزم من جواز علمنا ببعض الموجودات ، جواز العلم بكل موجود ، إلا أن ~~يثبت أن طبيعة الوجود مشتركة بين الموجودات ؛ وهو غير مسلم على ما سبق (5). ### |||| ** الثانى : وإن سلم (6) أن طبيعة الوجود غير ممتنع عليها أن يعلم ويعقل ؛ ولكن مع وجود ~~المانع أو مع عدمه الأول : ممنوع. والثانى : مسلم ؛ فلم قالوا بانتفاء ~~المانع؟ # قولهم : المانع المادة ، وعلائقها. لا نسلم الحصر ؛ ولا طريق إلى بيان ~~ذلك إلا بالبحث ، وعدم الاطلاع على غيره ؛ وهو غير يقينى. PageV01P327 ### |||| ** الثالث : وإن سلم (1) ذلك ؛ ولكن لا نسلم أن ما جاز أن يكون معلوما بانفراده ؛ جاز ~~(2) أن يكون معلوما مع غيره ؛ لجواز أن يكون الانفراد شرطا ، أو الاجتماع ~~مانعا ؛ وإبطاله غير يقينى. ### |||| ** الرابع : وإن سلم جواز ذلك ؛ ولكن لا نسلم جواز مقارنة ماهية واجب الوجود لغيره من ~~الماهيات : إلا أن يكون التعقل لهما عبارة عن وجود ماهيتهما في العقل ؛ وهو ~~غير مسلم على ما سيأتى. ### |||| ** الخامس : وإن سلم جواز المقارنة في العقل ؛ ولكن لا نسلم أنه يلزم من جواز اجتماعهما ~~بجهة الحلول في العقل ، جواز اجتماعهما لا بجهة الحلول فيه ؛ لجواز أن يكون ~~ذلك شرطا في الاجتماع ، والمقارنة ms0161 ، أو أن الوجود الخارجى مانع. ### |||| ** السادس : وإن سلم ذلك ؛ ولكن لا نسلم أنه يلزم من هذه المقارنة علم أحد المقترنين ~~بالآخر ، إلا أن يثبت أن العلم هو نفس المقارنة ؛ وهو غير مسلم. ### |||| ** السابع : وإن سلم ذلك ؛ ولكن لا نسلم أنه يلزم من عدم الامتناع ، الوجوب ؛ لجواز أن ~~يكون جائزا ؛ وهو غير ممتنع على الله تعالى من غير / وجوب ؛ ولهذا يصح ~~الذاتين (3)؛ والنسب والإضافات جائزة على الله تعالى من غير / وجوب ؛ ~~ولهذا يصح أن يقال لوجود الحادث عند وجوده : أن وجوده مع وجود الرب تعالى ~~وإن لم يكن قبل ذلك موجودا معه ، وهو نسبة وإضافة. ولو كان ذلك واجبا ؛ ~~لكان لازما غير مفارق ؛ وهو محال. ### |||| ** وأما أصحابنا : فقد استدل بعضهم على إثبات علم الله تعالى بنصوص الكتاب. وذلك مثل قوله ~~تعالى ( @QUR@08 وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ) (4). وقوله تعالى ( ~~@QUR@02 أنزله بعلمه ) (5) وهو صريح في إثبات العلم لله تعالى PageV01P328 # فإن قيل : ظاهر الآيتين : يدل على أن الوضع ، والحمل ، والإنزال بالعلم ، ~~وليس كذلك ، فتكون الدلالة (1) متروكة الظاهر. # سلمنا أنها غير متروكة الظاهر ؛ ولكن ما المانع من أن يكون العلم مفسرا : ~~بعدم الجهل؟ كما ذهب إليه ضرار بن عمرو ، أو بعلم حادث لا في محل : كما ذهب ~~إليه جهم ابن صفوان؟ # سلمنا دلالة ذلك على ثبوت صفة العلم لذاته ؛ ولكنه معارض بقوله تعالى ( ~~@QUR@05 وفوق كل ذي علم عليم ) (2) فلو كان للرب تعالى علما ؛ لكان فوقه ~~عليم ؛ وهو محال. ### |||| ** والجواب عن السؤال الأول : بمنع ترك الظهور ؛ فإن الدلالة المذكورة ظاهرة في جريان ذلك معلوما بعلمه ؛ ~~لا واقعا ، وواجبا بعلمه ، وهو المتبادر إلى الفهم من إطلاق ذلك في قولهم : ~~جرى الأمر الفلانى بعلمى ، وبعلم فلان. وبتقدير أن تكون الدلالة ظاهرة فيما ~~ذكروه ؛ فلا يخرج عن أن يكون مجازا فيما ذكرناه ، وإذا تعذر العمل باللفظ ~~في حقيقته ؛ تعين العمل به في مجازه حذرا من التعطل. ### |||| ** وعن السؤال الثانى : بما سيأتى عن قرب. ### |||| ** وعن السؤال الثالث : بأن ما ذكرناه : خاص ، وما ذكروه : فأعلى درجاته أن يكون ms0162 عاما ، وتخصيص ~~العام بالخاص ، أولى من إبطال دلالة الخاص ، والعمل بعموم العام ؛ فإن ~~الجمع بين الأدلة مهما أمكن ؛ أولى من تعطيل الواحد منها ، والعمل بالباقى. # غير أن التمسك بمثل (3) هذا (3) المسلك مع افتقاره إلى إثبات صفة الكلام ~~؛ قابل إلى التمسك بالظنون في مسائل القطع ؛ وهو بعيد. ### |||| ** وأما من جهة المعقول : فقد استدلوا بالمسلك المشهور (4). وهو أن فعل الله # ومن الفلاسفة ابن رشد في مناهج الأدلة طبع محمد على صبيح ص 53. PageV01P329 # تعالى وصنعه ، هو العالم على ما سيأتى (1). والعالم بما هو عليه من ~~الأفلاك الدائرة ، والكواكب السائرة (2) / ، وما يلازمها من الحر ، والبرد ~~، والاعتدال فيهما في الفصول المختلفة ، والآثار العجيبة في عالم الكون ، ~~والفساد ، من أنواع المعدنيات ، واختلاف النباتات في الضرر والمنافع ، ~~والكيفيات ، واختلاف الأوقات في ظهورها ، وعدم ظهورها ، على حسب دعوى ~~الحاجة إليها ، وما يشتمل عليه أنواع الحيوانات من التركيب العجيب من ~~الأعضاء المختلفة ، والآلات الحسية : الظاهرة ، والباطنة ، وتولد بعضها من ~~بعض تولدا حافظا لنوع كل واحد منها على مر الدهور ، والأزمان ، من غير ~~اختلاف ، ولا اختلال ؛ بل وكذلك ما فيه من الآثار العلوية : كالسحب ، ~~والرعود ، والبروق ، وغيرها في الأوقات المختلفة. على غاية من الحكمة ، ~~والإتقان ، وعلى (3) وجه لا يظهر فيه القصور ، والنقصان في عقل عاقل ما ؛ ~~فإذن فعل الله تعالى وصنعه في غاية الحكمة ، والإتقان (3). وكل من فعله في ~~غاية الحكمة والإتقان ؛ فبالاضطرار العقلى (4)؛ يعلم كونه عالما به. # ولهذا فإن من رأى قصرا مشيدا ، وبناء مرتفعا ، وصنعة محكمة ؛ اضطره عقله ~~إلى علم صانعه. ### ||| ** وفيه نظر ؛ فإن لقائل أن يقول : # وإن سلمنا أن العالم صنعه ، مع إمكان النزاع فيه على ما يأتى (5)؛ ولكن ~~لم قلتم إنه يجب أن يكون عالما به؟ ### |||| ** قولكم : إن العالم على غاية من الحكمة والإتقان : إما أن تريدون به أنه على حالة ~~لو قدر وجوده على خلافها ؛ كان ناقصا ، أو أنه موافق للحكمة المطلوبة منه ~~أو أنه نافع ، أو معنى آخر. ### |||| ** فإن كان الأول : فهو ممنوع ؛ إذ لا دليل يدل عليه ، ولا العلم به ضرورى. PageV01P330 ### |||| ** وإن كان ms0163 الثانى : فإنما يلزم أن لو كان فعل الله تعالى مما يجب فيه رعاية الحكمة ؛ وليس كذلك ~~على أصل هذا الدال ، وبتقدير رعاية الحكمة في أفعاله ؛ فقد لا يسلم توافق ~~كونه موافقا للحكمة المطلوبة منه. فإن (1) ذلك يستدعى معرفة الحكم المطلوبة ~~منه (1). ومعرفة مطابقة خلق العالم لها ، والعلم به غير (2) ضرورى ، ~~والدلالة عليه عسيرة. ### |||| ** وإن كان الثالث : إما (3) أن يراد به أنه نافع (3) من كل وجه ، أو من وجه دون وجه لا سبيل ~~إلى الأول : فإنه ما من شيء يقدر ، وإن كان نافعا بالنسبة إلى جهة ؛ فمضر ~~بالنظر (4) إلى جهة أخرى. # وإن كان الثانى : فلا نسلم دلالته على علم من صدر عنه ، ولا مانع من أن ~~يكون كالإحراق الصادر عن النار ؛ فإنه وإن كان نافعا بالنسبة إلى بعض / ~~الجهات ؛ فقد يكون مضرا بالنسبة إلى جهة أخرى ، ولا يدل ذلك على كون النار ~~عالمة به. ### |||| ** وإن كان الرابع : فلا بد من تصويره ، والدلالة عليه. # ثم وإن سلمنا أن العالم على غاية الحكمة ، والإتقان ؛ ولكن لا نسلم دلالة ~~ذلك على علم البارى تعالى به ، ولا أن العلم به ضرورى. # ولو تردد الناظر بين كون الفاعل له مع العلم ، وعدم العلم ؛ لم يجد إلى ~~الحكم الجزم بكونه عالما سبيلا. دون نظر ، واستدلال ؛ بل وكان ما يقوله ~~الطبيعيون منقدحا في عقله ، وما وقع به الاستشهاد من البناء المحكم في ~~الشاهد ؛ فمبنى على العادة من أن ذلك لا يكون صادرا من غير المختار ؛ ~~والمختار لما يفعله من غير علم محال ؛ # فإن النظر فيما نحن فيه إلى كون البارى تعالى مختارا ؛ فهو انتقال إلى ~~مسلك آخر ، وترك لما وقع الشروع فيه ؛ وذلك هو المختار. PageV01P331 # وهو أن يقال : إذا ثبت أن البارى تعالى خالق (1) العالم بالقدرة ، ~~والاختيار ؛ فالخلق بالقدرة (2)، والإرادة (2) يستدعى القصد إلى الإيجاد ~~والتخصيص ، والقصد إلى الشيء يستدعى العلم بذلك الشيء ضرورة ، وإلا فلا ~~يكون القصد إلى إيجاد ذلك الشيء أولى من القصد إلى غيره ؛ ولهذا فإن من رأى ~~صنعة محكمة ، وقصرا مشيدا ؛ اضطره عقله إلى العلم ms0164 بعلم صانعه ، وشعوره به. # وإذا ثبت كون الرب تعالى عالما : فإما أن يكون المفهوم من كونه عالما ؛ ~~هو المفهوم من ذاته ، أو غيره. ### ||| ** لا جائز أن يقال بالأول : لوجهين : ### |||| ** الأول : أنه قد يعقل الذات من يجهل كونها عالمة ؛ والمعلوم غير المجهول. ### |||| ** الثانى : أنه يصح اتصاف الذات بكونها عالمة ، والصفة غير الموصوف ؛ فلم يبق إلا أن ~~يكون المفهوم من كونه عالما ، يزيد على المفهوم من الذات. # وإذا كان زائدا : فإما أن يكون عدميا ، أو وجوديا ، أو لا وجوديا ولا عدميا. ### |||| ** لا جائز أن يكون عدميا : وإلا لكان سلبه وجودا ، ولو كان سلبه وجودا ؛ لما صح اتصاف النفى المحض به ~~؛ وليس كذلك ؛ # فإنه يصح أن يقال : المستحيل ليس بعالم. وتفسيره بسلب الجهل باطل ؛ لأن ~~الجهل على ما سبق في قاعدة العلم (3): # إما بسيط : وهو عدم العلم لا مطلقا ، وإلا كان عدم العلم في الحجر جهلا ، ~~وليس كذلك ؛ بل عدم العلم فيما من شأنه أن يكون عالما. # وإما مركب / : وهو اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه. # فإن كان معنى كونه عالما : أنه ليس بجاهل : الجهل البسيط ؛ فهو سلب. PageV01P332 ### |||| ** والجهل البسيط : هو عدم العلم فيما من شأنه أن يكون عالما ، والحكم بسلب عدم الشيء ؛ يكون ~~إثباتا لذلك الشيء ؛ فإذن سلب الجهل البسيط ، يكون إثباتا للعلم الوجودى. # وإن كان معنى كونه عالما : أنه ليس جاهلا : الجهل المركب ، فلا يخفى أن ~~سلب الجهل المركب ؛ لا يوجب اتصاف من سلب عنه بكونه عالما : كالحجر. # وإن أخذ في ذلك. عما من شأنه أن يكون جاهلا ، فيوجب كون الرب تعالى قابلا ~~للجهل المركب ؛ وهو محال عليه (1) تعالى (1) # ولا جائز أن يكون لا وجوديا ، ولا عدميا ؛ لما يأتى في إبطال القول ~~بالأحوال ؛ فلم يبق إلا أن يكون وجوديا. # وعند ذلك فلا يخلو : إما أن يكون قائما بذات الله تعالى أو لا بذاته. # لا جائز أن يكون قائما لا بذات الله تعالى ؛ لما سبق في القدرة ، ~~والإرادة. # وإن كان قائما بذات تعالى : فإما قديم ، أو حادث. # لا جائز أن يكون ms0165 حادثا : لما سبق أيضا في القدرة والإرادة. فلم يبق إلا ~~أن يكون معنى كونه عالما : أنه قام بذاته صفة وجودية أزلية. # وليست تلك الصفة هى نفس القدرة ، ولا الإرادة ، ولا الكلام ، ولا السمع ، ~~ولا البصر ، ولا الحياة ؛ فهو خارج عنها ، وهو المعبر عنه بالعلم. # ويجب مع ذلك أن يكون واحدا لا نهاية له في ذاته ، ولا بالنظر إلى ~~متعلقاته ؛ لما تحقق في القدرة أيضا (2). # ويجب مع ذلك أن يكون عالما بجميع المعلومات [المقدورة (3) ] له ، وغير ~~المقدورة له. # أما المقدورة ؛ فلما سبق. PageV01P333 # وأما غير المقدورة ؛ فلأنه لو لم يكن عالما ببعضها مع كونه قابلا للاتصاف ~~بالعلم ؛ فيكون جاهلا ؛ إذ الجهل البسيط : هو عدم العلم فيما من شأنه أن ~~يكون عالما ؛ وذلك على الله تعالى محال. # فإن قيل : لا نسلم العلم الاضطراري بكون الفاعل إذا كان مختارا له عالما ~~يدل على ذلك : ما نجده من الصنائع المحكمة لبعض الحيوانات المختارة ، من ~~غير علم : كنسج العناكيب ، وبناء النحل ، وغيره. # سلمنا أن العلم بذلك ضرورى : ولكن شاهدا ، أو غائبا. # الأول : مسلم. والثانى : ممنوع. # ولا يلزم من الحكم بذلك شاهدا ؛ الحكم به غائبا ؛ وإلا للزم أن يكون أيضا ~~متحركا بالإرادة ، وحساسا ، وجسما ، إلى غير ذلك من الأمور التى نعلمها ~~بالضرورة لباقى ما شاهدناه من البناء المحكم ، والصناعة / المتقنة في ~~الشاهد ؛ وليس كذلك. # سلمنا لزوم ذلك غائبا ؛ ولكن لا نسلم أن المفهوم من كونه عالما ؛ يزيد ~~على المفهوم من ذاته. # قولكم : إنه يتصور العلم بالذات مع الجهل بكون مفهومها ، كونها عالمة ؛ ~~غير مسلم ؛ بل الذي يعلم إنما هو دلالة لفظ الذات على مسماه ، والذي يجهل ، ~~إنما هو دلالة قولنا عالم على مسماه : وأنه هل هو نفس الذات ، أو غيرها؟ ~~وذلك لا يدل على اختلاف المعنى. ### |||| ** قولكم : يصح اتصاف الذات بكونها عالمة. مسلم ؛ ولكن لا نسلم دلالة ذلك على اختلاف ~~المعنى ؛ بل جاز أن يكون المعنى واحدا. وإن كان اللفظ مختلفا كما نقول : ~~الإنسان بشر ، والخمر عقار ، إلى غير ذلك من الألفاظ المترادفة. # سلمنا دلالة ما ذكرتموه ms0166 على اختلاف المفهومين ؛ ولكن لا نسلم أنه أمر ~~وجودى ؛ بل جاز أن يكون عدميا : كما ذهب إليه ضرار بن عمرو ، وبعض الفلاسفة ~~(1). وما ذكرتموه وإن دل على كونه وجوديا ؛ لكنه معارض بما يدل على كونه ~~عدميا ، وذلك أن PageV01P334 # المفهوم من الجاهل مناقض للمفهوم من كونه عالما ، والمفهوم من الجاهل ~~وجود ؛ فكان المفهوم من كونه عالما ؛ عدميا. # وبيان أن المفهوم من الجاهل وجود : أنه لو كان عدما ؛ لكان سلب الجاهل ~~وجودا. ولو كان سلب الجاهل وجودا. لما صح اتصاف المعدوم المحض به ، وهو ~~متصف به ؛ فكان سلب الجهل عدما ؛ فيكون المفهوم من الجاهل وجودا. # سلمنا أنه يمتنع أن يكون عدميا ؛ ولكن ما المانع من كونه ليس بموجود ، ~~ولا معدوم؟ كما ذهب إليه أبو هاشم ، على ما سيأتى في تحقيق الأحوال (1). # كيف وأن الوجود صفة إثبات ، ولا يوصف بالوجود ؛ وإلا قام الوجود بالوجود ~~؛ وهو محال. # ولا بالعدم : وإلا كان الوجود معدوما ؛ وهو محال. # وكذلك الحادث في حال خروجه من العدم إلى الوجود ليس بمعدوم ؛ فإن حالة ~~الخروج من العدم ؛ لا تجامع العدم. وليس بموجود ؛ فإن حالة الوجود ، لا ~~تجامع حالة الخروج إلى الوجود. # سلمنا دلالة ما ذكرتموه (2) على اتصافه بالعالمية ، وأنها صفة وجودية ؛ ~~ولكن معنا ما يدل على امتناع ذلك. وبيانه بأمرين. ### |||| ** الأول : ما أسلفناه من الحجج العامة في نفى / الصفات الوجودية الزائدة على ذات واجب ~~الوجود (3). ### |||| ** الثانى : أنه لو كان عالما بشيء ؛ لكان عالما بأنه عالم بذلك الشيء ؛ واللازم ممتنع ~~لوجهين : ### |||| ** الأول : أنه يلزم منه أن يكون عالما بذاته ؛ لما سبق ، ولا معنى للعلم بالشيء غير ~~انطباع صورة المعلوم في نفس العالم ، أو إضافة بين العالم ، والمعلوم ؛ ~~وعلى كلا التقديرين : فيستدعى المغايرة ، ولا تغاير في ذات الله تعالى ولا تعدد. PageV01P335 ### |||| ** الثانى : أنه يلزم أن يكون عالما بكونه عالما ، بكونه عالما ، وهلم جرا ، إلى غير ~~النهاية ؛ وهو ممتنع ؛ لما فيه من التسلسل ، وإثبات عالميات لله تعالى غير ~~متناهية ؛ وهو محال كما سبق (1). # سلمنا اتصافه بكونه عالما ؛ ولكن لا نسلم أنه يلزم من ms0167 ذلك أن يكون عالما ~~بعلم كما قاله الجبائى ، وابنه أبو هاشم (2). # ويدل عليه أن اتصاف البارى بكونه عالما. إما أن يكون جائزا ، أو واجبا. # لا جائز أن يكون جائزا : وإلا لما لزم من فرض عدمه المحال. ولو جوزنا فرض ~~عدم كونه عالما مع أنه من شأنه أن يكون عالما ؛ فيكون (3) جاهلا (3). ~~والجهل على الله تعالى محال ؛ فلم يبق إلا أن يكون ذلك له واجبا. # وإذا كان اتصافه بالعالمية واجبا : امتنع أن يكون في اتصافه بذلك محتاجا ~~إلى العلم. وإلا فعند فرض عدم العلم. إن اتصف بكونه عالما ؛ فهو غير محتاج ~~إلى العلم. وإن لم يتصف به ؛ لم يكن ذلك واجبا. وقد قيل بوجوبه. # سلمنا أنه لا بد وأن يكون عالما بعلم ؛ ولكن بعلم قائم بذاته ، أو لا ~~بذاته. الأول : # ممنوع. والثانى : مسلم. ### ||| ** وبيان امتناع قيام العلم بذاته (4) من عشرة أوجه : ### |||| ** الوجه الأول : أن العلم القائم بذاته : إما أن يكون ضروريا ، أو نظريا. لا جائز أن يكون ~~ضروريا ؛ وإلا كان الرب تعالى موصوفا بالاضطرار ؛ وهو محال. # ولا جائز أن يكون نظريا لوجهين : ### |||| ** الأول : أن النظر يستدعى سابقة الجهل ، كما تقدم في قاعدة العلم ، والجهل على الله ~~تعالى محال. PageV01P336 ### |||| ** الثانى : أن النظر لا بد من إسناده إلى العلوم الضرورية على ما تقدم في قاعدة النظر. ~~والعلم الضرورى في حق الله تعالى ممتنع ؛ لما تقدم. ### |||| ** الوجه الثانى : أن العلم القائم بذاته تعالى : إما أن يكون هو نفس الذات ، أو زائدا عليها. # فإن كان الأول : فلا صفة. كيف : وأنه يلزم أن تكون الذات صفة قائمة بمحل ~~؛ ضرورة / أن العلم صفة. # وإن كان زائدا على الذات : فإما قديم ، أو حادث. # فإن كان حادثا : لزم قيام الحوادث بذات الرب تعالى ؛ وهو محال. كما يأتى ~~(1). ثم الكلام في افتقار ذلك العلم الحادث في افتقاره إلى علم آخر ، ~~كالكلام في الأول (2)؛ وهو تسلسل ممتنع. # وإن كان قديما : فالقدم أخص وصف الإله تعالى ويلزم من ذلك تعدد الآلهة ؛ ~~وهو محال. ### |||| ** الوجه الثالث : هو أن العلم : إما عبارة عن انطباع ms0168 صورة المعلوم في النفس ، أو عن نسبة ، ~~وإضافة بين العالم ، والمعلوم. # فإن كان الأول : فهو ممتنع لأمرين : # الأول : أنه يلزم منه أن تكون ذاته الرب تعالى مركبة ؛ لانطباع (3) صور ~~المركبات فيها. إذا علمها ؛ لأن المطابق للمركب ؛ مركب. # الثانى : أنه يلزم منه أن تكون ذاته عند العلم بالحوادث ، محلا لحلول صور ~~الحوادث فيها ؛ وهو محال. كما يأتى (4). # وإن كان نسبة وإضافة : فالنسبة بين الشيئين تتوقف على تحقق ذينك الشيئين ~~؛ ضرورة كونها صفة لهما ، والصفة متوقفة على الموصوف. فلو توقف إيجاد الرب ~~تعالى للحوادث على تعلق علمه بها ؛ للزم الدور ؛ وهو ممتنع. PageV01P337 ### |||| ** ويلزم منه أيضا : أن يكون علم البارى تعالى متوقفا على غيره ؛ وهو محال. ### |||| ** الوجه الرابع : هو أنه لو كان علمه قائما بذاته ؛ فلا (1) معنى لقيام الشيء بالمحل إلا ~~افتقاره (1) إليه في الوجود. وإلا كان المعلول أبدا قائما بالعلة ؛ وهو ~~محال ؛ بل لا معنى لقيامه به إلا أنه موجود في الحيز تبعا له ، ويلزم من ~~ذلك كون الرب تعالى متحيزا ؛ وهو محال. ### |||| ** الوجه الخامس : هو أن العلم القائم به إما أن يكون صفة كمال ، أو نقصان ، أو لا صفة كمال ، ~~ولا نقصان. # فإن كان الأول : فذات الرب تعالى محتاجة في كمالها إلى غيرها ؛ وهو محال. # وإن كان الثانى : فاتصاف الرب تعالى به محال. # وكذا إن لم يكن كمالا ، ولا نقصانا. ### |||| ** الوجه السادس : هو أنه لو كان عالما بعلم قائم (2) بذاته ؛ لكان مماثلا للعلم الحادث : فإن ~~حقيقة العلم لا تختلف شاهدا ، ولا غائبا. # ويلزم من ذلك : أن يكون مشاركا لها في العرضية ، والإمكان ؛ وذلك في صفات ~~الله تعالى محال. ### |||| ** الوجه السابع : أنه لو كان عالما بعلم قائم بذاته : فإما أن يكون واحدا ، أو متكثرا. # / فإن كان واحدا : فإما أن يتعلق بجميع المعلومات ، أو لا يتعلق بجميعها. # فإن كان الأول : فيلزم منه جواز تعلق العلم الواحد بالمعلومات المختلفة ؛ ~~وهو محال. على ما تقدم في قاعدة العلم (3). # وإن كان الثانى : فيلزم منه أن يكون الرب تعالى جاهلا بباقى الموجودات ~~التى لم يتعلق علمه بها ms0169 ؛ وهو محال. PageV01P338 # وإن كان متكثرا : فإما أن يكون غير متناه ، أو متناهيا. # فإن كان غير متناه ؛ فهو محال على ما تقدم في إبطال عدد لا يتناهى في ~~إثبات واجب (1) الوجود. # وإن كان متناهيا : فما من عدد يفرض إلا ويجوز فرض الزيادة عليه والنقصان. ~~فاختصاص الرب تعالى ببعض الأعداد [دون (2) البعض (2) ] إن لم يكن بمخصص ؛ ~~فقد وجد الجائز لا بمخصص ؛ وهو محال. # وإن كان بمخصص : فالمخصص : إما ذات واجب الوجود ، أو خارج عنه. لا جائز ~~أن يقال بالأول : فإن نسبة الذات إلى جميع الجائزات نسبة واحدة ؛ فلا ~~أولوية. # وإن كان بخارج (3) عنه (3): فالبارى تعالى [محتاج (4) ] فيما قام به من ~~الصفات إلى مخصص خارج ؛ وهو محال. ### |||| ** الوجه الثامن : أنه لو كان عالما بعلم قائم بذاته. فإما أن يعلم علمه ، أو لا يعلمه. # لا جائز أن يقال بأنه لا يعلمه ؛ فإن الشعور بالشيء مع عدم الشعور ~~بالشعور محال. # وإن علمه : فإما أن يعلمه بذاته ، أو بنفس ذلك العلم ، أو بعلم آخر .. # فإن كان الأول : فقد ثبت أنه عالم بعلمه لذاته ، لا بعلم ؛ ويلزم مثله في ~~كل معلوم. # وإن كان الثانى : فتعلق العلم بالعلم يستدعى المغايرة بين التعلق ~~والمتعلق. والعلم الواحد ؛ لا تغاير فيه. # وإن كان الثالث : فالكلام في ذلك العلم الثانى ؛ كالكلام في الأول ؛ وهو ~~تسلسل ممتنع. ### |||| ** الوجه التاسع : أنه لو كان عالما بعلم قائم بذاته ؛ لكان فوقه عليم ؛ لقوله تعالى ( ~~@QUR@05 وفوق كل ذي علم عليم ) (5) واللازم ممتنع ؛ فالملزوم ممتنع. PageV01P339 ### |||| ** [الوجه (1) ] ### |||| ** العاشر : أن علمه القائم بذاته : إما أن يكون حادثا ، أو قديما. # لا جائز أن يكون حادثا : وإلا كان الرب تعالى محلا للحوادث ؛ وهو ممتنع. # وإن كان قديما : فيجب أن يكون متعلقا بكل ما يصح أن يعلم ؛ لأن نسبة ~~العلم القديم [إلى (2) ذاته (2) ] نسبة واحدة ؛ فليس تعلقه بالبعض أولى من ~~البعض ؛ وذلك محال. # وبيان ذلك : هو أن علمه القديم إذا تعلق بوجود بعض / الحوادث : فعند عدم ~~ذلك الحادث : إما أن يبقى علم البارى تعالى متعلقا بوجوده كما كان ، أو لا يبقى. # فإن كان ms0170 الأول : لزم أن يكون علم البارى تعالى جهلا. # وإن كان الثانى : فيلزم (3) منه التغير في علم الله تعالى ؛ وهو محال. # فلم يبق إلا أن يكون علمه قائما لا في محل كما ذهب إليه الجهمية (4). # سلمنا أنه عالم بعلم غير خارج عن ذاته ؛ ولكن ما المانع من أن يكون ذلك ~~العلم هو نفس ذاته؟ كما ذهب إليه أبو الهذيل بن العلاف (5). ويدل عليه ما ~~دل على نفى الصفات الزائدة كما تقدم (6). # سلمنا أنه عالم بعلم قائم بذاته. وهو زائد عليها ؛ ولكن لا نسلم أنه قديم. # ودليله ما سبق في الوجه (7) العاشر. # سلمنا أنه قديم ؛ ولكن لا نسلم أنه واحد. # ودليله ما سبق في الوجه (7) السابع. # سلمنا أنه واحد ؛ ولكن لا نسلم صحة تعلقه بمعلومين فصاعدا. ### ||| ** وبيانه من وجهين : ### |||| ** الأول : ما أسلفناه في قاعدة العلم (8). PageV01P340 ### |||| ** الثانى : هو أن العلم بأحد المعلومين مغاير للعلم بالمعلوم الآخر. وبيانه من أربعة أوجه : ### |||| ** الأول : هو أنه يتصور العلم بأحد المعلومين مع الشك في الآخر. ولو كان العلم بهما ~~واحدا ؛ لما كان كذلك. ### |||| ** الثانى : هو أنه لا يقوم العلم بأحد المعلومين مقام العلم بالآخر ؛ ولهذا فإن العلم ~~بالسواد ، لا يكون علما بالبياض ، وكذلك بالعكس. ### |||| ** الثالث : هو أن العلم بأن الشيء الفلانى واقع : مشروط بالوقوع ، والعلم بأنه سيقع : ~~غير مشروط بالوقوع ؛ والمشروط غير ما ليس بمشروط. ### |||| ** الرابع : هو أن العلم بالشيء : عبارة عن انطباع صورة مطابقة له في النفس. فإذا كانت ~~صور المعلومات ، وحقائقها مختلفة ومتغايرة ؛ كانت العلوم مختلفة ، ~~ومتغايرة. # سلمنا صحة تعلقه بمعلومين فصاعدا ؛ ولكن لا نسلم صحة تعلقه بكل ما يصح أن ~~يعلم. وإن سلم ذلك ؛ فلا نسلم صحة تعلقه بهما معا ؛ بل على سبيل البدل. # وإن سلمنا صحة ذلك معا ؛ ولكن لا نسلم الوقوع. ### ||| ** وبيانه من ثلاثة أوجه : ### |||| ** الأول : أنه لو كان عالما بكل ما يصح أن يعلم. فما يصح أن يعلم غير متناه ؛ ~~فمعلوماته لا نهاية لها ؛ ووجود ما لا نهاية له محال كما (1) سبق (1) فى ~~إثبات واجب الوجود. ### |||| ** الثانى : أنه يلزم من ذلك ms0171 أن (2) يكون عالما بكونه / عالما ، وعالما بكونه عالما ~~بكونه عالما ، وهلم جرا (2)، إلى ما لا نهاية له. # ويلزم من ذلك قيام علوم بذاته لا نهاية لها ؛ وهو محال. ### |||| ** الثالث : هو أنه لو كان عالما بجميع الأشياء ؛ فيلزم أن ما تعلق علمه بوقوعه ؛ وجوب ~~وقوعه ، وما علم عدم وقوعه ؛ امتناع وقوعه ؛ حتى لا يكون العلم جهلا. PageV01P341 # وعند ذلك : فلا يبقى بين الفاعل بالاختيار ، وغير الفاعل بالاختيار فرق ؛ ~~وهو محال ، وما أفضى إلى المحال ؛ فهو محال. ### ||| ** والجواب : # أما النقض بأفعال الحيوانات : فمندفع ؛ وذلك أن من سلم كونها هى الفاعلة ~~؛ لم يمنع من كونها عالمة. ومن قال أفعال الحيوانات غير مخلوقة لها ؛ بل ~~لله تعالى ؛ فيجب أن تكون معلومة لله تعالى ؛ وإن لم تكن معلومة للحيوانات ~~؛ إذ ليس الإحكام ، والإتقان مستندا إليها. ### |||| ** قولهم : لا نسلم العلم الاضطرارى بذلك غائبا. # قلنا : العاقل لا يجد من نفسه تفرقة في العلم بعلم المختار بما يفعله ~~شاهدا ، ولا غائبا. فإذا كان الرب تعالى فاعلا بالاختيار ؛ لزم العلم ~~الاضطرارى بكونه عالما به ؛ وذلك لأن ملزوم العلم الاضطرارى بعلم الفاعل ~~المختار بما يفعله : إنما هو كونه مختارا له ؛ ولهذا يجد العاقل من نفسه ~~العلم (1) بذلك (1)، وإن قطع النظر عن كل وصف خارج عن وصف الاختيار ، ~~والعلم الاضطرارى بكون الفاعل في الشاهد حيوانا ، وجسما ، ومتحركا بالإرادة ~~إلى غير ذلك من الصفات المختصة بالشاهد ، فمن لوازم كونه فاعلا بالحركة ~~والانتقال. لا من لوازم كونه مختارا. والحركة والانتقال في حق الله تعالى ~~محال ؛ فلذلك لم يلزم كونه حيوانا ، ولا جسما ، ولا غير ذلك من صفات (2) ~~المحدثات في حقه. ### |||| ** قولهم : لا نسلم أن المفهوم من كونه عالما ، يزيد على المفهوم من ذاته ؛ فدليله ~~ما سبق من الوجهين (2). # قولهم فى الوجه الأول : المعلوم ، والمجهول : إنما هو دلالة اللفظ على ~~مسماه ؛ ليس كذلك ؛ فإنه لو اتحد المسمى ؛ لكانت (3) كل ذات عالمة ؛ وهو محال. # وبه يبطل ما ذكروه على الوجه الثانى أيضا. PageV01P342 ### |||| ** قولهم : لا نسلم أن المفهوم من كونه عالما ، أمر وجودى. # قلنا : دليله ما سبق ms0172. ### |||| ** قولهم : المفهوم من الجاهل مناقض للعالم. لا نسلم ذلك ؛ بل هو مقابل ، والمقابل ~~أعم من المناقض. # غير أن / الجاهل إن كان جاهلا بالجهل المركب : وهو المعتقد لأمر ما على ~~خلاف ما هو عليه ؛ فيكون ضدا للعالم ، ولا يمتنع اشتراكهما في الوجود : ~~كالتقابل الواقع بين السواد ، والبياض. # وإن كان جاهلا (1) بالجهل البسيط (1): وهو عدم العلم فيما من شأنه أن ~~يكون له العلم ؛ فيكون مقابلا للعالم : مقابلة العدم ، والملكة : كالتقابل ~~الواقع بين البصر ، والعمى. # وعند ذلك : فلا يلزم من رفع هذا العدم المقابل للملكة ، وسلبه ؛ تحقق ~~الوجود ؛ فلا يمتنع سلبه عن العدم المحض ؛ وذلك لأن المسلوب إنما هو خصوص ~~عدم : لا مطلق العدم ؛ ولهذا إن من وصف شيئا ما بكونه ليس (2) أعمى ، لا ~~يكون واصفا له بصفة وجودية. ### |||| ** قولهم : ما المانع من أن يكون لا موجودا ، ولا معدوما؟ ### |||| ** قلنا : لما يأتى في مسألة الأحوال (3). # وأما الوجود : فهو عندنا نفس الموجود : على ما يأتى في مسألة المعدوم هل ~~هو شيء أم لا (4)؟ فلا يمتنع اتصافه بكونه موجودا ؛ إذ ليس الموجود هو ما ~~اتصف به (5) الوجود. والوجود زائد عليه ؛ ليلزم ما ذكروه. PageV01P343 # وأما حالة الحدوث : فهى أول زمان الوجود عندنا ، لا أنها حالة متوسطة بين ~~زمان الوجود ، والعدم ؛ ليلزم ما ذكروه ، والحادث في أول زمان وجوده ؛ ~~موجود ، فيمن سلم أنه ليس بموجود ، ولا بمعدوم. ### |||| ** قولهم : معنا ما يعارض ذلك ، لا نسلم. # وأما ما أشاروا إليه من الحجج العامة ؛ فقد سبق جوابها (1). ### |||| ** قولهم : لو كان عالما بشيء ؛ لكان عالما بأنه عالم بذلك الشيء ، مسلم ؛ ولكن لم ~~قالوا بالامتناع (2)؟ ### |||| ** قولهم (3): يلزم منه (3) أن يكون عالما بذاته ؛ مسلم. ### |||| ** قولهم : لا معنى للعلم بالشيء غير انطباع صورته في نفس العالم (4)، أو إضافة (4) ~~بين العالم والمعلوم. عنه جوابان : # الأول : منع الحصر ؛ بل العلم صفة وجودية زائدة على الذات. وليست هى نفس ~~الانطباع ، ولا نفس الإضافة الحاصلة بين ذات العالم والمعلوم ؛ بل (5) ~~النسبة ، والإضافة : إنما هى بين صفة العلم ، والمعلوم (5). وعلى هذا : ~~فلا يمتنع أن تكون ذاته عالمة بذاته ، بمعنى ms0173 أن ذاته قامت بها صفة العلم ، ~~وتلك الصفة متعلقة بنفس الذات على نحو تعلقها بسائر المعلومات. # كيف وأنه يمتنع تفسير العلم ، بالانطباع ، والإضافة. ### |||| ** أما الانطباع / : فلخمسة أوجه : ### |||| ** الأول : أنه لو كان العلم عبارة عن الانطباع كما ذكروه ؛ لكان كل شيء قام بذاته صفة ~~(6) من الصفات العرضية (6) من كمية ، وكيفية ، وغير ذلك ، أن يكون عالما بها ؛ PageV01P344 # ضرورة انطباع صورتها في ذاته ؛ وليس كذلك. وسواء كان حيا مدركا ، أو لم ~~يكن. وإن قالوا : ليس العلم هو الانطباع في الذات ؛ بل في القوة المدركة. ### |||| ** قلنا : فالقوة المدركة هى العلم : وهى وراء الانطباع. ### |||| ** الثانى : أنه لو كان العلم هو نفس انطباع صورة المعلوم في النفس ؛ لما تصور العلم ~~باستحالة اجتماع السواد ، والبياض ؛ فإن ذلك يلازمه العلم بمعنى السواد ، ~~والبياض ؛ فإن تصور المفردات سابق على التصديق بما لها من النسب الواجبة ~~لها. فلو كان العلم بمعنى السواد والبياض عبارة عن انطباع صورة السواد ~~والبياض في النفس ؛ لزم اجتماع الضدين في محل واحد ؛ وهو محال. # وإن (1) قيل : بأن (1) استحالة الاجتماع بين الضدين مشروطة بالوجود ~~العينى ، فإنما يلزم : أن لو كان الوجود زائدا على نفس الذات ؛ وهو غير ~~صحيح ؛ على ما سيأتى في مسألة المعدوم (2). ### |||| ** الثالث : هو (3) أنه لو كان الأمر على (4) ما ذكر (4): للزم أن من علم السواد ~~والبياض ، أو الحرارة والبرودة : أن يوصف بكونه أسود ، وأبيض ، وحارا ، ~~وباردا ؛ ضرورة انطباع حقيقة البياض ، والسواد ، والبرودة ، والحرارة في ~~ذاته ، ونفسه ؛ وليس كذلك. ### |||| ** الرابع : أنه يلزم من ذلك أن يكون المحل المنطبع فيه صورة المعلوم لا ينقص في الكمية ~~عن كمية الصورة المنطبعة فيه ضرورة مطابقتها له ؛ وهو محال. ### |||| ** الخامس : أنه لو كان كذلك : فالمعلوم إذا كان جسما ؛ فالمحل المنطبع فيه شاهدا : إما ~~أن يكون جوهرا ، أو عرضا. # لا جائز أن يكون جوهرا : وإلا لزم قيام الجسم بالجوهر ؛ وهو محال. # وإن كان عرضا : لزم قيام الجسم بالعرض ؛ وهو أيضا محال. ### |||| ** وأما تفسيره بالإضافة : فالوجه في إبطاله أن يقال : PageV01P345 # إذا كان العلم صفة إضافية : فهى إما وجودية ، أو عدمية ms0174 ، أو لا وجودية ~~ولا عدمية. # لا جائز أن يقال بالثانى والثالث ؛ لما تقدم (1)؛ فلم يبق إلا أن تكون ~~وجودية. # وعند / ذلك : فإما أن تكون قديمة ، أو حادثة. ### |||| ** لا جائز أن تكون قديمة : وإلا لما تبدلت وتغيرت ؛ لأن العدم على الموجود القديم محال. ولا يخفى جواز ~~تبدل النسب والإضافات بسبب اختلاف المعلوم في نفسه ؛ فإن النسبة المتعلقة ~~بالمعدوم من حيث هو معدوم ، لا تبقى بعد الوجود ، وكذلك بالعكس ، وإلا كان ~~العلم جهلا ؛ وهو محال. ### ||| ** ولا جائز أن تكون حادثة لوجهين : ### |||| ** الأول : أنه يلزم منه أن يكون الرب تعالى محلا للحوادث ؛ وهو محال على ما سيأتى (2). ### |||| ** الثانى : أن الكلام في حدوث تلك الصفة ، وافتقارها إلى علم آخر ، كالكلام في الأول ؛ ~~ويلزم منه التسلسل الممتنع. ### |||| ** الوجه الثانى فى الجواب عن أصل السؤال : أنه منتقض بكون الواحد منا عالما ؛ فإنه متحقق ~~مع لزوم ما ذكروه من المحالات ، وبه يندفع ما ذكروه في الوجه الثانى من ~~لزوم التسلسل. ### |||| ** قولهم : سلمنا أنه عالم ؛ ولكن لا نسلم أنه عالم بعلم. ### |||| ** قلنا : إذا سلم أن المفهوم من كونه عالما : صفة وجودية زائدة على الذات ؛ فهو ~~المعنى بقيام العلم بذاته. # وبهذا يندفع قولهم : إن كونه عالما واجب ؛ فلا يكون معللا بالعلم. كيف ~~وأن اتصافه بالعلم : إن قيل : إنه واجب بمعنى أنه لا انفكاك له عن ذاته ~~تعالى ؛ فهو مسلم ؛ ولكن ذلك لا ينافى قيام العلم [بذاته (3) ]. PageV01P346 ### |||| ** وإن قيل : إنه واجب بمعنى أنه لا يفتقر المفهوم من كونه عالما إلى قيام العلم بذاته ؛ ~~فهو غير المصادرة نحو المطلوب ؛ وهو غير مقبول. ### |||| ** قولهم : إنه عالم بعلم قائم لا في ذاته ؛ فقد سبق جوابه في (1) إبطال القول بكونه ~~مريدا بإرادة لا في ذاته (1). ### |||| ** قولهم : لو كان متصفا بالعلم ؛ فعلمه : إما ضرورى ، أو نظرى. إنما يلزم أن لو بين ~~قبول علم الرب تعالى لهذا الانقسام ، وإلا فلا. ومجرد القياس على الشاهد في ~~ذلك غير صحيح ؛ كما مضى. ثم إن الضرورى لا معنى له إلا ما لا يفتقر في ~~حصوله إلى نظر واستدلال ، ولا ms0175 تصح مفارقته للنفس مع انتفاء أضداده ، وعلم ~~البارى تعالى كذلك ، غير أنه لا يصح إطلاق اسم الضرورى عليه ؛ لعدم ورود ~~الشرع به ، فالمنازعة في ذلك ليست إلا في اللفظ ، دون المعنى. ### |||| ** قولهم : إن كان علمه قديما ؛ فالقدم أخص / وصف الإله ، ويلزم من ذلك تعدد الآلهة ~~؛ فقد سبق جوابه فيما مضى. # [ ### |||| ** قولهم (2): علمه إما أن يكون عبارة عن الانطباع ، أو الإضافة ؛ فقد سبق جوابه (2) ]. ### |||| ** قولهم : لا معنى لقيام الصفة بالمحل : إلا أنها موجودة في الحيز تبعا لمحلها فيه. # لا نسلم ذلك. ولا يلزم من عدم تفسير القيام بالمحل بالافتقار إليه في ~~الوجود ، أن يتعين ما ذكروه ؛ بل جاز أن يكون معنى أخص من الافتقار إلى ~~الشيء في الوجود ، ومباينا لما ذكروه وهو أن يقال : إذا وجد شيئان ، واتحدت ~~الإشارة الفعلية إليهما ، بحيث لا يمكن أن يشار إلى ذات كل واحد منهما بغير ~~الإشارة إلى الآخر. فما كان منهما محتاجا إلى الآخر في الوجود ؛ فهو الصفة. ~~وما لم يكن محتاجا ؛ فهو المحل. # وعلى هذا : فلا يلزم التحيز للمحل من ضرورة قيام الصفة به. PageV01P347 # كيف وأن ما ذكروه لازم على من وصف الرب تعالى بكونه عالما ، وقادرا ، ~~ومريدا ، إلى غير ذلك من صفات الأحكام ؛ فإنها قائمة بذات الرب تعالى وإن ~~لم يكن متحيزا ؛ فما هو جواب له ، هو (1) جواب لنا. ### |||| ** قولهم : العلم : إما صفة كمال ، أو نقصان ، أو لا صفة كمال ، ولا نقصان. عنه ~~جوابان : # الأول : ما المانع من أن يكون لا صفة كمال ، ولا نقصان؟ وليس نفى ذلك من ~~البديهيات ؛ فلا بد من الدليل. # الثانى : ما المانع من كونه صفة كمال؟ ### |||| ** قولهم : يلزم منه أن تكون ذات الرب تعالى مفتقرة في كمالها إلى غيرها. ### |||| ** قلنا : إن أردتم به أن نفس الذات تكون ناقصة دون هذه الصفة (2) فممنوع. # وإن أردتم به أنها لا تكون متصفة بالصفات الكمالية الزائدة عليها دون هذه ~~الصفة ؛ فهو (3) مسلم (3)، ودعوى إحالته عين المصادرة على المطلوب. ### |||| ** قولهم : لو كان عالما بعلم ؛ لكان علمه مماثلا للعلم الحادث إنما يلزم أن ms0176 لو ~~اشتركا في أخص صفة لكل واحد منهما ، أو لأحدهما ؛ وليس كذلك ؛ فإن أخص صفة ~~العلم الربانى ؛ وجوب تعلقه بالمعلومات بأجمعها على جهة التفصيل. وأخص وصف ~~العلم الحادث ؛ جواز تعلقه بالمعلومات ، لا نفس وقوع التعلق ؛ فلا اشتراك. ### |||| ** قولهم : إما أن يكون واحدا ، أو متكثرا. ### |||| ** قلنا : بل واحد. ### |||| ** قولهم : إما أن يتعلق بجميع المتعلقات ، أو ببعضها. PageV01P348 ### |||| ** قلنا : بل بالجميع. وما ذكروه في جهة / الإحالة ؛ فهو ممنوع على ما سبق في قاعدة ~~العلم أيضا (1). ### |||| ** قولهم : إما أن يعلم علمه ، أو لا يعلم علمه ، إلى آخر الشبهة ؛ فيلزم عليه علم ~~الواحد منا ؛ فإن الواحد منا عالم بعلم بالاتفاق ، مع لزوم ما ذكروه من ~~المحالات. ### |||| ** قولهم : لو كان عالما بعلم ؛ لكان فوقه عليم ؛ فقد سبق جوابه. فى أول (2) المسألة (2). ### |||| ** قولهم : إما أن يكون علمه قديما ، أو حادثا. ### |||| ** قلنا : بل قديم. ### |||| ** قولهم : فيجب أن يكون متعلقا بكل ما يصح أن يعلم. ### |||| ** قلنا : مسلم. ### |||| ** قولهم : فإذا تعلق علمه بوجود بعض الحوادث : إما أن يبقى مع عدمه ، أو لا يبقى. ### |||| ** قلنا : علم الله تعالى باق غير متغير ؛ بل المتغير إنما هو المتعلق : وهو الوجود ~~، والعدم ، والتعلق به ، فتعلق العلم بأن الشيء موجود ، غير تعلقه بأنه ~~معدوم. من غير تغيير في نفس العلم ، ولا لزوم جهل في حق الله تعالى ### |||| ** قولهم : ما المانع أن يكون علمه هو نفس ذاته؟ ### |||| ** قلنا : لو كان علمه هو ذاته ؛ فذاته قائمة بنفسها ، وليست صفة لغيرها ؛ فيلزم أن ~~يكون علمه قائما بنفسه ، ولا يكون صفة لغيره. ولو كان كذلك ؛ لكان كل علم ~~هكذا ؛ لأن حقيقة العلم من حيث هو علم لا تختلف شاهدا ، ولا غائبا ، وإن ~~اختلفا في القدم ، والحدوث ، وغير ذلك من الصفات الخارجة عن مفهوم العلم من ~~حيث هو علم. ### |||| ** قولهم : وإن كان زائدا على ذاته. فما المانع من كونه حادثا؟ PageV01P349 # قلنا : لما بيناه من لزوم التسلسل (1)، ولما سنبينه من امتناع قيام ~~الحوادث بذاته تعالى (2). # وما ذكروه في الوجه العاشر ؛ فقد سبق جوابه (3). ### |||| ** قولهم : سلمنا أنه قديم ؛ ولكن لا نسلم أنه ms0177 واحد. ### |||| ** قلنا : دليل وحدته ما ذكرناه في وحدة القدرة ، والإرادة. وما ذكروه في إحالته في ~~الوجه السابع ؛ فقد سبق جوابه (4). ### |||| ** قولهم : سلمنا أنه واحد ؛ ولكن لا نسلم صحة تعلقه بمعلومين فصاعدا. # قلنا : دليل صحة ذلك ما سبق في قاعدة العلم (5). من أن العلم الواحد لا ~~يمتنع أن يتعلق بمعلومين. كيف وأن الدليل الدال على كون علمه متعلقا ببعض ~~الأشياء ؛ إنما هو حدوثه مقدورا مرادا له. وسنبين استناد جميع الحوادث إلى ~~قدرته [وإرادته (6) ] واختياره ؛ فيجب أن يكون علمه متعلقا بجميعها. # وما ذكروه في قاعدة العلم / فقد سبق جوابه ثم أيضا (7). # قولهم : العلم بأحد المعلومين مغاير للعلم بالمعلوم الآخر. # لا نسلم ذلك ؛ بل العلم في نفسه واحد ، والمتغاير إنما هو التعلق ~~والمتعلق ، ولا يمتنع أن يكون الشيء مع وحدته متكثر التعلق والمتعلق ، كما ~~نقول : وحدة الشمس ، وتكثر تعلقها. وما تتعلق به مما تشرق عليه ، ويستضيء ~~بها ، وكذلك (8) الوحدة (8) التى هى مبدأ العدد [فإنها (9) ] واحدة ، وإن ~~تعددت نسبتها بتعدد ما لها نسبة إليه : من كونها نصف الاثنين ، وثلث ~~الثلاثة ، وربع الأربعة ، وهلم جرا إلى غير النهاية. # وعلى هذا : فقد خرج الجواب (10) عما ذكروه من التشكيكات. PageV01P350 ### |||| ** أما قولهم : إنه يتصور العلم بأحد المعلومين مع الشك في الآخر ؛ فذلك إنما يرجع إلى ~~تعلق العلم بأحد المعلومين دون الآخر ، لا إلى نفس العلم. ### |||| ** وقولهم : إن العلم بأحد المعلومين لا يقوم مقام العلم بالآخر. # قلنا : العلم بأحدهما هو العلم بالآخر ، وإنما الذي لا يقوم فيه أحد ~~الأمرين مقام الآخر ، إنما هو التعلق ؛ فإن تعلق العلم بالسواد ، لا يقوم ~~مقام تعلق العلم بالبياض ، ولا نزاع في تعدده. ### |||| ** وقولهم : إن العلم بأحد الشيئين قد يكون مشروطا بخلاف الآخر. ### |||| ** قلنا : المشروط إنما هو التعلق أيضا دون العلم المتعلق ، وما ذكروه في تفسير العلم ~~بالانطباع ؛ فقد سبق جوابه. ### |||| ** قولهم : لا نسلم صحة تعلقه بكل ما يصح أن يعلم. # قلنا : لو قدرنا عدم تعلقه بشيء من الأشياء التى يصح أن تكون معلومة ؛ ~~لكان جاهلا ؛ لما تقدم تقريره ، والجهل على الله تعالى محال ms0178. وبه الدلالة ~~على تعلقه بالفعل بجميع المتعلقات معا ، لا على سبيل البدل ؛ فإنا لو قدرنا ~~عدم تعلقه بالفعل بها ، أو ببعضها ؛ لكان جاهلا بما لم يتعلق علمه به حالة ~~عدم تعلق (1) علمه به (1)؛ وهو محال كما سبق (2). ### |||| ** قولهم : ما يصح أن يعلم ؛ غير متناه. ### |||| ** قلنا : هو غير متناه إمكانا ، لا أنه غير متناه بالفعل. ونحن وإن منعنا القول ~~بعدم النهاية في الموجودات العينية ؛ فلا نمنعه في الأمور الإمكانية ؛ بل ~~ذلك موضع الإجماع. ### |||| ** قولهم : يلزم من ذلك أن يكون عالما بكونه عالما ، وهلم جرا. ### |||| ** قلنا : لا يوجب ذلك تعدد العلم في نفسه ؛ بل تعدد التعلق ، والمتعلق ، وذلك وإن ~~أفضى إلى غير النهاية إلا / أنه في طرف الاستقبال ، وما لا نهاية له في طرف ~~الاستقبال ؛ PageV01P351 # فلا نمنع كونه غير متناه ، كنعيم أهل الجنة ، وعذاب أهل النار ؛ وإنما ~~نمنع من ذلك في الماضى. # كيف وأن التعلقات من باب النسب والإضافات ، وليس لها وجود حقيقى ، وما ~~ليس له وجود حقيقى ؛ فلا نمنع من عدم النهاية فيه ؛ كما تقدم في الوجه الأول. ### |||| ** وما ذكروه في الوجه الثالث ؛ فقد سبق جوابه في مسألة القدرة والله أعلم. PageV01P352 ### | المسألة الخامسة ### | في إثبات صفة الكلام لله تعالى # وقد أجمع المسلمون قاطبة على اتصاف الرب تعالى بكونه متكلما وأنه تكلم ، ~~ويتكلم ، غير الإسكافى (1) من المعتزلة ؛ فإنه نازع في كونه يتكلم. متحكما ~~في الفرق بين تكلم ، ويتكلم. # لكن معنى كونه متكلما عند أصحابنا (2): أنه قام بذاته كلام ، قديم ، ~~أزلى نفسانى ، أحدى الذات ، ليس بحروف ، ولا أصوات ، وهو مع ذلك متعلق ~~بجميع متعلقات الكلام. # لكن اختلفوا في وصف كلام الله تعالى فى الأزل بكونه أمرا ونهيا ، مخاطبة تكلما. # فأثبت ذلك الشيخ أبو الحسن الأشعرى (3). # محمد بن عبد الله ، أبو جعفر الإسكافى : من متكلمى المعتزلة المتشيعين ~~وأحد أئمتهم ، تنسب إليه الطائفة (الإسكافية) منهم ، وهو بغدادى أصله من ~~سمرقند. توفى سنة 240 ه. # (لسان الميزان 5 / 221 ومقالات الإسلاميين 1 / 269 والفرق بين الفرق ص ~~169 والملل والنحل 1 / 58 وانظر ما سيأتى في الجزء الثانى القاعدة السابعة ~~ل 245 / أ. # اللمع للأشعرى ms0179 ص 33 46 والإبانة عن أصول الديانة له أيضا ص 19 31 ~~والتمهيد للباقلانى ص 47 49 والإنصاف ص 37 له أيضا # وأصول الدين للبغدادى ص 106 108. # والإرشاد لإمام الحرمين ص 99 137 ولمع الأدلة ص 85 له أيضا # والاقتصاد في الاعتقاد للغزالى ص 53 60. # ونهاية الأقدام للشهرستانى ص 268 340. # والمحصل للرازى ص 124 126 ومعالم أصول الدين ص 47 له أيضا. # ومن كتب الآمدي : غاية المرام للآمدى ص 88 120. # ومن الكتب المتأخرة عن الأبكار والتى رددت معظم الآراء الواردة به وتأثر ~~أصحابها بصاحبه إلى حد بعيد. شرح الطوالع ص 183 والمواقف للإيجي ص 293 296 ~~وشرح المقاصد للتفتازانى 2 / 73 79. PageV01P353 # ونفاه (1) عبد الله بن سعيد ، وطائفة كثيرة من المتقدمين (1): مع ~~اتفاقهم على وصفه تعالى بذلك فيما لا يزال. ### |||| ** وأما المعتزلة (2): فقد اتفقوا كافة على معنى أن كونه متكلما. أنه خالق للكلام على وجه ~~لا يعود إليه منه صفة حقيقية كما لا يعود إليه من خلق الأجسام وغيرها صفة ~~حقيقية. # واتفقوا أيضا على أن كلام الرب تعالى مركب من الحروف ، والأصوات ، وأنه ~~محدث مخلوق. # ثم اختلفوا : ### |||| ** فذهب الجبائى ، وابنه أبو هاشم (3): (إلى) (4) أنه حادث في محل. ثم زعم الجبائى أن الله تعالى يحدث عند ~~قراءة كل قارئ كلاما لنفسه في محل القراءة ، وخالفه الباقون. ### |||| ** وذهب أبو الهذيل بن العلاف ، وأصحابه (5): إلى أن بعضه في محل ؛ وهو قوله (كن) وبعضه لا في محل ؛ كالأمر ، ~~والنهى ، والخبر ، والاستخبار. ### |||| ** وذهب الحسين بن محمد النجار : إلى أن كلام البارى تعالى إذا قرئ ؛ فهو عرض ، وإذا كتب ، فهو جسم (6). # عبد الله بن سعيد : # أبو محمد ، عبد الله بن سعيد بن محمد بن كلاب (بضم الكاف وتشديد اللام) ~~القطان المتوفى بعد سنة 240 ه بقليل. شيخ الكلابية وإمام أهل السنة في عصره ~~جاراه الأشعرى في أكثر آرائه. (طبقات السبكى 2 / 51). # والمحيط بالتكليف ص 312. PageV01P354 ### |||| ** وذهبت الإمامية (1)، ### |||| ** والخوارج ، والحشوية أيضا : الى أن كلام الرب تعالى مركب من الحروف ، والأصوات. # ثم اختلف هؤلاء : ### |||| ** فذهبت الحشوية (2): إلى أنه قديم أزلى ، قائم / بذات الرب تعالى لكن منهم : من زعم أنه ~~من جنس كلام البشر. ومنهم من قال : ليس من جنس كلام البشر ؛ بل الحرف حرفان ms0180 ~~، والصوت صوتان قديم ، وحادث ، والقديم منهما ليس من جنس الحادث. ### |||| ** وأما الكرامية (3): فقالوا : إن الكلام قد يطلق على القدرة على التكلم. وقد يطلق على ~~الأقوال ، والعبارات. وعلى كلا الاعتبارين (4)؛ فهو قائم بذات الرب تعالى ~~لكن إن كان بالاعتبار الأول : فهو قديم متحد ، لا كثرة فيه. وإن كان ~~بالاعتبار الثانى ؛ فهو حادث متكثر. ### |||| ** وأما الواقفية (5): فقد أجمعوا على أن كلام الله تعالى كائن بعد ما لم يكن ؛ لكن منهم من ~~توقف في إطلاق اسم المخلوق ، وأطلق اسم الحادث عليه. # ومن القائلين بالحدوث : من قال : ليس هو جوهرا ، ولا عرضا. وذهب بعض ~~المعترفين بالصانع تعالى : إلى أنه لا يوصف بكونه متكلما ، لا بكلام ولا ~~بغير كلام. # ولمزيد من البحث والدراسة عن الحشوية راجع ما سيأتى في الجزء الثانى ~~القاعدة السابعة ل 256 / ب وما بعدها فقد تحدث الآمدي عن الحشوية وآرائهم ~~بالتفصيل. PageV01P355 # وإذا أتينا على ما هو المنقول عن أرباب هذه المذاهب في هذه المسألة ؛ فلا ~~بد من الإشارة إلى طرق عول عليها بعض الأصحاب في المسألة ، والتنبيه على ~~ضعفها ، ثم نبين بعد ذلك ما هو المعتمد إن شاء الله تعالى. ### |||| ** فمنها : التمسك بقوله تعالى : ( @QUR@010 إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له ~~كن فيكون ) (1) ووجه الاحتجاج به أنه أخبر بأن مصدر جميع المخلوقات أمره ، ~~وهو قوله : (كن). # ويلزم من ذلك أن يكون أمره قديما ، وإلا لاستدعى أمرا آخر ، والكلام في ~~ذلك الأمر كالكلام في الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع. # فإن قيل : ليس المراد من الآية تحقيق الأمر القولى ، وخطاب ما أريد خلقه ~~به ؛ بل المراد به إنما هو تعريف بعود الإرادة ، والمشيئة في المخلوقات ، ~~والتسخير على وفق الإرادة والاختيار ؛ إذ هى حالة تنزل منزلة القول بالأمر ~~، والنهى. وقد يرد القول بمعنى الحالة ، لا بمعنى الكلام حقيقة ، وإليه ~~الإشارة بقوله تعالى ( @QUR@016 ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها ~~وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ) (2). # وليس المراد من قوله تعالى ( @QUR@02 فقال لها ) غير التعبرة عن نفوذ ~~الإرادة في السماء ، والأرض ، وكمال التسخير ms0181 ؛ فإن خطاب الجماد متعذر ~~باتفاق العقلاء. # وليس المراد من قوله : ( @QUR@04 قالتا أتينا / طائعين ) غير التعبرة عن ~~تمام الطواعية ، والانقياد لإرادة الله تعالى ، لا نفس الكلام الحقيقى ؛ إذ ~~هو متعذر في الجمادات قطعا. # ومن ذلك أيضا قال الشاعر : # امتلأ الحوض وقال قطنى %~% مهلا رويدا قد ملأت بطنى (3) # أضاف القول إلى الحوض ؛ وليس المراد به غير التعبرة عن الحالة ؛ لاستحالة ~~القول في حقه. وأمثال ذلك في النظم ، والنثر كثير. |امتلأ الحوض وقال قطنى||سلا رويدا قد ملأت بطنى| # كما ورد في شواهد العينى على خزانة الأدب 1 / 361. PageV01P356 ### ||| ** ودليل هذا التأويل من ثلاثة أوجه : الأول : # أنه لو حمل على الأمر حقيقة ؛ لكان أمرا للمعدوم ؛ وهو محال. ### |||| ** الثانى : أنه يكون أمرا للمخاطب بالكون ؛ وهو غير مقدور له ، والتكليف بالمحال ؛ محال. ### |||| ** الثالث : أنه لو كان الكون بالأمر لاستغنى عن القدرة ، أو كان هو القدرة ؛ وهو محال. # سلمنا أنه أراد به الأمر حقيقة ، ولكن ما المانع من كونه حادثا؟ والتسلسل ~~إنما يلزم أن لو كانت الآية عامة في كل شيء حادث ، وليس كذلك ؛ فإن لفظ ~~الشيء في الآية نكرة في سياق الإثبات ، والأصل فيها الخصوص. # ولهذا لو قال رأيت رجلا ؛ فإنه لا يعم كل رجل. بخلاف النكرة المنفية ، أو ~~ما هى في سياق النفى. كما إذا قال : ما رأيت رجلا ؛ فإنه يعم. # سلمنا أنها ظاهرة في العموم ، وأنها تدل على القدح من الوجه المذكور. غير ~~أنها تدل على حدوث الأمر من جهة اللغة ، والمعنى. ### ||| ** أما من جهة اللغة : فمن ثلاثة أوجه : الأول : # أنه قال إذا أردناه. ، وإذا ظرف زمان خاص بالمستقبل. ولهذا لو قال القائل ~~: إذا جاء زيد فأكرمه ، فإنه يختص بالاستقبال ؛ فالأمر المقترن به يكون ~~مستقبلا ، والواقع في الاستقبال ؛ لا يكون إلا حادثا. ### |||| ** الثانى : أنه قال : ( @QUR@05 أن نقول له كن فيكون ) وأن الخفيفة الناصبة للفعل ~~المضارع ؛ إذا اتصلت به ، خلصته للاستقبال. # ولهذا لو قال القائل لغيره : أريد أن تفعل كذا ، يمحص للاستقبال ؛ ~~والمستقبل لا يكون إلا حادثا. ### |||| ** الثالث : هو أنه رتب التكوين عقيب قوله : ( @QUR@01 كن ) بفاء ms0182 التعقيب ؛ وهى مقتضية ~~للترتيب من غير مهلة ، وكل ما لا يتقدم عل الحادث ، ولا بينه وبينه مهلة ؛ ~~فهو حادث. PageV01P357 ### |||| ** وأما من جهة المعنى : فهو أنه فسر أمره بقوله : ( @QUR@01 كن )، وكن مركب من حرفين مترتبين ؛ ~~وذلك في غير الحادث محال. # سلمنا دلالة / ما ذكرتموه على قدم الأمر ؛ ولكنه استدلال بالكلام على ~~الكلام ، وإثبات الشيء بنفسه ممتنع. # سلمنا صحة الاستدلال به ؛ ولكنه معارض بما يدل على كون القرآن محدثا ، ~~وبيانه من جهة النص ، والإجماع ، والمعنى. ### |||| ** أما من جهة النص : فقوله تعالى : ( @QUR@07 ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث ) (1). والذكر هو ~~القرآن بدليل قوله تعالى ( @QUR@07 إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) (2). # وأيضا قوله تعالى ( @QUR@04 الله نزل أحسن الحديث ) (3). وقوله تعالى ( ~~@QUR@04 إنا جعلناه قرآنا عربيا ) (4). وقوله تعالى ( @QUR@04 وكان أمر ~~الله مفعولا ) (5) والجعل ، والفعل ؛ دليل الحدوث. # وأيضا (6) ما روى عنه عليه السلام . أنه قال : «كان الله ولا شيء ثم خلق ~~الذكر». وأيضا ما روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : «ما خلق الله شيئا ~~أعظم من آية الكرسى (6)». وما روى عنه عليه السلام أنه كان يقول : «يا رب ~~طه ، ويس ، ورب القرآن العظيم» (7). ### |||| ** وأما من جهة الإجماع : فهو أن الأمة من السلف مجمعة على أن القرآن مؤلف من الحروف ، والأصوات ، ~~ومجموع من سور ، وآيات ، ومن ذلك سمى قرآنا ، أخذا من # انظر المخطوطة رقم 130 مجاميع ورقة 214 بمكتبة الأزهر. PageV01P358 # قول العرب قرأت الناقة لبنها في ضرعها ؛ أى جمعته. ومنه قوله تعالى ( ~~@QUR@04 إن علينا جمعه وقرآنه ) (1). # ولو لا ذلك لما تصور أن يسمعه موسى عليه السلام ؛ وقد سمعه. # وأيضا فإنهم أجمعوا على أن القرآن. منزل مقرؤ بألسنتنا ، محفوظ في صدورنا ~~، مسطور في مصاحفنا ، ملموس بأيدينا ، مسموع بآذاننا ، منظور بأعيننا ؛ ~~ولذلك وجب احترام المصحف ، وتبجيله حتى أنه لا يجوز للمحدث حمله ، ولمسه ، ~~والتقرب إليه ، ولا للجنب تلاوته ، وقد وردت أيضا الظواهر من الكتاب ، ~~والسنة بما يدل على كونه (2) مسموعا ، وملموسا (2)، وأنه بحرف وصوت ؛ فمن ~~ذلك قوله تعالى ( @QUR@010 وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع ~~كلام الله ) (3) وقوله ms0183 تعالى ( @QUR@04 لا يمسه إلا المطهرون ) (4). وقول ~~النبي عليه السلام «لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو فتناله أيديهم» (5). ~~وقوله عليه السلام «إذا تكلم الله بالوحى سمع صوته كجر السلسلة على الصفا» ~~(6)، وقوله عليه السلام «من قرأ القرآن وأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات ~~(7)» إلى غير ذلك من الظواهر ، وذلك كله دليل الحدوث. # وأيضا : فإن الإجماع منعقد / على أن القرآن معجزة الرسول ، والبرهان ~~الدال على صدقه. ومعجزة الرسول يجب أن تكون من الأفعال الخارقة للعادة ، ~~المقارنة لتحديه بالرسالة ؛ فإنه لو كان المعجز قديما أزليا ؛ لم يكن ذلك ~~مختصا ببعض المخلوقين ، دون البعض ؛ إذ القديم لا اختصاص له بواحد دون واحد. # عن ابن عمر رضى الله عنهما قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر ~~بالقرآن إلى أرض العدو) متفق عليه. هكذا أورده النووى ، ولعل الزيادة التى ~~ذكرها الآمدي في رواية أخرى. # وبعض هذه الأحاديث صحيح. PageV01P359 # ثم ولو جاز أن يجعل بعض الصفات القديمة معجزا ؛ لجاز ذلك على باقى الصفات ~~: كالعلم ، والقدرة ، والإرادة ؛ إذ الفرق تحكم لا حاصل له. ### |||| ** وأما من جهة المعنى : فمن وجوه يأتى ذكرها عن قرب. ### ||| ** والجواب : ### |||| ** قولهم : إن المراد من الآية تعريف حالة نفوذ الإرادة ، والمشيئة في المخلوقات ؛ فهو ~~خلاف الظاهر ، ولا يجوز المصير إليه إلا بدليل. وحيث حمل لفظ القول على ~~التعبرة عن الحالة ؛ كما ذكروه في النصوص ، والإطلاق ، فإنما كان لدليل دل ~~عليه ؛ ضرورة استحالة مخالفة الظاهر من غير دليل ، ولا دليل هاهنا ؛ فيمتنع ~~تأويله. ### |||| ** قولهم : إنه يكون أمرا للمعدوم. ليس كذلك ؛ بل للحادث في حال حدوثه ، وليس بمعدوم. ### |||| ** قولهم : إنه تكليف بما لا يطاق. إنما يلزم أن لو كان أمر تكليف ؛ وليس كذلك ؛ بل ~~أمر تكوين. ### |||| ** قولهم : يلزم منه الاستغناء عن القدرة إنما يلزم أن لو كان التكوين بالقول ؛ وليس ~~في الآية ما يدل عليه ؛ بل على وقوعه عنده كما سبق في مسألة الإرادة. ### |||| ** قولهم : لشيء نكرة في سياق الإثبات ؛ فيخص ، ولا يلزم منه التسلسل. ### |||| ** قلنا : عنه جوابان : ### |||| ** الأول : أجمع المسلمون على أن ms0184 المراد بهذه الآية كل شيء يراد بدء إحداثه من ~~الحوادث ، ويدل على ذلك أيضا أن البارى تعالى أورد ذلك في معرض التمدح ، ~~والاستعلاء ، ولو كان المراد به واحدا ؛ لما حصل به التمدح ؛ لأن الواحد من ~~المخلوقين قد يريد شيئا ؛ فيكون على حسب ما أراد. # الثانى : أن النكرة في سياق الإثبات. وإن كانت لا تعم الجميع معا ؛ لكنها ~~عامة الصلاحية : أى أنها صالحة أن تتناول كل واحد من آحاد الجنس بجهة ~~الشيوع ، وإخراج قوله : «كن» عند حدوثه عن ذلك يكون تقييدا للمطلق من غير ~~دليل ؛ (1) فلا يجوز (1). PageV01P360 ### |||| ** قولهم : إذا ظرف زمان مختص بالاستقبال. عنه جوابان : ### |||| ** الأول : أن الاستقبال مختص بإرادة الكائنات : / أى بتعلق الإرادة بها ، لا أنه عائد ~~إلى القول. ### |||| ** الثانى : أنه وإن كان الاستقبال مختصا بالقول ؛ لكن بتعلقه بالأمور ، لا بنفس القول. # قولهم : أن الخفيفة إذا اتصلت بالفعل المضارع خلصته للاستقبال. # عنه جوابان أيضا : ### |||| ** الأول : المنع. ويدل عليه قول أفاضل النحاة : إن الفعل المضارع مع أن الخفيفة في ~~حكم المصدر. فإذا قال القائل : أريد أن أقوم. فهو كما لو قال : أريد ~~القيام. والمصدر لا تخصص له بحال ، ولا استقبال ؛ فما هو في معناه كذلك ، ~~ويدل عليه قوله تعالى ( @QUR@09 وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز ~~الحميد ) (1) وليس المراد به إيمانا متوقعا في الاستقبال ؛ فإنهم لم ينقموا ~~منهم ما سيكون ؛ بل ما هو كائن منهم. ### |||| ** الثانى : أن ذلك وإن أوجب التخصيص بالاستقبال ؛ لكنه عائد إلى تعلق القول لا إلى نفس ~~القول ؛ وهذا كما إذا قال القائل : أريد أن يعلم الله نصحى لفلان ؛ فليس ~~المراد به غير تجدد تعلق العلم به ، لا تجدد علم الله تعالى به. ### |||| ** قولهم : إنه رتب التكوين عليه بفاء التعقيب ؛ فيكون حادثا. # قلنا : المرتب عليه التكوين بفاء التعقيب إنما هو تعلق القول لا نفس ~~القول ؛ فلا يلزم منه حدوث القول ، وإن لزم منه حدوث التعلق. # قولهم : إنه فسر أمره بقوله : ( @QUR@01 كن ) وهو مركب من حرفين مترتبين ~~؛ فيكون حادثا. ### |||| ** قلنا : الحروف ، والأصوات ليست هى كلام الله تعالى ، ولا ms0185 هى نفس الأمر ؛ بل [هى ~~(2) ] عبارة عنه على ما سيأتى : فقوله ( @QUR@09 إنما قولنا لشيء إذا ~~أردناه أن نقول له كن PageV01P361 # @QUR@01 فيكون ) (1) أى مدلول قولنا (2): ( @QUR@01 كن ). ولا يلزم من ~~حدوث الدال حدوث المدلول ، وإلا فلو كان ( @QUR@01 كن ) تفسيرا للأمر ، ~~للزم التسلسل على (3) ما سبق (3). ### |||| ** قولهم : هذا استدلال بالكلام على الكلام. ### |||| ** قلنا : اتفق المسلمون على أن هذا من كلام الله تعالى وأنه حق صدق ؛ فيكون دليلا ~~على القدم بالنسبة إلى المنازع منهم في الحدوث ، ولا دور ، ومن أنكر كونه ~~من كلام الله تعالى استدل عليه بأخبار من دلت المعجزة على صدقه عنه أنه ~~كلام الله تعالى على ما يأتى في النبوات (4)، وما ذكروه من المعارضة ~~بالنصوص. # أما قوله تعالى ( @QUR@011 ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه ~~وهم يلعبون ) (5)؛ فهو دليل اللعب عند ورود الذكر الحادث من الرب تعالى ، ~~وليس في ذلك ما يدل على حدوث كل ذكر يأتى منه ؛ فلا يلزم منه حدوث القرآن. ~~ولهذا أخبر / باللعب عند استماعه ، والقرآن لم يحدث عندهم لعبا وضحكا ؛ بل ~~إفحاما ، واضطرابا. # وعند هذا قال كثير من أهل التفسير المراد به : إنما هو التذاكير ، ~~والمواعظ الواردة على لسان الرسول الخارجة عن القرآن. # ومنهم من قال : المراد به الرسول (6) المبلغ ؛ فإنه يسمى ذكرا : ومنه ~~قوله تعالى ( @QUR@02 ذكرا* رسولا ) (7). # ويحتمل أن يكون المراد منه الذكر الحادث ، المركب من الحروف ، والأصوات ~~الدالة على الكلام القديم دون المدلولات. # وعلى هذا يجب حمل قوله تعالى : ( @QUR@07 إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له ~~لحافظون ) (8)، PageV01P362 # وقوله تعالى : ( @QUR@03 نزل أحسن الحديث ) (1). وأما قوله تعالى : ( ~~@QUR@04 وكان أمر الله مفعولا ) (2). فيحتمل أنه أراد به فعله من الثواب ، ~~والعقاب ، ونحوه ؛ فإن الأمر قد يطلق بإزاء الفعل. كما قال تعالى : ( ~~@QUR@04 وما أمرنا إلا واحدة ) (3): أى فعلنا ، وقوله تعالى : ( @QUR@04 ~~وما أمر فرعون برشيد ) (4): أى فعله. ويحتمل أنه أراد به الأمر القولى ~~المركب من الحروف ، والأصوات دون مدلوله. وقوله تعالى ( @QUR@04 إنا جعلناه ~~قرآنا عربيا ) (5)؛ فالمراد بالجعل التسمية : أى سميناه بذلك ؛ فإن الجعل ~~قد يطلق بمعنى التسمية ، ومنه قوله تعالى ms0186 ( @QUR@04 الذين جعلوا القرآن ~~عضين ) (6): أى يسمونه كذبا. وقوله تعالى ( @QUR@07 وجعلوا الملائكة الذين ~~هم عباد الرحمن إناثا ) (7): أى سموهم بذلك. # ويحتمل أنه أراد به القرآن : بمعنى القراءة دون مدلولها ؛ فإن القرآن قد ~~يطلق بمعنى القراءة. ومنه قول النبي عليه الصلاة والسلام : «ما أذن الله ~~لشيء (8) إذنه لنبى حسن الترنم بالقرآن» (9): أى القراءة. # ومنه قول الشاعر : # ضحوا بأشمط عنوان السجود به %~% يقطع الليل تسبيحا وقرآنا (10) # أى قراءة. # وأما الأخبار : فيجب حملها على الدلائل دون المدلولات ، وهى الحروف ~~والأصوات ؛ لما فيه من الجمع بين الدليلين. ### |||| ** قولهم : إن الأمة مجمعة على أن القرآن مؤلف من الحروف والأصوات. # انظر (ديوان حسان بن ثابت) نشر دار صادر. بيروت سنة 1961 ص 248. PageV01P363 ### |||| ** قلنا : الإجماع إنما انعقد على ذلك بمعنى القراءة لا بمعنى المقروء ، وإليه ~~الإشارة بقوله تعالى ( @QUR@04 إن علينا جمعه وقرآنه ) (1). ### |||| ** قولهم : ولو لا ذلك لما تصور أن يسمعه موسى عليه السلام . ### |||| ** قلنا : السماع قد يطلق على الإدراك بحاسة الأذن ، وقد يطلق بمعنى الانقياد ، ~~والطاعة ، وقد يطلق بمعنى الفهم ، والإحاطة ؛ ومنه يقال : سمعت كلام فلان ، ~~أى فهمته. # وعند ذلك فمن الجائز / أن يكون سماع موسى عليه السلام لكلام الله تعالى ~~القديم القائم بنفسه ؛ بمعنى : أنه خلق له فهمه ، والعلم به : إما بواسطة ، ~~أو بغير واسطة ؛ وذلك المسموع لا يستدعى أن يكون حرفا ، ولا صوتا. ### |||| ** قولهم : إن الأمة مجمعة على أن القرآن منزل مقرؤ بألسنتنا محفوظ في صدورنا ، إلى ~~آخر ما قالوه (2). # قلنا : ما أجمعوا على كونه منزلا ، إنما هو العبارات الدالة على المعنى ~~القديم ، لا نفس المعنى القديم. # وأما كونه مقروءا بألسنتنا : فمعناه أنه مدلول للقراءة القائمة بألسنتنا ~~، والقراءة مخلوقة قائمة بألسنتنا. ولا يلزم من حدوث القراءة ، وقيامها ~~[بنا (3) ] أن يكون المقروء كذلك ؛ فإن القراءة ، والمقروء بمنزلة الذكر ، ~~والمذكور. # ومن ذكر الله تعالى بلسانه ؛ فذكره حادث قائم به دون الله تعالى ، وكما ~~لا يلزم ذلك (4) فى الذكر ، والمذكور ؛ فكذلك في القراءة والمقروء. # وعلى هذا التحقيق يكون الكلام في الحفظ ، والمحفوظ ، والكتابة ، ~~والمكتوب. ثم كيف يكون المكتوب حالا فيما ms0187 فيه الكتابة؟ والله تعالى مكتوب ~~في المصاحف ؛ PageV01P364 # وهو غير حال فيها ؛ وقد قال الله تعالى فى حق محمد صلى الله عليه وسلم : ( ~~@QUR@09 النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ) (1) ~~وصفه بكونه مكتوبا في التوراة ، والإنجيل ، وإن لم يكن عليه السلام حالا فيهما. ### ||| ** وعلى هذا : فقد اختلف أصحابنا : # فمنهم : من لم يجوز الإطلاق بكون القرآن في المصحف ، حتى يقرن به أنه ~~مكتوب فيه ؛ دفعا لوهم الحلول. # ومنهم : من لم يتحاش عن ذلك مع عنايته أنه مكتوب فيه ، متمسكا في جواز ~~الإطلاق بقوله تعالى ( @QUR@06 إنه لقرآن كريم* في كتاب مكنون ) (2) ولم ~~يخالف في أن القراءة غير المقروء ، والكتابة غير المكتوب ، أحد من ~~المعتزلة. غير النجار وهو مذهب الحشوية مع زيادة القول بالقدم ، ومن وافق ~~منهم على أن القراءة ، غير المقروء. # واتفقوا على أن المقروء لا قيام له بالقارئ ، غير الجبائى ، وأبو الهذيل ~~؛ فإنهما قالا : بوجود كلام الله تعالى فى القارئ مع القراءة ، وطردا ذلك ~~في الكتابة ، والحفظ أيضا مع موافقتهما على أن كلام الله غير الكتابة ، ~~والقراءة. ثم التزما على ذلك قيام كلام الله تعالى مع وحدته بكل قارئ في ~~ساعة واحدة وأنه يكون مسموعا عند قراءة كل قارئ ، وإن لم يكن صوتا. / ~~واختلفا. فقال الجبائى : إذا قرأ القارئ آية : فيقوم به كلام الله تعالى ~~وكلام له مثل كلام الله تعالى متولد من قراءته. ### ||| ** وطريق الرد على النجار من وجهين : ### |||| ** الأول : أن القراءة تختلف برفع الصوت ، وحفظه ، والإعراب ، واللحن وغير ذلك ؛ ~~والمقروء غير مختلف. ### |||| ** الثانى : أنه لا يحسن أن يقول القائل : قرأت القراءة. كما يحسن ذلك في القرآن ، ولو ~~اتحدا لما اختلفا. PageV01P365 ### |||| ** وأما قول الجبائى : بقيام كلام الله تعالى بالقارئ ، والمصحف ، والحافظ مع مغايرته للقراءة ، ~~والكتابة ، والحفظ ، فمع أنه مجاحد العقل ؛ مناقض لأصوله من ثلاثة أوجه : ### |||| ** الأول : أن البنية المخصوصة وهى مخارج الحروف شرط في وجود الكلام ، والشرط غير ~~متحقق في أوراق المصحف. ### |||| ** الثانى : يلزمه قيام الكلام بنفس الحافظ لكلام الله تعالى ، مع إنكاره قيام الكلام ~~بالنفس. ### |||| ** الثالث : أن من ms0188 أصله : أن الكلام المفيد لا يكون إلا من حروف مترتبة متوالية بعضها ~~بعد بعض ، وقبل بعض. # وعند هذا : فالكتابة الحادثة دفعة واحدة في قطعة شمع من طابع عليه كتابة ~~منقوشة. # إن قيل : بتوالى حروفها مرتبة في أزمنة ؛ فهو خلاف الفرض. # وإن قيل : بوقوعها معا. فقد اختل شرط الإفادة ؛ فلا يكون الكلام المفيد ~~قائما بالسمع ؛ وهو خلاف مذهبه. # والقول بقيام الكلام مع وحدته بجميع القراء في ساعة واحدة : ممتنع. وإلا ~~لزم منه تعدد المتحد ، أو اتحاد المتعدد ؛ والكل محال. # ثم لو جاز قيام كلام واحد بمحلين ؛ لجاز قيام لون واحد بمحلين ؛ ولم يقل ~~به قائل. # والقول بأن الكلام مسموع ، وليس بصوت ، يوجب كون الكلام هو الحروف ؛ اذ ~~الكلام هو الحروف المرتبة عند هذا القائل. فإذا كان الكلام ليس بصوت ؛ ~~فالحروف ليست أصواتا ؛ وليس كذلك. فإنا لا نشعر عند كلام المتكلم بمعنى ~~خارج عن صوته ، ومقاطع صوته ، ومقاطع الأصوات [أصوات] (1)، وتلك هى الحروف ~~؛ فمن ادعى الشعور ، PageV01P366 # والسماع لمعنى خارج عن ذلك ؛ فهو مباهت. كمن ادعى أنه يرى مع الجواهر ، ~~والأعراض القائمة بها ما يخالفها. # فإن قيل : لو كانت الحروف أصواتا ؛ لكانت موصوفة بالارتفاع والانخفاض ، ~~والحسن وضده ، وغير ذلك من صفات الأصوات / ؛ وليس كذلك. # فنقول : لا بد في اتصاف الحرف بذلك من حيث هو صوت ، وإن لم يكن متصفا به ~~من حيث أنه مقطع الصوت. # وقوله : إنه إذا قرأ القارئ آية قام كلام الله تعالى بنفسه. وكلام (1) له ~~مثل كلام الله بنفسه أيضا متولد من قراءته ؛ فبطلانه ببطلان القول بالتولد ~~كما سيأتى (2) إن شاء الله تعالى # وأما كون القرآن مسموعا بحاسة الأذن ؛ فقد اختلف (3) أصحابنا فيه (3). # فأصل شيخنا رحمه الله : أنه يجوز تعلق كل إدراك بكل موجود. وعلى هذا فلا ~~يمتنع سماع كلام الله القديم بحاسة الأذن. ### |||| ** وذهب عبد الله بن سعيد : إلى أن إدراك السمع لا يتعلق بغير الأصوات. # وعلى هذا فالمجمع على كونه مسموعا ، إنما هو القرآن بمعنى القراءة على ما ~~تقدم ، وهو المراد من سماع موسى لكلام الله تعالى. ### |||| ** ومن ms0189 أصحابنا : من زعم أن المسموع هو المتكلم ، دون الكلام. وهو مردود بما تدركه ضرورة من ~~صوت المتكلم عند كلامه. # وأما الملموس المنظور إليه بالأعين ؛ فليس هو المقروء ، والأصوات ، ~~والحروف المنتظمة منها بالإجماع. وإنما هو الكتابة الدالة على القرآن ~~القديم. # ولا يلزم من حدوثها ، حدوث مدلولها. وما أجمع عليه أنه مركب من الحروف ~~والأصوات ؛ فإنما هو القرآن بمعنى القراءة. لا نفس المقروء على ما تقدم. PageV01P367 # وعلى هذا فقد اندفع ما ذكروه من الظواهر الخبرية. # قولهم : الإجماع منعقد على أن القرآن معجزة الرسول. ### |||| ** قلنا : المراد به القراءة. وإلا فالإجماع منعقد على أن القرآن الحقيقى الذي (1) ~~كلام الرسول (1) حكاية عنه ليس معجزة للرسول ، وإنما الاختلاف فيما وراءه ، ~~وهو أن ذلك القرآن ما هو؟ # فنحن نقول : إنه المعنى القائم بالنفس. والخصم يقول : إنه حروف وأصوات ~~أوجدها الله تعالى وعند وجودها انعدمت ، وانقضت ، وأن ما أتى به الرسول من ~~العبارات ، وكذلك قراءتنا نحن ؛ ليس هو ذلك القرآن. وإنما هو دليل عليه. ~~وهل يقال هو حكاية عنه إطلاقا؟ فذلك مما جوزه عبد الله بن سعيد ، وامتنع ~~عنه الباقون من أصحابنا ؛ لأن الحكاية مشعرة بالمماثلة ، وما هذا شأنه ؛ ~~فيتوقف إطلاقه على ورود الشرع به. # وعلى هذا منعوا من إطلاق القول : بأن لفظ القارئ بالقرآن مخلوق ؛ لأن ~~اللفظ منبئ عن الطرح ، والإلقاء ، ولم يرد به الشرع / ؛ ولم يمنعوا من ذلك ~~في قول القائل : لفظ القارئ بقراءته مخلوق. # وأما ما يذكرونه من المعنى ؛ فسيأتى الكلام عليه في موضعه إن شاء الله تعالى. # وأعلم أن التمسك بمثل هذا المسلك غير خارج عن الظنون ؛ فلا يكون مفيدا ~~لليقين فيما المطلوب منه اليقين. ### |||| ** المسلك الثانى : قوله تعالى : ( @QUR@04 ألا له الخلق والأمر ) (2) ووجه الدلالة منه : أنه ~~أثبت له الخلق ، والأمر ، وفصل بينهما. ولو كان الأمر مخلوقا ؛ لما حسن ~~الفصل بينهما ، ولكان معنى الكلام ألا له الخلق ، والخلق ؛ وهو ممتنع. # وهو من النمط الأول في عدم إفادة اليقين أيضا ؛ وذلك لأن الأمر المذكور ~~مع الخلق ، وإن (3) كان من الخلق (3)؛ إلا أن المفهوم من خصوص ms0190 كونه أمرا ~~يزيد على المفهوم من عموم كونه خلقا. PageV01P368 # وإذا اختلف المفهومان ؛ فقد تحقق الفصل بين (1) الخلق ، والأمر (1)، ~~وامتنع أن يكون الحاصل من الآية ألا له الخلق ، والخلق. وإن قدر اتحاد ~~المفهومين ؛ فالعطف غير ممتنع نظرا إلى الاختلاف في اللفظ ، ومنه قول ~~العبسى : # حييت من طلل تقادم عهده %~% أقوى وأقفر بعد أم الهيثم (2) # وأقوى وأقفر بمعنى واحد ### ||| ** المسلك الثالث : (3) # قولهم : العقل الصريح يقضى بتجويز تردد الخلق بين الأمر ، والنهى ، ~~ووقوعهم تحت التكليف ، فما وقع به التكليف من الأمر ، والنهى : إما قديم ، ~~أو حادث. # فإن كان قديما : فهو المطلوب. # وإن كان حادثا : فكل صفة حادثة لا بد وأن تستند إلى صفة قديمة للرب تعالى ~~قطعا للتسلسل. # وإذ كان كذلك ؛ وجب أن يستند تكليفهم إلى أمر ، ونهى ، هو صفة قديمة للرب ~~تعالى وهذا أيضا مما يمتنع التمسك به ؛ فإن الخصم وإن سلم إمكان تردد الخلق ~~بين الأمر ، والنهى ؛ فما المانع من أن يكون ذلك الأمر ، والنهى حادثا ~~قائما لا في ذات الله صفة قديمة : هى أمر ، ونهى. حتى لا يكون أمرا حادثا ، ~~إلا عن أمر قديم ، ولا نهيا حادثا ، إلا عن نهى قديم ؛ فإن افتقار الجائز ~~في الوجود لا يدل إلا على شيء قديم يجب الانتهاء إليه ، والوقوف عليه ؛ وهو ~~أهم من كون ذلك الشيء القديم أمرا ، أو نهيا. # كيف : وأنه لو لزم / ذلك ؛ لكان البارى تعالى متصفا بمثل كل ما يوجد في ~~عالم الكون ، والفساد من الكائنات المخلوقة لله تعالى ؛ وهو ممتنع. PageV01P369 ### ||| ** المسلك الرابع (1): # قالوا : قد ثبت أن البارى تعالى عالم بالأشياء. ومن علم شيئا يستحيل أن ~~لا يخبر عنه ؛ فالعلم بالشيء ، والخبر عنه متلازمان ؛ فلا علم إلا بخبر ، ~~ولا خبر إلا بعلم. # وهو بعيد عن التحقيق أيضا ؛ فإن الخصم قد لا يسلم ملازمة الإخبار عن ~~الشيء للعلم به ؛ فإن الإخبار عن الشيء يلازمه العلم به ضرورة. فلو لزم من ~~كون الإخبار عن الشيء معلوما ، أن يخبر عنه ؛ لزم الإخبار عن الخبر الأول ، ~~وهلم جرا ، إلى ما لا يتناهى ؛ وذلك مما ms0191 يحسن من النفس بطلانه. ثم وإن قدر ~~ملازمة الإخبار عن الشيء ، للعلم به ، ولكن الخبر الذي هو عبارة عن العبارة ~~، أو عبارة عن معنى قائم بالنفس ، غير العلم بالشيء ، والإرادة له. الأول : ~~مسلم ، ولكن لا يلزم أن يكون قائما بنفس البارى تعالى على مذهب هذا الدال ، ~~والثانى : ممنوع. # ثم وإن سلم أن الخبر النفسانى يكون ملازما للعلم بالشيء ، ولكن مطلقا ، ~~أو في حق الخالق دون المخلوق. الأول : ممتنع ؛ لما فيه من المصادرة على ~~المطلوب ، والثانى : مسلم ؛ ولكن لا يلزم مثله في حق الرب (2) تعالى ؛ ~~لجواز أن يكون الحدوث شرطا في الملازمة ، أو القدم مانعا منها. ### ||| ** المسلك الخامس (3) # قالوا : البارى تعالى يجب أن يكون حيا ؛ لما سنبينه (4)، والحى قابل ~~للكلام ، وكل ما قبل شيئا ، فإن خلا عنه ؛ فلا يتصور خلوه عن ضد من أضداده ~~، وأضداد الكلام من صفات النقص ، وذلك كالغفلة ، والبهيمية ، والخرس ، ~~ونحوه ؛ فلا يكون البارى تعالى متصفا بها. # ثم انظر الفصل لابن حزم 3 / 9. PageV01P370 # وهذا المحال : إنما لزم من عدم اتصاف الرب تعالى بالكلام النفسانى ؛ ~~فيكون محالا وهذا المسلك أيضا ضعيف ؛ لما سلف. # والذي يخصه هاهنا أن يقال : # وإن سلمنا أن البارى تعالى حى مع إمكان النزاع فيه ؛ كما يأتى ؛ فلا نسلم ~~أن كل حي قابل لاتصافه بصفة الكلام ؛ فإن الحيوانات العجماوات حية مع عدم ~~قبولها لذلك. # سلمنا أن كل حي قابل لاتصافه بصفة الكلام ، ولكن بشرط الحدوث ، أو لا ~~بشرط الحدوث. الأول : مسلم ، والثانى : ممنوع. # ولا يلزم من قبول الحادث لذلك قبول القديم تعالى لذلك ؛ لجواز أن يكون ~~الحدوث شرطا ، أو القدم مانعا /. ### ||| ** وربما أورد عليه أسئلة يمكن التقصى عنها منها : # قولهم : سلمنا أن كل حي قابل لصفة الكلام ؛ ولكن ما الذي عنيتم بالضد؟ # إن عنيتم به عدم الكلام ؛ فهو حق ؛ ولكن دعوى إحالته عين محل (1) النزاع (1). # وإن عنيتم به أمرا وجوديا : يكون منافيا للكلام ؛ فلا نسلم أن الكلام له ~~ضد. حتى يصح اتصاف الحى به. # وبيانه : هو أن الكلام من صفات الأفعال ؛ فإن المتكلم من فعل الكلام ، لا ms0192 ~~من قام به الكلام ، على ما سيأتى. والفعل لا ضد له. # وبيانه : أنه لو كان للفعل من حيث هو فعل ضد ؛ لم يخل : إما أن يكون ذلك ~~الضد فعلا ، أو لا (2) يكون فعلا (2). # لا جائز أن يكون فعلا لوجهين : ### |||| ** الأول : أنه لو كان الفعل ضدا للفعل من حيث هو فعل ؛ لكان (3) مضادا (3) لنفسه وهو محال. PageV01P371 ### |||| ** الثانى : أنه لو كان الفعل ضدا للفعل ، لما اجتمع في المحل الواحد عرضان مختلفان من ~~حيث هما فعلان ؛ وهو محال. # ولا جائز أن لا يكون فعلا ، فإن ما ليس بفعل من الموجودات ليس إلا القديم ~~وصفاته تعالى ؛ وهو قد يكون مضادا للأفعال لوجهين : ### |||| ** الأول : أنه كان يلزم امتناع وجودها معه ؛ وهو محال. ### |||| ** الثانى : أن التضاد بين القديم ، والأفعال الحادثة : إنما يكون باجتماعهما في محل ~~واحد ؛ وهو غير متصور في حق القديم تعالى. # سلمنا أن الكلام ليس من صفات الأفعال ؛ ولكن مع ذلك يمتنع أن يكون له ضد ~~، وبيانه من وجهين : ### |||| ** الأول (1) ### |||| ** : أنه لو كان للكلام ضد ؛ لكان مدركا بالإدراك الذي يدرك به الكلام ، كما أن ~~السواد لما كان ضدا للبياض ؛ كان مدركا بما به إدراك البياض ؛ وهو البصر ، ~~وليس كذلك ؛ فإن الكلام مدرك بالسمع بخلاف أضداده. ### |||| ** الثانى : أنه لو كان للكلام ضد ، لتصور أن يتكلم المتكلم بضرب من الكلام. وإن قام به ~~ضد ، بالنسبة إلى ضرب آخر حتى يقال : إنه متكلم أخرس معا. بالنسبة إلى ~~ضربين : كالعلم ، والجهل ؛ فإنهما لما كانا متضادين صح أن يكون الواحد ~~عالما ، جاهلا بالنظر إلى شيئين مختلفين ؛ وليس كذلك. # سلمنا أن للكلام ضدا ؛ لكن للكلام القائم بالمتكلم ، أو للكلام الذي لم ~~يقم به. ### |||| ** الأول : مسلم. والثانى : ممنوع. # وعلى هذا فالخرس وغيره ، من أضداد الكلام ؛ إنما هو ضد لكلام المخلوقين / ~~لقيامه به دون كلام الخالق ؛ لعدم قيامه به كما يأتى. وهذا هو مذهب النجار ~~من المعتزلة. والذي يدل على أن كلام الله تعالى لا ضد له على أصل الأشعرى ~~أمران : PageV01P372 ### |||| ** الأول : أن الكلام عنده قديم ، وتقدير ضد للقديم محال ؛ لأنه إنما ms0193 يجوز تقدير الضد ~~فيما يجوز تقدير انتفائه ؛ وانتفاء القديم محال. ### |||| ** الثانى : أن الرب تعالى على أصله آمر بأشياء ، وغير آمر بأشياء يمكن أن يكون آمرا ~~بها ، ولم يكن متصفا بضد الأمر فيما لم يأمر به عنده. وإذا جاز أن لا يكون ~~متصفا بضد الأمر فيما لم يأمر به ، جاز أن لا يكون متصفا بضد الكلام مع ~~إمكان تكلمه. # سلمنا أن الكلام له ضد مطلقا ، ولكن لم قلتم بامتناع الخلو عن جميع ~~الأضداد؟ وبم الرد على (1) الصالحى من المعتزلة في قوله بذلك؟ # سلمنا استحالة الخلو ؛ ولكن متى يكون الخرس ، أو غيره (2) صفة نقص (2)؟ ~~إذا كان الكلام صفة كمال ، أو إذا لم يكن؟ الأول : مسلم. والثانى : ممنوع. # وذلك لأنه مهما لم يكن الكلام صفة كمال ؛ فلا يلزم أن يكون ضده صفة نقص ، ~~ولم (3) يثبتوا (3) أن الكلام صفة كمال بالنسبة إلى الرب تعالى ؛ فلا يثبت ~~أن أضداد الكلام من صفات النقص. ### ||| ** والجواب : ### |||| ** أما السؤال الأول : فمندفع ؛ فإنه إذا سلم جواز اتصاف كل حي بصفة الكلام ، فالكلام الذي هو صفته : # إما العبارات المؤلفة من الحروف والأصوات ، كما يقوله الخصوم ، أو المعنى ~~القائم بالنفس كما نقوله نحن. # وعلى كلا التقديرين : فله ضد ؛ فإن كل ما ينافى كلام النفس : كالغفلة ، ~~والسهو ، والطفولية ، والبهيمية ، فهو ضد له ، إذ لا معنى للضد إلا هذا. ~~وكل معنى يمنع من خطور الكلام في النفس مطلقا على وجه لا يوجد معه الكلام ~~أبدا ؛ فهو المعنى بالخرس ، وليس # صالح بن عمرو الصالحى. شيخ الصالحية التى نسبت إليه وهو من مرجئة ~~القدرية. # (الملل والنحل 1 / 145). PageV01P373 # الخرس المضاد للكلام بهذا المعنى : هو جفاف اللسان ، واختلاف مخارج حروفه ~~بحيث لا يتمكن معه من التعبير ؛ فإنه لا مانع من الجمع بين ذلك ، وبين خطور ~~الحديث في النفس ؛ فيكون الكلام في النفس ، فإن وجد الخرس في اللسان ؛ ~~فالخرس في اللسان مضاد للكلام اللسانى دون النفسانى ، وكذلك كل ما ينافيه ؛ ~~فهو ضد له : كالسكون ، وغيره. ### |||| ** قولهم : إن الكلام صفة فعلية ؛ لأن المتكلم من فعل الكلام لا من قام به ms0194 الكلام ؛ ~~فسيأتى إبطاله عن قرب (1). # ثم وإن سلمنا أن الكلام صفة / فعلية ؛ فلا نسلم أنه ضد (2) له (2). ### |||| ** قولهم : إما أن يكون ذلك الضد فعلا ، أو لا يكون؟ # قلنا : ما المانع أن يكون [فعلا (3) ]. ### |||| ** قولهم : فى الوجه الأول : فيلزم من ذلك أن يكون الفعل ضدا لنفسه ، إنما يلزم أن لو ~~كان التضاد بينهما باعتبار ما به الاشتراك ، وليس كذلك ؛ بل جاز أن يكون ~~التضاد بينهما مع اشتراكهما في صفة الفعلية باعتبار ما به التعين ، ~~والتمايز. # وعلى هذا فلا يخفى الجواب عن الوجه الثانى أيضا. ### |||| ** قولهم : لا نسلم أن الخرس ضد للكلام ، دليله ما سبق. ### |||| ** قولهم : إنه لو كان ضدا للكلام ؛ لكان مدركا بما به إدراك الكلام. ### |||| ** قلنا : هذه دعوى عرية عن البرهان ، وهى غير مسلمة. ولا يلزم من إدراك بعض ~~الأضداد بما به إدراك ضده طرد ذلك في جميع الأضداد. # ثم يلزمهم على ذلك فناء الجواهر ، فإنه مضاد لها ، وهى مدركة بحاسة البصر ~~، واللمس ، بخلاف الفناء. PageV01P374 # ثم وإن سلمنا ذلك ؛ ولكن لا نسلم امتناع إدراك أضداد الكلام بما به إدراك ~~الكلام ؛ فإن كل موجود يصح أن يسمع على أصلنا. ### |||| ** قولهم : لو كان الخرس ، أو غيره ضدا للكلام ؛ لتصور أن يكون الواحد متكلما ، أخرس ~~بالنسبة إلى ضربين من الكلام. ### |||| ** قلنا : أما الكلام النفسانى : إن قلنا إنه معنى (1) واحد لا تعدد فيه كما هو ~~مذهب الشيخ أبى الحسن الأشعرى ، فلا يتصور أن يكون المتكلم متكلما ببعضه ~~دون بعض ؛ لعدم التبعيض فيه وإن قلنا إنه متعدد : فلا مانع من ثبوت ضرب من ~~الكلام ، وانتفاء بعض آخر لمانع يمتنع وجوده معه ، ويكون في حكم الخرس ؛ ~~ولكن ربما لا يسمى ذلك المانع من البعض خرسا ؛ فيكون النزاع واقعا في ~~التسمية لا في المعنى. # وعلى هذا يكون الكلام في الكلام اللسانى أيضا. ### |||| ** قولهم : الخرس وغيره ضد لكلام المخلوق ؛ لقيامه به ، وليس ضدا لكلام الخالق ؛ ~~لعدم قيامه به. ### |||| ** قلنا : إذا سلم أن كل حى قابل للكلام ، وأن الرب تعالى حى ؛ فيكون قابلا للكلام ~~؛ فالمعنى الموجب لمنع الكلام في ms0195 حقه يكون خرسا على ما سبق. ### |||| ** قولهم : كلام الله تعالى عندكم قديم لا يجوز تقدير انتفائه ، وما ليس كذلك ؛ فلا ~~يكون له ضد. ### |||| ** قلنا : وإن امتنع العدم في كلام الله تعالى فبتقدير وجود الضدين تقدير عدمه لا ~~يكون مجوزا لعدمه في نفسه. ولهذا قال تعالى : ( @QUR@07 لو كان فيهما آلهة ~~إلا الله لفسدتا ) (2). # وما / لزم من تقديره الفساد ، من تقدير اجتماع الآلهة ، جواز اجتماع ~~الآلهة. ### |||| ** قولهم : إن الله تعالى عندكم آمر بأشياء ، وغير آمر بأشياء يمكن أن يكون آمرا بها ~~على ما قرروه. PageV01P375 ### |||| ** قلنا : إن قلنا بما ذهب إليه عبد الله بن سعيد من أصحابنا أن الأمر ، والنهى ، ~~وسائر أقسام الكلام ؛ ليس مما يتصف به الكلام القديم في الأزل ؛ بل فيما لا ~~يزال ، وأنه من الصفات الفعلية ؛ فالأمر ليس من الصفات القديمة ، حتى يلزم ~~من عدم اتصاف الرب تعالى به أن يكون متصفا بضده. ### |||| ** وإن قلنا : بما ذهب إليه الشيخ أبو الحسن الأشعرى : من أنه موصوف به في الأزل. ### |||| ** فنقول : كلام الله تعالى صفة واحدة. وحاصله يرجع إلى الإخبار عن كل ما يصح الإخبار ~~عنه على ما هو عليه ؛ فما أمر الله تعالى به ؛ فهو مخبر عن كونه (1) ~~مأمورا. وما لم يأمر به (1)؛ فهو مخبر عن كونه غير مأمور به ؛ فكلامه مع ~~وحدته يتعلق بجميع المتعلقات على اختلاف أوصافها. # فعلى هذا : لو قدرنا وجود الأمر فيما أخبر (2) به الله تعالى أنه غير ~~مأمور (2)؛ لكان ذلك كذبا ، وتناقضا محالا ؛ فوجود الأمر فيما لم يأمر به ~~لا يكون متصورا ، وعدم اتصاف الرب تعالى بالأمر فيما لا يكون الأمر به ~~متصورا ، لا يوجب اتصافه بالضد ، كما لا يلزم الجهل في حق الحجر من عدم ~~العلم فيه لما لم يكن العلم في حقه متصورا ، بخلاف الكلام ؛ فإنه قد سلم ~~تصور اتصاف الرب تعالى به على ما سبق. # كيف وأن ما لم يأمر به فالمنتفى فيه إنما هو تعلق الأمر به ، لا نفس ~~الأمر ؛ فلا يلزم أن يكون الرب تعالى متصفا بضد الأمر. # قولهم : لم قلتم ms0196 بامتناع الخلو عن جميع الأضداد؟ ### |||| ** قلنا : إذا ثبت أن كل حي قابل للكلام ، فامتناع قيام الكلام به لا بد وأن يكون ~~لمانع. وإلا لما كان ممتنعا ؛ وذلك هو المعنى بالضد. # وعلى هذا : فقد اندفع مذهب الصالحى من المعتزلة في قوله : بجواز خلو ~~المحل عن جميع الأضداد ، التى هو قابل لها. PageV01P376 ### |||| ** قولهم : إنما يكون الخرس صفة نقص أن لو بينتم (1) أن الكلام صفة كمال. ### |||| ** قلنا : إذا ثبت أن الرب تعالى حى ، ونسلم أن كل حى قابل لصفة الكلام ، فالرب ~~تعالى قابل له ، والعقل الاضطرارى يشهد بأن الكلام في حق من هو قابل للكلام ~~صفة كمال ، وعدمه صفة نقص. # / ولهذا فإن من لم يتصف بالكلام من الأحياء كان حاله أنقص من حال من (2) ~~اتصف به (2)، وحال من اتصف به أكمل من حال من لم يتصف به على ما لا يخفى. ### ||| ** المسلك السادس : # وهو مسلك الأستاذ أبى إسحاق الأسفرايينى ، وهو أن قال : أجمع المسلمون ~~على أننا مأمورون ، منهيون في وقتنا هذا بأمر الله تعالى ونهيه. وهو إما أن ~~يكون قديما ، أو حادثا. # لا جائز أن يكون حادثا : فإنه لا قائل بأن الله تعالى يخلق (3) لنفسه في ~~وقتنا هذا (3) أوامر ، ونواهى فإنها لا تبلغنا ، ولا نحن في زمن تبليغ ؛ ~~فلم يبق إلا أن يكون أمره ونهيه قديما ، ولا قديم من الموجودات غير [ذات ~~(4) ] الله تعالى وصفاته على ما يأتى : فكان أمره ، ونهيه صفة قديمة قائمة به. # وهو ضعيف أيضا ؛ إذ للخصم أن يقول : إنما وافق على أمرنا ونهينا ؛ بالأمر ~~والنهى الحادث في زمن الوحى. ولا يلزم من عدم ذلك في وقتنا هذا ؛ امتناع ~~التكليف به في وقتنا هذا بواسطة حكاية النبي له ومن بعده العلماء القائمين ~~بأمر الشريعة. # ولهذا فإن السيد لو أمر عبده بفعل شيء في الغد ؛ فإنه يعد مأمورا بأمر ~~سيده ، وإن كان أمر (5) سيده (5) قد عدم في الغد. وكذلك لو وصى (6) أولاده ~~بصدقة بعد موته ؛ فإنهم PageV01P377 # يعدون مأمورين بأمر والدهم بعد موته ، وإن كان أمره معدوما بعد موته ، ~~ولهذا يوصفون بالطاعة ms0197 (1) بعد الموت لأمره (1): بتقدير الامتثال ، ~~وبالعصيان له : بتقدير المخالفة. # وبالجملة فهذا المسلك غير خارج عن رتب الظنون. ### ||| ** المسلك السابع : # قالوا : أجمع المسلمون. على أن الله تعالى متكلم بكلام ، وأجمعوا على أنه ~~لا بد من تقدير ضرب من الاختصاص بالكلام ؛ فذلك الاختصاص : إما بمعنى قيامه ~~به ، أو بمعنى أنه فعله ، أو بمعنى مشاركته (2) له في كونه لا في محل ، كما ~~قيل في الإرادة. # فجهات اختصاص الكلام بالله تعالى لا تزيد على هذه باتفاق الخصوم. # لا سبيل إلى تفسير الاختصاص بكونه فاعلا له ؛ لسبعة أوجه : ### |||| ** الأول : أن الواحد منا لو تكلم بكلام مفيد ؛ فهو كلامه لا محالة ، ولذلك يقال تكلم ~~، وهو متكلم. ولا جائز أن تكون جهة نسبته إليه هو كونه فاعلا له. وإلا لما ~~كان متكلما من خلق الكلام فيه اضطرارا : كالمبرسم (3) / والنائم. ### |||| ** الثانى : أنه يلزم على سياق ذلك لمن اعترف من المعتزلة بأن أفعال العباد مخلوقة لله ~~تعالى كالنجارية (4) أن يكون الرب تعالى هو (5) المتكلم (5) بكلامنا لا نحن ~~؛ وهو جحد للضرورة. ### |||| ** الثالث : أنه لو كان المتكلم من فعل الكلام ؛ لوجب أن يكون البارى تعالى عندهم مصوتا ~~؛ لكونه فاعلا للصوت ؛ إذ الكلام عندهم مركب من الحروف ، والأصوات ، والصوت ~~أعم من الكلام. PageV01P378 # ولهذا يصح عندهم أن يقال : كل كلام صوت ، وليس كل صوت كلاما. ومن ضرورة ~~فعل الأخص. فعل ما يندرج في معناه من الأعم. # ويلزم أيضا أن يكون متحركا بما يفعله من الحركات ، ومسمى بكل ما (1) ينسب ~~إليه (1) من التكوينات ؛ وهو محال. ### |||| ** الرابع : أن الصفة الحادثة لها نسبة إلى الفاعل ، ونسبة إلى المحل ؛ فنسبتها إلى ~~الفاعل : بأنه محدثها ، ونسبتها إلى المحل ؛ بأنها فيه ؛ وهما معنيان ~~مختلفان ، وما نسب إلى الشيء بأنه فيه. يقال بأنه موصوف به لا محالة حتى أن ~~من قامت به حركة (2)، يقال إنه متحرك. وإن لم يخطر بالذهن كونه فاعلا ؛ بل ~~ويحكم عليه بذلك مع القطع بكونه غير فاعل لما قام به : كالمرتعش ، والمتحرك قصرا. # وعند ذلك فلو وصف الفاعل به ؛ لأثرت النسبتان المختلفتان في حكم واحد ؛ ~~وهو ms0198 ممتنع على ما سيأتى. ### |||| ** الخامس : هو أن اتصاف من قام به الكلام إذا لم يكن هو الفاعل للكلام بكونه متكلما ~~على ما حققناه يبطل رسم المتكلم على أصلهم بأنه الفاعل للكلام ؛ إذ هو غير جامع. ### |||| ** السادس : أنه لو كان المتكلم من فعل الكلام ؛ لوجب أن يكون المريد (3)، والقادر ، ~~والعالم (3)، من فعل الإرادة (4)، والقدرة ، والعلم (4)؛ وليس كذلك ~~بالإجماع. ولا فرق بين هذه الصور على ما لا يخفى. ### |||| ** السابع : أنهم إذا قالوا بأن معنى كون البارى تعالى متكلما بمعنى أنه فاعل للكلام. # فيقال (5) لهم : فما طريقكم (5) فى إثبات هذه الصفة الفعلية؟. PageV01P379 ### |||| ** فإن قالوا : دليل وقوعها كونها مقدورة لله تعالى ؛ فيلزم أن يكون كل مقدور واقع ؛ وهو محال. ### |||| ** وإن قالوا : طريقنا ليس إلا قول الأنبياء الذين دلت المعجزة (1) على صدقهم ، وقد قالوا. ~~إن الله تعالى متكلم بأمر ، ونهى ، وغيرهما. ### |||| ** قلنا : فلو لم يبعث الله تعالى رسولا ، فعندكم أنه يجب على العاقل معرفة الله ~~تعالى معرفة تتعلق بذاته وصفاته. # / فكيف يعرف كونه متكلما ؛ وذلك لا يعرف إلا بالرسول ، ولا رسول ؛ فلا بد ~~لهم من المناقضة في أحد أمرين : إما في القول بإيجاب المعرفة بالعقل. وإما ~~في القول بأن المعرفة منوطة بالرسول. # وهذه المحالات : إنما لزمت من القول بأن المتكلم من فعل الكلام ؛ فالقول ~~به ممتنع. # ولا سبيل إلى القول بالثالث ؛ لما سبق في الإرادة. # فلم يبق إلا الاختصاص. بمعنى القيام به. # وعند ذلك. فإما أن يكون قديما ، أو حادثا. # لا جائز أن يكون حادثا : وإلا كان الرب تعالى محلا للحوادث ؛ وهو محال ، ~~كما سيأتى (2)؛ فلم يبق إلا أن يكون قديما. # وهو ضعيف أيضا : فإنه وإن سلم اتفاق المسلمين على كونه متكلما بكلام ؛ ~~لكن للخصم أن يقول : إنما وافقت على كونه متكلما بكلام ، بمعنى أنه خالق ~~للكلام. # وعند هذا فمنازعته. إما في تحقيق هذا المعنى وجوازه ، أو في إطلاق اسم ~~المتكلم بهذا الاعتبار. PageV01P380 # لا سبيل إلى الأول : إذ هو خلاف إجماع المسلمين على كون الرب تعالى قادرا ~~على خلق الحروف ، والأصوات ، وغيرها. وإن تورع في ms0199 جواز إطلاق الاسم ؛ فهو ~~بحث لغوى لا حظ له بالمعنى (1) [ (2) ومثل هذا لا تدار (2) ] عليه مسائل ~~الأصول. ### ||| ** المسلك الثامن : # قالوا : أجمع المسلمون على أن البارى تعالى متكلم بكلام ، فذلك الكلام لا ~~يخلو : إما أن يكون قائما بذاته (3) تعالى ، أو لا يكون قائما بذاته. # فإن كان قائما لا في ذاته : فإما أن يكون قائما في محل ، أو لا في محل. # لا جائز أن يكون قائما لا في محل ؛ فإنه إن ادعى أنه جسم لطيف كما قاله ~~النظام ؛ فقد كابر العقل. # وإن سلم أنه عرض ؛ فالعرض لا يقوم بنفسه [على ما يأتى (4) ]. # ولا جائز أن يكون قائما بمحل. وإلا لاشتق له من عمومه ، أو خصوصه اسم : ~~إما له ، أو للجملة التى هو منها. وإن تعذر الاشتقاق ؛ فلا بد من تقدير ~~إضافة إليه ؛ والكل متعذر فيما نحن فيه. # وتحقيق القول فيه : أن الصفة القائمة بالمحل لها صفة عموم ، وخصوص. ~~والاشتقاق قد يكون من جهة عمومها : كاشتقاق العالم من العلم القائم به. # وقد يكون من جهة الخصوص (5): كاشتقاق اسم الفقيه مما قام به من خصوص ~~العلم بالفقه. # وقد يكون ذلك لنفس المحل الذي قامت به / الصفة : كاشتقاق اسم الأسود ~~للمحل الذي قام به السواد. # في استحالة قيام العرض بنفسه ل 41 / ب وما بعدها. PageV01P381 # وقد يكون ذلك للجملة التى محل الصفة من جملتها : كاشتقاق اسم العالم ~~للإنسان ، من العلم القائم بنفسه. # وإن تعذر الاشتقاق ؛ فلا بد من تقدير إضافة ، وذلك كما في رائحة المسك ~~القائم بالمسك ؛ فإنه وإن تعذر الاشتقاق منها ؛ فلا بد من إضافتها. # وهو أن يقال : رائحة المسك. فلو كان الكلام قائما في محل ، لسمى (1) ~~متكلما ، أو قيل (1) كلام المحل ؛ وليس كذلك. # فلم يبق إلا أن يكون قائما بذاته تعالى ؛ # وهو إما قديم ، أو حادث. # لا جائز أن يكون حادثا : وإلا كان الرب تعالى محلا للحوادث ، وهو ممتنع ~~[كما (2) يأتى] ؛ فلم يبق إلا أن يكون قديما ؛ وهو المطلوب. ### ||| ** وعلى هذا التقدير : فقد اندفع بما تشكك به المعتزلة من قولهم : # إنه لو خلق الله ms0200 تعالى الرزق في محل مخصوص ؛ فإنه يرجع منه الوصف إلى ~~الرب تعالى حتى يقال له رازق. لا إلى المحل إذ لا يقال له رازق. # وكذلك لو خلق الله تعالى الكتابة في محل فإنه تعالى يقال له كاتب ، ولا ~~يقال للمحل كاتب. # وكذا إذا خلق الحياة في محل ؛ قيل له حي. ولا يرجع إلى المحل منه وصف ؛ ~~فكذلك إذا خلق الكلام في محل ؛ وجب أن يسمى متكلما ، ولا يسمى المحل الذي ~~فيه الكلام متكلما. ### |||| ** أما الإشكال الأول : فلأنه وإن لم يعد إلى المحل من عموم الرزق حكم ؛ فقد عاد إليه من أخص (3) ~~وصفه (3) وهو كونه نفعا ، ولذة ، فيقال : المحل ملتذ ، ومنتفع [به (4) ] ~~ولا كذلك الكلام ؛ فإنه لا يرجع منه إلى المحل حكم لا عموما ، ولا خصوصا. PageV01P382 ### |||| ** وأما الإشكال الثانى : فلأن اشتقاق الكاتب إنما هو من الكتابة ، وهى تحريك الأدوات والجوارح ، ~~التى بعضها وضع الرقوم ، والحروف المتألفة الدالة. لا أنها نفس الرقوم ~~الحادثة. # وعلى هذا فيمتنع تسمية الرب تعالى كاتبا ؛ لعدم صدور الكتابة عنه. # [وأما (1) قوله (1) ] تعالى ( @QUR@05 كتب ربكم على نفسه الرحمة ) (2): ~~أى وعد (3) بها ، وأوجبها (3) على نفسه. وقوله تعالى : ( @QUR@08 وكتبنا ~~عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين ) (4) معناه (5) أوحينا ، ~~وألزمنا (5)، وقوله : ( @QUR@03 وإنا له كاتبون ) (6): أى موجبون ، ~~وملزمون. وقوله عليه السلام : «كتب الله التوراة بيده» : أى ألزم حكمها ~~بقدرته ، ومشيئته. ### |||| ** وأما / الإشكال الثالث : فمندفع أيضا ؛ فإنه يسمى المحل الذي خلقت فيه الحياة حيا ، وذلك عين ~~الاشتقاق من خصوص وصف الحياة. # وهذا المسلك أيضا من النمط المتقدم ؛ وذلك أنه لو قيل : لم قلتم إنه يلزم ~~من قيام الكلام بالمحل أن يعود إليه منه وصف ، أو إضافة؟ لم يجدوا إلى ذلك ~~سبيلا غير مجرد الدعوى ، أو القياس على بعض الصفات ؛ وهو غير لازم ؛ لجواز ~~أن يكون ذلك لخصوص تلك الصفة ، أو أن خصوص ما نحن فيه مانع. ### ||| ** والمعتمد (7) فى ذلك أن يقال (8): # أجمع أهل الملل قاطبة على وقوع البعثة ، وتبليغ الرسل إلى الكافة أنواع ~~التكاليف : بالأوامر ، والنواهى ، والإعلام بما أخبر الله تعالى به مما ms0201 كان ~~، وما سيكون ، وأنهم حاكمون مبلغون عن الله تعالى ذلك. ولو لم يكن لله ~~تعالى كلام ولا أمر ، ولا PageV01P383 # نهى ؛ لما تحقق معنى التبليغ والرسالة ؛ فإنه لا معنى للرسول إلا المبلغ ~~لكلام المرسل ، فلو لم يكن لله تعالى كلام وراء كلام الرسول المخلوق فيه ~~أصالة عندهم ، أو لله تعالى عندنا ؛ لكان هو الآمر بأمره ، والناهي بنهيه ؛ ~~فلا يكون رسولا ، ولا مبلغا ؛ بل كان كاذبا في دعواه : إنى رسول الله إليكم ~~فيما أمرت به ، أو نهيت : كالواحد منا إذا أمر غيره ، أو نهاه ، ولم يكن ~~مبلغا عن الغير ؛ فإنه لا يكون رسولا ؛ بل ولما تحقق أيضا معنى الطاعة ، ~~والعبودية لله تعالى ؛ فإن من لا أمر له ، ولا نهى ؛ لا يوصف بكونه مطاعا ، ~~ولا حاكما. ومن أنكر ذلك من غير أهل الملل ؛ كان محجوجا بما دلت عليه ~~المعجزات القاطعة ، الدالة على صدق من ظهرت على يده من الرسل المتقدمين ، ~~الذين شاهد ذلك منهم من حضرهم ، وتواترت أخبارهم إلى من غاب عنهم. # وعند ذلك : فالإجماع أيضا من العقلاء منعقد : على أن كلام المتكلم لا ~~يخرج عن الحروف ، والأصوات المنتظمة ، الدالة بالوضع ، وعما هى دليل عليه ~~في نفسه. # فإن كان الأول : فلا يخلو : إما أن يكون لكلام الله تعالى معنى في نفسه ، ~~أو لا معنى له في نفسه. # فإن لم يكن له معنى في نفسه ؛ فلا يكون آمرا ، ولا ناهيا ؛ ولهذا إن من ~~قال لغيره ؛ افعل كذا ، أو لا تفعل كذا ، ولم يكن لعبارته معنى في نفسه ؛ ~~لا يكون آمرا ؛ ولا ناهيا ؛ بل عابثا. # وإن كان لها / معنى في نفسه ؛ فذلك هو الذي نروم إثباته ، ونعبر عنه ~~بكلام النفس. ### |||| ** وإن كان الثانى : وهو أن معنى الكلام هو المعنى القائم بالنفس ؛ فهو (1) المطلوب. ولو لا ذلك ~~لما تحقق كونه متكلما. وهو فلا يخلو (1): إما أن يكون قديما ، أو حادثا. # لا جائز أن يكون حادثا : وإلا كان الرب تعالى محلا للحوادث ؛ وهو محال. # فلم يبق إلا أن يكون قديما. PageV01P384 ### |||| ** فإن قيل : الاستدلال بالإجماع فرع تصوره ، وكونه ms0202 حجة ؛ وهما ممنوعان على ما سبق في ~~قاعدة النظر (1). # سلمنا أن الإجماع حجة ؛ لكن في القطعيات ، أو الظنيات. # الأول : ممنوع. والثانى : مسلم. # وذلك لأن مستند كونه حجة لا يخرج عن الظواهر الخبرية والأمور الظنية ، ~~وما نحن فيه من القطعيات ؛ فلا يكون حجة فيه. # سلمنا أنه حجة في القطعيات ؛ ولكن فيما يتوقف عليه كون الإجماع حجة ، أو ~~في غيره. الأول : ممنوع ، والثانى : مسلم. # وذلك لأن الاحتجاج بالإجماع على ما لا يثبت كون الإجماع حجة إلا به. يكون ~~دورا ممتنعا ؛ أو ما هو مدلول الإجماع. إنما هو كلام الله ، والإجماع ؛ فلا ~~يتم كونه حجة إلا به ؛ لأن كون الإجماع حجة إنما هو بالسمع ، والسمع مستند ~~إلى قول الرسول ، وصدق الرسول في دعواه أنه رسول متوقف على إثبات كلام الله ~~تعالى على ما ذكرتموه ؛ فيكون دورا. # سلمنا صحة الاحتجاج بالإجماع مطلقا ؛ ولكن لا نسلم وجود الإجماع فيما نحن فيه. ### |||| ** قولكم : أجمعت الملل على أن الله تعالى متكلم بكلام. ### |||| ** فنقول : أجمعوا على إطلاق ذلك لفظا ، أو معنى الأول : مسلم. والثانى : ممنوع. # ولهذا قال بعضهم : كلام الله تعالى حروف ، وأصوات. ### |||| ** وقال بعضهم : هو مدلول الحروف ، والأصوات القائم بالنفس. # فإذن ما اتفقوا عليه من الإطلاق لفظا ، لا يدل على الكلام النفسانى ، وما ~~لم يتفقوا عليه ؛ لا يكون ثابتا بالإجماع. PageV01P385 # سلمنا الاتفاق على المدلول ؛ ولكن لا نسلم أنه يلزم من ذلك ثبوت كلام هو ~~صفة نفسانية للرب تعالى وبيانه من وجهين : # الأول : أن تلك الصفة النفسانية : إما أن تكون من جنس كلام البشر ، أو لا ~~(1) تكون من جنس كلام البشر. # فإن لم تكن من جنس كلام البشر ؛ فلا يكون (1) معقولا. وما ليس بمعقول لا ~~سبيل إلى إثباته فضلا عن / اتفاق العقلاء عليه. وإن كان من جنس كلام البشر ~~؛ فهو ممتنع لوجهين : ### |||| ** الأول : أنه يلزم أن يكون مشاركا لكلام البشر في العرضية ، والإمكان ، وأن يكون ~~الرب تعالى محلا للأعراض ؛ وهو ممتنع. ### |||| ** الثانى : أنه لو كان من جنس كلام البشر : فإما أن يكون من جنس الكلام اللسانى ، أو ~~لا ms0203 من جنسه. # فإن كان من (2) جنس الكلام اللسانى (2): فإما أن يكون بحروف ، وأصوات ، ~~أو لا بحروف ، وأصوات ، أو هو صوت بلا حرف ، أو حرف بلا صوت. ### |||| ** لا جائز أن يقال بالأول : إذ الأصوات لا تكون إلا عن اصطكاك أجرام صلبة من قرع ، أو قلع. والحروف ~~عبارة عن مقاطع تلك الأصوات ، ولا تكون إلا مترتبة ، ومتعاقبة ، لا وجود ~~للمتقدم منها مع المتأخر ، وكذلك بالعكس ؛ فتكون حادثة ، والحادث لا يكون ~~صفة للرب تعالى كما يأتى (3): ### |||| ** ولا جائز أن يقال بالثانى : وإلا فهو خارج عن جنس كلام اللسان ؛ فإن كلام اللسان ؛ عبارة عن أصوات ~~مقطعة دالة بالوضع على عرض مطلوب. # وعلى هذا يمتنع تفسيره ، بالثالث ، والرابع أيضا. PageV01P386 # كيف وأنه يتعذر أن يكون الكلام حرفا بلا صوت ؛ فإنا لا نعقل للحرف معنى ~~غير مقاطع الصوت ، ويتعذر أن يكون الكلام صوتا بلا حروف ؛ إذ لا تمييز له ~~عن صوت دوى الرعود ، ونقر الطبول ، ونحوه. # وإن لم يكن من جنس الكلام اللسانى ؛ فليس بمعقول. وما ليس بمعقول ؛ لا ~~سبيل إلى إثباته. ### |||| ** الثانى : أنه لو كان متصفا بصفة الكلام : فإما أن يكون ذلك الكلام قديما ، أو حادثا. ### |||| ** لا جائز أن يكون حادثا : وإلا كان الرب تعالى محلا للحوادث ؛ وهو محال. # وإن كان قديما : فهو ممتنع لوجوه (1) ثلاثة (1). ### |||| ** الأول : أن الكلام منقسم إلى : أمر ، ونهى ، وخبر ، واستخبار ، ووعد ووعيد ، ونداء ~~؛ وذلك يجر إلى إثبات قديمين فصاعدا ؛ وهو ممتنع ؛ لما فيه من تعدد الآلهة ~~كما سبق. ### |||| ** الثانى : أنه يفضى إلى الكذب في الخبر في قوله تعالى ( @QUR@03 إنا أرسلنا نوحا ) ~~(2). وقوله تعالى ( @QUR@04 وإذ قال موسى لقومه ) (3). ( @QUR@06 كما قال ~~عيسى ابن مريم للحواريين ) (4)، ونحو ذلك من حيث إن الخبر قديم ، والمخبر ~~عنه حادث. ### |||| ** الثالث : أنه يلزم منه أن يكون أمرا (5)، ونهيا ، وخبرا ، واستخبارا ، أو وعدا ، ~~ووعيدا ، ونداء (5)، ولا مأمور ، ولا منهى ، ولا مخبر ، ولا مستخبر عنه ، ~~/ ولا موعود ، ولا متواعد ، ولا منادى ؛ وذلك كله محال ؛ لما فيه من منافاة ~~الحكمة ، ولزوم السفه. ### |||| ** قولكم : ولو لا ذلك لما تحقق معنى الطاعة ، والعبودية ms0204 لله تعالى ولا (6) معنى ~~الرسالة ، والتبليغ ؛ ليس كذلك ؛ إذ أمكن أن يقال : بأن صحة الطاعة ، ~~والعبودية لله تعالى (6) يستند إلى التسخير ، والوقوع على وفق الإرادة ~~والاختيار على ما سبق في PageV01P387 # المسلك الأول (1). وكذلك قد يشتد صفا نفس بعض الناس بحيث يقرب اتصالها ~~بالعقول والنفوس العلوية ، بحيث يطلع على الأشياء الغيبية من غير واسطة ، ~~ولا بعلم ؛ فيسمع من الأصوات ويرى من الصور ما لا يسمعه ، ولا يراه من ليس ~~من أهل منزلته من البشر على نحو ما يسمعه ويراه النائم في منامه ؛ فيكون ~~حاله إذ ذاك نازلة منزلة ما لو أوحى الله : بأن الأمر الفلانى كذا ، وكذا ؛ ~~ولا منازعة في الإطلاقات بعد فهم المعنى. # سلمنا أنه لا بد من ثبوت صفة نفسانية ؛ ولكن ذلك لا يسمى كلاما ؛ إذ ~~الكلام في اللغة : عبارة عن الأصوات ، المقطعة ، المنتظمة ، الدالة بالوضع ~~دلالة مفيدة وبتقدير أن يسمى ذلك كلاما ؛ فالمعقول من الصفات النفسانية غير ~~خارج عن القدرة ، والإرادة ، والتميز الحاصل للنفس الحيوانية بالحواس ~~الباطنة ؛ وذلك كما تتصوره القوة الخيالية من شكل الفرس عن شكل الحمار ، ~~ونحوه. وما تتصوره القوة الوهمية من المعنى الذي يوجب للشاة نفرتها من ~~الذئب ، ونحوه. والتميز الحاصل للنفس الناطقة الإنسانية بالقوة النظرية ~~التى بها إدراك الأمور الكلية بالفكرة ، والروية : وذلك كتصورنا معنى ~~الإنسان من حيث هو إنسان ، وحكمنا عليه بأنه حيوان ونحوه (2) فإن أريد به ~~القدرة ، أو الإرادة ؛ فذلك غير خارج عما سبق إثباته من الصفات. # وإن أريد به التمييز ، والتصور الحاصل للنفس الحيوانية (3)، والإنسانية ~~(3)؛ فذلك أيضا غير خارج عن قبيل العلوم. # كيف : وأنه بتقدير أن يراد به التميز الحاصل بالحواس الباطنة ؛ فإن ~~إدراكها لذلك لا يكون إلا بانطباع الصور المحسوسة أولا ، في إحدى الحواس ~~الظاهرة الخمس ، ثم بتوسطها في الحس المشترك : وهى القوة المترتبة في مقدم ~~التجويف الأول من الدماغ على نحو انطباع الصور في الأجرام الثقيلة ~~المتقابلة ، ثم بتوسطها / فى المفكرة ، ثم في الوهمية ، ثم في الحافظة (4) ~~. وبعض هذه القوى وإن لم يفتقر في الانطباع إلى حضور المادة : كالحس ms0205 ~~المشترك ، والمفكرة ، والوهمية ، والحافظة ؛ فهى لا تنفك في الانطباع PageV01P388 # عن علائق المادة ، وأن إدراكها لا يكون إلا بانطباع الأشكال والصور ~~الجزئية القابلة للتجزى ، وانطباع ما يقبل التجزى لا يكون إلا فيما هو قابل ~~للتجزى ، والبارى تعالى يستحيل أن يكون متجزئا. # سلمنا أنه وراء العلم ، والقدرة ، والإرادة ؛ ولكن ما المانع أن يكون هو ~~حديث النفس؟ وهو تقديرات العبارات اللسانية ، وهو تحدث النفس بالعبارات ~~المختلفة بالعربية ، والعجمية ، ونحوهما ؛ وذلك خارج عن العبارة وما ~~جعلتموه مدلولا لها. # سلمنا أنه خارج عن حديث النفس بالمعنى المذكور ؛ ولكن لم قلتم بأنه ليس ~~بحرف وصوت كما ذهبت إليه الحشوية؟ # سلمنا دلالة ما ذكرتموه على ثبوت كلام النفس القديم (1)؛ ولكنه معارض ~~بالنصوص ، والإجماعات كما سبق في المسلك الأول. ### ||| ** والجواب : ### |||| ** قولهم : هذا تمسك بالإجماع ؛ وهو فرع تصوره ، وفرع (2) كونه حجة (2). عنه جوابان : ### |||| ** الأول : أن الاحتجاج : إنما وقع بمساعدة الخصوم على ذلك ، وإجماعهم (3) على ما ~~ادعيناه (3)؛ فلا يفتقر في إثبات ما ادعيناه من أن الله تعالى له كلام إلى ~~دليل مع مساعدة الخصم (4) عليه .. # ومن أنكر ذلك من أرباب الملل ؛ فلم يحتج عليه بالإجماع ؛ بل بما ورد من ~~التواتر القاطع بإخبار من وجب تصديقه بذلك على ما سلف. ### |||| ** الثانى : وإن سلمنا أن الاحتجاج بالإجماع ، فقد بينا الدلالة على تصوره ، وعلى كونه ~~حجة في قاعدة النظر (5). PageV01P389 ### ||| ** وعلى هذا : فقد اندفع ما ذكروه من السؤال الثانى. ### |||| ** قولهم : هذا تمسك بالإجماع فيما يفضى إلى الدور ؛ ليس كذلك ؛ فإنا لا نسلم أن صدق ~~الرسول يتوقف على ثبوت كلام الله تعالى ، ولا على وجوده من حيث أن دلالة ~~المعجزة على صدقه معلوم بالضرورة على ما سنبينه. وبعد أن ثبت صدقه بالمعجزة ~~، فإذا أخبر عن وجود الله تعالى وصفاته ، وكلامه ؛ ثبت بإخباره من غير دور. ### |||| ** قولهم : الإجماع / منعقد على اللفظ ، أو المعنى؟ ### |||| ** قلنا : على اللفظ ، والمعنى. # أما اللفظ : فمن غير خلاف. # وأما المعنى : فلا شك في إجماعهم على أن قول القائل : إن البارى تعالى ~~متكلم بكلام له معنى. غير أن الاختلاف واقع في نفس ذلك ms0206 المعنى والاختلاف في ~~نفس المعنى غير مانع من الاتفاق على أن اللفظ له معنى. # وإذا ثبت أن له معنى ؛ فذلك المعنى إن كان هو العبارة ؛ فلا بد لها من ~~معنى في نفسه على ما تقدم تقريره. ### |||| ** قولهم : لو كان من جنس كلام البشر ؛ لكان مشاركا له في العرضية ، والإمكان ؛ فقد ~~سبق جوابه فيما تقدم. ### |||| ** قولهم : إذا لم يكن من جنس كلام اللسان ، لا يكون معقولا ؛ ليس كذلك ؛ فإنا إنما ~~نريد به. ما يجده الإنسان من نفسه عند قوله لعبده : أفعل كذا ، أو لا تفعل ~~كذا. وكذلك في سائر أقسام الكلام. # وهذه المعانى هى التى يدل عليها بالإشارات. وهى مغايرة للعبارات ؛ إذ هى ~~مدلولها ، والدال غير المدلول. وأنها لا تتبدل ، وإن تبدلت العبارات الدالة ~~عليها ، وأنها غير وضعية ، ودلائلها وضعية. ### |||| ** قولهم : إما أن يكون قديما ، أو حادثا؟ # قلنا : قديم. PageV01P390 ### |||| ** قولهم : إنه يفضى إلى تعديد الآلهة. فجوابه أيضا ما سبق. ### |||| ** قولهم : يفضى إلى الكذب في الخبر منه وأن يكون أمرا ، ونهيا ، وخبرا ، ولا مأمور ~~، ولا منهى ، ولا مخبر. # فنقول : إن قلنا بمذهب عبد الله بن سعيد من أصحابنا : من أن الكلام قضية ~~واحدة ، ولا يتصف بكونه أمرا ، ونهيا ، وخبرا ، إلى غير ذلك من الأقسام في ~~الأزل ؛ بل فيما لا يزال ؛ فقد اندفع الإشكال. وإن سلكنا مذهب الشيخ أبى ~~الحسن الأشعرى رحمه الله من أنه متصف في الأزل بكونه أمرا ، ونهيا ، وغيره ~~من أقسام الكلام ؛ فغير بعيد أن يكون في نفسه صفة واحدة ، وإن اختلفت ~~العبارات عنه بسبب اختلاف النسب ، والإضافات إلى المتعلقات ، وذلك أن يقال : # الأمر : هو الإخبار باستحقاق الثواب على الفعل. واستحقاق العذاب على ~~الترك ، وفي النهى بعكسه. # والوعد والوعيد : الخبر بإيصال نفع ، أو ضرر في طرف الاستقبال من المخبر. # والاستخبار : الإخبار بإرادة الاستعلام. # والنداء : الإخبار بإرادة الحضور ، وعلى هذا النحو. # وعند / هذا ؛ فغير بعيد أن يقوم بذات الله تعالى خبر عن إرسال نوح مثلا ، ~~وتكون التعبرة عنه قبل الإرسال : إنا نرسله. وبعد الإرسال : إنا أرسلنا ~~نوحا ؛ فالمعبر عنه يكون واحدا ms0207. # وإن اختلفت التعبيرات عنه بسبب اختلاف الأحوال ؛ التى هى متعلق الخبر ~~القديم ، وذلك لا يفضى إلى الكذب في المعنى القائم بالنفس المعبر عنه ، ولا ~~بالنسبة إلى المعبر به أيضا. # وكذلك أيضا يجوز أن يقوم بذات الله تعالى طلب خلع النعل من موسى على جبل ~~الطور ، واقتضاه منه على تقدير وجوده. وتكون التعبرة عنه قبل الوجود : ~~بصيغة إنا سنأمر ، وعند الوجود بصيغة اخلع الدالة على الطلب ، والاقتضاء ~~القديم الأزلى. PageV01P391 # ولهذا لو قدرنا الواحد منا في نفسه ، اقتضى فعلا من شخص معدوم ، واستمر ~~ذلك الاقتضاء إلى حين وجود المقتضى منه ؛ فإنه إذا علم به إما بواسطة ، أو ~~بغير واسطة ، وكان الطالب ممن يجب الانقياد له ؛ كان ذلك الاقتضاء بعينه ~~أمرا له ، وموجبا لانقياده ، وطاعته من غير استئناف طلب آخر. # فعلى هذا النحو هو أمر الله تعالى للمعدوم ، وتعلقه به. واشتراط فهم ~~[المأمور (1) ] ، إنما يكون عند تعلق الخطاب به في حال وجوده لا غير. ومن ~~فهم معنى كلام النفس (2)، ودفع عن وهمه الأزمان المتعاقبة ، والأحوال ~~المختلفة لم يخف عليه ما قررناه. # وربما استروح بعض (3) الأصحاب في (4) هذا الباب إلى المناقضة ، والإلزام فقال : # كيف يصح استبعاد تعلق الأمر بمأمور معدوم (4)؟ وعندكم أنه لا يتناول ~~المأمور به إلا قبل حدوثه. ومهما وجد. خرج عن أن يكون مأمورا به ، وهو أحد ~~متعلقى الأمر. فإذا لم يبعد تعلق الأمر بالفعل المعدوم ؛ لم يبعد تعلقه ~~بالفاعل المعدوم. # وأيضا : فإن الأمة مجمعة على أننا في وقتنا هذا مأمورون (5). وعندكم أن ~~الأمر قد تقضى ، ومضى ، فإذا لم يبعد وجود مأمور ولا أمر ، لم يبعد وجود ~~أمر بلا مأمور. ولو لزم من وجود الأمر وجود المأمور ؛ للزم من وجود القدرة ~~، وجود المقدور ؛ وذلك يجر إلى قدم المقدور ، لقدم القدرة ؛ وهو محال على ~~كلا المذهبين. # وفيه نظر ؛ وذلك أن الأمر ، والنهي من خطاب / التكليف ، والتكليف يستدعى ~~مكلفا به ، والمكلف به يجب أن يكون معلوما مفهوما ؛ ليصح قصده لغرض الإتيان ~~به ، والانتهاء عنه ؛ إذ هو مقصود التكليف. # فإذن الفهم شرط في التكليف. ولهذا ms0208 خرج من لا فهم له عن أن يكون داخلا في ~~التكليف : كالجمادات ، وأنواع الحيوانات العجماوات ، ونحو ذلك ؛ لعدم شرط ~~التكليف في حقهم. PageV01P392 # وعند ذلك فلا يلزم من تعلق الأمر بالمأمور به ، مع عدمه تعلقه بالمأمور ، ~~مع عدم الفهم ؛ فإن تعلقه بالمأمور به ليس تعلق تكليف ؛ بخلاف تعلقه ~~بالمأمور. # والقول بأنه إذا جاز وجود مأمور ، ولا أمر ؛ جاز وجود أمر ، بلا (1) ~~مأمور (1)؛ فدعوى مجردة عن الدليل. # كيف : وأنه لا يلزم من كون الشخص مكلفا بما كان من الأمر مع وجود شرط ~~التكليف ، وهو الفهم ، تحقق أمر التكليف مع انتفاء شرطه ، وهو فهم المأمور. # وعلى هذا : فقد خرج الإلزام بالقدرة ؛ إذ القدرة معنى من شأنه تحقق ~~الوجود (2) الممكن به (2)، لا ما يلازمه الوجود ؛ وذلك متحقق بدون وجود ~~المقدور بخلاف الأمر ؛ فإنه تكليف ، والتكليف بدون شرط ممتنع ؛ فإذن معنى ~~كون المعدوم مأمورا. ليس معناه غير تعلق الأمر به بشرط الوجود والفهم ، على ~~ما أسلفناه. # وما ذكروه في تحقق معنى الطاعة ، والعبودية ، والبعثة ؛ فغير صحيح ؛ وإلا ~~لزم أن يكون كل تسخير بفعل شيء أمرا ، وبتركه نهيا ؛ وأن لا يكون الانقياد ~~على وفق التسخير طاعة ، كان ذلك في نفسه عبادة ، أو معصية ؛ وهو محال ؛ ~~فإنه ليس كل ما سخر به مأمورا ، ولا كل ما انقاد العبد إلى فعله وإن كان ~~على وفق التسخير طاعة. # وعلى هذا فلا بد من تفسير الأمر والنهى بما وراء ذلك. وهو ما يعد في نظر ~~أهل العرف تكليفا ، ولو لا ذلك لما تحقق معنى التبليغ ، والرسالة على ما ~~أسلفناه. # قولهم : إن المعنى النفسانى لا يسمى كلاما. لا نسلم ذلك ؛ إذ (3) لا مانع ~~منه من جهة الإطلاق ؛ فإنه يصح أن يقال : فى نفسى كلام ، وفي نفس فلان ~~كلام. ومنه قوله تعالى ( @QUR@03 ويقولون في أنفسهم ) (4). ومنه قول ~~الشاعر (5): # إنه الكلام لفى الفؤاد وإنما %~% جعل اللسان على الفؤاد دليلا PageV01P393 # وهذا الاستشهاد ، والإطلاق دليل صحة إطلاق الكلام على ما في النفس / ولا ~~نظر إلى كونه أصليا فيه ، أو فيما يدل عليه. أو فيهما. # كيف ms0209 وأن حاصل النزاع هاهنا إنما هو فى قضية لغوية ، وإطلاقات لفظية ، ولا ~~حرج فيها بعد فهم المعنى. # قولهم : المعقول من الصفات النفسانية ، غير خارج عن القدرة ، والإرادة ، ~~والتمييز. ليس كذلك. # وبيانه : هو أنه إذا قال القائل لعبده : افعل كذا ؛ فالذى يجده من نفسه ~~مدلولا لصيغته ليس هو الإرادة ، ولا القدرة ، ولا التمييز ؛ بل معنى آخر. # أما أنه ليس هو الإرادة ؛ فلأن الإرادة التى هى مدلول صيغة الأمر : إما ~~أن تكون هى إرادة الفعل ، والامتثال ، أو إرادة إحداث الصفة ، أو إرادة جعل ~~الصيغة دالة (1) على الأمر على ما هو مذهبهم. # لا جائز أن يكون هو إرادة الفعل ، والامتثال ؛ فإن الأمر قد يوجد بدون ~~إرادة الفعل ، وبيانه من وجهين : ### |||| ** الأول : هو أن الإجماع منعقد على أن من علم الله تعالى أنه لا يؤمن : كأبي جهل ، ~~وغيره أنه مأمور بالإيمان ، ولم يرد منه وقوع الإيمان ، والامتثال ؛ فإن ~~تعلق إرادة البارى تعالى بفعل ما علم أنه لا يقع محال. ### |||| ** الثانى : هو أن من الأفعال ما هو مأمور [به] (2) بالإجماع : كالصلاة ، والزكاة ، ~~والحج ، ونحو ذلك من العبادات الخمس. وقد لا يكون مرادا ؛ لكونه غير واقع. ~~ولو تعلقت به الإرادة ؛ لاستحال أن لا يتخصص ؛ فإنه لا معنى لتعلق الإرادة ~~بالفعل ، غير تخصيصه بزمان حدوثه ، فلا يعقل التعلق من غير تخصيص. # وقد احتج الأصحاب في ذلك بوجهين آخرين. PageV01P394 ### |||| ** الأول : أن السيد المعاتب من جهة السلطان على ضرب عبده. إذا اعتذر بأنه يخالف أمره. ~~وأمره بين يدى السلطان ؛ لتحقيق عذره. فإنا نعلم أنه لا يريد منه الامتثال ~~؛ لما فيه من ظهور كذبه ، وتحقق عتاب السلطان له. ومع ذلك ؛ فإن أهل العرف ~~يعدونه آمرا ، ويعدون العبد مطيعا ، بتقدير الفعل. وعاصيا ، بتقدير الترك. ~~ولو لم يكن أمرا ، لما تمهد عذره. ولما عد العبد مطيعا ، وعاصيا. بتقدير ~~المخالفة ، والفعل. # وبه يندفع قول القائل : إنه موهم بالأمر ، وليس بآمر ؛ وهو مع أنه تمسك ~~في أمر عقلى ، بأمر عرفى ، وإطلاق لغوى ؛ فهو لازم على أصحابنا في اعتقادهم ~~أن الأمر هو / الطلب ، واقتضاء الفعل ms0210. فإنا كما نعلم أن العاقل لا يريد ما ~~يظهر به كذبه ، ويتحقق به عقابه ؛ فكذلك نعلم أن العاقل لا يطلب ما فيه ذلك ~~، ومع ذلك ، فهو أمر بدون الطلب ؛ فكما هو لازم على اعتقاد الخصم كون الأمر ~~هو إرادة الفعل ؛ فهو لازم على أصحابنا في اعتقادهم : أن الأمر طلب الفعل. ### |||| ** الوجه الثانى : ما اشتهر من قصة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام من أمره بذبح ولده مع ~~عدم تعلق الإرادة بوقوع الذبح ، لعدم وقوعه ؛ على ما سلف بيانه. # وما يقال من أن ذلك كان (1) مناما ، لا أمرا. وأن (2) تعلق الأمر لا يكون ~~(2) إلا بالعزم على الذبح ، أو الانكاء ، وإمرار السكين ، أو أن الذبح مما ~~وقع ، واندمل الجرح. # ولهذا قال تعالى : ( @QUR@03 قد صدقت الرؤيا ) (3) فمندفع ؛ فإن أكثر ~~الوحى إلى الأنبياء عليهم السلام . إنما كان بجهة المنام ، ولو لم يكن ذلك ~~بطريق الوحى ، وإلا كان إقدام النبي على فعل محرم بما لا أصل له ؛ وذلك محال. # وحمل الأمر على غير الذبح. من العزم ، أو الإنكاء ، وإمرار السكين ؛ ~~باطل. وإلا لما صح تسميته بالبلاء ؛ إذ لا بلاء فيه ، ولا تسمية الذبح فداء ~~مع وقوع المأمور به. # وبه يندفع القول بتحقيق وقوع الذبح ، واندمال الجرح ، وهو وإن كان من ~~الظواهر المغلبة على الظن ؛ فبعيد عن اليقين. PageV01P395 # هذا إن قيل : هو إرادة للفعل ، ولا جائز أن يكون عبارة عن إرادة إحداث ~~الصيغة ؛ فإنه ليس مدلولا لها ؛ فإن مدلولات أقسام الكلام مختلفة ، ولا ~~اختلاف في إرادة إحداث الصيغة. # ولا جائز أن يكون عبارة عن إرادة جعل الصيغة دالة على الأمر لثلاثة أوجه : ### |||| ** الأول : أنه تصريح بأن الإرادة وراء الأمر الذي هو مدلول قوله : افعل ، وأمرتك ، ~~وأنت مأمور. ### |||| ** الثانى : أن كل عاقل يقضى بأن قول القائل : افعل. ليس ترجمة عن إرادة جعله دالا على ~~شيء مخصوص. ### |||| ** الثالث : أن كل عاقل يجد من نفسه بقاء ما دل عليه قوله : افعل ، وأن عدم لفظه ، ~~وإرادة جعله دالا على شيء ما. # وأما أنه يمتنع أن يكون هو القدرة : فلأن القدرة على ms0211 ما سبق عبارة عن ~~معنى يتأتى به الإيجاد بالنسبة إلى كل ممكن. والأمر ، والنهى لا يتعلق بكل ~~ممكن ؛ فإن الطاعات ممكنة ، ولا يتعلق بها النهى. والمعاصى / ممكنة ، ولا ~~يتعلق بها الأمر. # فإذن القدرة أعم من الأمر من هذا الوجه. والأمر عند القائلين بجواز ~~التكليف (1) بما لا يطاق (1) أعم من القدرة من جهة أخرى. وهو تعلقه بالممكن ~~، وغير الممكن. # وإن قيل : إنه عبارة عن القدرة على التكلم ؛ فكل عاقل يجد من نفسه وجدانا ~~ضروريا أن مدلول قوله : افعل ، ولا تفعل. وكذا في سائر أقسام الكلام ؛ ليس ~~هو القدرة على التكلم ؛ بل (2) غيره (2). # وأما أنه لا يمكن تفسيره بالعلم ، أو بضرب منه. من حيث أن العلم أعم من ~~الأمر ؛ إذ هو قد يتعلق بما لم يتعلق به الأمر : كالمعاصى ، وبما (3) لا ~~يتعلق (3) به الأمر : كالطاعات ؛ فلا يكون الأمر هو نفس العلم. PageV01P396 # كيف : وإن كل عاقل يجد من نفسه : أن مدلول قوله : افعل ولا تفعل ، وراء ~~كل ما يقدر من أنواع العلوم ؛ فقد بأن أن مدلول الصيغ الدالة خارج عن ~~المعلوم ، والقدرة ، والإرادة ، وذلك هو المطلوب. ### |||| ** قولهم : إنه حديث النفس ؛ ليس كذلك لوجهين : ### |||| ** الأول : هو أن تحدث النفس بالعبارات التى تصور الحروف والكلمات الدالة ، لا تتصور ~~مع عدم العبارات اللسانية. حتى إنا لو قدرنا إنسانا ما عرف لغة ، ولا خطرت ~~له العبارات اللسانية ببال ؛ فإنه لا يتصور في نفسه شيئا من ذلك. وما يلزم ~~من ذلك اختلال المعانى التى يمكن التعبرة عنها بالعبارات اللسانية من الطلب ~~، والاقتضاء ، وغيره من المعانى ؛ فلا يكون لديه حاضرا عندنا. ### |||| ** الثانى : هو أن ما نتصوره من الحروف ، والكلمات. غير حقيقية ؛ بل اصطلاحية مختلفة ~~باختلاف الاصطلاحات في الأعصار ، والأمم ؛ ولهذا يجوز أن يحدث نفسه بعبارات ~~مختلفة : كالعربية ، والعجمية ، ونحوهما ، وما يجده في (1) نفسه من مدلولات ~~(1) هذه العبارات متحد لا يختلف ، ولا يتبدل. ### |||| ** قولهم : ما المانع أن يكون ذلك الكلام النفسانى بحروف وأصوات؟ ### |||| ** قلنا : إن قيل إنه بحرف ، وصوت : كحروفنا ، وأصواتنا ؛ فلا شك في كونه حادثا ؛ ~~ضرورة أن الحروف مقاطع ms0212 الصوت ، وكل واحد فله أول وآخر ، ولا يتصور اجتماع ~~حرفين منهما معا ؛ بل على التعاقب والتجدد. # فعند وجود الحرف الأخير ، ينعدم الأول. وعند وجود الأول ؛ فالأخير لا ~~يكون موجودا ، وذلك ظاهر مستغن عن / الإطناب فيه. # فلو قيل : ثبوت مثل ذلك لله تعالى يلزم منه أن يكون محلا للحوادث ؛ وهو ~~محال ؛ كما يأتى (2). PageV01P397 ### |||| ** وإن قيل : إنه بحروف ، وأصوات. لا كحروفنا ، وأصواتنا ؛ فحاصله يرجع إلى المنازعة في ~~الإطلاق اللفظى. # ولا يخفى أن جواز إطلاق ذلك ؛ موقوف على ورود الشرع به ، والشرع وإن ورد ~~بإطلاق الحروف والأصوات ، كما سبق ؛ فلا نسلم أنه ورد بذلك في الكلام ~~النفسانى ، حتى يقال بجوازه. ### |||| ** وأما ما ذكروه من النصوص ، والإجماع ؛ فقد سبق جوابه في المسلك الأول. # وإذا ثبت (1) أنه متصف بصفة الكلام ، وأن كلامه قديم على ما سبق وأنه ليس ~~بحرف ، ولا صوت ؛ فهو متحد ، لا كثرة فيه في نفسه ؛ بل التكثر إنما هو في ~~تعلقاته ، ومتعلقاته ؛ كما سلف. ### |||| ** فإن قيل : عاقل ما لا يمارى نفسه في انقسام الكلام إلى أمر ، ونهى ، وغيره ، من أقسام ~~الكلام. وأن ما انقسم إليه حقائق مختلفة ، وأمور متمايزة ، وأنها من أخص ~~أوصاف الكلام. لا أن الاختلاف عائد إلى نفس العبارات ، والتعلقات ، ~~والمتعلقات ودفعناها وهما لم يخرج الكلام عن كونه منقسما. # وأيضا : فإن ما أخبر عنه من القصص الماضية ، والأمور السالفة مختلفة ~~متمايزة. وكذلك المأمورات ، والمنهيات ؛ مختلفة أيضا ؛ فلا يتصور أن يكون ~~الخبر عما جرى لموسى (2) عليه السلام ؛ هو نفس الخبر عما جرى لعيسى ~~عليه السلام (2)، ولا الأمر بالصلاة ؛ هو نفس الأمر بالزكاة ، وغيرها ، ولا ~~أن ما تعلق بزيد ، هو نفس ما تعلق بعمرو ، ولا ما سمى خبرا هو نفس ما سمى ~~أمرا ؛ إذ الأمر طلب ، والخبر لا طلب فيه ؛ بل حكم بنسبة مفرد إلى مفرد ~~إيجابا ، أو سلبا ؛ فثبت أن الكلام أنواع مختلفة ، والكلام عام للكل ؛ ~~فيكون كالجنس لها. # قلنا : قد بينا فيما تقدم أن الكلام قضية واحدة ، ومعلوم واحد ، قائم ~~بالنفس. وأن اختلاف العبارات عنه بسبب اختلاف التعلقات والمتعلقات ، وهذا ms0213 ~~النوع من الاختلاف ليس راجعا إلى أخص صفة الكلام ، بل إلى أمر خارج عنه. PageV01P398 # وعلى هذا نقول : إنه لو قطع النظر عن التعلقات ، والمتعلقات الخارجة ؛ ~~فلا سبيل إلى توهم اختلاف في الكلام النفسانى أصلا ، ولا يلزم منه دفع ~~الكلام في نفسه ، وزوال حقيقته. # وعلى هذا : / فلا يخفى اندفاع ما استبعدوه من اتحاد الخبر ، واختلاف ~~المخبر ، واتحاد الأمر ، واختلاف المأمور. وكذلك اختلاف الأمر ، والخبر مع ~~اتحاد صفة الكلام. # فإن قيل : إذا قلتم بأن الكلام قضية واحدة ، وأن اختلاف العبارات عنها ~~بسبب المتعلقات الخارجة ، فلم لا جوزتم أن تكون الإرادة (1)، والعلم ~~والقدرة (1)، وباقى الصفات راجعة إلى معنى واحد. ويكون اختلاف التعبيرات ~~عنه بسبب المتعلقات ، لا بسبب اختلافه في ذاته ، وذلك بأن يسمى إرادة : عند ~~تعلقه بالتخصيص ، وقدرة : عند تعلقه بالإيجاد ، وهكذا سائر الصفات. # وإن جاز ذلك ؛ فلم لا يجوز أن يعود ذلك كله إلى نفس الذات من غير احتياج ~~إلى الصفات. ### ||| ** أجاب الأصحاب عن ذلك : # بأنه يمتنع أن يكون الاختلاف بين القدرة ، والإرادة بسبب التعلقات ، ~~والمتعلقات ، إذ القدرة : معنى من شأنه تأتى الإيجادية ، والإرادة : معنى ~~من شأنه تأتى تخصيص الحادث بحالة دون حالة. # وعند اختلاف التأثيرات لا بد من الاختلاف في نفس المؤثر. وهذا بخلاف ~~الكلام ؛ فإن تعلقاته بمتعلقاته لا توجب أثرا ، فضلا عن كونه مختلفا ؛ # وفيه نظر ؛ وذلك أنه وإن سلم امتناع صدور الآثار المختلفة عن المؤثر ~~الواحد ؛ مع إمكان النزاع فيه ؛ فهو موجب للاختلاف في نفس القدرة ؛ وذلك ~~لأن القدرة مؤثرة في الوجود ، والوجود عند أصحابنا نفس الذات ، لا أنه زائد ~~عليها. وإلا كانت الذوات (2) ثابتة في العدم ؛ وذلك مما لا نقول (3) به. PageV01P399 # وإذا كان الوجود هو نفس الذات ؛ فالذات مختلفة ؛ فتأثير القدرة في آثار ~~مختلفة ؛ فيلزم أن تكون مختلفة كما قرروه ، وليس كذلك. # وأيضا : فإن ما ذكروه من الفرق ، وإن استمر في القدرة والإرادة ، فغير ~~مستمر في باقى الصفات : كالعلم ، والحياة ، والسمع ، والبصر ؛ لعدم كونها ~~مؤثرة في أثر ما. # والحق أن ما أوردوه من الإشكال على القول باتحاد الكلام ms0214 ، وعود الاختلاف ~~إلى التعلقات ، والمتعلقات ؛ فمشكل. وعسى أن يكون عند غيرى حله. # ولعسر جوابه فر بعض أصحابنا إلى القول بأن كلام الله تعالى القائم بذاته ~~خمس صفات مختلفة. وهى : الأمر ، والنهى ، والخبر ، / والاستخبار ، والنداء (1). # [انظر : درء تعارض العقل والنقل 4 / 119 وما بعدها]. PageV01P400 ### | «المسألة السادسة» ### | «فى إثبات الإدراك لله تعالى» # والإدراك وإن أطلق بمعنى العلم بالشيء ؛ فإنه يصح أن يقال : أدرك فلان ~~الشيء إذا علمه. وبمعنى اللحوق ؛ إذ يقال : أدرك فلان العصر الفلانى. إذا ~~لحقه. وبمعنى البلوغ لحالة من أحوال الكمال. ومنه يقال : أدرك الغلام. إذا ~~بلغ سن كمال العقل ، وأدركت الثمار. إذا زهت ، واستوت. إلا أن المقصود فيما ~~نحن فيه ؛ إنما هو الإدراك بمعنى السمع ، والبصر. # وقد أجمع العقلاء ، على أن الواحد منا مدرك. ثم اختلفوا : # فمن قال بنفى الأعراض : قال : هو مدرك ، لا بإدراك. # ومن أثبت الأعراض : قال هو مدرك ، بإدراك ، وإن الإدراك معنى ، غير أن ~~الإدراك عرض قائم بجزء من المدرك عند المعتزلة ، وقائم بنفس المدرك عند من ~~لا يرى تعدى حكم الصفة عن محلها. # وعند هذا اختلف المتكلمون في الرب تعالى : # فذهب أصحابنا (1): إلى أنه سميع بسمع ، بصير ببصر. # وذهبت المعتزلة : إلى أنه سميع بلا سمع ، بصير بلا بصر. # وذهب ابن الجبائى (2): إلى أن معنى كونه سميعا ، بصيرا : أنه حي لا آفة به. # انظر اللمع للأشعرى ص 25 ، 26 والإبانة له أيضا ص 35 ، والتمهيد ~~للباقلانى ص 47 والإنصاف له أيضا ص 37 وأصول الدين للبغدادى ص 96 ، 97. # والإرشاد لإمام الحرمين ص 72 76 ولمع الأدلة له أيضا ص 58. # والاقتصاد للغزالى ص 51 ونهاية الأقدام للشهرستانى ص 341 355. # والمحصل للرازى ص 123 ، 124 ومعالم أصول الدين له أيضا ص 45 47. # ومن كتب الآمدي : انظر غاية المرام ص 121 133. # ومن كتب المتأخرين المتأثرين بالآمدي : # انظر شرح الطوالع ص 182 183 ، والمواقف للإيجي ص 292 293 ، وشرح المقاصد ~~للتفتازانى ، 2 / 72 73. PageV01P401 # وذهب الكعبى (1): إلى أن معناه : أنه عالم بالمسموعات ، والمبصرات. # وقد اعتمد أصحابنا (2) فى المسألة. على (3) المسلك المشهور. وهو أنهم ~~قالوا : البارى تعالى حي ، والحى إذا قبل حكما لا يخلو عنه ، أو عن ضده. ~~وهو كونه حيا موجب لقبول السمع ms0215 ، والبصر ، فلو لم يتصف البارى تعالى بالسمع ~~(4)، والبصر (4). لكان متصفا (بضدهما (5)) وضد البصر (6)، والسمع (6)، ~~صفة نقص ؛ فيمتنع اتصاف البارى تعالى به. # وبيان أن الموجب لقبوله (7) للسمع (7)، والبصر كونه حيا : ما نراه في ~~الشاهد ؛ فإن الموجب لقبول الإنسان ، وغيره من الحيوان لذلك : إنما هو كونه ~~حيا ؛ فإنه لو قدر أن الموجب لذلك غير الحياة من الأوصاف ؛ لكان منتقضا. # وإذا كان الموجب لقبول ذلك : إنما هو كونه حيا : فالبارى تعالى حي كما ~~يأتى ؛ فيجب أن يكون متصفا بهما وإلا كان متصفا بأضدادهما : وهو ممتنع. # واعلم أن هذا المسلك : مما لا يقوى نظرا إلى ما حققناه في مسألة (8) ~~الكلام (8). # والذي نعده هاهنا أن نقول : # حاصل الطريقة آئل إلى قياس التمثيل ؛ وهو الحكم على الغائب / بمثل ما حكم ~~به على الشاهد بجامع الحياة. وهو إنما يصح أن لو ثبت أن الحكم في الأصل ~~الممثل به # انظر ل 88 / ب وما بعدها : المسلك الخامس من المسألة الخامسة في إثبات ~~صفة الكلام لله تعالى ، وهذا المسلك قد نقده القاضى عبد الجبار في المغنى 4 ~~/ 39 ، 51 وشرح الأصول الخمسة ص 257. PageV01P402 # لمعنى ، لا أنه ثابت لنفسه ، أو بخلق علم (1) الله تعالى له في ذلك من ~~غير افتقار إلى أمر خارج ، يكون مصححا له ، وموجبا. # وإن سلم (2) أنه ثبت لمعنى ؛ لكن لا بد من حصر أوصاف المحل ؛ وذلك لا يتم ~~إلا (3) بالبحث ، والسبر ؛ وهو غير مفيد لليقين (3) كما سلف (4). # ثم وإن أفاد علما للباحث ؛ فلا يكون حجة على غيره ؛ فإن بحث زيد لا يفيد ~~العلم في حق عمرو. # ثم وإن سلم (5) الحصر ؛ فلا بد (5) من التعرض لإبطال التأثير في كل رتبة ~~تحصل له مع إضافته إلى غيره ؛ وذلك مما يعسر ويشق. # وإن سلم التعرض لإبطال غير المستبقى ، غير أن ما به إبطال غير المستبقى ؛ ~~فهو لازم على إبطال المستبقى ؛ فإنه منتقض بباقى أعضاء الإنسان ، وأعضاء ~~غيره من الحيوان ؛ فإنها حية مع انتفاء السمع ، والبصر ، وأضدادهما عنها. # وإن سلم أن الحكم لغير ما عين ؛ لكن من الجائز أن يكون ذلك له باعتبار ~~الشيء ms0216 الموصوف به. ومهما لم يتبين أن الموصوف به في محل النزاع هو الموصوف ~~به في محل الوفاق ، لم يلزم الحكم. # وإن سلم أن المصحح كونه حيا لا غير ؛ فإنما يلزم ذلك في حق الله تعالى أن ~~لو كان إطلاق اسم الحى على الله تعالى وعلى الواحد منا بمعنى واحد ؛ وهو ~~غير مسلم. # ولا يلزم من كون الحياة في حق الله تعالى شرطا لصحة الاتصاف بالعالمية ، ~~والقادرية ، كما في الحياة في الشاهد ، التماثل بين الحياتين ؛ لجواز ~~اشتراك المختلفات في لازم واحد. PageV01P403 # سلمنا اتحاد مسمى الحى بين الشاهد والغائب ، ولكن لم قلتم إنه يلزم من ~~وجود المصحح ؛ وجود الصحة ، وما المانع من أن تكون ذات البارى تعالى مانعة؟ ~~إذ لا يلزم من (وجود (1)) المصحح انتفاء المانع. ولهذا : فإن كونه حيا كما ~~أنه مصحح لهذه الإدراكات ؛ فهو مصحح في الشاهد لأضدادها. وما لزم من وجوده ~~في حق الله تعالى صحة اتصافه بأضداد الإدراكات. # وقد ترد عليه أسئلة أخرى يمكن الانفصال عنها وهى أن يقال : # سلمنا أنه يلزم من وجود المصحح ؛ صحة اتصافه بالإدراكات ؛ ولكن ما الذي ~~تعنون بأضداد الإدراكات؟ # إن أردتم بها عدم الاتصاف بالإدراكات فهو حق ؛ ولكن لا نسلم أن الاتصاف ~~بعدم / الإدراك ممتنع ؛ والقول بأنه صفة نقص ؛ عين محل النزاع. # وإن أردتم به معنى ثبوتيا : فهو غير مسلم. # وبيانه : أنه لو كان معنى ؛ لوجب أن يدركه الحى من نفسه : # كإدراكه جميع صفاته التى شرطها الحياة ؛ وذلك كما إذا قدر أو علم ، فإنه ~~يدرك كونه عالما ، أو قادرا ، والعلم الاضطرارى يشهد بأنا لا ندرك معنى عند ~~عدم إدراكنا للأمور الغائبة عنا. # سلمنا وجود أضداد الإدراكات ، ولكن لا نسلم امتناع خلو الحى عنهما كما ~~ذهب إليه أبو الهذيل. # سلمنا امتناع الخلو ؛ ولكن لا نسلم أن أضداد الإدراكات من صفات النقص كما ~~تقدم في مسألة الكلام. # سلمنا أنها نقص ؛ ولكن لم قلتم بامتناع اتصاف الرب تعالى بها؟ فلئن رجعتم ~~إلى الإجماع ؛ فمدرك كون الإجماع حجة. إنما هو النصوص من الكتاب ، والسنة ، ~~فلنرجع في إثبات ms0217 السمع ، والبصر إليهما ؛ إذ هو أولى من هذا التطويل مع ضعفه. PageV01P404 # سلمنا دلالة ما ذكرتموه على اتصاف الرب تعالى بالسمع ، والبصر ، لكنه ~~ينتقض بباقى الإدراكات من الشم ، والذوق ، واللمس ؛ فإن ما ذكرتموه يوجب ~~كونه تعالى متصفا بها ؛ ولم يقل به قائل. ### ||| ** والجواب : ### |||| ** أما السؤال الأول : فمندفع ؛ وذلك لأنه إذا ثبت كون الرب تعالى حيا ، وأن كونه حيا : مصحح ~~لاتصافه بالسمع ، والبصر ؛ فالسمع ، والبصر صفة كمال للحى على ما تقدم ~~تقريره. فإذا لم يكن متصفا بهما ، فهو ناقص ، وسواء كان (ضدهما (1)) هو ~~عدم السمع ، والبصر ، أو معنى ثابتا. # كيف وإن الأدلة (الدالة (2)) على ثبوت الأعراض بعينها دالة على كون ~~أضداد السمع ، والبصر معنى ، وسنبين ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى. ### |||| ** قولهم : لو كان صفة ثبوتية لكان مدركا ، ليس كذلك لوجوه ثلاثة : ### |||| ** الأول : هو أن السهو من أضداد العلم ، وهو معنى ، وما لزم أن يكون مدركا ؛ فإنه لو ~~كان مدركا لكونه ساهيا ؛ لما كان ساهيا ، فإذن ليس كل معنى يكون مدركا. ### |||| ** الثانى : هو أنا لا نسلم أن كل معنى يجب أن يكون مدركا ؛ ولكن فيما كان من صفات الحى ~~، أو فيما لا يكون من صفات الحى. # الأول : مسلم. والثانى : ممنوع ؛ ولكن لم قلتم بأن المانع من صفات / الحى ~~إذ المانع من الإدراك بالسمع ، والبصر ، في اليد ، والرجل عندنا ؛ مجانس ~~للمانع في الجماد. ### |||| ** الثالث : سلمنا أن كل معنى يجب أن يكون مدركا ؛ ولكن متى؟ إذا لزم منه التسلسل ، أو ~~إذا لم يلزم ، الأول : ممنوع ، والثانى : مسلم. # والموانع لو لزم أن تكون مدركة ؛ للزم من عدم إدراكها ، إدراك مانعها ، ~~وهلم جرا ، إلى غير النهاية ؛ وهو محال. PageV01P405 # وأما منع إحالة الخلو من الأضداد ؛ فقد سبق جوابه في مسألة الكلام (1). ### |||| ** وأما الأصحاب (2) ### |||| ** : فقد استدلوا على موقع المنع من أربعة أوجه : ### |||| ** الأول : أن الاتفاق واقع على أن المحل بعد اتصافه ببعض الصفات لا يخلو عنها إلا ~~بضدها. فإما أن يكون ذلك لازما ، أو لا يكون لازما. # فإن لم يكن لازما : جاز أن لا يقع ؛ وهو خلاف ms0218 الإجماع ، # وإن كان لازما : فاللزوم إما لنفس الذات ، أو للازم الذات. # وعلى كلا التقديرين يلزم استمرار هذا الحكم بدوام الذات. ### |||| ** الثانى : أنه لو جاز خلو المحل عن جميع الأضداد : فإما أن يكون التعاقب بينهما واجبا ~~، أو لا يكون واجبا. # فإن كان غير واجب : فلا يمتنع وجودهما معا ؛ وهو محال. وإن كان التعاقب ~~واجبا ؛ فهو المطلوب. ### |||| ** الثالث : هو أن المحل لو جاز خلوه عن الأضداد : فإما أن يكون ذلك لذاته ، أو لمعنى. # فإن كان الأول فيلزم منه امتناع اتصافه بواحد منها ؛ وهو محال. ### |||| ** وإن كان الثانى : فيلزم أن يكون متصفا ببعض الأضداد حالة خلوه عنها ؛ وهو محال. ### |||| ** الرابع : أنه لو جاز خلو المحل عن جميع الأضداد ؛ لامتنعت الدلالة على استحالة حلول ~~الحوادث بذات الرب تعالى ؛ إذ لا طريق إلى ذلك غير قولنا : لو جاز أن يكون ~~محلا للحوادث ، لما خلا عنها ، أو عن أضدادها في الأزل ؛ وهو ممتنع ؛ لما ~~فيه من وجود حوادث متعاقبة إلى غير النهاية. # ويمكن أن يجاب عن الأول : بأنه لا مانع أن يكون ذلك من لوازم اتصاف المحل ~~بالصفة ، لا أنه من لوازم الذات ، ولا لازم الذات. PageV01P406 ### |||| ** وعن الثانى : بنفى وجوب التعاقب ، ولا يلزم من انتفاء وجوب التعاقب ، جواز الاجتماع. ### |||| ** وعن الثالث : أن خلو المحل عن الأضداد لا لذاته ، ولا لمعنى. ### |||| ** وعن الرابع : بما فيه من تصحيح الأصل ؛ ضرورة صحة ما لا يصح إلا به. ### |||| ** وأما / السؤال الثالث ، والرابع : فمندفع بما حققناه في جواب السؤال الأول. # وأما السؤال الخامس : فقد سبق جوابه في مسألة إثبات الصفات بجهة العموم (1). ### ||| ** المسلك الثانى : # وهو مناسب لأصول المعتزلة (2). وهو أن الله تعالى حي لذاته ، وكل حي ~~لذاته ؛ فإنه يدرك المدرك عند وجوده ؛ فالبارى تعالى يدرك المدرك عند وجوده. # أما (3) أنه حي : فمجمع عليه مع قيام الدليل عليه فيما يأتى (4). # وأما أن كل حي لذاته (فهو (5)) يدرك المدرك عند وجوده ؛ فهو : أن الحى ~~في الشاهد مدرك ومدركيته معللة بكونه حيا ، ومفهوم الحياة متحد في الغائب ~~والشاهد ؛ فيلزم من كونها علة المدركية في ms0219 الشاهد ؛ أن تكون علة في الغائب. # أما بيان كون الحياة في الشاهد علة المدركية : فمن ثلاثة أوجه : ### |||| ** الأول : أن بعض الحى إذا كان حيا ؛ كان مدركا. وإذا خرج عن كونه حيا بالقطع ، وغيره ~~خرج عن كونه مدركا. ودوران المدركية معه وجودا وعدما ؛ دليل كونه علة لها. ### |||| ** الثانى : أن الحى السليم الحاسة إذا حضر المدرك ، وانتفت الموانع ، ووجدت الشرائط ؛ ~~كان إدراكه له واجبا. PageV01P407 # وإدراكه : إما أن يكون معللا بكونه حيا ، أو بانتفاء الموانع ، أو بصحة ~~الحاسة ، أو لوجود المدرك ، أو لأمر آخر. # لا جائز أن يكون معللا بانتفاء الموانع لثلاثة أوجه : ### |||| ** الأول : هو أن انتفاء الموانع يعم الحى ، والميت ؛ وذلك يوجب كون الميت مدركا ؛ وهو محال. ### |||| ** الثانى : هو أن العدم لا يكون علة لأمر ثبوتى. ### |||| ** الثالث : هو أن الموانع المنتفية كثيرة : فإما أن تعلل المدركية بواحد منها ، وإما ~~(1) بالكل ، أو لا بشيء منها. # والأول (1) ممتنع ؛ إذ لا أولوية لبعضها دون البعض. # والثانى : ممتنع ؛ لأنها عند الاجتماع : إما أن يكون كل واحد مؤثرا في ~~جملة الحكم ، أو في بعضه ، أو أنه لا تأثير لكل واحد منها في شيء ما. # لا سبيل إلى الأول : وإلا كان كل واحد منها مستقلا بالحكم. ومعنى ~~استقلاله ، أنه (2) ثبت (2) به لا غير ، وفي ذلك إبطال استقلال كل واحد منها. # ولا سبيل إلى الثانى ؛ لعدم التبعيض في الحكم. # وإن كان الثالث ؛ فهو المطلوب. # ولا جائز أن يكون معللا بصحة الحاسة ؛ لأنه لا معنى لصحة الحاسة غير ~~انتفاء الآفات / عنها ، وهو عود إلى القسم الذي تقدم. # ولا جائز أن يكون معللا بوجود المدرك : فإن المدركية تكون (3) موجودة في ~~غير المدرك (3)، والعلة لا توجب حكما في غير محلها. كما يأتى في العلل ~~والمعلولات (4). # ولا جائز أن تكون المدركية معللة بأمر خارج عن هذه الأقسام : وإلا لزم من ~~فرض عدمه امتناع الإدراك مع فرض الحياة ، ووجود المدرك ، وصحة الحاسة ، ~~وامتناع الموانع ؛ وهو محال. PageV01P408 ### |||| ** الوجه الثالث : هو أنه إذا كان المحل حيا مع صحة الحاسة ، وانتفاء الموانع ، والمدرك موجود ~~؛ فإنا نعلم حصول ms0220 المدركية ، ولا شك أنها موقوفة على وجود المدرك. # وعند ذلك ، إما أن تتوقف المدركية على شرط آخر ، أو لا. # فإن توقفت على شرط آخر : فإما أن يكون من الشرائط (1) المذكورة من صحة ~~الحاسة ، وانتفاء الموانع ، من القرب المفرط ، والبعد المفرط ، وارتفاع ~~الحجب ، أو خارجا عنها. # لا جائز أن يقال بالأول : لأن هذه الشروط إنما يعقل ثبوتها في حق الأجسام ~~، والله تعالى ليس بجسم ؛ فلا يتصور ثبوتها في حقه. وما استحال ثبوته لشيء ~~(2)، استحال كونه شرطا في ثبوت غيره لذلك الشيء ؛ لأن كونه شرطا : صفة ~~ثبوتية. والصفة الثبوتية : لا تكون صفة للعدم الصرف. # ولا جائز أن يقال بالثانى : وإلا لزم عدم الإدراك عند فرض عدمه مع وجود ~~ما قيل من الشرائط ؛ وهو ممتنع ، مخالف لما هو معلوم لنا بالضرورة. # وإن كان الثانى ؛ فهو المطلوب. # وهو ضعيف أيضا ؛ إذ لقائل أن يقول : # لا نسلم أن علة المدركية في الشاهد ، كون المدرك حيا. # وأما ما ذكروه من الدوران ؛ فباطل بما سبق في قاعدة الدليل (3) كيف وقد ~~أمكن أن يكون حلول الحياة في العضو مع اتصاله بالجملة الحية من جملة ~~المصحح. ### |||| ** وأما الوجه الثانى : فباطل ؛ إذ لا مانع من كون العلة صحة الحاسة. # قولهم : معنى صحة الحاسة ، انتفاء الآفات ، لا نسلم [ذلك (4) ] ؛ بل هو ~~عبارة عن اعتدال المزاج ، وهو أمر وجودى لا عدمى. PageV01P409 ### |||| ** فلئن قالوا : المزاج المعتدل كيفية حادثة عن تفاعل الكيفيات الملموسة للعناصر. ولا يكون ~~ذلك إلا من اجتماع أمور ؛ وهو باطل بما سبق في تقرير امتناع التعليل ~~بانتفاء الموانع / ؛ فهو باطل على أصلهم (1)؛ حيث قضوا باستحالة قيام ~~الحياة بالجوهر الفرد ، وجواز قيامها بالجسم المركب من الجواهر المجتمعة ؛ ~~وفيه توقف الحياة علي كل واحد من أفراد (2) الجسم لا محالة. ### |||| ** وأما الوجه الثالث : لأن إلحاق الغائب بالشاهد ؛ إنما هو بواسطة الاشتراك في العلة المصححة ~~للمدركية في الشاهد. فإذا (3) أمكن أن يكون المصحح هو الحياة ، وحصول ~~المدرك ، وصحة الحاسة ، وانتفاء الموانع ؛ فإن استحال تحقق هذه الشرائط ، ~~أو بعضها في حق الله تعالى فلم يوجد في ms0221 حقه ، ما كان هو المصحح في الشاهد ؛ ~~فكان الإلحاق ممتنعا. # كيف ، وأن (4) كل (4) ما أوردناه على المسلك المتقدم (5)؛ فهو وارد ~~هاهنا (6). # وربما استروح بعض الأصحاب (7) في إثبات السمع ، والبصر لله (8) تعالى (8) ~~إلى ظواهر واردة في الكتاب ، والسنة. # منها ما يدل على كونه سميعا بصيرا ، كقوله تعالى ( @QUR@04 إن الله سميع ~~بصير ) (9). # ومنها ما يدل على نفس السمع ، والبصر ، كقوله تعالى : ( @QUR@04 إنني ~~معكما أسمع وأرى ) (10). إلى غير ذلك من الظواهر ؛ وهى غير مفيدة لليقين ، ~~ولا خروج لها عن الظن ، والتخمين ، والتمسك بما هذا شأنه في إثبات الصفات ~~النفسية ، وما يطلب فيه اليقين ، ممتنع. PageV01P410 # والمعتمد في ذلك : ما ذكرناه من الطريقة العامة في إثبات الصفات ؛ فعليك ~~بنقلها إلى هاهنا (1). # غير أنه قد يرد عليه (2) هاهنا شبه وتشكيكات خاصة بهذه المسألة غير ما ~~ورد فيما تقدم ، لا بد من إيرادها ، والإشارة إلى وجه الانفصال عنها. # الأول منها : لا نسلم أن كون السميع سميعا ، والبصير بصيرا معنى إثباتيا ~~، لا شاهدا ، ولا غائبا ؛ بل المفهوم منه إنما هو عدمى ؛ إذ هو عبارة عن ~~كونه حيا لا آفة به كما هو مذهب ابن الجبائى (3). # سلمنا أنه أمر ثبوتى ؛ ولكن لا نسلم خروجه عن كونه عالما بالمسموعات ، ~~والمبصرات كما هو مذهب الكعبى (4)؛ فلا يكون زائدا على ما سبق من الصفات. # سلمنا أن معنى كون السميع سميعا. معنى ثبوتيا ، وأنه زائد على كونه عالما ~~بالمسموعات ، والمبصرات ؛ ولكن لا نسلم أن المدرك في الشاهد ، والغائب ، ~~مدرك بإدراك زائد على المدركية. وبيانه من أربعة أوجه. ### |||| ** الأول : أنه لو كان مدركا بإدراك / ؛ لجاز أن يدرك الواحد منا أخفى ما يكون بحضرته ~~، وأن لا يدرك ما هو أعظم منه ؛ لجواز أن يخلق له الإدراك بالأخفى دون ~~الأظهر ، وذلك بأن يرى ابره ولا يرى ما بين يديه من الجبال الراسية ، ~~والجمال السائرة ، وأن يسمع الهمس الخفى من الأصوات ، دون ما بحضرته من ~~أصوات الدبادب ، والبوقات. ### |||| ** الثانى : هو أنه إذا صحت الحاسة ، وكان المرئى في مقابلة الرائى ولم يكن في غاية ~~الصغر ، واللطف ، ولا في ms0222 غاية القرب المفرط ، والبعد المفرط ، وانتفت الحجب ~~؛ فالمدركية واجبة الحصول ، وممتنعة الحصول عند فوات هذه الشروط ، أو بعضها ~~على ما تشهد به الفطر ، وتقضى به العقول. PageV01P411 ### |||| ** وعند ذلك : فلو كانت المدركية معللة بمعنى ، فذلك المعنى : إما أن يكون ملازما لهذه ~~الشروط وجودا وعدما ، أو (1) هو منفك عنها بأن (2) يوجد مع عدمها ، ويعدم ~~مع وجودها. # لا جائز أن يقال بالانفكاك : وإلا لزم وجود المدركية عند وجود ذلك المعنى ~~، وإن انتفت تلك الشروط ، أو انتفاء المدركية عند انتفائه ، وإن وجدت تلك ~~الشروط ؛ وهو محال. # ولا جائز أن يقال بالملازمة (3): لوجوه ثلاثة : ### |||| ** الأول : أنه يلزم (منه (4)) أن تكون تلك الشروط علة له ضرورة دورانه معها ، وعدم ~~تعلقه بغيرها ، وشهادة العقل بأن المدار على هذا الوجه ، يكون علة للدائر ~~لا شرطا. ### |||| ** الثانى : هو أن العقل جازم بوجوب وجود المدركية ، عند تحقق هذه الشروط ، وإن قطع ~~النظر عما سواها ، وبانتفاء المدركية عند انتفائها ، أو انتفاء بعضها ، وإن ~~وجد غيرها ، فلو كانت المدركية معللة بمعنى ؛ للزم انتفاؤها عند وجود هذه ~~الشروط وتقدير عدم ذلك المعنى ، أو وجودها عند وجوده ، وتقدير عدم هذه ~~الشروط ؛ وهو خلاف ما يشهد به العقل. ### |||| ** الثالث : هو أنه يلزم من ملازمة المعنى لهذه الشروط ، أن يكون بينهما تعلق ، وإلا ~~لما كانت الملازمة أولى من عدم الملازمة وذلك إما تعلق اشتراط ، أو علية. # وعند ذلك : فإما أن يكون التعلق من الجانبين ، أو من أحد الجانبين. # لا جائز أن يقال بالأول : لما فيه من الدور الممتنع. # ولا جائز أن يقال بالتعلق من أحد الجانبين : لأنه لا يخلو من أن يكون ذلك ~~المعنى / مشروطا بتلك الشروط ، أو هى مشروطة به ، أو هى معلولة (5) له ، أو ~~هو معلول لها (5). PageV01P412 # لا جائز أن يقال بالأول : فإنه يمتنع (1) حصول الشرط دون المشروط. # وعند ذلك : فلو قدر وجود هذه الشرائط دون ذلك المعنى ؛ فيلزم (2) منه (2) ~~انتفاء المدركية ؛ لانتفاء ذلك المعنى ، مع (3) وجود تلك الشروط ، وهو محال. # ولا جائز أن يقال بالثانى : لوجهين : ### |||| ** الأول : أنه لا مانع من وجود ذلك ms0223 المعنى دون تلك الشرائط (4)؛ لكونه شرطا لها. # وعند ذلك : فيلزم وجود المدركية ، لوجود علتها دون تلك الشروط ؛ وهو ممتنع. ### |||| ** الثانى : أن كل واحد من تلك الشروط غير متوقف على ذلك المعنى المعبر عنه بالإدراك ، ~~وكذا كل اثنين منها ؛ فالجملة لا تكون متوقفة عليه ؛ فإن الآحاد من الجملة. # ولا جائز أن يقال بالثالث : وهو أن يكون المعنى علة لتلك الشروط لوجوه خمسة. ### |||| ** الأول : أن كل واحد من تلك الشروط متحقق ، دون الإدراك فلا يكون منها ما هو معلول له. ### |||| ** الثانى : هو أنه إذا كان الإدراك علة للمدركية : فإما أن يتوقف على تلك الشروط ، أو ~~لا يتوقف عليها. # فإن قيل بالتوقف : فهو ممتنع على أصلكم في امتناع توقف العلة في اقتضائها ~~على معلولها. # الشرط جمعه شروط والشريطة في معنى الشرط وجمعها (شرائط). # الشرط إلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه كالشريطة ج شروط. # وبناء عليه فسأكتفى بما ورد في نسخة أدون الإشارة إلى ما ورد مخالفا لها ~~في نسخة ب نظرا لاتحاد المعنى. PageV01P413 # وإن لم يتوقف : فيلزم عند وجود ذلك المعنى وجود المدركية مع تقدير انتفاء ~~تلك الشروط ؛ وهو محال. كما سبق. ### |||| ** الثالث : هو أن الإدراك متوقف على كل واحد من تلك الشروط ؛ فلا يكون علة له نفيا للدور. ### |||| ** الرابع : هو أن الإدراك إذا كان علة للمدركية ، وهو علة لتلك الشروط ؛ فيلزم أن تكون ~~العلة الواحدة لمعلولين مختلفين ؛ وهو محال. ### |||| ** الخامس : هو أن عندكم إدراك كل شيء مخالف لإدراك غيره. # وعند ذلك : فصحة كل واحد من تلك الشروط : إما أن تكون معللة بواحد من تلك ~~الإدراكات ، أو بكل واحد منها على سبيل الاستقلال ، أو أنه غير معلل بشيء منها. # لا سبيل إلى الأول والثانى : لما تقدم قبل. # وإن كان الثالث : فهو المطلوب. # ولا جائز أن يقال بالرابع : وهو كون الشروط علة للإدراك ؛ لأنه إما أن ~~تكون العلة هو الواحد منها ، أو كل واحد علة ، أو أنه لا شيء منها علة. # لا جائز أن يقال بالأول ، والثالث : إذ هو خلاف الفرض. # والثانى : باطل بما ms0224 سبق. ### |||| ** الوجه الثالث : أنه / لو كان المدرك مدركا بإدراك ؛ لجاز على القادر خلق إدراك المعدوم في ~~العين. كما جاز تعلقه باللون ، والطعم ، وغيره ؛ وإدراك المعدوم محال. ### |||| ** الرابع : أنه لو كان الإدراك معنى ؛ لصح إدراكه بإدراك آخر ؛ لأن كل موجود يصح أن ~~يكون مدركا عندكم. # وعند ذلك : فلا يتصور الخلو عن إدراكه (1)، أو عن ضده. وضده أيضا يكون ~~معنى ؛ فيصح إدراكه. PageV01P414 # وعند ذلك : فيجب أن لا تخلو عن إدراكه ، أو (1) عن ضده (1) والكلام في ~~ذلك الثانى ؛ كالكلام في الأول ، وهو تسلسل ممتنع. # سلمنا أن المدرك في الشاهد ، مدرك بإدراك ؛ ولكن لا نسلم لزوم ذلك في حق ~~الله تعالى ### |||| ** وبيانه بخمسة (2) ### |||| ** أوجه : ### |||| ** الأول : أنه لا يخلو : إما أن يكون قديما ، أو حادثا. # لا جائز أن يقال بكونه حادثا : وإلا كان الرب تعالى محلا للحوادث ؛ وهو محال. # ولا جائز أن يكون قديما : وإلا للزم أن يكون له مسموعات ، ومبصرات في ~~القدم ؛ إذ السمع ، والبصر من غير مسموع ؛ ولا مبصر محال ؛ وذلك يجر إلى ~~القول (3) بقدم (3) العالم ، أو أن يكون المعدوم مدركا ؛ وهو محال. ### |||| ** الثانى : هو أن الإدراك في الشاهد : إما أن يكون مشروطا بالبنية المخصوصة ، أو لا ~~يكون مشروطا بها. # لا جائز أن لا يكون مشروطا : وإلا للزم الالتباس بين الإدراكات ، وأن ~~تكون حاسة واحدة مدركة بإدراكات مختلفة ؛ وهو ممتنع. # وإن كان مشروطا بالبنية المخصوصة : كما ذكرناه فيما تقدم في تحقيق كل ~~واحدة من الحواس ؛ فهو في حق الله تعالى محال. ### |||| ** الثالث : أنه لا مانع من تفسير الإدراك بانطباع صور المحسوسات في حاسة المدرك كما هو ~~مذهب ابن سينا (4)، أو أن يكون الانطباع شرطا فيه كما هو مذهب الطبيعيين ، ~~ويدل على ذلك ما سيأتى عن قرب ؛ وذلك في حق الله تعالى محال. ### |||| ** الرابع : أنه لا مانع من أن يكون الإدراك مشروطا بخروج شعاع من العين متصل بالمدرك ~~كما هو مذهب الرياضيين ، ولهذا فإنا لا ندرك الهبا في غير شعاع الشمس النازل PageV01P415 # من الكوى ، وأن الناظر إذا وقف بين مرآتين متقابلتين ؛ فإنه يرى ظهره ms0225 في ~~المرآة التى في قبالة ناظره ، وليس ذلك إلا / بسبب تردد الأشعة بين ~~المرآتين. # وكذلك يرى وجهه مستطيلا ، أو معرضا (1) عند نظره في السيف طولا ، وعرضا ؛ ~~وذلك بسبب ما ينعكس عند ذلك الشكل من الشعاع ، ولتعدد الشعاع ، واجتماعه ~~بسبب البعد ، والقرب ، ومخالطة الأبخرة (2) له ، يرى الشيء على البعد صغيرا ~~، أو على القرب كبيرا على ما سلف ؛ وهو أيضا محال في حق الله تعالى. ### |||| ** الخامس : أنه لا مانع من كونه مشروطا باستحالة الهواء المشف المتوسط بين الناظر ، ~~والمنظور آلة إدراكه ، كما هو مذهب جالينوس (3)؛ وذلك كله غير متصور في حق ~~الله تعالى. # سلمنا دلالة ما ذكرتموه على كون الرب تعالى مدركا بإدراك ؛ ولكنه ينتقض ~~بباقى الإدراكات ، وغيرها من الكمالات المفروضة في الشاهد. # سلمنا أنه مدرك بإدراك ؛ ولكن لا نسلم خروج الإدراك عن جنس العلوم (4)، ~~وبيانه من وجهين : ### |||| ** الأول : أنه لا يتصور أن يدرك المدرك شيئا ولا يعلمه ؛ وذلك دليل على (5) الاتحاد. ### |||| ** الثانى : هو أن أحكام العلوم ثابتة للإدراكات بدليل أن العلم لا يؤثر في متعلقه لا ~~شاهدا ، ولا غائبا. وكذلك الإدراك ؛ فدل على الاتحاد. # الفيلسوف الطبيب كانت له شهرة طبية في العالم الإسلامى : إذ أنه نقل إلى ~~الإسلاميين خلال كتاباته المذاهب اليونانية التى تعارض المذهب المشائى ~~الأرسطى. ولد سنة 130 م. وكانت له مجالس علمية في مدينة روما ، وله مؤلفات ~~كثيرة في الطب والحكمة. # انظر عنه (طبقات الأطباء ص 41 51 وتاريخ الحكماء ص 123 132 ، ونشأة الفكر ~~الفلسفى 1 / 205 ، 206). PageV01P416 ### ||| ** والجواب : ### |||| ** قولهم : لا نسلم أن مفهوم المدرك ثبوتى ؛ بل المدرك هو الحى الذي لا آفة به. ### |||| ** قلنا : دليل كون المدرك مدركا أمرا ثبوتيا ؛ ما يجده كل عاقل من نفسه عند سماعه ~~الأصوات ، وإبصاره المبصرات. من أمور تجددت بعد أن لم تكن. كما يجد من نفسه ~~: أنه عالم ، وقادر ونحو ذلك ؛ وذلك مما لا مراء فيه ، ولا سبيل إلى جحده ، ~~ومكابرته. ثم ذلك الذي يجده كل عاقل من نفسه : إما أن يكون ثبوتيا أو نفييا. # لا جائز أن يكون نفييا : فإن نقيض كون السميع سميعا ، والبصير بصيرا ؛ لا ms0226 ~~سميع ، ولا بصير ، ولا سميع ، عدم محض ؛ إذ يصح وصف العدم المحض به ، ولو ~~كان ثبوتيا ؛ لكان العدم المحض متصفا بالصفة الثبوتية ؛ وهو محال ، فثبت أن ~~مفهوم السميع ، والبصير ثبوتيا. ### |||| ** قولهم : المدرك هو الحى الذي لا آفة به باطل ، لوجوه سبعة : ### |||| ** الأول : هو أن الحياة ، ونفى الآفة ، غير مختلف ، وكل عاقل يجد من نفسه اختلاف ~~أحواله عند كونه سميعا ، وبصيرا ، وشاما ، وذائقا ، ولامسا ؛ والمختلف غير ~~ما ليس بمختلف. ### |||| ** الثانى : هو أن المدرك : إما أن يكون / هو الحى الذي انتفت عنه جميع الآفات ، أو (1) ~~بعض الآفات (1): # فإن كان الأول : فهو ممتنع ؛ فإنا قد نجد من حلت به بعض الآفات : كالسقيم ~~المدنف (2) مدركا ، والأعمى سامعا ، والأطرش مبصرا إلى غير ذلك. ولو كانت ~~الحياة مع انتفاء جميع الآفات. هى معنى كون المدرك مدركا ؛ لما كان كذلك. # وإن كان الثانى : فيلزم أن يكون مدركا من انتفت عنه بعض الآفات ، وإن حلت ~~به الآفة المانعة له من كونه مدركا ؛ وهو محال. PageV01P417 ### |||| ** وإن قيل : المدرك هو الحى الذي انتفت عنه الآفة المانعة له من كونه مدركا ؛ فهو ~~اعتراف بأن المدركية ثبوتية ، وأن لها ضدا مانعا ، وهو خلاف مذهب ابن ~~الجبائى القائل بهذا المذهب. ### |||| ** الوجه الثالث : أنه يلزم من كون المدرك هو الحى الذي لا آفة به. # أن يكون الحى عند انتفاء الآفات ، مدركا للطيف ، والبعيد المفرط ، ~~والقريب المفرط ، ولما هو محجوب بالحجب الكثيفة ؛ ضرورة تحقق مفهوم المدرك ~~، وتساوى نسبته إلى كل شيء. ### |||| ** فإن قيل : بأن انتفاء هذه الأمور شرط للمدركية. ### |||| ** فنقول : إذا كان حد المدرك : هو الحى الذي لا آفة به. فمن كان حيا ، ولا آفة به ؛ ~~فقد وجد فيه حد المدرك ؛ ويلزم من وجود الحد ؛ وجود المحدود ، فلو كانت هذه ~~الأمور شروطا لكونه مدركا ؛ فيلزم من تقدير انتفائها ، انتفاء المدركية مع ~~وجود حدها ؛ وهو ممتنع. # كيف وأنه لو قيل لابن الجبائى : ما المانع من (1) أن يكون المدرك : هو ~~الحى الذي انتفت عنه هذه الأمور ، وانتفاء الآفات شرط؟ لم يجد إلى الفرق سبيلا. ### |||| ** الوجه (2) ### |||| ** الرابع : هو ms0227 (2) أن العين مدركة للمبصرات ، والأذن مدركة للمسموعات ، ويلزم من ذلك : ~~كون كل واحد من العضوين حيا ، لا آفة به ؛ ضرورة أنه يلزم من وجود المحدود ~~وجود الحد ؛ ويلزم من ذلك : أن يكون كل واحد من العضوين مدركا لما يدركه ~~الآخر ؛ ضرورة تساوى نسبة الحياة ، ونفى الآفات إلى جميع المدركات. # وإن قيل : باشتراط البنية المخصوصة في كل عضو ، بالنسبة إلى ما يدركه ، ~~وبنية كل واحد من العضوين فانية في العضو الآخر ؛ فهو فاسد ؛ على ما سيأتى ~~عن قرب. ثم جوابه ما سبق في الوجه الثالث. PageV01P418 ### |||| ** الوجه الخامس : أنا نجد من أنفسنا اشتهاء / كوننا مدركين لبعض المدركات : كسماع الأصوات ~~اللذيذة ، وشم الرائحة الطيبة ، إلى غير ذلك ، ولو كانت المدركية : هى ~~انتفاء الآفات عن الحى ، فإذا كان المشتهى حيا لا آفة به ؛ فذلك مما لا ~~تتعلق به الشهوة لحصوله ؛ فإن الشهوة إنما تتعلق بحصول ما ليس بحاصل. ### |||| ** السادس : أنا قد نجد من أنفسنا كراهية الرؤية ، لبعض الأشياء وسماع بعض الأصوات. # وبالجملة : نكره كوننا مدركين لكثير من الأشياء ، والحياة ، ونفى الآفات ~~لا تكره ؛ والمكروه غير ما ليس بمكروه. ### |||| ** السابع : أنه لو قيل لابن الجبائى على قياس مذهبه : ما المانع من أن يكون العالم : ~~هو الحى الذي لا آفة به؟ ، وكذلك في القادر ، والمريد ، ونحوه ؛ لم يجد إلى ~~الفرق سبيلا. ### |||| ** قولهم : لا نسلم خروجه عن كونه عالما بالمسموعات ، والمبصرات. # قلنا : دليل خروجه عن ذلك من خمسة أوجه : ### |||| ** الأول : هو أنا إذا علمنا الشيء بطريق من الطرق ، ثم رأيناه فإنا نجد تفرقة ضرورية ~~بين الحالتين ، وليس ما نجده من الحالة الثانية وهو الرؤية عائدا إلى كوننا ~~قادرين ، ولا مريدين ، ولا متكلمين ؛ ضرورة ، ولا إلى الحياة ، ونفى ~~الآفات. كما تقدم ؛ فبقى أن يكون قسما آخر ؛ وهو المعنى بالمدركية. ### |||| ** فإن قيل : ما المانع أن تكون التفرقة عائدة إلى الجملة ، والتفصيل ، والإطلاق ، ~~والتقييد في الشيء المعلوم؟ ، بأن نكون عالمين بالشيء جملة ، أو على وجه ~~مطلق ؛ فإذا رأيناه علمناه مفصلا ، أو مقيدا ؛ وذلك لا يوجب خروجه عن ~~العالمية. # سلمنا خروجه ms0228 عن العالمية ؛ ولكن ما المانع من عود التفرقة إلى تأثير ~~الحاسة من الشيء المحسوس؟ ؛ فإن الحواس قابلة للانفصال عن المحسوس ؛ وذلك ~~كما نجده من تأثير العين الباصرة عند التحدق إلى جرم الشمس ، والصدمة ~~الداخلة في الأذن عند PageV01P419 # الأصوات الشديدة كالبوقات ، وغيرها ، والانقباض والانبساط من بعض (1) ~~المشمومات والمطعومات (1)، والملموسات. ### |||| ** قلنا : أما الأول : فمندفع ، وذلك أنا لو رأينا جرما صغيرا ، ثم غمزنا العين عنه ~~؛ فإنا نبقى عالمين به على ما رأيناه. # ثم إذا فتحنا العين نحوه مرة ثانية ؛ فإنا نجد من أنفسنا حصول أمر زائد ~~على ما كان معلوما لنا منه حالة غمز العين عنه ، ونجد تفرقة ضرورية بين ~~الحالتين. فما نجده من الحالة الثانية : هو / المعنى بالمدركية ؛ فإن سميت ~~تلك الحالة عالمية ؛ فهو نزاع في اللفظ ، لا في المعنى. ### |||| ** وقولهم : ما المانع من عود التفرقة إلى تأثير الحاسة؟ # قلنا : ليس كذلك ؛ فإن الحاسة وإن كانت قابلة للتأثير كما ذكروه. إلا أن ~~ما نجده من أنفسنا عند الإحساس بالشيء بعد العلم به ، إنما هو عائد إلى ~~زيادة كشف ، وإحاطة بالشيء (2) المحسوس (2)، بالنسبة إلى حالة كونه معلوما ~~؛ وذلك وجدان لا مراء فيه. ### |||| ** الوجه الثانى : هو أنا نجد من أنفسنا ، الكراهة لرؤية بعض الصور دون العلم بها ؛ وذلك دليل ~~على الاختلاف بين المدركية ، والعالمية. (ومع (3)) هذا الاختلاف ، فلا ~~مبالاة بالمنازعة ، في تسمية المدركية نوعا من العالمية. ### |||| ** الوجه الثالث : هو (4) أن العالمية باتفاق العقلاء يجوز تعلقها بكل موجود (4)، والمدركية ~~الحاصلة بكل واحدة من الحواس عند الخصوم ، وعند بعض أصحابنا ؛ لا تتعلق بكل ~~موجود ؛ وهو دليل الاختلاف. ### |||| ** الرابع : أنه قد يعلم ما لا يدرك : كالعلم بالمعدومات. وقد يدرك ما لا يعلم : كمن ~~يرى شيئا وهو منغمس في سهوه ، ووسواسه ؛ فإنه مع رؤيته للشىء ؛ لا يكون ~~عالما به ؛ وهو دليل الاختلاف. PageV01P420 ### |||| ** الخامس : أنه لا يتصور حصول العلم إلا ويعلم حصوله ؛ بخلاف الإدراك ؛ كما حققناه من ~~مثال المدرك الساهى. ### |||| ** قولهم : لا نسلم أن المدرك مدرك بإدراك. # قلنا : لأن حد المدرك : من قام به الإدراك ؛ فلا يعقل مفهوم المدرك ms0229 ، دون ~~تعقل الإدراك ، كما لا يعقل مفهوم الأسود والأبيض ، دون فهم السواد ، ~~والبياض ، ولو جاز تعلق مدرك بلا إدراك ؛ لجاز تعلق أبيض ، وأسود بلا سواد ~~، ولا بياض ؛ وهو من أمحل المحالات. # قولهم : لو كان مدركا بإدراك ؛ لجاز أن يدرك الأخفى دون الأظهر على ما قرروه. # قلنا : إحالة ذلك : إما أن ينظر فيها إلى العقل (أو إلى العادة) (1). # فإن كان الأول : فممنوع ، وإن كان الثانى : فمسلم. # ولكن كما أنه يستحيل بالنظر إلى العادة ؛ انتفاء الإدراك للأظهر مع إدراك ~~الأخفى ؛ فيستحيل بالنظر إلى العادة أن لا يخلق لنا الإدراك للأظهر مع خلق ~~الإدراك للأخفى. # ثم ما هو لازم علينا في الإدراك ، فهو لازم على الخصم في المدركية ، وما ~~هو جواب له / ثم ؛ هو جواب لنا هاهنا. ### |||| ** قولهم : إن المدركية واجبة الحصول ، عند حصول هذه الشروط غير مسلم ، وبيان ذلك من وجهين. ### |||| ** الأول : هو أنا قد نرى الكبير صغيرا من البعد ، مع وجود ما ذكروه من الشرائط. # وعند ذلك : فالرؤية ، إما أن تكون متعلقة بكل أجزائه ، أو أنه (2) لا ~~تعلق لها بشيء منها ، أو أنها متعلقة بالبعض ، دون البعض. # فإن كان الأول : فكان يلزم إدراكه على ما هو عليه ؛ وهو محال. # وإن كان الثانى : فهو محال ، وإلا لما رئى أصلا. PageV01P421 # وإن كان الثالث : فكما أن الشرائط متحققة بالنسبة إلى ذلك الجزء [المرئى ~~(1) ] ؛ فهى متحققة بالنسبة إلى الباقى ، ومع ذلك فما لزم الإدراك مع وجود ~~الشرائط ؛ وهو المطلوب. ### |||| ** الثانى : هو أنا إذا رأينا شيئا سحيقا ناعما مجتمع الأجزاء ؛ فلا بد وأن نكون رائين ~~لكل واحد من تلك الأجزاء ، إلا أن ذلك المرئى هو مجموع تلك الأجزاء. # وعند ذلك : فإما أن تتوقف رؤية كل جزء من الأجزاء المفردة منه على (2) ~~رؤية الجزء الآخر ، أو لا تتوقف رؤية كل واحد على رؤية غيره ، أو أن البعض ~~متوقف على رؤية البعض ، دون البعض. # لا سبيل إلى الأول لما فيه من الدور. # والثانى ، والثالث : يلزم (منهما (3)) جواز رؤية الجوهر الفرد الذي لا ~~يتجزأ بالفعل عند (4) وجود الشرائط حالة ms0230 الاجتماع ، فلو وجب رؤية ذلك عند ~~وجود الشرائط حالة الاجتماع ؛ لوجب حالة الانفراد ، وليس كذلك ؛ فلا وجوب. ### |||| ** فإن قيل على الحجة الأولى : لا نسلم وجود الشرائط في الأجزاء التى على (5) أطراف المرئى البعيد ؛ إذ هى ~~أبعد من الوسط ، بالنسبة إلي الناظر فلذلك (6) رأى الوسط ، دون الأطراف. # وبيان ذلك : أنا إذا قدرنا خروج خط من الناظر متصل بالجزء الوسط المرئى ، ~~حدث من قيامه على بعد المرئى ؛ زاويتان قائمتان ، فإذا افترضنا خطين ، خرجا ~~من الناظر ، متصلين بأطراف بعد المرئى ؛ كانا وترين للزاويتين القائمتين ~~(7)، ووتر الزاوية القائمة : أطول من كل واحد من ضلعيهما ؛ فالبعدان ~~المتصلان بجوانب المرئى ؛ أبعد من البعد المتصل بالوسط. PageV01P422 # سلمنا التساوى بين الأطراف ، والوسط ؛ ولكن شرط المدركية : عند القائلين ~~بالانطباع : إنما هو بانطباع صورة المرئى ، في الرطوبة الجليدية / وأن يكون ~~بين الناظر ، والمرئى مخروط متوهم ، زاويته من جهة الناظر ، وقاعدته من جهة ~~المرئى ، ولا يخفى أنه كلما إزدادت أبعاد المخروط طولا بسبب بعد المرئى ؛ ~~إزدادت زاويته ضيقا ، وكلما قصر ؛ إزدادت زاويته سعة ، ومحل الانطباع إنما ~~هو الزاوية المفروضة ؛ فيجب اتساعها ، وضيقها ؛ وبسبب القرب والبعد ؛ يكون ~~كبر المنطبع ، وصغره. # وعند القائلين بخروج شعاع من العين متصل بالمرئى يكون مدركا له : إنما ~~اختلف المرئى بالصغر والكبر ، بالبعد ، والقرب ، بسبب ضعف الشعاع المتصل به ~~؛ بسبب تبدده ، أو بسبب مخالطته الأبخرة الكثيفة به. # وعند القائلين بأن الهواء المشف ما بين الرائى ، والمرئى يستحيل آلة ~~دراكة بإحالة قوة الناظر له : إنما اختلف الصغر ، والكبر ، بالبعد ، والقرب ~~؛ بسبب ضعف تأثير القوة في الإحالة وقوتها. ### |||| ** وعلى الحجة الثانية : إنما يلزم الدور أن لو توقف صحة رؤية كل واحد من الأجزاء على صحة رؤية ~~الآخر. توقف متأخر ، على متقدم ؛ وذلك بأن يقال : صحة رؤية كل واحد ، علة ~~صحة رؤية الآخر ، وليس كذلك ، بل توقف معية ؛ أى أنه لا يصح رؤية كل واحد ، ~~إلا مع رؤية الآخر ؛ وذلك غير موجب للدور كالمضافات. ### ||| ** والجواب : # أما دعوى زيادة البعد المتصل بالطرف ، على البعد المتصل بالوسط ؛ فمندفع. ~~فإنا لو قدرنا أن ضلع ms0231 الزاوية القائمة : وهو الآخذ من وسط المرئى إلى الطرف ~~ذراعا ؛ فيعلم أن بعد الطرف الذي هو وتر تلك الزاوية لا يزيد على بعد الوسط ~~بذراع ، بل أقل ؛ لأن ضلعى الزاوية القائمة يزيدان على وترها لا محالة ، ~~ومع ذلك : فإنا لو قدرنا تباعد الوسط ذراعا آخر بحيث يساوى وتر الزاوية ، ~~ويزيد عليه ؛ لما غاب من الحس. # وأما الرد على مذهب أرباب الانطباع وغيرهم ، فسيأتى عن قرب (1). PageV01P423 # وأما الإشكال على الحجة الثانية ، فضعيف جدا. # سلمنا وجوب حصول المدركية ؛ ولكن لا نسلم امتناع تعليلها بالإدراك. ### |||| ** قولهم : إما أن يكون الإدراك ملازما لهذه الشروط ، أو لا؟. ### |||| ** قلنا : غير لازم (1)، وإن كان لازما (1) / ؛ فما المانع منه؟ ### |||| ** قولهم : يلزم منه أن تكون تلك الشروط علة للإدراك نظرا إلى الدوران ؛ فهو (2) ~~باطل (2) بما سبق في قاعدة الدليل (3). # قولهم : لو كانت المدركية معللة بمعنى ؛ لجاز تحقق المدركية عند وجود ذلك ~~المعنى ، وإن عدمت الشروط ، فأن (4) لا توجد مع وجود هذه الشروط مع انتفاء ~~ذلك المعنى ؛ وهو محال. إنما يصح أن لو تصور الانفكاك بين المعنى ، واجتماع ~~تلك الشروط ؛ وهو غير مسلم. # قولهم : إنه يلزم من ملازمة المعنى لهذه الشروط ، أن يكون بينهما تعلق ؛ مسلم. # قولهم : التعلق إما بجهة العلية ، أو الاشتراط ، لا نسلم الحصر ؛ بل ~~التعلق أمر أعم من القسمين ، ولهذا يتصور التلازم بين المضافين ، وإن لم ~~يكن التعلق بينهما لا بجهة العلية ، ولا الاشتراط ، وكذلك التلازم بين ~~المعلولات لعلة واحدة ؛ فإنه خارج عن تعلق العلة ، والشرط. # سلمنا الحصر ؛ ولكن لا نسلم الامتناع من ذلك. ### |||| ** قولهم : إن كان المعنى مشروطا بتلك الشروط ؛ فلا يمتنع وجود الشرط دون المشروط. # قلنا : لا نسلم أن ذلك غير ممتنع على الإطلاق في كل شرط ومشروط ، ولهذا ~~وقع الاتفاق على أن يكون الباري تعالى حيا شرط لكونه عالما ، وقادرا ، ولا ~~انفكاك لأحدهما عن الآخر. PageV01P424 # سلمنا تصور وجود هذه الشروط ، دون ذلك المعنى ؛ ولكن لا نسلم امتناع حصول ~~هذه الشروط بدون (1) المعنى للإدراك (1)، ولا امتناع حصول المعنى ، بدون ~~الشروط ؛ كما سبق ، وبه يندفع ما ms0232 ذكروه من القسم الثانى أيضا. ### |||| ** قولهم : فى القسم الثالث : أنه يمتنع أن يكون المعنى علة لتلك الشروط ؛ ممنوع. ### |||| ** قولهم : فى الوجه الأول منه : يلزم أن يكون كل واحد منها متحققا دونه ؛ لا يلزم ~~(2) أن تكون الهيئة الاجتماعية متحققة دونه (3). ### |||| ** قولهم في الوجه الثانى منه : إذا كان الإدراك علة للمدركية ؛ فيلزم من وجوده ، وجود المدركية ، وإن لم ~~تتوقف على تلك الشروط ؛ مسلم ؛ ولكن لا نسلم إحالة ذلك كما سبق. ### |||| ** قولهم فى الوجه الثالث منه : إن الإدراك متوقف على كل واحد من تلك الشروط ؛ فلا يكون علة لها ؛ لا نسلم ~~التوقف على ما سبق. # قولهم في الوجه الرابع : إنه يلزم منه أن تكون العلة الواحدة علة ~~لمعلولين ؛ وهو ممتنع / لا نسلم امتناع ذلك ؛ كما سيأتى في العلل ~~والمعلولات (4). ### |||| ** والوجه الخامس منه : إن نزلنا الكلام على أن الإدراك علية للشروط ؛ فجوابه صعب جدا. ### |||| ** قولهم : لو كان المدرك مدركا بإدراك ؛ لجاز على القادر خلق إدراك المعدوم في ~~العين ؛ وهو ممتنع. # قلنا : إن كان إدراك المعدوم بالعين ممتنعا ؛ فقد امتنع القول بجواز خلقه ~~في العين. وإن لم يكن ممتنعا ؛ فقد امتنع القول : بأن إدراك المعدوم بالعين ممتنع. PageV01P425 ### |||| ** قولهم : لو كان الإدراك (معنى (1)) ؛ لصح إدراكه بإدراك آخر ، ولما تصور الخلو ~~منه (2)، أو (2) من ضده ؛ وهو تسلسل ممتنع ؛ على ما قرروه. ### |||| ** فنقول : التسلسل وإن كان ممتنعا ، فلا يدل على امتناع الإدراك ؛ لجواز أن يكون ~~ذلك لازما من القول بجواز إدراك الإدراك ، أو من القول بأن الإدراك له ضد ، ~~أو من القول بأن الذات القابلة للضدين لا تخلو عنهما. ### |||| ** قولهم : سلمنا لزوم ذلك في الشاهد ؛ ولكن لا نسلم لزوم ذلك في الغائب. ### |||| ** قلنا : إذا ثبت أن حد المدرك (3) من قام به الإدراك ؛ فالحد لا يختلف شاهدا ، ~~ولا غائبا. ### |||| ** قولهم : لا يخلو : إما أن يكون قديما ، أو حادثا؟ # قلنا : بل قديم. ### |||| ** قولهم : يفضى إلى قدم المسموعات ، والمبصرات ؛ ليس (4) كذلك ، فإن تعلق الإدراك ~~بالمدركات ، على نحو تعلق العلم بالمعلومات ، وما لزم من قدم العلم (5) قدم ~~المعلوم ؛ فكذلك في الإدراك. ### |||| ** قولهم ms0233 : إن البنية المخصوصة شرط في الإدراك ؛ ليس كذلك ؛ فإن القائل به معترف ~~(بأن (6)) الإدراك قائم بجزء واحد من جملة المدرك ، ولا أثر لاتصال محله ~~بما جاوره ؛ إذ الجواهر لا يؤثر بعضها فيما يرجع إلى ما يقوم بها من ~~الأعراض كما يأتى (7)؛ بل الجوهر يكون على صفته عند المجاورة لغيره في ~~حالة انفراده ، فإذا جاز قيام الإدراك بجزء واحد في حال انفراده واتصاله ؛ ~~لزم أن لا تكون البنية المخصوصة شرطا ، ولا يلزم على هذا الاجتماع ؛ حيث ~~أنه يقوم بالجوهر عند إضافته ، وضمه إلى غيره ، ولا يقوم به / عند انفراده ~~؛ لأنا نقول : الكون القائم بكل جزء في حالة الاجتماع ، هو بعينه قائم في PageV01P426 # حالة الافتراق مطلقا. والمختلف إنما هو الأسماء ، وهو أن ذلك الكون ~~القائم بالجوهر عند ضميمة غيره إليه ، يسمى اجتماعا ، وعند انفراده ، لا ~~يسمى بذلك. # ثم (1) وإن سلم أنه لا ينفى (1) حالة الانفراد ، لكنه غير لازم ، وذلك ~~لأن الصفات العرضية : منها ما يقتضي لذاته الضم ، والاجتماع بين المحال : ~~كالصفات الإضافية مثل : الاجتماع ، ونحوه. # ومنها ما لا يقتضي ذلك : كالسواد والبياض ، وغيره (2) مما ليس بصفة (2) ~~إضافية ، ولا يلزم من كون الصفات الإضافية كذلك ، طرد ذلك فيما ليس بإضافى ~~، ولا يخفى أن الإدراك ليس من ذلك القبيل الموجب للجمع ، والضم بين ~~الأجسام. # ومما يدل على أن الإدراك غير مفتقر إلى البنية المخصوصة ، ويخص البصريين ~~القائلين بكون البارى تعالى مدركا أن يقال : لو كانت البنية المخصوصة شرطا ~~في الشاهد ؛ لوجب طردها غائبا ، على ما هو قاعدة الاشتراط عندهم ؛ فإنهم ~~أوجبوا طرد الشرط دون العلة ؛ ويلزم من ذلك وجود البنية المخصوصة في حق ~~الله تعالى لكونه مدركا. ### |||| ** فإن قيل : اشتراط البنية إنما هو في حق المدرك بإدراك ، والبارى تعالى ليس مدركا ~~بإدراك ؛ فلا يشترط البنية في حقه. # [قلنا (3) ] : فقد ناقضوا قاعدتهم في العالمية ، حيث شرطوا كون العالم ~~حيا في الشاهد ، وإن كان عالما بعلم ، وطردوا ذلك في الغائب ، وإن لم يكن ~~عالما بعلم. ولو سئلوا عن الفرق ؛ لم يجدوا إلى ذلك سبيلا. ### |||| ** قولهم : إن ms0234 ذلك يفضى إلى الالتباس بين الإدراكات ليس كذلك ؛ فإن الالتباس بين ~~الإدراكات لا يكون (4) بسبب اتحاد محلها ، وإلا لما تصور قيام عرضين بمحل ~~واحد ، إلا وهما متشابهان. ولا يخفى جواز قيام الأعراض المختلفة بالمحل ~~الواحد ، مع عدم التشابه : وذلك : كالسواد ، والحلاوة ، ونحوهما ، وإنما ~~الالتباس ، والاشتباه بين PageV01P427 # الأعراض لأمور عائدة إلى أنفسها. ولا يخفى أنه لا تشابه بين أنواع ~~الإدراكات في أنفسها ؛ (لاختلافها (1)) فى ذواتها على ما يجده كل عاقل من ~~نفسه ؛ ولهذا لا يقوم أحدهما مقام (2) الآخر ؛ فإن إدراك الشيء بالبصر لا ~~يقوم مقام إدراكه بالسمع ، والشم / والذوق ، واللمس ، وكذلك بالعكس. # وعلى هذا : فتبين أن ما ذكروه من حدود الإدراكات لا حاصل له. ### |||| ** قولهم : الإدراك هو الانطباع ، أو أن الانطباع شرط في الإدراك ؛ فباطل من وجهين : ### |||| ** الأول : هو أن ما ذكروه مبنى على اشتراط البنية المخصوصة في الإدراك ؛ وقد سبق ~~إبطاله. ### |||| ** الثانى : هو أن الصورة المنطبعة في العين : إما أن تكون منتقلة من صورة المرئى ، أو ~~غير منتقلة. ### |||| ** فإن كان الأول : فالمنتقل : إما جوهر ، أو عرض. # لا جائز أن يكون جوهرا : وإلا فهو مع انطباعه في العين : إما أن يكون ~~متصلا بالمرئى ، أو منفصلا عنه. # فإن كان متصلا به : فيبعد (3) أن يكون منطبعا في العين ؛ بل المنطبع في ~~العين طرفه ؛ ويلزم من ذلك أن لا يكون منه (4) مدركا (4) غير المنطبع دون ~~غيره. وأن يزاحم الهواء الراكد بين الرائى والمرئى ، ويحركه ، وأن يكون ~~نافذا في الأشياء الصلبة الشفافة : كالبلور إذا كان متوسطا بين الرائى ~~والمرئى ، وأن يكون قد خرج من الخردلة المرئية (5) جرم مخروط ملأ (6) ما ~~بين (6) الرائى ، والمرئى مع بعده ، وأن لا يرى المرئى على شكله : بل على ~~الشكل المنطبع في العين على صغره ، وأن لا ترى السماء في أول جزء من أجزاء ~~زمان فتح العين ؛ بل بعد أزمنة وهى ما يمكن فيها قطع المنتقل من المرئى إلى PageV01P428 # الرائى في المسافة التى بينهما ، وأن تتصف العين بما انطبع فيها من صور ~~الألوان حتى يقال لها سوداء ، وبيضاء ، وأن تحترق بانطباع ms0235 صورة النار فيها ~~، وتبرد بانطباع صورة النار فيها ؛ والكل محال. # وإن كان منفصلا عنه : فكان يلزم أن يحس به المنفصل عنه إذا كان مدركا ، ~~وأن لا يدرك ذلك المرئى الخارج ؛ لعدم انطباعه ؛ وهو محال. # وإن كان عرضا : فالعرض لا تحرك له بنفسه ، وإن تحرك بمحله أوجب المحالات ~~السابقة ، هذا إن قيل بانتقال الصورة المنطبعة من المرئى ، وإن لم تكن ~~منتقلة : فالقول بانطباعها في العين مع عدم انتقالها من المرئى ؛ محال. ### |||| ** قولهم : إنه لا مانع من خروج شعاع من العين متصل بالمرئى ؛ فباطل أيضا من سبعة أوجه : ### |||| ** الأول : أنه مبنى على البنية ؛ وقد أبطلناه. ### |||| ** الثانى : هو أن الشعاع الخارج من العين / إما جوهر ، أو عرض. # فإن كان جوهرا : فهو مع اتصاله بالمرئى : إما أن يكون متصلا بالعين ، أو ~~منفصلا عنها. # فإن كان متصلا بالعين : فهو ممتنع لثلاثة أوجه : ### |||| ** الأول : أنه يلزم منه أن يكون قد خرج من العين مع صغرها جرم مخروط ملأ نصف كرة ~~العالم متصلا بالثوابت ؛ وهو محال. ### |||| ** الثانى : أنه يلزم منه أن يحرك الهواء الراكد ، وأن ينفذ في الأجرام الصلبة الشفافة ~~، إذا كانت متوسطة بين الرائى (1)، والمرئى (1) كما سبق ؛ والكل محال. ### |||| ** الثالث : أنه يلزم أن لا يختلف المرئى على القرب ، والبعد بسبب اتصال المدرك به. # وإن كان منفصلا عن العين : فكان يلزم أن لا يختلف المرئى في القرب ، ~~والبعد ؛ لاتصال المدرك به ، وأن يحرك ما يلاقيه من الأجرام المزاحمة له ، ~~وأن لا يدرك الرائى ، المرئى ؛ لانفصال الشعاع عنه إذا أغمض العين قبل زمان ~~عود الشعاع ؛ والكل محال. PageV01P429 # وإن كان عرضا : فهو أيضا محال ؛ لما سبق في الانطباع. ### |||| ** الثالث : وهو خصيص بمذهب المعتزلة القائلين بالشعاع ، أن يقال : الشعاع عندكم جسم ، ~~والأجسام غير داخلة تحت مقدور البشر بالاتفاق منا ، ومنكم (1). # وعند ذلك : فلا يخلو : إما أن يقولوا بأن الله تعالى يخلقه عند فتح العين ~~أو أنه يتولد ، أو أنه كان مستكنا في العين ، ثم انبعث عند فتح الأجفان. # فإن كان الأول : فيلزم منه جواز فتح العين مع سلامتها ، وتحقيق الشروط ms0236 ~~التي اعتبروها ، وأن لا تحصل الرؤية ؛ لجواز أن لا يخلق الله تعالى ذلك ~~الشعاع ؛ وذلك عندهم (2) محال. # وإن كان الثانى : فهو محال ؛ كما يأتى بعد. # وإن كان الثالث : فإما أن يكون انبعاث الشعاع بطبعه ، أو بخلق الله تعالى ~~ذلك له. # فإن كان بطبعه : وجب أن لا يتحرك كيف كان ؛ بل إلى جهة معينة. # وإن كان ذلك بخلق الله تعالى ؛ فيلزم جواز فتح العين مع سلامتها. وانتفاء ~~الموانع بدون الرؤية ؛ لجواز أن لا يخلق الله تعالى ذلك الانبعاث ؛ وهو ~~محال على أصولهم. ### |||| ** الرابع : هو أنه لو كان الجوهر الفرد من الناظر على الوجه المشروط من القرب ، والبعد ~~؛ فإنه لا يرى عندهم ، ولو كان إدراكه باتصال الشعاع به ؛ لرئي ضرورة اتصال ~~الشعاع به عندهم. # ويمكن أن يجاب عنه : بأنه وإن وجد هذا / الشرط : وهو البعد المشروط ، ~~واتصال الشعاع به ؛ لكنه أمكن أن يكون (ثم (3)) شرط آخر ؛ وهو أن لا يكون ~~في غاية الصغر ؛ وقد فات ذلك. PageV01P430 ### |||| ** الخامس : أنه لو كان الإدراك باتصال الشعاع بالمرئى ؛ لما رؤيت الأعراض ؛ لعدم اتصال ~~الشعاع بها عندهم. # فإن (1) قالوا : الشرط (1) اتصال الشعاع بالمرئى ، أو بمحله ، والعرض وإن ~~لم يتصل به الشعاع ؛ فهو متصل بمحله ، فيلزمهم رؤية لون الجسم مهما رؤى ~~الجسم ؛ لاتصال الشعاع بمحله ؛ وليس كذلك ؛ فإن عندهم قد يرى الجسم من ~~البعد ، من لا يرى لونه إلى أن يقرب منه. # ثم يلزمهم رؤية الطعم ، والرائحة ؛ ضرورة اتصال الشعاع بمحله ، ولم ~~يقولوا به ؛ لكن لهم أن يقولوا الطعم وإن اتصل الشعاع بمحله ؛ فليس مما يصح ~~أن يرى عندنا ؛ وهو شرط في الرؤية. ### |||| ** السادس : أنه لو أوقدت نار في ليل مظلم ؛ فإن من هو واقف في ضوئها لا يرى من هو واقف ~~في الظلمة عند مقطع الضوء ، ومن هو في الظلمة يراه مع استوائهما في انبعاث ~~الأشعة. ### |||| ** فإن قالوا : شعاع النار (2) لقوته يبهر (2) الشعاع المنبعث من عينى من هو في ضوئها ، ~~ويمنعه من النفوذ ، بخلاف الواقف في الظلمة. ### |||| ** قلنا : فإذا كان شعاع النار مانعا من نفوذ الشعاع المنبعث ms0237 من العين ؛ فالظلمة ~~أولى من أن تكون مانعة للشعاع المنبعث من عين الواقف فيها. # ولهذا إنه قد يرى الشيء في وقت طلوع (3) شعاع الشمس (3) فى مسافة لا يرى ~~في مثلها في الظلمة ، وكذلك فإن الهبا يرى في شعاع الشمس النازل من الكوى ، ~~ولا يرى في الظلمة. # ثم يلزم منه أن لا يرى أحد الواقفين في الضوء للآخر ، لكون الشعاع ~~المنبعث في العين مبهرا بشعاع النير المفروض ؛ فكان (4) امتناع رؤية النار ~~لقوة شعاعها أولى. PageV01P431 ### |||| ** السابع : أنه لو كان اتصال الشعاع المنبعث من العين بالمرئى شرطا في الرؤية في ~~الشاهد ؛ لكان شرطا في كون الغائب مدركا ؛ لأن الشرط عندهم مما يجب اطراده ~~؛ كما سلف ، وليس كذلك ؛ / حيث قضوا بأن الرب تعالى مدرك. # وعلى هذا فقد اندفع ما ذكروه من الشبه. # كيف : وأن ما ذكروه من الشعاع النازل من الكوى ؛ ليس هو الشعاع المنبعث ~~من العين الذي هو شرط الإدراك ؛ بل غيره ؛ فلا يكون توقف إدراك الهبا عليه ~~دليلا على ما قصدوه ، وكذلك الشعاع المنعكس من إحدى المرآتين المتقابلتين ~~على الأخرى ، الذي به إدراك الناظر لظهره ؛ ليس هو الشعاع المنبعث من العين ~~: فلا يكون ذلك دليلا على اشتراط انبعاث شعاع العين. # ثم لو قيل لهم : ما المانع أن يكون ذلك كله بحكم جرى العادة؟ ، لم يجدوا ~~إلى دفعه سبيلا. ### |||| ** قولهم : ما المانع أن يكون الإدراك باستحالة الهواء المتوسط بين الرائى ، والمرئى ~~آلة دراكه؟ # قلنا : لوجوه ثلاثة : ### |||| ** الأول : أنه لو كان كذلك ؛ لكانت استحالته عند اجتماع المبصرين أشد. # وعند ذلك : يجب أن يكون إدراك الواحد للشىء عند الاجتماع أشد من حالة ~~الانفراد ؛ لقوة الاستحالة. ### |||| ** الثانى : أنه كان يلزم أن يضطرب المرئى عند تشوش الجو (1)، واضطراب الرياح بسبب ~~تجدد الآلة الدراكة ؛ وهو ممتنع. ### |||| ** الثالث : أنه يلزم منه أن لا يكون الناظر هو المدرك ؛ إذ المدرك خارج عنه. # وعلى هذا. فالإدراك : معنى يخلقه الله تعالى للمدرك مع قطع النظر عن ~~البنية المخصوصة ، والانتقال ، والانطباع ، والآلات (2)، والأدوات (2)، ~~والأشعة ، والأهوية PageV01P432 # المشفة ، وكل ما قيل وما وقع من ذلك ms0238 ملازما للإدراك ؛ فليس إلا بحكم جرى ~~العادة : كالرى عند شرب الماء ، والشبع عند أكل الخبز ، ونحوه ، وحيث لم ~~يكن العقب (1)، أو اليد ، أو غيرهما (1) من الأعضاء مبصرة ، ولا سامعة ، ~~ولا شامة ، ولا ذائقة ، فليس لعدم صلاحيتها لذلك ؛ بل لأنه الله تعالى لم ~~يخلق له آلة الإدراك ؛ وهذا أصل مطرد عند أهل الحق من أصحابنا في سائر ~~الإدراكات. # وربما قيل في إبطال ما ذكروه من نقل الصوت بالهواء إلى صماخ الأذن : أنه ~~لو كان كذلك ؛ لما أدركنا جهته ، كما لا ندرك جهة الملموس لما كان إدراكه ~~بالوصول إلى الحاسة اللامسة ؛ وهو بعيد ؛ إذ المدرك بالسمع : إنما هو الصوت ~~، لا نفس حصوله (2) من تلك (2) / الجهة ؛ بل (3) ذلك (3) إنما يكون بغير السمع. # وأما النقض بباقى الإدراكات ؛ فقد سبق جوابه في مسألة إثبات الصفات بجهة ~~العموم (4). # كيف : وأنا لا نمنع اتصاف الرب تعالى بباقى الإدراكات على ما ذهب إليه ~~القاضى أبو بكر من أصحابنا ؛ فإنه قال : الرب تعالى موصوف بالإدراكات الخمس ~~، ودليله ما هو دليل السمع ، والبصر. ### |||| ** قولهم : لا نسلم خروج الإدراك عن أجناس العلوم. # قلنا : قد اختلف أصحابنا في ذلك. # فمنهم من قال : إنه من أجناس العلوم. # ومنهم من قال : إنه خارج عن أجناس العلوم ، وهو اختيار القاضى رحمه الله . ### ||| ** وأما نحن فنقول : # قد بينا فيما تقدم الاختلاف بين العالم ، والمدرك ؛ فإذا كان العالم : من ~~قام به العلم ، والمدرك : من قام به الإدراك ؛ فيجب أن يكون العلم ، ~~والإدراك مختلفين ضرورة ؛ وهو المطلوب. PageV01P433 # وأما الاختلاف : هل اختلاف نوع ، أو جنس؟ فمما لم يظهر لى بعد. ### |||| ** قولهم : إنه لا يتصور أن يدرك المدرك شيئا ، ولا يعلمه ؛ غير مسلم. وإن سلم ؛ ~~فالتلازم لا يدل على الاتحاد. ### |||| ** قولهم : الإدراك والعلم قد اشتركا في أنهما لا يؤثران في متعلقهما. # قلنا : والاشتراك (1) في هذا الأمر ، أو فى غيره لا يدل على الاتحاد أيضا ~~؛ لجواز اشتراك المختلفات في لازم واحد. ويدل على ذلك أن الكلام لا يؤثر في ~~متعلقه : كالعلم ؛ وهما مختلفان. ### |||| ** فإن قيل : قد بينتم اختلاف الإدراكات ، وأنها مخالفة ms0239 لأنواع العلوم ، وما يجوز على ~~الله تعالى منها ، وما لا يجوز ، فهل الإدراكات منحصرة في الإدراكات الخمسة أم لا؟ ### |||| ** قلنا : ذهبت الفلاسفة : إلى أن الإدراكات عشرة على ما حققناه في قاعدة العلم (2). # وأما أصحابنا ، فمتفقون على الإدراكات الحاصلة بالحواس الخمسة الظاهرة. ~~واختلفوا في الإحساس بالألم ، واللذة ، والفرح ، والغم ، ونحوه ، هل هو من ~~قبيل الإدراكات ، أو العلوم؟ # فذهب كثير من الأصحاب : إلى أنه من قبيل العلوم. # والذي ارتضاه القاضى : أنه إدراك سادس. محتجا على ذلك بأن العلم يتعلق ~~بما مضى من الآلام ، والإحساس بالألم غير متعلق بما مضى ؛ وذلك لا / يدل ~~على خروجه عن أنواع العلوم ؛ لجواز أن يكون متعلق البعض منها مما لا يتعلق ~~به البعض الآخر ، كما قيل في الإدراكات المختلفة النوع. # والحق في ذلك : أن الإحساس بالألم ، واللذة ؛ مخالف لباقى الإدراكات ، ~~ومخالف لباقى أنواع العلوم من حيث أن الإحساس بالألم واللذة ، ونحوه ، لا ~~يتعلق بما يتعلق به غيره من العلوم : كالعلم بما مضى من الآلام ، وغيرها من ~~الموجودات. PageV01P434 # وأما كونه من أنواع (1) الإدراكات ، أو العلوم ؛ فمما لم يظهر لى بعد. ### |||| ** فإن قيل : فهل يجوز أن يخلق الله تعالى إدراكا خارجا عما ذكرتموه من الإدراكات ، أم لا؟. # (2) قلنا : قد (2) اختلف أئمتنا أيضا في ذلك. # فمنهم : من منع. # ومنهم : من جوز ؛ وهو مذهب ضرار بن عمرو. # والحق : أنه لا دليل قاطع على النفى ، والإثبات فلا سبيل إلى الجزم ~~بأحدهما. ### |||| ** فإن قيل : فهل الإدراكات الحادثة مقدورة للبشر ، (أم لا) (3)؟ # قلنا : اتفق القائلون بها على أنها غير مباشرة القدرة (4) الحادثة ، غير ~~أن مذهب أصحابنا أنها مخلوقة لله تعالى على ما سيأتى (5). # ومذهب بعض البصريين من المعتزلة أن الرؤية منها حادثة بطريق التولد عند ~~فتح العين ؛ وهو باطل على ما يأتى أيضا في إبطال التولد (6)؛ والله أعلم. PageV01P435 ### | المسألة السابعة ### | في أن الله تعالى حى بحياة (1) ### |||| ** مذهب أصحابنا (2) ### |||| ** : أن الله تعالى حى بحياة ، وأن الحياة صفة وجودية زائدة على ذات الرب (3) ~~تعالى وما له من الصفات الوجودية السابق ذكرها. واتفقت المعتزلة (4): على ~~كونه حيا ms0240 لا بحياة. # لكن منهم من قال : معنى كونه حيا : أنه لا يمتنع عليه أن يعلم ويقدر ، ~~كأبي الحسين البصرى. ### |||| ** وذهبت الفلاسفة (5) ### |||| ** : إلى [أن (6) ] معنى كونه حيا ، أنه ليس بميت. # احتج أصحابنا بثلاثة مسالك. ### ||| ** المسلك الأول : ### |||| ** قالوا : قد (7) ثبت أن البارى تعالى عالم ، قادر ، مريد. وشرط هذه الصفات في ~~الشاهد كون المتصف بها حيا ؛ فيجب أن يكون البارى تعالى حيا ؛ لأن الشرط لا ~~يختلف شاهدا ، ولا غائبا. # انظر اللمع للأشعرى ص 25. # والتمهيد للباقلانى ص 47 والانصاف له أيضا ص 35 وأصول الدين للبغدادى ص ~~105 والإرشاد لإمام الحرمين ص 63 ولمع الأدلة ص 82 والشامل ص 621 له أيضا. # والاقتصاد للغزالى ص 47. # والمحصل للرازى ص 121 ومعالم أصول الدين له أيضا ص 44. # ومن كتب الآمدي انظر غاية المرام ص 133. # ومن كتب المتأخرين المتأثرين بالآمدي : # انظر شرح الطوالع ص 179 والمواقف للإيجي ص 290 وشرح المقاصد للتفتازانى 2 ~~/ 72 ، 73. PageV01P436 # وإذا كان حيا ؛ فالحى عبارة عمن قامت (1) به الحياة ؛ والحد لا يختلف ~~شاهدا ، ولا غائبا ؛ فيجب أن يكون البارى تعالى حيا بحياة. # وهو ضعيف ؛ لما سبق من إبطال الحاق الغائب / بالشاهد (2). ### ||| ** المسلك الثانى : # قالوا : الذوات منقسمة : إلى ما يصح عليها أن يعلم ويقدر ، وإلى ما لا ~~يصح عليها ذلك. وهذه التفرقة تستدعى مميزا ؛ وذلك المميز الذي به صح على ~~بعض الذوات أن تكون عالمة قادرة ؛ هو المعنى بصفة الحياة ، والرب تعالى يصح ~~عليه أن يكون عالما ، قادرا ؛ فكان حيا بحياة. # وهو باطل أيضا ؛ فإن الذوات مختلفة عندنا ، وعند أكثر العقلاء. # وعند ذلك : فلا يمتنع أن تكون صحة قبول القادرية ، والعالمية مستندة إلى ~~نفس الذات ؛ لا إلى أمر خارج عنها. ### ||| ** المسلك الثالث : # قال بعض المتأخرين (3): أجمعنا على كون الرب تعالى حيا. فقولكم : الحى ~~هو الذي لا يمتنع عليه أن يعلم ويقدر ، إشارة إلى سلب الامتناع ، والامتناع ~~سلب للسلب ؛ فيكون أمرا ثبوتيا. # وهذا الأمر الثبوتى ، ليس هو نفس الذات ؛ فإنا نعلم ذات واجب الوجود ، ~~وقد نجهل كونه لا يمتنع عليه أن يعلم (4) ويقدر. والمعلوم غير ما ليس ~~بمعلوم ؛ فثبت أن كونه تعالى حيا ، صفة حقيقية قائمة ms0241 بذاته. لا أنها سلب ~~محض ؛ وهو ضعيف أيضا ؛ فإن امتناع كونه عالما ، قادرا ، وإن كان سلبا ؛ ~~وسلبه ثبوت ؛ فذلك الثبوت هو صحة كونه عالما قادرا. # وانظر أيضا المحصل له أيضا. ص 121. PageV01P437 # وهو وإن كان أمرا زائدا على ذات واجب الوجود ؛ فليس فيه ما يدل على أن ~~كونه حيا يزيد على كونه عالما ، وقادرا. # والمعتمد أنا (1) نقول : # قد ثبت أن الرب تعالى موصوف بالعلم ، والقدرة والإرادة. # وعند ذلك : فإما أن يكون قابلا للاتصاف بهذه الصفات ، أو لا يكون قابلا لها. # لا جائز أن يكون غير قابل لها : وإلا لما صح اتصافه بها وقد قيل : هو ~~موصوف بها. # وإن كان قابلا لها : فالقبولية لهذه الصفات زائدة على نفس ذات البارى ~~تعالى ونفس العلم ، والقدرة ، والإرادة. ولهذا فإنا نعقل ذات البارى تعالى ~~ونفس العلم ، والقدرة [والإرادة (2) ] ، ونجهل قبول الذات لها ؛ والمعلوم ~~غير ما ليس بمعلوم. # وإذا كان زائدا : فإما أن يكون وجوديا ، أو عدميا ، أو لا وجوديا ولا عدميا. # لا جائز أن يكون لا معدوما ، ولا موجودا ، على ما سنبينه في إبطال ~~الأحوال (3). # ولا جائز أن يكون عدميا : فإن (4) نقيض القبول لا قبول. ولا قبول عدم ؛ ~~لصحة اتصاف الممتنع به. ولو كان ثبوتيا ؛ لما كان صفة له ؛ فتعين أن يكون ~~القبول وجوديا ؛ وذلك هو المعنى / بصفة الحياة. PageV01P438 ### | المسألة الثامنة ### | في أنه هل للبارى تعالى صفة زائدة ### ||| * على ما أسلفناه من الصفات أم لا (1)؟ # وقد اختلف في ذلك : # فذهب بعض أصحابنا : إلى أنه لا يجوز اتصافه بصفة زائدة على ما أثبتناه. ~~محتجا على ذلك. بأن الدليل الذي دل عليها ؛ لم يدل على غيرها ، وما لم (2) ~~يدل عليه الدليل ؛ فلا سبيل إلى تجويزه. # وهو باطل من (3) جهة أنه (3) لا يلزم من انتفاء الدليل ؛ انتفاء المدلول ~~في نفسه ، وإن (4) انتفى العلم بوجوده (5). # ومنهم من قال : لو جاز أن يكون له صفة أخرى ، لم يخل : إما أن تكون صفة ~~كمال ، أو نقصان. # فإن كانت صفة كمال ؛ فعدمها في الحال نقص. # وإن كانت صفة نقص ؛ فثبوتها له ممتنع ms0242. # وهو أيضا ضعيف ؛ إذ أمكن أن يقال : إنها ليست صفة كمال ، ولا نقص ، ولا ~~دليل يدل على نفى ذلك ، ولا هو بديهى. # وإن سلمنا الحصر ؛ ولكن ما المانع أن تكون صفة كمال؟ # ومن كتب الآمدي : غاية المرام ص 135. # ومن كتب المتأخرين : # شرح طوالع الأنوار ص 184 والمواقف للإيجي ص 296 وشرح المقاصد للتفتازانى ~~2 / 79. PageV01P439 ### |||| ** قولهم : لأن [عدمها] (1) فى الحال نقص. إنما يصح أن لو قيل [بعدمها] (2)؛ وليس ~~يلزم من (كونها (3) جائزة (3)) أن (تكون (4) معدومة (4)) ، حتى يقال : إن ~~(عدمها) (5) فى الحال نقص ؛ بل غايته أن لا نحكم (بثبوتها) (6) لعدم قيام ~~الدليل (عليها) (7)، وورود الشرع به. ### |||| ** والحق في ذلك : ما ذهب إليه بعض الأصحاب (8): وهو أن ذلك جائز عقلا وإن لم نقض بثبوته ؛ ~~لعدم الدليل عليه (9)، وورود الشرع به ؛ وذلك مما لا يوجب لواجب الوجود في ~~ذاته نقصا. إلا أن يكون ما هو جائز عليه غير ثابت له. # ومن أئمتنا (10) من زاد على هذا ، وأثبت له صفات زائدة على ذلك وجزم بها ~~كالبقاء ، والقدم ، والوجه ، والعينين ، واليدين. # ومن الحشوية من زاد على ذلك ، وأثبت له نورا ، وجنبا ، وساقا ، وقدما ، ~~واستواء علي العرش ، ونزولا إلى سماء الدنيا ، وصورة علي صورة آدم ، وكفا ، ~~وإصبعين ، وضحكا ، وكرما ، إلى غير ذلك. # وتمسكوا في ذلك بظواهر من الكتاب ، والسنة. وأدلة لا يتمسك بها في هذا ~~الباب. ولا بد من الإشارة إلى تحقيق ما في كل صفة من هذه الصفات. ### ||| ** الصفة الأولى : البقاء (11) # وقد اتفق المتكلمون : على جواز اطلاق الباقى علي الخالق ، والمخلوق ~~المستمر الوجود حقيقة خلافا لأبى هاشم ، فإنه قال : الباقى على الحقيقة / ~~إنما هو الله تعالى وتسمية المخلوق باقيا ؛ مجاز. # ومن قبله ابن كلاب (مقالات 1 / 229 ، 230). # (11) انظر الإنصاف للباقلانى ص 37 ، والتمهيد له أيضا ص 14 # وأصول الدين للبغدادى ص 90 ، 108 والإرشاد لإمام الحرمين ص 78 ، 138 140 ~~ولمع الأدلة له أيضا ص 85 والاقتصاد في الاعتقاد للغزالى ص 19 ، والمقصد ~~الأسنى له أيضا ص 96 والمحصل للرازى ص 126. ومن كتب الآمدي : غاية المرام ~~في علم الكلام ص 136 والمآخذ ل 24 / ب # ومن كتب المتأخرين المتأثرين بالآمدي : انظر شرح طوالع ms0243 الأنوار ص 183 ، ~~والمواقف للإيجي ص 296. وشرح المقاصد للتفتازانى 2 / 79 وحاشية الدسوقى على ~~أم البراهين ص 79. طبع بمطبعة دار إحياء الكتب العربية عيسى الحلبى. # ومن كتب المعتزلة : انظر المغنى للقاضى عبد الجبار 5 / 236 ، 237 والمحيط ~~بالتكليف له أيضا ص 146. PageV01P440 # واتفقوا على أن الحادث في أول زمان حدوثه لا يوصف بكونه باقيا ما عدا ~~الكرامية (1)، فإنهم وصفوه بكونه باقيا. # وأما كون الباقى باقيا ببقاء زائد عليه. # فقد أثبته الشيخ أبو الحسن الأشعرى رحمه الله ، ومعظم أئمتنا. # وقال القاضى أبو بكر : الباقى باق بنفسه ، لا ببقاء زائد عليه ؛ وهو مذهب ~~المعتزلة. # واختلف قول الشيخ أبى الحسن الأشعرى : فى بقاء الله تعالى وصفاته. # فقال تارة : الله تعالى وصفاته باقية ببقاء واحد. وذلك البقاء باق ببقاء آخر. # وقال تارة : الله تعالى باق ببقاء قائم به ، وكل صفة من صفاته باقية ~~ببقاء هو نفسها ### ||| ** وعند هذا فنقول : # أما الخلاف في كون المخلوق باقيا حقيقة ، أو مجازا ؛ فحاصل النزاع فيه ~~يرجع إلى الإطلاق اللفظى ؛ فإن من قال بكونه باقيا حقيقة ؛ لم يرد به غير ~~أنه مستمر الوجود زمنين فصاعدا. # ومن قال إنه مجاز : فمعناه أنه غير مستمر علي الدوام ، ولا حرج في ~~الاصطلاحات بعد (2) فهم المعنى. # وكذلك الخلاف في تسمية الحادث في أول زمان حدوثه باقيا ، فإن من نفى ذلك ~~: لم يرد به إلا أنه غير موصوف في وقت حدوثه بكونه مستمر الوجود. # ومن أثبت (3): لم يرد به غير أنه مما يصح استمرار وجوده. # وإنما الإشكال : فى كون الباقى باقيا ببقاء زائد عليه. PageV01P441 # وقد اعتمد مثبتوا البقاء على مسالك (1). ### ||| ** المسلك (1) الأول : # وهو مما تمسك (2) به الشيخ أبو الحسن الأشعرى ، رضى الله عنه وهو أن قال ~~: الجوهر في أول زمان حدوثه غير موصوف بكونه باقيا. وقد اتصف بذلك في الزمن ~~الثانى ؛ فقد تجدد له وصف لم يكن ؛ وذلك يوجب أن يكون لزيادة معنى ، وهو ~~البقاء. كالذى وصف بالمتحركية بعد أن لم يكن متحركا ؛ فإن ذلك يتضمن إثبات ~~حركة قائمة به زائدة على كونه متحركا ؛ فلو جاز أن يكون باقيا بلا بقاء ms0244 ؛ ~~لجاز أن يكون متحركا بلا حركة ؛ وهو محال. # وهذا المسلك ضعيف ؛ إذ لقائل أن يقول : # القول بكون تجدد هذا اللقب : وهو البقاء معنى ثبوتيا فرع كون المفهوم من ~~كونه باقيا أمرا ثبوتيا ؛ وليس كذلك ويدل عليه وجوه أربعة : ### |||| ** الأول : أنه أمكن أن يقال : معنى كونه باقيا في الزمن الثانى ، أن الموجود في الزمن ~~الأول / لم يبطل في الزمن الثانى ؛ وهو سلب محض. ### |||| ** الثانى : أنه أمكن أن يقال : معنى كونه باقيا في الزمن الثانى. أن ما حصل في الزمن ~~الأول هو بعينه حاصل في الزمن الثانى ، والحصول في الزمان ليس أمرا ثبوتيا ~~، وإلا كان ذلك الحصول الثابت حاصلا أيضا في ذلك الزمان ؛ والكلام أيضا في ~~حصول ذلك الحصول ، كالكلام في الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع. ### |||| ** وإن قيل : إن الحصول مع كونه ثبوتيا حاصل في الزمان الثانى بنفسه لا بحصول زائد عليه ~~؛ فليقل مثله في حصول الجوهر فيه. ### |||| ** الثالث : أنه ينتقض بوجود الجوهر في أول زمان حدوثه ؛ فإنه يوصف بكونه حادثا فيه ، ~~ولا يوصف بذلك في الزمن الثانى. مع بقاء ذاته. فكونه حادثا ؛ زائد على ذاته ~~، وليس كونه حادثا ، أمرا ثبوتيا ، وإلا كان حادثا ؛ ولزم التسلسل. وإذا لم ~~يكن كون الجوهر حادثا ، أمرا ثبوتيا ، مع كونه زائدا على ذاته ؛ فكذلك كونه باقيا. PageV01P442 ### |||| ** الرابع : ما قاله (1) الأصحاب (1): إن المفهوم من كونه باقيا ، أنه مستمر في الزمن ~~الثانى. ومفهوم الاستمرار واحد في الوجود والعدم ، بدليل صحة قسمة المستمر ~~: إلى المستمر بالوجود ، والمستمر بالعدم ، ومورد القسمة يجب أن يكون ~~واحدا. وإذا كان مفهوم الاستمرار واحدا في الوجود ، والعدم ، فلو كان صفة ~~ثبوتية ؛ لكان العدم المحض متصفا بها ؛ وهو محال. ### ||| ** ويمكن أن يقال : # لا نسلم اتحاد المفهوم من الاستمرار. ومورد القسمة : إنما هو اللفظ دون ~~المعنى. ثم هو مقابل بما يدل علي أن مفهوم الاستمرار ثبوتيا ؛ وذلك لأن ~~نقيض الاستمرار ، لا استمرار ، ولا استمرار عدم ، بدليل صحة اتصاف العدم به ~~في أول زمان تحققه ؛ فيكون الاستمرار ثبوتيا. # سلمنا أن المفهوم من كونه باقيا أمرا ثبوتيا ؛ ولكن لا ms0245 نسلم أنه معلل ~~بالبقاء ، ودليله (2) من ثلاثة أوجه : ### |||| ** الأول : أنه لو افتقر (3) فى كونه باقيا إلى قيام البقاء به ؛ فقيام البقاء بالباقى ~~: إما أن يتوقف على كونه باقيا ، أو لا يتوقف. فإن توقف فقد لزم الدور ~~الممتنع. # وإن لم يتوقف ؛ لزم صحة حصوله البقاء في الجوهر لا حالة كونه باقيا ؛ وهو محال. ### |||| ** الثانى : هو أنه لو كان الباقى معللا بالبقاء ؛ فالبقاء : إما أن يكون صفة ثبوتية ، ~~أو لا يكون صفة ثبوتية. # فإن / كان الأول : فإما أن يكون باقيا ، أو لا يكون باقيا. # فإن كان باقيا ؛ لزم أن يكون باقيا ببقاء آخر ؛ وهو تسلسل. ثم ليس قيام ~~أحد البقاءين بالآخر أولى من العكس. # وإن لم يكن باقيا ؛ فما لا يكون باقيا لا يكون صفة لله تعالى # وإن لم يكن ثبوتيا : استحال أن يكون علة للأمر الثبوتى PageV01P443 ### |||| ** الثالث : هو أنه لو كان الباقى معللا بالبقاء ؛ لكان العلم القديم معللا بالبقاء ~~لكونه باقيا. # والبقاء : إما أن يكون صفة ، أو لا يكون. # لا جائز أن لا يكون صفة له : وإلا لجاز أن يقال : إن العالم يعلم بعلم لا ~~يقوم به ، والمتحرك يتحرك بحركة لا تقوم به ؛ وهو ممتنع ، وخلاف قاعدة ~~الشيخ أبى الحسن. # وإن كان البقاء صفة للعلم (1)؛ أفضى ذلك إلى قيام المعنى بالمعنى ؛ وهو ~~أيضا محال. # فإن قيل : لا نسلم اتصاف العلم بكونه باقيا ، وإن كان مستمرا ، وهذا ~~المنع لعبد الله بن سعيد. # وإن سلمنا ذلك ؛ ولكنه غير لازم ، وبيانه من ثلاثة أوجه : ### |||| ** الأول : هو أن يقال : العلم قائم بذات الله تعالى ، وذات الله تعالى ليست مغايرة ~~لعلمه ، فقد قام به بقاء العلم لا بغيره ؛ فهو كما لو قام به. ### |||| ** الثانى : هو أن ذات البارى تعالى باقية ببقاء زائد عليها ، وصفاته باقيه ببقاء هو ~~أنفسها (2)، ولا يلزم على هذا أن يقال : فجوزوا أن يكون الجوهر باقيا ~~ببقاء هو نفسه ، أو أن تكون ذات البارى (3) تعالى باقية ببقاء هو نفسها. # أما الأول : فلأنه كان يلزم أن يكون الجوهر في الحالة الأولى باقيا ؛ ~~لوجود نفسه ms0246 فيها. ### |||| ** وأما الثانى : فلأنه يلزم أن تكون الذات معنى ، واستحال أن تكون قائمة بنفسها ، بخلاف الصفة. ### |||| ** الثالث : هو أن ما ذكرتموه إنما يلزم أن لو قيل بأن البقاء علة لكون الباقى باقيا. ~~وليس كذلك ؛ بل هو شرط لكون الباقى باقيا. ولا يلزم قيام الشرط بالمشروط ، بدليل PageV01P444 # الحياة مع العلم ، ولا يلزم على هذا أن يقال بجواز كون الله تعالى باقيا ~~ببقاء غير قائم به ، أو أن يقال ببقاء جوهر فرد غير قائم به. # أما الأول : فلأنه لو جاز أن يكون بقاء الله تعالى غير قائم به. فإما أن ~~يقوم بنفسه ، أو بغيره. # لا جائز أن يقوم بنفسه ؛ إذ المعانى لا تقوم بأنفسها (1). # وإن قام بغيره : لزم أن يكون ذلك الغير قديما ، ولا قديم غير الله تعالى. # وأما الثانى : فلأن الإجماع / منعقد على أن الله تعالى قادر على خلق جوهر ~~فرد لا موجود (2) معه ، وقادر على تبقيته ما شاء (3). # فبقاء ذلك الجوهر ، لا جائز أن يقوم بنفسه ؛ لما تقدم. # وإن قام بغيره : لزم منه امتناع خلق ذلك الجوهر الباقى على الله تعالى. ~~إلا مع غيره ؛ وذلك محال. ### |||| ** قلنا : أما منع كون العلم باقيا مع استمراره ؛ فمكابرة للمعقول ، ونزاع في عبارة. ### |||| ** وأما الوجه الأول : فمندفع ؛ فإن شرط العلة أن تكون قائمة بما له الحكم على ما تقرر ، وذات ~~البارى تعالى وإن لم يقل إنها غير الصفة ولا الصفة غيرها ؛ فليس بمعنى ~~اتحاد حقيقتيهما ؛ إذ هو محال ؛ بل بمعنى امتناع الانفكاك بينهما ، فإذا ~~كان بقاء الصفة قائما بالذات ؛ فلم يكن قائما بالصفة لا محالة. ### |||| ** وأما الثانى : فلأن معنى البقاء ، مخالف لمعنى العلم. فإذا جاز أن تكون الصفة الواحدة ~~علما بقاء ؛ فلا مانع من أن يكون الشيء ذاتا بقاء. ويكون من جهة كونه ذاتا ~~قائما بنفسه ، ومن جهة كونه بقاء غير قائم بنفسه ؛ بل ولجاز أن يكون السواد ~~أسود بسواد هو نفسه ، والعالم عالما بعلم هو نفسه ؛ وذلك قلب لقاعدة العلل ~~والمعلولات. PageV01P445 ### ||| ** وأما الثالث : فمن وجهين : # الأول : أنه لو كان البقاء شرطا لكون الباقى ms0247 باقيا فمن قضية الشرط أنه لا ~~يمتنع وجوده دون المشروط : كالحياة مع العلم. # وعند ذلك : فلا يمتنع تقدير وجود البقاء بدون كون ما قام به باقيا ؛ وهو محال. # الثانى : أنه لو كان البقاء شرطا لكون الباقى باقيا ، وأن يكون البقاء ~~(1) قائما بغير الباقى ؛ لجاز أن يقال ببقاء الأعراض ، ببقاء قائم بالجواهر ~~لا بها ؛ وهو محال على أصل الشيخ أبى الحسن الأشعرى. # الوجه (الثانى) (2) على أصل المسلك : أن ما ذكره الشيخ منتقض على أصله ~~بالقديم ؛ فان القديم قد يطلق على المتقدم بالوجود ، إذا تطاول عليه الأمد ~~، ومنه قوله تعالى ( @QUR@02 كالعرجون القديم ) (3) # والجوهر لا يوصف في أول زمان حدوثه بكونه قديما بهذا الاعتبار. وقد يوصف ~~به بعد ذلك ؛ فقد تجدد له حكم لم يكن ، كما تجدد في الباقى. # فإن جعله معللا بالقدم ؛ فهو خلاف مذهبه. # وإن لم يعلله بالقديم ؛ فقد انتقض دليله. ### ||| ** المسلك الثانى : # للشيخ أبى الحسن الأشعرى. # وحاصله : أنه لو بقى الباقى بنفسه من غير بقاء ؛ لما تصور / عدم الجوهر ، ~~واللازم ممتنع ؛ فالملزوم مثله. # وبيان الملازمة : هو أن الجوهر إذا كان باقيا لا ببقاء ؛ فهو لا ينعدم ~~بنفسه ، وإلا لما كان باقيا. PageV01P446 # والقدرة لا تتعلق بوجوده في حالة (1) بقائه حتى يقال بعدمه بسبب (2) عدم ~~(2) تعلق القدرة بإيجاده حال (3) كونه باقيا ؛ لما فيه من إيجاد الموجود ، ~~وتحصيل الحاصل. ولا يتعلق بعدمه ؛ إذ القدرة المؤثرة ، لا بد لها من أثر ، ~~والعدم لا يكون أثرا ؛ إذ هو نفى محض. # وهو ضعيف أيضا ؛ إذ لقائل أن يقول : # ما المانع من إعدامه بالقدرة ، كما (4) قاله (4) القاضى؟ # والقول بأن العدم نفى محض ؛ فلا يكون أثرا للقدرة ؛ فمندفع. فإنه إن قيل ~~: بأن أثر القدرة لا بد وأن يكون أمرا ثبوتيا ؛ فممنوع. # وإن قيل : إن أثر القدرة ما لو لا القدرة لما كان ؛ فالعدم بهذا الاعتبار ~~أثر ؛ فإنه لو لا القدرة لما كان. # ولا يلزم على هذا أن يقال : فيلزم أن يكون العدم السابق على العالم ~~مقدورا ؛ وهو خلاف إجماع العقلاء ؛ لأن العدم السابق قديم ، والقديم لا ~~تتعلق القدرة ms0248 به ؛ لما فيه من تحصيل الحاصل ؛ وهو محال ، بخلاف العدم ~~المتجدد الكائن بعد ما لم يكن. # سلمنا أنه يمتنع أن يكون عدم الجوهر مقدورا ؛ ولكن ما المانع من أن يكون ~~طريق عدمه بأن لا يخلق الله تعالى الأعراض التى لا يتصور خلو الجوهر عنها ، ~~أو بعضها ، ويكون انقطاعه بسبب انقطاعها ، ولا يلزم على هذا أن يقال بكون ~~الأعراض مؤثرة في وجود الجوهر ؛ لضرورة عدمه بانقطاعها ، وإلا كانت الحياة ~~مؤثرة في العلم ؛ لضرورة أنه يلزم من عدمها عدمه ؛ وهو محال. # فإن قيل : إذا جوزتم كون الباقى باقيا بلا بقاء ؛ فما المانع من الحكم ~~على الأكوان بكونها باقية؟ ولو كانت باقية ؛ فما طريقكم في عدمها ، وعدم ~~الكون لا يكون عند المعتزلة إلا بضده ، وذلك (5) يجر إلى امتناع عدم ~~الأكوان جملة ؛ وهو محال. PageV01P447 ### |||| ** فنقول (1): هذا إنما يلزم أن لو قيل : بامتناع كون الأعراض باقية ؛ بسبب امتناع ~~قيام البقاء بها ، وليس كذلك ؛ بل استحالة بقائها بما (2) سننبه عليه (2) ~~فى موضعه إن شاء الله تعالى. ### |||| ** وأما المعتزلة (3) ### |||| ** : فقد اعترضوا على هذا المسلك ، بأن الله تعالى يخلق فناء هو عرض لا في محل ~~مضاد للجوهر ، فيفنى به الجوهر ؛ وهو باطل على ما سنبينه في موضعه واستدلوا ~~على نفى البقاء بثلاث / مسالك : ### ||| ** المسلك الأول : # أنه لو كان البقاء معنى ، لم يخل : إما أن يكون له ضد ، أو لا ضد له. # فإن كان الأول : وجب قيام ضد البقاء بالجوهر ؛ فإن جملة المتضادات ، لا ~~تقوم بغير الجواهر. ولو قام ضد البقاء بالجوهر حالة كونه باقيا ؛ لكان ~~باقيا ، وغير باق ؛ وهو محال. # وإن لم يكن له ضد : فعدمه متعذر. ### ||| ** المسلك الثانى : # هو أنهم قالوا : لا معنى لكون الجوهر باقيا ، إلا أنه مستمر الوجود ~~والبقاء عند القائلين به متجدد غير مستمر. فلو كان استمرار الوجود مفتقرا ~~إلى البقاء المتجدد ؛ لكان استمرار الوجود متجددا ؛ وهو محال. ### ||| ** [المسلك] (4) الثالث : # أنهم قالوا لو كان الجوهر باقيا ببقاء ؛ فبقاؤه زائد على وجوده. وعند هذا ~~فلا يخلو : إما أن يقال بجواز خلق الجوهر في وقتين فصاعدا ms0249 دون البقاء ، أو ~~(5) أنه يمتنع خلقه دون البقاء (5). # والمحيط بالتكليف ص 146 وما بعدها. PageV01P448 # لا جائز أن يقال بالثانى : وإلا كان البارى تعالى ملجأ إلى خلق البقاء ، ~~عند خلق الجوهر ؛ وهو ممتنع. # فلم يبق إلا الثانى ؛ وهو المطلوب. ### ||| ** وهذه المسالك أيضا باطلة : ### |||| ** أما الأول : فلأنه وإن لم يكن للبقاء ضد كما يقوله الشيخ أبو الحسن [الأشعرى رضى الله ~~عنه] (1)؛ فإنما ينعدم ؛ لاستحالة بقائه في نفسه ، وما كان كذلك ؛ فلا ~~يكون مفتقرا في فنائه إلى ضد. ### |||| ** وأما الثانى : فلأنه دعوى مجردة ؛ فإنه لا يمتنع أن يكون المقصود من الشرط مقارنته ~~للمشروط ؛ وذلك حاصل به حالة استمرار الوجود بتعاقب الشرط ، وباستمرار الشرط. ### |||| ** وأما الثالث : فباطل بالحياة مع العلم ، وبكل شرط مع مشروطه. PageV01P449 ### ||| ** الصفة الثانية : «القدم» (1) # وقد اتفق الجمهور على أن الله تعالى قديم لنفسه لا بقدم زائد عليه. # وقال عبد الله بن سعيد من أصحابنا : إنه قديم بقدم ، وأثبت القدم معنى ~~زائدا عليه. # واحتج على ذلك بما سبق الاحتجاج به على البقاء وقد سبق إبطاله. # والذي يخصه هاهنا أن يقال : لا يخلو : إما أن يريد بالقديم : أنه الذي لا ~~أول له ؛ فيكون أمرا سلبيا ، ومعنى عدميا ؛ فلا يستدعى أن يكون معللا بمعنى. # أو يريد به ما فسر كلامه به الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايينى ، وهو أن قال ~~: المراد من قول ابن سعيد : إن الله تعالى قديم بقدم : أنه مختص في قيامه ~~بنفسه بمعنى لأجله ثبت وجوده لا في مكان ، كما اختص المتحيز بمعنى لأجله ~~كان مختصا / بالحيز ؛ فهو مع بعده عن دلالة لفظ القديم ؛ فالقدم يرجع حاصله ~~إلى صفة نفى : وهى وجوده لا في مكان ، والصفات السلبية لا تعلل ، بخلاف ~~الصفات الثبوتية. # وإن أراد به غير ذلك ؛ فلا بد من تصوره ، وإقامة الدليل عليه. # ومن كتب المعتزلة انظر المحيط بالتكليف للقاضى عبد الجبار ص 145 وشرح ~~الأصول الخمسة ص 181. PageV01P450 ### ||| ** الصفة الثالثة : «الوجه» (1) # ذهب الشيخ أبو الحسن الأشعرى في أحد قوليه ، والأستاذ (2) أبو إسحاق ~~الأسفرايينى ، والسلف إلى أن الرب تعالى متصف بالوجه ، وأن الوجه صفة ~~ثبوتية ms0250 زائدة على ما له من الصفات. متمسكين في ذلك بقوله تعالى : ( @QUR@06 ~~ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) (3). لا أنه بمعنى الجارحة. # ومن المشبهة من أثبت الوجه بمعنى الجارحة. # ومذهب (4) القاضى والأشعرى فى قول آخر وباقى (5) الأئمة (5): أن وجه ~~الله تعالى وجوده. ### ||| ** والحق في ذلك أن يقال : # لا سبيل إلى إثبات الوجه بمعنى الجارحة ؛ لما سنبينه في إبطال التشبيه ~~وما لا يجوز على الله تعالى # وكونه زائدا على ذاته ، وما له من الصفات لا بمعنى الجارحة ، وأنه وجه لا ~~كوجوهنا كما أن ذاته لا كذواتنا ، كما هو مذهب الشيخ في أحد قوليه. ومذهب ~~السلف ؛ وإن كان ممكنا إلا أن الجزم بذلك يستدعى دليلا قاطعا ؛ ضرورة كونه ~~صفة للرب تعالى ولا وجود للقاطع هاهنا. # وإن جاز أن يكون الدليل ظاهرا ؛ فلفظ الوجه في الآية لا دلالة له على ~~الوجه بهذا المعنى لغة لا حقيقة ، ولا مجازا ؛ فإنه لم يكن مفهوما لأهل ~~اللغة حتى يقال : إنهم وضعوا لفظ الوجه بإزائه ، وما لا يكون مفهوما لهم ، ~~لا يكون موضوعا لألفاظهم ؛ فلم يبق إلا أن يكون محمولا على مقتضاه لغة. # ومن كتب المتأخرين المتأثرين بالآمدي : انظر شرح طوالع الأنوار ص 184 ~~والمواقف للإيجي ص 298 وشرح المقاصد 2 / 81. PageV01P451 # وقد (1) تعذر (1) حمله على الحقيقة على ما تقدم وهو الوجه بمعنى الجارحة ~~، إذ هو المتبادر من لفظ الوجه عند إطلاقه إلى الفهم. والأصل في ذلك إنما ~~هو الحقيقة. # فلم يبق إلا جهة التجوز. وهو التعبرة بالوجه عن الذات ، ومجموع الصفات. # ثم وإن صح التجوز به عن صفة أخرى على (2) ما قيل (2). غير أن التجوز به ~~عن الذات ، ومجموع الصفات أولى ، وذلك من جهة أنه خصصه بالبقاء. والبقاء لا ~~يتخصص بصفة دون صفة ؛ بل البارى تعالى باق بذاته ، ومجموع صفاته. PageV01P452 ### ||| ** الصفة الرابعة : «اليدان» (1) # / وقد اختلف المتكلمون في مقتضى قوله تعالى لإبليس : ( @QUR@07 ما منعك ~~أن تسجد لما خلقت بيدي ) (2)؛ إذ هو صريح في إثبات اليدين لغة. # فذهبت المشبهة (3): إلى أنهما بمعنى الجارحتين. # وذهب الشيخ أبو الحسن الأشعرى : إلى أنهما صفتان ثبوتيتان ، زائدتان ms0251 على ~~ذاته ، وباقى صفاته ، لا أنهما بمعنى الجارحتين ؛ وهو مذهب السلف. وإليه ~~ميل القاضى في بعض كتبه. # وذهب أكثر أئمتنا : إلى تفسير اليدين بالقدرة ، وكثير من المعتزلة إلى ~~التفسير بكونه قادرا. # وذهب بعض المعتزلة : إلى التفسير بمعنى النعمة. # وذهب قوم : إلى أن اليدين في الآية ، صفة زائدة. ### ||| ** والحق عندنا في ذلك أن يقال : # أما إثبات اليدين بمعنى (4) الجارحتين (4): فباطل ؛ لما (5) سيأتى في ~~نفى التشبيه (5). # وإلجام العوام للغزالى ص 63 وأساس التقديس للرازى ص 123 ، 132. # ومن كتب الآمدي : غاية المرام ص 137 ، 139. # ومن كتب المتأخرين : شرح طوالع الأنوار ص 184 والمواقف للإيجي ص 298 وشرح ~~المقاصد 2 / 81. # والمشبهة أصناف : فمنهم جماعة من الشيعة الغالية كالهشاميين ، ومنهم ~~جماعة من حشوية المحدثين مثل : مضر ، وكهمس ، وأحمد الهجيمى ، وغيرهم. أما ~~عن أصنافهم ، وآرائهم بالتفصيل ، والرد عليهم فانظر ما يأتى في النوع ~~الرابع من ل 142 / أل 166 / أوالملل والنحل 1 / 103 108 ونشأة الفكر ~~الفلسفى 1 / 385 429. # ولمزيد من البحث والدراسة راجع ما سيأتى في الجزء الثانى القاعدة السابعة ~~ل 256 / ب. PageV01P453 # وأما إثبات اليدين بالمعنى الذي أراده الشيخ أبو الحسن الأشعرى : فيستدعى ~~دليلا قاطعا ؛ لما سبق في الوجه ، ولا قاطع. # وإن سلمنا الاكتفاء في ذلك بالدليل الظاهر ، إلا أنه غير موجود فيما نحن ~~فيه ؛ لما حققناه في صفة الوجه. # وإن سلمنا وجود الظاهر ، غير أنه يمتنع الحمل على ما قيل ؛ لأنه أضاف ~~الخلق إلى اليدين ؛ فإن كانت اليدان مما يتأتى بهما الخلق ؛ فهى القدرة. ~~وإلا فإضافة الخلق إليهما يكون كذبا. # وأما تفسير اليدين بالنعمة ؛ فباطل لوجهين : # الأول : أنه أضاف الخلق إليهما ، والخلق لا يتعلق بالنعمة. # الثانى : أنهما مذكوران بلفظ التثنية ، ونعم الله تعالى على آدم غير ~~منحصرة في أمرين على ما قال تعالى : ( @QUR@06 وإن تعدوا نعمت الله لا ~~تحصوها ) (1). # فإن قيل : النعمة تنقسم : إلى ظاهرة ، وباطنة ، وإلى عاجلة ، وآجلة ؛ ~~فيحتمل أنه أراد بيدى : أى بنعمتى العاجلة (2)، والآجلة (2)، أو الظاهرة ~~، والباطنة ، ويحتمل أنه أراد به سجود الملائكة له ، وتعليمه الأسماء كلها. # قلنا : إلا (3) أن ما ذكروه قد كان (3) مجتمعا في حق آدم ؛ فإن حمل على ~~الكل خرج عن ms0252 التثنية ، وإن حمل على خصوص اثنين منهما ؛ فلا يكون أولى من ~~غيره ؛ فلا يكون التخصيص مفيدا. # ولا سبيل إلى القول بكون اليدين صفة زائدة ؛ لما فيه من تعطيل الدلالة. # وإذا بطلت جميع هذه الأقسام. فالأشبه أنهما بمعنى القدرة ؛ فإن إطلاق ~~اليدين بمعنى القدرة ، سائغ عرفا ولغة / ؛ ولهذا يقال : فلان في يدى فلان. ~~إذا كان متعلق قدرته ، وتحت حكمه ومشيئته ؛ وإن لم يكن في يديه اللتين ~~بمعنى الجارحتين. PageV01P454 ### |||| ** فإن قيل : يمتنع حمل اليدين على القدرة لوجهين : ### |||| ** الأول : أنه يلزم من ذلك إبطال فائدة التخصيص ، بذكر خلق آدم باليدين ، من حيث أن ~~سائر المخلوقات ، إنما هى مخلوقة بالقدرة القديمة. ### |||| ** الثانى : هو أن اليدين [مذكورتان] (1) بصيغة التثنية ، وقدرة الرب تعالى واحدة. ### |||| ** قلنا : أما الأول : فمندفع ، فإنه جاز أن تكون فائدة التخصيص التشريف ، كما خصص ~~المؤمنين بلفظ العباد ، وأضافهم بالعبودية (2) إلى نفسه (2)، وخصص روح ~~عيسى ، والكعبة بالإضافة إلى نفسه. # وأما الثانى : فلأنه قد يعبر باليدين عن القدرة كما ذكرناه ، وكذلك بلفظ ~~اليد ، ولا امتناع في اللغة عن التعبرة بالتثنية ، أو الجمع عن الواحد. PageV01P455 ### ||| ** الصفة الخامسة : العينان (1). # قال الله تعالى ( @QUR@02 تجري بأعيننا ) (2) وقال تعالى : ( @QUR@03 ~~ولتصنع على عيني ) (3). # وقد اختلف المتكلمون في معناهما : # فقالت المشبهة : هما عينان بمعنى الجارحتين. # وقال الشيخ أبو الحسن الأشعرى : فى أحد قوليه وجماعة من السلف : # هما صفتان نفسيتان كما قال في اليدين. # وفي قول آخر له : إنهما بمعنى البصر. # والحق في ذلك : أن (4) إثبات العينين بمعنى الجارحتين ممتنع ؛ لما سيأتى ~~في نفى التشبيه (5). # وأما القول : بأنها صفة نفسانية زائدة على ما له من الصفات ؛ فيستدعى ~~دليلا قاطعا كما سبق ولا قطع هاهنا. # وإن سلمنا الاكتفاء في ذلك بالدليل الظاهر ؛ فالآية غير متناولة له بطريق ~~من طرق الدلالات اللفظية ؛ لما سبق. # وإن سلمنا أنها محتملة له لغة. غير أنها أيضا محتملة لغيره (6). وبيان ~~الاحتمال من أربعة أوجه : # ومن كتب الآمدي : غاية المرام ص 137 ، 140. # ومن كتب المتأخرين المتأثرين بالآمدي : # انظر شرح طوالع الأنوار ص 184 والمواقف للإيجي ص 298 وشرح المقاصد ~~للتفتازانى 2 / 81. PageV01P456 ### |||| ** الأول : أنه يحتمل ms0253 أنه أراد بقوله ( @QUR@02 تجري بأعيننا ): أى بحفظنا وكلاءتنا ؛ ~~ولهذا تقول العرب : فلان بعين فلان : أى في (1) حفظه (1) وكلاءته. ### |||| ** الثانى : أنه يحتمل أنه أراد به ببصرنا ، وهو بصير كما سبق في الإدراكات (2). وصيغة ~~الجمع للتعظيم كما في قوله تعالى ( @QUR@02 نحن قسمنا ) (3). وقوله تعالى ~~: ( @QUR@04 وأنزلنا من السماء ماء ) (4) إلى غير ذلك. ### |||| ** الثالث : أنه يحتمل أنه أراد به ما انفجر من عيون الأرض وأضافها / إليه إضافة تمليك. ### |||| ** الرابع : أنه يحتمل أنه أراد به عيون المتعينين من عباده للنجاة من الغرق ، ~~واختصاصهم بالإضافة إليه للتشريف والإكرام ، كما سبق. PageV01P457 ### ||| ** الصفة السادسة : «الجنب» (1). # وقد أثبت المشبهة للبارى (2) تعالى صفة الجنب بمعنى الجارحة تمسكا بقوله ~~تعالى : ( @QUR@08 يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله ) (3). # ومن السلف : من حمل لفظ الجنب في الآية على صفة زائدة على ما له من ~~الصفات النفسانية لا بمعنى الجارحة. ولا يخفى أن حمله على الجارحة ممتنع ~~كما سيأتى (4). وحمله على المعنى الثانى أيضا ممتنع ؛ لما سبق (5). # كيف وأن الاحتمالات (6) فى الآية متعارضة ؛ فيحتمل أنه أراد بجنب الله ~~أمره ؛ فإن الجنب قد يطلق بمعنى الأمر. ويكون حاصل قوله : ( @QUR@04 فرطت ~~في جنب الله ): أى في أمر الله. ومنه قول الشاعر : # أما تتقين الله في جنب عاشق %~% له كبد حرى عليك تقطع (7) # معناه : فى أمر عاشق. ويحتمل أنه أراد به الجناب. ومنه يقال : فلان لائذ ~~بجنب فلان : أى بجنابه ، وحرمه. # ومن كتب الآمدي : غاية المرام ص 137 ، 140. # ومن كتب المتأخرين المتأثرين بالآمدي : # انظر المواقف للإيجي ص 298. PageV01P458 ### ||| ** الصفة السابعة : «صفة النور» (1) # قالت المشبهة : الله نور. تمسكا بقوله تعالى : ( @QUR@04 الله نور ~~السماوات والأرض ) (2) ويمتنع حمله على ما هو المتبادر منه إلى الفهم ، وهو ~~النور الكائن من أشعة النيرات وإلا كان البارى تعالى عرضا ؛ وهو محال كما ~~يأتى (3) ### |||| ** فإن قيل : المراد به أنه (4) نور لا كأنوارنا (4)، فلا بد له من دليل قاطع ، ولا قاطع. # وإن سلمنا الاكتفاء بالظاهر ، غير أن اللفظ لا يحتمله لغة ، على ما سبق. # وإن سلمنا احتمال اللفظ في (5) الآية له (5). غير أنه يحتمل غيره ، ~~وبيانه ms0254 من وجهين: ### |||| ** الأول : أنه يحتمل أنه أراد به أنه منور السموات ، والأرض بخلق أنوارها. # ويحتمل أن يكون المراد به أنه هادى أهل السموات والأرض بطريق حذف المضاف ~~، وإقامة المضاف إليه مقامه. كقوله (6) تعالى (6): ( @QUR@02 وسئل القرية ~~) (7): أى أهل القرية. PageV01P459 ### ||| ** الصفة الثامنة : «الساق» (1) # قال الله تعالى ( @QUR@04 يوم يكشف عن ساق ) (2). # وقد اختلف في مفهومه : # فمنهم : من حمله على ظاهره ، وهو الساق بمعنى الجارحة كالمشبهة. # ومن السلف من قال : هو ساق لا كالسوق. # / والقول الأول باطل ؛ لما يأتى. # والثانى : أيضا ممتنع ؛ لما سبق في باقى الصفات الخبرية. # ثم (إنه) (3) كما أمكن حمله على ذلك ؛ فقد أمكن حمله على الكشف عما في ~~يوم القيامة من الأهوال ؛ ولهذا يقال : قامت الحرب على ساق. عند التحامها ، ~~واشتداد أهوالها. PageV01P460 ### ||| ** الصفة التاسعة : «الاستواء على العرش» (1) # قال الله تعالى : ( @QUR@04 الرحمن على العرش استوى ) (2). # وقد اختلف أهل الملة في ذلك. # فمنهم : من حمله على الاستقرار والمماسة للعرش : كالمشبهة ؛ وهو باطل ؛ ~~لأنه لو كان مستقرا على العرش. والعرش جسم من الأجسام ؛ فإما أن يكون ~~مساويا له ، أو أكبر (3)، أو أصغر (3)؛ والكل محال ؛ لما سيأتى في (4) ~~إبطال ما لا (4) يجوز على الله تعالى. # وعلى هذا فما نقل عن بعض الأئمة المشهورين (5) من قوله : «الاستواء معلوم ~~، والكيف مجهول ، والسؤال عنه بدعة ، والإيمان به واجب». # إن أراد بالاستواء المعلوم : الاستقرار والمماسة ؛ فهو محال. # وإن أراد به استواء لا كاستوائنا ، كما ذهب إليه السلف ، والشيخ أبى ~~الحسن الأشعرى في أحد قوليه ؛ فغير معلوم ؛ لعدم دلالة القاطع عليه ، وعدم ~~دلالة اللفظ عليه لغة كما سبق # وما عداه فالاحتمالات فيه متعارضة ، على ما يأتى. # ومنهم من توقف. والتوقف إن كان للتردد بين الاستواء بمعنى الاستقرار ، ~~وغيره من الاحتمالات ؛ فخطأ ؛ ضرورة انتفاء الاستواء بمعنى الاستقرار قطعا ~~، وإن كان للتردد بين ما عدا ذلك من الاحتمالات ؛ لعدم القطع بواحد منها ~~على سبيل التعيين ؛ فلا بأس به. # ومن كتب الآمدي : غاية المرام ص 137 ، 141. # ومن كتب المتأخرين : انظر شرح طوالع الأنوار ص 184 والمواقف للإيجي ص 297 ~~وشرح المقاصد 2 / 81. PageV01P461 ### |||| ** ومنهم : من صار إلى ms0255 التأويل. والقائلون بالتأويل فقد اختلفوا : # فمنهم من حمل الاستواء في الآية على الاستيلاء ، والقهر. ومنه قول العرب ~~: استوى الأمير على مملكته ، عند دخول العباد في طاعته. ومنه قول الشاعر : # قد استوى بشر على العراق %~% من غير سيف ودم مهراق (1) # أى استولى. # وقال الآخر : # ولما علونا واستوينا عليهم %~% تركناهم صرعى لنسر وطائر (2) # أى استولينا عليهم ؛ وهو من أحسن التأويلات وأقربها (3). # فإن قيل : حمل الاستواء على الاستيلاء ، يشعر بسبق المغالبة وتقدم ~~المقاومة ؛ وهو ممتنع على الله تعالى . # / سلمنا عدم إشعاره بذلك ، غير أنه لا فائدة في تخصيص العرش بذلك ، مع ~~تحقيقه بالنسبة إلى كل الحوادث. ### |||| ** قلنا : أما الأول ، فإنه (4) وإن جاز أن يكون الاستيلاء مسبوقا بالمقاومة ، ولكن ~~لا يلزم أن يكون مسبوقا بها ، ولا لفظ الاستيلاء مشعر به ، وإلا لكان لفظ ~~الغالب مشعر به ؛ وليس كذلك. بدليل قوله تعالى : ( @QUR@04 والله غالب على ~~أمره ) (5). # وأما الثانى : فمندفع أيضا ؛ فإنه جاز أن تكون فائدة تخصيص العرش بالذكر ~~للتشريف ، كما سبق. وجاز أن يكون ذلك للتنبيه بالأعلى على الأدنى من حيث أن ~~العرش في اعتقاد الخلائق أعظم المخلوقات ، وأجل الكائنات. # وقد قاله في بشر بن مروان انظر ديوان الأخطل الطبعة الثانية ص 390 ط. دار ~~المشرق ببيروت. PageV01P462 # ومنهم : من حمل الاستواء في الآية على الاستعلاء والرفعة ، وينقدح فيه ~~الإشكالان السابقان ، وجوابهما ما سبق. # ومنهم : من حمله على القصد والإرادة لخلق العرش ؛ فإن الاستواء قد يطلق ~~بمعنى القصد (1). ومنه قوله تعالى ( @QUR@06 ثم استوى إلى السماء وهي دخان ~~) (2): أى قصد إلى السماء. # وفيه نظر ؛ فإن الاستواء وإن أطلق بمعنى القصد عند صلته بإلى ؛ فلا يلزم ~~مثله ، عند صلته بعلى ؛ ولهذا يحسن أن يقال : فلان قاصد إليك ، ولا يقال : ~~قاصد عليك. PageV01P463 ### ||| ** الصفة العاشرة : «النزول» (1) # وقد ورد في الصحاح المنقولة عن الثقات عن النبي عليه السلام أنه قال : «إن ~~الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا في كل ليلة ، وفي رواية : فى كل ليلة ~~جمعة ، فيقول : هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟» (2) وظاهر ~~لفظ النزول ، للانتقال ، والحركة ms0256 من جهة العلو ، إلى جهة السفل. # فمن حمله على ذلك في حق الله تعالى من المشبهة ؛ فقد أوجب كون البارى ~~تعالى متحيزا ؛ لانتقاله في الأحياز ، وتبدلها عليه ؛ وهو محال ، كما يأتى. # ولما تعذر حمله على ما هو ظاهر فيه ، اختلف الأئمة. ### |||| ** فذهب بعض السلف : إلى حمل النزول في حق الله تعالى على نزول لا كنزولنا من غير حركة وانتقال. ~~وهو وإن كان ممكنا في نفس الأمر ، غير أنه لا يدل عليه قاطع ، ولا لفظ ~~النزول في الخبر يحتمله على ما سبق ؛ فتعين التأويل بما يحتمله لفظ النزول ~~؛ وهو حمل النزول على معنى اللطف والرحمة ، وترك ما يليق بعلو الرتبة وعظم ~~الشأن ، والاستغناء الكامل / المطلق. # ولهذا يقال : نزل الملك مع فلان إلى أدنى الدرجات ؛ عند لطفه به ، ~~وانبساطه في حضرة مملكته. وفائدة ذلك الانبساط الخلق على التقرب بالعبادات ~~، وإلا فلو نظر إلى ما يليق بمملكته ، وعلو (3) شأنه ، وعظمته ؛ لما وقع ~~التجاسر من العبيد على (4) خدمته (4)، والوقوف بين يديه في طاعته ؛ فإن ~~العباد (و) (5) عباداتهم من صومهم ، وصلاتهم بالنسبة # وقد ورد هذا الحديث مع اختلاف في الألفاظ في كثير من الصحاح فقد ورد في ~~صحيح البخارى عن أبى هريرة رضى الله عنه (كتاب التهجد ، باب الدعاء والصلاة ~~من آخر الليل) 2 / 63 ، وصحيح مسلم 1 / 521 522 (كتاب المستغفرين ، باب ~~الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه). # كما ورد هذا الحديث أيضا في سنن أبى داود وسنن الترمذي ومسند الإمام أحمد. PageV01P464 # إلى عظمة الله تعالى وجلاله ، دون تحريك أنملة لبعض العباد طاعة وخدمة ~~لبعض ملوك العباد (1)، ومن فعل ذلك ؛ فإنه يعد في العرب (2) مستهينا ~~مستهزئا بذلك الملك (2)، وخارجا عن دائرة التعظيم ، فما ظنك (بمن) (3) هو ~~دونه في الرتبة؟ # وأما التخصيص بسماء الدنيا. فإنما كان لأنها أدنى الدرجات بالنسبة إلى ~~جلال الله تعالى فلذلك (4) خصصت بالنزول إليها مبالغة في التلطف. كما يقال ~~للواحد منا : صعد إلى الثريا ، ونزل إلى الثرى ، من حيث أن ذلك أنهى ~~الدرجات بالنسبة إليه ، ارتقاء ونزولا. # ولأجل ذلك خصص النزول بالليالى دون ms0257 الأيام ؛ من حيث إنها مظنة الخلوات ، ~~وأنواع العبادات ، لأرباب المعاملات. # ويحتمل أن يكون المراد بذلك نزول ملك من ملائكة (5) الله (5) بطريق حذف ~~المضاف ، وإقامة المضاف إليه مقامه كقوله تعالى : ( @QUR@02 وسئل القرية ) ~~: أى أهل القرية : ولقوله (6) تعالى (6) ( @QUR@03 الذين يحاربون الله ) ~~(7): أى أولياء الله. ويقول : هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر ~~له؟ ، ويضاف ذلك القول إلى الله تعالى كما يقال : نادى الملك في مدينته ~~وقال : كذا كذا. وإن كان المنادى ، والقائل غيره. PageV01P465 ### ||| ** الصفة الحادية عشرة : «الصورة» # وقد روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : «إن الله خلق آدم (1) ~~على صورته» (2) # فذهبت المشبهة : إلى أن هاء الضمير في الصورة عائدة إلى الله تعالى ، وأن ~~الله تعالى مصور بصورة مثل (3) صورة (3) آدم ؛ وهو محال كما يأتى : # ومن عرف سبب ورود الخبر هان عليه التقصى عنه. وسببه ما روى أن النبي ~~صلى الله عليه وسلم رأى شخصا يلطم صبيا على وجهه فقال : لا تلطمه إن الله خلق ~~آدم على صورته. على (4) صورة الصبى (4) ولو قطع النظر عن سبب الورود ؛ ~~فيمكن (5) / تأويله بعود الضمير في الخبر إلى آدم ، وبيانه من وجهين : ### |||| ** الأول : أنه أمكن أن يقال : المراد به أنه خلق آدم علي صورته التى رؤى عليها ابتداء ~~من غير أب ، وأم ، وتقلب في أطوار الخلقة. ### |||| ** الثانى : أنه خلق آدم في ابتداء خلقه على الصورة التى هبط بها من الجنة ، لا أنه غير ~~عنها ، ويكون المراد من ذلك بيان تخصيص آدم بذلك تشريفا له ، وتكريما. ### |||| ** فإن قيل : وإن استمر لكم مثل هذا التأويل في قوله : إن الله خلق آدم على صورته. فما ~~وجه التأويل في قوله عليه السلام : «إن الله خلق آدم على صورة الرحمن» ؛ ~~فإنه من الأحاديث المشهورة بالصحة. # أما عن صفة الصورة بالتفصيل : # فانظر الشامل لإمام الحرمين ص 560 ، 561 وإلجام العوام للغزالى ص 64. ~~وأساس التقديس للرازى ص 83 91. # فقد أولوا الأحاديث الواردة في هذا المبحث. وما ذكره الآمدي هنا لا يخرج ~~عن قولهم. وقد ورد هذا الحديث في صحيح البخارى في كتاب الأنبياء ms0258 ج 4 ص 116 ~~، وفي كتاب الاستئذان ج 8 ص 62 (ط) الشعب. # كما ورد في صحيح مسلم 4 / 2017 (كتاب البر ، باب النهى عن ضرب الوجه). PageV01P466 ### |||| ** قلنا : إذا ثبت استحالة اتصاف الرب (1) تعالى بصورة مشابهة لصورة آدم ؛ فالتأويل ~~واجب ، والحمل على الاحتمال البعيد لازم. وإن كان في غاية البعد ، وهو أن ~~يقال : يحتمل أنه أراد بقوله : «على صورة الرحمن» : أى صفة (2) الرحمن ؛ ~~فإن الصورة قد تطلق ويراد بها الصفة. # ولهذا يقول القائل لغيره أراد استعلام أمر ؛ اذكر لى صورة الحال : أى صفة ~~(3) الحال (3). وحيث خلق آدم مخصصا بعلوم لم توجد لغيره (4) من المخلوقين ~~على (5) ما قال تعالى : ( @QUR@04 وعلم آدم الأسماء كلها ) الآية وكان الرب ~~تعالى أيضا منفردا بعلوم لا يشاركه فيها أحد من المخلوقين (5) فصح القول : ~~بأنه خلق آدم على صورة الرحمن : أى على صفة الرحمن. ويحتمل أن يقال : إن ~~الله خلق آدم على صورة الرحمن : أى على صورة معظمة في علم الله تعالى ~~وأضافها إلى الرحمن تشريفا (له) (6)، وتكريما على ما سبق. # وعلى هذا المعنى حمل بعض المفسرين قوله تعالى ( @QUR@06 لقد خلقنا ~~الإنسان في أحسن تقويم ) (7). PageV01P467 ### ||| ** الصفة الثانية عشرة : «الكف» (1) # وقد روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال إخبارا عن ليلة المعراج : ~~«فوضع كفه بين كتفى فوجدت بردها في كبدى» فلذلك ذهبت المشبهة إلى كون الرب ~~تعالى متصفا بكف بمعنى الجارحة. # ومن السلف من قال : هو (2) موصوف بكف لا كالكفوف (2). # ومن الأئمة من سلك طريق التأويل. # أما القول الأول : فباطل ؛ لما سيأتى (3). # وأما الثانى : فهو أيضا ممتنع لما سبق في المسائل المتقدمة. # والمتأول قال : إذا تعذر حمل اللفظ على حقيقته تعين حمله / على مجازه. # ووجه التجوز فيه ؛ أن الكف قد تطلق ويراد بها الاحتواء على التقدير ~~والتدبير بالخير والشر ، ومنه يقال : فلان في كف فلان : أى في تدبيره. # وعلى هذا فمعنى قوله عليه الصلاة والسلام «فوضع كفه بين كتفى» أراد به ~~بيان ألطافه به وإشفاقه عليه في تدبيره له. # ومعنى قوله «فوجدت بردها بين كتفى» : أى روح ألطافه بى فإن البرد قد يعبر ms0259 ~~به في اللغة عن كل روح وراحة. ومنه قولهم : ابترد فلان إذا استراح. # ومن كتب المتأخرين المتأثرين بالآمدي : # انظر : شرح طوالع الأنوار ص 184 والمواقف ص 298 وشرح المقاصد 2 / 81. PageV01P468 ### ||| ** الصفة الثالثة عشر : «الأصبعان» (1) # قال عليه الصلاة والسلام «إن قلوب الملوك بين إصبعين من أصابع الرحمن ~~يقلبها كيف شاء» (2). ولا يمكن أن يكون متصفا بإصبعين بمعنى الجارحتين ، ~~ولا بإصبعين لا كأصابعنا ؛ لما (3) مر فى باقى الصفات الخبرية. # وأما وجه التأويل ؛ فكما سبق في اليدين. # والمواقف للإيجي ص 298 وإلجام العوام عن علم الكلام ص 63. PageV01P469 ### ||| ** الصفة الرابعة عشرة : «القدم» (1) # قال عليه الصلاة والسلام في أثناء حديث مطول «فيضع الجبار قدمه في النار ~~فتقول قط قط» (2): أى حسبى حسبى ويتعذر حمله على القدم بمعنى الجارحة ، ~~وعلى صفة زائدة بكونه قدما لا كأقدامنا ؛ لما تقدم في اليدين. # واذا تعذر حمل اللفظ على ظاهره ، تعين حمله على ما هو بعيد فيه ؛ وهو أنه ~~يحتمل أنه أراد بالقدم أقدام الجبارين المرتفعين عن التكاليف ؛ فإن كل من ~~طغى ، وبغى ، وخرج عن ربقة التكليف يقال له : جبار. وعبر عن المجموع بلفظ ~~الواحد كما في قوله تعالى : ( @QUR@04 إن الإنسان لفي خسر ) (3) # ويحتمل أنه أراد به قدم بعض الجبارين عينا ، ويكون الله تعالى قد ألهم ~~النار طلب المزيد إلى حين وضع قدم ذلك الجبار المعين فيها. # ويحتمل أنه أراد به مالكا خازن النار. # «إذا كان يوم القيامة واستقر أهل الجنان في نعيمهم وأهل النيران في ~~حميمهم ، قالت النار : هل من مزيد؟ فيضع الجبار قدمه فيها فتقول قط قط». # وما ورد هنا جزء من حديث ورد في صحيح البخارى 6 / 173 (كتاب التفسير ~~تفسير سورة ق) عن أبى هريرة رضى الله عنه كما ورد في مواضع أخرى في صحيح ~~البخارى. وانظر أيضا صحيح مسلم 4 / 2186 PageV01P470 ### ||| ** الصفة الخامسة عشرة : «الضحك» (1) # وقد أثبت المشبهة صفة الضحك للبارى (2) تعالى تمسكا بما روى عن النبي ~~صلى الله عليه وسلم أنه قال. فى أثناء حديث «فضحك حتى بدت نواجزه» (3) ويمتنع ~~حمله على التبسم ، والقهقهة بالآلات ، والأدوات الجسمانية ؛ لما سيأتى (4) ~~إبطاله في إبطال ms0260 التشبيه. وعلى ضحك لا كضحكنا ؛ لما تقدم ؛ فلا بد من ~~التأويل. # وتأويله أن يقال : الضحك قد يطلق على ظهور تباشير النجح في كل أمر. # ومنه يقال : / الضحك الرياض إذا بدت أزهارها ، وعلى هذا فقوله فضحك ؛ أى ~~بدت تباشير الخير ، والنجح منه. # وقوله : «حتى بدت نواجزه» : أى ظهر كنه ما كان متوقعا منه ؛ فإن بدو ~~النواجز قد يطلق على هذا المعنى. # ومنه قول الشاعر : # قوم إذا الشر أبدى ناجزيه لهم %~% طاروا إليه زرافات ووحدانا (5) # أما أن يكون المراد به الأسنان ؛ فهو محال. # وما ورد جزء من حديث عن عبد الله بن مسعود في البخارى 6 / 157 158 PageV01P471 ### ||| ** الصفة السادسة عشرة : «الكرم» (1) # الظواهر واردة ، والإجماع منعقد على اتصاف الرب تعالى بالكرم. # وقد ذهب عبد الله بن سعيد : إلى أن كرمه صفة نفسانية زائدة على ما له من ~~الصفات. وهو وإن كان ممكنا. إلا أنه لا دليل عليه قطعا ، ولا ظاهرا ؛ ~~فيمتنع الجزم به. # وعلى هذا : فما معنى اتصافه بالكرم؟ ؛ فسيأتى في شرح أسماء الله الحسنى ~~(2). وليس تأويل هذه الظواهر وحملها على ما أشير إليه من (المحامل) (3) ~~بمستبعد كما حمل قوله تعالى ( @QUR@05 وهو معكم أين ما كنتم ) (4) وقوله ~~تعالى : ( @QUR@013 ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو ~~سادسهم ) (5) على معنى الحفظ ، والرعاية. # وكما حمل قوله تعالى على ما أخبر به نبيه عليه السلام عنه أنه قال : # «من أتانى ماشيا أتيت إليه مهرولا» (6). على معنى التطويل ، والإنعام. ~~إلى غير ذلك من الظواهر. # كما ورد في صحيح مسلم 4 / 2102 (كتاب التوبة ، باب في الحض على التوبة ~~والفرح بها). # كما ورد في مواطن عدة من الصحاح وفي سنن الترمذي وابن ماجة ومسند الإمام أحمد. PageV01P472 ### | المسألة التاسعة ### | في أن الصفة هل هى نفس الوصف ، أو غيره (1)؟ # وقد اختلف في ذلك : ### |||| ** فذهبت المعتزلة : إلى أن الصفة هى نفس الوصف. والوصف خبر المخبر عمن أخبر عنه بأمر ما كقوله ~~: إنه عالم ، أو قادر ، أو أبيض ، أو أسود ، ونحوه ، وأنه لا مدلول للصفة ، ~~والوصف إلا هذا. # واحتجوا على ذلك : بأنه ms0261 لو خلق الله تعالى العلم ، والقدرة ، أو غير ذلك ~~لبعض المخلوقين ؛ لم يصح تسميته باعتبار ذلك واصفا. ولو كان العلم والقدرة ~~صفة ؛ لصح تسمية خالقه واصفا. كما يصح تسمية خالق الحركة محركا. ولو أخبر ~~عنه أنه عالم ، أو قادر ، أو غير ذلك ؛ صح تسميته واصفا. والصفة يجب أن ~~يكون ما يكون بها الواصف واصفا ، وليس على هذا النحو غير القول ، والإخبار. # وإذا ثبت أن الوصف هو القول ، والإخبار ؛ فالعرب تقول : الوصف والصفة ~~بمعنى واحد : كالوجه والجهة ، والوعد والعدة ، والوزن والزنة. # وإذا كان الوصف / هو القول ؛ فالصفة هى القول ؛ لكونها في معناه. ### |||| ** وأما معتقد أهل الحق من الأشاعرة ، وغيرهم : فهو أن الوصف هو القول الدال على الصفة ، والصفة هى المعنى القائم بشيء ما ~~: كالعلم ، والقدرة ، والإرادة ، ونحو ذلك. # وبيانه من أربعة أوجه : ### |||| ** الأول : ما اشتهر في لسان العرب أن الصفة النفسية منقسمة إلى : خلقية لازمة ، وغير ~~خلقية ، وفسروا الخلقية بالسواد والبياض ؛ ونحوه. والغير خلقية : ما كان ~~مكتسبا من العلوم وغيرها ؛ وهو دليل صحة إطلاق الصفة على المعنى. ### |||| ** الثانى : هو أن العقلاء متفقون على صحة إطلاق القول بأن العلم صفة فلان ، والجهل صفة ~~فلان. وأن العدل ، والأفضال ، والإحسان (صفات) (2) لله تعالى. PageV01P473 ### |||| ** الثالث : إجماع العقلاء على أن من اتصف بصفة. لا تزايله تلك الصفة بإخبار المخبرين ، ~~وعدم إخبارهم. ولو كانت الصفة هى الإخبار ؛ لما كان كذلك. ### |||| ** الرابع : هو أنه لو لم تكن الصفة هى المعنى ؛ بل القول والإخبار ، لما كان الرب ~~تعالى متصفا في الأزل بصفات الإلهية ، والجلال ؛ لعدم المخبرين ، والواصفين ~~؛ وهو خرق لإجماع المسلمين. # والقول بأنه لو كانت الصفة هى المعنى القائم بالشيء ، لسمى خالقه واصفا ؛ ~~ليس كذلك ؛ إذ ليس اشتقاق اسم الواصف من الصفة ؛ بل من الوصف ؛ وهو الإخبار ~~عن الصفة. ولو كان اشتقاق اسم الواصف من خلق الصفة ؛ لسمى الرب تعالى عالما ~~؛ بخلقه للعلم الحادث ، ومستطيعا ؛ بخلقه (1) للاستطاعة الحادثة ؛ وهو محال. # وعلى هذا : فلا نسلم أن اسم المحرك مشتق من الحركة ؛ بل من التحريك. # وقول العرب : الوصف ، والصفة بمنزلة واحدة ms0262 إن صح ؛ فجوابه من وجهين : ### |||| ** الأول : أنه أمكن أن يقال : معناه تنزيل الصفة منزلة الوصف في المصدرية ، وإن كانت ~~الصفة خارجة عن قياس المصادر ؛ ولهذا يقال : وصفته صفة ، ووصفته وصفا. ومثل ~~ذلك (2) سائغ (2) فى اللسان. ومنه قوله تعالى : ( @QUR@05 والله أنبتكم من ~~الأرض نباتا ) (3). وإن كان المصدر المنقاس فيه الإنبات ، ومن ذلك قولهم : ~~كتب كتابا. # والمصدر المنقاس كتابة. ### |||| ** الثانى : أنه أمكن أن يقال معنى قولهم : الوصف ، والصفة بمنزلة واحدة : [أى] (4) أن ~~الوصف صفة للواصف المخبر لقيامه به. # وبالجملة فالبحث / فى هذه المسألة لغوى ، لا معنوى. PageV01P474 ### | المسألة العاشرة ### | في أن الصفة هل هى نفس الموصوف ، أو غيره؟ ### ||| * وأن الصفة هل توصف ، أم لا (1)؟ # أما أن الصفة هل هى نفس الموصوف ، أو غيره؟ # فالذى ذهب [إليه] (2) الشيخ أبى الحسن الأشعرى ، وعامة الأصحاب أن من ~~الصفات ما هى عين الموصوف : كالوجود. # ومنها ما هى غيره : وهى كل صفة أمكن مفارقتها للموصوف : كصفات الأفعال : ~~من كونه خالقا ، ورازقا ، ونحوه (3). ومنها ما لا يقال : إنها عين الموصوف ~~، ولا غيره : وهى كل صفة امتنع القول بمفارقتها للموصوف بوجه ما : كالعلم ، ~~والقدرة ، والإرادة ، وغير ذلك من الصفات النفسانية لله تعالى بناء على أن ~~معنى المتغايرين كل موجودين صحت مفارقة أحدهما للآخر بجهة ما. # وعلى هذا : فكما أن الصفة التى لا تفارق ليست هى عين الموصوف ، ولا غيره ~~؛ فكذلك الصفات النفسانية بعضها مع بعض لما لم يصح انفكاك بعضها عن بعض ؛ ~~فلا يقال : إن بعضها عين الصفة الأخرى ، ولا غيرها. # أما أنها ليست هى هى ؛ فلأن المفهوم منها غير متحد قطعا. # وأما أنها ليست غيرها ؛ فلعدم الانفكاك ، وحاصل النزاع في هذا لا يرجع ~~إلا إلى اصطلاح لفظى لاحظ له في المعنى. # وأما أن الصفة. هل توصف؟ # فالذى عليه اتفاق العقلاء : أن الصفات لا يمتنع وصفها بصفات أنفسها ؛ ~~لكونها موجودة ، وثابتة ، وغير ذلك. # وإنما الخلاف بينهم في وصف الصفات بصفات معللة بمعنى زائد عليها. PageV01P475 # فذهب عبد الله بن سعيد : إلى أن الصفات لا توصف بمثل هذه الصفات ، فلا ~~توصف صفات ms0263 الرب تعالى بكونها باقية ، ولا قديمة وإلا كانت باقية ببقاء ، ~~وقديمة بقدم. # ويلزم منه قيام المعنى بالمعنى ؛ وهذا مما لا سبيل إليه. مع استمرار صفات ~~الله تعالى فيما لا يزال ، وكونها لا أول لها ؛ بل الحق إنما هو وصفها ~~بكونها قديمة ، وباقية. # وأما كونها موصوفة بالبقاء ، والقدم. أو غير موصوفة به ؛ فقد سبق تحقيقه ~~بما فيه مقنع ، وكفاية. PageV01P476 ### | المسألة الحادية عشرة ### | في تعلق الصفات بمتعلقاتها ، وأنه ثبوتى ، أو عدمى # والمناسب لأصول أصحابنا أن مفهوم تعلق العلم بالمعلوم لا يزيد على كونه ~~معلوما به ، وأن تعلق القدرة / بالمقدور ، لا يزيد على حصول المقدور ~~بالقدرة. # وعلى هذا (1) فى كل مضافين ، ومن نازع زعم أن تعلق القدرة بالمقدور أمر ~~ثبوتى زائد على حصول المقدور بالقدرة. وأن تعلق العلم بالمعلوم أمر ثبوتى ~~زائد على كون المعلوم معلوما بالعلم. # احتج الأصحاب بأنه لو كان تعلق القدرة بالمقدور أمرا ثبوتيا ، وله وجود ~~في الأعيان لم يخل : إما أن يكون واجبا لذاته ، أو ممكنا لذاته. # لا جائز أن يكون واجبا : وإلا لما افتقر إلى غيره في وجوده والتعلق إذا ~~كان صفة وجودية ؛ فهو مفتقر إلى الموصوف به ؛ فلا يكون واجبا لذاته ؛ فلم ~~يبق إلا أن يكون ممكنا : وعند ذلك فلا بد له من مؤثر ، والكلام في تعلق ذلك ~~المؤثر به كالكلام في الأول ؛ ويلزم منه التسلسل ، أو الدور. # وهذه المحالات إنما لزمت من كون التعلق ثبوتيا في الأعيان ؛ فالقول به ممتنع. # فإن قيل : لا نزاع بين العقلاء في المغايرة بين ذات القدرة ، والمقدور ، ~~والعلم ، والمعلوم ، وأن القدرة متعلقة بالمقدور ، والعلم بالمعلوم. ولو لا ~~ذلك لما تحقق وجود المقدور ، ولما كان المعلوم معلوما. # وهذا التعلق (2) ليس هو نفس القدرة ، ولا نفس المقدور ، ولا نفس العلم ، ~~ولا نفس المعلوم ؛ بدليل صحة العلم بكل واحد من هذين المتعلقين (3) مع ~~الجهل بما بينهما من التعلق ؛ والمعلوم غير ما ليس بمعلوم. # وإذا كان التعلق زائدا على المتعلقين فلا يخلو ؛ إما أن يكون ثبوتيا ، أو نفييا. PageV01P477 # لا جائز أن يكون نفييا ؛ فإن (1) نقيض ms0264 التعلق لا تعلق. ولا تعلق نفى ~~بدليل صحة اتصاف العدم المحض به ، فالتعلق ثبوتى. # وهو إما أن يكون كذلك في نفس الأمر ، أو لا يكون كذلك في نفس الأمر. # لا جائز أن لا يكون كذلك في نفس الأمر ؛ إذ هو خلاف ما الكلام فيه ؛ إذ ~~الكلام إنما هو مفروض فيما إذا تعلقت القدرة بالمقدور ، والعلم بالمعلوم ~~حقيقة في نفس الأمر ، لا في فرض الفارض ، وتقدير المقدر. وسواء كان ذلك ~~معلوما لنا ، أو مجهولا. # وإذا كان كذلك فى نفس الأمر ؛ فلا معنى لكونه موجودا في الأعيان إلا هذا. ### |||| ** قلنا : أما التغاير بين ذات القدرة ، والمقدور ، والعلم ، والمعلوم كذا في كل ~~مضافين ؛ فمسلم. غير أنا لا نسلم أن الإضافة ، والتعلق بين العلم ، ~~والمعلوم ، والقدرة ، والمقدور / يزيد على حصول المقدور بالقدرة ، وكون ~~المعلوم معلوما بالعلم. وعلى هذا النحو في كل مضافين. وإذا كان تعلق القدرة ~~بالمقدور لا معنى له إلا حصول المقدور بالقدرة ، وتعلق العلم بالمعلوم لا ~~معنى له ، غير كون المعلوم معلوما بالعلم ، وذلك لا يفضى إلى التسلسل على ~~ما حققناه عند كون التعلق زائدا عليه. # وعلى هذا فلا مانع من تعلق الصفة بمتعلقها في حالة دون حالة من غير تسلسل ~~، ولا تغير في ذات الصفة ، وإن تغير التعلق والمتعلق. PageV01P478 ### | «النوع الثالث» ### | فيما يجوز على الله تعالى ### ||| * وفيه مسألتان : PageV01P479 ### | المسألة الأولى ### | في أن حقيقة واجب الوجود ، هل هى الآن معلومة ، أم لا (1)؟ # وقد اختلف فيه (2): # فقال بعض المتكلمين من أصحابنا ، ومن المعتزلة : العلم بحقيقته في الآن حاصل. # ومنهم من منع من ذلك # ثم اختلف القائلون بالمنع في أنه : هل يجوز أن تصير حقيقته معلومة؟ فمنهم ~~من منع أيضا : كالفلاسفة ، وبعض أصحابنا : كالغزالى (3)، وإمام الحرمين. # ومنهم من توقف : كالقاضى أبى بكر ، وضرار بن عمرو. # واحتج القائلون بالمنع مطلقا بحجج أربع : ### |||| ** الحجة الأولى : أن حقيقته غير متناهية ، والعقل متناه ، وإدراك غير المتناهى بالمتناهى ؛ محال. ### |||| ** الحجة الثانية : هو أن ذاته وحقيقته مخالفة بذاتها لسائر الحقائق ، والذوات ، وكل ما نعلمه ~~منه : ككونه موجودا ، وعالما ، وقادرا ، ومريدا ms0265 إلى غير ذلك من الصفات ؛ ~~فغير مانع من وقوع الاشتراك فيها ؛ ولهذا يفتقر بعد معرفة ما له من الصفات ~~إلى بيان وحدانيته ، وإذا كانت ذاته مانعة من وقوع الاشتراك فيها ، وكل ما ~~نعلمه منه غير مانع من وقوع الاشتراك فيه ؛ فذاته غير معلومة. # حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الغزالى. متكلم ، فقيه ، ~~أصولى ، صوفى ، مشارك في أنواع من العلوم. كان الآمدي معنيا بنقده ، والرد ~~عليه ، وإذا ذكر رأيه يقول : قال بعض المتأخرين ، ولم يصرح باسمه إلا في ~~هذا الموضع. وقد تتبعت هذه الآراء ، ووضحت نسبتها إلى الغزالى في مواضعها ، ~~(وفيات الأعيان 3 / 353 ومعجم المؤلفين 11 / 266 والأعلام 7 / 247). PageV01P481 ### |||| ** الحجة الثالثة : أن طريق معرفة واجب الوجود ، إنما هو وجود الممكنات ، ووجوب إسنادها إلى ~~موجود واجب ؛ قطعا للتسلسل ، والدور ، وليس في ذلك ما يدل على كنه حقيقته ، ~~ومعرفة ماهيته ، وكل ما ندركه منه بعد ذلك ؛ فلا يخرج عن الصفات الخارجة عن ~~الذات : كصفات النفس من العلم ، والقدرة ، ونحوه. # أو الصفات الإضافية : ككونه خالقا ، ومبدأ ، ونحوه. أو الصفات السلبية ، ~~ككونه ليس بجوهر ، ولا جسم ، ولا عرض ، ونحوه. وكل ذلك لا يدل على كنه ~~الحقيقة ؛ فكانت غير / معلومة. ### |||| ** الحجة الرابعة : قوله تعالى : ( @QUR@04 ولا يحيطون به علما ) (1). # وأما القائلون بكونها معلومة ؛ فقد احتجوا بأن قالوا : # لا خفاء بجواز الحكم على ذاته بإثبات صفات الكمال ، وسلب صفات النقص ؛ ~~وهذا الحكم فرع تصور المحكوم عليه ؛ فإن ما لا يكون متصورا في العقل لا ~~يكون مصدقا بإثبات حكم له ، أو سلبه عنه. # وعلى هذا : فمن قال إن ذاته غير معلومة ؛ يلزمه من هذا الحكم التصديقى أن ~~تكون ذاته معلومة. # ثم اعترضوا على حجج المذهب الأول : ### |||| ** أما الحجة الأولى : فإنها منقوضة بتعلق العلم بوجوده ؛ فإنه غير متناه. وسواء قلنا هو نفس ~~الذات ، أو زائد عليها. ومع ذلك لم يمنع من تعلق العلم به ، وكذلك سائر ~~صفاته النفسانية ؛ عند المعترف بها. ### |||| ** وأما الحجة الثانية : فقالوا : لا نسلم أن كل ما نعلمه منه غير مانع من وقوع الاشتراك فيه ؛ فإن ~~وجوده معلوم ms0266 بموافقة الخصم هاهنا ، وبالدليل على ما سبق ؛ وهو مانع من وقوع ~~الاشتراك فيه ، كما سلف في النوع الأول. ### |||| ** وأما الحجة الثالثة : فحاصلها يرجع إلى إبطال مدرك من المدارك. # وليس في ذلك ما يدل على إبطال كل مدرك ، ونفى باقى المدارك بعدم الاطلاع ~~عليها مع البحث عنها ؛ غير يقينى ، كما سبق. PageV01P482 # كيف : وأنه إذا اعترف بأن الطريق المذكور موصل إلى العلم بوجود واجب ~~الوجود ؛ فقد بينا في النوع الأول : أن ذاته وجوده ، ووجوده ذاته ؛ فإذا ~~كان وجوده معلوما ؛ كانت ذاته معلومة. # وأما الآية : فلا حجة فيها ؛ فإن قوله تعالى : ( @QUR@06 يعلم ما بين ~~أيديهم وما خلفهم ) (1): أى من الأمور الغيبية ، والضمير في قوله تعالى : ~~( @QUR@04 ولا يحيطون به علما ) (2) عائد إلى معلوم الله تعالى مما بين ~~أيديهم ، وما خلفهم من الأمور الغيبية ، لا إلى الله تعالى. ### ||| ** وأما نحن فنقول : # لا شك أنه معلوم الوجود ؛ فإن كان الوجود هو نفس الذات ؛ فالذات معلومة. ~~وإن كان زائدا على الذات ؛ فالحكم بأن وجوده زائد على ذاته ، حكم تصديقى ~~يستدعى تصور المحكوم عليه. # وعلى كلا التقديرين ؛ فيجب أن تكون ذاته متصورة. # ثم تصور الشيء تارة يكون بتصور ذاتياته ، ومقوماته (3)، إن كان مركبا. # وتارة بتصور خواصه ، ولوازمه. وسواء كان مركبا ، أو بسيطا ، لكن ذات واجب ~~الوجود بسيطة غير مركبة كما يأتى (4)؛ فتصورها لا يكون بالطريق الأول ؛ بل ~~بالثانى. # / وعلى هذا : فمن قال إنها متصورة بالطريق الثانى ؛ فقد قال حقا. ومن قال ~~إنها غير متصورة بالطريق الأول ؛ فقد قال حقا. # وأما إن وقع النزاع بالنفى ، والإثبات على أحد الطرفين ؛ فالنافى في ~~الطريق الأول : مصيب ، وفي الثانى : مخطئ ، والمثبت بعكسه. PageV01P483 ### | المسألة الثانية ### | في رؤية الله تعالى ### ||| ** وتشتمل على مقدمة وفصلين : ### |||| ** أما المقدمة : فنقول : قد بينا الإدراكات ، ومعناها في مسألة (1): السمع والبصر لله ~~تعالى فلا بد من الإشارة إلى متعلقاتها من المدركات ، واختلاف المتكلمين ~~فيها ، وما هو المختار. ### |||| ** أما الرؤية : فيصح تعلقها بكل موجود عند أئمتنا ، وأن (2) المصحح للرؤية الوجود ، على ما ~~يأتى. إلا عبد الله بن سعيد ؛ فإنه نقل عنه ms0267 أنه قال : لا تتعلق الرؤية بغير ~~القائم بنفسه. # وأما الصفات : فلا تتعلق بها حتى قال : من رأى جسما أسود. فما رأى سواده ~~؛ بل المرئى : كونه أسود ، وكذلك المسموع ؛ هو المتكلم دون الكلام. ### |||| ** وذهب أكثر المعتزلة : إلى أن المدرك إنما هو الأجسام ، والألوان ، لا غير. ### |||| ** وذهب بعضهم ، وكثير من الكرامية : إلى أن المدرك ليس غير الألوان. ### |||| ** واتفقت المعتزلة : على استحالة رؤية العلوم ، والقدر ، والإرادات ، والروائح ، والطعوم ~~شاهدا ، وغائبا. ### |||| ** واتفق العقلاء : عل استحالة رؤية المعدوم ، غير السالمية (3)؛ فإنهم جوزوا رؤيته. # تنسب هذه الطائفة إلى رجل وابنه أما الرجل : فهو : محمد بن أحمد بن سالم ~~البصرى المتوفى عام 297 ه. # وأما الابن فهو : أحمد بن محمد بن أحمد بن سالم المتوفى عام 360 ه وكانوا ~~يجمعون بين كلام أهل السنة ، وكلام المعتزلة مع ميل إلى التشبيه ، ونزعة ~~صوفية. ومن أشهر المنتسبين إلى هذه الطائفة : أبو طالب المكى صاحب قوت ~~القلوب المتوفى سنة 386 ه وتأثر بها كثير من أعلام التصوف في العالم ~~الإسلامى. # أما عن رأيهم في جواز رؤية المعدوم ، فانظر الشامل لإمام الحرمين ص 537. # ونشأة الفكر الفلسفى 1 / 400 404. PageV01P484 ### |||| ** وأما الهواء : فقد اختلفوا في رؤيته. # فمنهم من قال : هو مرئى الآن ليلا ، ونهارا ، كأكثر أصحابنا. # ومنهم من منع ذلك مطلقا : كالمعتزلة. # ومنهم : من جوز ذلك ليلا ، لا نهارا : وكل ما صح أن يرى ؛ فهو مرئى لكل ~~راء ؛ خلافا للقاضى أبى بكر ، وبعض المعتزلة. ### |||| ** أما القاضى : فإنه قال : الرؤية المخلوقة لزيد لا يراها ، ويجوز أن يراها غيره. ### |||| ** وأما بعض المعتزلة : فإنهم قالوا : ذات الله تعالى مرئية له غير مرئية لمن سواه ، وكذلك فناء ~~الجواهر (1) مرئى لله تعالى دون المخلوقين. # ومنهم : من طرد المنع من الرؤية في هاتين الصورتين مطلقا # أما صحة تعلق الرؤية بكل موجود على أصل أصحابنا : فمبنى على أن مصحح (2) ~~الرؤية (2) هو الوجود ؛ فإن صح ذلك على ما سيستقصى الكلام فيه في رؤية الله ~~(3) تعالى فهو الحجة على مذهبهم. وإبطال مذاهب المخالفين في امتناع رؤية ~~بعض الموجودات ، والقائلين برؤية [بعض (4) ] المعدومات. # وعلى هذا فمن قال بالأحوال ms0268 / من أصحابنا ؛ فلا سبيل إلى كونها مرئية عنده ~~وإن كانت ثابتة ضرورة عدم المصحح لرؤيتها ، وهو الوجود ؛ إذ هى غير موجودة ~~، ولا معدومة. # والذي يخص المنكرين رؤية (5) الألوان ، والصفات : كعبد الله بن سعيد : ما ~~يجده كل عاقل من نفسه من إدراك السواد ، والبياض ، وغير ذلك من الألوان. ~~ولو ساغ إنكار ذلك ؛ لساغ إنكار كل مشاهد مرئى ؛ ولا يخفى ما فيه من ~~المحال. PageV01P485 # ولعله لم يرد ما هو الظاهر من كلامه ؛ بل لعله أراد به أن الصفات لا تدرك ~~على حيالها عند فرض قيامها بالمحل ؛ بل المحل يدرك على (1) سواده ، وبياضه. # والذي يخص إبطال مذهب من يرى أن المرئى ليس غير الألوان (2) أمور ثلاثة : ### |||| ** الأول : أن كل عاقل يعلم من نفسه رؤية أشكال الأجسام ، ومقاديرها. كما يعلم من نفسه ~~رؤية ألوانها. ولو ساغ إنكار ذلك ؛ لساغ إنكار رؤية الألوان ؛ لعدم الفرق. ### |||| ** الثانى : أنا ندرك بالضرورة كون الأجسام في بعض الجهات دون البعض ؛ وليس ذلك من ~~الألوان في شيء. ### |||| ** الثالث : هو أنا ندرك وجود الأجسام المقبلة على بعد ، ولا ندرك ألوانها إلا على قرب ~~؛ والمدرك غير ما ليس بمدرك. # وأما أن الهواء مرئى : فلا يخفى جوازه إن صح أن المصحح للرؤية هو الوجود ~~؛ إذ هو موجود. # وأما أنه مرئى في وقتنا هذا : فقد استدل عليه بما نراه من اختلاف الأحوال ~~عند طلوع الشمس ، وغروبها ، وانبساط شعاع الشمس على الأرض ، وتقلص الظل إلى ~~ما قبل (3) الزوال ، وازدياد الفيء فيما بعد الزوال ؛ مع بقاء الأرض على ~~لونها في جميع الأحوال. # وإذا ثبت اختلاف الألوان في هذه الأحوال ، وتعذر عوده إلى لون الأرض ؛ ~~لبقائها مع اختلاف الأحوال على ما هى عليه من اللون المرئى لنا ؛ تعين عوده ~~إلى الهواء. وعلى حسب شروق النير على الهواء وغروبه. يرى الهواء تارة مضيئا ~~، وتارة مظلما. وهذا دليل على أن لون الهواء لذاته (4) أسود مظلم ، وما له ~~من الإضاءة ؛ إنما هو بسبب شروق الشمس عليه ، أو غيرها من النيرات. PageV01P486 ### ||| ** ولقائل أن يقول : # لا مانع أن يقال : بأن ما نراه ms0269 من الألوان عند انبساط الشمس على وجه ~~الأرض ، ونقصان الظل ، وتقلص الشمس ، وازدياد الفيء ؛ إنما هو لون تكتسبه ~~الأرض بسبب انبساط الشمس ، وتقلصها غير ما لها من اللون (1) فى نفسها ، لا ~~(2) أنه لون الهواء. # ثم وإن سلم أنه لون / الهواء ؛ ولكن لا نسلم أنه يلزم من رؤية لون الشيء ~~؛ رؤية ذلك الشيء على ما ذهب إليه بعض أصحابنا. وإن خالف فيه أكثر المعتزلة ~~، وكثير من أصحابنا. ولعله الأظهر على أصول أصحابنا. نظرا إلى أن المصحح ~~للرؤية إنما هو الوجود ؛ واللون موجود ؛ فلا يتوقف في رؤيته على رؤية محله. # وربما عضد من نفى رؤية الهواء : بأنه لو كان مرئيا ؛ لميز الرائى بين ~~الراكد منه والجارى : كالماء ؛ واللازم ممتنع. # وأيضا : فإنه لو كان مرئيا ، لما خالف فيه قوم لا يتصور على مثلهم ~~التواطؤ على الكذب ، والخطأ. # وقد خالف في ذلك أكثر المعتزلة و (أكثر (3)) أهل الحق من المتكلمين ؛ وهم ~~قوم لا يحصرهم عدد ، ولا يتصور من (4) مثلهم (4) التواطؤ على الخطأ عادة ؛ ~~بخلاف السوفسطائية. # وأما حجة من احتج على رؤية الهواء ليلا ؛ فما نراه عليه من السواد ، ~~والظلمة ؛ وإليه ميل القاضى أبى بكر. ### ||| ** ولقائل أن يقول : # إنا (5) لا نسلم رؤية الشيء في الليل المدلهم. ولهذا فإن الإنسان لا يجد ~~تفرقة في الليل المدلهم بين حالة كونه مغمض العين ، وبين حالة فتحها ؛ وهو ~~غير راء حالة PageV01P487 # تغميض العين ؛ فكذلك حالة فتحها. ولو (1) كان رائيا في إحدى الحالتين دون ~~الأخرى ؛ لأحس بالفرق ضرورة ؛ هذا ما يتعلق بالرؤية. # وأما باقى الإدراكات : فعلى أصل الشيخ (2) أبى الحسن أن المصحح للإدراك ~~هو الوجود. فكما أن الرؤية عامة لكل موجود ؛ فكذلك كل إدراك يعم كل موجود. # وذهب عبد الله بن سعيد ، والقلانسى (3)، وكثير من أصحابنا : إلى أن باقى ~~الإدراكات لا تعم كل موجود ؛ بل إدراك السمع يختص بالأصوات ، والشم ~~بالروائح ، والذوق بالطعوم ، واللمس بالحرارة ، والبرودة ، والرطوبة ، ~~واليبوسة ، وما يتركب من هذه الكيفيات الملموسة ؛ مصيرا منهم إلى أنه لا ~~علة جامعة بين جميع المرئيات على وجه يطرد ، وينعكس غير الوجود ms0270. # وأما في إدراك السمع فقالوا : العلة المصححة له الجامعة لجميع أنواع ~~المسموعات على وجه يطرد ، وينعكس ؛ إنما هو الصوت وفي إدراك الشم الرائحة ، ~~وفي إدراك الذوق الطعم. وفي إدراك اللمس ؛ الكيفية الملموسة. وهو ظاهر بين ~~؛ ولعله الأظهر. # وربما قيل في تحقيق الفرق بين الرؤية ، وباقى الإدراكات : أن الرؤية لا ~~تستدعى اتصال المرئى بالمدرك بخلاف باقى الإدراكات ؛ فإنها / لا تتم دون ~~اتصال المدرك بالمدرك ؛ فلذلك خصت ولم تعم. # وقد أجاب عنه بعض الأصحاب : بأن الاتصال في باقى الإدراكات غير معتبر. ### |||| ** أما الطعم : فلأن من دلك أسفل قدميه بالحنظل مرارا ؛ أحس بالمرارة في حلقه مع عدم ~~الاتصال. ### |||| ** وأما في الرائحة : فما نراه (4) من شم المسك الأزفر على بعد من غير اتصال. # (انظر الملل والنحل 1 / 93 وتبيين كذب المفترى 398 ونشأة الفكر الفلسفى 1 ~~/ 374 384). PageV01P488 ### |||| ** وأما فى الملموسات : فما نجده من الحس بحرارة النار عند القرب منها ، وبرد الثلج عند القرب منه ~~من غير اتصال. # وهو غير سديد ؛ إذ أمكن أن يقال : سبب الذوق ؛ إنما هو نفوذ طعم الحنظل ~~في المسام البدنية إلى الحلق. وفي الشم بسبب ما يحمله الهواء من الأجزاء ~~اللطيفة من ذى الرائحة إلى المشم ، حتى إنه لو كان المشموم في شيء لا مساس ~~فيه ، وهو مسدود سدا مهندما ؛ لما أدركت رائحته ، أو أن ذلك بسبب خلق الله ~~تعالى الرائحة في الهواء المجاور لذى الرائحة الواصل إلى المدرك ، وكذلك ~~فإن المدرك حره ، وبرده عند القرب من النار ، والثلج ؛ إنما هو حر الهواء ~~المسخن بالنار ، وبرد الهواء المبرد بالثلج ؛ بل الأقرب في دفع ما قيل من ~~الفرق أنه وإن وجد الإدراك لهذه الأمور عند الاتصالات ؛ فليس إلا بحكم جرى ~~العادة. # وأما أن يكون ذلك شرطا في الإدراك فلا. على ما بيناه في مسألة السمع ~~والبصر [لله (1) تعالى (1) ]. # ثم ما ذكروه وإن كان ظاهرا في الإدراك بالذوق (2)، واللمس (2)؛ فغير ~~ظاهر في السمع والشم. # وعلى هذا فإن قلنا بتعلق كل إدراك بكل موجود على ما هو مذهب الشيخ أبى ~~الحسن الأشعرى ؛ فليس ذلك مما يوجب اتحاد الإدراك ms0271 كما في العلم ؛ إذ ليست ~~جهة التعلق في الكل واحدة ؛ بل مختلفة على ما يجده كل عاقل من نفسه عند ~~إدراكه للشىء بالسمع ، والبصر ، وغير ذلك من الإدراكات. وهذا بخلاف العلم ؛ ~~فإن جهة تعلقه بجميع المعلومات واحدة ؛ وهو معرفة المعلوم على ما هو عليه ، ~~وذلك مما لا يختلف فيه تعلق العلم بالشيء وضده ؛ فلذلك كانت الإدراكات ~~مختلفة دون العلم. واتحاد المتعلق ؛ مع اختلاف جهة التعلق ؛ لا يوجب اتحاد ~~الإدراكات بدليل العلم ، والقدرة ، والإرادة ؛ فإنها لما اختلفت جهة تعلقها ~~؛ كانت مختلفة. وإن كان متعلقها واحدا ، ومما يتصل بهذه المقدمة إدراك ~~الأكوان باللمس. PageV01P489 # وقد اختلف فيه أصحابنا : فأنكره بعضهم ، وأوجبه آخرون / ؛ وهو الأظهر ؛ ~~فإن كل عاقل يجد من نفسه إدراك الجسم متحركا ، وساكنا ومجتمعا ، ومفترقا ~~باللمس ؛ وإن كان مغمض العين. # وإذا عرفت الإدراكات ، ومتعلقاتها ؛ فالإدراك الحادث هل يتعلق بمدركين ، ~~أو لا يتعلق إلا بمدرك واحد؟ وأن الإدراكين المتعلقين بمدركين مختلفين ، ~~مختلفان. وأن الإدراكات المختلفة هل تقوم بمحل واحد؟ وأنه هل يتصور إدراك ~~بلا مدرك؟ فالكلام فيه على ما سبق في العلوم. PageV01P490 ### | الفصل الأول ### | في جواز رؤية الله تعالى عقلا # والذي عليه إجماع الأئمة من أصحابنا (1) أن رؤية الله تعالى غير ممتنعة ~~عقلا ؛ بل [هى (2) ] جائزة في الدنيا ، والأخرى ، وهل الرؤية في الدنيا ~~جائزة سمعا؟. فمما اختلف فيه. # فجوزه بعض مثبتى الرؤية ؛ وأنكره آخرون. # وذهب بعض من أثبت جواز الرؤية إلى امتناعها في الدنيا. وهل يجوز إطلاق ~~القول بأن الله تعالى يجوز أن يكون مدركا؟ # فذهب القلانسى ، وعبد الله بن سعيد : إلى المنع من ذلك ، وجوزه باقى ~~أصحابنا ، وهل يجوز أن يرى في المنام؟ فجوزه بعض المثبتة للرؤية ، وأنكره آخرون. # والحق أنه لا مانع من هذه الرؤية ، وإن لم تكن رؤية حقيقية. ولا خلاف بين ~~أصحابنا أن الله تعالى يرى نفسه وجوبا. # وأما المعتزلة (3)، والخوارج ، وجماعة من الرافضة : فقد أجمعوا على ~~امتناع رؤية البارى عقلا لذوى الحواس ، واختلفوا في رؤية الله تعالى لنفسه. ~~فذهب الأكثرون إلى المنع من ذلك ، وجوزه الأقلون. # اللمع للأشعرى ms0272 ص 61 68 والإبانة ص 12 19 له أيضا # والإنصاف للباقلانى ص 176 193 # وأصول الدين للبغدادى ص 97 102 والإرشاد لإمام الحرمين ص 166 186 واللمع ~~له أيضا ص 101 105 والاقتصاد للغزالى ص 30 36 ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ~~356 369 والمحصل للرازى ص 136 139 ومعالم أصول الدين له أيضا ص 59 67. # ومن كتب الآمدي انظر : غاية المرام ص 159 178. # ومن الكتب المتأخرة التى تأثر أصحابها بالآمدي : # انظر شرح الطوالع ص 185 189 والمواقف للإيجي ص 299 310 # وشرح المقاصد 2 / 82 91. PageV01P491 # وقد احتج المثبتون لجواز الرؤية بحجج عقلية ، وسمعية. ### ||| ** أما الحجج العقلية فأربع : ### |||| ** الحجة الأولى : وهى معتمد القاضى أبى بكر (1)، وأكثر الأئمة. # وها نحن نذكرها بزيادة تحرير ، وتقرير ؛ فنقول : قد بينا في المقدمة أن ~~الأجسام والألوان مرئية ؛ فالأجسام ، والألوان مشتركة في صحة تعلق الرؤية ~~بها ، وصحة تعلق الرؤية بها يستدعى مصححا. # وإنما قلنا ذلك ؛ لأنه لو كانت الأجسام معدومة ؛ لاستحال أن تكون مرئية ، ~~ومدركة بالاتفاق منا ، ومن المعتزلة ، ومن كل محصل ؛ فحيث استحال تعلق ~~الرؤية بها حال عدمها ، وصح مع وجودها ؛ لزم أن يكون ذلك المخصص ، وإلا لعم ~~الحكم نفيا ، أو إثباتا ؛ وذلك المخصص هو المعنى بالمصحح. # ولا يخفى أن بين الأجسام والألوان اتفاقا ، وافتراقا ؛ فالمصحح : إما أن ~~يكون ما به الاتفاق ، / أو ما به الافتراق ، أو مجموع الأمرين. # لا جائز أن يكون المصحح [للرؤية (2) ] ما به الافتراق ، أو ما به الاتفاق ~~والافتراق معا ؛ وإلا كان الحكم الواحد المشترك بين المختلفات ؛ معللا بعلل ~~مختلفة ؛ وهو محال. # وذلك لأن كل واحدة من العلتين : إما أن تستقل بالتصحيح ، أو إحداهما دون ~~الأخرى ، أو أنه لا استقلال لكل واحدة منهما. # فإن كان الأول : فلا معنى لكون العلة مستقلة بالتصحيح إلا أنها هى ~~المصححة دون غيرها ، فإذا قيل كل واحدة مستقلة بالتصحيح ؛ لزم منه عدم ~~استقلال كل واحدة منهما. # فالأولى بنا أن نجعل الجواز أيضا مسألة سمعية). نهاية الأقدام ص 369. PageV01P492 ### |||| ** وإن كان الثانى : فالمصحح أحد العلتين دون الأخرى ، ثم يلزم منه صحة الرؤية في المحل المختص ~~بتلك العلة ، وعدم صحة (1) الرؤية (1) فى المحل الذي لم توجد فيه تلك العلة ~~؛ وهو محال. ### |||| ** وإن كان الثالث : فيلزم منه ms0273 امتناع صحة الرؤية لكل واحد من المحلين المختلفين ؛ ضرورة عدم ~~استقلال ما اختص به بالتصحيح (2)؛ فلم يبق إلا أن يكون المصحح ما به ~~الاتفاق لا غير. وما به الاتفاق : إما أن يكون عدما ، أو وجودا. # لا جائز أن يكون المصحح ما به الاتفاق من الأعدام ، والسلوب لوجهين : ### |||| ** الأول : أن العدم لا يصلح أن يكون علة موجبة لصحة الرؤية ؛ فإن كون العلة موجبة صفة ~~إثبات للعلة ، والعدم المحض لا يتصف بالصفات الإثباتية ؛ فلم يبق إلا أن ~~تكون العلة المصححة وجودية. ### |||| ** الثانى : [أن (3) ] العدم لا اختصاص له بمحل دون محل. ويلزم من ذلك أن يكون مصححا ~~للرؤية بالنسبة إلى كل محل مجهول ؛ وهو محال. # وما به الاتفاق بين الأجسام والألوان من الصفات العامة الوجودية ، ليس ~~إلا الوجود ، والحدوث. # والحدوث لا يجوز أن يكون هو المصحح لثلاثة أوجه : ### |||| ** الأول : أنه يصح رؤية الأجسام في حال بقائها ، ولا حدوث في حالة البقاء. ### |||| ** الثانى : أنه لا معنى للحدوث ، إلا سبق الوجود بالعدم. أى أنه لم يكن ؛ فكان ، أو ~~أنه مما لا يتم وجوده بنفسه ، وهذه أعدام ، والعدم لا يكون علة على (4) ما ~~تقدم (4)، ولا جزء من العلة ؛ لأن جزء العلة لا بد وأن يكون مؤثرا مع ~~الجزء الآخر. والتأثير صفة إثبات ؛ فلا يكون صفة للعدم المحض. PageV01P493 ### |||| ** الثالث : أنه لو كان المصحح هو الحدوث ؛ فيلزم على أصول المعتزلة صحة رؤية العلوم ، ~~والقدر ، والإرادات (1). وكذلك (1) الطعوم ، والروائح ؛ / لكونها حادثة ؛ ~~وهو خلاف أصولهم (2)؛ فلم يبق إلا أن يكون المصحح هو الوجود ، والوجود ~~متحقق في حق الله تعالى ويلزم من ذلك صحة الرؤية عليه ؛ ضرورة وجود المصحح. ### |||| ** فإن قيل : لا نسلم اشتراك الأجسام والألوان في صحة الرؤية ، وما المانع من أن يقال : ~~الألوان غير مرئية؟ كما هو مذهب عبد الله بن سعيد من أصحابكم ؛ حيث ذهب إلى ~~أنه لا يرى غير القائم بنفسه ، أو أن الجسم غير مرئى ؛ كما هو مذهب بعض ~~المعتزلة ، وأكثر الكرامية؟ # قولكم : فى المقدمة : إنا لا نشك في رؤية أشكال الأجسام ، ومقاديرها ~~وكونها في بعض ms0274 الجهات دون البعض ؛ فغايته أنه دليل على أن المدرك عرض آخر ؛ ~~وليس في ذلك ما يدل على كون الجسم مرئيا. # سلمنا صحة رؤية الأجسام والألوان ؛ ولكن لا نسلم أن صحة الرؤية أمر ثبوتى ~~؛ وما ليس بثبوتى ؛ فلا يحتاج إلى التعليل. # أما أن الصحة ليست أمرا ثبوتيا ؛ فلأنه لا معنى لصحة الرؤية إلا إمكان ~~الرؤية. والإمكان ليس بثبوتى ؛ وبيانه من ثلاثة أوجه : ### |||| ** الأول : أن الإمكان نقيضه لا إمكان ، [ولا (3) إمكان (3) ] عدم لصحة اتصاف العدم ~~الممكن به ، ولو كان صفة ثبوتية ؛ لكان صفة للعدم المحض ، والنفى الصرف ؛ ~~وهو محال. ### |||| ** الثانى : هو أن الحادث قبل حدوثه متصف بالإمكان ، فلو كان الإمكان صفة وجودية : فإما ~~أن يكون صفة للحادث ، أو لغيره. # لا جائز أن يكون صفة للحادث ؛ وإلا كانت الصفة الوجودية لما ليس بموجود. PageV01P494 # ولا جائز أن يكون صفة لغير الحادث ؛ وإلا لما وصف الحادث به. كما لا يوصف ~~المحل بكونه أسود بسواد قائم بغيره. ### |||| ** الثالث : أنه لو كان الإمكان صفة وجودية : فإما أن يكون واجبا لذاته ، أو ممتنعا ~~لذاته ، أو ممكنا لذاته. # لا جائز أن يكون واجبا لذاته : وإلا لما كان صفة لغيره. # ولا جائز أن يكون ممكنا ، وإلا كان ممكنا بإمكان آخر ؛ ولزم التسلسل. فلم ~~يبق إلا أن يكون ممتنع الوجود لذاته ؛ وهو المطلوب. # وإذا ثبت أن صحة الرؤية ليس أمرا ثبوتيا ؛ فما ليس بثبوتى لا يفتقر إلى ~~علة ؛ لأن العلة : إما وجودية ، أو عدمية. # فإن كانت وجودية : فإما قديمة ، أو حادثة. # فإن كانت قديمة ؛ فهو ممتنع ؛ لأن القديم لا تخصص له بعدم دون عدم ؛ فيجب ~~أن يكون علة لكل معدوم ، وأن لا يزول الإعدام أبدا ؛ ضرورة أن العلة ~~الموجبة / لها موجودة قديمة ، وأن القديم الموجود لا يزول كما يأتى تحقيقه ~~، وأنه يلزم من دوام العلة دوام معلولها. # وإن كانت العلة الموجودة حادثة ؛ فهو محال ؛ لأن العدم الذي هو معلولها ~~سابق عليها ؛ والمعلول لا يسبق العلة. وإن كانت العلة عدمية ؛ فهو ممتنع ~~لثلاثة أوجه : # الأول ، والثانى : ما سبق في تقرير الدليل. # والثالث ms0275 : أن الأعدام من حيث هى أعدام متساوية ، بخلاف الذوات الموجودة ، ~~فلو كان العدم علة للعدم ؛ لكان أحد المتساويين علة للآخر ؛ وليس هو أولى ~~من العكس. # سلمنا أن صحة الرؤية أمر ثبوتى ؛ ولكن لا نسلم أن كل أمر ثبوتى لشيء يجب ~~أن يكون معللا. ### |||| ** قولكم : إنه (1) لو كانت الأجسام ، والألوان معدومة استحال (2) أن تكون مرئية. لا PageV01P495 ### |||| ** نسلم ذلك ، وما (1) المانع من كون المعدوم مرئيا كما ذهب إليه السالمية (1)؟ ولا سيما (2) ~~على أصلكم من حيث أن الإدراك نوع من العلم والمعدوم معلوم ؛ فلا يمتنع تعلق ~~الإدراك به. # سلمنا استحالة رؤية المعدوم ؛ ولكن لم قلتم إن رؤية الأجسام ، والألوان معللة؟ ### |||| ** قولكم : لو لم يختص بمعنى توجب صحة رؤيتها ، لما اختصت بالرؤية بل عم الحكم نفيا ~~، أو إثباتا. ### |||| ** قلنا : هذا منتقض بصور. ### |||| ** الصورة الأولى : أن اختصاص محل الحكم بالعلة ، أمر زائد على المحل ، وعلى نفس العلة ، ومع ~~ذلك فإنه لا يستدعى مخصصا آخر ، وإلا لتسلسل الأمر إلى غير النهاية ؛ وهو محال. ### |||| ** الصورة الثانية : أن اختصاص العلة بكونها علة للحكم أمر زائد عليها ، وعلى المعلول أيضا ، ~~ومع ذلك فلا يستدعى مخصصا نفيا للتسلسل. ### |||| ** الصورة الثالثة : أن المعلومية ، والمذكورية حكم زائد على ذات المذكور والمعلوم ، وليس بمعلل ~~؛ لأنه يعم الوجود ، والعدم ؛ فلو كان معللا : فإما أن يعلل بصفة إثبات ، ~~أو نفى. # فإن علل بصفة إثبات : انتقض بكون المعدوم معلوما ، ومذكورا. # وإن علل بصفة عدم : انتقض بكون الموجود معلوما ، ومذكورا. # كيف وأن العدم لا يصلح أن يكون علة على ما تقدم ، وكذلك الكلام في ~~المقدور ، والمراد أيضا (3). ### |||| ** الصورة الرابعة : أن اختصاص المحل (4) بالسواد ، والبياض (4)، وغير ذلك من الأعراض صفة ~~إثباتية زائدة / على ذات المحل ، وقد اختص به عما ليس بذى سواد ، ولا بياض ~~، ومع ذلك فإنه غير معلل ؛ وإلا لزم التسلسل. PageV01P496 ### |||| ** الصورة الخامسة : هو (1) أن وقوع الفعل من الفاعل ، لا يكون معللا ، وإن كان زائدا على ذات ~~الفاعل ؛ لأنه لو كان معللا : فإما أن يعلل بذات الفاعل ، أو بصفة لازمة ~~لذاته ، أو بما سوى ذلك. # فإن كان ms0276 الأول ، والثانى : لزم أن لا يتأخر وقوع الفعل عن ذات الفاعل ، ~~حتى لا يتأخر الحكم على علته ، كما لا يتأخر كون الأسود ، أسود عن سواده. # وإن كان الثالث : فإما أن يكون قديما ، أو حادثا. # فإن كان قديما : فهو ممتنع ؛ لما تحقق (2) فى القسم الذي قبله. # وإن كان حادثا : فهو أيضا فعل ، ويفتقر في وقوعه إلى علة أخرى ، والكلام ~~في تلك العلة ؛ كالكلام في الأولى ؛ وهو تسلسل ممتنع. ### |||| ** الصورة السادسة : التماثل ، والاختلاف ؛ فإنه وإن كان حالا زائدا (أبدا (3)) ؛ فهو غير معلل ~~على ما يأتى في العلل ، والمعلولات (4). # فإذن قد انقسمت الأحكام ، والأحوال الزائدة : إلى ما يعلل ، وإلى ما لا ~~يعلل ؛ فلم قلتم بأن ما نحن فيه مما يجب تعليله؟ # سلمنا أن صحة الرؤية من الأحوال المعللة ؛ ولكن لم قلتم بامتناع التعليل ~~بما به الافتراق بين الأجسام ، والألوان؟ ### |||| ** قولكم : يلزم منه تعليل الحكم الواحد بعلل مختلفة ، إنما يلزم أن لو كانت صحة ~~رؤية الجسم ، واللون ؛ حكمين متماثلين. ولا نسلم إمكان التماثل بين شيئين ~~(5) أصلا ؛ فإن كل شيئين لا بد من التغاير بينهما بوجه من وجوه التغاير ~~والتمايز ، [وما به (6) التمايز (6) ] ، لا بد وأن يكون مختلفا ، ولا تماثل ~~مع الاختلاف من وجه. # سلمنا إمكان التماثل في الجملة ؛ ولكن لا نسلم مماثلة صحة رؤية الجسم ؛ ~~لصحة رؤية اللون. PageV01P497 # وبيانه : أن المثلين عبارة عن كل شيئين يسد أحدهما مسد الآخر فيما يجب ، ~~ويجوز من الصفات ، أو ما يشتركان فيما لكل واحد من الواجبات ، والجائزات ، ~~والممتنعات (1) عليه. # وصحة رؤية الجسم واللون ، ليس كذلك ؛ فإن رؤية كل واحد [منهما (2) ] لا ~~تقوم مقام رؤية (3) الآخر ، ولا تسد مسده (4)؛ فإن رؤية الجسم ليست رؤية ~~اللون ، ولا رؤية اللون ، رؤية الجسم ؛ فلا تماثل. # سلمنا التماثل بينهما ؛ ولكن من وجه ، أو من كل وجه. # الأول : مسلم. والثانى : ممنوع. وتقريره / ما سبق قبله. # سلمنا التماثل من كل وجه ؛ ولكن لا نسلم امتناع تعليل الحكم الواحد ~~بالعلل المختلفة ، وما به الافتراق. وما ذكرتموه من الدليل على امتناع ~~تعليل الحكم الواحد بعلتين مختلفتين ؛ فهو ms0277 منتقض من خمسة أوجه : ### |||| ** الأول : أن الحقائق المتفقة بالجنسية ، المختلفة بالنوعية ؛ لا تتم حقيقة كل واحد ~~منها دون ما به الاتفاق ، والافتراق. # وعند ذلك : فإما أن يكون بين ما به الاتفاق والافتراق ، في كل واحد من ~~الأنواع المختلفة تحت الجنس الواحد ملازمة ، أو لا ملازمة بينهما أصلا. # لا جائز أن يقال بعدم الملازمة : وإلا لجاز الانفكاك ، وخرج كل نوع عن ~~حقيقته ؛ وخروج الشيء عن حقيقته محال. # وإن كان بينهما ملازمة ؛ فلا جائز أن يقال : بأن ما به الاتفاق مستلزم ~~لما به الافتراق في كل واحد من الأنواع ، وإلا كان ما اختص بكل واحد من ~~الأنواع مجتمعا في كل واحد من الأنواع ؛ ضرورة اتحاد المستلزم في الكل ؛ ~~وذلك (5) محال ؛ فلم يبق إلا أن يكون ما به الافتراق مستلزما لما به ~~الاتفاق ؛ وفيه تعليل المتحد بالمختلف. PageV01P498 ### |||| ** الثانى : هو أن عالمية الله تعالى بالسواد مثلا ؛ مماثلة لعالمية الواحد منا به ، ~~وعالمية الله تعالى عندكم معللة بعلمه القديم. وعالمية الواحد منا ، معللة ~~بالعلم الحادث ، ولا مماثلة بين العلم القديم ، والحادث ؛ وفيه تعليل ~~المتحد ، بالمختلف. ### |||| ** الثالث : هو أن الاختلاف مشترك بين المختلفات ؛ فإن كل واحد من المختلفين مخالف ~~للآخر ، ومخالفته للآخر : إما لذاته ، أو للازم ذاته ؛ وفيه تعليل المتفق ~~بالمختلف. ### |||| ** الرابع : هو أن الكذب ، والجهل متفقان في صفة القبح ، وقبح (1) كل واحد منهما (1) ~~لذاته ، أو للازم ذاته ؛ وهما مختلفان مع الاقتضاء لحكم واحد. ### |||| ** الخامس : أن السواد ، والبياض متفقان في اللونية ، ومختلفان في السوادية والبياضية. ~~وقد اتفقا في الافتقار إلى محل (2) يقومان به ؛ وهو حكم واحد. # وعند ذلك : فإما أن يكون كل واحد من السواد والبياض ، مفتقرا إلى المحل ~~من جهة ما به الاتفاق من اللونية ، أو من جهة ما به الافتراق من السوادية ، ~~والبياضية ، أو من الجهتين. # لا جائز أن يقال بالأول فقط ، وإلا كان السواد ، والبياض من جهة سواديته ~~، وبياضيته / مستغنيا عن المحل ؛ وهو محال. # فلم يبق إلا الثانى ، والثالث ؛ وفيه تعليل المتفق بالمختلف. # سلمنا أنه لا بد من اتحاد العلة ؛ ولكن لا نسلم ms0278 أن مسمى الوجود واحد ~~مشترك فيه بين الأجسام والألوان ؛ إذ الوجود هو نفس الموجود على ما سيأتى ~~في مسألة المعدوم (3)، ولا سيما على أصلكم ، والموجودات مختلفة بذواتها ؛ ~~فلا اتحاد. # سلمنا أن مسمى الوجود واحد ؛ ولكن لم قلتم إنه هو المصحح؟ PageV01P499 ### |||| ** قولكم : لا مشترك غير الوجود ، والحدوث ؛ لا نسلم [ذلك (1) ]. والبحث ، والسبر مع ~~عدم الاطلاع على غيره بما لا يوجب العلم بعدمه ؛ بل غايته عدم العلم به ، ~~أو غلبة الظن بعدمه ، ولا يلزم أن يكون الغير معدوما في نفسه ؛ كما سبق في ~~تحقيق الدليل (2). # سلمنا أن البحث حجة ؛ ولكن مع الاطلاع على شيء آخر ، أو لا مع الاطلاع ~~الأول : ممنوع. والثانى : مسلم. # وبيان وجود أمر آخر من الأوصاف العامة من ثلاثة أوجه : ### |||| ** الأول : هو أن الاشتراك متحقق في صفة الإمكان. وهو إما أن يكون وجوديا ، أو عدميا. # فإن كان وجوديا : فأمكن أن يكون هو العلة. # وإن كان عدميا : فصحة الرؤية تكون عدمية ؛ إذ الصحة هى الإمكان كما تقدم. # وعند ذلك : فيلزم منه أن لا تكون معللة ، أو أن يصح تعليلها بأمر عدمى. ### |||| ** الثانى : هو أن ما يسلم الخصم كونه مرئيا ؛ إنما هو الأجسام ، والألوان ، والألوان ~~أعراض. والجسم : فعبارة عما تألف من جوهرين فصاعدا على أصلكم ، أو من ستة ~~جواهر ، أو ثمانية على أصل المعتزلة ؛ فالتأليف داخل في مسمى الجسم ، أو ~~ملازم له ؛ وهو عرض مشارك للألوان في صفة العرضية ، فلا يمتنع أن يكون هو ~~العلة. وهذان الوصفان لا تحقق لهما بالنسبة إلى الله تعالى. ### |||| ** الثالث : الاشتراك في المعلومية ، والمقدورية ، والمذكورية. # سلمنا أنه لا مشترك في الأوصاف غير (3) الوجود ، والحدوث ؛ ولكن لم قلتم ~~الحدوث ليس بعلة؟ ### |||| ** قولكم : الحدوث عبارة عن سبق الوجود بالعدم ، والعدم الداخل في مفهوم الحدوث لا ~~يكون علة ؛ لا نسلم أن العدم السابق داخل في مفهوم الحدوث ؛ بل هو عارض ~~للحدوث. PageV01P500 # سلمنا امتناع التعليل بالحدوث ؛ ولكن لا يلزم منه أن يكون الوجود علة ~~مصححة للرؤية ؛ لأن الوجود المشترك عند القائل به حال ؛ والحال لا (1) يصح ~~أن تكون (1) علة على ms0279 أصلكم. # سلمنا إمكان التعليل بالوجود ، ولكن مشروطا / بالحدوث ، أو لا مشروطا ~~بالحدوث (2). الأول : مسلم. والثانى : ممنوع. # والحدوث وإن كان عدما ، فلا يمتنع أن يكون شرطا في الصحة ؛ فإن انتفاء ~~أحد الضدين عن المحل شرط لصحة اتصاف المحل بالضد الآخر ، وإن لم يكن علة له. # سلمنا أنه غير مشروط بالحدوث ؛ ولكن إنما يصح التعليل بالوجود أن لو لم ~~يدل الدليل على امتناعه. # وبيان امتناع التعليل به هو أنه لا يخلو : إما أن يكون علة لرؤية نفس ~~الوجود ، أو للماهية التى هو صفة لها لا غير ، أو لمجموع الأمرين. # فإن كان الأول : وجب أن لا يكون المدرك من السواد ، والبياض غير الوجود ~~المشترك بينهما ، وأن لا يدرك التفرقة بينهما ؛ وهو محال. # وإن كان الثانى : وجب أن لا يكون البارى تعالى مرئيا ؛ إذ لا ماهية له ~~خارجة عن وجوده ، كما سبق. # وإن كان الثالث : فيلزم (3) منه أنا إذا رأينا السواد مثلا : أن ندرك ~~التفرقة بالبصر بين وجوده ، وماهيته ؛ وهو محال. # وأيضا : فإنه لو كان الوجود هو المصحح للرؤية ؛ لكانت (4) الطعوم ، ~~والروائح مرئية ؛ لكونها موجودة ؛ والضرورة تشهد بخلافه. PageV01P501 # سلمنا أن الوجود هو المصحح لرؤية الألوان ، والأجسام فقط ؛ ولكن إنما ~~يلزم منه (1) صحة رؤية (1) البارى تعالى أن لو كان وجوده مماثلا لوجود ~~الممكنات ؛ وليس كذلك ، وإلا لكان ما ثبت لأحدهما ثابتا للآخر. # ويلزم من ذلك أن يكون وجود الرب تعالى ممكنا ، أو أن يكون وجود الممكنات ~~واجبا ، أو أن يكون كل واحد منهما واجبا ، وممكنا ؛ وهو محال. # سلمنا أن مسمى وجود واجب الوجود ، مماثلا لوجود الممكنات ؛ ولكن لا نسلم ~~أنه يلزم من وجود المصحح ، وجود الصحة في حق البارى تعالى ؛ لجواز أن لا ~~يكون قابلا لها ؛ وذلك لأن الحكم كما يتوقف على وجود المصحح ، يتوقف على ~~وجود القابل ، أو أن تكون ذات البارى تعالى مختصة بما يمنع من صحة الرؤية عليها. # ولهذا فإن كون الواحد في الشاهد حيا ؛ مصحح لكونه متألما ، ومشتهيا ، ~~وجائعا ، وعطشانا ، ومريضا ، وصحيحا ، إلى غير ذلك. والبارى سبحانه وتعالى ~~مساو في كونه ms0280 حيا للشاهد. ومع ذلك : فيمتنع ثبوت هذه الأحكام في حقه. # سلمنا دلالة ما ذكرتموه على كون الرب تعالى مرئيا ؛ ولكن لنفسه ، أو لنا؟ # الأول : مسلم. والثانى : ممنوع. # وبيانه ما / سبق في مسألة السمع ، والبصر من الأدلة (2) المانعة من كون ~~الرب تعالى بصيرا ؛ فإنها بعينها تدل على امتناع كونه مرئيا لنا. # سلمنا دلالة ما ذكرتموه على كونه مرئيا لنا ؛ ولكنه منتقض بأمرين : ### |||| ** الأول : بصفة المخلوقية ؛ فإنها ثابتة للجواهر ، والأعراض ، وذلك يستدعى مصححا ~~مشتركا ؛ ولا مشترك غير الوجود ، والحدوث ، والحدوث ليس بعلة كما بينتم ؛ ~~فكان الوجود هو العلة ، والبارى تعالى مشارك للجواهر ، والأعراض في معنى ~~الوجود ، وما لزم صحة المخلوقية عليه. ### |||| ** الثانى : هو أنا كما ندرك الأجسام ، والألوان بإدراك البصر ؛ فندرك الأجسام ، ~~والأعراض الملموسة ؛ باللمس. ولا بد من مصحح للإدراك باللمس. ولا مصحح غير PageV01P502 # الوجود ؛ لما سبق من التقرير. والوجود متحقق في حق الله تعالى ؛ وهو غير ~~مدرك باللمس. # سلمنا جواز رؤيته لنا عقلا ؛ ولكن في الدنيا ، أو في الأخرى؟ الأول : ~~ممنوع ، والثانى : مسلم. # وذلك لأنه لا مانع من امتناع الرؤية في الدنيا دون الأخرى بسبب افتراقهما ~~في الشواغل ، والموانع ، والانغماس في الرذائل ، والانهماك على الشهوات ~~العاجلة ، والخلو عنها في الأخرى. ### ||| ** والجواب : # أما منع كون الألوان مرئية ؛ فباطل (1)؛ لما سبق (1) فى المقدمة. # وأما منع كون الأجسام مرئية ؛ فباطل ؛ لما سبق في أول المسألة. ### |||| ** قولهم : إن الأشكال ، والمقادير عرض آخر ؛ ليس كذلك ؛ بل هى جملة أجزاء الجسم ~~المؤتلفة ؛ ولذلك يزيد بزيادتها ، وينقص بنقصانها. ### |||| ** قولهم : لا نسلم أن صحة الرؤية أمر ثبوتى على ما قرروه. ### |||| ** قلنا : نحن إنما نعلل رؤية الأجسام ، والألوان ، ونعنى بصحة الرؤية ، وقوع ~~الرؤية ؛ وهو أمر وجودى ؛ وليس ذلك (2) هو نفس إمكان الرؤية ؛ فإنه فرق بين ~~الرؤية ؛ وإمكان الرؤية ؛ وعلى هذا فقد اندفع جميع ما ذكروه في جهة ~~التقرير. ### |||| ** فإن قيل : يلزم على هذا من وجود المصحح في حق الله تعالى وجود الرؤية. ### |||| ** قلنا : بلى بجواز. # وبيانه أنه لو لم تكن الرؤية ممكنة ؛ لكانت واجبة لذاتها ، أو ممتنعة ~~لذاتها. # ولا جائز ms0281 أن تكون ممتنعة لذاتها ؛ إذ الممتنع لذاته ، لا مصحح له ؛ فلم ~~يبق إلا أن تكون ممكنة ؛ وهو المطلوب. PageV01P503 ### |||| ** قولهم : لا نسلم أن كل أمر ثبوتى يجب أن يكون معللا. # قلنا : دليله ما سبق. ### |||| ** قولهم : لا نسلم امتناع رؤية المعدوم. ### |||| ** قلنا : اتفق جميع العقلاء ؛ ما عدا السالمية (1). على امتناع رؤية المعدوم ، ~~ولا حاجة إلى الدلالة بالنسبة إلى الموافق. ومن خالف ؛ فطريق الرد عليه أن ~~نقول : نحن إنما نعلل رؤية ما رؤيته واقعة ، ورؤية المعدوم غير واقعة ، على ~~ما يجده كل عاقل من نفسه ، ولو أراد مريد رؤية المعدوم ؛ لكان طالبا شططا ؛ ~~بخلاف رؤية الأجسام ، والألوان على ما لا يخفى. ### |||| ** قولهم : إن الرؤية عندكم نوع من / العلوم ؛ لا نسلم ذلك. وإن سلمنا [ذلك (2) ] ؛ ~~فلا يلزم تعلق كل علم بكل معلوم. ### |||| ** قولهم : لم قلتم بأن رؤية الأجسام ، والألوان معللة؟ ### |||| ** قلنا : لما ذكرناه. ### |||| ** قولهم : إن اختصاص محل الحكم بالعلة أيضا زائد عليه ، ولا يستدعى مخصصا. ### |||| ** قلنا : ما جعلناه ، علة مصححة إنما هو نفس الوجود ، والوجود عندنا نفس الموجود ~~لا زائد عليه ؛ على ما يأتى ؛ بخلاف الرؤية. # قولهم : إن اختصاص العلة بكونها علة أمر زائد. ### |||| ** قلنا : إلا (3) إنه ثابت لذاته ؛ فلا يستدعى مخصصا أخر (3). ### |||| ** قولهم : المعلومية ، والمذكورية : غير معللة. ### |||| ** قلنا : لأنها عامة للموجودات ، والمعدومات ؛ فلا يستدعى مخصصا بخلاف ما ذكرناه ~~من الرؤية حيث تخصصت بالموجود دون المعدوم. PageV01P504 ### |||| ** قولهم : اختصاص بعض المحال بالسواد أو البياض ، صفة زائدة ولا يستدعى مخصصا ؛ ليس ~~كذلك ؛ بل لا بد وأن يكون ذلك لازما لذات المحل ، أو لصفة لازمة لذات المحل. ### |||| ** قولهم : إن وقوع الفعل من الفاعل لا يكون معللا. ### |||| ** قلنا : وقوع الفعل من الفاعل لا معنى له غير وجود الفعل ، ووجود الشيء في نفسه ~~لا يكون معللا ؛ إذ ليس وجوده زائدا على ذاته ، وإسناده إلى الفاعل لا بدى ~~؛ ضرورة كونه ممكنا ، وإلا كان واجبا لذاته ؛ وليس الفاعل هو المصحح. ### |||| ** قولهم : إن التماثل ، والاختلاف حال زائد ، وليس معللا. # لا نسلم أن التماثل ، والاختلاف حال زائد ؛ فإنه لا معنى للتماثل غير ~~الاشتراك ms0282 في أخص صفات النفس ، وليس ذلك حالا زائدا. # وأما الاختلاف : فحاصله راجع إلى أن أخص أوصاف النفس لكل واحد لا تحقق له ~~في الآخر ؛ وذلك سلب لا ثبوت ؛ فلا يكون معللا كما تقدم. # وعلى هذا أيضا : يمتنع تعليل التضاد ، والغيرية ؛ إذ لا معنى للتضاد غير ~~امتناع الجمع. ولا معنى للغيرية : إلا أن أحد الشيئين ليس هو الآخر ، وليس ~~حكما إثباتيا ؛ بل حاصله يرجع (2) إلى السلب ، والعدم المحض. ### |||| ** قولهم : لا نسلم التماثل بين رؤية الأجسام ، والألوان. ### |||| ** قلنا : الرؤية من حيث هى رؤية لا اختلاف فيها ؛ ولذلك يمكن تحديدها بحد واحد ؛ ~~وإنما الاختلاف في التعلق ، والمتعلق ؛ وذلك لا يوجب الاختلاف في نفس ~~الرؤية كما سبق في العلوم والقدر ، والإرادات / ونحوها من الصفات. # وعلى هذا : فقد اندفع ما ذكروه من منع التماثل مطلقا ، ومن منع التماثل ~~في رؤية الجسم ، واللون ، ومن قولهم بالتماثل من وجه دون وجه. ### |||| ** قولهم : لا نسلم امتناع تعليل الحكم الواحد بعلل مختلفة. PageV01P505 # قلنا : دليله ما ذكرناه (1). ### |||| ** وأما ما ذكروه من الإشكال الأول : فمندفع فإن الملازمة بين ما به الاتفاق ، والافتراق في كل نوع إنما هى من ~~الجانبين ، لا من أحد (2) الجانبين (2) دون الأخر. والملازمة من الجانبين ~~ليست تدل على أن كل واحد علة للآخر أو أن أحدهما علة للآخر ، من غير عكس ؛ ~~بل الملازمة بين الشيئين أعم من ذلك. # ولهذا فإن الملازمة بين المتضايفات ثابتة من الجانبين ، ولا علية ولا ~~معلولية لأحدهما ، بالنسبة إلى الأخر. ### |||| ** وأما الإشكال الثانى : فإنما يصح أن لو كان العلم القديم غير مماثل للعلم الحادث من حيث هو علم ؛ ~~وليس كذلك ؛ بل هما مثلان (3) من هذا الوجه. وإن وقع الاختلاف بينهما ؛ ~~فليس في ذاتيهما ؛ بل في عوارض خارجة عنهما. وعلية العالمية إنما هى القدر ~~المشترك بينهما دون غيره. هذا إن قلنا بالأحوال. وإلا فالعالمية لا تزيد ~~على قيام العلم بالذات. ### |||| ** وأما الإشكال الثالث : فإنما يلزم أن لو ثبت أن الاختلاف والتضاد أمر ثبوتى زائد على ذات ~~المختلفين ، والمتضادين ؛ وليس كذلك على ما سبق قبل. ### |||| ** وأما ms0283 الإشكال الرابع : فإنما يلزم أن لو كان القبح صفة ثبوتية من صفات الكذب ، والجهل ، وهو غير ~~مسلم ، بل هو راجع إلى حكم الشارع ، أو مخالفة الأعراض على ما يأتى في ~~مسألة التحسين ، والتقبيح (4). ### |||| ** وأما الإشكال الخامس : فمندفع أيضا ؛ فإن اتفاق السواد والبياض في الافتقار إلى المحل ليس حكما ~~ثبوتيا ؛ بل حاصله يرجع إلى صفة سلبية ؛ وهو أنه لا وجود لكل واحد منهما ~~دون المحل ؛ فلا يكون معللا كما سبق. ### |||| ** قولهم : لا نسلم أن مسمى الوجود مشترك بين الأجسام ، والألوان. ### |||| ** قلنا : هذا المنع إن صدر ممن يعترف بأن الوجود زائد على الموجود ، وأنه مشترك ~~بين الموجودات من المعتزلة وغيرهم ؛ فهو فاسد. PageV01P506 ### |||| ** وإن صدر ممن لا يعترف بذلك : كأبي الحسين البصرى ، وغيره ؛ فموقفه صعب جدا ، وأقصى ما فيه أن يقال : # قد ثبت أن الأجسام ، والألوان مرئية فمحل الرؤية وهو المعنى بمصحح / ~~الرؤية إما أن يكون وجودا ، أو عدما. # لا جائز أن يكون عدما : لما سبق ؛ فلم يبق إلا أن يكون وجودا. وقد ثبت أن ~~المصحح لا يكون مختلفا بما سبق ؛ فتعين أن يكون مماثلا. فإذا سلمت هذه ~~المقدمات ؛ فمنع التساوى في الوجود الذي هو متعلق الرؤية يكون منعا لما سلم ~~من المقدمات ؛ وهو ممتنع. ### |||| ** قولهم : إن الوجود على أصلكم غير مشترك. # قلنا : ما يذكر (1) بطريق الإلزام ؛ لا يلزم أن يكون معتقدا للملزم. # وعلى هذا فلا حاجة بنا إلى دعوى حصر الأوصاف المشتركة في الوجود والحدوث ~~؛ فإنه لا سبيل إلى إثبات ذلك بغير (2) البحث (2) والسبر ؛ وهو غير يقينى ~~[كما (3) سبق (3) ]. # وبما ذكرناه (4) أيضا يندفع ما عارضوا به من صفة الإمكان ، والعرضية ، ~~والمعلومية ، والمذكورية ، وغيرها. # على أنا نجيب عن كل واحد بما يخصه : ### |||| ** أما الإمكان : فحاصله يرجع إلى صفة سلبية كما تقدم. كيف وأن الإمكان متحقق في المعدومات ؛ ~~وهى غير مرئية. ### |||| ** وأما الاشتراك في العرضية : فلا يصلح أن يكون مصححا للرؤية على أصل الخصم ، وإلا كانت الطعوم ، ~~والروائح مرئية على أصلهم ؛ وليس كذلك. PageV01P507 ### |||| ** وأما المعلومية ، والمقدورية ، والمذكورية : فلا يمكن أن تكون مصححة للرؤية لوجهين ms0284 : ### |||| ** الأول : إنها إما أن تكون صفة لما قيل إنه معلوم ، ومقدور ، ومذكور ، وإما أن لا ~~تكون صفة له. # فإن كان الأول : فيلزم أن لا تكون صفة وجودية ؛ ضرورة صحة اتصاف المعدوم بها. # وإن لم تكن صفة له : فلا يكون علة مصححة لرؤيته ؛ إذ العلة لا تخرج عن ~~محل حكمها كما تقدم. ### |||| ** الثانى : أن هذه الصفات ثابتة للمعدوم ، وليس بمرئى. ### |||| ** قولهم : لم قلتم إن الحدوث لا يكون علة؟ ### |||| ** قلنا : لما ذكرناه. ### |||| ** قولهم : إن سبقية العدم عارض للحدوث. ### |||| ** قلنا : الوجود إذا سبقه العدم صدق عليه اسم الحدوث. فإن كان العدم داخلا في ~~مفهوم الحدوث ؛ فهو المطلوب. # وإن كان عارضا : فهو عارض للوجود. # وعلى كلا التقديرين : فيمتنع (1) أخذه في المصحح ؛ فلم يبق إلا التعليل ~~بالوجود. ### |||| ** قولهم : إن الوجود حال. لا نسلم أنه حال ؛ بل هو نفس الموجود. وإن كان حالا ؛ فلا ~~نسلم أنه يمتنع التعليل به. وإن امتنع التعليل بما عداه من الأحوال التى ~~ليست من الصفات الوجودية. ### |||| ** قولهم : / إن التعليل بالوجود مشروط بالحدوث. ### |||| ** قلنا : إذا كان الحدوث لا تحقق له دون سبق العدم ؛ فالعدم السابق ، يكون (2) ~~شرطا (2) فى تصحيح الرؤية. والشرط يجب أن يكون متحققا مع المشروط ، والعدم ~~السابق على الوجود المرئى لا يكون معه ؛ فلا يكون شرطا في رؤيته. PageV01P508 ### |||| ** قولهم : إن الدليل قد دل على امتناع التعليل بالوجود على ما قرروه إنما يصح أن لو ~~كان الوجود زائدا على (1) الموجود ؛ وهو غير مسلم (1). # وإن كان زائدا على الموجود ؛ فما المانع من كونه مصححا لرؤية الذات ~~المتصفة به. ### |||| ** قولهم : إن وجود الرب تعالى لا يزيد على ذاته. ممنوع على رأى بعض الأصحاب. ### |||| ** قولهم : لو كان الوجود مصححا ؛ لصحت رؤية الطعوم ، والروائح ، وهى غير مرئية. # [ ### |||| ** قلنا (2) ] : لا نسلم أنها غير جائزة الرؤية. ### |||| ** قولهم : لا نسلم أن وجود الرب تعالى مماثل لوجود الممكنات. ممنوع على رأى بعض ~~الأصحاب أيضا. ### |||| ** قولهم : لو كان مماثلا ؛ لاشتركا في الوجوب ، أو الإمكان. ### |||| ** قلنا : لا معنى لكون وجوب واجب الوجود واجبا لذاته ، غير أن ذات واجب الوجود (3) ~~لذاتها ، لا ms0285 تفتقر في اتصافها بالوجود إلى علة خارجة (3)، ولا معنى لكون ~~الممكنات ممكنات الوجود ، غير أن ذات ما قيل أنه ممكن لذاته ، لا يقتضي ~~الوجود لذاته (4)، ولا العدم ؛ فالاختلاف إنما هو عائد إلى الذوات ، لا ~~إلى صفة (5) الوجود المشترك ؛ والذوات مختلفة. ### |||| ** قولهم : لا نسلم أنه يلزم من وجود المصحح ، [وجود (6) ] الصحة. ### |||| ** قلنا : إذا ثبت التساوى في المصحح ؛ فما ثبت لأحد المتماثلين (7) يكون ثابتا للآخر. ### |||| ** قولهم : جاز أن لا تكون ذات الرب (8) تعالى قابلة للرؤية. PageV01P509 ### |||| ** قلنا : لو لم تكن قابلة للرؤية ؛ لما كان المصحح موجودا ، ولا معنى للمصحح ~~للرؤية غير القابل لها. وإن امتنع أن يكون مرئيا ؛ فقد فات ما لا بد منه في ~~صحة الرؤية. # وعند ذلك : فالمصحح لا يكون موجودا ؛ فإنه لا معنى للمصحح إلا ما يتحقق ~~صحة الرؤية به ، وفي ذلك منع وجود المصحح بعد تسليمه ؛ وبه يندفع القول ~~باحتمال وجود المانع أيضا. # كيف وأنه يلزم من اعتبار قبول القوابل المختلفة في صحة الرؤية ، اختلاف ~~المصحح ؛ وهو محال على ما تقدم. # وعلى هذا : فقد اندفع ما ذكروه من احتمال وجود المانع. ### |||| ** قولهم : إن المصحح في الشاهد للألم ، والجوع ، وغير ذلك ؛ إنما هو الحياة ؛ لا ~~نسلم ذلك. ### |||| ** قولهم : / الرب تعالى مرئى له ، أو لنا. # قلنا : بل لنا ؛ فإن ما بيناه من المصحح للرؤية ؛ إنما هو مصحح لها ~~بالنسبة إلينا. # وما ذكروه في (1) مسألة الإدراكات مما يقتضي كون الرب تعالى غير مدرك لنا ~~، فقد سبق جوابه (2). # وأما ما ذكروه من النقض بصفة المخلوقية : فمندفع ؛ فإنه لا معنى لكون ~~الأجسام والأعراض مخلوقة. غير أنها موجودة غير مستغنية عن الفاعل لها ، ~~ووجودها ليس زائدا عليها ؛ فلا يكون وجودها معللا ، وكونها غير مستغنية عن ~~الفاعل ؛ فصفة (3) سلبية ؛ فلا تكون معللة أيضا. # وأما النقض بالإدراك اللمسى ؛ فمندفع ؛ فإنا لا نمنع من كون الرب تعالى ~~مدركا بجميع (4) الإدراكات عندنا ؛ وإنما الذي يمتنع عليه أن يكون طريق ~~إدراكه مماسة الأجسام ، وما يقع الإدراك عنده في الشاهد عادة. PageV01P510 ### |||| ** قولهم : لا نسلم جواز ذلك في الدنيا. # قلنا : إذا ثبت ms0286 أن المصحح للرؤية في الأجسام ، والألوان هو المصحح في حق ~~الله تعالى فذلك المصحح ، مصحح في الدنيا ؛ فكان (البارى (1) تعالى (1)) ~~جائز الرؤية في الدنيا ، وسواء تحققت الرؤية في الدنيا ، أم لا. ### |||| ** وفي التحقيق فهذه (2) الإشكالات مشكلة ، وما ذكرناه في جوابها ؛ فهو أقصى جهد (3) المقل (3). ### |||| ** الحجة الثانية : وهى قريبة من الأولى (4). ### |||| ** قولهم : إن الرؤية تتعلق بالموجودات المختلفة : كالأجسام ، والألوان ، ومتعلق ~~الرؤية منها (5) ليس إلا ما هو ذات ووجود ؛ وذلك لا يختلف وإن تعددت ~~الموجودات. # وأما ما سوى ذلك مما يتعلق (6) به الاتفاق ، والافتراق ؛ فأحوال لا تتعلق ~~بها الرؤية ؛ إذ ليست بذوات ، ولا وجودات. # وإذا كان متعلق الرؤية ، ليس إلا نفس الوجود ، وجب تعلقها بالبارى تعالى ~~؛ لكونه موجودا. # ولا يخفى ما يرد عليها من الأسئلة ، الواردة على الحجة الأولى ، وأجوبتها ~~، وتختص بإشكال مشكل ؛ وهو أن الوجود : إما أن تتفق به الذوات ، أو لا تتفق. # فإن اتفقت به الذوات : فما تتفق به الذوات عند القائل بالأحوال حال ؛ ~~فالوجود حال ؛ فلا يكون متعلق الرؤية. اللهم إلا أن يفرق بين حال ، وحال. ~~[كما (7) سبق (7) ]. # وإن لم تتفق به الذوات : فمتعلق الرؤية بين واجب الوجود ، وممكن الوجود ~~لا يكون متحدا. PageV01P511 # وعند ذلك : فلا يلزم من كون الأجسام والأعراض متعلق الرؤية أن تتعلق ~~الرؤية بالبارى تعالى ؛ لعدم الاشتراك / فى المتعلق. ### ||| ** الحجة الثالثة : # [ولعبارات (1) ] الأصحاب فيها متسع ، وأوجز ما قيل فيها. ما قاله القاضى ~~أبو بكر : وهو أن الرؤية معنى ، لا تقتضى استحالة في ذات القديم ، ولا في ~~صفة من صفاته ، ولا في ذات الحادث ، ولا في صفة من صفاته ، وإذا انتفت ~~مدارك الاستحالة ؛ لزم القول بالجواز ؛ كما في العلم. # وهذه الحجة ضعيفة جدا ؛ وذلك أن للخصم أن يقول : دعواكم أن الرؤية جائزة ~~، وأنها لا توجب إحالة في ذات الرائى ، ولا المرئى ، ولا في صفتيهما : إما ~~أن يكون معلوما لكم ، أو (2) غير معلوم (2). # فإن لم يكن معلوما. امتنع الجزم به. # وإن كان معلوما : فإما أن يكون عن ضرورة ، أو (3) نظر (3). # لا سبيل إلى الأول ؛ إذ هو مباهتة (4)، ومكابرة ms0287 (4). # كيف : وأنه لا يسلم عن مقابلته بدعوى العلم الضرورى بنقيضه ، # وإن كان نظريا ؛ فلا بد لكم من دليل. # فإن قيل : دليل الجواز انتفاء الاستحالة ، والاستحالة منتفية ؛ لبطلان ~~دليلها فإن كل ما تشبث به الخصم في بيان الاستحالة من تعلق الرؤية بالبارى ~~تعالى من جهة اشتراط مقابلة المرئى للرائى ، وانطباع صورة المرئى في عين ~~الرائى ، وانتقال صورة المرئى إلى الرائي ، أو انتقال شيء من الرائى إلى ~~المرئى ، أو اتصال الأشعة ، أو غير ذلك ؛ فقد أبطلناه فيما تقدم. # وإذا كانت مدارك الاستحالة باطلة ؛ فالاستحالة ممتنعة والقول بالجواز ~~واجب. فللخصم أن يقول : وإن سلم (5) لكم بطلان المدارك المعينة ، فلم قلتم ~~ببطلان جميع PageV01P512 # المدارك؟ وما المانع من أن يكون ثم مدرك من مدارك الاستحالة لم تعثروا ~~عليه؟ وعدم الاطلاع عليه (1) مع البحث ، والسبر غير موجب لليقين [بعدمه (2) ~~] كما تقدم (3). # قال القاضى أبو بكر : القائل من الملة (4) قائلان : قائل بالجواز قطعا ، ~~وقائل بالاستحالة قطعا. والقائلان متفقان على امتناع الوقف ، والتشكك (5) ~~فى أحد الأمرين ؛ فيمتنع القول به ؛ لما فيه من مخالفة الإجماع. فلم يبق ~~إلا القول بالاستحالة أو الجواز جزما ومن قال بالاستحالة لم يقل بمدرك غير ~~ما ظهر ؛ فقد اتفق القائلون بالجواز ، والاستحالة على نفى مدرك آخر ؛ فمن ~~ادعاه يكون خارقا للإجماع. ### |||| ** وقال إمام الحرمين : قد أجمعنا على القطع بتجويز حدوث أمثال السماوات ، والأرض بقدرة الله تعالى ~~مع إمكان / ورود هذا السؤال بعينه ؛ فكل ما يقوله الخصم في جوابه ؛ فهو ~~جوابه هاهنا. ### ||| ** والجوابان ضعيفان : ### |||| ** أما الأول : فمع أن حاصله يرجع إلى التمسك بالإجماع ؛ وهو سمعى لا عقلى. فلقائل أن يقول ~~: انقسام أهل الملة إلى القاطع بالجواز ، والقاطع بالاستحالة. وإن كان ~~إجماعا منهم على القطع بنفى الوقف والتردد ؛ لكن لا نسلم إجماعهم على حصر ~~مدارك الاستحالة ؛ بل للخصم أن يقول : مدرك الاستحالة عندى : انتفاء مدرك ~~الجواز. # وعند ذلك : فإن لم تبينوا مدرك الجواز ؛ فقد صح ما قلته. وإن بينتموه ؛ ~~فلا حاجة إلى هذه الحجة. # ثم وإن قدرنا انتفاء جميع مدارك الاستحالة ؛ فلا يلزم من انتفاء الدليل ms0288 ، ~~انتفاء المدلول في نفسه ؛ لجواز أن يكون المدلول متحققا ، وإن لم يخلق الله ~~تعالى [دليلا عليه (6) ] كما تقدم. # وعند ذلك : فالجزم بنفى الاستحالة يكون ممتنعا. ### |||| ** فإن قيل : إذا كانت مدارك الاستحالة منتفية ؛ فالجزم بالاستحالة ممتنع. ولا سبيل إلى ~~الوقف ؛ لما تقدم. فلم يبق إلا القطع بالجواز ، فللخصم أن يقول : والجزم ~~أيضا بالجواز مع انتفاء دليله أيضا ممتنع. ولا سبيل إلى الوقف ، فيجب الجزم ~~بالاستحالة. PageV01P513 # وعند ذلك : فإن بينتم دليل الجواز ؛ فلا حاجة إلى هذه الحجة ، وإن لم (1) ~~تبينوا دليل الجواز (1)؛ فقد تقابل الجانبان. ### |||| ** وأما الجواب الثانى : فللخصم أن يقول فيه : إنما يلزمنى هذا أن لو كنت قائلا بجواز (2) خلق (2) ~~أمثال السموات ، والأرض بالنظر إلى نفى مدارك الاستحالة ، وليس كذلك ؛ بل ~~إنما قلت به بالنظر إلى وجود دليل الجواز ، حتى أنه لو لم يقم عندى دليل ~~الجواز ؛ لما قلت به. ### |||| ** الحجة الرابعة : وهى أشبه الحجج. # هو أن الإدراك عبارة عن كمال يحصل به مزيد كشف وإيضاح على ما حصل في ~~النفس من العلم بأمر ما على ما حققناه في مسألة الإدراكات. # فإذن هذا الكمال الزائد على ما حصل في النفس في كل واحدة من الحواس هو ~~المسمي إدراكا كما مضى. وقد بينا فيما مضى أن الإدراك بالرؤية ليس بخروج ~~شيء من البصر إلى المبصر ، ولا بانطباع صورة المبصر في البصر ، وأنه لا ~~يفتقر إلى مقابلة ، ولا اتصال أجسام ، ولا بنية مخصوصة. وإنما هو معنى ~~يخلقه الله تعالى فى الحواس المخصوصة بحكم / جرى العادة ، وأنه لو خلق ذلك ~~الإدراك في القلب ، أو غيره من الأعضاء ؛ لكان جائزا. # وإذا عرف ذلك ؛ فالعقل يجوز أن يخلق الله تعالى فى الحاسة المبصرة ؛ بل ~~وفى غيرها ؛ زيادة كشف وإيضاح بالنظر إلى ذاته ووجوده بالنسبة إلى ما حصل ~~بالبرهان ، والخبر اليقينى من العلم به ؛ فإن ذلك في نفسه ممكن ، والقدرة ~~لا تقصر عنه ؛ وذلك هو المسمى بالرؤية. # وعلى هذا فقد ظهر جواز تعلق الرؤية بجميع الإدراكات ، والطعوم ، والروائح ~~وكل موجود من العلوم ، والقدر ، والإرادات ، وغير ذلك مما ms0289 لا تتعلق به ~~الرؤية في مجارى العادات. ### |||| ** فإن قيل : ما ذكرتموه في جواز إثبات الرؤية. إما أن تعمموا به كل إدراك ، أو تحكموا ~~بكونه خاصا بالرؤية (3). PageV01P514 ### |||| ** فإن كان الأول : فيلزمكم على سياقه أن يكون الرب تعالى مسموعا ، ومشموما ، ومذاقا ، وملموسا ~~؛ وذلك مما يتحاشى عن القول به أرباب العقول. # وإن أوجبتم تخصصه بالرؤية : فالفرق تحكم غير معقول (1). # ثم وإن سلمنا دلالة ما ذكرتموه على جواز الرؤية ، غير أنه معارض بما يدل ~~على عدم الجواز (2)؛ وبيانه من وجهين : ### |||| ** الأول : أنه لو جاز أن يكون [البارى (3) تعالى (3) ] مرئيا ؛ لجاز أن يكون مرئيا في ~~الدنيا ؛ لأن الموانع من القرب المفرط ، والبعد المفرط والحجب ؛ منتفية. ~~وإلا لجاز أن يكون بين أيدينا جبل شامخ ، أو جمل واقف ؛ ونحن لا نراه ، مع ~~سلامة الآلة ، وانتفاء الموانع ؛ وهو محال. فحيث لم ير مع انتفاء الموانع ، ~~لم يكن ذلك إلا لكونه غير مرئى في نفسه. ### |||| ** الثانى : أنه لو جاز أن يكون مرئيا : فإما أن يكون في مقابلة الرائى ، أو لا في ~~مقابلته. # فإن كان الأول : فيلزم أن يكون في جهة ، ويلزم من كونه في (4) الجهة (4) ~~أن يكون جوهرا ، أو عرضا ؛ وهو على الله تعالى محال. # وإن لم يكن في مقابلة الرائى : فالرؤية متعذرة غير معقولة. # وربما عضدوا ذلك بالشبه التى سبق ذكرها في تحقيق الإدراكات ، وما يفضى ~~إليه من التجسيم والأينية على تفاصيله. ### ||| ** والجواب : # أما الإشكال الأول : فقد اختلف في جوابه أصحابنا : PageV01P515 # فمنهم (1): من عمم وقال : الرب تعالى مدرك (2) بالإدراكات الخمسة (2) ~~طردا للدليل المذكور ، غير أنه لا يجوز تعلق الأسباب المقارنة لهذه ~~الإدراكات في الشاهد عادة بالله تعالى : كتقليب الحدقة / نحوه ، والإصغاء ~~بالاذن إلى جهته ، والتحرك إليه لقصد إدراكه ؛ لكنه لا يطلق عليه هذه ~~الأسماء ؛ لعدم ورود الشرع بها ، وهذا هو مذهب الشيخ أبى الحسن الأشعرى. ### |||| ** ومنهم من قال (3): إن باقى الإدراكات لا تعم كل موجود ؛ بل إدراك السمع يختص بالأصوات ، ~~والبارى تعالى ليس بصوت ، ولا الصوت من صفاته ؛ فلا يتعلق به السمع ، والشم ~~يتعلق بالروائح ، والرب تعالى ليس ms0290 برائحة ، ولا الرائحة من صفاته ؛ فلا ~~يتعلق به إدراك الشم. والذوق يتعلق بالطعم ، والرب تعالى ليس بطعم ، ولا ~~الطعم من صفاته ؛ فلا يتعلق به الذوق. # واللمس : يتعلق بالكيفيات الملموسة ، والرب تعالى ليس بكيفية ، ولا ~~الكيفية الملموسة من صفاته ؛ فلا يتعلق به إدراك اللمس. # والذي يدل على صحة هذا : ما يجده كل عاقل في نفسه من التفرقة بين هذه ~~الإدراكات ، ولو اتحدت في الإدراك ؛ لوقع الالتباس بين الإدراكات ؛ وهو ~~محال. وهذا هو مذهب عبد الله بن سعيد ، والقلانسى وكثير من أصحابنا. # وعلى هذا. فحصول مثل هذه الإدراكات لله تعالى واتصافه بها غير ممتنع ~~عقلا. وإن لم يجز إطلاقها عليه ؛ لعدم ورود الشرع بها. وإن حصول الإدراكات ~~المختلفة لمدرك واحد غير ممتنع. # وأما تعلق الإدراكات المختلفة بمدرك واحد من جهة واحدة ؛ فممتنع كما بيناه. # وأما انتفاء الرؤية من وقتنا هذا : فإنما يلزم منه انتفاء جواز تعلق ~~الرؤية بالله تعالى أن لو لم يقدر ثم مانع يمنع من الرؤية ، ولا مستند لهم ~~في حصر الموانع غير البحث ، والسير ؛ وهو غير يقينى كما سبق (4). # انظر اللمع للأشعرى ص 62 63. # ثم انظر ما أورده الشهرستانى في الرد على هذا الاعتراض في نهاية الأقدام ~~ص 265 366. PageV01P516 # كيف : وأنه من المحتمل أن يكون المانع من الإدراك تكدر النفس بالشواغل ~~البدنية ، وانغماسها في الرذائل الشهوانية ، وعند صفوها في الدار الأخرى ~~(1)، وزوال كدورتها بانقطاع علائقها (2)، وانفصال عوائقها (3) يتحقق لها ~~ما كانت مستعدة لقبوله ، ومتهيئة لإدراكه. # وإن سلمنا انتفاء الموانع مطلقا ، فلا نسلم وجوب تعلق الرؤية ووقوعها ؛ ~~لجواز أن لا يخلقها الله تعالى كما سلف بيانه. # وما ذكروه من الاستشهاد بالصورة المذكورة ؛ فغير ممتنع عدم الرؤية فيها ~~عقلا. وإن كان ممتنعا عادة كما سبق. # ثم كيف ينكر ذلك مع (4) ما قد ورد من الأخبار (4) المتواترة الصادقة عن ~~النبي الصادق بما أوجب لنا العلم / بأنه كان عليه السلام يرى جبريل ، ويسمع ~~كلامه عند نزوله عليه ، ومن هو حاضر عنده لا يدرك شيئا من ذلك : مع سلامة ~~آلة الإدراك ، وانتفاء الموانع. # وأما الإشكال الأخير ms0291 فمندفع بما حققناه من امتناع اشتراط المقابلة ، وكل ~~ما ذكروه من الشروط ؛ فإن الإدراك مع ذلك غير ممتنع. # كيف وأن هذا بعينه لازم على من اعترف منهم بأن الله تعالى يرى نفسه ، ~~ويرى غيره ؛ فما هو جوابه في رؤية الله تعالى للغير ؛ هو الجواب في رؤية ~~الله تعالى برؤية غيره. ### ||| ** وأما الحجة السمعية : # فقوله (5) تعالى : ( @QUR@016 رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر ~~إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ) (6). ووجه الاحتجاج به من وجهين (7): # ثم انظر الأصول الخمسة ص 262 265. PageV01P517 ### |||| ** الأول : أن موسى عليه الصلاة والسلام سأل ربه الرؤية بقوله : ( @QUR@03 أرني أنظر ~~إليك ) ولو كانت الرؤية مستحيلة. فإما أن يكون موسى عالما بالإحالة ، أو ~~جاهلا بها. # فإن كان عالما بالإحالة : فالعاقل لا يسأل المحال ، ولا يطلبه ، فضلا عن ~~كونه نبيا كريما. وإن كان جاهلا بالإحالة ؛ فيلزم أن يكون آحاد المعتزلة ~~ومن حصل طرفا من علومهم ، أعلم بالله تعالى وبما يجوز عليه ، وما لا يجوز ~~عليه من النبي الصفى ؛ والقول بذلك غاية التجاهل ، والرعونة. # وإذا بطل القول بالإحالة لما يلزم عنه من المحال ؛ تعين القول بالجواز ~~وهو المطلوب. ### |||| ** الوجه الثانى : قوله تعالى : ( @QUR@05 فإن استقر مكانه فسوف تراني ) علق الرؤية على ~~استقرار الجبل ، واستقرار الجبل ممكن في نفسه ، وما علق وجوده على الممكن ؛ ~~فهو ممكن. # فإن قيل : # أما الوجه الأول : فالكلام عليه من وجوه. # الأول : لا نسلم أن موسى سأل الرؤية ، وإنما سأله أن يعلمه به علما ~~ضروريا. وعبر بالرؤية عن العلم ؛ إذ العلم ملازم للرؤية ، والتعبير باسم ~~أحد المتلازمين عن الآخر سائغ لغة بطريق التجوز كما في قولهم جرى النهر ~~والميزاب. والمراد به الماء الذي فيه. وهذا هو تأويل أبي الهذيل العلاف ~~وتابعه عليه الجبائى ، وأكثر البصريين (1). # سلمنا أنه ما سأل العلم بربه ؛ ولكن إنما سأل أن يريه علما من أعلام ~~الساعة بطريق حذف المضاف ، وإقامة المضاف إليه مقامه كما فى قوله تعالى : ( ~~@QUR@02 وسئل القرية ) (2) والمراد به أهل القرية. # ويكون معنى قوله ( @QUR@03 أرني أنظر إليك ): أى إلى علم من أعلامك ms0292 ~~الدالة على / الساعة. وهذا هو تأويل الكعبى ، والبغداديين من المعتزلة. PageV01P518 # سلمنا أنه سأل الرؤية ؛ ولكن لنفسه ، أو لأجل دفع قومه في قولهم : ( ~~@QUR@03 أرنا الله جهرة ) (1) الأول ؛ ممنوع ، والثانى ؛ مسلم ؛ وذلك لأنهم ~~لما سألوه الرؤية أضاف الرؤية إلى نفسه ؛ ليكون منعه أبلغ في دفعهم ، ~~وردعهم عما سألوه تنبيها بالأعلى على الأدنى ، وهذا هو تأويل الجاحظ ، ~~ومتبعيه. # سلمنا أنه سأل الرؤية لنفسه ؛ ولكن لا نسلم أن ذلك ينافى العلم بالإحالة ~~؛ إذ المقصود من سؤال الرؤية إنما هو أن يعلم الإحالة بطريق سمعى مضاف إلى ~~ما عنده من الدليل العقلى ؛ لقصد التأكيد ، وذلك جائز بدليل قول إبراهيم ~~الخليل عليه السلام ( @QUR@013 رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال ~~بلى ولكن ليطمئن قلبي ) (2) بضم دليل المشاهدة إلى دليل العقل. # سلمنا أنه سأل الرؤية مع عدم علمه باستحالتها ؛ ولكن ذلك غير قادح في ~~نبوته مع كونه عالما بعدل الله تعالى ، ووحدانيته ، ولهذا سأل وقوع الرؤية ~~في الدنيا ؛ وهى غير واقعة إجماعا. # سلمنا أنه كان عالما بإحالة الرؤية ؛ ولكن لم قلتم بامتناع السؤال؟ وإنما ~~يكون ممتنعا أن لو كان ذلك محرما في شرعه. وإن كان محرما في شرعه ؛ ~~فالصغائر غير ممتنعة على الأنبياء على ما يأتى (3): ### |||| ** وأما الوجه الثانى : فالكلام عليه أيضا من وجهين : # الأول : لا نسلم أنه علق الرؤية على أمر ممكن. # قولكم : إنه علقها على استقرار الجبل ، واستقرار الجبل ممكن. # فنقول : علقها على استقرار الجبل حال سكونه ، أو حال حركته. لا جائز أن ~~يقال بالأول : وإلا لوجدت الرؤية ضرورة وجود الشرط ؛ فإن الجبل حال سكونه ~~كان مستقرا ؛ فلم يبق إلا الثانى. # ولا يخفى أن استقرار الجبل حال حركته محال لذاته. PageV01P519 # الثانى : وإن سلمنا أن استقرار الجبل ممكن. غير أن المقصود من تعليق ~~الرؤية عليه ليس هو بيان جواز الرؤية ، أو عدم جوازها ؛ إذ هو غير مسئول ~~عنه ؛ بل المقصود إنما هو بيان أن الرؤية لا تقع ؛ لعدم وقوع الشرط المعلق ~~به ؛ ليكون ذلك مطابقا للسؤال ؛ وهو حاصل بعدم الشرط. وسواء كانت الرؤية ~~جائزة ms0293 في نفس الأمر ، أم لا. # ثم وإن سلمنا دلالة ما ذكرتموه من الوجهين على جواز الرؤية ؛ فهو معارض ~~بما يدل على عدم الجواز وهو قوله تعالى : ( @QUR@02 لن تراني ) وكلمة / لن ~~للتأبيد ، والتخليد ، وتحقيق النفى ، وتأكيده. # وأيضا : قول موسى عليه السلام ( @QUR@02 تبت إليك ) (1) دليل كونه مخطئا ~~في سؤاله ، ولو كانت الرؤية جائزة ؛ لما كان مخطئا. ### ||| ** والجواب : ### |||| ** أما قولهم : أنه إنما سأل العلم الضرورى بربه فمندفع لوجهين : ### |||| ** الأول : أن النظر وإن أطلق بمعنى العلم ؛ لكنه إذا وصل بإلى فيبعد حمله عليه ، ~~ويكون ظاهرا في الرؤية على ما يأتى (2). ولا سبيل إلي مخالفة الظاهر من ~~غير دليل. ### |||| ** الثانى : وإن أمكن حمله على العلم ؛ لكن يمتنع الحمل على العلم هاهنا ، وبيانه من ~~ثلاثة أوجه. ### |||| ** الأول : أنه يلزم منه أن يكون موسى غير عالم بربه ، وإلا لما سأل حصول ما هو حاصل ~~له. ولا يخفى أن نسبة ذلك [للمصطفى (3) بالنبوة] المكرم بالرسالة المختص ~~بالمخاطبة ، مع معرفة آحاد المعتزلة ، ومن شدا طرفا من العلم بالله من أعظم ~~الجهالات ، كما تقدم (4). ### |||| ** الثانى : أن قوله تعالى ( @QUR@02 لن تراني ) جواب عن سؤاله. والمعتزلة مجمعون على ~~أن قوله : ( @QUR@02 لن تراني ) محمول على نفى الرؤية. فلو كان طلب موسى ~~للعلم ؛ لما كان الجواب مطابقا للسؤال. PageV01P520 ### |||| ** الثالث : أنه لو ساغ هذا التأويل ؛ لساغ مثله في قوله تعالى ( @QUR@03 أرنا الله ~~جهرة ) (1) وفي قوله تعالى ( @QUR@03 لا تدركه الأبصار ) (2). لتساوى ~~الدلالة ؛ وهو ممتنع بالإجماع. # وقوله تعالى ( @QUR@01 جهرة ). لا يزيد على كون النظر موصولا بإلى. ### |||| ** قولهم : إنه (3) إنما سأل (3) أن يريه علما من أعلام الساعة. ### |||| ** قلنا : لا يستقيم ذلك لوجوه ثلاثة : ### |||| ** الأول : أنه على خلاف الظاهر كما سبق من غير دليل. ### |||| ** الثانى : أنه أجاب بقوله ( @QUR@02 لن تراني ) وقوله ( @QUR@02 لن تراني ) (4) إن ~~كان محمولا على نفى ما وقع السؤال عنه من رؤية بعض الآيات ؛ فهو خلف ؛ فإنه ~~قد أراه أعظم الآيات ، وهو تدكدك الجبل. # وإن كان قوله ( @QUR@02 لن تراني ) محمولا على نفى الرؤية ؛ فلا يكون ~~الجواب مطابقا للسؤال. ### |||| ** الثالث : أنه قال تعالى ( @QUR@05 فإن استقر مكانه فسوف تراني ms0294 ) فإن كان ذلك محمولا ~~على رؤية آياته ؛ فهو محال ؛ فإن الآية ليست في استقرار الجبل ؛ بل في ~~تدكدكه. # وإن كان محمولا على الرؤية ؛ فلا يكون مرتبطا بالسؤال. # وهذه المحالات إنما لزمت من حمل الآية ، على رؤية الآية ؛ فيكون ممتنعا. ### |||| ** قولهم : إنما سأل الرؤية لقصد مثل هذا الجواب لدفع قومه. عنه أجوبة ثلاثة : ### |||| ** الأول : أن ما ذكروه على خلاف الظاهر المفهوم من سؤاله الرؤية لنفسه من غير دليل. ### |||| ** الثانى : أنه لو علم أن الرؤية غير جائزة ، لما سألها / من الله تعالى. وأضافها إلى ~~نفسه لقصد دفع قومه ؛ بل كان يجب أن يبادر إلى ردعهم ، وزجرهم عن طلب ما لا يليق PageV01P521 # بجلال الله تعالى كما قال لهم : ( @QUR@03 إنكم قوم تجهلون ) عند قولهم : ~~( @QUR@06 اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ) (1). ### |||| ** الثالث : أنه قد وقع زجرهم ، وردعهم عن سؤالهم ( @QUR@03 أرنا الله جهرة ) بأخذ ~~الصاعقة لهم ، والعذاب الأليم عقيبه على ما قال تعالى ( @QUR@03 فأخذتهم ~~الصاعقة بظلمهم ) (2) وليس في أخذ الصاعقة لهم ما يدل على امتناع ما طلبوه ~~؛ بل إنما كان ذلك ؛ لأنهم طلبوا ذلك في معرض التشكيك في نبوة موسى ، وقصد ~~(3) إعجازه عن ذلك ؛ فأنكر الله تعالى ذلك منهم كما أنكر قولهم : ( @QUR@09 ~~لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ) (4). وقولهم : (انزل علينا ~~كتابا من السماء) (5). وإن لم يكن ذلك مستحيلا نظرا إلى ما قصدوه من ~~الإعجاز. # قولهم : المقصود من السؤال إنما هو ضم الدليل السمعى إلى الدليل العقلى ~~للتأكيد ؛ فمندفع من وجهين : ### |||| ** الأول : أنه إذا كان عالما بإحالة الرؤية ؛ فلا يخفى أن العلم غير قابل للزيادة ، ~~والنقصان ؛ فطلب التأكيد فيه ممتنع. # وعلى هذا قال بعض المتأولين : يجب صرف قول إبراهيم الخليل عليه السلام ( ~~@QUR@04 أرني كيف تحي الموتى ) (6) عن قصد التأكيد ؛ لعلمه بإحياء الله ~~تعالى الموتى لما ذكرناه إلى مخاطبة جبريل بذلك عند نزوله إليه بالوحى ؛ ~~ليعلم أنه من عند الله تعالى وهو بعيد لوجهين : ### |||| ** الأول : أنه خاطب به الرب تعالى بقوله ( @QUR@02 رب أرني )، وجبريل ليس برب. ### |||| ** الثانى : أن إحياء الموتى غير مقدور لجبريل ؛ فلا ms0295 يحسن السؤال له بإحياء الموتى ؛ بل ~~الأولى صرفه إلى ما نقل عنه عليه السلام أنه كان قد أوحى الله تعالى PageV01P522 # إليه «أننى (1) أتخذ (1) إنسانا خليلا ، وعلامته أننى أحيى الموتى بسبب ~~دعائه» ؛ فوقع في قلبه أنه ذلك الإنسان ؛ فطلب ذلك ؛ ليطمئن قلبه بأنه هو ~~ذلك الخليل. ### |||| ** الثانى : وإن أمكن طلب تأكيد العلم بإحالة الرؤية بضم الدليل السمعى إلى العقلى ؛ ~~فقد كان يمكن ذلك بطلب إظهار الدليل السمعى له من غير أن يسأل (2) الرؤية ~~مع إحالتها. # قولهم : أنه لو لم يكن عالما بإحالة الرؤية مع سؤاله لها فجوابه ما سبق ، ~~وعدم معرفته بإحالة وقوع الرؤية في الدنيا إنما كان ؛ لأن الرؤية في الدنيا ~~غير مستحيلة لذاتها ، ولا مانع منها لو لا الدليل السمعى / ؛ ولعله لم يكن ~~قد علمه بعد ؛ ولا ظهر له إلا بعد السؤال ، وقوله تعالى : ( @QUR@02 لن ~~تراني ). ### |||| ** قولهم : إن ذلك لم يكن حراما في شرعه. ### |||| ** قلنا : وإن لم يكن حراما. غير أنه لا فائدة في طلب المحال ، وما لا فائدة فيه ؛ ~~فمنصب النبي ينزه عنه. ### |||| ** قولهم : الصغائر جائزة على الأنبياء ، ممنوع على ما يأتى (3). ### |||| ** قولهم : على الوجه الثانى : لا نسلم أنه علق الرؤية على شرط ممكن. ### |||| ** قلنا : لأنه علقها على استقرار الجبل ، واستقرار الجبل ممكن ؛ ولهذا فإنه لو فرض ~~وجوده ، أو عدمه ؛ لا يلزم عنه لذاته محال. ### |||| ** قولهم : الشرط هو الاستقرار حالة الحركة على ما قرروه ؛ فمندفع فإنهم قالوا : ~~الشرط هو الاستقرار في حالة وجود الحركة مع الحركة ؛ فهو زيادة إضمار في ~~الشرط ، وترك لظاهر اللفظ من غير دليل ؛ فلا يصح. # وإن قالوا الشرط هو الاستقرار في الحالة التى وجدت فيها الحركة بدلا عن ~~الحركة ؛ فلا يخفى جوازه. PageV01P523 ### |||| ** قولهم : إنه لا يلزم أن يكون المعلق على الممكن ممكنا على ما قرروه ؛ ليس كذلك ؛ ~~فإنه لو قدر وجود الشرط فإن لم يوجد المشروط كان تعليق الوجود على الموجود ~~ممتنعا ، وإن وجد المشروط ؛ فهو المطلوب. # وأما ما ذكروه من المعارضة بقوله تعالى ( @QUR@02 لن تراني ) فمندفع ~~لأربعة أوجه : ### |||| ** الأول : أنا لا نسلم أن ms0296 لن للتأبيد ؛ بل للتأكيد ؛ بدليل قوله تعالى : ( @QUR@03 ~~ولن يتمنوه أبدا ) (1) مع أنهم يتمنونه في الآخرة. ### |||| ** الثانى : أنها وإن كانت للتأبيد ؛ ولكن يحتمل أنه أراد به عدم الرؤية في الدنيا ، ~~وهو الأولى لأن يكون الجواب مطابقا لسؤال موسى عليه الصلاة والسلام ، وهو ~~لم يسأل الرؤية في غير الدنيا. ### |||| ** الثالث : أنها وإن دلت على التأبيد مطلقا ، فغايته انتفاء وقوع الرؤية ، ولا يلزم ~~منه ، انتفاء الجواز. ### |||| ** الرابع : وإن دل على انتفاء الجواز من الوجه الذي ذكروه غير (2) أنه يدل على الجواز ~~من (3) حيث أنه أحال (3) انتفاء الرؤية على عجز الرائى وضعفه عن الرؤية ~~بقوله : ( @QUR@02 لن تراني ). ولو كانت رؤيته غير جائزة ؛ لكان الجواب ~~لست بمرئى كما لو قال : أرنى أنظر إلى صورتك ، ومكانك ؛ فإنه لا يحسن أن ~~يقال : لن ترى صورتى ، ولا مكانى ؛ بل لست بذى صورة ، ولا مكان. # وقول موسى عليه السلام ( @QUR@02 تبت إليك ) مما لا ينهض شبهة في جواز ~~خطابه ، وجهله بجواز الرؤية لوجهين : ### |||| ** الأول : هو أن التوبة قد تطلق بمعنى الرجوع ، وإن لم يتقدمها ذنب. ومنه قوله تعالى ~~: ( @QUR@02 تاب عليهم ) (4): أى رجع عليهم بالتفضل / والإنعام. PageV01P524 # وعلى هذا : فلا يبعد أن يكون المراد من قوله : ( @QUR@02 تبت إليك ): أى ~~رجعت (1) عن طلب الرؤية عند قوله تعالى ( @QUR@02 لن تراني ) وقوله ~~عليه السلام : ( @QUR@03 وأنا أول المؤمنين ) (2) ليس المراد به ابتداء ~~الإيمان منه في تلك الحالة بالله تعالى ؛ بل المراد إضافة الأولوية إليه لا ~~إلى الإيمان ، ومعناه : وأنا أول المؤمنين. ### |||| ** الثانى : أنه وإن كانت توبته تستدعى سابقة الذنب ؛ فليس فيه ما يدل على أن الذنب في ~~سؤاله ؛ بل جاز أن تكون التوبة عما تقدم من الذنوب قبل السؤال ؛ لما رأى من ~~الأهوال ، والآية العظيمة من تدكدك الجبل ، على ما هو عادة المؤمنين ~~الصلحاء من تجديد التوبة عما سلف ، إذا رأوا آية (3) عظيمة (3)، وأمرا مهولا. PageV01P525 ### | الفصل الثانى ### | في بيان وقوع الرؤية في الآخرة للمؤمنين # وقد احتج بعضهم (1) على ذلك بمسلك ضعيف ، وهو أن قال : الأمة في هذه ~~المسألة على قولين : # فمنهم من قال : بجواز الرؤية ، ووقوعها ms0297 في القيامة للمؤمنين. # ومنهم : من نفى الأمرين. وقد ثبت بالدليل جواز الرؤية ؛ فيلزم منه وقوع ~~الرؤية ، وإلا كان القول بالجواز ، وامتناع (2) وقوع الرؤية (2)، قولا ~~ثالثا خارقا للإجماع ؛ وهو باطل. # وهو غير صحيح ؛ فإن خرق الإجماع إنما يكون بالقول بإثبات ما اتفق الإجماع ~~على نفيه ، أو نفى ما اتفق الإجماع على إثباته ؛ وذلك غير متحقق فيما نحن فيه. # فإن القول الثالث : إنما هو التفصيل ، ولا معنى له غير القول بالجواز ، ~~والقول بانتفاء الوقوع. والقول بالجواز ليس على خلاف قول الإجماع ؛ إذ فيه ~~موافقة مذهب من قال به ، والقول بانتفاء الوقوع ليس خارقا للإجماع ؛ بل فيه ~~موافقة مذهب القائل به ؛ ففى كل طرف قد وافق مذهب ذى مذهب ، لا أنه خارق ~~للإجماع. # وهذا كما أن القائل في مسألة المسلم بالذمى ، والحر بالعبد قائلان. فقائل ~~بجريان القصاص فيهما ، وقائل بنفيه فيهما. ومن صار إلى جواز قتل المسلم ~~بالذمى ، لقيام دليله في نظره ، لا يلزمه أن يقول بذلك في الحر بالعبد ، من ~~غير دليل ، ولا يكون بذلك خارقا للإجماع ، ولا ممنوعا منه بالإجماع. # والمعتمد في ذلك قوله تعالى : ( @QUR@06 وجوه يومئذ ناضرة* إلى ربها ~~ناظرة ) (3) PageV01P526 # ووجه الاحتجاج منه أن النظر قد يطلق / فى لغة العرب بمعنى الانتظار ومنه ~~قوله تعالى ( @QUR@04 انظرونا نقتبس من نوركم ) (1): أى (2) انتظرونا (2) ~~. وقوله تعالى : ( @QUR@05 ما ينظرون إلا صيحة واحدة ) (3): أى ينتظرون ~~وقوله تعالى : ( @QUR@04 فناظرة بم يرجع المرسلون ) (4). # ومنه قول الشاعر : # فإن يك صدر هذا اليوم ولى %~% فإن غدا لناظره قريب (5) # أى لمنتظره. وإذا استعمل النظر بإزاء هذا المعنى استعمل من غير صلة. # وقد يطلق ويراد به التفكر والاعتبار : واذا استعمل بإزائه وصل بفى. ومنه ~~يقال : نظرت في المعنى الفلانى : أى فكرت فيه ، واعتبرت. # وقد يطلق بمعنى التعطف ، والرأفة. واذا استعمل بالرأفة ، وصل باللام ومنه ~~[قولهم (6): نظر فلان لفلان ، أى تعطف عليه ، ورأف به (6) ] # وقد يطلق بمعنى الرؤية والإبصار : وإذا استعمل بإزائه وصل بإلى ، ومنه ~~قول الشاعر: # نظرت إلى من حسن الله وجهه %~% فيا نظرة كادت على وامق تقضى # والمراد به الرؤية ms0298. والنظر في الآية موصول بإلى ؛ فوجب حمله على الرؤية ~~والإبصار. # فان قيل : النظر الذي هو صفة الوجوه إنما يمكن حمله على الرؤية أن لو ~~كانت الوجوه بمعنى الجوارح ؛ وليس كذلك ؛ بل المراد بالوجوه في الآية ~~الأنفس (7)، والأشخاص (7) الشريفة النفيسة بالإيمان دون الجوارح. PageV01P527 # ولهذا يقال : أقبل وجوه القوم : أى رؤساؤهم ، وأشرافهم. ويدل على ذلك ~~قوله تعالى ( @QUR@03 ووجوه يومئذ باسرة ) (1). والأصل اتحاد المفهوم من ~~لفظ الوجوه هاهنا ، وليس المراد من قوله : ( @QUR@03 ووجوه يومئذ باسرة ) ~~الوجوه (2) بمعنى الجوارح بدليل قوله تعالى ( @QUR@05 تظن أن يفعل بها ~~فاقرة ). # والظن ليس للوجوه بمعنى الجوارح ؛ [فكذلك (3) فى الوجوه الناظرة. # سلمنا أن الوجوه بمعنى الجوارح (3) ] ؛ ولكن لا نسلم أن المراد من النظر ~~المضاف إليها الرؤية. ### |||| ** قولكم : إن النظر الموصول بإلى في اللغة : للرؤية. ### |||| ** قلنا : لا نسلم أن إلى هاهنا (4) حرف ، وبيانه هو أن (4) إلى قد تكون اسما ، فإن ~~(5) إلى (5) واحد الآلاء أى النعم. ومنه قول الشاعر : # أبيض لا يرهب النزال ولا %~% يقطع رحما ولا يخون إلى # وقد ترد بمعنى عند. ومنه قول الشاعر : # فهل لكم فيما إلى فاننى %~% طبيب بما أعيى النطاسى حذيما (6) # أى فيما عندى. # وعلى هذا فبتقدير أن يكون بمعنى واحد الآلاء ؛ فيكون معنى قوله ( @QUR@07 ~~وجوه يومئذ ناضرة (22) إلى ربها ناظرة ) (7): أى نعمة ربها منتظرة. وعلى ~~تقدير أن يكون بمعنى عند ؛ فيكون معناه وجوه يومئذ ناظرة إلى / ربها ناظرة ~~: أى عند ربها منتظرة نعمة ربها. PageV01P528 # سلمنا أن إلى هاهنا حرف ؛ ولكن لا نسلم أن إلى بمعنى الحرف إذا اقترنت ~~بالنظر تكون للرؤية ، بل قد يرد ذلك بمعنى تقليب الحدقة إلى جهة المرئى. ~~ومقابلتها له. ومنه يقال: # جبلان متناظران. إذا تقابلا. # وقد يرد بمعنى الانتظار. # وقد يرد بمعنى الرحمة. # وقد يرد بمعنى التفكر ، والاعتبار. ### |||| ** أما الأول : فبيانه من ستة أوجه : ### |||| ** الأول : أنه يصح أن يقال : نظرت إلى الهلال فلم أره. ولو كان النظر بمعنى الرؤية ؛ ~~لكان متناقضا. ولو كان بمعنى (1) تقليب الحدقة إليه ؛ لكان حقا (1). ### |||| ** الثانى : أنه يصح أن يقال : ما زلت أنظر إلى الهلال حتى رأيته ms0299. ولو كان النظر بمعنى ~~الرؤية ؛ لكان النظر غاية لنفسه ، ولا كذلك في تقليب الحدقة. # وأيضا فإنه يصح أن يقال : نظرت فرأيت. فترتب الرؤية على النظر بفاء ~~التعقيب [يدل (2) ] على المغايرة. والذي ترتب عليه الرؤية ؛ إنما هو تقليب ~~الحدقة. ### |||| ** الثالث : أنه يصح أن يقال : أما ترى كيف ينظر فلان إلى فلان. ولو كان النظر هو ~~الرؤية ؛ لما كان مرئيا بخلاف تقليب الحدقة. ### |||| ** الرابع : قوله تعالى : ( @QUR@06 وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ) (3) والمراد ~~بالنظر هاهنا تقليب أحداقهم نحوه بدليل قوله تعالى : ( @QUR@03 وهم لا ~~يبصرون ). ولو كان النظر بمعنى الرؤية ؛ لكان (4) متناقضا. PageV01P529 ### |||| ** الخامس : هو أن النظر الموصول بإلى قد يوصف بما لا توصف به الرؤية من الصلابة ، ~~والشدة ، والغضب (1)، والازورار ، والرضا ، والتحير ، والذل ، والخشوع ، ~~ونحو ذلك. وذلك بما تكون عليه عين الناظر من الأوضاع المختلفة ، والتقليب ~~المخصوص ، والكيفية في تحريكها. ومن المعلوم أن الرؤية لا تختلف باختلاف ~~هذه الأحوال ، ولا توصف بها ، فإن العرب لا تصف إلا ما تراه ؛ فدل على أن ~~النظر بمعنى تقليب الحدقة ؛ لا بمعنى الرؤية. ### |||| ** السادس : أنه يصح الأمر بالنظر ، والنهى عنه فيقال : انظر إلى فلان ، ولا تنظر إلى ~~فلان ، ومتعلق الأمر ، والنهى ما كان مقدورا للناظر ؛ والرؤية غير مقدورة ~~له ؛ بخلاف تقليب الحدقة ؛ فكان هو المراد بالنظر. ### |||| ** وأما الثانى : وهو بيان أن النظر قد يرد بمعنى الانتظار وإن كان موصولا بإلى ، وذلك مما ~~نقل عن العرب أنها تقول : نظرت إلى فلان بمعنى انتظرته ويقال : نظرى إلى ~~الله ، ثم إلى فلان / : أى انتظارى ، ولهذا يصح هذا الإطلاق ممن لا رؤية له ~~كالأعمى. # ومن قول الشاعر : # ويوم بذى قار رأيت وجوههم %~% إلى الموت من وقع السيوف نواظرا (2) # أى منتظرة ضرورة أن الموت لا يرى. # وأيضا قول الشاعر : # وجوه ناظرات يوم بدر %~% إلى الرحمن يأتى بالفلاح (3) # أى بالفرج من عنده. # وأيضا قول الشاعر : # إنى أليك لما وعدت لناظر %~% نظر الذليل الى العزيز القاهر (4) # أى منتظر. |وجوه يوم بدر ناظرات*||إلى الرحمن يأتى بالخلاص| # ونسبه المحقق إلى حسان بن ثابت رضى الله ms0300 عنه. |إنى إليك لما وعدت لناظر*||نظر الفقير إلى الغنى الموسر| PageV01P530 # وأيضا : قول الشاعر : # كل الخلائق ينظرن نحاله (1) %~% نظر الحجيج إلى طلوع هلال (2) # وقال آخر : # وجوه بها ليل الحجاز على النوى %~% إلى مكة نحو المعاريف ناظرة # والمراد به الانتظار ؛ لاستحالة الرؤية في مثل (3) هذه الصورة (3). # وقال الآخر : # وشعث ينظرون إلى بلال %~% كما نظر الظماة حيا الغمام # وحيا الغمام لا يرى ، وإنما ينتظر ؛ فكذلك المشبه به. ### |||| ** وأما بيان الثالث : فقوله تعالى فى حق الكفار ( @QUR@03 ولا ينظر إليهم ) (4) وليس المراد به ~~الرؤية ، فإنه كان يراهم. # وليس المراد ؛ نفى النظر بمعنى تقليب الحدقة ؛ وإلا كان معناه ولا يقلب ~~حدقته إلى (5) جهتهم (5)؛ وهو محال. # ولا بمعنى الانتظار والاعتبار ؛ فإنه يتعالى ، ويتقدس عن ذلك ؛ فكان ~~محمولا على ترك الرحمة. ### |||| ** وأما بيان الرابع : فقوله تعالى : ( @QUR@06 أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ) (6). # ليس المراد بالنظر المحثوث عليه (7) الرؤية ، ولا تقليب الحدقة لمشاركة ~~(8) الكفار (8) فى ذلك. ولا الانتظار ؛ فلم يبق إلا التفكر ، والاعتبار. # سلمنا أن النظر الموصول بإلى للرؤية حقيقة ، ولكن للرؤية (9) المشترطة ~~(9) بالشروط المذكورة من قبل في النظر ، أم لا. الأول : مسلم ، والثانى : ممنوع. PageV01P531 # وبيانه : أن القرآن أنزل بلغة العرب على ما قال تعالى ( @QUR@04 إنا ~~أنزلناه قرآنا عربيا ) (1) وقوله تعالى : ( @QUR@07 وما أرسلنا من رسول إلا ~~بلسان قومه ) (2). والعرب ما كانت تفهم من الرؤية غير ما ذكرناه ؛ فكان ~~اسم (3) النظر موضوعا بإزائها ؛ وذلك في حق الله تعالى محال. # وإذا تعذر حمل لفظ النظر على حقيقته ؛ فلا بد من التجوز حذرا من تعطيل ~~اللفظ ؛ وذلك بحمله على الانتظار ، أو غيره مما يحتمله اللفظ. # سلمنا أنه للرؤية مطلقا ؛ ولكن يجب تأويله بحمله على رؤية ثواب الرب ~~تعالى بطريق حذف المضاف ، وإقامة المضاف إليه مقامه. ودليل وجوب العمل بهذا ~~التأويل : السمع ، والعقل. ### |||| ** أما السمع : فقوله تعالى : ( @QUR@06 لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ) (4) / فهذه ~~الآية صريحة في نفى إدراك الله تعالى بالأبصار. # كيف وقد ورد ذلك في معرض التمدح ، والاستعلاء ، فلو أمكن أن يكون مدركا ~~في وقت ما ؛ لزال عنه التمدح ، والاستعلاء ms0301 ؛ وهو محال ؛ والجمع بين العمل ~~بها (5)، وبظاهر ما ذكرتموه ؛ ممتنع. # وعند ذلك فلا بد من تأويل ما ذكرتموه حذرا من تعطيل أحد الدليلين. # وأيضا : قوله تعالى : ( @QUR@012 وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو ~~من وراء حجاب ) (6). دل على امتناع الرؤية في حق من يكلمه فمن لا يكلمه ~~أولى أن لا يراه ، ولأنه لم يفرق أحد من الأمة بينهما. # وأيضا : قوله تعالى : ( @QUR@020 وقال الذين لا يرجون لقاءنا لو لا أنزل ~~علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا ) (7) ~~وصف من سأل رؤيته بالعتو ، ولو كانت الرؤية غير ممتنعة ؛ إما لذاتها أو ~~لغيرها ؛ لما كان كذلك كما لو سأل غيرها من الممكنات. PageV01P532 # وأيضا : فإن الله تعالى عاقب من سأل رؤيته بدليل قوله ( @QUR@015 وإذ ~~قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ) (1) # وقوله تعالى : ( @QUR@013 فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله ~~جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ) (2). ولو كانت الرؤية جائزة ، أو واقعة ، ~~لما عاقبهم على سؤالهم. كما لو سألوا غيرها من الممكنات. # وأيضا : قوله تعالى للكليم : ( @QUR@02 لن تراني ) ولن للتأبيد ؛ فغير ~~موسى أولى أن لا يراه. ### |||| ** وأما من جهة المعقول : فمن ثلاثة أوجه : ### |||| ** الأول : أن المرئى لا بد وأن يكون مقابلا للرائى ؛ كالأجسام ، أو في حكم المقابل ، ~~كالأعراض. ورؤية الإنسان وجهه في المرآة ؛ إذ ليس هو في مقابلة وجهه وذلك ~~يوجب كون المرئى جوهرا ، أو عرضا ، وأن يكون في حيز وجهة ؛ وذلك على الله ~~تعالى محال. ### |||| ** الثانى : أن المرئى لا بد من انطباع صورته في العين الباصرة ، وأن يكون متلونا ~~متشكلا مقدرا ؛ على ما سلف ؛ وذلك في حق الله تعالى محال. ### |||| ** الثالث : أنه وإن كانت هذه الشروط ، شروطا في رؤية الأجسام والبارى تعالى ليس بجسم ؛ ~~فلا بد من اشتراط سلامة الحاسة وأن يكون الرب تعالى بحيث يصح أن يرى ، ~~والحاسة سالمة ، فلو كان بحيث يصح أن يرى لرئي في الدنيا ؛ لأنه يلزم من ~~وجود شروط الإدراك ، وجود الإدراك ضرورة ؛ فحيث ms0302 لم ير في الدنيا ؛ علم أنه ~~ليس بحال أن يرى. ### ||| ** والجواب : ### |||| ** قولهم : المراد بالوجوه الأشخاص ، عنه / أجوبة [ثلاثة] (3): PageV01P533 ### |||| ** الأول : المنع ، وبيانه أن المتبادر من لفظ الوجوه عند الإطلاق إنما هو الجوارح ، ~~والأصل في كل ما كان كذلك أن يكون حقيقة فيه. وحيث تطلق الوجوه على الرؤساء ~~، والأشراف ؛ فإنما كان بطريق المجاز تشبيها بالوجوه ؛ حيث كانت أشرف ~~الأعضاء ، وأجلها. ### |||| ** قولهم : المراد بالوجوه الباسرة الأشخاص ؛ فكذلك الوجوه الناضرة. عنه جوابان : ### |||| ** الأول : لا نسلم أن الوجوه الباسرة هى الأشخاص ، واتصافها بالظن في يوم القيامة على ~~خلاف العادة ؛ غير ممتنع كما في استنطاق الأيدى والأرجل بالشهادة على ما ~~قال تعالى ( @QUR@06 يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم ) (1). ### |||| ** الثانى : وإن لزم (2) التجوز في الوجوه الباسرة ؛ فلا يلزم التجوز مطلقا. # سلمنا أن لفظ الوجوه غير ظاهر بحكم الوضع في الجوارح ، غير أنه قد اقترن ~~بها ما يدل على كونها هى المرادة. # وبيان (3) إمكانه (3): أنه وصفها بالنضارة ، وهى الإشراق ، وتهلل ~~الأسارير ، وذلك إنما (4) توصف به الوجوه بمعنى الجوارح ، لا بمعنى الشرفاء ~~، والرؤساء. # سلمنا أن المراد بالوجوه الأشخاص ، والأنفس ، ولكن ليس في إضافة النظر ~~إليها ما يمنع من حمله على الرؤية إذا كان موصولا بإلى ولو قال تعالى : ~~«أشخاص يومئذ ناظرة إلى ربها ناظرة» ؛ كان ذلك محمولا على الرؤية. ### |||| ** قولهم : إن إلى قد تطلق بمعنى واحد الآلاء ، وبمعنى عند ، عنه جوابان. ### |||| ** الأول : أن ذلك وإن كان سائغا إلا أنه على خلاف الظاهر المتبادر إلى الفهم من إطلاق ~~إلى ؛ فإنها مشهورة للحرفية دون ما ذكروه. والأصل فيما كان كذلك أن يكون هو ~~الحقيقة. PageV01P534 ### |||| ** الثانى : وإن سلمنا عدم الظهور به ، بحكم الوضع في (1) الحرف غير أنه قد اقترن به ~~(1) ما يدل على إرادة الحرفية ، حيث أن الآية إنما وردت تبشيرا للمؤمنين ، ~~وتخصيصا لهم بالإنعام والإكرام ؛ وذلك لا يكون إلا بما هو نعمة ، وكرامة. # ولا يخفى تحقيق ذلك عند حمل إلى على الحرفية ؛ لأن النظر يكون بمعنى ~~الرؤية ، ورؤية الله تعالى من أجل النعم ، والكرامات وهى (2) من أعلا ~~الدرجات (2). ولو حمل إلى ms0303 على واحد الآلاء ؛ فيكون تقدير الكلام وجوه ~~يومئذ ناضرة نعمة ربها ناظرة. # وقوله ناظرة : إما بمعنى الرؤية ، أو بمعنى الانتظار. # فإن كان الأول : فلا يخفى أن رؤية النعمة لا تكون نعمة ، ولهذا : فإنه قد ~~يشترك في رؤية نعمة الله تعالى المؤمنون ، والكفار (3). ### |||| ** وإن كان الثانى : فانتظار النعمة لا يكون نعمة ، بل عذابا ، ومنه / قولهم : الانتظار الموت ~~الأحمر ، فلا يصلح ذلك للتبشير ، وكذلك أيضا لو حمل على معنى عند ، فيكون ~~تقدير الكلام : وجوه يومئذ ناظرة عند ربها ناضرة ، ولا بد من إضمار ثواب ~~ربها ، أو نعمة ربها ، وسواء كان النظر بمعنى الرؤية ، أو الانتظار ، وفيه ~~مع ما ذكرناه من المحذور زيادة الإضمار ؛ والإضمار على خلاف الأصل. ### |||| ** قولهم : لا نسلم أن إلى إذا اقترنت بالنظر تكون للرؤية. ### |||| ** قلنا : دليله ما سبق. ### |||| ** قولهم : يصح أن يقال : نظرت إلى الهلال ؛ فلم أره. لا نسلم صحة ذلك في وضع اللغة ~~؛ بل الذي تقوله العرب نظرت إلى مطلع الهلال ؛ فلم أر الهلال. وربما حذف ~~المطلع ، وأقيم المضاف إليه مقامه تجوزا ، واستعارة. # وعلى هذا يكون الجواب عن قولهم : ما زلت أنظر إلى الهلال حتى رأيته. ### |||| ** وقولهم (4): نظرت فرأيت من باب التأكيد ؛ وذلك جائز عند اختلاف الألفاظ ؛ وإن ~~اتحد المعنى. ومنه قول امرئ القيس : PageV01P535 مكر مفر مقبل مدبر معا %~% كجلمود صخر حطه السيل من عل # أضاف الجملود إلى الصخر ، وهما بمعنى واحد. # وعلى هذا فإنه يحسن أن يقال : أدركته ؛ فرأيته. ### |||| ** وقولهم : انظر كيف ينظر فلان إلى فلان ؛ فهو تجوز باسم الرؤية عن تقليب الحدقة ؛ ~~لأن تقليب الحدقة سبب للرؤية في الغالب ، والتجوز باسم المسبب عن السبب ؛ جائز. # وهذا هو الجواب عن قوله تعالى ( @QUR@06 وتراهم ينظرون إليك وهم لا ~~يبصرون ) (1). ### |||| ** قولهم : إن النظر قد يوصف بما لا توصف به الرؤية الحقيقية ليس كذلك. ولا مانع من ~~[اتصافها (2) ] بما ذكروه من الصفات. ### |||| ** قولهم : إن العرب لا تصف إلا ما تراه ؛ ليس كذلك ؛ فإنها (3) كما تصف المرئيات ، ~~فقد تصف (3) ما لا يرى في مجارى العادات : كالشجاعة ، والجبن ، والكرم ، ~~والبخل ، والبر ، والعقوق ms0304 ، والعشق ، والشوق ، ونحو ذلك وفيما نحن فيه خاصة ~~؛ فإنهم يصفون النظر بمعنى الرؤية ومنه قول الشاعر : # نظرت إلى من حسن الله وجهه %~% فيا نظرة كادت على وامق تقضى ### |||| ** قولهم : إن النظر مأمور به ، ومنهى عنه. ### |||| ** قلنا : الأمر ، والنهى ؛ وإن كان لا يتعلق بغير المقدور ، فإذا أضيف الأمر إلى ~~النظر الموصول بإلى ؛ فهو حقيقة في الرؤية غير أنه لما تعذر حمل الأمر عليه ~~، لكونه غير مقدور تجوز به عن سببه ؛ وهو تقليب الحدقة كما سبق. ### |||| ** قولهم : إن النظر الموصول / بإلى قد يرد بمعنى الانتظار لا نسلم ذلك ، والناقل عن ~~العرب أنها تقول : نظرت إلى فلان بمعنى انتظرته ، إن كان غير موثوق به ؛ ~~فلا التفات إليه. # وان كان موثوقا به ؛ فنقله مرجوح بالنسبة إلى النقل المشهور المأثور عنهم ~~، أنهم قالوا : النظر الموصول بإلى لا يكون إلا بمعنى الرؤية ؛ فإنه لا ~~يقال نظرت إلى فلان بمعنى انتظرته ؛ بل إذا أريد به الانتظار قيل نظرته ، ~~وانتظرته لا غير. PageV01P536 ### |||| ** وقولهم : نظرى إلى الله ، وإلى فلان. معناه (1) أننى أرتقب الخير ، والفرج (1) من ~~الله. وفلان ينظر إلى جهة فلان ، وإلى السماء ؛ إذ هى في نظر أهل اللغة ، ~~والعرف جهة الله تعالى ؛ ولهذا يرفع الناس أيديهم بالدعاء (2) إليها. # وعلى هذا يكون الجواب عن قول الشاعر : # وجوه ناظرات يوم بدر %~% إلى الرحمن يأتى بالفلاح (3) # وقول الشاعر : إلى الموت من وقع السيوف نواظرا. # فمحمول على الرؤية الحقيقية أيضا ، والمراد به رؤية الكر ، والفر ، ~~والضرب ، والطعن المفضى إلى الموت ، تعبرة باسم المسبب عن السبب ويحتمل أن ~~يكون المراد بالموت أهل الحرب الذي يجرى الموت على أيديهم تجوزا ، ~~واستعارة. # ومنه قول جرير : # أنا الموت الذي خبرت عنه %~% فليس لهارب منه نجاء (4) # وقول الشاعر : إنى إليك لما وعدت لناظر. # فمحمول أيضا على الرؤية. ومعناه ناظر إلى جهتك ارتقب إنجاز الوعد. # وقوله : كل الخلائق ينظرون سجاله : أى يرون. ولا يمتنع حمل النظر المطلق ~~على الرؤية ، وإنما الذي يمتنع حمل النظر الموصول بإلى على غير الرؤية. # وكذلك أيضا قوله (5): نظر الحجيج إلى طلوع هلال. بمعنى ms0305 الرؤية : ويكون ~~تقدير الكلام : كل الخلائق يرون سجاله كما يرى الحجيج طلوع الهلال. # وقول الشاعر : إلى ملك نحو المغارب ناظرة. |وجوه ناظرات يوم بكر*||إلى الرحمن يأتى بالفلاح| # وأن قائله من أتباع مسيلمة الكذاب. والمراد بيوم بكر يوم القتال مع بنى ~~حنيفة ؛ لأنهم بطن من بكر بن وائل ، وأراد بالرحمن مسيلمة ؛ وعلى هذا ~~فالجواب ظاهر. PageV01P537 # فقد قيل : إن هذا البيت من اخلاف (1) المتأخرين الذين لا احتجاج ~~بأقوالهم. # وإن كان حجة ، فالمراد به الرؤية أيضا. ومعناه (2): أنهم ناظرون إلى جهة ~~الملك في المغارب ؛ لارتقاب الإحسان ؛ والإنعام. # وقول الشاعر : وشعث ينظرون إلى بلال. # فالمراد أيضا به الرؤية. # وقوله كما نظر الظماء حيا الغمام فالمراد به الرؤية أيضا ؛ إذ لا يمتنع ~~حمل النظر المطلق على الرؤية كما سبق. / والمراد بحيا الغمام الماء النازل ~~منه الذي هو سبب الحياة. # ثم وإن سلمنا أن النظر الموصول بإلى قد يطلق بمعنى الانتظار غير أنه مجاز ~~بعيد ، والحقيقة ما ذكرناه ؛ فلا يترك الا بدليل. # وإن سلمنا أنه ظاهر في الانتظار ، غير أنه يمتنع حمل النظر في الآية عليه ~~؛ لوجوه خمسة : # الأول : هو أن الآية إنما وردت لتبشير المؤمنين ، وتخصيصهم بالإنعام ~~عليهم ، وذلك لا يكون إلا بما هو نعمة ؛ والانتظار نقمة لا نعمة على ما سلف ~~؛ فيكون بعيدا عن المقصود. # الثانى : أن الانتظار لا معنى له غير (3) التطلع ، والتوقع لما عساه أن ~~يكون وألا يكون ، ومن يتيقن حصول ما يريده في وقته ، ولا يتخلف عنه على ~~الاستمرار ، والدوام ؛ فلا يسمى منتظرا. # ولهذا لما كان الرب تعالى عالما بما (4) يريده (4) فى وقته من غير تخلف ~~لم يسم منتظرا ، وأهل الجنان مستيقنون (5) بدوام (5) نعم الله تعالى عليهم ~~؛ فلا يصح اتصافهم بالانتظار. PageV01P538 # الثالث : هو أن النظر مضاف إلى الرب تعالى بقوله : ( @QUR@03 إلى ربها ~~ناظرة ) فلو حمل النظر على الانتظار. فإما أن يكون المنتظر هو الرب (1) ~~تعالى أو غيره. # فإن كان الأول : فهو محال ؛ إذ الرب تعالى لا ينتظر نفسه ؛ إذ الانتظار ~~توقع وقوع أمر ما ، والرب تعالى لا يتوقع وقوعه. # وإن ms0306 كان الثانى ؛ فيلزم منه الإضمار ؛ وهو خلاف الأصل. # الرابع : هو أن الموصوف بالنظر الوجوه ؛ وهى بمعنى الجوارح ؛ كما سبق ؛ ~~والوجوه بمعنى الجوارح لا توصف بالانتظار. # الخامس : أن الوجوه الموصوفة بكونها ناظرة ، موصوفة بالنضارة بقوله : ~~وجوه يومئذ ناضرة ، والنضارة ، والابتهاج إنما (2) تحصل بالنظر ، لا ~~بالانتظار (2). # وأما قوله تعالى فى حق الكفار : ( @QUR@03 ولا ينظر إليهم ) فمحمول أيضا ~~على النظر الحقيقى ؛ وهو الرؤية. غير أن النظر الحقيقى ينقسم إلى نظر سخط : ~~وهو ما يتعقبه العقوبة. وإلى نظر رحمة : وهو ما يتعقبه الإحسان ، والرأفة. ~~وعند ذلك : فلا يلزم من كونه غير ناظر إليهم نظر رحمة ألا يكون ناظرا إليهم ~~أصلا ؛ فإنه لا معنى لنظر الرحمة ، غير النظر الذي يعقبه الصفح والعفو ، ~~فإذا لم يعقب نظره إليهم العفو ، والصفح. قيل لم ينظر إليهم نظر رحمة ؛ وإن ~~كان ناظرا إليهم (3) حقيقة. # وأما قوله تعالى ( @QUR@06 أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ) (4). ~~فالمراد به النظر الحقيقى. غير أن النظر الحقيقى في حقنا ينقسم : / إلى ما ~~يعقبه الاعتبار. وإلى ما لا يعقبه الاعتبار. والمراد من الآية إنما هو ~~النظر الأول دون الثانى ، وذلك لا ينافى النظر الحقيقى. # قولهم : إنه حقيقة في النظر ، المشروط بالشروط المعتبرة من قبل. # قلنا : النظر حقيقة ، لا يختلف بالشروط وعدمها ؛ بل غايتها أن وجود النظر ~~متوقف عليها ، لا نفس الحقيقة ؛ إذ شرط الوجود لا يكون داخلا في المفهوم من النظر. PageV01P539 # وعند ذلك فيجب حمله على مطلق النظر ؛ إذ هو المفهوم منه. # وأما اعتبار الشروط ، وعدم اعتبارها ؛ فمأخوذ من الدليل العقلى ؛ وقد ~~أبطلنا كل ما قيل فيه. ### |||| ** قولهم : وإن كان النظر حقيقة في مطلق الرؤية ، فيجب تأويله. ### |||| ** قلنا : الأصل إنما هو العمل باللفظ في حقيقته إلا أن يدل عليه دليل. # وقوله تعالى : ( @QUR@03 لا تدركه الأبصار ) (1). لا يدل على أن البارى ~~تعالى غير مرئى إلا أن يكون الإدراك هو الرؤية. # ونحن إن سلكنا مذهب كثير من أئمتنا : كالقلانسى ، وعبد الله بن سعيد ، ~~وغيره (2): وهو أن الله تعالى يرى ، ولا يدرك ؛ إذ الإدراك ينبئ عن اللحوق ~~، والإحاطة بالمدرك ms0307 ، وتقديره ، وتحديده ؛ فقد اندفع الإشكال. # وإن سلكنا مسلك الشيخ أبى الحسن : من أن الإدراك بالرؤية ، هو الرؤية ~~فنقول : إن نفى الإدراك عن الأبصار : إما أن يكون محمولا على نفيه عن الكل ~~جملة ، أو عن البعض دون البعض ، أو عن كل واحد ، واحد. لا سبيل إلى نفيه عن ~~كل واحد واحد ؛ لعدم دلالة اللفظ عليه. # وإن كان الأول ، والثانى ؛ فهو (3) مسلم (3)؛ ولكن لا يلزم منه أن لا ~~يكون مدركا في الجملة ؛ فإن نفى الإدراك عن الأبصار جملة ، لا يوجب النفى ~~عن كل واحد ، واحد ، وكذلك النفى عن البعض ؛ لا يوجب النفى عن الباقى. ثم ~~وان سلمنا أنه أراد به كل واحد ، واحد من الأبصار ؛ فنحن نقول به أيضا : ~~فإن المدرك عندنا (4) للبارى إنما هم المدركون دور الأبصار ، لا نفس ~~الأبصار (4). ### |||| ** فان قيل : فكما أن الأبصار لا تدركه ؛ فكذلك لا تدرك غيره (5)؛ فلا فائدة في ~~التخصيص (5). PageV01P540 ### |||| ** قلنا : إنما يلزم انتفاء فائدة التخصيص ؛ أن لو انحصرت فائدة التخصيص في نفى حكم ~~المنطوق عن المسكوت ؛ وهو غير مسلم. # ولعله كان لخصوص سؤال سائل عنه دون غيره ، أو لمعنى آخر. # وإن سلمنا أنه أراد بالأبصار المبصرين ؛ [ولكن لا نسلم] (1) أن الألف ، ~~واللام للعموم. # وإن سلمنا أنها للعموم في الأشخاص ؛ فلا / نسلم أنها للعموم بالنظر إلى ~~الأزمان ، ولا يلزم من العموم في الأشخاص ؛ العموم في الأحوال. # ولهذا فإنه لو قال قائل : كل من دخل إلى دارى فأعطيه درهما. فإنه وإن عم ~~كل داخل ؛ فانه لا يعم كل زمان حتى إنه لو دخل مرة ثانية ، من دخل أولا ؛ ~~فإنه لا يستحق شيئا. # قولهم : إنه لو جاز أن يرى في بعض الأزمان ؛ لزال عنه التمدح والاستعلاء ~~، عنه أجوبة ثلاثة : ### |||| ** الأول : أنا لا نسلم أنه أراد التمدح بكونه لا تدركه الأبصار ؛ فإنه وإن تميز بذلك ~~عن غيره من المدركات ، فمشارك للمعدوم في ذلك بالإجماع منا ، ومن الخصوم. ~~وللطعوم ، والروائح ، عندهم. ### |||| ** فإن قيل : ومشاركته لبعض الأشياء في نفى كونه مدركا ، لا يزيل حكم التمدح. ولهذا فإنه ~~تعالى قد تمدح بقوله ms0308 تعالى : ( @QUR@05 لا تأخذه سنة ولا نوم ) (2) ولم ~~يبطل حكم التمدح بكون بعض الأجسام ، وجمع الأعراض كذلك. # قلنا : ليس التمدح بنفى السنة ، والنوم عنه ؛ بل بما نبه عليه بذلك من ~~نفى الغفلة ، والذهول ، واستحالة خروجه عن كونه عالما ؛ وذلك موجود (3) فى ~~الأعراض ، وغيرها من الأجسام. ### |||| ** الثانى : وان سلمنا أنه أراد به التمدح ؛ ولكن لا نسلم أن معنى التمدح يبطل بسبب عدم ~~استمرار ذلك في كل زمان ؛ فإنه تعالى كما يتمدح بالصفات النفسانية PageV01P541 # اللازمة ؛ فقد يتمدح بالصفات الفعلية الغير لازمة (1): ككونه (1) خالقا ~~، ورازقا ، وموجدا ، إلى غير ذلك. # ثم ولو كان التمدح لا يتم دون أن لا يكون مدركا مطلقا ؛ لما كان تخصيص ~~الكفار بقوله تعالى : ( @QUR@06 كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) (2). ~~فائدة ؛ لعموم ذلك بالنسبة إلى غيرهم. ### |||| ** الثالث : وإن سلمنا لزوم ما به التمدح في كل زمان ؛ ولكنا نعلم أن ما أثبته لنفسه من ~~الإدراك هو غير (3) ما نفاه عن الأبصار. # وعند ذلك : فإما أن يكون إدراك الرب تعالى بمعنى الرؤية ، كما قاله ~~البصريون من المعتزلة. # وإما بمعنى العلم لا بمعنى الرؤية ؛ كما قاله البغداديون منهم (4). ### |||| ** فإن كان الأول : فهو محال على أصلهم حيث قالوا : إن الإدراكات لا تدرك (5) والأبصار من ~~الإدراكات ، ### |||| ** وإن كان الثانى : فمدلوله أن الأبصار لا تعلمه ، ولا يلزم من ذلك نفى الإدراك. كما لا يلزم ~~من نفى الإدراك عن النفس (6) نفى العلم. # وإن سلمنا أن الآية عامة مطلقا غير أنها عامة في كل الأشخاص ، والأزمان ، ~~وأثبتنا خاصة في بعض الأشخاص ، وبعض الأزمان ، وإذا تعارض الخاص والعام ، ~~كان الخاص مقدما ، على العام ؛ لقوة دلالته ، ولما فيه من الجمع بينه ، ~~وبين العام ؛ فإنه لا يلزم من العمل بالخاص ؛ إبطال العام (7) بالكلية ؛ ~~لإمكان العمل (8) به في غير محل التخصيص (9)؛ بخلاف العكس. PageV01P542 # ولا يخفى أن الجمع بين الدليلين أولى من تعطيل أحدهما ، والعمل بالآخر. # سلمنا (1) ظهور ما ذكروه (1) / وترجحه ؛ ولكن إن دل على نفى الرؤية فلا ~~يلزم (2) منه (2) انتفاء الجواز. # وقوله تعالى : ( @QUR@012 وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من ms0309 ~~وراء حجاب ) (3) ليس فيه ما يدل على كونه محجوبا حالة الوحى ؛ وإلا لما كان ~~الترديد مفيدا. # وأما وصف من طلب الرؤية بالعتو ؛ فلم يكن لكونه غير مرئى ؛ بل لأنه طلب ~~ذلك على طريقة (4) التعجيز ، والتشكيك في نبوة المرسل إليه على ما سلف (5). # وقوله تعالى ( @QUR@02 لن تراني ) فقد سبق جوابه أيضا (6). # وما ذكروه من الشبه العقلية ، فقد أبطلناها أيضا ؛ فيما تقدم (7). # فهذا ما عندنا في هذه [المسألة (8) ] والله أعلم. # تم تحقيق الجزء الأول والحمد لله رب العالمين # ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الثانى # وأوله النوع الرابع في إبطال التشبيه # وما لا يجوز على الله تعالى PageV01P543 ### | «النوع الرابع» ### | فى إبطال التشبيه ، وما لا يجوز على الله تعالى # ويشتمل على إحدى عشرة مسألة : # الأولى : فى أنه تعالى ليس بجوهر. # الثانية : فى أنه تعالى ليس بجسم. # الثالثة : فى أنه تعالى ليس بعرض. # الرابعة : فى امتناع حلول الحوادث بذاته. # الخامسة : فى أنه ليس فى جهة ، ولا مكان. # السادسة : فى أنه ليس فى زمان. # السابعة : فى أنه لا يحل فى محل. # الثامنة : فى الرد على النصارى. # التاسعة : فى أنه لا يوصف بالألم ، واللذة ، ولا بشيء من أجناس الأعراض. # العاشرة : فى أنه ليس بعاجز. # الحادية عشرة : فى استحالة الكذب فى كلامه. PageV02P005 ### | «المسألة الأولى» ### | «فى أنه ليس بجوهر» # مذهب أهل الحق (1): أن الله تعالى ليس بجوهر. # وذهبت الفلاسفة ، والنصارى إلى أنه تعالى جوهر بسيط لا تركيب فيه. وربما ~~تحاشى بعض الحذاق من الفلاسفة : كابن سينا (2)، وغيره ، من إطلاق اسم ~~الجوهر على الله تعالى مصيرا منه إلى أن الجوهر : هو الذي له ماهية إذا ~~وجدت فى الأعيان كان وجودها لا فى موضوع ؛ وذلك لا يكون إلا فيما وجوده ~~يزيد على ماهيته. والبارى تعالى لا يزيد وجوده على ماهيته ؛ بل ذاته وجوده ~~، ووجوده ذاته ؛ فلا يكون جوهرا. ### ||| ** والمعتمد (3) هو أنا نقول : # لو كان البارى تعالى جوهرا ؛ لم يخل ؛ إما أن يكون جوهرا كالجواهر ، أو ~~لا كالجواهر. ### |||| ** فإن كان الأول : فهو محال لوجوه خمسة : ### |||| ** الأول (4) ### |||| ** : أنه لا يخلو : إما أن ms0310 يكون وجوده واجبا لذاته ، أو ممكنا لذاته. # فإن كان واجبا لذاته : لزم اشتراك جميع الجواهر فى وجوب الوجود لذاتها ؛ ~~ضرورة اشتراكها فى معنى الجوهرية ؛ وهو محال. # انظر التمهيد للباقلانى ص 78 # والإرشاد لإمام الحرمين ص 46 وما بعدها والاقتصاد فى الاعتقاد للغزالى ص ~~20 ونهاية الأقدام للشهرستانى ص 103 وما بعدها وأساس التقديس للرازى ص 16 ~~وما بعدها والمحصل له أيضا ص 113. # ومن كتب الآمدي : غاية المرام ص 182 # ومن كتب المتأخرين المتأثرين بالآمدي : # انظر شرح المواقف 2 / 340 المقصد الثالث. وشرح المقاصد 2 / 48. # نقله بنصه مختصرا ، ثم علق عليه وناقشه فى ص 139 وما بعدها. # ثم عاد ونقل الوجوه الخمسة بالتفصيل وناقشها من أول ص 149 إلى ص 175 ~~وسأشير إلى هذه النقول بالتفصيل. PageV02P007 # وإن كان ممكنا : لزم أن يكون قابلا للحدوث ، والعدم ؛ وهو خلاف الفرض ؛ ~~إذ الكلام إنما هو مفروض فى واجب الوجود لذاته. ### |||| ** الثانى (1) ### |||| ** : أنه إما أن يكون قابلا للتجزئة ، أو لا يكون قابلا للتجزئة. # فإن / كان الأول : لزم أن يكون جسما مركبا ؛ وهو محال كما يأتى (2). # وإن كان الثانى : فيلزم أن يكون فى الحقارة والصغر ، بمنزلة الجوهر الفرد ~~، والله تعالى يتقدس عن ذلك. ### |||| ** الثالث (3) ### |||| ** : أنه لا يخلو : إما أن يكون بذاته قابلا لحلول الأعراض المتعاقبة عليه ، أو ~~لا يكون قابلا لها. # فإن كان الأول : فيلزم أن يكون محلا للحوادث ؛ وهو محال كما يأتى (4). # وإن كان الثانى : فيلزم امتناع ذلك على كل الجواهر ضرورة الاشتراك بينها ~~فى المعنى ؛ وهو محال خلاف المحسوس. ### |||| ** الرابع (5) ### |||| ** : أنه لا يخلو : إما أن تكون ذاته قابلة لأن يشار إليها أنها هاهنا ، أو ~~هاهنا ، أو لا تكون قابلة لذلك. # فإن كان الأول : فيكون متحيزا ؛ إذ لا معنى للتحيز إلا هذا ، والتحيز على ~~الله تعالى محال لوجهين : # الأول : أنه إما أن يكون منتقلا عن حيزه ، أو لا يكون منتقلا عن حيزه. # فإن كان منتقلا عنه ؛ فيكون متحركا. وإن لم يكن منتقلا عنه ؛ فيكون ~~ساكنا. والحركة والسكون حادثان على ما يأتى. وما لا يخلو عن الحوادث ؛ فهو ~~حادث ، والحادث لا يكون واجبا لذاته. PageV02P008 # الوجه الثانى : هو أن ms0311 اختصاصه بحيزه : إما أن يكون لذاته ، أو لمخصص من خارج. # فإن كان لذاته : فليس هو أولى من تخصيص غيره من الجواهر به ضرورة ~~المساواة فى المعنى. # وإن كان بغيره : فيكون الرب تعالى مفتقرا إلى غيره فى وجوده ؛ فلا يكون ~~واجب الوجود لذاته. # وإن كان غير متحيز : لزم فى كل جوهر أن يكون غير متحيز ؛ ضرورة المساواة ~~فى المعنى ؛ وهو محال. # كيف : وأنه لا معنى للجوهر غير المتحيز بذاته ، فما لا يكون كذلك ؛ لا ~~يكون جوهرا. ### |||| ** الخامس (1) ### |||| ** : أنه لو كان جوهرا كالجواهر ؛ لما كان مفيدا لوجود غيره من الجواهر ؛ فإنه ~~لا أولوية لبعض الجواهر بالعلية دون البعض ؛ ويلزم من ذلك أن لا يكون شيء ~~من الجواهر معلولا ، أو أن يكون كل جوهر معلولا للآخر ؛ والكل محال. ### |||| ** فإن قيل : الجواهر وإن تماثلت فى الجوهرية إلا أنها متمايزة ، ومتغايرة بأمور موجبة ~~لتعيين كل واحد منها عن الآخر. # وعند ذلك : فلا مانع من اختصاص بعضها بأمور وأحكام ، لا وجود لها فى ~~البعض الآخر ، ويكون ذلك باعتبار ما به التعين ، لا باعتبار ما به الاشتراك ~~؛ فنقول : والكلام (2) فى اختصاص كل واحد بما به التعين كالكلام فى الأول ؛ ~~وهو تسلسل ممتنع ؛ فلم يبق إلا أن يكون اختصاص كل واحد من المتماثلات بما ~~اختص به لمخصص من خارج ؛ وذلك على الله تعالى محال. # هذا / إن قيل إنه جوهر كالجواهر. # وإن قيل إنه جوهر لا كالجواهر : فهو تسليم للمطلوب ؛ فإنا إنما ننكر كونه ~~جوهرا كالجواهر. وإذا عاد (3) الأمر إلى الإطلاق اللفظى ؛ فالنزاع لفظى ولا ~~مشاحة فيه. إلا من جهة ورود التعبد من الشارع به ؛ ولا يخفى أن ذلك مما لا ~~سبيل إلى إثباته. PageV02P009 # وعلى هذا فمن قال : إنه جوهر بمعنى أنه موجود لا فى موضوع ، والموضع (1) ~~هو المحل المتقوم بذاته المقوم (2) لما يحل (2) فيه كما قاله الفلاسفة ، أو ~~(3) أنه (3) جوهر بمعنى أنه قائم بنفسه غير مفتقر فى وجوده إلى غيره كما ~~قاله [أبو الحسين البصرى (4) ] مع اعترافه أنه لا يثبت له أحكام الجواهر ؛ ~~فقد وافق فى المعنى ، وأخطأ ms0312 فى الإطلاق من حيث أنه لم ينقل عن العرب إطلاق ~~الجوهر بإزاء (5) القائم بنفسه ، ولا ورد فيه إذن من الشارع. ### |||| ** فإن قيل : لا خفاء فى إطلاق اسم الجوهر على الجواهر الحادثة ، وانها مختصة بهذا الاسم ~~عن جميع أجناس الأعراض ، ولا شك أن بين الجواهر والأعراض اتفاقا وافتراقا ، ~~وليس مدلول اسم الجوهر ما به الاتفاق ، وإلا لسميت الأعراض جواهر. # فلم يبق إلا أن يكون المدلول ما به الافتراق ، وما به مفارقة الجواهر ~~للأعراض ، إنما هو قيامها بنفسها ، أو أنها موجودة لا فى موضوع. وهذا ~~المعنى متحقق فى حق الله تعالى فصح تسميته جوهرا ، بالنظر إلى تحقيق موضوع ~~الاسم لغة. # فنقول : من أصحابنا من منع كون الجواهر الحادثة قائمة بأنفسها. وهو ~~اختيار أبى إسحاق الأسفرايينى مصيرا منهم. إلى أن القائم بنفسه هو الغنى ~~المطلق عن الافتقار إلى الغير مطلقا ، وهو على وفق إشعار اللغة ؛ فإنهم ~~يعبرون بالقائم بنفسه عمن يقدرونه مستبدا بنفسه غير محتاج إلى الأعوان ، ~~والأنصار ؛ والجواهر ليست كذلك ؛ فإنها مفتقرة فى حدوثها إلى المحدث ، وفى ~~استمرارها إلى استمرار البقاء وبعض الأعراض. # وعلى هذا فقد امتنع أن يكون مناط اسم الجوهر هو القيام (6) بالنفس. # ثم وإن سلمنا أن الجوهر الحادث قائم بنفسه ؛ فلا نسلم أنه لا امتياز ~~للجواهر عن الأعراض إلا به ؛ فإنها متميزة بكونها متحيزة بذاتها ، وأنها ~~محل الأعراض. فلعل مناط اسم الجوهر هذا ؛ وهو غير متحقق فى الإله تعالى PageV02P010 # سلمنا أن مناط الاسم كونه قائما بنفسه. غير أن ذلك غير كاف فى جواز ~~الإطلاق دون إذن الشارع وإلا لصح تسميته سخيا ؛ لكونه جوادا ؛ إذ هو مدلول ~~اسم السخى فى وضع / اللغة. وأن يسمى فقيها ؛ لكونه عالما ؛ إذ هو مدلول اسم ~~الفقيه لغة ؛ وليس كذلك. ### |||| ** فإن قيل : قد يسمى أصل الشيء جوهرا. ومنه يقال لذات الشيء جوهره. ولنسب الرجل ~~جوهره. وقد يطلق أيضا على كل شيء نفيس خطير أنه جوهر. ومنه يقال لبعض ~~[اللآلى (1) ] النفيسة جوهر ، والبارى تعالى أصل كل شيء ، وأنفس من كل نفيس ~~؛ فكان جوهرا. # قلنا : إن لم ms0313 يكن المصحح لإطلاق اسم الجوهر فى الشاهد موجودا فى الغائب ؛ ~~فقد امتنع الإلحاق ، وإن كان موجودا ، فإنما يصح الإلحاق أن لو صح القياس ~~فى اللغة ؛ وهو غير مسلم ، وإن صح ؛ ولكن لا بد من الإطلاق الشرعى ، والإذن ~~فيه على ما تقدم. PageV02P011 ### | «المسألة الثانية» ### | فى أن البارى (1) تعالى ليس بجسم ### |||| ** مذهب أهل الحق (2): أن البارى تعالى ليس بجسم. ### |||| ** وذهب بعض الجهال : إلى أنه جسم. ثم اختلفوا. ### |||| ** فذهب بعض الكرامية (3): إلى أنه جسم ، بمعنى أنه موجود. ### |||| ** وذهب بعضهم : إلى أنه جسم ، بمعنى أنه قائم بنفسه. ### |||| ** وذهب بعض المجسمة : إلى أنه جسم حقيقة ، وأنه متصف بأحكام الأجسام ( (4) وأنه متصف بصفات ~~الجسمية (4)). # ثم إن منهم من قال : إنه مركب من لحم ودم ، كمقاتل بن سليمان (5)، وغيره. # ومنهم من قال : أنه نور يتلألأ : كالسبيكة البيضاء ، وطوله سبعة أشبار ~~بشبر نفسه. # ومن المجسمة من غالا وقال : إنه على صورة الإنسان. # لكن منهم من قال : على صورة شاب أمرد جعد قطط. # انظر مقالات الإسلاميين للأشعرى 1 / 281 وما بعدها # والإرشاد لإمام الحرمين ص 42 44 والاقتصاد فى الاعتقاد للغزالى ص 21. # والمحصل للرازى ص 114 وأساس التقديس له أيضا ص 15 32. # ومن كتب الآمدي : غاية المرام ص 185. # ومن كتب المتأخرين المتأثرين بالآمدي انظر شرح الطوالع ص 157 والمواقف ~~للإيجي ص 273 وشرح المقاصد 2 / 48. # انظر الفرق بين الفرق للبغدادى ص 215 وما بعدها والملل والنحل للشهرستانى ~~1 / 108 113. # ومن الدراسات الحديثة : نشأة الفكر الفلسفى فى الإسلام للنشار ص 401 وما بعدها # ومذهب الكرامية رسالة ماجستير بكلية آداب عين شمس. أعدتها سهير مختار. # ولمزيد من البحث والدراسة راجع ما سيأتى فى الجزء الثانى القاعدة السابعة ~~ل 256 / ب ففيه تفصيل لمذهب الكرامية والمشبهة على وجه العموم. # أصله من بلخ وانتقل إلى البصرة ثم بغداد ، وحدث بها ، وهو من المشبهة ~~المجسمة ، وقد اعتبره الشافعى أكبر مفسر وأن الناس عيال فى التفسير عليه. ~~توفى بالبصرة سنة 150 ه. (الوفيات : الترجمة رقم 704 ج 4 ص 341 وميزان ~~الاعتدال 3 : 196 والأعلام 8 : 206 ومعجم المؤلفين 12 : 317). أما عن رأيه ~~فانظر نشأة الفكر الفلسفى فى الإسلام للنشار ص 394. PageV02P012 # ومنهم من قال : إنه على صورة شيخ ms0314 أشمط الرأس واللحية ، تعالى الله عن قول ~~المبطلين. ### ||| ** والمعتمد (1) فى نفى التجسيم أن يقال : # لو كان البارى تعالى جسما : فإما أن يكون كالأجسام ، أو لا كالأجسام. # فإن كان كالأجسام ، فهو محال لثمانية أوجه. # منها أربعة : وهى ما ذكرناها فى استحالة كونه جوهرا : وهى الأول ، ~~والثالث ، والرابع ، والخامس. (2) ويختص الجسم بأربعة أوجه : ### |||| ** الأول : أنه إذا ثبت أن الرب تعالى غير متصف بكونه جوهرا ؛ امتنع أن يكون متصفا ~~بكونه جسما ، لأن الجسم مركب من الجواهر ، ومفتقر إليها. ويلزم من انتفاء ~~ما لا بد منه فى كونه جسما ، أن لا يكون جسما (3). ### |||| ** الثانى (4) ### |||| ** : أنه قد ثبت أن الرب تعالى متصف بالعلم ، والقدرة ، والإرادة ، وغير ذلك من ~~الصفات المثبتة من قبل. فلو كان البارى تعالى جسما كالأجسام ، للزم من ~~اتصافه بهذه الصفات المحال ، وما لزم منه المحال ؛ فهو محال. # وبيان ذلك من وجهين : ### |||| ** الأول : أنه لو اتصف بكل واحدة / من هذه الصفات : فإما أن يكون كل جزء من أجزائه ~~متصفا بجميع هذه الصفات ، وإما أن يكون المتصف بجملتها بعض الأجزاء دون ~~البعض ، وإما أن يكون كل جزء مختصا بصفة. وإما أن تقوم كل صفة من هذه ~~الصفات مع اتحادها بجملة الأجزاء. # فإن كان الأول : فيلزم منه تعدد الآلهة ، وهو محال كما يأتى. # قول الآمدي فى نفى التجسيم من أول قوله : «والمعتمد فى نفى التجسيم .. ~~إلى قوله : ويختص الجسم بأربعة أخرى». ثم علق عليه وناقشه فى ص 138 وما بعدها. # من أول قول الآمدي : «أنه قد ثبت أن الرب تعالى متصف بالعلم ... إلى قوله ~~: فهو محال لما فيه من قيام المتحد بالمتعدد» ملخصا ثم علق عليه وناقشه فى ~~ص 187 إلى ص 194. PageV02P013 ### |||| ** وإن كان الثانى : فهو ممتنع لوجهين : ### |||| ** الأول : أنه لا أولوية بأن (1) يكون (1) بعض الأجزاء متصفا بها ، دون الباقى ، مع ~~التساوى فى المعنى. ### |||| ** فإن قيل : هذا إنما يلزم أن لو تساوت الأجزاء. ولعله مركب من أجزاء مختلفة بالنوعية. ~~وعلى هذا فلا يقال لا أولوية. ### |||| ** فنقول : تلك الأجزاء إما أن تكون أيضا أجساما ، أو جواهر بسيطة لا ms0315 تركيب فيها. # فإن كان الأول : فالكلام فى اتصاف ذلك الجسم الذي هو الجزء كالكلام فى ~~الأول ؛ وهو تسلسل ممتنع. ### |||| ** وإن كان الثانى : فذلك الجزء هو الإله ، وهو عود إلى أن الرب تعالى جوهر ، وقد أبطلناه. ### |||| ** الوجه الثانى : أنه (2) يلزم أن يكون الإله تعالى هو ذلك الجزء دون غيره ، ولا يمكن أن ~~يقال بأنه وإن قامت هذه الصفات بجزء واحد إلا أن الحكم بالعالمية ، ~~والقادرية ، وغير ذلك يعم الجملة. فإنا سنبين أن حكم العلة لا يتعدى محلها. # وإن كان الثالث : وهو أن يكون كل جزء مختصا بصفة من جملة الصفات ، ولا ~~وجود لغيرها فيه ؛ فلا أولوية أيضا. # وإن كان الرابع : فهو محال : لما فيه من قيام المتحد بالمتعدد. # الوجه الثانى (3): فى بيان لزوم المحال من اتصافه بهذه الصفات. وهو أنه ~~لا يخلو : إما أن يكون اتصافه بها واجبا لذاته ، أو لغيره. # لا جائز أن يقال بالأول : وإلا لزم اتصاف كل جسم بها وجوبا لذاته للتساوى ~~فى الحقيقة على ما وقع به الفرض. # وإن كان الثانى : فيلزم أن يكون الرب تعالى مفتقرا إلى ما يخصصه بصفاته ، ~~والمحتاج الى غيره فى إفادة صفاته له لا يكون إلها (4). PageV02P014 ### |||| ** الثالث (1) ### |||| ** : هو أنه لو كان جسما ؛ لكان له بعد ، وامتداد ، وذلك [البعد (2) ] إما أن ~~يكون غير متناه ، أو متناهيا. # فإن كان غير متناه : فإما أن يكون غير متناه من جميع الجهات ، أو من بعض ~~الجهات دون البعض. # فإن كان الأول : فهو محال لوجهين : # الأول : ما سنبينه من إحالة بعد لا يتناهى. # والثانى : أنه يلزم منه أن لا يوجد جسم غيره ، أو أن يداخل الأجسام ، ~~ويخالط القاذورات ؛ وهو محال. # / وإن كان الثانى : فهو ممتنع أيضا لوجهين : # الأول : ما سنبينه أيضا من إحالة بعد لا يتناهى. # والثانى : أنه إما أن يكون اختصاص أحد الطرفين بالنهاية ، دون الآخر ~~لذاته ، أو لمخصص من خارج. # فإن كان الأول : فهو محال ؛ لعدم الأولوية. # وإن كان الثانى : فيلزم أن يكون الرب تعالى مفتقرا فى إفادة مقداره إلى ~~موجب ومخصص ، ولا معنى للبعد غير ms0316 نفس الأجزاء على ما تقدم ؛ فيكون الرب ~~تعالى معلول الوجود ؛ وهو محال. # وإن كان متناهيا من جميع الجهات : فله شكل ومقدار. وهو إما أن يكون مختصا ~~بذاك المقدار ، والشكل : إما لذاته ، أو لأمر خارج. # فإن كان الأول : لزم اشتراك جميع الأجسام فيه ، ضرورة الاتحاد فى ~~الطبيعة. # وإن كان الثانى : فالرب تعالى محتاج فى وجوده إلى غيره ؛ وهو محال (3). ### |||| ** الرابع (4). أنه لو كان جسما ؛ لكان مركبا من الأجزاء ؛ وهو محال لوجهين : PageV02P015 ### |||| ** الأول : أنه يكون مفتقرا إلى كل واحد من تلك الأجزاء ضرورة استحالة وجود المركب دون ~~أجزائه ، وكل واحد منها غير مفتقر إليه. وما افتقر إلى غيره كان ممكنا ، لا ~~واجبا لذاته. وقد قيل : إنه واجب لذاته. ### |||| ** الثانى (1) ### |||| ** : أن تلك الأجزاء : إما أن تكون واجبة الوجود لذاتها ، أو ممكنة ، أو البعض ~~واجبا ، والبعض ممكنا. لا جائز أن يقال بالأول : على ما سيأتى (2) تحقيقه ~~فى إثبات الوحدانية. # وإن كان الثانى ، أو الثالث : فلا يخفى أن المفتقر إلى الممكن المحتاج ~~إلى الغير أولى بالإمكان والاحتياج. والممكن المحتاج لا يكون واجبا لذاته ، ~~وما لا يكون واجبا لذاته ؛ لا يكون إلها (3). هذا كله إن قيل إنه جسم ~~كالأجسام. # وإن قيل : إنه جسم لا كالأجسام. كان النزاع فى اللفظ ، دون المعنى. ~~والطريق فى الرد ، ما أسلفناه فى كونه جوهرا (4). # فإن [قيل] (5): ما نشاهده من الموجودات ، ليس الا أجساما وأعراضا. ~~وإثبات قسم ثالث مما لا نعقله. # وإذا كانت الموجودات منحصرة فى الأجسام ، والأعراض ؛ فالبارى تعالى ليس ~~بعرض ؛ لأن العرض مفتقر إلى الجسم ، والبارى تعالى لا يفتقر إلى شيء ، وإلا ~~كان ما يفتقر إليه أشرف منه ؛ وهو محال. وإذا لم يكن عرضا : تعين أن يكون جسما. ### |||| ** وأيضا : فإنه قد ثبت أن الرب تعالى فاعل على الحقيقة ، ولم نشاهد فاعلا على ~~الحقيقة إلا جسما. حتى أنه لو أخبر مخبر أنه رأى فاعلا على الحقيقة ليس ~~بجسم ؛ لكان ذلك منه مستنكرا : كاستنكاره أنه شاهد اجتماع السواد ، ~~والبياض. PageV02P016 # وإذا ثبت استحالة كون الفاعل / فاعلا (1) فى الشاهد (1). وليس بجسم ؛ ~~فكذلك فى الغائب ms0317 ، وهذا كما أنه لما استحال كون العالم عالما فى الشاهد ~~بدون العلم ، وبدون الحياة ؛ وجب طرد ذلك فى الغائب. # وأيضا : فإنه قد ثبت (2) أن الله تعالى عالم بالأجسام. ولا معنى لكونه ~~عالما بها ، غير انطباع صورها فى نفسه. وانطباع المتجزئ فى غير المتجزئ محال. # وأيضا (2): قد ثبت اتصاف الرب تعالى بالعلم ، والقدرة ، وغير ذلك من ~~الصفات ، ولا معنى لقيام الصفة بالموصوف إلا أنها موجودة فى الحيز تبعا ~~لمحلها. وإلا فلا يكون قيام أحدهما بالآخر ، بأولى من العكس. وإذا كان ~~البارى تعالى فى الجهة كان جسما. # وأيضا : فيدل على كونه جسما : ما ورد من الظواهر الدالة على كونه بوجه ، ~~ويدين ، وعينين ، إلى غير ذلك من الصفات الخبرية ؛ وذلك دليل على كونه جسما. # ثم وإن سلمنا أنه ليس جسما على الحقيقة ؛ ولكن ما المانع من إطلاق اسم ~~الجسم عليه؟ وإن لم يكن جسما فى الحقيقة. كما أطلق عليه أنه نفس ، وورد به ~~القرآن بقوله تعالى ( @QUR@09 تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ) (3). ~~وليس بنفس حقيقة ؛ إذ النفس لا تخرج عن كونها جسما لطيفا ، أو جوهرا ، أو ~~عرضا ، على اختلاف المذاهب. ### ||| ** والجواب : # أما الشبهة الأولى : فمندفعة ، فإن حاصلها يرجع إلى الوهم بإعطاء الغائب ~~، حكم الشاهد ، من غير جمع بجامع ، والحكم على غير المحسوس ، بمثل ما حكم ~~به على المحسوس ؛ وهو كذب غير صادق كما سلف (4). وذلك : كحكم الوهم (5) ~~على أن أبعاد العالم لا نهاية لها ، وأنه ما من نهاية ، إلا وبعدها نهاية ~~أخرى ، إلى ما لا يتناهى. # وإن كان العقل قد دل على النهاية. PageV02P017 # ثم ولو لزم أن يكون جسما كما فى الشاهد ؛ للزم أن يكون حادثا كما فى ~~الشاهد. وإن كان لا يخلو عن الأعراض التى لا تخلو عنها الأجسام فى الشاهد : ~~كالحركة ، والسكون ، وغير ذلك ؛ وبه اندفاع الشبهة الثانية أيضا. # وما استشهدوا به من فصل العلم ، والعالم عنه جوابان : # الأول : لا نسلم أن كون العالم عالما ، يزيد على قيام العلم به حتى يكون ~~العلم علة له (1)، على ما سيأتى ms0318 (1) فى إبطال الأحوال. # الثانى : وإن سلمنا ذلك ؛ ولكن لا نسلم أن مستند كونه علة فى الغائب ؛ ~~لكونه عالما ؛ القياس على الشاهد ؛ بل مستند ذلك إنما هو الدليل القاطع ~~العقلى. العام للشاهد ، والغائب. أما أن يكون أحدهما مقاسا على الآخر ؛ فلا. # وأما شبهة الانطباع / فقد سبق جوابها (2). # والقول بأنه لا معنى لقيام الصفة بالموصوف غير وجودها فى الجهة تبعا ~~لمحلها ؛ غير مسلم. # وأما الظواهر الدالة على التجسيم ؛ فقد سبق جوابها (3). ### |||| ** قولهم : ما المانع من مجرد التسمية؟ ### |||| ** قلنا : لعدم مساعدة اللغة ، وورود الإذن من الشارع بذلك ولا يلزم من تسميته نفسا ~~؛ تسميته جسما ؛ فإن مدلول النفس فى كل شيء ذاته وحقيقته ، ولهذا يقال : ~~نفس الجوهر ، ونفس العرض إشارة إلى ذاته. والرب تعالى له ذات وحقيقة ؛ فكان ~~(4) مسمى باسم النفس. # وإن سلمنا (5) إطلاق الاسم مجردا عن مسماه ؛ فلا يلزم مثله فى الجسم من ~~غير جامع ، وإن وجد الجامع ، فإنما يصح القياس ، والإلحاق أن لو كان القياس ~~فى اللغة صحيحا ؛ وهو ممنوع. وإلا لصح أن يسمى سخيا وفقيها ؛ وهو باطل كما سبق. PageV02P018 ### | «المسألة الثالثة» ### | فى أنه تعالى ليس بعرض (1) # وقد اتفق العقلاء على أن الرب تعالى ليس بعرض ؛ لأنه لو كان عرضا : فإما ~~أن يكون من جنس الأعراض ، أو لا يكون من جنس (2) الأعراض (2). ### |||| ** فإن كان من جنس الأعراض : فهو ممتنع لأربعة أوجه : ### |||| ** الأول : أنه لو كان من جنسها ؛ لكان ممكنا ، أو كانت باقى الأعراض واجبة ؛ ضرورة ~~التساوى فى معنى العرضية ؛ وهو محال. ### |||| ** الثانى : أنه لو كان من جنسها : فإما أن يفتقر إلى محل يقوم به ، أو لا يفتقر. # فإن كان الأول : خرج عن كونه واجب الوجود لذاته ؛ لافتقاره إلى ما يقومه ~~فى وجوده. # وإن كان الثانى : لزم منه استغناء باقى الأعراض عن المحل ، ضرورة الاتحاد ~~فى معنى العرضية. ### |||| ** الثالث : أنه لو كان عرضا لاستحال بقاؤه على ما يأتى. وخرج عن كونه واجب الوجود لذاته. ### |||| ** الرابع : أنه قد ثبت كون الرب تعالى متصفا بالصفات النفسانية من العلم ، والقدرة ، ~~وغير ذلك. وهذه الصفات معان ؛ فلو ms0319 كان عرضا ؛ لكان معنى. والمعنى لا يقوم ~~بالمعنى ، على ما يأتى تحقيقه. هذا إن كان من جنس الأعراض. ### |||| ** وإن لم يكن من جنسها : فحاصل النزاع راجع إلى اللفظ دون المعنى ؛ كما سبق ، ولا وجه لإطلاقه مع ~~عدم ورود الشارع به ، والله أعلم. # انظر شرح الطوالع ص 162 والمواقف للإيجي ص 273 وشرح المقاصد 2 / 48. # ومن كتب المعتزلة : انظر شرح الأصول الخمسة ص 230 وما بعدها. PageV02P019 ### | «المسألة الرابعة» ### | فى بيان امتناع حلول الحوادث (1) بذات الرب تعالى. (2) # وقبل (3) الخوض فى الحجاج لا بد من تخليص محل النزاع فنقول / المراد ~~بالحادث المتنازع فيه ، الموجود بعد العدم ، كان ذاتا قائمة بنفسها : ~~كالجواهر ، أو صفة لغيره : كالأعراض. # وأما ما لا وجود له : كالعدم ، أو الأحوال عند القائلين بها ؛ فإنها غير ~~موصوفة بالوجود ، ولا بالعدم : كالعالمية ، والقادرية ، والمريدية ، ونحو ~~ذلك. أو الكسب ، والإضافات ؛ فإنها عند المتكلم أمور وهمية لا وجود لها. ~~فما تحقق من ذلك بعد أن لم يكن فيقال له متجدد ، ولا يقال له حادث. ### ||| ** وعند هذا فنقول : # اتفق العقلاء من أرباب الملل ، وغيرهم على استحالة قيام الحوادث بذات ~~الرب تعالى غير المجوس (4)، والكرامية ، فإنهم اتفقوا : على جواز قيام (5) ~~الحوادث بذات الرب تعالى (5). غير أن الكرامية لم يجوزوا قيام كل حادث ~~بذات الرب تعالى ؛ بل قال أكثرهم : هو ما يفتقر إليه فى الإيجاد ، والخلق. # ومن كتب الآمدي غاية المرام ص 186 وما بعدها. # ومن كتب المتأخرين : # انظر شرح الطوالع ص 159 والمواقف ص 275 وشرح المقاصد 2 / 52. # ومن فرقهم الرئيسية : الكيومرثية : أصحاب المقدم الأول كيومرث. ~~والزروانية ، والزردشتية. # (انظر المغنى 5 / 71 79 والملل والنحل 2 / 35 49. ونشأة الفكر الفلسفى 1 ~~/ 239 وما بعدها). PageV02P020 # ثم اختلفوا فى هذا الحادث. # فمنهم من قال : هو قوله : ( @QUR@01 لكن ). # ومنهم من قال : هو الإرادة. فخلق الإرادة (1)، أو القول (1) فى ذاته ~~يستند إلى القدرة القديمة لا أنه حادث بإحداث. # وأما خلق باقى المخلوقات فمستند إلى الإرادة (2)، أو القول (2) على ~~اختلاف مذاهبهم. فالمخلوق القائم بذاته يعبرون عنه بالحادث. والخارج عن ~~ذاته يعبرون عنه بالمحدث. # ومنهم من زاد على ذلك حادثين آخرين : وهما السمع ، والبصر. # وأجمعت الكرامية : على ms0320 أن ما قام بذاته من الصفات الحادثة ، لا يتجدد له ~~منها اسم ، ولا يعود إليه منها حكم ، حتى أنه لا يقال : إنه قائل بقول ، ~~ولا مريد بإرادة ؛ بل قائل بالقائلية ، ومريد بالمريدية. ولم يجوزوا عليه ~~إطلاق اسم متجدد لم يكن فيما لا يزال ؛ بل قالوا أسماؤه كلها أزلية حتى ~~الرازق ، والخالق ، وإن لم يكن فى الأزل رزق ، ولا خلق. # وأما ما كان من الصفات المتجددة التى لا وجود لها. فما كان منها حالا ؛ ~~فقد اتفق المتكلمون على امتناع اتصاف الرب تعالى بها ؛ غير أبى الحسين ~~البصرى ، فإنه قال : # تتجدد عالميات الله تعالى بتجدد المعلومات. وما كان من النسب ، والإضافات ~~، والمتعلقات ؛ فمتفق بين أرباب العقول على جواز اتصاف الرب تعالى بها حتى ~~يقال إنه موجود مع العالم ، بعد أن لم يكن ، وأنه خالق للعالم بعد أن لم ~~يكن. وما كان من الأعدام ، والسلوب ، فإن كان سلب أمر يستحيل / تقدير وجوده ~~لله تعالى ؛ فلا يكون متجددا بالإجماع ؛ لكونه ليس بجسم ، ولا جوهر ، ولا ~~عرض ، إلى غير ذلك. # وإن كان سلب أمر لا يستحيل تقدير اتصاف الرب تعالى به : كالنسب ، ~~والإضافات ؛ فغير ممتنع أن يتصف به الرب تعالى بعد أن لم يكن بالاتفاق ؛ ~~فإنه إذا كان الحادث موجودا صح أن يقال : الرب تعالى موجود مع وجوده ، ~~وتنعدم هذه المعية PageV02P021 # عند فرض عدم ذلك الحادث ، فيتجدد له صفة سلب بعد أن لم تكن (1)، واذا ~~أتينا على تلخيص محل النزاع ؛ فنعود إلي المقصود. # وقد (2) احتج أهل الحق على امتناع قيام الحوادث بذات الرب تعالى بحجج ~~ضعيفة : ### ||| ** الحجة الأولى : ### |||| ** قالوا : لو كان البارى تعالى قابلا لحلول الحوادث بذاته ؛ لما خلا عنها ، أو عن ~~أضدادها ، وضد الحادث حادث. وما لا يخلو عن الحوادث ؛ فيجب أن يكون حادثا ، ~~والرب تعالى ليس بحادث ، وهذه الحجة مبنية على خمس مقدمات : # المقدمة الأولى : أن كل صفة حادثة لا بد لها من ضد. # والثانية : أن ضد الصفة الحادثة لا بد ، وأن يكون حادثا. # والثالثة : أن ما قبل حادثا ؛ فلا يخلو عنه ، وعن ms0321 ضده. # والرابعة : أن ما لا يخلو عن الحوادث ؛ حادث. # والخامسة : أن الحدوث على الرب تعالى محال. # أما أن الرب تعالى ليس بحادث ؛ فقد سبق تقريره (3). # وأما أن ما لا يخلو عن الحوادث ؛ فهو حادث ؛ فسيأتى تقريره فى حدوث ~~الجواهر (4). وإنما الإشكال فى المقدمات الثلاث الأول ؛ وذلك أن لقائل أن يقول : ### |||| ** قولكم : إن كل صفة حادثة لا بد لها من ضد : فإما أن يراد بالضد معنى وجودى يستحيل ~~اجتماعه مع تلك الصفة لذاتيهما ، وإما أن يراد به ما هو أعم من ذلك ؛ وهو ~~ما لا يتصور اجتماعه مع وجود الصفة لذاتيهما وإن كان عدما ، حتى يقال : بأن ~~عدم الصفة يكون ضدا لوجودها. # من أول قول الآمدي «وقد احتج أهل الحق ... فلا مناقضة». PageV02P022 ### |||| ** فإن كان الأول : فلا نسلم أنه لا بد وأن يكون للصفة ضد بذلك الاعتبار ، والاستدلال على موقع ~~المنع عسير جدا. ### |||| ** وإن كان الثانى : فلا نسلم أنه يلزم أن يكون ضد الحادث حادثا وإلا كان عدم العالم السابق على ~~وجوده حادثا. ولو كان عدمه حادثا ، كان وجوده سابقا على عدمه ؛ وهو محال. # ثم وإن سلمنا أنه لا بد وأن يكون ضد الحادث معنى وجوديا ؛ ولكن لا نسلم ~~امتناع خلو المحل عن الصفة وضدها بهذا الاعتبار. وحيث قررنا فى مسألة ~~الكلام والإدراكات / أن القابل لصفة لا يخلو عنها ، أو عن ضدها. إنما كان ~~بالمعنى الأعم ، لا بالمعنى الأخص ، فلا مناقضة (1). ### ||| ** الحجة (2) الثانية : # أنه لو قامت الحوادث بذاته ؛ لكان لها سبب. والسبب إما الذات ، أو خارج عنها. # فإن كان هو الذات : وجب دوامها بدوام الذات ، وخرجت عن أن تكون حادثة. # وإن كان خارجا عن الذات : فإما أن يكون معلولا للإله تعالى أو لا يكون ~~معلولا له. # فإن كان الأول : لزم الدور. # وإن كان الثانى : فذلك الخارج يكون واجب الوجود لذاته ، ومفيدا للإله ~~تعالى صفاته ؛ فكان أولى أن يكون هو الإله. # وهذه المحالات إنما لزمت من قيام الحوادث بذات الرب تعالى فكان محالا. ### ||| ** ولقائل أن يقول : # وإن افتقرت الصفات الحادثة إلى سبب ؛ فالسبب ms0322 إنما هو القدرة القديمة ، ~~والمشيئة الأزلية القائمة بذات الرب تعالى كما هو مذهب الكرامية على ما ~~أوضحناه. فليس PageV02P023 # السبب هو الذات ، ولا خارج عنها. ولا يلزم من دوام القدرة ، دوام المقدور ~~، وإلا كان العالم قديما ، وهو محال. ### |||| ** فإن قيل : إذا كان المرجح للصفة الحادثة ، هو القدرة القديمة والاختيار ؛ فلا بد وأن ~~يكون الرب تعالى قاصدا لمحل حدوثها ، ومحل حدوثها ليس إلا ذاته ؛ فيجب أن ~~يكون قاصدا لذاته (1)، والقصد إلى الشيء يستدعى كونه فى الجهة ؛ وهو باطل ~~(2)، ثم ولجاز قيام كل حادث ، (3) وهو محال (3). # وأيضا فإن الصفة الحادثة عند الكرامية إنما هى قوله كن ، والإرادة التى ~~هى مستند وجود المحدثات. # وعند ذلك : فلا حاجة إلى الحادث الذي هو القول ، أو الإرادة ؛ لإمكان ~~إسناد جميع المحدثات إلى القدرة القديمة. ### |||| ** قلنا : أما الأول : فمندفع ، فإن القصد إلى إيجاد الصفة ، وإن استدعى القصد إلى ~~محل حدوثها ، فإنما يلزم من ذلك أن يكون المحل فى الجهة أن لو كان القصد ~~بمعنى : # الاشارة إلى الجهة. وليس كذلك ؛ بل بمعنى : إرادة إحداث الصفة فيه ، وذلك ~~غير موجب للجهة. ثم وإن كان القصد إلى إيجاد الصفة فى المحل يوجب كون المحل ~~فى جهة ؛ فيلزم من ذلك امتناع القصد من الله تعالى إلى إيجاد الأعراض ؛ لأن ~~القصد إلى إيجادها يكون قصدا لمحالها ، ويلزم من ذلك أن تكون محالها فى ~~الجهات ، والقصد إلى ما هو فى جهة ممن ليس فى الجهة محال. وذلك / يفضى إلى ~~أن يكون الرب تعالى فى الجهة عند قصد خلق الأعراض ؛ وهو محال. # والقول بأنه إذا جاز خلق بعض الحوادث فى ذاته ، جاز خلق كل حادث ، فدعوى ~~مجردة ، وقياس من غير جامع ؛ وهو باطل على ما أسلفناه فى تحقيق (4) الدليل. ### |||| ** وأما الثانى : فحاصله يرجع إلى لزوم رعاية الغرض (5)، والحكمة (5) فى أفعال الله تعالى ~~؛ وهو غير موافق لأصولنا. PageV02P024 # وإن كان ذلك بطريق الإلزام للخصم ؛ فلعله لا يقول به. وإن كان قائلا به ؛ ~~فليس القول بتخطئته فى القول بحلول الحوادث بذات الرب تعالى ضرورة تصويبه ~~فى رعاية الحكمة ms0323 أولى من العكس (1). ### ||| ** الحجة (2) الثالثة : # أنه يقال : لو كان قابلا لحلول الحوادث بذاته ؛ لكان قابلا لها فى الأزل. ~~وإلا كانت القابلية عارضة لذاته ، واستدعت قابلية أخرى ؛ وهو تسلسل ممتنع. ~~وكون الشيء قابلا للشىء فرع إمكان وجود المقبول ؛ إذ القابلية نسبة بين ~~القابل والمقبول ؛ فيستدعى تحقق كل واحد منهما ، ويلزم من ذلك إمكان حدوث ~~الحوادث فى الأزل ، وحدوث الحوادث فى الأزل ؛ ممتنع ؛ للتناقض بين كون ~~الشيء أزليا ، وبين كونه حادثا. ### ||| ** ولقائل أن يقول : # لا نسلم أنه لو كان قابلا لحلول الحوادث بذاته ؛ لكان قابلا لها فى الأزل ~~؛ فإنه لا يلزم من القبول للحادث فيما لا يزال مع إمكانه القبول له أزلا مع ~~كونه غير ممكن أزلا. # والقول بأنه يلزم منه التسلسل ؛ يلزم عليه الإيجاد بالقدرة للمقدور ، ~~وكون الرب خالقا للحوادث ؛ فإنه نسبة متجددة بعد أن لم تكن ، فما هو الجواب ~~به هاهنا يكون الجواب ثم. # وإن سلمنا أنه يلزم من القبول فيما لا يزال ، القبول أزلا ؛ فلا نسلم أن ~~ذلك يوجب إمكان وجود المقبول أزلا. ولهذا على أصلنا البارى تعالى موصوف فى ~~الأزل بكونه قادرا على خلق العالم ؛ ولا يلزم منه إمكان وجود العالم أزلا (3). # ثم علق عليه وناقشه فى ص 63 وما بعدها. PageV02P025 ### ||| ** الحجة (1) الرابعة : # أنه لو قامت الحوادث بذاته ؛ لكان متغيرا. والتغير على الله تعالى محال. ~~ولهذا قال (الخليل (2)) عليه السلام : ( @QUR@03 لا أحب الآفلين ) (3) أى ~~المتغيرين. ### ||| ** ولقائل أن يقول : # إن أردتم بالتغير حلول الحوادث بذاته ؛ فقد اتحد اللازم والملزوم ، وصار ~~حاصل الشرطية : لو قامت الحوادث بذاته / ؛ لقامت الحوادث بذاته ؛ وهو غير ~~مفيد ، ويكون القول بأن التغير على الله تعالى بهذا الاعتبار محال دعوى محل ~~النزاع ؛ فلا تقبل. # وإن أردتم بالتغير معنى آخر وراء قيام الحوادث بذات الله تعالى ؛ فهو غير ~~مسلم ، ولا سبيل إلى إقامة الدلالة عليه. # وأما المعتزلة (4): فمنهم من قال : # المفهوم من قيام الصفة بالموصوف ، حصولها فى الحيز تبعا لحصول محلها فيه ~~، والبارى تعالى ليس بمتحيز ؛ فلا تقوم بذاته الصفة. # ومنهم من قال : الجوهر إنما صح قيام الصفات ms0324 به ، لكونه متحيزا ؛ ولهذا ~~فإن الأعراض لما لم تكن متحيزة ؛ لم يصح قيام المعانى بها ، والبارى تعالى ~~ليس بمتحيز ؛ فلا يكون محلا للصفات وهاتان شبهتان تدلان على انتفاء الصفة ~~عن الله تعالى مطلقا كانت قديمة ، أو حادثة ؛ وهما ضعيفتان جدا. ### |||| ** أما الشبهة الأولى : فلقائل أن يقول : لا نسلم أنه لا معنى لقيام الصفة بالموصوف إلا ما ذكروه ؛ ~~بل معنى قيام الصفة بالموصوف تقوم الصفة بالموصوف فى الوجود. # وعلى هذا فلا يلزم أن يكون المعلول قائما بالعلة ؛ لكونه متقوما بها فى ~~الوجود ؛ إذ ليس المعلول صفة ، ولا العلة موصوفة به. # وقد نقل ابن تيمية كلام الآمدي من أول قوله «وأما المعتزلة فى كتابه (درء ~~تعارض العقل والنقل 4 / 78). PageV02P026 ### |||| ** وأما الشبهة الثانية : فلقائل أن يقول : لا نسلم أن قيام الصفات بالجوهر ؛ لكونه متحيزا ؛ بل أمكن ~~أن يكون ذلك بمعنى مشترك بينه وبين البارى (1) تعالى وإن كان ذلك لكونه ~~متحيزا ؛ فلا يلزم من انتفاء الدليل فى حق الله تعالى انتفاء المدلول ؛ كما ~~تقدم تحقيقه. # كيف : وقد أمكن أن يكون ذلك لمعنى اختص به (2) البارى (2) تعالى ولا ~~يمتنع تعليل الحكم الواحد بعلتين فى صورتين (3). ### ||| ** والمعتمد (4) فى المسألة حجتان : تقريرية ، وإلزامية : ### |||| ** أما التقريرية : فهو أن يقال : # لو جاز قيام الصفات الحادثة بذات الرب تعالى فإما أن توجب نقصا فى ذاته ، ~~أو فى صفة من صفاته ، أو لا توجب شيئا من ذلك. ### |||| ** فإن كان الأول : فهو محال باتفاق العقلاء ، وأهل الملل. ### |||| ** وإن كان الثانى : فإما أن تكون فى نفسها صفة كمال ، أو لا صفة كمال. لا جائز أن يقال ~~بالأول : وإلا كان الرب تعالى ناقصا قبل اتصافه بها ؛ وهو محال أيضا ~~بالاتفاق. # ولا جائز أن يقال بالثانى لوجهين : ### |||| ** الأول : اتفاق الأمة ، وأهل الملل قبل الكرامية على امتناع اتصاف / الرب تعالى بغير ~~صفات الكمال ، ونعوت الجلال. ### |||| ** الثانى : هو أن وجود كل شيء أشرف من عدمه ؛ فوجود الصفة فى نفسها ، أشرف من عدمها ، ~~فإذا كان اتصاف الرب تعالى بها لا يوجب نقصا فى ذاته ، ولا فى صفة PageV02P027 # من صفاته ms0325 على ما وقع به الفرض ، فاتصافه إذن إنما هو فى نفسه كمال لا عدم ~~كمال. ولو كان كذلك ؛ لكان ناقصا قبل اتصافه بها ؛ وهو محال كما سبق (1). ### |||| ** الحجة الثانية (2): من جهة المناقضة للخصم ، والإلزام ، وذلك من ثمانية أوجه : ### |||| ** الأول : أن من مذهب الكرامية : أنهم لا يجوزون إطلاق اسم متجدد على الله تعالى فيما ~~لا يزال كما بيناه من قبل ، فلو قامت بذاته صفات حادثة ؛ لاتصف بها ، وتعدى ~~إليه حكمها : كالعلم ، فإنه إذا قام بمحل وجب اتصافه بكونه عالما ، وكذا فى ~~سائر الصفات القائمة بمحالها. وسواء كان المحل قديما ، أو حادثا. وسواء ~~كانت الصفة قديمة ، أو حادثة ؛ إذ لا فرق بين القديم ، والحادث من حيث أنه ~~محل قامت به صفة ؛ إلا فيما يرجع إلى أمر خارج ؛ فلا أثر له. # وإذا ثبت ذلك ، فيلزم أن يقال : إنه قائل بقول ، ومريد بإرادة ، ويلزم من ~~ذلك تجدد اسم لم يكن له قبل قيام الصفة الحادثة به ؛ وهو مناقض لمذهبهم (3). ### |||| ** الثانى (4) ### |||| ** : هو أن الكرامية موافقون على أن القول ، والإرادة. لا يقومان إلا بحى : ~~كالسمع ، والبصر. وقد وافقوا على أن الحى إذا خلا عن السمع والبصر ، لا ~~يخلو عن ضدهما. # وعند ذلك : فإما أن يقولوا بأن الله تعالى يخلو عن القول الحادث ، أو ~~الإرادة الحادثة. وعن ضدهما ؛ فلا يجدون إلى الفرق بينهما ، وبين السمع ~~والبصر ، سبيلا. # وإن قالوا بأنه لا يخلو الرب تعالى عن القول ، أو الإرادة ، أو عن ضدهما. ~~فلا يخلو ذلك الضد : إما أن يكون قديما ، أو حادثا. # فإن كان الأول : فيلزم من ذلك عدم الموجود القديم ، ضرورة حدوث ضده ؛ وهو ~~محال بالاتفاق ، وبالدليل على ما يأتى. PageV02P028 # وإن كان الثانى : فالكلام فى ذلك الضد ، كالكلام فى الأول ؛ ويلزم من ذلك ~~تعاقب الحوادث على الرب تعالى على وجه لا يتصور خلوه عن واحد منها. ~~والحوادث المتعاقبة لا بد وأن تكون متناهية ، على ما سبق فى إثبات واجب ~~الوجود. وما لا يخلو عن الحوادث ، فهو حادث ضرورة (1). ### |||| ** الثالث (2) ### |||| ** : أن من مذهبهم / أن القول الحادث ، والإرادة الحادثة ms0326 عرض كاللون والطعم ، ~~والرائحة ، وأنه يجوز فى الشاهد تعرى الجواهر عن الأقوال ، والإرادات ، ~~والطعوم ، والروائح والألوان ، مع جواز اتصافها به. وقد أحالوا قيام ~~الألوان ، والطعوم ، والروائح بذات الله تعالى وجوزوا ذلك فى القول ، ~~والإرادة. # ولو قيل لهم : لم لا قضيتم بجواز قيام الطعوم ، والألوان ، والروائح بذات ~~الله تعالى من غير أن يلزم استحالة التعرى عنها كما فى القول الحادث ، ~~والإرادة الحادثة ؛ لم يجدوا إلى الفرق سبيلا (3). ### |||| ** الرابع (4) ### |||| ** : هو أن من مذهبهم أن الرب تعالى متحيز ، وأنه مقابل للعرش ، وأكبر منه ، ~~وليس مماثلا لجوهر فرد من العرش. # وقد قالوا بأن العرض الواحد لا يقوم بجوهرين : كالصفة الحادثة فى ذات ~~الله تعالى وهى القول ، أو الإرادة. كما هو مذهبهم ؛ فوجب قيامها مع ~~اتحادها بجزءين ؛ فصاعدا ؛ وهو مناقض لمذهبهم. ### |||| ** الخامس (5) ### |||| ** : هو أن من مذهبهم أن مستند المحدثات إنما هو القول الحادث ، أو الإرادة ~~الحادثة. ومستند القول ، والإرادة إنما هو القدرة القديمة ، والمشيئة ~~الأزلية. ولا فرق بين الحادث ، والمحدث من جهة تجدده ، وهو إنما كان مفتقرا ~~إلى المرجح من جهة تجدده وقد استويا فى التجدد. # الوجه الخامس وعلق عليه وناقشه فى ص 107 109. PageV02P029 # فلو قيل لهم : لم لا اكتفى بالقدرة القديمة ، والمشيئة الأزلية فى حدوث ~~المحدثات من غير توسط القول ، أو الإرادة كما اكتفى بها فى القول ، ~~والإرادة ؛ لم يجدوا إلى الفرق سبيلا. ### |||| ** السادس (1) ### |||| ** : ويخص القائلين بحدوث القول. وذلك أنهم وافقوا على أن القول مركب من حروف ~~منتظمة ، والحروف متضادة. فإنا كما نعلم استحالة الجمع بين السواد والبياض ~~؛ نعلم استحالة الجمع بين الحروف ، وأنه يتعذر الجمع بين الكاف والنون من ~~قوله (كن). وقد وافقوا على استحالة تعرى البارى تعالى عن الأقوال الحادثة ~~فى ذاته ، بعد قيامها به. # وعند ذلك : فإما أن يقال باجتماع حروف القول فى ذاته تعالى أو لا يقال ~~باجتماعها. ### |||| ** فإن قيل باجتماعها. فإما أن يقال بتجزؤ ذات الله تعالى وقيام كل حرف بجزء منه. وإما أن يقال ~~بقيامها [بذاته] (2) مع اتحاد الذات. ### |||| ** فإن كان الأول : فهو محال لوجهين : ### |||| ** الأول : أنه يلزم منه ms0327 / التركيب فى ذات الله تعالى وقد أبطلناه (3) فى إبطال القول ~~بالتجسيم (3). ### |||| ** الثانى : أنه ليس اختصاص بعض الأجزاء ببعض الحروف دون البعض ، أولى من العكس. ### |||| ** وإن كان الثانى : فيلزم منه اجتماع المتضادات فى شيء واحد ، وهو محال. # وإن لم يقل باجتماع حروف القول فى ذاته ؛ فيلزم منه مناقضة أصلهم فى أن ~~ما اتصف به الرب تعالى يستحيل عروه عنه ، بعد اتصافه به. والحرف السابق ~~الذي عدم عند وجود [الحرف] (4) اللاحق قد كان صفة للرب تعالى وقد زال بعد ~~وجوده له. PageV02P030 ### |||| ** السابع (1) ### |||| ** : أنهم جوزوا اجتماع الإرادة الحادثة مع الإرادة القديمة ، ومنعوا ذلك فى ~~العلم ، والقدرة ، ولو سئلوا عن الفرق ؛ لكان متعذرا. ### |||| ** الثامن : أنهم أطلقوا اسم المحدث على ما كان متجددا فى الشاهد ، ومنعوا من ذلك فى ~~الغائب ، والفرق مع الاستواء فى التجدد ؛ غير مقبول. ### ||| ** وللكرامية ثلاث شبه : ### ||| ** الشبهة الأولى : # أنهم قالوا : وقع الاتفاق بين الأمة على أن الرب تعالى متكلم ، مريد ، ~~سميع ، بصير ؛ ولا بد وأن يكون متكلما بكلام ، مريدا بإرادة ، سميعا بسمع ، ~~بصيرا ببصر ؛ على ما تقدم فى الصفات. وقد قام الدليل على حدوث الكلام ، ~~والإرادة ، والسمع ، والبصر ؛ بما تقدم فى الصفات أيضا. # وعند ذلك : فإما أن تكون هذه المعانى قائمة بذاته ، أو بغيره ، أو لا ~~بذاته ، ولا بغيره. # لا جائز [أن (2) يقال (2) ] بالثانى ، والثالث ؛ لما تقدم فى الصفات ~~أيضا. فلم يبق إلا الأول ؛ وهو المطلوب. ### ||| ** الشبهة الثانية : # وتخص القائلين بقيام المعانى القديمة بذات الرب تعالى وهو أنهم قالوا : ~~قيام المعانى القديمة بذات الله (3) تعالى صحيح بالاتفاق منا ، ومن ~~القائلين بها ، ولا فارق بينها وبين المعانى الحادثة ، غير القدم والحدوث. ~~والقدم معنى سلبى ؛ وهو سلب الأولية ؛ فلا يصلح لدخوله فى المقتضى لقيام ~~المعنى بالذات ؛ فلم يبق إلا أن يكون هو القدر المشترك بين القديمة ~~والحادثة ، وعليه بناء المطلوب. PageV02P031 ### ||| ** الشبهة الثالثة : # لو امتنع قيام المعانى الحادثة بذات الرب تعالى فإما أن تمتنع. لما به ~~الاتفاق بينها ، وبين المعانى القديمة ، أو لما به الاختلاف (1). وما به ~~الاختلاف (2) ليس غير الحدوث ؛ وهو كون العدم ms0328 سابقا على وجود الصفة. # لا جائز أن يقال بالأول : وإلا لامتنع قيام المعانى القديمة بذاته. # ولا جائز أن يقال بالثانى : / لأن الامتناع إنما يكون عند تقدير وجود ~~الحادث ، وما به الامتناع ، يجب أن يكون حاصلا عند فرض الامتناع ؛ فيجب أن ~~يكون حاصلا ، عند تقدير الوجود الممتنع. والعدم السابق لا تحقق له عند فرض ~~الوجود الممتنع ؛ فلا يصح تعليل الامتناع به. ### |||| ** والجواب عن الشبهة الأولى : ما تقدم (3) فى الصفات من امتناع حدوث المعانى القائمة بذات الله تعالى . ### |||| ** وعن الشبهة الثانية : بمنع الحصر ؛ والبحث لا يدل عليه يقينا على ما تقدم. وإن سلمنا الحصر ؛ ~~ولكن لا نسلم أن القدم عدم ؛ بل هو عبارة عن سلب العدم السابق ؛ وسلب العدم ثبوت. # وإن سلمنا أن القدم عدم ؛ فالحدوث (4) وجود ؛ إذ لا معنى للحدوث غير سلب ~~القدم ، وسلب القدم يجب أن يكون ثبوتيا. # وعند ذلك : فلا مانع من كونه مانعا ، أو ما لازمه من القيام بذات الله تعالى. ### |||| ** وعن الشبهة الثالثة : بمنع التساوى بين القديم ، والحادث. فى غير الاسم. وإن سلمنا الاشتراك فى ~~المعنى من وجه ؛ فلا (5) نسلم (5) أنه لم يختص الحادث بمعنى غير الحدوث. # وإن سلمنا ذلك ؛ ولكن لا نسلم أن الحدوث سابق حالة تقدير الامتناع. PageV02P032 # قولهم : إن الحدوث عبارة عن سبق العدم ؛ لا نسلم ؛ بل هو عبارة عن كون ~~الوجود مسبوقا بالعدم. وفرق بين الأمرين. وكونه مسبوقا بالعدم ، أمر ملازم ~~للحدوث ، ومع الحدوث. والله أعلم. PageV02P033 ### | «المسألة الخامسة» ### | فى أن الله تعالى ليس فى جهة ، ولا مكان # والذي صار إليه أهل الحق من الملل كلها : أن البارى تعالى ليس فى جهة ، ~~ومكان (1). # واتفقت المشبهة : على أنه تعالى فى جهة. وخصصوها بجهة فوق دون غيرها من ~~الجهات. ثم اختلفوا : # فذهب أبو عبد الله محمد بن كرام (2): الى أن كونه فى الجهة : ككون ~~الأجسام. حتى أنه قال : إنه مماس للصفحة العليا من العرش. وجوز عليه الحركة ~~، والانتقال ، وتبدل الجهات عليه. وإلى ذلك ذهبت اليهود (3) لعنهم الله حتى ~~[أنهم (4) ] قالوا : إن العرش ليئط من تحته كأطيط الرحل ms0329 الجديد ، وأنه يفضل ~~على العرش من كل جانب (5) # ومن كتب المتأخرين المتأثرين بالآمدي : شرح الطوالع ص 157 والمواقف ~~للإيجي ص 270 273 وشرح المقاصد للتفتازانى 2 / 48. # أما عن الرأى المضاد فانظر : نقض المنطق لابن تيمية 118 وما بعدها ~~والعقيدة الواسطية له أيضا ص 9 وما بعدها وشرح الطحاوية ص 157 ، 163 لابن ~~أبى العز الحنفى. تحقيق أحمد شاكر طبع بمصر سنة 1373 ه. # وما سيأتى فى الجزء الثانى القاعدة السابعة ل 256 / ب وما بعدها. # العنانية ، والعيسوية ، واليوذعانية ، والسامرة ، ومسائلهم تدور على جواز ~~النسخ ومنعه ، والتشبيه ونفيه ، والقول بالقدر والجبر ، وتجويز الرجعة ~~واستحالتها. # أما عن فرقهم وآرائهم بالتفصيل. فانظر (الملل والنحل 2 / 15 24 ونشأة ~~الفكر الفلسفى 1 / 49 88. PageV02P034 # أربعة أصابع. وقد وافقهم على جواز مماسة الرب تعالى للأجسام بعض المشبهة ~~(1) كمضر ، وكهمس ، وأحمد الهجيمى. حيث قالوا : إن المخلصين من المسلمين ~~يعانقون الرب تعالى فى الدنيا ، والآخرة. # ومنهم من قال : إنه محاذ للعرش من غير مماسة. ثم اختلف (2) هؤلاء (2): # فمنهم من قال : إن ما بينه ، وبين العرش من المسافة متناهية. # ومنهم من قال : إنها / غير متناهية. # ومنهم من قال : إن كون الرب تعالى فى جهة (3) لا ككون الأجسام. ### ||| ** والمعتمد فى ذلك أن يقال : # لو كان البارى تعالى فى جهة وحيز ، لم يخل : إما أن يكون فى الجهة والحيز ~~: ككون الأجسام : وهو أن يكون بحيث يشار إليه بالحس (4): أنه هاهنا أو ~~هاهنا ، وإما أن لا يكون فى الجهة والحيز (4): ككون الأجسام. # فإن كان الأول : فإما أن يكون فى كل جهة ، أو فى جهة واحدة. # فإن كان فى كل جهة : فيلزم منه أن تكون ذوات التحيزات ، وذوات الجهات ~~مداخلة لذاته تعالى ومتحدة بها ، أو لا يكون لشيء من الجواهر والأجسام ~~المتحيزة حيز ، ولا جهة ؛ ضرورة كون الرب تعالى شاغلا لكل جهة ، وحيز ؛ وهو محال. # وإن كان فى جهة واحدة ، وحيز واحد ؛ فهو ممتنع لوجهين : ### |||| ** الأول : أن ذلك الحيز وتلك الجهة : إما أن يكون وجوديا ، أو لا يكون وجوديا. # فإن كان وجوديا : فإما أن يكون قديما ، أو حادثا. # فإن كان قديما : فهو محال ؛ لما سيأتى فى بيان حدوث ms0330 كل موجود سوى الله تعالى # انظر الملل والنحل للشهرستانى 1 / 105 وما بعدها. # ومن الدراسات الحديثة : انظر نشأة الفكر الفلسفى فى الإسلام للنشار ص 385 429. # وما سيأتى فى الجزء الثانى القاعدة السابعة : آراء المشبهة ل 256 / ب وما بعدها. PageV02P035 # وإن كان حادثا : فالبارى تعالى قبل حدوث هذا الحادث لا يكون فى جهة ، ولا ~~حيز ؛ وهو خلاف مذهب الخصم. # وإن لم يكن وجوديا : فليس كون الرب تعالى فى الجهة (1) والحيز (1) ككون ~~الأجسام ؛ وهو خلاف الفرض. ### |||| ** الثانى : أنه لا يخلو : إما أن يكون ذلك الحيز المعين ؛ هو حيز العالم ، أو غيره. # فإن كان الأول : فهو محال ، لما سبق فى القسم الأول. # وإن كان الثانى : فإما أن يكون مماسا للعالم ، أو غير مماس له. ### |||| ** فإن كان مماسا له : فهو ممتنع لوجهين : ### |||| ** الأول : أنه إما أن يكون مساويا له (2)، أو أكبر منه ، أو أصغر (2). فإن كان ~~مساويا له : فيلزم أن يكون مركبا ؛ ضرورة أن المماس منه لبعض العالم غير ~~المماس منه للبعض الآخر ، ولأن العالم مركب ، فما ماسه وساواه ؛ فيكون ~~مركبا. وإذا كان الرب تعالى متحيزا مركبا ، فيكون جسما ؛ وهو محال ؛ لما ~~سبق (3). ### |||| ** الثانى : هو أن ما ماس من الرب تعالى العالم غير ما لم يكن منه مماسا له. وفى ذلك ~~أيضا ما يوجب التركيب فى ذات الله تعالى ؛ وهو محال. # وعلى هذا يلزم بطلان القسم الثانى أيضا. وإن كان أصغر من العالم. # فإما أن يكون مع ذلك قابلا للقسمة ، أو لا يكون قابلا لها. # فإن كان قابلا للقسمة ؛ فهو محال ؛ لما تقدم. # وإن كان غير قابل للقسمة : فهو فى الصغر والحقارة ، نازل منزلة الجوهر ~~الفرد. / والرب تعالى منزه عن ذلك بالإجماع منا ، ومن الخصوم. ### ||| ** وإن لم يكن مماسا للعالم : # فإما أن يكون بينه وبين العالم امتداد متناه ، أو غير متناه. PageV02P036 # فإن كان الأول : فهو أيضا محال لما سبق فيما إذا كان مماسا له. # وإن كان الثانى : فهو محال ؛ لأن ما بين الحيزين من الامتداد منحصر بين ~~حاصرين. وما لا يتناهى لا يكون منحصرا بين حاصرين. # ثم لو ms0331 كان من العالم على بعد لا نهاية له ، فمن مذهب الكرامية القائلين ~~بهذا المذهب : أن الله تعالى يجوز أن يكون مرئيا. ومن شرط الرؤية عندهم : ~~أن لا يكون المرئى فى غاية البعد المفرط. فإذا كان على بعد لا نهاية له ؛ ~~فهو فى غاية البعد المفرط ؛ فيمتنع أن يكون مرئيا على أصلهم. # هذا كله إن كان الرب تعالى فى الجهة والحيز (1)، ككون الأجسام. # وإن كان فى الجهة لا ككون الأجسام : فالنزاع آئل الى اللفظ دون المعنى ، ~~والأمر فى الإطلاق اللفظى متوقف على ورود الشرع. وسيأتى ما فيه عن قرب. وقد ~~استدل الأصحاب على امتناع كون الرب تعالى فى الجهة والحيز ، بمسالك لا بد ~~من ذكرها ، والتنبيه (2) على ما فيها. ### ||| ** المسلك الأول : # وهو مسلك القاضى أبى بكر ، وهو أن قال (3): لو كان البارى (4) تعالى ~~متحيزا ؛ لكان مشاركا للجوهر فى أخص أوصافه ، والمشتركات فى أخص الأوصاف ~~يلزم تماثلها ، ويلزم من ذلك أن يكون الرب تعالى جوهرا ؛ وهو باطل كما (5) سبق. # وبيان أن الاختصاص بالحيز من أخص أوصاف الجوهر. أن تميز الجوهر عن جميع ~~الأعراض ليس إلا بذلك ؛ فكان أخص وصف له. # وبيان أن الاشتراك فى أخص الأوصاف ، يوجب التماثل. أنه لو لم يكن كذلك ؛ ~~لجاز اختصاص أحد السوادين ، بصفة لا ثبوت لها فى الثانى ، ولجاز اشتراك ~~المختلفات PageV02P037 # فى أخص صفة الواحد منها. ويلزم من ذلك جواز كون السواد حلاوة ، علما ، ~~قدرة ، إلى غير ذلك ؛ وهو محال كما يأتى [تحقيقه (1) ] فى التماثل ، ~~والاختلاف (2). ### ||| ** ولقائل أن يقول : # وإن سلم مشاركة البارى تعالى للجوهر فى الاختصاص بالحيز ؛ فلا نسلم أن ~~اختصاص الجوهر بالحيز ، من أخص أوصاف الجوهر ، وإنما (3) يكون من أخص أوصاف ~~الجوهر (3) أن لو لم يكن ذلك من صفات الرب تعالى وإنما (4) يمتنع أن يكون ~~من صفات الرب تعالى أن لو كان من (5) أخص صفات (5) الجوهر ؛ فإذن يتوقف (6) ~~امتناع اتصاف الرب تعالى به / على أنه من أخص صفات الجوهر. وكونه من أخص ~~صفات الجوهر ، متوقف على امتناع كونه صفة للرب (7) تعالى ؛ وهو دور ممتنع. # وإن ms0332 سلمنا أن الاختصاص بالحيز من أخص أوصاف الجوهر ؛ فالاشتراك فيه هل ~~يكون موجبا للتماثل؟ فسيأتى تحقيقه فى التماثل ، والاختلاف (8). ### ||| ** المسلك الثانى : # أنه لو كان الرب تعالى مختصا (9) بحيز ، وجهة (9). لم يخل : إما أن يكون ~~اختصاصه بذلك الحيز لذاته ، أو لكون قام بذاته أوجب اختصاصه (10) بذلك الحيز. # لا جائز أن يقال بالأول : لأن نسبة جميع الأحياز إلى ذاته تعالى نسبة ~~واحدة ؛ فليس اختصاص ذاته بالبعض أولى من البعض. # وإن كان الثانى : فذلك الكون : إما قديم ، أو حادث. # لا جائز أن يكون قديما : إذ الكون عرض ، والعرض متجدد غير باق على ما ~~سيأتى (11)؛ فلا يكون قديما. PageV02P038 # وإن كان حادثا : كان الرب تعالى محلا للحوادث ؛ وهو ممتنع كما سلف (1). ### ||| ** ولقائل أن يقول : # من الجائز أن تكون الأحياز (2)، والجهات (2) مختلفة ؛ فإن التماثل غير ~~معلوم بالضرورة ، ولا قام عليه دليل نظرى. # وعند ذلك : فلا نسلم أن نسبتها إلى ذات البارى (3) تعالى على السوية. ~~وعند ذلك فمن الجائز أن يكون اختصاص ذاته ببعض الجهات لذاته. أو (أن) (4) ~~بعض الأحياز اقتضى لذاته. أن يكون مختصا بالبارى تعالى. دون غيره من غير ~~كون موجب للاختصاص (5). ثم (5) وإن سلمنا تساوى الأحياز بالنسبة إلى ذات ~~البارى تعالى ؛ ولكن لا نسلم أنه لا بد من كون مخصص له بالحيز. # ولهذا فإنه يصح اتصاف الحى بالعلم والجهل ، على البدل ؛ لكون الحياة ~~مصححة لكل واحد منهما. وما لزم من اتصاف الرب تعالى بالعلم الأز