######OpenITI# #META# URI: 1368IbrahimRamzi.AbtalMansura.Hindawi50729579 #META# Tags: plays #META# ID: 50729579 #META# Title: أبطال المنصورة #META# AuthorID: 27535259 #META# Author: إبراهيم رمزي #META# EditorID: None #META# Editor: None #META# TranslatorID: None #META# Translator: None #META# Related_books: None #META#Header#End# # أشخاص الرواية‏ # الفصل الأول‏ # الفصل الثاني‏ # الفصل الثالث‏ # الفصل الرابع‏ # أشخاص الرواية‏ # الفصل الأول‏ # الفصل الثاني‏ # الفصل الثالث‏ # الفصل الرابع‏ # | أبطال المنصورة # | أبطال المنصورة # تأليف # إبراهيم رمزي # | للتاريخ # بقلم المؤلف # فبراير سنة 1939 # هذه ثالث رواية وضعتها وكان ذلك في سنة 1915 مطاوعة لشعور ابتعثه هم المصريين يومئذ ~~لتغيير القوم عاهليتهم بالرغم منهم، وإيقاظا لنفسية كاد يتلفها ما كانوا يلقونه من المذلة ~~والعبث. # ولقد حاولت ما حاولت ليأذن الرقيب بتمثيلها فلم أفلح إلا في 1918، فقد تضافر موظفو قلم ~~المطبوعات على رفضها والنيل مني ومنها عند رجال السلطة السياسية والعسكرية، فنالوا الحظوة ~~لديهم كما أرادوا، وباءوا بعد ذلك بخزي من الله والوطن. # وأخيرا مثلتها فرقة الأستاذ عبد الرحمن رشدي لأول مرة في المنصورة، تكريما للمدينة التي ~~حدثت فيها واقعة التاريخ الذي أدونه لأبطالها في هذه القصة بقلم التجلة والإكبار بعد أن ~~دونوه لأنفسهم بأثلات السيوف والرماح، وجعلوا صحيفته نورا للمستنيرين في الحق والوطنية، ~~بيد أنها كانت مرة واحدة مثلت فيها، ثم رأيت من واجبي أن أنقل حق تمثيلها إلى فرقة ترقية ~~التمثيل العربي التي كانت في مجرى الإنشاء يومئذ فتولت إخراجها في دارها بحديقة الأزبكية ~~وأحسنت تمثيلها، ولكن لم تكن هذه الدار حرة يومئذ في العمل؛ إذ كانت هناك عوامل تزيغ ~~الدراما لتحل محلها الروايات الغنائية، فاختفت هذه الرواية من الجو المسرحي المحترف، وإن لم ~~تختف من مسارح الجماعات الهاوية. # وإذ كان من واجبي أن أنوه بحسنات المحسنين، فبفضل زعيم مصر الاقتصادي العظيم محمد طلعت ~~حرب باشا؛ لأنه قدر الرواية قدرها وغالى بها، وبفضل معالي الدكتور محمد حسين هيكل باشا، ~~«وكان يومئذ مديرا لتحرير السياسة»؛ إذ عهدت إليه إدارة الشركة بقراءتها ودرسها، فأحسن ~~الرأي فيها وأثنى واستحث على تمثيلها والاستزادة من أمثالها لتغذية الروح الوطنية في ~~البلاد، وإمدادها بما هي في حاجة إليه من المثل والعظات. فلهما شكري ودعائي وتحيتي. # | أشخاص الرواية # الفارس أقطاى: # نائب الأتابك. # الأمير جمال الدين محسن الكاظمي: # ناظر الخاص. # الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري: # أمير المماليك البحرية. # الأمير فخر ms01 الدين ابن شيخ الشيوخ: # أتابك جند مصر. # الكاتب سهيل: # كاتب شجرة الدر. # هبة الله # 1 ~~: # طبيب فرنسي الأصل ربي في مصر. # الشيخ برنار # 1 ~~: # صاحب عزبة بناحية فارسكور فرنسي الأصل. # الملك المعظم طوران شاه: # سلطان مصر بعد وفاة أبيه الصالح نجم الدين أيوب. # صبيح: # مولى طوران شاه وحارس سجن الملك لويس. # الملك لويس: # ملك فرنسا وقائد الصليبيين الأعلى. # الأمير دارتوا: # أخو الملك لويس. # الأمير بواتيه: # أخو الملك لويس. # مسعود # 1 ~~: # عبد بيبرس # الأميرة شجرة الدر: # امرأة السلطان الصالح نجم الدين أيوب. # الأميرة صفية # 1 ~~: # أخت شجرة الدر. # مريم، عائشة # 1 ~~: # فتاة تعيش في عزبة برنار. # | الفصل الأول # المنظر # يزاح الستار عن دار في قصر السلطان الصالح أيوب على النيل في الجانب القبلي من مدينة ~~المنصورة، وهو بناء عربي الطراز والتقسيم: إيوان ورحبة، أما الإيوان فواقع في مؤخر ~~المرزح، والرحبة في مقدمته ويعلو عنها شبرا تقريبا، والإيوان نصف مثمن به ثلاثة أضلاع ~~كاملة في مواجهة المشاهد، وهذه ذات شبابيك، أي: نوافذ فيها قضبان متعارضة، عليها من ~~الداخل سجف «ذات فلقتين» من الديباج الثقيل إذ الوقت شتاء «10 ديسمبر # 1 # سنة 1249»، أما الضلعان الجانبيان فكل منهما نصف ضلع المثمن أو يزيد قليلا، ~~وفي كل منهما باب قصير «أربع أذرع» مكفت بنقوش عربية من المعدن ... واحد إلى اليمين ~~بالنسبة إلى المتفرج وهو مؤد إلى غرف السلطان وحرمه، وآخر مثله إلى اليسار هو مقطع كبار ~~الدولة، أي: الباب الخاص الذي يحضر منه وينصرف كبار أمناء السلطان، وأمراء حرسه الخاص ~~المعروفون برجال الحلقة، ومن هم في كرامة المنزلة مثلهم ... ويفصل الإيوان عن الرحبة عمد ~~من الرخام، تعلوها بوائك موشحة بنقوش عربية ما بين البواكير «الأقواس». والبوائك ~~الثلاث: اثنتان منهما صغيرتان هما الجانبيتان، وواحدة كبيرة «وتعلو نصف ذراع عما ~~بجوارها» بين هاتين. # والمكان جميعه مفروش بأنفس البسط الطبرستانية «الفارسية»؛ إذ الوقت شتاء كما نبهنا، ~~ونرى على أبوابه جميعا سجفا غير مسدلة بل مزاحة إلى الجانبين ما عدا باب حرم السلطان، ~~وفي الإيوان مقاعد ووسائد فاخرة وضعت دوين النوافذ يعلو عليها في الصدر مقعد ms02 كبير ~~يكون للسلطان عادة عند اجتماعه برجال ديوانه، ولكن الدار قد اتخذت تلك اليلة للنوبة، ~~أي: حراسة السلطان وخدمته المستعجلة؛ لأنه مريض يئس الأطباء من شفائه؛ ولأن الفرنجة ~~الفرنسيس - وكانت معهم فرقة إنجليزية - تحت إمرة # Longsword # وهو لورد # Salisbury # تحت إمرة الملك لويس التاسع المعروف في ~~كتب التاريخ العربية باسم ري ديفرانس - أوروا دفرنس تعريب # Roi de ~~France ~~- قد عاودوا ضرب مصر لامتلاكها توطئة لاسترداد القدس، ~~وإبادة علم الإسلام من الدنيا؛ «إذ كان هذا مأمول أوروبا في القرون الوسطى ومناط مجدهم ~~وفخرهم»، وقد نزلوا البلاد واحتلوا دمياط «التي أخرجوا منها مدحورين أذلة قبل ذلك ~~بثلاثين عاما على سيوف السلطان الكامل أبي السلطان الحالي، وباني مدينة المنصورة ~~تخليدا ليوم نصره»، ويوشك جيشهم أن يزحف على المنصورة في طريقه إلى بابليون «مصر ~~القديمة»، فالأمر يستوجب قرب أعيان الدولة مناوبة بجوار السلطان في كل وقت. # وإذ كانت العادة أن يتلهى أمراء النوبة في تلك الليالي بلعب الشطرنج وغيره، ويستعينوا ~~على السهر بمذاكرة الشعر، ورواية أحاديث الدول، وتلاوة القرآن الكريم ومطالعة الحديث ~~الشريف # 2 # فإن في المكان خزانة على شكل صندوق، إذا أقفل غطاؤه حسبته مقعدا ذا ~~جانبين، وإذا رفع الغطاء وجدت فيه نسخا من أعيان الكتب المخطوطة في الشعر والتاريخ ~~والقصص والفقه والتفسير وغير ذلك، وقد أتي بالخزانة في تلك الليلة من «دار الخاص»، ~~ووضعت دوين الباب الأيسر الأعلى في الإيوان بميل وانحراف. وفي المكان في مقدمة ~~المرزح دوين الباب الأيمن الأدنى ثلاث وسائد صغيرة ثمينة القيمة؛ اثنتان منهما إلى ~~الأمام، وواحدة إلى الوراء بينهما على قيد ذراع منهما، وقد وضع بين الوسائد الثلاث دست، ~~أي: صندوق صغير وضعت فوقه رقعة شطرنج، صفت عليها قطع من العاج والأبنوس المكفت بالفضة، ~~وفي الدست درج ظاهر للمتفرج قد أخرج منه لتلقى فيه القطع المدحورة ساعة اللعب أو تحفظ ~~فيه بعده. # أما الوسائد الثلاث فقد جلس على اليمنى منها الكاتب سهيل، مولى شجرة الدر امرأة ~~السلطان وكاتم سرها، وهو فتى في الثلاثين من عمره لا لحية ولا شارب له؛ لأنه خصي، قد ms03 ~~لبس كلوتة «طاقية مضربة» ظاهرها أطلس رومي أصفر اللون اعتم عليها على غير العادة بشاش ~~من الحرير الإسكندري الأبيض، وعلى جسمه قياء بغلطاق «بلطو» من الحرير الأحمر الرومي، ~~مسجف بفرو السنجاب، ومبطن بفرو ثمين، وقد تمنطق عليه بيند أبيض من الحرير، ويبدو من ~~أسفل البغلطاق المذكور سراويل من الصوف الملطي «الجوخ» وفي رجليه خفان من الجلد الأسود ~~البلغاري يلبسهما بخفين آخرين من الجلد الرقيق «أشبه بالمز أو هو بعينه» والخف الظاهر ~~ذو رقبة عالية نوعا ما وتدخل فيها فتحة السراويل. # وسهيل هذا جالس يلاعب رجلا أمامه هو الأمير الكبير جمال الدين محسن الكاظمي ناظر ~~الخاص «وهي أرقى مراتب الدولة يومئذ وأسماها»، وهو رجل في الأربعين من عمره بادن شيئا ~~ما قد ارتدى كما ارتدى سهيل مع اختلاف في اللون؛ إذ كانت كل ثيابه بيضاء غير أنه قد ~~توشح بحميلة تدلى منها سيف عربي مرصع القراب بشيء قليل من الجوهر، وقبضته مكفته بالذهب، ~~وجلس على الوسادة الثالثة رجل يدل ارتفاع رأسه عن الآخرين على أنه مديد القامة # 3 # وهذا هو الفارس أقطاي، وهو رجل دوين الأربعين يبدو نحيف الجسم لطول قامته، ~~له نظرات حادة مطمئنة تدل على الفروسية والاعتداد بالنفس، وهو أصفر شعر الشارب والرأس، ~~وملابسه ملابس محسن إلا أن كلوتته من الصوف الأحمر وعمامته مفرعة إلى العلى، وكانت ~~مرتبته إذ ذاك نائب الأتابك، أي: نائب القائد العام. # وإلى اليسار الأقصى بأدنى المرزح مقعد منخفض عليه وسادة ثمينة ومساند جلس عليه الأمير ~~بيبرس البندقداري قائد المماليك البحرية المرابطين حول القصر، وهو يطالع في كتاب أمامه ~~قد فتح على كرسي مجنح منبسط بديع النقش والتكفيت هو القرآن الكريم. # والأمير بيبرس هذا رجل فوق الثلاثين من العمر ربعة في الجسم بلا بدانة، أبيض الوجه ~~مربعه، أزرق لون الحدقة، له نظرة الأسد في وقار وكرم، وفي إحدى عينيه كسرة في ~~مؤخرها # 3 # تزيده في عين الناظر مهابة، وهو مرتد ~~قباء «بغلطاق» من الحرير السميك السنجابي اللون عليه أزرار كبيرة من الذهب في سجفه وهو ~~متمنطق بحياصة ms04 عريضة من الذهب علق على يسارها سيف عربي، أما كلوتته فهي من الحرير ~~الأسود المضرب، وعمامته صغيرة مفرعة، وخفاه الخارجيان مثبت فيهما مهماز مكفت بالذهب مثل ~~أقطاي. # وإذ يزاح الستار يرى رجل آتيا من الباب الأيسر الأعلى - مقطع العظماء - ماشيا ~~الهوينا على إفريز الإيوان وراء الأعمدة، وفي يده رسالة يقرؤها ثم ينزلي الرحبة، وإذ ~~يرى الخزانة أمامه مقفلة الغطاء يجلس عليها، ويستمر في القراءة، وهذا هو الأمير فخر ~~الدين يوسف بن شيخ الشيوخ أتابك الجند «القائد العام» ومدير الدولة في مرض السلطان، ~~وملبسه في جملته مثل بيبرس إلا أنه أزرق اللون، وإذا نظر إليه الناظر وجده في الخمسين ~~من عمره، ينم مجموعه على أنه نضو حروب، ظفر منها بمجد وعظمة جديرة به وبسالف محتده؛ إذ ~~إنه سليل أمجاد وفرسان وقادة عظماء معروفين على مدى سبعة قرون، # 4 # ولكنه في صمته وقلة انشراح نفسه وعدم انقطاع نظره عن الرسالة التي بيده ~~يشعر بأن ضميره مثقل بهم كبير. # والمكان مضاء بثريات عظيمة متعددة القناديل؛ واحدة في الإيوان، وثلاث في معاقد ~~البوائك إلا أنها صغيرة، وأخرى كبيرة في وسط الرحبة يرى تحتها حامل مثمن الأضلاع، مصنوع ~~باللقم والمخاريط الخشبية التي تصنع منها المشربيات عادة، وهو شبيه في جملته بكرسي ~~العشاء في الأفراح عندنا. # التمثيل # سهيل ~~(ناظرا إلى الرقعة يتناول رخ محسن ويلقيه في درج ~~الدست) ~~: # رخ ~~(يلتفت إلى الفارس أقطاي) # كيف حالك يا أقطاي؟ # أقطاي ~~: # حال من يرى آماله يقصر ظلها. إن مرض السلطان يقلق بالي يا ~~سهيل. أرأيت هبة الله الطبيب؟ # سهيل ~~: # أدخلته الليلة على السلطان فمرخه بمرهم ثم خرج ولم أره، وكنت ~~أريد أن أتعرف منه حقيقة الحال. # أقطاي ~~: # لعمري ما تنصفون إذ تدخلون هذا الطبيب على السلطان. أم نسيتم ~~أنه ابن صليبي قتلناه؟ # سهيل ~~: # إنه طبيب القصر قبل أن أطرق القصر. ولقد عشت ما عشت فرأيته يدخل ~~ويخرج بالليل والنهار غير مدافع ولا مستراب، ويتنقل مع السلطان وحاشية السلطان ~~في الكرك ودمشق وحمص وحلب وفي كل مكان، فهل كان لي أن ms05 أمنعه اليوم من أن يكون ~~كعهده بالأمس؟ # محسن ~~(يقدم الفرس) ~~: # دونك هذا الفرس المطهم. وإذا أنصفت امتطيته وسرت به إلى شواطئ ~~دمياط تجد هبة الله هناك. # سهيل ~~(يضحك) ~~: # ما شأني به هناك؟ # محسن ~~: # سله ماذا فعل مرهمه بمولاك؟ وأي خبر من أخبار القصر يحمله إلى ~~أهله الأقدمين؟ وسله كذلك أين تنزل الأميرة صفية؟ ~~(هنا يرفع بيبرس رأسه ويظل ينظر إليه، ويشرع فخر الدين جفنه إليه وهو يطل ~~في الورقة) # فإذا وصلت إليها فاقرأ الفاتحة على روحها. # أقطاي ~~: # وي! وي! وي! ما هذا؟ # محسن ~~: # أخبار بسيطة يا نائب الأتابك وفارس الفوارس، # 4 # كيف حالك اليوم؟ # أقطاي ~~: # عجبي! عجبي! من أوقع الأميرة صفية في أيدي الفرنسيس؟ # محسن ~~: # علمها عند هبة الله، إنه يقول: إنها كانت آتية من الشام ~~فاعتقلها الفرنسيس في دمياط. # أقطاي ~~: # ومن أين له علم بذلك إلا أن يكون له بمن اعتقلوها اتصال وثيق؟ # محسن ~~: # سل نسوة القصر عن ذلك. ألا تدري أنه خطب الأميرة إليهن غير مرة ~~ثم خطبها إلى من هو أكبر منهن وأعلى؟ # أقطاي ~~: # خطب الأميرة صفية لنفسه! # محسن ~~: # أجل. أتظن أنه يرى نفسه في القدر دونها؟ إنه يزعم أنه ملك غير ~~متوج. # أقطاي ~~: # ومتى كانت هذه الخطبة يا ترى؟ # محسن ~~: # ونحن في حمص. # أقطاي ~~: # إلى أختها؟ # محسن ~~: # بل إلى السلطان نفسه. # أقطاي ~~: # وماذا فعل السلطان؟ # محسن ~~: # ضحك وضحك وظنها مزحة، ولكني علمت أنه كان هائما بها من يوم ما ~~حملها بيبرس من بادية بغداد، كما كان هائما منذ سبعة عشر عاما بفتاة كريمة ~~كانت زهرة قصر الملك الكامل ودرته الناصعة، حتى لقد صارحها بحبه ذات يوم فلطمته ~~على صدغه بنعلها لطمة أتلفت له ضرس العقل، وأطارت طائر الرشد من دماغه. # أقطاي ~~(يضحك) ~~: # ترى من كانت هذه الفتاة العظيمة؟ # محسن ~~: # ألا تعرفها؟ # أقطاي ~~: # كلا والله. # محسن ~~: # هي التي بنيت بها أنت يا أقطاي. # أقطاي ~~: # امراتي؟ # محسن ~~: # امرأتك بعينها. # أقطاي ~~: # وي! وي! قبح الرجل! قبح! حقا إنه غير سليم، ولكن هل شرعتم ~~تحققون نبأ الأميرة صفية؟ لعلها أكذوبة يشيعها ms06 الفرنسيس على ألسنة جواسيسهم ~~لينالوا من ورائها مأربا، ألم تشرع مولاتنا شجرة الدر في ذلك؟ # محسن ~~: # مثل مولاتنا لا يهدئ هذا النبأ بالها، وقد كتبت إلى مرغريتا ~~امرأة ريدافرانس تسألها وتستوسطها في إرسال أختها إليها إن كان الأمر صحيحا، ~~وأهدت إليها شيئا كثيرا من درها الأسود النادر، فذهب الرسول ولم يعد وكأنه طمع ~~فيما كان يحمل. # أقطاي ~~(متعجبا) ~~: # ومن كان هذا الرسول يا ترى؟ # محسن ~~: # تاجر من أهل البندقية تعرفه منذ كانت في بيت المستعصم ببغداد، ~~أي: قبل أن تتزوج من مولأنا السلطان الصالح. # أقطاي ~~: # تالله ما وثقت يوما بتاجر ولا رأيته فيمن يستحق كرامة. ولكن ~~ماذا فعلت شجرة الدر؟ # محسن ~~: # لعمري لولا أن مرض السلطان يقعدها لذهبت هي نفسها تبحث عن أختها ~~هذي. فما أنسى يوم جيء بها معنا إلى العراق كيف كانت تبكي على أمها وأبيها ~~وتتوسل إلى بائع الرقيق أن يردها إلى خوارزم. والرجل يضحك مرة ويعبس أخرى ويهم ~~يضربها أحيانا، ولا أنسى أيام اصطفاها السلطان زوجة له كيف أخذت تنبش الأرض ~~عمن تخطفهم تجار الرقيق من أهلها إثر نكبة التركمان الكبرى، وماذا أنفقت من ~~الأموال حتى جاءها بيبرس بأختها صفية هذي. # أقطاي ~~: # لقد كان يوما مشهودا. # محسن ~~: # بل لعمري إنها بالرغم مما هي فيه من نعمة تغبطها عليها الحور ~~لتحن إلى خوارزم، وتئن كلما ذكرت أنها مقطوعة عن الأهل في هذه الدنيا، ولا سيما ~~بعد إذ فجعت في خليل ولدها الذي رزقته من مولانا. كم مرة دخلت عليها ~~الخدر # 5 # وهي تبكي لفراق أهلها وذكرى أمها فأبكتني معها. # أقطاي ~~: # أحزنتني والله يا محسن، أيقظت بي ذكرى الأهل والوطن، لعمري إني ~~لأحس في بعض الأحيان لهبا يندلع في فؤادي إذا تعرضت لي ذكريات الوطن. # محسن ~~: # أشكر الله على نعمة الإسلام يا أقطاي، إنه جعل من أهله إخوة ومن ~~أوطانه كلها وطنا لأهله. # أقطاي ~~: # صدقت ولكن الإنسان يحب من الدنيا قطرا فبلدا، ومن البلد خطا ~~فحارة، ومن الحارة زقاقا فبيتا، ومن البيت غرفة فزاوية، وإني لأتمنى أن أعود ~~إلى ms07 هذه الزاوية من بيت أبي في خوارزم، أقضي بها بقية أيامي. # محسن ~~: # احمد الله على حالك يا أقطاي، كنت وكان أعيان المماليك ~~البحرية من أعيان خوارزم، فلما شتتنا المغول لم يشأ ربك أن ننزل في غير بيت ~~المجد والإمارة والنعمة الفياضة، فقيض لنا مولانا الملك الصالح ففدانا واشترانا ~~وأعزنا كأهله وأمرنا كما كان آباؤنا. # 6 # أقطاي ~~: # إنها والله لنعمة كبرى لأبقى بشكرها أن نبذل أرواحنا في مدارج ~~قدميه وقدمي أختنا ومولاتنا شجرة الدر فضلى نساء المسلمين. كان أجدر بك يا محسن ~~أن تذكرها، إننا أهلها ومواليها وإننا نفديها من الشر بأرواحنا. # محسن ~~: # إنها والله لتعرف ذلك وتعتز به، وترى أنها بخير ما دمتم. ولقد ~~أقلق بالها اليوم أمر عصيب، فرأت أن تدعوكم للقائها. # أقطاي ~~: # إني تلقيت الليلة رسالة منها، ولكن يدهشني منها أنها بخط ~~السلطان. # محسن ~~: # بخط السلطان! متى كان السلطان كاتب يد لامرأته! بل هل يستطيع ~~السلطان الكتابة وهو على خطة؟ # أقطاي ~~: # لا أدري. ~~(سكوت) # سهيل ~~: # لعنة الله على هذا الفرس. ~~(يرفع يده ~~متضايقا، فيضحك أقطاي وينظر إلى الموقف) ~~. # محسن ~~(يضحك مقهقها) ~~: # تقبله هبة مني يا سهيل. # سهيل ~~: # هبة! والله لو كان لجامه من ذهب وكنبوشه مرصعا بالماس ما أخذته ~~... دونك هذا البيدق. ~~(يقدم البيدق) # أقطاي ~~(يعرض الرسالة التي جاءته من شجرة الدر على سهيل) ~~: # أتعرف هذا الخط يا سهيل؟ # سهيل ~~(يأخذها منه وينظر فيها ويردها مسرعا بلا اكتراث وهو يبتسم ~~ويعود فينظر إلى الرقعة) ~~: # هذا خط السلطان. # أقطاي ~~(بتعجب) ~~: # خط السلطان! ~~(يطوي الرسالة ويعيدها ~~إلى حياصته) ~~. # محسن ~~: # قبح البيدق وصاحبه ~~(يقدم قطعة من ~~قطعه) ~~. # أقطاي ~~: # إياك والاستهانة بالصغير ... كم من بيدق فاز على ملك. # سهيل ~~: # وهذا برهان المقال. ~~(يقدم بيدقا ~~آخر) ~~. هذا بيدق آخر. كش الشاه. # محسن ~~(بذعر) ~~: # شاه! كيف ذلك؟ محال! # سهيل ~~: # ويحك أما ترى! # أقطاي ~~(يضحك) ~~: # قضي الأمر يا بني. مات الشاه! # سهيل ~~: # مات الشاه. # فخر ~~(ينهض عن مقعده) ~~: # بئس الفال! بئس الفال! أقسمت عليكم أيها الأمراء إلا ما فضضتم ~~هذا اللعب قبل أن يتم، دعوه بالله ms08 لنوبة أخرى. أرجع القطعة يا سهيل، إنه لفأل ~~شؤم على السلطان ~~(يلتفت إليه بيبرس ويعود إلى النظر ~~في القرآن) ~~. # أقطاي ~~(يضحك متهكما ولا يلتفت إليه) ~~: # أأنت من أهل الطيرة والفأل يا فخر الدين؟ # فخر ~~: # كلا والله، ولكن النفس إذا وجدت استسلمت إلى كل شيء حتى ~~الخرافة. ولقد أنقضنى مرض مولاي الصالح، وتملكني الحزن على مصر منذ نزلت ~~الفرنجة بأرضنا. لعمري لئن فاجأه القدر ونحن في قتال مع الفرنسيس لانقسم ~~الأجناد بعضهم على بعض وأخذنا بالسيف من كل جانب، أما والله إنه ليخيل إلي أني ~~متقدمه إلى دار الآخرة عما قليل. # أقطاي ~~: # تحسن والله صنعا، إن فعلت يا سيدي الأتابك، هذا وحقك جزاء وقلق ~~(سهيل ومحسن وإن كانا منهمكين في اللعب يضحكان ~~ويشاركهما أقطاي بعد ذلك. وفخر الدين يؤخذ خجلا) # أليس كذلك يا ~~بيبرس؟ # بيبرس ~~: # ذرني ونفسي يا أقطاي. # سهيل ~~: # دعه يكمل سورة الفتح يا أقطاي! # بيبرس ~~: # لست أقرأ سورة الفتح يا سهيل، إنما أقرأ سورة المنافقين. لا ~~أدري من ذا جاء بهذا الأمير ~~(مشيرا إلى فخر ~~الدين) # إلى هذا المكان؟ أهو من أمراء النوبة هذه الليلة. # محسن ~~: # كلا ولكنه ... # بيبرس ~~: # فماذا يدعوه إلى مضاعفة همنا بظهوره بيننا في هذه الليلة ~~الليلاء؟ أيريد أن يذكرنا بتخليه للفرنسيس عن دمياط؟ # محسن ~~(يتكلم ولا يلتفت) ~~: # لقد عفا الله عما سلف يا بيبرس ... دع عنك هذا. # بيبرس ~~: # لعمري لئن عفا الله عن مثل هذا الجرم لقد هان الكفر على ~~الكافرين. # فخر ~~: # إنك لتحرج صدري أيها الأمير. أتعي ما تقول؟ ~~(ينهض ويمد يده إلى مقبض سيفه). # بيبرس ~~(ينهض ويضع يده على مقبض سيفه ويجرد بعضه) ~~: # لقد كان جديرا بك أن ترينا بريق هذا السيف على شواطئ دمياط ~~مقبلا ولا مدبرا ... حسبك أيها الأمير ... هذا برق خلب لا يخدعني. # فخر ~~: # إنه لينطف دما يا بيبرس لو كنت تدري. # بيبرس ~~: # أجل دماء النساء والولدان من أهل دمياط. # أقطاي ~~(ينهض) ~~: # دعونا من هذا اللجاج أيها الأخوان، حري بكم ألا تزيدوا السلطان ~~مرضا على مرضه باقتتالكم على ما فات ms09 ، إنى لأخشى أن يبلغه الأمر فيقضي نحبه، ~~أغمد السيف يا فخر الدين. وأنت يا بيبرس حسبك. # بيبرس ~~(يغمد السيف بشدة) ~~: # لو أن أنثي قد تولت الدفاع عن دمياط وهي في حصونها التي أقامها ~~الصليبيون منذ ثلاثين عاما، وتحت إمرتها من الرجال ما كان تحت أمرة هذا الأمير ~~من بني كنانة والمماليك البحرية، وبين يديها من المئونة والذخيرة والعدة ~~والسلاح ما كان بين يديه، لاستعصت على الجيش اللجب، ولأنزلت بعدوها أنكر العطب، ~~ولكن كبير جند مصر لم يزد على أن نهض من مجلسه وأطل صوب البحر، فرأى مراكب ~~الفرنسيس تدنو من دمياط ففر كالأرنب الأخرق المذعور، تاركا أعراض المسلمين من ~~ورائه يتناهبها قسرا جنود الصليبيين، ورقاب الأمراء من بني كنانة يضربها ~~السلطان في وجده، ورأس هذا الأمير بين كتفيه. # فخر ~~: # ويحك ... أما والله لولا أن يقال: لم يرع للسلطان حرم لأسلت الآن ~~دمك. # بيبرس ~~: # أو لسال دمك يا سبة الأمراء ~~(يجرد ~~سيفه ويهجم عليه، ويقابله فخر الدين بمثله ويقتتلان ويتقدم أقطاي نحوهم ~~وينهض سهيل ومحسن ويحاول الجميع الحيلولة بينهما) ~~. # محسن ~~: # ما هذا! # أقطاي ~~: # بيبرس! ~~(وإذا بشجرة الدر قد فتحت الباب الأيمن وظهرت فتقدمت ثم وقفت ~~تنظر، وشجرة الدر هذه في الخامسة والثلاثين من العمر كبيرة العينين حلوة الوجه ~~صغيرته، نظرتها نظرة الصقر هادئة، تدل ملامحها على أنها قوية العصب واسعة الحيلة، ~~وهي مرتدية قباء من الحرير السميك قصير الكمين مطرزا، حول قبته وعلى ظهره وأطراف ~~كميه وسجفه بالزركش الثمين المرصع بالجواهر على صور طيور وأفنان، وتحته قفطان من ~~الحرير الأبيض المطرز أيضا قد تمنطقت عليه بحياصة مرصعة بالجواهر، وتدلت منها ~~ذلاذل من أسماط اللؤلؤ تخفي بينها خنجرا صغيرا مرصع المقبض والقراب، وعلى رأسها ~~عمامة من الشاش الحريري الإسكندري «المقدوني» قد نثر عليها اللؤلؤ في أسماط ثبتت ~~على صورة بوائك وموشحات، برزت فيما فوق الجبين منها درة سوداء كبيرة تحيط بها درر ~~أخرى، وعلى صدرها ولبتها عقود من اللؤلؤ أيضا، وفي رسغيها وأصابعها سواران وخاتم ~~ثمين، وفي رجليها حذاء على شكل «المركوب ms10 » أو هو بعينه مرصع بالجواهر، وقد انتقبت ~~بغطاء شعشاع؛ إذ إن جميع من في الدار عبيد زوجها ورجال بعضهم طواشى والبعض ممن ~~اتصلوا في الخدمة بها مدة طويلة). ~~(الأمراء يتنحون فيرجع بيبرس إلى مكانه وأقطاي يقف إلى جوار فخر ~~الدين ومحسن حيث كان يعمل وسهيل يبعد رقعة الشطرنج إلى الوراء). # شجرة ~~: # فخر الدين بن شيخ الشيوخ وبيبرس البندقداري! إذن فقد ضاعت ~~الدولة على أيديكم أيها الأمراء ~~(ملتفتة إلى ~~الأمراء) # أيقاتلكم العدو في ظاهر بلادكم، وتقتتلون أنتم في ~~باطنها، ثم تبتغون نصر الله! مرحى! مرحى لزعماء الأجناد ~~(تتقدم وتنزل الرحبة) ~~. ماذا جر إلى هذا الشقاق ~~يا محسن؟ # محسن ~~: # تخلى الأمير فخر الدين عن دمياط يا سيدتي. # شجرة ~~(إلى بيبرس) ~~: # لعل للأمير عذرا في إخلائها، أفمن حقك أن تجزيه على ذنبه؟ لو ~~كان فخر الدين قد أخطأ فيما فعل لضرب السلطان عنقه أسوة بسواه. # بيبرس ~~: # وي! ... ألم يخطئ؟ # شجرة ~~: # إن لإخلاء دمياط سرا لا يعرفه كثيرون، وقد أطلعني مولاي ~~السلطان عليه منذ عهد قريب فعذرته والحرب خدعة. # بيبرس ~~: # أفعفا السلطان عنه بعد ذلك؟ # شجرة ~~: # نعم، عذره عذر فارس لفارس. # بيبرس ~~: # فلماذا قتل السلطان أمراء بني كنانة الذين فروا معه، وهم إنما ~~تركوها تأسيا به؟ # شجرة ~~: # كان ذلك قبل أن يعرف السر وقد حزن لقتله إياهم حزنا ~~شديدا. # 7 # أقطاي ~~: # إذن فقد أخطأ فخر الدين في التأخر عن الشفاعة لهم عند السلطان ~~يا مولاتي. # شجرة ~~: # لا أدري لعله كذلك. # فخر ~~: # لم أستطع المثول بين يديه فقد شغلني ملك الفرنسيس وأخواه يومين ~~كاملين عند البحيرة، ولو خليت ساحة القتال في تلك الساعة الرهيبة لقتل من ~~أمرائي فوق هؤلاء عدا، ولكان جرمي إذ ذاك أعظم وأشد، على أنه لم يدر بخلدي ~~أنه آمر بهم أن يقتلوا. # سهيل ~~: # إذن فقد أعذر كل منهما يا سيدتي. # شجرة ~~: # أجل أجل ~~(تتقدم إلى الكرسي الكبير ~~الذي في صدر الإيوان ثم تجلس ويذهب فخر الدين إلى يمين أقطاي) # من ~~لنا في الجند كهذين؟ أليس كذلك يا محسن؟ # محسن ~~: # بلى يا سيدتي ms11 . # أقطاي ~~: # لم أجد في الدنيا رجلا يغضب للحق غضبه بيبرس، لقد كان إفضاء كل ~~منهما إلى صاحبه أدنى إلى الإخوة منه إلى الصداقة حتى رأيته الليلة يقاتله من ~~أجل الحق. # شجرة ~~: # نعمت الغضبة لله والحق، أما والله لولا ذلك ما عفوت عنك يا ~~بيبرس. # بيبرس ~~: # شكرا لمولاتي. # شجرة ~~: # وأنت يا فخر الدين، اعذر أخاك. # فخر ~~: # لقد والله كنت أجد لومه إياي عتبا فاعذره، فلما لج أحرج نفسي ~~والفطرة أغلب. # شجرة ~~: # إذن فتصافحا ... تصافحا أمامي وليكن وداد كما بعد اليوم في خدمة ~~الله إخاء ~~(يتصافحان) # هذا أليق بحماة مصر ~~(إلى أقطاي) # أبلغتك رسالتي يا أقطاي؟ # أقطاي ~~: # أجل يا سيدتي. # شجرة ~~: # وأنت يا فخر الدين؟ # فخر ~~: # جئت طوع أمرك يا سيدتي. # شجرة ~~: # أما أنت يا بيبرس فقد علمت من محسن أنك من أمراء النوبة هذه ~~الليلة فلم أجد حاجة إلى استدعائك، إني أريدك ... أجاءك نبأ عن أختي؟ # بيبرس ~~: # علمت الليلة أنها جاءت من الشام تنشدك في دمياط، ولم تكن تدري ~~بما أصاب المدينة فوقعت في قبضة الفرنجة. # شجرة ~~: # فما بال ركن الدين قد توانى عنها؟ ترى نسي عهده أيام كانت معنا ~~في الكرك عند يوسف؟ أم أنها جاءت مصر تبغي غير من أنقذها من أخياش بني الأصلم ~~في بادية بغداد؟ # بيبرس ~~: # لم أكن وحقك لأدري بما أصاب أختك إلا الليلة، إنني كنت بشار ~~مساح حتى اليوم، ولكنت الساعة بين سمع الفرنسيس وبصرهم لولا أنها نوبتي في جوار ~~مولاي السلطان، إنك لتعلمين أني لا أطيق أن أتمثل لنفسي أختا في الدين والوطن ~~أسيرة حتى أنقذها، فما بالك يا عصمة الدين بالفتاة التي علقت بها نفسي وعلقت ~~بي نفسها؟ أما والله لو كان فوق الروح فداء لفديتها، فاعذري يا سيدتي وتوكلي ~~على الله. # شجرة ~~: # شكرا لك يا بيبرس، من أجل هذا رضيت بك فارسا لها. # فخر ~~(يتقدم من بيبرس) ~~: # ما أشد جرمي عليك يا ركن الدين، لقد كان إخلائي دمياط وقرا عليك ~~يعدل ما أصاب الناس فيها جميعا، لو بقيت في يدي يومين لبلغتك ms12 عروسك سالمة، ~~ولكنه قضاء الله. معذرة إليك يا ركن الدين. # بيبرس ~~: # لكأنه أراد لنا أن نتقاسم البؤسى؛ إذ نحن صديقان كما تقاسمنا ~~النعمى في كل مكان. لاتحزن يا فخر الدين ذلك قضاء الله. # فخر ~~: # استمعوا لي أيها الرفاق، سأقص عليكم نبأي الذي كتمته عنكم حياء ~~لتعذروا أخاكم حقا، ولتعلموا أني على ما عهدتم في إيثار الموت على العار. # شجرة ~~: # أحسنت يا فخر الدين. هذا أتقى لريبة النفوس. # بيبرس ~~: # إن كان في الذكر أسى لك فأمسك عليك سرك، حسبنا عذر السلطان. # فخر ~~: # كلا، إن كان في الذكر أسى لي فهو حسبى. لما جاءت مراكب ~~الفرنسيس إلى بر دمياط جاءتني فتاة تلهث من الركض، وهي تبكي وتنتحب، تقول: ~~أنقذنا، أنجدنا، أنقذ أبي وأمي وأهلي؛ إذ الفرنسيس نزلوا بفارسكور، فزعمت أن ~~الفرنسيس أرادوا هذه المرة أن يأخذونا من كل الجهات، فنزل بعضهم بحيرة تنيس ~~بشوان قريبة القاع؛ ليقطعوا الطريق على جيشي، ويبلغوا المنصورة بلا قتال، وإذ ~~كان في الأمراء من قدروا هذا الأمر وأشاروا علي بإنقاذ السلطان فقد خرجت ~~بجيشي لا ألوي على شيء حتى بلغت فارسكور، ولكني لم أجد أثرا لما قالت تلك ~~الفتاة الخائنة، وكذلك نزل الفرنسيس بدمياط بغير قتال. # أقطاي ~~: # من تكون هذه الفتاة يا ترى؟ # فخر ~~: # لا أدري. # أقطاي ~~: # ألم تعلم من أمرها بعد ذلك شيئا؟ # فخر ~~: # لم أرها منذ ذلك الحين ولم أعرف من هي. # محسن ~~: # لن يخون المؤمن أخاه المؤمن. # أقطاي ~~: # ولا المصري أخاه المصري، ولكني لا أظنها عملت ذلك بملكها. # محسن ~~: # هذا مقدر. # شجرة ~~: # خدعة إيها الأمراء والكريم يخدع. # بيبرس ~~: # لا جناح، لنخرجهم منها أذلة كما أخرجنا ملوكهم من قبل. # 8 # أقطاي ~~: # والآن، ما مهمتنا نحن يا مولاتي؟ إن كان من أجل هذا دعوتنا فقد ~~كان فيما فات بلاغ. # شجرة ~~: # ليس هذا كل ما دعوتكم له، ولكني رأيت مولاكم في حالة تدعو إلى ~~القلق حتى لأشفق أن يلبي الليلة دعوة ربه، فإذا وافاه القدر وأنتم مشتغلون ~~بمقاتلة عدوكم، وليس في مصر ولي عهد معهود فإني أخشى أن ms13 تنقصم ألفة الأجناد؛ ~~فيتفرقوا ويفشلوا ويحل بمصر والإسلام ما لا دافع له إلا الله، فماذا أنتم ~~فاعلون؟ # فخر ~~: # إنا نضرع إلى الله أن يهبه العافية ويمد في أجله حتى تنجلي ~~عنا هذه الغمة، أما والله لا أدري ماذا نفعل يا سيدتي. # شجرة ~~: # وأنت يا أقطاي، هب أن مولاك قضي في هذه الأيام، أيفت في ~~عضدكم وتذهب الدولة بقضائه؟ الله يعلم أني أحادثكم ونار الأسى تتأجج في صدري، ~~ولكني عاهدت ربي أن أداري جواي في طية من طيات الفؤاد، وأجعل باقيه وقفا على ~~مصلحة هذه البلاد؛ لذلك ترونني أستعجل المحتم وأنظر إلى الأمر كأنه تم، فما ~~رأيك؟ # أقطاي ~~: # لا قدر الله يا مولاتي، ولكن انظري في الأمر ومري تطاعي. # شجرة ~~: # آه ~~(متضايقة) ~~، ما رأيك أنت ~~يا محسن؟ # محسن ~~: # لا رأي لنا معك يا سيدتي، إن مولانا لم يوص بولاية العهد ~~لأحد من أهله، ولا هو يستطيع الآن وصاية، إذن فالشقاق منظور، ما رأيك أنت يا ~~بيبرس؟ # بيبرس ~~: # أكاد أرى سيدتي تنهي إلينا نبأ الفاجعة في مولانا السلطان شيئا ~~فشيئا، فإن كان كذلك فإنا لله وإنا إليه راجعون. # شجرة ~~: # إنا لله وإنا إليه راجعون، قضي الأمر أيها الأمراء. ~~(تبكي شجرة الدر) ~~. # بيبرس ~~: # اللهم لا حول ولا قوة إلا بك. ~~(تبكي ~~شجرة الدر ويقف الرجال محزونين) ~~. # فخر ~~: # ترفقي بنفسك يا مولاتي، اذكري قوله تعالى: # وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم ~~مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ~~. # محسن ~~: # إن لنا في رسول الله أسوة حسنة، لعمري ليس هذا أوان البكاء ~~والنحيب وإنما هو أوان الرأي والتدبير، أفتريدين أن تشغلي بالك بالحزن حتى تفقد ~~مصر رأسها؟ إنا نعلم أنك كنت صاحبة الأمر أيام كان مولاي في حصار حمص، وكنت ذات ~~الرأي منذ لزم السلطان فراشه، فإذا استسلمت للأسى استسلمت البلاد للأخطار، ~~ووقعنا أسرى في أيدي الفرنسيس، وكنت أنت في مقدمتنا، إن كان لمولاي الراحل عليك ~~حرمة فارعها اليوم بإرجاء الحزن عليه، ودبري له ملكه الذي كان يغار عليه غيرة ~~عظيمة. # أقطاي ~~: # صدق محسن يا مولاتي ms14 ، ورأيي أن تمضي فيما كنت فيه من تدبير شئون ~~الدولة، وتكوني ملكة مصر والمسلمين طرا، ونحن كما نحن مواليك المخلصين. # شجرة ~~: # ملكة المسلمين! أفقدت الديار رجلا؟ كلا، لم أكن لأحدث في ~~الإسلام خرقا يا أقطاي. # أقطاي ~~: # ولكن ماذا نفعل يا سيدتي، ولم يوص مولانا بولاية العهد لأحد من ~~آل بيت بني أيوب؟ إنك والدة ولده خليل رحمه الله، وقد فاضت أيديك كرما على أهل ~~مصر والشام حتى أصبحت ولك في كل قلب عرش وفي كل فؤاد مقام، وعلم الناس أن ~~مولانا كان يعهد إليك في تدبير الدولة في غيبته لفضلك وكياستك، فإذا توليت ~~أمرهم بما عهد فيك من الحصافة وبعد النظر كان أجرك عند الله عظيما، كذلك كان ~~أجر خاتون بنت الملك العادل، فقد ملكت حلب بعد وفاة ابنها العزيز، وتصرفت في ~~الأمر تصرف السلاطين، وقامت بالملك أحسن قيام. # 9 # شجرة ~~: # أجل ولكني لا أريد أن أغضب الرسول في قبره، أم تريدون أن يحق ~~عليكم قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يفلح قوم ولوا عليهم امرأة»؟ # بيبرس ~~: # بارك الله في سيدة نساء المسلمين، استمعوا لي أيها الأمراء إن ~~إعلان الخبر اليوم أذى لمصر فلا بد من الكتمان. # فخر ~~: # أجل. أجل. # محسن ~~: # لا شك في ذلك. # بيبرس ~~: # وما دامت مولاتنا لا ترى رأي أقطاي فلنبعث بأحدنا الليلة إلى ~~ديار بكر سرا، وليكن أقطاي نفسه إلى الأمير طور الشاه بن السلطان الكريم ~~يخبره بالنبأ المشئوم، ويأتي به إلى مصر لتولي شئون الدولة بعد أبيه. # محسن ~~(بإنكار) ~~: # أتريد هذا سلطانا علينا؟ # بيبرس ~~: # أجل. # محسن ~~: # نحن لا نريد سلطانا كهذا يا بيبرس، إنه ليس كأبيه ولا جده. # بيبرس ~~: # كلا ولكن المصريين لا يريدون إلا ملكا من بيت بني أيوب. # محسن ~~: # انظر لنا رجل من كرامهم، فما الملك هنة من الهنات. # بيبرس ~~: # نحن اليوم في غمرة، وإني لأخشى الفتنة في الداخل إن هممنا بمثل ~~هذا. # محسن ~~: # ولكنه لا يصلح، أتريد أن يملأها خمرا وحمقا ونزقا، إني ما سمعت ~~أباه يذكره بخير أبدا، هل بعث به إلى أقصى ms15 الأرض من مملكة الشرق وجعله واليا ~~على كيفا إلا ليريح هذه البلاد من نزقه؟ # بيبرس ~~: # أعرف ذلك، ولكن الدولة ليست بسلطانها ولا بملكها وحده يا محسن. # محسن ~~: # بمن إذن؟ # بيبرس ~~: # برجالها، بنفوس أبنائها، فإن كان السلطان عظيما وهي دونه لم ~~يفدها جلالة كثيرا، وإن كانت عظيمة وهو دونها لم يضرها ذلك فتيلا، ونحن والحمد ~~لله قوم لا نعرف في الحق زيغا ولا في الوطن مراء. # شجرة ~~: # الحمد لله على ذلك. # الجميع ~~: # حييت يا بيبرس. # بيبرس ~~: # فلنوله علينا طوعا لإرادة الناس ورعاية لعرف البلاد، إن ~~المصريين لا يريدون إلا ملكا من بيت الصالح. # محسن ~~: # حتى ولو مال عن الحق؟ # بيبرس ~~: # إذا مال عن الحق فما هو بأعز جانبا من عمر إلا أن تتلمسوا ~~سيوفكم فلا تجدوها. # محسن ~~: # ولكن مولاي لم يوص بولاية العهد إلى طور الشاه، فكيف يرضى به ~~الناس؟ إنا لا نريد أن يتخذها دعاة الملك من بيت العادل والناصر فرصة للتفريق. # بيبرس ~~: # بين مصر وكيفا مسيرة أربعة أشهر ذهابا وجيئة، ولست أظننا نقصر ~~عن دفع العدو في غضونها. # فخر ~~(يقاطعه) ~~: # ولكنكم نسيتم أنه قد يتسرب خبر موت سلطاننا إلى الناس من حيث لا ~~نعلم فيفسد عملنا كله. # بيبرس ~~(بصوت المتضايق) ~~: # إذن فلتكتب مولاتنا من فورها رسالة بالخط الذي راسلتك به أنت ~~والفارس أقطاي، وهو يكاد يكون خط السلطان بعينه ... # شجرة ~~(تقاطعه) ~~: # إنه خط كاتبي سهيل. # 10 # أقطاي ~~(يلتفت متعجبا لسهيل) ~~: # خط سهيل! # سهيل ~~: # إنه خطي أيها الفارس ~~(يبتسم) ~~. # بيبرس ~~: # إذن فليكتب سهيل بخطه وبتوقيع السلطان إلى الأمر في قلعة ~~الجبل في القاهرة، وإلى من كان منهم هنا في المنصورة بالطاعة للسلطان الصالح ~~كأنه لا يزال حيا، وبولاية العهد لولده طور الشاه حتى نأمن هذا الجانب من ~~تدبيرنا. # الجميع ~~: # حسن حسن. # بيبرس ~~: # وبالأتابكية للأمير فخر الدين يوسف ابن شيخ الشيوخ ~~(يشير إلى فخر الدين) ~~. # فخر ~~: # لي أنا؟ كلا أيها الأمراء إن نجمي قد أفل، عليكم بغيري وليكن ~~ركن الدين نفسه ~~(يشير إلى بيبرس) # إنه ~~لأكبرنا همة وأعزنا نفرا. # بيبرس ~~: # بل لك ms16 أنت يا فخر الدين، إنك لكبيرنا وعمادنا على كل حال، وما ~~الأتابكية إلا حق لك غير موفور. # سهيل ~~: # يا لجميل الاعتراف! # أقطاي ~~: # هذا أرعى لذمة السر يا رجال. # شجرة ~~: # صدقت يا أقطاي. # محسن ~~: # لا بد من ذلك يا فخر الدين. # فخر ~~: # شكرا لكم أيها الإخوان. # بيبرس ~~: # وليقم فخر الدين إلى حسام الدين لاجين يجمع في داره الأمراء ~~ويحفلهم على ذلك وأنا أول الحالفين. # شجرة ~~: # مرحى للبطل. # بيبرس ~~: # وليبق كل امرئ منا على ما كان عليه، فمحسن ناظرا للخاص، وسهيل ~~لكتابة السر، وأقطاي في إمرة التدريب ونيابة الأتابكية، وعز الدين وقطز وبلبان ~~وتكز وبيبرس ولاجين فيما هم فيه من الأمرة، ولتبق مولاتنا شجرة الدر تدبر الأمر ~~شورى، حتى يأتي الأمير طور الشاه، عندئذ نعلن ما قد خفي وقد جزنا مرحلة الخطر ~~سالمين. # أقطاي ~~: # أصبت. # فخر ~~: # أصبت. # شجرة ~~: # بارك الله فيك. # بيبرس ~~: # فأما مولانا عليه الرحمة فيوارى لحده في غفلة القصر، وتبقى ~~مولاتنا على كتمان أمره لا تغير عادة من عاداته، بل يخرج الطعام في أوقاته ~~ويصعد الأطباء على عهدهم، ثم يصرفون بعذر يختلق. # شجرة ~~: # هذا خير ما يفعل، أليس كذلك يا محسن؟ # محسن ~~: # نعم الرأي يا مولاتي. # شجرة ~~: # وأنتم أيها الأمراء أتقسمون عليه؟ # الأمراء ~~: # نعم. # شجرة ~~: # صدق بيبرس إن الدولة برجالها، هات القرآن يا سهيل، أأنت متوضئ؟ # سهيل ~~: # لم يطلع الفجر بعد يا مولاتي، هاته أنت يا بيبرس لقد كنت تقرأ ~~فيه الساعة. # بيبرس ~~(يتناول كرسي المصحف بين يديه) ~~: # ها هو ذا يا مولاتي، ~~(ويضعه فوق ~~الكرسي المضلع الذي تحت الثريا) ~~. # شجرة ~~(تتناول المصحف وهو مفتوح فتقبله وترده) ~~: # تقدموا. # بيبرس ~~(ساعة تقدم الأمراء الحاضرين يستل سيفه ويضعه بين دفتي ~~المصحف) ~~: # إن لهذا السيف حرمة فليكن مع القرآن في قراب. # شجرة ~~: # أحسنت، ~~(للأمراء) # أقسموا ~~(يضعون أيديهم معها على الكتاب والسيف، وسهيل يضع ~~يده في منديل يتناوله من حياصته وتكون يد شجرة الدر فوق الجميع، وهي تقول ~~والأمراء يرددون كل كلمة تقولها) # نقسم بالله العظيم ~~(يرددون) # ونبيه الكريم ~~(يرددون) # وكتابه هذا ~~(يرددون) ~~، وهذا ms17 السيف المسلول ~~(يرددون) # أن نحفظ السر ~~(يرددون) ~~، ونعمل بما أبداه بيبرس ~~(يرددون) ~~. # بيبرس ~~(يتمم) ~~: # ونكون عونا لمولاتنا ~~(يرددها الأمراء ~~وحدهم) # ما دامت على الحق والسنة ~~(يرددون) ~~. # شجرة ~~(ترفع كفها ويرفع الأمراء أيديهم ويعودون إلى أماكنهم ~~الأولى ويأخذ بيبرس سيفه ويغمده في قرابه) ~~: # حياكم الله أيها الأمراء، بمثل هذا تقوم الممالك، عودوا الآن ~~على بركة الله، سأدعوكم كلما جد في الأمر شيء، ما كنت فاعلة أمرا حتى تفتون، ~~اذهب الآن يا سهيل أنت وأقطاي لكتابة الرسائل. # سهيل وأقطاي ~~: # سمعا يا مولاتي ~~(يخرجان من الباب ~~الخاص) ~~. # شجرة ~~: # وأنت يا بيبرس فأتني بأختي طاهرة نقية أو فأتني برأس هاتك ~~حجابها ~~(تتراجع قليلا) ~~. # بيبرس ~~: # ويل لهاتك حجاب المؤمنات! أما وهذا السيف الذي لا يعرف في الحق ~~لومة ولا للبغاة حرمة لأطهرن البلاد منهم، أو لأغمدنه في صدري، لآتينك بأختك ~~كريمة أو أموت دونها كريما. # شجرة ~~: # إذن فاذهب إليها، إني أسمعها تدعوك ~~(تهم بالخروج من حيث أتت وتلتفت مولية) ~~. # بيبرس ~~(يمد يده للسيف فيجرده ويقيمه أمام ناظريه يحادثه وهو يهتز ~~وينتفض) ~~: # أيها السيف قد دعوتك فانهض # إن بنت الكرام رهن اللئام # قد أهابت بنا فإن لم نجرها # ففراقا طول المدى يا حسامي ~~(ثم يضرب بالسيف في الفضاء إلى أسفل). # | الفصل الثاني # المنظر # يزاح الستار عن رحبة براح وراءها جدار عزبة قصير، فيه باب ذو مصراع واحد من الخشب، ~~ووراء الجدار بستان تلوح منه أشجار توت، يظهر من ورائها بنيان بيت صغير، وراءه وحوله في ~~«الفندو» بيوت صغيرة للفلاحين، وإلى جانب الباب دكة من الخشب ذات مسند وقد فرش عليها ~~شريط من الحصير، وضعت عليه وسادة وراءها حشية وإلى المسند حشية مثلها، ويرى إلى اليمين ~~بالنسبة للمتفرج طريق على رأسها شجرة صفصاف وإلى اليسار طريق على رأسها ساقية: # يخرج برنار صاحب العزبة من باب الجدار على مهل، وهو رجل في السبعين من عمره لم تقوس ~~ظهره السنون إلا قليلا، ولكنه أبيض شعر الرأس واللحية والشارب. لباسه لباس فلاح فرنسي ~~متمصر وعلى رأسه كلوتة سوداء رقيقة، وقد ms18 ارتدى عباءة أشبه بالجبة من صوف سميك اتقاء ~~البرد، وتكون في يده عكازه ساعة دخوله، وإذا فتح الباب تركه مفتوحا، وأخذ ينظر في ~~المكان. والوقت بعد الفجر بقليل ثم تبزغ الشمس شيئا فشيئا فيستضئ المكان. # برنار ~~(يجلس على الوسادة ثم ينادي) ~~: # ماري ~~(يصفق) # ماري، أين ماري ~~يا ترى؟ لعلها تصلي الآن للعذراء. ~~(يصفق) # أو ~~لعلها ذهبت تسقي البقر، الرب وأمه يباركان لي فيها. # مريم ~~(تأتي من اليمين من طريق الصفصافة وعلى رأسها قفة فيها ~~تبن) ~~: # أنت الذي تنادي يا أبي؟ # برنار ~~: # أجل يا ابنتي. # مريم ~~: # وكنت تدعو لي يا أبي؟ # برنار ~~: # كيف لا يا ابنتي؟ إنك تنهضين قبل أن أنهض، وأنا رجل مسن وأنت ~~طفلة في السادسة عشر من عمرك، وتقومين بخدمة أبيك، وما وكل الله إلينا من ~~الحيوان. # مريم ~~: # شكرا لك يا أبي، إن محبتك لي ورضاك عني يملآن قلبي غبطة ~~ونعيما، تالله لا قدرة لي على شكر فضلك. # برنار ~~: # بل إن فضلك لا يقدر ولا يحسب، ألست أنت التي حقنت دماء بني قومي ~~حيال دمياط ثم وهبتها لهم فنزلوها آمنين؟ تعالي تعالي أقبلك ~~(تنزل عن قامتها قليلا وتدنو منه فيقبلها) # هنيئا لك ملكوت السماوات يا ماري. # مريم ~~: # لا تدعني ماري يا أبتي، ادعني مريم، إنني مصرية وأكره أن أدعى ~~بغير ما تدعى به سمياتي من فتيات القرية ~~(تذهب فتضع ~~القفة على ترس الساقية) ~~. # برنار ~~: # لا بأس، ولكنه اعتياد اللسان يا ابنتي ~~(يصمت) ~~، لماذا تأخر فيليب يا ترى؟ # مريم ~~(وهي تعبث بالتبن) ~~: # أأنت على موعد معه يا أبتي؟ # برنار ~~: # كلا، ولكنه يأتيني ليلة الإثنين من كل أسبوع يحدثني بأخبار ~~القصر في المنصورة، ويقص علي كل ما يجري هناك، أليس هو الذي أخبرني بمقدم ~~سلطان هذا البلد من حمص في هودجه مريضا لإعداد دمياط للقاء الفرنسيس، فأرسلتك ~~إلى فخر الدين بتلك الحيلة التي انطلت عليه، ثم أليس هو الذي ... الذي ... الذي ~~أخبرني باشتداد المرض عليه فأرسلت إلى الملك لويس بالمسير؟ إنه فرنسي مثلي ~~أتحسبين أننا ننسى وطننا يا مريم؟ # مريم ms19 ~~: # زعمت أنك من أهل هذي البلد يا أبتي. # برنار ~~: # كلا يا ابنتي إنني فرنسي، كنت جنديا في جيش الأمير يوحنا ~~دوبريان الذي نزل بدمياط منذ ثلاثين سنة، وكنت قبلها خادما في قصر أم ملك ~~فرنسا لويس العظيم نفسه، فلما دارت الدائرة علينا في فارسكور هذه وقعت أسيرا ~~في قبضة الملك عيسى عم هذا السلطان، ثم وقع فيليب وهو فتى صغير السن لم يبلغ ~~العاشرة في يد الملك موسى عمه الآخر. # مريم ~~: # أكان فيليب جنديا وهو في العاشرة من العمر؟ # برنار ~~: # لم يكن جنديا، ولكن أباه كان طبيبا ولم يكن له من الدنيا إلا ~~فيليب هذا، فلما أتى في ركاب الأمير استصحبه معه ومات الرجل في الأسر وظل ~~الغلام في بيت عيسى حتى عاد إلى مصر، وكان قد عرف من الطب شيئا كثير فنشأ طبيبا ~~كأبيه، آه يا مريم، لولا أن هذين الأميرين جاءا من الشام لنصرة أخيهما والد هذا ~~السلطان لنلنا النصر يومئذ ... ولكنه مقدر ... # مريم ~~: # وكيف نجوت أنت من الأسر يا أبتي؟ # برنار ~~: # نجاني الله بفضل رجل عربي كان يقطن هذه الجهات دعاني للعيش معه ~~حتى أعود إلى وطني، ولكني آثرت الدير فطرقته وعشت فيه أعواما طويلة خادما ~~لأهله وللرب. # مريم ~~: # أما فكرت في العودة إلى بلادك؟ أم استطبت هواء البلاد؟ # برنار ~~: # ما كنت أدعو الله في أمر إلا أن أعود إلى بلادي، ولكن أهل الدير ~~حذروني من الظهور للناس، فلما مات السلطان الكامل أبو هذا السلطان تغيرت ~~الأمور، وأرسلت إلى مولاتي أم الملك لويس لتنقذني فجاءني منها أن ابنها العظيم ~~آت إلى مصر وسيعود بي ... فخرجت إلى الدنيا، وقد تعلمت لغة القوم وجاهدت في العيش ~~حتى أصبحت ولي هذه الدار وهذه المزرعة. # مريم ~~: # كل ذلك بعد أن جاءك الخبر من أم الملك. # برنار ~~: # أجل يا ابنتي، لقد تأخر عشر سنوات كاملة، ولكنه فعل حسنا فإني ~~استطعت بلا سيف ولا قتال أن أفتح دمياط، وأجعل طريق المنصورة مفتوحة لهم، فإذا ~~امتلكوها لم يبق أمامهم إلا قلعة الجبل، ومثلها لا ms20 يعز على الملك لويس، وعندئذ ~~أكون قد انتقمت لقومي ولنفسي، ثم أرجع معهم إلى فرنسا وأترك هذه البلاد جميعها. # مريم ~~: # وي! # برنار ~~: # نعم أتركها لا آخذ منها شيئا إلا سيفي النائم في قرابه منذ تسع ~~وعشرين سنة حتى أكله الصدأ، وأما داري هذه وهذه الأرض التي أطعمتني من جوع فإني ~~أتركها لك جزاء خدمتك لي، وأمانتك منذ كنا في الدير. # مريم ~~: # وتتركني يا أبتي؟ # برنار ~~: # آه يا ابنتي، هذا ما تألم له نفسي يا مريم، فأنه لا بد من ~~فراقك، ولكن الرب يحرسك وأمه. # مريم ~~: # كلا، لا تفارقني يا أبتي، إني لا أشتهي المقام بهذه الدار من ~~بعدك. # برنار ~~: # شكرا لكي يا بنيتي، إني سأوصي بك فيليب خيرا. # مريم ~~: # وي فيليب! ولماذا لا تأخذني معك؟ # برنار ~~: # لا أستطيع ذلك. # مريم ~~: # لماذا؟ # برنار ~~: # هواء فرنسا لا يطيب لك يا ابنتي، بيد أن فرنسا لا تضيف إلا ~~الفرنسيين وأنت غريبة عنهم، فلا يأمنوا لك وربما آذوك أو قتلوك. # مريم ~~: # يقتلوني جزاء ما فعلت ... أهم كذلك؟ # برنار ~~: # كلا كلا، ولكن وربما ... بل هم ... # مريم ~~: # أما والله لقد كان في فؤادي يوم أرسلتني إلى فخر الدين وخز ~~أليم. # برنار ~~(باحتداد) ~~: # وخز أليم! وخز أليم! ادخلي ادخلي، قدمي العلف للبقر ~~(تذهب إلى القفة تأخذها وتدخل) # لعنة الله عليك ~~من وقاح، لن تفارق الدم غريزته ولا القلب طبيعته ~~(هنا ~~يدخل هبة الله في ملابس كاتب من كتاب القصر ... قباء قصير على قفطان من ~~الكمخا، أي: «الشاهي» العريض التخطيط جدا ومنطقة عريضة إلا أنه لبس فوق ~~ذلك برنسا عربيا مشقوقا من قمته إلى رأس الفؤاد فقط وله أقباع «طرطور» ~~متصل بالبرنس عند العاتق، وعلى رأسه كلوتة دقيقة مضربة اعتم عليها بشاش ~~من القطن تحنك به على زي المغاربة، وهو لبس الفاطميين الذين جاءت الدولة ~~القائمة على أثرهم منذ عهد يعد قريبا، ولذلك لم تتغير ملابس العامة في ~~أيام الفاطميين، وظل هذا اللباس لباس العرب في كل مكان، وقد لبس هبة الله ~~لبسهم ليتنكر، وهبة هذا رجل قصير ms21 القامة مستطيل الوجه أسمره نوعا ما، ذو ~~عينين واسعتين وحاجبه مقوس قليلا يحكم من يراه أنه ممن يتعمقون في بحث ~~الأمور العادية التي تنكشف لأول وهلة، وذلك لما طبع عليه من الارتياب ~~والتشوش الذهني، على شيء من الغرور، وتقصي الآمال الكاذبة، فإذا رآه برنار ~~وقف متهللا، وهو متكئ على عكازته) # مرحبا مرحبا، ادن مني ~~(يسلم عليه ويقبله) # بركة الرب عليك، ~~حسبتك تخلف الموعد يا أخي. # هبة ~~: # لا يخلف الموعد إلا لئيم ولكني تأخرت الليلة لآتيك بالنبأ ~~العظيم. # برنار ~~: # مرحى مرحى. ~~(يهم بالجلوس) # اجلس اجلس. هات ما وراءك، أقضى الرجل نحبه؟ # هبة ~~: # قضى أو كاد ~~(يجلس) ~~. # برنار ~~(يبحث في جيبه ويخرج حقا) ~~: # لقد كنت أعددت لك هذا الحق أيضا. # هبة ~~(يشير له بظهر يده إشارة الرفض) ~~: # لا حاجة لي به، دخلت عليه ليلة الأمس فوجدت مرهمك الأول يسري في ~~عروقه حتى ازرق أديمه، واخضرت أصابعه فمرخته به مرة أخرى وخرجت. # برنار ~~: # هذا ما قدرت ~~(يعيد الحق إلى ~~ثيابه) ~~، ولذلك أرسلت إلى الملك لويس أخبره بذلك، وأشير عليه ~~بالزحف إلى فارسكور، وقد عاد الرسول يخبرني أنه كان يستعد لذلك؛ إذ جاءه جيش ~~مدد من عكاء، ولما بلغته رسالتي عرضها على باروناته فسروا سرورا عظيما ~~وزحفوا من فورهم. # هبة ~~: # مرحى مرحى. # برنار ~~: # نشكر الرب، إنه سيدهمهم وهم مشغولون بسلطانهم، وليس له في مصر ~~ولي عهد، ولا بد أن ينقسموا على أنفسهم فيقاتل بعضهم بعضا، ليت شعرى أين يكون ~~الملك الآن؟ # هبة ~~: # لقد رأيت مخيما من بعيد فلعلهم بلغوا هذه المحلة. # برنار ~~: # لا حاجة إلى ذلك، لقد أرسل يخبرني أنه إذا بلغ فارسكور مر بي ~~في طريقه إلى الدير القديم إلى هذه القرية لزيارة أيقوناته، فإذا لقيته نصحته ~~بالمسير إلى بحر أشموم على الفور، كيف صار لويس يا ترى؟ ... لقد كان صبيا جميل ~~الصورة بريء النظرة يوم غادرت بيتهم لأحمل الصليب، كنت أقول له وأنا ألاعبه: ~~إنك يا لويس مثل الملك الأعلى وستكون قديسا، وقد أصبح كذلك، إنه لا ينطق إلا ~~بمثل كلام الرب ms22 ولا يفعل إلا الخير. # هبة ~~: # إني أشتهي رؤيته فعسى الرب أن ينهضه اليوم لزيارة الدير وزيارتك ~~حتى أراه، وأتقدم بعبوديتي إليه، ليتني كنت في خدمة أمه مثلك يا برنار. # برنار ~~: # إني سأذكر له فضلك يا فيليب ولن تعدم إليه زلفى، ولعمري لتصبحن ~~في الأمراء يوم يستولي لويس على قلعة الجبل وحصن بابليون، وإذا لقيت باروناته ~~فسأحادثهم في أمرك وأبين لهم أنك بصير بدخائل هذه الدولة وأنك تصلح للولاية. # هبة ~~(يتناول يد برنار ويقبلها) ~~: # شكرا شكرا. # برنار ~~: # هل يجدون أعرف منك أو أقدر أو أخلص؟! # هبة ~~: # شكرا لك يا برنار على حسن ظنك، ولكني لا أبتغي من نعيم الدنيا ~~وأعلاقها شيئا أفضل عندي من الزواج بصفية أخت شجرة الدر، ترى ماذا فعلوا بها؟ # برنار ~~: # لقد خرجت من يدهم وأرى خيرا لك أن تصون على نفسك أشواقها فقد ~~أصبحت الآن ملكا للأمير دارتوا. # هبة ~~: # للأمير دارتوا؟! # برنار ~~: # أجل. # هبة ~~: # وي! كيف وصلت إليه؟ # برنار ~~: # لا أدري إلا أنه جاءني بها. # هبة ~~(ينهض مضطربا) ~~: # جاءك بها؟ # برنار ~~(ينظر إليه جامدا) ~~: # أجل. # هبة ~~(محاولا مداراة اضطرابه) ~~: # وهل كان يعرفك؟ # برنار ~~: # لا بد أنه سمع من أخيه الملك، وقد عاد برفقة رسولي الذي كنت ~~أرسلته إليه. # هبة ~~: # وكيف أخذها وكانت في حراسة الملكة مرغريت؟ # برنار ~~(على حالة من الجمود) ~~: # لا أدري سوى أنه أودعني إياها وعاد، وأوصاني أن أكتم خبرها عن ~~الناس، ولكني أعرف أنك لست فيمن يعني، إنما يعني أخاه الملك وباروناته أرباب ~~المشورة ومن على شاكلتهم. # هبة ~~: # ولكن ... سرقها؟ إن هذا الأمير فاسق جريء، إنه اتخذ مقامه في ~~دمياط فرصة ليقيم فيها سوق الفسوق والبغي، حتى ضج منه جميع الناس. # برنار ~~: # الظاهر أنه سرقها، فأن الملك لا يمكن أن يكون قد أسلمها إليه ~~إلا أن يكون غافلا عما يفعله أخوه. # هبة ~~: # إذن فإن الملك سيغضب لاختفائها لئلا تسوء سمعته في بلاد مصر ~~بأجمعها. # برنار ~~: # لا شك، إن لويس قديس كريم. # هبة ~~: # فإذا علم أنها كانت هنا صب جام غضبه عليك. # برنار ~~: # لماذا؟ # هبة ms23 ~~: # سيرى أنك شريك في الجرم، يجب عليك أن تخبره. # برنار ~~: # أخبره ليقتلني دارتوا! إني أريد أن أظل على قيد الحياة حتى أرى ~~أحفادي ولكن من ذا يدريه أنها هنا. # هبة ~~(يغضب) ~~: # أنا سيدي. # برنار ~~(يضحك) ~~: # أنت؟ لقد هان الأمر! # هبة ~~: # أتعجب لذلك؟ # برنار ~~: # لماذا؟ أتريد أن تتولى أنت إخفاءها؟ ~~(يضحك) ~~. # هبة ~~: # كلا، ولكنك تعلم أني عالق القلب بهذي الفتاة منذ عرفتها، ولا ~~أزال أؤمل أن تكون زوجة لي، فإذا وقعت في يد الكونت دارتوا لم أظفر بها، ولكني ~~أرجو إذا هي بقيت في بيت الملك أن أسأله إياها أجرا على ما فعلت. # برنار ~~: # ولكنك تعرضني لنقمة الكونت دارتوا يا فيليب. # هبة ~~: # لا يهمني يا سيدي، كيف يهون على المحب أن يرى من يهوى في يد ~~سواه؟ إما أن تتفق معي عليها، أو أخبرت الملك بأمرها ~~(يجلس) ~~. # برنار ~~: # أفعل ما تريد يا هبة الله. # هبة ~~(يؤخذ ويصعق) ~~: # هبة الله! ألم أقل لك لا تدعني بهذا الاسم ما دمت معك. # برنار ~~(بغضب خفي) ~~: # بلى، ولكني أردت أن أبين لك أن كشف السر عن اسمك وحده يذعرك ~~(بتهديد) # ويحك! إني أملك استماحة مولاي ~~الملك عذرا، أما أنت فلا تستطيع مواجهة بيبرس إذا أنا أفشيت له بعض أمرك ~~(ينهض هبة الله) # أعلمت أنك لا تزال أحمق ~~يا فيليب؟ ~~(هبة الله يفكر مليا وتبدو عليه علامات ~~التوفق إلى فكرة ناجحة فيكتمها، ثم يعود فتظهر عليه علامات ~~اليأس) ~~، اجلس لا تفكر في أن تعلم الملك أو تعلم بيبرس بشأني وشأنها ~~فقد ذهب زمان ذلك، إن الملك على مرمى السهم منا فلم يعد لبيبرس سبيل إلي، أما ~~أنت فإني أستطيع أن أخبره بما فعلت للسلطان وأنا في أمان، والآن إذ قضيت إربي ~~منك ومن الفتاة التي استودعتني إياها طفلة في الدير منذ خمسة عشر عاما ~~... # هبة ~~: # مريم؟ # برنار ~~: # بل عائشة التي سميتها مريم، بنت الفارس أقطاي الجمداري التي ~~حملك سخطك على أمها ومقتك لأبيها وجنونك أن تختطف ابنتهما من مهدها، وتأتي بها ~~إلي لتحرق قلبها عليها، آه ms24 يا لئيم، إن رسالتك لا تزال معي. # هبة ~~: # ويحك! ويحك! أتريد أن يفتضح أمري بعد كل خفائه، وأنت الذي أشرت ~~علي به؟ # برنار ~~: # اخرج، هذه هي تطعم البقر فخذها ولا تقابلني بعد اليوم، إني ~~أصبحت أمقتها هي أيضا. هلم ~~(هنا تأتي مريم من الدار ~~وعلى رأسها بلاص) # هذه هي ~~(تتقدم مريم ~~مارة أمام الرجلين وتخرج من الطريق التي عليها الصفصافة يمينا وهي ~~مغضبة) ~~. # هبة ~~: # رباه! كيف تنكرت لي على عجل يا برنار؟ أهذه مروءة الإخوان؟ # برنار ~~: # ويحك! ~~(يقف ينظر إليه) # أينا ~~تنكر لأخيه، ~~(يلتفت) # أما والله ما رأيت في ~~الرجال مثلك أخرق، ~~(يلتفت) # أقوال متناقضة ~~وأفعال غريبة يعزوها الإنسان إلى سعة حيلة وسداد رأي، أو تعزوها أنت، وما هي ~~إلا خطل وبلة، كلما رأيت في الأمر وجها خفيا أو مظلما سرت إليه تلتمسه فتنقض ~~هذا وتقيم ذاك، ولا تدري عاقبة هذا ولا ذاك، ويحك، أما والله لولا أنني تدبرت ~~الأمر كله لأفسدت علي كل عملي. # هبة ~~(ينهض) ~~: # معذرة يا برنار، معذرة، إن المحب مفقود الحجا، أصفح عني، يدك ~~أقبلها ~~(يتناولها بشدة ويقبلها ثم يأخذ ينظر إليه ~~ضارعا) ~~. # برنار ~~(ينظر إليه في أثناء ذلك صامتا) ~~: # انهض انهض. إنك لأبله، أتظن أنك تستطيع أن تخفيها عن عيون بيبرس ~~وهو موعود بها، وقد علم بأمرها كما أخبرتني، بل ألم تخبرهم أنت بذلك يا أبله، ~~لماذا فعلت ذلك؟ أليس هذا لأن ميزان عقلك قد خرب منذ زمان بعيد؟ لماذا خبرتهم؟ ~~أية فائدة لك من هذا الإخبار؟ ما خطبك؟ قم قم. لا تحزن إني أعدك بها. سأحادث ~~دارتوا في شأنها، ولكن لا تسألني عما سأفعل ~~(هنا تبزغ ~~الشمس ويرى سهمها على الصفصافة) ~~. # هبة ~~: # شكرا لك شكرا ~~(يقبل يده) # لا ~~تذكر إلا الخير ~~(يجلس بجواره مطرقا) ~~. ~~(وإذا بصفية أخت شجرة الدر تخطت عتبة باب العزبة وانحدرت إلى ~~اليمين، فإذا رآها برنار قام إليها مذعورا وأمسك بثيابها فسلت ثيابها عنه). ~~(أما ملابسها فقباء على شكل «بالطو» من الحرير الأحمر، وقفطان ~~من الحرير المعروف بالقطنية «الكمخا»، وعلى القباء ms25 برنس من الجوخ وعلى رأسها لفة ~~صغيرة من الحرير الملون، وهي فتاة في العشرين من عمرها بيضاء الوجه نحيفة الجسم ~~حلوة الطلعة متناسبة الأعضاء ذات عينين قويتي النظرة، وخد ممتلئ على صغر في ~~الوجه). # برنار ~~: # الأميرة صفية! أين تذهبين يا ابنتي؟ # هبة ~~: # صفية! ~~(يتلثم على الفور بشاش عمامته ~~ويضع يده على صدره ثم ينهض وينحدر إلى اليسار) ~~. # صفية ~~: # أجل إني صفية، دعني. هأنذا ساكنة، أتذعركم فتاة؟ # برنار ~~: # كلا ولكنك وديعة عندي ولا يليق ... ارجعي يا سيدتي. # صفية ~~: # وديعة! إن كنت وديعة عندك فقد وجبت عليك رعايتي، أم أن الودائع ~~عندكم لا يرون السماء ولا يستنشقون الهواء؟ ~~(يعود إلى مقعده ويتكئ بيمناه على المسند والعكازة في يده قائمة ~~على الأرض). # برنار ~~: # ولكنك يا ابنتي أسيرة، وقد جعلت عليك حارسا حتى أردك إليهم، ~~أأخون الأمانة؟ # صفية ~~: # تخون الأمانة! أية أمانة فيما تفعلون؟ ويحي أيها الشيخ. متى ~~كانت النساء تؤسر! ألم يرسلني ملك فرنسا العظيم إلى أختي كبرا عن أسر النساء؟ ~~فلم يشأ الذي ائتمنه أن يسير بي إليها؟ # برنار ~~: # ولكني لا أعرف إلا أن الكونت دارتوا أتى بك إلى داري هذه حتى ~~يعود إليك، وربما كان يريد أن يلتمس الطريق بك إلى أهلك. # صفية ~~: # ولكنك تعلم أنه جاء بي قسرا، وأنا أخت امرأة سلطانكم، فكيف ~~يقدر لي أن أجيء إلى هذا النجع المصري، ثم تبالغون أنتم في اعتقالي وإخفائي عن ~~عيون أهلي، بل وعن أعدائهم الأكرمين الذين كنت بين ظهرانيهم؟ # برنار ~~: # ولكن يا سيدتي ... ما حيلتي ~~(بلا ~~اكتراث) # لقد أصبحت هذه الدار ملكا للفرنسيس، فإذا أنا أطلقت سراحك ~~لم يطلقوا سراحي. # صفية ~~: # وماذا في ذلك؟ هب أنك اعتقلت فداء لصون فتاة، أفتجد هذا كثيرا ~~عليك؟ أم أن اختلاف ديني عن دينكم ينسيكم حق الله والوطن، ويبيح لكم أن تسلموا ~~أعراض المسلمات لهاتكها وترون في هذا زلفى إلى الله وقربانا؟ # برنار ~~(بحيرة وحده) ~~: # ولكنهم يقتلونني يا سيدتي، من ذا يطيق القتل؟ # صفية ~~: # آه، لو كنت عربيا لأطقته، ولكن ... # برنار ~~: # ويحك، ارجعي إلى حجرتك ms26 ~~(يشير بعكازه ~~يريد ضربها فلا تتحرك) ~~. # هبة ~~(وهو ملثم لا يبدو منه إلا عين ومارن أنف) ~~: # روحي عنك يا سيدتي. الشيخ معذور فيما يقول، إن الفرنسيس خيموا ~~الليلة بفارسكور، وقد أنزلوك في داره هذه من قبل حتى يردوك إلى أهلك بعد أن ~~أسروا من جئت معهم من الرجال، كما تقضي شريعة الحروب، فإذا هو لم يرد إليهم ~~أمانتهم فيما يدعون لم يكفهم فيك نساء هذه القرية جميعهن ~~(يشير يسارا) ~~. # صفية ~~(تنظر إليه باحتقار) ~~: # آه يا سيدي ما عهدت الملثم إلا عربيا كريما، ولكني أرى قولك ~~أدنى إلى قوله، أفأنت من هذا النجع وأهله؟ # هبة ~~(يغص بريقه) ~~: # هو كذلك يا سيدتي. # صفية ~~: # إن كنتم تخشون على فتياتكم فلا ضير عليكم ولا جناح إلا أن تروا ~~سبيل إنقاذهن ثم لاتبتغونها. # هبة ~~: # ولكن كيف السبيل؟ # صفية ~~: # اهجروا هذا النجع بهن جميعا، ارحلوا بهن إلى أختي في المنصورة، ~~تنزلكم منها مكانا عليا وتبدلكم من هذا النجع قصرا منيفا، وتكونوا من بعدها ~~قوما صالحين. # برنار ~~: # ادخلي ادخلي. لا تجري علينا برأيك الأذى، ذلك زمان تقضى ... إن ~~الفرنسيس آخذون المنصورة ومن فيها، وآخذون أختك أيضا، فاحمدي الله أنك الآن في ~~حماي. # صفية ~~: # ويحكم ويحكم. ما رأيت مثلكم قوما يتفاءلون الشر لبلادهم. # برنار ~~: # هوه، ادخلي يا ابنتي! # صفية ~~: # خسئت إن كان لي مثلك أبا. # برنار ~~(مهتاجا) ~~: # ويحك يا خاسرة ~~(يشير بعجازته يريد ~~ضربها فلا تتحرك، وهنا يسمع صراخ مريم خارج المكان) # ما هذا ~~الصراخ؟ ~~(تأتي مريم جارية من جهة اليسار مفككة الشعر ~~من أثر العراك، وتلقي نفسها أمام برنار جاثية وتبكي بشدة) ~~. # مريم ~~: # أنقذني يا أبي. ~~(ينهض نصف نهوض والعكازة في يده). # برنار ~~: # ماذا أصابك؟ # هبة ~~: # ماذا جرى؟ # مريم ~~: # خبئوني، ردوهم عني. # برنار ~~: # ماذا جرى؟ # مريم ~~: # خرجت أملأ الجرة من الترعة فلقيني الذي جاءنا بالأمس ~~(أثناء اللعب تخرج صفية فارة بنفسها خلسة من ~~اليمين) # فدهمني على حين بغتة. # برنار ~~: # محال يا ابنتي. # مريم ~~: # وي! لقد أراد أن يؤذيني يا أبتي. ~~(يدخل الكونت دارتوا فتنهض مريم مذعورة) # هذا ms27 هو ~~(تمسك برقبة الشيخ فيحاول إبعادها عنه لينهض لملاقاة ~~الكونت) ~~. ~~(ودارتوا لابس خوذة وقميصا مدرعا، تمنطق عليه بحزام علق فيه ~~سيفا، ولبس فوق هذا حرملة من الصوف الثقيل وفي رجله نعل رومانية، إذا دخل وقف بعد ~~الساقية بقليل). # دارتوا ~~: # أين الفتاة التي كانت على الماء؟ # برنار ~~: # مرحبا بالكونت دارتوا ~~(واقفا ومريم ~~بجواره) ~~. # دارتوا ~~(بلا اكتراث) ~~: # أين هي؟ # برنار ~~: # هذه هي ~~(يقدمها بلطف إليه وهي ~~تمانع) ~~. # مريم ~~(تنظر إليه فزعة منه دهشة) ~~: # ويلاه! # دارتوا ~~: # أجل هي بعينها، لماذا فررت مني يا صبية؟ ~~(يدنو منها) # لماذا؟ # هبة ~~: # لم تكن تعرفك يا سيدي. # مريم ~~: # كيف لا؟ أليس هذا الذي جاءنا بالأمس؟ # برنار ~~: # إذن فلماذا ذعرت؟ # هبة ~~: # هذا غريب. # مريم ~~(لهبة الله) ~~: # أيبغى الأمير علي ولا أذعر؟ # برنار ~~: # قبحت يا شقية، إليك عني ~~(يطردها ~~بعكازته) # معذرة أيها الأمير. # مريم ~~(تصرخ) ~~: # ارحمني يا فيليب ارحمني ~~(تبكي) ~~. # دارتوا ~~: # ما للفتاة مذعورة مني؟ # هبة ~~: # ليست مذعورة يا مولاي، ولكنها لا تزال طفلة ~~(يضحك ضحكة التلطف) ~~. # مريم ~~: # ويحكم كيف تتكلمون؟ ~~(تتركه وتتقدم ~~جاثية إلى دارتوا) # ارحمني أنت أيها الأمير، إنهم يسلمونني إليك ~~خشية منك والتماسا لفضلك، فاحفظ علي نفسي يحفظ الله عليك نفسك. # دارتوا ~~(يلتفت عنها) ~~: # انهضي انهضي، مثل هذا الذعر يقبض عنك النفس ~~(إلى برنار) # أين الوديعة؟ ~~(تهم مريم بدخول الدار هاربة وإذ ترى دارتوا يسير كأنه ~~يريد الدخول تنصرف عنه جارية، وتخرج من جهة الساقية، وبرنار يلتفت وينظر في ~~باب الدار كأنه يبحث عن صفية مذعورا فلما لم ير شيئا يعود، ويلتفت الكونت ~~إلى برنار ثم إلى هبة الله، ثم يلتفت برنار إلى هبة الله ودارتوا ينظر ~~إليهما) ~~. # برنار ~~: # أين هي؟ هربت! ويلاه، فيليب! لقد كانت أمامك، كيف تركتها؟ # هبة ~~: # ما هذا؟ أتريد أن توقع بي؟ ~~(يروح ~~ويجيء) # إنني لم أرها. # برنار ~~: # انظر لعلها ~~(هبة الله يلتفت هنا وهناك ~~ويذهب يسرة ثم يعود كأنه يبحث عن صفية) ~~. # دارتوا ~~: # أين تذهب؟ قف، ماذا تدبران؟ أين الفتاة؟ # برنار ~~: # كانت هنا، فلما شغلنا بأمر ماري وصراخها اختفت عن أعيننا ms28 . # دارتوا ~~: # كذبت يا لعين، إنك أرسلتها إلى أختها، ألم يجئ هذا العربي من ~~أجلها؟ # هبة ~~: # كلا وحق القديس أيها الأمير، ما أنا بعربي، إني أنا ... # برنار ~~: # هذا فيليب هبة الله الطبيب الذي ... # دارتوا ~~(يقاطعه) ~~: # ويحك، أتظنني آمنه؟ إذا كان قد خان سلطانه وصاحب نعمته فأجدر به ~~أن يخونني ~~(إلى هبة الله بشدة) # أين الفتاة؟ # هبة ~~: # وحق السموات لا أدري. ولكنها كانت هنا ~~(يلتفت إلى برنار ويحاول التكلم فيقفه ما يفعل الأمير) ~~. # دارتوا ~~(يقبض على لحية برنار) ~~: # إنك تخفيها في دارك لأخي بواتيه، إني رأيته آتيا إلى هذا المكان ~~ساعة شروق الشمس ~~(هنا يدخل الكونت بواتيه ومعه صفية، ~~وهو قابض على ضفائر شعرها، ولابس ملبس أخيه سواء بسواء مع اختلاف في لون ~~الحرملة) ~~. # صفية ~~: # يا أرحم الراحمين ارحمني. # برنار ~~(فرحا ويتقدم نحوها) ~~: # هذي هي، شكرا لأم الرب ~~(يتقدم بواتيه ~~من أخيه ويقبض برنار على ذراعها قائلا) # هذي هي هذي هي. # دارتوا ~~(يخاطب أخاه) ~~: # أين كانت الفتاة يا روبير؟ # بواتيه ~~: # قابلتها في الطريق عند منعطف الترعة فحسبتها الفتاة التي فرت ~~منك فإذا هي وديعتنا. # دارتوا ~~: # وديعتنا؟ إنها وديعتي وحدي يا روبير. # بواتيه ~~: # أجل ولكن كان ذلك باتفاق بيننا. # دارتوا ~~: # ليس على مثل هذا اتفاق، إن الملك أسلمني إياها وعهد إلي بردها ~~إلى أهلها في حراسة بعض رجالي فهي ملكي حتى أنفذ أمره. # بواتيه ~~: # ولكنها فرت منك بعد ذلك فأصبحت حرة ثم أسرتها أنا الآن فهي ملكي ~~وحدي. # دارتوا ~~: # هذا تخريف يا كونت. # بواتيه ~~(بغضب) ~~: # تخريف! # دارتوا ~~(بغضب) ~~: # وحمق وجنون. # بواتيه ~~: # إنك تهينني يا كونت ~~(يضع يديه على ~~مقبض سيفه) ~~. # دارتوا ~~(يضع يديه على مقبض سيفه ويجرده قليلا) ~~: # حسبك. # برنار ~~(يتقدم بينهما راجيا) ~~: # لا تقتتلا لاتقتتلا، لايليق بالأخوين أن يقتتلا، إن أخاكما ~~الملك قادم إلينا هذا الصباح، ولعله الآن في الطريق. # بواتيه ~~(يلتفت وجلا إلى برنار) ~~: # كيف؟ الملك آت؟ من أين لك هذا؟ # برنار ~~: # إنه وعد أن يزور خادم أمه القديم، وهو مار إلى الدير القريب ~~(تأتي مريم من جهة الساقية وعلى رأسها ms29 جرة «بلاص» ~~وتصل إلى الباب، فيلتفت برنار إليها ويخاطبها) # قفي يا مريم، ضعي ~~عنك هذه الجرة ~~(تضعها داخل الباب عن اليمين) # انظرا ~~(للأميرين) # أليست حسناء ناضرة، لا ~~يليق بالأخوين أن يقتتلا، هلم ادخلا الدار بهما. # الأميران ~~: # لا بأس لا بأس. # مريم وصفية ~~: # ويلاه - ويلاه! # صفية ~~(ضارعة متجهة إلى السماء) ~~: # رب إني أسلمت إليك أمري فنجني من القوم الظالمين. # بواتيه ~~(يتقدم من صفية) ~~: # ماذا تفعل الحسناء؟ تصلي؟ ما أجمل صلاتك؟ # دارتوا ~~(يتقدم من صفية أيضا ويقف وهو واضع يديه على ~~خاصرتيه) ~~: # إنا لا نريد بك سوءا يا مليحة، ادخلي الدار إن برد الصباح قاس ~~عليك. # صفية ~~: # اتق الله أيها الأمير وردني إلى أسري عند أخيك، ردني إلى قومك ~~بل إلى خادميكم، إنهم أرعى منكم للحرمات وأعرف بحق المروءة. # برنار ~~: # ويحك يا شقية، أتقولين هذا للأمير؟ # صفية ~~: # وسأذكره للملك أيضا ليرى كيف يخون الأمانة أهله. # بواتيه ~~(يلتفت إلى أخيه) ~~: # إني نزلت لك عنها يا دارتوا ~~(يذهب إلى ~~مريم) ~~. # دارتوا ~~: # شكرا. # مريم ~~: # ويلاه ويلاه! أبي أبي! # صفية ~~: # وابيبرس! وابيبرس ~~(تبكي) ~~. # برنار ~~(يضحك) ~~: # بيبرس؟ سيأتيك بيبرس على براق من السماء. ~~(والكل يضحكون) ~~. # دارتوا ~~: # هلم، ~~(يميل جهة باب العزبة يحاول جرها ~~من ذراعها) ~~. # صفية ~~: # واركن الدين! واركن الدين! # بيبرس ~~(من الخارج وعلى بعد) ~~: # لبيك لبيك! هأنذا يا مستغيثا بركن الدين! # هبة ~~: # بيبرس يا برنار! ~~(ويجري خارجا من جهة ~~الساقية) ~~. # برنار ~~: # بيبرس؟ # صفية ~~: # بيبرس! إلي إلي ~~(تقع مغشيا ~~عليها) ~~. # الأميران ~~(مذعورين) ~~: # بيبرس؟ ~~(هنا تسمع دقدقة سنابك خيل ~~راكضة) ~~. # دارتوا ~~: # ماذا نفعل؟ # برنار ~~: # ادخلا الدار بهما والزاما الباب من وراء، إنه قديم ~~المزلاج. ~~(يحملانها ويدخلان ويدخل برنار وراءهما ويغلقون الباب). ~~(يدخل بيبرس كما رأيناه أول فصل إلا أنه قد امتطى جوادا مسرجا ~~إسراجا عربيا فاخرا بكنبوش من الأطلس المزركش، ولجام من الذهب، ووراءه عبد أسود ~~يلبس قميصا من الصوف، وفي يده سيف، وعلى رأسه عمامة، وبيبرس في عدة القتال؛ فعلى ~~صدره درع، وعلى رأسه خوذة، وعلى فخذيه لامة مزردة. يكون دخوله من جهة الصفصافة ~~والسيف مسلول في ms30 يده). ~~(إذا رأته مريم هرعت إليه ضارعة وتعلقت بأهداب الكنبوش). # مريم ~~: # نجني نجني. # بيبرس ~~: # لا روع عليك، أنت بين ذراعي الأسد، روحي عنك روحي. ما خطبك؟ # مريم ~~: # أرادوا أن يسلموني الآن إلى الكونت أخي الملك أنا وفتاة أخرى ~~جاءوا بها إلينا أسيرة، فلما سمعوا صوتك عرفوك فأدخلوها ونسوني هنا والله لا ~~ينسى البائسين. # بيبرس ~~: # ومن أنت؟ # مريم ~~: # مريم ربيبة برنار صاحب هذا النجع. # بيبرس ~~: # يالضيعة المروءة! ومن هذه الفتاة الأسيرة يا ترى؟ # مريم ~~: # لا أدري، ولكنها فتاة تدعى صفية يقال: إنها أميرة، وهي التي ~~كانت تستغيث بك. # بيبرس ~~: # يا رحمة الله! صفية؟ # مريم ~~: # أجل. # بيبرس ~~: # اللهم شكرا. # صفية ~~(من الداخل) ~~: # بيبرس! بيبرس! # بيبرس ~~(ينزل عن جواده) ~~: # لبيك يا صفية! لبيك! هأنذا ~~(يخاطب ~~العبد) # خذ الجواد إلى الترعة وانتظرني هناك وكن مرهف الأذن، أتعرف ~~صوت بوقي؟ # العبد ~~: # كيف لا يا مولاي ~~(يخرج بالجواد من جهة ~~الساقية) ~~. # بيبرس ~~(يتقدم إلى الباب ويدق عليه بقبضة سيفه) ~~: # افتحوا. # برنار ~~: # لن نفتح لك. # صفية ~~(بصوت ضعيف) ~~: # بيبرس أنقذني. # بيبرس ~~: # لبيك يا حياة النفس ~~(ويدفع الباب ~~فينفتح ويجري من كان وراءه من الرجال، ويخطو خطوة إلى الداخل فيجد صفية ~~أمامه، فتلقي بنفسها في أحضانه فيرجع بها إلى المرزح) ~~. # صفية ~~: # ركن الدين! ركن الدين! # بيبرس ~~: # هأنذا بين يديك سري عنك. # صفية ~~(بفزع) ~~: # سر بي من هذا المكان بحقي عليك. # بيبرس ~~: # أنت معي فلا توجلي. # صفية ~~: # سر بي بحقي عليك. # بيبرس ~~: # لا تحزني، لقد ظفر بيبرس بك، ولم يظفر هذا السيف بمناه، وقد ~~آليت لأهتكن حجاب القلب ممن هتك لك حجابا ~~(يهم ~~بالدخول) ~~. # صفية ~~(تتعلق به) ~~: # لا تدخل لا تدخل. # مريم ~~: # لا تتركنا وحدنا. # صفية ~~: # سر بحق الله يا بيبرس، إن رؤية هذا النجع تذعر نفسي. # بيبرس ~~: # وقسمي يا صفية، قسمي إني ما حنثت في حياتي مرة؟ # صفية ~~(تجره) ~~: # ولن تحنث يا ركن الدين، إنك ملاقيهم عما قريب فبر بقسمك يومئذ. # مريم ~~: # أجل أجل. النجاة بالعرض أولى. # بيبرس ~~: # سري عنك، هيا بنا. ~~(يتحول بيبرس بهما صوب الساقية وتسير ms31 صفية إلى يمينه ومريم إلى ~~يساره إلا أنها تكون ملتفتة إلى الوراء، وإذا بالأميرين قد خرجا من الدار والسيف ~~مشهور في أيديهما وإذ تلمحهما مريم تصرخ). # مريم ~~: # سيفك أيها الأمير! # بيبرس ~~(يلتفت ويجرد سيفه على عجل وتقف الفتاتان وراءه ~~وينازلهما) ~~: # يا سبة الرجال أكذلك دأبكما؟ # برنار ~~(يخرج من الدار ويراقب القتال هنيهة، ثم ينبهه صوت أقدام ~~آتية من جهة الصفصافة) ~~: # الملك أيها الأمراء! ~~(يلتفت الأميران ثم يتراجعان ويقفان إلى جوار جدار العزبة، ~~ويدخل الملك لويس التاسع ومعه جنديان في لباس الصليبيين، المغفر «طاقية من الزرد» ~~والقميص المزرد والسيف مدلى من حزام في الوسط، والسروال المزرد أيضا والواصل إلى ~~القدمين. # أما الملك فقد كان لباسه على صورة خاصة به؛ فعلى رأسه خوذة من ~~صفر مذهب، وعلى بدنه قميص من حديد مشبك، وسروال مثل جنوده إلا أنه قد لبس فوق ~~القميص دراعة قصيرة لا أكمام لها زرقاء اللون سميكة، وتمنطق عليها بحزام من مربعات ~~سميكة من الصفر المذهب علقت فيها جعبة سيف مستقيم طويل، وقد وضع إذ ذاك على صدره ~~حرملة من الجوخ الأزرق مسجفة ومبطنة بفراء). # الملك ~~: # ما هذا؟ بواتيه ودارتوا يقاتلان رجلا! # برنار ~~: # إنما يقاتلان أمة أيها الملك، هذا بيبرس البندقداري. # الملك ~~: # بيبرس البندقداري! سلام أيها الأمير العظيم. # بيبرس ~~: # أسلام في مثل هذه الساعة؟ # الملك ~~: # أجل، أزعمت أنا لا نعرف حق البطولة؟ # بيبرس ~~: # إذن فعليك السلام أيها الملك. # الملك ~~: # ماذا جاء بك إلينا وحدك؟ إن مخيمنا على مرمى السهم منك. # بيبرس ~~: # من كان معه مثل سيفي وقلبي لا يستكثر الرجال ولا يأبه للأهوال، ~~ولكني كنت في طريقي إليك. # الملك ~~: # إلي أنا؟ # بيبرس ~~: # إليك أنت. # الملك ~~: # ولكني أراك التجأت إلى هذه الدار دوني. # بيبرس ~~: # الله! الله أيها! أيقال هذا لبيبرس؟ # الملك ~~: # وهل يحمل ببيبرس أن يطرق الديار وهي حرم إلا بإذن أهلها؟ إني ~~أراهم يأبونها عليك. # بيبرس ~~: # ما جئت أنتهك حرمة، وما ينبغي لمثلي، ولكني تبينت في هذه الدار ~~ماخورا فوقفت أطهرها بحد هذا الحسام. # الملك ~~: # هذي دار شيخ طاهر تقي ms32 يا بيبرس، أعرفه منذ عهد طفولتي. # بيبرس ~~: # إذن فسل هذه الفتاة، مريم، عما أصابها اليوم، لقد أراد أحد ~~أخويك أن يبغي عليها في بيت مولاها الطاهر التقي بعلمه واختياره. # الملك ~~(ينظر إلى مريم فتطرق خجلا) ~~: # وي! # بيبرس ~~: # وسلها عن هذه الأميرة، عن أخت امرأة سلطاننا المعظم. # الملك ~~: # الأميرة صفية؟ # بيبرس ~~: # أجل، الأميرة صفية، أما والله إن يدي لتنتفض وإن سيفي ليهتز ~~الآن في قرابه. # الملك ~~(حائرا متكدرا) ~~: # ماذا أسمع؟ دارتوا، بواتيه. أهذه مروءتك يا بواتيه؟ وأنت يا ~~دارتوا، أهذا دأبك؟ أما كفاك أن تضرب فسطاط لهوك إلى جانب فسطاط الملكة في ~~دمياط حتى تعمل على فضيحة أسرتك في هذه الديار، وخيانة أمانتي فيما ائتمنتك ~~عليه؟ أيها الأمير الكبير بيبرس، أشهد أني بريء منهما. # بيبرس ~~: # ولكنك أسرتها في دمياط، أكان يجمل بكم هذا؟ أم جئتم هذي الديار ~~باسم الرذيلة لا باسم الله؟ # الملك ~~: # كلا وحق القديسين جميعا، وإنما خبرت أن جنديا من جنودي ~~طاش به رشده فأسرها، وعلمت من هي فخفت أن يصيبها أذى فأخذتها إلى فسطاطي على ~~الفور وأنزلتها في ضيافة الملكة نفسها حتى أردها إلى أختها، ولقد عهدت بالأمر ~~إلى أقرب الناس مني منذ ليلتين، ولكن الشيطان أغواه كما رأيت. # صفية ~~: # صدق الملك يا ركن الدين، إنه أمير نبيل ليس في قومه من يعدله في ~~نبله أو يدانيه في تقواه. # بيبرس ~~: # شكرا لك أيها الملك شكرا، من أجل هذا كنت أشعر أني ملاق ~~فرنسيا هماما. # الملك ~~: # شكرا لك يا بيبرس، ولكن من ذا خبرك أنها هنا؟ # بيبرس ~~: # كنت في سبيلي إليك في دمياط من أجلها ثقة مني بمروءتك، وأنك لا ~~تؤثر الظفر بعدوك على الظفر بنفسك وبثواب الله؛ لكثرة ما بلغنا عنك أيها ~~الفرنسي العظيم. # الملك ~~(يتقدم نحو بيبرس) ~~: # يالله! ~~(يسلم على بيبرس فيسلم ~~عليه) # إنك كبير القلب أيها الأمير، فكيف جئت إلى هذه الدار؟ # بيبرس ~~: # كنت مارا بهذا النجع فسمعت صوت استغاثة، وعلمت بما كان من بعض ~~أهله وهممت أن أنتقم فأقسمت علي هذه الكريمة ~~(مشيرا إلى صفية ms33 ) # إلا أن أرحل بها على الفور، وتوسلت إلي هذه ~~الفتاة الطاهرة ~~(مشيرا إلى مريم) # أن آخذها ~~معي. فما سرت بهما حتى رأيت أخويك قد خرجا من الدار ودهماني من وراء ظهري. # الملك ~~: # يالفضيحة الأبطال! # بيبرس ~~: # لماذا استصحبتهما أيها الملك قبل أن تتم عليهما درس المروءة؟ ~~إني أراهما من السوقة أو أدنى. # الملك ~~: # أتسمع هذا يا بواتيه؟ أتسمع يا دارتوا؟ لعمري إنه ليدمغكما ~~بالحق. # بيبرس ~~: # ما خاب ظني فيك أيها الملك، لقد عذرت وأعذرت فتقبل شكري وثنائي. # الملك ~~: # شكرا. # بيبرس ~~: # هل للملك أن يجيبني لماذا يغزو بلادنا اليوم وقد حاول قومه ذلك ~~من قبل على يد يوحنا دوبريان فأعجزناهم بقوة الله؟ والتمسوا الصلح ضارعين ~~وأجبناهم إليه مكرهين وأقسموا وأقسمنا على الولاء؟ # الملك ~~: # هي مشيئة الرب أيها الأمير وعهدنا معه، وما أنا مما ينقض العهد، ~~ولقد جاءكم كتابي فإما سلمتم فسلمتم أو أبيتم فرمينا أعناقكم بأسياف ~~القضاء. # بيبرس ~~: # إذن فلتكن مشيئة الله أيها الملك، لو كنت تجهل أسيافنا لذكرناك ~~بها ولكنك ذقت شواظها غير مرة، وهذه أيام إن كان لك أولها حتى اليوم فعليك ~~آخرها وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، أفيأذن لي الملك بالانصراف؟ # الملك ~~: # إذا شئت أيها الأمير، أنت ضيفنا الآن لا عدو، على أن تنزل عن ~~سيفك هذا. # بيبرس ~~: # أنزل لك عن سيفي؟ # الملك ~~: # أجل. # بيبرس ~~: # إنه ليرد مشيئة الدهر أيها الملك، كذلك عودتي منذ ضحيتي وما ~~عهد البحيرة منكم ببعيد. # الملك ~~: # أعرف ذلك أيها الأمير، فليس من الشهامة ولا من المروءة أن تنازل ~~به الأقران. # بيبرس ~~(بتعجب ودهشة) ~~: # لماذا؟ # الملك ~~: # لأنه مسحور، أليس هذا السيف سيف رمسيس عثرت عليه في أحد القبور ~~فصاحبك حتى اليوم ووقاك ضربة الفارس الكمي، ولو وقفت دونه لا تبدي حراكا؟ # بيبرس ~~: # وي! وي! من أين لك هذا؟ لا يليق بمثل الملك لويس أن يقول هذا ~~الكلام. # 1 # الملك ~~: # كيف لا أصدق وكنت عند البحيرة لا تشير به إلا قاتلا، ولا تهوي ~~به إلا لاحدا ولا تشرعه إلا والنفوس عالقة عليه كما تعلق ذرات الحديد ms34 ~~بالمغناطيس؟ # بيبرس ~~(يضحك ساخرا) ~~: # كلا أيها الملك، ليس هذا السيف سيف رمسيس وإلا لأكله الصدأ بل ~~إنما هو سيفي أنا، سيف ركن الدين بيبرس البندقداري، تتناول المقبض منه قبضة مني ~~لو تناولت رأس الأسد الغضنفر لتهشم، أو صفعت هام ذي الغفارة المزرد لتحطم، أو ~~لمست عنق كند مصعر خده لاندك وتهدم، لقد سقيته في الكرك وحمص ماء حياة ألف من ~~الإسبطاريين ومثله من الميكليين، ورويتها أرواح الجحفلين من الفرنجة حيال طبرية ~~وأنطاكية وطرابلس، فأصبحت وعمري بذلك عمر الألفين، وعزمي عزم الجحفلين، ولو ~~نزلت لك اليوم عنه معاوضة من حديدة أخرى ما فترت همتي ولا كلت عزمتي، وإليك ~~برهان المقال. ~~(يلقي السيف من يده مجردا ثم يخرج من ~~بين ثيابه بوقا صغيرا من الذهب وينفخ به مرتين ثم ثلاثا) ~~. # الملك ~~: # شكرا لك أيها الأمير، الآن أطلق سراحك، شكرا لك على نزولك عن ~~هذا السيف واعتذارا إليك مما أصاب الفتاة. # بيبرس ~~(بدهشة عظيمة) ~~: # وي! ~~(يمد صوته فيها) ~~. # الملك ~~: # وأهب إليك أخت أميرتكم على أن ترد إلينا ربيبة خادمنا برنار، ~~فما قولك في هذا؟ # بيبرس ~~: # يالله! أعطني عوض السيف وتكلم، أم رهبة كانت دعتك لا إكراما؟ # الملك ~~: # بل إني رأيتك في قبضة أخوي فأردت أن أسدي إليك خيرا يروى، رد ~~إلينا فتاتنا. # مريم ~~: # لن أبقى بهذا النجع بعد يومي. # برنار ~~: # مولاي! إني رجل مسن، من يخدمني من بعدها؟ # الملك ~~: # إنها أختنا في المسيحية يا بيبرس، وأنا أمين المسيحية حيث أكون ~~فلا بد أن تردها إلينا. # بيبرس ~~: # إنك تمني نفسك المحال أيها الملك، إن كانت هذي الفتاة مريم أختا ~~لكم في الدين فهي أختي في الوطن والوطن أبقى. # مريم ~~(تمسك بأردان بيبرس) ~~: # لم تعد بي حاجة إليكم أيها القوم، وأشهد اللهم إني في المسلمين ~~(تنزع صليبا كان معلقا في سمط على صدرها وتلقيه ~~في وجوههم) # سأذهب معك يا بيبرس فلا تتركني. # بيبرس ~~: # لا يخيب بيبرس رجاء مستغيث، هيا بنا ~~(يلتفت صوب الساقية ويشير الملك إلى أحد الجنديين بالتقاط سيف بيبرس ~~وبيبرس ملتفت عنه) ~~. # صفية ms35 ~~(ولكن صفية ترى هذه الإشارة فتجري إلى السيف وهي تجرد من ~~صدرها خنجرا صغيرا تضرب به الجندي في ذراعه فيرتد متأوها قبل أن يلمس السيف، ~~وتتناوله هي عن الأرض وتجري متراجعه صارخة لبيبرس) ~~: # سيفك يا بيبرس! ~~(تناوله السيف بيدها ~~اليسرى فيأخذه منها) ~~. # الملك ~~: # إذن فدمك عليك، قسرا أيها الرجال. ~~(بيبرس يكون قد هجم عليه بواتيه ودارتوا بالسيف، فيحارب بيمينه ~~مداورا فإذا بلغ برنار أمسك ثيابه بيده اليسرى ووضعه في مواجهة دارتوا دريئه له، ثم ~~ينقض على بواتيه فيجرحه ويسقط السيف من يده فيجري من وجهه، وعندئذ يرمي بيبرس برنار ~~من يده فيقع ثم ينهض ويخرج هاربا من باب داره، فيرسل الملك على بيبرس جنديه ~~الآخر، وينازل بيبرس هو أيضا، وإذا بالعبد مسعود قد دخل فرأى ما فيه سيده ~~فيقول). # مسعود ~~: # يا غارة الله! ~~(يجرد سيفه ويهجم على ~~الجندي فيفر من أمامه ويميل على الملك، فيجري الملك هو ودارتوا وراء ~~الصفصافة ويجري بيبرس والعبد وراءهما) ~~. # صفية ~~: # بيبرس! بيبرس! لا تتركني. # بيبرس ~~(يعود) ~~: # ارجع يا مسعود ~~(يعود مسعود) ~~. # صفية ~~: # أحضر الجواد يا مسعود. # مريم ~~: # ها هو ذا قد حضر بنفسه ليشهد هزيمة الأبطال ~~(تجري صوب الساقية وتجر الجواد من لجامه) ~~. # بيبرس ~~: # مرحبا، تأبى إلا أن تشهد وقيعة مولاك؟ ها أنت ذا تراهم يفرون، ~~هلم يا صفية اركبي. # صفية ~~(تركب) ~~: # شكرا لله. # بيبرس ~~: # وأنت يا مريم تعالي اركبي وراء مولاتك ~~(يأخذها من ضبعيها ويرفعها وراء صفية) # سر بالجواد يا مسعود ~~(يلتفت إلى الوراء) # وأنتم أيها الأمراء ~~الكاذبون إن كان يبلغكم الآن صوتي فاعلموا أني كرهت أن أتابع الجبناء ~~(يخرجون) ~~. # | الفصل الثالث # المنظر # يزاح الستار عن رحبة قصر الأمير فخر الدين يوسف ابن شيخ الشيوخ في المنصورة، والرحبة ~~يكتنفها جدار سور عال يرى في مواجهة الناظر وإلى يساره، وفي الجزء الأيسر من هذا السور ~~بالقرب من الركن الأعلى باب كبير هو الباب العام للقصر، وهناك بناء منزل إلى اليمين ~~عربي الطراز يصعد إلى مدخله بدرج طويل من الرخام يبتدئ من مؤخر المرزح بحيث يكون ms36 بينه ~~وبين السور مسافة كبيرة، ويبنتهي الدرج بشرفة مربعة ذات قبة محمولة على أعمدة من ~~الرخام، وباب المنزل ظاهر من تحتها، وهناك باب صغير إلى الجانب الأدنى من الدار يفتح ~~على الرحبة، وأمام البيت شجرة تحتها مقعد، يرى صبيح الحبشي جالسا على المقعد، وهو لابس ~~قميصا من الصوف الأبيض قصيرا تمنطق عليه، وفي المنطقة سيف وعلى ظهره عباءة من ~~الصوف. # صبيح ~~: # ترى أتظل المنصورة عامرة بأهلها، أم ينتاب هذه الدولة ما انتاب ~~الفواطم من قبل؟ ما للمدينة هادئة ساكنة كأنما هاجر منها أهلها؟ أيتها ~~المنصورة الحبيبة إلى نفسي لم يمض عليك في الدنيا ثلاثون عاما كنت فيها جنة ~~الجنات، يخطر في رحابك الملوك وتفخر بجناتك السلاطين، أين سيدك الذي ابتناك؟ ~~أين السلطان الكامل؟ أين موساك وأين عيساك، ترى أتمضي بك الهزيمة أم أن نجمك ~~مشرق في السماء؟ لكأنني والله في بيداء تتجاوب فيها الأصداء، رب لا أسألك رد ~~القضاء ولكني أسألك اللطف فيه. ~~(يدخل سهيل من باب الجدار). # سهيل ~~: # صبيح! # صبيح ~~(يلتفت) ~~: # من هذا؟ سهيل؟ مرحبا، ماذا جاء بك في هذه الساعة؟ # سهيل ~~: # كيف حال السيدة صفية؟ ~~(يسلم ~~عليه) ~~. # صبيح ~~: # بخير، لعلها الآن نائمة، ولكني لا أدري لماذا أمر الأمير بيبرس ~~بنقلها إلى هذي الدار هي ووصيفتها القبطية؟ إنه لم يبن عليها بعد حتى يكون له ~~كل هذا. # سهيل ~~: # هي له على كل حال يا صبيح بإذن مولاك السلطان الصالح ورضاه. # صبيح ~~: # أعرف ذلك، ولكن العادة عندنا ... # سهيل ~~: # أية عادة يا صبيح! أسبقت مولاك من كيفا لتقول لنا هذا الكلام؟ ~~لو كانت سيدتنا صفية بنتا للسلطان نفسه ما أباها عليه، إنه زعيم هذه الدولة ولا ~~مراء، هون عليك. لعمري لو أنني خيرت ... # صبيح ~~(يقاطعه) ~~: # أجل أجل. ولكن أما كان أولى أن يبقيها في جوار أختها في مثل هذه ~~الآونة؟ # سهيل ~~: # إن أختها آتية إلى هذه الدار. # صبيح ~~: # آتية إلى هذه الدار؟ # سهيل ~~: # أجل. # صبيح ~~: # ولماذا تترك قصرها؟ # سهيل ~~: # كذلك رأي محسن وبيبرس وستعرف السر في ذلك حين يحضرون بها. # صبيح ms37 ~~: # ومتى تحضر؟ # سهيل ~~: # الآن، إني خليت القصر وهي تركب محملها الصغير، ولعلها لا تبعد ~~الآن عن هذي الدار كثيرا ~~(يذهب ويطل من ~~الباب) # انظر ~~(يشير إليه ~~بالتقدم) # أترى هؤلاء المشاعلية والضوية. # صبيح ~~: # مرحبا مرحبا بشجرة الدر، ما رأيت في النساء مثل هذه المرأة ~~تقى وحزما. # سهيل ~~: # ولا في الرجال والله يا صبيح. ~~(هنا تدخل المشاعلية والضوية يتقدمون شجرة الدر في هودج صغير ~~على شكل محمل مصر، وإلى جوارها بيبرس وفخر الدين ومحسن سائرين على الأقدام وهم في ~~عدة القتال من خوذ ودروع وسيوف، ويكون لباس الضوية لباس صبيح تماما). # محسن ~~: # أنزلوا المحمل عن الأعناق يا رجال. ~~(يضعون المحمل وتنزل منه شجرة الدر ملثمة ثم يسترسل محسن موجها الخطاب ~~إلى صبيح) # وأنت يا صبيح خذ المحمل إلى مكان من حظيرة هذا القصر، ~~وليقف من يبقى منكم على مقربة من مدخله. # صبيح ~~: # سمعا يا مولاي ~~(يأخذون المحمل ومعهم ~~صبيح ويسيرون به وراء الدار من أعلى المرزح) # من هنا، إلى اليمين ~~(ويخرجون وتتمشى شجرة الدر حتى تجلس على ~~المقعد) ~~. # شجرة ~~: # أترى هذا المكان آمن يا ركن الدين؟ # بيبرس ~~: # أجل يا سيدتي، إن الفرنسيين يحاولون أن يعبروا مخاضة في أهداب ~~بحر أشموم دلهم عليها خوان ممن تتكشف نفوسهم عن فطرتها في مثل هذه الأيام. ولكن ~~عز الدين وقطز وقلاون ولبان وتنكز قاعدون لهم على الماء بالمرصاد. # شجرة ~~: # فلماذا حملتوني على مغادرة قصري؟ # محسن ~~: # إنما الحازم من تدبر يا مولاتي، إنا وإن كنا نثق بأخواتنا ونعلم ~~أنه لن يفلت منهم خيال فرنسي إنما نتخذ الحيطة ولا بأس بها في مثل هذه الأيام. # بيبرس ~~: # إنا قليلون في هذه البقاع، ونخشى أن يؤثر العدو قتل بعض رجاله ~~في هذا العبور على أن يظل يتفيأ نيراننا الإغريقية وبئس الظلال، كم من فارس ~~قتلناه، وكوند # 1 # من أقرباء الملك أسرناه، وبرج لهم أحرقناه، وكم مركب أغرقناه وجسر ~~هدمناه، وكم طلعنا عليهم بكل حيلة، فهل تعجبين أن يقدموا على العبور مستيئسين، ~~وإذا قدر لهم دخول المنصورة كان أول همهم أن يدهموا ms38 القصر ويأسروا مولاتنا، فما ~~هم هؤلاء إلا أكبر حرماتنا: الدين والعرض. # محسن ~~: # أجل فإنهم يعلمون أننا نجد المرأة شرفا ماثلا. # بيبرس ~~: # وفد اجتمع لمولاتنا أدامها الله آيات ديننا وجلال سلطاننا؛ لذلك ~~رأينا نقلك إلى دار الأمير فخر الدين هذه، حتى إذا قدر لهم أن يدهموا القصر كنت ~~في مأمن من أذاهم وأعملنا نحن السيوف في رقابهم. # شجرة ~~: # شكرا لكم لقد أصبتم. # فخر ~~: # ولكن ماذا فعلتم بالجواري؟ # محسن ~~: # أشخصتهن صبيحة اليوم إلى سمنود يحرسهن بعض جندي. # فخر ~~: # وماذا فعلتم بأوراق سلطاننا؟ # سهيل ~~: # هي في حراستي يا سيدي الأتابك. # فخر ~~: # أهي في المنصورة؟ # سهيل ~~: # هي في حمى السلطان أيها الأمير. # فخر ~~: # حسنا ولكن ~~(يلتفت إلى شجرة ~~الدر) # أما كان أولى أن تكون مولاتنا ~~(يلتفت إلى بيبرس) # على رأس خاصتها في سمنود؟ إنها آمن من ~~المنصورة على كل حال. # شجرة ~~(تنهض) ~~: # إذا لم تكن هذه المنصورة دارة أمن ونصر فما سمنود إلا القطيعة ~~والشر، إن خاصتي اليوم الرجال لا النساء يا فخر الدين، وقد ألقيتم إلي زمام ~~الدولة، ووكلتم إلي جمع أمركم حتى يأتي سلطانكم، فمن الخطل أن أترككم في حومة ~~الوغي ثم أمضي. بل هل يصيب الأذى شجرة الدر ودون دارها بطل منكم؟ كلا والله، ~~ألا إني إذا تلفت فلم أجده قريبا مني جعلت من هذا الخنجر بديلا منه ~~(تجرده) ~~، فإذا خطا إلي باغ بعدكم بأذى كان ~~الخنجر أسرع منه خطوا إلى قلبي، لا افتداء لشجرة الدر، ولكن عصمة لأميرة في ~~المسلمين أن تقع في أيدي الصليبيين. # بيبرس ~~: # مرحى لسيدة النساء. # شجرة ~~: # فإذا مت إلى جوار رجالي وسال دمي خليطا بدماء أبطالي، زففت يوم ~~الحشر إلى الجنة شهيدة في الشهداء، تحف من حولي الملائكة الأطهار ولنعم عقبى ~~الدار. # محسن ~~: # طوبى لك يا سيدتي. # سهيل ~~: # يقل في الناس مثل هذا التقى، لقد والله صدق أقطاي. # شجرة ~~: # والآن أيها الأمراء ليست الدولة بسلطانها إنما هي برجالها، كذلك ~~أجمع رأيكم ليلة النوبة، والساعة آتية لا ريب فيها فأما نصر يطمئن به مضطرب ~~الأمر، وإلا فإثمها ms39 عليكم، هذه ساعة لها ما بعدها، فمن قضي في ذمتها شهيدا ~~تفتحت له أبواب الجنة مشكورا، ومن عاش بعدها كريما أزلفت إليه طيبات الدنيا ~~مأجورا، ولثواب الآخرة خير وأبقى. # بيبرس ~~: # أيتها الأميرة ما دامت هذه السيوف في أيدينا، وهذا الإيمان في ~~قلوبنا، والحق في جانبنا، والله بعينه يرقبنا فالنصر بإذن الله لنا. # محسن ~~: # أما أنا ~~(متمثلا) ~~. # فلست أبالي حين أقتل مسلما # على أي جنب كان في الله مصرعي # فخر ~~(متمثلا) ~~: # لي ذلة إليكم فأعتذر # سوف أكيس بعدها وانشمر # وأجمع الأمر الشتيت المنتشر # شجرة ~~: # الآن أستودعكم الله أيها الأمراء، سيروا على بركة الله، وأقرئوا ~~الأجناد مني السلام ~~(تصعد درج الدار حتى تختفي وسهيل ~~وراءها) ~~. # بيبرس ~~: # السلام على مولاتنا ورحمة الله. # فخر ~~: # أين تذهب الآن يا بيبرس. # بيبرس ~~: # سأرابط بجيشي عند القصر حتى إذا جاءوا إليه حكمت السيف بيني ~~وبينهم. # فخر ~~: # وأنت يا جمال الدين؟ # محسن ~~: # لا يهمني من هذه الملحمة إلا أن أظفر بملكهم حيا أو ميتا، ~~وسأتربص بهم. # فخر ~~: # ألا تخشى أن يبصرك ناظورهم فيأخذوا عليك الطريق؟ # محسن ~~: # سأسير بجندي جنوبا ثم ألتف على عقيصة البحر، فإذا سار الملك ~~بجنده عندها ضربت في ساقته إذ ذاك، وتناولت رأسه وانضممت بعد ذلك إلى قطز. # بيبرس ~~: # لا بأس بذلك، ولكني أخشى أن يطول بك المسير. # فخر ~~: # لا خوف من ذلك، إني حشدت رجالي على الجانب الغربي من النيل، ~~وحملت شواني وسفني مفككة على ظهور الجمال إلى بحر المحلة، وسينزل بها رجالي حتى ~~إذا ساروا بها إلى البحر الكبير دفعوا شواني الفرنسيس إليك يا بيبرس امض فيما ~~أنت فيه يا جمال الدين. # محسن ~~: # توكلت على الله ~~(ينادي) # صبيح. # صبيح ~~(يدخل) ~~: # مولاي. # محسن ~~: # هيئ جيادنا. # صبيح ~~: # سمعا يا مولاي ~~(يخرج من الباب ~~الكبير) ~~. # محسن ~~: # استودعكم الله ~~(يعانق فخر ~~الدين) # في ذمة الله يا فخر الدين. # فخر ~~: # في ذمة الله يا محسن. # محسن ~~(يعانق بيبرس) ~~: # في ذمة الله يا بيبرس ~~(يخرج محسن من ~~باب الرحمة) ~~. # بيبرس ~~: # في ذمة الله، ~~(يعانقه ويخرج ~~محسن) # وأنت يا فخر ms40 الدين أرى أن تبقى الساعة بدارك ريثما تنفض عنك ~~غبار الجهاد، إن الفرنجة لا يستطيعون الآن فكاكا. # فخر ~~: # كلا كلا. ليس هذا أوان الراحة والعدو ملح علينا، ولكنا الآن في ~~ساعة لا نعرف أنجوزها إلى الدنيا أم إلى الآخرة، فلا بد لي من التوضؤ والصلاة ~~لله، حتى إذا توفاني إليه لقيته طاهرا، أستودعك الله ~~(يهم بعناقه) ~~. # بيبرس ~~: # أستودعك الله يا فخر الدين ~~(يتعانقان ~~ثم يخرج فخر الدين مارا من وراء الدار فيسترسل بيبرس متأثرا) # يالله! لماذا ضمني فخر الدين هذه الضمة! لعمري ما شعرت بمثلها إلا في صدر أبي، ~~أفراقا يا فخر الدين؟ اللهم لا تفرق بيننا، فإن كنت كتبت له دارك قبلي فأشفعه ~~بي، إن الحياة لا تطيب لي من بعده. # صفية ~~(هنا تبدو صفية تحت القبة وتنزل الدرج، فإذا ما وصلت إلى ~~آخره قالت) ~~: # ألا تطيب معي يا ركن الدين؟ # بيبرس ~~(يلتفت إليها) ~~: # سيدتي ~~(يتقدم إليها ~~ويحتضنها) ~~. أجل، أيتها الحبيبة، أنت كل الحياة عندي، أم رابك ~~وداعي لفخر الدين؟ # صفية ~~: # لقد حسبت كل فؤادك لي يا بيبرس؟ # بيبرس ~~: # هو كذلك يا كل مناي. # صفية ~~: # فلماذا أبيت أن تعقد لنا أختي يوم عدت بي إليها؟ حتى لا ~~تفارقني لحظة. # بيبرس ~~: # آه يا صفية، أتظنين أني كنت أستطيع البقاء في جوارك. # صفية ~~: # لم لا؟ # بيبرس ~~: # هل رأيتني جئت القصر منذ عدت إلا مرات معدودة؟ # صفية ~~: # لقد جئت خمس مرات، لم أجتمع بك فيها إلا مرة واحدة وكانت فواقا ~~ثم لم تبعث إلي فيما بقي منها بسلام. # بيبرس ~~: # وي! ألم تحمل إليك أختك عني شيئا أبدا؟ # صفية ~~: # إنها لم تحادثني منذ جئت إلا قليلا، كلما حاولت أن أخلو بها ~~رأيتها بين أوراق ورسائل وقصص، ثم لا تخلو لحظة حتى يتقدم إليها فارس من قبلكم ~~في شورى أو في نبأ من نائب السلطنة في القاهرة. # بيبرس ~~: # وماذا في ذلك يا صفية؟ ~~(ينظر إليها ~~نظرة العاشق الطروب) ~~. # صفية ~~: # إنكم أفسدتم أختي يا بيبرس بما عهدتم إليها، إن النساء لم تخلق ~~لهذا العناء، أما ms41 ترى ورد وجنتيها قد ذبل وهي في ريعان الشباب. # بيبرس ~~: # حسبي ورد هذي الخدود يا صفية. # صفية ~~: # دع عنك هذا، لماذا لم تتول الأمر عنها؟ # بيبرس ~~(يضحك بلطف) ~~: # وي! أأنت تؤثرين ... # صفية ~~: # كلا، ولكنك كنت تبقى قريبا مني. # بيبرس ~~: # ومصر يا صفية؟ من ذا ينقذ مصر والعدو ملح علينا؟ # صفية ~~: # كنت تذهب لقتاله من حين إلى حين. # بيبرس ~~: # كذلك فعلت يا أحب الناس إلي، فلم أستطع أن أزور القصر إلا خمس ~~مرات في ثلاثة أشهر، أفتبين لك عذري؟ # صفية ~~: # كلا. # بيبرس ~~: # إذن فاصفحي عني، الله يعلم لم يطل بقاء هؤلاء القوم بديارنا ~~غيرك أيتها الحبيبة. # صفية ~~: # غيري؟ # بيبرس ~~: # أجل، لم أجد لي من زماني ساعة للتفكير في مساومة القوم عن ~~أنفسهم حتى يبدو لي طيف صفية ماثلا فيشغلني بهاؤه عن القيام إلى الأعداء، ~~وكأنما أوثر أن تنقضى الحياة في مثل هذا الحلم الشهي فلا ينصرف عنك خاطري حتى ~~يصرف الطيف عني ناشد من أمرائي، فالذنب ذنبك يا صفية. # صفية ~~: # إذن فابغضني يا ركن الدين حتى تنقضي الحرب، وتكون مني قريبا كما ~~نحن الآن، ابغضني. # بيبرس ~~: # كيف يبغض الإنسان بملكه كل هذا يا صفية؟ ~~(هنا يسمع نفير مذعر مستمر، يلتفت بيبرس يتسمع) # وي! ~~(وتبدو عليه علائم الاهتمام الشديد ~~فينهض) ~~. # صفية ~~(مذعورة) ~~: # ما هذا؟ # بيبرس ~~: # هذا النفير يا صفية. دارك أيتها الحبيبة! # صفية ~~(مذعورة) ~~: # ماذا جرى؟ # بيبرس ~~: # إن الفرنسيس قد دهموا المنصورة! الوداع. # صفية ~~: # أتتركني؟ # بيبرس ~~: # سأعود إليك عما قريب، لا تجزعي، خدرك يا كل المنى، إني ذاهب ~~الآن إلى القصر فلا يفوتني أن أرقبك، روحي لك فداء يا صفية، ولكن اليوم يومي ~~فإن كان علي فهو على مصر كلها الوداع، زوديني بدعواتك. # صفية ~~: # الوداع يا ركن الدين، الله معك. ردك الله إلي سالما منصورا ~~(يتعانقان) # في ذمة الله يا بيبرس. # بيبرس ~~: # في ذمة الله ~~(يخرج بيبرس مهرولا وقد ~~شهر السيف في يده وتجلس صفية على المقعد ويداها ممدودتان ومعقودتان بين ~~ركبتيها) ~~. # صفية ~~: # اللهم لا تفرق بيننا ولا تزد حرقتي عليه نارا ms42 ، رده إلي سالما ~~(تفكر مطرقة) # لا، إنه لا يفجعني فيه، ~~ويلاه. ~~(تصرخ) # بيبرس ~~(تضع وجهها بين يديها وتبكي. وهنا تأتي مريم فترى صفية ~~جالسة على المقعد) ~~. # مريم ~~: # سيدتي صفية! أين أنت؟ # صفية ~~: # هنا يا مريم، تعالي. # مريم ~~(تنزل إليها) ~~: # ما لك باكية، أنت بخير يا سيدتي. # صفية ~~: # كيف أكون بخير يا مريم والعدو قد دهمنا وركن الدين قد سار وحده ~~إلى القصر؟ # مريم ~~: # أأنت تخشين بأسا على الأمير يا سيدتي؟ # صفية ~~: # كيف لا يا مريم؟ إن العدو لا يقصد إلا القصر، وقد سار الأمير ~~إليه وحده. # مريم ~~: # الله حافظه من كل سوء، لو أريد له أذى لكان ذلك ليلة فارسكور، ~~اطمئني يا سيدتي، لا يليق بعروس عنترة المصريين أن تكون إلا عبلة، هذا يوم ~~بيبرس يا سيدتي، سيلتقي بهم فيفني جموعهم، وتضع الحرب أوزارها ويعود إليك ~~باسما، هيا يا سيدتي تهيئي لعرسك، وتوكلي على الله هلم إلى الدار ~~(تتناول يدها) ~~. # صفية ~~(تنهض وتميل صوب عتبة الدار هي ومريم) ~~: # إني توكلت على الله. ~~(وإذا بهبة الله يدخل، وتكون صفية على وشك صعود السلم، وتلتفت ~~مريم، ويكون قد غير ثيابه فهو لابس بوغلطاق # 2 # أحمر على قفطان، ومعمم بعمامة صفراء على كلوته من الصوف). # مريم ~~: # وي! من أنت أيها الرجل. ويحي! فيليب؟ # صفية ~~(تعود) ~~: # هذا هبة الله الطبيب يا مريم، لا تذعري. # مريم ~~: # وحق الله يا سيدتي ... # هبة ~~(مقاطعا) ~~: # سلام أيتها الأميرة. # صفية ~~: # مرحبا بهبة الله. # مريم ~~: # هذا فيليب الذي كان يلم بنا في فارسكور. # هبة ~~(يتقدم) ~~: # كيف لا تعرفين هبة الله طبيب السلطان وامرأته وطبيب مولاتي هذه ~~منذ أعوام؟ ألا تتذكرين تلك الأيام أيتها الأميرة؟ # صفية ~~: # بل أذكرها، في حلب على ما أظن. # هبة ~~: # أجل في حلب، في حلب. # صفية ~~: # ماذا جاء بك يا هبة الله؟ ~~(تعود إلى ~~المقعد وتجلس، ويأتي هبة الله وراءها) ~~. # هبة ~~: # لا أدري، ولكني خرجت من الصلاة قبل أداء السنة فبحثت عن الأمير ~~فخر الدين لأمر يهمه الوقوف عليه من حركات الفرنسيس فلم أجده، فجئت أنشده في ~~داره ms43 أم ترينني أخطأت؟ # صفية ~~: # كيف هذا؟ هذي دار الأمير فخر الدين ولكنه هجرها بأهله منذ أسبوع ~~وجيء بنا إليها ليلة أمس، أفلا تدري ذلك؟ # هبة ~~: # كلا، أتراه عسكر على الشاطئ؟ # صفية ~~: # ولا تدري هذا أيضا، إن الشاطئ قريب تلمحه العين أفتكون من رجال ~~القصر ولا تدري؟ أين كنت هذه الأيام؟ # هبة ~~: # نحن الأطباء لا يعنينا إلا تولي المرضى بالعناية أعداء كانوا أو ~~أصدقاء. # صفية ~~: # يا عجبي منك يا هبة الله، ليس الطب إلا عرضا، ولو لم تكن طبيبا ~~لكنت كاتبا أو أميرا، ولست أظن أحدا من هؤلاء يجهل مكانه الآن من هذه الحرب ~~الضروس، بل ألم تجيء الآن تنهي إلى فخر الدين أمرا يهمه الوقوف عليه من حركات ~~الفرنسيس؟ # هبة ~~: # صدقت يا سيدتي، ولكن لعلها هموم تنسي الإنسان نفسه فلا يدري ~~ماذا يقول، أين الأمير بيبرس الآن؟ # صفية ~~: # ذهب إلى القصر لحراسته ثم يعود إلينا إن شاء الله سالما، كذلك ~~وعدني ولن يخلف الله وعده. # هبة ~~: # كتب الله له السلامة. # صفية ~~: # آمين. # هبة ~~(يبلع ريقه) ~~: # هل من شربة ماء؟ ~~(يتلفت) # ليكاد الظمأ يقتلني. # صفية ~~: # علي بكوبة ماء يا مريم، إن هذا اليوم كأيام الصيف، وإن كنا في ~~أذيال طوبه. # 3 # مريم ~~(تذهب وهي تتمتم) ~~: # فيليب بعينه، إني لا أستغش عيني. # هبة ~~: # الآن أستطيع الكلام. # صفية ~~: # وماذا كان يمنعك منه؟ أنت تخشى مريم؟ # هبة ~~: # مريم؟ فتاة فارسكور؟ كلا، ولكن خبريني يا سيدتي، ألا ترين أني ~~أتلعثم ولا أدري ماذا أقول؟ # صفية ~~(تضحك متهكمة) ~~: # لعله حر الشتاء قد آذاك أيها الطبيب! # هبة ~~: # أجل يا سيدتي ولكنه حر الشوق إلى ساعة قضيتها في حلب منذ عامين. ~~لقد كنت أجالس يومئذ فتاة ساحرة العينين تصغر عنك سنتين، وكانت أختها مريضة، ~~وصهرها مشغولا بالقتال، وهي قلقة البال عليها، فوعدتني هذي الفتاة الرائعة ~~الحسن إن أنا شفيت لها أختها أن تجزيني خيرا فاستوثقت مما وعدت، فآلت على ذلك ~~حلفة ولست أدري أتذكر الحسناء وعدها أم لا؟ # صفية ~~: # بلى. # هبة ~~: # أتعرفينها؟ # صفية ~~(ضاحكة في أدب) ~~: # كأني لا أجهلها ms44 . # هبة ~~: # وقد جعل الله شفاء أختها على يدي والحمد لله، ولكنها لم تف لي ~~بما وعدت. # صفية ~~: # لبعد الشقة يا هبة الله. # هبة ~~: # الحمد الله على ذلك. # صفية ~~: # لماذا؟ # هبة ~~: # كأن الله لم يجدني أحوج إلى برها بالوعد مني إليه اليوم، ~~فأرجأني حتى ساق قدمي إلى هذا المكان، ترى أتصدق الحسناء وعدها؟ # صفية ~~: # أجل يا هبة الله إن استطعت. # هبة ~~: # إذن فحاجتي إليك أن تخبئيني في هذا القصر يوما كاملا. # صفية ~~: # أخبئك في هذا القصر؟ # هبة ~~: # أجل يا سيدتي. # صفية ~~: # ولماذا؟ # هبة ~~: # لأني نظرت في أسطرلابي فعلمت أن يوم الثلاثاء هذا عصيب علي، ~~وإذا جاء الليل وقد علم بمكاني أحد غير أحب الناس إلي فإني هالك. # صفية ~~: # أنا أحب الناس إليك؟ شكرا لك يا هبة الله، إنك موضع ثقة أهل ~~القصر جميعا، فلا غرو أن نراك فيمن نعز ونكرم. # هبة ~~: # شكرا لك يا سيدتي، ولكن حبي إياك حب يعلم الله وحده نجواه، ~~وهذا القلب وهذي العين، رأيتك في حلب فكأنما رأيت الحور، فلما بقيت بها وجئت ~~مضطرا في ركاب السلطان إلى مصر كدت أزل بنفسي سرفا. # صفية ~~: # وي! لماذا؟ # هبة ~~(حائرا) ~~: # لأنك كنت يومئذ مريضة، وقد كنت أرجو ... # صفية ~~(تتنفس) ~~: # شكرا لك. # هبة ~~: # ولقد قاسيت من أجلك ما يقاسي المحب اليائس راضيا بذلك ~~مستسلما. # صفية ~~: # المحب اليأس! # هبة ~~: # أجل يا سيدتي، حتى علمت أنك وقعت في يد الكونت دارتوا فكدت أقضي ~~حزنا؛ لأني أيقنت أن قد ضاعت بقية الأمل الذي كنت أحيا به في هذه الدنيا. # صفية ~~(تتنفس ذعرا) ~~: # أي أمل تعني أيها الطبيب؟ # هبة ~~: # آه. أنا. أنا. لا شيء. أريد. أجل ~~(يتكلم وهو ينظر إليها متفرسا على مهل ويطرق من آن لآن) # أعني ~~أنك إذا ظللت في يد الكونت وجاء يوم الثلاثاء هذا ولم أجدك ~~(تبدو على صفية علامة النفور من الرجل في نظرتها فيسرع هو ~~في حديثه وكأنما قد وجد حيلة تنطلي عليها فسر بها) # وأنت أحب ~~الناس إلي، حتى تجدي لي مكانا خفيا عن العيون فقدت أملي ms45 في البقاء. # صفية ~~(كأنما سري عنها) ~~: # ها، فهمت. إني سأجيبك إلى طلبك ~~(تنهض) # لماذا تأخرت يا مريم؟ مريم! ~~(تمشي خطوة) # سأستعجلها وأبحث لك عن المكان اللائق. # هبة ~~: # شكرا لك يا سيدتي ~~(يميل على يدها ~~لتقبيلها فتسير صفية ولا يدركها وهي لا تلاحظ ذلك، وتدخل القصر ويقف هبة ~~الله ناظرا إليها نظرة العاشق الأبله اليائس) # لقد منيت نفسي قبلة ~~من يدها فأبت علي ذلك، واتعسي وخيبة رجائي! لماذا لا تكون هذه الفتاة لي ~~عروسا؟ أفأنا أدنى منها محتدا ونسبا؟ لماذا لا يكون لي في هذه الدولة فوق ما ~~طغت! أأنا أقل من قومها فضلا وحسبا؟ ~~(يسكت ويعود ~~إلى المقعد ويقعد) # لابد منها، إني أحبها، أريدها لنفسي، هذه أول ~~المنى وآخرها. ~~(يسكت ويطرق ثم يقهقه) # ما ~~عجبت لشيء في الدنيا عجبي لآمال نفسي، ولكن لا بد من الظفر بها على كل حال وها ~~نحن أولاء في سبيل النجاح، لقد دللتهم على المخاضة في آخر البحر فدخلوا ~~المنصورة، ولم يبق إلا أن أتم ما عزمت عليه، هذا دارتوا آت هنا، وهذا بيبرس؛ ~~أحدهما قاتل أخاه فأخلص منه. ولكني أفعل بالقاتل من ورائه ما أريد. ولكن ماري ~~«لعنة الله عليها» لقد عرفتني وستفضح أمري إذا أنا توانيت ~~(هنا تأتي، مريم فينظر إليها هبة الله شزرا ويكلمها ~~مغضبا) # عجلي بالماء يا ماري، لماذا غبت عني؟ لقد كاد يقتلني ~~الظمأ. # مريم ~~(فزعة) ~~: # لم أعرف مكان الكوب ولا الماء حتى دلتني عليه مولاتي، إنا لم ~~نهبط هذا القصر إلا طليعة اليوم. # هبة ~~: # ها! شكرا لها ~~(ينظر في الماء بعد ~~أخذه الكوب منها) # أخشى أن يكون آسنا كمياه دمياط يا ماري. ألا ~~تذكرينها ~~(يرمي بالماء على الأرض فترتعد فرائص ~~مريم) ~~. # مريم ~~: # ما طرقت دمياط في حياتي أبدا. # هبة ~~(يضحك ساخرا) ~~: # لقد طرقتها لأول مرة على ما أظن منذ سبعة أشهر أنت وشيخ مسن ~~يسكن فارسكور، أجل. أرسلك إلى بعض الأمراء في مهمة كنت فيها أبليس بعينه، ~~وتعرفين طعم الماء فيها حقا ~~(ينظر إليها نظرة ~~الظافر المتفرس) ~~. # مريم ~~: # ويلاه ms46 . # هبة ~~: # إليس الأمر كذلك؟ # مريم ~~: # كلا، إني ما ذهبت إلى دمياط بتة. # هبة ~~: # لا تكذبي، إنك أرسلت من قبل برنار صاحب النجع إلى الأمير فخر ~~الدين صاحب هذه الدار بذاتها، أتظنين أني أجهل من أمرك شيئا يا ماري؟ ~~(يقهقه) ~~. # مريم ~~: # وماذا في ذلك؟ # هبة ~~: # إذا لم يكن فيه بأس عليك فلماذا ذعرت؟ ألا يحدثك القلب بشيء؟ # مريم ~~: # أتظن أنهم يجزونني على ما فعلت فيما مضى؟ # هبة ~~: # كيف لا؟ إنهم لا ينسون للمسيء إساءته، انظري ماذا سببت لهم: ~~ضياع مدينة بمالها ورجالها، وقتل خمسين من أمرائها، وأنت أحق أن تقتلي. # مريم ~~: # أتظنهم الآن يقتلونني؟ # هبة ~~: # أفي ذلك شك؟ # مريم ~~: # ولكن من ذا يخبرهم بجرمي وقد قتل برنار؟ # هبة ~~: # برنار قتل؟ # مريم ~~: # كذلك خبرت. # هبة ~~: # لست أظن ذلك، على أنه إن كان قتل فإن أخي فيليب حي يرزق. # مريم ~~: # أهو أخوك يا سيدي؟ # هبة ~~: # أجل إننا توأمان، ولكنه بقي على ملة قومه هو وبرنار، ودخلت أنا ~~في الملة السمحة، ولكن هذا لم يفرق بيننا فقد كان يزورني كثيرا ويفضي إلي ~~بما في نفسه وقد أخبرني بجميع أمرك يا ماري. # مريم ~~(تتنفس حسرة) ~~: # آه. # هبة ~~: # لا تذعري، إنه سر لن يفارق شفتي. # مريم ~~(تجثو) ~~: # شكرا لك سيدي، إنك لذو مروءة، استر علي وارحمني إني مسكينة ~~يتيمة من أبوي. # هبة ~~(يبتسم في نفسه) ~~: # لا تخشي بأسا، إني لا أريد بك أذى، إكراما لأخي. # مريم ~~(تقبل يده) ~~: # شكرا لك يا سيدي شكرا، لقد ضاقت الحياة في وجهي فلا أنا أعرف ~~لي أبا أفزع إليه ولا أخا ألقي حملي عليه، إن بقيت هنا فأنا في خطر من فضيحة ~~أمري، وإن هربت إلى ملك فرنسا انتقم مني على مخالفة أمره ليلة فارسكور، رباه! ~~ارحمني! ارحمني! إني أنيب إليك. # هبة ~~: # روحي عنك لا تجزعي، سأكون لك منذ الآن أبا. # مريم ~~: # شكرا لك يا سيدي، ~~(تنهض) ~~. # هبة ~~: # ابقي بجوار مولاتك الأميرة صفية لا تفارقيها، هذا آمن لك، ولكن ~~حذار أن تذكري صلتي بفيليب أخي أو تتحدثي عن تشابه وجوهنا ms47 لئلا يقتلوني خطأ. # مريم ~~: # لك ذلك يا سيدي. # هبة ~~: # وإذا طلبت إليك عملا تستطيعينه في الليل أو النهار فأنجزيه على ~~الفور. # مريم ~~: # سمعا وطاعة يا مولاي. # هبة ~~: # هذا عقد بيني وبينك، لأسبوع فقط ثم اردك بعد انقضاء الحرب إلى ~~أبيك وأمك. # مريم ~~(باستغراب) ~~: # أبي وأمي؟ إلى أب وأم؟ ~~(تجثو ~~أمامه) ~~. # هبة ~~: # أجل، كذلك خبرني فيليب وهو يعرفهما، ولكنه لم يشأ إخبارك بالأمر ~~لئلا تتركي خدمة عمه الشيخ برنار، أما وقد تركتها فأنا أعدك بردك إليهما. # مريم ~~: # إذن فإني لك جارية بل دوين الجارية، ردني إلى أبي وأمي إني ~~لأحس الآن دبيب الحياة في قلبي. # هبة ~~: # سأردك إلى أبيك وأمك، فاطمئني ولكن إياك أن تكاشفي بهذا الخبر ~~إنسانا. # مريم ~~: # محال. محال. لن أكاشف به أحدا. إني طوع أمرك. # هبة ~~: # انهضي ~~(تنهض مريم وهنا تلوح صفية عند ~~الباب الذي بالدور الأسفل على الرحبة) ~~. # مريم ~~: # مولاتي آتية ~~(يقدم لها ~~الكوب) # هنيئا لك يا سيدي ~~(تأخذه وتخرج ~~صاعدة الدرج) ~~. # هبة ~~: # شكرا لك. # صفية ~~(منادية وهي لدى باب الغرفة) ~~: # هبة الله ~~(تتقدم نحو ~~المقعد) ~~. # هبة ~~: # سيدتي ~~(ينهض) ~~. # صفية ~~: # لم أجد في القصر غرفة أليق من هذه ~~(تشير إلى باب الغرفة التي جاءت منها) # وكأن حظك اليوم موفور فإن ~~لها بابين مفتاحهما واحد. # هبة ~~: # ما أسعد الحظ يا سيدتي، نعم الوفاء. # صفية ~~: # وقد أعددتها لك على عجل وأعددت لك ما تحتاج إليه من طعام ليلة ~~وشرابها، أراني وفيت لك بنذري يا هبة الله؟ # هبة ~~: # فوق ما منيت نفسي يا مولاتي. # صفية ~~: # إذن فادخلها الآن إذا شئت، ولكن إياك أن يبدو من أمرك شيء لئلا ~~يتهموني بسوء، ثم إذا جاء الصباح فتحت لك الباب. # هبة ~~: # حذري أعظم من حذرك يا مولاتي، إنها حياة لا يعبث بها يا ~~سيدتي فاطمئني، ولكني أرى أن تعطيني المفتاح أقفل به الباب من باطنه حتى إذا ~~جاء الصباح خرجت بنفسي دون أن يراني إذ ذاك أحد. # صفية ~~: # أليس في ذلك بأس؟ # هبة ~~: # إني طبيب القصر وكلهم يعرفون أني ادخل حيث تكون مولاتي ms48 بلا ~~استئذان. # صفية ~~: # صدقت ها هو ذا المفتاح. ادخل الآن ... # هبة ~~: # شكرا لسيدتي، ~~(يميل يقبل يدها ثم يدخل ~~الغرفة ويقفلها ثم تأتي مريم من القصر مذعورة) ~~. # مريم ~~: # سيدتي! سيدتي ~~(تنزل على الدرج ~~وتنعطف) ~~. # صفية ~~(تذهب إليها لتلاقيها) ~~: # مريم! ماذا بك؟ # مريم ~~: # أطللت الآن من النافذة فرأيت فرسان الفرنجة قد دخلوا الأزقة ~~والشوارع حتى بلغوا دار الفارس أقطاي وسيوفهم تلمع في الفضاء وتهوي على الناس ~~رجالا ونساء وأطفالا لا تبقي ولا تذر # 4 # كأنما جاءوا ليقتلوا الشيوخ والأمهات ويحاربوا الرضع على الأكتاف. # صفية ~~: # ويلاه، ألم تري جنودنا؟ ~~(هنا يسمع صوت ~~نفير المصريين إعلانا بهجمة العدو) ~~. # مريم ~~: # لم أشهد جنديا واحدا يا سيدتي، وكأنهم لم يعلموا بما وقع ولكنهم ~~سيعلمون وشيكا، هذا هو النفير يا سيدتي، إنهم مشغولون في غير هذا المكان، لقد ~~خدعوا وربي، غير إني رأيت جناحا من رجال القصر ترفرف على هذه البقعة. # صفية ~~: # ويلاه! اللهم انصره ونجه وارحمنا ~~(طبول ونفير) # لقد التحموا ~~(صراخ من ~~الخارج وعويل) ~~. # مريم ~~: # نحن في مأمن يا سيدتي ~~(جلبة مستمرة ~~ونفير وطبول) # إن هذي الدار بعيدة عن الأذى، فقد رأيت الناس يلقون ~~المقاعد والأسرة والأخشاب والأحجار في الشوارع والأزقة من نوافذ منازلهم حتى ~~يسدوا الطرق على الصليبيين، وأخذت خيولهم تتعثر وتسقط بمن عليها ورأيت بعض ~~الشبان قد ركبوا النوافذ وأخذوا يطلقون قسيهم على الصليبيين، وهم على تلك الحال ~~فيوردونهم موارد الحتف العاجل. # 4 # صفية ~~: # وأين أختي الآن؟ # مريم ~~: # لقد كانت نائمة في الشقة الغربية من هذا القصر، والكاتب سهيل ~~راقد كذلك، ثم أفاقت الآن وأخذت تطل من النافذة، علمت أنها لم تنم ليلة الأمس ~~إلا فواقا. # صفية ~~: # خير لنا أن ندخل الدار، هلم يا مريم ~~(يهمان بالصعود على الدرج وفي أثناء ذلك يلوح برنار عند الباب متنكرا، ~~وهو محني الظهر وفي يده عكازة يتوكأ عليها) ~~. # برنار ~~: # يا أهل المروءة والخيرات! ~~(تلتقت ~~صفية) # هل من مأوى لشريد! إحسانكم يا أولي الإحسان! أنقذوني، ~~ارحموا شيبتي وضعفي يرحمكم الله، سيدتي! # مريم ~~: # ويلاه! هل كان الباب مفتوحا؟ # صفية ~~: # تقدير ربك ms49 يا مريم، مسكين هذا السائل، ~~(ترجع صوبه قليلا) # تعال أيها الشيخ تعال، ادخل. # برنار ~~: # شكرا لك يا سيدتي ~~(يحاول الدخول على ~~مهل كأنه لا يستطيع الحراك ومريم تنظر إليه فينظر إليها فتذعر) ~~. # مريم ~~: # من هذا يا سيدتي؟ ألا تذكرين صوته؟ ~~(هنا يسمع النفير ودق الدفوف النحاسية) ~~. # صفية ~~: # كأنه صوت برنار، لكنه قتل. # برنار ~~(يعثر بعتبة الباب) ~~: # وامصيبتاه! جرحت رجلي ~~(يقع) # خذي بيدي يا ابنتي. # صفية ~~: # مسكين هذا الرجل، لقد كاد يقتله الذعر ~~(تدنو وهو يلتفت إلى الوراء، فإذا قربت مدت يدها إليه فأمسك بها ~~ونادى) ~~. # برنار ~~: # دارتوا! دارتوا! ~~(فتصرخ ~~صفية) ~~. # صفية ~~: # أواه، بيبرس! بيبرس! # مريم ~~(تجري صارخة في القصر) ~~: # النجدة! ~~(ويأتي دارتوا ومعه رجال ~~فينقضون عليها يريدون تكميمها) ~~. # دارتوا ~~: # لقد ظفرت بك يا صفية بعد طول الشقاء، من أجلك خالفت أخي وعاندت ~~الهيكليين، ودخلت المنصورة برجالي وحدي. # صفية ~~: # آه يا نذل الرجال! أنقذوني! أنقذوني ~~(ثم يغشى عليها فتسقط) ~~. # فخر ~~(من الداخل) ~~: # لبيك ~~(وينزل من القصر إلى رحبته عاري ~~الجسم ليس على رأسه ولا صدره شيء، # 5 # وإنما هو «متفوط» والسيف في يده ويجري بينهم وبينه قتال يسقط ~~فيه رجلان من جنود دارتوا، ويخرج هبة الله من الغرفة متلثما والخنجر في يده ~~فيطعن الأمير فخر الدين من الوراء) ~~. # هبة ~~: # إلى جهنم يا بيبرس. # فخر ~~: # آه يا خائن، أهكذا يكون القتال! # برنار ~~: # مرحى فيليب. ~~(يظل فخر الدين يحارب، ويده اليسرى على خاصرته الجريحة ويجفلون ~~أول الأمر من الضربة، ثم يركع ولا يرمي السيف بل يحارب مسطوحا، وإذ يراه الجميع ~~خارا على الأرض يتركونه، يجري هبة الله إلى صفية وهي لا تزال مغشيا عليها ويضع ~~على أنفها مشموما من جيبه فتسترخي أعصابها، وهنا يقول فخر الدين محتضرا). # فخر ~~: # في ذمة الله سيفي إذ تفارقه # كفي وفى صوته مصر وأهلوها ~~(يموت). # هبة ~~: # عاوني يا برنار. # دارتوا ~~: # إلى أين؟ # هبة ~~: # إلى هذه الغرفة ~~(مشيرا إلى حيث ~~كان) # حتى تنتهي الملحمة إني خدرتها بهذا العقار الذي صنعته لي في ~~فارسكور. # دارتوا ~~: # أحسنت، سيروا ~~(يسير بها برنار وجندي ms50 ~~وهبة الله ويخرجون بها إلى الغرفة مكممة مغطاة الوجه، وهنا يدخل بواتيه ~~ومعه رجلان) ~~. # بواتيه ~~: # أين أنت يا دارتوا؟ ~~(يكلمه وهو في ~~حالة غضب شديد) ~~. # دارتوا ~~: # هنا، انظر: هذا فخر الدين كبير الجند مجندلا # 6 # ألا تذكره؟ # بواتيه ~~: # ويحك، أذكره، ولكنك قتلته وحده، ولم تدر أنك أهلكت من رجالنا ~~ألفين! إنك لم تنتظر حتى يتم عبور أخيك الملك، وسبقت الهيكليين فأهنتهم بما ~~فعلت، وكذلك استطاع بيبرس أن يعمل السيف في جندك جميعا حتى لم يبق منهم من ~~يحدث عنهم إلا خمسة رجال فقط، وضرب اللعين محسن في ساقه الملك على غرة فقتل كل ~~رجاله إلا مئة، وأسر منا حتى الآن ألف وخمس مئة فارس وكند وبارون. # 7 # دارتوا ~~: # وامصيبتاه! # بواتيه ~~: # وكاد يضرب رأس الملك ذاته لولا أنه ركض لأنقاذك. # دارتوا ~~: # ويحي! ويحي! وامصيبتاه! أين هو الآن؟ # بواتيه ~~: # ذهب إلى القصر برجالي ورجال جوانفيل ظنا منه أنك هناك فلم ~~يجدك، فعاد أدراجه فتلقاه بيبرس بجيوشه، وقطعوا الطريق عليه وأخذوا جميع رجالك ~~أسرى، ولولا أنه لبس بردة أحد هؤلاء الأعراب واختفى في بعض الخرائب لكان اليوم ~~في الهالكين، # 7 ~~(يعود برنار والجند ويقفل هبة الله الباب وراءهم ~~ويبقى في الغرفة) ~~. # دارتوا ~~: # وامصيبتاه! ومصيبتاه! ~~(الطبل والصنوج ~~تدق علانية إلى آخر الفصل) ~~. # بواتيه ~~: # هلم إليه. هلم. لقد خبرت أنك جئت إلى هذا المكان تنشد تلك ~~الفتاة اللعينة، أهذا وقته يا دارتوا؟ هلم اجمع ما بقي من الرجال لحماية الملك ~~قبل أن يكشفوا مخبأه، ويل لنا إن اليوم علينا. # دارتوا ~~: # يالله! كيف ألاقي أخي! # بواتيه ~~: # اقتل البندقاري إن استطعت، لا يكفر عن ذنبك إلا هذا وإلا فأغمد ~~السيف في فؤادك، إنني سأكون إلى جانبك، فإن قتلته وهبتك شرف قتله، هلم يا ~~رجال. ~~(يحاولون الخروج، وهنا يأتي بيبرس ومحسن في عدة القتال ومعهما ~~جنود مسلحة، وفي يد أحدهم علم ويكون من بينهم صبيح ومسعود عبد بيبرس). # بيبرس ~~(صارخا ومتقدما إلى دارتوا والسيف في يده) ~~: # ويحكم يا عبيد الشهوات وأنذال الرجال وحثالة بني الإنسان! # محسن ~~(ينظر فيرى فخر الدين مجندلا ms51 ) ~~: # فخر الدين! مجندلا! # بيبرس ~~: # ويلكم يا خونة ~~(دارتوا وبواتيه يذعران ~~ويشهران السيف باضطراب) ~~. # دارتوا ~~: # ليست شيمة الرجال قتل المطمئن، دونك سيفي ~~(يقدم سيفه لبيبرس فيرفض أخذه) ~~. # بيبرس ~~: # ويحك! وهذا الأمير، أما كان يتوضأ لربه فأذعرتم أمنه، أما والله ~~لن أفلتكم اليوم منها. محسن، أعمل السيف «ينازل دارتوا ويتقاتلون جميعا ~~قتالا شديدا والطبل والصنوج لا تنقطع فيقع بعض الجنود من الطرفين، ويقع دارتوا ~~قتيلا بضربة سيف من بيبرس، ومحسن يصرع برنار وبواتيه يفر أثناء القتال، وتظهر ~~شجرة الدر تحت قبة الدرج فوق الصدفة، وهي في عدة القتال من خوذة ودرع، وفي يدها ~~خنجر مشهور، وسهيل شاهرا سيفه استعدادا للطوارئ، ورافعا علما فوق رأسها ~~فإذا انتهت الموقعة نادى بيبرس ومحسن: «مرحى»، والجنود من وراءهما والسيوف في ~~أيديهم مواجهين شجرة الدر» مرحى! مرحى! «ويدخل أثر ذلك جماعة من الجنود ~~والأمراء المصريين في عدة القتال والطبول والرايات والأعلام وهم يهللون: مرحى ~~مرحى!) # محسن ~~: # سلام على عصمة الدين ... وسيدة نساء المسلمين. # شجرة ~~: # وعليكم سلام من الله ورحمة. # بيبرس ~~: # لقد انتصرنا بإذن الله. # شجرة ~~: # مرحى للرجال، مرحى لأبطال المنصورة. ~~(تهليل ودق طبول) # | الفصل الرابع # المنظر # يزاح الستار عن إيوان في دهليز «فسطاط كبير له أبراج» السلطان طورانشاه ~~بفارسكور # 1 # له باب واسع في صدر المزرح، ترى من ورائه سوار وشرع وشوان وبطس «سفن حربية» ~~مصرية في النيل، وبعد الباب صدفة واسعة ينزل منها إلى رحبة هذا القصر الخشبي العجيب، ~~والإيوان مغطى الجدران بالأستار الديبقية البيضاء إيذانا بمقدم الصيف؛ إذ نحن في أواخر ~~إبريل سنة 1250 ميلادية، وفي الإيوان فرش سلطانية وبسط طبرستانية، وهناك إلى يمين ~~المتفرج دكة مفروشة مائلة الوضع إلى خمس مقدم المرزح، عليها كرسي عال مكفت بالذهب بنقوش ~~عربية، وعليه وسائد من الحرير بديعة الصنع وإلى يمين الدكة كرسي آخر أصغر من الأول، إلا ~~أنه كريم فهو مفروش بالوسائد مثله ويرى إلى الجانب الأيسر مقعد آخر من الأبنوس المكفت ~~وكرسي مثله، وللإيوان منفذان جانبيان؛ أحدهما إلى اليمين، وهذا يضرب إلى دار السلطان، ~~والآخر إلى اليسار، ويضرب ms52 إلى حلقة المشورة. # تدخل شجرة الدر من المنفذ الأيمن يتبعها سهيل، وكأنما تتم حديثا، ثم تذهب إلى المقعد ~~الأيسر وتجلس ويظل سهيل واقفا بجوار الكرسي الثاني. # سهيل ~~: # إني لم أر الأمير بيبرس منذ أيام يا مولاتي، لعله ذهب لمفاوضة ~~أسيرنا ري رديفرانس في دار ابن لقمان بعد أن أخفق مسعى الأمير بلبان. # شجرة ~~: # ولكنه أطال غيبته عني، أتعلم أنت شيئا من أمر الأميرة صفية ~~ومريم؟ # سهيل ~~: # كلا يا سيدتي. # شجرة ~~: # هل فتشتم شواني الفرنجة؟ # سهيل ~~: # لقد نزل الأمير بيبرس بنفسه يفتش عنها كل شق في تلك ~~المراكب، ولكن لعلها فيما لم تصل إليه يدنا بعد، وكأن الأمير بيبرس قد خال ذلك ~~فذهب إلى الملك في الأمر. # شجرة ~~: # لست أظن الملك يعرف عنهما شيئا، ويخيل إلي أن الأمير الذي قضي ~~في دار فخر الدين إذ رآهما في رحبتهما أسلمهما إلي بعض رجاله، فعادوا بهما إلى ~~حيث يخفونهما عن عيون الملك، لقد نقم الملك من أخيه إيداعها دار شيخ النجع، فلا ~~غرو أن يخفي أخوه عنه الآن ذلك، ولكن لماذا يأخذون مريم أيضا إلا أن تكون ~~لصاحب نجع فارسكور يد في ذلك؟ ألا ترى أن تستفسر منه؟ إنه الآن أسيرنا، وقد يرى ~~في أن يدلنا عليها سبيلا لنجاته. # سهيل ~~: # صدقت يا سيدتي، ولكن صاحب النجع قضي بالأمس، قتله ابن الطوري ~~فيمن قتل من الأسرى. # شجرة ~~: # قتله! ألم أرسل هبة الله الطبيب إليه ليكف يده عنه حتى أراه! # سهيل ~~: # بلى، ولكنه قتل بأمر هبة الله نفسه يا مولاتي. # شجرة ~~: # وي! كيف ذلك؟ # سهيل ~~: # لا أدري ولكن صبيحا خبرني أن برنار لفق له عن هبة الله هذا ~~خبرا عجيبا، فسمعه هبة الله فأهدر دمه على الفور. # شجرة ~~: # وما يكون هذا الخبر يا ترى؟ ألم يخبرك به صبيح؟ # سهيل ~~: # لم يكن ثمة سبيل للكلام، فقد دعاه الملك إليه فلباه وتركني، قد ~~يكون له بأمر اختفاء الأميرة علاقة، وإلا فلماذا آثر قتله على إطاعة أمر ~~مولاتنا؟ إني أستريب هذا الطبيب يا مولاتي من زمن بعيد. # شجرة ms53 ~~: # ترى أين هبة الله الآن؟ # سهيل ~~: # إني رأيته الآن يتمشى مع مولاي السلطان على الشاطئ ~~(يشير إلى البحر) ~~، فإذا رأيت أن أدعوه إليك بعد ~~عودة مولاي ... # شجرة ~~: # أجل. أجل. اذهب على الفور ~~(يهم سهيل ~~بالذهاب والخروج) ~~، ولكن قف لا فائدة من ذلك، إذا كان برنار يتهم ~~هبة الله في شيء من أمرها فهل ترى ينفضه هو إلينا؟ خير لنا أن ننتظر حتى يعود ~~صبيح من المنصورة. # سهيل ~~: # حسن يا مولاتي، ولكن لا بأس أن تستفسري منه عن سبب مخالفته ~~أمرك، لعل في ذلك ما يفيد حين نرى صبيحا أبلغ بزعانف الناس أن ...؟ # شجرة ~~(بعد صمت) ~~: # لا بأس، اذهب في طلبه. # سهيل ~~: # سمعا يا مولاتي ~~(يخرج من الباب ~~الأكبر) ~~. ~~(يدخل الأمير بيبرس من المنفذ الأيسر تائه الفكر مشردا، كما ~~يفعل من يمشون في نومهم، تكون عيناه صوب منفذ قصر السلطان، وهو غارق في تأمله، ~~ويتقدم نحوه وشجرة الدر ناظرة إليه باستغراب، فإذا حادثته تنبه كأنه أفاق فيلتفت ~~إلى جهة الصوت، وتناديه شجرة الدر بصوت غير عال كي لا ينزعج). # شجرة ~~: # مرحبا بركن الدين. # بيبرس ~~(يتنبه ويلتفت) ~~: # من ذا يناديني؟ # شجرة ~~(على المقعد) ~~: # أنا يا ركن الدين. # بيبرس ~~(يتقدم منها بسرعة ويجثو على ركبتيه) ~~: # معذرة يا أختاه معذرة، لا يسؤك طروقي بلا استئذان، لقد والله ~~أردت أن أخرج إلى الشاطئ من باب حلقة الأمراء ... فأخطأته وجئت إليك ... فإن كنت ... # شجرة ~~(بصوت هادئ) ~~: # يا مرحبا بك يا ركن الدين. # بيبرس ~~: # لمثل هذا الصوت فزعت نفسي، إلى مثل هذا الحنان تطلع قلبي، إلى ~~مثل هذه النظرة المشفقة ظمئت روحي، املكي عني أساي، املكي عني دمعة عيني ~~(يضع وجهه بين راحتيه) # إني أكاد أجن يا ~~أختاه ~~(تخنقه العبرات) ~~. # شجرة ~~: # روح عنك يا ركن الدين، أتيأس من رحمة الله؟ # بيبرس ~~: # آه يا مولاتي! لقد بحثت عن صفية في كل مكان لكني لم أوفق إلى ~~خبر عنها، سألت البوادي والقفار، وفتشت الخرائب والديار، فلم تحر جوابا، ولقد ~~طالما تمثلتها في سفرتي تستصرخ فأصرخ من أعماق قلبي: لبيك ms54 ! لبيك! ثم أنتبه فلا ~~يجيبني إلا الصدى حتى تغشاني غاشية جنون فأهيم على وجهي في البراري، وأخوض ~~رقراق البردي المطمئن ثم أصرخ: هأنذا، لبيك! إلى أن أذعرت طير قلبي المسكين ~~بصراخي، وترينني الآن كالطفل لا يخفف حزني إلا دمعة أذرفها أو أم آوي إليها، ~~إني أكاد أجن، أجن، أواه. # شجرة ~~: # بيبرس، بيبرس، ترفق بنفسك، أكذا عزيمة الرجال؟ أهذا فتى ~~النجع؟ أهذا فارس المنصورة؟ لقد والله حسبت أني أجد لنفسي في صبرك عزاء، فإذا ~~أنت أحوج مني إلى العزاء، لعلها ذهبت إلى دمياط وقد عزمت أن أرسل إلى الملكة ~~رسالة، لماذا تزل بنفسك يا بيبرس؟ # بيبرس ~~: # لقد ذهبت إلى دمياط. # شجرة ~~(تؤخذ دهشة) ~~: # وي! # بيبرس ~~: # وقابلت الملكة نفسها وسألتها عنها، ولكنها أقسمت أنها لا تدري ~~من أمرها شيئا منذ أرسلتها إليك. # شجرة ~~: # ما هذا الجنون يا بيبرس؟ أتذهب بنفسك إلى عرين الأسد الذي جندلت ~~أشباله؟ كيف تخاطر بنفسك كل هذه المخاطره يا ركن الدين؟ إننا لا نزال في حاجة ~~إليك. # بيبرس ~~: # كلا يا سيدتي، لم يعد لكم بي حاجة، لقد كتب الله لنا السلامة ~~فقهرنا عدونا، وأسرنا ملكهم وأمراءهم، وأخذنا كل جنودهم ومراكبهم وأدواتهم ~~وعدتهم، وقضي الأمر، فإذا أنا مت بعد ذلك فليس في ذلك كبير بأس إلا أن تكون ~~صفية في الأحياء. # شجرة ~~: # إنها كذلك يا ركن الدين، أترى الله يفجعنا فيها، كيف يضيع الله ~~أجر المحسنين؟ ولكن قل لي كيف دخلت على الملكة؟ # بيبرس ~~: # دخلت عليها كأني رسول من قبل بيبرس، وكنت أعددت معي رسالة، ولقد ~~وجدتها مريضة هزيلة وفي عينها أثر البكاء والنحيب، لم تر أن يحادثني ناظر من ~~خاصتها بل نهضت من فراشها تستنشق خيرا عن زوجها، وهي أول مرة نهضت من الفراش ~~بعد أن وضعت ولدها الذي سمته بالحزين، # 2 # وقد قدمته إلي مستصرخة بك وبمواليك أن تردي إليها زوجها، فوعدتها ~~أن أكون واسطة خير بينك وبينها. # شجرة ~~: # آه يا بيبرس، لقد أحسنت، أقسم لقد تمزق قلبي لحديثها، ولكن ترى ~~طوران يرضى بذلك؟ # بيبرس ~~(يستفيق شيئا فشيئا ms55 ) ~~: # الرأي شورى يا سيدتي، وإذ كانت الملكة قد رضيت أن تدفع فدية عن ~~زوجها، فقد عدت إلى المنصورة على الفور واتفقت مع الأمراء على صيغة إطلاق سراح ~~الملك، وأما أنت فلا أظنك تأبين إجابة سؤال الملكة، ولا أظن مولانا السلطان ~~يأبى ذلك. # شجرة ~~: # إني سأحادثه في الأمر حين يرجع إلى القصر، ولكن هل سألت الملك ~~لويس عن صفية؟ # بيبرس ~~: # أجل، ولكنه لا يعرف من أمرها بعد يوم النجع شيئا، ولا أخوه ~~بواتيه، ولا أميره الذي أسره محسن مع الملك في بيت أبي عبد الله؛ لأنه كان أقرب ~~أصدقاء دارتوا إليه، ولكن الملك وعدني أن يبحث عنها يوم يعود إلى دمياط، وهذا ~~هو الأمل الباقي، والآن فلتأذن لي عصمة الدين أن أنصرف لعلي أفي آخر حق بلادي ~~علي. # شجرة ~~: # هذا أنت يا بيبرس، هذا ركن الدين، هذا عين أبطال مصر. # بيبرس ~~: # لقد عاد إلي الآن شيء من الطمأنينة بلقائك، كأنما كنت لنفسي ~~كعبة الرجاء التي تفرج فيها أزمات الأمور، على أنك إن رأيتني قد انتفضت ~~كأورقاء، فإنما أضم الآن تحت جناحي جرحا راش سهمه القدر، ثم أخفاه في طيات ~~الخوافي، السلام على مولاتي ورحمة الله. # شجرة ~~: # في ذمة الله يا بيبرس ~~(يخرج بيبرس من ~~المنفذ الأيسر، وتهم شجرة الدر بالخروج من المنفذ الأيمن ثم تسترسل في ~~كلامها وهي خارجة) # يالله! كيف يقلم الوجد مخلب الأسد، اللهم لا ~~تفرق بينهما يا من يجزي المحسنين بما عملوا. ~~(يدخل السلطان طوران شاه من الباب الكبير لابسا جبة سوداء ~~مزركشة بالذهب على قتبها وعاتقها، ولها أزرار كبيرة دائرة حول السجف، وهي موشحة ~~بفرو السنجاب، وعلى رأسه عمامة بيضاء مفرعة ذات أقماع مخيطة بأعلاها تقليدا لعمامة ~~صلاح الدين، وتحت جبته قفطان من الحرير الأخضر الإسكندري المجوخ عليه منطقة من ~~الذهب ... وظاهر طوران شاه يدل على الرعونة، وأنه سكير، فهو منتفخ الأوداج، جاحظ ~~العينين قليلا، إذا دخل وقف يتأمل ثم سار إلى حيث كانت شجرة الدر، ثم وقف وأخذ ~~يفكر، ثم عاد إلى السير ذهابا وجيئة أخرى ms56 ). # طوران ~~: # تخفيها عني وتهزأ بي! تؤثر عبدا من عبيدي علي، علي أنا، ~~سلطان مصر والشام وابن الملوك العظام، أم أنها تجهل قدري؟ # شجرة ~~(تدخل) ~~: # من هذه التي تجهل قدرك يا بني؟ # طوران ~~(على حدة) ~~: # ويل لها! أكانت تتسمع؟ ~~(وبصوت ~~مسموع) # هي أنت يا امرأة أبي الكريم. # شجرة ~~(تشده) ~~: # ما عودتني مثل هذا النداء يا بني، أم استكثرت علي لقب ~~الأمومة؟ # طوران ~~: # ليس للإنسان في دنياه إلا أم واحدة، وقد أفقدتها منذ زمن طويل. # شجرة ~~: # فمن ذكرك اليوم بها؟ ما أشد وفاء الأبناء! # طوران ~~: # ويحك، ماذا تعنين؟ # شجرة ~~: # أسبابا واعتداء. # طوران ~~: # خبريني أين صفية؟ # شجرة ~~: # لقد طالما خبرتك أني لا أعلم عنها شيئا ~~(يقف طوران أثناء ذلك ينظر إليها مهتاجا يضع يده مرة على ~~خاصرته، وأخرى على صدره) # منذ موقعة المنصورة، وإني لا أدعو الله ~~في صلاتي إلا أن يوفق من أقمتهم للبحث عنها للعثور عليها ويجمعني بها، فما بالك ~~اليوم تسألني عنها خبرا؟ # طوران ~~: # إنك تخفينها عني. # شجرة ~~: # أخفيها عنك؟ أتراني كنت أخاتل الله في صلاتي؟ # طوران ~~: # إنما كنت تخاتلينني أنا ~~(يتمشى) ~~. # شجرة ~~: # ماعهدي بك كذلك يا بني، لا تخفيها عنك إلا إحدى امرأتين: زوجة ~~لك، أو عاشقة تغار عليك، وما أنا كذلك وما ينبغي لي، أو ناقمة تريد الثأر منك، ~~وليس بيني وبينك عداء. # طوران ~~: # بل إنما أنت الثانية أيتها المراة. # شجرة ~~: # وي! لماذا؟ ~~(هنا يبدو سهيل على ~~الصدفة، وإذ يسمع هذا اللجاج يتراجع ولكنه لا يغيب) ~~. # طوران ~~: # لا أدري ~~(يتمشى ثم يقف ينظر ~~إليها) ~~. # شجرة ~~: # كيف أريد بك سوءا يا بني وأنا التي وليتك الملك بعد أبيك بلا ~~وصاية؟ # طوران ~~: # إذن فقد خنت أبي إذ زورت خاتمه على الناس بولاية العهد لي. # شجرة ~~: # قد أكون خنته يا بني، ولكني لم أخنك أنت ولا خنت ربي. # طوران ~~: # من يخون أبي يخونني ~~(يتمشى ثم يقف ~~ينظر إليها) ~~. # شجرة ~~: # إذن فمعذرة إليك، ولكني إنما فعلت ذلك حسن ظن بالله، وأمانة لك. # طوران ~~: # ألم تعدي بها خادمك بيبرس. # شجرة ~~: # بلى ~~(هنا يبدو ms57 سهيل ثم ~~يتراجع) ~~. # طوران ~~: # اتؤثرينه علي؟ # شجرة ~~: # كيف أوثر خادم السلطان على السلطان نفسه؟ ولكن سبق الوعد بها من ~~أبيك لأميره وهو في حلب قبل أن يجيء إلى مصر بعام، وجددت له الوعد قبل أن تجيء ~~أنت بأشهر، ولقد هممت أن أبر له بوعد أبيك ووعدي وأجزيه عن المعروف فيما فعل ~~فأبت عليه همته العالية إلا أن يرجئ الأمر حتى تنتهي الحرب، وها نحن أولاء قد ~~فقدناها ولا ندري أفي الأموات هي أم في الأحياء؟ فلماذا تحادثني اليوم في ~~شأنها؟ بل لعمري لئن كانت في يديك ثم طلبها بيبرس إليك لكان حقا عليك أن تجود ~~بها عليه اعترافا بجميله على بيتك، إنه هو الذي حمى بيت بني أيوب ذلة الأسر ~~والهوان. # طوران ~~: # ويحك يا شقية ~~(يبدو سهيل ثم ~~يتراجع) ~~. # شجرة ~~: # آه يا طوران، لقد كان بيبرس وصحبه أبناء ملوك مثلك، اتق الله يا ~~طوران ... ألا تخشى أن يصيبك ما أصابهم فتقتل أو تباع كما بيعوا لأبيك؟ ثم لا تجد ~~سيدا كسيدهم، لقد كان أوشك أن يصيبكم من الفرنجة ما أصابهم من المغول لولا همة ~~بيبرس وصحبه. # طوران ~~: # فليت يا فاجرة ~~(يقبض على ~~ذراعها) # أبمثل هذا تجيبين؟ ~~(هنا يبدو ~~ويقف ينظر ثم لا يتكلم) ~~. # شجرة ~~: # دعني أيها السلطان وإلا ندمت. # طوران ~~(يتركها) ~~: # أين أموال أبي؟ # شجرة ~~: # إنك تعلم أني أودعتها بيت مال المسلمين. # طوران ~~: # لم أجد في بيت المال إلا قليلا، خبريني أين المال؟ # شجرة ~~: # إن كنت لا تجد إلا قليلا فقد أنفق على الجند، والعشور لم تجب ~~حتى يومنا هذا لاشتغال الناس بالحروب، وليس عندي من مال أبيك إلا قليل لا أزال ~~أنفق منه في طعامك وشرابك، فإن شئت أن تتولاه أفلتني مشكورا ثم أذنت لي في ~~مغادرة قصرك مأجورا، لم يعد لي في جوارك مقام. # طوران ~~: # لن يكون ذلك حتى تنزلي عن حقائب الدر الأسود والياقوت التي ~~أهداها إليك أبي. # شجرة ~~: # إن كان أبوك قد أهداها إلي فهي ملكي بشرع الله، ليس لأحد عليها ~~من سبيل، على أني قد ms58 رصعت بها كسوة المحمل الذي نذرت أن أجعله هودجا للأمير ~~الذي يسافر بالحجيج إلى مكة المكرمة وقبر رسول الله هذا العام. ووهبت ما بقى ~~منها لمقصورة النبي عليه السلام اغتباطا بنجاة مصر وخفوق راية الإسلام، وهي ~~الآن في قلعة الجبل فإن شئت إلا أن تأخذ مال الله فأنت وشأنك. # طوران ~~: # أهي في مقصورتك؟ # شجرة ~~: # كلا بل في مقصورة أبيك، والآن إذ جئت بي إلى فارسكور فأذن لي أن ~~أرحل عن دهليزك هذا لا آخذ معي إلا ثيابي التي جئت بها، ولن أعدم قوت يومي بما ~~تكسب يدي. # طوران ~~: # أنتركك تهرعين إلى ندمان خلوتك؟ اذهبي إلى غرفتك ولا تبرحيها ~~إلا بإذني. # سهيل ~~(يدخل) ~~: # الأمراء بالباب يلتمسون المثول بين يديك يا مولاي. # طوران ~~(يلتفت مذعورا) ~~: # ويحك! من الذي أذن لك بالدخول؟ # سهيل ~~: # تلك عادتي يا مولاي. # شجرة ~~: # هذا كاتب يدي أيها السلطان. # طوران ~~(لسهيل) ~~: # قبح الله صورتك، اذهب، قف، علي بابن الطوري. # سهيل ~~: # لم يجئ معهم من المنصورة يا مولاي. # طوران ~~: # وي! لماذا تأخر؟ # سهيل ~~: # رأى الأمير محسن أن يستبقيه بالمنصورة في غيبته. # طوران ~~(يصك أنيابه) ~~: # علي بهم، ~~(وتحاول شجرة الدر أن تذهب ~~من الباب الأيسر فيستوقفها) # قفي، أين تذهبين؟ # شجرة ~~: # إلى رسول الله أشكوك إليه. # طوران ~~: # إلى حجرتك أيتها المرأة، لا يدخل عليك أحد إلا بأذني، ولا يكن ~~لك كاتب ولا بريد، أفهمت؟ # شجرة ~~(تنظر إليه منتظرة ساكنة ثم تتكلم) ~~: # سأذهب كما تشاء، وسأكون عند أمرك، ولكن اعلم أيها السلطان أنك ~~فقدت نصيرك في هذه الحياة. ~~(تخرج من حيث جاءت). # طوران ~~: # أتراهم أوجسوا المخبوء؟ ما لابن الطوري قد خالف أمري؟ أجل، إنهم ~~زعماء الجند والناس في مصر ~~(هنا يبدو سهيل) # عباد القوة، سأريهم قوتي فلا يستعجلون. # سهيل ~~: # حضر الأمراء يا مولاي. ~~(يدخل الأمراء يتقدمهم محسن، ويتلوه أقطاي يتبعهما بيبرس، وبعض ~~أمراء أخر ويظل سهيل عند الباب). # محسن ~~: # سلام على الملك المعظم طوران شاه سلطان مصر والشام وحامي حمى ~~الإسلام. # طوران ~~: # على أبطال مصر السلام ~~(يجلس على ~~المقعد العالي وهو غضب) # ما ms59 وراءكم؟ # محسن ~~: # ما وراءنا إلا الخير أيها السلطان، ولكنا جئنا نستفتيك في أمر ~~من أمورنا ونستنير برأيك الثاقب. # طوران ~~: # إن كان أمرا من أمور الدولة فليس لأحد منكم أن يستفتي وإنما لي ~~الرأي وما عليكم إلا البلاغ، فما هو هذا الأمر؟ # محسن ~~(يلتفت دهشا) ~~: # أمر ريدافرانس أسيرنا ... # طوران ~~: # ما خطبه؟ # محسن ~~: # لقد بقي من جنده في دمياط عديد اعتصموا وراء أسوارها المنيعة ~~واستعدوا لجيوشنا استعدادا كبيرا. # طوران ~~: # وهل يعز عليكم فتحها؟ # محسن ~~: # لن تعز المعاقل على فارس مصري في يمينه حسام وفي قلبه إيمان، ~~وإنما نخشى أن يبطئ الفتح علينا، وقد زرنا دار ابن لقمان بالأمس حيث أودعنا ملك ~~فرنسا وأخاه وباروناته أجمعين، فعرض الملك علينا أن يخلي دمياط لنا، ويدفع لنا ~~عن نفسه ومن بقي من قومه دية ونطلق سراحه وسراحهم، وننزل الألوف من رءوس القتلى ~~من قومه الذين قلدنا بجماجمهم أسوار المنصورة، ونحفظ له أقواته التي بدمياط حتى ~~يرسل في طلبها، # 3 # قد رأينا الأمر أجدى علينا وأحفظ لرجالنا فجئنا نطلب إلى سدتك ~~الإذن بإمضائه. # طوران ~~: # لقد كان يجدر بكم أن تتريثوا حتى تبلغوا الأمر إلي، إني أنا ~~سلطان مصر وحدي لا أنتم، وسواء كان فيما عرض نفع أو غير نفع فإني لا آذن ~~بإمضائه. # أقطاي ~~: # يشاء مولاي أن يقول الساعة هذا المقال بعد أن اتفقنا معه ~~بالنيابة عن البحرية أجمعين على ما يجب أن يكون لنا من الأمر في تدبير الشئون، ~~وقد كنت عالنتنا بأنك لا تأبى على الملك أن يفتدي نفسه، فلما عرض علينا ~~الدية تشاورنا في أمرها وارتضيناها فيما بيننا، ثم جئنا نلقي عليك جملتها لتعلم ~~بما يجب لك العلم به. # طوران ~~: # ما كان من حقكم أن تتشاوروا في أمر من أمور دولتي ولو سبق مني ~~إقراره حتى أنظر فيه، فإن شئتم أن تسلبوني حقي الذي وهبه الله لي فإنما أنتم ~~باغون، وإن شئتم أن تكونوا مخلصين لي عاملين على مكانتكم مني لم تزيدوا على ~~إبلاغي الأمر ولي فيه شأني، قبلت أم رفضت. # بيبرس ~~: # أيها السلطان ms60 إنا لم نخرج بالأمر عن حد المباحثة، وتقرير شرائط ~~الاتفاق بيننا وبين عدو قديم، لم تكن لك يد في أمره ولا هزيمته، ولقد كنا في ~~حل من إمضائه عنك عملا بما اتفقنا عليه من قبل، ولكنا أردنا أن نبلغك الأمر ~~رعيا لكرامة ذي السلطان، ولنشهد الله أننا وفينا لبيتك الكريم ولبلادنا ~~ولأبيك عليه الرحمة والرضوان. # الجميع ~~: # رحم الله الملك الصالح. # بيبرس ~~: # فإما أننا مخلصون لك فهذا ما لا شك فيه؛ إذ إنك سلطان مصر الذي ~~أقمناه باختيارنا لجمع أمرنا، ولعنة الله على الخائنين. # الجميع ~~: # لعنة الله على الخائنين. # بيبرس ~~: # وإما أننا نجهل مكاننا منك فمغالطة ساقك إليها ما وقر في نفسك ~~من أننا، نحن مماليك أبيك الجليل، نطمع في تراثك فلم تزل تغض منا وتصغر من ~~شأننا. # الجميع ~~: # رحم الله الملك الصالح. # بيبرس ~~: # لقد كان لنا أن نجلس في حضرة أبيك جلسة الولد البار من أبيه، ~~فأما أنت فأبقيتنا على الأقدام في هذه الدار التي يجلس فيها الغلمان والندامى، ~~وفي مثلها قضي أمرنا بتوليتك سلطانا علينا بلا عهد ولا كتاب ~~(يضطرب طوران) ~~. # طوران ~~: # اجلسوا بالله أيها الأمراء ولا تذكروا إلا الخير، إني نسيت ~~(يجلس محسن وأقطاي وبعض الأمراء) ~~. # بيبرس ~~: # بل تناسيت لتزري بنا وتحط من كرامتنا ونحن أمراء الدولة وكبار ~~جندها وأساطين دولة الإسلام، وكان فرضا عليك ألا تفرط في كرامة هذه المنزلة ~~حتى لا يراها خلفك من السلاطين هنة بين الهنات. # طوران ~~: # معاذ الله يا بيبرس! معاذ الله! # بيبرس ~~: # لم تزل منذ جئنا بك من كيفا تستريب كل أمر من أمورنا، لماذا؟ ~~ألأنا حفظنا لك الملك أن يدعيه أربابه من أعمامك الذين غلبهم أبوك عليه؟ وما ~~برحت تستصغر كل عمل من أعمالنا، لماذا؟ ألأنا استطعنا أن نبرهن للعالم أجمع أن ~~في مصر رجالا، وأن امرأة مصرية خير من رجال كثيرين؟ # الجميع ~~: # بوركت، بوركت فضلى النساء. # طوران ~~: # وي! وي! كذلك تخاطب مولاك يا ركن الدين؟ # بيبرس ~~: # لقد كان للناس أن يقوموا عمر بحد السيف، فبأي حد نقومك ~~أنت؟ # طوران ~~: # لو ms61 تركتموني وشأني لصنعت ما يستوجبه الدين. # بيبرس ~~: # استمع لي يا طوران، إذا شئت أن تعيش بيننا سلطانا علينا فليس ~~لك إلا الشورى والرأي للجماعة. # طوران ~~: # لقد عولت على ذلك منذ حين. # بيبرس ~~: # هكذا علمنا فما ردك اليوم عنه؟ وما دعاك إلى أن تبيتنا وتتآمر ~~علينا وتعمل على قتلنا؟ # طوران ~~(دهشا مذعورا) ~~: # أنا أبيتكم وأعمل على قتلكم! # بيبرس ~~: # كفى أيها السلطان، إنك تزعم أن مصر اليوم كعهدها بالأمس؛ إذ كان ~~أهلها أنعاما يساقون، كلا يا طوران! لقد عشت في ديار بكر بعيدا عن هذه الدنيا ~~فلم تدر أنهم اليوم أمة أخرى، لقد عرفوا اليوم أن لهم في هذي الحياة الدنيا ~~نصيبا فوق نصيبكم منها؛ لأنكم بها وهي ليست بكم، إنهم الأعلون وأنتم الأدنون، ~~بيد أنهم رجالي ورجال صحبي، فصن فؤادك عن التفكير في قتلنا، ولا تضن نفسك ~~بالاحتيال، فإني إن أمت غيلة أو يمت محسن صبرا، أو أقطاي، أو قطز أو بلبان أو ~~تنكز، قام غيرهم يطالبونك بدمائهم، وإذا أنا فصلت الآن عنقك بسيفي هذا جزاء ~~جنايتك علينا، ولغ الناس في دمك وكان ولي عهدك أول المغتبطين، انظر: هذا أميرك ~~ابن الطوري الذي جئت به من كيفا، والذي عليه تعتمد وبه تستعين قد عالننا بأمرك، ~~فارشد أيها السلطان ولا تكن من الجاهلين. # طوران ~~: # معذرة يا بيبرس، معذرة أيها الأمراء، لقد خبروني أنكم أردتم بي ~~سوءا فصدقت والكريم يخدع، على أن لكل امرئ من دهره ما تعود، وقد اعتدت في ~~كيفا ما لم أجده هنا، فكبر الأمر على نفسي، ووجدت للوشاية سبيلا إلى قلبي، أما ~~وأنتم لا يرضيكم إلا هذه الخطة على أن نعيش عليها بعد اليوم إخوانا في الله، ~~فعهد الله بيني وبينكم عليها، قسما تلزمني عليه إن حنثت لعنة المنتقم الجبار. # بيبرس ~~: # شكرا للسلطان، ولكنا لا نرضى بهذا العهد حتى تسترضي مولاتنا ~~شجرة الدر على ما لقيت منك من صنوف الإهانة قبل مقدمنا. # طوران ~~: # اتقوا الله أيها الأمراء! ماذا جرى؟ إن هذا افتراء. # بيبرس ~~: # إنه لصدق أيها السلطان ~~(لسهيل) # سهيل ms62 . # سهيل ~~: # مولاي. # بيبرس ~~: # استمح مولاتنا في التجلي علينا. # طوران ~~: # لن يكون هذا، كيف تبدو امرأة السلطان عليكم؟ # محسن ~~: # هون عليك يا مولاي إننا عبيدها المخلصون، وما هذه بأول مرة ~~نستأذنها، فقد كان لنا ذلك أيام أبيك عليه الرحمة والرضوان. # بيبرس ~~: # والآن فاعلم أيها السلطان أننا جئنا بملك الفرنسيس من المنصورة ~~نردعه، واتفقنا معه أن تكون الدية خمس مئة ألف دينار نصفها برهن أخيه ~~بواتيه، حتى يصل إلى دمياط والنصف الآخر بوعد منه، فاقبله وإذا دخل عليك فأذن ~~له بالجلوس، هذا أليق بكرامتنا، وإذا ذكرت الدية فانقص منها، نحن قوم لا يهمنا ~~إلا الثناء، ثم ودعه وداع الملوك ~~(يلتفت) # أقطاي، مر للملك بالقدوم علينا ~~(ينهض أقطاي ويقف بباب ~~الردهة فوق الممشى ويشير بيده إشارة من يستدعي) ~~. # أقطاي ~~: # علينا بري ديفرانس. # صبيح ~~(من الخارج) ~~: # سمعا يا مولاي. ~~(يعود ~~أقطاي) ~~، ~~(ويأتي سهيل من القصر يتقدم ~~شجرة الدر) ~~. # سهيل ~~(معلنا) ~~: # مولاتي شجرة الدر، ~~(يقف الجميع ما عدا ~~السلطان) ~~. # شجرة ~~: # سلام على أبطال المنصورة. # محسن ~~: # وعلى حامية مصر السلام، ~~(تجلس على ~~الكرسي الذي إلى يمين عرش الملك) ~~. # شجرة ~~: # لم أظفر بعد فقد مولاي الملك الصالح بشيء من طمأنينة النفس ~~إلا اليوم أيها الأمراء الكرام؛ إذ اجتمعتم بولدي السلطان المعظم طوران شاه ~~(هنا يتنفس السلطان تنفس الفرح) # بعد طول ~~نواه، وحميتم مصر أذى عدوها ثم استقتم زعيمهم في رحابه أسيرا، أفلا نشكر الله؟ # أقطاي ~~: # ألف حمد لله على نعمته يا مولاتي وألف شكر لك، لقد كان النصر ~~كله على يديك، فأنت أنت التي دبرت أمر الدولة في غيبته حتى لا يشغل الأمراء إلا ~~بمدافعة القوم، كما صنعت في غيبة أبيه ومرضه، ولعمري لئن كان لهم في نصرة الحق ~~ثواب عند الله، لثوابك أرجح وأعظم ~~(للسلطان) ~~، أليس كذلك يامولاي؟ # طوران ~~(سكوت) ~~: # بلى. # بيبرس ~~: # لو أخلصت النية أيها السلطان لوقفت إجلالا لمن دعتك ولدها بعد ~~أن أسأت إليها، ولعرفت لها إقصارها عن الشكوى، واعتذرت إليها مما فرط منك. # طوران ~~(ينهض) ~~: # معذرة يا أماه. # شجرة ~~: # عفا الله عنك يا ms63 ولدي، إن هي إلا مغاضبة مما يحدث بين الوالدة ~~وابنها، شكرا لكم أيها الأمراء، ألهذا دعوتموني؟ # محسن ~~: # أردنا أن نطمئن عليك يا سيدتي ونخبرك أنا لا نرضى أن يبدل لك ~~حال بعد مولانا، وأنا نفديك من كل شر بنفوسنا. # شجرة ~~: # شكرا لكم، إني بخير ما دمتم، انظروا لأنفسكم ~~(تنهض) ~~، والآن أيها الأمراء إذ جئتم بملك ~~الفرنسيس فعسى أن ينصرف شاكرا، لا تجعلوا الحرب مذهبة للمروءة، فإنا قوم لا ~~نبتغي إلا وجه الله، ولقد أعددت له ولقومه خلعا يأمر بها ولدي السلطان. # أقطاي ~~: # وأين هي الآن يا مولاتي؟ # شجرة ~~: # في حراسة بعض المماليك. # بيبرس ~~: # أحسنت يا عصمة الدين. # شجرة ~~: # والآن أيها الأمراء إذ انتهت الحرب بعد العداء، وأنقذ الله مصر ~~من الذلة والهوان، وأراني بررت بقسمي لله ووعدي لمن قضي، فاشهدوا أيها الأمراء ~~... اشهدوا أني وفيت. # الجميع ~~: # نشهد على ذلك. # شجرة ~~: # ولتشهد مصر أيها الأمراء أنكم حماتها، لن تضام ما دام رجالها ~~على ما أنتم عليه من الإخلاص لله في العمل، وابتغاء وجهه في السر والعلانية، ~~لقد كان في تناصركم وتآزركم آية؛ إن الدولة برجالها، طلح السلطان أم صلح، ولئن ~~كنتم على غير ما عرفت لكنت اليوم أتلمسكم فلا أجدكم إلا بين جدث أو مأسرة، فإذا ~~عيني حاسرة، وإذا شفتي كاسفة، أما الآن فالعين من بشرها دامعة، والسن من فرحها ~~مشرقة، سلام عليكم ورحمة الله ~~(تخرج) ~~. # الجميع ~~: # وعلى عصمة الدين السلام ~~(يردون ما عدا ~~السلطان) ~~. # بيبرس ~~(للسلطان) ~~: # لماذا لم ترد السلام أيها السلطان. # طوران ~~: # وي! ما هذه المذلة! أما كفاكم ما مضى! إني لا أطيق هذا ~~(ينهض) # أكذا تذل الملوك؟ ويحكم! اذهبوا عني ~~(يتحرك عن العرش) # لن أنتظر حتى يأتي من ~~بعثتم في طلبه ~~(يهم بالذهاب) ~~. # بيبرس ~~: # سيوفكم يا رجال ~~(يجردون السيوف ~~ويلزمون الأبواب) # إنك لا تملك الآن شيئا، بقاؤك وذهابك ملك للأمة ~~ووقف على منفعتها، فإذا أنت لم تقف حتى تلاقي من لا بد من ملاقاته باسمها، ~~فكأنما نزلت عن العرش، ولن تعدم مصر من رجالها ملكا. # طوران ~~: # لا أريد ms64 سلطنتكم، دعوني أرجع إلى كيفا. # 4 # صبيح ~~(يطل) ~~: # جاء ري دوفرانس. # بيبرس ~~: # خذوا هذا الأمير ~~(مشيرا إلى ~~السلطان) # إلى غرفة الحلقة حتى حين ... ~~(لسهيل) ~~: سهيل! # سهيل ~~: # مولاي. # بيبرس ~~: # اصعد العرش ~~(يشير بيده إلى ~~العرش) ~~. # طوران ~~(ينظر إلى العرش وإلى الجميع) ~~: # سهيل! # بيبرس ~~(لطوران) ~~: # اصعد عرشك ولا تقم، وأرني جلال بني أيوب، لقد كانوا قوما ~~كابرين ~~(يصعد طوران العرش) ~~. ~~(يدخل ملك فرنسا وعدة من البارونات والملك في ملابس غير ملابسه ~~الأولى لأنها أخذت منه وأرسلت هدايا إلى جند الشام # 4 # يتبعه صبيح ومسعود). # الملك ~~: # السلام على الملك المعظم طوران شاه، سلطان مصر والشام وحامي حمى ~~الإسلام. # طوران ~~(بتلطف) ~~: # وعليك السلام يا ملك فرنسا المعظم. # الملك ~~(يجلس على الكرسي الذي كانت عليه شجرة الدر ويظل الآخرون ~~واقفين) ~~: # شكرا للسلطان. # طوران ~~: # إنك آذنتنا بالفراق فلا تذكر ما أسأنا به إليك، إنك إن تغلب في ~~بلادنا، ففرانسا باقية، أما نحن فإن نقهر هنا ضاعت بلادنا فإن نكن قد أرهقناك ~~في أسرك فالعذر واضح. # الملك ~~: # أيها الملك العظيم الشأن هنيئا لك أمراؤك، لو كان في الفرنجة ~~مثلهم لعلموا أوروبا مكارم الأخلاق وكرائم الشيم، والملك منا أيها السلطان إن ~~كان سعيدا وفقه الله إلى وزراء راشدين وأمراء باسلين، وإذ كان لك من هؤلاء ~~عديد كالدر في لبة الحسناء، فهنيئا لك اسمك الخالد وسلطنتك العظيمة، وإذا وجب ~~علي أن أذكر للمحسن إحسانه فإني أخص به الأمير بيبرس البندقداري، والأمير ~~العظيم محسن الذي أسرني بسيفه وإحسانه معا، والفارس المعلم أقطاي، وهذا الكاتب ~~الأمين ~~(مشيرا إلى سهيل) # وذلك الحارس البار ~~الكريم ~~(مشيرا إلى صبيح، وصبيح يسلم بكلتا ~~يديه) # 5 # وإخوانهم أعلام البحرية الذين حموا رقابنا أن يضربها الواجدون ~~علينا. # الجميع ~~: # شكرا للملك. # الملك ~~: # لقد أروني إني خدعت فيما بلغت عن القوم، ولو بصرني ربي بأمركم ~~من قبل ووفقني إلى سر دينكم ما ألقيت بقومي في مقاتلتكم، ولكني زعمت إني أزدلف ~~إلى الرب، ولولا حسن نيتي لكنت اليوم في الهالكين. # طوران ~~: # نحمد الله على ذلك، لا نريد فوق ذلك شيئا إلا أن تعدنا ms65 أيها ~~الملك ألا تغامر بقومك في قتالنا بعد اليوم. # الملك ~~: # لك عهد مني أيها السلطان. # طوران ~~: # شكرا للملك، والآن ما قدر الدية؟ # الملك ~~: # ألف ألف بيزانطي أيها السلطان، هكذا اتفقنا. # طوران ~~: # إنك كبير النفس أيها الملك، كيف رضيت بهذا القدر؟ # الملك ~~: # رضيت به فداء لقومي. # طوران ~~: # إذن فإني أنزل لك عن مئتي ألف منها إعجابا بعلو نفسك أيها الملك ~~العظيم. # الملك ~~: # شكرا للسلطان. # طوران ~~: # ألا ينزل لي الملك عن حصني الإسبطاريين والهيكليين بالشام؟ # الملك ~~: # لا أملك ذلك أيها السلطان، إني أملك دمياط وقد نزلت لك عنها. # طوران ~~: # وكيف تدفعون الدية؟ # الملك ~~: # نصفها يوم وصولي إلى دمياط وسأترك أخي هذا ~~(مشيرا إلى بواتيه) # رهينة عندكم حتى يأتيكم ~~المال. # طوران ~~: # وكيف يدفع النصف الباقي؟ # الملك ~~: # يوم أصل إلى عكاء، إني لا أملك الآن شيئا، ولا تملك الملكة إلا ~~قدر ذلك النصف. # طوران ~~: # ولكنا لا نرضى أن يكون بيننا وبينكم بعد رحيلكم إلا المودة التي ~~نرجوها، وفي انتظار المال شيء من الريبة وقد تذكرون لنا أمرا لم يكن في ~~الحسبان. # الملك ~~: # ألا يكفي السلطان وعدي؟ # طوران ~~: # أعذرت أيها الملك. # الملك ~~: # إذن فليضمني الأمير بيبرس. # بيبرس ~~(يتقدم) ~~: # على ضمان الملك يا مولاي، إن للأبطال في قلوب الرجال ذمة # نحن قوم لا يملك العطف منا # قلبنا في قتال من عادانا # وإذا ما قضى الحسام من الها # م مناه بكى الحسام حنانا # الملك ~~: # شكرا لبيبرس. # طوران ~~(حائرا) ~~: # حسبي منه القسم صونا لضمانك يا بيبرس. # الملك ~~: # إذن فأقسم بالله أن أفي لكم بنصف الدين الباقي إذا أنتم أطلقتم ~~سراحي وسراح قومي الأسارى، ثم حفظتم لي أقواتي التي في دمياط حتى آخذها، ولم ~~تقتلوا من بها من المرضى. # 6 # طوران ~~: # لا يكون القسم كذلك أيها الملك. # الملك ~~: # فكيف يكون إذن؟ # طوران ~~: # علينا بهبة الله الطبيب، إنه كان في ملة القوم فهو أدرى باليمين ~~الغموس. # الملك ~~: # اعفني من رؤية هذا الرجل أيها السلطان، قل ما تشاء وعلي ~~تلاوته، إني أكره رؤية المرتد ... المعذرة. # طوران ~~: # إنه كان يتردد على الملك من ms66 قبلي معالجا في دار ابن لقمان، ~~فكيف أطقت رؤيته يومئذ؟ # الملك ~~: # لم أره وحقك منذ ليلة النجع. # بيبرس ~~: # ليلة النجع!! # طوران ~~: # ولكنه كان يخبرني عنك شيئا كثيرا. # الملك ~~: # لقد كان كاذبا. # طوران ~~: # ياللعجب! ~~(مفكرا) # قبلت ~~بقسمك أيها الملك، والآن إذ قضي الأمر فعلي بالخلع يا سهيل، ~~(ينهض لويس ويسير سهيل إلى الباب الأيمن فيتناول الخلع من ~~مملوك ويقدمها، والخلع موضوعة في ربطة مغطاة بالمخمل المطرز ~~بالذهب) # عاطها لصبيح ~~(يعطيها ~~لصبيح) # تقبل هذه الملابس لسفرتك أيها الملك، إن برد البحر شديد، ~~وسأبعث إليك بفراش لشوانيك التي سنردها إليك. # الملك ~~: # شكرا للسلطان، لقد قلدني منة لا أنساها أبدا، الوداع. # طوران ~~(ينهض نصف نهوض) ~~: # في سلامة الله. ~~(يخرج ملك فرنسا وصبيح وسهيل). # محسن ~~: # كذا تكون شيم الملوك يا مولاي. # أقطاي ~~: # لقد أصبح النصر بما فعلت نصرين أيها السلطان. # طوران ~~(ينزل عن العرش) ~~: # شكرا لكم أيها الأمراء، والآن إذ انتهى أمر الملك فلعلكم ناسون ~~ما قد مضى ذاكرون أني عند ظنكم. # بيبرس ~~: # أطال الله بقاء مولانا الملك المعظم طوران شاه، سلطان مصر ~~والشام وحامي حمى الإسلام. # طوران ~~: # سلام عليكم. # الجميع ~~: # وعلى مولانا السلام. ~~(يخرج السلطان من الباب الأيمن ويهم بيبرس بالخروج من الباب ~~الأيسر). # محسن ~~: # أين تذهب يا بيبرس؟ # بيبرس ~~: # أبحث عن هبة الله، لقد كان يتمشى مع السلطان. # محسن ~~: # ولماذا؟ أتستريبه؟ # بيبرس ~~: # أجل. # محسن ~~: # ولكنك عفوت عن طوران وقلنا أنصف، أفلا يشمل العفو صحبه؟ # بيبرس ~~: # لا أريده لهذا اليوم. إني سمعت الملك لويس يذكر أنه رآه ليلة ~~نجع فارسكور، ماذا كان يصنع هناك؟ ~~(يعود أقطاي من ~~الممشى قائلا) ~~. # أقطاي ~~: # من؟ # محسن ~~: # هبة الله. # أقطاي ~~: # وي! بيبرس! أسمعت ما قال الملك؟ # بيبرس ~~: # أجل. # أقطاي ~~: # وقد سمعت بعض الأسرى يقولون: إنه أخذ من برنار صاحب النجع ~~أوراقا ذات شأن ثمنا لحياته، فلما أخذها أغرى به السياف فقتله فيمن قتل منذ ~~ليلتين. # بيبرس ~~: # سأبعث في طلبه كل رجالي، هلم. # الجميع ~~: # حسنا ~~(يخرجون من الباب الأيسر ويدخل ~~هبة الله من الباب الأوسط ينظر في المكان) ~~. # هبة ~~: # أين ms67 السلطان يا ترى؟ أين الأمراء؟ ترى دس لهم السم في الطعام؟ ~~الظاهر كذلك، مرحى إذن فلا حاجة إلى الرحيل بها عن هذه الديار، إني سأقبحها له ~~الليلة، وهو كالطفل سريع التصديق، فإن أبى سرت بها في ركاب الملك إلى عكاء، ولن ~~أعدم عفوه عني، كيف أبلغ رسالة ابن يغمور؟ ~~(يخرجها من ~~جيبه) # ولكم ما فائدة جيش الشام وقد قضي الأمر؟ ~~(يدخل أقطاي فلا يراه هبة الله، وإذ يدنو منه يتنبه ~~ويحاول وضع الرسالة في جيبه، ويلتفت أقطاي إلى الوراء مشيرا بيده فيلتفت ~~هبة الله) # ألا يزالون في الأحياء! ~~(بصوت ~~عال لأقطاي) # سلام أيها الفارس. # أقطاي ~~: # ما تلك بيمينك؟ # هبة ~~: # لا شيء ~~(يضعها في جيبه) # رسالة جاءتني اليوم. # أقطاي ~~: # ممن؟ # هبة ~~: # من ... # أقطاي ~~: # ممن؟ أجب. # هبة ~~: # من ... من صديق لي ~~(هنا يدخل ~~بيبرس) ~~. # بيبرس ~~(يتقدم من هبة الله) ~~: # أكنت بنجع فارسكور ليلة جئت بالأميرة صفية؟ # هبة ~~(صارخا) ~~: # أنا؟ # بيبرس ~~: # أي أوراق أعطاكها برنار؟ # هبة ~~(متجاهلا) ~~: # من برنار هذا؟ # بيبرس ~~: # فتشه يا أقطاي، أخرج من جيبه ما تجده من الأوراق. # هبة ~~: # إنها رسالة خاصة بي أيها الأمير، كيف تطلع على أسراري؟ # أقطاي ~~: # هاتها. # هبة ~~: # إليكها ~~(يخرج من جيبه ورقة ويمزقها ثم ~~يرميها على الأرض) ~~. # بيبرس ~~: # آه يا شقي. # أقطاي ~~: # ويل لك يا لعين ~~(يميل فيجمع قطع ~~الأوراق ويضعها جنبا إلى جنب على أحد الكراسي ويحاول أن يقرأها، ويقف ~~بيبرس ينظر إليه متفرسا مدة ثم يصرخ في وجهه قائلا) ~~. # بيبرس ~~(صارخا) ~~: # ويحك يا لعين، أين صفية؟ # هبة ~~(يصفر وجهه) ~~: # صفية! من ذا يدريني أين هي؟ # بيبرس ~~: # قل لي أين هي؟ إني أشم ريحها في ردنك، وأرى شبحها في عينك، قل ~~لي. وإلا قتلتك، إن قلبي لا يخدعني. # هبة ~~: # ما عهدي بك ظالما يا بيبرس، أتأخذ البريء بالشبهات. # بيبرس ~~: # يا رباه. # أقطاي ~~(يصرخ فرحا) ~~: # بيبرس، تعال، اقرأ ~~(يذهب بيبرس ~~إليه) ~~. # هبة ~~: # دعوني أذهب، إنكم قوم لا تطاقون. # بيبرس ~~: # مكانك! # أقطاي ~~(ينهض) ~~: # ويحك، قف ~~(يهجم عليه) # أين ~~ابنتي عائشة؟ أين التي سميتها مريم ~~(يأخذ ~~بخناقه ms68 ) ~~. # هبة ~~: # وي! لقد أخطأت الرسالة! قضي الأمر. # أقطاي ~~: # أين هي؟ قل لي أين هي؟ # هبة ~~: # إنك أحرقت قلبي على أمها وهي جارية، ولن تراها. # بيبرس ~~(ينهض) ~~: # ويحك! أين صفية؟ لقد كانت معها. # أقطاي ~~: # يالله! # هبة ~~: # ولن تراها أنت أيضا، بعدي الطوفان، اقتلني تؤجر. # بيبرس ~~(يصرخ صرخة يأس وجزع) ~~: # يا رحمة الله! ~~(هنا تأتي مريم وصفية ~~من الباب الكبير هارعتين إلى الإيوان ووراءهما سهيل) ~~. # صفية ~~: # بيبرس! # مريم ~~: # بيبرس! # بيبرس ~~: # لبيك ~~(وإذ يلمح صفية يجري إليها ~~ويحتضنها وتتعلق مريم بردنه) # يا مالكة اللب إن ربي لرحيم كريم. # مريم ~~(ترى هبة الله فتجري إليه تضربه على كتفه) ~~: # أين أبي يا قاسي الفؤاد؟ قل لي: أين أبي؟ # أقطاي ~~(يفتح ذراعيه لمريم) ~~: # أنا أبوك يا مريم! تعالي يا عائشة، تعالي! تعالي ~~(يتهدج صوته ويبكي) ~~. # مريم ~~: # أنت أبي؟ # بيبرس ~~: # أجل أبوك يا مريم، أبوك! # مريم ~~(تجري إلى أقطاي) ~~: # أبي! ~~(تحتضنه) # وافرحتاه! # أقطاي ~~: # تعالي يا بنيتي ~~(يأخذها إلى المقعد ~~ويجلس فرحا بها) ~~. # بيبرس ~~: # أين كنت يا صفية؟ # صفية ~~: # سل هذا الخائن، سل هذا اللعين ~~(مشيرة ~~إلى هبة الله) ~~. # بيبرس ~~(مشيرا إليه) ~~: # إلى النطع يا سهيل. # سهيل ~~(يجري إليه فيأخذه قسرا) ~~: # هلم. # صفية ~~: # كنا على وشك الرحيل إلى عكاء في سفينة أعدها لنا هذا الخائن منذ ~~الصباح. # بيبرس ~~: # كيف؟ # صفية ~~: # لقد اختطفني مخدرة من منزل الأمير فخر الدين. # بيبرس ~~(يلتفت فيرى هبة الله على وشك النزول من الباب الأيسر فيجري ~~مهتاجا إليه) ~~: # إذن فلأختطفن روحه بيدي ~~(يقتله عند ~~الباب) ~~. # هبة ~~(صارخا ألما واحتضارا) ~~: # آه ... آه. # أقطاي ~~(للأميرة) ~~: # كيف جئت يا سيدتي؟ # صفية ~~: # رأت مريم الملك على الشاطئ فنادته فجاءنا وردنا إلى رحمة الله! # بيبرس ~~: # بل ردك الله إلي يا صفية. ~~(يدخل ملك فرنسا من الباب الأكبر، ومحسن من الباب الأيسر يتبعه ~~سهيل وإذ يراه الجميع يصيحون). # الجميع ~~: # يعيش ري دوفرانس. # الملك ~~: # يعيش حماة النيل. ms69