######OpenITI# #META# URI: 1348AhmadTaymurBasha.AbuCalaMacarri.Hindawi28041486 #META# Tags: literary.criticism #META# ID: 28041486 #META# Title: أبو العلاء المعري #META# AuthorID: 63682491 #META# Author: أحمد تيمور باشا #META# EditorID: None #META# Editor: None #META# TranslatorID: None #META# Translator: None #META# Related_books: None #META#Header#End# # بيان‏ # نسبه وأخباره‏ # فصل في نسبه‏ # فصل في بيته‏ # فصل في مولده ووفاته وحليته‏ # فصل في نشأته وطلبه العلم ورحلته‏ # فصل في تلاميذه‏ # فصل في مبلغ علمه وذكائه‏ # فصل في مؤلفاته‏ # فصل في ثروته وزهده‏ # فصل في بقية أخباره‏ # شعره‏ # فصل في المكرر في معانيه‏ # فصل في سرقاته‏ # فصل في مآخذ الشعراء من شعره‏ # فصل في مقارنة بعض معانيه بمعاني غيره‏ # معتقده‏ # فصل في اختلافهم فيه‏ # فصل في معتقده في الله‏ # فصل في معتقده في النبوات والرسل‏ # بيان‏ # نسبه وأخباره‏ # فصل في نسبه‏ # فصل في بيته‏ # فصل في مولده ووفاته وحليته‏ # فصل في نشأته وطلبه العلم ورحلته‏ # فصل في تلاميذه‏ # فصل في مبلغ علمه وذكائه‏ # فصل في مؤلفاته‏ # فصل في ثروته وزهده‏ # فصل في بقية أخباره‏ # شعره‏ # فصل في المكرر في معانيه‏ # فصل في سرقاته‏ # فصل في مآخذ الشعراء من شعره‏ # فصل في مقارنة بعض معانيه بمعاني غيره‏ # معتقده‏ # فصل في اختلافهم فيه‏ # فصل في معتقده في الله‏ # فصل في معتقده في النبوات والرسل‏ # | أبو العلاء المعري # | أبو العلاء المعري # تأليف # أحمد تيمور باشا # | بيان # كان الظن أن المؤلف، طيب الله ثراه، قد استوفى هذا الكتاب تأليفا وإعدادا، وأنه قد فرغ ~~من جمع المواد، وتمييز الأقسام، وتبيين الفصول، ومراجعة العبارة. ولكن وردت في أضعاف الكتاب ~~إشارات وعلائم تصرف هذا الظن. # من ذلك أنه جعل لقسم من الكتاب عنوانا، هو: «شعره ونثره». وما يكون للمؤلف أن يمهل جانب ~~النثر من آثار المترجم له، إلا أن فصول هذا القسم خالية كلها من حديث النثر كله. فالحتم ~~أنه عقد العزم على أن يكسر بعض فصول عليه. # ومن ذلك أنه بنى فصلا «للمكرر من معانيه»، وقد وجد مكتوبا في ورق قصير من غير جنس ~~الورق الذي كتب فيه سائر الكتاب، وفي إحدى صفحاته جملة مستقلة يفهم موضوعها أن المؤلف ~~صاغها ليمهد بها لهذا الفصل. وهذا المظهر يشهد بأن هذا الورق مسودة أبقيت للزيادة ~~عليها، والتغيير فيها. فإذا لوحظ إلى هذا أن الفصل قليل ضئيل ms001 مع سعة الموضوع وتشعبه، وأن ~~الأبيات المستشهد بها جلها من غير شعر اللزوم؛ قام اليقين بأن المؤلف كان مقدرا إكمال ~~موضوعه فيما بعد، وتبيضه في ورق مماثل لورق بقية الفصول، جريا على سنته في إخراج هذا ~~الكتاب. # ومن ذلك أنه عند الحديث في «معتقده» ساق حكاية أبيات من قصيدة، ثم قال: «وسأوردها بتمامها ~~عند الكلام على منظومه، فإنها من شعره المفقود». ولم ترد هذه الأبيات الموعود بها في ثنايا ~~الكتاب. فإن استخبر مفاد هذه الجملة، أعطى أنه كان يبغي إنشاء فصل لهذا النوع، يجعله في ~~جملة فصول القسم الذي عنونه: «شعره ونثره». # ومن ذلك أنه قال في خاتمة الفصول الموجودة من هذا الكتاب: «... بدليل ما ذكرناه من الكلام ~~وما سنذكره». وواضح أن هذه كلمة من لم يقض مأربه من القول بعد. # يضاف إلى هذه جميعا أن حواشي الأوراق حافلة بألوان من الزيادة والإبدال والإصلاح، مما ~~يدع الرأي مطمئنا إلى أن النسخة كانت في حياة المؤلف لا تزال بين يديه: يراجع فيها تسريح ~~الناظر، وإجراء الخاطر، وإعمال القلم. # على أنه ربما يكون قد أجل معاودة الكتاب إلى فرصة لم تسنح، وأولاه مهلة اتصلت ~~بانتقاله إلى جوار ربه. فإنه لما عرف بكتاب الفصول والغايات، في فصل «مؤلفاته»؛ اقتصر على ~~بيان طريقته وموضوعه، فما أشار المؤلف إلى حصوله على مخطوطة الجزء الأول من هذا الكتاب ~~النادر. ولهذه الإشارة شأنها؛ إذ هي إعلام بمكان تحفة كانت مفقودة، ووجدان ضالة ظلت منشودة. ~~ومن سبيل المؤلف في كتابه هذا أنه ما تعرض مناسبة كتاب غير مشهور، أو أثر عزيز الوجود؛ ~~إلا هدى إلى مخبئه، وعرف بنسخته، ولم يفته أن يذكر حصوله عليه إن كان. وما دام هذا ~~صنيعه في الكتب العارضة، فمثل هذا الصنيع في كتب المترجم له أولى وأحق. وإذا فلا بد أن ~~يكون المؤلف قد وادع مخطوطة الكتاب قبل أن يحصل على نسخة الفصول والغايات، ثم لم يعاوده حتى ~~لبى نداء ربه خالد الذكر، حميد الأثر. # | نسبه وأخباره # | فصل في نسبه # هو أبو العلاء ms002 أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان بن ~~داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن الحرث بن ربيعة بن أنور بن أسحم بن أرقم بن ~~النعمان بن عدي بن غطفان بن عمرو بن بريح بن خزيمة بن تيم الله بن أسد بن ~~وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة التنوخي المعري. هكذا ~~ساق نسبه ابن خلكان، وهو أصح ما وجدناه بالمعارضة على ما في كتب الأنساب؛ فإن فيما ذكره ~~ياقوت في «إرشاد الأريب» إسقاطا لبعض الأسماء، واضطرابا في ترتيب بعضها، فاعتمدنا على ~~رواية ابن خلكان بعد تصحيح ما حرف منها، فإن «خزيمة بن تيم الله» جاء في النسخة ~~المطبوعة ببولاق: «جذيمة» بالجيم والذال المعجمة، وما نص عليه في كتب اللغة ~~والأنساب «خزيمة» بالخاء والزاي مصغرا. و«تيم الله بن أسد» هكذا في جميع ما ~~وقفنا عليه من الكتب، وجاء به أبو العلاء في سقط الزند: «تيم اللات»، في قوله: # سألته قبل يوم السير مبعثه # إليك ديوان تيم اللات ما ليتا # وقد يكون هذا تحريفا في النسخة، إلا أن من خبر شعر أبي العلاء ومذهبه في ~~تكلفه الصناعة والتجنيس، رجح أنه ما أتى بقوله «ما ليت»، أي ما نقص، بعد قوله ~~«اللات»، إلا إرادة للتجنيس، والله أعلم. وقد يذهب الظن إلى أن «تيم اللات» هذا ربما ~~كان غير «تيم الله» المذكور مقدما، وهو مردود بما ذكره الشارح في سياقه نسبه عند شرح ~~البيت. على أن فيما ذكره ابن خلكان ما لا يسكت عنه أيضا، وما نقلناه عنه هو ما وجدناه ~~في النسخة المطبوعة ببولاق، والنسخة المطبوعة بباريس. ونقل ابن الوردي في تاريخه عبارة ~~ابن خلكان، فأسقط أحمد بن سليمان من سلسلة النسب، ويوافقه ما في «الكوكب الثاقب» لعبد ~~القادر بن عبد الرحمن السلوي، إلا أنه أسقط محمد بن سليمان بدل أحمد. وعلى كل حال، ~~فالظاهر أن ما ورد في ابن خلكان فيه زيادة اسمين ربما سبق بهما قلم الناسخ ms003 . # وجده الأعلى قضاعة بن مالك أبو حي من اليمن، ينتهي نسبه إلى قحطان؛ هذا هو ~~المشهور. وزعم نساب مضر أنه قضاعة بن معد بن عدنان، وأن مالكا زوج أمه، ~~والنسب إلى زوج الأم عادة معروفة عند العرب، ولعلماء الأنساب في ذلك اختلاف كثير. ولهذا ~~قال محمد بن سلام البصري النسابة لما سئل: أنزار أكثر أم اليمن؟ فقال: إن ~~تمعددت قضاعة فنزار أكثر، وإن تيمنت فاليمن. وعلى القول الأول قول بعضهم: # قضاعة بن مالك بن حمير # النسب المعروف غير المنكر # وعلى القول الثاني قول الكميت الأسدي يخاطب قضاعة: # فإنك والتحول عن معد # كحالية تزين بالعطول # تغايظ بالتعطل جارتيها # وبالأحماء تبدأ والحليل # فمهلا يا قضاعة لا تكوني # كقدح خر بين يدي مجيل # وما من تهتفين به لنصر # بأقرب جابة لك من هديل # وسمي قضاعة لانقضاعه عن قومه مع أمه، أي انقطاعه عنهم، أو من ~~قضعه، أي قهره. وقيل: بل هو اسم منقول، وأصل القضاعة الفهد. # والتنوخي نسبة إلى تنوخ، كصبور. وتشديد النون خطأ؛ وهم قبيلة من اليمن من ~~قضاعة، سموا بذلك لأنهم اجتمعوا وتحالفوا، وتنخوا بمكان في الشام، أي أقاموا فيه. ~~ومن الناس من يطلق تنوخ على الضجاعمة ودوس الذين تنخوا بالبحرين، والاختلاف في ~~ذلك كثير أيضا. ونقل عن أبي عبيد أنهم تنخوا على مالك بن زهير بن عمرو بن فهم بن ~~تيم الله بن أسد، وعلى مالك بن فهم عم مالك بن زهير. وذكر الحمداني أن المعرة من ~~بلاد الشام هي صليبة تنوخ، بمعنى أن بها جمعهم المستكثر. وفي «إرشاد الأريب» لياقوت أن ~~تيم الله بن أسد هو مجتمع تنوخ من أهل معرة النعمان. وقال أبو يعقوب النحوي في ~~شرح «سقط الزند» أن تيم الله هو مجتمع تنوخ في النسب، ولم يخص أهل المعرة. ويوافقه ما ~~ذكره ياقوت في معجم البلدان، إلا أن أبا يعقوب سماه تيم اللات كما قدمنا. وكان شعار ~~تنوخ في حروبهم: «واصل، واصل»، وإليه أشار أبو العلاء في لزومياته بقوله: # فر من هذه البرية في الأر # ض ms004 فما غير شرها لك حاصل # فشعاري قاطع وكان شعارا # لتنوخ في سالف الدهر واصل # والشعار: العلامة في الحرب. وفي الحديث أن شعار أصحاب رسول الله # صلى الله عليه وسلم # كان في الغزو: «يا منصور أمت أمت». وهو تفاؤل بالنصر بعد الإماتة. ~~واستشعر القوم، إذا تداعوا بالشعار في الحرب. # والمعري نسبة إلى معرة النعمان، وهي بلدة بالشام من أعمال حمص بين حلب وحماة، ~~وليست منسوبة للنعمان بن المنذر كما توهمه بعضهم، بل نسبت - فيما ذكروا - للنعمان ~~بن بشير الأنصاري؛ لأن ولدا له مات وهو مجتاز بها، فدفنه فيها وأقام أياما حزينا، ~~فنسبت إليه لذلك. قال ياقوت في معجم البلدان: وهذا في رأيي سبب ضعيف لا تسمى بمثله ~~مدينة، والذي أظنه أنها مسماة بالنعمان الملقب بالساطع. قلت: وهو النعمان بن عدي، ~~أحد أجداد المعري المذكورين في نسبه. والذي ذكره ياقوت مقبول؛ فإن تسمية بلدة باسم أحد ~~قطانها المشهورين فيها أقرب من تسميتها بأحد المجتازين بها. وذهب الشريشي في شرح ~~المقامات إلى أنها أضيفت لجبل مطل عليها اسمه النعمان، ولم يذكر ياقوت هذا ~~الجبل. # ومن شعر أبي العلاء فيمن عيره باسم بلده: # يعيرنا لفظ المعرة أنها # من العر قوم في العلا غرباء # وهل لحق التثريب سكان يثرب # من الناس، لا، بل في الرجال غباء # وذو نجب إن كان ما قيل صادقا # فما فيه إلا معشر نجباء # أي إن كان اسم البلد له تأثير على ساكنيه، على ما زعم هؤلاء ~~الزاعمون، فيلزم منه أن التثريب لاحق لسكان يثرب، وهي مدينة الرسول # صلى الله عليه وسلم ~~. ويلزم ~~منه أيضا أن يكون سكان ذي نجب كلهم نجباء، مع أن فيهم النجيب وغير النجيب كسائر ~~سكان البلاد. # ومن شعره في اسمه: # وأحمد سماني كبيرى وقلما # فعلت سوى ما أستحق به الذما # وقال أيضا: # رويدك لو كشفت ما أنا مضمر # من الأمر ما سميتني أبدا باسمي # أطهر جسمي شاتيا ومقيظا # وقلبي أولى بالطهارة من جسمي # وقال في كنيته: # عرفتك جيدا يا أم دفر # وما إن زلت ظالمة فزولي ms005 # دعيت أبا العلاء وذاك مين # ولكن الصحيح أبو النزول # يقول ذلك جريا على عادته في الخمول والتواضع. # وقد خلط بعض العصريين بين أبي العلاء المعري وأبي العلاء صاعد اللغوي؛ لاتفاقهما في ~~الكنية، واشتهار كليهما باللغة، فنسب للمعري كتابا اسمه الفصوص في قصة ساقها، وإنما هو ~~لصاعد، وسيأتي تفصيل ذلك في فصل مؤلفاته. # | فصل في بيته # كان أبو العلاء من بيت علم وقضاء، ورياسة وثراء. تولى جماعة من أهله قضاء المعرة ~~وغيرها، ونبغ منهم قبله وبعده كثيرون راسوا وساسوا، وكان فيهم العالم والكاتب والشاعر. ~~ولأهل المعرة اعتقاد كبير فيهم، ولواذ بهم، وفزع إليهم في أمورهم. وذكروا أن كمال ~~الدين بن العديم عقد فصلا لتراجمهم وأخبارهم في كتابه: «دفع التحري عن أبي العلاء ~~المعري»، إلا أني لم أظفر بهذا الكتاب مع كثرة بحثي وتنقيبي عنه، فاعتمدت في أكثر ما ~~أذكره هنا على ما في «إرشاد الأريب» لياقوت، و«الكوكب الثاقب» لعبد القادر بن عبد ~~الرحمن السلوي، وتركت كثيرا منهم لعدم تحققي من صحة أنسابهم وألقابهم، بسبب تحريف ~~النسخ. # فمنهم: «جده الأدنى سليمان بن محمد أو أحمد»، الشهير بقاضي المعرة، وولي أيضا القضاء ~~بحمص، وبها مات سنة 290ه، وكان أبوه شاعرا. ~~«عمه أبو بكر محمد بن سليمان» ولي القضاء بعد أبيه، وفيه يقول ~~الصنوبري: # بأبي يا ابن سليما # ن لقد سدت تنوخا # وهم السادة شبا # نا لعمري وشيوخا # أدرك البغية من أض # حى بناديك منيخا # واردا عندك نيلا # وفراتا وبليخا # 1 # واجدا منك متى استص # رخ للمجد صريخا # في زمان غادر الهما # ت في الناس مسوخا ~~«أبوه عبد الله بن سليمان» ولي القضاء بعد أخيه محمد بن سليمان، وتوفي بحمص سنة ~~377ه، ومن شعره في رثاء والده: # إن كان أصبح من أهواه مطرحا # بباب حمص فما حزني بمطرح # لو بان أيسر ما أخفيه من جزع # لمات أكثر أعدائي من الفرح # ورثى أبو العلاء والده بقصيدة نونية أولها: # نقمت الرضا حتى على ضاحك المزن # فما جادني إلا عبوس من الدجن # وسنورد مختارها عند الكلام على ms006 منظومه. ~~«أخوه أبو المجد محمد بن عبد الله بن سليمان»، كان أسن من أبي العلاء، ومن شعره في ~~الزهد: # كرم المهيمن منتهى أملي # لا نيتي أجر ولا عملي # يا مفضلا جلت فواضله # عن بغيتي حتى انتهى أجلي # كم قد أفضت علي من نعم # كم قد سترت علي من زلل # إن لم يكن لي ما ألوذ به # يوم الحساب فإن عفوك لي ~~«أخوه أبو الهيثم عبد الواحد بن عبد الله بن سليمان»، كان شاعرا كأبيه وأخويه أبي ~~المجد وأبي العلاء، ومن شعره: # قالوا نراه سلا لأن جفونه # ضنت عشية بيننا بدموعها # ومن العجائب أن تفيض مدامع # نار الغرام تشب في ينبوعها # وله في الشمعة: # وذات لون كلوني في تغيره # وأدمع كدموعي في تحدرها # سهرت ليلي وباتت لي مسهرة # كأن ناظرها في قلب مسهرها # قلت: ومهما قيل في الشمعة، فليس لقصيدة القاضي ناصح الدين الأرجاني ضريب في هذا ~~الباب، فقد بذ بها من تقدمه وأعيا من بعده؛ إذ يقول: # نمت بأسرار ليل كاد يخفيها # وأطلعت قلبها للناس من فيها # سفيهة لم يزل طول اللسان لها # في الحي يجني عليها ضرب هاديها # غريقة في دموع وهي تحرقها # أنفاسها بدوام من تلظيها # تنفست نفس المهجورة ادكرت # عهد الخليط فبات الوجد يبكيها # يخشى عليها الردى مهما ألم بها # نسيم ريح إذا وافى يحييها # كأنها غرة قد سال شارخها # في وجه دهماء يزهاها تجليها # أو ضرة خلقت للشمس حاسدة # فكلما حجبت قامت تحاكيها # لها غرائب تبدو من محاسنها # إذا تفكرت يوما في معانيها # فالوجنة الورد إلا في تناولها # والقامة الغصن إلا في تثنيها # صفر غلائلها حمر عمائمها # سود ذوائبها بيض لياليها # تحيي الليالي نورا وهي تقتلها # بئس الجزاء لعمر الله تجزيها # ولولا خوف الإطالة لذكرتها بتمامها لغرابتها. # وأتى بعد أبي العلاء جماعة ذكر منهم ياقوت ثمانية أسماء، وأضرب عن ذكر غيرهم ~~اختصارا، وغالبهم تولوا القضاء بالمعرة، وكفر طاب، وحماة. ومنهم من تولى ديوان ~~الإنشاء. # وإنما تركت ذكرهم لما قدمت من تحريف أسمائهم في النسخة. # | هوامش # | فصل ms007 في مولده ووفاته وحليته # ولد يوم الجمعة عند مغيب الشمس لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة 363. وعمي بالجدري ~~أول سنة 367. غشى يمنى عينيه بياض، وذهبت اليسرى جملة. وكان يقول: لا أعرف من الألوان ~~إلا الأحمر؛ لأنهم ألبسوني حين جدرت ثوبا معصفرا، لا أعقل غير ذلك. وقال في إحدى ~~رسائله إلى داعي الدعاة: «وقد علم الله أن سمعي ثقيل، وبصري عن الإبصار كليل، قضي ~~علي وأنا ابن أربع، لا أفرق بين البازل # 1 # والربع». # 2 # فلا وجه إذا لمن زعم أنه ولد أكمه. # وحكى السلفي عن أبي محمد الإيادي أنه دخل مع عمه على أبي العلاء يزوره، فرآه قاعدا ~~على سجادة لبد وهو شيخ. قال: فدعاني ومسح على رأسي، وكنت صبيا، وكأني أنظر إليه ~~الساعة وإلى عينيه إحداهما بارزة والأخرى غائرة جدا، وهو مجدر الوجه، نحيف ~~الجسم. # ونقل الثعالبي عن المصيصي الشاعر، قال: رأيت بمعرة النعمان عجبا من العجب، رأيت ~~أعمى شاعرا ظريفا يلعب بالشطرنج والنرد، ويدخل في كل فن من الجد والهزل، يكنى أبا ~~العلاء. وسمعته يقول: أنا أحمد الله على العمى، كما يحمده غيري على البصر. ~~انتهى. # وقال الشيخ عبد الغني النابلسي في رحلته الكبرى المسماة بالحقيقة والمجاز، في رحلة ~~الشام ومصر والحجاز، عند كلامه على القدس وما فيها: «ودخلنا إلى المدرسة المسماة ~~بالفخرية، وهي في غاية من الحسن والإتقان، وكمال ~~البهاء وجمال البنيان، وفيها جملة من الكتب. ورأينا فيها ديوان أبي العلاء المعري ~~وشرحه، ورأينا هناك مكتوبا له هذين البيتين، وهما قوله: # قالوا العمى منظر قبيح # قلت بفقدي لكم يهون # والله ما في الأنام شيء # تأسى على فقده العيون # ويناسبه قوله أيضا: # أبا العلاء يا ابن سليمانا # إن العمى أولاك إحسانا # لو أبصرت عيناك هذا الورى # ما أبصرت عيناك إنسانا # انتهى كلام الشيخ. والبيتان الأولان اختلفوا في قائلهما، فنسبهما الصفدي في شرح ~~لامية العجم (ج2، ص384) لأبي العلاء كما ذكر الشيخ، ولكن روايته: «ما في الوجود» بدل ~~«ما في الأنام». # ونسبهما الشريشي في شرح المقامات لبشار بن برد، وروايته ms008: «ما في البلاد»، ونسبهما ~~الوطواط «في الغرر والعرر ص161» لأبي العيناء، وروايته: «والله ما في الأنام حر»، والله ~~أعلم. # والبيتان الآخران لم أجدهما في شعر أبي العلاء، ولعلهما من شعره المفقود. فإن قيل: ~~كيف كان يحمد الله على العمى، وهو القائل في عكسه يتمنى الإبصار: # فليت الليالي سامحتني بناظر # يراك ومن لي بالضحى في الأصائل # فلو أن عيني متعتها بنظرة # إليك الأماني ما حلمت بغائل # قلنا: ليس هذا من التناقض في شيء، ولكل مقام مقال؛ لأنه أبان في الأول عن مذهبه ورأيه ~~في الوجود، وجرى في الثاني على طريقة الشعراء في مدائحهم؛ إذ كان المقام يقتضيه. ومن ~~هذا تعلم فرق ما بين شعريه في سقط الزند واللزوميات، لاختلاف المقامين وتباين ~~الوجهتين. وإن صحت نسبة البيتين السابقين لأبي العيناء كما ذكر الوطواط، فقد جرى على ~~مثل هذا أيضا في قوله للمتوكل وقد سأله عن أصعب ما مر عليه في فقد بصره، فقال له: ~~فقدي لرؤيتك يا أمير المؤمنين. # ومن قول أبي العلاء في عماه، وهو مما رواه له الصفدي: # سواد العين زار سواد قلبي # ليتفقا على فهم الأمور # يشير بذلك إلى أن العميان عوضوا عن البصر الذكاء وسرعة الحفظ. وقريب منه ما ينسب ~~لسيدنا عبد الله بن عباس، وكان أصيب في بصره في آخر عمره: # إن يأخذ الله من عيني نورهما # ففي فؤادي وقلبي منهما نور # قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل # وفي فمي صارم بالقول مشهور # وغاية الغايات في هذا الباب قول بشار بن برد فيمن عيره بالعمى، وإن كان من غير هذا ~~المعنى: # وعيرني الأعداء والعيب فيهم # وليس بعار أن يقال ضرير # إذا أبصر المرء المروءة والتقى # فإن عمى العينين ليس يضير # رأيت العمى أجرا وذخرا وعصمة # وإني إلى تلك الثلاث فقير # ومن طرائف أبي العلاء أنه لما فرغ من تصنيف كتابه اللامع العزيزي في شرح ديوان ~~المتنبي، وقرئ عليه، أخذ الجماعة في وصفه، فقال: كأنما نظر المتنبي إلي بلحظ الغيب ~~حيث يقول: # أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ms009 # وأسمعت كلماتي من به صمم # وكان أبو حزم مكي بن ريان المقري الضرير الملقب بصائن الدين يتعصب لأبي العلاء، ~~ويطرب إذا قرئ عليه شعره للجامع بينهما من العمى والأدب، فسلك مسلكه في النظم. كذا ~~ذكر ابن خلكان نقلا عن ابن المستوفي. # وتوفي - رحمه الله - يوم الجمعة، ثالث، وقيل ثاني، وقيل ثالث عشر ربيع الأول، سنة ~~449 بالمعرة، في خلافة القائم العباسي، وله من العمر نحو ست وثمانين سنة، ومرض ثلاثة ~~أيام، ولم يكن عنده غير بني عمه، فقال لهم في اليوم الثالث: اكتبوا عني. فتناولوا ~~الدوي والأقلام، فأملى عليهم غير الصواب، فقال لهم القاضي أبو محمد عبد الله ~~التنوخي: أحسن الله عزاءكم في الشيخ فإنه ميت. فمات من غده، ودفن في ساحة من دور أهله. ~~قال القفطي: أتيت قبره سنة خمسين وست مئة، فإذا هو في ساحة من دور أهله وعليه باب، ~~فدخلت فإذا القبر لا احتفال به، ورأيت عليه خبازى يابسة، والموضع على غاية ما يكون من ~~الشعث والإهمال. وقال الذهبي: وقد رأيت قبره بعد مئة سنة من رؤية القفطي، فرأيت نحوا ~~مما حكى. انتهى. ويقال إنه أوصى أن يكتب عليه: # هذا جناه أبي علي # وما جنيت على أحد # ونقل الصفدي عن خط علاء الدين الوداعي، قال: زرت قبره بالمعرة - رحمه الله تعالى - في ~~ربيع الأول سنة تسع وسبعين وست مئة، ولم أر عليه شيئا من ذلك، وقد دثر ولصق بالأرض، ~~وعملت هذين البيتين: # قد زرت قبر أبي العلاء المرتضى # لما أتيت معرة النعمان # وسألت من غفر الخطايا أنه # يهدي إليه رسالة الغفران # قلت: وقبره معروف إلى اليوم، أي سنة 1327 بالمعرة، ولأهلها اعتقاد كبير فيه، ويزعمون ~~أن الماء إذا بيت في قارورة عند قبره، وشربه في الغد صبي به حبسة في لسانه، أو ~~بلادة في ذهنه، زال ذلك عنه ببركة أبي العلاء. # ونقل ياقوت في «إرشاد الأريب» عن ابن الهبارية، أن السبب في وفاة أبي العلاء مكاتبات ~~جرت بينه وبين أبي نصر بن أبي عمران داعي الدعاة بمصر، دعت إلى ms010 الأمر بإحضاره إلى حلب، ~~ووعده على الإسلام خيرا من بيت المال، فلما علم أنه يحمل للقتل أو الإسلام سم ~~نفسه فمات. قال ياقوت: وقد ظفرت بتلك الرسائل، فلم أجد بها ما يدل على ما ذهب إليه ابن ~~الهبارية. انتهى. وأقول: هذه الرسائل هي التي لخصها ياقوت في كتابه المذكور، وقد ~~ظفرت بها أنا أيضا، وهي عندي تامة في نسخة مخطوطة، وليس فيها شيء من ذلك. وبعد فأي ~~إسلام كان يريده منه داعي الدعاة، وهو رئيس الباطنية في الدولة الفاطمية، والداعي إلى ~~مذهبهم، ونحلة القوم معروفة لا تحتاج لبيان. ومن راجع دعواتهم في خطط المقريزي علم ~~كيف كانوا يأخذون الداخل في مذهبهم بتشكيكه في دينه أولا، ثم الخروج به رويدا رويدا ~~من الإسلام، حتى ينتهوا به إلى الإلحاد. فهل كان ما عليه هؤلاء القوم هو الإسلام في نظر ~~ابن الهبارية حتى يتبجح بهذه الدعوى؟ # وكان - رحمه الله - قصير القامة، نحيف الجسم ضعيفه، مشوه الوجه بآثار الجدري، ~~ومني في آخر عمره بالإقعاد، ولما مات ختم عند قبره في أسبوع واحد مئة ختمة، وفي ~~رواية: مئتان، واجتمع عليه خلق كثير، وأنشد أربعة وثمانون شاعرا مراثيهم فيه. منها ~~قصيدة طويلة لتلميذه علي بن همام، يقول فيها: # إن كنت لم ترق الدماء زهادة # فلقد أرقت اليوم من جفني دما # سيرت ذكرك في البلاد كأنه # مسك تضمخ منه سمعا أو فما # وترى الحجيج إذا أداروا ليلة # ذكراك أوجب فدية من أحرما # قال ياقوت: كأنه يقول إن ذكرك طيب، والطيب لا يحل للمحرم، فتجب عليه فدية. ~~ورثاه أبو الرضى عبد الرحمن بن نوت المعري بقصيدة نذكر منها ما وقفنا عليه في «الكوكب ~~الثاقب» لعبد القادر السلوي، وهو: # سمر الرماح وبيض الهند تشتور # في أخذ ثأرك والأقدار تعتذر # والدهر فاقد أهل العلم قاطبة # كأنهم بك في ذا القبر قد قبروا # فهل ترى بك دار العلم عالمة # أن قد تزعزع منها الركن والحجر # والعلم بعدك غمد فات منصله # والفهم بعدك قوس ما له وتر # ورثاه الأمير أبو الفتح الحسن ms011 بن عبد الله بن أبي حصينة المعري بقوله: # العلم بعد أبي العلاء مضيع # والأرض خالية الجوانب بلقع # أودى وقد ملأ البلاد غرائبا # تسري كما تسري النجوم الطلع # ما كنت أعلم وهو يودع في الثرى # أن الثرى فيه الكواكب تودع # جبل ظننت وقد تزعزع ركنه # أن الجبال الراسيات تزعزع # وعجبت أن تسع المعرة قبره # ويضيق بطن الأرض عنه الأوسع # لو فاضت المهجات يوم وفاته # ما استكثرت فيه فكيف الأدمع # تتصرم الدنيا وتأتي بعده # أمم وأنت بمثله لا تسمع # لا تجمع المال العتيد وجد به # من قبل تركك كل شيء تجمع # وإن استطعت فسره بسيرة أحمد # تأمن خديعة من يغر ويخدع # رفض الحياة ومات قبل مماته # متطوعا بأبر ما يتطوع # عين تسهد للعفاف وللتقى # أبدا وقلب للمهيمن يخشع # شيم تجمله فهن بلحده # تاج ولكن بالثناء يرصع # جادت ثراك أبا العلاء غمامة # كندى يديك ومزنة لا تقلع # ما ضيع الباكي عليك دموعه # إن الدموع على سواك تضيع # قصدتك طلاب العلوم ولا أرى # للعلم بابا بعد بابك يقرع # مات النهى وتعطلت أسبابه # وقضى التأدب والمكارم أجمع # | هوامش # | فصل في نشأته وطلبه العلم ورحلته # نشأ بالمعرة، وأخذ النحو واللغة عن أبيه، وعن ~~محمد بن عبد الله بن سعد النحوي بحلب، وحدث عن أبيه وجده. ثم رحل إلى بغداد، فسمع ~~من عبد السلام بن الحسين البصري. هكذا ذكر السيوطي في بغية الوعاة، قال: وقد أسندنا ~~حديثه في الطبقات الكبرى، وله ذكر في جمع الجوامع. وذكر غيره أن أبا العلاء لما قدم ~~بغداد، قصد أبا الحسن علي بن عيسى الربعي ليأخذ عنه، فلما أراد الدخول عليه، قال ~~الربعي: ليدخل الإصطبل! فخرج مغضبا ولم يعد إليه. والإصطبل بلغة أهل الشام: الأعمى. ~~قلت: وهي لفظة معربة، ذكرها الخفاجي في شفاء الغليل، قال: ولذا قال ابن عباد: جروا ~~الإصطبل في قصته مع المعري. ولعل الخفاجي أراد المرتضى، ووهم فذكر ابن عباد. وستأتي ~~القصة. # وذكر أبو الفداء أنه دخل بغداد واستفاد من علمائها، ولم يتلمذ لأحد أصلا، وهو ~~يخالف ما ذكره ms012 السيوطي وابن خلكان وغيرهما. وكان قد رحل أولا إلى طرابلس، وبها ~~خزائن كتب موقوفة؛ فأخذ منها ما أخذ من العلم، ثم رحل إلى بغداد سنة 398 فأقام بها سنة ~~وسبعة أشهر، ثم رجع إلى المعرة وأقام بها إلى وفاته. وقول ابن خلكان إنه دخل بغداد سنة ~~398، ودخلها ثانية سنة 399، وأقام بها سنة وسبعة أشهر، لا يستقيم مع ما سيرد عليك في ~~فصل مؤلفاته، من تصريحه عن نفسه أن رجوعه إلى المعرة ولزومه منزله كان ~~سنة 400. # وقبل قدومه إلى المعرة بمدة يسيرة ماتت أمه، وأصيب في مال له، فرثاها بقصيدة ميمية ~~طويلة، وأخرى بائية، وكتب إلى بغداد يخاطب صديقه وتلميذه القاضي أبا القاسم علي بن ~~المحسن التنوخي بقصيدة ضمنها أغراضا يقول فيها معتذرا عن مفارقته العراق: # أثارني عنكم أمران: والدة # لم ألقها، وثراء عاد مسفوتا # 1 # أحياهما الله عصر البين ثم قضى # قبل الإياب إلى الذخرين أن موتا # لولا رجاء لقائيها لما تبعت # عنسي دليلا كسر الغمد إصليتا # 2 # ولا صحبت ذئاب الإنس # 3 # طاوية # تراقب الجدى في الخضراء مسبوتا # 4 # ولما استقر بالمعرة لزم داره، وشرع في التصنيف والإفادة، وأخذ عنه الناس، وقصده ~~الطلبة من الآفاق، وكاتبه العلماء والوزراء وأهل الأقدار، وسمى نفسه: «رهن ~~المحبسين»، يعني: حبس نفسه في المنزل، وحبس بصره بالعمى. # وما فتئ وهو بعيد عن بلده، يحن إليه ويشتاقه، ويذكره في شعره، وفيه يقول: # سرى برق المعرة بعد وهن # فبات برامة يصف الكلالا # شجا ركبا وأفراسا وإبلا # وزاد فكاد أن يشجو الرحالا # بها كانت جيادهم مهارى # وهم مردا وبزلهم فصالا # وقال: # فيا برق ليس الكرخ داري وإنما # رماني إليه الدهر منذ ليل # فهل فيك من ماء المعرة قطرة # تغيث بها ظمآن ليس بسال # وقال أيضا: # متى سألت بغداد عني وأهلها # فإني عن أهل العواصم سآل # وماء بلادي كان أنجع مشربا # ولو أن ماء الكرخ صهباء جريال # على أنه لما أزمع الرحلة من بغداد، عز عليه فراقها، وفراق أودائه فيها، فقال من ~~قصيدة يجيب بها أبا علي النهاوندي: # وردنا ماء دجلة خير ماء ms013 # وزرنا أشرف الشجر النخيلا # وزلنا بالغليل وما اشتفينا # وغاية كل شيء أن يزولا # ونظم في توديعها قصيدة يقول فيها: # أودعكم يا آل بغداد والحشا # على زفرات ما ينين من اللذع # وداع ضن # 5 # لم يستقل وإنما # تحامل من بعد العثار على ظلع # فبئس البديل الشام منكم وأهله # على أنهم قومي وبينهم ربعي # ألا زودوني شربة ولو أنني # قدرت إذا أفنيت دجلة بالجرع # وأنى لنا من ماء دجلة نغبة # على الخمس من بعد المفاوز والربع # وقال من أخرى: # لقد نصحتني في المقام بأرضكم # رجال ولكن رب نصح مضيع # فلا كان سيري عنكم رأي ملحد # يقول بيأس من معاد ومرجع # أي: لا كان سيري عنكم ذهابا بلا إياب. أخرجه مخرج الدعاء. # | هوامش # | فصل في تلاميذه # قرأ على أبي العلاء ببغداد والمعرة كثيرون، واشتهر جماعة منهم بالاختصاص به، ~~والانتساب إليه في العلم؛ كأبي المكارم عبد الوارث بن محمد الأبهري، وأبي تمام غالب بن ~~عيسى الأنصاري، والخليل بن عبد الجبار القزويني، ومحمد بن أحمد بن أبي الصقر الأنباري، ~~وغيرهم. وممن روى عنه: القاضي أبو القاسم علي بن القاضي المحسن بن القاضي التنوخي، وكان ~~من أقرانه، أخذ عنه وهو ببغداد، وصحبه، واتصلت صحبته بالتبريزي بسبب أبي العلاء. ولد ~~القاضي المذكور سنة 365 بالبصرة، كما في «وفيات الأعيان» لابن خلكان، أو في سنة 355 كما ~~في «فوات الوفيات» لابن شاكر، والأول أصح. وتوفي سنة 447، قبل وفاة أبي العلاء بنحو ~~سنتين. وكان صدوقا في حديثه، وقبلت شهادته عند الحكام في حداثته، ولم يزل على ذلك ~~مقبولا إلى آخر عمره، وتولى قضاء عدة نواح، منها المدائن وأعمالها، وأذربيجان ~~والبردان وغير ذلك. وكانت فيه دعابة؛ يروى أن إسكافا اجتاز بداره وهو نائم، فصاح ~~شراك النعال وأزعجه بصياحه، فقال لغلامه: اجمع كل نعل في الدار وأعطها لهذا يصلحها ~~ويشتغل بها، ثم نام واشتغل الإسكاف بإصلاحها إلى آخر النهار، فلما كان في اليوم الثاني ~~فعل كذلك، ولم يدعه ينام، فقال للغلام: أدخله، فلما دخل قال له: أمس أصلحت كل نعل ~~عندنا، واليوم تصيح على ms014 بابنا، هل بلغك أننا نتصافع بالنعال ونقطعها؛ يا غلام، ~~قفاه. # وسمع امرأة تقول لأخرى: كم عمر ابنتك؟ فقالت: رزقتها يوم صفع القاضي وضرب ~~بالسياط، فقال لها: أصار صفعي تاريخا لك، ما وجدت تاريخا غيرها؟ # وممن قرأ على أبي العلاء، وهو ببغداد: الأديب المشهور بابن فورجة البروجردي؛ ذكر ~~ذلك السيوطي. وهو صاحب «الفتح على أبي الفتح»، و«التجني على ابن جني»، يرد فيهما على ~~ابن جني في شرح شعر المتنبي. واختلفوا في اسمه، فقيل: محمد بن حمد، وسماه مجد الدين ~~الشيرازي في كتابه «البلغة في أئمة اللغة»: حمد بن محمد، ومن شعره: # أيها القاتلي بعينيه رفقا # إنما يستحق ذا من قلاكا # أكثر اللائمون فيك عتابي # أنا واللائمون فيك فداكا # إن لي غيرة عليك من اسمي # إنه دائما يقبل فاكا # قال السيوطي: هذا الشعر يؤيد أن اسمه حمد. واختلفوا أيضا في اسم جده فورجة؛ فقال ~~السيوطي: بضم الفاء وسكون الواو وتشديد الراء المهملة وفتح الجيم. وقال ابن شاكر في ~~«فوات الوفيات»: «فوزجة» بالفاء المضمومة، وبعد الواو والزاي جيم مشددة. وفي النسخ خلط ~~في ميلاده ووفاته. # وأشهر تلاميذ أبي العلاء: أبو زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي، صاحب المصنفات ~~النفيسة، كشرح الحماسة والمعلقات، وتهذيب ألفاظ ابن السكيت، وغيرها. ولد سنة 421، ~~وتوفي فجأة ببغداد سنة 502، ودخل مصر في عنفوان شبابه، ثم استوطن بغداد، ودرس الأدب ~~بالنظامية، وكان إماما في اللغة ثقة فيها، إلا أنه كان مستهترا بالشراب. وكان ~~سبب رحلته إلى أبي العلاء أنه تحصل على نسخة من كتاب «التهذيب» للأزهري في اللغة في ~~عدة مجلدات، وأراد تحقيق ما فيها، وأخذها عن رجل عالم باللغة، فدلوه على أبي ~~العلاء، فجعل الكتب في مخلاة، وحملها على كتفه من تبريز إلى المعرة، ولم يكن له ما ~~يستأجر به مركوبا، فنفذ العرق من ظهره إليها، فأثر فيها. وكانت ببعض الوقوف ~~ببغداد، إذا رآها من لا يعرف صورة الحال ظن أنها غريقة، وليس بها سوى عرق ~~التبريزي. # وقال العلامة عبد الهادي نجا الأبياري من شيوخ هذا العصر المتوفى ms015 سنة 1305، في كتابه ~~«القصر المبني على حواشي المغني» عند كلامه على أبي العلاء المعري: «ومما يدل على فضله، ~~أن الخطيب أبا زكريا يحيي التبريزي قرأ الأدب عليه ورحل إليه من تبريز، وسيدي عبد ~~القادر الجيلاني قرأ الأدب على التبريزي هذا، فالشيخ شيخ شيخ الجيلاني، والله ~~أعلم». # قلت: والذي قاله الشيخ من قراءة الجيلاني الأدب على التبريزي صحيح؛ ذكره ابن شاكر في ~~ترجمة الجيلاني من «فوات الوفيات». # | فصل في مبلغ علمه وذكائه # اتفق محبوه ومبغضوه على أنه كان وافر البضاعة من العلم، غزير المادة في ~~الأدب، إماما فيه، حاذقا بالنحو والصرف، نسيج وحده في الذكاء والفهم وقوة الحافظة. ~~أما اللغة وحفظ شواهدها وتقييد أوابدها، فقد كان فيها أعجوبة من العجائب. وحسبك أنهم ~~إذا عددوا من رزقوا السعادة في أشياء، لم يأت بعدهم من نالها - عدوا أبا العلاء ~~ممن تفرد بسعة الاطلاع على اللغة. وكلامه الذي أورده في رسالة الغفران في بيتي النمر ~~بن تولب، وتغييره القوافي، وتنزيلها على سائر حروف المعجم خلا حرف الطاء - يدل على ~~اطلاع كبير، وتمكن من اللغة والأدب، قل أن يتفق نظيره لشخص. وخلاصة ما ذكره أن خلفا ~~الأحمر تذاكر يوما مع أصحابه في قوله النمر: # ألم بصحبتي وهم هجوع # خيال طارق من أم حصن # لها ما تشتهي عسلا مصفى # إذا شاءت وحوارى بسمن # فقال لهم: لو كان موضع أم حصن، أم حفص؛ ما كان يقول في البيت الثاني؟ فسكتوا، ~~فقال: حوارى بلمص، يعني الفالوذج. والحوارى: الدقيق الأبيض وهو اللباب. فغير ~~أبو العلاء قوافي البيتين على حروف المعجم، وربما أتى في الحرف بالقافيتين والثلاث، ولا ~~يتفق هذا إلا لمن رزق حظا وافرا من الاطلاع. والمسألة مبسوطة في الرسالة، فارجع ~~إليها إن شئت لتعلم صحة ما قلناه. # وذكر غير واحد من اللغويين أن أبا العلاء لما دخل بغداد، اعترضوا عليه في حلقة ابن ~~المحسن، لقوله: # ويوشع رد يوحى بعض يوم # وأنت متى سفرت رددت يوحا # ويوح ويوحى - بضمهما - من أسماء الشمس. فقالوا له: صحفت، إنما هو «بوح» بالباء ms016 ~~الموحدة. واحتجوا عليه بكتاب الألفاظ لابن السكيت. فقال لهم: هذه النسخ التي ~~بأيديكم غيرها شيوخكم، ولكن أخرجوا ما في دار العلم من النسخ العتيقة. فأخرجوها ~~فوجدوها مقيدة كما قال. # واحتج به ياقوت في معجم البلدان في تصحيح لفظة الضراح ردا على من قال إنها بالصاد ~~المهملة. فقال: ألا ترى إلى أبي العلاء أحمد بن سليمان المعري، كيف جمع بين الضراح ~~والضريح إرادة للتجنيس والطباق، فقال: # لقد بلغ الضراح وساكنيه # نثاك وزار من سكن الضريحا # والنثا مقصورا وبتقديم النون على الثاء: الخبر. ومن غريب ما يروونه عنه في ذلك ~~أنه دخل على الشريف أبي القاسم المرتضى أخي الشريف الرضى؛ وهو ببغداد، فعثر برجل ~~فقال: من هذا الكلب؟ فقال أبو العلاء: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسما. وسمعه ~~المرتضى فأدناه واختبره، فوجده عالما مشبعا بالفطنة والذكاء، فأقبل عليه إقبالا ~~كثيرا. قلت: ومن هذا هرب جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، فجمع أكثر من ستين اسما ~~للكلب، ونظمها في أرجوزة سماها: «التبري من معرة المعري»، رأيت أن أوردها هنا ~~إتماما للفائدة لعزة وجودها، ثم أعقبها بشرح يميط اللثام عن الأسماء الواردة فيها، ~~وأتبعه بما استدركته على الناظم من أسماء الكلب، وهي: # لله حمد دائم الولي # ثم صلاته على النبي # قد نقل الثقات عن أبي العلا # لما أتى للمرتضى ودخلا # قال له شخص به قد عثرا: # من ذلك الكلب الذي ما أبصرا # فقال في جوابه قولا جلي # معيرا لذلك المجهل # الكلب من لم يدر من أسمائه # سبعين موميا إلى علائه # وقد تتبعت دواوين اللغه # لعلني أجمع من ذا مبلغه # فجئت منها عددا كثيرا # وأرتجي فيما بقي تيسيرا # وقد نظمت ذاك في هذا الرجز # ليستفيدها الذي عنها عجز # فسمه هديت بالتبري # يا صاح من معرة المعري ~~(1) من ذلك الباقع ثم الوازع # والكلب والأبقع ثم الزارع ~~(2) والخيطل السحام ثم الأسد # والعربج العجوز ثم الأعقد ~~(3) والأعنق الدرباس والعملس # والقطرب الفرني ثم الفلحس ~~(4) والثغم الطلق مع العواء # بالمد والقصر على السواء ~~(5) وعد من أسمائه البصير # وفيه لغز قاله ms017 خبير ~~(6) والعرب قد سموه قدما في النفير # داعي الضمير ثم هانئ الضمير ~~(7) وهكذا سموه داعي الكرم # مشيد الذكر متمم النعم ~~(8) وثمثم وكالب وهبلع # ومنذر وأهوج وهجرع ~~(9) ثم كسيب علم المذكر # منه عن الهمزة واللام عري ~~(10) والقلطي والسلوقي نسبه # كذاك النصيبي بذاك أشبه ~~(11) والمستطير هائج الكلاب # كذا رواه صاحب العباب ~~(12) والدرص والجرو مثلث الفا # لولد الكلب أسام تلفى ~~(13) والسمع فيما قاله الصولي # وهو أبو خالد المكني ~~(14) ونقلوا الزاهدون للكلاب # وكلبة قيل لها أيضا كساب ~~(15) مثل قطام علما مبنيا # وكسبة كذاك نقلا ريا ~~(16) وخذ لها العولق والمعاويه # ولعوة وكن لذاك راويه ~~(17) وولد الكلب من الذئبة سم # عسبورة وإن تزل ها لم تلم ~~(18) وألحقوا بذلك الخيهفعى # وإن تمد فهو جاء سمعا ~~(19) وولد الكلبة من ذئب سمي # وثعلب فيما رووا بالديسم ~~(20) ثم كلاب الماء بالهرا كله # تدعى وقس فردا على ما شاكله ~~(21) كذاك كلب الماء يدعى القندسا # فيما روى ابن دحية قد انتسى ~~(22) وكلبة الماء هي القضاعه # جميع ذاك أثبتوا سماعه ~~(23) وعددوا من جنسه ابن آوى # ومن سماه دأل قد ساوى # ودئل ودؤل والدألان # وافتح وضم معجما للذألان # كذلك العلوض ثم النوفل # واللعوض السرحوب فيما نقلوا # والوع والعلوش ثم الوعوع # والشغبر الوأواء فيما يسمع # هذا الذي من كتب جمعته # وما بدا من بعد ذا ألحقته # والحمد لله لها ختام # ثم على نبيه السلام # تمت الأرجوزة. ولنشرع في شرحها معتمدين على ما دونوه في كتب اللغة والأمثال ~~والحيوان، وقد وضعنا أرقاما للأبيات يرجع إليها في هذا الشرح، فنقول: ~~(1) الباقع والأبقع من الكلاب الذي خالط بياضه لون آخر، والبقع في الطير ~~والكلاب بمنزلة البلق في الدواب، وقول الأخطل: # كلوا الضب وابن العير والباقع الذي # يبيت يعس الليل بين المقابر # قيل أراد الكلب، وقيل غير ذلك، والعرب تقول: لا خير في بقع الكلاب. وترى ~~التبقيع هجنة فيها، وخير الكلاب عندها ما كان لونه يذهب إلى لون الأسد، وخير ~~كلاب الصيد البيض. وفي المخصص: البقع بياض في صدر الكلب الأسود، وهي البقعة، وكلب ~~أبقع والجمع بقعان. والوازع الكلب ms018 لأنه يزع الذئب عن الغنم ، أي يكفه، ويقال ~~له ابن وازع أيضا. والكلب كل سبع عقور، ثم غلب على هذا النابح، كما في القاموس. وقال ~~شارحه: قال شيخنا: بل صار حقيقة لغوية فيه لا تحتمل غيره، ولذلك قال الجوهري وغيره: هو ~~معروف، ولم يحتاجوا لتعريفه لشهرته. انتهى. وهو من الأسماء التي تسمت بها العرب؛ ~~فمن مشهوريهم في ذلك: كليب بن ربيعة من بني تغلب بن وائل، وهو الذي ضربوا به ~~المثل، فقالوا: أعز من كليب وائل، وقامت الحرب بسببه بين بكر وتغلب. وكان اسمه ~~في الأصل وائلا، وإنما سموه كليبا؛ لأنه بلغ من عزه أنه كان يحمي الكلأ فلا يقرب ~~حماه، ويجير الصيد فلا يهاج. وكان إذا مر بروضة أعجبته، أو غدير ارتضاه، كنع كليبا ~~ثم رمى به هناك، فحيث بلغ عواؤه كان حمى لا يرعى، فلما حمى كليبه المرمي الكلأ ~~قيل: أعز من كليب وائل. ثم غلب هذا الاسم عليه حتى ظنوه اسمه؛ كذا في مجمع الأمثال ~~للميداني. وقوله: كنع، هو بمعنى بضع وكوع، أي ضربه فصيره معوج الأكواع. ~~ومنهم كليب بن حبشية بن سلول في خزاعة. وكلب بن عمرو بن لؤي في بجيلة. وبنو كلب، ~~وبنو أكلب، وبنو كلبة، وبنو كلاب، قبائل معروفة، منها في قريش كلاب بن مرة، وفي هوازن ~~كلاب بن ربيعة بن صعصعة. أما ذو الكلب فهو عمرو بن العجلان أحد شعراء هذيل، ~~لقب به لأنه كان له كلب لا يفارقه. وعائد الكلب هو عبد الله بن مصعب، كان واليا ~~للرشيد على المدينة، لقب بذلك لقوله: # ما لي مرضت فلم يعدني عائد # منكم ويمرض كلبكم فأعود # وهو أحد من نطقوا في الشعر بكلمات غلبت شهرتها عليهم، فلقبوا بها، وربما جمعت ما ~~وقفت عليه من ذلك في رسالة مستقلة. والسبب الذي دعا العرب إلى تسمية أبنائها بمثل هذه ~~الأسماء المستكرهة كالكلب والذئب والحجر والصخر، هو ما ذكره الراغب وغيره أن ~~أعرابيا سئل: لم سموا أبناءهم بالأسماء القبيحة، وعبيدهم بالحسنة؟ فقال: لأن ~~أبناءهم لأعدائهم، وعبيدهم لأنفسهم. قلت ms019: وقد فصل الإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر ~~المشهور بابن قيم الجوزية مذاهب العرب في تسمية أبنائها تفصيلا ترتاح إليه النفس ~~ويثلج به الفؤاد، فقال في آخر كتابه «مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة» ~~عند الكلام على الفأل والطيرة، ما نصه: وكانت لهم مذاهب في تسمية أولادهم: فمنهم من ~~سموه بأسماء تفاؤلا بالظفر على أعدائهم، نحو: غالب وغلاب ومالك وظالم وعارم ~~ومنازل ومقاتل ومعارك ومسهر ومؤرق ومصبح وطارق. ومنهم من تفاءل بالسلام كتسميتهم ~~بسالم وثابت ونحوه. ومنهم من تفاءل بنيل الحظوظ والسعادة: كسعد وسعيد وأسعد ومسعود ~~وسعدي وغانم ونحو ذلك. ومنهم من قصد التسمية بأسماء السباع ترهيبا لأعدائهم، نحو: أسد ~~وليث وذئب وضرغام وشبل ونحوها. ومنهم من قصد التسمية بما غلظ وخشن من الأجسام تفاؤلا ~~بالقوة: كحجر وصخر وفهر وجندل. ومنهم من كان يخرج من منزله وامرأته تمخض، فيسمى ما تلده ~~باسم أول ما يلقاه، كائنا ما كان، من سبع أو ثعلب أو ضب أو كلب أو ظبي أو حشيش أو ~~غيره. انتهى المقصود منه. # وأما ما سمي بالكلب أو أضيف إليه من البقاع والسيوف والأنهار وغيرها، فقد تركنا ذكره ~~طلبا للاختصار، ونقتصر منها على قرية بحلب تسمى جب الكلب، تعد من العجائب لاشتهارها ~~ببئر فيها إذا شرب منها المكلوب قبل أن يأتي عليه أربعون يوما برأ. كذا ذكر صاحب ~~القاموس في مادة «ج ب ب». # وقال ياقوت في معجمه: حدثني مالك هذه القرية ابن الإسكافي، وسألته عما يحكى عن هذا ~~الجب وأن الذي نهشه الكلب الكلب إذا شرب منه برأ، فقال: هذا صحيح لا شك فيه. قال: ~~وقد جاءنا منذ شهور ثلاث أنفس مكلوبين يسألون عن القرية، فدلوا عليها، فلما حصلوا في ~~صحرائها اضطرب أحدهم وجعل يقول لمن معه: اربطوني لئلا يصل إلى أحدكم مني أذى، وذلك أنه ~~كان قد تجاوز أربعين يوما منذ نهش، فربط، فلما وصل إلى الجب وشرب من مائه مات. وأما ~~الآخران فلم يكونا بلغا أربعين يوما، فشربا من ماء الجب فبرآ. قال ms020: وهذه عادته، ~~إذا تجاوز المنهوش أربعين يوما لم تكن فيه حيلة. إلى أن قال: وهذه البئر هي بئر القرية ~~التي يشرب منها أهلها. انتهى. قلت: ولا أدري ما فعل الله بالقرية والبئر، وإنما خصصتها ~~بالذكر دون غيرها تنبيها لأطباء هذا العصر، لعلهم يتوفقون للبحث والتنقيب عنها، حتى ~~إذا وجدوها امتحنوا ماءها، فربما كان فيه من الأملاح أو غيرها ما من خاصيته شفاء هذا ~~المرض، وعسى ألا تأخذهم حمية جاهلية فيضربوا بهذا القول عرض الحائط بغير حجة سوى ~~ما اعتادوه من احتقار أقوال علمائنا المتقدمين. فلولا تجربة هذا الماء وظهور نفعه في ~~المصابين قبل أن يجاوزوا أربعين يوما، أي قبل استفحال الداء وتمكنه منهم، لما استفاض ~~خبره، ونقله هؤلاء الأعلام، ولا فائدة لمثلهم في التواطؤ على الكذب في مثله. # والزارع، بتقديم الزاي على الراء: الكلب. وفي القاموس: زارع اسم كلب، ومنه قيل ~~للكلاب: أولاد زارع، وفيه أيضا في مادة «ذرع» بالذال المعجمة: أولاد ذارع. وذراع ~~بالكسر: الكلاب. وفي المخصص: قال علي بن حمزة: ابن زارع وابن ذراع وابن وازع: الكلب، ~~وربما سمي وازعا أيضا. انتهى. ~~(2) الخيطل بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء المثناة التحتية وفتح الطاء المهملة ~~وبعدها لام: الكلب. والسحام بضم السين المهملة، وبعدها حاء مهملة، مأخوذ من السحمة ~~وهي السواد، والذي يؤخذ من نصوص كتب اللغة أنه علم على كلب معين لا اسم جنس ~~للكلاب. قال الجوهري: سحام اسم كلب، واستشهد بقول لبيد: # فتقصدت منها كساب فضرجت # بدم وغودر في المكر سحامها # ووافقه في ذلك شراح المعلقات، وهو ظاهر من سياق البيت. وفي لسان العرب: سحيم ~~وسحام من أسماء الكلاب، ثم أنشد بيت لبيد. وذهب صاحب القاموس إلى أن صوابه بالمعجمة، ~~قال: ووهم الجوهري. قلت: لا وهم؛ فقد ذكر بعض شراح المعلقات أنه يروى بهما، ~~ووافقه الميداني في مجمع الأمثال عند تفسير قولهم: «هنيئا لسحام ما أكل»، فإنه ~~أورد البيت ثم قال: ويروى سخامها بالخاء. وهذا المثل يضرب في الشماتة بهلاك العدو. ~~وقول الزوزني في شرح المعلقات إنه اسم كلبة ms021، يخالف ما أجمعوا عليه من أنه اسم كلب ~~ذكر، والله أعلم. والأسد لم أعثر في كتب اللغة على أنه يطلق على الكلب، وإنما الذي ~~فيها أن الكلب من أسماء الأسد. والعربج بضم العين المهملة وسكون الراء وضم الباء ~~الموحدة وبعدها جيم: الكلب الضخم، كما في القاموس، أو كلب الصيد، كما في اللسان. ~~والعجوز بفتح العين المهملة وضم الجيم وبعدهما واوا ساكنة وزاي: من أسماء الكلب. ~~والأعقد بالعين المهملة، والقاف، والدال المهملة: الكلب؛ لانعقاد ذنبه، جعلوه ~~اسما له معروفا، قال جرير: # تبول على القتاد بنات تيم # مع العقد النوابح في الديار # قالوا: ليس شيء أحب إلى الكلب من أن يبول على قتادة أو على شجيرة صغيرة غيرها. وروى ~~الجاحظ في كتاب «الحيوان» لمساور بن هند يهجو قوما بأكل الكلاب: # إذا أسدية ولدت غلاما # فبشرها بلؤم في الغلام # يخرسها نساء بني دبير # بأخبث ما يكون من الطعام # ترى أظفار أعقد ملقيات # براثنها على وضم الثمام # يخرسها، أي يصنعن لها الخرسة، وهي طعام النفساء، ودبير بالتصغير أبو قبيلة ~~من أسد، والوضم بالتحريك: ما وقيت به اللحم عن الأرض من خشب أو حصير، والثمام نبت ~~ضعيف لا يطول كانوا يفرشونه تحت الأساقي ونحوها، وربما حشوا به وسدوا خصاص ~~البيوت. ~~(3) الأعنق بالعين المهملة والنون والقاف: الكلب في عنقه بياض، ويقال للقلادة التي ~~توضع في عنق الكلب: معنقة، وقد أعنقه إذا قلده إياها، ويقال لها أيضا ~~الجدة بالكسر، وكذلك الأربة بالضم: قلادة الكلب التي يقاد بها. # والدرباس، بكسر الدال المهملة وسكون الراء وبعدهما باء موحدة وألف وسين مهملة: ~~الكلب العقور. والعملس، بفتح العين المهملة والميم واللام المشددة، وبعدها سين ~~مهملة: كلب الصيد كما في القاموس، أو الكلب الخبيث كما في اللسان. على أنه أنشد بعد ذلك ~~قول الطرماح يصف كلاب الصيد: # يوزع بالأمراس كل عملس # من المطعمات الصيد غير الشواحن # وقال في تفسير يوزع: يكف، ورواه في مادة ودع: يودع، ثم قال: أي يقلدها ودع ~~الأمراس. # والقطرب، بضم القاف وسكون الطاء المهملة وضم الراء، وبعدها باء ms022 موحدة: الصغير من ~~الكلاب. وفي المخصص: القطرب (أي بفتح القاف والراء) صغار الكلاب، زعموا أن الواحد ~~قطرب، وليس هو جمع بل اسم للجمع. انتهى ملخصا. # والفرني، بضم الفاء وسكون الراء وبعدها نون وياء مشددة: الكلب الضخم، قال ~~العجاج: # وطاح في المعركة الفرني # قال ابن بري: أراد الضخم من الكلاب، وقال غيره: إنما أراد الرجل الغليظ ~~الضخم. # والفلحس، بفتح الفاء وسكون اللام وفتح الحاء المهملة وبعدها سين مهملة: الكلب. ~~قال الجاحظ في كتاب الحيوان: ويقال للكلب فلحس، وهو من صفات الحرص والإلحاح، ويقال: ~~فلان أسأل من فلحس. وفلحس رجل من شيبان كان حريصا رغيبا وملحفا ملحا، وكل ~~طفيلي فهو عندهم فلحس. انتهى. قلت: وإنما سموا الكلب بذلك لأنه موصوف عندهم ~~بالحرص والإلحاح، حتى قالوا في أمثالهم: «ألح من كلب». ~~(4) الثغم: بفتح الثاء المثلثة وكسر الغين المعجمة وبعدها ميم: الكلب الضاري. ~~والطلق بفتح الطاء المهملة وسكون اللام وبعدهما قاف: كلب الصيد. # والعواء بالعين المهملة وبالمد، ويقال أيضا بالقصر: الكلب يعوي كثيرا. وللوزير ~~أبي الوليد إسماعيل بن حجاج الأعلم الأشبيلي في فتى عضه كلب في خده: # وأغيد وضاح المباسم باسم # إذا قامر الأرواح ناظره قمر # تعمد كلب عض وجنته التي # هي الورد إيناعا وأبقى بها أثر # فقلت لشهب الأفق كيف صماتكم # وقد أثر العواء في صفحة القمر # هكذا رواها صاحب «نفح الطيب» في موضع من كتابه، منسوبة للوزير المذكور، وأعادها في ~~موضع آخر منسوبة لأبي القاسم بن هشام، وروى المحاسن بدل المباسم، والأسياف بدل الأرواح. ~~والله أعلم. # والصمات بالضم والصمت والصموت: السكوت، يشير بذلك إلى قولهم: لا يضر القمر نبح ~~الكلاب. وأصل المثل: «لا يضر السحاب نبح الكلاب»؛ لأن كلاب البادية تتأذى بالمطر ~~لمبيتها أبدا تحت السماء، فإذا أبصرت غيما نبحته؛ لأنها قد عرفت ما تلقى من مثله. ~~وتنبح أيضا القمر؛ لأنه إذا طلع من المشرق يكون كقطعة غيم، ومنه قول بعضهم: # يا جابر بن عدي أنت مع زفر # كالكلب ينبح من بعد على القمر ~~(5) البصير بفتح الباء الموحدة، وكسر الصاد المهملة، وبعدهما ms023 ياء ساكنة وراء ~~مهملة، لم يذكره القاموس، وأنشد صاحب اللسان لتوبة: # وأشرف بالقور اليفاع لعلني # أرى نار ليلى أو يراني بصيرها # ثم قال نقلا عن ابن سيده: يعني كلبها؛ لأن الكلب من أحد العيون بصرا. ~~انتهى. # قلت: وقد جاء في أمثالهم: «أبصر من كلب». وقول الناظم: «وفيه لغز قاله خبير»، يريد ~~بذلك قول الحريري في المقامة الثانية والثلاثين في فتاوى فقيه العرب: «قال: أيستباح ~~ماء الضرير؟ قال: نعم، ويجتنب ماء البصير»، فالمتبادر أن الضرير هو الأعمى وهو لا ~~يستباح ماؤه الذي يملكه بدون علمه. ومراد الشيخ به: حرف الوادي، وكذلك المتبادر في ~~البصير أنه ضد الأعمى، وماؤه إذا أخذ للوضوء باطلاعه لا يجتنب، وإنما أراد به الكلب. ~~هكذا فسره الحريري نفسه في المقامة. ~~(6) هكذا رواية البيت في نسختين من الأصل، ولم يظهر لي وجه تسمية العرب للكلب في ~~نفيرهم بداعي الضمير أو داعي الضميرة كما يفهم من سياقه، فلعل الكلام محرف، وقد دخل ~~البيت التذييل، وهو من علل الزيادة، ودخوله في الرجز مغتفر للمولدين. ~~(7) قوله: داعي الكرم، إنما سموه بذلك على ما يظهر؛ لأن نباح الكلب يبشرهم بقدوم ~~الضيف، ويرشده إلى منزلهم، فيكون سببا للكرم وداعيا إليه. وقد كان الرجل من العرب إذا ~~ضل وتحير في الليل، فلم يدر أين البيوت، أخرج صوته على مثل النباح، فتسمعه الكلاب ~~وتظنه كلبا، فتنبح، فيستدل بنباحها ويهتدي إلى المكان. وهو الذي تسميه العرب ~~بالمستنبح. وأنشد أبو علي القالي في أماليه: # ومبد لي الشحناء بيني وبينه # دعوت وقد طال السرى فدعاني # يعني كلبا، ويريد نبحت له فنبح فاهتديت به، فكأنه دعاني بنباحه، وأنشد أبو علي ~~أيضا: # ومستنبح بات الصدى يستتيهه # فتاه وجوز الليل مضطرب الكسر # رفعت له نارا ثقوبا زنادها # تليح إلى الساري هلم إلى قدري # فلما أتى والبؤس رادف رحله # تلقيته مني بوجه امرئ بشر # فقلت له أهل بأهل فلم يجر # بك الليل إلا للجميل من الأمر # وكادت تطير الشول عرفان صوته # ولم تمس إلا وهي خائفة العقر # انتهى. وقد اتفق أكثر علماء ms024 الأدب، كابن رشيق وأضرابه، على أن أهجى بيت قالته العرب، ~~قول الأخطل في بني يربوع قوم جرير: # قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم # قالوا لأمهم بولي على النار # وقال آخر يوصي بالكلب، وأنشدهما الجرجاني في كناياته، وقال ابن المرزبان: إنهما ~~لأعرابي قالهما لأكبر ولده في كلبه: # أوصيك خيرا به فإن له # خلائقا لا أزال أحمدها # يدل ضيفي علي في غسق اللي # ل إذا النار نام موقدها # وفي معنى «استنبح» أيضا: كلب الرجل يكلب من باب ضرب، واستكلب، أنشد ابن سيده ~~على الأول: # وداع دعا بعد ما أقفرت # عليه البلاد ولم يكلب # وأنشد صاحب اللسان على الثاني: # ونبح الكلاب لمستكلب # انتهى. # قلت: وكما يكون الكلب سببا لإيصال الخير وتشييد الذكر، فقد يكون أيضا سببا ~~للشر، كما جنت على أهلها براقش، وهي كلبة كانت لقوم من العرب، فأغير عليهم، ~~فهربوا وهي معهم، فاستدل العدو عليهم بنباحها، فهجموا عليهم واصطلموهم، فقالوا: «على ~~أهلها تجني براقش»، هكذا رواه الميداني في مجمع الأمثال. ورواه ابن سيده في المخصص، ~~والجاحظ في كتاب الحيوان: «على أهلها دلت براقش». على أن نباح الكلب على الضيف، وإن ~~جعلوه من دواعي الكرم، لما سبق ذكره، فقد رأيناهم يعدونه في نفسه من خصاله المذمومة؛ ~~لأنه لا ينبح على القادم إلا كراهة منه في الغريب. ومن أحسن ما يروى في هذا الصدد ~~نادرة أبي عبد الله محمد بن مرزوق عالم الغرب مع أهل تونس لما ورد عليهم وسألوه قراءة ~~درس في التفسير بحضرة السلطان، فأجابهم إلى ذلك، وعينوا له محل البدء، فطالع فيه، فلما ~~حضروا قرأ القارئ غير ذلك، وهو قوله تعالى: # فمثله كمثل ~~الكلب ~~... الآية. وأرادوا بذلك إفحام الشيخ والتعريض به، فوجم هنيهة ثم ~~تفجر بينابيع العلم، إلى أن أجرى ذكر ما في الكلب من الخصال المحمودة، وساقها أحسن ~~مساق، وأنشد عليها الشواهد، وجلب الحكايات، حتى عد من ذلك جملة. ثم قال في آخرها: ~~فهذا ما حضر من محمود أفعال الكلب وخصاله، غير أن فيه خصلة ذميمة، وهي إنكاره للضيف. ~~انتهى. # وعندي ms025 أن ذمهم له بإنكاره الضيف لم يقصدوا به إلا معنى من المعاني الشعرية، وإلا فأي ~~فائدة من الكلب أعظم من حراسته أهله، ودفعه عنهم؟! ~~(8) الثمثم، بفتح الثاءين المثلثتين وسكون الميم الأولى: كلب الصيد. والكالب ليس ~~اسما للكلب، بل هو والكليب كأمير: جماعة الكلاب. وفي اللسان: الكليب كالعبيد، جمع ~~عزيز. وأنشد في وصف مفازة: # كأن تجاوب أصدائها # مكاء المكلب يدعو الكليبا # والمكلب بكسر اللام المشددة: معلم كلاب الصيد، ومكاؤه: صفيره. وقال شارح ~~القاموس نقلا عن شيخه: إنهم اختلفوا في الكليب هل هو جمع أو اسم جمع، وصححوا أنه إذا ~~ذكر كان اسم جمع كالحجيج، وإذا أنث كان جمعا كالعبيد. انتهى. # وهبلع كدرهم، أي بكسر الهاء وسكون الباء وفتح اللام وبعدها عين مهملة: الكلب ~~السلوقي، واسم كلب بعينه. ومنذر كأنه من إنذار أهله لطارق. وأهوج لم يذكروه، ~~وذكره الجاحظ على أنه الكلب في بيت أنشده في كتاب الحيوان. والهجرع بكسر الهاء وسكون ~~الجيم وفتح الراء وبعدها عين مهملة: الكلب السلوقي الخفيف. ~~(9) كسيب مصغرا: اسم كلب، كما في المخصص، وفي اللسان: كسيب من أسماء ~~الكلاب، ومراده من الأعلام التي تسمى بها الكلاب، كما وضحه الناظم في البيت. وقد خصوه ~~بذكور الكلاب كما خصوا كساب وكسبة بإناثها. وسيأتي قول الناظم فيهما، وإنما كانوا ~~يسمون كلابهم بذلك تفاؤلا بالكسب والاكتساب. ~~(10) القلطي، بفتح القاف واللام وكسر الطاء المهملة وبعدها ياء مشددة، والقلاط ~~كغراب، والقيليط بكسر القاف واللام؛ كل ذلك القصير المجتمع من الناس والسنانير ~~والكلاب، وقد جاء به أبو الشمقمق في قوله من أبيات: # جئته زائرا فأدنى مكاني # وتلقى بمرحب وتحيه # لا كمثل الأصم حارثة اللؤ # م شبيه الكليبة القلطيه # وفي حياة الحيوان أن القلطي نوع من الكلاب السلوقية صغير الجرم قصير ~~القوائم، ويقال له: الصيني. # والسلوقي، بفتح السين المهملة، نسبة إلى سلوق، وهي أرض أو قرية باليمن، وذهب ~~الجوهري إلى أنها مدينة بالشام، قال القطامي: # معهم ضوار من سلوق كأنها # حصن تجول تجرر الأرسانا # وفي معجم ياقوت نقلا عن ابن الحائك، وهو يذكر ~~اليمن: سلوق ms026 كانت مدينة عظيمة بأرض الجديد ، واسم بقعتها اليوم حسل الزينة، إلى أن قال: ~~وإليها كانت العرب تنسب الدروع السلوقية والكلاب السلوقية. انتهى. وقيل: سلوق بلد ~~بطرف أرمينية يعرف ببلد اللان، وتنسب إليه الكلاب. وقيل: بل هي منسوبة إلى سلقية ~~بفتحتين فسكون وياء مفتوحة مخففة: بلد بالروم، فلما نسبوا إليه قالوا: سلوقي، فغيروا ~~النسب. وجاء في اللسان: سلوق أرض باليمن، وفي التهذيب: قرية باليمن، وهي بالرومية: ~~سلقية. انتهى. فسلقية على هذا في اللغة الرومية هي سلوق التي باليمن. والله أعلم. ~~أما علماء الحيوان من الإفرنج اليوم، فيقسمون السلوقي إلى عدة أنواع، لكل صقع نوع، ~~واسمه في لغة الفرنسيس لڨريه ~~(Lévrier) ~~، ويذهبون إلى ~~أن أنواعه تفرعت من جنس أصلي كان في سهول غرب آسيا، ولهم في تعديدها كلام كثير ليس هذا ~~موضعه. ورأيت في المعجم الكبير للاروس أن السلوقي ~~(Sloughi) # الحقيقي يوجد في الأقاليم الهندية الغربية، وهو أصهب ~~اللون. # والنصيبي بفتح النون وكسر الصاد المهملة، نسبة إلى نصيبين، ويقال في النسبة ~~إليها: نصيبيني أيضا. وهي ثلاثة مواضع: مدينة من بلاد الجزيرة، وقرية من قرى حلب، ~~ومدينة بشاطئ الفرات، تعرف بنصيبين الروم. ولم أر أحدا نص على اشتهار واحدة منها ~~بنوع من الكلاب ينسب إليها؛ فإما أن يكون الناظم رآه في كتاب لم نطلع عليه، أو يكون ~~أراد الصيني، فحرفه الناسخ. وعلى هذا يكون الشطر: «كذلك الصيني بذاك أشبه» أو ~~نحو ذلك. وقد مر بك عن الدميري في «حياة الحيوان» أن القلطي يقال له: الصيني. فقول ~~الناظم: «بذاك أشبه» بعد ذكره القلطي، يرجح أنه أراد الصيني. على أن كثيرا من أئمة ~~اللغة لم يذكروا الصيني إلا في معرض رده وتغليط قائله، فقالوا: كلب زئني: ~~قصير، ولا تقل صيني. ورأيت الجاحظ جمع بينهما في كتاب الحيوان فقال: «والكلب ~~الزئني الصيني يسرج على رأسه ساعات كثيرة من الليل، فلا يتحرك. وقد كان في بني ~~ضبة كلب زئني صيني يسرج على رأسه، فلا ينبض فيه نابض، ويدعونه باسمه، ويرمى إليه ~~ببضعة اللحم، والمسرجة على رأسه، فلا يميل ولا ms027 يتحرك، حتى يكون القوم هم الذين يأخذون ~~المصباح من رأسه؛ فإذا أزيل عن رأسه وثب على اللحم فأكله. درب فدرب، وثقف ~~فثقف، وأدب فقبل». وعلى كل حال فالصيني ذكروه، وإن خطأ بعضهم قائله، ~~بخلاف النصيبي، فإنا لم نر أحدا ذكره فيما نعلم. ~~(11) المستطير بالسين والطاء والراء المهملة جميعها: الكلب الهائج، أي طالب السفاد. ~~وأراد الناظم بالعباب: كتاب العباب الزاخر في اللغة، وهو كتاب كبير يقع في عشرين مجلدا ~~للإمام حسن بن محمد الصاغاني أو الصغاني، المتوفى سنة 650، بلغ فيه إلى الميم، ووقف ~~في مادة بكم، ومات قبل إتمامه؛ ولهذا قيل: # إن الصغاني الذي # حاز العلوم والحكم # كان قصارى أمره # أن انتهى إلى بكم ~~(12) الدرص بتثليث الدال المهملة وسكون الراء وبعدهما صاد مهملة: ولد الكلب، ~~وكذلك الجرو مثلث الأول. ~~(13) السمع بكسر السين المهملة وسكون الميم وبعدهما عين مهملة، أورده الناظم على ~~أنه من أسماء ولد الكلب، نقلا عن الصولي. والذي في مادة «س م ع» من كتب اللغة أنه ~~سبع مركب، وهو ولد الذئب من الضبع، ومن أمثالهم: «أسمع من سمع» وممن ~~السمع: الأزل. قال: # تراه حديد الطرف أبلج واضحا # أغر طويل الباع أسمع من سمع # ثم رأيت في مادة «خ ي ه ف ع» من اللسان أنه ولد الكلبة من الذئب نقلا عن الأزهري، ~~ورأيت أيضا في جزء للناظم سماه «التهذيب في أسماء الذيب» أن السمع بين الذئب والكلب. ~~وأبو خالد: من كنى الكلب، ذكره الناظم في المزهر، وقال أبو السعادات المبارك بن ~~الأثير في المرصع: أبو خالد هو الكلب، من قولك: أخلد الرجل بصاحبه إذا لزمه، وأخلد ~~بالمكان إذا أقام به. وهو كنية الثعلب أيضا. انتهى. # قلت: وللكلب كنى أخرى سنذكرها فيما استدركناه على الناظم بعد تمام الشرح. ~~(14 و15) في نسختين من الأصل بإسقاط لفظة «أيضا» من عجز البيت، فيصير الشطر: «وكلبة ~~قيل لها كساب»، ولا بد في هذه الحالة من كسر باء كساب للوزن، وهو مع هذا لا يلتئم مع ~~الصدر؛ لأن العروض دخلتها إحدى علل الزيادة وهي ms028 التذييل، ودخوله في الرجز مغتفر ~~للمولدين. والبيت مصرع، ولا بد في التصريع من مطابقة الضرب للعروض في الوزن ~~والقافية؛ فلهذا اضطررنا لزيادة «أيضا» مع التنبيه عليها في الشرح ليلتئم ~~الشطران في الوزن. ويمكن أن يقال بإسقاطها: # ونقلوا الزهاد للكلاب # وكلبة قيل لها كساب # إلا أن احتمال سقوط لفظة من قلم الناسخ سهوا أقرب من تغيير «الزاهدون» بالزهاد. ~~أما وصف الكلب بالزهد، فقد وقفت في مجموع على رسالة في خصال الكلب المحمودة، تنسب ~~للحسن البصري، جاء فيها ما نصه: «الخصلة الرابعة، أنه إذا مات لا يكون له ميراث، وذلك ~~من أخلاق الزاهدين». وكنت في ريب من أمر هذه الرسالة، حتى رأيتها في نفح الطيب مسوقة في ~~ترجمة أبي عبد الله الراعي الغرناطي، وذكر أنه أوردها في باب العلم من شرحه على ~~الألفية، منسوبة للحسن البصري. والله أعلم. # ومن أمثالهم في ذلك: «أشكر من كلب» إلا أن الأكثرين على وصفه بالحرص والشره، ~~ومن أمثالهم فيه: «أحرص من كلب على جيفة». ومن كلب على عرق، والعرق بالفتح: ~~العظم عليه اللحم، أو الذي أكل لحمه. وقالوا أيضا: «ألأم من كلب على عرق»، ~~و«أنهم من كلب». وكساب كقطام مبنيا على الكسر: الذئب، كما في القاموس. وفي ~~الصحاح والمخصص أنه اسم كلبة، وهو الذي أراده الناظم. وقد مر بك بيت لبيد الذي ذكر فيه ~~كلبة تسمى بهذا الاسم. ومثله كسبة بالفتح، قال الأعشى: # ولز كسبة أخرى فرعها فهق ~~(16) العولق بفتح العين المهملة وسكون الواو وفتح اللام وبعدها قاف: الكلبة ~~الحريصة. والمعاوية الكلبة المستحرمة تعوي إلى الكلاب. ومن طريف ما يحكى أن جارية بن ~~قدامة دخل على أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان، فقال له: ما كان أهونك على أهلك ~~إذ سموك جارية! فقال: وما كان أهونك على أهلك إذ سموك معاوية! وهي الأنثى من الكلاب. ~~ويروى أن شريك بن الأعور دخل عليه وكان دميما، فقال له معاوية: إنك لدميم والجميل خير ~~من الدميم، وإنك لشريك وما لله شريك، وإن أباك لأعور والصحيح خير من الأعور ms029، فكيف ~~سدت قومك؟ فقال له: إنك معاوية ، وما معاوية إلا كلبة عوت فاستعوت الكلاب، وإنك ~~لابن صخر والسهل خير من الصخر، وإنك لابن حرب والسلم خير من الحرب، وإنك لابن ~~أمية، وما أمية إلا أمة صغرت، فكيف صرت أمير المؤمنين؟! # ويشبه هذا ما رواه أبو هلال في الصناعتين: أن رجلا من قريش قال لخالد بن صفوان: ما ~~اسمك؟ قال: خالد بن صفوان بن الأهتم، فقال الرجل: إن اسمك لكذب، ما خلد أحد. وإن أباك ~~لصفوان، وهو حجر، وإن جدك لأهتم، والصحيح خير من الأهتم. قال خالد: من أي قريش أنت؟ ~~قال: من بني عبد الدار. قال: فمثلك يشتم تميما في عزها وحسبها، وقد هشمتك هاشم، ~~وأمتك أمية، وجمحت بك جمح، وخزمتك مخزوم، وأقصتك قصي، فجعلتك ~~عبد دارها، وموضع شنارها؛ تفتح لهم الأبواب إذا دخلوا، وتغلقها إذا خرجوا. ~~انتهى. # واللعوة: بفتح اللام وسكون العين المهملة، واللعاة بفتحتين: الكلبة من غير تخصيص ~~بشره وحرص، وقال الجاحظ في كتاب «الحيوان»: يقال أحرص من لعوة، وهي الكلبة. وفي ~~اللسان ومجمع الأمثال للميداني: «أجوع من لعوة». ~~(17) العسبورة: بضم العين وسكون السين المهملتين وضم الباء الموحدة وبعدها واو ~~ساكنة وراء وهاء: ولد الكلب من الذئبة، ويقال له: العسبور أيضا، ولهذا قال الناظم: ~~«وإن تزل ها لا تلم» أي إن نطقت به بدون هاء لا يلومك إنسان؛ لأنه مسموع. ~~(18) الخيهفعى، بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء المثناة التحتية، وفتح الهاء ~~والفاء والعين المهملة مقصورا: ولد الكلب من الذئبة. وقد سمع أيضا بالمد. وفي ~~اللسان: حكى الأزهري عن أبي تراب قال: سمعت أعرابيا من بني تميم يكنى أبا ~~الخيهفعى، وسألته عن تفسير كنيته، فقال: يقال إذا وقع الذئب على الكلبة جاءت ~~بالسمع، وإذا وقع الكلب على الذئبة جاءت بالخيهفعى. قال: وليس هذا على أبنية أسمائهم ~~مع اجتماع ثلاثة أحرف من حروف الحلق، وقال عن هذا الحرف وعما قبله في باب رباعي العين ~~في كتابه: وهذه حروف لا أعرفها، ولم أجد لها أصلا في كتب الثقات الذين أخذوا عن العرب ms030 ~~العاربة ما أودعوا كتبهم، ولم أذكرها وأنا أحقها، ولكني ذكرتها استندارا لها وتعجبا ~~منها، ولا أدري ما صحتها. انتهى. ~~(19) الديسم، بفتح الدال المهملة وسكون الياء المثناة التحتية وفتح السين المهملة ~~وبعدها ميم: ولد الثعلب من الكلبة، أو ولد الذئب منها. هكذا في القاموس واللسان، وقال ~~الجوهري في الصحاح: الديسم: ولد الدب، قال: وقلت لأبي الغوث: يقال إنه ولد ~~الذئب من الكلبة، فقال: ما هو إلا ولد الدب. انتهى. وقال الجاحظ: إنه ولد الذئب من ~~الكلبة، وهو أغبر اللون، وغبرته ممتزجة بسواد. ~~(20) الهراكلة، بفتح الهاء والراء وكسر الكاف وفتح اللام: كلاب الماء، وقول ابن ~~أحمر الباهلي يصف درة: # رأى من دونها الغواص هولا # هراكلة وحيتانا ونونا # فسره الأزهري في التهذيب بكلاب الماء. وقال الصاغاني في العباب: هي جمال الماء، ~~وقيل: هي ضخام السمك. ~~(21) القندس كقنفذ، أي بضم القاف وسكون النون وضم الدال المهملة وبعدها سين ~~مهملة: كلب الماء. أهمله القاموس واللسان والمخصص، وذكره شارح القاموس والدميري في حياة ~~الحيوان، ونسبا تفسيره بذلك لابن دحية. كما ذكره الناظم، وعبارته تفيد أنه أهمل ~~ونسي. ~~(22) القضاعة، بضم القاف وفتح الضاد المعجمة والعين المهملة: اسم كلبة الماء. ~~(23) شرع الناظم في هذا البيت وما بعده يعدد ~~أسماء ابن آوى، تبعا لمن عده نوعا من الكلاب، فذكر من أسمائه: الدال بفتح الدال ~~المهملة وسكون الهمزة وبعدهما لام. والدئل بضم فكسر، وقد نصوا على أن لا نظير لها ~~إلا: رئم. والدؤل بضمتين. والدألان محركة، ويقال فيه الذألان بفتح الذال ~~المعجمة، والذؤلان بضمها، إلا أن الهمزة فيهما ساكنة. والعلوض، بكسر العين ~~المهملة وفتح اللام المشددة، وسكون الواو وبعدها ضاد معجمة. والنوفل بفتح النون ~~وسكون الواو وفتح الفاء وبعدها لام. واللعوض، بفتح اللام وسكون العين المهملة وفتح ~~الواو، وبعدها ضاد معجمة. والسرحوب بضم السين المهملة وسكون الراء وضم الحاء ~~المهملة وبعدها واو ساكنة وباء موحدة. والوع، بفتح الواو وبعدها عين مهملة ~~مشددة. والعلوش، بكسر العين المهملة وفتح اللام المشددة وبعدهما واو ساكنة وشين ~~معجمة. والوعوع بفتح الواوين وإسكان العين الأولى ms031 المهملة. والشغبر، بفتح الشين ~~وإسكان الغين المعجمتين ، وفتح الباء الموحدة وبعدها راء؛ وبالزاي المعجمة تصحيف. ~~والوأواء، بفتح الواوين وسكون الهمزة الأولى. وكلها من أسماء ابن آوى. # هذا ما أردنا بيانه، ويتبين منه ثلاثة أمور: # الأول: # أن الناظم - رحمه الله - مع استيفائه لكثير من أسماء الكلب قد أدرج ~~فيها بعض صفات يشترك فيها الكلب مع غيره، ولم نجد مع كثرة البحث نصا ~~على أنها غلبت عليه، حتى يمكن عدها في أسمائه؛ كذكره الزاهد والمنذر، ~~وداعي الكرم، ومشيد الذكر ونحوها. فالظاهر أنه تسامح في إيرادها، أو ~~يكون وقف فيها على ما لم نقف عليه. وفوق كل ذي علم عليم. # الأمر الثاني: # إيراده أربعة أعلام مشهورة للكلاب نص منها على ثلاثة، وهي: ~~كسيب وكساب وكسبة، وسكت عن واحد وهو سحام، فدل بسكوته على عده ~~من أسماء الأجناس، وكلاهما لا يبرئه من معرة المعري؛ لأن جعل ~~سحام اسم جنس وهم ظاهر. وإيراد ثلاثة أعلام خارج عن مقصود أبي ~~العلاء، إلا أن يكون أوردها زيادة منه في الفائدة. وهو أيضا تقصير، ~~لاقتصاره عليها، مع وجود ما هو أشهر منها. # الأمر الثالث: # ما فاته من أسمائه، وهو ما نريد استدراكه هنا، وبعضه مر أثناء الشرح، فمنها: ~~«الدرواس» بكسر أوله، وهو الغليظ العنق من الكلاب، ~~وقيل الكبير الرأس منها، وقول بعضهم: # بتنا وبات سقيط الطل ~~يضربنا # عند الندول قرانا نبح ~~درواس # قيل: إن أولى ما يفسر به: الكلب، لقوله: قرانا ~~نبح درواس؛ لأن النبح إنما هو في الأصل للكلاب. ~~وقوله: الندول، يجوز أنه عنى به امرأة أو رجلا من ~~الندل وهو شبيه الوسخ، أو عنى به كلبة. ورواه ~~الجاحظ في كتاب الحيوان: «بين البيوت». ودرواس أيضا: ~~اسم كلب بعينه. والأظهر أن البيت قيل فيه، أو في كلب آخر ~~يسمى بهذا الاسم. # و«الأرشم» قالوا: سمي بذلك لتشممه الطعام وحرصه. ~~وقد يطلق أيضا على الذئب. # و«العفراس» بالكسر، وهو الشديد العنق الغليظه من ~~الكلاب، ومثله «العفرنس». و«القلاظ» بالضم ~~و«القيليط» بالكسر، كلاهما القصير المجتمع، ويقال ~~فيهما: القلطي ms032، وقد ذكره الناظم. ~~«والأغضف» ومثله «الغاضف» وهو المسترخي الأذن ~~من الكلاب. وفرق بينهما ابن الأعرابي فقال: الغاضف من ~~الكلاب المتكسر أعلى أذنه إلى مقدمه، والأغضف إلى ~~خلفه، كذا في اللسان. ثم قال: والغضف، كلاب الصيد من ذلك ~~صفة غالبة. انتهى. وقول لبيد: # حتى إذا يئس الرماة ~~وأرسلوا # غضفا دواجن قافلا ~~أعصامها # أراد كلاب الصيد. # و«ابن بقيع» بالتصغير، ذكره ابن الأثير في ~~المرصع. و«ابن وازع وابن زارع وابن ذارع وابن ذراع ~~وابن بوزع وابن عولق». # فهذه خمسة عشر اسما للكلب فاتت الناظم. # وفاته من أسماء أولاده: ~~«الضرو» بالكسر، وهو الضاري من أولاد الكلاب. ~~ومثله «الضري» و«الأسبور» وهو ولد الكلب من ~~الضبع، كما في حياة الحيوان ومجمع الأمثال، عند تفسير ~~قولهم: «أسمع من سمع». # وفاته من أسماء ابن آوى: ~~«البرعل» بالضم، وهو ولد الوبر من ابن آوى. # وفاته من أسماء الكلبة: ~~«اللعاة» بفتحتين، وهي الكلبة الحريصة، أو الكلبة ~~مطلقا من غير تخصيص. ~~«والبوزع» وهي الكلبة الحريصة، كما في ~~المرصع. # وفاته من كنى الكلب: «أبو حاتم»، و«أبو ذراع»، ~~و«أبو قيس»، و«أبو عامر»؛ لأنه يعمر بيت صاحبه بحراسته ~~إياه. و«أبو عطاف» بكسر العين والتخفيف؛ لأنه يعطف على ~~أصحابه، قال العجاج يصف صائدا: # ذا أكلب كالأسهم العطاف # يشلي عطافا وأبا عطاف # كذا في المرصع. ورواية الديوان: ذا أكلب نواهز ~~خفاف. # ومن أمثالهم في هذا المعنى: «آلف من كلب». # ولهم في وفاء الكلب وعطفه على صاحبه أقوال ونوادر كثيرة، ~~وربما فضلوه في ذلك على الصاحب والخليل. وقد جمع منها ابن ~~المرزبان جملة صالحة في كتاب سماه: «فضل الكلاب على كثير ~~ممن لبس الثياب» وقفت عليه ونقلت منه في هذه الرسالة. ومن ~~وقف على ما كتبه الجاحظ عن الكلب في كتاب «الحيوان» رأى ~~عجبا عجابا. ويذكرون من نوادر وفائه أن الربيع بن بدر ~~كان له كلب قد رباه، فلما مات جعل الكلب يتضرب على قبره ~~حتى مات. ولما مات عامر بن غبرة لزمت كلابه قبره حتى ماتت ~~عنده، وتفرق عنه ms033 الأهل والأقارب. وقال الشعبي: خير خصلة في ~~الكلب أنه لا ينافق في محبته. وأنشد القالي في أماليه ~~لأعرابي: # كلاب الناس إن فكرت فيهم # أضر عليك من كلب الكلاب # لأن الكلب لا يؤذي صديقا # وأن صديق هذا في عذاب # ويأتي حين يأتي في ثياب # وقد حزمت على رجل مصاب # فأخزى الله أثوابا عليه # وأخزى الله ما تحت الثياب # ومن أغرب ما رأيته ما حكاه الجرجاني في كناياته عن محمد ~~بن حرب، قال: رأيت العتابي ينادم كلبا، يشرب كأسا ~~ويولغه كأسا. فكلمته في ذلك، فقال: إنه يكف عني ~~أذاه وأذى سواه، ويشكر قليلي، ويحفظ مبيتي ومقيلي، فهو من ~~بين الحيوان خليلي. قال ابن حرب: فتمنيت أن أكون كلبا ~~لأحوز هذا النعت. وقد ذكر ابن المرزبان هذه القصة ~~لإبراهيم الموصلي مع الفضل بن يحيى ببعض اختلاف. والله ~~أعلم. # ولم يذكر الناظر من كنى الأنثى شيئا وهي: ~~«أم عولق» و«أم ذراع» و«أم الهمرش» بتشديد الميم ~~المفتوحة كما في المرصع، وفي القاموس واللسان: الهمرش ~~اسم كلبة. و«أم يعفور» قال في المرصع: هي الكلبة، ~~وأنشد: # يا أم يعفور سقاك ~~العهد # لا زال من صيد عليك ~~لبد # يقول: لا زال عليك مما تصيدين لبد من وبر الأرانب ~~وغيرها. واليعفور في الأصل: ولد الظبية وولد البقرة ~~الوحشية. و«أم العاويات» والعاويات أولادها. # وكذلك لم يذكر من كنى ابن آوى شيئا، وهي: ~~«أبو ذؤيب» و«أبو كعب» و«أبو معاوية» و«أبو أيوب» ~~و«أبو وائل». والله أعلم. # أما أعلام الكلاب المشهورة التي عنوا بذكرها فكثيرة، منها: # سحيم، وطحال، وأكدر، وواشق، وزهمان، وميلع، وبراقش، ~~وجدلاء: كلبات. والمختلس، وغلاب، والقنيص، وسلهب، ~~وسرحان، والمغناطيس، هي خمسة أكلب كانت لرجل اسمه ذريح، وآخر اسمه ~~أبو دجانة، يصيدان بها الظباء. # وقرحان: اسم كلب له قصة تحاميت عن ذكرها، حبس سيدنا عثمان بن عفان ~~بسببها ضابئ بن الحارث البرجمي. # وضمران بالضم وبالفتح، وروي بهما في قول النابغة: # فهاب ضمران منه حين يوزعه # طعن المعارك عند المجحر النجد # هو اسم كلب. # وضبار ms034، بتشديد الباء الموحدة، الذي قال فيه الحارث بن الخزرج ~~الخفاجي: # سفرت فقلت لها هج فتبرقعت # فذكرت حين تبرقعت ضبارا # وتزينت لتروعني بجمالها # فكأنما كسي الحمار خمارا # فخرجت أعثر في قوادم جبتي # لولا الحياء أطرتها إحضارا # هو اسم كلب له، وقوله: هج زجر للكلب. وكان لسليمان بن ~~داود الهاشمي كلب صيد يسمى زنبورا، وفيه يقول أبو نواس: # إذا الشياطين رأت زنبورا # قد قلد الحلقة والسيورا # من أرجوزة يقول في آخرها: # فأمتع الله به الأميرا # ربي ولا زال به مسرورا # ومن طرائفهم ما رواه الراغب في محاضراته لأبي محجن، في رجل اسمه: وثاب واسم ~~كلبه: عمرو، ورواهما في موضع آخر من هذا الكتاب لابن أبي عتيق، باختلاف في ~~الرواية: # ولو هيا له الله # من التوفيق أسبابا # لسمى نفسه عمرا # وسمى الكلب وثابا # وقلت: تذكرت بهذين البيتين قصة ظالم، لما جاء ~~إلى النبي # صلى الله عليه وسلم # يريد الإسلام، وكان معه كلب له اسمه: راشد، فسأله - عليه السلام - ~~عن اسمه واسم كلبه، فلما أخبره ضحك عليه السلام، وقال: اسمك راشد واسم كلبك ظالم. وفي ~~رواية أنه كان يسمى غاوي بن ظالم، فسماه - عليه السلام - راشد بن عبد الله. وسبب إسلامه ~~أنه كان سادنا لصنم اسمه سواع، فرأى يوما ثعلبا يعدو عليه ببوله، فكسره، ~~وقال فيه: # أرب يبول الثعلبان برأسه # لقد ذل من بالت عليه الثعالب # وفي القصة، ورواية هذا البيت ونسبته لراشد، اختلاف ليس هذا محل ذكره. # وكان لميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها كلب اسمه مسمار. قال صاحب القاموس: إنه ~~مرض، فقالت: وارحمتا لمسمار. وفي كتاب «فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب» لابن ~~المرزبان، أنها رضي الله عنها كانت إذا حجت خرجت به معها؛ فليس يطمع أحد في القرب ~~من رحلها مع مسمار، فإذا رجعت جعلته في بني جديلة، وأنفقت عليه، فلما مات قيل ~~لها: مات مسمار، فبكت وقالت: فجعت بمسمار. # وفي هذا القدر كفاية، فقد كدنا نخرج عن المقصود. ولولا خوف الإطالة لذكرت أيضا ما ~~ورد من أمثالهم في الكلب ms035، وهي كثيرة تربو على خمسة وخمسين مثلا ، على أن ما ذكرناه وإن ~~طال فلا يخلو من فائدة، وفي التنقل جمام للأنفس. # رجع إلى أبي العلاء # وعلى الجملة فلا يختلف اثنان في علمه وفضله، ووقوفه على دقائق العربية، ولا عبرة ~~بمن لحنه في قوله: # يذيب الرعب منه كل عضب # فلولا الغمد يمسكه لسالا # بأن مذهب الجمهور وجوب حذف الخبر بعد «لولا»، بناء على أنه لا يكون إلا كونا ~~مطلقا، فإذا أريد السكون المقيد جعل مبتدأ، فكان عليه أن يقول: فلولا إمساك الغمد ~~إياه لسال، أي موجود. وأما التركيب الذي أتى به فتركيب فاسد. انتهى. # قلت: وهذا المخطئ هو المخطئ لاحتمال تقدير يمسكه جملة معترضة بين المبتدأ ~~والجواب والخبر محذوف، أو تقدير يمسكه بدل اشتمال على أن الأصل أن يمسكه، ثم حذفت ~~«أن» وارتفع الفعل، وعلى هذا فالخبر محذوف أيضا. والمعنى: فلولا الغمد إمساكه ~~موجود لسال. انتهى ملخصا من المغني وحواشيه. هذا إذا خرجنا البيت على مذهب ~~الجمهور الذي تمسك به المعترض، والمذهب الحق ما ذهب إليه ابن مالك والرماني وابن ~~الشجري والشلوبين؛ بأن الخبر إذا كان كونا مقيدا، ولم يدل عليه دليل، وجب ذكره، ~~وإن دل عليه دليل جاز إثباته وحذفه. وعليه فلا وجه للتخطئة في البيت، فضلا عن ورود ~~مثله في الكلام الموثوق به. # وأما ذكاؤه وسرعة فهمه وقوة حافظته؛ فقد رووا فيها غرائب، منها ما ينبو العقل عن ~~تصديقه. وقد صرح صاحب معاهد التنصيص بأن للناس في ذلك حكايات مشهورة يضعونها، ~~وغالبها مستحيل. إلا أن اشتراط استيفاء أخباره يقضي بذكر ما وقفنا عليه منها، وعلى ~~القارئ تمييز الغث من السمين. # فمن ذلك: ما نقل عن تلميذ التبريزي أنه كان قاعدا بين يديه في مسجد بمعرة ~~النعمان يقرأ عليه شيئا من تصانيفه. قال: وكنت أقمت عدة سنين لم أر أحدا من أهل ~~بلدي، فدخل المسجد بعض جيراننا للصلاة، فرأيته وعرفته، فتغيرت من الفرح، فقال لي ~~أبو العلاء: أي شيء أصابك؟ فأخبرته خبر الرجل، فقال: قم وكلمه، فقلت: حتى أتمم ~~النسق ms036، فقال: قم وأنا أنتظرك. فقمت وكلمته بلسان الأذربية شيئا كثيرا، إلى ~~أن سألت عن كل ما بدا لي. فلما رجعت إليه قال لي: أي لسان هذا؟ قلت: هذا لسان أهل ~~أذربيجان. فقال لي: ما عرفت اللسان ولا فهمته، غير أني حفظت ما قلتما، ثم أعاد ~~علي اللفظ بعينه من غير أن ينقص منه أو يزيد، فتعجبت غاية العجب، كيف يحفظ ما لم ~~يفهمه. # ومنه: ما رواه بعض طلبته، أن جارا له أعجميا غاب عن المعرة، وحضر رجل من ~~بلده يبحث عنه، فوجده غائبا، ولم يمكنه المقام، فأشار عليه أبو العلاء أن يذكر ~~حاجته، فجعل الرجل يتكلم بالفارسية وأبو العلاء مصغ إليه، ولم يكن يعرفها، إلى أن ~~فرغ من كلامه، ومضى الرجل. وقدم جاره الغائب، فجعل أبو العلاء يردد عليه ما سمعه ~~بلفظه، والرجل يبكي ويستغيث ويلطم، إلى أن فرغ من الحديث. وسئل عن حاله، ~~فأخبر أنه أخبر بموت أبيه وإخوته وجماعة من أهله. # وهذه الحكاية حكاها الوطواط في «الغرر والعرر» على غير هذا الوجه. قال: ومن عجيب ~~حكاياته أن أبا زكريا التبريزي كان يقرأ عليه فأتاه رسول من عند أهله من تبريز، ~~فجاء حلقة أبي العلاء، فسأل عنه، فأخبر أنه غائب في بعض شأنه. فقال له أبو ~~العلاء: ما تريد به؟ قال: جئت برسالة من عند أهله، فقال: هاتها حتى نوصلها ~~إليه. قال: إنها مشافهة. قال: فأسمعناها حتى نوصلها إليه. قال: إنها ~~بالفارسية. قال: لا عليك أن تسمعناها ولا تسقط منها حرفا. فأوردها عليه. فلما جاء ~~التبريزي أخبر أن رجلا جاء من تبريز ومعه رسالة من أهله، فقال: ليتكم أخذتموها ~~منه، فإني مشوق لما يرد من أخبارهم. فقيل له: إنه قال إنها مشافهة. فتأسف لذلك، ~~فلما رأى أبو العلاء تأسفه، قال له: لا عليك، إني سمعتها منه وحفظتها، ثم ~~أملاها عليه. فجعل التبريزي يضحك مرة، ويبكي مرة! فسأله أبو العلاء عن ضحكه وبكائه؟ ~~فقال: تارة تخبرني بما يسرني فأضحك، وتارة تخبرني بما يحزنني فأبكي. انتهى. # ومنه: ما حكاه الأمير أسامة ms037 بن منقذ، قال: كان بأنطاكية خزانة كتب ، وكان ~~الخازن بها رجلا علويا. فجلست يوما عنده، فقال لي: قد خبأت لك خبيئة لم تسمع ~~بمثلها في تاريخ. فقلت: وما هي؟ قال: صبي دون البلوغ ضرير يتردد إلي، وقد ~~حفظته في أيام قلائل عدة كتب، وذلك أني أقرأ عليه الكراسة والكراستين مرة واحدة، ~~فلا يستعيد إلا ما شك فيه، ثم يتلو علي ما سمعه. قلت: فلعله يكون محفوظا له! ~~فقال: سبحان الله! كل كتاب في الدنيا يكون محفوظا له، ولئن كان كذلك فهو أعظم. ثم ~~حضر المشار إليه، وهو صبي دميم الخلقة، مجدر الوجه، على عينيه بياض من أثر ~~الجدري، كأنه ينظر بإحدى عينيه، وهو يتوقد ذكاء؛ يقوده رجل طويل أحسبه من أقاربه. ~~فقال له الخازن: يا ولدي، هذا السيد رجل كبير القدر، وقد وصفتك له، وهو يحب أن ~~تحفظ اليوم ما يختاره لك. فقال: سمعا وطاعة، فليختر ما يريد. قال ابن ~~منقذ: فاخترت شيئا وقرأته عليه وهو يموج ويستزيد، فإذا مر بشيء يحتاج إلى ~~تقريره في خاطره، يقول: أعد هذا، فأعيده عليه، حتى أتيت على ما يزيد على كراسة، ~~ثم قلت: يقنع هذا من قبل نفسي. قال: أجل حرسك الله. وتلا علي ما أمليته عليه، ~~وأنا أعارضه بالكتاب حرفا حرفا، فكاد عقلي يذهب لما رأيت منه، وعلمت أن ليس في ~~العالم من يقدر على ذلك إلا إن شاء الله. وسألت عنه، فقيل لي: هذا أبو العلاء ~~المعري من بيت العلم والقضاء والثروة والغنى. هكذا يروون هذه الحكاية، والأمير ~~أسامة المذكور ولد سنة 488، أي بعد موت أبي العلاء بنحو تسع وثلاثين سنة، فالقصة ~~على هذا موضوعة، اللهم إلا أن تكون وقعت مع بعض أمراء بني منقذ، ممن تقدم ~~أسامة. # ومنه: أن سمانا حاسب عميلا له برقاع كان يثبت فيها ما يأخذه منه عند حاجته، ~~وكان أبو العلاء في غرفة يسمع محاسبتهما، وبعد مدة ضاعت الرقاع من السمان، فأخذ ~~يتململ ويتأذى. وبلغ أبا العلاء خبره، فقال له: ما عليك بأس، أنا أملي عليك ms038 حسابه. ~~وجعل يمليه عليه على ما في الرقاع رقعة رقعة، والسمان يكتبها. ثم وجد بعد ذلك ~~رقاعه، فإذا هي مطابقة لما أملاه أبو العلاء. وهذا إن صح، فهو غاية الغايات في قوة ~~الحفظ والتعليق. # وقريب مما تقدم، ما روي عن أبي تمام حين سمع البحتري ينشد قصيدته التي ~~أولها: # أأفاق صب من هوى فأفيقا # أم خان عهدا أم أطاع شفيقا # فلما فرغ من إنشادها، أقبل عليه باللوم والتقريع، واتهمه بسرقة ~~شعره، ثم اندفع يعيد القصيدة حتى أتى على أكثرها. والقصة مشهورة. ومثله ما روي عن ~~المتنبي في حفظه كتابا عرض عليه للبيع في نحو ثلاثين ورقة. وروى مثله الإمام أبو ~~العباس المبرد، وهو الثقة فيما ينقل، فذكر في كامله أن ابن عباس رضي الله عنه لما ~~أنشده عمر بن أبي ربيعة كلمته: «أمن آل نعم أنت غاد فمبكر». ولم يكن ~~سمعها من قبل، استظهرها من مرة واحدة، وأعادها على الحضور. إلا أن ما نقل عن ~~المعري يفوق كل ذلك. # وذكروا أن أبا نصرة أحمد بن يوسف المنازي، دخل على أبي العلاء وهو بالشام في ~~جماعة من أهل الأدب، وأنشده قوله: # وقانا لفحة الرمضاء واد # سقاه مضاعف الغيث العميم # نزلنا دوحه # 1 # فحنا علينا # حنو المرضعات # 2 # على الفطيم # وأرشفنا # 3 # على ظمأ زلالا # ألذ من المدامة للنديم # يصد الشمس أنى واجهتنا # فيحجبها ويأذن للنسيم # تروع حصاه حالية العذارى # فتلمس جانب العقد النظيم # فقال أبو العلاء: أنت أشعر من بالشام. ثم رحل أبو العلاء إلى بغداد، فدخل عليه ~~المنازي في جماعة من أدبائها، وهو لا يعرف منهم أحدا، فأنشدوه من أشعارهم، وأنشده ~~المنازي: # لقد عرض الحمام لنا بسجع # إذا أصغى له ركب تلاحى # شجى قلب الخلي فقيل: غنى # وبرح بالشجي فقيل ناحا # وكم للشوق في أحشاء صب # إذا اندملت أجد لها جراحا # ضعيف الصبر عنك وإن تقاوى # وسكران الفؤاد وإن تصاحا # كذاك بنو الهوى سكرى صحاة # كأحداق المها مرضى صحاحا # فقال أبو العلاء: ومن بالعراق! عطفا على قوله: من بالشام. والراجح عندي أن هذه ms039 ~~القصة موضوعة، لا لغرابتها؛ فإن فيما تقدم في قصته مع السمان وغيره ما هو أغرب ~~وأعجب، ولا يبعد على من يستظهر أوراق الحساب رقعة رقعة، أن يسمع صوت المنازي ونغمته ~~في إنشاده، فيعيه ويعرفه بعد ذلك من كلامه؛ بل لأن الثابت في الأبيات الميمية أنها ~~لحمدونة # 4 # بنت زياد الأندلسية؛ أثبت ذلك مؤرخو الأندلس، وجزم به أبو جعفر ~~الرعيني الأندلسي، وهو من الراحلين إلى المشرق. وملخص ما قاله في شرحه على بديعية ~~صاحبه ابن جابر: أن بعض المشارقة غرهم بعد ديارها، وخلو بلادهم من آثارها، ~~فانتحلوا أشياء من شعرها. ومن ذلك نسبتهم أبياتها الميمية للمنازي من شعرائهم. قال: ~~وقد رأيت بعض المؤرخين من أهل بلادنا أثبتوها لها قبل أن يخرج المنازي من العدم إلى ~~الوجود، ويتصف بلفظة الموجود. انتهى. أما الأبيات الحائية فالراجح أنها للمنازي، ~~ونسبها الصفدي في شرحه على لامية العجم لابن قاضي ميلة. والله أعلم. # وقال كمال الدين بن العديم في تاريخ حلب: بلغني أن المنازي عمل هذه الأبيات ~~ليعرضها على أبي العلاء، فلما وصل إليه أنشده إياها، فجعل كلما أنشده المصراع ~~الأول من كل بيت، سبقه أبو العلاء إلى المصراع الثاني الذي هو تمام البيت كما نظمه. ~~ولما أنشده: «نزلنا دوحه فحنا علينا»، قال أبو العلاء: «حنو الوالدات على ~~الفطيم». فقال المنازي: إنما قلت على اليتيم. فقال أبو العلاء: الفطيم أحسن. انتهى، ~~والله أعلم. # قلت: الشيء بالشيء يذكر، والحديث ذو شجون. والذي ذكره ابن العديم له نظائر، ~~منها ما رواه طيفور في تاريخ بغداد عن عمارة بن عقيل، قال: أنشدت المأمون قصيدة ~~فيها مديح له تبلغ مئة بيت، فابتدأت بصدر البيت فبادرني إلى قافيته، فقلت: والله يا ~~أمير المؤمنين ما سمعها مني أحد قط. قال: هكذا ينبغي أن يكون، ثم أقبل علي، ~~فقال: أما بلغك أن عمر بن أبي ربيعة أنشد عبد الله بن عباس قصيدته التي يقول ~~فيها: # تشط غدا دار جيراننا # فقال ابن عباس: # وللدار بعد غد أبعد # ثم قال المأمون: أنا ابن ذاك. وفي «تحرير ms040 التحبير» لابن أبي الإصبع أن ابن عباس ~~لما كمل البيت، قال له ابن أبي ربيعة: هكذا والله قلت. فقال عبد الله: وهكذا ~~يكون. # وروي أن جريرا والفرزدق حضرا مجلس الوليد بن عبد الملك، وعدي بن الرقاع ~~ينشد قصيدته: # عرف الديار توهما فاعتادها # من بعد ما درس البلى أبلادها # فلما انتهى إلى قوله: تزجي أغن كأن إبرة روقه. # تشاغل الوليد عن الاستماع، وقطع عدي الإنشاد، فقال الفرزدق لجرير: # ما تراه يقول؟ فقال: أراه يستلب بها مثلا، فقال الفرزدق: يا لكع! إنه ~~سيقول: قلم أصاب من الدواة مدادها. ثم عاد الوليد إلى الاستماع، وعاد ~~عدي إلى الإنشاد، فنطق بالعجز كما قال. فقال جرير للفرزدق: ويحك! فكأن ~~سمعك مخبوء تحت لسانه، فقال له: اسكت، شغلني سبك عن جيد الكلام، والله ~~لما سمعت صدر بيته رحمته، فلما أنشد عجزه انقلبت الرحمة حسدا. وفي ~~رواية العقد الفريد عن الأصمعي أن جريرا هو السابق لعجز البيت لا الفرزدق. ~~وقال زكي الدين بن أبي الإصبع في «تحرير التحبير» الذي أقوله: إن بين ابن ~~عباس وبين الفرزدق في استخراجهما العجزين كما بينهما في مطلق الفضل، وفضل ~~ابن عباس رضي الله عنهما معلوم، وأنا أذكر الفرق. فإن بيت عدي بن الرقاع ~~من جملة قصيدة تقدم سماع معظمها، وعلم أنها دالية مردفة بألف موصولة مخرجة ~~بألف منصوبة الروي من وزن معروف، ثم تقدم في صدر البيت ذكر ظبية تسوق ~~خشفا لها، قد أخذ الشاعر في تشبيه طرف قرنه مع العلم بسواده، وفي ذلك ما ~~يدل على عجز البيت بحيث يسبق إليه من هو دون الفرزدق من حذاق الشعراء. ~~وبيت عمر مفرد لم تعلم قافيته من أي ضرب هي من القوافي، ولا رويه من أي ~~الحروف، ولا حركة رويه من أي الحركات، فاستخراج عجزه ارتجالا في غاية ~~العسر، ونهاية الصعوبة، لولا ما أمد الله به هؤلاء القوم من المواد التي ~~فضلوا بها عن غيرهم. ومن حذق عبد الله بن العباس رضي الله عنهما، ودقيق ~~معرفته باختيار الكلام، جعله قافية الذي أتى ms041 به «أبعد» ولم يجعلها ~~«أنزح»، وكان ذلك ممكنا له، لكون «أبعد» أسرع ولوجا في السمع، وأسبق ~~الذهن، وأدخل في القلب، وأكثر استعمالا، وأعرف عند الكافة، وبها جاء ~~القرآن العزيز دون أنزح، وهي أحب إلى اللسان، وأولى بالبيان. # انتهى كلامه بنصه. # وقد عن لي أن أورد هنا قصيدة عدي بن الرقاع؛ لأنها لا توجد برمتها في كتب ~~الأدب المتداولة في الأيدي، مع تشوق كثير من الأدباء للوقوف عليها. قال عدي بن ~~الرقاع يمدح الوليد بن عبد الملك أحد الخلفاء من بني أمية: # عرف الديار توهما فاعتادها # 5 # من بعد ما درس البلى أبلادها # إلا رواسي كلهن قد اصطلى # جمرا وأشعل أهلها إيقادها # 6 # كانت رواحل للقدور فعريت # منهن واستلب الزمان رمادها # وتنكرت كل التنكر بعدنا # والأرض تعرف بعلها # 7 # وجمادها # ولرب واضحة الجبين خريدة # بيضاء قد ضربت به أوتادها # 8 # تصطاد بهجتها المعلل بالصبا # عرضا فتقصده ولن يصطادها # 9 # كالظبية البكر الفريدة ترتعي # من أرضها قفاتها وعهادها # خصبت لها عقد البراق حنينها # من عكرها علجانها وعرادها # كالزين في وجه العروس تبذلت # بعد الحياء فلاعبت أرءادها # 10 # تزجي أغن كأن إبرة روقه # قلم أصاب من الدواة مدادها # 11 # ركبت به من عالج متحيرا # قفرا تريث وحشه أولادها # فترى محانيه التي تسق الثرى # والهبر يونق نبتها روادها # 12 # بانت سعاد وأخلفت ميعادها # وتباعدت عنا لتمنع زادها # إني إذا ما لم تصلني خلتي # وتباعدت عني اغتفرت بعادها # 13 # إما تري شيبي تقشع لمتي # حتى علا وضح يلوح سوادها # 14 # فلقد ثنيت يد الفتاة وسادة # لي جاعلا يسرى يدي وسادها # وأصاحب الجيش العرمرم فارسا # في الخيل أشهد كرها وطرادها # وقصيدة قد بت أجمع بينها # حتى أقوم ميلها وسنادها # نظر المثقف في كعوب قنانه # حتى يقيم ثقافه منآدها # فسترت عيب معيشتي بتكرم # وأتيت في سعة النعيم سدادها # وعلمت حتى ما أسائل واحدا # عن علم واحدة لكي أزدادها # صلى الإله على امرئ ودعته # وأتم نعمته عليه وزادها # وإذا الربيع تتابعت أنواؤه # فسقى خناصرة الأحص فجادها # 15 # نزل الوليد بها فكان لأهلها # غيثا أغاث أنيسها وبلادها # أولا ترى أن ms042 البرية كلها # ألقت خزائمها إليه فقادها # ولقد أراد الله إذ ولاكها # من أمة إصلاحها ورشادها # 16 # وعمرت أرض المسلمين فأقبلت # ونفيت عنها من يريد فسادها # 17 # وأصبت في بلد العدو مصيبة # بلغت أقاصي غورها ونجادها # ظفرا ونصرا ما تناول مثله # أحد من الخلفاء كان أرادها # وإذا نشرت له الثناء وجدته # جمع المكارم طرفها وتلادها # 18 # غلب المساميح الوليد سماحة # وكفى قريش المعضلات وسادها # تأتيه أسلاب الأعزة عنوة # قسرا ويجمع للحروب عتادها # 19 # وإذا رأى نار العدو تضرمت # سامى جماعة أهلها فاقتادها # بعرمرم تبدو الروابي ذي وعى # كالحرة احتمل الضحى أطوادها # 20 # أطفأت نارا للحروب وأوقدت # نار قدحت براحتيك زنادها # فبدت بصيرتها لمن يبغي الهدى # وأصاب حر شديدها حسادها # وإذا غدا يوما بنفحة نائل # عرضت له الغد مثلها فأعادها # وإذا عدت خيل تبادر غاية # فالسابق الجالي يقود جيادها # 21 # تمت القصيدة. ويروى أن عديا أنشدها الوليد وعنده كثير، ~~وكان قد بلغه عن عدي أنه يطعن على شعره، ويقول: هذا شعر حجازي مقرور، إذا أصابه ~~قر الشام حمد وهلك، فلما أتى عدي على قوله: # وقصيدة قد بت أجمع بينها # حتى أقوم ميلها وسنادها # قال له كثير: لو كنت مطبوعا أو فصيحا أو عالما، لم تأت فيها بميل ولا سناد، ~~فتحتاج إلى أن تقومها. ثم أنشد: # نظر المثقف في كعوب قناته # حتى يقيم ثقافه منآدها # فقال كثير: لا جرم أن الأيام إذا تطاولت عليها عادت عوجاء، ولأن ~~تكون مستقيمة لا تحتاج إلى ثقاف أجود لها. ثم أنشد: # وعلمت حتى ما أسائل واحدا # عن علم واحدة لكي أزدادها # فقال كثير: كذبت ورب البيت الحرام، فليمتحنك أمير المؤمنين بأن يسألك عن صغار ~~الأمور دون كبارها حتى يتبين جهلك، وما كنت قط أحمق منك الآن حيث تظن هذا بنفسك. ~~فضحك الوليد ومن حضر، وقطع عدي بن الرقاع حتى ما نطق. # وروي عن محمد بن المنجم أنه قال: ما ذكر لي أحد فأحببت أن أراه، فإذا رأيته ~~أمرت بصفعه؛ إلا عدي بن الرقاع، لقوله: # وعلمت حتى ما أسائل ... البيت. فكنت أعرض عليه أصناف ms043 العلوم فكلما مر به شيء، ولا ~~يحسنه ، أمرت بصفعه. # | هوامش # | فصل في مؤلفاته # قال أبو العلاء: لزمت مسكني منذ سنة أربع مئة، واجتهدت على أن أتوفر على تسبيح الله ~~وتحميده، إلى أن أضطر إلى غير ذلك، فأمليت أشياء، وتولى نسخها الشيخ أبو الحسن علي ~~بن عبد الله بن أبي هاشم، أحسن الله معونته، فألزمني بذلك حقوقا جمة وأيادي بيضاء؛ ~~لأنه أفنى في زمنه، ولم يأخذ عما صنع ثمنه، والله يحسن له الجزاء، ويكفيه حوادث ~~الزمن والأرزاء. انتهى. # وقد رتبنا أسماء هذه الكتب على حروف المعجم، تسهيلا على المطالع! واعتمدنا فيما ~~ذكرناه منها على ما في «إرشاد الأريب» لياقوت، و«كشف الظنون» لمصطفى بن عبد الله الشهير ~~بكاتب چلبي، وغيرهما من كتب التراجم والأخبار. وتكلمنا على ما وقفنا عليه منها بما يتسع ~~له هذا المختصر: ~~(1) # أدب العصفورين: رسالة ذكرها ياقوت، وصاحب كشف الظنون. ~~(2) # استغفر واستغفري: كتاب في المنظوم، به نحو عشرة آلاف بيت، ويقع في مئة وعشرين ~~كراسة. ذكره ياقوت، وأهمله صاحب الكشف. ~~(3) # إسعاف الصديق: في ثلاثة أجزاء، يتعلق بكتاب الجمل في النحو للزجاجي المتوفى ~~سنة 339. ذكره ياقوت، وصاحب الكشف. ~~(4) # إقليد الغايات: كتاب لطيف، قصره على تفسير ما جاء من اللغز في كتابه: الفصول ~~والغايات. ذكره ياقوت، وصاحب الكشف. ~~(5) # الأمالي: لم يذكره ياقوت، وقال صاحبه الكشف: هو مئة كراسة ولم يكمله. ~~(6) # الأيك والغصون: ذكره ياقوت وصاحب الكشف في حرف الكاف في الكتب، ويسمى أيضا ~~بالهمزة والردف؛ لأنه بناه على إحدى عشرة حالة للهمزة في حال إفرادها وإضافتها. ~~مثاله: سماء بالرفع والنصب والخفض، سماء بالتنوين، سماؤه سماءه سمائه بالحركات ~~الثلاث مع الإضافة للضمير المذكر، سماؤها سماءها سمائها بها مع الإضافة للمؤنث، ~~ثم همزة بعدها هاء ساكنة مثل: عباءة وملاءة. فإذا ضربت الإحدى عشرة في حروف ~~المعجم الثمانية والعشرين، خرج من ذلك ثلاث مئة فصل وثمانية، وهي مستوفاة في ~~هذا الكتاب. وذكر فيه أيضا الأرداف الأربعة بعد ذكر الألف. ومبناه على العظات ~~وذم الدنيا. ومقداره ألف ومئتا كراسة، تقع في اثنين وتسعين جزءا ms044 كما ذكر ~~ياقوت. وقال ابن خلكان: بلغني أن له كتابا سماه الأيك والغصون، وهو المعروف ~~بالهمزة والردف، يقارب المئة جزء، في الأدب؛ وحكى لي من وقف على المجلد الأول ~~بعد المئة، فقال: لا أعلم ما كان يعوزه بعد هذا المجلد. ~~(7) # بحر الزجر: يتعلق بكتاب «زجر النابح». ذكره ياقوت، ولم يذكر في كشف ~~الظنون. ~~(8) # تاج الحرة: في عظات النساء خاصة، وتختلف فصوله، فمنها ما يجيء بعد حرفه الذي ~~يثبت ثبات الروي ياء التأنيث، كقوله: شائي وتشائي وتسائي ونحوها، ومنه ما هو ~~مبني على الكاف، نحو غلامك وكلامك، ومنها ما يجيء على تفعلين، مثل: ترغبين ~~وتذهبين. وأنواع هذا الكتاب كثيرة، ويقع في أربع مئة كراسة، كما في ياقوت وكشف ~~الظنون. ~~(9) # تضمين الآي: لم يذكره صاحب كشف الظنون، وقال ياقوت: هو كتاب مختلف الفصول؛ ~~فمنه طائفة على حروف المعجم، وقبل الحرف المعتمد ألف، مثل أن يقال في الهمزة: ~~بناء ونساء، وفي الباء: ثياب وعباب. ثم على هذا إلى آخر الحروف. ومنه فصول على ~~فاعلين وعلى فاعلون وغير ذلك. والغرض أن يأتي بعد انقضاء الكلام بآية من الكتاب ~~العزيز أو بعض آية، وربما يجيء بآيتين. قال: والسبب في تأليفه أن بعض الأمراء ~~سأله أن يؤلف كتابا برسمه، ولم يؤثر أن يؤلف شيئا في غير العظات، والحث على ~~تقوى الله، فأملى هذا الكتاب، ويقع في أربع مئة كراسة. ~~(10) # تعليق الجليس: مما يتصل بكتاب الجمل للزجاجي، في جزء واحد. ذكره ياقوت، ولم ~~يذكر في الكشف. ~~(11) # تفسير خطبة الفصيح: فسر فيه غريب كتابه خطبة الفصيح. ذكره ياقوت، وصاحب ~~الكشف. ~~(12) # تفسير الهمزة والردف: في جزء. ذكره ياقوت ولم يذكر في الكشف. ~~(13) # جامع الأوزان: فيه شعر منظوم على معنى يعم به الأوزان الخمسة عشر التي ذكرها ~~الخليل، بجميع ضروبها، ويذكر قوافي كل ضرب، به تسعة آلاف بيت، ومقداره ستون ~~كراسة في ثلاثة أجزاء. ذكرت ياقوت وصاحب الكشف. ~~(14) # الجلي والحلبي: هكذا ورد في نسخة ياقوت، وكتب مصححه: لعله «الحلي الحلبي». ~~سأله فيه صديق له من أهل حلب، يعرف بابن الحلي ms045، مجلد واحد، وعشرون كراسة. ولم ~~يذكر في كشف الظنون. ~~(15) # الحقير النافع: مختصر في النحو. خمس كراسات، كما في ياقوت والكشف، وذكره ~~السيوطي في بغية الوعاة. ~~(16) # خادم الرسائل: في تفسير ما تضمنته رسائله من الغريب، سواء كانت من الرسائل ~~الطوال، كالغفران والملائكة ونحوهما، أو ما دونها. ولم يذكر فيه إلا ما يحتاج ~~إليه المبتدئون في الأدب، وسماه صاحب كشف الظنون: خادمة الرسائل. ~~(17) # خطبة الفصيح: تكلم فيه عن أبواب الفصيح في خمس عشرة كراسة، كما في ياقوت ~~والكشف، وله تفسير غريبه، وقد مضى ذكره. ~~(18) # خطب الخيل: تكلم فيه على ألسنتها في عشر كراسات، كما في ياقوت ~~والكشف. ~~(19) # خماسية الراح: قال ياقوت: هو كتاب لطيف في ذم الخمر، ومعنى هذا الوسم أنه بني ~~على حروف المعجم، فذكر لكل حرف تمكن حركته خمس سجعات مضمومات، وخمسا مفتوحات، ~~وخمسا مكسورات، وخمسا موقوفات. يكون مقداره عشر كراسات. وتصحف اسمه على صاحب ~~كشف الظنون بحماسة الراح، فذكره في حرف الحاء. ~~(20) # دعاء الأيام السبعة: ذكره ياقوت. ~~(21) # دعاء ساعة: ذكره أيضا. ~~(22) # دعاء وحرز الخيل: ذكره أيضا. ~~(23) # ديوان الرسائل: وهي ثلاثة أقسام كالغفران والسندية ونحوهما، وسنذكر منها ما ~~وقفنا على اسمه. ومنها ما دون تلك، كالرسالة الإغريضية، ورسالة المنيح. ومنها ~~قصار كنحو ما تجري به العادة في المكاتبة. قال ياقوت وصاحب كشف الظنون: إنها ~~تقع جمعيها في ثمان مئة كراسة. وقد طبع قسم من هذه الرسائل في بيروت وأكسفورد، ~~وعندي منها نسختان مخطوطتان في إحداهما مكاتبات جرت بينه وبين ابن أبي عمران ~~داعي الدعاة بمصر، وهي التي لخصها ياقوت في إرشاد الأريب، وقد مضى أنه شرح ~~رسائله في كتابه: خادم الرسائل. ~~(24) # ذكرى حبيب: ذكره صاحب الكشف، وقال ياقوت: إنه مختصر في غريب شعر أبي تمام، ~~سأله فيه صديق له من الكتاب. مقداره ستون كراسة في أربعة أجزاء. وقال ابن ~~خلكان: إنه اختصر ديوان أبي تمام وشرحه وسماه: ذكرى حبيب. وفي مقدمة شرح ديوان ~~أبي تمام للتبريزي أن أبا العلاء إنما ذكر في هذا الكتاب الأبيات المشكلة من ~~شعر أبي تمام ms046 متفرقة. ومن فوائده التي نقلها عنه أن شعر أبي تمام إنما أغلق؛ ~~لأنه لم يؤثر عنه، فتناقلته الضعفة من الرواة، والجهلة من الناسخين، ~~فبدلوا الحركة بالحركة، وأوقعوا الناظر بما جنوه في أم أدراص # 1 # وتغلس، وغيروا الأحرف بسوء التصحيف، فغادروا الفهم خابطا ~~في عشواء؛ لأن تغيير الضمة إلى الفتحة والكسرة، ينشب الفطن في حبالة؛ ~~فأما نقل الحاء إلى الخاء، والدال إلى الذال، فيحدث عنه إلباس، ويقرن به بلادة ~~وإشكاس. ~~(25) # الراحلة: ثلاثة أجزاء في تفسير لزوم ما لا يلزم. ذكره ياقوت فقط. ~~(26) # راحة اللزوم: يشرح فيه ما في لزوم ما لا يلزم من الغريب، نحو مئة كراسة، كما ~~في ياقوت والكشف. ~~(27) # الرسالة الحضية: كذا ذكرها ياقوت. ~~(28) # الرسالة الزعفرانية: ذكرها صاحب الكشف ولم يذكرها ياقوت. ~~(29) # الرسالة السندية: ذكرت في ياقوت والكشف. ~~(30) # رسالة العروض: هكذا في كشف الظنون، وفي نسخة ياقوت: الفرض بالفاء، ولعله ~~القرض أو القريض بالقاف. ~~(31) # رسالة على لسان ملك الموت: ذكرها ياقوت، ولا أدري إن كانت رسالة الملائكة أو ~~غيرها. ~~(32) # رسالة الغفران: كتبها لعلي بن منصور الحلبي المعرف بابن القارح، جوابا على ~~رسالة أرسلها له يذكر بها شوقه إلى لقائه، وينحي فيها على الزنادقة، ويتنقص ~~الوزير المغربي صديق أبي العلاء. فأجابه برسالة الغفران، وضمنها فنونا شتى ~~من اللغة والأدب، ونحا فيها نحوا غريبا، فاستطرد إلى الجنة، فوصفها وصفا ~~يشوق النفوس إليها، ويرغبها في نعيمها، وذكر النار وأهوالها بطريقة لا ~~تسأمها النفس. وقد طبعت هذه الرسالة بمصر سنة 1325، وعندي منها نسختان ~~مخطوطتان، وبدار الكتب الخديوية بالقاهرة نسخة من كتب الأستاذ الشنقيطي - رحمه ~~الله - وفي القسطنطينية العظمى نسخة أخرى في خزانة الكبريلي. وكنت في شوق ~~لرسالة ابن القارح المذكورة، حتى ظفرت بها في مجموع نفيس وقع لي. ~~(33) # رسالة الملائكة: اقتصر ياقوت وصاحب الكشف على ذكر اسمها، وقال أبو الفضل ~~المؤيد بن الموفق الصاحبي في كتاب «الحكم البوالغ، في شرح الكلم النوابغ»: ~~رسالة الملائكة، ألفها أبو العلاء المعري على جواب مسائل تصريفية ألقاها إليه ~~بعض الطلبة، فأجاب عنها بهذا الطريق الظريف المشتمل على الفوائد ms047 الأنيقة. ~~انتهى. قلت: وأسلوبه فيها غريب، افتتحها معتذرا للسائل بكبر سنه، وبعد عهده ~~بالمسائل النحوية والصرفية، وقربه من الموت. ثم بدأ في الجواب فقال: «أفتراني ~~أدافع ملك الموت، فأقول: أصل ملك مألك ... إلخ». فساق هذا البحث في مناقشته مع ~~الملك، وأتى بشواهد من كلام العرب، إلى أن انتقل إلى بحث آخر، فقال: «فيقول ~~الملك: من ابن أبي ربيعة وأبو عبيدة، وما هذه الأباطيل؟ إن كان لك عمل صالح ~~فأنت سعيد، وإلا فاخسأ وراءك، فأقول: فأمهلني حتى أخبرك بوزن عزرائيل، وأقيم ~~الدليل على أن الهمزة فيه زائدة ... إلخ». ثم انتقل إلى ناكر ونكير، فباحثهما عن ~~اسميهما، وهكذا حتى أتم الإجابة عن الأسئلة في هذا السياق العجيب. وعندي من هذه ~~الرسالة نسخة مخطوطة ضمن مجموع، وبدار الكتب الأزهرية بالقاهرة أخرى، وقد ~~أوردها السيوطي بتمامها في كتابه الأشباه والنظائر النحوية. ~~(34) # رسائل المعونة: وهي التي كتبها على لسان غيره. ذكرها ياقوت وصاحب ~~الكشف. ~~(35) # رسل الراموز: نحو ثلاثين كراسة. ذكره ياقوت. ~~(36) # الرياش المصطنعي: في شرح مواضع من الحماسة الرياشية، ألفه للأمير مصطنع ~~الدولة أبي غالب كليب بن علي، وكان أنفذ إليه نسخة من هذه الحماسة، وسأله أن ~~يخرج على حواشيها شيئا مما لم يذكره أبو رياش، فخشي أن تضيق الحواشي عن ذلك، ~~فصنع هذا الكتاب في أربعين كراسة. ذكر في ياقوت والكشف. ~~(37) # زجر النابح: يتعلق بلزوم ما لا يلزم، وذلك أن بعض الجهال تكلم على أبيات من ~~لزوم ما لا يلزم، يريد بها التشرر والأذية، فألزم أبا العلاء أصدقاؤه ~~بإنشائه، فأنشأه وهو كاره. مقداره أربعون كراسة في جزء واحد. ذكره ياقوت وصاحب ~~الكشف. وله كتاب يتعلق بهذا ورد اسمه في نسخة ياقوت «بحر الزجر» وقد مضى ~~ذكره. ~~(38) # السادن: أنشأه في تفسير غريب كتابه الفصول والغايات، وما فيه من اللغز. ~~مقداره عشرون كراسة. ذكره ياقوت وصاحب الكشف. ~~(39) # السجعات العشر: موضوع على كل حرف من حروف المعجم عشر سجعات في المواعظ. ذكره ~~ياقوت وصاحب الكشف. ~~(40) # سجع الحمائم: تكلم فيه على لسان حمائم أربع، وكان بعض الرؤساء سأله ms048 أن يصنف ~~له تصنيفا يذكره فيه، فأنشأ هذا الكتاب، وجعل ما يقوله على لسان الحمامة في ~~العظة والحث على الزهد. مقداره ثلاثون كراسة، في أربعة أجزاء. ذكر في ياقوت ~~والكشف. ~~(41) # السجع السلطاني: يشتمل على مخاطبات الملوك والوزراء وغيرهم من الولاة. سأله ~~فيه بعض من خدم السلطان، وارتفعت طبقته، ولم يكن له قدم في الكتابة، فطلب أن ~~ينشأ له كتاب مسجوع من أوله إلى آخره، ولا يشعر بما يريد لقلة خبرته بالأدب. ~~فألف له هذا الكتاب. قال ياقوت: في أربعة أجزاء، وقال صاحب الكشف: إنه ثمانون ~~كراسة. ~~(42) # سجع الفقيه: جزء في ثلاثين كراسة. ذكره ياقوت وصاحب الكشف. ~~(43) # سجع المضطرين: كتاب لطيف، عمله لرجل تاجر مسافر، يستعين به على أمور دنياه، ~~ذكره ياقوت وصاحب الكشف. ~~(44) # سقط الزند: وهو ديوان يشتمل على أكثر من ثلاثة آلاف بيت، ضمنه شعره في صباه. ~~وسماه بذلك لأن السقط أول نار تخرج من الزند، فشبه شعره الأول به. قال ~~التبريزي: لما حضرت أبا العلاء، قرأت عليه كثيرا من كتب اللغة، وشيئا من ~~تصانيفه، فرأيته يكره أن يقرأ عليه شعره في صباه، الملقب بسقط الزند، وكان ~~يغير الكلمة بعد الكلمة منه إذا قرئت عليه، ويقول معتذرا عن تأبيه، ~~وامتناعه من سماع هذا الديوان: مدحت نفسي فيه، فلا أشتهي أن أسمعه. وكان يحثني ~~على الاشتغال بغيره من كتبه. انتهى. ولهذا الديوان شروح، أولها شرح لأبي العلاء ~~نفسه سماه «ضوء السقط» وهو غير واف، نقله عنه التبريزي، وأوضح مشكلاته، ~~وذكر اللغة الغريبة، واقتصر في تفسير المعاني على ما لا بد منه. ثم تناوله ~~أبو يعقوب يوسف بن ظاهر النحوي، فأصلحه وزاد فيه، وسماه: «التنوير»، وطبع بمصر ~~غفلا من اسم مؤلفه. ومن شرح هذا الديوان شرح الفخر الرازي، و«ضرام السقط» ~~لمجد الدين أبي الفضل قاسم بن حسين بن محمد الخوارزمي المشهور بصدر الأفاضل ~~النحوي، وقفت على نسخة منه في خزانة آل رفاعة بالقاهرة. و«الزوائد» لأبي رشاد ~~الإخسيكتي، و«العمدة» لابن البارزي، وشرح ابن السيد البطليوسي وهو عزيز ~~الوجود، وقعت ms049 لي منه أوراق من نسخة قديمة، فإذا به شرح على ديوان ممزوج من سقط ~~الزند واللزوميات. وقد انتقد أبو بكر بن العربي على مواضع منه، فرد عليه ابن ~~السيد في رسالة لطيفة، وقفت عليها وهي عندي، وللشيخ تاج الدين بن عبد الرحمن ~~شرح على قصيدة لامية من هذا الديوان مطلعها: # ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل # سماه: «مراقي العلا، في شرح لامية أبي العلا». وهو عندي في مجموع. ~~(45) # سيف الخطيب: هكذا في الكشف، وفي ياقوت «سيف الخطبة». وهو جزءان، يشتمل على ~~خطب السنة، فيه خطب للجمع والعيدين والخسوف والكسوف والاستسقاء وعقد النكاح، ~~وهي مؤلفة على حروف من حروف المعجم، فيها خطب عمادها الهمزة، وخطب بنيت على ~~الباء، وخطب على الدال، وعلى الراء، وعلى اللام، وعلى الميم، وعلى النون، وتركت ~~الجيم والخاء وما يجري مجراهما؛ لأن الكلام المقول في الجماعات ينبغي أن يكون ~~سجسجا # 2 # سهلا. مقداره أربعون كراسة، وكان سأله فيه رجل من المتظاهرين ~~بالديانة. ~~(46) # شرح الرسالة الإغريضية: لم يذكره ياقوت، وذكره صاحب الكشف. مقداره عشرون ~~كراسة. وللشيخ إبراهيم الفصيح بن صبغة الله الحيدري، من علماء أواخر القرن ~~الثالث عشر، شرح على الرسالة الإغريضية، سماه: النوادر الحكمية والأدبية، ألفه ~~برسم مصطفى باشا بن إبراهيم بن محمد علي والي مصر، وتوجد منه نسخة مخطوطة بدار ~~الكتب الخديوية بالقاهرة. ~~(47) # شرح كتاب سيبويه: في النحو، في خمسين كراسة، ولم يتمه. كما في ياقوت والكشف ~~وبغية الوعاة. ~~(48) # شرف السيف. قال ياقوت: عمله لنشتكين الدرزي الذي كان مقيما بدمشق، والسبب ~~فيه أنه كان يوجه إلى أبي العلاء بالسلام، ويخفي المسألة عنه، فأراد جزاءه على ~~ما فعل. وهو في جزءين. وفي كشف الظنون: «شرف السلف عشرون كراسة عمله لأمير ~~الجيوش». ~~(49) # الصاهل والشاحج: يتكلم فيه على لسان فرس وبغل. مقداره أربعون كراسة، صنفه ~~لأبي شجاع فاتك الملقب بعزيز الدولة والي حلب من قبل المصريين، وكان روميا. ~~ذكره ياقوت، وصاحب الكشف في الرسائل. وفي خطط المقريزي ج2 ص154 رواية رواها أبو ~~العلاء في الصاهل والشاحج، للبيتين: زر وادي ms050 القصر ... إلخ. # والشاحج: البغل؛ وشحيجه، وشحاجه: صوته. ~~(50) # ضوء السقط : فسر فيه غريب ديوانه سقط الزند، مقداره عشرون كراسة. ذكره ~~ياقوت وصاحب الكشف وابن خلكان. وقد فصل بعضهم الدرعيات من سقط الزند، ~~وطبعها على حدة في بيروت، وسماها: ضوء السقط، وهو خطأ ينبغي أن يتنبه ~~له. ~~(51) # الطل الطاهري: أنشأه لرجل يعرف بأبي طاهر. ذكره ياقوت، ولم يذكر في ~~الكشف. ~~(52) # ظهير العضدي: يتصل بالكتاب المعروف بالعضدي في النحو. ذكره ياقوت وصاحب الكشف ~~والسيوطي. ~~(53) # عبث الوليد: يؤخذ من عبارة ابن خلكان أنه اختصر فيه شعر البحتري وشرحه، واسم ~~الكتاب لا يدل على ما قال. وقال غيره: إنه يتضمن أغاليط البحتري. وقال ياقوت: ~~إنه يتصل بشعر البحتري، وكان سبب إنشائه أن بعض الرؤساء أنفذ نسخة ليقابل ~~بها، فأثبت ما جرى من الغلط ليعرض ذلك عليه. وهو جزء واحد في عشرين كراسة. ~~أقول: قد وقعت لي نسخة من هذا الكتاب، فوجدتها كما قال ياقوت، والخطأ الذي ~~يذكره أبو العلاء تارة يكون من النسخة المرسلة إليه، وتارة من الناظم نفسه. ~~ولهذا سماه بعبث الوليد تورية باسمه؛ لأن البحتري اسمه الوليد. والوليد أيضا: ~~الصبي، فكأنه قال: لعب الصبي وخلطه. ورتب فيه الأبيات التي تعرض لها على حروف ~~المعجم باعتبار قوافيها، وله فيه فوائد وآراء؛ كقوله في بيت البحتري في وصف ~~فرس: # أخواله للرستمين # 3 # بفارس # وجدوده للتبعين بموكل # 4 # قال: يروى الرستمين على الجمع وكذلك التبعين، ويروى بالتثنية، ~~والجمع أشبه؛ لأنه قال: أخواله، فجمع، وكذلك قال جدوده. فأن تكون الأخوال ~~والجدود لملوك كثيرة أشبه من أن تكون لملكين. انتهى كلامه. قلت: وقد يقال ~~أيضا في ترجيح ما رجحه أن لا وجه لتخصيص اثنين من تبابعة اليمن بالذكر؛ لأنه ~~لم يسمع عن اثنين مخصوصين منهم امتازا بشهرة تصرف إليهما الأذهان، إذا ذكر ~~التبعان، وما يقال فيهما يقال في الرستمين، فرواية الجمع أرجح وأقرب إلى ~~الصواب. ~~(54) # عظات السور: ذكره ياقوت، ولم يتكلم عليه. ~~(55) # العظة والزهد: لم يذكره ياقوت، وذكره صاحب الكشف في حرف الكاف في الكتب، ~~وقال: مئة وعشرون كراسة. ~~(56) # عون ms051 الجمل، قال ياقوت: يتصل بكتاب الزجاجي، عمله لأبي الفتح محمد بن ~~علي بن أبي هاشم، وهو آخر شيء أملاه. وفي كشف الظنون أنه شرح لشواهد جمل ~~الزجاجي لم يتم، وكذلك في بغية الوعاة للسيوطي. ~~(57) # الفصول: لم يذكره ياقوت، وذكره صاحب الكشف فقال: إنه غير الفصول والغايات، ~~وهو أربع مئة كراسة. ~~(58) # الفصول والغايات: هو الكتاب الذي زعم شانئوه أنه عارض به القرآن الكريم، ~~وسماه الفصول والغايات في معارضة السور والآيات، وسنشبع القول في هذا الزعم ~~عند الكلام على معتقده. وليس في هذا الكتاب إلا عظات ونصائح، والمراد بالغايات ~~القوافي؛ لأن القافية غاية البيت أي منتهاه، وهو موضوع على حروف المعجم ما خلا ~~الألف؛ لأن فواصله مبنية على أن يكون ما قبل الحرف المعتمد فيها ألف، ومن ~~المحال أن يجمع بين ألفين. ولكن تجيء الهمزة وقبلها ألف، مثل العطاء والكساء، ~~وكذلك الشراب والسراب في الباء، ثم على هذا الترتيب، وليست حروفه المبني عليها ~~مستوية الإعراب، بل تجيء مختلفة، وفيها ما يجيء على نسق واحد. وقيل: إنه بدأ ~~فيه قبل رحلته إلى بغداد وأتمه بعد عوده إلى المعرة، ومقداره مئة كراسة. ذكره ~~ياقوت وصاحب الكشف. ويتعلق بهذا الكتاب: إقليد الغايات، والسادن، وقد مر ~~ذكرهما. ~~(59) # فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه. ضمنه بعض فضائله، ذكره ~~ياقوت فقط. ~~(60) # قاضي الحق: يتصل بكتاب الكافي في النحو لأبي جعفر النحاس المتوفى سنة 338. ~~ذكر في ياقوت والكشف. ~~(61) # القائف: ذكره صاحب الكشف في حرف الكاف في الكتب، وسقط من نسخة ياقوت ~~المطبوعة، إلا أن في كلامه على كتابه المسمى بمنار القائف دلالة على أن له ~~كتابا بهذا الاسم. ~~(62) # اللامع العزيزي، في شرح شعر المتنبي. صنفه للأمير عزيز الدولة ابن تاج ~~الأمراء أبي الدوام ثابت بن ثمال، مقداره مئة وعشرون كراسة. ذكره ياقوت وصاحب ~~الكشف وابن خلكان وغيرهم، ومنه نسخة بخزانة لا له لي بالقسطنطينية رقمها ~~«1825». ~~(63) # لزوم ما لا يلزم: هو ديوان كبير مرتب على حروف المعجم، يذكر كل حرف بوجوهه ~~الأربعة: الضمة والفتحة والكسرة والسكون ms052. ومعنى لزوم ما لا يلزم، أنه يلتزم قبل ~~الروي حرفا إذا غير لم يكن مخلا بالنظم. قال في خطبته: إنه ذكر فيه ما ~~هو تمجيد لله الذي شرف عن التمجيد، أو تذكير للناسين، وتنبيه للغافلين، أو ~~تحذير من الدنيا؛ فإن جاوز المشترط، فإن الذي جاوز إليه قول عري من المين. ~~وهو أحد كتبه التي تكلموا فيها، وسنفصل القول فيه عند الكلام على معتقده وشعره. ~~طبع بالهند سنة 1303 وبمصر سنة 1891-1895 ميلادية. وكان الأديب الفاضل الشيخ ~~أحمد الفحماوي النابلسي، نزيل مصر رحمه الله تعالى، مشتهرا بكتابة نسخ من هذا ~~الكتاب، يتحرى فيها الصحة، ويطرزها بالحواشي المفيدة، ثم يبيع النسخة بعشرين ~~دينارا مصريا، فيتنافس في اقتنائها أعيان مصر وسراتها، وعندي منها نسختان. ~~ووقعت لي نسخة مخطوطة من مختصر له، اسمه: مختار لزوم ما لا يلزم، تنقص أوراقا ~~من أولها، ويبتدئ ما فيها من أثناء قافية الباء المضمومة، ولذهاب أولها لم أقف ~~على اسم مؤلفها. ولأبي العلاء شرح عليه سماه: راحة اللزوم، وله أيضا: زجر ~~النابح، وبحر الزجر، والراحلة. وكلها تتعلق باللزوميات، وقد مضى ذكرها. ~~(64) # مبهج الأسرار: لم يذكره ياقوت، وقال صاحب كشف الظنون: لأبي العلاء، ولم يقل ~~المعري، واسم الكتاب يدل على أنه لغيره. ~~(65) # مثقال النظم: في العروض. ذكره ياقوت والسيوطي في بغية الوعاة. ~~(66) # مجد الأنصار، في القوافي. ذكره ياقوت. ~~(67) # المختصر الفتحي: يتصل بكتاب محمد بن سعدان، صنفه لرجل يكنى أبا الفتح محمد ~~بن علي بن أبي هاشم، وكان أبو هذا الرجل تولى إثبات ما ألفه أبو العلاء من جميع ~~كتبه، فألزمه بذلك حقوقا جمة، وأيادي كثيرة. كذا ذكر ياقوت. ~~(68) # معجز أحمد: لم يذكره صاحب الكشف، ويذهب بعضهم إلى أنه هو اللامع العزيزي في ~~شرح شعر المتنبي. ويستفاد من عبارة ابن خلكان أنه غيره، وأن أبا العلاء اختصر ~~ديوان المتنبي، وتكلم على غريبه، وذكر سرقاته وما أخذ عليه في هذا الكتاب. ومن ~~فوائده التي ذكرها فيه، ونقلها عنه أصحاب البديع، استنباطه لنوع من البديع سماه ~~«الطاعة والعصيان» عند كلامه على قول المتنبي: # يرد ms053 يدا عن ثوبها وهو قادر # ويعصي الهوى في طيفها وهو راقد # فزعم أنه أراد أن يقول وهو مستيقظ ليطابق بينه وبين راقد، ولما عصاه الوزن ~~عدل عنه إلى قادر، وفيه معنى مستيقظ وزيادة، فأطاعه التجنيس المقلوب بين قادر ~~وراقد، وعصته المطابقة بين رافد ومستيقظ. ورد عليه زكي الدين بن أبي الإصبع بأن ~~ليس في البيت شيء من ذلك، لإمكان أن يقول: وهو ساهر بدل قادر. انتهى. وجل من ~~أتى بهذا النوع من أصحاب البديعيات، لم تسلم أبياتهم من مثل هذا النقد. ~~(69) # ملقى السبيل: مختصر فيه نظم ونثر، ذكره ياقوت وصاحب الكشف، ووقعت لي نسخة ~~منه، فوجدته في المواعظ مرتبا على حروف المعجم، يذكر في كل حرف فقرات من ~~النثر، ثم يتبعها بأبيات من القافية؛ كقوله في حرف الحاء: إن ابن آدم شحيح، سوف ~~يمرض من القوم صحيح، يعصف بعقله الريح؛ إن ذلك لهو التبريح. # يا أيها الممسك الشحيح # سيمرض السالم الصحيح # ما لك لم تنتفع بعقل # هل عصفت بالعقول ريح # إن شيد القصر في سرور # فبعده يحفر الضريح # ويطرح الهم بالمنايا # من جسمه في الهوى طريح ~~(70) # منار القائف: في تفسير ما جاء من اللغز والغريب في كتابه القائف، مقداره عشر ~~كراريس. ذكره ياقوت. ~~(71) # المواعظ الست: ذكره ياقوت وصاحب الكشف. ومعنى هذا الاسم أن الفصل الأول منه ~~في خطاب رجل، والثاني في خطاب اثنين، والثالث في خطاب جماعة، والرابع في خطاب ~~امرأة، والخامس في خطاب امرأتين، والسادس في نسوة. في خمس عشرة كراسة. ~~(72) # نشر شواهد الجمهرة: لم يذكر في الكشف، وقال ياقوت: إنه في ثلاثة أجزاء، ولم ~~يتم. ~~(73) # نظم السور: ستة كراريس، ذكره صاحب الكشف، وجاء في نسخة ياقوت: تظلم السور، ~~بالمثناة الفوقية، ولعله تحريف. ~~(74) # وقعة الواعظ: وهكذا في نسخة ياقوت، وقال مصححه: لعله برقعة الواعظ، ولم ~~يذكره صاحب كشف الظنون. ~~••• # وله سوى ذلك كتب في العروض والشعر بدأ بها ولم تتم. ورأيت بعض العصريين ينسب إليه ~~كتابا اسمه الفصوص، ويزعم أنه سقط منه في الدجلة، وهو يحمله إلى أحد الأمراء ms054 ببغداد، ~~فقال فيه بعض الشعراء: # قد غاص في النهر كتاب الفصوص # وهكذا كل ثقيل يغوص # فأجابه أبو العلاء بقوله: # عاد إلى معدنه إنما # توجد في قعر البحار الفصوص # والصواب أن هذا الكتاب لأبي العلاء صاعد اللغوي ~~البغدادي، أحد الراحلين إلى الأندلس، وبها ألفه، ووقعت له هذه القصة. وسببها أنه استأذن ~~من المنصور بن أبي عامر في إملاء كتاب بجامع مدينة الزهراء، يفوق أمالي أبي علي القالي ~~التي أملاها بقرطبة في دولة عبد الرحمن وابنه الحكم، واشترط أن لا يورد فيه خبرا أورده ~~القالي. فأذن له في ذلك، فأملى كتاب الفصوص، ولما أكمله تتبعه أدباء الوقت، فلم تمر ~~فيه كلمة صحيحة عندهم، ولا خبر ثبت لديهم. وكان صاعد متهما بالكذب جريئا عليه، فأراد ~~المنصور امتحانه، فعمد إلى كراريس بيض وأمر أن تجلد وتزال جدتها حتى يتوهم فيها ~~القدم، وترجم عليها كتاب النكت تأليف أبي الغوث الصنعاني، فترامى إليه صاعد حين رآه، ~~وجعل يقبله، ويقول: إي والله، قرأته بالبلد الفلاني على الشيخ أبي فلان، فأخذه ~~المنصور من يده خوفا من أن يفتحه، وقال: إن كنت قد قرأته كما تزعم، فعلام يحتوي؟ فقال: ~~وأبيك لقد بعد عهدي به، ولا أحفظ الآن منه شيئا، ولكنه يحتوي على لغة منثورة لا ~~يشوبها شعر ولا خبر، فقال له المنصور: أبعد الله مثلك، فما رأيت أكذب منك. وأمر ~~بإخراجه وإلقاء كتاب الفصوص في النهر، فقال فيه بعض الشعراء، وأجابه صاعد بما ~~تقدم. # قال ابن بسام: وما أظن أحدا يجترئ على مثل هذا، وإنما صاعد اشترط ألا يأتي إلا ~~بالغريب غير المشهور، وأعانهم على نفسه بما كان يتنفق به من الكذب. انتهى. # ومن جراءته على الكذب نادرته في الخنفشار، وذلك أن المنصور سأله يوما عنه، فقال على ~~البديهة: هو حشيشة يعقد بها اللبن ببادية الأعراب، وفي ذلك يقول شاعرهم: # لقد عقدت محبتها بقلبي # كما عقد الحليب الخنفشار # ورواية هذه اللفظة بالخاء المعجمة والفاء هو المشهور في كتب الأدب والتاريخ، وقد رويت ~~بالباء الموحدة في نسختي نفح الطيب المطبوعتين ms055 بمصر، ووردت في التي طبعت بأوروبا بالحاء ~~المهملة والباء الموحدة، ورواية البيت فيها: # لقد عقدت محبتها بقلبي # كما عقد الحليب بحنبشار # إلا أن المصحح ذكر بالحاشية ورودها في بعض النسخ بالخاء المعجمة والباء الموحدة؛ ~~وفي أخرى بالخاء أيضا والفاء، وهو الصواب على ما ترجح عندي، وما عداه محرف عنه. ~~وسببه أن صاحب نفح الطيب تلمساني كما هو معلوم، وقاعدة المغاربة في الكتابة نقط الفاء ~~بنقطة من تحت، فيظهر أن نسخة الأصل كتبت بخط مغربي، وطمس الكاتب رأس الفاء، فظهرت بصورة ~~الباء لمكان النقطة التحتية، وتصحيف الخاء المعجمة بالحاء المهملة قريب. وإنما رجحت هذا ~~الوجه؛ لاشتهاره في سائر الكتب كما ذكرت آنفا. ويجوز أن يكون الصواب في أحد الوجهين ~~الآخرين، إلا أن مثل هذا لا يثبت إلا بنص، ولم أقف على نص فيه. والخطب أسهل من أن ~~نطيل فيه الكلام؛ لأن الظاهر من مفاد القصة أن الكلمة مخترعة. والله أعلم. # | هوامش # | فصل في ثروته وزهده # قد علمت مما تقدم أن أبا العلاء كان من بيت ثراء وغنى، والمتبادر في مثله أن يكون ~~مثريا كأهله، ولكنك لو تتبعت بقية أخباره، وأنعمت النظر في أقواله عن نفسه، سواء ~~كانت نثرا أو شعرا، ظهر لك أنه كان على العكس من ذلك. وحسبك تصريحه في إحدى رسائله ~~إلى داعي الدعاة، بأن الذي له في السنة نيف وعشرون دينارا يشاركه خادمه في معظمها. ~~وسيمر بك في هذا الفصل شيء من أشعاره المنبئة عن إملاقه وحاجته. والحقيقة المزيلة ~~للبس أنه كان على شيء من الثروة نكب فيه قبل قفوله من بغداد، فعاش بعد ذلك في كفاف، ~~بدليل قوله: # أثراني عنكم أمران: والدة # لم ألقها وثراء عاد مسفوتا # 1 # أحياهما الله عصر البين ثم قضى # قبل الإياب إلى الذخرين أن موتا # يعني: أحيا الله والدتي ومالي وأنا بعيد عنهما، فلما أزمعت الإياب ~~قضى على الوالدة بالموت، وعلى المال بالضياع. # على أنه كان على فقره قنوعا عيوفا كبير النفس، يضرب في علو الهمة بسهم وافر، لم ~~يسمع أنه استماح أحدا ms056، أو مدح طمعا في نوال، ومن قوله في خطبة سقط الزند: «ولم أطرق ~~مسامع الرؤساء بالنشيد، ولا مدحت طلبا للثواب، وإنما كان ذلك على معنى الرياضة، ~~وامتحان السوس، # 2 # فالحمد لله الذي ستر بغفة # 3 # من قوام العيش، ورزق شعبة من القناعة أوفت على جزيل الوفر. ومن غرر ~~أقواله في ذلك: # وإني تيممت العراق لغير ما # تيممه غيلان عند بلال # فأصبحت محسودا بفضلي وحده # على بعد أنصاري وقلة مالي # غيلان هو ذو الرمة، كان قصد بلال بن أبي بردة بن أبي موسى ~~الأشعري مستميحا، وفيه يقول: # سمعت: الناس ينتجعون غيثا # فقلت لصيدح: انتجعي بلالا # وصيدح اسم ناقته، والرواية في الناس بالرفع على الحكاية؛ لأنه سمع ~~من يقول: الناس ينتجعون غيثا، فحكى ما سمع. جزم بذلك المبرد، وعد الحريري النصب من ~~الأوهام، وذهب غيرهما إلى أنه يجوز. # وقال أبو العلاء يصف حاله ببغداد: # تمنيت أن الخمر حلت لنشوة # تجهلني كيف اطمأنت بي الحال # فأذهل أني بالعراق على شفى # رزي الأماني لا أنيس ولا مال # مقل من الأهلين يسر وأسرة # كفى حزنا بين مشت وإقلال # وكم ماجد في سيف دجلة لم أشم # له بارقا والمرء كالمزن هطال # 4 # من الغر تراك الهواجر معرض # عن الجهل قذاف الجواهر مفضال # سيطلبني رزقي الذي لو طلبته # لما زاد، والدنيا حظوظ وإقبال # وقال أيضا: # رحلت لم آت قرواشا أزاوله # ولا المهذب أبغي النيل تقويتا # والموت أحسن بالنفس التي ألفت # عز القناعة عن أن تسأل القوتا # قرواش كان واليا ببغداد، والمهذب وزيره. وروي أن المستنصر الفاطمي ~~خليفة مصر بذل له ما في بيت مال المعرة من الحلال، فلم يقبل منه شيئا، وقال: # لا أطلب الأرزاق والمو # لى يفيض علي رزقي # إن أعط بعض القوت أع # لم أن ذلك فوق حقي # ويعجبني قوله في لزوم ما لا يلزم: # وكأنما الدنيا كعاب أينا # رجى لها صلة فذاك يسار # وإذا الفتى لحظ الزمان بعينه # هان الشقاء عليه والإعسار # وقوله: # نوائب ألقت في النفوس جرائحا # عصى كل آس في البرية سبرها # لي القوت فليغمر ms057 سرنديب حظها # من الدر أو يكثر بغانة تبرها # سرنديب : جزيرة قرب الهند، فيها مغواص ~~للؤلؤ، وتسمى اليوم سيلان. وغانة: مدينة كبيرة في جنوبي بلاد المغرب، هي مدخل بلاد ~~التبر كما في ياقوت، وتطلق اليوم على أرض واسعة في غربي قارة إفريقية، تقاسمها ~~الإفرنج بينهم، واسمها في لغتهم ~~(Guinée) # جينا ~~بالإمالة، أو: غينا، والأصل فيه غانة؛ كما قدمنا، والرجوع إليه أولى. ويطلق الإفرنج ~~هذا الاسم أيضا على أول دينار إنجليزي ضرب من الذهب المستخرج من هذه الجهة، وأبطل ~~الإنجليز التعامل به من سنة 1817 ميلادية، واستعاضوا عنه بدينارهم المسمى ~~(Souverain) # سوڨران، ومن هذا تعرف سبب تسمية ~~المصريين كل دينار بالجنيه، وكان الصواب أن يسموه بالغاني، إن أرادوا النسبة إلى تلك ~~الجهة، وإلا فالرجوع إلى الدينار أولى. # وكان شأن أبي العلاء في الزهد والتقشف والإعراض عن الدنيا شأنا عجبا، ولا يذهبن بك ~~الظن فتتوهم أن للفقر مدخلا في زهده، فإن من تبذل له الخزائن، وتعرض عليه الصلات، ~~لا تستعصي عليه غاية من الغايات، ولكنه نظر إلى هذا المتاع الزائل نظر من لم يلهه ~~زخرفه عن استطلاع حقيقته، فصد عنه وزهد فيه جملة، وأخذ نفسه بالرياضة والخشونة، ~~والإعراض عن العرض الفاني؛ فكان لباسه القطن، وفراشه اللبد، وحصيره برديه، ~~وطعامه الفول والعدس، وحلاوته التين، وفيه يقول: # يقعنعني بلسن يمارس لي # فإن أتتني حلاوة فبلس # 5 # فلس ما اخترت إن أروح من # يسار قارون عفة وفلس # 6 # وسنورد مختار شعره في الزهد، متى وصلنا إلى الكلام على منظومه، كما أننا سنشبع القول ~~في سبب تجافيه عن أكل الحيوان، عند الكلام على معتقده. # وكان رحمه الله، على عوزه ورقة حاله، بذولا لما عنده، غير مانع معروفا عن مستحق، ~~يتكلف في ذلك ما استطاع. بلغه مرة أن شاعرا يلقب بصريع البين ساءت به الحال، فأنفذ ~~إليه قدرا من الدراهم، وأتبعها لقصيدة يقول فيها: # قد استحييت منك فلا تكلني # إلى شيء سوى عذر جميل # وقد أنفذت ما حقي عليه # قبيح الهجو أو شتم الرسول # وذاك، على انفرادك، قوت يوم # إذا أنفقت إنفاق البخيل ms058 # فكيف وأنت علوي السجايا # فليس إلى اقتصادك من سبيل # إلى أن يقول: # فإن يك ما بعثت به قليلا # فلي حال أقل من القليل # وحدث للقاضي أبي محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر الفقيه المالكي المشهور ضيق ~~وشدة، وهو ببغداد، فلم ير بدا من الرحيل عنها، وخرج لتشييعه يوم فصل جمع من ~~أكابرها، وطوائف كثيرة، من أهلها، وما فيهم إلا متوجع لفراقه، أو آسف على فوات ~~الاستفادة من علمه، فقال لهم عند الوداع: لو وجدت بين ظهرانيكم رغيفين كل غداة ~~وعشية ما عدلت عن بلدكم. فلم تحرك مقالته واحدا منهم، يتكفل له بما طلب؛ فسار عنهم ~~قاصدا مصر، واجتاز بمعرة النعمان، وبها يومئذ أبو العلاء، فأضافه واحتفى به، وفيه ~~يقول: # والمالكي ابن نصر زار في سفر # بلادنا فحمدنا النأي والسفرا # إذا تفقه أحيا مالكا جدلا # وينشر الملك الضليل إن شعرا # 7 # ثم حباه عند رحيله بثلاثين درهما، وخاطبه معتذرا بقوله: # أيبسط عذري منعم أم يخصني # بما هو حظي من أليم عتاب # قبول الهدايا سنة مستحبة # إذا هي لم تسلك طريق تحاب # فيا ليتني أهديت خمسين حجة # مضت لي فيها صحتي وشبابي # وقلت له فاترك ثلاثين أسودا # متى ما تكشف تلف غير لباب # إذا أسكت المحتج كل مناظر # فعند ابن نصر نجدة بجواب # وما أنا إلا قطرة من سحابة # ولو أنني صنفت ألف كتاب # وبين يديه كفر طاب وإنسها # يعيش لفقد الماء عيش ضباب # لعل الذي أنفذت يكفيه ليلة # لإسباغ طهر حان أو لشراب # يقول: لعل هذه الدراهم القليلة، وإن كانت سوداء غير خالصة الفضة، تكفي الشيخ لأن ~~يشتري بها قليلا من الماء لطهره أو لشرابه؛ فإنه معرج على كفر طاب، وهي قليلة الماء، ~~وأهلها يعيشون بها عيش الضباب. وإنما خص الضباب بالذكر؛ لأنها تصبر على العطش. وبعض ~~المحققين من أهل عصرنا يرى أن كفر طاب هي البلدة المسماة الآن بإدلب، وهي قصبة قضاء ~~باسمها، من لواء حلب. ولم تزل قليلة الماء. وفيها يقول أبو العلاء في لزومياته: # أرى كفر طاب أعجز ms059 الماء حفرها # وبالس أغناها الفرات عن الحفر # 8 # كذلك مجرى الرزق ، واد بلا ندى # وواد به فيض وآخر ذو جفر # ولما وصل القاضي عبد الوهاب المذكور إلى مصر، أقبلت عليه الدنيا، وانهالت عليه صلات ~~الأمراء، ولكنه لم يتمتع بشيء منها، بل مات عقب وصوله من أكلة اشتهاها، وسمعوه يقول وهو ~~يتقلب ويتململ: لا إله إلا الله، إذا عشنا متنا. وهو القائل في بغداد: # بغداد دار لأهل المال طيبة # وللمفاليس دار الضنك والضيق # ظللت حيران أمشي في أزقتها # كأنني مصحف في بيت زنديق # | هوامش # | فصل في بقية أخباره # لما دخل أبو العلاء بغداد أقبل عليه علماؤها وأدباؤها، معجبين بفطنته، وسعة علمه. ~~واختص بصحبته جماعة منهم؛ كأبي القاسم علي بن المحسن القاضي التنوخي، وكخازن دار ~~العلم؛ والشريفين الرضى والمرتضى ابني أبي أحمد الموسوي، وغيرهم. وكان المرتضى شديد ~~الاختصاص به، وله معه مباحثات ومداعبات. # روي أنه حضر مجلسه يوما، وجرى ذكر المتنبي، فتنقصه المرتضى، وجعل يتتبع عيوبه؛ ~~لبغضه له، وتعصبه عليه. وكان أبو العلاء على عكسه يتعصب للمتنبي، ويزعم أنه أشعر ~~المحدثين، ويفضله على بشار ومن دونه؛ كأبي نواس وأبي تمام. فقال: لو لم يكن للمتنبي ~~إلا قوله: «لك يا منازل في القلوب منازل» لكفاه فضلا. فغضب المرتضى، وأمر به فأخرج من ~~مجلسه، ثم التفت إلى من بحضرته، وقال لهم: أتدرون أي شيء أراد الأعمى بذكر هذه ~~القصيدة، مع أن لأبي الطيب ما هو أجود منها؟ فقالوا: النقيب السيد أعرف، فقال: أراد ~~قوله في هذه القصيدة: # وإذا أتتك مذمتي من ناقص # فهي الشهادة لي بأني كامل # قلت: ومن التلميح المستعذب بهذا البيت، ما وقع للفتح بن خاقان مع ابن الصائغ، وقد ~~ذكره بسوء في كتابه قلائد العقيان، فمر عليه ابن الصائغ يوما وهو في جماعة، فضرب بيده ~~على كتفه، وقال: إنها شهادة يا فتح. ثم مضى في سبيله، فتغير لون الفتح، وقال: والله ما ~~بلغت بوصفي له في كتابي عشر ما بلغ مني بهذه الكلمة! # ويشبه قصة المعري مع المرتضى ما وقع للخالدين مع ms060 سيف الدولة، لما عاتباه في تفضيله ~~المتنبي، وقالا: ليختر الأمير ما شاء من قصائده، حتى تنظم ما هو أجود منها، فاقترح ~~عليهما أن يعارضا قوله: # لعينيك ما يلقي الفؤاد وما لقي # وللحب ما لم يبق مني وما بقي # فلما كررا النظر فيها لم يجداها من غرر قصائده، ثم فطنا إلى أن سيف الدولة أراد بهما ~~قوله فيها: # إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق # أراه غباري ثم قال له الحق # فأحجما عن المعارضة ولم يعاوداه. وفي رواية أن هذه القصة وقعت للسري الرفاء ~~لا الخالديين. وحكى بعضهم، قال: خرجت على سبيل الفرجة، فقعدت على الجسر ببغداد، فأقبلت ~~امرأة من جانب الرصافة تريد الجانب الغربي، فاستقبلها شاب فقال لها: رحم الله علي بن ~~الجهم، فقالت في الحال: ورحم الله أبا العلاء المعري. ولم يقفا، ومرا مشرقا ~~ومغربة، فتتبعت المرأة وقلت لها: أخبريني عافاك الله عما قال لك، وعما أجبت به. ~~فقالت: نعم، رحم الله علي بن الجهم، أراد قوله: # عيون المها بين الرصافة والجسر # جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري # وأردت بترحمي على أبي العلاء قوله: # فيا دارها بالحزن إن مزارها # قريب ولكن دون ذلك أهوال # وروي أن أحد الشرفاء سقط منه خاتم في الحرم، فقال له أحد بني عمه: # لم لم تقف على طلب هذا الخاتم الثمين؟ فقال له: ألست من أبناء أمير المؤمنين؟ ~~أراد الأول قول المتنبي: # بليت بلى الأطلال إن لم أقف بها # وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه # وأراد الثاني قوله من قصيدة أخرى: # كذا الفاطميون الندى في أكفهم # أعز امحاء من خطوط الرواجب # 1 # يريد: أن الندى ملازم لأكفهم، كما أن خطوط الرواجب ملازمة ~~لها. # وفي البيت الأول نادرة لأبي العلاء، وذلك أنه بلغ من ولوعه بالمتنبي أنه كان إذا ذكر ~~الشعراء يقول: قال أبو نواس كذا، قال البحتري، قال أبو تمام، فإذا أراد المتنبي قال: ~~قال الشاعر. فقيل له يوما: لقد أسرفت في وصفه، فقال: أليس هو القائل: # بليت بلى الأطلال إن لم أقف بها # وقوف ms061 شحيح ضاع في الترب خاتمه # كم يقف الشحيح على خاتمه ؟ يقف عليه أربعين يوما. فقيل له: ومن أين علمت ذلك؟ قال: ~~سليمان بن داود عليهما السلام وقف على طلب الخاتم أربعين يوما، فقيل له: ومن أين علمت ~~أنه بخيل؟ قال: من قوله تعالى: # وهب لي ملكا لا ينبغي ~~لأحد من بعدي ~~، وما كان عليه أن يهب الله لعباده أضعاف ~~ملكه! # ولما بلغ أبا العلاء وفاة أبي أحمد الطاهر أبي الشريفين الرضى والمرتضى سنة 403، رثاه ~~وهو بالمعرة بقصيدة فائية طويلة، أجاد فيها كل الإجادة، وأنفذها إليهما، مطلعها: # أودى فليت الحادثات كفاف # مال المسيف وعنبر المستاف # ومن غريب قوله فيها يخاطب الغراب: # لا خاب سعيك من خفاف أسحم # كسحيم الأسدي أو كخفاف # من شاعر للبين قال قصيدة # يرثي الشريف على روي القاف # بنيت على الإيطاء سالمة من الإقواء # والإكفاء والإصراف # الخفاف: الخفيف، وسحيم: عبد بني الحسحاس، كان أسود. وأراد ~~بخفاف: خفاف بن ندبة # 2 # أحد غربان العرب وشعرائها، يعني كأن هذا الغراب شاعر أسود كهذين الشاعرين، ~~ينعى لنا الشريف بنعيبه، ويرثيه بقصيدة قافية؛ لأنه يقول في نعيبه: غاق غاق. وهذه ~~القصيدة بنيت على الإيطاء؛ لأنه يردد هذه الكلمة في قوافيها، إلا أنها سالمة من ~~الإقواء، وهو الاختلاف بين القوافي بالرفع والجر؛ ومن الإكفاء، وهو المخالفة بينها ~~بالحروف؛ ومن الإصراف، وهو الإقواء بالنصب. # وممن صحب أبا العلاء وأخذ عنه وهو ببغداد القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي ~~المتقدم ذكره، وكانت بينهما رابطة اتحاد. وحمل إليه مرة جزءا من أشعار تنوخ في ~~الجاهلية، مما كان جمعه والده أبو علي المحسن، فلما تعجل أبو العلاء الرحيل عن بغداد ~~تركه عند أبي أحمد عبد السلام، وسأله رده إلى أبي القاسم، وسار عن بغداد، فخشي أن ~~يكون أغفله، فكتب يخاطب أبا القاسم بقصيدة ضمنها أغراضا، يقول فيها: # أهدي السلام إلى عبد السلام فما # يزال قلبي إليه الدهر ملفوتا # سألته قبل يوم السير مبعثه # إليك ديوان تيم اللات ماليتا # 3 # هذا لتعلم أني ما نهضت إلى # قضاء حج فأغفلت ms062 المواقيتا # وروى ابن خلكان وابن الوردي في تاريخهما، نقلا عن كتاب للحافظ أبي طاهر السلفي، ~~وضعه في أخبار أبي العلاء، قال فيه مسندا عن القاضي أبي الطيب الطبري: كتبت إلى أبي ~~العلاء المعري حين وافى بغداد، وقد كان نزل في سويقة غالب: # وما ذات در لا يحل لحالب # تناوله واللحم منها محلل # لمن شاء في الحالين حيا وميتا # ومن رام شرب الدر فهو مضلل # إذا طعنت في السن فاللحم طيب # وآكله عند الجميع معقل # وخرفانها للأكل فيها كزازة # 4 # فما لحصيف الرأي فيهن مأكل # وما يجتني معناه إلا مبرز # عليم بأسرار القلوب محصل # فأجابني، وأملى على الرسول في الحال: # جوابان عن هذا السؤال كلاهما # صواب وبعض القائلين مضلل # فمن ظن كرما فليس بكاذب # ومن ظنه نخلا فليس يجهل # لحومهما الأعناب والرطب الذي # هو الحل والدر الرحيق المسلسل # ولكن ثمار النخل وهي غضيضة # 5 # تمر # 6 # وغض الكرم يجنى ويؤكل # يكلفني القاضي الجليل مسائلا # هي النجم قدرا بل أعز وأطول # ولو لم أجب عنها لكنت بجهلها # جديرا ولكن من يودك مقبل # قال القاضي أبو الطيب: فأجبته عنه، وقلت: # أثار ضميري من يعز نظيره # من الناس طرا سابغ # 7 # الفضل مكمل # ومن قلبه كتب العلوم بأسرها # وخاطره في حدة النار مشعل # تساوى له سر المعاني وجهرها # ومعضلها باد لديه مفصل # ولما أثار الحب قاد # 8 # منيعه # أسيرا بأنواع البيان يكبل # وقربه من كل فهم بكشفه # وإيضاحه حتى رآه المغفل # وأعجب منه نظمه الدر مسرعا # ومرتجلا من غير ما يتمهل # فيخرج من بحر ويسمو مكانه # جلالا إلى حيث الكواكب تنزل # فهنأه الله الكريم بفضله # محاسنه والعمر فيها مطول # فأملى أبو العلاء على الرسول مرتجلا: # ألا أيها القاضي الذي بدهائه # سيوف على أهل الخلاف تسلل # فؤادك معمور من العلم آهل # وجدك في كل المسائل مقبل # فإن كنت بين الناس غير ممول # فأنت من الفهم المصون ممول # إذا أنت خاطبت الخصوم مجادلا # فأنت وهم مثل الحمائم، أجدل # كأنك من في الشافعي مخاطب # ومن قلبه تملي فما تتمهل # وكيف يرى علم ms063 ابن إدريس دارسا # وأنت بإيضاح الهدى متكفل # تفضلت حتى ضاق ذرعي بشكر ما # فعلت وكفي عن جوابك أجمل # لأنك في كنه الثريا فصاحة # وأعلى ومن يبغي مكانك أسفل # فعذري في أني أجبتك واثقا # بفضلك فالإنسان يسهو ويذهل # وأخطأت في إنفاذ رقعتك التي # هي المجد لي منها أخير وأول # ولكن عداني أن أروم احتفاظها # رسولك وهو الفاضل المتفضل # ومن حقها أن يصبح المسك عاطرا # بها # 9 # وهي في أعلى المواضع تجعل # فمن كان في أشعاره متمثلا # فأنت امرؤ في العلم والشعر أمثل # تجملت الدنيا بأنك فوقها # ومثلك حقا من به تتجمل # والقاضي أبو الطيب المذكور كان أديبا ورعا، عارفا بأصول الفقه وفروعه، صنف في ~~الأصول ومذهب الشافعي والخلاف والجدل - كتبا كثيرة. وكان يقول الشعر على طريقة ~~الفقهاء، وولي القضاء بربع الكرخ ببغداد، ولم يزل عليه إلى أن مات سنة خمسين وأربع مئة، ~~بعد ما عاش مئة سنة وسنتين، لم يختل عقله، ولا تغير فهمه، يفتي ويستدرك على الفقهاء ~~الخطأ، ويقضي، ويحضر المواكب في دار الخلافة. رحمه الله تعالى. # ومن أخبار أبي العلاء قصته مع أسد الدولة صالح بن مرداس صاحب حلب، وقبوله شفاعته في ~~أهل معرة النعمان بعد أن كاد يبطش بهم سنة 417. والسبب في ذلك أن امرأة صاحت يوم الجمعة ~~بجامع المعرة، وذكرت أن صاحب الماخور أراد اغتصابها، فنفر كل من في الجامع وهدموا ~~الماخور، وأخذوا خشبه ونهبوه، وكان الأمير أسد الدولة في نواحي صيدا، فوصل المعرة، ~~وخيم بظاهرها، واعتقل من أعيانها سبعين رجلا برأي وزيره تادرس بن الحسن الأستاذ، ~~وأوهمه أن في ذلك إقامة للهيبة. فشق على المسلمين هذا الأمر، حتى دعوا لهؤلاء المعتقلين ~~على منابر آمد وميارقين. وقطع تادرس عليهم ألف دينار، ففزع أهل المعرة إلى أبي ~~العلاء، وسألوه تلافي الأمر بالخروج إلى الأمير، والتوسط لهم عنده. فخرج من أحد أبواب ~~المدينة، ويده في يد قائده، وأبصره صالح. فرأى شيخا قصيرا يقوده رجل، فقال: هذا أبو ~~العلاء، جيئوني به. فلما مثل بين يديه سلم عليه ثم قال: «الأمير أطال ms064 الله بقاءه ~~كالنهار الماتع، قاظ وسطه وطاب إبراده، أو كالسيف القاطع، لان متنه وخشن حداه: # خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن ~~الجاهلين ~~. فقال صالح: «لا تثريب عليكم اليوم، قد وهبت لك المعرة ~~وأهلها»، وأمر بتقويض الخيام ورحل. فرجع أبو العلاء وهو يقول: # نجى المعرة من براثن صالح # رب يعافي كل داء معضل # ما كان لي فيها جناح بعوضة # الله ألحفهم جناح تفضل # ورواية اللزوميات في البيت الأول: # نجى المعاشر من براثن صالح # رب يفرج كل أمر معضل # وفيها أيضا: ألبسهم، بدل: ألحفهم. ولم يعلم أبو العلاء أن المال قد قطع عليهم، وإلا ~~كان قد سأل فيه أيضا. وفي هذه القصة يقول وضمنها لزومياته: # تغيبت في منزل برهة # ستير العيوب فقيد الحسد # فلما مضى العمر إلا الأقل # وحم لروحي فراق الجسد # بعثت شفيعا إلى صالح # وذاك من القوم رأي فسد # فيسمع مني سجع الحمام # وأسمع منه زئير الأسد # فلا يعجبني هذا النفاق # فكم نفقت محنة ما كسد # وصالح هذا هو أسد الدولة أبو علي صالح بن مرداس الكلابي أول ملوك بني مرداس بحلب، ~~كان من عرب البادية، وكانت له عشيرة وشوكة، فقصد مدينة حلب وانتزعها من مرتضى الدولة بن ~~لؤلؤ، نائب الظاهر بن الحاكم الفاطمي خليفة مصر، وتملكها سنة 417. ثم جهز الظاهر الجيوش ~~ووجهها إليه، وجرت مقتلة انجلت عن قتل صالح سنة 420، وقيل سنة 419. # وهو الذي عناه أبو العلاء بقوله في لزومياته: # أرى حلبا حازها صالح # وجال سنان على جلقا # وحسان في سلفي طيئ # يصرف من عزه أبلقا # وذكر السيوطي في بغية الوعاة في ترجمة نصر بن صدقة القابسي النحوي، أنه كان ممن يعاني ~~الأدب، فقدم مصر وأخذ عن علمائها، ثم توجه إلى المعرة فلازم أبا العلاء، وأخذ عنه ~~ديوانه سقط الزند، وكتب منه نسخة جيدة، ورجع إلى مصر، فقدمها للحاكم وقرأها عليه، ~~فأعجبه نظمه، وأرسل إلى عزيز الدولة الوالي بحلب، أن يحمله إلى مصر، فاعتذر فكف عنه. ~~هذا ما ذكره السيوطي. وفي مقدمة رسالة للمعري تسمى بالفلاحية: أن القابسي المذكور ms065 ~~لما رجع إلى مصر بنسخته سقط الزند، أهداها للوزير أبي نصر صدقة بن يوسف الفلاحي، فأعجب ~~بها، واستدعى كاتب الديوان، وأمره أن يكتب إلى عزيز الدولة متولي حلب وأعمالها في حمل ~~أبي العلاء إلى مصر، ليبني له دار علم، وسمح بخراج معرة النعمان له في حياته وبعده، ~~فوصلت الأوامر إلى ديوان الشام بكتب السجل، فكتب، وجهز على البريد. فلما وقف عليه ~~عزيز الدولة نهض للوقت، حتى دخل معرة النعمان، وقرأ السجل على أبي العلاء، فقال: أمهلني ~~حتى أكتب جواب السجل إلى مجلس الوزارة، فلعل العفو يسامحني بالمقام في بلدي؛ إذ لا ~~يمكنني الخروج منه. فأمهله الأمير، فأحضر الكاتب للوقت، وأملى عليه هذه الرسالة يعتذر ~~فيها عن عدم الرحيل بعجزه عنه. والوزير الفلاحي المذكور وزر للمستنصر سنة 436 وعزل ~~سنة 439. ولم تسبق له وزارة مدة الحاكم بأمر الله، حتى يمكن الجمع بين الروايتين. وقد ~~تقدم أن المستنصر بذل لأبي العلاء ما ببيت مال المعرة من الحلال، فلم يقبله. فلعل ذلك ~~كان بسعي هذا الوزير، وفيه ما يرجح الرواية الثانية. إلا أن يكون مراد السيوطي مطلق ~~حاكم بمصر، لا الحاكم بأمر الله على الخصوص. وكان هذا الوزير في أول أمره يهوديا، ثم ~~أسلم. وفيه يقول الحسن بن خاقان الشاعر المصري: # حجاب وإعجاب وفرط تصلف # ومد يد نحو العلا بتكلف # فلو كان هذا من وراء كفاية # عذرنا ولكن من وراء تخلف # وكان معه أبو سعد التستري اليهودي يدبر الدولة له، فقال بعض الشعراء: # يهود هذا الزمان قد بلغوا # غاية آمالهم وقد ملكوا # العز فيهم والمال عندهم # ومنهم المستشار والملك # يا أهل مصر إني نصحت لكم # تهودوا قد تهود الفلك # وممن ارتبط مع أبي العلاء برابطة الود، وجمعته به آصرة الأدب؛ الوزير أبو القاسم ~~الحسين بن علي العالم الأديب المشهور بالوزير المغربي، صاحب مختصر إصلاح المنطق، وأدب ~~الخواص، والمأثور في ملح الخدور، وكتاب الإيناس، والديوان الشعر. وهو الذي كتب له أبو ~~العلاء رسالته المسماة بالمنيح، ورسائل أخرى. ولما فرغ من تأليف مختصر إصلاح المنطق ~~لابن ms066 السكيت أنفذ إلى أبي العلاء نسخة منه، فقرظها برسالة طويلة سماها بالإغريضية، أثنى ~~عليه فيها ثناء جما، ووصف المختصر، وبالغ في مدحه. ووقفت في رسائل لأبي العلاء مخطوطة ~~على كتاب أرسله له هذا الوزير، يتشوق إليه وإلى أخيه، ويشتكي من الدهر وصروفه، ويسأل ~~الله أن يجمعه بهما، وضمنه كثيرا من شعره في هذه الأغراض. ولولا خوف الإطالة لأثبته ~~هنا. # وكان الوزير المذكور من الدهاة العارفين، محبا للفتن، مثيرا للقلاقل، قتل الحاكم ~~بأمر الله أباه وعمه وأخويه، فهرب إلى الرملة، ثم انتقل إلى الحجاز، وهو يفسد نيات ~~الولاة على الحاكم حتى أقلقه. ودخل العراق فاتهمه القادر العباسي بالسعي في إفساد ~~الدولة العباسية، فلم يزل منتقلا في البلاد حتى مات بميافارقين سنة 418 على ~~الأصح. ونقل إلى الكوفة بوصية منه، ودفن في تربة مجاورة لمشهد الإمام كرم الله وجهه؛ ~~وأوصى أن يكتب على قبره: # كنت في سفرة الغواية والجه # ل مقيما فحان مني قدوم # تبت من كل مأثم فعسى يم # حى بهذا الحديث ذاك القديم # بعد خمس وأربعين لقد ما # طلت إلا أن الغريم كريم # ورثاه أبو العلاء بأبيات أثبتها في لزومياته، وهي: # ليس يبقى الضرب # 10 # الطويل على الأرض # ولا ذو العبالة # 11 # الدرحايه # يا أبا القاسم الوزير ترحل # ت وخلفتني ثفال # 12 # رحايه # وتركت الكتب الثمينة للنا # س وما رحت عنهم بسحايه # 13 # ليتني كنت قبل أن تشرب المو # ت أصيلا شربته بضحايه # إن نحتك المنون قبلي، فإني # منتحاها وإنها منتحايه # أم دفر تقول بعدك للذا # ئق لا طعم لي فأين فحايه # 14 # إن يخط الذنب اليسير حفيظا # ك فكم من فضيلة محايه # وكان ابن القارح صاحب الرسالة المشهورة للمعري يؤدب الوزير المغربي في صباه، ثم صار ~~يذمه ويعدد معايبه، حتى قال في هجوه: # لقبت بالكامل سترا على # نقصك كالباني على الخص # فصرت كالكنف إذا شيدت # بيض أعلاهن بالجص # يا عرة الدنيا بلا غرة # ويا طويس # 15 # الشؤم والحرص # قتلت أهليك وأنهبت بي # ت الله بالموصل تستعصي # وبلغ أبا العلاء كلامه فيه فامتعض وتألم. فلما كتب ابن ms067 القارح رسالته قال فيها في هذا ~~الخصوص مخاطبا أبا العلاء : «بلغني عن مولاي الشيخ - أدام الله تأييده - أنه قال وقد ~~ذكرت له: أعرفه خبرا، هو الذي هجا أبا القاسم الحسين بن علي المغربي. فذلك منه ~~أدام الله عزه رائع لي، خوفا أن يستشر طبعي، وأن يتصورني بصورة من يضع الكفر موضع ~~الشكر، وهو بتعريف التنكير أنفع لي عنده، لجلالة قدره ودينه ونسكه. وأنا أطلعه ~~طلعه، ليعرف خفضه ورفعه، وفراداه وجمعه». ثم ساق بعد ذلك نوادر عن هذا الوزير ~~في تهوره ومحبته للفتن، ونقضه للعهود. فأجابه أبو العلاء في رسالة الغفران بأن هذا ~~الصديق قد مات، وأولى بمن يغفر الذنب للحي أن يغفره له وهو ميت. # وكان أبو الخطاب محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم الجبلي # 16 # شاعرا، وكان بينه وبين أبي العلاء المعري مشاعرة، وفيه قال أبو العلاء ~~قصيدته: # غير مجد في ملتي واعتقادي # نوح باك ولا ترنم شاد # ومات أبو الخطاب في ذي القعدة سنة 439. كذا ذكر ياقوت في معجم البلدان. # | هوامش # | شعره # | فصل في المكرر في معانيه # تكرير المعاني وقع لكثير من الشعراء، ولم نر أحدا عابهم به، إلا إذا كان المعنى في ~~نفسه ساقطا مرذولا، يؤاخذ الشاعر عليه، فتكون مؤاخذته على تكريره وترديده أولى. ومن ~~الشعراء من يكرر الألفاظ فيعمد إلى بيت أو شطر بيت سبق له، فيعيده في قصيدة أخرى؛ إما ~~بتغيير قافية، أو بجعل الصدر عجزا، أو بالعكس. وهذا النوع يسميه أصحاب البديع ~~بالتفصيل، فإذا كان مأخوذا من شعر الغير سموه: إيداعا، أو تضمينا، على اختلاف بينهم ~~فيه. ولم نقصد هنا التكلم عليه، بل اقتصرنا على ما كرره أبو العلاء من معانيه. # فمنها قوله في تشبيه مسامير حلق الدروع بعيون الجراد: # سليمية من كل قتر يحوطها # قتير نبت عنه الغواني العوانس # تخيل أبصار الدبى فمسهد # ومغف وشيء بين ذينك ناعس # وكرره فقال: # كأن الدبى غرقى بها غير أعين # إذا رد فيها ناظر يستبينها # وكرره فقال: # كأثواب الأراقم مزقتها # فخاطتها بأعينها الجراد # وكرره أيضا فقال: # بدلاص ms068 كأنها # بعض ماء الثماد # حلة الأيم خيطت # بعيون الجراد # وكرره فقال: # أتأكل درعي أن حسبت قتيرها # وقد أجدبت قيس عيون جراد ~~••• # وقوله في تشبيه الدرع بالمبرد: # وما بردة في طيها مثل مبرد # بعاجزة عن ضم شخص وأوصال # كرره فقال: # مضاعة في نشرها نهي مبرد # ولكنها في الطي تحسب مبردا ~~••• # وقوله: # ذكي القلب يخضبها نجيعا # بما جعل الحرير لها جلالا # كرره وبالغ فيه فقال: # غذاهن محمر النجيع قوارحا # كما كن يغذين الضريب مهارا ~~••• # وقوله في تشبيه فرند السيف بآثار دبيب النمل: # ودبت فوقه حمر المنايا # ولكن بعدما مسخت نمالا # كرره فقال: # كأن المنايا جيش ذر عرمرم # تخذن إلى الأرواح فيه مسارا # وكرره أيضا فقال: # ما كنت أحسب جفنا قبل مسكنه # في الجفن يطوى على نار ولا نهر # ولا ظننت صغار النمل يمكنها # مشي على اللج أو سعي على السعر # 1 ~~••• # وقوله في تشبيه طحلب الماء باللثام: # وملتثم بالغلفق الجعد عرست # عليه فلم تكشف خفي لثامه # وكرره فقال: # وكم أوردتها عدا قديما # يلوح عليه من خز خمار ~~••• # وقوله: # فالنفس تبغي الحياة جاهدة # وفي يمين المليك مقودها # فلا اقتحام الشجاع مهلكها # ولا توقي الجبان مخلدها # كرره فقال: # فكن في كل نائبة جريئا # تصب في الرأي إن خطئ الهدان # 2 # وسائل من تنطس في التوقي # لأية علة مات الجبان ~~••• # وقوله: # تمتع أبكار الزمان بأيده # وجئنا بوهن بعد ما خرف الدهر # كرره فقال: # كأنما الخير ماء كان وارده # أهل العصور فما أبقوا سوى العكر # وقوله: # وكل ما يريد العيش والعيش حتفه # ويستعذب اللذات وهي سمام # كرره فقال: # تود البقاء النفس من خيفة الردى # وطول بقاء المرء سم مجرب ~~••• # وقوله: # وافقتهم في اختلاف من زمانكم # والبدر في الوهن مثل البدر في السحر # كرره فقال: # وما البدر إلا واحد غير أنه # يغيب ويأتي بالضياء المجدد # فلا تحسب الأقمار خلقا كثيرة # فجملتها من نير متردد ~~••• # وقوله في رثاء أمه: # مضت وقد اكتهلت فخلت أني # رضيع ما بلغت مدى الفطام # وكرره في رثائها أيضا فقال: # دعا الله أما ليت أني أمامها ms069 # دعيت ولو أن الهواجر آصال # مضت وكأني مرضع وقد ارتقت # بي السن حتى شكل فودي أشكال # | هوامش # | فصل في سرقاته # هذا باب لم أقف عليه مجموعا، فيسهل علي تناوله، واستيفاء الكلام فيه. وإنما أذكر ~~منه ما اتفق لي العثور عليه في كتب الأدب عند كتابة هذه النبذة، أو استخرجه الخاطر ~~الكليل أثناء مطالعة ديوانه. وأبدأ بمآخذه من أبي تمام والبحتري وأبي الطيب المتنبي، ثم ~~أذكر مآخذه من غيرهم من غير ترتيب. # فمن ذلك قول أبي تمام: # والحظ يعطاه غير طالبه # ويحرز الدر غير مجتلبه # تلك بنات المخاض راتعة # والعود في كوره وفي قتبه # أخذه أبو العلاء وأخرجه في بيت واحد فقال: # هو الحظ غير الوحش يستاف أنفه # خزامي وأنف العود بالعود يخزم ~~••• # وقال أبو تمام: # ثم انقضت تلك السنون وأهلها # فكأنها وكأنهم أحلام # أخذه أبو العلاء وزاد عليه، فقال: # فأضحوا حديثا كالمنام وما انقضى # فسيان منه يقظة ومنام ~~••• # وقال أبو عبادة البحتري: # أخجلتني بندى يديك فسودت # ما بيننا تلك اليد البيضاء # وقطعتني بالوصل حتى إنني # متخوف ألا يكون لقاء # أخذهما أبو العلاء وضمن معناهما في صدر بيته، فقال وأجاد: # لو اختصرتم من الإحسان زرتكم # والعذاب يهجر للإفراط في الخصر # وهذا البيت من معجزاته، إلا أنه أورده في غزل القصيدة، وكان مديحها ~~أولى به. ~~••• # وقال البحتري: # نشوان يطرب للسؤال كأنما # غناه مالك طيئ أو معبد # أخذه أبو العلاء وزاد فيه زيادة لا تخفى على الأديب، فقال: # فما ناح قمري ولا هب عاصف # من الريح إلا خاله صوت سائل # فالبحتري جعل ممدوحه يطرب لصوت السائل، طرب المنتشي من المغني ~~المجيد، وأبو العلاء جعله كلما سمع صوتا من تطريب حمام، أو إزعاج أرواح؛ خاله صوت ~~سائل، لمزيد اعتنائه بالسؤال، وولعه بالنوال. ~~••• # وقال أبو الطيب المتنبي في وصف فرس: # وأصرع أي الوحش قفيته به # وأنزل عنه مثله حين أركب # أخذه أبو العلاء فقال: # أصيل الجد سابقه تراه # على الأين المكرر مستريحا ~~••• # وقال أبو الطيب: # يقولون تأثير الكواكب في الورى # فما باله تأثيره في الكواكب ms070 # أخذه أبو العلاء، فقال: # من قال إن النيران عوامل # فبضد ذلك في علاك يقول # يعملن فيما دونهن بزعمه # ولهن دونك مطلع وأفول # قال شارحه أبو يعقوب النحوي: وقول أبي العلاء أرفع؛ لأنه جعل الممدوح فوق النجوم. ~~انتهى. # وأقول أنا: إن أبا العلاء إنما شرح المعنى ووضحه، فبين أن علة عدم تأثير الكواكب في ~~ممدوحه علوه عنها، وهذا مستفاد من قول المتنبي: # فما باله تأثيره في الكواكب # لأن المؤثر في العادة أعلى وأقوى من المؤثر فيه، ففيه معنى بيتي ~~المعري وزيادة. ~~••• # وقال أبو الطيب: # نحن بنو الموتى فما بالنا # نعاف ما لا بد من شربه # أخذه أبو العلاء فقال: # ما رغبة الحي بأبنائه # عما جنى الموت على جده ~~••• # وقال أبو الطيب: # وأنا الذي اجتلب المنية طرفه # فمن المطالب والقتيل القاتل # أخذه أبو العلاء فقال: # وآفة العاشق في طرفه # وآفة الصارم من حده # وكلا البيتين فيه زيادة عن الآخر لا تخفى. ~~••• # وقال أبو الطيب: # تمر بك الأبطال كلمى هزيمة # ووجهك وضاح وثغرك باسم # أخذه أبو العلاء، فقال: # يتهللون طلاقة وكلومهم # ينهل منهن النجيع الأحمر # وبيته أبلغ في المدح؛ لأن غاية المتنبي أن وصف ممدوحه بتهلله عند ~~هزيمة جيشه، احتقارا للأخطار. والمعري جعل ممدوحيه يتهللون وهم مصابون يقطر منهم ~~الدم. ~~••• # وقال أبو الطيب: # يموت راعي الضأن في جهله # ميتة جالينوس في طبه # وربما زاد على عمره # وزاد في الأمن على سربه # أخذه أبو العلاء، فقال: # رددت إلى مليك الخلق أمري # فلم أسأل متى يقع الكسوف # فكم سلم الجهول من المنايا # وعوجل بالحمام الفيلسوف ~~••• # وقال أبو الطيب: # في رتبة حجب الورى عن نيلها # وعلا فسموه علي الحاجبا # أخذه أبو العلاء فقال: # وقد سماه سيده عليا # وذلك من علو القدر فال # وفي بيت المتنبي زيادة ساعد عليها لقب ممدوحه. ~~••• # وقال أبو الطيب أيضا: # أتى الزمان بنوه في شبيبته # فسرهم وأتيناه على الهرم # أخذه أبو العلاء فقال: # تمتع أبكار الزمان بأيده # 1 # وجئنا بوهن بعدما خرف الدهر ~~••• # وقال أبو الطيب: # وقد يتقارب الوصفان جدا # وموصوفاهما متباعدان # أخذه ms071 أبو العلاء فقال: # قد يبعد الشيء من شيء يشابهه # إن السماء نظير الماء في الزرق ~~••• # وقال أبو الطيب: # وإذا خفيت عن الغبي فعاذر # أن لا تراني مقلة عمياء # أخذه أبو العلاء فقال: # وكم عين تؤمل أن تراني # وتفقد عند رؤيتي السوادا # يريد: إذا رأتني خفيت عليها، فكأنها عميت، وفقدت سوادها. ~~••• # وقال عمارة بن عقيل: # وما النفس إلا نطفة # 2 # في قرارة # إذا لم تكدر كان صفوا غديرها # أخذه أبو العلاء فقال: # والخل كالماء يبدي لي ضمائره # مع الصفاء ويخفيها مع الكدر ~~••• # وقال النابغة الذبياني في النعمان: # فإنك شمس والملوك كواكب # إذا طلعت لم يبد منهم كوكب # أخذه أبو العلاء، فقال في قصر نزلته عروس ممدوحه، فخرج من كان فيه من حاشيته: # كان كالأفق حين همت به الشم # س تنادت نجومه بالمسير ~~••• # وقال عدي بن الرعلاء: # ليس من مات فاستراح بميت # إنما الميت ميت الأحياء # ألم به أبو العلاء فقال: # سالم أعدائك مستسلم # والعيش موت لهم مرغم ~~••• # وقالت ليلى أخت الوليد بن طريف ترثيه: # أيا شجر الخابور مالك مورقا # كأنك لم تجزع على ابن طريف # أخذه أبو العلاء وتصرف فيه، فقال: # وما كنت أدري أن مثلك يشتكي # ولم يتغير للرياح نسيم ~~••• # وقال عبيد بن الأبرص يصف السحاب: # كأن أقرابه لما علا شطبا # 3 # أقراب أبلق يبغي الخيل رماح # أخذه أبو العلاء فقال: # سرت لها ترمح أفلاءها # في الجو بلق عربيات # ذكروا أنهم يصفون السحاب بالبلق، لما فيها من لمع البروق؛ وهو ~~قول حسن. والأقرب عندي أنهم يصفونها بذلك؛ لأن فيها ما هو رقيق، وما هو كثيف، وما هو ~~متقطع؛ فيخيل لناظرها أنها بلقاء. ~~••• # وقال الحطيئة: # يرى البخل لا يبقي على المرء ماله # ويعلم أن المرء غير مخلد # أخذه أبو العلاء فقال: # إذا أوتيت مالا فابذلنه # فما يبقيه توفير وخزن ~~••• # وقال الأفوه الأودي: # وقدور كالربا راكدة # وجفان كالجوابي مترعه # أغار عليه أبو العلاء فقال: # وقدورهم مثل الهضاب رواكدا # وجفانهم كرحيبة الأفياف # 4 ~~••• # وقال كثير عزة: # وكنت كذات الظلع لما تحاملت # على ظلعها بعد العثار استقلت ms072 # أخذه أبو العلاء فقال: # أودعكم يا أهل بغداد والحشا # على زفرات ما ينين من اللذع # وداع ضن # 5 # لم يستقل وإنما # تحامل من بعد العثار على ظلع ~~••• # وقال امرؤ القيس: # وقد أغتدي والطير في وكناتها # بمنجرد قيد الأوابد هيكل # أخذه أبو العلاء، وغلا بأن جعله قيدا للريح، فقال: # وخيلا لو جرت والريح شأوا # ظننا الريح أوثقها إسار ~~••• # وقال أبو فراس الحمداني: # ونحن أناس لا توسط بيننا # لنا الصدر دون العالمين أو القبر # أخذه أبو العلاء، فقال: # وأصبح واحد الرجلين إما # مليكا في المعاشر أو أبيلا ~~••• # وقال بديع الزمان الهمذاني: # وكاد يحكيك صوب الغيث منسكبا # لو كان طلق المحيا يمطر الذهبا # والدهر لو لم يخن والشمس لو نطقت # والليث لو لم يصد والبحر لو عذبا # أخذ أبو العلاء نصف شطر منه، وقصر أي تقصير، فقال: # إذا قيل بحر فهو ملح مكدر # وأنت نمير الجود عذب الشمائل ~~••• # وقال أبو حية النميري: # ولما أبت إلا التواء بودها # وتكديرها الشرب الذي كان صافيا # شربنا برنق # 6 # من هواها مكدر # وكيف يعاف الرنق من كان صاديا # والبيتان في غاية الحسن، إلا أن أبا العلاء ضمن معناهما في بيت، ~~فقال: # ولما أن تجهمني مرادي # جريت مع الزمان كما أرادا ~~••• # وقال أبو الشيص: # أجد الملامة في هواك لذيذة # طمعا لذكرك، فليلمني اللوم # أخذه أبو العلاء فقال: # لم يبق غير العذل من أسبابهم # فأحب من يدنو إلي عذول ~~••• # وقال أبو الشمقمق في حراقة # 7 # طاهر بن الحسين: # عجبت لحراقة ابن الحسي # ن كيف تعوم ولا تغرق # وبحران من تحتها واحد # وآخر من فوقها مطبق # وأعجب من ذاك عيدانها # وقد مسها كيف لا تورق # أخذ أبو العلاء البيت الثالث، وزاد فيه بأن بين علة عدم إيراق العود. وأحسن ~~التعليل، فقال: # من كل من لولا تسعر بأسه # لا خضر في يمنى يديه الأسمر ~~••• # وقال آخر في الحمام، وينسب للمنازي: # شجى قلب الخلي فقيل غنى # وبرح بالشجى فقيل ناحا # قصر أبو العلاء في أخذه فقال: # فقلت تغني كيف شئت فإنما # غناؤك عندي يا حمامة ms073 إعوال ~~••• # وقالت ولادة بنت المستكفي: # ترقب إذا جن الظلام زيارتي # فإني رأيت الليل أكتم للسر # وبي منك ما لو كان بالشمس لم تلح # وبالبدر لم يطلع وبالنجم لم يسر # وقال أبو العلاء: # منك الصدور ومني بالصدور رضا # من ذا علي بهذا في هواك قضى # بي منك ما لو غدا بالشمس ما طلعت # من الكآبة أو البرق ما ومضا # ولم أدر أيهما أخذ من الآخر، لاجتماعهما في عصر واحد. ولا يبعد أن ~~يكون من التوارد، إلا أن قول ولادة أبلغ! ~~••• # أما قول أبي العلاء: # مني إليك مع الرياح تحية # مشفوعة ومع الوميض رسول # فلا يعد من السرقة في شيء، وإن سبقه غيره إليه؛ لأن إرسال التحية مع النسيم أو ~~البرق من المعاني الشائعة التي تداولتها الشعراء، ولم تزل تتداولها. وإنما يظهر التفاضل ~~بينهم فيها بحسن سبكها وإبرازها في اللفظ المقبول، والتلطف في تصويرها. ولهذا تركت ~~التنبيه عما وقع في شعره منها، كما أني لم أتعرض لما خفي ودق من سرقاته؛ لئلا يمر ~~ناظر عليه من غير تثبت فينكره، ويرميني بالخطأ أو التحامل. ~~••• # واعلم أن ما ذكرناه عن المعري في هذا الباب قلما يخلو منه شاعر قديم أو حديث، ولسنا ~~بواصلين فيه إلى حد الجزم بأنه تعمد سرقته؛ إذ قد يعرض المعنى للشاعر فينظمه، ولا ~~يمر بخاطره وقت نظمه أنه مسبوق به، وربما كان مما لم يقف عليه في شعر غيره. وباب ~~التوارد واسع، كما وقع لطرفة بن العبد وامرئ القيس في قوله: # وقوفا بها صحبي علي مطيهم # يقولون لا تهلك أسى وتجمل # فأتى به طرفة في معلقته مغيرا لقافيته فقط، فقال: «وتجلد» بدل «وتجمل»، ~~وثبت عند الرواة أنه لم يطلع عليه قبل ذلك. وقال علي بن منصور الحلبي المعروف بابن ~~القارح: # 8 ~~«كان محمد بن وكيع متأدبا ظريفا، ويقول الشعر، وعمل كتابا في سرقات ~~المتنبي، وحاف عليه كثيرا. وسألني يوما أن أخرج معه، واستصحب مغنيا وأمره ~~ألا يغني إلا بشعره، فغنى: # لو كان كل عليل # يزداد مثلك حسنا # لكان كل صحيح # يود ms074 لو كان مضنى # يا أكمل الناس حسنا # صل أكمل الناس حزنا # غنيت عني ومالي # وجه به عنك أغنى # فقلت: أتثقل عليك المؤاخذة؟ فقال: لا. فقلت: أبياتك مسروقة؛ الأول من قول ~~بعضهم: # ولو كان المريض يزيد حسنا # كما تزداد أنت على السقام # لما عيد المريض إذا وعدت # شكايته من النعم الجسام # والثاني من قول رؤبة: # مسلم # 9 # لا أنساك ما حييت # لو أشرب السلوان ما سليت # ما لي غنى عنك ولو غنيت # 10 # فقال: والله ما سمعت بهذا. فقلت: إذا كان الأمر على هذا، فاعذر المتنبي على مثله، ولا ~~تبادر إلى الحط عليه، ولا المؤاخذة له؛ والمعاني يستدعي بعضها بعضا». انتهى. # ولا بد لنا قبل ختم هذا الباب من ذكر نوع يعده كثيرون من السرقة وليس منها، كقول ~~الطغرائي: # وذي شطاط كصدر الرمح معتقل # بمثله غير هياب ولا وكل # وقول الحريري في مقامته الرابعة والأربعين من قصيدة بائية: # وذا شطاط كصدر الرمح معتقل # صادفته بمنى يشكو من الحدب # قال الصفدي: «ومثل هذا لا يعد سرقة؛ لأن المعنى ليس ببديع، ولا لفظه بفظيع، # 11 # ولا الطغرائي بعاجز عن الإتيان بمثله، بل جرى على لسانه، ونسي أن هذا ~~لغيره، لعدم الاحتفال بأمره إذ هو ليس بأمر كبير. وهذا كثير الوقوع للناس، لا يكاد ~~يسلم الفحول منه». انتهى كلامه. # وقال التنوخي في زهر الربيع: «ومما يعد سرقة وليس بها، اشتراك اللفظ المتعارف، كقول ~~عنترة: # وخيل قد دلفت لها بخيل # عليها الأسد تهتصر اهتصارا # وقالت الخنساء: # وخيل قد دلفت لها بخيل # فدارت بين كبشيها رحاها» # انتهى. # قلت: وتحقيق المقام أن الكلام المأخوذ يشترط فيه ألا يكون ذا معنى كبير أو لفظ بالغ ~~حدا ما من الرشاقة، فإذا أدمجه الشاعر في بيته جاء به غير مقصود لذاته، بل يجعله ~~كالتوطئة لمعنى آخر مقصود له، يبني البيت عليه. ويظهر لك ذلك فيما استشهد به الصفدي ~~والتنوخي، وهو كثير في شعر العرب والمحدثين، وقد وقفت منه على جملة صالحة، لو جمعت ~~لجاءت رسالة لطيفة، كقول الراعي النميري: # فتى يشتري حسن الثناء ms075 بماله # إذا ما اشترى المخزاة بالمجد بيهس # وهو مثل قول الأبيرد: # فتى يشتري حسن الثناء بماله # إذا السنة الشهباء # 12 # أعوزها القطر # وتبعها أبو نواس، فقال: # فتى يشتري حسن الثناء بماله # ويعلم أن الدائرات تدور # وقول دريد بن الصمة: # أمرتهم أمري بمنعرج اللوى # فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد # وهو مثل قول المتلمس: # أمرتهم أمري بمنعرج اللوى # ولا أمر للمعصي إلا مضيع # وفي هذا القدر كفاية. والكلام في السرقات الشعرية وأنواعها، واستيعاب ما قيل فيها، لا ~~يتسع له مثل هذا المختصر؛ فإذا من الله بتوفيقه، وكان في العمر مهلة، وضعنا فيها ~~رسالة تستقل بجمع شتاتها، وتفصيل ما أجمل منها. # ومن غريب ما وقفت عليه من ملاحظاتهم، ما رواه علي بن العباس النوبختي، قال: قال لي ~~البحتري: أتدري من أين أخذ الحسن # 13 # قوله: # ولم أدري من هم غير ما شهدت به # بشرقي ساباط الديار البسابس # فقلت: لا، فقال: من قول أبي خراش: # ولم أدر من ألقى عليه رداءه # ولكنه قد سل عن ماجد محض # فقلت: المعنى يختلف. فقال: إنا نرى حذو الكلام واحدا وإن اختلف المعنى. ~~انتهى. # قلت: إذا كان مراد البحتري مجرد البيان، فقد لاحظ ملاحظة دقيقة، وإذا كان قصده الحط ~~من أبي نواس والنعي عليه، فقد - لعمري - ركب متن عشواء، وتخبط في ظلماء؛ فإن احتذاء ~~كلام العرب مطلوب في البلاغة، وما حث العلماء على إكثار النظر في أشعارها واستظهارها ~~إلا توصلا إلى ذلك. ولولا محاولته ما صبرنا على الغدائر المستشزرات، والقنو المتعثكل؛ ~~بل لو لم يصقل البحتري شعره بتلك المسحة العربية، ما كانت له الديباجة الغريبة التي ~~انفرد بها بين معاصريه، وبذ بها أهل طبقته. والله أعلم. # | هوامش # | فصل في مآخذ الشعراء من شعره # القول في هذا الباب كالقول في سابقه؛ فلهذا نقتصر على ذكر ما حضر منه، دون استيعاب ~~سائره. فمنه قول أبي العلاء: # لا تطلبن بآلة لك رفعة # قلم البليغ بغير حظ مغزل # سكن السما كان السماء كلاهما # هذا له رمح وهذا أعزل # أخذه أبو إسحق الغزي، فقال ms076: # والحسن والقبح قد تحويهما صفة # شان البياض وزان الشيب والشنبا # ظبا المخارف # 1 # أقلام مكسرة # رءوسهن وأقلام السعيد ظبا ~~••• # وقال أبو العلاء يصف خيلا: # ولما لم يسابقهن شيء # من الحيوان سابقن الظلالا # أخذه ابن حمد يس فقال وأجاد: # ويكاد يخرج سرعة من ظله # لو كان يرغب في فراق رفيق ~~••• # وقال أبو العلاء: # إذا اشتاقت الخيل المناهل أعرضت # عن الماء فاشتاقت إليها المناهل # أخذه الطغرائي فقال: # ونفس بأعقاب الأمور بصيرة # ما من طلاع الغيب حاد وقائد # وتأنف أن يشفي الزلال غليلها # إذا هي لم تشتق إليها الموارد # وقال أبو العلاء: # وما ازدهيت وأثواب الصبا جدد # فكيف أزهى بثوب من صبا خلق # أخذه الطغرائي أيضا فقال: # لم أرتض العيش والأيام مقبلة # فكيف أرضى وقد ولت على عجل ~~••• # وقال أبو العلاء: # وافقتهم في اختلاف من زمانكم # والبدر في الوهن مثل البدر في السحر # أخذه الطغراني فقال: # مجدي أخيرا ومجدي أولا شرع # والشمس رأد الضحى كالشمس في الطفل # قال الصفدي: ولكن قول المعري ألطف عبارة، وأحسن شارة وإشارة؛ لأن الطغرائي أغرب عن ~~لفظتي رأد والطفل، وعذوبة الألفاظ أمر مهم في البلاغة. انتهى. وقد ناقشه بدر الدين ~~الدماميني في «نزول الغيث» بما لا يخلو إيراده من فائدة، ونص عبارته: «أقول: الإغراب في ~~اللفظ، هو الإتيان به غريبا، وقد نص بعض الأئمة على أن الغرابة كون الكلمة وحشية غير ~~ظاهرة المعنى، ولا مأنوسة الاستعمال؛ فمنه ما يحتاج في معرفته إلى أن ينقر ويبحث عنه في ~~كتب اللغة المبسوطة، ثم الغريب منه حسن، وهو الذي لا يعاب استعماله عند العرب؛ لأنه لم ~~يكن وحشيا عندهم، مثل اشمخر واقمطر، ومنه قبيح يعاب استعماله مطلقا، ويسمى ~~الوحشي الغليظ؛ وهو أن يكون، مع كونه غريب الاستعمال، ثقيلا على السمع، كريها في ~~الذوق، ويسمى المتوعر أيضا، مثل اطلخم الأمر. وعلى كل تقدير فلا نسلم أن رأد والطفل ~~من الغرابة في شيء، كما ادعاه الصفدي. وفي قوله: وعذوبة الألفاظ أمر مهم في البلاغة، ~~قرينة دالة على أنه أراد أن الرأد والطفل من الغريب ms077 المستكره في الذوق، المسمى ~~بالمتوعر. وظاهر أن ذلك خطأ نشأ من سوء الذوق، وعدم المعرفة بكلام القوم، والإعراض عن ~~التدبر لاصطلاحهم». انتهى كلامه. ~~••• # وقال أبو العلاء: # وأغدو ولو أن الصباح صوارم # وأسري ولو أن الظلام جحافل # أخذه عفيف الدين التلمساني فقال: # أسير ولو أن الصباح مواكب # وأسري ولو أن الظلام قتام ~~••• # وقال أبو العلاء في سيف: # ودبت فوقه حمر المنايا # ولكن بعدما مسخت نمالا # أخذه الوزير أبو محمد عبد الغفور فقال: # تريه المنايا الحمر فيه وجوهنا # مماثلة الأرواح في خلقة الذر ~~••• # وقال أبو العلاء: # والنجم استصغر الأبصار رؤيته # والذنب للطرف لا للنجم في الصغر # أخذه التهامي فقال: # لم أخف إلا للعلو وإنما # تخطي السها لعلوه الأبصار ~~••• # وقال أبو العلاء: # وفضل الشمس في الأيام باق # وإن مدت من الكبر اللعابا # أخذه ابن سناء الملك، فقال من قصيدة يهجو بها الشمس: # أنت عجوز لم تبرجت لي # وقد بدا منك لعاب يسيل ~~••• # وقال أبو العلاء: # خفف الوطء ما أظن أديم الأ # رض إلا من هذه الأجساد # أخذه مهيار الديلمي فقال: # رويدا بأخفاف المطي فإنما # تداس جباه في الثرى وخدود ~~••• # وقال أبو العلاء فأجاد: # الموقدون بنجد نار بادية # لا يحضرون وفقد العز في الحضر # إذا همى القطر شبتها عبيدهم # تحت الغمائم للسارين بالقطر # أي إذا أطفأ المطر نارهم شبتها عبيدهم بالقطر، وهو العود ليهتدي الساري برائحته. ~~قال الصفدي: وعليه اعتمد ابن عباد في قوله، على أنه ما فارق المغنى، ولا خالف المعنى؛ ~~وهو: # المكثرين من الكباء # 2 # بنارهم # لا يوقدون بغيره للساري ~~••• # وقال أبو العلاء: # سألن فقلت مقصدنا سعيد # فكان اسم الأمير لهن فالا # أخذه عصر ينا سليم رحمي بك رحمه الله، فقال في محمد شريف باشا وزير مصر: # يقول القوم مطلبكم عزيز # فقلت نعم ومقصدنا شريف ~~••• # وقال أبو العلاء: # تحية كسرى في السناء وتبع # لربعك لا أرضى تحية أربع # أخذه أحمد شوقي بك، فقال في مدح السلطان عبد الحميد: # سلام الله لا أرضى سلامي # فكل تحية دون المقام # | هوامش # | فصل في مقارنة بعض معانيه ms078 بمعاني غيره # قال أبو العلاء: # جهل بمثلك أن يزور بلادنا # يختال بين أساور وخلاخل # أوما رأيت الليل يلقي شهبه # حتى يجاوزها بحلة عاطل # وقال الوزير ابن زيدون: # قعيدك أني زرت نورك واضح # وعطرك نمام وحليك مرجف # هبيك اعتررت # 1 # الحي واشيك هاجع # وفرعك غربيب وليلك أغضف # 2 # فكيف اعتسفت الهول خطوط مدمج # وردفك رجراج وخصرك مخطف # 3 # أقول: مدار المعنى في الشعرين على التعجب من مخاطرة هذه المعشوقة في زيارة صاحبها. ~~فتناوله كلا الشاعرين، وتلاعب به، فأبرزه في الصورة التي شاء له اقتداره إبرازه فيها؛ ~~وقد أجاد كل منهما فيما حاوله، وتساويا في الإحسان، فلا أرى للترجيح مدخلا بينهما. ~~ويلوح لي أن كليهما اعتمد في توليد معناه على قول أبي الطيب: # قلق المليحة وهي مسك هتكها # ومسيرها بالليل وهي ذكاء # ولا يظهر ما قلته إلا بزيادة التدقيق، وإطالة التأمل. ~~••• # وقال أبو العلاء: # آلى أميرك لا يسري الخيال لنا # إذا هجعنا فقد أسرى وما علما # وكم تمنت رجال فيك مغضبة # أن يبصروه فلم يظهر لهم سقما # وقال ماني الموسوس وقد سأله محمد بن طاهر إجازة قول الشاعر: # حجبوها عن الرياح لأني # قلت يا ريح بلغيها السلاما # لو رضوا بالحجاب كان ولكن # منعوها يوم الرياح الكلاما # فقال: # فتنفست ثم قلت لطيفي # ويك لو زرت طيفها إلماما # حيها بالسلام سرا وإلا # منعوها لشقوتي أن تناما # أقول: خلاصة المعنى المبالغة في الحجر عليها. فادعى أبو العلاء أن ولي أمرها بالغ ~~في حجبها، حتى حلف على خيالها ألا يزور حبيبها، ولكن الخيال غافله وزاره، ولضناه في حبه ~~نحل، فخفى على من يترصد رؤيته، وقصر ماني فلم تصل يده إلى الخيال. وبيتاه على ما ~~فيهما من حسن التخيل وعذوبة الألفاظ ينحطان عن بيتي أبي العلاء. ~~••• # وقال أبو العلاء: # ذكرت بها قطعا من الليل وافيا # مضى كمضي السهم أقصر من قطع # وقال آخر: # ظللنا عند دار أبي نعيم # بيوم مثل سالفة الذباب # وقال آخر: # ويوم كإبهام القطاة مزين # إلى صباه غالب لي باطله # فأبو العلاء شبه الليل في قصره بالقطع ms079، وهو النصل الصغير، والثاني شبه يومه في قصره ~~بعنق الذباب . والثالث شبهه بإبهام القطاة. قال أبو يعقوب النحوي: وهذا أشد مبالغة من ~~قول أبي العلاء، إلا أنه أغرب في الصنعة، من حيث إنه ذكر قطع الليل وقطع السهم، جاعلا ~~مضي الليل كمضي السهم. ا.ه. # | هوامش # | معتقده # | فصل في اختلافهم فيه # لم يختلف الناس في رجل اختلافهم في أبي العلاء، ولا تراوحوا بشخص بين الكفر والإيمان ~~تراوحهم به. فلا غرو إذا قضى مثل هذا التناقض على الباحث في أمره ألا يتلقى كل ما قيل ~~عنه بالقبول، وأن يجنح إلى مقارنة ما نطق به بما نقل عنه؛ توصلا إلى حكم بات فيه، إن ~~خيرا فخير، وإن شرا فشر. # وقد تأملت المختلفين فيه، فوجدتهم على ثلاثة أقسام: # فريق متزندقون، يكفرونه ويحبونه لكفره، ومنهم متفرنجة هذا العصر؛ أو مؤمنون ~~يبغضونه لذلك. # وفريق يذهبون إلى صحة إيمانه، وربما تغالوا فألحقوه بالأولياء الواصلين، ورووا له ~~الكرامات. # وآخرون متحيرون أمسكوا عنه، ووكلوا أمره لخالقه. # وأنا بادئ بذكر أقوالهم فيه، ثم معقبها بما ثبت من أقواله، مقسمة إلى فصول، كما فعلت ~~بأخباره، فأقول: # ذكر غير واحد أنه كان متهما في دينه، وأنه اجتاز باللاذقية ونزل ديرا كان به راهب ~~له علم بأقاويل الفلاسفة، فسمع كلامه، فحصل له بذلك شكوك. واستدلوا أيضا على إلحاده ~~بتجافيه عن أكل الحيوان خمسا وأربعين سنة، قالوا: وهذا من اعتقاد الحكماء المتقدمين؛ ~~لأنهم يرون في ذبح الحيوان تعذيبا له. وسيأتي الكلام على ذلك في فصل مستقل. ونقلوا عن ~~تلميذه أبي زكريا التبريزي أنه قال: قال لي المعري مرة: ما الذي تعتقد؟ فقلت في نفسي: ~~اليوم أقف على اعتقاده. فقلت له: ما أنا إلا شاك. فقال: وهكذا شيخك. وقال في حقه ~~الباخرزي في دمية القصر: «ضرير ما له في أنواع الأدب ضريب، ومكفوف في قميص الفضل ~~ملفوف، ومحجوب خصمه الألد محجوج. وقد طال في ظلال الإسلام أناؤه، ولكن ربما يترشح ~~بالإلحاد إناؤه؛ وعندنا خبر بصره، والله أعلم ببصيرته، والمطلع على سريرته؛ وإنما تحدثت ~~الألسن ms080 بإساءته، ككتابه الذي زعموا أنه عارض به القرآن، وعنونه بالفصول والغايات، ~~ومحاذاة السور والآيات، وأظهر من نفسه تلك الخيانة، وجذ تلك الهوسات كما يجذ ~~العير الصليانة، حتى قال فيه القاضي أبو جعفر قصيدة أولها: # كلب عوى بمعرة النعمان # لما خلا عن ربقة الإيمان # أمعرة النعمان ما أنجبت إذ # أخرجت منك معرة العميان # انتهى. # وممن حكم بزندقته شمس الدين الذهبي، وأطال في ترجمته، وذكر له فيها قبائح. قال ~~الصفدي: وأظن الحافظ السلفي قال إنه تاب وأناب. وتحامل عليه أبو الفداء في ~~تاريخه، وغض منه كثيرا؛ حتى اضطر ابن الوردي للرد عليه. وفي الكوكب الثاقب أن القاضي ~~المنازي دخل عليه فذكر ما يسمعه من الطعن فيه، ثم قال: ما لي وللناس، وقد تركت لهم ~~دنياهم، فقال المنازي: وأخراهم أيضا، فقال: يا قاضي! وأخراهم أيضا. وجعل يكررها. وفي ~~هذه الرواية تحامل من المؤلف؛ فقد رواها ابن خلكان في ترجمة المنازي على أنه قال له: ~~والآخرة أيضا، وجعل يكررها، ويتألم لذلك، وأطرق، فلم يكلمه إلى أن قام. # ونقل ياقوت عن رسالة الغفران أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أجلى أهل الذمة عن ~~جزيرة العرب شق ذلك على الجالين، فيقال: إن رجلا من يهود خيبر، يعرف بسمير بن أدكن، ~~قال في ذلك: # يصول أبو حفص علينا بدرة # رويدك؛ إن المرء يطفو ويرسب # كأنك لم تتبع حمولة مأقط # لتشبع؛ إن الزاد شيء محبب # فلو كان موسى صادقا ما ظهرتم # علينا؛ ولكن دولة ثم تذهب # ونحن سبقناكم إلى المين فاعرفوا # لنا رتبة البادي الذي هو أكذب # مشيتم على آثارنا في طريقنا # وبغيتكم في أن تسودوا وترهبوا # ثم قال ياقوت: وهذا يشبه أن يكون شعره، قد نحله هذا اليهودي، أو أن إيراده لمثل هذا، ~~واستلذاذه به؛ من أمارات سوء عقيدته، وقبح مذهبه. انتهى. # والعجب من ياقوت، كيف يزعم هذا الزعم، ومن أين أتى له أن هذه الأبيات من شعره، أو أنه ~~أوردها استلذاذا بها، وهو إنما جاء بها في أثناء كلامه على الزنادقة وتقبيح أعمالهم. ~~وأحر ms081 أن يكون إيراده لها في عرض إنكاره عليهم، من أبين الأدلة على حسن عقيدته. وليست ~~رسالة الغفران ببعيدة على من يريد تحقيق ذلك. # وسئل فتح الدين بن سيد الناس: ما كان رأي الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد فيه؟ فقال: ~~كان يقول: هو في حيرة، فقال الصفدي: وهذا أحسن ما يقال في أمره؛ لأن في كلامه تناقضا ~~كثيرا. وإلى الله ترجع الأمور. # هذا ما وقفت عليه من كلامهم في سوء عقيدته، إلا قليلا منه سيرد عليك فيما يأتي من ~~الفصول. # ونقلوا عن رسالة ابن العديم أنه قال: إني اعتبرت من ذم أبي العلاء ومن مدحه، فوجدت كل ~~من ذمه لم يره ولا صحبه، ووجدت كل من لقيه هو المادح له. # وقال ابن الوردي بعد ما أورد مراسلاته مع القاضي أبي الطيب الطبري التي مر ذكرها في ~~أخباره: «وشهادة أبي الطيب في الشيخ مقدمة على شهادة الغير، وحسن الظن خصوصا بالعلماء ~~قد دل عليه القرآن والحديث، وهو لا يأتي إلا بخير. وكان شيخنا عبس حسن العقيدة؛ واعتراف ~~الطبري له ومدحه يكفيه. # شهادة الطبري الحبر كافية # أبا العلاء فقل ما شئت أو فذر # من أغمد السيف عنه كان في دعة # ومن نضى السيف قابلناه بالطبر» # انتهى كلامه. وقوله: قابلناه بالطبر فيه تورية، والطبر هو الطبرزين، معرب، ~~ومعناه: فأس السرح؛ لأن فرسان العجم كانت تحمله معها تقاتل به، ويقال له عندهم ~~التبر. كذا ذكر المحبي في «قصد السبيل؛ فيما في اللغة العربية من ~~الدخيل». # ونقلوا أيضا عن رسالة ابن العديم المذكورة أنه قال: قرأت بخط أبي اليسر شاكر المعري ~~في ذكره، وكان رضي الله عنه يرمى من أهل الحسد له بالتعطيل، ويعمل تلاميذه وغيرهم على ~~لسانه الأشعار، يضمنونها أقاويل الملحدة؛ قصدا لإهلاكه، وإيثارا لإتلاف نفسه، فقال ~~رضي الله عنه: # حاول إهواني قوم فما # واجهتهم إلا بإهوان # وحرشوني بسعاياتهم # فغيروا نية إخواني # لو استطاعوا لوشوا بي إلى الم # ريخ في الشهب وكيوان # وقال أيضا: # غريت بدمي أمة # وبحمد خالقها غريت # وعبدت ربي ما استطع ms082 # ت ومن بريته بريت # وفرتني الجهال حا # سدة علي وما فريت # سعروا علي فلم أح # س وعندهم أني هريت # قال الصفدي: «أما الموضوع على لسانه، فلعله لا يخفى على من له لب. وأما الأشياء التي ~~دونها، وقال بها في لزوم ما لا يلزم، وفي استغفر واستغفري، فما فيه حيلة. وهو كثير، ~~فيه ما فيه من القول بالتعطيل والاستخفاف بالنبوات. ويحتمل أنه ارعوى وتاب بعد ذلك كله. ~~وحكي لي عن الشيخ كمال الدين بن الزملكاني أنه قال في حقه: هو جوهرة جاءت إلى ~~الوجود وذهبت». انتهى كلام الصفدي. قلت: أما استغفر واستغفري فلم أقف عليه؛ فإن كان ما ~~فيه يشبه ما في لزوم ما لا يلزم، فسيرد عليه ما يزيل الشك فيه. # وقال ابن الوردي في تاريخه: «وأنا كنت أتعصب له لكونه من المعرة، ثم وقفت له على كتاب ~~استغفر واستغفري فأبغضته، وازددت عنه نفرة، ونظرت له في كتاب لزوم ما لا يلزم، فرأيت ~~التبري منه أحزم؛ فإن هذين الكتابين يدلان على أنه كان لما نظمهما عالما حائرا، ~~ومذبذبا نافرا، يقر فيهما أن الحق قد خفي عليه، ويود لو ظفر باليقين فأخذه بكلتا ~~يديه؛ كما قال في مرثية أبيه: # طلبت يقينا من جهينة عنهم # ولم تخبريني يا جهين سوى الظن # فإن تعهديني لا أزال مسائلا # فإني لم أعط الصحيح فأستغني # ثم وقفت له على كتاب «ضوء السقط» الذي أملاه على الشيخ أبي عبد الله محمد بن محمد بن ~~عبد الله الأصبهاني، الذي لازم الشيخ إلى أن مات، ثم أقام بحلب، يروي عنه كتبه، فكان ~~هذا الكتاب عندي مصلحا لفساده، موضحا لرجوعه إلى الحق وصحة اعتقاده؛ فإنه كتاب يحكم ~~بصحة إسلامه مؤلا، ويتلو لمن وقف عليه بعد كتبه المتقدمة «وللآخرة خير لك من الأولى»؛ ~~فلقد ضمن هذا الكتاب ما يثلج الصدر، ويلذ السمع، ويقر العين، ويسر القلب، ويطلق اليد، ~~ويثبت القدم؛ من تعظيم رسول الله # صلى الله عليه وسلم # خير بريته، والتقرب إلى الله بمدائح الأشراف ~~من ذريته، وتبجيل الصحابة، والرضا عنهم ms083، والأدب عند ذكر ما يتلقى منهم، وإيراد محاسن من ~~التفسير ، والإقرار بالبعث والإشفاق من اليوم العسير، وتضليل من أنكر المعاد، والترغيب ~~في أذكار الله والأوراد، والخضوع للشريعة المحمدية وتعظيمها. وهو خاتمة كتبه، والأعمال ~~بخواتيمها. وقد يعذر من ذمه، واستحل شتمه، فإنه عول على مبادئ أمره، وأوسط شعره؛ ~~ويعذر من أحبه، وحرم سبه، فإنه اطلع على صلاح سره، وما صار إليه في آخر عمره؛ من ~~الإنابة التي كان أهلها، والتوبة التي تجب ما قبلها. وكان يقول رحمه الله: أنا شيخ ~~مكذوب عليه». انتهى كلامه بنصه. # قلت: وليس في لزوم ما لا يلزم ما يصل بالإنسان إلى حد التبري منه، كما ذكر الشيخ، ~~والبيتان اللذان رواهما من مرثية أبيه لا يدلان على ما ذهب إليه، وإنما مراده أن علم ~~الغيب محجوب عنه، فلا يدري عن أبيه: أهو في شقاء أم نعيم، وهما مثل قوله من هذه ~~القصيدة: # جهلنا فلم نعلم على الحرص ما الذي # يراد بنا والعلم لله ذي المن # قال شارحه أبو يعقوب النحوي: «وهذا على معنى أن أمر السعادة والشقاوة مطوي عن العباد، ~~وأن الأمور كلها بمشيئة الله تعالى، وهي مستورة. ولهذا كره السلف أن يقول القائل: أنا ~~مؤمن حقا، بل أنا مؤمن إن شاء الله تعالى؛ لا على معنى الشك في الإيمان والاعتقاد، بل ~~على معنى الخوف من سوء العاقبة، وخفاء علم الله تعالى في ذلك، وانطواء أمر الخاتمة». ~~انتهى. # وذكر ابن الوردي في تاريخه أيضا: أن حساده أغروا به وزير حلب، فجهز لإحضاره خمسين ~~فارسا ليقتله، فأنزلهم أبو العلاء في مجلس له بالمعرة، فاجتمع بنو عمه إليه، وتألموا ~~لذلك، فقال: إن لي ربا يمنعني، ثم قال كلاما منه ما لا يفهم، وقال: الضيوف، الضيوف! ~~الوزير، الوزير! فوقع المجلس على الخمسين فارسا فماتوا، ووقع الحمام على الوزير بحلب ~~فمات؛ فمن الناس من زعم أنه قتلهم بدعائه وتهجده. ومنهم من زعم أنه قتلهم بسحره ورصده. ~~وهذه القصة رواها صاحب الكوكب الثاقب بزيادة تفصيل، فذكر عن الغزالي أنه قال: حدثني ~~يوسف ms084 بن علي بأرض الهركار، قال: دخلت معرة النعمان، وقد وشى وزير محمود بن صالح صاحب ~~حلب إليه بأن المعري زنديق لا يرى إفساد الصور، ويزعم أن الرسالة تحصل بصفاء العقل، ~~فأمر محمود بحمله إليه من المعرة، وبعث خمسين فارسا ليحملوه، فأنزلهم أبو العلاء دار ~~الضيافة، فدخل عليه عمه مسلم بن سليمان، وقال: يا ابن أخي قد نزلت بنا هذه الحادثة، ~~والملك محمود يطلبك، فإن منعناك عجزنا، وإن أسلمناك كان عارا علينا عند ذوي الذمام، ~~ويركب تنوخ الذل والعار. فقال: هون عليك يا عم، ولا بأس عليك؛ فلي سلطان يذب ~~عني. ثم قام فاغتسل وصلى إلى نصف الليل، ثم قال لغلامه: انظر إلى المريخ أين هو؟ فقال: ~~في منزلة كذا وكذا. فقال: زنه واضرب تحته وتدا، وشد في رجلي خيطا، واربطه إلى الوتد. ~~ففعل غلامه ذلك، فسمعناه وهو يقول: يا قديم الأزل، يا علة العلل، يا صانع المخلوقات، ~~وموجد الموجودات؛ أنا في عزك الذي لا يرام، وكنفك الذي لا يضام، الضيوف الضيوف، الوزير ~~الوزير! ثم ذكر كلمات لا تفهم، وإذا بهدة عظيمة. فسأل عنها، فقيل: وقعت الدار على ~~الضيوف الذين كانوا بها، فقتلت الخمسين. وعند طلوع الشمس وقعت بطاقة من حلب على جناح ~~طائر: لا تزعجوا الشيخ، فقد وقع الحمام على الوزير. قال يوسف بن علي: فلما شاهدت ذلك، ~~دخلت على المعري، فقال: من أين أتيت؟ فقلت: من أرض الهركار، فقال: زعموا أنني زنديق، ~~ثم قال: اكتب. وأملى علي أبياتا من قصيدة أولها: # أستغفر الله في أمني وأوجالي # من غفلتي وتوالي سوء أعمالي # ثم ساق صاحب الكوكب الثاقب سبعة أبيات من هذه القصيدة. وسأوردها بتمامها عند الكلام ~~على منظومه؛ فإنها من شعره المفقود. وهذه القصة رواها غير واحد، فلم يذكروا رصده للمريخ ~~كما هنا، وهو الأشبه بمذهب أبي العلاء؛ فإن من يقف على كلامه في المنجمين وتقبيح ~~أعمالهم، يحكم بأن هذا من الموضوع عليه. والله أعلم. # والخلاصة أن الذي ظهر لي من مطالعة مؤلفاته، أنه لم يكن ملحدا كما يزعمون، بل ms085 كان ~~مؤمنا بالله وكتبه ورسله، وإنما كانت تقع له بعض الأحيان أحوال يضيق بها صدره، فينفث ~~نفثات يوهم ظاهرها، وكان الأولى به تركها. وهي مهما بلغت من الشناعة والبشاعة لا تصل ~~إلى الكفر والإلحاد، بل فيها ما إذا قارنته بما قاله في ضده لظهر لك جليا أنه لم يرد ~~ما سبق إلى ذهنك فيه من أول وهلة: كإنحائه تارة على الديانات، ومدحه لها تارة أخرى؛ ~~فإنك لو قابلت بين القولين بإمعان، لأقنعت بأنه لم يرد بالذم الديانات نفسها، بل أراد ~~منتحليها المتاجرين بها، وكثير ما هم في كل زمن. # وإنما أتي الرجل من جهة حسدته وشانئيه، وولوع جماعة منهم بتقويله ما لم يقل، ~~وإشهاره بما كانوا ينظمونه على لسانه من أقوال المعطلة والزنادقة؛ حتى صارت الأذهان ~~لكثرة ما وقر فيها من ذلك، إذا ألقي إليها شيء من شعره فيه إيهام، انصرفت إلى إساءة ~~الظن به. وسيرد عليك من أقوال ما وافق أقوال مشهوري المتصوفة، وكبار الزهاد، حذو ~~القذة بالقذة. إلا أنها كتبت لهم، وكتبت عليه، ولله في خلقه شؤون. ولهذا اقتصرت ~~في فصول معتقده على ما أثبته في مؤلفاته دون ما روي عنه غير معزو لشيء منها، وغالبه ~~سخافات يتنزه شعر أبي العلاء عنها، ولا يخفى وضعها على ذي لب، كما قال الصفدي. ~~كنسبتهم إليه قول القائل: # إذا ما ذكرنا آدما وفعاله # وتزويجه بنتيه لابنيه في الخنا # علمنا بأن الخلق من نسل فاجر # وأن جميع الناس من عنصر الزنا # وهذا كلام لا يصدر إلا من معتوه فقد رشده، وحاشا لأبي العلاء أن يكونه. ولا يخلو ~~قائله من أحد أمرين: إما أن يكون مقرا بالشرائع، عالما بأن زواج الأخ بأخته لم يكن ~~محرما في شريعة سيدنا آدم # صلى الله عليه وسلم ~~، فيكون قوله هذا ضربا من الهذيان والهوس. وإما أن ~~يكون منكرا لها، فيكون ذكره الزنا لا معنى له، فإن معرفة الحلال والحرام لا تتأتى إلا ~~من الشرائع. فضلا عما في البيتين من بذاءة وقلة أدب تنبو عنهما نفس أبي العلاء ms086. ولست ~~منكرا أنه ذكر سيدنا آدم عليه السلام في لزوم ما لا يلزم بما كنت أحب له عدم ذكره، إلا ~~أنه لا يبلغ في شناعته إلى هذا الحد؛ وغاية ما فيه لومه عليه السلام على أكله من ~~الشجرة، وتسببه في أذى ذريته في الدنيا بخروجه من الجنة. وسيأتي الكلام على ذلك في فصل ~~مستقل. وقد رد على هذين البيتين القاضي أبو محمد الحسن بن أبي عقامة اليمني ~~بقوله: # لعمرك أما فيك فالقول صادق # وتكذب في الباقين من شط أو دنا # كذلك إقرار الفتى لازم له # وفي غيره لغو كذا جاء شرعنا # وليت القاضي تثبت من نسبة البيتين قبل تكلفه الرد بهذا الشعر الركيك. ونسبوا إليه ~~أشياء أخرى من هذا القبيل أضربت عن ذكرها تفاديا عن الاشتغال بالعبث، إلا أن ألم ~~ببعضها إلماما فيما يأتي من الفصول لمناسبة. كما أني لم أتعرض لما أخذ عليه في سقط ~~الزند؛ لأنه لا يخرج عن كونه من الغلو الواقع لكثير من الشعراء، وقد كفانا مؤونة البحث ~~فيه بقوله في خطبته: # وما وجد لي من غلو علق في الظاهر بآدمي، وكان مما يحتمله صفات الله عز ~~سلطانه، فهو مصروف إليه، وما صلح لمخلوق سلف من قبل أو غبر أو لم يخلق بعد، ~~فإنه ملحق به، وما كان محضا في المين لا جهة له، فأستقيل الله العثرة ~~فيه. # وقد أورد شارحه في التنوير بعض أبيات من ذلك في شرح الخطبة. ومما لم يذكره قوله، وهو ~~عندي أشنع ما في سقط الزند: # باهت بمهرة عدنانا فقلت لها # لولا الفصيصي كان المجد في مضر # فهذا ولا ريب من محض المين الذي لا جهة له، وقد استقال الله العثرة فيه، والله يغفر ~~لمن يشاء. وما عداه ليس فيه شيء سوى الغلو المفرط. على أنه لم يأت به إلا في أبيات ~~معدودة لا تتجاوز العشرة، ولكن القليل من هذا كثير. وعندي أن لا وجه لاغتفاره لقائله، ~~وفي غيره من الكلام مندوحة عنه. ولعله سرى لأبي العلاء من أبي الطيب المتنبي ms087؛ فقد كان ~~ولوعا بهذا النوع. ومنه قوله: # لو كان ذو القرنين أعمل رأيه # لما أتى الظلمات صرن شموسا # أو كان صادف رأس عازر سيفه # في يوم معركة لأعيا عيسى # أو كان لج البحر مثل يمينه # ما انشق حتى جاز فيه موسى # سامح الله أبا الطيب، ما كان أغناه عن هذا الغلو الممقوت، مع قدرته على نظم ما هو ~~أوقع في النفوس، وأخف على الأسماع؛ وأقبح منه قبول ممدوحه له، وإجازته عليه. ولا أدري ~~ما كان عذر المعز في قبوله قول ابن هانئ: # ما شئت لا ما شاءت الأقدار # فاحكم فأنت الواحد القهار # اللهم إلا أن يكون ما نقل عن القوم من دعوى الألوهية في الباطن صحيحا. # وما في سقط الزند دون هذين القولين بمراحل. # وقد رأيت أبا العلاء شدد النكير على ابن هانئ وأضرابه في رسالة الغفران، واستقبح منهم ~~مثل هذا الغلو، فلعله رجع عنه. # وقد عقد الثعالبي فصلا في يتيمته لما أخذ على أبي الطيب، جاء فيه بأشياء ممجوجة. ومع ~~هذا فلم يلهجوا بإكفاره كما فعلوا مع أبي العلاء؛ وذلك لما وقر في النفوس من شهرته ~~بالزندقة، كما ذكرت آنفا، حتى كادوا يلصقون به كل شعر من هذا القبيل. وقد رأيت بعضهم ~~يروي له قول المتنبي: # أغاية الدين أن تحفوا شواربكم # يا أمة ضحكت من جهلها الأمم # هذا وديوان أبي الطيب مشهور متداول في الأيدي، فما ظنك بغير المشهور؟ وكذلك أبو نواس ~~لما كان مشهورا بالإجادة في وصف الخمر، نسبوا إليه فيها ما لم يقله، فكثر المنحول في ~~شعره. ونقل عن بعض العلماء أنه كان يقول: أوشك هؤلاء الرواة أن ينسبوا للمجنون كل شعر ~~فيه ليلى. وقوله هذا ينبغي للأديب أن يتنبه له، فلا يقدم على نسبة قول لقائل بسبب اسم ~~اشتهر به، ولهج بذكره، في شعره؛ فقد كان للشعراء أسماء شائعة بينهم خفت على ألسنتهم، ~~وحلت في أفواههم، فكانوا كثيرا ما يأتون بها زورا، نحو: ليلى، وهند، وسلمى، ودعد، ~~ولبنى، وعفراء، وأروى، وريا، وفاطمة، ومية، وعلوة، وعائشة، والرباب ms088، وجمل، وزينب، ~~وأشباههن. ذكر ذلك ابن رشيق، ثم قال: وأما عزة وبثينة فقد حماهما كثير وجميل، حتى ~~كأنما حرمتا على الشعراء. انتهى. # وكما اشتهر بعض الشعراء بأسماء، اشتهر غيرهم بفنون وأنواع غلبت عليهم، وسهلت على ~~نفوسهم، فأجادوا القول فيها؛ كأبي نواس في الخمر، والبحتري في الطيف، وابن المعتز في ~~التشبيهات، وديك الجن في المراثي، وأبي الطيب في الأمثال والحكم، وابن الرومي في ~~الهجاء. بل رأيت بعض شعراء غلبت عليهم ألفاظ استعملوها كثيرا، كأم دفر عند المعري، ~~وابن ودي عند الأمير محمود سامي باشا البارودي. ومن تتبع شعر كل شاعر، ربما لا يعدم ~~أمثالها فيه. # فيكون اقتصارنا على ما أثبته أبو العلاء في مؤلفاته، أدعى إلى الإنصاف، وأبعد عن ~~الاعتساف. ~~••• # واعلم - أرشدك الله - أني لم أنتصر له في بعض المواضع جنوحا إلى عصبية، أو استرسالا ~~مع هوى. ولكني وقفت في الكثير من أقواله على اعتقاد صحيح، وإيمان ثابت لا يخالطه شك. ~~فكان تأويل ما عداها بما يحتمله اللفظ، أولى من التسرع إلى إكفار مؤمن، والحكم عليه ~~بالزندقة، خصوصا وأن ما يدل على إيمانه صريح في لفظه، والذي يوهم محتمل لوجهين، ~~فحمله على ما يوافق الصريح من أحد وجهيه أحق وأصوب. فإذا رأيت شيئا من ذلك فلا ~~تتسرع في الإنكار علي، بل عليك بتحسين الظن، ومراجعة النظر، تجد ما قلته غير بعيد. ~~وحسبك ما أثاروه على الإمام أبي حامد الغزالي في قوله: ليس في الإمكان أبدع مما كان، ~~حتى وضعوا فيه المؤلفات، وشغلوا الناس بالترهات. ولا شك أنه لم يرد بقوله هذا ما ذهبوا ~~إليه وتأولوه. وأي مسلم يخالجه ريب في عقيدة هذا الإمام، وهو حجة الإسلام؟ # ولله در أبي العلاء حيث يقول: # جوارك هذا العالم اليوم نكبة # عليك وليس البين عنه ميسرا # سيعلم ذاك المدعي صحة الهدى # متى كان حق أينا كان أخسرا # ويقول: # لحي الله قوما إذا جئتهم # بصدق الأحاديث قالوا كفر # ويقول: # أما في الأرض من رجل لبيب # فيفرق بين إيمان وكفر # وقال أيضا: # لا تقيد لفظي علي فإني ms089 # مثل غيري تكلمي بالمجاز # ومثله قوله: # وليس على الحقائق كل قولي # ولكن فيه أصناف المجاز # | فصل في معتقده في الله # من زعم أن أبا العلاء كان من منكري وجود الإله جل وعلا، فقد زعم باطلا، وأسرف في ~~الشطط، ودل على جهله بحقيقة معتقده. وهيهات أن تنهض له حجة، أو يجد لزعمه مستندا، لو ~~طالبناه بالدليل. # ونحن مثبتون في هذا الفصل من أقواله ما ليس وراءه متسع لطاعن، أو مجال لمتقول، ~~وبادئون منها بثلاثة أقوال، ربما خفي المراد منها على كثيرين، فأولوها على غير ما ~~ينبغي أن تؤول، ثم نتبعها بما يكشف الرين عن عقيدة الرجل في خالقه. ~~••• # أولها قوله: # قلتم لنا صانع حكيم # قلنا: صدقتم، كذا نقول # زعمتموه بلا مكان # ولا زمان ألا فقولوا # هذا كلام له خبي # معناه ليست لنا عقول # وليس في هذه الأبيات إنكار لوجود الإله، وحسبك منها قوله: «قلنا صدقتم، كذا نقول»، ~~لكن يؤخذ من ظاهرها إثبات الزمان والمكان له تعالى، وهو ما لا يقول به إلا المجسمة ~~وأضرابهم، تنزه الله عما يقولون. وقد ذكر صاحب معاهد التنصيص أن الفخر الرازي أورد هذه ~~الأبيات في كتابه الموسوم بالأربعين، وأعقبها بقوله: «وقد هذي هذا في شعره»، وقد وقفت ~~على نسختين من هذا الكتاب فلم أجده قال ذلك، فلعل العبارة تحرفت على صاحب المعاهد، ~~فتوهم منها ما ذكره. ولما كان المقام يحتاج إلى تفصيل لاستيضاح ما يرمي إليه أبو ~~العلاء، اقتضى أن ننقل إليك عبارة الأربعين، ثم نعقبها بما ظهر لنا في هذه الأبيات. قال ~~«الفخر» في مبحث حدوث العالم، وإيراد شبهات المخالفين وردها: # السؤال الرابع: إذا قلنا كان الله موجودا في الأزل، وسيكون موجودا في ~~الأبد، فقولنا «كان» يفيد أن أمرا كان موجودا وحاصلا، وقد انقضى وما بقي. ~~ويكون يفيد أن أمرا سيصير موجودا وحاصلا، وبعد ما حصل. فإذن كل ما يصدق ~~عليه أنه كان وسيكون، فهو محكوم عليه بكونه متجددا متغيرا، فذات الله تعالى ~~لما كان واجب الدوام، ممتنع التغير، وجب أن لا يصدق عليه ألبتة ms090 أنه كان في ~~الأزل، وسيكون في الأبد، وأنه كائن الآن . ثم لما جربنا عقولنا وجدناها حاكمة ~~بأن كل ما لا يصدق عليه أنه كان قبل وسيكون بعد وأنه كائن الآن، فهو عدم محض. ~~وعند هذا قال المنكرون إنكم لما أثبتم ذاته منزهة عن الجهات والأيون والأوضاع، ~~خرج هذا الإثبات عن العقل، واقترب من العدم المحض؛ ثم إنكم لما أثبتموه منزها ~~عن أن يصدق عليه قولنا كان ويكون وهو كائن، فهذا تصريح بالعدم المحض. فإن ~~أدخلتموه تحت قولنا كان ويكون وهو كائن، اقتضى ذلك الحكم بكونه متجددا ~~متغيرا، فكيف الخلاص من العقد المحيرة، والمضايق المضلة المعمية. ونظم المعري ~~هذا المعنى في شعر له فقال ... انتهى. # ثم أورد الأبيات، إلا أنه روى مكان قوله «زعمتموه»، «ثم زعمتم»، وشرع في الرد على هذا ~~السؤال. فقال: # الجواب عن السؤال الرابع: وهو قوله إن كل ما يصدق عليه كان ويكون فهو متجدد ~~متغير، فنقول: المراد من قولنا كان ويكون استمراره مع الأزمنة الآتية والأزمنة ~~الماضية، من غير أن يكون متغيرا بحسب تغير هذه الأزمنة؛ وهذا المعنى لا يدركه ~~إلا العقل الذي نوره الله تعالى بنور هدايته، وإن كان الوهم والخيال يعجزان ~~عنه. انتهى كلامه. # ثم ساق حجج المشايخ على بقاء الصانع بما يخرج عن قصدنا هنا. # ولا يخفى ما في قوله إن هذا المعنى لا يدركه إلا العقل الذي نوره الله بنور هدايته. ~~فإذا علمت هذا، ثم علمت أن مذهب السلف رضي الله عنهم في الصفات النقلية، كالاستواء على ~~العرش، والنزول إلى السماء الدنيا ونحوها، أنها صفات ثابتة وراء العقل ما كلفنا إلا ~~اعتقاد ثبوتها والتصديق بها من غير تفسير ولا تأويل، مع اعتقاد عدم التجسيم والتشبيه، ~~لئلا يضاد النقل العقل - ظهر لك أن عبارة أبي العلاء إنما ترمي إلى هذا المعنى، وتشير ~~إلى هذا القصد؛ فمراده أن مثل هذه الأمور لا تتسع العقول لإدراكها، بل هي مما استأثر ~~الله بعلمه. وليس في الأبيات ما يمنع من حملها على ذلك. بل كيف يتصور في الرجل ms091 اعتقاد ~~التجسيم ونحوه، وهو القائل في موضع آخر: # تعالى الله وهو أجل قدرا # من الإخبار عنه بالتعالي # ومن يذهب في التنزيه إلى هذا الحد لا يتصور فيه ~~اعتقاد التجسيم. ثم اعلم أن مذهب السلف يرجحه كثيرون من المتكلمين. وكان الإمامان مالك ~~والزهري يقولان به، بل هو عقيدة الإمام أحمد بن حنبل وأتباعه إلى يومنا هذا. وإنما ~~رجحوه لما فيه من السلامة من تعيين معنى قد يكون غير مراد له تعالى، وهو الأوفق لحمل ~~العامة عليه، صيانة لعقولهم عن الزلل، كما فصله الإمام الغزالي في «إلجام العوام، عن ~~علم الكلام». وقد وقفت على فصل للفخر الرازي في تفضيل هذا المذهب، ذكره في تفسير الكبير ~~عند قوله تعالى: # ثم استوى على العرش ~~، مع أن ~~هذا الإمام من كبار الأشعرية القائلين بالتأويل. # ولله در الإمام خميس بن علي الواسطي حيث يقول: # تركت مقالات الكلام جميعها # لمبتدع يدعو بهن إلى الردى # ولازمت أصحاب الحديث لأنهم # دعاة إلى سبل المكارم والهدى # وهل ترك الإنسان في الدين غاية # إذا قال قلدت النبي محمدا # على أن كثيرا من أئمة الكلام أيضا يرجحون مذهب الخلف في تأويلهم هذه الصفات تأويلا ~~يليق بجلال المولى عز وجل، لما في هذا المذهب من مزيد الإيضاح والرد على الخصوم. ولكل ~~من أصحاب المذهبين وجهة لا يريدون بها إلا الوصول إلى الحق، فرضي الله عنهم أجمعين، ~~وجزاهم عنا أحسن الجزاء. ~~••• # الثاني من الأقوال، قوله: # أما الإله فأمر لست مدركه # فاحذر لجيلك فوق الأرض إسخاطا # وليس في هذا أيضا إنكار لوجود الله تعالى، وإنما فيه الإيماء إلى عجز البشر عن ~~إدراك كنه ذاته تعالى. ولعمري ما نطق إلا بالصواب. وأين لمخلوق ضعيف لا يصل إلى ~~إدراك كنه نفسه من الوصول إلى هذا المقام؟ وفي كتاب تأييد الحقيقة العلية للسيوطي، ~~قال شارح منازل السائرين في بيان عجز العقول عن إدراك الذات المقدس، وترك الفكرة في ~~ذلك: «يعرف العبد أن عقله يعجز عن إدراك كل الموجودات من المخلوقات فضلا عن خالقها، ~~وقد عجزت العقول عن إدراك ms092 الخاصية التي يجذب بها المغناطيس الحديد، والسقمونيا ~~الأخلاط الصفراوية، إلى غير ذلك، مع القطع بوجودها. فإذا عرف العبد عجزه، وأيس من ~~الوقوف على غاية مطلبه، حمله ذلك على التمسك بحبل التعظيم والإجلال، وسلم بذلك من ~~الوقوع في شيء من الاختلال». انتهى. # وفيما نقل عن أمير المؤمنين كرم الله وجهه أنه كان يقول: «التوحيد أن لا تتوهمه»، ~~ويقول: «كل ما أدركته فهو غيره». وكان الصديق رضي الله عنه يقول: «يا من غاية معرفته ~~القصور عن معرفته». أما قوله تعالى: # لا تدركه ~~الأبصار ~~، فالأكثرون على حمل البصر هنا على الجارحة، من حيث إنها محل ~~القوة. وقيل هو إشارة إلى ذلك وإلى الأوهام والأفهام. فالبيت على هذا عقد لمعنى هذه ~~الآية الكريمة. وقريب منه قوله من قطعة أخرى: # وإن إلهي إله السما # ء رب الوهود ورب النبك # سألت المحدث عن شأنه # فما زال يضعف حتى ارتبك ~~••• # الثالث: قوله: # متى عرض الحجا لله ضاقت # مذاهبه عليه وإن عرضنه # ومعناه ظاهر بين، يشبه ما في القول السابق. وقد فسره بعضهم بقوله: «أي لا يزال عقل ~~الإنسان يتسع مجاله في الأمور، ويستعمل أنواع القياس؛ حتى ينتهي إلى الله تعالى. فإذا ~~انتهى إليه ضاقت المذاهب عليه، فلم يعلم أكثر من أنه سبحانه خالق المخلوقات». ~~انتهى. # وقد أحسن أبو العلاء في قوله بعد هذا البيت: # وقد كذب الذي يغدو بعقل # لتصحيح الشروع وقد مرضنه # الشروع: جمع شرع. قال بعض الفضلاء: «مرض الشرائع أن تخفى أسبابها، فلا يوقف على ~~حقائقها، فيظن الناظر فيها أنها فاسدة، وإنما الفاسد عقله، لأنه تعاطى سرا غامضا ~~ليقف عليه». انتهى. # قلت: فليت المتبجحين كل يوم بإصلاح الدين الإسلامي ليوافق روح العصر كما يزعمون، ~~ينظرون نظرة في هذا البيت، نسأل الله لنا ولهم الهداية. ~~••• # وبعد، فليس في كلام أبي العلاء ما يوهم نقصا في حق الخالق سبحانه وتعالى، فضلا ~~عن إنكار وجوده، غير هذه الأقوال الثلاثة. وقد عرفت أنها ليست في شيء من ذلك ألبتة. فلم ~~يبق إلا أن نسرد لك عيون أقواله الدالة على ms093 حسن معتقده في خالقه. قال: # للمليك المذكرات عبيد # وكذاك المؤثنات إماء # فالهلال المنيف والبدر والفر # قد والصبح والثرى والماء # والثريا والشمس والنار والنث # رة والأرض والضحى والسماء # هذه كلها لربك ما عا # بك في قول ذلك الحكماء # خلني يا أخي أستغفر الله # فلم يبق في إلا الذماء # وقال: # إذا قيل لك اخش الل # ه مولاك فقل: آرا # آرا: كلمة فارسية، معناها: نعم. وقال: # بعلم إلهي يوجد الضعف شيمتي # فلست مطيقا للغدو ولا المسرى # غبرت أسيرا في يديه ومن يكن # له كرم تكرم بساحته الأسرى # أأصبح في الدنيا كما هو عالم # وأدخل نارا مثل قيصر أو كسرى # وإني لأرجو منه يوم تجاوز # فيأمر بي ذات اليمين إلى اليسرى # وإن أعف بعد الموت مما يريبني # فما حظي الأدنى ولا يدي الخسرى # اليسرى هنا: من اليسر ضد العسر، وليست من اليسار ضد اليمين. وقال: # الله لا ريب فيه وهو محتجب # باد وكل إلى طبع له جذبا # وقال: # لا تكذبن فإن فعلت فلا تقل # كذبا على رب السماء تكسبا # فالله فرد قادر من قبل أن # تدعى لآدم صورة أو تحسبا # وإذا انتسبت فقلت إني واحد # من خلقه فكفى بذاك تنسبا # وفي معنى البيت الثاني قوله من قطعة أخرى: # ما زال ملك الله يظهر دائبا # إذ آدم وأبوه في الإضمار # لعله أراد بأبيه: التراب الذي خلق منه، وفي بعض النسخ: وبنوه، وهو ظاهر. # وقال: # ولم يحبني أحد نعمة # ولكن مولى الموالي حبا # نصحتك فاعمل له دائبا # وإن جاء موت فقل مرحبا # ومن طمعه في عفو ربه، قوله: # أرى اللب مرآة اللبيب ومن يكن # مرائيه الإخوان يصدق ويكذب # أأخشى عذاب الله والله عادل # وقد عشت عيش المستضام المعذب # ومثله قوله: # وما أنا يائس من عفو ربي # على ما كان من عمد وسهو # ومثله قوله أيضا: # لم لا أؤمل رحمة من قادر # والسول يطلب في السحاب الأسول # وقال يذكر خوفه من العقاب: # طوبى لموءودة في حال مولدها # ظلما فليت أباها الفظ موءود # يا رب هل أنا بالغفران ms094 في ظعني # مزود إن قلبي منك مزءود # وقريب منه قوله : # قد فني الوقت فما حيلتي # إذا انقضى الإمهال والمهل # إن ختم الله بغفرانه # فكل ما لاقيته سهل # وقال في خوفه وطمعه: # أما الحياة فلا أرجو نوافلها # لكنني لإلهي خائف راج # رب السماك ورب الشمس طالعة # وكل أزهر في الظلماء خراج # ولله دره حيث يقول: # ليفعل الدهر ما يهم به # إن ظنوني بخالقي حسنه # لا تيأس النفس من تفضله # ولو أقامت في النار ألف سنه # وقال: # أرى انكفاتي إلى المنايا # أغنى عن الأسرة الكفاة # أثبت لي خالقا حكيما # ولست من معشر نفاة # وقال: # سبحان من برأ النجوم كأنها # در طفا من فوق بحر مائج # لو شاء ربك صير الشرطين من # هذي الكواكب عند أدنى ثائج # والتاج تقوى الله لا ما رصعوا # ليكون زينا للأمير التائج # وقال من أخرى: # فزعوا إلى ذكر المليك وحسبهم # أنسا بذلك في الضمير الوالج # وقال: # أحاذر السيل ومن لي بمن # جاة إذا أسمعني رعده # والوقت لا يفتأ في مره # مقربا من أجل بعده # فراقب الخالق بالغيب في ال # قيمة والنيمة والقعده # أراد الهيئة من القيام والنوم والقعود، فجاء بها على فعلة بكسر ~~الأول. وهو عقد لمعنى قوله تعالى: # الذين يذكرون الله ~~قياما وقعودا وعلى جنوبهم ~~. ومعنى الآية، والله أعلم: الذين ~~لا يغفلون عنه تعالى في عامة أوقاتهم، كما ذهب إليه بعض المفسرين. # وقال أبو العلاء: # إذا كنت من فرط السفاه معطلا # فيا جاحد اشهد أنني غير جاحد # أخاف من الله العقوبة آجلا # وأزعم أن الأمر في يد واحد # فإني رأيت الملحدين تعودهم # ندامتهم عند الأكف اللواحد # ليت شعري كيف يرمى بالإلحاد من يخاطب الملحدين بمثل هذا الكلام؟ # وفيهم يقول أيضا: # أما المجاور فارعه وتوقه # واستعف ربك من جوار الملحد # ليس الذي جحد المليك وقد بدت # آياته بأخ لمن لم يجحد # ويقول: # إذا ما ألحدت أمم بجهل # فقابلها بتوحيد السيوف # كأنا في سجايانا نقود # كثيرات البهارج والزيوف # وهذي الأرض للملك المرجى # نلم بها كإلمام الضيوف # وقال: # تعالى الله ms095 كم ملك مهيب # تبدل بعد قصر ضيق لحد # أقر بأن لي ربا قديرا # ولا ألقى بدائعه بجحد # وقال: # بوحدانية العلام دنا # فذرني أقطع الأيام وحدي # سألت عن الحقائق كل قوم # فما ألفيت إلا حرف جحد # سوى أني أزول بغير شك # ففي أي البلاد يكون لحدي # وقال: # ولقد وجدت ولاء قوم سبة # فاصرف ولاءك للقديم الموجد # وقال: # يسمون بالجهل عبد الرحيم # وعبد العزيز وعبد الصمد # وما بلغوا أن يكونوا له # عبيدا وذلك أقصى الأمد # ولكنه خالق العالمي # ن ذائب أجزائهم والجمد # تعمده يغنك بالهدي أن # تدرس مغنيهم والعمد # المغني، والعمد: كتابان أحدهما في علم الكلام، والآخر في ~~الأصول، وهما للقاضي عبد الجبار بن أحمد، من كبار أئمة المعتزلة، المتوفى سنة خمس عشرة ~~أو ست عشرة وأربع مئة. ولأبي محمد عبد الله بن العباسي الرامهرمزي المعتزلي كتاب ~~اسمه المغني أيضا، إلا أن ذكره مقرونا بالعمد يدل على أن المراد الأول. # وقال أبو العلاء: # كم غيرتنا بأمر خط حادثة # وربنا الله لم تلمم به الغير # وقال: # ما زال ربك ثابتا في ملكه # ينمي إليه للعباد جؤار # وقال: # والجهل أغلب غير علم أننا # نفنى ويبقى الواحد القهار # وقال في الإقرار بالذنوب من قطعة: # غفران ربك قل ما فعل الفتى # ما ليس محوجه إلى استغفار # صدق والله، فغفرانك اللهم. وقال: # رجزت بتسبيح المليك حمامة # بالشام توطن أو تحل حجازا # والطير مثل الإنس تعرف ربها # وترى بها الشعراء والرجازا # وقال في معناه: # سبح الله ناعب، صوته: غا # ق، وكدرية تصيح: قطا # وقال: # صنعة عزت الأنام بلطف # وعزتها إلى القدير العوازي # ملك أنشأ السموات فالبد # ر لديه في صورة الجلواز # كم له كوكب أبر وأز الن # اس حتى سطا على أبرواز # وقال: # لنا رب وليس له نظير # يسير أمره جبلا ويرسي # تظل الشمس ماهنة لديه # فما بلقيس أم ماست برس # وقال: # إذا كنت بالله المهيمن واثقا # فسلم إليه الأمر في اللفظ واللحظ # يدبرك خلاق يدير مقادرا # تخطيك إحسان الغمائم أو تحظي # وقال: # وسرت عمري إلى قبري على ms096 مهل # وقد دنوت فحق الخوف والهلع # ما نحن أم ما برايا عالم كثر # في قدرة بعضها الأفلاك يبتلع # وقال: # ندين بأن الله وتر وخوفه # رشاد فصلوا الوتر في الدهر والشفعا # وقال: # الأرض لله ما استحيى الحلول بها # أن يدعوها وهم في الدار أضياف # تنازعوا في عواري فبينهم # نبل حطام وأرماح وأسياف # إن خالفوك ولم يجرر خلافهم # شرا فلا بأس إن الناس أخياف # أخياف: أي مختلفون، ومنه: إخوة أخياف، إذا كانت أمهم واحدة ~~وآباؤهم شتى؛ فإذا كانوا لأب واحد من أمهات شتى، قيل: هم أبناء علات. # وقال في معنى ما تقدم: # هو الفلك الدوار أجراه ربه # على ما ترى من قبل أن تجري الفلك # له العز لم يشركه في الملك غيره # فيا جهل إنسان يقول: لي الملك # ومثله قوله: # ويقول داري من يقول وأعبدي # مه فالعبيد لربنا والدار # وقوله أيضا: # والملك لله من يظفر بنيل غنى # يردده قسرا وتضمن نفسه الدركا # لو كان لي أو لغيري قدر أنملة # من التراب لكان الأمر مشتركا # ذكر الإسحاقي في تاريخه أن السلطان سليما العثماني لما فتح مصر نزل بالروضة في مكان ~~أعد له بالمقياس، ونقل عن القطبي أنه رأى هذين البيتين مكتوبين بخطه بأعلى المقياس على ~~الرخام الأبيض كتابة خفية لا تكاد تظهر إلا بالتأمل، ومرقوم تحتهما: كتبه الفقير سليم. ~~ثم قال: ولعمري إن كان هذان البيتان من نظم المرحوم فهما في غاية البيان والبراعة، ~~ونهاية في الشعر العربي الفصيح المنسجم؛ وإن كان تمثل بهما فهما أيضا مرتبة عالية في ~~حسن التمثيل ولطف الاستحضار. انتهى. قلت: أما كونهما له فقد ثبت خلافه؛ فلم يبق إلا أنه ~~تمثل بهما. وما هو بكبير على فضل هذا السلطان واطلاعه. وسلاطين آل عثمان، وإن اشتهر ~~عنهم قلة الاهتمام باللغة العربية، فقد نبغ منهم جماعة فيها. منهم: السلطان محمد ~~الفاتح؛ وفضله في الاشتغال بالعربية غير منكور. ومن شيوخه المولى خواجه زاده، قرأ عليه ~~متن عز الدين الزنجاني في التصريف؛ وكانت العلماء تجتمع عنده للمناظرة، وتعجبه ~~مباحثاتهم. ويحكى أنه كان ms097 في صغره غير مهتم بالطب، فأمر والده السلطان مراد المولى شمس ~~الدين الكوراني بالتشديد عليه، فصدع بأمره، حتى ضربه مرة ضربا موجعا، ولم يزل به ~~حتى ختم القرآن الكريم في مدة يسيرة. ومنهم: السلطان مراد الثالث ابن سليم المتوفى سنة ~~1003، كان أجمل أهل بيته علما وأدبا وذكاء وفهما. اشتغل بالتصوف وبرع فيه، ونظم ~~الشعر باللغات الثلاث: الفارسية والتركية والعربية. ومنهم: السلطان أحمد بن محمد حفيد ~~السلطان مراد المار ذكره. كان من فضلاء وقته، مال للأدب والمحاضرات، ونظم الشعر ~~بالتركية. ومما يروى له من الشعر العربي قوله: # ظبي يصول ولا وصول إليه # جرح الفؤاد بصارمي لحظيه # ما قام معتدلا وهز قوامه # إلا تهتكت الستور عليه # يسقي المدامة من سلافة ريقه # ويخصنا بالغنج من جفنيه # عيناه نرجسنا وآس عذاره # ريحاننا والورد من خديه # يا شعر في بصري ولا في خده # إني أغار من النسيم عليه # عجبي لسلطان يعز بعدله # ويجور سلطان الغرام عليه # لولا أخاف الله ثم جحيمه # لعبدته وسجدت بين يديه # والبيتان الأخيران من قصيدة لابن رزيك الشيعي، أتى بهما السلطان على ~~سبيل التضمين. # رجع إلى شعر أبي العلاء # فمن دلائل إيمانه بالله، وتفويضه الأمر إليه، قوله: # رددت إلى مليك الخلق أمري # فلم أسأل متى يقع الكسوف # فكم سلم الجهول من المنايا # وعوجل بالحمام الفيلسوف # وقال: # والروح طائر محبس في سجنه # حتى يمن رداه بالإطلاق # سيموت محمود ويهلك آلك # ويدوم وجه الواحد الخلاق # وقال: # أزول وليس في الخلاق شك # فلا تبكوا علي ولا تبكوا # خذ واسيري فهن لكم صلاح # وصلوا في حياتكم وزكوا # وقال: # تسمت رجال بالملوك سفاهة # ولا ملك إلا للذي خلق الملكا # أرى فلكا ما دار إلا لحكمة # فلا تنس من أجرى لحاجتك الفلكا # وقال: # إن يرسل النفس في اللذات صاحبها # فما يخلدن صعلوكا ولا ملكا # ومن يطهر بخوف الله مهجته # فذاك إنسان قوم يشبه الملكا # وقال: # شفاء ما بك أعياني وأعياكا # فارج الذي هو أبداني وإياكا # ما لي أراك غبيا لست تقدر أن # تحصى خطاك فهل تحصي خطاياكا ms098 # وقال: # يا خالق البدر وشمس الضحى # معولي في كل حالي عليك # وكل ملك لك عبد وما # يبقى له ملك فيدعى مليك # قد رامت النفس لها موئلا # فقلت: مهلا، ليس هذا إليك # إن الذي صاغك يقضي بما # شاء ويمضي فازجري عاذليك # البحر في قدرته نغبة # والفلك الأعظم فيها فليك # وقال: # إله الأنام ورب الغمام # لنا الفقر دونك والملك لك # وقال: # فلا تسأل المرء الغني عطاءه # ورج الغنى من ربك المتعالي # وقال: # أما ترى الشهب في أفلاكها انتقلت # بقدرة من مليك غير منتقل # وقال: # نموت لأننا حلفاء نقص # ويبقى من تفرد بالكمال # وقال: # حكم تدل على حكيم قادر # متفرد في عزه بكمال # وقال: # توهم بعض القوم وهما فأصلوا # يقين أمور بات يتبعها الوهم # جهلنا، ولكن للخلائق صانع # أقر به فسل من القوم أو شهم # وقال في رد تأثير الأشياء لله تعالى: # وقد يأمر الله الكهام إذا نبا # فيفري وقد ينهى الحسام فيكهم # وزاد هذا المعنى وضوحا بقوله وأجاد: # لو ينطق السيف نادى ليس لي عمل # إذا قضى مالك الأفلاك أنضاني # متى أراد فصفحاي اللذان هما # بحر الردى من حياض الموت حوضان # وإن كهمت فأمر الله أكهمني # وإن مضيت فأمر الله أمضاني # وقال: # ما في بني آدم غني # بل كلهم مقتر عديم # يغنى الذي ما له فناء # وذلك الواحد القديم # وقال: # رأيت سجايا الناس فيها تظالم # ولا ريب في عدل الذي خلق الظلما # وقال: # فساد وكون حادثان كلاهما # شهيد بأن الخلق صنع حكيم # وقال: # أبالقدر المتاح تدين جن # تسمع غير هائبة الرجوم # وتعلم أن ما لم يقض صعب # فما تخشى المنية في الهجوم # بإذن الله ينفذ كل أمر # فنهنه فيض أدمعك السجوم # يجوز بحكمه موت الثريا # وأن تبقى السماء بلا نجوم # وكم وجم الفتى من بعد ضحك # وأضحك بعد إفراط الوجوم # وقال: # إذا مدحوا آدميا مدح # ت مولى الموالي ورب الأمم # وذاك الغني عن المادحين # ولكن لنفسي عقدت الذمم # له سجد الشامخ المشمخر # على ما بعرنينه من شمم # ومغفرة الله مرجوة # إذا حبست ms099 أعظمي في الرمم # وقال: # أدين برب واحد وتجنب # قبيح المساعي حين يظلم دائن # وقال: # إذا ما شئتم دعة وخفضا # فعيشوا في البرية خاملينا # ولا يعقد لكم أمل بخلق # وبيتوا للمهيمن آملينا # وقال: # مطيتي الوقت الذي ما امتطيته # بودي ولكن المهيمن أمطاني # وما أحد معطي والله حارمي # ولا حارمي شيئا إذا هو أعطاني # وقال: # لعمري لخير الذخر في كل شدة # إلهك ترجو فضله وألاه # ولا ملك إلا للذي عز وجهه # ودامت على مر الزمان علاه # وقال: # تهجد معشر ليلا ونمنا # وفاز بحندس متهجدوه # إلهك أوجد الأشياء جمعا # فلا يفخر بشيء موجدوه # وربك أنجد الأقوام حتى # بنى أعلى القصور منجدوه # فمجده فلم يخسر أناس # أنابوا للمليك ومجدوه # ولنختم هذا الفصل بقوله: # تشابهت الأشياء طبعا وصورة # وربك لم يسمع له بشبيه # هذه أقوال من يتهمه المتخرصون بإنكار الإله، سقناها إليك لتكرر النظر فيها المرة ~~بعد المرة، ثم نكلك إلى محاسبة نفسك، ومحاكمة فكرك؛ هل ترى فيها غير التوحيد ~~والتنزيه، وإجلال اسمه تعالى، والطمع في رحمته، والخوف من عقابه، والحض على التقوى، ~~والإنكار على الملحدين؟ # ولا نخالك بعد ذلك إلا منصفه، إن كنت من المخلصين. # | فصل في معتقده في النبوات والرسل # يتهم الكثيرون أبا العلاء بجحد النبوات، وعدم الإيمان بالبعث والنشور؛ وكثيرا ما ~~يتعمدون تحريف كلمه، أو صرف ظاهره إلى غير مراده، افتياتا عليه، وانتصارا ~~لمدعاهم. فضلا عما وضعوه على لسانه من الكذب والبهتان، كما أثبته نقلة أخباره. وقد ~~مر بك حديثه مع القاضي المنازي، وكيف اقتضبه الرواة ليثبتوا إلحاده وإنكاره للآخرة. ~~ونقل ياقوت والسلوي عن القاضي أبي يوسف عبد السلام القزويني أنه قال: «قال لي المعري: ~~لم أهج أحدا قط. فقلت: صدقت، إلا الأنبياء عليهم السلام! فتغير لونه. أو قال: وجهه. ~~ا.ه.» ولا أدري ماذا يثبته هذا الحديث أو ينفيه. # وإليك ما ذكره العلامة ابن الوردي في تتمة المختصر، وهو من أدق الباحثين في أمره. ~~قال: «قال لي يوما بعض أصحابي من الأمراء ذوي الفهم: كيف كان أبو العلاء في اعتقاد ~~البعث ms100؟ فأنشدته قوله: # فيا وطني إن فاتني منك سابق # من الدهر فلينعم لساكنك البال # وإن أستطع في الحشر آتك زائرا # وهيهات، لي يوم القيامة أشغال # وبلغني أن بعضهم زعم أن أبا العلاء كان ينكر النبوات، فهذا مردود بقول أبي ~~العلاء: # عجبت وقد جزت الصراة رفلة # وما خضلت مما تسربلت أذيال # أعمت إلينا أم فعال ابن مريم # فعلت، وهل يعطى النبوة مكسال # وقوله في شريف: # يا ابن الذي بلسانه وبيانه # هدي الأنام ونزل التنزيل # عن فضله نطق الكتاب وبشرت # بقدومه التوراة والإنجيل # وقال في الشريف أبي إبراهيم العلوي الموسوي: # يا ابن مستعرض الصفوف ببدر # ومبيد الجموع من غطفان # أحد الخمسة الذين هم الأغ # راض من كل منطق والمعاني # والشخوص التي خلقن ضياء # قبل خلق المريخ والميزان # قبل أن تخلق السموات أو تؤ # مر أفلاكهن بالدوران # وافق اسم ابن أحمد اسم رس # ول الله لما توافق المعنيان # يا أبا إبراهيم قصر عنك الش # عر لما وصفت بالقرآن # أشرب العالمون حبك طبعا # فهو فرض في سائر الأديان # وقوله: # أيدفع معجزات الرسل قوم # وفيك وفي بديهتك اعتبار» # انتهى كلام ابن الوردي. وما ذكره من الشعر منقول من سقط الزند. # ولقائل أن يقول: ما لكم تنتصرون للرجل بكلامه في سقط الزند، وهو لم يقصد به بيانا ~~لمذهبه، أو شرحا لمعتقده، بل جرى فيه مجرى الشعراء في أفانينهم الشعرية، وأخرجه مخرج ~~هيامهم في كل واد من القول وضرب من الخيال؛ وهم كما تعلمون يجوزون الكذب، ويقولون ~~ما لا يفعلون؛ فشأنه في ذلك شأنهم ودعواه دعواهم؛ فإذا مدح شريفا لم يكن له بد من ~~تقديس آبائه، والإقرار لجدهم # صلى الله عليه وسلم # بالنبوة والرسالة، تعظيما لشأن الممدوح؛ كما لا ~~مندوحة له في الرثاء عن وصف ما لقيه المرثي من التكريم في جنات النعيم، ليكون قوله ~~مقبولا لدى من يخاطبهم، وأدعى للحظوة عندهم، وإن لم يكن هو معتقدا له. وما يقال في ~~هذا يقال في غيره، وإلا للزمكم أنه كان على غير ما تدعون له من الزهد والتقوى، لما ms101 ~~أثبته في هذا الديوان من الغزل والتشبيب وبكاء الشباب والفخر ، وهي والزهد على طرفي ~~نقيض. فلو اقتصرتم على ما في لزوم ما لا يلزم ونحوه من الكتب التي وضعها لبيان فلسفته ~~وآرائه، لسلمتم من مثل هذا النقد. # ونقول في رد ذلك: ربما كان لما ذكرت وجه من الصحة، إلا أنا لما رأيناكم آخذتم الرجل ~~على بعض ما جاء في هذا الديوان، واستدرجتم به إلى الطعن في عقيدته، مع أنه لا يخرج عن ~~الغلو المألوف للشعراء كما بيناه آنفا - استجزنا أيضا أن نحجكم بما جاء فيه من ~~صريح ذكر الحشر، والإيمان بالرسل وإثبات المعجزات لهم عليهم السلام. وشتان ما بين ~~حجتينا. على أن ما ادعيتموه لا يصح الحكم به على مطلق شعر يقوله الشاعر، وإلا فالويل ~~للشعر والشعراء بعدئذ. ~~••• # وبعد، فإنا لم نحكم لأبي العلاء بصحة إيمانه بالرسل والنبوات إلا من أقواله المثبتة ~~لذلك، المصرحة به. فلا ريب في أن ما يوهم في ظاهره نقيضها من أقواله الأخرى، مؤول بما ~~يحتمله لفظه؛ وكثير منها لم يرد به الطعن على الأديان نفسها، بل أراد أهلها ومنتحليها، ~~لتفريطهم فيها أو إفراطهم، كما صرح به في أقوال أخرى، سنأتي عليها في هذا ~~الفصل. # وقد رأيت بعض المتعصبين عليه يظفر بالبيت الموهم، فيرويه فذا من غير نظر لما قبله ~~أو بعده. ولو تدبر ذلك لظهر له مراده، ولم يجد سبيلا للطعن عليه. # على أنا مع هذا لا نبرئه رحمه الله من بعض سقطات زل بها لسانه، ليس فيها جحد ~~للنبوات، ولكن ذكرها لا يخلو من شناعة. فكان الأولى له التفادي عن نظمها في هذا ~~السمط. ولا مشاحة في عذر من أنكر عليه فيها، وإنما كلامنا فيمن يرميه بالإلحاد، وهو ~~براء منه، بدليل ما ذكرناه من كلامه وما سنذكره. ~~••• # أما من استدل على إنكاره النبوات، وتحكمه العقل في التحسين والتقبيح، بقوله: # علم الكائنات في كل وجه # أول عنده السماك صبي # خالق النيرات ما يتغابى ال # عبد لكنه ضعيف غبي # أيها الغر إن خصصت بعقل # فاسألنه فكل ms102 عقل نبي # فقد أخطأ المرمى، ونكب عن سبيل القصد، فإن مراده بقوله «فكل عقل نبي» ~~أن العقل كاف في الإخبار والدلالة على وجود صانع لهذه الكائنات، ولا عذر للعبد في جهله ~~بخالقه، ما دام له عقل ينظر به ويستخبره، كما يدل عليه سياق الأبيات عند التأمل. # وهذه المسألة من المسائل التي قام فيها الخلاف بين أئمة الكلام، وانقسم فيها أهل ~~السنة إلى قسمين. فذهب جمهور الماتريدية وعامة مشايخ سمرقند إلى أنه تعالى لو لم يبعث ~~للناس رسولا لوجب عليهم بعقولهم معرفة وجوده تعالى ووحدته واتصافه بما يليق به من ~~الحياة والعلم والقدرة وغيرها، وكونه محدثا للعالم؛ وهو أيضا أرجح قولي الإمام أبي ~~حنيفة رضي الله عنه. وذهب جمهور مشايخ الأشاعرة إلى أنه لا يجب إيمان ولا يحرم كفر قبل ~~بعث الرسل. ولا يرد على الأول أنه لو كان العقل حجة كافية ما أرسل الله الرسل، ولاكتفى ~~به؛ لأنه يقال في جوابه: لما كان أمر البعث والجزاء مما يشكل على العقل وحده، إلا بعظيم ~~تأمل فيه، وكذلك أنواع العبادات والحدود ونحوها لا تنال بمجرد العقل - كان إرسال الله ~~تعالى رسله وإنزال كتبه، لبيان ذلك. وأصل الخلاف إنما هو في الإيمان بالله، لا في أحكام ~~الشرائع. فإن قيل لو كان العقل كافيا في ذلك لاقتصرت الشرائع على بيان ما ذكرتم، ولم ~~تتعرض لأحكام الإيمان بالله تعالى وتنزيهه، واتصافه بصفاته اللائقة ونحوها، اكتفاء ~~بدلالة العقل عليها. قلنا: كان ذلك لزيادة التمكين وتتمة البيان، من قبيل توارد الأدلة ~~وتعاقبها. فإنه تعالى لم يدعنا والبيان بآية واحدة، بل من علينا سبحانه بآيات ~~متكررة، وكذلك لم يدعنا ورسولا واحدا من أول الأمر إلى آخره، والحجة كانت قائمة ~~بالواحد، كما بقيت بنبينا # صلى الله عليه وسلم # إلى القيامة؛ فلا يدل ذلك على أن الرسول الواحد أو ~~الآية الواحدة لم يكونا حجة كافية. # هذا محصل ما ذكروه في هذا المقام، ولكل من الفريقين أدلة من الكتاب والسنة يحتج بها ~~لمذهبه، فاطلبها إن شئت في كتب الكلام، خصوصا فيما ms103 ألف منها في الخلاف بين ~~الماتريدية والأشعرية؛ وانظرها أيضا في كتب التفسير عند قوله تعالى: # وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ~~. ms104