######OpenITI# #META# 000.SortField :: JK_010649 #META# 000.BookURI :: NOCODE #META# 010.AuthorAKA :: الحسين بن المنصور اليمني #META# 010.AuthorNAME :: الحسين بن المنصور بالله القاسم بن محمد بن علي اليمني (المتوفى : 1050هـ) #META# 011.AuthorBORN :: NOTGIVEN #META# 011.AuthorDIED :: 1050 #META# 019.AuthorDIED :: NODATA #META# 020.BookTITLE :: آداب العلماء والمتعلمين #META# 020.BookTITLESUB :: NODATA #META# 021.BookSUBJ :: كتب الأخلاق والسلوك :: كتب متفرقة في الأخلاق والسلوك #META# 022.BookVOLS :: NODATA #META# 025.BookLANG :: NODATA #META# 029.BookTITLEalt :: آداب العلماء والمتعلمين #META# 030.LibURI :: JK_010649 #META# 030.LibURIextra :: NODATA #META# 031.LibREADONLINE :: NODATA #META# 031.LibURL :: NODATA #META# 031.LibURLFILE :: NODATA #META# 031.LibURLextra :: NODATA #META# 040.EdALL :: NODATA #META# 040.EdEDITOR :: NODATA #META# 041.EdNUMBER :: NODATA #META# 041.EdNumber :: NODATA #META# 043.EdPUBLISHER :: NODATA #META# 044.EdPLACE :: NODATA #META# 045.EdYEAR :: NODATA #META# 049.EdISBN :: NODATA #META# 049.EdPAGES :: NODATA #META# 049.EdPHYSICAL :: NODATA #META# 049.EdVOLUME :: NODATA #META# 090.RecMISC :: NODATA #META# 999.MiscINFO :: NODATA #META#Header#End# # الفصل الأول # آداب العالم في علمه # وفيه اثنا عشر نوعا # النوع الأول: # أن يقصد العالم بعلمه وجه الله تعالى ولا يقصد به توصلا إلى غرض دنيوي، ~~كتحصيل مال أو جاه أو شهرة أو سمعة أو تميز عن الأقران ونحو ذلك، ولا يشين ~~علمه وتعليمه بشيء من الطمع في رفق يحصل له من مشتغل عليه بمال أو خدمة أو ~~نحوها، وإن قل وإن كان على صورة الهدية، التي لو لا اشتغاله عليه لما ~~أهداها إليه، وكان منصور لا يستعين بأحد يختلف إليه في حاجة، وقال سفيان بن ~~عيينة: كنت قد أوتيت فهم القرآن، فلما قبلت الصرة من أبي جعفر سلبته نسأل ~~الله المسامحة، وينبغي له أن يصحح نيته عند الشروع في كل ما يفيده. # قال أبو مزاحم الخاقاني: قيل لأبي الأحوص حدثنا، فقال: ليت لي نية، ~~فقالوا له: إنك تؤجر، فقال شعرا: # يمنوني الخير الكثير وليتني ... نجوت كفافا لا علي ولا ليا # وقد صح عن الشافعي رحمه الله أنه قال: وددت أن الخلق تعلموا مني هذا ~~العلم على أن لا ينسب إلي حرف منه. وقال رحمه الله: ما ناظرت أحدا قط على ~~الغلبة، ووددت إذا ناظرت أحدا أن يظهر على يديه، وقال: ما كلمت أحدا قط إلا ~~وددت أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه رعاية من الله وحفظ. وعن أبي يوسف ~~رحمه الله قال: يا قوم أريدوا بعلمكم الله، فإني لم أجلس مجلسا قط أنوي فيه ~~أن أعلوهم، إلا لم أقم حتى أفتضح. # الثاني: # دوام مراقبة الله تعالى في السر والعلانية، والمحافظة على خوفه في جميع ~~حركاته وسكناته وأقواله وأفعاله، فإنه أمين على ما أودع من العلوم، وما منح ~~من الحواس والفهوم. قال الله تعالى: (لا تخونوا الله والرسول وتخونوا ~~أماناتكم وأنتم تعلمون). وقال تعالى: (بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا ~~عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون). # قال الشافعي: ليس العلم ما حفظ، العلم ما نفع، وعليه بدوام السكينة ~~والوقار والخشوع والورع والتواضع والخضوع. # ومما كتب مالك إلى الرشيد: إذا علمت ms01 علما فلير عليك أثره، وسكينته وسمته، ~~ووقاره، وحلمه. لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: العلماء ورثة الأنبياء. # وقال عمر: تعلموا العلم وتعلموا له السكينة والوقار وعن أبي هريرة ~~مرفوعا: تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة. وتواضعوا لمن تعلمون منه. ~~رواه الطبراني في الأوسط. وعن السلف رحمهم الله: حق على العالم أن يتواضع ~~لله، في سره وعلانيته ويحترس من نفسه ويقف عما أشكل عليه. # الثالث: # أن يصون العلم كما صانه علماء السلف، ويقوم له بما جعله الله تعالى له من ~~العزة والشرف، فلا يدنسه بالأطماع، ولا يذله بذهابه ومشيه إلى غير أهله من ~~أبناء الدنيا من غير ضرورة أو حاجة أكيدة، ولا إلى من يتعلمه منه منهم، وإن ~~عظم شأنه وكبر قدره وسلطانه. # قال الزهري: هو أن بالعلم أن يحمله العالم إلى بيت المتعلم. وقال مالك بن ~~أنس للمهدي وقد استدعاه لولديه يعلمهما: العلم أولى أن يوقر ويؤتى، وفي ~~رواية: العلم يزار ولا يزور ويؤتى ولا يأتي. وفي رواية: أدركت أهل العلم ~~يؤتون ولا يأتون، ويروى عنه أيضا أنه قال: دخلت على هارون الرشيد فقال يا ~~أبا عبد الله: ينبغي أن تختلف إلينا حتى يسمع صبياننا منك الموطأ، قال: ~~فقلت أعزك الله أن هذا العلم منكم خرج، فإن أنتم أعززتموه عز، وإن أذللتموه ~~ذل والعلم يؤتى ولا يأتي فقال: صدقت اخرجوا إلى المسجد حتى تسمعوا من سمع ~~الناس. PageV01P001 ويروى أن الرشيد سأله هل لك دار؟ فقال: لا. فأعطاه ~~ثلاثة آلاف دينار وقال: اشتر بها دارا، فأخذها ولم ينفقها، فلما أراد ~~الرشيد الشخوص إلى العراق قال لمالك: ينبغي لك أن تخرج معنا فإني عزمت أن ~~أحمل الناس على الموطأ، كما حمل عثمان الناس على القرآن، فقال له: أما حما، ~~الناس على الموطأ فليس إلى ذلك سبيل، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه ~~وعلى آله وسلم افترقوا بعده في الأمصار، فحدثوا فعند أهل كل مصر علم. وقد ~~قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: اختلاف أمتي رحمة، وأما الخروج معك فلا ~~سبيل ms02 إليه، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: المدينة خير لهم لو كانوا ~~يعلمون. وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: المدينة تنفي خبثها كما ينفي ~~الكير خبث الحديد، وهذه دنانيركم كما هي أن شئتم فخذوها، وإن شئتم فدعوها، ~~يعني أنك إنما حملتني على مفارقة المدينة بما اصطنعت لدي فلا أوثر الدنيا ~~على الأخرى، وأخرج الخطيب البغدادي في الجامع عن مقاتل بن صالح الحميدي ~~قال: دخلت على حماد بن سلمة فبينما أنا عنده إذ دق رسول محمد بن سليمان ~~فدخل فسلم وناوله كتابه فقال: أقرأه فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من ~~محمد بن سليمان إلى حماد بن سلمة. # أما بعد فصبحك الله بما صبح به أولياءه وأهل طاعته وقعت مسألة فأتنا ~~نسألك عنها، فقال لي: اقلب الكتاب واكتب: أما بعد وأنت صبحك الله بما صبح ~~به أولياءه وأهل طاعته، إنا أدركنا العلماء وهم لا يأتون أحدا، فإن وقعت ~~مسألة فأتنا فاسألنا عما بدا لك، وإن أتيتني فلا تأتني إلا وحدك، ولا تأتني ~~بخيلك ورجالك فلا أنصحك ولا أنصح نفسي، والسلام. # فبينما أنا عنده جالس إذ دق داق الباب فقال: يا صبية اخرجي فانظري من ~~هذا؟ قالت: هذا محمد بن سليمان، قال: قولي له يدخل وحده، فدخل فسلم ثم جلس ~~بين يديه، ثم ابتدأ فقال: مالي إذا نظرت إليك امتلأت رعبا، فقال حماد سمعت ~~ثابتا البناني يقول: سمعت انس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه ~~وعلى آله وسلم يقول: أن العالم إذا أراد بعلمه وجه الله هابه كل شيء، وإذا ~~أراد أن يكنز به الكنوز هاب من كل شيء. فقال: ما تقول يرحمك الله؟ وذكر ~~مسألته وجوابها، ثم قال وحاجة إليك قال: ما لم تكن رزية في دين، قال: ~~أربعون ألف درهم تأخذها تستعين بها على ما أنت عليه، قال: أرددها على من ~~ظلمته بها قال: والله ما أعطيتك إلا ما ورثته قال: لا حاجة لي فيها، ازوها ~~عني زوى الله عنك أوزارك، قال فغير هذا، قال ms03: هات ما لم يكن رزية في دين، ~~قال: تأخذها فتقسمها، قال: فلعلي أن عدلت في قسمتها أن يقول بعض من لم يرزق ~~منها أنه لم يعدل في قسمتها فيأثم، إزوها عني، زوى الله عنك أوزارك. # وسيأتي في الفصل الخامس ما اتفق لبعض أولاد المهدي العباسي مع شريك. # وأخبار السلف في هذا الباب كثيرة شهيرة. فإن دعت حاجة أو ضرورة إلى شيء ~~من ذلك، واقتضته مصلحة دينية راجحة على مفسدة بذله وحسنت فيه نية صالحة فلا ~~بأس به، وعلى هذا يحمل ما جاء عن بعض السلف من المشي إلى الملوك وولاة ~~الأمر، كالشافعي وغيره، لا على أنهم قصدوا بذلك فضول الأغراض الدنيوية، ~~وكذلك إذا كان المأتي إليه من العلم والزهد في المنزلة العلية والمحل ~~الرفيع، فلا بأس بالتردد إليه لإفادته، فقد كان سفيان الثوري يمشي إلى ~~إبراهيم بن أدهم ويفيده، وكان أبو عبيد يمشي إلى علي بن المديني يسمعه غريب ~~الحديث. # الرابع: # أن يتخلق بما حث الشرع عليه من الزهد في الدنيا والتقلل منها بقدر ~~الإمكان، فإن ما يحتاج إليه منها على الوجه المعتدل من القناعة لا يعد من ~~الدنيا، وأقل درجات العالم أن يستقذر المعلق بالدنيا ولا يبالي بفواتها، ~~لأنه أعلم الناس بخستها، وفتنتها، وسرعة زوالها، وكثرة عنائها، وقلة ~~غنائها. # وعن الشافعي رحمه الله: لو أوصى لأعقل الناس صرف إلى الزهاد، فمن أحق من ~~العلماء بزيادة العقل وكماله. وقال يحيى بن معاذ: لو كانت الدنيا تبرا يفنى ~~والآخرة خزفا يبقى، لكان ينبغي للعاقل إيثار الخزف الباقي على التبر ~~الفاني، فكيف والدنيا خزف فان والآخرة تبر باق. وعليه بالسخاء والجود على ~~حسب الوجود. # الخامس: PageV01P002 أن يتنزه عن دنيء المكاسب ورذيلها طبعا، وعن مكروهها ~~عادة وشرعا، كالحجامة والدباغة والصرف والصياغة، ويتجنب مواضع التهم وأن ~~بعدت، ولا يقيل شيئا يتضمن نقص مروة، وما يستنكر ظاهرا وإن كان جائزا باطنا ~~فإنه يعرض نفسه للتهمة، وعرضه للوقيعة، ويوقع الناس في الظنون المكروهة، ~~وثم الوقيعة. فإن اتفق وقوع شيء من ذلك منه لحاجة أو نحوها، أخبر ms04 من شاهده ~~بحكمه، وبعذره ومقصوده، كيلا يأثم من رآه بسببه، أو ينفر عنه فلا ينتفع ~~بعلمه ولا يستفيد بذلك الجاهل به. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وعلى آله ~~وسلم للرجلين لما رأياه يتحدث مع صفية: فوليا على رسلكما إنها صفية، ثم ~~قال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فخشيت أن يقذف في قلوبكما ~~شيئا، وفي رواية: فتهلكا. # السادس: # أن يحافظ على القيام بشعائر الإسلام، وظواهر الأحكام، كإقامة الصلوات ~~ومساجد الجماعات، وإنشاء السلام، للخواص والعوام، والأمر بالمعروف، والنهي ~~عن المنكر، والصبر على الأذى بسبب ذلك صادعا بالحق عند السلاطين، باذلا ~~نفسه لله لا يخاف فيه لومة لائم، ذاكرا قوله تعالى: (واصبر على ما أصابك أن ~~ذلك من عزم الأمور). # وما كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وغيره من الأنبياء عليه ~~من الصبر على الأذى، وما كانوا يتحملونه في الله تعالى حتى كان لهم العقبى. ~~وكذلك القيام بإظهار السنن، وإخمال البدع، والقيام لله في أمور الدين، وما ~~فيه من مصالح المسلمين على الطريق المشروع، والمسلك المطبوع، ولا يرضى من ~~أفعاله الظاهرة والباطنة بالجائز منها، بل يأخذ نفسه بأحسنها وأكملها، فإن ~~العلماء هم القدوة وإليهم المرجع في الأحكام، وهم حجة الله تعالى على ~~العوام، وقد يراقبهم للأخذ عنهم من لا ينظرون، ويقتدي بهديهم من لا يعلمون، ~~وإذا لم ينتفع العالم بعلمه فغيره أبعد من الانتفاع به، كما سبق من قول ~~الشافعي رحمه الله. ليس العلم ما حفظ، العلم ما نفع. ولهذا عظمت زلة العالم ~~لما يترتب عليها من المفاسد لاقتداء الناس به. # السابع: # أن يحافظ على المندوبات الشرعية؛ القولية والفعلية، ولبالغ في ما يتضمن ~~إجلال صاحب الشريعة النبوية، وتعظيمه واتباعه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ~~فيلازم تلاوة القرآن، وذكر الله تعالى بالقلب واللسان، وكذلك ما ورد من ~~الدعوات والأذكار في إناء الليل والنهار، ومن نوافل العبادات من الصلاة ~~والصيام، وحج البيت الحرام، والصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله ~~وسلم، فإن محبته وإجلاله وتعظيمه واجب ms05، والأدب عند سماع اسمه وذكر سنته ~~مطلوب وسنة. وكان في الصادق بن محمد الباقر عليهما السلام، إذا ذكر النبي ~~صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند: اصفر لونه، وكان مالك رحمه الله إذا ذكر ~~النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتغير لونه وينحني. وكان ابن القاسم إذا ~~ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يجف لسانه في فيه هيبة لرسول الله ~~صلى الله عليه وعلى اله وسلم. وينبغي له إذا تلا القرآن أن يتفكر في ~~معانيه، وأوامره ونواهيه، ووعده ووعيده، والوقوف عند حدوده. وليحذر من ~~نسيانه بعد حفظه فقد ورد في الأخبار النبوية ما يزجر عن ذلك. # والأولى أن يكون له منه في كل يوم ورد راتب لا يخل به، فإن غاب عليه فيوم ~~ويوم، فإن عجز ففي ليلتي الاثنين والجمعة. وقراءة القرآن في كل سبعة أيام ~~ورد حسن. ورد في الحديث عمل به أحمد ابن حنبل، ويقال من قرأ من القرآن في ~~كل سبعة أيام لم ينسه قط. وينبغي له أن يستعمل الرخص في مواضعها عند الحاجة ~~إليها، ووجود سببها ليقتدي به نجيها، فإن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه، كما ~~يحب أن تؤتى عزائمه. # الثامن: # معاملة الناس بمكارم الأخلاق، من طلاقة الوجه، وإفشاء السلام، وإطعام ~~الطعام، وكظم الغيظ، وكف الأذى عن الناس، والاحتمال منهم والإيثار وترك ~~الاستيثار، والأنصاف، وترك الأستنصاف، وشكر الفضل، والسعي في قضاء الحاجات، ~~وبذل الجاه في الشفاعات والتلطف بالفقراء والتحبب إلى الجيران والأقرباء ~~والرفق بالطلبة وإعانتهم وبرهم، كما سيأتي أن شاء الله تعالى، وإذا رأى من ~~لا يقيم صلاته أو طهارته أو شيئا من الواجبات عليه، أرشده بتلطف ورفق، كما ~~فعل صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع الأعرابي الذي بال في المسجد، ومع ~~معاوية بن الحكم في الصلاة. PageV01P003 التاسع: # أن يطهر باطنه وظاهره من الأخلاق الردية، ويعمره بالأخلاق المرضية، فمن ~~الأخلاق الردية الغل، والحسد، والبغي، والغضب لغير الله تعالى، والغش، ~~والكبر، والرياء والعجب، والسمعة، والبخل، والجبن والبطر والطمع، والفخر، ~~والخيلاء، والتنافس في ms06 الدنيا، والمباهاة فيها، والمداهنة والتزين للناس، ~~وحب المدح بما لم يفعل، والعمى عن عيوب النفس، والاشتغال عنها بعيوب الخلق، ~~والحمية، والعصبية لغير الله، والرغبة والرهبة لغيره، والغيبة، والنميمة، ~~والبهتان، والكذب، والفحش في القول، واحتقار الناس ولو كانوا دونه، فالحذر ~~الحذر، من هذه الصفات الخبيثة، والأخلاق الرذيلة، فإنها باب كل شر، بل ير ~~الشر كله. وقد بلي بعض فقهاء الزمان بكثير من هذه الصفات، إلا من عصم الله ~~تعالى ولا سيما الحسد، والعجب والرياء واحتقار الناس. وأدوية هذه الأربعة ~~في كتب الزهد، ومن أنفعها التصفية للإمام يحيى بن حمزة عليه السلام، وكنز ~~الرشاد للإمام عز الدين، ومن أخصرها تكملة الأحكام. ومن أدوية الحسد، الفكر ~~في أنه اعتراض على الله تعالى في حكمته المقتضية تخصيص المحسود بالنعمة، مع ~~أنه محض ضرر على الحاسد يجلب له الغم، وتعب القلب، وتعذيبه بما لا ضرر فيه، ~~على المحسود. ومن أدوية العجب، تذكر أن علمه وفهمه وجودة ذهنه وفصاحته وغير ~~ذلك من النعم، فضل من الله عليه، وأمانة عنده ليرعاها حق رعايتها، وأن ~~العجب بها كفران لنعمتها فيعرضها للزوال، لأن معطيه إياها قادر على سلبها ~~منه في طرفة عين: (و ما ذلك على الله بعزيز)، (فأمنوا مكر الله). ومن أدوية ~~الرياء الفكر في أن الخلق كلهم لا يقدرون على نفعه وضرره، فلم يحبط عمله ~~ويضر دينه ويشغل نفسه بمراعاة من لا يملك له في الحقيقة نفعا ولا ضرا مع أن ~~الله تعالى يطلعهم على نيته، وقبح سريرته. كما صح في الحديث، من سمع سمع ~~الله به، ومن رأيا رأيا الله به. ومن أدوية احتقار الناس، تدبر قوله تعالى: ~~(لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم) الآية، (إنا خلقناكم من ذكر ~~وأنثى، أن أكرمكم عند الله أتقاكم، فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى). ~~وربما كان المحتقر أطهر عند الله قلبا وأزكى عملا، وأخلص نية كما قيل: أن ~~الله تعالى أخفى ثلاثة في ثلاثة، وليه في عباده، ورضاه في طاعته، وغضبه في ~~معصيته، مع ms07 أن احتقار عباد الله مجرد خسران يورث الذل لفاعله. # وفي خبر للحارث بن معاوية: أنه سأل عمر عن القصص، وأن عمر قال له أخشى ~~عليك أن تقص فترتفع في نفسك، ثم تقص فترتفع في نفسك، حتى يخيل إليك أنك ~~فوقهم بمنزلة الثريا فيضك الله تحت أقدامهم يوم القيامة بقدر ذلك. رواه ~~الإمام أحمد، والحارث ابن معاوية وثقه ابن حبان وبقية رجاله رجال الصحيح. # ومن الأخلاق المرضية دوام التوبة، والإخلاص، واليقين، والتقوى، والصبر، ~~والرضى، والقناعة، والزهد، والتوكل، والتفويض، وسلامة الباطن، وحسن الظن، ~~والتجاوز، وحسن الخلق، ورؤية الإحسان، وشكر النعمة، والشفقة على خلق الله ~~والحياء من الله ومن الناس. ومحبة الله تعالى هي الخصلة الجامعة لمحاسن ~~الصفات. وإنما يتحقق بمتابعة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (قل أن ~~كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم). # العاشر: # دوام الحرص على الازدياد بملازمة الجد والاجتهاد؛ والمواظبة على وظائف ~~الأوراد عبادة وقراءة وافرة ومطالعة وفكرا وتعليقا وحفظا، وتصنيفا وبحثا ~~ولا يضيع شيئا من أوقات عمره في غير ما هو بصدده من العلم والعمل إلا بقدر ~~الضرورة من أكل، أو شرب، أو نوم، أو استراحة لملل، أو أداء حق زوجة، أو ~~زائر، أو تحصيل قوت وغيره، مما يحتاج إليه أولاده أو غيره، مما يتعذر معه ~~الاشتغال، فإن بقية عمر المؤمن لا قيمة لها. ومن استوى يوماه فهو مغبون. # وقال المزني سمعت الشافعي يقول: سئل بعض السلف، ما بلغ من اشتغالك ~~بالعلم؟ قال: هو سلوتي إذا اهتممت، ولذتي إذا سلوت. قال: وأنشدني الشافعي ~~لنفسه: # وما أنا بالغيران من دون أهله ... إذا أنا لم أضح غيورا على علمي # طبيب فؤادي مذ ثلاثين حجة ... و صيقل ذهني والمفرج عن همي PageV01P004 ~~وكان بعضهم لا يترك الاشتغال لعروض مرض خفيف، وألم لطيف، بل كان يستشفي ~~بالعلم ويشتغل بقدر الإمكان. وذلك لأن درجة العلم درجة وراثة الأنبياء، ولا ~~تنال المعالي إلا بشق الأنفس. وفي صحيح مسلم عن يحيى بن أبي كثير، قال: لا ~~يستطاع العلم براحة الجسم، وفي الحديث ms08: جفت الجنة بالمكاره وقد قيل: # تريدين إدراك المعالي رخيصة ... و لا بد دون الشهد من إبر النحل # وكما قيل: # لا تحسب المجد تمرا أنت آكلة ... لا تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا # وقال الشافعي رحمه الله: حق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار ~~من العلم، والصبر على كل عارض دون طلبه، وإخلاص النية لله في إدراك علمه ~~نصا واستنباطا، والرغبة إلى الله تعالى في العون عليه. # وقال الربيع: لم أر الشافعي آكلا بنهار ولا نائما بليل لاشتغاله ~~بالتصنيف، ومع ذلك فلا يحمل نفسه من ذلك فوق طاقتها كيلا تسأم ويمل، فربما ~~نفرت نفرة لا يمكنه تداركها، بل يكون أمره في ذلك قصدا، وكل إنسان أبصر ~~بنفسه. # الحادي عشر: # أن لا يستنكف أن يستفيد ما لا يعلمه ممن دونه منصبا، أو نسبا، أو سنا، بل ~~يكون حريصا على الفائدة حيث كانت. الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث وجدها. ~~قال سعيد بن جبير: لا يزال الرجل عالما ما تعلم فإذا ترك التعلم وظن أنه قد ~~استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون. وأنشد بعض العرب: # و ليس العمى طول السؤال وإنما ... تمام العمى طول السكوت على الجهل # وكان جماعة من السلف يستفيدون من طلبتهم ما ليس عندهم. # قال الحميدي وهو تلميذ الشافعي: صحبت الشافعي من مكة إلى مصر، فكنت ~~أستفيد منه المسائل، وكان يستفيد مني الحديث. وقال أحمد بن حنبل، قال لنا ~~الشافعي: أنتم أعلم بالحديث مني، فإذا صح عندكم الحديث فقولوا لنا حتى نأخذ ~~به. وصحت رواية جماعة من الصحابة عن التابعين. وأبلغ من ذلك كله، قراءة ~~رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أبي وقال: أمرني الله أن أقرا ~~عليك لم يكن الذين كفروا. قالوا: من فوائده أن لا يمتنع الفاضل من الأخذ عن ~~المفضول. # الثاني عشر: # الاشتغال بالتصنيف والجمع والتأليف، لكن مع تمام الفضيلة وكمال الأهلية ~~فإنه يطلع على حقائق الفنون ودقائق العلوم للاحتياج إلى كثرة التفتيش ~~والمطالعة والتنقيب والمراجعة، وهو كما قال الخطيب البغدادي: يثبت ms09 الحفظ، ~~ويذكي القلب، ويشحذ الطبع، ويجيد البيان، وبكسب جميل الذكر وجزيل الأجر، ~~ويخلده إلى آخر الدهر، كما قيل: # يموت قوم فيحيى العلم ذكرهم ... و الجهل يلحق أمواتا بأموات # وقال بعضهم: علم الإنسان ولده المخلد. # قال أبو الفتح علي بن محمد البستي: # يقولون ذكر المرء يبقى بنسله ... و ليس له ذكر إذا لم يكن نسل # فقلت لهم نسلي بدائع حكمتي ... فمن سره نسل فإنا بذا نسلو # الأولى أن يعتني بما يعم نفعه وتكثر الحاجة إليه، وليكن اعتناؤه بما لم ~~يسبق إلى تصنيفه، بأن لا يكن ثم ما يغني عن تصنيفه في جميع أساليبه، وليتحر ~~إيضاح العبارة في تأليفه معرضا عن التطويل الممل، والإيجاز المخل، مع إعطاء ~~كل مصنف ما يليق به ولا يخرج تصنيفه من يده قيل تهذيبه وتكرير النظر فيه ~~وترتيبه، ومن الناس من ينكر التصنيف والتأليف في هذا الزمان على من ظهرت ~~أهليته وعرفت معرفته، ولا وجه لهذا الإنكار إلا التنافس من أهل الإعصار ~~ولله در القائل: # قل أن لا يرى المعاصر شيئا ... و برى للأوائل التقديما # إن ذاك القديم كان جديدا ... و سيبقى هذا الجديد قديما # والمتصرف في مداده وورقه بكتابة ما شاء من أشعار، وحكايات مباحة أو غير ~~ذلك، لا ينكر عليه، فلم إذا تصرف فيه بتسويد ما ينتفع به من علوم الشريعة ~~ينكر ويستهجن، أما من لم يتأهل لذلك فالإنكار عليه متجه لما تضمنه من الجهل ~~وتغرير من يقف على ذلك التصنيف به، ولكونه يضيع زمانه فيما لم يتقنه، ويدع ~~الإتقان الذي هو أحرى به. # الفصل الثاني # في آداب العالم في درسه # وفيه اثنا عشر نوعا: # الأول: PageV01P005 إذا عزم على مجلس التدريس تطهر من الحدث، والجنب، ~~وينظف، وتطيب، ولبس من أحسن ثيابه اللائقة به بين أهل زمانه، قاصدا بذلك ~~تعظيم العلم وتبجيل الشريعة. كان مالك رحمه الله إذا جاءه الناس لطلب ~~الحديث، أغتسل، وتطيب، ولبس ثيابا جددا، ووضع رداءه على رأسه، ثم يجلس على ~~منصبته، ولا يزال يبخر بالعود حتى يفرغ؛ وقال: أحب أن أعظم حديث ms10 رسول الله ~~صلى الله عليه وعلى آله وسلم. # وروى الخطيب في الجامع من شعر على رضي الله عنه: # أجد الثياب إذا اكتسيت فإنها ... زين الرجال بها تعز وتكرم # دع التواضع في الثياب تحريا ... فالله يعلم ما تجن وتكتم # فرثاث ثوبك لا يزيدك زلفة ... عند الإله وأنت عبد مجرم # و بهاء ثوبك لا يضرك بعد أن ... تخشى الإله وتتقي ما يحرم # ثم يصلي ركعتي الاستخارة إذا لم يكن وقت كراهة، ويستحب للشخص أن يجعل في ~~كل يوم وقتا معينا يصلى فيه صلاة الاستخارة، ويقول: اللهم إني أستخيرك ~~بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ~~ولا أقدر، وأنت علام الغيوب، اللهم أن كنت تعلم أن جميع ما أتحرك فيه وانطق ~~به في حقي وفي حق غيري، وجميع ما يتحرك فيه غيري وينطق به في حقي وحق أهلي ~~وولدي وما ملكت يميني، من ساعتي، هذه إلى مثلها من الغد، خير لي في ديني ~~ومعاشي وعاقبة أمري فأقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن ~~جميع ما أتحرك فيه وأنطق به في حقي وفي حق غيري، وجميع ما يتحرك فيه غيري ~~في حقي وفي حق أهلي وولدي، وما ملكت يميني من ساعتي هذه إلى مثلها من الغد، ~~شر لي في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري فاصرفه عني وأصرفني عنه واقدر لي الخير ~~حيث كان ثم رضني به. وهذه الكيفية وإن لم تكن في الأحاديث، فهي موافقة ~~لإطلاق ما جاء في الحث على الاستخارة كحديث: " إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ~~ركعتين من غير الفريضة " ، الحديث. # وقد كان أهل الجاهلية يستعملون في أمورهم الأستقسام بالأزلام ونحوها، ~~فعوض صاحب الشرع صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك ما يتضمن التو حيد، ~~والافتقار، والعبودية، والتوكل، وسؤال الرشد والفلاح، ورد الأمر إلى من ~~بيده أزمة الخيرات وإنجاح الطلبات، ثم ينوي نشر العلم وتعليمه، وبث الفوائد ~~الشرعية، وتبليغ أحكام الله تعالى التي ائتمن عليها، وأمر ببيانها ~~والازدياد من العلم، وإظهار الصواب ms11، والرجوع إلى الحق والاجتماع على ذكر ~~الله تعالى والسلام على إخوانه من المسلمين والدعاء للسلف الصالحين. # ويحكى عن بعضهم أنه كان يكتب حتى تكل يده، فيضع القلم ثم ينشد: # لئن كان هذا الدمع يجري صبابة ... على غير ليلى فهو دمع مضيع # وهذا من باب قوله تعالى: (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة إنهم إلى ~~ربهم راجعون، أولئك يصارعون في الخيرات وهم لها سابقون). قال الحسن: كانوا ~~يعملون أعمال البر ويحسبون أن لا يتقبل منهم. # الثاني: PageV01P006 إذا خرج من بيته دعا بالدعاء الصحيح عن النبي صلى ~~الله عليه وعلى اله وسلم وهو: (اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو ~~أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي، عز جارك وجل ثناؤك، ولا إله ~~غيرك). ثم يقول: (بسم الله وبالله، حسبي الله، توكلت على الله، لا حول ولا ~~قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم ثبت جناني وادر الحق على لساني)، ويديم ~~ذكر الله تعالى إلى أن يصل إلى مجلس التدريس. فإذا وصل إليه سلم على من حضر ~~وصلى ركعتين، أن لم يكن وقت كراهة، فإن كان مسجدا تأكدت مطلقا، ثم يدعو ~~الله تعالى بالتوفيق والإعانة والعصمة، ويجلس مستقبلا القبلة لحديث أكرم ~~المجالس ما استقبل القبلة. رواه أبو يعلي والطبراني في الأوسط، عن ابن عمر ~~مرفوعا والطبراني في الكبير عن ابن عباس نحوه مرفوعا، ويكون بسكينة، ووقار، ~~وتواضع، وخشوع، متربعا، أو غير ذلك مما لا يكره من الجلسات، ولا يجلس ~~مقعيا، ولا مستفزا، ولا رافعا إحدى رجليه على الأخرى، ولا مادا رجليه أو ~~إحداهما من غير عذر، ولا متكئا على يديه إلى جنبه أو وراء ظهره، وليصن بدنه ~~عن الزحف، والتنقل عن مكانه، ويديه عن العبث والتشبيك بهما، وعينيه عن ~~تفريق النظر من غير حاجة، ويتقي المزاح وكثرة الضحك، فإنه يقلل الهيبة، ~~ويسقط الحشمة، كما قيل من مزح استخف به، ومن أكثر من شيء عرف به. ولا يدرس ~~في وقت جوعه، أو عطشه، أو همه، أو غضبه ms12، أو نعاسه، أو قلقه، ولا في حال ~~برده المؤلم، أو حره المزعج، فربما أجاب أو أفتى بغير الصواب، ولأنه لا ~~يتمكن مع ذلك من استيفاء النظر. # الثالث: # أن يجلس بارزا لجميع الحاضرين موقرا فاضلهم بالعلم والسن، والصلاح ~~والشرف. وترفعهم على حسب تقدمهم، في الإمامة، ويتلطف بالباقين، ويكرمهم ~~بحسن السلام، وطلاقة الوجه ومزيد الاحترام، ولا يكره القيام لأكابر أهل ~~الإسلام على سبيل الإكرام، وقد ورد إكرام العلماء وطلبة العلم في نصوص ~~كثيرة، ويلتفت إلى الحاضرين التفاتا قسطا بحسب الحاجة، ويخص من يكلمه أو ~~يسأله، أو يبحث معه على الوجه عند ذلك بمزيد التفات إليه وإقبال عليه، وإن ~~كان صغيرا وضعيفا، فإن ترك ذلك من أفعال المتجبرين المتكبرين. # الرابع: # أن يقدم على الشروع في البحث والتدريس قراءة شيء من كتأب الله تعالى ~~تبركا وتيمنا، وكما هي العادة، فإن كان في مدرسة شرط فيها ذلك أتبع الشرط ~~ويدعو عقيب القراءة لنفسه، وللحاضرين، وسائر المسلمين، ثم يستعيذ بالله من ~~الشيطان الرجيم، ويسمى الله تعالى ويحمده، ويصلي على النبي صلى الله عليه ~~وعلى اله وسلم، ويترضى عن أئمة المسلمين ومشايخه، ويدعو لنفسه وللحاضرين ~~ووالديهم أجمعين. وهو واقف مكانه إن كان في مدرسة أو نحوها جزاء لحسن فعله ~~وتحصيلا لقصده. # الخامس: # إذا تعددت الدروس قدم الأشرف فالأشرف، والأهم فالأهم: فيقدم تفسير ~~القرآن، ثم الحديث، ثم أصول الدين، ثم أصول الفقه، ثم المذهب، ثم الخلاف، ~~أو النحو أو الجدل، ويصل في درسه ما ينبغي وصله، ويقف في مواضع الوقف، ~~ومنقطع الكلام. ولا يذكر شبهة في الدين في درس ويؤخر الجواب عنها إلى درس ~~آخر، بل يذكرهما جميعا أو يدعهما جميعا. وينبغي أن لا يطيل الدرس تطويلا ~~يمل ولا يقصر تقصيرا يخل، ويراعي في ذلك مصلحة الحاضرين، ولا يبحث في مقام ~~أو يتكلم في فائدة إلا في موضع ذلك، فلا يقدمه عليه ولا يؤخره إلا لمصلحة ~~تقتضي ذلك وترجحه. # السادس: # أن لا يرفع صوته زائدا على قدر الحاجة، ولا يخفضه خفضا لا يحصل معه كمال ~~الفائدة. روى الخطيب ms13 في الجامع عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ~~أن الله يحب الصوت الخفيض، ويبغض الصوت الرفيع، والأولى أن لا يجاوز صوته ~~مجلسه، ولا يقصر عن سماع الحاضرين، فإن حضر فيهم ثقيل السمع فلا بأس بعلو ~~صوته بقدر ما يسمع، ولا يسرد الكلام سردا بل يرتله ويرتبه ويتمهل فيه ليفكر ~~فيه هو وسامعه. وقد روي أن كلام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان ~~فصلا يفهمه من سمعه، وإن كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا ليفهم عنه، وإذا ~~فرغ من مسالة، أو فصل، سكت قليلا حتى يتكلم من في نفسه كلام عليه، لأنا ~~سنذكر أن شاء الله في أدب المتعلم أنه لا يقطع على العالم كلامه، فإذا لم ~~يسكت هذه ربما فاتت الفائدة. # السابع: PageV01P007 أن يصون مجلسه عن اللغط، فإن اللغض تحته، وعن رفع ~~الأصوات واختلاف وجهات البحث. قال الربيع: كان الشافعي إذا ناظره إنسان في ~~مسألة فغدا إلى غيرها يقول: نفرغ من هذه المسألة ثم نصير إلى ما تريد، ~~ويتلطف في دفع ذلك في مباديه قبل انتشاره وثوران النفوس. ويذكر الحاضرين ~~بما جاء في كراهة المماراة، لا سيما بعد ظهور الحق، وأن مقصود الاجتماع ~~ظهور الحق وصفاء القلوب، وطلب الفائدة. وأنه لا يليق بأهل العلم تعاطي ~~المنافسة والشحناء لأنها سبب العداوة والبغضاء، بل يجب أن يكون الاجتماع ~~ومقصودة خالصا لله تعالى ليثمر الفائدة في الدنيا والسعادة في الآخرة، ~~ويتذكر قوله تعالى: (ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون)، فإنه يفهم ~~أن إرادة إبطال الحق أو تحقيق الباطل صفة إجرام فليحذر منه. # الثامن: # أن يزجر من تعدى في بحثه، أو ظهر منه لدد وسوء أدب، أو ترك إنصاف بعد ~~ظهور الحق، أو أكثر الصياح بغير فائدة، أو أساء أدبه على غيره من الحاضرين ~~أو الغائبين، أو ترفع في المجلس على من هو أولى منه، أو نام أو تحدث مع ~~غيره أو ضحك، أو استهزأ بأحد من الحاضرين، أو فعل ما يخل بأدب الطلب في ~~الحلقة، وسيأتي ms14 تفصيل هذا كله - أن شاء الله تعالى - بشرط أن لا يترتب على ~~ذلك مفسدة تربو عليه. وينبغي أن يكون له نقيب فطن كيس درب يرتب الحاضرين، ~~ومن يدخل عليهم على قدر منازلهم، ويوقظ النائم، ويشير إلى من ترك ما ينبغي ~~أو فعل ما ينبغي تركه ويأمر بسماع الدروس والإنصات لها. # التاسع: # أن يلازم الإنصاف في بحثه وخطابه، ويسمع السؤال من مورده على وجهه وإن ~~كان صغيرا، ولا يترفع عن سماعه فيحرم الفائدة، وإذا عجز السائل عن تقرير ما ~~أورده أو تحرير العبارة فيه لحياء أو قصور، ووقع على المعنى عبر عن مراده، ~~وبين وجه إيراده ورد على من رد عليه، ثم يجيب بما عنده أو يطلب ذلك من ~~غيره، ويقصد بكلامه النصح والإرشاد وطلب النجاة، وما يعود نفعه على الكل، ~~ويكلم كل أحد على قدر عقله وفهمه، فيجيب بما يحتمله حال السائل، ويتروى ~~فيما يجيب به، وإذا سئل عما لم يعلمه قال: لا أعلم أو لا أدري فمن العلم أن ~~يقول فيما لا يعلم: لا أعلم، أو الله اعلم، فقد قال ابن مسعود رضي الله ~~عنه: يا أيها الناس من علم شيئا فليقل به، ومن لم يعلم فليقل الله اعلم، ~~فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم. وعن بعضهم: لا أدري نصف ~~العلم. # وعن ابن عباس: إذا أخطأ العالم لا أدري أصيبت مقاتله، وقيل: ينبغي للعالم ~~أن يورث أصحابه لا أدري لكثرة ما يقولها. واعلم أن قول المسؤول ما أدري لا ~~يضيع من قدره كما يظنه بعض الجهلة، لأن المتمكن لا يضره عدم معرفة بعض ~~المسائل، بل يرفعه قوله لا أدري، لأنه دليل على عظم محله، وقوة دينه، وتقوى ~~ربه، وطهارة قلبه، وكمال معرفته، وحسن تثبته. # وقد روينا معنى ذلك عن جماعة من السلف، وإنما يأنف من قول لا أدري من ~~ضعفت ديانته، وقلت معرفته، لأنه يخاف من سقوطه من أعين الحاضرين، ولا يخاف ~~من سقوطه من نظر رب العالمين، وهذه جهالة ورقة دين، وربما يشتهر خطؤه ms15 بين ~~الناس، فيقع فيما فر منه ويتصف عندهم بما احترز عنه. وقد أدب الله تعالى ~~العلماء بقضية موسى مع الخضر عليهما السلام، حين لم يرد موسى العلم إلى ~~الله عز وجل، لما سئل هل أحد في الأرض أعلم منك ؟ # العاشر: # أن يتودد لغريب حضر عنده ويبسط له لينشرح صدره، فإن للقادم دهشة، ولا ~~يكثر الالتفات والنظر إليه استغرابا له، فإن ذلك يخجله، وإذا أقيل بعض ~~الفضلاء وقد شرع في مسألة امسك عنها حتى يجلس، وإن جاء وهو يبحث في مسألة ~~أعادها له أو مقصودها، وإذا أقبل فقيه وقد بقي لفراغه وقيام الجماعة بقدر ~~ما يصل الفقيه إلى المجلس، فليؤخر تلك البقية ويشتغل عنها ببحث أو غيره إلى ~~أن يجلس الفقيه، ثم يعيدها أو يتم تلك البقية كيلا يخجل المقبل بقيامهم عند ~~جلوسه. # الحادي عشر: PageV01P008 جرت العادة أن يقول المدرس عند ختم كل درس: ~~والله أعلم، كذلك يكتب المفتي بعد كتابة الجواب، لكن الأولى أن يقال قبل ~~ذلك كلام يشعر بختم الدرس كقوله: وهذا آخره أو ما بعده يأتي أن شاء الله ~~تعالى ونحو ذلك، ليكون قوله والله أعلم خالصا لذكر الله تعالى ولقصد معناه. ~~ولهذا ينبغي أن يستفتح كل درس ببسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله، كما ~~يستفتح جواب الفتيا بذلك ليكون ذاكرا لله تعاطا في بدأته وخاتمته. # والأولى للمدرس أن يمكث قليلا بعد قيام الجماعة فإن فيه فوائد وآدابا له ~~ولهم، منها عدم مزاحمتهم، ومنها أن كان في نفس أحدهم بقايا سؤال سأله، ~~ومنها عدم ركوبه بينهم أن كان يركب وغير ذلك. ويستحب إذا قام أن يدعو بما ~~ورد به الحديث، سبحانك الله، اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب ~~إليك. # الثاني عشر: # أن لا ينتصب للدرس إذا لم يكن أهلا له، ولا يذكر الدرس من علم لا يعرفه، ~~فإن ذلك لعبا في الدين وازدراء بين الناس. قال النبي صلى الله عليه وعلى ~~آله وسلم: المتشبع بما لم يعط، كلابس ثوب زور، وعن الشبلي: من تصدر قبل ~~أوانه ms16 فقد تصدى لهوانه. وعن أبي حنيفة رحمه الله: من طلب الرياسة في غير ~~حينه، لم يزل في ذل ما بقي، واللبيب من صان نفسه عن تعرضها لما يعد فيه ~~ناقصا وبتعاطيه ظالما وبإصراره فاسقا، فإنه متى لم يكن أهلا استهزئ بحاله ~~وانتقص به، ولا يرضى ذلك لنفسه أريب ولا يتعاطاه مع الغنا عنه لبيب. وأقل ~~مفاسد ذلك أن الحاضرين يفقدون الإنصاف لعدم من يرجعون إليه عند الاختلاف، ~~لأن رب الصدر لا يعرف المصيب فينصره، أو المخطئ فيزجره. وقيل لأبي حنيفة ~~رضي الله عنه: في المسجد حلقة ينظرون في الفقه؛ فقال الهم رأس؟ قالوا: لا، ~~قال: لا يفقه هؤلاء أبدا. ولبعضهم في تدريس من لا يصلح: # تصدر للتدريس كل مهوس ... جهول ليسمى بالفقيه المدرس # فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ... ببيت قديم شاع في كل مجلس # لقد هزلت حتى بدا من هزالها ... كلاها وحتى سامها كل مفلس # الفصل الثالث # في آداب العالم مع طلبته # وهو أربعة عشر نوعا: الأول: أن يقصد بتعليمهم وتهذيبهم وجه الله تعالى، ~~ونشر العلم، وإحياء الشرع، ودوام ظهور الحق، وخمول الباطل، ودوام خير الأمة ~~بكثرة علمائها، واغتنام ثوابهم، وتحصيل ثواب من ينتهي إليه علمه من بعدهم ~~وبركه دعائهم له، وترحمهم عليه، ودخوله في سلسلة العلم، بين رسول الله صلى ~~الله عليه وعلى آله وسلم وبينهم، وعداده في جملة مبلغي وحي الله وأحكامه، ~~فإن تعليمه العلم من أهم أمور الدين، وأعلى درجات المؤمنين على ما سبق ~~إيضاحه. أولا: نعوذ بالله من قواطعه ومكدراته وموجبات حرمانه وفواته. # الثاني: أن لا يمتنع من تعليم الطالب لعدم خلوص نيته، فإنه يرجى له حسن ~~النية، وربما عسر في كثير من المبتدين، تصحيح النية لضعف نفوسهم، وقلة ~~أنسهم بموجبات تصحيح النية، والامتناع من تعليمهم، يؤدي إلى تفويت كثير من ~~العلم، مع أنه يرجى ببركة العلم تصحيحها إذا انس بالعلم. وقد قالوا: طلبنا ~~العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله، معناه كانت عاقبته أن صار لله ~~وينبغي للشيخ أن يحرض المبتدئ على حسن النية ms17 بتدريج، وبعلمه بعد أنسه به ~~أنه ببركة حسن النية ينال الرتبة العالية من العلم، والعمل، أو اللطف، ~~وأنواع الحكم، وتنوير القلب، وانشراح الصدر، وتوفيق العزم، وإصابة الحق، ~~وحسن الحال، والتسديد في المقال، وعلو الدرجات. PageV01P009 الثالث: أن ~~يرغبه في العلم وطلبه في أكثر الأوقات بذكر ما أعد الله تعالى للعلماء من ~~منازل الكرامات، وأنهم ورثة الأنبياء، وعلى منابر من نور، ونحو ذلك مما ورد ~~في فضل العلم والعلماء من الآيات والأخبار، والآثار، والأشعار. ويرغبه مع ~~ذلك بتدريج على ما يعين على تحصيله من الاقتصار على الميسور، وقدر الكفاية ~~من الدنيا، والقناعة بذلك عن شغل القلب بالتعلق بها، وغلبة الفكر وتفريق ~~الهم بسببها، فإن انصراف القلب عن تعلق الأطماع بالدنيا، والإكثار منها ~~والتأسف على فائتها، أجمع لهمه، وأروح ليسره، وأشرف لنفسه، وأعلى لمكانته ~~وأقل لحساده وأجدر بحفظ العلم وازدياده. ولذلك قل من نال من العلم نصيبا ~~وافرا إلا من كان في مبادئ تحصيله على ما ذكرت من الفقر والقناعة والإعراض ~~عن طلب الدنيا وعرضها الفاني. وسيأتي في أدب المتعلم أكثر من هذا أن شاء ~~الله تعالى. # الرابع: أن يحب لطالبه ما يحب لنفسه، كما جاء في الحديث، ويكره له ما ~~يكره لنفسه. وينبغي أن يعتني بمصالح الطالب ويعامله بما يعامل به اعز ~~أولاده من الحنو والشفقة عليه، والإحسان إليه، والصبر على جفاء ربما وقع ~~منه ونقص لا يكاد الإنسان يخلو عنه، وسوء أدب في بعض الأحيان. ويبسط عذره ~~بحسب الإمكان، ويوقفه مع ذلك على ما يصدر منه، بنصح وتلطف، لا بتعنيف ~~وتعسف، قاصدا بذلك حسن تربيته، وتحسين خلقه، وإصلاح شأنه فإن عرف ذلك ~~لذكائه بالإشارة، فلا حاجة إلى صريح العبارة، وإن لم يفهم ذلك إلا بصريحها ~~أتي به وراعى التدريج في التلطف، ويؤديه بالآداب السنية ويحرضه على الأخلاق ~~المرضية، ويوصيه بالأمور العرفية الموافقة للأوضاع الشرعية. # الخامس: أن يسمح له بسهولة الإلقاء في تعليمه، وحسن التلطف في تفهيمه، لا ~~سيما إذا كان أهلا لذلك، بحسن أدبه وجودة طلبه ويحرضه على ضبط الفوائد وحفظ ms18 ~~النوادر والفرائد، ولا يدخر عنه من أنواع العلوم، وما يسأله عنه وهو أهل ~~له، لأن ذلك ربما يوحش الصدر، وينفر القلب، ويؤرث الو حشة، وكذلك لا يلقي ~~إليه ما لم يتأهل له، لأن ذلك يبدد ذهنه ويعوق فهمه، فإن سأله الطالب شيئا ~~من ذلك لم يجبه، ويعرفه أن ذلك يضره ولا ينفعه، وإن منعه إياه شفقة عليه ~~ولطفا به، لا يخل عليه ثم يرغبه عند ذلك في الاجتهاد والتحصيل، ليتأهل لذلك ~~وغيره. # السادس: أن يحرض على تعليمه وتفهيمه ببذل جهده وتقريب المعنى له من غير ~~إكثار لا يحتمله ذهنه، أو بسط لا يضبطه حفظه، ويوضح لمتوقف الذهن العبارة، ~~ويحتسب إعادة الشرح له، وتكراره، ويبدأ بتصوير المسائل وتوضيحها بالأمثلة ~~وذكر الدلائل، ويقتصر على تصوير المسألة وتمثيلها لمن لم يتأهل لفهم مأخذها ~~ودليلها، وبذكر الأدلة والمآخذ لمحتملها، ويبين له معاني أسرار حكمها ~~وعللها، وما يتعلق بتلك المسألة، من فرع وأصل، ومن وهم فيها في حكم، أو ~~تخريج، أو نقل بعبارة حسنة لم لأداء بعيدة عن تنقيص أحد من العلماء. ولا ~~يمتنع من ذكر لفظة يستحيا من ذكرها عادة إذا احتيج إليها، ولم يتم التوضيح ~~إلا بذكرها، فإن كانت الكناية تفيد معناها، وتحصيل مقتضاها تحصيلا بينا لم ~~يصرح بذكره، بل يكتفي بالكتابة عنها، وكذلك إذا كان في المجلس من لا يليق ~~ذكرها بحضوره لحيائه أو لخفائه، فيكنى عن تلك اللفظة، ولهذه المعاني ~~واختلاف الحال ورد في حديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم التصريح تارة ~~والكناية أخرى. # السابع: إذا فرغ الشيخ من شرح درس، فلا بأس بطرح مسائل تتعلق به على ~~الطلبة، يمتحن بها فهمهم وضبطهم لما شرح لهم، فمن طهر استحكام فهمه له ~~بتكرار الإصابة في جوابه شكره، ومن لم يفهمه تلطف في إعادته له، والمعنى ~~بطرح المسائل أن الطالب ربما استحيا من قوله: لم أفهم، إما لرفع كلفة ~~الإعادة عن الشيخ، أو لضيق الوقت، أو حياء من الحاضرين، أو كيلا تتأخر ~~قراءتهم بسببه. وقيل لا ينبغي للشيخ أن يقول للطالب ms19: هل فهمت؟ إلا إذا أمن ~~من قوله: نعم، قبل أن يفهم، فإن لم يأمن من كذبه لحياء أو غيره، فلا يسأله ~~عن فهمه، لأنه ربما وقع في الكذب بقوله: نعم، لما قلناه من الأسباب. وينبغي ~~للشيخ أن يأمر الطلبة بالمرافقة في الدروس كما سيأتي أن شاء الله تعالى، ~~وبإعادة الشرح بعد فراغه فيما بينهم ليثبت في أذهانهم، ويرسخ في أفهامهم، ~~ولأنه يحثهم على استعمال الفكر، ومؤاخذة النفس بطلب التحقيق. PageV01P010 ~~الثامن: أن يطالب الطلبة في بعض الأوقات بإعادة المحفوظات، ويمتحن ضبطهم ~~لما قدم لمم من القواعد المهمة، والمسائل الغريبة، ويختبرهم بمسائل تبنى ~~على أصل قرره أو دليل ذكره، فمن رآه مصيبا في الجواب ولم يخف عليه شدة ~~الإعجاب، شكره وأثنى عليه بين أصحابه ليبعثه وإياهم على الاجتهاد في طلب ~~الازدياد، ومن رآه مقصرا ولم يخف نفوره، عنفه على قصوره، وحرضه على علو ~~الهمة، ونيل المنزلة في طلب العلم، لا سيما إذا كان ممن يزيده التعنيف ~~نشاطا، والشكر انبساطا، ويعيد ما يقتضي الحال إعادته ليفهمه الطالب فهما ~~سخا التاسع: إذا سلك الطالب فوق ما يقتضيه حاله، أو تحملته طاقته، وخاف ~~الشيخ ضجره، أوصاه بالرفق بنفسه، وذكره بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله ~~وسلم، أن المنبت لا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى، ونحو ذلك مما يحمله على ~~الأناة والاقتصار في الاجتهاد، وكذلك إذا ظهر له منه نوع سآمة، أو ضجر، أو ~~مبادئ ذلك، أمره بالراحة وتخفيف الاشتغال، ولا يشير على الطالب بتعلم ما لا ~~يحتمله فهمه أو سنه، ولا بكتاب يقصر ذهنه عن فهمه، فإن استشار الشيخ من لا ~~يعرف حاله في الفهم والحفظ في قراءة فن أو كتاب، لم يشر عليه بشيء حتى يجرب ~~ذهنه، ويعلم حاله، فإن لم يحتمل الحال التأخير أشار عليه بكتاب سهل من الفن ~~المطلوب، فإن رأى ذهنه قابلا، وفهمه جيدا، نقله إلى كتاب يليق بذهنه، وإلا ~~تركه، وذلك لأن نقل الطالب إلى ما يدل نقله إليه على جودة ذهنه يزيد ~~انبساطه، وإلى ما يدل على قصوره ms20 يقلل نشاطه، ولا يمكن الطالب من الاشتغال ~~في فنين أو اكثر، إذا لم يضبطهما، بل يقدم الأهم، فالأهم، كما سنذكره أن ~~شاء الله تعالى، فإذا علم أو غلب على ظنه أنه لا يفلح في فن، أشار عليه ~~بتركه والانتقال إلى غيره مما يرجى فيه فلاحه. # العاشر: أن يذكر للطلبة قواعد الفن التي لا تنخرم، إما مطلقا كتقديم ~~المباشرة على السبب في الضمان، أو غالبا كاليمين على المدعى عليه، إذا لم ~~تكن بينة، ونحو ذلك من القواعد، وكذلك كل أصل وما ينبني عليه من كل فن ~~يحتاج إليه من علمي التفسير والحديث، وأبواب أصول الدين والفقه، والنحو ~~والتصريف واللغة، ونحو ذلك إما بقراءة كتاب من الفن أو بتدريج وهذا كله إذا ~~كان الشيخ عارفا بتلك الفنون، وإلا فلا يتعرض لها، بل يقتصر على ما يتقنه ~~منها، ومن ذلك ما لا يسع الفاضل جهله كأسماع المشهورين من الصحابة، ~~والتابعين وأئمة المسلمين، وعلماء أهل البيت المطهرين العاملين، وأهل الزهد ~~والصلاح من الفقهاء المحققين، وما يستفاد من محاسن آدابهم، ونوادر أحوالهم، ~~فيحصل له مع الطول فوائد كثيرة. # الحادي عشر: أن لا يظهر للطلبة تفضيل بعضهم على بعض عنده في موت، واعتناء ~~مع تساويهم في الصفات من سن، أو فضيلة، أو تحصيل، أو ديانة، فإن ذلك ربما ~~يو حش الصدور وشفر القلوب، فإن كان لأحدهم فضيلة، فأظهر إكرامه لأجلها فلا ~~بأس بذلك، لأنه ينشط ويبعث على الاتصاف بتلك الصفات، ولا يقدم أحدا في نوبة ~~الآخر، إلا إذا رأى في ذلك مصلحة تزيد على مصلحة مراعاة النوبة، أو سمح ~~الطالب بذلك كما سيأتي إن شاء الله وينبغي أن يتودد لحاضرهم ويذكر غائبهم ~~بخير وحسن ثناء، وينبغي أن يستعلم عن أسمائهم وأنسابهم ومواطنهم وأحوالهم، ~~ويكثر الدعاء لهم. # الثاني عشر: أن يرقب أحوال الطلبة في آدابهم وهديهم وأخلاقهم باطنا ~~وظاهرا، فمن صدر منه من ذلك ما لا يليق من ارتكاب محرم أو مكروه، أو ما ~~يؤدي إلى فساد حال، أو ترك اشتغال، أو إساءة أدب في حق الشيخ ms21 أو غيره، أو ~~كثرة كلام بغير توجيه ولا فائدة، ومعاشرة من لا تليق معاشرته، أو نحو ذلك ~~مما سيأتي أن شاء الله تعالى في آداب المتعلم، عرض الشيخ بالنهي عن ذلك ~~بحضور من صدر منه ذلك، غير معرض به، ولا معين له، فإن لم ينته نهاه عن ذلك ~~سرا، ويكتفي بالإشارة مع من يكتفي بها، فإن لم ينته نهاه عن ذلك جهرا، ~~ويغلظ القول عليه أن اقتضاه الحال، ليزجر هو وغيره، ويتأدب به كل سامع، فإن ~~لم ينته فلا بأس بطرده والإعراض عنه إلى أن يرجع، وكذا يتعاهد ما يعامل به ~~بعضهم بعضا من إفشاء السلام، وحسن التخاطب في الكلام، والتحابب، والتعاون ~~على البر والتقوى، وعلى ما هم بصدده. PageV01P011 الثالث عشر: أن يسعى في ~~مصالح الطلبة وجمع قلوبهم، ومساعدتهم بما تيسر من جاه أو مال عند قدرته على ~~ذلك، وسلامة دينه وعدم ضرره، فإن الله تعالى في عون العبد ما دام العبد في ~~عون أخيه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن يسر على معسر يسر ~~الله عليه حسابه يوم القيامة، ولا سيما إذا كان ذلك إعانة على طلب العلم، ~~وإذا غاب بعض الطلبة، أو ملازمي الحلقة زائدا على العادة، سأل عنه فإن لم ~~يخبر عنه بشيء، أرسل إليه وقصد منزله بنفسه، وهو أفضل، فإن كان مريضا عاده، ~~وإن كان في غم خفض عليه، أو في أمر يحتاج إليه فيه أعانه، وإن كان مسافرا ~~يفقد أهله ومن يتعلق به، وسأل عنهم ويعرض لحوائجهم ووصلهم بما أمكن، وإن لم ~~يكن في شيء من ذلك تودد إليه ودعا له. واعلم أن الطالب الصالح أعود على ~~العالم بخير الدنيا والآخرة من أعز الناس عليه، واقرب أهله إليه. # الرابع عشر: أن يتواضع مع الطالب وكل مسترشد، إذا قام بما يجب عليه من ~~حقوق الله وحقوقه، ويخفض له جناحه، ويلين له جانبه، قال الله تعالى لنبيه ~~صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (و اخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين). وصح ~~عنه صلى ms22 الله عليه وعلى آله وسلم: أن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا، وما ~~تواضع أحد إلا رفعه الله. وهذا في التواضع، لمطلق الناس، فكيف من له حق ~~الصحبة وحرمة التردد، وصدق التودد، وشرف الطلب، فهم كأولاده. وفي الحديث: " ~~لينوا لمن تعلمون ولمن تتعلمون منه " . # وعن الفضل: " أن الله يحب العالم المتواضع ويبغض الجبار، ومن تواضع لله ~~ورثه الله الحكمة " . ويخاطب كلا منهم بكنيته ونحوها، من أحب الأسماء إليه ~~وما فيه تعظيم له وتوقير. وعن عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله ~~وسلم، يكني أصحابه إكراما لهم. وينبغي أن يرحب بالطلبة إذا لقيهم وعند ~~إقبالهم عليه، ويكرمهم إذا جلسوا إليه ويؤنسهم بسؤاله عن أحوالهم، ويعاملهم ~~بطلاقة الوجه وظهور البشر، وحسن المودة، ويزيد في ذلك لمن يرجى فلاحه ويظهر ~~صلاحه ويضع الحكمة في موضعها. # الفصل الرابع # في آداب المتعلم في نفسه # وهي عشرة أنواع: الأول: أن يطهر قلبه من كل غش، ودنس، وغل، وحسد، وسوء ~~عقيدة وخلق، ليصلح بذلك لقبول العلم وحفظه والاطلاع على دقائق معانيه ~~وحقائق غوامضه، فإن العلم كما قال بعضهم: صلاة السر، وعبادة القلب، وقربة ~~الباطن، فكما لا تصح الصلاة التي هي عبادة الجوارح الظاهرة إلا بطهارة ~~الظاهر من الحدث والخبث، فكذلك لا يصح العلم الذي هو عبادة القلب إلا ~~بطهارته عن خبث الصفات وحدث مساوئ الأخلاق ورديها. وقالوا: يطيب القلب ~~للعلم كما تطيب الأرض للزرع، فإذا طيب العلم ظهرت بركته، ونما كما ينمو ~~زرعها، ويزكو إذا طيبت. # وفي الحديث أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد ~~الجسد كله، ألا وهي القلب وقال سهل: " حرام على قلب أن يدخله نور وفيه شيء ~~مما يكره الله عز وجل " . الثاني: حسن النية في طلب العلم بأن يقصد به وجه ~~الله عز وجل والعمل به، وإحياء الشريعة، وتنوير قلبه، وتحلية باطنه، والقرب ~~من الله تعالى يوم لقائه، والتعرض لما أعد لأهله من رضوانه، وعظم فضله، قال ~~سفيان الثوري: ما عالجت شيئا أشد من نيتي، ولا ms23 يقصد به أغراض الدنيوية من ~~تحصيل الرياسة، والجاه، والمال، ومباهاة الأقران وتعظيم الناس له، وتصديره ~~في المجالس، ونحو ذلك فليستبدل الأدنى بالذي هو خير. # والعلم عبادة من العبادات وقربة من القرب، فإن خلصت فيه النية قبل وزكا ~~ونمت بركته، وإن قصد به غير وجه الله حبط وضاع وخسرت صفقته، وربما كان ذلك ~~سببا في فوات تلك المقاصد فلا ينالها فيخيب قصده، ويضيع سعيه. # الثالث: أن يبادر شبابه وأوقات عمره فيصرفها إلى التحصيل، ولا يغتر بخدع ~~التسويف والتأمل فإن كل ساعة تمضي من عمره لا بدل لها ولا عوض عنها. ويقطع ~~ما يقدر على قطعه من العلايق الشاغلة والعوايق المانعة عن تمام الطلب وبذل ~~الاجتهاد وقوة الجد في التحصيل، فإنها كقواطع الطريق. ولذلك استحب السلف ~~التغرب عن الأهل والبعد عن الوطن تقليلا للشواغل، لأن الفكرة إذا توزعت ~~قصرت عن درك الحقائق، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، ولذلك يقال ~~العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك. PageV01P012 الرابع: أن يقنع من القوت ~~بما تيسر، وإن كان يسيرا، ومن اللباس بما ستر مثله، وإن كان خلقا بالصبر ~~على ضيق العيش، ينال سعة العلم ويجمع شمل القلب عن متفرقات الآمال، فتفجر ~~فيه ينابيع الحكم. وعن الشافعي رحمه الله: لا يطلب أحد هذا العلم بالملك ~~وعز النفس فيفلح، ولكن من طلبه بذل النفس وضيق العيش وخدمة العلماء أفلح. ~~وقال: لا يدرك العلم إلا بالصبر على الذل، ومن آثر طلب العلم على الاحتراف ~~فإن الله يعوضه ويأتيه بالرزق من حيث لا يحتسب. فعن زياد بن حارث الصدائي ~~قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: من طلب العلم تكفل ~~الله برزقه. أخرجه الخطيب في الجامع الخامس: إن يقسم أوقات ليله ونهاره، ~~ويغتنم ما بقي من عمره، فإن بقية العمر لا قيمة لها، وأجود الأوقات للحفظ ~~الأسحار، وللبحث الأبكار، وللكتابة وسط النهار، وللمطالعة والمذاكرة الليل، ~~وحفظ الليل أنفع من حفظ النهار، ووقت الجوع أنفع من وقت الشبع، وأجود ~~الأماكن للحفظ كل مكان ms24 بعيد عن الملهيات، كالنبات، والخضرة، والأنهار، ~~وقوارع الطرق، وضجيج الأصوات، لأنها تمنع من خلو القلب غالبا. # السادس: من أعظم الأسباب المعينة على الاشتغال والفهم وعدم الملال، أكل ~~القدر اليسير من الحلال. قال الشافعي رحمه الله: ما شبعت منذ ست عشرة سنة، ~~وسبب ذلك، إن كثرة الأكل جالبة لكثرة الشرب، وكثرته جالبة للنوم، والبلادة، ~~وقصور الذهن، وفتور الحواس، وكسل الجسم، هذا مع ما فيه من الكراهة الشرعية، ~~والتعرض لخطر الأسقام البدنية كما قال: # فإن الداء أكثر ما تراه ... يكون من الطعام أو الشراب # ومن رام الفلاح في العلم وتحصيل البغية منه، مع كثرة الأكل والشرب ~~والنوم، فقد رام مستحيلا في العادة. والأولى أن يكون أكثر ما يؤخذ من ~~الطعام، ما ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال، ما ~~ملأ ابن آدم وعاء، شرا من بطن، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا ~~محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه، رواه الترمذي، فإن زاد فهو ~~إسراف. وقد قال تعالى: (كلوا واشربوا ولا تسرفوا). قال بعض العلماء: جمع ~~الله الطب كله بهذه الكلمة. # السابع: إن يأخذ نفسه بالورع في جميع شأنه ويتحرى الحلال في طعامه وشرابه ~~ولباسه ومسكنه، وفي جميع ما يحتاج إليه هو وعياله ليستثير قلبه، ويصلح ~~لقبول العلم ونوره، والنفع به ولا يقنع لنفسه بظاهر الحل شرعا، مهما أمكنه ~~التورع، ولم تلجه حاجة، بل يطلب الرتبة العالية، ويقتدي بمن سلف من العلماء ~~الصالحين في التورع عن كثير مما كانوا يفتون بجوازه، وأحق من اقتدى به في ~~ذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حيث لم يأكل التمرة التي ~~وجدها في الطريق خشية إن تكون من الصدقة، مع بعد كونها منها، ولأن أهل ~~العلم يقتدي بهم ويؤخذ عنهم، فإذا لم يستعملوا الورع فمن يستعمله ؟ الثامن: ~~إن يقلل استعمال المطاعم التي هي من أسباب البلادة، كالتفاح الحامض، ~~والباقلا، وشرب الخل، وكذلك ما يكثر استعماله البلغم المبعد للذهن، ككثرة ~~الألبان والسمك ونحو ذلك، ويجتنب ms25 ما يورث النسيان بالخاصة كأكل اثر سور ~~الفار، وقراءة ألواح القبور، والدخول بين جملين مقطورين، وإلقاء القمل حية، ~~ونحو ذلك من المجريات. # التاسع: إن يقلل نومه ما لم يلحقه ضرر في بدنه وذهنه، ولا يزيد في نومه ~~في اليوم والليلة على ثمان ساعات، وهي ثلث الزمان، فإن احتمل حاله أقل من ~~ذلك فعل، ولا بأس إن يريح نفسه وقلبه وذهنه وبصره إذا أكل شيئا من ذلك، أو ~~ضعف بتنزه وتفرج في المستنزهات بحيث يعود إلى حاله ولا يضيع عليه زمانه، ~~وكان بعض أكابر العلماء يجمع أصحابه في بعض أماكن التنزه في بعض أيام ~~السنة، ويتمازحون بما لا يضرهم في دين ولا عرض. ويتجنب ما يعاب من الهزل ~~والبسط بالفعل وفرط التمطي، والتمايل على الجنب والقفا والضحك الفاحش ~~بالقهقهة. PageV01P013 العاشر: إن يترك العشرة، فإن تركها من أهم ما ينبغي ~~لطلب العلم، ولا سيما لغير الجنس، وخصوصا لمن كثر لعبه وقلت فكرته، فإن ~~الطباع شر آفة، وآفة العشرة ضياع العمر بغير فائدة، وذهاب المال والعرض إن ~~كانت لغير أهل، وذهاب الدين إن كانت لغير أهله. والذي ينبغي لطالب العلم إن ~~لا يخالط إلا من يفيد أو يستفيد منه، كما روي عن النبي صلى الله عليه وعلى ~~آله وسلم: أغد عالما أو متعلما، ولا تكن الثالث فتهلك. فإن شرع أو تعرض ~~لصحبة من يضيع عمره معه، فليتلطف في قطع عشرته في أوائل الأمر قبل تمكنها، ~~فإن الأمور إذا تمكنت عسرت إزالتها، ومن الجاري على ألسنة الفقهاء الدفع ~~اسهل من الرفع، فإن احتاج إلى من يصحبه فليكن صالحا، دينا، تقيا، ورعأ، ~~كثير الخير، قليل الشر، حسن المداراة، قليل المماراة، فإن نسي ذكره، وإن ~~ذكر أعانه، وإن احتاج واساه، أو ضجر صبره، ومما يروى عن علي رضي الله عنه: # لا تصحب أخا الجهل ... و إياك وإياه # فكم من جاهل أردى ... حليما حين آخاه # يقاس المرء بالمرء ... إذا ما هو ماشاه # ولبعضهم: # إن أخاك الصدق من كان معك ... و من يضر نفسه لينفعك # و من إذا ms26 ريب زمان صدعك ... شتت شمل نفسه ليجمعك # الفصل الخامس # في آداب المتعلم مع شيخه وقدوته # وما يجب عليه من عظيم حرمته وذلك ثلاثة عشر نوعا: الأول: ينبغي للطالب إن ~~يقدم النظر،و يستخير الله فيمن يأخذ عنه العلم، ويكتسب حسن الأخلاق والآداب ~~منه، ويتحرى في كونه ممن كملت أهليته وتحققت شفقته، وطهرت مروءته وعرفت ~~عفته، واشتهرت صيالته، وكان احسن تعليما وأجور تفهيما، ولا يرغب الطالب في ~~زيادة العلم مع نقص ورع أو دين أو عدم خلق جميل، وعن السلف: هذا العلم دين ~~فانظروا عمن تأخذون دينكم، وليحذر من التقيد بالمشهورين وترك الأخذ عن ~~الخاملين، فقد عده الغزالي وغيره من الكبر في العلم، لأن الحكمة ضالة ~~المؤمن يلتقطها حيث وجدها، ويغتنمها حيث ظفر بها، ويتقلد المنة لمن ساقها ~~إليه، فإنه يهرب من مخافة الجهل كما يهرب من الأسد، والهارب من الأسد لا ~~يأنف من دلالة من يدله على الخلاص، كائنا من كان. # وذكر أبو نعيم في الحلية، إن زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام ~~كان يذهب إلى زيد بن أسلم، فيجلس إليه، فقيل له: أنت سيد الناس وأفضلهم ~~تذهب إلى هذا العبد فتجلس إليه، فقال: العلم يتبع حيث كان ومن كان. فإن كان ~~الخامل ممن ترجى بركته، كان النفع به أعم والتحصيل من جهته أتم. وإذا سيرت ~~أحوال السلف والخلف، لم تجد النفع يحصل غالبا، والفلاح يدرك طالبا إلا إذا ~~كان للشيخ من التقوى نصيب وافر، وكذلك إذا اعتبرت المصنفات وجدت الانتفاع ~~بتصنيف الأتقى الأزهد أوفر، والفلاح الاشتغال به أكثر. وليجتهد على إن يكون ~~الشيخ ممن له في العلوم الشرعية تمام اطلاع، وله ممن يوثق به من مشايخ عصره ~~كثرة بحث وطول اجتماع، لا ممن أخذ من بطون الأوراق. لمال الشافعي، من تفقه ~~من بطون الكتب ضيع الأحكام، وكان بعضهم يقول: من أعظم البلية مشيخة ~~الصحيفة، أي الذين يتعلمون من الصحف. # الثاني: إن ينقاد لشيخه في أموره، ولا يخرج عن رأيه وتدبيره، بل يكون معه ~~كالمريض مع الطبيب الماهر، فيشاوره ms27 فجما يقصده، ويتحرى رضاه فجما يعتمده، ~~ويبالغ في حرمته ويتقرب إلى الله بخدمته، ويعلم إن ذله لشيخه عز، وخضوعه ~~فخر، وتواضعه له رفعة. أخذ ابن عباس رضي الله عنه، مع جلالته وقرابته من ~~النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلو مرتبته، بركاب زيد بن ثابت ~~الأنصاري، وهو ممن أخذ عنه ابن عباس العلم، وقال: هكذا أمرنا إن نفعل ~~بعلمائنا، وقد سبق ما رواه الطبراني في الأوسط، عن أبي هريرة مرفوعا، ~~تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة وتواضعوا لمن تعلمون منه، ولا ينال ~~العلم إلا بالتواضع وإلقاء السمع، ومهما أشار عليه شيخه بطريق في التعليم ~~فليقلده، وليدع رأيه، فخطأ مرشده أنفع له من صوابه في نفسه. PageV01P014 ~~الثالث: إن ينظره بعين الإجلال ويعتقد فيه درجة الكمال، ويوقره وبعظمه، فإن ~~ذلك أقرب إلى نفعه به، قال بعضهم حسن الأدب ترجمان العقل ومراعاة الأدب، ~~فيما بين المحققين مقدم على غيره، ألا ترى كيف مدح الله أهله وشرف محلهم، ~~بقوله: (إن الذين يغضون أصواتهم عن رسول الله أولئك الذين امتحن الله ~~قلوبهم للتقوى لهم مغفرة واجر عظيم). وينبغي إن لا يخاطب شيخه بتاء الخطاب ~~وكافه، ولا يناديه من بعد، بل يقول: يا سيدنا ولا مولانا ونحو ذلك، وما ~~تقولون في كذا، وما رأيكم في كذا، وشبه ذلك ولا يسميه في غيبته باسمه إلا ~~مقرونا بما يشعر بتعظيمه، نحو قال الشيخ الأستاذ، أو قال شيخنا، أو قال ~~مولانا ونحو ذلك. # الرابع: إن يعرف له حقه ولا ينسى له فضله، فعن أبي إمامة الباهلي مرفوعا: ~~من علم عبدا آية من كتاب الله فهو مولاه. ومن ذلك، إن يعظم حضرته ويرد ~~غيبته ويغضب لها، فإن عجز عن ذلك قام وفارق ذلك المجلس، وينبغي أن يدعو له ~~مدة حياته، ويرعى ذريته وأقاربه وأولاده بعد وفاته، ويتعاهد زيارة قبره، ~~والاستغفار والصدقة عنه، ويسلك في الهدى والسمت مسلكه، ويتأدب بآدابه، ولا ~~يدع الاقتداء به. # الخامس: إن يصبر على جفوة تصدر من شيخه، أو سوء خلق، ولا يصده ذلك عن ~~ملازمته وحسن ms28 عقيدته، ويتأول أفعاله التي يظهر إن الصواب خلافها على أحسن ~~تأويل، ويبدأ هو عند جفوة الشيخ بالاعتذار، والتوبة مما وقع والاستغفار، ~~وينسب الموجب إليه، ويجعل العتب فيه إليه، فإن ذلك أبقى لمودة شيخه واحفظ ~~لقلبه، وأنفع للطالب في دنياه وآخرته. # وعن بعض السلف: من لم، يصبر على ذل التعليم، بقي عمره في عملية الجهالة، ~~ومن صبر عليه آل أمره إلى عز الدنيا والآخرة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ~~ذللت طالبا فعززت مطلوبا. وقال أبو يوسف: خمسة يجب على الناس مداراتهم، وعد ~~منهم العالم، ليقتبس من علمه ولبعضهم: # اصبر لدائك إن جفوت طبيبه ... و أصبر لجهلك إن جفوت معلما # السادس: إن يشكر الشيخ على توفيقه على ما فيه فضيلة، وعلى توبيخه على ما ~~فيه نقيصة، أو على كسل يعتريه، أو قصور يعانيه، أو غير ذلك مما في إيقافه ~~عليه وتوبيخه وإرشاده وإصلاحه، ويعد ذلك من الشيخ من نعم الله تعالى عليه، ~~باعتناء الشيخ به ونظره إليه، فإن ذلك أميل لقلب الشيخ وأبعث على الاعتناء ~~بمصالحه، وإذا أوقفه الشيخ على دقيقة من أدب، أو نقيصة صدرت منه، وكان ~~يعرفه من قبل، فلا يظهر أنه كان له في ذلك عذر وكان إعلام الشيخ به أصلح ~~فلا بأس به، وإلا تركه. # السابع: إن لا يدخل على الشيخ في غير المجلس العام إلا بالاستئذان، سواء ~~كان الشيخ وحده أو كان معه غيره. ولا يكرر الاستئذان، وإن شك في علم الشيخ ~~به، فلا يزيد في الاستئذان فوق ثلاث مرات أو ثلاث طرقات بالباب أو الحلقة، ~~وليكن طرق الباب خفيفا بآداب بأظفار الأصابع، ثم بالأصابع، ثم بالحلقة ~~قليلا، قليلا، فإن كان الموضع بعيدا عن الباب أو الحلقة، فلا بأس برفع ذلك ~~بقدر ما يسمع لا غير، وإذا أذن وكانوا جماعة يقدم أفضلهم وأسنهم بالدخول ~~والسلام عليه، ثم يسلم عليه الأفضل فالأفضل. وينبغي إن يدخل على الشيخ كامل ~~الهيئة، متطهر البدن والثياب، نظيفهما، بعدما يحتاج إليه من أخذ ظفر وشعر، ~~وقطع رائحة كريهة، لا سيما إن كان ms29 يقصد مجلس العلم فإنه مجلس ذكر واجتماع ~~في عبادة0 ومتى دخل على الشيخ في غير المجلس العام، وعنده من يتحدث معه ~~فيسكتوا من الحديث، أو دخل والشيخ وحده يصلي، أو يذكر، أو يكتب أو يطالع، ~~فترك ذلك أو سكت ولم يبدأه بكلام أو بسط حديث، فيسلم ويخرج سريعا، إلا إن ~~يحثه الشيخ على المكث، وإذا مكث فلا يطيل إلا إن يأمره بذلك. وينبغي إن ~~يدخل على الشيخ أو يجلس عنده وقلبه فارغ من الشواغل له، وذهنه صاف لا في ~~حال نعاس أو غضب أو جوع شديد أو عطش أو نحو ذلك، لينشرح صدره لما يقال، ~~ويعي ما يسمع. PageV01P015 وإذا حضر مكان الشيخ فلم يجده جالسا، انتظره ~~كيلا يفوت على نفسه درسه، فإن كل درس يفوت لا عوض له. ولا يطلب من الشيخ ~~قراءة في وقت يشق عليه فيه، أو لم تجر عادته بالإقراء فيه، ولا يخترع عليه ~~وقتا خاصا به دون غيره، وإن كان رئيسا أو كبيرا، لما فيه من الترفع والحمق ~~على الشيخ والطلبة والعلم، فإن بدأه الشيخ بوقت معين أو خاص لعذر عائق له ~~عن الحضور مع الجماعة أو لمصلحة رآها الشيخ فلا بأس بذلك. # الثامن: إن يجلس بين يدي الشيخ جلسة الأدب، كما يجلس الصبي بين يدي ~~المقرئ، أو متربعا بتواضع وخضوع وسكون، وخشوع، ويصغي إلى الشيخ ناظرا إليه، ~~ويقبل بكليته عليه، متعقلا لقوله، بحيث لا يحوجه إلى إعادة الكلام مرة ~~ثانية، ولا يلتفت من غير ضرورة، ولا ينفض كمه ولا يحسر عن ذراعيه، ولا يعبث ~~بيديه أو رجليه، ولا يضع يده على لحيته أو فمه، أو يعبث بها في أنفه، أو ~~يستخرج بها منه شيئا، ولا يفتح فاه ولا يقرع سنه، ولا يضرب الأرض براحته، ~~أو يخط عليها بأصابعه، ولا يشبك يديه أو يعبث بإزاره. ولا يستند بحضرة ~~الشيخ إلى حائط، أو مخدة أو يجعل يده عليها أو نحو ذلك، ولا يعطي الشيخ ~~جنبه أو ظهره، ولا يكثر كلامه من غير حاجة، ولا يحكي ما يضحك ms30 منه وما فيه ~~بذاءة، أو يتضمن سوء مخاطبة أو سوء أدب، ولا يضحك لغير عجب ولا لعجب دون ~~الشيخ، فإن غلبه تبسم، تبسم من غير صوت، ولا يكثر التنحنح من غير حاجة ولا ~~يبصق ولا يتنخع ما أمكنه، ولا يلفظ النخامة من فيه، بل يأخذها من فيه ~~بمنديل أو خرقة أو طرف ثوب، ويتعاهد تغطية أقدامه وسكون يديه عند بحثه، أو ~~مذاكرته، وإذا عطر خفض صوته جهده، وستر وجهه بمنديل أو نحوه، أو إذا تثاءب ~~ستر فاه بعد رده جهده. # وعن علي رضي الله عنه قال: " من حق العالم عليك إن تسلم على القوم عامة، ~~وتخصه بالتحية وإن تجلس أمامه، ولا تشيرن بيدك، ولا تغمزن بعينك عنده، ولا ~~تقولن: قال فلان: خلاف قولك، ولا تغتابن عنده أحدا ولا تطلبن عثرته، وإن زل ~~قبلت معذرته، وعليك إن توقره لله تعالى، وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلى ~~خدمته، ولا تسار في مجلسه ولا تأخذ بثوبه، ولا تلح عليه إذا كسل، ولا تشبع ~~من طول صحبته، فإنما هو كالنخلة ينتظر متى يسقط عليك منها شيء، وإن المؤمن ~~العالم لأعظم أجرا من الصائم القائم الغازي في سبيل الله، وإذا مات العالم، ~~انثلمت في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء إلى يو م القيامة). أخرجه الخطيب في ~~الجامع، ولقد جمع رضي الله عنه في هذه الوصعية ما فيه مقنع. # قال بعضهم: ومن تعظيم الشيخ، إن لا يجلس إلى جانبه ولا على مصلاه أو ~~وسادته، وإن أمره الشيخ بذلك فلا يفعله إلا إذا جزم عليه جزما يشق عليه ~~مخالفته، فلا بأس بامتثال أمره في تلك الحال، ثم يعود إلى ما يقتضيه الأدب. ~~PageV01P016 السابع: إن يحسن خطابه مع الشيخ بقدر الإمكان، ولا يقول له لم ~~ولا نسلم، ولا من يقل هذا، ولا أين موضعه ؟ وشبه ذلك، فإن أراد استفادته ~~تلطف في الوصول إلى ذلك في مجلس آخر على سبيل الاستفادة، وإذا ذكرت شيئا لا ~~تقل هكذا قلت، أو خطر لي أو سمعت أو هكذا قال فلان. وهكذا ms31 لا تقول: قال ~~فلان خلاف هذا، أو روى فلان خلافه، أو هذا غير صحيح أو نحو ذلك. وإذا أصر ~~الشيخ على قول أو دليل، ولم يظهر له أو على خلاف صواب سهوا، فلا يغير وجهه ~~أو عينيه أو يشير إلى غيره كالمنكر عليه، لما قاله بل يأخذه ببشر ظاهر، وإن ~~لم يكن الشيخ مصيبا لغفلة، أو سهو، أو قصور نظر في تلك الحال، فليس بمعصوم ~~وليتحفظ من مخاطبة الشيخ بما يعتاده بعض الناس في كلامه ولا يليق خطابه به، ~~مثل إيش بك، وفهمت، وسمعت، وتدري، ويا إنسان ونحو ذلك. وكذلك لا يحكي له ما ~~خوطب به غيره، مما لا يليق خطاب الشيخ به، وإن كان حاكيا مثل قال فلان ~~لفلان، أنت قليل البر وما عندك خير وشبه ذلك، بل يقول: إذا أراد الحكاية ما ~~جرت العادة بالكناية به، مثل، قال فلان لفلان: إلا بعد قليل البر وما عند ~~البعيد خير وشبه ذلك. ويتحفظ من مفاجأة الشيخ بصورة رد عليه، فإنه يقع ممن ~~لا يحسن الأدب من الناس كثيرا مثل، إن يقول له الشيخ: مرادك في سؤالك كذا، ~~أو خطر لك كذا، فيقول: لا، وما هذا مرادي أو ما خطر لي هذا وشبه ذلك. بل ~~طريقه أن يعيد كلامه ولا يقول الذي قلته، والذي قصدته ليضمنه الرد عليه، ~~وكذلك ينبغي أن يقول في موضع، لم ولا نعلم، فإن قيل لنا كذا أو فإن منعنا ~~ذلك، أو فإن سئلنا عن كذا أو فإن أورد كذا وشبه ذلك ليكون سائلا له بحسن ~~أدب ولطف عبارة. # العاشر: إذا سمع الشيخ يذكر حكما في مسالة أو فائدة مستغربة أو يحكي ~~حكاية، أو ينشد شعرا وهو يحفظ ذلك، أصغى إليه إصغاء مستفيد له في الحال ~~كأنه لم يسمعه قط، قال عطا: إني لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم به منه، ~~فأريه من نفسي أني لا أحسن منه شيئا،و عنه قال: إن الشاب ليتحدث فأسمع له ~~كأن لم اسمعه، ولقد سمعته قبل إن يولد، فإن سأله ms32 الشيخ عند الشروع في ذلك ~~عن حفظه له، فلا يجيب بنعم لما فيه من الاستغناء عن الشيخ فيه، ولا يقل لا ~~لما فيه من الكذب، بل يقول أحب إن أستفيده من الشيخ، أو إن اسمعه منه، أو ~~هو من جهتكم أصح، ولا يكرر السؤال لما يعلمه ولا يشغل ذهنه بفكر أو حديث، ~~ثم يستعيد الشيخ ما قاله لأن ذلك إساءة ادب، بل يكون مصغيا لكلامه حاضر ~~الذهن لما سمعه من أول مرة، فإن لم يسمع كلام الشيخ لبعده أو لم يفهمه مع ~~الإصغاء والإقبال عليه، فله إن يسأل الشيخ الإعادة والتفهيم بعد بيان عذره. # الحادي عشر: إن لا يسبق الشيخ إلى شرح مسألة أو جواب سؤال منه، أو من ~~غيره ولا يساوقه فيه ولا يظهر معرفته به أو إدراكه قبل الشيخ، وينبغي إن لا ~~يقطع على الشيخ كلامه أي كلام كان، ولا يسابقه فيه ولا يساوقه، بل يصبر حتى ~~يفرغ الشيخ من كلامه ثم يتكلم ولا يتحدث مع غيره والشيخ يتحدث معه، أو مع ~~جماعة المجلس. # وفي حديث هند بن أبي هالة، في وصفه للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ~~إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا تكلم أطرق جلساؤه، كأن على ~~رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا. PageV01P017 الثاني عشر: إذا ناوله الشيخ ~~شيئا تناوله باليمين، وإن ناوله شيئا ناوله باليمين، فإن كان ورقة يقرؤها ~~كفتيا، أو قصة، أو مكتوب شرعي، ونحو ذلك، نشرها ثم دفعها إليه. ولا يدفعها ~~مطوية إلا إذا علم أو ظن إيثار الشيخ لذلك، وإذا ناوله الشيخ كتابا ناوله ~~إياه مهيئا لفتحه والقراءة فيه من غير احتياج إلى إدارته، فإن كان النظر في ~~موضع معين فليكن مفتوحا، كذلك ويعين له المكان، ولا يحذف إليه الشيء حذفا ~~من كتاب أو ورقة أو غير ذلك، ولا يمد يديه إلا إذا كان بعيدا ولا يحوج ~~الشيخ إلى مد يده أيضا لأخذ منه، أو إعطاء، بل يقوم إليه قائما ولا يزحف ~~زحفا، وإذا جلس بين يديه الناس ms33 لذلك فلا يقرب منه قربا كثيرا ينسب فيه إلى ~~سوء أدب ولا يضع رجله أو يده أو شيئا من بدنه أو ثيابه على ثياب الشيخ أو ~~وسادته أو سجادته، ولا يشير إليه بيده أو يقربها من وجهه أو صدره أو يمس ~~بها شيئا من بدنه أو ثيابه، وإذا ناوله قلما ليكتب به فليمده قبل إعطائه ~~إياه وإن وضع بين يديه دواة فلتكن مفتوحة الأغطية مهيأة للكتابة منها، وإن ~~ناوله سكينا كانت عرضا وحد شفرتها إلى جهته، قابضا على طرف النصاب مما يلي ~~النصل، جاعلا نصابها على يمين الآخذ، ولا يأنف من خدمته. وقد قيل: أربعة لا ~~يأنف الشريف منهم وإن كان أميرا، قيامه من مجلسه لأبيه وخدمته للعالم يتعلم ~~منه والسؤال عما لا يعلمه وخدمته للضيف. # الثالث عشر: إذا مشى مع الشيخ فليكن أمامه بالليل ووراءه بالنهار، إلا إن ~~يقتضي الحال خلاف ذلك، ويتقدم عليه في المواطن المجهولة الحال لوحل أو ~~نحوه، ويعرف الشيخ بمن قرب منه أو قصده من الأعيان إن لم يعلم الشيخ به، ~~وإذا صادف الشيخ بدأه بالسلام، ويقصده إن كان بعيدا ولا يناديه، ولا يسلم ~~عليه من بعيد ولا من ورائه، بل يقرب ويتقدم ثم يسلم عليه، ولا يقول لما رآه ~~الشيخ وكان خطأ، هذا خطأ ولا هذا ليس برأي، بل يحسن خطاه في الرد إلى ~~الصواب، كقوله: يظهر إن المصلحة في كذا، ولا يقول الرأي عندي كذا، وشبه ~~ذلك. # الفصل السادس # في آداب المتعلم في درسه # وقراءته في الحلقة وما يعتمد فيها الشيخ والرفقة # وهو ثلاثة عشر نوعا: الأول: إن يبتدئ أولا بكتاب الله العزيز فيتقنه حفظا ~~ويجتهد على إتقان تفسيره وسائر علومه، فإنه أصل العلوم وأمها وأهمها. ثم ~~يحفظ في كل فن مختصرا، يجمع فيه بين طرفيه من الفقه والحديث وعلومه ~~والأصولين والنحو والتصريف ولا يشتغل بذلك كله عن دراسة القرآن وتعهده ~~وملازمة ورد منه كل يوم أو أيام أو جمعة. وليحذر من نسيانه بعد حفظه، فقد ~~ورد حديث يزجر عنه، ويشتغل بشرح تلك ms34 المحفوظات على المشايخ، وليحذر من ~~الاعتماد في ذلك على الكتب ابتداء، بل يعتمد في كل فن ما هو احسن تعليما ~~له، واكثر تحقيقا فيه، وتحصيلا منه، واخبرهم بالكتاب الذي قراه، وذلك بعد ~~مراعاة الصفات المتقدمة من الدين، والصلاح والشفقة وغيرها، فإن كان شيخه لا ~~يجد من قرابته على غيره، فلا بأس بذلك، وإلا راعى قلب شيخه، إن كأن أرجأهم ~~نفعا، لأنه أنفع له وأجمع لقلبه عليه، وليأخذ من الحفظ ما يمكنه ويطيقه ~~حاله، من غير إكثار يمل ولا تقصير يخل بجودة التحصيل. # الثاني: إن يحذر في ابتداء أمره من الاشتغال في الاختلاف بين العلماء، ~~وبين الناس مطلقا في العقليات والسممعيات، فإنه يحير الذهن ويدهش العقل، بل ~~يتقن أولا كتابا واحدا في فن واحد، أو كتبا في فنون إن احتمل ذلك على طريقة ~~واحدة يرتضيها له شيخه، فإن كانت طريقة شيخه نقل المذاهب والاختلاف، ولم ~~يكن له رأي واحد. قال الغزالي، فليحذر منه فإن ضرره أكثر من النفع به، ~~وكذلك يحذر في ابتداء طلبه من المطالعات في تفاريق المصنفات، فإنه يضيع ~~زمانه ويفرق ذهنه، بل يعطي الكتاب الذي يقرأه أو الفن الذي يأخذه كليته حتى ~~يتقنه، وكذلك يحذر من النقل من كتاب إلى كتاب، من غير موجب، فإنه علامة ~~الضجر وعدم الفلاح. PageV01P018 وروى البيهقي إن الشافعي رحمه الله أقبل ~~على مؤدب فقال له: " ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح من تؤدبهم إصلاحك نفسك، ~~فإن أعينهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما تستحسنه، والقبيح عندهم ما ~~تتركه، علمهم كتاب الله ولا تكرههم عليه فيملوه، ولا تتركهم منه فيهجروه، ~~ثم روهم من الشعر أعفه، ومن الحديث أشرفه، ولا تخرجهم من علم إلى غيره حتى ~~يحكموه، فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة " . انتهى. أما إذا تحققت أهلية ~~المتعلم وتأكدت معرفته، فالأولى إن لا يدع فنا من العلوم الشرعية إلا نظر ~~فيه، فإن ساعده طول العمر على التبحر فيه فذاك، وإلا فقد استفاد منه ما ~~يخرج به من عداوة الجهل بذلك العلم، ويعتني من كل ms35 علم بالأهم فالأهم، ولا ~~يغفلن عن العمل الذي هو المقصود بالعلم. # الثالث: إن يصحح ما يقرأه قبل حفظه تصحيحا متقنا، إما على الشيخ وإما على ~~غيره ممن يعينه، ثم يحفظه بعد ذلك حفظا محكما ثم يكرر عليه بعد حفظه تكرارا ~~جيدا، ثم يتعاهده بعد ذلك ولا يحفظ شيئا قبل تصحيحه، لأنه يقع في التحريف ~~والتصحيف، وقد تقدم إن العلم لا يؤخذ من الكتب فإنه من أضر المفاسد، وينبغي ~~إن يحضر معه الدواة والقلم والسكين للتصحيح، أي في مجلس التصحيح، وأما ~~التصحيح حال الدرس، فكان بعضهم يمنع منه لما فيه من الاشتغال عن تقرير ~~الشيخ، وإنما يجعل عليه علامة بظفره أو نحوه ليصلحه بعد فراغه وبضبط ما ~~يصححه لغة وإعرابا. وإذا رد الشيخ عليه لفظة، وظن إن رده خلاف الصواب أو ~~علمه، كرر اللفظة مع ما قبلها لينتبه لها الشيخ، أو يأتي بلفظ الصواب على ~~سبيل الاستفهام، فربما وقع ذلك سهوا أو سبق لسان لغفلة، ولا يقل بل هي كذا، ~~بل يتلطف في تنبيه الشيخ له، فإن لم ينتبه قال: فهل يجوز فيها كذا؟ فإن رجع ~~الشيخ إلى الصواب فلا كلام، وإلا ترك تحقيقها إلى مجلس آخر يتلطف لاحتمال ~~إن يكون الصواب مع الشيخ، وذلك أنه إذا تحقق خطأ الشيخ في جواب مسألة لا ~~يفوت تحقيقه، ولا يعسر تداركه، فإن كان كذلك كالكتابة في رقاع الاستفتاء ~~وكون السائل غريبا، أو بعيد الدار، تعين تنبيه الشيخ على ذلك في الحال ~~بإشارة أو تصريح، فإن ترك ذلك خيانة للشيخ فيجب نصحه بما أمكن من تلطف أو ~~غيره، وإذا وقف على مكان كتب قبالته بلغ العرض والتصحيح. # الرابع: إن يبكر بسماع الحديث، ولا يهمل الاشتغال به وبعلومه، والنظر في ~~إسناده ورجاله ومعانيه وأحكامه وفوائده ولغته وتواريخه، ويعتني بمعرفة ~~أنواعه صحيحها وحسنها وغيرها، فإن الحديث أحد جناحي العلم بالشريعة، ~~والمبين لكثير من الجناح الآخر وهو القرآن، ولا يقنع بمجرد السماع كغالب ~~محدثي هذا الزمان، بل يعتني بالدراية أشد من اعتنائه بالرواية، لأن الدراية ~~هي المقصود ms36 بنقل الحديث وتبليغه. # الخامس: إذا شرح محفوظاته المختصرات وضبط ما فيها من الاشكالات والفوائد ~~المهمات، أنتقل إلى بحث المبسوطات مع المطالعة الدائمة، وتعليق ما يمر به ~~أو يسمعه من الفوائد النفيسة، والمسائل الدقيقة، والفروع الغريبة، وحل ~~المشكلات والفروق بين أحكام المتشابهات من جميع أنواع العلوم، ولا يستقل ~~فائدة يسمعها أو يتهاون بقاعدة يضبطها، بل يبادر إلى تعليقها وحفظها، ولتكن ~~همته في طلب العلم عالية، فلا يكتفي بقليل العلم مع إمكان كثيرة ولا يقنع ~~من إرث الأنبياء بيسيرة، ولا يؤخر تحصيل فائدة تمكن منها أو يشغله الأمل ~~والتسويف عنها، فإن للتأخير آفات، ولأنه إذا حصلها في الزمن الحاضر، حصل في ~~الزمن الثاني غيرها ويغتنم وقت فراغه ونشاطه، وزمن عافيته وشرخ شبابه، ~~ونباهة خاطره، وقلة شواغله، قبل عوارض البطالة، أو موانع الرياسة. # قال عمر: تفقهوا قيل إن تسودوا. وقال الشافعي: تفقه قبل إن ترأس، فإذا ~~ترأست فلا سبيل إلى الفقه، وليحذر من مضرة نظره نفسه بعين الكمال، ~~والاستغناء عن المشايخ، فإن ذلك عين الجهل وقلة المعرفة وما يفوته أكثر مما ~~حصله، قال سعيد بن جبير: لا يزال الرجل عالما ما تعلم، فإذا ترك التعلم وطن ~~أنه قد استغنى فهو اجهل ما يكون، وإذا كملت أهليته وظهرت فضيلته، ومر على ~~أكثر كتب الفن، أو المشهورة منها، بحثا ومراجعة ومطالعة، اشتغل بالتصنيف ~~وبالنظر في مذاهب العلماء، سالكا طريق الإنصاف فيما يقع له من الخلاف؛ كما ~~تقدم في آداب العالم. PageV01P019 السادس: إن يلزم حلقة شيخه في التدريس ~~والاقراء، وجميع مجالسه، إذا أمكن ؛ فإنه لا يزيده إلا خيرا وتحصيلا وأدبا ~~وتفضيلا، كما قال علي رضي الله عنه في حديثه المتقدم: ولا تشبع من طول ~~صحبته، فإنما هو كالنخلة ينتظر متى يسقط عليك منها شيء. ويحضر موضع الدرس ~~قبل حضور الشيخ، ولا يتأخر إلى بعد جلوسه وجلوس الجماعة، فيكلفهم المعتاد ~~من القيام ورد السلام. # وقد قال السلف. من الأدب مع المدرس إن ينتظره الفقهاء ولا ينتظرهم، ويحفظ ~~النوم والنعاس والحديث والضحك، ولا يتكلم في مسألة أخذ الشيخ ms37 يتكلم في ~~غيرها، ويجتهد على مواظبة خدمته والمسارعة إليها، فإن ذلك يكسبه شرفا ~~وتجليلا، ولا يقتصر في الحلقة على سماع درسه فقط، إذا أمكنه، فإن ذلك علامة ~~قصور الهمة وعدم الفلاح وبطء التنبه، بل يعتني بسائر الدروس المشروحة ضبطا ~~وتعليقا ونقلا، إن احتمل ذهنه ذلك، ويشارك أصحابها حتى كأن كل درس منها له. # ولعمري إن الأمر لكذلك للحريص، فإن عجز عن ضبط جميعها، اعتنى بالأهم ~~فالأهم منها، وينبغي إن يتذاكر مواظبو مجلس الشيخ ما وقع فيه من الفوائد ~~والضوابط والقواعد وغير ذلك، وأن يعيدوا كلام الشيخ فيما بينهم، فإن في ~~المذاكرة نفعا عظيما، وينبغي المذاكرة في ذلك عند القيام من مجلسه قبل تفرق ~~أذهانهم، وتشتت، خواطرهم، وشذوذ بعض ما سمعوه عن إفهامهم، ثم يتذاكرونه في ~~بعض الأوقات، وافضل المذاكرة في الليل. وكان جماعة من السلف يمدون المذاكرة ~~من العشاء، فربما لم يقوموا حتى يسمعوا أذان الصبح، فإن لم يجد الطالب من ~~يذاكره، ذاكر نفسه بنفسه، وكرر معنى ما سمعه ولفظه على قلبه ليعلق ذلك على ~~خاطره، فإن تكرار المعنى على القلب كتكرار اللفظ على اللسان سواء سواء، وقل ~~إن يفلح من اقتصر على الفكر والنقل بحضرة الشيخ خاصة، ثم يتركه ويقوم ولا ~~يعاوده. # السابع: إذا حفر مجلس الشيخ، سلم على الحاضرين بصوت يسمع جميعهم، وخص ~~الشيخ بزيادة تحية وإكرام، وكذلك يسلم إذا انصرف، وإذا سلم، فلا يتخطى رقاب ~~الحاضرين إلى قرب الشيخ، من لم يكن منزلته كذلك، بل يجلس حيث انتهى به ~~المجلس، كما ورد في الحديث، فإن صرح له الشيخ والحاضرون بالتقدم أو كانت ~~منزلته، أو كان يعلم إيثار الشيخ والجماعة لذلك فلا بأس، ولا يقيم أحدا من ~~مجلسه، أو يزاحمه قصدا فإن آثره بمجلسه لم يقبله إلا إن يكون في ذلك مصلحة ~~يعرفها القوم، وينتفعون بها من بحثه مع الشيخ لقربه منه أو لكونه كبير ~~السن، أو كثير الفضيلة والصلاح، ولا ينبغي لأحد إن يؤثر بقربه من الشيخ إلا ~~لمن هو أولى بذلك، لسن أو علم أو صلاح ms38 أو نسب أهل البيت النبوي، بل يحرص ~~على القرب من الشيخ إذا لم يرتفع. في المجلس على من هو افضل منه، وإذا كان ~~الشيخ في صدر مكان فافضل الجماعة أحق بما على يمينه ويساره، وإن كان على ~~طرف صفه أو نحوها، فالمبجلون مع الحائط ومع طرفها قباله، وينبغي للرفقاء في ~~درس واحد، أو دروس، إن يجتمعوا إلى جهة واحدة ليكون نظر الشيخ إليهم جميعا ~~عند الشرح، ولا يخص بعضهم في ذلك دون بعض. # الثامن: إن يتأدب مع حاضري مجلس الشيخ، فإنه أدب معه واحترام لمجلسه، وهم ~~رفقاؤه فيوقر أصحابه ويحترم كبراءه وأقرانه، ولا يجلس وسط الحلقة، ولا قدام ~~أحد، إلا لضرورة، كما في مجلس التحديث. ولا يفرق بين رفيقين، ولا بين ~~متصاحبين، إلا برضاهما معأ، فقد جاء النهي عن الجلوس بين الرجلين إلا ~~بإذنهما، فإذا وسعوا جلس وجمع نفسه، ولا يجلس فوق من هو أولى منه. # قال أبو محمد اليزيدي: " أتيت الخليل بن أحمد في حاجة فقال لي: ههنا يا ~~أبا محمد، فقلت: أضيق عليك، فقال إن الدنيا بحذافيرها تضيق عن متباغضين، ~~وإن شبرا في شبر لا يضيق على متحابين " . PageV01P020 وينبغي للحاضرين إذا ~~جاء القادم إن يرحبوا به، ويوسعوا له، ويتفسحوا لأجله، ويكرموه بما يكرم به ~~مثله، فإذا تفسح له في المجلس وكان حرجا ضم نفسه ولا يتوسع، ولا يعطي أحدا ~~منهم جنبه ولا ظهره، ويتحفظ من ذلك ويتعهده عند بحث الشيخ له ولا يجنح على ~~جاره، أو يجعل مرفقه قائما في جنبه، أو يخرج عن بنية الحلقة بتقدم أو تأخر. ~~ولا يتكلم في أثناء درس غيره أو درسه بما لا يتعلق به، أو بما يقطع عليه ~~بحثه، وإذا شرع بعضهم في درس، فلا يتكلم بكلام يتعلق بدرس فرغ، ولا بغيره ~~مما لا تفوت فائدته، إلا بإذن الشيخ وصاحب الدرس. ولا يتكلم بشيء حتى ينظر ~~فيه فائدة وموضعا، ويحذر المماراة في البحث والمغالبة فيه، فإن ثارت نفسه ~~ألجمها بلجام الصمت والصبر، واقتداء بحديث من ترك المرء وهو محق، بني الله ms39 ~~له بيتا في أعلى الجنة، فإن ذلك أقطع لانتشار الغضب وأبعد عن منافرة ~~القلوب، وإن أساء بعض الطلبة أدبا على غيره لم ينهره غير الشيخ، إلا ~~بإشارته أو سرا بينهما على سبيل النصيحة، وإن أساء أحد أدبه على الشيخ، ~~تعين على الجماعة انتهاره ورده، والانتصار للشيخ بقدر الإمكان وفاء بحقه، ~~ولا يشارك أحد من الجماعة أحدا في حديثه ولا سيما الشيخ، فإن علم إيثار ~~الشيخ ذلك أو المتكلم فلا بأس به. # التاسع: إن لا يستحي من سؤال ما أشكل عليه، ويفهم ما لم يتعقله بتلطف ~~وحسن خطاب، وأدب وسؤال، قالت عائشة: " رحم الله نساء الأنصار، لم يكن ~~الحياء يمنعهن إن يتفقهن في الدين " . وقد قيل: من رق وجهه عند السؤال، ظهر ~~نقصه عند اجتماع الرجال. ولا يسأل عن شيء في غير موضعه إلا لحاجة أو علم ~~بإيثار الشيخ ذلك، وإذا سكت الشيخ عن الجواب لم يلح عليه، وإن أخطأ في ~~الجواب فلا يرد عليه في الحال، وقد تقدم. # وكما لا ينبغي للطالب إن يستحي من السؤال، فكذلك لا يستحي من قوله " لم ~~أفهم " إذا سأله الشيخ، لأن ذلك يفوت عليه مصلحته العاجلة والآجلة، أما ~~العاجلة فحفظ المسألة ومعرفتها واعتماد الشيخ فيه الصدق والورع والرغبة، ~~والآجلة سلامته من الكذب والنفاق واعتياده التحقيق. # العاشر: مراعاة نوبته فلا يتقدم عليها بغير رضى من هي له. روي إن أنصاريا ~~جاء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسأله، وجاء رجل من ثقيف، فتمال ~~النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يا أخا ثقيف إن الأنصاري قد سبقك ~~بالمسألة فاجلس كيما نبدأ بحاجة الأنصاري قبل حاجتك. # قال الخطيب: يستحب للسابق إن يقدم على نفسه من كان غريبا لتأكد حرمته. ~~وروى في ذلك حديثين عن ابن عباس وابن عمر، ومن كان له حاجة ضرورية علمها ~~المتقدم، أو أشار الشيخ بتقدمه فيستحب إيثاره، وإلا فلا لكونه قربة، ولا ~~يسقط حق السابق بذهابه إلى ما يضطر إليه من قضاء حاجة، أو تجديد وضوء، إذا ~~عاد بعده. # الحادي ms40 عشر: إن يكون جلوسه بين يدي الشيخ على ما تقدم تفصيله وهيئته في ~~آدابه مع شيخه، ويحضر كتابه الذي يقرأ منه معه ويحمله بنفسه، ولا يضعه حال ~~القراءة على الأرض مفتوحا، بل يحمله بجديه ويقرأ منه، ولا يقرأ حتى يستأذن ~~الشيخ، ولا يقرأ عند شغل قلب الشيخ بملل، أو غضب، أو جوع، أو عطش، أو غير ~~ذلك. # الثاني عشر: إذا حضرت نوبته استأذن الشيخ، كما ذكرناه، فإن أذن له استعاذ ~~بالله من الشيطان الرجيم، ثم يسمى الله تعالى ويحمده ويصلي على النبي صلى ~~الله عليه وعلى آله وسلم، ثم يدعو للشيخ ولوالديه ولمشايخه ولنفسه ولسائر ~~المسلمين، وكذلك يفعل كلما شرع في قراءه درس، أو تكراره، أو مطالعته، أو ~~مقابلته، في حضور الشيخ وفي غيبته، وإذا دعا الطالب للشيخ قال: ورضي الله ~~عنكم وعن شيخنا وإمامنا، ونحو ذلك، ويقصد به الشيخ، ويدعو الشيخ أيضا ~~للطالب كما دعا له، فإن ترك الطالب الاستفتاح بما ذكرناه جهلا أو نسيانا ~~نبهه عليه وعلمه إياه وذكره به، فإنه من أهم الآداب، وقد ورد في الحديث في ~~بدء الأمور المهمة بالحمد، وهذا منها. # الثالث عشر: إن يرغب بقية الطلبة في التحصيل ويدلهم على مكانه، ويصرف ~~عنهم الهموم الشاغلة عنه، ويهون عليهم مئونته، ويذاكرهم بما حصل له من ~~الفوائد والقواعد والغرائب، وينصحهم في الدين، فبذلك يستنير قلبه ويزكو ~~عمله ولا يفخر عليهم، ويعجب بجودة ذهنه، بل يحمد الله على ذلك ويستزيده منه ~~بدوام شكره. # الفصل السابع PageV01P021 في الآداب مع الكتب التي هي آلة العلم # وما يتعلق بتصحيحها أو ضبطها وحملها ووضعها وشرائها وعاريتها ونسخها..و ~~غير ذلك وفيه أحد عشر نوعا: الأول: ينبغي لطالب العلم إن يعتني بتحصيل ~~الكتب المحتاج إليها ما أمكنه شراء، وإلا فإجارة أو عارية لأنها آلة ~~التحصيل، ولا يجعل تحصيلها وكثرتها حظه من العلم، وجمعها نصيبه من الفهم، ~~كما يفعله كثير من المنتحلين الفقه والحديث، وقد أحسن القائل، إذا لم تكن ~~حافظا واعيا، فجمعك للكتب لا ينفع، وإذا أمكن تحصيلها شراء لم يشتغل ms41 ~~بنسخها، ولا ينبغي إن يشتغل بدوام النسخ، إلا فيما يتعذر عليه تحصيله لعدم ~~ثمنه أو أجرة استنساخه، ولا يهتم المشتغل بالمبالغة في تحسين الخط، وإنما ~~يهتم بتصحيحه وبضبطه ولا يستعير كتابا مع إمكان شرائه أو إجارته. # الثاني: يستحب إعارة الكتب لمن لا ضرر عليه فيها ممن لا ضرر منه بها، لما ~~فيه من الإعانة على العلم، مع ما في مطلق العارية من الفضل والأجر. قال رجل ~~لأبي العتاهية: أعرني كتابك، فقال: إني أكره ذلك، فقال: أما علمت إن ~~المكارم موصولة بالمكاره، فأعاره، وكتب الشافعي إلى محمد بن الحسن: # يا ذا الذي لم ترى عين من رآه مثله # العلم يأبى أهله ... أن يمنعوه أهله # وينبغي للمستعير أن يشكر للمعير ذلك ويجزيه خيرا، ولا يطيل مقامه عنده من ~~غير حاجة، ولا يحشيه ولا يكتب شيئا في بياض فواتحه وخواتمه، إلا إذا علم ~~رضى صاحبه، وهو كما يكتبه المحدث على جزء سمعه أو كتبه، ولا يعير غيره ولا ~~يودعه لغير ضرورة، حيث يجوز شرعا، ولا ينسخ منه بغير إذن صاحبه، فإن كان ~~الكتاب وقفا على من ينتفع به غيرمعين، فلا بأس بالنسخ منه مع الاحتياط، ولا ~~بإصلاحه ممن هو أهل لذلك، وحسن أن يستأذن الناظر فيه، وإذا نسخ منه بإذن ~~صاحبه أو ناظره، فلا يكتب منه والقرطاس في بطنه أو على كتابته، ولا يضع ~~المحبرة عليه ولا يمر بالقلم الممدود فوق كتابه، وانشد بعضهم: # أيها المستعير مني كتابا ... ارض لي فيه ما لنفسك ترضى # الثالث: إذا نسخ من الكتاب أو طالعه، فلا يضعه على الأرض مفروشا منشورا، ~~بل يجعله بين شيئين أو كرسي الكتب المعروف، كيلا يسرع بقطع حبكه، وإذا ~~وضعها في مكان مصفوفة، فلتكن على كرسي أو تخت خشب أو نحوه، والأولى أن يكون ~~بينه وبين الأرض خلوا كيلا تندى أو تبلى، وإذا وضعها على خشب أو نحوه، جعل ~~فوقه وتحتها ما يمنع تآكل جلودها به، وكذلك يجعل ببينها وبين ما يصادفها أو ~~يستندها من حائط أو غيره، ويراعي الأدب في وضع ms42 الكتب باعتبار علومها وشرفها ~~ومصنفيها أو جلالتهم، فيضع الأشراف أعلى الكل. ثم يراعي التدريج، فإن كان ~~فيها المصحف الكريم جعله أعلى الكل، والأولى إن يكون في خريطة ذات عروة في ~~مسمار، أو وتد في حائط طاهر نظيف في صدر المجلس، ثم كتب الحديث الصرف، ثم ~~تفسير القرآن ثم تفسير الحديث، ثم أصول الدين، ثم أصول الفقه، ثم النحو ~~والتصريف، ثم أشعار العرب، ثم العروض. فإن استوى كتابان في فن أعلى أكثرهما ~~قرآنا أو حديثا فإن استويا فبجلالة المصنف، فإن استويا، فأقدمهما كتابة ~~وأكثرهما وقوعا في أيدي العلماء والصالحين، فإن استويا فأصحهما. # وينبغي إن يكتب اسم الكتاب عليه في جانب آخر الصفحات من أسفل، ويجعل رؤوس ~~حروف هذه الترجمة إلى الغاشية التي من جانب البسملة، وفائدة هذه الترجمة ~~معرفة الكتاب، وتيسر إخراجه من بين الكتب، وإذا وضع الكتب على أرض أو تخت ~~فلتكن الغاشية التي من جهة البسملة أو الكتاب إلى فوق، ولا يكثر وضع الدفة ~~في أثنائه، لئلا يسرع تكسرها ولا يضع ذوات القطع الكبير فوق ذوات الصغير، ~~كيلا يكثر تساقطها ولا يجعل الكتب خزانة الكراريس أو غيرها، ولا مخدة ولا ~~مروحة، ولا مكنسا ولا مسندا، ولا متكأ، ولا مقتلة للبق وغيره، ولا سيما في ~~الورق فهو على الورق أشد، ولا يطوي حاشية الورقة أو زاويتها، ولا يعلم بعود ~~أو شيء جاف، بل بورقة أو نحوها، وإذا علم بظفره فليكن يسيرا. PageV01P022 ~~الرابع: إذا استعار كتابا فينبغي له إن يتفقده عند إرادة أخذه ورده، وإذا ~~ترى كتابا تعهد أوله وآخره ووسطه وترتيب أبوابه وكراريسه، وتصفح أوراقه ~~واعتبر صحته، ومما يغلب على الظن صحته إذا ضاق الزمان عن تفتيشه، ما قاله ~~الشافعي رحمه الله قال: إذا رأيت الكتاب فيه إلحاق وإصلاح، فاشهد له ~~بالصحة، وقال بعضهم: لا يضيء الكتاب حتى يظلم، يريد إصلاحه. # الخامس: إذا نسخ شيئا من كتب العلوم الشرعية، فينبغي أن يكون على طهارة ~~مستقبلا القبلة، طاهر البدن والثياب، بحبر طاهر، ويبتدئ كل كتاب بكتابة بسم ~~الله الرحمن الرحيم، فإن ms43 كان الكتاب مبدوءا فيه بخطبة، يتضمن حمد الله ~~تعالى والصلاة على رسوله، كتبها بعد البسملة وإلا كتب هو ذلك بعدها، ثم كتب ~~باقي الكتاب وكذلك يفعل في ختم الكتاب وآخر جزء منه بعدما يكتب آخر الجزء ~~الأول أو الثاني (مثلا) ويتلوه كذا وكذا إن لم يكن كمل الكتاب، ويكتب إذا ~~كمل: تم الكتاب الفلاني، ففي ذلك فوائد كثيرة وكلما كتب اسم الله تعالى ~~أتبعه بالتعظيم مثل، تعالى، أو سبحانه، أو عز وجل، أو تقدس ونحو ذلك، وكلما ~~كتب اسم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كتب بعده الصلاة والسلام عليه ~~وعلى آله، ويصلي هو عليه وعليهم بلسانه أيضا. وجرت عادة السلف والخلف ~~بكتابة صلى الله عليه وعلى آله وسلم لموافقة الأمر في قوله تعالى: (صلوا ~~عليه وسلموا تسليما). # وذكر الآل لما روي عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أنه قال: لا تصلوا ~~علي الصلاة البتراء. قالوا وما الصلاة البتراء يا رسول الله، قال: تقولون ~~اللهم صل على محمد وتمسكون، بل قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد. ولما ~~روي عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: من صلى صلاة لم يصل فيها على ~~أهل بيتي لم تقبل منه. # وجاء في الحديث عن علي عليه السلام مرفوعا: الدعاء محجوب حتى يصلى على ~~النبي وأهل بيته وغير ذلك من الأحاديث، ولا يختصر الصلاة في الكتابة، ولو ~~وقعت في السطر مرارا كما يفعل بعض، فيكتب صلع، أو صلم، أو صلم، وكل ذلك غير ~~لائق بحقه صلى الله عليه وعلى اله وسلم. وقد ورد في كتابة: الصلاة بكمالها، ~~عليه وعلى آله، وترك اختصارها آثار كثيرة، وإذا مر بذكر الصحابي العدل، كتب ~~رضي الله عنه، وكلما مر بذكر أحد من السلف فعل ذلك، أو كتب رحمه الله، ولا ~~سيما الأئمة الأعلام. # السادس: ينبغي إن يتجنب الكتابة الدقيقة في النسخ. قال بعض السلف: اكتب ~~ما ينفعك وقت حاجتك، ولا تكتب ما لا ينتفع به وقت الحاجة، والمراد وقت ~~الكبر وضعف البصر ms44، وقد يقصد كثير السفر بالكتابة الدقيقة خفة المحمل، وهذا ~~وإن كان قصدا صحيحا، إلا إن المصلحة الفائتة به في آخر الأمر أعظم. # السابع: إذا صحح الكتاب بالمقابلة على أصله الصحيح، أو على شيخ فينبغي له ~~إن يشكل، ويعجم المستعجم، ويضبط الملتبس، ويتفقد مواضع التصحيف. وقد جرت ~~العادة في الكتابة بضبط الحروف المعجمة بالنقط، وأما المهملة فمنهم من يجعل ~~للإهمال علامة، وينبغي إن يكتب على ما صححه وضبطه في الكتاب وهو محل شك عند ~~مطالعته أو تطرق احتمال، صحح صغيرة، ويكتب فوق ما وقع في التصحيف أو في ~~النسخ وهو خطأ كذا، صغيرة، ويكتب في الحاشية، صوابه كذا، إن تحققه، وإلا ~~فيعلم عليه صورة رأس صاد، تكتب فوق الكتاب غير متصلة بها، فإذا تحققه بعد ~~ذلك وكان المكتوب صوابا زاد تلك الصاد حاء فيصير صح، وإلا كتب الصواب في ~~الحاشية كما تقدم، وإذا وقع في النسخة زيادة، فإن كانت كلمة واحدة فله إن ~~يكتب عليها " لا " وإن يضرب عليها، وإن كانت اكثر من ذلك، فإن شاء كتب فوق ~~أولها " من " وعلى آخرها " إلى " ومعناه من هنا ساقط إلى هنا. وإن شاء ضرب ~~على الجميع بأن يخط عليه خطا دقيقا يحصل به المقصود ولا يسود الورق. ومنهم ~~من يجعل مكان الخط نقطا امتثالية، وإذا تكررت الكلمة سهوا، من الكتاب، ضرب ~~على الثانية لوقوع الأولى صوابا في موضعها، إلا إذا كانت الأولى آخر سطر ~~فإن الضرب عليها أولى، صيانة لأول السطر، إلا إذا كانت مضافا إليها، فالضرب ~~على الثانية أولى لاتصال الأولى بالمضاف. PageV01P023 الثامن: إذا أراد إن ~~يخرج شيئا في الحاشية ويسمى اللحق بفتح " الحاء " ، علم له في موضعه بخط ~~منعطف قليلا إلى جهة التخريج، وجهة اليمين أولى إن أمكن ثم يكتب التخريج في ~~محاذاة العلامة صاعدا إلى أعلى الورقة، لا نازلا إلى أسفلها، لاحتمال تخريج ~~آخر بعده، ويجعل رأس الحروف إلى جهة اليمين، سواء كان في جهة يمين الكتابة ~~أو يسارها، وينبغي إن يحسب الساقط وما يجيء منه من الأسطر قبل إن ms45 يكتبها، ~~فإن كان سطرين أو أكثر جعل آخر سطر منها يلي الكتابة إن كان التخريج عن ~~يمينها، وإن كان التخريج عن يسارها جعل أول الأسطر مما يليها ولا يوصل ~~الكتابة والأسطر بحاشية الورقة، بل يدع مقدارا يحتمل الحك عند حاجته مرات، ~~ثم يكتب في آخر التخريج " صح " ، وبعضهم يكتب بعد صح الكلمة التي تلي آخر ~~التخريج في متن الكتاب علامة على اتصال الكلام. # التاسع: لا بأس بكتابة الحواشي والفوائد والتنبيهات المهمة على حواشي ~~كتاب يملكه ولا يكتب في آخره " صح " فرقا بينه وبين التخريج، وبعضهم يكتب ~~عليه حاشية أو قائدة، وبعضهم يكتب في آخرها دارة كذا. ولا ينبغي إن يكتب ~~إلا الفوائد المهمة المتعلقة بذلك الكتاب، مثل تنبيه على إشكال أو احتراز، ~~أو رمز أو خطأ، أو نحو ذلك، ولا يسوده بنقل المسائل والفروع الغريبة، ولا ~~يكثر الحواشي كثرة يظلم الكتاب أو تضيع مواضعها على طالبها، ولا ينبغي ~~الكتابة بين الأسطر، وقد فعله بعضهم بين الأسطر المفرقه بالحمرة وغيرها، ~~وترك ذلك أولى مطلقا. # العاشر: لا باس بكتابة الأبواب والتراجم والفصول بالحمرة، فإنه أظهر في ~~البيان وفي فواصل الكلام، وكذلك لا بأس بالرمز به على أسماء أو مذاهب، أو ~~أقوال أو طرق، أو أنواع، أو لغات، أو أعداد ونحو ذلك، ومتى فعل ذلك بين ~~اصطلاحه في فاتحة الكتاب ليفهم الخائض فيه معانيها. وقد رمز بالأحمر جماعة ~~من المحدثين من الفقهاء وغيرهم لقصد الاختصار، فإن لم يكن ما ذكرناه من ~~الأبواب والفصول والتراجم بالحمرة، أتى بما يميزه من تغليظ القلم وطول ~~المشق واتحاده في السطر، ونحو ذلك، ليسهل الوقوف عليه عند قصده وينبغي إن ~~يفصل بين كل كلامين بدارة أو ترجمة أو قلم غليظ، ولا يوصل الكتابة كلها على ~~طريقة واحدة، لما فيه من عسر استخراج المقصود، وتضييع الزمان فيه، ولا يفعل ~~ذلك إلا غبي جدا. # الحادي عشر: قالوا: الضرب أولى من الحك، لا سيما في كتب الحديث لأن في ~~تهمة وجهالة، ولأن زمانه اكثر فيضيع وفعله خطر فربما نقب الورقة، وافسد ms46 ما ~~ينفذ إليه فأضعفها فإن كان إزالة نقطة أو شكله ونحو ذلك فالحك أولى، وإذا ~~صحح الكتاب على الشيخ أو في المقابلة علم على موضع وقوفه، بلغ أو بلغت أو ~~بلغ العرض، أو غير ذلك مما يفيد معناه. # خاتمة # في ذكر ما ينبغي لأهل البيت النبوي من الآداب الزكية # والأخلاق السنية والهمم العلية # وذلك خمسة أنواع: PageV01P024 الأول: بذل الهمة في تحصيل العلوم الشرعية ~~خصوصا الكتاب العزيز والسنة النبوية، لأن أولى الناس بذلك أهل البيت ~~النبوي، ولم يزل سلفهم رضوان الله عليهم على ذلك، فإن العلوم الشرعية ما ~~طهرت وانتشرت إلا من عنصر بيتهم الشريف فكيف لا يهتفون بهذا، وهذا عبد الله ~~بن عباس الحبر رضي الله عنهما يقول: طلبت العلم فلم أجد أكثر منه في ~~الأنصار، فكنت آتي الرجل فأسأل عنة، فيقال لي: نائم، فأتوسد ردائي ثم ~~اضطجع، حتى يخرج إلي الظهر فيقول: متى كنت هنا يا ابن عم رسول الله صلى ~~الله عليه وعلى آله وسلم ؟ فأقول: منذ طويل، فيقول ة بئس ما صنعت.. هل ~~أعلمتني ؟ فأقول: أردت إن تخرج إلي وقد قضيت حاجتك. وفي رواية عنه قال: ~~وجدت أكثر حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند هذا الحي من ~~الأنصار، والله إن كنت لآتي الرجل منهم فيقال: هو نائم، فلو شئت إن يوقظ ~~لي. فادعه حتى يخرج لأستطيب بذلك حديثه، رواه الدارمي في مسنده واخرج في ~~الصفوة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه ~~وعلى آله وسلم، قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله ~~عليه وعلى آله وسلم فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجبا لك يا ابن عباس، أترى ~~الناس يفتقرون إليك، وفي الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله ~~وسلم من فيهم، قال: فتركته وأقبلت أسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى ~~آله وسلم عن الحديث، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل، ~~فأتوسد الباب، فيخرج فيراني ms47، فيقول: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه ~~وعلى آله وسلم ما جاء بك؟ ألا أرسلت إلي فآتيك، فأقول بل أنت أحق إن آتيك، ~~فأسأله عن الحديث. فعاش ذلك الرجل الأنصاري حتى رآني، وقد اجتمع الناس حولي ~~يسألوني فيقول: هذا الفتى كان أعقل مني. وأخرجه الخطيب في الجامع من طريق ~~عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، إلا أنه قال: فآتي بابه وهو قائل فأتوسد ~~ردائي على بابه تنفخ الريح على التراب، والباقي سواء، وقد تقدم قول ابن ~~عباس: ذلك طالبا فعززت مطلوبا، فقد أفضى ذلك بابن عباس إلى كمال الشرف ~~والفخار، وأخرج الخطيب في الجامع عن الشعبي قال: أخذ ابن عباس رضي الله ~~عنهما بركاب زيد ابن ثابت فقال له: أتمسك بي وأنت ابن عم رسول الله صلى ~~الله عليه وعلى آله وسلم، قال: إنا هكذا نصنع بالعلماء، وأخرج أيضا عن ~~الحسن قال: رئي ابن عباس رضي الله عنهما آخذا بركاب أبي بن كعب فقيل له: ~~أنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتأخذ بركاب رجل من ~~الأنصار؟ فقال: أنه ينبغي للحبر إن يعظم ويشرف، وقد تقدم ما روي إن عليا بن ~~الحسين عليهما السلام كان يذهب إلى زيد بن اسلم، فيجلس إليه يعني للأخذ ~~عنه، فقيل له: أنت سيد الناس وأفضلهم، تذهب إلى هذا العبد فتجلس إليه ؟ ~~فقال: العلم يتبع حيث كان وممن كان، أي إن الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث ~~وجدها، وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: الشريف كل الشريف من شرفه ~~علمه، والسؤدد حق السؤدد لمن اتقى ربه، والكريم من أكرم عن ذل النار وجهه، ~~وما أحسن قول امرئ القيس: # لسنا وإن أحسابنا كرمت ... يوما على الأحساب نتكل # نبني كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعل مثلما فعلوا # وقال محمد النفس الزكية بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن ~~السبط رضي الله عنهم: كنت أطلب العلم في دور الأنصار حتى أني لأتوسد عتبة ~~أحدهم فيوقظني الإنسان فيقول: إن سيدك ms48 قد خرج إلى الصلاة وما يحسبني إلا ~~عبده. PageV01P025 الثاني: تطهير القلب من كل دنس، وغل، وحسد، وخلق ذميم، ~~وسوء عقيدة، فإنها من خبايات القلب، قال الله تعالى: (إن السمع والبصر ~~والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا). وأيضا فبذلك يحصل التهيؤ لقبول العلم ~~وحفظه والاطلاع على دقائقه وغوامض حقائقه. وقد سبق في آداب المتعلم إن ~~بعضهم قال: العلم صلاة السر وعبادة القلب وقربة الباطن، وكما لا تصلح ~~الصلاة التي هي عبادة الجوارح الظاهرة إلا بطهارة الظاهر من الحدث والخبث، ~~فكذلك لا يصلح العلم الذي هو عبادة القلب إلا بطهارته عن خبيث الصفات وحدث ~~مساوئ الأخلاق ورديئها، وإذا طيب القلب للعلم ظهرت بركته ونما كالأرض إذا ~~طيبت للزرع نما زرعها وزكا، ثم لا بد من حسن النية في طلب العلم، بأن يقصد ~~به امتثال أمر الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأحيا شريعته ~~والدخول في سلسلة العلم المنتهية إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله ~~وسلم، محققا بذلك حصول النسبتين، وإن يعد في جملة مبلغي وحي الله وأحكامه ~~وتنوير قلبه، إلى غير ذلك مما أسلفناه مع سائر ما تضمنه من آداب العالم ~~والمتعلم، فعليك بتدبره وتذكره باعتبار الصدق والإخلاص، فقد قال الجنيد ~~رحمه الله: ما طلب أحد شيئا بجد وصدق إلا ناله، فإن لم ينله كله، نال بعضه. ~~وانشد أبو يعلي الموصلي: # أصبر على مضض الادلاج بالسحر ... و بالرواح على الحاجات والكبر # لا تعجزن ولا يضجرك مطلبها ... فالنجح يتلف بين العجز والضجر # إني رأيت وفي الأيام تجربة ... للصبر عاقبة محمودة الأثر # و قل من جد في أمر يطالبه ... و استصحب الصبر إلا فاز بالظفر # وإياك إن تقصد بالعلم الأغراض الدنيوية من تحصيل الرئاسة والجاه والمال، ~~والتصدر في المجالس فيحبط عملك ويكشف نور علمك ويضيع تعبك، وتكون ممن لم ~~ينفعه الله بعلمه، وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من علم لا ~~ينفع والتوسل بالعلم الذي هو أعظم العبادات إليها من أعظم الصوارف عنها. # الثالث: اجتناب كل ما يستقبح ms49 شرعا فإن القبيح من أهل هذا البيت أقبح منه ~~من غجرهم، ولهذا قال العباس رضي الله عنه لأبنه عبد الله، كما في تاريخ ~~دمشق: يا بني إن الكذب ليس بأحد من هذه الأمة أقبح منه بي وبك وبأهل بيتك، ~~يا بني لا تكونن بشيء مما خلق الله أحب إليك من طاعته ولا أكره إليك من ~~معصيته، فإن الله عز وجل ينفعك بذلك في الدنيا والآخرة. وقال علي بن أبي ~~طالب عليه السلام: لن يستكمل المرء حقيقة الإيمان حتى يؤثر دينه على شهوته، ~~ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه، وقال: من لزم الاستقامة لزمته السلامة، ~~وجماع ذلك كله ما جاء من إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أوصى أهل ~~بيته بتقوى الله ولزوم طاعته. # وقال الحسن المثنى عليه السلام: وإني أخاف إن يضاعف للعاصي. # منا العذاب ضعفين، ووالله إني لأرجو إن يؤتى المحسن أجره منا مرتين. وقد ~~أخرج الخطيب البغدادي في الجامع عن جابر بن عبد الله: إن رسول الله صلى ~~الله عليه وعلى آله وسلم قال: إن الله يحب معاني الأخلاق ويكره سفاسفها. ~~واخرج أيضا عن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله ~~عليه وعلى آله وسلم: إن الله يحب معاني الأخلاق وأشرفها ويكره سفاسفها. ~~وأخرج أيضا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ~~إنما بعثت لأتمم محاسن الأخلاق، وأولى الخلق بذلك أهل البيت النبوي، ~~لمضاهاة ذلك تكريم محتدهم وتشريف نسبهم ولتكون حشمتهم في النفوس موفورة ~~وحرمة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيهم محفوظة، حتى لا ينطق بذمهم ~~لسان ولا يشنؤهم إنسان، وأولى الناس مروءة من كانت له نبوة النبوءة. ~~PageV01P026 الرابع: ترك الفخر بالإباء وعدم التعويل عليهم من غير اكتساب ~~للفضائل الدينية، فقد قال الله تعالى: (إن أكرمكم عند الله اتقاكم). وفي ~~صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله ~~وسلم: أي الناس أكرم؟ فقال أكرمهم عند الله ms50 أتقاهم، قالوا ليس عن هذا ~~نسألك، قال فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله بن خليل الله، قالوا: ~~ليس عن هذا نسألك قال: فعن معادن العرب تسألوني؟ قالوا: نعم، قال: فخيارهم ~~في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا. وروى العسكري والقضاعي وغيرهما ~~عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ~~قال: من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه. وهو في صحيح مسلم في جملة حديث. ~~وجاء عنه صلى الله عليه وعلى اله وسلم في الإشارة إلى سلوك التواضع، وإطراح ~~المفاخر، قوله: أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد، وقال: إنما أنا عبد آكل ~~كما يأكل العبد، هون عليك فلست بملك إنما أنا عبد. # وأخرج الدارمي وغيره، عن عياض بن حمار، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله ~~وسلم قال: إن الله عز وجل أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر بعضكم على بعض. ~~وقد جاء في أحاديث كثيرة حثه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأهل بيته على ~~خشية الله واتقائه وطاعته، وتحذيرهم ألا يكون أحد أقرب إليه منهم بالتقوى ~~يوم القيامة، وإن لا يؤثروا الدنيا على الآخرة اغترارا بنسبهم، كما في حديث ~~أبي هريرة، قال: لما نزلت هذه الآية: (و أنذر عشيرتك الأقربين) دعا رسول ~~الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فاجتمعوا قريشا فعم وخص، فقال: يا بني ~~كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من ~~النار، يا بني عبد شمس، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا ~~أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم ~~أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم ~~من الله شيئا غير أن لكم رحما تسابلها ببلالها؛ أخرجه مسلم في صحيحه وكذا ~~البخاري بدون الاستثناء. # وحديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله ~~وسلم: يا بني ms51 هاشم لا يأتين الناس يوم القيامة بالآخرة يحملونها على صدورهم ~~وتأتوني بالدنيا على ظهوركم لا أغني عنكم من الله شيئا؛ أخرجه أبو الشيخ ~~وابن حبات. وحديث معاذ رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله ~~وسلم لما بعثه إلى اليمن خرج معه يوصيه، ثم التف إلى المدينة فقال: أن أهل ~~بيتي لا يرون أنهم أولى الناس بي، وليس كذلك.. إن أوليائي منكم المتقون من ~~كانوا وحيث كانوا، أخرجه الطبراني وأبو الشيخ، وهو عند احمد في مسنده بلفظ: ~~إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا، وعن الفضيل بن مرزوق قال: ~~سمعت الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام يقول لرجل ممن يغلو ~~فيهم: ويحكم أحبونا لله، فإن أطعنا الله فأحبونا، وإن عصينا الله فأبغضونا، ~~قال: فقال له الرجل: إنكم ذوو قرابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ~~وأهل بيته، فقال: ويحكم لو كان الله نافعا بقرابة من رسول الله صلى الله ~~عليه وعلى آله وسلم بغير عمل بطاعته، لنفع بذلك من هو أقرب إليه منا أباه ~~وأمه، وإني أخاف إن يضاعف للعاصي منا العذاب ضعفين، ووالله إني لأرجو إن ~~يؤتى المحسن منا أجره مرتين أخرجه الطائي في أواخر الحديث الرابع من ~~أربعينه، ولله در القائل: # لعمرك ما الإنسان إلا بدينه ... فلا تترك التقوى اتكالا على النسب # لقد رفع الإسلام سلمان فارس ... و قد وضع الشرك الشقي أبا لهب # فما الحسب الموروث إن در دره ... لمحتسب إلا بآخر مكتسب # إذا الغصن لم يثمر وإن كان شعبة ... من المثمرات اعتده الناس في الخطب # وجاء عن أبي الأسود الدؤلي رضي الله عنه أنه قال: # العلم زين وتشريف لصاحبه ... فاطلب هديت فنون العلم والأدبا # لا خير فيمن له أصل بلا أدب ... حتى يكون على ما زانه حدبا # كم من كريم أخي عي وطمطمة ... فدم لدى الصوم معروف إذا نسبا # في بيت مكرمة آباؤه نجب ... كانوا الرؤوس فأمسى بعدهم ذنبا PageV01P027 و ~~خامل مقرف الآباء ذي أدب ms52 ... نال المعالي بالآداب والرتبا # أمسى عزيزا عظيم الشان مشتهرا ... في خده صعر قد ظل محتجبا # العلم كنز وذخر لا نفاد له ... نعم القرين إذا ما صاحب صحبا # قد يجمع المرء مالا ثم يحرمه ... عما قليل فيلقى الذل والحربا # و جامع اسم مغبوط به أبدا ... و لا يحاذر منه الفوت والعطبا # يا جامع العلم نعم الذخر تجمعه ... لا تعدلن به درا ولا ذهبا # وروى الخطيب البغدادي عن أحمد بن عبد الجليل، أنه قال من قصيدة له: # لا يكون السري مثل الدني ... لا ولا ذو الذكاء مثل الغبي # قيمة المرء كلما أحسن المر ... ء قضاء من الإمام علي # الخامس: سلوك طريق سلفهم في التواضع والحلم والصبر على الأذى ذاكرين قوله ~~تعالى: (و أصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) وما كان عليه نبينا صلى ~~الله عليه وعلى آله وسلم وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الصبر ~~على الأذى، وما كانوا يتحملونه في الله تعالى حتى كانت لهم العقبى. فينبغي ~~لأهل البيت النبوي اتباع سلفهم في اقتفاء آثارهم والاهتداء بهديهم وأنوارهم ~~والاقتداء بأقوالهم وأفعالهم وزهدهم وورعهم وتحققهم لمعرفة ربهم عز وجل، ~~فإنهم أولى الناس بذلك. وقد أخرج الدولابي وابن عبد البر إن معاوية قال ~~لضرار الصدائي: صف لي عليأ، فقال: اعفني. قال: لتصفنه لي، قال: أما إذا لا ~~بد من وصفه؛ كان والله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا ويحكم عدلا، يتفجر ~~العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس ~~إلى الليل ووحشته، وكان عزيز العبرة طويل الفكرة يعجبه من اللباس ما قصر، ~~ومن الطعام ما خشن، كان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه، ويبينا إذا استبناه ~~ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا، لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظم أهل ~~الدين ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله. ~~وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه، قابضا ~~على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا ms53 دنيا غري ~~غيري، إلي تعرضت أو إلي تشوقت؛ هيهات قد باينتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك ~~قصير وخطرك كثير.. آه آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق، فبكى ~~معاوية، وقال: رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك، انتهى. # وتواضعه وورعه وزهده أشهر من إن يذكر حتى قال رضي الله عنه: لقد رقعت ~~مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها وعن محمد ابن علي عليهما السلام قال: قال ~~الحسن عليه السلام: إني لأستحيي من ربي إن ألقاه ولم أمش إلى بيته. فمشى ~~عشرين مرة من المدينة على رجليه. وعن علي بن زيد قال: حج الحسن عليه السلام ~~خمس عشرة حجة ماشيا، وإن النجائب لتقاد معه، وخرج من ماله مرتين وقاسم الله ~~ماله ثلاث مرات. أخرجها في الصفوة، وعن مصعب بن الزبير قال: حج الحسين بن ~~علي عليهما السلام خمسا وعشرين حجة ماشيا أخرجه أبن عبد البر والبغوي في ~~معجمه. ويروى أنه قيل للحسين عليه السلام إن أبا ذر يقول: الفقر أحب إلي من ~~الغنى، والسقم أحب إلي من العافية، فقال رحم الله أبا ذر، أما أنا فأقول: ~~من أتكل على حسن اختيار الله له، لم يتمن أنه في غير الحالة التي اختارها ~~الله له. وأخرج ابن الأخضر في معالم العترة الطاهرة عن عبد الله بن أبي ~~سليمان قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا مشى لا تجاوز يده فخذه ~~ولا يخطر بيده، وكان إذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة فيقال له: مالك؟ فيقول: ~~ما تدرون بين يدي من أقوم ومن أناجي. وعن موسى بن طريف قال: استطال رجل على ~~علي بن الحسين فتغافل عنه، فقال له الرجل: إياك أعني، فقال له علي بن ~~الحسين رضي الله عنه: وعنك أغضي. PageV01P028 وقد اشتهر إن زين العابدين ~~عليه السلام كان عظيم الهدى والسمت، وقد أخرج الخطب في الجامع عن ابن عباس ~~رضي الله عنهما، إن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن الهدي الصالح ~~والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين ms54 جزءا من النبوة وكلمات أهل ~~البيت النبوي وحكمهم وأوصافهم الشريفة، لا تكاد تنحصر، ومنها معاملتهم لأمة ~~مشرفهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمكارم الأخلاق من طلاقة الوجه، وإفشاء ~~السلام ومزيد الإكرام، ورفقهم بهم في الكلام، وترك التعاظم على آحادهم ~~وإحسان الضن بهم، وتخصيصهم بمزيد الإكرام للعلماء المتمسكين بسنة نبيهم، ~~صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإنهم ورثة الأنبياء، فينبغي أن يكون ~~المنتسبون إليهم متخلقين بمحاسن أخلاقهم وآدابهم ونزاهتهم، متأملين لسيرهم ~~وطرائقهم سالكين سبلهم في ذلك، حتى يكونوا خير الناس أسلافا، وأخلاقا، ~~وأعمالا، ويدخلون السرور على مشرفهم صلى الله عليه وآله والماضين من سلفهم ~~عند عرض أعمالهم. # هذا آخر ما تيسر جمعه بحمد الله وإعانته فنسأل الله أن ينفع به، وأن يجعل ~~أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يهدينا إلى الصراط المستقيم، إنه سميع ~~عليم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم على سيدنا ~~محمد وآله الطاهرين. آمين اللهم آمين. PageV01P029 ms55