######OpenITI# #META# URI: 1450MuhammadHamidDarwish.MuharribuKutubTumbuktu.Hindawi53704842 #META# Tags: history #META# ID: 53704842 #META# Title: مهربو كتب تمبكتو: السعي للوصول إلى المدينة التاريخية والسباق من أجل إنقاذ كنوزها #META# AuthorID: 96971494 #META# Author: تشارلي إنجليش #META# EditorID: 73586958 #META# Editor: مصطفى محمد فؤاد #META# TranslatorID: 51613802 #META# Translator: محمد حامد درويش #META# Related_books: 1450CharlieEnglish.BookSmugglersOfTimbuktu (TRANSL) #META#Header#End# # ثناء على الكتاب‏ # شكر وتقدير‏ # تمهيد: رجل ذو إقدام وعبقرية‏ # الجزء الأول: الاحتلال‏ # 1 - باحث عن المخطوطات‏ # 2 - فراغ واسع وممتد‏ # 3 - الجحيم ليس ببعيد‏ # 4 - المستكشف الرابع‏ # 5 - القاعدة تهب للإنقاذ‏ # 6 - سوف تكون من نصيبي‏ # 7 - قائمة إسماعيل‏ # الجزء الثاني: التدمير‏ # 8 - مستكشف من فوق مقعده الوثير‏ # 9 - فارس بلا رأس‏ # 10 - بابا تمبكتو‏ # 11 - عملاء سريون‏ # الجزء الثالث: التحرير‏ # 12 - حياة العلماء‏ # 13 - الثنائي الرهيب‏ # 14 - ثقالة أوراق الملك ليوبولد‏ # 15 - محرقة الكتب‏ # 16 - كتاب «تاريخ الفتاش»‏ # 17 - لحظة من الواقع تحاكي أفلام إنديانا جونز!‏ # 18 - حمى المخطوطات‏ # 19 - مصنع الأساطير‏ # خاتمة‏ # الملاحظات‏ # المراجع‏ # مصادر الصور‏ # ثناء على الكتاب‏ # شكر وتقدير‏ # تمهيد: رجل ذو إقدام وعبقرية‏ # الجزء الأول: الاحتلال‏ # 1 - باحث عن المخطوطات‏ # 2 - فراغ واسع وممتد‏ # 3 - الجحيم ليس ببعيد‏ # 4 - المستكشف الرابع‏ # 5 - القاعدة تهب للإنقاذ‏ # 6 - سوف تكون من نصيبي‏ # 7 - قائمة إسماعيل‏ # الجزء الثاني: التدمير‏ # 8 - مستكشف من فوق مقعده الوثير‏ # 9 - فارس بلا رأس‏ # 10 - بابا تمبكتو‏ # 11 - عملاء سريون‏ # الجزء الثالث: التحرير‏ # 12 - حياة العلماء‏ # 13 - الثنائي الرهيب‏ # 14 - ثقالة أوراق الملك ليوبولد‏ # 15 - محرقة الكتب‏ # 16 - كتاب «تاريخ الفتاش»‏ # 17 - لحظة من الواقع تحاكي أفلام إنديانا جونز!‏ # 18 - حمى المخطوطات‏ # 19 - مصنع الأساطير‏ # خاتمة‏ # الملاحظات‏ # المراجع‏ # مصادر الصور‏ # | مهربو كتب تمبكتو # | مهربو كتب تمبكتو # | السعي للوصول إلى المدينة التاريخية والسباق من أجل إنقاذ كنوزها # تأليف # تشارلي إنجليش # ترجمة # محمد حامد درويش # مراجعة # مصطفى محمد فؤاد # | ثناء على الكتاب # «يمزج هذا التسجيل الآسر لإرث تمبكتو الفكري بين روايات مستكشفين أوروبيين للمدينة ~~القديمة وتحقيقات صحفية معاصرة.» # مجلة «ذا نيويوركر» ~~«جنبا إلى جنب مع رواية السيد إنجليش المفعمة بالحيوية لحكاية السعي إلى الوصول إلى ~~تمبكتو نطالع سردا مثيرا لقصة أحدث عهدا؛ وهي عملية الإجلاء الجريئة لمئات الآلاف ~~من مخطوطات تمبكتو التي اضطلع بها رجال مكتباتها أثناء احتلال الجهاديين لها في عام ~~2012 ... [إنه] سرد عبقري.» # صحيفة «ذي إيكونوميست» ~~«قصة مذهلة ... تتناسب تناسبا مثاليا مع سردية تمبكتو المتجددة.» # ملحق مراجعة كتب صحيفة «ذا نيويورك تايمز» ~~«كتاب أخاذ ... مكتوب بحيوية صحفية.» # صحيفة «ذا صنداي تليجراف» ~~«رواية مشوقة عن تاريخ تمبكتو وعن المغامرين الشجعان والمتهورين الذين جابهوا الموت ~~وسعوا إلى المجد في محاولتهم للوصول إلى ms001 هناك.» # صحيفة «ذا تايمز» # أهدي هذا الكتاب إلى لوسي. # | شكر وتقدير # المفاجأة الكبرى لمن يكتب نصا عن أحداث واقعية معاصرة هي مدى استعداد الناس للإدلاء ~~بسرد عن الأحداث التي شهدوها لرجل غير مهندم الثياب يحمل جهاز تسجيل. وفي هذا الصدد، أود ~~أن أعرب عن امتنان خاص لأولئك ممن هم في تمبكتو وأماكن أخرى في مالي الذين استخلصت منهم ~~ذكرياتهم، والذين احتملوا زياراتي المتكررة بصبر وطيبة. لم يمتحن صبر أي شخص بهذه الطريقة ~~أكثر من القاضي معيجا، الذي استطاع أن يجد ابتسامة مهما كان عدد المرات التي ظهرت فيها في ~~مكاتب معهد أحمد بابا في باماكو. من الماليين الآخرين الذين أود أن أخصهم بالشكر الإمام ~~الأكبر عبد الرحمن بن السيوطي، وعبد القادر إدريسا معيجا من معهد أحمد بابا، وإسماعيل ديادي ~~حيدرة من مكتبة فوندو كاتي، وأيضا محمد دياكيتي، وقادر خليل، وتينا تراوري، وعبد الواحد ~~حيدرة، وشيخ ديوارا. كما أعرب لعبد القادر حيدرة عن احترامي وامتناني على الساعات العديدة ~~التي أمضيناها معا. # لا يمكن نقل الأخبار من أماكن بعيدة وخطيرة في بعض الأحيان إلا بمساعدة آخرين، وكان ~~أهمهم لهذا المشروع أولئك الذين سهلوا لي إجراء المقابلات، وفي مناسبات قليلة سجلوها ~~نيابة عني. في هذا الشأن، كان من حسن حظي أن أحظى بخبرة عثمان ديادي توريه ومامادو تابيلي ~~في باماكو، اللذين عملا ساعات طويلة وسافرا مسافات هائلة سعيا وراء هذه القصة، وفطومة ~~هاربر في تمبكتو، التي شاطرتني معرفتها الواسعة بمدينتها الأم. أما مساعدة طاهر حيدرة فكانت ~~لا تقدر بثمن خلال زيارتي عام 2014. # لقد اعتمدت منذ البداية على مجموعة من الأصدقاء والزملاء الذين أضافوا في مراحل مختلفة ~~تحسينات إلى الفكرة، أو حالة النص، أو الحالة المزاجية للمؤلف. وكان من بين هؤلاء نيكولاس ~~بلينكو، وتوبي كليمنتس، وجون هينلي، وبول هاميلوس، وتشارلوت هيجينز، وجوليان بورجر، وسارة ~~هولواي، وآندي بيكيت، وباسكال وايز، وسام ولاستون، وإنجريد كاريكاري، وتوم كامبل. كذلك ~~اعتمدت على عدد قليل من المراسلين السابقين في غرب أفريقيا - أليكس دوفال-سميث، وشون سميث، ~~وأفوا هيرش، ومارك ms002 تران - الذين تبادلوا معي جهات الاتصال ونصائح السفر المهمة. وما كنت ~~سأزور تمبكتو على الإطلاق لو لم أعرف أن جان تومسون، وجوديث سوال، وجيمي ويلسون، وكارين ~~بلويز من صحيفة «ذا جارديان» كانوا على علم برحلتي، وإن أخذت الأمور منحى خطيرا جدا، ~~فعلى الأقل سيشاهد إيان كاتز مقاطع الفيديو. ساعدتني ميليسا دينيس، وكلير لونجريج، ولوسي ~~لامبل، وتشارلوت نورثيدج بتكليفي بمقالات أثناء مضيي قدما. حسنت تشارلوت ألبين لغتي ~~الفرنسية بقدر كبير؛ وقامت جولييت كورتوا بمعظم عمليات النسخ؛ وترجم فيليب أولترمان طلبات ~~حرية تداول المعلومات الخاصة بي إلى الألمانية؛ وساعد إدجار شميتز في ترجمة الردود. # أيضا يستحق عدد من الدبلوماسيين والمغتربين في مالي شكري. ومن هؤلاء تو وكلاس تجيوكر ~~ومارتن بروير وميريام تاسينج، وجميعهم من العاملين في السفارة الهولندية في باماكو؛ وتوماس ~~شترايدر، وجونتر أوفيرفيلد، وجوزيف هينترسير من السلك الدبلوماسي الألماني؛ وديبورا ستولك ~~من صندوق الأمير كلاوس؛ وإنوسنت تشوكووما من مؤسسة فورد؛ ومايكل هانسلر من مؤسسة جيردا ~~هنكل؛ وبسام عدنان داغستاني من مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث؛ وسالي هايدوك وكريستل فان ~~هوف من برنامج الأغذية العالمي. تكرم الكولونيل فريدريك جوت ودعاني إلى مقر منظمة حلف ~~شمال الأطلنطي في بروكسل، وشاركني مسودة كتابه «حرروا تمبكتو! يوميات الحرب في مالي»، والذي ~~أوصي بها لدارسي الصراع. اقتطعت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونسكو، بعض الوقت من ~~جدول أعمالها المزدحم على نحو استثنائي لشرح أسباب وآثار الدمار الثقافي، وكذلك فعل لازار ~~إلوندو أسومو، ممثل المنظمة في باماكو. شرحت ندياي راماتولاي ديالو، وزيرة الثقافة في مالي، ~~خطط الحكومة للمدينة بعد الأزمة. # تكرم عدد من الأشخاص الذين يعرفون هذه المادة معرفة أفضل بكثير مني بتقديم النصائح ~~حول تاريخ المنطقة ومخطوطاتها. وكان من بين هؤلاء ماورو نوبيلي من جامعة إلينوي في ~~أوربانا-شامبين؛ وبروس هول من جامعة ديوك، الذي نبهني إلى مخاوفه بشأن قصة إجلاء ~~المخطوطات؛ وديمتري بونداريف من جامعة هامبورج. وقدمت لي خبرات أكاديمية إضافية من ~~سوزانا مولينز ليتيراس (من جامعة كيب تاون)، وتشارلز ستيوارت (أيضا من جامعة إلينوي)، ~~وجورج ms003 بوهاس (من جامعة ليون)، وأليدا جاي بوي (من جامعة أوسلو سابقا). كذلك أسعدني جدا ~~أن أحظى بنصائح جوزيف هنويك، الذي يمكن للقارئ أن يجد صوره الرائعة للمدينة ومخطوطاتها في ~~كتاب «كنوز تمبكتو المخفية». يؤسفني أنني لم أبدأ المهمة في وقت مبكر بما يكفي لمقابلة ~~والده، جون هنويك. # يوجد ما لا يقل عن أربعة أشخاص ما كان سيغدو لهذا الكتاب وجود بدونهم. هؤلاء هم وكيلاي، ~~فيليسيتي روبنشتاين في لندن وستيوارت كريتشفسكي في نيويورك، اللذان أوليا الرعاية لكل من ~~النص والمؤلف خلال المراحل الأصعب من عمليتي البحث والكتابة. بدونهم، ما كنت سأعثر على ~~ريبيكا سالتان من دار ريفرهيد للنشر، التي جعل حكمها الجيد ومثابرتها ومهاراتها الفائقة في ~~التحرير الكتاب على ما هو عليه. يكتمل الرباعي بأرابيلا بايك من دار وليام كولينز للنشر، ~~التي أبقاني حماسها ودعمها لي على المسار الصحيح. أود أيضا أن أشكر آنا جاردين وميشيل ~~كوفوبولوس من دار ريفرهيد للنشر، وجولييت ماهوني من مكتبة لوتينز آند روبنشتاين، على عملهم ~~الجيد نيابة عن الكتاب. # أخيرا، أود أن أعرب عن امتناني لعائلتي؛ لباربرا إنجليش، التي قرأت المسودات الأولية، ~~ولكن الأهم أنها سمحت لي بأن أقود السيارة عبر الصحراء الكبرى كما لو كنت مراهقا؛ ولهيو ~~إنجليش، لإصلاح سياراتي دائما؛ ولهاري وآرثر وإدي إنجليش، الذين سيخوضون قريبا مغامراتهم ~~الخاصة. # وقبل كل شيء، أود أن أشكر لوسي بلينكو، التي أهدي لها هذا الكتاب، على حبها ~~وإيمانها. # | تمهيد: رجل ذو إقدام وعبقرية # من بين ملايين الوثائق التي يمتلكها الأرشيف الوطني التابع للحكومة البريطانية يوجد ملف ~~رفيع يعرف باسم «سي أو 2 / 20». هذا الملف ليس موضع طلب كبير. ففي نهاية الأمر، هذه ~~المحفوظات تحوي أوراقا تغطي ألف سنة من التاريخ البريطاني، ومعظم زائري غرف الاطلاع ~~الفسيحة في منطقة كيو يأتون بحثا عن كنوز أوضح مثل «كتاب ونشيستر»، أو وصية شكسبير، أو ~~الملفات التي جرت إتاحتها حديثا عن خونة وجواسيس الحرب الباردة. ومع ذلك كل بضعة أعوام ~~سيطلب شخص ما ملف وزارة المستعمرات 2 / 20، وستسلم رسالة إلى بلدة تشيشير التابعة ms004 ~~لوينسفورد، المحفوظ فيها الملف في منشأة تخزين في أعماق أضخم منجم ملح في بريطانيا. هناك، ~~سيقدم موظف على الدخول في الظلام الممل، ويلتقط الملف من وسط أكثر من اثنين وعشرين ~~ميلا من الرفوف الممنوحة للأرشيف الوطني، ويرسله جنوبا. # الصندوق الذي يصل بعد أيام إلى غرفة المطالعة مصنوع من ورق مقوى سميك وملفوف بشريط قطني ~~أبيض. بداخله حزمة من مائة أو نحو ذلك من الاتصالات المكتوبة؛ مخطوطات، حسبما يمكننا أن ~~نصفها، مرسلة من القنصل البريطاني في طرابلس إلى لندن في منتصف العقد الثالث من القرن ~~التاسع عشر. تلقي كل ورقة من الأوراق البالية، التي سافرت مسافات بعيدة، ضوءا على ركن ~~صغير من الزمان والمكان، ولبعضها صلة خاصة بحكايتنا. تلك هي الرسائل الأخيرة لمستكشف ~~مغمور، هو ألكسندر جوردون لينج، وتغطي فترة حملته لاكتشاف «عاصمة وسط أفريقيا النائية ~~الشهيرة»، بحسب وصفه لمدينة تمبكتو. # كان مقدرا للينج، الذي كان ميجورا بالجيش طويل السوالف من أدنبرة، أن يصبح أول مستكشف ~~أوروبي يصل إلى هذا المكان البعيد المنال. في عشرينيات القرن التاسع عشر، هيمنت تمبكتو على ~~أفكار أوروبا مثلما شكل يوما ما تصورها عن إلدورادو مفهومها للأمريكتين. كان يعتقد ~~أن تمبكتو تحكم منطقة غنية جنوب الصحراء الكبرى تسمى «السودان»، حسب التسمية العربية «بلاد ~~السودان» (أرض السود). كانت الشائعات عن وجود المدينة قد سرت في أوروبا لمئات السنين، وذاع ~~صيت ثرائها منذ القرن الرابع عشر على الأقل. مثلما قيل على أرض زيبانجو التي بلغها ماركو ~~بولو إنها أرض كان قصر الملك فيها مسقوفا بمعدن نفيس، قيل أيضا على منازل تمبكتو إنها ~~كانت مغطاة بالذهب. كان عشرات الرحالة قد أرسلوا للعثور عليها، لكن كل محاولة كانت تبوء ~~إما بالموت أو بالفشل. # في عام 1826، جاء دور الميجور لينج. كان لينج بريطانيا من نوع خاص، إذ كان نتاجا لذلك ~~الزمن ما بين معركة ووترلو و«هجوم اللواء الخفيف» عندما كان العسكريون يسعون إلى الموت أو ~~المجد، أو إلى مزيج من الاثنين. بملامحه الوسيمة واستغراقه في ذاته، كان يمكن له أن ms005 يكون ~~ممن تظهر صورهم على أغلفة مجلة «فانيتي فير». كتب يقول: «سوف أفعل أكثر مما فعل أي أحد من ~~قبل، وسأثبت أنني مثلما اعتبرت نفسي دوما رجل ذو إقدام وعبقرية.» # لم يتفق الجميع مع لينج في تقييمه غير المتواضع لقدراته. بينما كان متمركزا في سيراليون ~~في عام 1824، كتب قائده لوزير الحرب والمستعمرات يقول إن «إنجازات لينج العسكرية كانت أسوأ ~~[حتى] من شعره.» لكن يبدو أن هذا الهجاء اللاذع كان قليل الأثر؛ ففي ذلك العام عين لينج ~~قائدا لبعثة بريطانية جديدة لتحديد مكان المدينة التي كان يعتقد أنه كان مقدرا له أن يعثر ~~عليها. كان من شأن أن يصبح أول من يصل إلى تمبكتو أن يمنحه أكثر ما كان يصبو إليه في ~~العالم، كما أوضح في قصيدة: # إن ذلك هو ما يهفو إليه قلبي، # أن أرتقي درجات الشهرة الشاقة، # أن أنال نصيبي من التمجيد الذي يسبغه العدل، # وأن أمنح نفسي اسما خالدا. # انطلق لينج من طرابلس في صيف عام 1825، ممتطيا جمله عبر حرارة الصحراء ~~الكبرى البالغة 120 درجة. كانت الأرض في هذا الوقت من العام قاحلة جدا حتى إن جماله صارت ~~نحيفة كهيكل عظمي. أما دليله الذي كان ذا شخصية معتدلة وودودة على الساحل، فأصبح أكثر جشعا ~~كلما ارتحلوا جنوبا، وفي تنزروفت، وهو سهل ملتهب الحرارة في مساحة كاليفورنيا، يبدو أنه ~~خان لينج وأسلمه لمجموعة من الطوارق. أحاط رجال مدججون بالسلاح بخيمة المستكشف في الليل، ~~وأطلقوا عليه النار، واخترقوا خيمته قبل أن يتركوه ظانين أنه فارق الحياة. تعد رواية لينج ~~عن الإصابات التي لحقت به في هذا الهجوم واحدة من أبرز الآثار في ملف وزارة المستعمرات. ~~فقد كتبت في العاشر من مايو من عام 1826، من معسكر صحراوي على بعد مائتي ميل شمال ~~تمبكتو. حتى هذه المرحلة، كانت رسائله مكتوبة بخط منمق مزخرف مائل. أما هذه الرسالة، ~~المبقعة حاليا بالعفن الفطري، والتي طبقاتها المطوية مسودة بتراب الصحراء الكبرى، فعبارة ~~عن شخبطة لأعلى ولأسفل بغير نظام، ومكتوبة، كما أوضح، بيده اليسرى. # كتب يقول: «عزيزي ms006 القنصل، أرسل إليك رسالة قصيرة فقط، بواسطة وسيلة إرسال غير مضمونة، ~~لأحيطك علما بأنني أتعافى من ... جروح بالغة تفوق بكثير أي حسابات كان يمكن لأي توقعات ~~متفائلة أن تتوقعها.» تفصيل الواقعة عبارة عن حكاية مفاجئة من «الحرب والخيانة الدنيئة»، ~~لكن لا بد من الاحتفاظ بها لوقت آخر. أما الآن، فسوف يحيط القنصل علما بعدد وطبيعة الجروح ~~التي أصيب بها في الهجوم: # بداية من الأعلى، لدي خمسة جروح بسيف قاطع على قمة الرأس، وثلاثة على الصدغ ~~الأيسر، وانفصل كثير من العظم من كل الكسور الناتجة عنها، وواحد على خدي الأيسر كسر ~~عظمة الفك وقسم الأذن، مشكلا جرحا قبيح المنظر، وواحد على الصدغ الأيمن، وجرح ~~غائر مريع في خلفية العنق، خدش القصبة الهوائية خدشا بسيطا. # كانت لديه طلقة بندقية في الورك، اخترقت جسده، وخدشت أثناء مرورها عموده الفقري. وكان ~~لديه أيضا خمسة جروح بسيف قاطع في ذراعه ويده اليمنى، وهي «غائرة بعمق ثلاثة أرباع طولها»، ~~وقد اخترقت عظام الرسغ. وكان لديه ثلاثة جروح في ذراعه اليسرى، التي كسرت، وجرح بسيط في ~~رجله اليمنى، واثنان، منهما «جرح غائر مريع»، في رجله اليسرى، فضلا عن الضربة التي تلقاها ~~في أصابع اليد التي يستخدمها للكتابة. # مدققا في حصيلة الخسائر هذه، كما لا بد أن القنصل الجزع قد فعل عندما وصلت الرسالة ~~طرابلس بعد ستة أشهر، سيبحث القارئ عن مؤشرات على التراجع. من المؤكد أن لينج كان يخطط ~~للعودة من أسرع طريق ممكن، ما إن تسمح حالته بذلك، مبتكرا طريقة لتجنب قطاع الطرق في طريق ~~عودته. لم يكن الأمر كذلك على الإطلاق. إن جاذبية تمبكتو، الواقعة وراء الأفق، والتي لم تكن ~~قد وقعت عليها عين أوروبية بعد، كانت جاذبية شديدة للغاية. إنه لن يجلب على نفسه العار ~~بالاستسلام الآن. قال للقنصل إنه «بخير» رغم جروحه. وأضاف أنه ما زال يأمل في أن يعود إلى ~~إنجلترا ومعه «الكثير من المعلومات الجغرافية المهمة.» لقد اكتشف أمورا كثيرة لا بد من ~~تصحيحها على خريطة أفريقيا، وكان يتضرع إلى الرب ms007 أن يمنحه الوقت لينهي مهمته. # بعد شهرين تقريبا، كتب لينج مجددا. لقد أصبح موقفه أسوأ. لقد أصاب المعسكر «داء مروع» ~~أشبه بحمى صفراء أودت بحياة نصف من فيه، وفيهم آخر من بقي من خدمه. وأبلغ القنصل ~~بتعاسة: «أنا الآن العضو الوحيد الباقي على قيد الحياة من أعضاء البعثة.» وأضاف: «إن وضعي ~~ليس طيبا على الإطلاق.» ومع ذلك، فإن حس المصير لديه الذي ينقله قوي جدا: # إنني مدرك تمام الإدراك أنني إن لم تطأها قدمي، فإن العالم سيظل جاهلا بها ~~[تمبكتو] ... كما أنني لا أبدي أي تأكيد مزهو باطل حين أقول إنه لن تطأها قدم مسيحية ~~بعدي. # حقق لينج طموحه الكبير بعد ذلك بستة أسابيع، بدخوله تمبكتو في الثالث عشر من شهر أغسطس ~~من عام 1826. ثم حدث أمر غريب جدا؛ لم يرد منه أي أخبار. # لمدة خمسة أسابيع لم يرسل كلمة واحدة عن وصوله إلى القنصل. لم يكتب مجددا إلا في الحادي ~~والعشرين من سبتمبر، ثم لم يزد طول رسالته عن خمسمائة كلمة. كان لا يزال يمسك بالقلم في ~~يده اليسرى، وخطه الآن متشنج ومتوتر. أخبر القنصل بأن حياته مهددة، وأنه يتعجل المغادرة: # ليس لدي وقت لأقدم لك روايتي عن مشاهداتي في تمبكتو، لكنني سأذكر بإيجاز أنه ~~من كل ناحية عدا الحجم (الذي لا يتعدى محيط أربعة أميال) أنها قد أوفت بتوقعاتي ~~بالكامل ... لقد كنت مشغولا أثناء إقامتي، أفتش في السجلات الموجودة في المدينة، ~~وهي وفيرة، وأتحصل منها على معلومات من كل نوع، ولن يكون مرضيا بأي درجة مقبولة أن ~~أقول إن مثابرتي قد أجزيت بسخاء. # في اليوم التالي لكتابته لهذه الرسالة، غادر لينج تمبكتو وخرج من سجلات التاريخ. بعث ~~القنصل بالرسالة الأخيرة إلى لندن مع مذكرة تمهيدية تزعم تحقيق انتصار من نوع ما؛ إذ كانت ~~«أول رسالة على الإطلاق تكتب من ذلك المكان على يد رجل مسيحي»، ولكن من ناحية تقديم ~~معلومات عن هدف عظيم للجغرافيا الأوروبية، كانت رحلة لينج الاستكشافية فاشلة. لو أن تمبكتو ~~كانت قد أوفت بتوقعاته «بالكامل ms008 »، فأين هي التفاصيل؟ الأمر الأكثر مدعاة للحيرة كان تأكيد ~~لينج بأنه كانت توجد «سجلات وفيرة في المدينة»، والتي تحصل منها على «معلومات من كل نوع.» ~~ما نوع السجلات الذي يمكن أن يسترعي انتباه رجل عسكري؟ وكيف تكون ذات نفع للحكومة ~~البريطانية؟ ~~••• # بعد قرنين تقريبا، من الجلي أن «السجلات الموجودة في المدينة» كانت كثيرة، وكان معظمها ~~من النصوص العربية المعروفة حاليا إجمالا باسم «مخطوطات تمبكتو». تتسم مخطوطات المدينة، ~~التي يبدو أن لينج كان أول أوروبي تقع عيناه عليها، بأنها كثيرة العدد لدرجة أنه لا أحد ~~يعرف بالضبط عددها، وإن كان يعتقد أن عددها يبلغ عشرات أو حتى مئات الآلاف. وهي تحتوي على ~~بعض من أقيم المصادر المكتوبة لما يطلق عليه العصر الذهبي لتمبكتو في القرنين الخامس عشر ~~والسادس عشر، وإمبراطورية سونجاي التي كانت المدينة جزءا منها. اعتبر الخبراء تلك ~~المخطوطات المكافئ الأفريقي لمخطوطات البحر الميت أو للوثائق الأنجلوساكسونية، والتي ~~تعد بمنزلة دليل على تاريخ القارة المكتوب النابض بالحياة. # في عام 2012 بدا أن ذلك التاريخ معرض للتهديد. فبعد انقلاب في جنوب مالي، سيطر على ~~تمبكتو مقاتلو تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. بدأ الجهاديون يهدمون أضرحة أولياء ~~المدينة الصوفيين التي يبلغ عمرها عدة قرون هدما منهجيا. وفي الثامن والعشرين من يناير ~~من عام 2013، أعلن عمدة تمبكتو للعالم أن كل مخطوطات المدينة القديمة قد أحرقت هي ~~الأخرى. # أتذكر صباح ذلك اليوم جيدا. كنت في ذلك الوقت أعمل محرر أخبار دولية في صحيفة «ذا ~~جارديان»، وكان لمالي وقع خاص عندي. فقبل ذلك بسنوات كثيرة، وأنا في الثامنة عشرة من عمري، ~~فكرت في السفر بالسيارة عبر الصحراء الكبرى. ادخرت المال، واشتريت سيارة لاند روفر قديمة، ~~وانطلقت من يوركشاير مع صديق لي، مسافرا عبر المغرب والجزائر إلى مالي، التي وصلت إليها ~~في ربيع عام 1987. كانت مدينة عقلحق الصحراوية هي علامة نهاية رحلة العبور، أي، بمنزلة ذروة ~~رحلتنا، وما إن وصلنا إلى هناك حتى تكونت لدينا فكرة جديدة. ماذا لو قايضنا السيارة ~~المتهالكة بثلاثة جمال أو أربعة ms009 وركبناها إلى تمبكتو؟ وهذه هي القصة التي سنرويها! عثرنا ~~على بائع وتفاوضنا معه طيلة أسبوع، ولكن بما أنه لم يستطع إلا أن يقدم إلا جملا واحدا ~~صغيرا، تخلينا عن الخطة وتابعنا المضي جنوبا. بعت السيارة في جاو، عاصمة سونجاي القديمة، ~~وسافرت إلى بوركينا فاسو وكوت ديفوار ثم سافرت عائدا إلى الوطن. لم أكن قد وصلت إلى ~~تمبكتو، لكنني أغرمت بحب فكرة السفر عبر الصحراء. عدت إلى الصحراء الكبرى في عام 1989 ~~بسيارة مختلفة، ولكنها لم تكن موثوق فيها بما يكفي للمخاطرة بقيادتها إلى مالي. مرة ~~أخرى، ظلت مدينة الثلاثمائة والثلاثة والثلاثين وليا بعيدة المنال على نحو مشوق. # في يوليو من عام 2012، شاهدت، بغضب وحزن، المشاهد المصورة للجهاديين وهم يهدمون آثار ~~تمبكتو. في يناير من العام التالي، عندما قيل لمراسلنا إن الثوار قد أحرقوا النصوص ~~التاريخية للمدينة، كنا سباقين إلى نشر الخبر على الطبعة الإلكترونية على الإنترنت لصحيفة ~~«ذا جارديان». بعدها بأيام، أصبح واضحا أن المخطوطات لم تكن مع ذلك قد أتلفت؛ في حقيقة ~~الأمر، كانت قد هربت إلى بر الأمان على يد رجال مكتبات المدينة. أصبحت شغوفا بتفاصيل ~~هذه العملية. بدا لي أنها تكرار لحبكة لرواية روبرت كرايتون الهزلية «سر سانتا فيتوريا»، ~~التي ينقذ فيها سكان بلدة توسكان الصغيرة مليون زجاجة من الخمر من النازيين الذين كانوا ~~ينهبون البلدة. غير أن الأمر كان أفضل من ذلك بكثير؛ فالكنز في تمبكتو كان أكثر أهمية ~~للغاية؛ والأكثر من ذلك، أن عملية الإجلاء هذه كانت حقيقية. استقلت من عملي، مصمما على أن ~~أحول هذه القصة إلى كتاب. # ذكر بروس تشاتوين ذات مرة أن هناك مدينتين تحملان اسم تمبكتو. إحداهما هي المكان الحقيقي، ~~مدينة منهكة تعبرها القوافل حيث ينعطف نهر النيجر نحو الصحراء الكبرى. أما الأخرى فأروع ~~بكثير، وهي مدينة أسطورية في أرض خيالية، تمبكتو التي في الأذهان. خططت أن أقدم عرضا ~~لمدينتي تمبكتو هاتين باتباع مسارين بالتناوب: مسار نضال الغرب لعدة قرون للعثور على ~~المدينة، وغزوها، وفهمها؛ ومسار المحاولة المعاصرة لإنقاذ مخطوطاتها وتاريخها من ms010 التدمير. ~~سيستكشف السرد الأول دور الأسطورة في تشكيل رؤيتنا لتمبكتو؛ أما الثاني فسيروي حكاية ~~الاحتلال والإجلاء. # ما لم أفهمه حينئذ كان كم تعكس بشدة هاتان القصتان بعضهما بعضا. # تشارلي إنجليش # لندن، 2017 # الجزء الأول # | الاحتلال # إن كنت لا تعرف الطريق الموصلة إلى مدينة النحاس فافرك كف الفارس فإنه يدور ~~ثم يقف، فأي جهة وقف إليها فاسلكها ولا خوف عليك ولا حرج فإنها توصلك إلى مدينة ~~النحاس. # كتاب «ألف ليلة وليلة» # الفصل الأول # | باحث عن المخطوطات # مارس 2012 # في صباح ضبابي في باماكو، عاصمة دولة مالي المعاصرة في غرب أفريقيا، سارت سيارة ~~تويوتا لاند كروزر ببطء نحو نهاية طريق خرساني وتركته لتنخرط في زحام السيارات الصباحي. ~~في مقعدها الأمامي جلس رجل ضخم ذو مظهر مميز يرتدي عباءة فضفاضة وقبعة صلاة مستديرة. ~~كان في السابعة والأربعين من عمره، وطوله يزيد عن الأقدام الست، ووزنه يقارب مائتي رطل، ~~وعلى الرغم من وجود شارب صغير فرنسي الطراز متوازن بأناقة فوق شفته العليا، كان ثمة ~~شيء يوحي بالقيادة في مظهره. في عينيه البنيتين البارزتين كان يكمن ذكاء حاد يكاد أن ~~يكون خبيثا. كان هذا هو عبد القادر حيدرة، أمين مكتبة من تمبكتو، والذي كان اسمه سيصبح ~~عما قريب شهيرا في أنحاء العالم. # لم يكن حيدرة رجلا مترددا، ولكن في ذلك الصباح، بينما كان سائقه يقود السيارة ~~الثقيلة عبر الحشود الكثيفة من الدراجات البخارية الصينية الصنع التي تمر محدثة ~~أزيزا والحافلات الصغيرة الخضراء المتهالكة التي طوت شوارع المدينة، كان واقعا في ~~معاناة من التردد. كان راديو السيارة، المضبوط على إذاعة فرنسا الدولية، يفيض بتحديثات ~~مقلقة عن الوضع في الشمال، بينما امتلأت باستمرار الهواتف المحمولة الرخيصة، التي كانت ~~في متناول يده دوما، بإفادات من معارفه في تمبكتو، التي تبعد ستمائة ميل. كان ~~المتمردون يتقدمون عبر الصحراء، ويجبرون القوات الحكومية واللاجئين على التراجع أمامهم. ~~كانت محطات الحافلات تعج بالنازحين؛ كانت الطرق السريعة تزدحم بالدراجات البخارية ~~والشاحنات الصغيرة والشاحنات الكبيرة القديمة التي تتأرجح تحت ثقل السكان الفارين. كان ~~حيدرة قد عرف ms011 عندما غادر شقته أن قيادة السيارة في هذه الفوضى ستكون خطرة، لكن حينئذ ~~بدأ الأمر يبدو مثل مهمة انتحارية. سرعان ما ضاق ذرعا بالأمر؛ فتحدث إلى سائقه، وبعد ~~ذلك توجها صوب الغرب من جديد، عائدين إلى حواف العاصمة الأفريقية المترامية ~~الأطراف. # ليست هناك كلمات كثيرة أفضل لوصف أمين المكتبة هذا من كلمة «مسئول». لقد كان مسئولا ~~عن شريحة ضخمة من التاريخ المهمل، المتمثلة في مخطوطات تمبكتو، التي هي مجموعة كبيرة ~~من الوثائق المكتوبة بخط اليد حتى إنه لم يكن أحد يعرف عددها على وجه الدقة، لكنه هو ~~نفسه كان سيحصيها بمئات الآلاف. كان قلة من الناس قد فعلوا أكثر مما فعل حيدرة للكشف عن ~~هذه المخطوطات. وفي الشهور التالية، لن ينال أحد فضلا أكثر مما سينال على ~~إنقاذها. # من الناحية الشخصية كان أمين المكتبة رجلا ذا هيبة يصافحك مصافحة رقيقة رقة ~~مذهلة، ويحييك تحية عابرة تبقى في الذاكرة. كان على دراية كبيرة بتاريخ ومحتوى ~~الوثائق، لكنه لم يبد عالما بقدر ما بدا رجل أعمال كان يتولى شئونه بلغات مختلفة ~~عبر هواتفه المحمولة، أو شخصيا من وراء مكتب بحجم قارب صغير. لم يكن المالك الوحيد ~~للمخطوطات في المدينة، لكن بصفته مالك أكبر مجموعة منها ومؤسس «سافاما»، وهي منظمة ~~مكرسة للمحافظة على تراث المدينة المكتوب، ادعى أنه يمثل أكثرية عائلات تمبكتو ~~المالكة للمخطوطات. # نشأ حيدرة في منزل ضخم في تمبكتو مصنوع من قرميد البانكو ومبني حول ساحة، شأنه شأن ~~مائة ألف منزل آخر في المنطقة. كان واحدا من أربعة عشر ابنا من أبناء مما حيدرة، ~~الذي كان عالما من تمبكتو، وكانت المدينة التي نشأ فيها قد تغيرت قليلا على مدى مائة ~~عام. في قلب المدينة كانت تقع المساجد الثلاثة الكبيرة؛ جينجربر، «المسجد الكبير» في ~~الغرب؛ وسيدي يحيى في المركز؛ وسانكوري في الشمال. كانت المساحات بين المساجد مليئة ~~بالمنازل والأسواق، وكانت المدينة القديمة، التي كانت على شكل قطرة دمع كبيرة، على ~~مسافة ميل ونصف في الجوار. كان الناس قد دفنوا أقاربهم بالقرب من ms012 منازلهم، وبينما تنامت ~~المدينة، كانت المدافن قد استوعبتها شبكة الأزقة والشوارع. كان الأحياء والأموات الآن ~~يتواجدون جنبا إلى جنب، وفي تقليد الإسلام الصوفي الباطني، لم يعد الفاصل بينهم ~~واضحا؛ الأسلاف الأكثر قداسة، العلماء والقضاة والقادة من الأزمنة السابقة، كانوا ~~يرقدون في أضرحة كبيرة حيث كانوا يعظمون باعتبارهم أولياء. كان أحد ما قد ذكر أن ~~عددهم 333 وليا، وإذ كان هذا الرقم رقما مباركا، فقد صار هذا هو ما أصبحت تمبكتو ~~تطلقه على نفسها، «مدينة ال 333 وليا». # لم تكن توجد سيارات أو شاحنات في تمبكتو حينما كان حيدرة يترعرع؛ فلم تحظ المدينة ~~بأول مضخة وقود حتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي. كانت بدلا من ذلك مليئة ~~بالحيوانات. كانت الأغنام والماعز والماشية والدجاج تلتقط طعامها من النباتات المتناثرة ~~ومن الفضلات التي تلقى في الشوارع. كانت قوافل الحمير تجلب الحبوب من الميناء النهري ~~إلى الجنوب، بينما كانت أكبر أحداث العام هي عمليات وصول قوافل الملح، التي كانت تضم ~~آلاف الجمال، من المناجم في الصحراء. # في السادسة من عمره، أرسل حيدرة إلى كتاب ليتعلم النصوص المقدسة، وبعد ذلك إلى ~~مدرسة كانت الدراسة فيها باللغتين الفرنسية والعربية ليتعلم كل الأمور الأخرى. وكان ~~يتذكر أن طفولته كانت طفولة خالية من القلق، لكن مثل معظم التمبكتيين لم تكن العائلة ~~تمتلك الكثير من المال. كانت أصولها الرئيسية هي المخطوطات. كانت تلك المخطوطات مخزنة ~~في سائر أنحاء المنزل، كما سيتذكر حيدرة لاحقا، على أرفف كانت تنحني تحت وطأة الورق، ~~وفي بيوت الأقارب وفي أنحاء تمبكتو. كانت في الأغلب مكتوبة باللغة العربية، وكانت مغلفة ~~بجلد جمل أو غزال، أكلت أرضة الأرض نسيجه وتلطخ بالماء. وكانت تغطي كل موضوع موجود ~~تقريبا. وكانت توجد أعمال في الفلك، والشعر، والطب، وكذلك وثائق ملكية، وأحكام ~~قانونية، وسندات بيع عادية. وكانت في أغلبها وثائق إسلامية؛ تفاسير للنصوص المقدسة ~~وتأويلات لمعانيها الشرعية. # استخدم والد حيدرة المخطوطات للتدريس. كان الطلاب يأتون من أنحاء الإقليم ليتعلموا من ~~هذا العالم وكتبه، بينما كان أصدقاؤه - «الشخصيات العظيمة»، قادة المناطق المجاورة ~~ووجهاء ms013 تمبكتو - يأتون ليجلسوا ويتبادلوا الآراء. في بعض الأحيان كان والده يطلب منه ~~أن يجلب وثيقة معينة، وكان من شأن حيدرة أن يبحث في غرف المنزل ليعثر على الشيء ~~المراد. لاحقا بدأ ينسخ أجزاء من المخطوطات، وبهذه الطريقة صار يعرفها ويفهمها. # توفي والده في عام 1981، عندما كان عبد القادر في السابعة عشرة من عمره. كان التقليد ~~المتبع هو أن تجتمع عائلة المتوفى وأعيان المدينة لتقسيم التركة، ولهذه الغاية ~~جمعت ممتلكات مما حيدرة في دفتر. لكن المخطوطات نحيت جانبا؛ فلم تكن المخطوطة ~~ستقسم، أو تباع، أو يتخلى عنها. عوضا عن ذلك، كان أحد أفراد الجيل التالي ~~سيكلف بمهمة رعايتها. اختار الكبار عبد القادر، إذ كانوا قد شهدوا طبيعته الميالة ~~إلى حب البحث واكتساب المعرفة. وكان سيغدو هو «المسئول». # في تلك الفترة تقريبا، جاء الحكيم المالي أمادو همباطي با ليتحدث في تمبكتو. كان ~~همباطي با، الذي عاش منذ الأيام الأولى للاستعمار الفرنسي، كاتبا موهوبا، وجامعا ~~للتراث، وخبيرا في ثقافة غرب أفريقيا، ورجلا ذا ذكاء ومكانة عظيمين. ذهب حيدرة ~~ليستمع إليه. قال همباطي با لمستمعيه أن يتخيلوا، من المنظور الثقافي للأمور، أن مدن ~~العالم مصطفة في صف واحد. وقال إنه فيما مضى كانت تمبكتو في مقدمة الصف، لكن بعد ذلك ~~أمر الله الصف أن يدور استدارة كاملة على عقبيه، وحينئذ صارت في المؤخرة. قال همباطي ~~با: «لا نعرف كيف حدث هذا، ولكن يوما ما سيأمر الله باستدارة كاملة أخرى بحيث تعود ~~تمبكتو إلى مكانها من جديد. ينبغي ألا تقفوا مكتوفي الأيدي وتنتظروا تلك اللحظة. يجب ~~عليكم أن تعينوا التاريخ. يجب أن تخرجوا مخطوطاتكم. يجب أن تستخدموها.» # انغرست كلمات همباطي با بعمق في وعي حيدرة. في ذلك اليوم، أدرك غايته. كان سيحاول أن ~~يعيد الحياة إلى المدينة عبر مخطوطاتها. # كانت تمبكتو في ثمانينيات القرن العشرين بالفعل مقر منظمة مكرسة لدراسة النصوص ~~العربية. وبتشجيع من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، كانت ~~الحكومة المالية قد تبرعت بإنشاء معهد بحثي في المدينة في عام 1973، أسمي تيمنا ms014 ~~باسم عالم تمبكتو في القرن السادس عشر أحمد بابا، وأوكلت إليه مهمة جمع تراث مالي ~~المكتوب وحفظه. بدأ مركز أحمد بابا بأقل من مائة وثيقة وكان قد أضاف حوالي 3300 وثيقة ~~أخرى بحلول عام 1984، عندما فاتح مديره حيدرة وقال له إنه ينبغي أن يأتي للعمل هناك ~~«منقبا»، أي، باحثا عن المخطوطات. وقبل حيدرة ذلك. وأصبح أبرز منقب عن المخطوطات حظي ~~به المركز على الإطلاق. # بدأ بالاتصال بأصدقائه واستخدام تأثيره، واسم عائلته، وطبيعته المثابرة. كثيرا ما ~~كان الناس ينكرون أن لديهم مخطوطات، لكن حيدرة كان يتحدث إليهم المرة تلو الأخرى حتى ~~ينجح في استمالتهم. كان يفتش في تمبكتو وكان يفتش أيضا في الإقليم الأكبر، قاطعا ~~شمالي مالي طولا وعرضا راكبا حمارا، أو جملا، أو زورقا، أو سيارة لاند روفر. ~~وأحيانا كان يسافر مع قوافل الملح، مرتحلا على قدميه إلى جانبها طيلة أربع عشرة ساعة ~~متواصلة. وقد ذهب إلى مدن وقرى ونجوع، محاولا إقناع الناس بلطف أن يتنازلوا عما لديهم ~~من وثائق كانوا قد خبئوها أو نسوها. سافر إلى حدود موريتانيا والسنغال في الغرب، وإلى ~~الحدود مع بوركينا فاسو والنيجر في الشرق. ذهب إلى جوندام، وديري، وتونكا، ونيافونكي، ~~ونيونو، وإلى كل ما بينها من أماكن. كان يدفع ما يصل إلى مائتي دولار مقابل وثيقة ~~قيمة من ورقة واحدة، وثلاثمائة دولار مقابل مخطوطة كاملة، لكنه في بعض الأحيان كان يدفع ~~الثمن بالحيوانات، التي كثيرا ما كانت قيمتها عند الناس أكثر من النقود. كانت ~~المخطوطات التاريخية هي أكثر ما يسعى إليه، يليها المخطوطات التي كانت مزخرفة بزخارف ~~متقنة، أو قديمة جدا، أو مكتوبة على يد كتاب محليين. إذا كانت حمولته مرهقة، كان ~~حيدرة يستأجر سيارة أو قاربا نهريا ليحملها عائدا بها إلى تمبكتو. ورويدا رويدا، ~~جلب الكتب والوثائق. وفي غضون اثني عشر عاما أضاف ستة عشر ألف مخطوطة إلى مجموعة أحمد ~~بابا. واستمر في تنقيبه بعد ذلك، لكنه توقف عن الإحصاء. # وبينما كان حيدرة ينشئ الأرشيف الوطني، أخذ يفكر أكثر فأكثر في مخطوطاته الخاصة، التي ms015 ~~كانت موضوعة في صناديق مكدسة في غرف صغيرة مظلمة، معرضة للرطوبة والأرضة وخطر ~~الحريق. لم تكن التقاليد تسمح له بأن يبيعها، حتى إن أراد ذلك، لذا قرر أن ينشئ ~~مكتبته البحثية الخاصة. أرسل فاكسات إلى مؤسسات ومنظمات دولية وألح في الحديث على ~~زوار مؤثرين للمدينة الشهيرة، طالبا دعمهم. عرض عليه الناس أن يشتروها، لكن لم يرغب ~~أحد في أن يدفع له مقابل الإبقاء عليها في تمبكتو. # في عام 1997، جاء العالم البارز من جامعة هارفرد هنري لويس جيتس الابن إلى مالي، ~~ودعاه حيدرة لرؤية مجموعته. ذرف جيتس الدموع عند رؤية الوثائق التي كانت موضوعة أمامه. ~~تساءل حيدرة لماذا كان جيتس يذرف الدمع؟ أوضح جيتس أن السبب أنه كان يدرس في بعض من ~~أفضل الجامعات في العالم قرابة عشرين عاما، وأنه كان يقول دوما لطلابه إنه لا يوجد ~~تاريخ مكتوب في أفريقيا، وأنه كله شفاهي. والآن عندما وقعت عيناه على هذه المخطوطات، ~~تغير كل شيء. عندما عاد جيتس إلى الولايات المتحدة، مارس ضغوطا من أجل الحصول على ~~تمويل لمشروع حيدرة، الذي سرعان ما نال دعم مؤسسة أندرو دبليو ميلون. قدمت جهات ~~مانحة أجنبية أخرى، هي مؤسسة فورد، ومؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي التي مقرها في ~~لندن، ومركز جمعة الماجد للثقافة والتراث في دبي، أموالا أكثر بمرور السنين. وفي عام ~~2000 افتتح أول أرشيف خاص معاصر في تمبكتو، مكتبة مما حيدرة التذكارية، في احتفال ~~حضرته سيدة مالي الأولى. بعد ذلك، ساعد حيدرة أصدقاءه على إنشاء مؤسساتهم، وسرعان ما ~~كانت المكتبات تظهر في كل مكان، إذ أخرجت عائلات تمبكتو مجموعاتها. # بحلول هذا الوقت كانت المخطوطات بصدد أن تصبح مسألة مشهورة. وتزايد استخدامها من أجل ~~السعي وراء تفسير جديد لماضي أفريقيا يمكن أن يكافح العنصرية التي لازمت القارة زمنا ~~طويلا. فمن إيمانويل كانت إلى ديفيد هيوم، كان فلاسفة ومؤرخون غربيون قد استشهدوا ~~بغياب الأعمال المكتوبة في أفريقيا باعتباره دليلا على أن القارة كانت متخلفة للغاية ~~حتى عن أن يكون لها تاريخ. كتب هيوم في عام 1748: «لم توجد ms016 أبدا أي أمة متحضرة بأي لون ~~بشرة إلا اللون الأبيض، ولا حتى وجد أي فرد بارز في الفعل أو التفكير. لا توجد لديهم ~~اختراعات تتسم بالإبداع، ولا فنون، ولا علوم.» كانت أصداء هذه الرؤية لا تزال تتردد لدى ~~المؤرخ البريطاني هيو تريفور-روبير في عام 1963 والذي قال: «ربما في المستقبل، سيوجد ~~تاريخ أفريقي ما يمكن أن يدرس. لكن في الوقت الحاضر لا يوجد. لا يوجد سوى تاريخ ~~الأوروبيين في أفريقيا. أما الباقي فظلام.» كانت المخطوطات موجودة في سائر أنحاء غرب ~~أفريقيا، لكن تمبكتو كانت الأشهر، والآن اعتبرت دليلا مضادا. في عام 2001، أدرجها ~~رئيس جنوب أفريقيا تابو إيمبيكي في حملة للمساعدة على إعادة تعريف القارة بمفهوم ~~أفريقي. وأمر بإنشاء مبنى ضخم جديد لمركز أحمد بابا في تمبكتو يشمل مساحة للعرض، ~~وقاعة للمؤتمرات، وورشا للترميم، ويعمل وفق برنامج أكاديمي للحفاظ على المخطوطات. قال ~~إيمبيكي: «تفتح [المخطوطات] آفاقا للتفكير بطرق جديدة بشأن العالم، وهي تعد فرصة ~~لتأمل التاريخ بنظرة جديدة.» # في تلك الأثناء كان البحث في العدد المتنامي من الوثائق التي كانت تصل إلى تمبكتو ~~يجري على قدم وساق. في عام 2001، أعلن جون هنويك من جامعة نورث ويسترن، الخبير الدولي ~~الرائد في التراث الإسلامي المكتوب لغرب أفريقيا، أن خبيئة من ثلاثة آلاف مخطوطة كانت ~~قد عرضت عليه في تمبكتو كانت «تعيد كتابة التاريخ». قال هنويك لصحيفة «شيكاجو ~~تريبيون»: «كادت عيناي تخرجان من محجريهما.» وأضاف: «لم يسبق لي أن شاهدت أي شيء ~~مثلها من قبل.» قال شون أوفاهي، صديق هنويك وزميله، إن الأمر كان «مثل مصادفة تأريخ ~~أنجلو-ساكسوني آخر أعطانا رؤية جديدة للتاريخ المبكر لإنجلترا.» كان الكشف ببساطة ~~«استثنائيا»، على حد قول ديفيد روبنسون، أستاذ التاريخ الأفريقي بجامعة ميتشجن ~~ستيت. # بحلول عام 2011، كان حيدرة وزملاؤه الباحثون عن المخطوطات قد أحرزوا تقدما هائلا في ~~المهمة التي كان همباطي با قد حددها لهم وهي مهمة استعادة تمبكتو لمكانتها الصحيحة في ~~العالم. قدر حيدرة أن عدد المخطوطات المحصاة في الإقليم حينئذ بلغ ما لا يقل عن ms017 ~~101820 مخطوطة، وكان العدد في البلد ككل قريبا من المليون. ولولا الحرائق، والحروب، ~~والكوارث الطبيعية، كان العدد سيصبح أعلى بكثير. # ثم تحولت الاضطرابات في الصحراء خارج المدينة، التي كانت قد دوت على مدى عقود، إلى ~~فوضى صاخبة. # كان شمال مالي لأمد طويل منطقة مجاورة مضطربة، وكان مأوى لقطاع الطرق، ~~والمهربين، والمتمردين. كان لدى القادة المسلحين في الشمال تظلمات من النظام الحاكم في ~~باماكو منذ عهود الاستعمار، وأدت هذه التظلمات إلى تفجر أعمال تمرد متكررة ~~منذئذ. في عام 2003، كان الجهاديون الجزائريون الذين يخوضون حربا في مواجهة حكومتهم ~~قد اتخذوا ملاذا عبر الحدود في مالي، وبعد ذلك بفترة وجيزة تلقوا مباركة أسامة بن لادن ~~واتخذوا اسم «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». لقد ضرب هؤلاء جذورا عميقة لهم ~~في الصحراء، آخذين حصة من تجارة التهريب، لكن أكبر مصدر للمال لهم كان يأتي من عمليات ~~الخطف. فما بين عامي 2003 و2010، جنى هذا التنظيم عشرات الملايين من الدولارات عن طريق ~~أخذ فدية عن دبلوماسيين غربيين، وعاملين في مجال الطاقة، وسائحين ضلوا طريقهم ودخلوا ~~الإقليم الخطأ. # في عام 2011، أضيف مكون إضافي إلى الوضع المتأجج. في تلك السنة، أطاح تمرد في ~~ليبيا، مدعوما بطائرات حلف الناتو المقاتلة وصواريخه الجوالة، بنظام العقيد معمر ~~القذافي، وعاد إلى الديار مئات من الطوارق الماليين، الذين كانوا قد وظفوا في جيوش ~~الدكتاتور، ومعهم كل ما استطاعوا حمله من أسلحة وذخيرة. وفي مالي انضموا إلى حركة ~~سياسية كانت تحشد لإقامة دولة طوارق مستقلة تسمى أزواد، وظهرت إلى الوجود «الحركة ~~الوطنية لتحرير أزواد». أعلنت الحركة الحرب على حكومة باماكو وبمعاونة حلفائها من تنظيم ~~القاعدة ألحقت سلسلة من الهزائم النكراء بقوات مالي المسلحة ذات الروح المعنوية ~~المنهارة. وفي منتصف شهر مارس من عام 2012، شنت مجموعة من ضباط الجيش المالي ~~الساخطين انقلابا، وفي أثناء الفوضى السياسية التي أعقبت ذلك، اغتنم المتمردون فرصتهم، ~~فاجتاحوا الشمال بينما تراجع الجيش في حالة من الفوضى. # بينما كان حيدرة جالسا في سيارته في صباح يوم الحادي والثلاثين من مارس، غير رأيه ms018 ~~مرة أخرى. في وقت خطر كهذا كان يوجد مكان واحد ينبغي عليه التواجد فيه. عادت سيارة ~~اللاند كروزر المرهقة أدراجها من جديد، واتجهت في الاتجاه الشمالي الشرقي، صوب تمبكتو ~~والحرب. # الفصل الثاني # | فراغ واسع وممتد # يونيو-نوفمبر 1788 # بدأ السعي من أجل استكشاف تمبكتو، كما كانت تلك الأمور تبدأ في بعض الأحيان، في غرفة ~~تعلو حانة لندنية. # في التاسع من يونيو من عام 1788، اجتمعت مجموعة من تسعة رجال من أصحاب النفوذ في ~~حانة سانت ألبان، والتي تقع على مقربة شديدة من مقر الملك الرسمي في قصر سانت جيمس، ~~وجلسوا ليناقشوا مستقبل الاستكشاف. ضم هذا الاجتماع لنادي السبت الحصري - لم يبد ~~مهما أن ذلك اليوم كان الاثنين - وزير خارجية سابقا، وحاكما عاما مستقبليا ~~للهند، ولوردا من لوردات الحاشية الملكية، إلى جانب قلة قليلة من فرسان المنطقة. ~~ثمانية من أعضاء النادي البالغ عددهم اثني عشر رجلا كانوا أعضاء في البرلمان؛ وستة ~~كانوا زملاء لمؤسسة النخبة العلمية المتمثلة في الجمعية الملكية. وكان واحد منهم - وهو ~~صاحب الدور الرئيسي في تجميع العناصر الرئيسية الفاعلة - يشغل منصب رئيس الجمعية ~~الملكية، وهو السير جوزيف بانكس. # كان بانكس في ذلك الوقت في الخامسة والأربعين من عمره، وكان مدمنا لمعاقرة الخمر، ~~ومائلا إلى البدانة. وعلى خلاف سلفه الشهير، إسحاق نيوتن، كان شخصية محبوبة؛ إذ وصفه ~~جيمس بوزويل بأنه «ضخم كالفيل، وهادئ ولطيف جدا»، وكان يسمح للمرء بأن «يركب على ظهره ~~أو أن يلعب بخرطومه.» كان قد تلقى تعليمه في مدرسة هارو وكلية إيتون، حيث اكتشف أن ~~لديه كراهية للأدب الكلاسيكي وحبا لعلم النبات، وبعد فترة وجيزة من تركه جامعة ~~أكسفورد كان قد انطلق في مغامرته العلمية الأولى، مسافرا بصفته عالم تاريخ طبيعي على ~~فرقاطة تابعة للبحرية الملكية متجهة إلى نيوفاوندلاند ولابرادور. ومع ذلك، كانت هذه ~~مجرد بروفة للرحلة التي كانت ستجعله مرموقا؛ رحلة جيمس كوك الأولى للطواف حول العالم. ~~عاد في عام 1771 من تلك الرحلة التي استغرقت ثلاثة أعوام بثلاثين ألف عينة نباتية مذهلة ~~وبشهرة تخطت حتى شهرة كوك ms019. ثم أصبح صديقا مقربا من الملك جورج الثالث، مطورا ~~حدائقه النباتية الملكية في كيو إلى مركز رئيسي للأبحاث، وببلوغه الخامسة والثلاثين من ~~عمره كان يتولى قيادة أهم مؤسسة علمية في العالم، وهي الجمعية الملكية. وظل في منصب ~~رئيس الجمعية طيلة العقود الأربعة التالية، منشئا شبكة من الأصدقاء والمعارف اشتملت ~~على أبرز الفلاسفة الطبيعيين في ذلك العصر - بنجامين فرانكلين، وكارل لينيوس - إلى جانب ~~مفكرين مبدعين ورجال دولة بدءا من توماس بين وحتى هنري كريستوف، ملك هاييتي. ومن منزله ~~في 32 ميدان سوهو بعث بآلاف الرسائل مانحا الرعاية والنصيحة للمشاريع التي أشعلت ~~حماسه. وكم كان لديه من الحماس! # على مشارف نهاية عصر التنوير، اتخذت خطوات عملاقة في كل مجال من مجالات السعي ~~الإنساني، من الجغرافيا والموسيقى إلى تربية الحيوانات وزراعة نبات الراوند. كان ~~عصر ثورة في السياسة - ففي عام 1783، كانت أمريكا قد نالت الاستقلال عن أحد الأنظمة ~~الملكية؛ وفي عام 1789، تخلصت فرنسا من نظام ملكي آخر - وفي العلم أيضا. كانت إسهامات ~~بانكس في العلم هائلة. فقد ساند ويليام روي، مؤسس هيئة المساحة البريطانية؛ وويليام ~~سميث، مبتكر أول خريطة جيولوجية؛ وويليام هيرشل، أول شخص في التاريخ يكتشف كوكبا في ~~النظام الشمسي، وهو كوكب أورانوس. ومن مقعده في مجلس الزراعة ومجلس خطوط الطول، ساعد في ~~تحديث إنتاج الحبوب والملاحة، بينما بصفته عضوا في مجلس أمناء المتحف البريطاني وضع ~~مجموعات شكلت أساس متحف التاريخ الطبيعي والمكتبة البريطانية. واستحوذت المغامرات ~~فيما وراء البحار بوجه خاص على اهتمام بانكس؛ إذ كان وراء المهمة المشئومة للسفينة ~~«باونتي» التابعة للبحرية الملكية لاستزراع نباتات فاكهة الخبز من تاهيتي لإطعام العبيد ~~في منطقة الكاريبي، وشجع إقامة مستعمرة عقابية في أستراليا. وفقط في يناير من عام ~~1788، كان أول أسطول يحمل مدانين قد وصل إلى شاطئ كان يوما ما قد بحث فيه عن أنواع ~~نباتات جديدة، وهو الشاطئ الذي كان كوك قد منحه اسم خليج بوتاني. # في صيف عام 1788، كان بانكس ورفاقه على وشك أن يولوا اهتمامهم إلى وجهة جديدة. كانت ~~أفريقيا في ذلك ms020 الوقت قارة غامضة للجغرافيا الغربية، وكان بانكس غير اعتيادي في كونه قد ~~وطئها بقدمه، عندما ألقت سفينة كوك «إنديفور» مرساتها في خليج كيب تاون في عام 1771. ~~ربما يكون المستكشفون قد عبروا الدائرة القطبية الجنوبية، لكن ما كانوا يعرفونه عن ~~أفريقيا القريبة كان هزلا، كما أوضحت مقطوعة ساخرة قصيرة وضعها الكاتب الساخر جوناثان ~~سويفت قبل ذلك بنصف قرن: # وهكذا فإن الجغرافيين في خرائط أفريقيا # يملئون فراغاتهم بصور متوحشين، # وفوق نجود غير مأهولة # يضعون الأفيال للافتقار إلى المدن. # كان الاهتمام بهذه القارة المهملة قد أشعل فتيله في منتصف سبعينيات ~~القرن الثامن عشر جيمس بروس، وهو إقطاعي اسكتلندي كان قد شرع في استكشاف منابع النيل ~~وانتهى به الحال إلى العيش في إثيوبيا لعامين. كتب هوراس والبول في عام 1774: «إن ~~أفريقيا حقا قد صارت صرعة جديدة.» وأضاف: «لقد عاد للتو من هناك سيد يدعى بروس، ~~والذي عاش ثلاثة أعوام في بلاط إمبراطورية الحبشة، وأفطر كل صباح مع وصيفات الشرف على ~~ظهور ثيران حية.» وأورد والبول بحقد أنه، نتيجة لذلك، كانت مآثر بانكس «منسية ~~تماما.» # إن كانت أفريقيا حقا صرعة جديدة في لندن، فقد كانت أيضا موضوع أزمة أخلاقية ~~وشيكة ستشكل سياسة بريطانيا الخارجية طيلة النصف القرن التالي. بحلول أواخر القرن ~~الثامن عشر، كانت التجارة على سواحل غينيا - التي كانت قد عرفت كذلك بسبب سلعها ~~الرئيسية من عاج، وذهب، وعبيد، وحبوب - قد أصبحت ركيزة أساسية في الاقتصاد البريطاني. ~~وفي النصف القرن الذي سبق عام 1772، كانت التجارة الأفريقية قد ازدادت بمقدار سبعة أمثال، ~~وصولا إلى مليون جنيه إسترليني تقريبا في العام. في ذلك العام كتب تاجر إنجليزي مجهول ~~يقول: «كم هي هائلة أهمية تجارتنا مع أفريقيا، التي تمثل القاعدة والأساس الأولين من ~~بين البقية الباقية كلها؛ الزنبرك الرئيسي في الآلة والذي يجعل كل ترس يتحرك!» كان قدر ~~كبير من التجارة يتم في البشر؛ فكان القباطنة البحريون الذين يتخذون مقار لهم في ~~لندن، وليفربول، وبريستول يقايضون البنادق المصنوعة في برمنجهام والقماش المصنوع في شرق ~~إنجلترا بالعبيد، الذين ms021 كانوا يرسلون بالسفن إلى مزارع التبغ والسكر في الهند الغربية ~~التي أبقت على الاقتصاد البريطاني قائما. وفي ستينيات القرن الثامن عشر حملت السفن ~~البريطانية اثنين وأربعين ألف عبد في العام عبر المحيط الأطلنطي، وهو شيء لم تفعله أي ~~أمة أوروبية أخرى. # ومع ذلك كانت بريطانيا قد بدأت تشعر بوخز الضمير، عندما حدث تواصل لأول مرة بين الناس ~~وضحايا العبودية. كان يوجد عشرة آلاف رجل أسود يعملون خدما في المنازل في إنجلترا في ~~عام 1770، وبحلول ثمانينيات القرن الثامن عشر ظهر فيض صغير من الكتب الرائجة التي ~~أظهرت شرور هذه التجارة، من بينها كتاب «القصة المثيرة لحياة أولوداه إيكوانو»، الذي ~~أصبح نصا كلاسيكيا لنشطاء طائفة الكويكر المناهضين للعبودية الذين أسسوا فيما ~~بعد حركة التحرير من العبودية. ومن منظور أعضاء نادي السبت مثل هنري بوفوي، انطوى ~~إيجاد سلع أفريقية بديلة على إمكانية وضع حد لتجارة الرقيق. واشتم آخرون، من بينهم ~~بانكس، رائحة فرص تجارية جديدة يمكن أن تكون جيدة لبريطانيا. # لم توضح هذه الدوافع صراحة في أدبيات النادي. كان السبب المقدم للتوجه الجديد ~~إلى أفريقيا، حسبما وضعه بوفوي وأقره بانكس، هو نداء الاستكشاف الخالص والقائم منذ ~~زمن بعيد: # من بين غايات الاستقصاء التي تسترعي اهتمامنا بأقصى قدر، ربما لا يوجد شيء ~~يستثير بقدر كبير الفضول المستمر، من الطفولة إلى الشيخوخة؛ شيء يرغب ~~المتعلم وغير المتعلم بنفس القدر في استكشافه، مثل طبيعة وتاريخ تلك الأجزاء من ~~العالم، التي، بقدر علمنا، لم تستكشف إلى حد الآن. # أضاف بوفوي أنه بفضل نجاح الملاحة البحرية البريطانية، ورحلات كوك على وجه التحديد، ~~«لم يبق شيء جدير بالبحث بحرا باستثناء القطبين نفسهما.» يكمن مستقبل الاستكشاف الآن ~~في البر؛ فقد ظل ما لا يقل عن ثلث سطح اليابسة الصالح للسكنى مجهولا، وفي ذلك حيز ~~كبير من آسيا وأمريكا، وتقريبا كل أفريقيا. بفضل جهود جورج فورستر، وهو موظف في شركة ~~الهند الشرقية كان قد سافر من البنغال إلى إنجلترا عبر أفغانستان، وفارس، وروسيا، كان ~~مرجحا للدراية بأجزاء آسيا أن «تتقدم نحو ms022 الكمال .» في الوقت نفسه كان من الممكن ~~الاعتماد على تجار الفراء من مونتريال في التعامل مع مشكلة غرب كندا. لكن كان الداخل ~~الأفريقي لا يزال «فراغا ممتدا عريضا فحسب» كان الجغرافيون قد اقتفوا فيه، بيد ~~مترددة، «أسماء قليلة لأنهار غير مستكشفة وأمم غامضة.» # وأورد بوفوي أن هذا الجهل «يجب أن يعتبر مما يجلب التعيير بدرجة ما على العصر ~~الحالي.» ولمداواة وصمة العار الجغرافية هذه، من شأن نادي السبت أن ينشئ كيانا جديدا، ~~هو الرابطة الأفريقية، والذي سيكون مكرسا لتشجيع استكشاف القارة: # رغبة منهم في انتشال العصر الحالي من تهمة الجهل، التي، من نواح أخرى، لا ~~يتسم بها إلا قليلا، وضع بضعة أفراد، على قناعة شديدة بنفع وفائدة توسيع نطاق ~~دعم المعرفة البشرية، خطة لإنشاء رابطة لتشجيع اكتشاف الأجزاء الداخلية من ~~أفريقيا. # سرعان ما اتفق على قواعد الرابطة: اتفق على رسم اشتراك بقيمة خمسة جنيهات في ~~العام، واختيرت لجنة من خمسة أفراد. كان بانكس هو أمين الصندوق وبوفوي هو السكرتير، ~~بينما عين اللورد رودان، وأسقف لانداف، والمحامي أندرو ستيوارت أعضاء مساعدين. ~~ستكون مهمة هؤلاء الرجال هي تعيين «مبعوثين جغرافيين» ليضطلعوا برحلات الاستكشاف ~~الأولى. # كان السؤال المتبقي إذن هو إلى أين، في تلك المساحة المجهولة من الأرض، ينبغي ~~إرسالهم. ~~••• # تم-بك-تو. إن معنى هذه المقاطع الثلاثة القصيرة محل خلاف. هل تشير إلى «جدار» أو ~~«بئر» بكتو، وهي أمة عاشت في هذا المكان الشهير، الذي يوجد على بعد خمسة أميال وراء ~~المنحنى الواقع في أقصى شمال نهر النيجر؟ أم أنها تشير إلى سونجاي، التي تعني «معسكر ~~المرأة ذات السرة الكبيرة»؟ أم هل تدل ببساطة على مكان منخفض، مختف وسط الكثبان ~~الرملية؟ توجد نظريات كثيرة، ومنطوقات كثيرة، وتهجيات كثيرة لهذه الكلمة، التي وصفها ~~بروس تشاتوين بأنها «صيغة شعائرية، إذا ما سمعت مرة واحدة لا تنسى أبدا.» ما يبدو ~~واضحا هو أن مستوطنة أقيمت هناك حوالي عام 1100، وتنامت لتصبح مدينة ذات تأثير بفضل ~~موقعها عند ملتقى أكبر صحراء حارة في العالم وأطول أنهار غرب ms023 أفريقيا . # تنبسط الصحراء الكبرى على مساحة 3,6 ملايين ميل مربع تلفحها الشمس، وتمتد من المحيط ~~الأطلنطي إلى البحر الأحمر ومن البحر المتوسط إلى الساحل الأفريقي. وهي تغطي من سطح ~~الأرض ما يزيد عن الولايات المتحدة أو الصين، أو قارة أستراليا. وهي حسب المخيلة ~~الشائعة تتألف من محيط من الكثبان الرملية، ومع أن هذه البحار من الرمال موجودة ~~بالفعل، فإنها تمثل أقل من سدس المساحة الكاملة. ويطلق الطوارق على الصحراء الكبرى ~~اسم «تيناريوين»، ويعني «الصحارى»، بالجمع، ليعكس طبائعها المختلفة الكثيرة. فتوجد جبال ~~شاهقة ارتفاعها 11000 قدم ومسطحات ملحية بحجم بحيرة أونتاريو حيث يمكن للرمال المتحركة ~~أن تبتلع سيارة. وفي الغالب، توجد مئات الآلاف من الأميال المربعة من الصخر المسطح ~~العاري. # منذ ستة آلاف عام مضت، كانت الصحراء الكبرى خضراء؛ كانت تجوبها الأفيال، والزراف، ~~وحيوانات وحيد القرن التي كانت تشرب من بحيراتها وتأكل من نباتاتها. أما الآن فقدر ~~كبير منها لا يرى المطر لفترات تمتد لسنوات في المرة الواحدة. عندما ينزل المطر، تظهر ~~سيول ماء هادرة تحفر خنادق عميقة في الأرض قبل أن تختفي بعد لحظات. وهذه الصحراء وفق ~~بعض التقديرات أشد الأماكن حرارة على سطح الأرض، حيث يمكن لدرجات الحرارة في الظل أن ~~تصل إلى 140 درجة، لكن في ليالي الشتاء، بدون دثار غطاء السحب، والتربة، والحياة ~~النباتية، يمكن للصحراء أن تتجمد مكتسية بالصقيع. وفوق هذه المساحة الجرداء، تشكل ~~الطبقات المتصادمة من الهواء الساخن والبارد رياحا عنيفة تهب باستمرار لفترات تمتد إلى ~~خمسين يوما في المرة الواحدة، مثيرة غبارا خانقا يحجب الشمس ومستحثة أعاصير رملية ~~دوامية تقتل الحيوانات وتقتلع الأشجار من جذورها. # إذا كانت الصحراء تمقت الحياة، فعلى حافتها الجنوبية الغربية تلتقي بالقوة الحيوية ~~لغرب أفريقيا، المتمثلة في مسطح مائي يطلق عليه السكان المحليون اسم جوليبا، أي «النهر ~~العظيم» أو «نهر الأنهار»، والذي يعرفه بقية العالم باسم «نهر النيجر». يبدأ نهر النيجر ~~من مسيل صغير على ارتفاع 2800 قدم في مرتفعات فوتاجلون في غينيا، أحد أكثر الأماكن ~~غزارة في هطول الأمطار على وجه الأرض. فوتاجلون ms024 هو مصدر ثلاثة مجار مائية عظيمة في ~~غرب أفريقيا، والاثنان الآخران هما نهر جامبيا ونهر السنغال. يطلق اسم كل نهر من هذين ~~النهرين على بلد، ولكن نهر النيجر العظيم يمنح اسمه لبلدين. إذا ما اتخذ هذا النهر ~~الطريق الأقصر إلى المحيط الأطلنطي، فإنه سيصبح سيلا جارفا منحدرا بطول 150 ميلا؛ ~~بدلا من ذلك إنه يتحرك بثقة في الاتجاه الخاطئ، شاردا جهة الشمال الشرقي لينزلق ~~بطريقة عجائبية وسط كثبان الصحراء في التقوس العظيم لمنحنى النيجر قبل أن يصب، على بعد ~~2600 ميل من منبعه، في خليج بنين. # يتبدد ماء نهر النيجر، قرابة ثلث مسار رحلته الطويلة، في دلتا داخلية منبسطة بطول 300 ~~ميل. من الجو يبدو هذا مثل جدول مائي يتضاءل وهو يمر على امتداد شاطئ: يتفرع الماء إلى ~~عشرات من القنوات والجداول الضحلة. يتبخر ثلثا تياره هنا، وبحلول نهاية موسم الجفاف ~~تنضب الحياة في مسالك شاسعة من مجرى النهر. في شهر يوليو، عندما يسقط المطر مجددا ~~وتتدفق كميات هائلة من الماء في اتجاه مجرى النهر، تمتلئ القنوات والبحيرات الجافة ~~وتزدهر الحياة من جديد. تتدفق الحشائش العائمة ونباتات الأرز البري؛ ويفقس بيض السمك ~~والحشرات؛ وتأتي طيور أبو قردان وأبو ملعقة، منضمة إلى أفراس النهر، والتماسيح، وخراف ~~البحر. يسوق رعاة الماشية حيواناتهم إلى الحشائش التي نمت على امتداد حافة النهر؛ ويحصد ~~الفلاحون الأرز، والذرة البيضاء والرفيعة. # تقع تمبكتو عند نهاية مصب الدلتا، وعند الجزء الواقع أقصى شمال منحنى النهر. وهي تقع ~~عند ملتقى طرق التجارة النهرية وطرق القوافل الصحراوية: فحسب القول المأثور القديم، هي ~~الملتقى «لكل من يسافرون بالجمال أو بقوارب الكانو.» # مثلما منحت الفيضانات السنوية لنهر النيل الحياة لممالك مصر القديمة، احتضنت دلتا نهر ~~النيجر الداخلية الخصبة حضاراتها. حتى في الأزمنة القديمة، تسربت أنباء عن هذه ~~الأراضي إلى أوروبا. ففي القرن الخامس قبل الميلاد، أشار هيرودوت إلى وجود نهر في الطرف ~~البعيد من الصحراء يعج بالتماسيح، وتوجد مدينة على ضفافه يسكنها سحرة سود. وصف ~~بلينيوس الأكبر، فيما كتب بعد ذلك بخمسة قرون، قبائل متوحشة ms025 عاشت هناك، ومنها ~~الأيجيباني، الذين كانوا «نصف رجال، ونصف وحوش»؛ والتروجلودايت، الذين لم يكن بوسعهم ~~الكلام إلا بإصدار ضوضاء كصرير الخفافيش؛ والبليميون، الذين كانوا «بلا رءوس، وكانت ~~أفواههم وعيونهم في موضع صدورهم.» بقي ذكر البشر المشوهي الخلقة موجودا حتى ~~العصور الوسطى: أظهرت خريطة مابا موندي هيرفورد، التي وضعت حوالي عام 1300، ~~البليميين وكذلك التروجلودايت في أفريقيا، بينما بالغ مؤرخون لاحقون في وصف أفارقة ~~بلينيوس فجعلوهم أناسا بعين واحدة في منتصف جباههم، أو بقدم عملاقة واحدة كانت كبيرة ~~بما يكفي لأن تحميهم من الشمس. # في القرن السابع، قطعت الجيوش المسلمة، التي انطلقت غربا تجتاح الساحل الجنوبي ~~للبحر المتوسط إلى المحيط الأطلنطي، طريق أوروبا المسيحية لأفريقيا، وطيلة ألف ~~ومائتي عام قلت المعلومات الآتية مما وراء الصحراء الكبرى متحولة إلى أصداء كانت ~~تتسرب آتية عن طريق التجار الذين كانوا يجتازون الصحراء. غالبا ما كانت تلك المعلومات ~~خيالية - وصلت أنباء عديدة في العصور الوسطى إلى أوروبا عن نمل عملاق يحصد الذهب من ~~قيعان الأنهار الأفريقية - لكن كان ثمة أساس للأقاويل المتداولة عن ثراء الإقليم. قبل ~~الاستعمار الإسباني للأمريكتين، كان ثلثا كل الذهب الذي يتداول في منطقة البحر ~~المتوسط يأتي من السودان. روى الجغرافي المسلم الإدريسي، في القرن الثاني عشر، أن ملك ~~غانا القديمة كان ثريا جدا حتى إنه كان يمتلك «لبنة من ذهب وزنها ثلاثون رطلا من ~~ذهب، تبرة واحدة خلقها الله خلقة تامة من غير أن تسبك في نار ولا تطرق بآلة»، ~~بينما في القرن الرابع عشر، أرخ ابن بطوطة - أحد أكثر الناس ترحالا في التاريخ - ~~مآثر الإمبراطور المالي موسى الأول. إن هذا الإمبراطور - الذي في بعض الأحيان يعرف ~~باسم مانسا موسى، ويعني «الملك موسى» - كان يقال عنه إنه حج إلى مكة في عام 1324 مع ~~حاشية من ستين ألف جندي، وخمسمائة عبد، وطن من الذهب للنفقات، وأنه كان معطاء بشدة ~~حتى إنه تسبب في هبوط سعر المعدن النفيس في القاهرة لمدة جيل. # ظهرت تمبكتو لأول مرة في الجغرافيا الأوروبية بعد ذلك بخمسين عاما، في ms026 الأطلس ~~الكتالوني، وهو خريطة للعالم المعروف ظهرت عام 1375 أعدها رسام الخرائط المايوركي ~~أبراهام كريسكيس من أجل ملك إسبانيا. كانت التهجية التي استخدمت لاسم المدينة هي ~~«تينبوتش»، ومن البداية كانت مقترنة بالثراء، حيث إن كريسكيس رسم موسى بجوارها، ~~ممسكا بصولجان ذهبي ضخم وبكتلة ذهب كبيرة وعلى رأسه تاج ذهبي ثقيل. بدت الأنباء ~~اللاحقة وكأنها تؤكد معلومات كريسكيس: ففي عام 1454، وصل مستكشف فينيسي، يعمل لحساب ~~الأمير البرتغالي هنري الملاح، إلى ودان، وهي واحة تجارية إلى الجنوب من طرابلس، وعاد ~~جالبا معه سردا يوضح كيف أن قوافل الجمال تأخذ الملح الصخري إلى «تانبوتو» ثم إلى ~~«ميلي، إمبراطورية السود»، حيث قويضت مقابل كميات كبيرة من الذهب. ومع ذلك، لم تنشر ~~رواية مستقاة من شاهد عيان عن تمبكتو إلا في القرن السادس عشر، مؤكدة الأسطورة ~~الذهبية. # كان اسم الرحالة هو الحسن بن محمد الوزان الزياتي. هناك معلومات قليلة متاحة عن سيرته ~~الذاتية، ولكن يعتقد أنه ولد في غرناطة وانتقل عندما كان شابا إلى فاس، حيث ~~تلقى تعليما جيدا. وفي وقت ما بين عامي 1506 و1510، في السابعة عشرة من عمره، قيل ~~إنه رافق أحد أعمامه في مهمة دبلوماسية إلى السودان وزار تمبكتو. وبعد عقد من الزمن، ~~أسر على يد قراصنة مسيحيين أخذوه إلى روما، وهناك حرره البابا ليون العاشر وتحول ~~إلى المسيحية، متخذا اسم يوهانيس ليون دي ميديشي، الذي أصبح فيما بعد ليون الأفريقي. ~~استقر ليون في إيطاليا وكتب عدة كتب، ولكن كتابه «وصف أفريقيا»، بسرده للحياة في ~~السودان، هو الذي قوبل بأكبر قدر من الحماس؛ إذ قيل إنه قد اكتشف عالما جديدا على ~~الأوروبيين، مثلما كان كولومبوس قد فعل باكتشاف أمريكا. # في وصف ليون، كانت تمبكتو مدينة غنية وساحرة. ومع أن منازلها كانت في الغالب مبنية ~~من الطين والقش، فإنه في وسط المدينة كان يوجد «مسجد بناه معماري من بيتيس [في جنوب ~~إسبانيا] بأحجار البناء والملاط الجيري ... وقصر كبير بناه هذا المهندس نفسه، حيث يقيم ~~الملك.» وفرت آبار المدينة العديدة الماء العذب، وكان ثمة وفرة ms027 من الحبوب ، ~~والماشية، واللبن، والزبد؛ إلا أن الملح كان غاليا جدا، لأنه كان يتعين جلبه ~~مسافة خمسمائة ميل من المناجم الصحراوية. وذكر أن سكان المدينة كانوا «أثرياء جدا»، ~~وعوضا عن استخدام النقود المسكوكة كانوا يستخدمون قطعا من الذهب الخالص. وإلى جانب ~~الاحتفاظ بجيش نظامي دائم قوامه ثلاثة آلاف من الخيالة إضافة إلى عدد كبير من جنود ~~المشاة الذين كانوا يطلقون سهاما مسمومة، امتلك ملك تمبكتو «كنزا عظيما من العملات ~~والسبائك الذهبية»، التي كانت الواحدة منها تزن ألفا وثلاثمائة رطل، وكان بلاط قصره ~~«فخما»: # عندما يذهب الملك من مدينة إلى أخرى مع حاشيته، يركب جملا، وتساق الخيل ~~أمامه بأيدي السياس. وإذا دعت الضرورة إلى القتال، يعقل السياس الإبل، ~~ويمتطي جميع الجنود الجياد. وعندما يريد أي شخص أن يخاطب الملك، يجثو بين يديه ~~ويأخذ حفنة من التراب ويحثوها على رأسه وكتفيه. # كان لأهل المدينة طبيعة مرحة، إذ كتب ليون: «من عادتهم أن يتجولوا في المدينة ليلا ~~بين العاشرة مساء والواحدة بعد منتصف الليل وهم يعزفون على آلات موسيقية ويرقصون.» ~~كان يوجد هناك أيضا الكثير من الأشخاص المتعلمين. كان هذا يعني أنه كان يوجد نهم ~~شديد للمخطوطات، التي كانت تلقى تقديرا في أسواق المدينة يفوق ما كانت تلقاه البضائع ~~الأخرى: # في تمبكتو يوجد عدد كبير من القضاة، وعلماء الدين، والشيوخ، الذين يدفع ~~إليهم جميعا راتب حسن من الملك، الذي يجل كثيرا المثقفين. وتباع كتب ~~مخطوطة كثيرة آتية من بلاد البربر. وتدر تلك المبيعات أرباحا تفوق أي ~~بضائع أخرى. # ترجم عمل ليون على نطاق واسع. نشرت نسخة باللغة الإنجليزية في عام 1600 وأدت ~~إلى موجة من الاهتمام بأفريقيا: فقد كانت مصدرا محتملا لمسرحية شكسبير «عطيل»، وقد ~~كان من شأن وصفها لثراء منطقة جنوب الصحراء الكبرى أن شجع المغامرين الإنجليز في ~~ملاحقتهم للبرتغاليين أن يقطعوا شوطا أطول على ساحل غينيا. في عام 1620، وصلت حملة ~~استكشافية بقيادة السيد الإنجليزي ريتشارد جوبسون إلى تيندا، على نهر جامبيا؛ وهناك ~~أخبره تاجر أفريقي عن مدينة أبعد في اتجاه منبع النهر ms028 تسمى تمبوكوندا ، والتي يوجد ~~فيها «منازل مكسوة بالذهب.» أعيد نشر رواية جوبسون لحملته في عام 1625 على يد جامع ~~المقتطفات الأدبية صامويل بورتشاس، الذي حث مواطنيه على استكشاف القارة الأفريقية. ~~أورد بورتشاس: «إن أغنى مناجم الذهب في العالم موجودة في أفريقيا، ولا يسعني إلا أن ~~أتعجب من أن كثيرين أرسلوا كثيرين، وأنفقوا الكثير في رحلات أبعد إلى الشرق والغرب ~~وتجاهلوا أفريقيا في المنتصف.» # بحلول أواخر القرن الثامن عشر، كانت أسطورة تمبكتو الذهبية قد استقرت في المخيلة ~~الأوروبية. وكانت هذه بمثابة المغناطيس الذي من شأنه أن يجتذب الأوروبيين إلى قلب غرب ~~أفريقيا. # لم يهدر مجلس الرابطة الأفريقية وقتا. بعد أربعة أيام من الاجتماع في حانة سانت ~~ألبان، اجتمع أعضاؤه في منزل بانكس في ميدان سوهو ليناقشوا أمر إرسال أول مستكشف «بأقصى ~~سرعة» بحثا عن اكتشافات جديدة. وعلى حد قول أحد رجال الدولة الأفارقة في القرن ~~العشرين، فإنه لم يكن يهم كثيرا أنه «لم يكن يوجد ما يكتشف؛ فقد كنا موجودين هنا ~~طوال الوقت.» ~~••• # ما نوع الشخصية التي من شأنها أن تغادر من فورها إلى المجاهل الشاسعة لخرائط الرابطة ~~الأفريقية؟ من كان شجاعا، أو يائسا، أو مغرورا بما يكفي لأن يجازف بالاستكشاف، وأن ~~يغامر بحياته - ولقد كان ما يغامر به دوما هو «حياته هو» - في أرض كانت ملامحها ~~الرئيسية مجهولة، فضلا عن طبيعة سكانها، ووحوشها، وطقسها وأمراضها؟ أي مكافأة يمكن ~~أن تغري رجلا على أن يتجول على غير هدى وسط قبائل البليميين والتروجلودايت، دون أن ~~يكون متسلحا إلا بمسدس ومظلة وأشياء قليلة أخرى؟ إن أي رجل أوروبي جيد الاطلاع طلب ~~منه في عام 1788 أن يرتحل إلى المناطق الداخلية للقارة كان لا بد أن يعتبر الرحلة ~~بمثابة حكم بالإعدام، كما كان حالها وأن يبقى بالديار. ولكن مستكشفي الرابطة ~~الأفريقية لم يكونوا على اطلاع جيد. وكان ذلك، من نواح كثيرة، هو بيت ~~القصيد. # لم تكن الحواجز الجغرافية مستعصية. نعم، كانت المسالك عبر الصحراء تعج بالهياكل ~~العظمية للدواب والعبيد على حد سواء، ولكن الصحراء الكبرى، التي ms029 كانت تشبه إلى حد ~~كبير محيطا، كانت تتقاطع فيها طرق التجارة وكانت تجتازها القوافل طيلة قرون. في ~~المناطق الاستوائية، كان يمكن للأمطار الغزيرة الجارفة أن تعوق حركة المستكشف، لكن لم ~~تكن توجد سلاسل جبال منيعة من قبيل تلك التي في آسيا، ولا غابات يستحيل اختراقها مثل ~~تلك التي في حوض الأمازون. ويمكن للرحالة أن يتحرك من قرية إلى أخرى عبر شبكة من ~~الدروب والمسالك المعروفة. # الأمر الذي كان يمكن أن يكون أكثر خطورة هو الاستقبال الذي كان من المرجح أن يلاقيه ~~المستكشف المسيحي. بعد قرون من الصراع الديني، عرف المسلمون في شمال أفريقيا أن ~~الأوروبيين كانوا يريدون تجارتهم وأرضهم، بينما كان الرحالة غير المسلمين بمثابة هدية ~~لرجال القبائل الصحراوية الذين كانوا يبحثون عن مصادر مشروعة للسرقة. فحسبما أورد ~~التاجر، الذي كان يتخذ من السنغال مستقرا، أنطوان برونو دي بومجورج في عام 1789: «من ~~المستحيل أن يكون المرء على معرفة بالمناطق الداخلية البعيدة للبلد، لأن ... الرجل الأبيض ~~الذي سيمتلك الشجاعة الكافية لأن يقدم على رحلة كهذه ستقطع رقبته قبل أن يصل ~~إليها.» # على مسافة أبعد جنوبا، كان الناس أكثر تسامحا مع غير المسلمين، لكن كان يتربص بهم ~~هنا تهديد أعظم، كما أوضح قول مأثور قديم عند تجار الرقيق: # احذر، احذر من خليج بنين؛ # لأن قلة يخرجون منه مع أن كثيرين يدخلون إليه! # أدى المرض إلى جعل غرب أفريقيا المكان الأكثر فتكا في العالم بالأوروبيين. في ~~أوائل القرن التاسع عشر كان يمكن توقع أن يلقى ما يقارب نصف أي سرية جنود متمركزة ~~على الساحل الغربي الأفريقي، الذي أصبح معروفا بأنه «مقبرة الرجل الأبيض»، حتفهم في ~~غضون عام. وكانت المناطق الداخلية تشتهر بأنها أكثر فتكا: فكانت بعثات التجارة في ~~المناطق الداخلية، التي كان من شأنها أن تعني موتا شبه مؤكد للأوروبي، توكل من ~~الباطن لتجار أفريقيي المولد. # كان يتفاخر في الإقليم بتلك البيئة الغنية بالطفيليات المخترقة للجلد، والفيروسات، ~~والبكتريا، والحشرات التي ما كان بوسع أي مستكشف أن ينجو منها. اشتملت تلك الأشياء على ~~دودة ms030 غينيا، التي كانت يرقاتها تدخل الجسم عن طريق مياه الشرب، ثم تنتقل إلى النسيج ~~الذي يوجد تحت جلد الضحية، حيث كانت تنمو، على مدى عدة أشهر، حتى يصل طولها إلى ثلاثة ~~أقدام. وإذا نجا العائل من هذا العذاب، كانت تظهر في أسفل الساق بعد عام بثور مليئة ~~بالصديد ومؤلمة بشدة، ثم تنفتق إذ تشق الديدان العملاقة طريقها خروجا منها. في الوقت ~~نفسه، كانت ذبابة التسي تسي الماصة للدماء تحمل داء النوم، الذي كانت أعراضه الأولية ~~من حمى وفقدان للوزن تؤدي إلى حدوث تغيرات في الشخصية وحالة من النوم القهري مع انتقال ~~المرض إلى المخ، ليقتل العائل بعد عدة أعوام فحسب. ويمكن لحالات العدوى المعوية مثل ~~الدوسنتاريا الأميبية أن تكون مميتة أيضا. # ومع ذلك فإن أخطر مرض بفارق ما كان الملاريا. الشكل الأكثر شيوعا من هذا الطفيل في ~~غرب أفريقيا، المعروف باسم «المتصورة المنجلية»، هو أيضا الأشد فتكا: إنه ما زال يقتل ~~مئات الآلاف من البشر سنويا. تترعرع البعوضة التي تحمله حول البشر، ويمكن ليرقاتها أن ~~تنمو في بركة صغيرة بصغر أثر قدم حيوان. وما إن تحقن كائنات الملاريا الدقيقة في ~~الجسم، حتى تدخل في مجرى الدم وتحمل إلى الكبد، حيث تنمو داخل الخلايا التي تنفجر ~~بعد ثمانية إلى اثني عشر يوما، لتنطلق عشرات الآلاف من الذرية، التي تبدأ بعد ذلك في ~~اجتياح خلايا الدم الحمراء للعائل وتلتهمها من الداخل. وعندما تنهار كل خلية، تنتقل ~~الطفيليات إلى خلايا أخرى، حتى يتعرض دم العائل للتكسر على نطاق هائل. يبدأ الضحايا في ~~تقيؤ عصارة المرارة، ويكتسب جلدهم، وأظافرهم، وعيونهم لونا أصفر. وأخيرا، يتحول لون ~~برازهم وبولهم إلى اللون الأسود، وحينئذ لا يكون الموت عنهم ببعيد. # في عام 1788، لم تكن الملاريا ولا الناقل الحشري لها مفهومين: كان المرض يعزى إلى ~~الهواء الفاسد، أو «الميازما». ومع أن لحاء شجرة الكينا كان علاجا معروفا، فلم يكن ~~يستخدم بطريقة فعالة ولم تستخلص منه مادة الكينين حتى عام 1820. كان سكان غرب ~~أفريقيا يمتلكون على الأقل بعض المقاومة نتيجة ms031 لتعرضهم للمرض في الطفولة؛ أما ~~الأوروبيون فلم يكن لديهم أي مقاومة له. # كحال مستكشفيهم، لم يكن أعضاء الرابطة الأفريقية الوليدة في لندن إلى حد كبير على ~~دراية بهذه الأخطار. كان مكوث جيمس بروس المؤقت في إثيوبيا قد أثبت أن الترحال إلى ~~أفريقيا لم يكن من اللازم أن يكون مميتا، بينما كان كوك وآخرون قد أظهروا أن العالم ~~كان منفتحا أمام النوع الصحيح من الاستكشاف الحذر: فلماذا يجب أن يكون الترحال في ~~أفريقيا أصعب من، مثلا، الإبحار في الحيد المرجاني العظيم؟ لرجل ذي شخصية من النوع ~~الصحيح، وذي تكوين مناسب، وينعم بالإيمان والحظ الجيد، كان أي شيء ممكنا ~~بالتأكيد. # لم يكن ينقصهم المتطوعون. ففي غضون أيام من اجتماعهم الأول، كان أعضاء مجلس الرابطة ~~الأفريقية قد عثروا على متطوعين اثنين مناسبين للغاية. # كان سيمون لوكاس، ابن تاجر الخمور اللندني، قد أرسل إلى قادس وهو صبي ليتعلم مهنته، ~~لكنه تعرض للأسر على يد عصابة من قراصنة البربر، تسمى قراصنة سلا، والتي باعته عبدا ~~للبلاط الإمبراطوري للمغرب. وظل هناك مدة ثلاثة أعوام، وبعد إطلاق سراحه عاد ليعمل ~~دبلوماسيا بريطانيا لمدة ستة عشر عاما، قبل أن يعود أخيرا في عام 1785 إلى ~~إنجلترا، حيث عين ترجمانا شرقيا في بلاط سانت جيمس. وعرض خدماته على الرابطة ~~الأفريقية بشرط أن يحصل له مجلس الرابطة على إجازة مدفوعة الأجر طوال مدة مهمته. # كان لوكاس مريضا في يونيو من عام 1788؛ لذا أصبحت الانطلاقة الأولى على عاتق متطوع ~~الرابطة الثاني، الأمريكي جون ليديارد البالغ من العمر سبعة وثلاثين عاما. كان ليديارد ~~هو الآخر ذا مؤهلات عالية، وإن كان بطريقة مختلفة جدا. يبدو أن كل من التقى بهذا ~~الرجل ذي البنية الجسدية الرائعة كان ينبهر بنظرته الثابتة وطلعته البهية. كان، حسبما ~~أورد بوفوي، «رجلا غير عادي»، والذي «بدا أنه شعر منذ شبابه برغبة لا تقهر في أن ~~يطلع على المجهول، أو على أقاليم العالم غير المكتشفة على نحو كامل.» # كان ليديارد قد نشأ في هارتفورد، بولاية كونيتيكت، وأظهر ولعا مبكرا بالمغامرة ~~بالهروب ms032 من كلية دارتموث حديثة التأسيس والتجديف بزورق كانو طوله أربعين قدما مسافة ~~150 ميلا في نهر كونيتيكت. بعد ذلك ترك دارتموث بلا رجعة، وانضم إلى تاجر يتاجر عبر ~~المحيط الأطلنطي الذي أخذه معه إلى أوروبا، حيث عمل بحارا، في عام 1775، من أجل أن ~~يحظى بفرصة تقديم نفسه للقبطان كوك. أخذ كوك ليديارد معه في رحلته الثالثة والأخيرة، ~~والتي أثناءها، حسبما يزعم أحيانا، أصبح ليديارد أول حالة موثقة لأمريكي أوروبي ~~يضع وشما. وبعد عودته، ترك البحرية الملكية لكيلا يقاتل بلده في صفوفها، واستقر ليكتب ~~كتابا يسرد فيه رحلة الإبحار حول العالم وأصبح هذا الكتاب من الكتب الأكثر ~~مبيعا. # في منتصف ثمانينيات القرن الثامن عشر عاش في باريس، حيث عقد صداقة مع جون بول جونز ~~وتوماس جيفرسون. وكشأن الجميع، انبهر توماس جيفرسون، الذي كان في ذلك الوقت سفير ~~الولايات المتحدة في فرنسا، بشخصية ليديارد، وكتب جيفرسون أنه كان «رجلا ذا عبقرية، ~~وبعض المعرفة العلمية، وشجاعة وإقدام لا يعرفان الخوف.» واقترح على ليديارد أن يحاول ~~العثور على طريق بري من أوروبا إلى الأمريكتين عبر سانت بطرسبرج، وكامشاتكا، وخليج ~~نوتكا، وأشرك صديقه جوزيف بانكس بصفته ممولا. انطلق المستكشف نحو قفار سيبيريا ووصل ~~إلى ياكوتسك قبل أن يقبض عليه باعتباره جاسوسا، بأوامر من الإمبراطورة كاترين ~~العظيمة. وجرى ترحيله، بعد أن دفع ثمن مروره إلى لندن بشيك مسحوب على اسم بانكس، ووصل ~~لمنزل رئيس الجمعية الملكية في لندن في يونيو من عام 1788، مرتديا أسمالا بالية. كان ~~توقيت ذلك ممتازا. على الفور اقترح بانكس «مغامرة تكاد تضاهي في خطورتها تلك التي كان ~~قد عاد منها»، في أفريقيا. كان ليديارد المفلس مستعدا، وبعث بانكس بمتطوعه المحتمل ~~إلى بوفوي من أجل الحصول على رأي ثان. وغني عن القول أن ليديارد حاز قبوله، إذ كتب ~~يقول: # أذهلني ما يتمتع به من رجولة، وصدر عريض، وطلعة بهية، وعينين لا تهدآن. ~~بسطت خريطة أفريقيا أمامه، وقلت له، وأنا أرسم خطا من القاهرة إلى سنار، ومن ~~هناك غربا في خط العرض والاتجاه المفترض إلى ms033 نهر النيجر ، أن ذلك هو الطريق، ~~الذي كنت أتوق إلى أن تستكشف أفريقيا عبره، إن أمكن ذلك. فقال إنه يعتبر ~~نفسه محظوظا على نحو استثنائي أن تعهد إليه هذه المغامرة. # ربما كان من شأن متعهد آخر للاستكشاف، في عصر آخر، أن يسأل إن كان الرحالة، الذي كان ~~قد عاد حالا في أسمال بالية من رحلة دامت عامين، وقطع فيها 7000 ميل، مستعدا لمهمة ~~من شأنها، إن سار كل شيء على ما يرام، أن تدوم ثلاثة أعوام أخرى. كان مطلوبا من ~~ليديارد أن يسافر من مرسيليا إلى القاهرة، ومكة، ثم إلى النوبة، وأن يعبر الصحراء ~~بطولها، وأن يعثر على نهر النيجر، وأن يشق طريقه عائدا. كان هذا يعني أن يقطع على ~~الأقل 12500 ميل، معظمها برا، عبر بعض من أكثر المناطق عدائية على وجه الأرض. لكن ~~بوفوي لم يساوره أي تردد. وسأل المرشح للقيام بالرحلة: متى سيكون بوسعه أن ينطلق في ~~رحلته؟ # أجاب ليديارد: «صباح الغد.» # في الواقع، منحته الرابطة عدة أيام أخرى. وغادر لندن في الثلاثين من يونيو، من عام ~~1788، قائلا لبوفوي إنه «معتاد على الشدائد» والشرور التي «يصعب تحملها»، لكنها لم ~~تعقه أبدا عن تحقيق هدفه. وقال لبانكس: «إن كتبت لي الحياة، فسوف أؤدي، بإخلاص، وإلى ~~أقصى حد ممكن، التزامي نحو الرابطة؛ وإن هلكت وأنا أحاول، فإن شرفي سوف يظل في مأمن؛ ~~لأن الموت ينقض كل التعهدات.» ~~••• # وصف ريتشارد فرانسيس برتون، فيما كتب بعد ستين عاما، لحظة الانطلاق في رحلة ~~الاستكشاف الأفريقي بأنها واحدة من أسعد اللحظات في الحياة البشرية: «عندما يطرح ~~الإنسان بجهد جهيد عن نفسه أغلال العادة، وأثقال الرتابة، وعباءة الاهتمامات الكثيرة ~~واستعباد الوطن، يشعر مجددا بالسعادة. يتدفق الدم بسرعة تدفقه في الطفولة.» بالمثل كان ~~ليديارد منتشيا بانطلاقته. فقد كتب لأمه يقول: «حقا إنه مكتوب أنه ما أبعد طرق الرب ~~عن الاستقصاء وأحكامه عن الفحص.» وأضاف: «هل الرب عظيم هكذا؟ إنه أيضا صالح. وأنا ~~مثال على هذا. لقد جعلت العالم يرتجف تحت قدمي، واستهزأت بالخوف، وسخرت من الخطر. ~~وعبر ms034 ملايين من الهمج الشرسين، وفوق الصحارى القاحلة، والشمال القارس، والجليد الدائم، ~~والبحار العاتية، مررت دون أن يصيبني أذى. كم هو صالح إلهي! كم لدي من موضوعات ثرية ~~للتمجيد والحب والتوقير!» # قاده طريقه جنوبا عبر باريس، حيث أقام أسبوعا، تقابل أثناءه مع صديقه جيفرسون، الذي ~~من الواضح أنه اعترض على عمله لحساب البريطانيين، لكنه ساعده في عمل ترتيبات الرحلة ~~المقبلة؛ وفيما بعد أرسل ليديارد تحديثات دورية لمواطنه الأمريكي. في مرسيليا ركب ~~سفينة متجهة إلى مصر، التي جابه فيها صعوبات فورية. فحسبما أخبر جيفرسون، كانت ~~الإسكندرية «أكثر بؤسا» من أي شيء كان قد رآه قبلئذ، فقد كانت مليئة «بالفقر، والنهب، ~~والقتل، والاضطراب، والتعصب الأعمى، والاضطهاد القاسي والوباء!» وصل القاهرة في وقت ~~الحرارة الخانقة لمنتصف أغسطس ووجدها «جبا بائسا، ووكرا للمتشردين»، ورأى أنها في ~~نصف مساحة باريس، بينما كان النيل العظيم «مجرد بركة مقارنة بالروايات التي لدينا ~~عنه»، ولا يزيد روعة عن نهر كونيتيكت: # حلوة هي الأغنيات عن مصر على الورق ... من ذا الذي لا يأسر لبه أشجار الصمغ، ~~والبلسان، والبلح، والتين، والرمان، والجوز، والجميز، دون أن يتذكر أن وسط ~~هذه الأشياء غبارا، وقيظا، ورياحا خانقة، وبقا، وبعوضا، وعناكب، ~~وذبابا، وجذاما، وحمى، وعمى يكاد يكون عاما؟ # أمضى ثلاثة شهور في القاهرة، يعد العدة لتقمص دور مسافر مسلم يرتدي «اللباس ~~التركي المعتاد» ومعرفة ما يستطيع عن الطريق الذي سيسلكه. تخلى عن خطته للذهاب إلى مكة ~~وبدلا من ذلك بدأ يستقصي الطريق غربا عبر سنار، وهي سلطنة في شمال دولة السودان ~~المعاصرة. كان أكبر مصدر لمعلوماته هو سوق العبيد. كان عشرون ألف عبد سيرسلون إلى مصر ~~في ذلك العام، حسبما قيل له، ومن هؤلاء الناس بدأ يحظى بفكرة عن مدى رحلته والخطر الذي ~~سيجابهه فيها. اكتشف أن «قافلة تمضي من هنا [القاهرة] إلى فزان، وهي ما يقولون إنها ~~رحلة تستغرق خمسين يوما؛ ومن فزان إلى تمبكتو، وهي ما يقولون إنها رحلة تستغرق تسعين ~~يوما. تسافر القوافل حوالي عشرين ميلا في اليوم، وهو ما يجعل المسافة ms035 على الطريق من ~~هنا إلى فزان ألف ميل؛ ومن فزان إلى تمبكتو ألفا وثمانمائة ميل. معروف أن المسافة من ~~هنا إلى سنار ستمائة ميل.» إن كان سيظل بعافيته ولن يتعرض لأذى وسيسافر دون توقف - ~~وهي ثلاثة افتراضات هائلة - ستستغرق رحلته على الأقل ستة شهور حتى يصل إلى ~~تمبكتو. # مع ذلك، كانت البلدان على امتداد طريقه تعد بالكثير، فحسبما أورد: «تسري الأقاويل ~~هنا عن وانجارا أنها مكان ينتج الكثير من الذهب». وأضاف: «يقال إن ملك وانجارا (الذي ~~آمل أن أراه في غضون نحو ثلاثة أشهر من مغادرتي هذا المكان) يتصرف في أي كمية يشاء من ~~ذهبه؛ أحيانا يكون ذلك قدرا كبيرا، وأحيانا قدرا يسيرا أو لا شيء؛ ويقال إنه ~~يفعل ذلك ليمنع الغرباء من معرفة مقدار ثرائه، وحتى يمكنه أن يعيش في سلام.» ومع ذلك، ~~كان الإجهاد الذي كان يشعر به بسبب بيئة القاهرة والضغط الذي كان يعاني منه من المهمة ~~التي كان بصددها واضحين وهو يتحضر لمغادرة المدينة في الخامس عشر من نوفمبر. وبحلول ~~وقت إرساله لخطابه الأخير إلى جيفرسون كان في حالة مزاجية مختلفة جدا عن تلك التي ~~كان عليها عندما شرع في رحلته: # أمضيت وقتي هنا على نحو غير مقبول ... أؤكد لك أنه حتى فضولك وحبك للعصور ~~القديمة لن يبقيك في مصر ثلاثة شهور ... من القاهرة سأسافر في اتجاه الجنوب ~~الغربي، حوالي ثلاثمائة فرسخ، إلى ملك أسود. بعد ذلك سيتركني المرشدون ~~الحاليون لمصيري. فيما وراء ذلك، أظن أنني سأمضي وحدي ... لن أنساك؛ بالتأكيد، ~~سوف تكون تعزية لي أن أفكر فيك في لحظاتي الأخيرة. كن سعيدا. # لم يصل ليديارد أبدا إلى الملك الأسود. كان لا يزال في القاهرة عندما أصابته «علة ~~صفراء»، ربما كانت تقلصات في المعدة ناتجة عن الدوسنتاريا أو تسمم غذائي، في وقت ~~لاحق في ذلك الشهر. لم يؤد المرض إلى موته، ولكن العلاج الذي تلقاه فعل: أخذ العلاج ~~التقليدي الذي كان عبارة عن حمض الكبريتيك، لكنه استهلك منه قدرا كبيرا لدرجة أنه ~~أدى إلى «آلام حرقة ms036 شديدة» كانت منذرة بأن تكون قاتلة. حاول أن يعالج هذه الأعراض ~~بالطرطرات المقيء، وهو ملح بوتاسيوم كان الغرض منه أن يسبب التقيؤ، لكنه بدلا من ذلك ~~جعل حالته أسوأ. سجل كاتب سيرته جاريد سباركس: «كل شيء كان بلا طائل.» وأضاف: ~~«استدعي أمهر طبيب في القاهرة لنجدته ولكن دون جدوى.» وبعد ثلاثة أيام، توفي ~~ليديارد. # أعقب ذلك مراسلات بين بانكس، وبوفوي، وجيفرسون، وأحد معارف بانكس، وهو توماس بين. ~~أخبر رجال الرابطة الأفريقية توماس بين بأن القافلة التي انتوى ليديارد السفر معها كانت ~~قد تعرضت للتأخير باستمرار، وفي النهاية دفع ليديارد إلى الدخول «في حالة من الغضب ~~العنيف مع مرشديه مما أدى إلى حدوث اختلال في شيء ما في جسمه.» وبعد أعوام عدة، ذكر ~~بانكس متأملا أنهم كانوا غير محظوظين في هذه المهمة الأولى، «إذ إنها فشلت بوفاة ~~رحالتنا ليديارد، الذي بدا أن صحته لدى مغادرته إنجلترا كانت واعدة بحياة مديدة، وأن من ~~شأن قوة جسده أن تتغلب على عناء الترحال ... فقد سبق أن اختبرت على أتم وجه.» # في رثاء له، ذكر بوفوي أن ليديارد كان «مغامرا على نحو يفوق مفهوم الرجال العاديين، ~~ومع ذلك كان حريصا ومتأني التفكير، ومنتبها إلى جميع الاحتياطات.» كتب بوفوي أنه ~~بدا «وكأن الطبيعة قد شكلته لتحقيق إنجازات جريئة وخطرة.» ومع ذلك، كان مستحيلا ~~إخفاء الحقيقة؛ فلقد مات بالمصادفة أول رحالة للرابطة الأفريقية، بألم شديد، دون أن يصل ~~إلى أبعد من القاهرة. # الفصل الثالث # | الجحيم ليس ببعيد # مارس 2012 # بحلول عام 2012، كانت تمبكتو التي عرفها حيدرة في شبابه قد تبدلت متبعة الطرق ~~الحديثة المعتادة. كانت حينئذ مكانا يحوي شاحنات تنخر وعوادم ديزل، وسيارات رباعية ~~الدفع ودراجات بخارية ملوثة للبيئة، وأضواء كهربائية، وأجهزة تليفزيون ذات شاشات ~~بلازما مسطحة بمقاس أربع وخمسين بوصة وبها مائة قناة فضائية تعيد عرض أفلام «ستار ~~تريك». كانت لوحات الشوارع الإعلانية تعلن عن كوكاكولا وخدمات الهواتف المحمولة بنظام ~~الدفع المسبق، بينما كان المتسوقون الذين يرتدون سراويل الجينز والتيشيرتات يفحصون ~~الملابس الشبابية في متجر هارلم الخاص ms037 بألمادو ديكو ومركز فيكتوريا التجاري بما فيه من ~~«موضات الملابس الجاهزة». كان احتمال أن يرتدي الأطفال الذين يلعبون في الشوارع قمصان ~~فريقي برشلونة وريال مدريد المخططة يضاهي احتمال أن يرتدوا قمصان منتخب مالي بألوانها ~~الحمراء والخضراء والذهبية. # ولكن حتى ذلك الوقت ظلت بعض الأشياء كما كانت دوما. كانت أوقات الأعياد لا تزال ~~تحسب تبعا للتقويم القمري، والأيام تضبط في الأغلب تبعا لارتفاع الشمس وتحدد ~~أوقاتها تبعا لمواقيت الصلاة. فقبل ساعة من شروق الشمس، كان المؤذن يؤذن لصلاة الفجر، ~~فيتوضأ المؤمنون متخلصين من نعاسهم ويصلون متوجهين صوب الشرق. كانت النساء اللواتي كن ~~يتولين إدارة مخابز المدينة يلقمن الأفران العامة المبنية في كل زاوية شارع بحلقات ~~مسطحة من العجين، ويملأن الهواء بالروائح العتيقة للدخان الناتج عن حرق الخشب وصنع ~~الخبز. وكانت الحمير لا تزال تجر العربات، وكانت الماعز والأغنام لا تزال ترعى وسط ~~بقايا الطعام في الشارع، بعدما أطلقت من حظائر مصنوعة من عصي وحبال ومن - ويا له ~~من ابتكار - سيور مراوح السيارات القديمة. # وعند النهر، كان متعهدو النقل ينزلون من القوارب حاملين حمولات في طريقها إلى السوق ~~الكبير. وفي الطريق إلى المدينة كانوا يمرون بمزارعين يحرثون حقولهم ونساء ينفضن غسيلهن ~~ويضعنه على الشجيرات ليجف. ومع أن ألواح الملح كانت تجلب بالشاحنات هذه الأيام، فقد ~~كانت لا تزال تعرض للبيع في السوق الصغير، إلى جانب الأسماك الطازجة والمجففة، ولحم ~~الماعز، والضأن، والبقري، والجملي. # بعد صلاة الضحى، كان أهل تمبكتو يعودون للبيت لتناول الطعام، وبعد ذلك، عندما تكون ~~الشمس قد وصلت إلى ذروتها الشديدة، كانوا يجدون لأنفسهم مكانا ظليلا ليناموا. وعند ~~وقت صلاة العصر كانوا يستيقظون ويعودون للعمل حتى وقت صلاة المغرب، عند الغسق. وكان من ~~عادتهم بعد ذلك، في المساء العليل، أن يمضوا للقاء أصدقائهم، ليتبادلوا أحاديث النميمة، ~~ويشربوا الشاي، ويعزفوا الموسيقى، ويلعبوا ألعابا، ويتحدثوا في السياسة والشعر حتى وقت ~~صلاة العشاء، وعندئذ كانوا يستعدون للنوم. # طيلة أسابيع، كان الحديث عن الأزمة قد استحوذ على هذه التجمعات المسائية. كان قلة من ~~الناس ms038 في الأيام الأولى من العام قد اعتقدوا أن من شأن القتال أن يصل إلى تمبكتو. وفي ~~يناير، سأل محمد دياكيتي، وهو موظف كبير في معهد أحمد بابا، النصيحة من جندي صديق له: ~~هل ينبغي أن يبقي عائلته هنا أم يتوجه إلى بلد أكثر أمانا في الجنوب؟ أجاب الجندي ~~قائلا إنه لن يكون ثمة مشكلة في تمبكتو. فالمدينة نفسها ستظل آمنة. ومع ذلك، بعد ذلك ~~بفترة، بدأت وجهة نظر الجندي في التغير. كانت الأمور قد انحرفت عن مسارها، وكشأن الجميع ~~كان لديه الآن «القليل من الخوف.» # ثم بدأت الأمور تتغير بسرعة كبيرة. وبدا الأمر لدياكيتي غير حقيقي، وكأنه ~~حلم. # في يوم الخميس، التاسع والعشرين من مارس، بعد أسبوع من الانقلاب في باماكو، أعلن ~~كبراء المدينة عن اجتماع في فدان الرمال الواسع بجوار مسجد سانكوري ليحاولوا توحيد صفوف ~~المجتمعات المحلية خلف الميليشيا العربية في المدينة، قوة دلتا. دعي الناس من كل ~~مجموعات تمبكتو العرقية - السونجاي، والفولانيين، والبامبارا، والطوارق، والبيلا، ~~والدوجون - لتقديم أي شيء بوسعهم توفيره لدعم المقاتلين الذين كانوا حينئذ معقد أملهم. ~~فقدموا مالا، وحبوبا، وماشية، ولفات من القماش، وقدم كل ذلك مع إظهار قدر عظيم ~~من التضامن، وشعروا بالأمان بقدر أكبر قليلا. # في اليوم التالي، عادت الأنباء تأخذ منعطفا سيئا. كانت بلدة كيدال، التي كانت تضم ~~حامية عسكرية وتقع في أقصى الشمال الشرقي، قد سقطت في قبضة المتمردين. سرت موجة جديدة ~~من الخوف عبر تمبكتو، وبدأ الناس يحزمون أمتعتهم ليتحركوا جنوبا. وفي صباح ذلك اليوم، ~~قال مدير معهد أحمد بابا، محمد غالا ديكو، لموظفيه السبعين أن يأخذوا معهم إلى البيت ~~قدر ما يستطيعون من معدات المؤسسة المكتبية. إذا سقطت تمبكتو، فعلى الأقل لن تنهب ~~أجهزة الكمبيوتر، والكاميرات، ومحركات الأقراص الصلبة. البعض، مثل الباحث، القاضي ~~معيجا، لم ينزعج؛ فقد كانت كيدال بلدة نائية في منطقة صراعات؛ موقع أمامي أكثر عرضة ~~للخطر من تمبكتو ذات الشهرة العالمية. # وقال أشخاص آخرون إن المدينة كانت بالفعل محاصرة. # في الساعة السادسة من مساء ذلك اليوم، وبينما ms039 كانت الشمس تغرب، انطلق ركب صغير من ~~سيارات الدفع الرباعي من تمبكتو، متجها شرقا بمحاذاة النهر نحو الصحراء. كانت قد ذاعت ~~بين الميليشيا العربية أنباء بأن متمردي الحركة الوطنية لتحرير أزواد كانوا يريدون عقد ~~اجتماع معهم، ومن ثم اختير وفد من شيوخ المدينة، إلى جانب عدد من المقاتلين من قوة ~~دلتا. كان من بين المندوبين الأربعة قادر خليل، الذي كان رجلا في الخامسة والستين من ~~عمره ذا وجه طويل كوجه لي مارفن وصوت خشن، وآراء مفعمة بالحيوية عادة ما كانت تسمع ~~في راديو بوكتو، المحطة الإذاعية المحلية التي كان يديرها من مقصورة من الطوب خلف مكتب ~~رئيس البلدية. # بينما كانت السيارات تقفز على الطريق الوعر، كان خليل يشعر بتعاسة شديدة. كان منهكا ~~وخائفا، وكانت قرح معدته تتعاظم، وظن أنه هو ورفاقه من أهل تمبكتو كانوا يقتادون إلى ~~فخ، ولكن لم يكن لديهم خيار: إذا أراد الناس منك أن تفعل شيئا، فلا يمكنك أن ~~ترفض. # في السابعة والنصف مساء، توقفوا في قرية بر لينتظروا تعليمات المتمردين، ~~واتصل خليل بزوجته ليخبرها أنه لن يكون في البيت لتناول العشاء. وقال لها: «ربما تكون ~~هذه هي آخر مرة تسمعين فيها صوتي.» # كان الوقت قد قارب منتصف الليل عندما عاد الركب الصغير من سيارات الدفع الرباعي إلى ~~الانطلاق مجددا، وهذه المرة متجها صوب جهة الشمال الشرقي. وعلى بعد ستة أميال من ~~قرية بر، رن الهاتف المحمول لقائد الميليشيا وأصغى خليل بتشكك إلى نبرة الحديث. هل ~~كان مهذبا أكثر من اللازم، وحريصا للغاية على إرضاء محدثه؟ قال رجل الميليشيا ~~عندما انتهت المكالمة إنهم لا بد أن يطفئوا أنوارهم، حتى لا ينكشف موقع معسكر ~~المتمردين. تابعت السيارات سيرها مطفأة الأنوار مسافة ثلاثة أميال أخرى، وتوقفت في ~~منطقة رمال ناعمة، وحشائش صحراوية، وأشواك سنط. # ترجل الرجال من السيارات، وهم يطئون الأرض المظلمة بحرص. جاءت نقاط الضوء الوحيدة ~~من إشعال سيجارة أو عود ثقاب، لكن حتى في العتمة كان بوسع خليل المكتئب أن يتبين عددا ~~كبيرا من الرجال المسلحين ms040، وبنادقهم الكلاشينكوف التي كانت في كل مكان وعمائمهم ~~الثقيلة، وشاحنات صغيرة رابضة تحت شبكات تمويه أو متوارية عن الأنظار بالأشجار ~~الصحراوية المنخفضة. # اقتيدوا صعودا على كثيب إلى موضع كان قد بسط فيه بساط. وبعد برهة، اقتربت مجموعة، ~~يقودها رجل شاحب الوجه من الطوارق في العقد السادس من عمره وعلى وجهه مسحة من شارب ~~أسود. كان هذا الرجل هو محمد آغ ناجم، وهو عقيد سابق في الجيش الليبي وكان حينئذ قائد ~~أركان جيش الحركة الوطنية لتحرير أزواد. تكلم بالعربية، التي ترجمها قائد ميليشيا ~~تمبكتو إلى الفرنسية. # قال ناجم: «مرحبا.» وأضاف: «رجاء، اعتبروا أنفسكم في بيتكم.» # في وجود الرمال والسيارات والسماء المفتوحة، وهمهمة الحديث، وصوت طائر في الصحراء، ~~شعر المندوبون وكأنهم في موقع تصوير فيلم سينمائي. # قال خليل: «ما نطلبه هو هذا.» وأضاف: «هل يمكنك أن تترك تمبكتو وشأنها؟» # أجاب آغ ناجم: «هذا محال.» ~~«إذن لا بد أن تمنحنا الوقت لتحضير الناس حتى يستطيعوا أن يقرروا إما أن يبقوا أو ~~يغادروا.» ~~«كم من الوقت تريدون؟» ~~«شهرا.» # كرر آغ ناجم قوله: «هذا محال.» كان رجاله قد حشدوا وكانوا سيصلون إلى تمبكتو في ~~تلك الليلة لو لم يوافق كبراء المدينة على المقامرة بالمجيء للقاء ناجم. ولكن ما داموا ~~قد أبدوا الشجاعة للمجيء، فسيمنحهم خمسة أيام، إذا استوفوا شروطا معينة، وهي أنه يتعين ~~على كل أولئك الذين لا يريدون أن يعيشوا في دولة أزواد المستقلة أن يغادروا، كما يتعين ~~ذلك على كل المنتمين إلى عرق البامبارا، وهم سكان الجنوب ذوو البشرة السوداء الذين ~~سيطروا على الطبقة الإدارية والجيش في مالي. عندئذ فقط سيتعهد بأن يدخل تمبكتو دون أن ~~يقصفها. # قال آغ ناجم: «بحلول يوم الخميس، سيبقى أولئك الذين يمكنهم البقاء معنا في تمبكتو، ~~ولكن أولئك الذين يريدون أن يلوذوا بالفرار لا بد أن يفروا منها.» # كان الوقت قد شارف على الفجر عندما سارع المندوبون بالعودة إلى سياراتهم من أجل رحلة ~~العودة إلى المدينة. ~~••• # في صباح ذلك اليوم، السبت، الحادي والثلاثين من مارس، استيقظت تمبكتو على ms041 خبر سيئ ~~آخر: كانت جاو، أكبر مدينة في الشمال ومركز قيادة الجيش المالي في الإقليم، قد ~~سقطت. # جالت بفكر القاضي خاطرة بسيطة عندما سمع بهذا، والتي كانت: «لقد انتهى أمر ~~تمبكتو.» # كان خليل في هذا الوقت يسابق الزمن للعثور على رئيس البلدية، هلي عثمان سيسيه، ليوصل ~~له إنذار الحركة الوطنية لتحرير أزواد. أخبر خليل سيسيه بأن المتمردين في طريقهم إلى ~~تمبكتو، وأنه لم يكن الآن ثمة شك في الأمر. كانوا قد وعدوا بألا يأتوا حتى يوم الخميس ~~التالي، ولكن خليل لم يثق بهم: يمكن أن يكونوا هنا في أي وقت، حتى اليوم. سرعان ما ~~هرع رئيس البلدية سيسيه بدوره للقاء كبيري ممثلي الدولة - محافظ تمبكتو، الكولونيل ~~ميجور مامادو مانجارا، وقائد المنطقة العسكرية، العقيد جاستون دامانجو - ليبلغهما بما ~~كانت الحركة الوطنية لتحرير أزواد قد قالته: سيدخل المتمردون المدينة بسلام فقط إذا كان ~~كل العسكريين والعاملين الحكوميين قد غادروها. # قال لهما رئيس البلدية سيسيه: «يجب ألا نضحي بالسكان.» ثم أضاف: «يتعين عليكما ~~المغادرة الآن. إن لم تفعلا، فمن الذي سينقذنا؟» # لم تدم مقاومة القائدين العسكريين طويلا. فلم يكن ثمة شيء بوسعهم فعله، على أية ~~حال. كان المجلس العسكري في باماكو قد أصدر أوامره للقوات المالية بالانسحاب من قاعدتها ~~في جاو للحيلولة دون وقوع خسائر في أرواح المدنيين، وكان قد صدر حالا أمر لرتل تعزيزات ~~كان قد وصل إلى تمبكتو في الساعات الأولى من صباح اليوم بأن يتراجع صوب الجنوب. كان هذا ~~الآن عبارة عن انسحاب في حالة من الفوضى. ما الأمل الذي تركه ذلك للحامية، التي بالفعل ~~انهارت معنوياتها وأضعفتها حالات الانشقاق والفرار من الخدمة؟ استحضر مانجارا ذكرياته ~~قائلا: «في أعقاب الانقلاب لم تكن توجد قوات يمكن أن تدافع عن تمبكتو، على الرغم من ~~وجود الرغبة في ذلك.» وافق المحافظ على ترك المدينة. # أبلغ كبار ممثلي الدولة أنه يتعين عليهم أن يغادروا وأن يأخذوا معهم ما يمكنهم ~~أخذه. وعندما انتشر نبأ أن ممثلي الحكومة كانوا ينسحبون، بدأ الذعر يسري في ~~المدينة. # وفي ms042 صبيحة ذلك اليوم، كان القاضي متلهفا إلى الاستجابة إلى طلب مديره بأن ينقل كل ~~الأغراض القيمة من معهد أحمد بابا. ركب دراجته البخارية وانطلق مغادرا المنزل الذي ~~كان يسكن معه فيه زوجته، وطفلاهما الصغيران، وشقيقه في حي أباراجو في شمال غرب المدينة. ~~وبينما كان يقود دراجته البخارية عبر السوق صوب مبنى معهد أحمد بابا في شارع شيمنيتز، ~~رأى الناس يجرون في كل اتجاه، بعضهم من أجل أن يحملوا عائلاتهم ومتعلقاتهم في ~~الشاحنات، والحافلات، وسيارات الدفع الرباعي التي كانت تتجه جنوبا، وآخرون من أجل أن ~~يتركوا أطفالهم مع أصدقائهم أو أقاربهم الذين كانوا يعيشون في مناطق أكثر أمنا في ~~المدينة، بعيدا عن معسكر الجيش. وأينما كان القاضي يتوقف، كان يسمع الناس يتحدثون عن ~~أفضل الطرق للهروب. وعندما وصل إلى المعهد، أخذ الكمبيوتر المحمول الخاص به، وكاميرا من ~~طراز كانون، ومحرك أقراص صلبة كان يستخدمها لرقمنة المخطوطات، ووضعها في حقيبة، ثم قاد ~~دراجته البخارية عائدا عبر فوضى السوق إلى منزله، حيث ظل بقية اليوم. # كان إخوته في المملكة العربية السعودية، وبوركينافاسو، وكوت ديفوار يتصلون به على مدى ~~عدة أيام، يستحثونه للوذ بالفرار من الإرهابيين. ورغبت زوجته، فطومة، هي الأخرى في ~~المغادرة، لكن القاضي ارتأى أن لحظات الذعر هذه هي الأخطر، حيث إن ذلك هو الوقت الذي ~~يفقد فيه الناس صوابهم. قال لها إن الموقف سيستقر وإنها سترى ذلك. جلسا أمام ~~التليفزيون، يتنقلان بين قنوات الجزيرة، وفرنسا 24، وبي بي سي وورلد نيوز. أحيانا، ~~عندما كان يشتد قلقهما، كانا لا يشاهدان أي شيء على الإطلاق. # عندما مضى وقت ما بعد الظهر وحل المساء، أصبح الطريق جنوبا من تمبكتو مختنقا ~~بأناس يحاولون الهرب، فرارا نحو العبارة في كوريومي، والمعبر الصحراوي الطويل ~~المؤدي إلى دوينتزا والجنوب. غادر مانجارا ودامانجو في الساعة السادسة مساء. أما ~~العسكريون الآخرون الذين لم يتمكنوا من الهرب أو لم يرغبوا في ترك عائلاتهم في تمبكتو، ~~فهجروا معسكر الجيش وحاولوا الاختباء وسط السكان. وفي استعجالهم للفرار من قاعدتهم، ~~تركوا وراءهم متعلقاتهم وتجهيزاتهم: الماشية ms043، وأدوات الطبخ ، وأجهزة التليفزيون. وحيث ~~إنهم لم يتلقوا أوامر واضحة، تركوا أيضا مخزونهم الاحتياطي من الأسلحة ~~والذخيرة. # عند الغسق، ذهب إسماعيل ديادي حيدرة، مالك مكتبة فوندو كاتي، إلى سانكوري للقاء ~~أصدقائه، الذين كانوا يجتمعون هناك كل ليلة. كان يسيطر على المدينة الآن نوع من ~~«الذهان الاجتماعي»، حسبما تذكر إسماعيل، وهو رجل دمث الخلق يضع نظارة مستديرة صغيرة. ~~قال البعض إن المتمردين سيصلون في أي لحظة؛ بينما قال آخرون إن هذا غير صحيح، وإنهم لن ~~يأتوا أبدا. كان أشد ما يعتريهم هو الشعور بالعجز. فكر في ابنيه الصغيرين، اللذين ~~كانا معه في تمبكتو، وفي آلاف المخطوطات في المكتبة التي كانت في الناحية المقابلة من ~~منزله في حي هامابانجو الشرقي. # في الساعة السابعة مساء، عاد إسماعيل إلى البيت. وعندما خلد الابنان إلى النوم، ذهب ~~إلى المكتبة. كان قد نقل بالفعل بعضا من مخطوطاته إلى مخبأ، والآن بدأ ينقل بقيتها من ~~فوق الأرفف إلى خزائن. وجد من المستحيل أن يحدد الأولويات؛ «أي مخطوطات يمكنني أن ~~آخذ؟ وأيها سأترك لتتعرض للإتلاف؟ إن الأمر كما لو كنت تسأل والدا أن يختار من بين ~~أبنائه، من سينقذ ومن سيضحي به.» ظل يعمل حتى الساعة الحادية عشرة مساء، ثم مضى إلى ~~فراشه. وفي أنحاء تمبكتو رقد الناس مستيقظين، يصغون إلى أصوات المدينة وهي تخلو من ~~سكانها. ~~••• # كان الظلام لا يزال مخيما عندما غادر إسماعيل منزله في الصباح التالي ليتمشى على ~~الكثبان الرملية. كانت قد نمت لديه عادة تمضية ساعة عند بزوغ فجر كل يوم في التجول في ~~المدينة، مستنشقا هواء الفجر العليل، ومستقبلا أول ضوء شاحب، وبدء الحياة كل يوم. ~~كان الشارع خاليا من المارة وهو ينسل عبر باب الجدار الخارجي للمجمع السكني ويغادر ~~متجها نحو حافة المدينة. لم يكن قد مضى إلا بضع مئات من الخطوات عندما رآه أحد جيرانه. ~~قال له الرجل إن الخروج من المنزل ليس آمنا. قال إسماعيل محتجا: «إنني ذاهب للتمشية ~~لبعض الوقت»، لكن الجار كان لجوجا، فقرر أن يعود أدراجه. عاود ms044 الدخول إلى ساحة المنزل ~~بعد بضع دقائق، بينما بدأت الشمس تطلع. وعندما جاء ابنه ذو الأربعة عشر ربيعا خارجا ~~من المنزل للقائه، سمعا صوتا حادا لطلقتين من أعيرة نارية. ~~«أبي، هل سمعت ذلك؟ لقد جاء المتمردون.» # قال إسماعيل: «سمعته.» # كان هذا بعد الساعة السادسة صباحا بقليل. # بعد بضع دقائق، جعلت قعقعة الأعيرة النارية الناس يستيقظون مفزوعين في سائر أنحاء ~~تمبكتو. استيقظ ديادي حمدون معيجا، الذي كان نائبا سابقا لرئيس البلدية، في بيته في ~~ساراكينا، شرقي المدينة، على صوت رنين طلقات نارية «في كل مكان». في أباراجو، وجد ~~القاضي، الذي كان مستيقظا منذ الساعة الخامسة، أن طقسه اليومي الذي يشتمل على ~~الاستيقاظ، والصلاة، والاستماع إلى الأخبار، قد قاطعته أصوات فرقعة الأعيرة النارية. ~~قال له شخص ما إنه صوت طائرة، لكنه كان يعرف أنه لم يكن كذلك. # في منزل دياكيتي بالقرب من مسجد سيدي يحيى، كانت الأسرة قد استيقظت قبل الفجر على صوت ~~قرع متعجل على الباب. اندفع أحد الجيران، الذي كان رجلا عسكريا، داخلا دون أن يخلع ~~حذاءه أو يضع بندقيته. قال: «عليك أن تسعى لإنقاذ أسرتك.» وأضاف: «لقد تلقينا الأوامر ~~بأن نترك المدينة.» وغادر مجددا، ليتخلص من بندقيته ويغير ملابسه ليتخلص من زيه ~~العسكري، وبعد دقائق سمع دياكيتي صوتا سيتذكره بوضوح لأعوام تالية: صوت انطلاق أعيرة ~~نارية من سلاح آلي. # بعد أن قاد إسماعيل ابنه إلى الداخل، عاد إلى مدخل الباب. ومن نهاية الشارع أتى صوت ~~هدير مركبات، ثم مر ركب مسرعا، متجها إلى ميدان الاستقلال، ومبنى المحافظة، ومعسكر ~~الجيش. رأى آخرون رجالا مسلحون يصلون سيرا على الأقدام: سارت مجموعة في الطريق الرملي ~~لفندق بوكتو المنخفض ذي الطلاء الرمادي في الطرف الغربي للمدينة وبدءوا يطلقون النار ~~فوق رءوس عمال الفندق. سار الرجال داخلين إلى منطقة الاستقبال بالفندق، التي تحوي ~~طاولات الطعام الأنيقة والأرضية ذات اللونين الأحمر والأبيض كرقعة الشطرنج، ونهبوا ~~محتويات درج النقود، التي لم تكن سوى فرنكات تافهة تعادل خمسين دولارا، ثم طلبوا ~~مفاتيح سيارة اللاند كروزر الجديدة التي ms045 كانت واقفة في الواجهة، بجوار الحديقة المزروعة ~~بزهور ونكة مدغشقر الوردية. على عجل أحضر مالك السيارة المفاتيح، لكن سرعان ما اتضح أن ~~الرجال المسلحين لم يكونوا يعرفون كيفية قيادة السيارة. # مع تصاعد إطلاق الأعيرة النارية، أغلق الناس أبوابهم وحاولوا أن يبقوا أنفسهم ~~وأطفالهم هادئين. وأخذ البعض يصلي. أخذ إسماعيل ابنه وابنته إلى المكتبة، ثم أغلق الباب ~~وتابع المهمة التي كان قد بدأها في الليلة الماضية، وهي مهمة نقل مخطوطاته بعناية إلى ~~الخزائن. نزل آخرون إلى الشارع ليروا ما يحدث ووجدوا هرجا ومرجا. كان رجال مسلحون ~~ينطلقون في الجوار في شاحنات صغيرة، وهم يطلقون النار ويصيحون، بينما كان مدنيون يركضون ~~في كل الاتجاهات، والبعض يحاول أن يغادر المدينة بأي طريقة ممكنة: بالسيارات، أو ~~الدراجات البخارية، أو الحمير، أو حتى سيرا على الأقدام، رغم أن المسافة إلى أقرب طريق ~~مسفلت كانت 130 ميلا. # كانت الهيستيريا التي تسبب فيها الرجال المسلحون «شديدة»، على حد قول حوداي آغ ~~محمد، أحد المسئولين الحكوميين القلائل الذين لم يكونوا قد لاذوا بالفرار بعد. بدا له ~~الأمر أنه استراتيجية متعمدة لتخويف أي جنود ماليين باقين يريدون القتال، وقد كانت ~~ناجحة: عندما نزل إلى الشارع، وجد مجندين مغتمين يجاهدون لخلع ملابسهم العسكرية، ~~والتخلص من أسلحتهم، والعثور على مكان للاختباء. ومع اهتزاز حي سان فيل الجنوبي الذي ~~كان يعيش فيه جراء الانفجارات المتكررة، سارع بالعودة إلى منزله وصاح في أفراد أسرته ~~طالبا منهم أن يدخلوا غرفهم ويغلقوها عليهم لأن «الجحيم ليس ببعيد!» بعيد ذلك سمع ~~همهمة حديث خافتة تحت نافذة منزله ووجد مجموعة من الجنود كانت قد تسللت إلى مجمعه ~~السكني. توقعت زوجته معركة ضارية في داخل بيتهم، وقالت إنه لم يعد أمامهم ما يفعلونه ~~سوى انتظار ملاقاة حتفهم. إلا أن حوداي اقترب بحذر من الشباب، الذين عرضوا عليه أن يأخذ ~~عدة دجاجات وسياراتهم العسكرية ليعتني بها. رفض هداياهم وأقنعهم بدلا من ذلك أن ~~يختبئوا في منزل أحد جيرانه والذي كان قد غادر. # في سائر أنحاء المدينة كان الجنود يحاولون العثور ms046 على ملجأ لهم. ظهرت مجموعة منهم ~~على عتبة منزل إسماعيل. ظنا منه أن بنايته كانت بالفعل هدفا بما يكفي، بمكتبة ~~مخطوطاتها الشهيرة ووجود عمود هاتف على السطح، أقنعهم بأن يذهبوا إلى أي مكان آخر. أدخل ~~أشخاص آخرون جنودا إلى بيوتهم: رحب دياكيتي، الذي ظل ملازما أسرته، بعودة صديقه ~~العسكري، الذي كان حينئذ غير مسلح ويرتدي ملابس مدنية متمثلة في تيشيرت وبنطال. كان ~~سيبقى لعدة أيام، ومعه أحد زملاء دياكيتي وبعض الطلاب من المدرسة الفرنسية ~~العربية. # كانت عملية السلب والنهب، التي كانت قد بدأت في فندق بوكتو، حينئذ آخذة في الانتشار. ~~كان رجال الميليشيا يعرفون جيدا معسكر الجيش منذ الأيام التي تلقوا فيها تدريباتهم مع ~~القوات الحكومية، ولذا أخذوا يستولون على كل شيء تركه الجنود، من الثلاجات والكراسي إلى ~~الأسلحة وصناديق الذخيرة، ويحملون غنائمهم في شاحنات صغيرة وعلى دراجات بخارية ~~ويحملونها متوجهين صوب الصحراء. كانت سيارات الدفع الرباعي مكدسة عاليا لدرجة أن أحد ~~السكان شاهد صناديق القنابل اليدوية تسقط عنها، والمتفجرات تصطدم بالأرض وتتدحرج مثل ~~حبات المانجو الساقطة من شجرة. كانت السيارات من أهم أهداف اللصوص. اختفى صف من ~~سيارات الدفع الرباعي التي كان الجيش المالي قد أوقفها بجوار معسكر الجيش، وكذلك كان ~~حال معظم السيارات المملوكة للدولة وللمنظمات غير الحكومية. # في صباح ذلك اليوم، شاهدت فطومة هاربر، وهي مدرسة في المدرسة الفرنسية العربية، ~~شابا يتأهب للنهب. قال: «إذا اقتحموا البنوك فسأبحث عن حصتي من المال.» وأضاف: «وإلا ~~فالسلاح سيجدي نفعا.» انطلق صوب المعسكر. وبعد بضع دقائق، خارج أحد المساجد، دخل في ~~مشادة مع أحد المراهقين على بندقية مسروقة: كانا يتجاذبان إياها عندما ضغط الصبي على ~~الزناد وأرداه صريعا. # ما إن أخذ الرجال المسلحون قدر ما يمكنهم حمله، حثوا المارة على أخذ ما تبقى. رأى ~~إسماعيل أشخاصا يهرعون وهم يحملون قطع أثاث على رءوسهم. وحتى الأطفال الصغار كانوا من ~~ضمن الحشود التي مارست عمليات النهب. # في الساعة التاسعة صباحا، هز المدينة انفجار كبير. سمع القاضي «صوت انفجار هائل» ~~وركض إلى الفناء ms047 ليجد السماء ممتلئة بدخان أسود. شعر إسماعيل، الذي كان أكثر قربا من ~~معسكر الجيش، بأن المنزل يهتز. كان بوبكر ماهامان، أحد شيوخ المدينة والذي كان يلقب ~~«جانسكي» تيمنا بأحد نجوم كرة القدم في غرب أفريقيا في سبعينيات القرن الماضي، جالسا ~~في حديقة سطح منزله في السوق الكبير عندما سمع صوت التفجير. قال متأملا: «آه، أجل.» ثم ~~أضاف: «الآن بدأ الحفل حقا.» كان رجال مسلحون، وهم يحاولون كسر قفل مستودع ذخيرة في ~~المعسكر، قد أصابوا المتفجرات التي كانت بالداخل، وعندئذ أخذت القذائف تتطاير خارجا ~~في كل اتجاه، ودمرت أجزاء من سور المعسكر وسقطت على المنازل القريبة. انجرفت سحب دخان ~~وأبخرة كريهة الرائحة جنوبا مع هبوب النسيم، فجعلت الهواء في سان فيل يكاد يكون غير ~~صالح للتنفس. # فيما يتعلق بإسماعيل، كانت هذه هي أكثر لحظات اليوم مرارة، اللحظة التي أدرك فيها أن ~~المدينة قد سقطت. قال: «قلت لنفسي إنه لا يوجد ما يمكننا فعله؛ فكل شيء قد ضاع.» ~~••• # عندما رأى ديادي، نائب رئيس البلدية السابق، من الذي كان يطلق النار، أدرك على الفور ~~أنهم رجال الميليشيا العربية، قوة دلتا، وعرف أن تمبكتو قد تعرضت للخيانة. لم تكن ~~الحركة الوطنية لتحرير أزواد متخلفة عن الركب. وبناء على نصيحة من شقيقه، وهو ضابط ~~شرطة من ذوي الرتب العالية، اختبأ خليل وأسرته في الدور الأرضي لمنزله في السوق الكبير ~~عندما سمعوا صوت سيارة تتوقف في الخارج وطرقا على الباب. فتح الباب ليجد رجلا يرتدي ~~العمامة الثقيلة التي يلبسونها في عمق الصحراء. # قال المبعوث: «محمد آغ ناجم عند مدخل المدينة ويريد أن يقابلك فورا.» وأضاف: «لديه ~~بعض المعلومات المهمة جدا.» # أوضح له خليل أن الوقت ليس مناسبا، وربما يستطيع أن يعود في وقت آخر. لكن المبعوث ~~أصر، وبعد أن تطوع ابن خليل ذو الخمسة وعشرين ربيعا أن يرافقه، تبع المذيع المسن على ~~مضض المتمرد خارجا إلى الشارع. # مضوا بالسيارة خروجا عبر الفوضى - وهو مشهد وصفه جانسكي بأنه «يبدو مثل نهاية ~~العالم» - إلى جنوب المدينة، وكان خليل ms048 في حالة من الاهتياج المتزايد. وبالقرب من ~~الاستاد على طريق كابارا، وهم يمرون بمجموعة من الشاحنات الصغيرة الممتلئة برجال مسلحين ~~ملثمين في طريقهم إلى المدينة، طلب أن يعودوا قائلا: «إن لم تذهب بي إلى البيت، فسأخرج ~~من السيارة!» رفض السائق أن يتوقف، فاتصل خليل بآغ ناجم على الهاتف المحمول الذي كان قد ~~أعطاه رقمه على الكثيب خارج بر. # قال لقائد الحركة الوطنية لتحرير أزواد: «يجب أن أعود!» # قال آغ ناجم، وصوته يعلو على الضجيج الذي حوله، لخليل: «تعال لخمس دقائق.» ثم أضاف: ~~«لدي تصريح عاجل جدا أريد منك أن تذيعه.» # قال خليل: «أخي، لا أريد أن أقحم بين المطرقة والسندان! غدا أو بعد غد، عندما ~~تصبح الأمور أهدأ، يمكنك أن تتصل بي.» # وافق آغ ناجم، واستدار السائق عائدا أدراجه. # حينئذ كانت شاحنات الحركة الوطنية لتحرير أزواد تقوم بجولات مع الميليشيا العربية. ~~ومع أنه كان من الصعب على المرء أن يتبين رجلا مسلحا من آخر، كانت عربات الحركة ~~الوطنية لتحرير أزواد تحمل شعارات الاستقلال باللغة العربية وأحيانا علم الحركة ذا ~~الألوان الأخضر والأحمر والأسود والذهبي، الذي رفعه المقاتلون فوق مكتب رئيس البلدية، ~~ومبنى المحافظة، وقسم الشرطة، ومعسكر الجيش. تسارعت حينئذ وتيرة عمليات النهب إذ ~~تسابقت مجموعات المسلحين المختلفة بعضها مع بعض على الجوائز الأقيم: المكاتب ~~الحكومية، والمتاجر الكبيرة، والبنوك، والخدمات العامة. وحتى منزل المحافظ جرد مما ~~كان يحتويه من أغراض. # بحلول الساعة الواحدة بعد الظهر، كانت المدينة قد استنزفت. شاهد سيدو بابا كونتا، ~~وهو مرشد سياحي عاطل عن العمل ومعروف عالميا باسم باستوس، مجموعة من رجال الحركة ~~الوطنية لتحرير أزواد يصلون إلى البنك المقابل لمنزله ويبدءون في مداهمته ويطلقون ~~النار في الهواء بينما كانوا يفعلون ذلك. كانت زوجته وأطفاله السبعة في المنزل، لذا سار ~~عابرا الطريق. وقال للرجال المسلحين: «انهبوا البنك عن آخره، لا مانع عندي.» ثم أضاف: ~~«ولكن أيمكنكم أن تتوقفوا عن إطلاق النار في كل مكان؟» # استمرت دفعات من أسلحة صغيرة تقعقع عبر المدينة حتى المساء، مختلطة بالدخان الأسود ms049 ~~المنبعث من المعسكر المحترق. # في الساعة السادسة إلا أربع دقائق، وهو وقت تزامن مع هدوء في إطلاق النار، صدر تصريح ~~على موقع الويب «توماست للأنباء» التابع للمتمردين معلنا أن الحركة الوطنية لتحرير ~~أزواد قد وضعت للتو نهاية للاحتلال المالي لتمبكتو. الآن، على حد قولهم، كان علم ~~الحركة الوطنية لتحرير أزواد يرفرف في كل مكان في الإقليم. ~~••• # كان حيدرة على الطريق طيلة اليوم. وفي ليلة يوم السبت نام في موبتي، المدينة الرئيسية ~~في وسط مالي، وفي الصباح شق طريقه صوب تمبكتو. ترك سيارته في سيفاري - كان قد قيل له ~~إنه إن مضى بها أكثر من ذلك، فمن المرجح أن تسرق - وتابع طريقه مع سائقه بوسائل ~~النقل العام، ماضين عكس تيار اللاجئين والجنود المتجهين جنوبا. في دوينتزا، على بعد ~~130 ميلا من تمبكتو، حيث انحرف الطريق الرئيسي المؤدي إلى المدينة عن الطريق المرصوف ~~ومضى مجتازا الصحراء، وجدا عربة أجرة أدغال ذات دفع رباعي يمكن أن تأخذهما إلى معبر ~~النهر في كوريومي. بدا أنهما الشخصان الوحيدان المتجهان شمالا. # وصلا إلى العبارة في الساعة الواحدة بعد الظهر، ولكن قيل لهما إن العبور كان خطرا ~~للغاية: كان القتال على الضفة الأخرى في غاية الاحتدام. وهكذا مضيا مع مجرى النهر ~~مسافة قصيرة وقابلا في الطريق قارب صيد صغيرا. أخذهما صياد السمك إلى قرية هوندوبونجو ~~على الضفة الشمالية، حيث أجرى حيدرة اتصالا بصديق له في تمبكتو. # قال له صديقه: «يوجد إطلاق نار في كل مكان.» وحتى مع ذلك، إن انتظرا، فسيرى ما بوسعه ~~فعله. # في الساعة الرابعة عصرا، وصل الصديق في سيارة من طراز مرسيدس كان قد تمكن من أن ~~يقترضها. كان الخروج من المدينة صعبا؛ أما العودة إليها فكانت أصعب. تذكر حيدرة أنه ~~كل بضع مئات من الياردات كان يوقفهم رجال مسلحون يطلقون نيران أسلحتهم في الهواء عندما ~~يقتربون، وفي كل توقف كانوا يواجهون وابلا من الأسئلة. من هم؟ سيارة من هذه؟ لماذا ~~كانوا قادمين إلى المدينة؟ كيف وصلوا إلى هنا؟ أين السيارة التي جلبتهم إلى تمبكتو ms050؟ ~~استغرق الأمر منهم ساعتين لاجتياز ثمانية أميال إلى البوابة التي كانت علامة على مدخل ~~المدينة. # أثناء مضيهم بالسيارة دخولا إلى تمبكتو في الظلام تلقى حيدرة لمحة أولى عن الفوضى ~~التي كانت سائدة طيلة معظم اليوم: كان دوي إطلاق النار متواصلا، رغم أنه لم يستطع ~~حتى أن يحدد أي المجموعات كانت تطلق النار. هرول مسرعا إلى منزله في الجانب الشرقي، ~~والذي يوجد على مسافة قصيرة من مكتبته في هامابانجو، وأغلق الباب. # ولم يخرج مجددا طيلة أسبوع. # الفصل الرابع # | المستكشف الرابع # 1795-1820 # في الأول من مايو من عام 1797، كتب جوزيف بانكس رسالة قصيرة إلى صديقه المفوض الفرنسي ~~في لندن بينت بإيجاز موقف الرابطة الأفريقية. كانوا يرون أن مسألة إرسال مستكشفين ~~لاستكشاف المناطق الداخلية من أفريقيا هي أمر أصعب مما كانوا يأملون. كتب يقول: «لقد ~~فقدنا بالفعل ثلاثة رجال مؤهلين تأهيلا جيدا، دون أن نستجلي قدرا كبيرا من ~~الجغرافيا الداخلية للبلاد، لكننا ما زلنا مستمرين في عزمنا.» # في حقيقة الأمر، كان مستكشفان اثنان فقط قد «فقدا» على نحو بات. كان لوكاس قد ~~شد الرحال بعد ليديارد بوقت قصير، مغادرا إلى طرابلس في أغسطس من عام 1788، لكن ~~تمردا في جنوب ليبيا أعاق طريقه جنوبا وعاد سالما دون مغادرة ساحل البحر المتوسط. ~~بعد ذلك جاء العسكري الأيرلندي المثقل بالدين دانيل هوتون، الذي عرض أن يحاول الوصول ~~إلى الداخل من نهر جامبيا، والعثور على مدينة «تومبوكتو» الشهيرة، ثم اقتفاء المسار ~~المجهول لنهر النيجر؛ كل ذلك مقابل مبلغ إجمالي متواضع قيمته 260 جنيها إسترلينيا. ~~وافقت الرابطة بسرور على عرضه، وانطلق هوتون في رحلته في عام 1790. وفي الأول من سبتمبر ~~من العام التالي كتب رسالة قصيرة بالقلم الرصاص من سيمبينج، في مملكة لودامار ~~السودانية، يقول فيها إنه بصحة جيدة، ولم تصل عنه أي أخبار بعد ذلك مطلقا. # ومع ذلك، كان ثمة مستكشف رابع في المجال كان بانكس يأمل بشدة أن يكون الآن في طريق ~~عودته من «تومبوكتو». كان هذا الرجل هو الاسكتلندي ذا الخمسة والعشرين ربيعا مونجو ~~بارك، الذي كان ms051 في تلك اللحظة بعينها يشق طريقه بجهد جهيد نحو ساحل غرب أفريقيا بعد ~~رحلة دامت عامين فقد فيها كل شيء عدا قبعته المصنوعة من جلد القندس. ومع أن هذا يبدو ~~غير واعد، فسيتضح أن رحلة بارك كانت أعظم نجاح للرابطة الأفريقية، والتي وضعت نموذجا ~~جديدا للشخصية البطولية للرجل الأبيض في القارة السمراء والذي فيما بعد سيكون المقياس ~~الذي يقاس عليه المستكشفون اللاحقون. سافر بارك عبر أراض تعج ب «المور» القتلة ~~والحيوانات البرية الشرسة، دون سلاح تقريبا إلا جرأته البريطانية، وإيمانه الذي لا ~~يتزعزع، وتكوينه الجسماني الرائع. والأهم من كل ذلك أنه سيرجع حيا. # تلقى بارك، الذي كان ابن مزارع ثري، تدريبا ليصبح جراحا، لكن ما اجتذب اهتمام ~~بانكس إليه كان علم النبات. رتب له رئيس الجمعية الملكية أن يسافر إلى جزر الهند ~~الشرقية الهولندية للحصول على العينات، واستأجرته الرابطة الأفريقية بعد عودته ومعه ~~ثمانية توصيفات جديدة للأسماك السومطرية. كان شجاعا ومثابرا، حتى بعد إخباره باختفاء ~~هوتون؛ إذ كتب: «عرفت أنني كنت قادرا على تحمل المشقة، واعتمدت على شبابي وقوة تكويني ~~الجسماني ليحفظاني من تأثيرات الطقس.» # أبحر من بورتسموث في الثاني والعشرين من مايو من عام 1795، حاملا معه اعتمادا ~~مستنديا بقيمة 200 جنيه إسترليني وتعليمات تنص على «مواصلة الطريق حتى نهر النيجر، ~~عند الوصول إلى أفريقيا ... والتأكد من اتجاه ذلك النهر، وأيضا، إن أمكن، من منبعه ~~ومصبه»، ثم استخدام «قصارى جهده» لزيارة البلدات أو المدن الرئيسية المجاورة له، ~~وتحديدا «تمبكتو، وهوسة» مع أن هوسة، أو هوسا، لم تكن مدينة وإنما شعب. وباكتمال تلك ~~المهمات، يمكن لبارك أن يعود من أي طريق يختاره. # في الحادي والعشرين من يونيو، وصل المركب التجاري الصغير الذي كان يحمله إلى مصب نهر ~~جامبيا، ثم بدأ المركب يمضي ببطء عكس تيار النهر إلى جالية التجار الأوروبيين في ~~جونكاكوندا، حيث سيوصل البريد ويحمل بضائع شمع العسل والعاج. وجهت الدعوة إلى بارك ~~أن يقيم على بعد ستة عشر ميلا أخرى شرقا، في قرية بيسانيا، مع أحد معارف بوفوي، تاجر ~~الرقيق ms052 جون لايدلي . وهناك مكث ليتعلم لغة الماندينكا ويجمع أي معلومات يمكنه جمعها عما ~~يكمن أمامه في طريقه. بعد ثلاثة أسابيع تعرض لأول نوبة ملاريا وأصابه الهذيان، وطوال ~~معظم شهري أغسطس وسبتمبر أجبر أن يكون ملازما للمنزل، ممضيا «الساعات المملة» وهو ~~يستمع إلى الأصوات المروعة للعالم الغريب الذي كان على وشك أن يقدم على الخوض فيه: # يمضي الرحالة المرتعب الليل في الإصغاء إلى نقنقة الضفادع (التي كانت ~~أعدادها تفوق الخيال)، والصراخ الحاد لابن آوى، والعواء العميق للضباع؛ يا لها ~~من حفلة موسيقية كئيبة، لا يقطعها إلا هدير الرعد الهائل لدرجة لا يستطيع أي ~~شخص أن يستوعبها إلا أولئك الذين سمعوه! # كان من شأن الأشخاص أصحاب الهمم الأقل أن يستسلموا عند ذلك الحد، لكن بارك أظهر دوما ~~حماسا استثنائيا، وبحلول أوائل شهر ديسمبر، عندما كانت أشعة الشمس الحارقة قد حلت ~~محل الأمطار وانخفض منسوب النهر، شعر بعافية تكفي لأن يبدأ رحلته. غادر بيسانيا بصحبة ~~رجل معتق يسمى جونسون، والذي كان قد نقل يوما ما إلى جامايكا وإنجلترا، وأحد ~~عبيد منزل لايدلي، ديمبا، الذي تلقى وعدا بنيل حريته إذا عاد المستكشف حيا. كان ~~بحوزة بارك حصان؛ وتشكيلة صغيرة من الخرز، والعنبر، والتبغ للمقايضة؛ ومظلة؛ وقبعته ~~المصنوعة من جلد القندس. في الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم الثالث من ديسمبر من عام ~~1795، ترك رفاقه الأوروبيين وركب حصانه منطلقا نحو الغابات الأفريقية. عندئذ، كان ~~إدراكه للواقع الخطر قد حل محل حماسه لفكرة أن يصبح «مستكشفا»، تماما كما كان ~~الحال بالنسبة لليديارد، ولذا، كان في حالة مزاجية كئيبة وانطوائية: # كان أمامي الآن غابة لا حدود لها، وبلد، كانت الحياة المتحضرة غريبة على ~~سكانه، ولمعظمهم كان الرجل الأبيض محل فضول أو نهب. تذكرت متأملا أنني كنت قد ~~فارقت آخر أوروبي ربما تقع عليه عيناي، وربما أكون قد تخليت للأبد عن وسائل ~~الراحة التي يكفلها المجتمع المسيحي. # لم يدم قنوط بارك طويلا. فبحلول شهر فبراير كان قد ارتحل مسافة ثلاثمائة ميل إلى ~~الداخل، ووصل إلى مملكة كارتا، حيث ms053 أحسن الملك دايزي كوراباري استقباله. وبغية تجنب ~~اندلاع الحرب الوشيك بين دايزي وجاره مانسونج ديارا، ملك البامبارا، اتجه المستكشف ~~شمالا صوب لودامار، الأرض التي كان هوتون قد اختفى فيها. كان «المور» - وهو الوصف ~~الأوروبي الشامل لمسلمي شمال أفريقيا من البربر أو من ذوي الأصل العربي - يقطنون هذا ~~الإقليم، الواقع بالقرب من حدود مالي وموريتانيا الحاليتين، وكان من شأن تجربة بارك ~~هناك أن تمثل له علامة فارقة لبقية حياته. # في أيامه الأولى في لودامار عرف على الأقل المصير الذي كان قد آل إليه هوتون. كان ~~العسكري الأيرلندي قد دفع لبعض تجار المور مقابل أن يرشدوه للطريق إلى تمبكتو، حسبما ~~قيل لبارك، ولكن بعد يومين أصابه الارتياب من نواياهم وأصر على أن يعود أدراجه، ~~وعندئذ سرقه التجار وانطلقوا تاركين إياه دون طعام ولا ماء. وبعد أن سار هوتون أياما ~~عدة وصل إلى بئر، ولكن الناس الذين التقى بهم هناك رفضوا أن يعطوه أي طعام. كتب بارك ~~يقول: «ليس معروفا على وجه التحديد إن كان قد هلك جوعا، أو قتل على الفور على يد ~~المحمديين المتوحشين.» جر جسد العسكري إلى الغابة، وأطلع بارك على الموضع بالضبط ~~الذي كان قد ترك فيه ليهلك. # لم تثن هذه القصة البشعة بارك عن التعمق أكثر في لودامار، ولا تصريح جونسون بأنه ~~سيتنازل عن أي مطالبة بمكافأة في مقابل ألا يمضي قدما خطوة واحدة أبعد. منحه بارك ~~نسخا من أوراقه ليعود بها إلى نهر جامبيا وتابع طريقه مع ديمبا، لكنهما تعرضا ~~لمضايقات متزايدة من سكان الإقليم، الذين حاولوا استفزاز المستكشف بالفحيح والصياح فيه ~~والبصق على وجهه، وإخباره بأن كونه مسيحيا فمن حقهم سلب ما معه من متعلقات. وفي ~~السابع من مارس، دخلت مجموعة منهم الكوخ الذي كان يقيم فيه وقبضوا عليه. أخذوه إلى ~~بينوم، إلى مخيم علي، حاكم البلد؛ الذي كان رجلا «طاغية وقاسيا»، بحسب بارك. حبس علي ~~المستكشف وكإهانة إضافية له ربط خنزيرا خارج الكوخ الذي كان محتجزا فيه. بعد ذلك ~~عذب أتباع مخيم علي - الذين يعدون ms054 «أسوأ المتوحشين على وجه الأرض»، من وجهة نظر بارك ~~- كلا من الحيوان النجس والمسيحي من شروق الشمس وحتى غروبها: # هنا وجدت صفات الفظاظة، والوحشية، والتعصب، التي تميز المور عن بقية البشر، ~~شخصا مناسبا ليمارسوا عليه نزعاتهم. كنت «غريبا»، وكنت «بلا حماية»، وكنت ~~«مسيحيا»؛ وكل اعتبار من هذه الاعتبارات كاف لطرد كل شرارة إنسانية من قلب ~~الموري؛ لكن عندما امتزجت، كما في حالتي، في نفس الشخص، وساد الشك في أنني كنت ~~قد جئت بصفتي جاسوسا إلى البلد، سيسهل على القارئ أن يتخيل أنه، في موقف ~~كهذا، كان لدي كل الأسباب التي تدعوني إلى الخوف. # يمكن القول، بالنظر إلى سلوك الأوروبيين في المستقبل في أفريقيا، إن بارك كان ~~«بالفعل» جاسوسا، مع أنه كان من شأن بانكس أن يقول إن رحلته كانت تجري من أجل دافع ~~أنقى يتمثل في زيادة المعرفة البشرية. على أي حال، كانت هذه هي أسوأ فترة في حياة ~~الشاب، وستظل تطارده في أحلامه لأعوام لاحقة. بينما كان يعاني نوبات الملاريا، قيل له ~~بطرق مختلفة إنه سيعدم أو تقطع يده أو تفقأ عيناه، وتعرض لإعدام وهمي. حرم ~~من الطعام، وعندما حل موسم الحر وأصبح الماء شحيحا، صار يشرب الماء من حوض للماشية، ~~حيث خشي المسلمون من أن تسمم شفتاه المسيحيتان أوعية شربهم. وإذ لم يكن الأمر واضحا ~~له بالفعل، ففي أبريل، وصل شريف - وهو رجل زعم أنه ينحدر مباشرة من نسل النبي محمد ~~- إلى المخيم وفسر له سلوك قبائل الصحراء تجاه المسيحيين. كان الشريف قد قضى عدة ~~سنوات في تمبكتو وسأل بارك إن كان ينوي أن يسافر إلى هناك. وعندما أجاب بارك بأنه ينوي ~~ذلك، ما كان من الرجل إلا أن «هز رأسه، وقال إن هذا «غير مقبول»؛ وذلك لأنه كان ينظر ~~إلى المسيحيين هناك باعتبارهم أبناء الشيطان، وأعداء النبي.» # من الواضح، مع ذلك، أن الشريف أشفق على الاسكتلندي الشاب وأخبره بموقع المدينة ~~الأسطورية. ومن أجل أن يبلغها، كان عليه أولا أن يسافر إلى والاتا، على مسيرة عشرة ~~أيام، وكانت ms055 تمبكتو تبعد عنها مسيرة أحد عشر يوما أخرى. سأله بارك مرارا وتكرارا عن ~~الاتجاه الذي تقع فيه المدينة، ودوما كان الشريف يشير إلى جهة الجنوب الشرقي، دون أن ~~يغير الاتجاه مطلقا قيد أنملة. # في أواخر يونيو من عام 1796، بعد ثلاثة شهور في الأسر، تمكن بارك من الهرب، وإن كان ~~قد تعين عليه أن يترك وراءه ديمبا، الذي كان قد أخذ ضمن جيش عبيد علي. سافر بارك عبر ~~السافانا، مختبئا من مجموعات «المور»، ودنا من نهر النيجر بالقرب من سيجو عاصمة أمة ~~البامبارا. وفي العشرين من يوليو أخبره رفقاؤه في السفر أنه سيرى النهر العظيم نفسه في ~~اليوم التالي. كان متحمسا للغاية لدرجة أن النوم قد جافاه وأسرج حصانه قبل أن يطلع ~~النهار، لكن بوابات القرية التي كان يقيم فيها كانت تبقى موصدة ليلا لإبعاد الأسود ~~عنها، وانتظر بفروغ صبر أن يطلع الفجر. وأخيرا فتحت البوابات، وبعد ساعتين من السفر ~~أبصر جائزته: # بينما كنت أنظر حولي بتلهف بحثا عن النهر، صاح أحد [رفقائي]: «انظر إلى ~~الماء»؛ وإذ نظرت أمامي، رأيت بسرور لا حد له الهدف العظيم لمهمتي؛ نهر ~~النيجر المهيب الذي طال السعي إليه، يتلألأ تحت أشعة شمس الصباح، في اتساع نهر ~~التيمز عند وستمنستر، ويتدفق ببطء «في اتجاه الشرق». # كان قد أصبح أول مستكشف أوروبي تقع عيناه على نهر كان وجوده مصدرا للتكهنات منذ زمن ~~هيرودوت. لم يفاجئه أن يجد أنه يتدفق في اتجاه شروق الشمس - في الاتجاه المضاد لذلك ~~الذي اعتقده علماء الرابطة الأفريقية - إذ كان ذلك ما قاله له كثير من الناس الذين ~~قابلهم. أما عن مصبه، فحتى التجار الذين سافروا فيه لم يكن يبدو أنهم يعرفون في أي موضع ~~يبلغ البحر، لكنهم فقط قالوا إنهم يعتقدون أنه يجري «إلى نهاية العالم.» # هرع إلى حافة النهر، وشرب بعضا من مائه، ثم صلى صلاة شكر حارة إلى الرب لأنه كلل ~~مساعيه بالنجاح. # على الضفة البعيدة كانت توجد سيجو، العاصمة العظيمة لأمة البامبارا، التي شكلت ~~احتمالا لوجود «حضارة وعظمة» من ms056 نوع لم يكن بارك يتوقع أن يجده في أفريقيا. نقل نبأ ~~وصوله إلى ملك البامبارا، لكن مانسونج كان متشككا في بارك ورفض أن يسمح له بالدخول، ~~لذا التمس المستكشف مأوى في قرية قريبة. وطوال اليوم انتظر تحت شجرة، وهو المكان ~~التقليدي الذي يجلس فيه الغرباء حتى يتقدم مضيف ويستضيفهم، لكن أهل القرية نظروا إليه ~~بدهشة وخوف ورفضوا أن يضيفوه. عند الغسق كان جائعا وقلقا: كانت الريح تتصاعد، ~~والمطر ينذر بالهطول، وكان وجود الوحوش البرية الكثيرة في المنطقة يعني أنه سيتعين عليه ~~أن يحاول النوم على أفرع الشجرة. أخيرا ضيفته امرأة عائدة من عملها في الحقول، ~~وأعطته ماء، وسمكة حلوة المذاق جدا لعشائه، وحصيرة لينام عليها، وبينما كان يستريح، ~~كانت الفتيات في الأسرة يغزلن القطن ويغنين تكريما له أغنية حلوة وحزينة تأثر بها ~~وسجلها: # هدرت الرياح، وهطلت الأمطار. # الرجل الأبيض البائس، الضعيف والخائر القوى # جاء وجلس تحت شجرتنا. # إنه لا أم له لتحضر له لبنا، # ولا زوجة لتطحن له الذرة. # الجوقة: # هيا نشفق على الرجل الأبيض؛ # فلا أم له. # ربما بسبب ما كان قد عاناه بارك في مخيم علي، كان متأثرا بشدة بهذا ~~التصرف الكريم. فبعد ستة شهور من التهديد والتوتر، أطلق كرم هذه المرأة العنان لعاطفة ~~قوية لديه. كتب قائلا: «كان الموقف مؤثرا لأقصى درجة.» ثم أضاف: «أسرني ذلك اللطف غير ~~المتوقع؛ وطار النوم من عيني.» كان هذا واحدا من كثير من أعمال الخير التي أظهرت ~~نحوه في غرب أفريقيا، ونموذجا للمعاملة التي تلقاها من النساء. كتب متذكرا: «لا أذكر ~~حالة واحدة من القسوة نحوي من النساء.» ثم أردف: «في كل تجوالي هائما على وجهي وبؤسي، ~~وجدتهن عطوفات ورحيمات على وتيرة واحدة.» # عندما وصلت كلمات فتيات البامبارا إلى بريطانيا، أصبحت موضع فضول وسرور. كانت «مشاعر ~~بسيطة وشجية»، حسبما قال البعض، لكنها أظهرت أن بوسع هؤلاء الوثنيين أن يظهروا ~~إنسانية اعتقد كثيرون أنها حكر على المسيحيين. تأثرت المؤلفة والناشطة السياسية ~~جورجيانا كافنديش، دوقة ديفونشاير بهذه الكلمات وأعادت نظمها في قصيدة مقفاة ms057، ~~ولحنتها: # امض ، أيها الرجل الأبيض، امض؛ ولكن احمل معك # مرتجى الزنوج، وصلاة الزنوج، # وذكرى رعاية الزنوج. # في الصباح، منح بارك مضيفته الأشياء الوحيدة ذات القيمة التي كان لا ~~يزال يمتلكها: زرين نحاسيين من صدريته. ~~••• # راجع بارك الآن تعليماته التي كانت واضحة، ولكنها ملحة. كان قد حقق واحدا من ~~الأهداف الرئيسية التي حددتها له الرابطة الأفريقية، وهو: العثور على نهر النيجر وتحديد ~~اتجاهه. ما تبقى - بصرف النظر عن الطلب المستحيل بأن يكتشف أيضا منبع النهر ومصبه - ~~كان مهمة استخدامه «قصارى جهوده» لزيارة المدن والبلدات الواقعة على امتداده، وبخاصة ~~تمبكتو. كان هذا هو الهدف الذي شرع بارك في تحقيقه. تتبع مسار النهر مسافة مائة ميل ~~في اتجاه الشمال الشرقي، وصولا إلى سيلا في نهاية يوليو. وهناك، تغلب عليه أخيرا ~~الإرهاق الناتج عما بذله من جهود. كتب يقول: «كنت مرهقا بسبب المرض، ومنهكا بسبب ~~الجوع والمشقة، وشبه عار، وليس معي أي غرض ذي قيمة يمكنني أن أدبر به مؤنا، أو ~~ثيابا، أو مأوى.» وفوق كل ذلك أدرك أنه كان متجها على نحو أعمق في منطقة أولئك ~~«المتعصبين العديمي الرحمة»؛ المور. وخوفا من أنه إن قتل فستموت اكتشافاته معه، ~~قرر أن يعود أدراجه، لكنه كان عليه أولا أن ينتزع من تجار سيلا كل المعلومات التي ~~يستطيع انتزاعها عن تمبكتو، «الهدف العظيم للاستكشاف الأوروبي»، والتي قيل له إنها تقع ~~على مسافة أبعد في اتجاه الشمال الشرقي. مما لا شك فيه أن أسئلة بارك ركزت على ~~مضطهديه، وقيل له بحق إن المدينة كانت مليئة بالمسلمين الذين كانوا «أشد قسوة وعدم ~~تسامح في مبادئهم من أي من القبائل المورية الأخرى في هذا الجزء من أفريقيا.» ذكر رجل ~~أسود مسن، كان في زيارته الأولى لتمبكتو، كيف أن المالك في نزله كان قد بسط حصيرة على الأرض ~~ووضع عليها حبلا، قائلا: «إن كنت مسلما فأنت صديقي، واجلس؛ ولكن إن كنت كافرا، ~~فأنت عبدي، وبهذا الحبل سأقتادك إلى السوق.» # ومع ذلك، إن كان بمقدور أي أحد أن يتغلب على هذه ms058 الصعوبات، فإن الجوائز ستكون عظيمة، ~~حيث بدا أن استفسارات بارك عن ثراء المدينة تؤكد الشائعات: # الملك الحالي لتمبكتو يسمى أبو أبراهيما؛ ويقال إنه يمتلك ثروات هائلة. ~~ويقال إن زوجاته ومحظياته يلبسن الحرير، وإن كبار رجال الدولة يعيشون في ~~أبهة كبيرة. كل نفقات حكومته تحمل، حسب ما قيل لي، على ضريبة على السلع، ~~تجبى على بوابات المدينة. # بعدما انتهت أبحاثه، عاد بارك المنهك إلى الوطن. سافر بحذاء نهر النيجر في اتجاه ~~الجنوب الغربي إلى باماكو، التي كانت في ذلك الوقت أكبر قليلا من قرية، حيث ترك النهر ~~العريض ليمضي غربا نحو الساحل. كان الوقت هو الموسم المطير وكان السفر صعبا: تعين ~~عليه ثلاث مرات أن يسبح في خضم مجار مائية فائضة، وهو يدفع حصانه أمامه، ودفتر يومياته ~~مدسوس في قمة قبعته. وعلى بعد مسافة قصيرة من باماكو، سلبه اللصوص الأشياء القليلة ~~التي كانت باقية بحوزته، ولم يعيدوا له إلا أسوأ قمصانه وبنطالا، لكنه أبى أن ييأس، ~~وأمر كبير القرية التالية أحد خدمه أن يعثر على ملابسه وحصانه وأن يعيدهما إليه. ~~أعطاه بارك الحيوان الهزيل على سبيل الشكر، قبل أن يتابع طريقه بجهد جهيد إلى بلدة ~~كاماليا الصغيرة. بحلول ذلك الوقت كان في وضع خطر: كان محموما، وأحد كاحليه مصاب مما ~~يعني أنه لم يكن بوسعه إلا أن يمشي وهو يعرج، ولم يكن معه طعام أو أغراض ليقايض بها. ~~كان أمامه خمسمائة ميل أخرى إلى بيسانيا، وسرعان ما سيمضي به طريقه عبر براري جالونكادو ~~الكئيبة، حيث كان يوجد المزيد من الأنهار الخطرة التي كان سيتعين عليه أن يعبرها ولا ~~مأوى لخمسة أيام. كتب يقول: «كدت أن أحدد المكان الذي كان محكوما علي فيه ... ~~بالهلاك.» # في كاماليا، حالف الحظ بارك بأن يصادف حسن ضيافة مثالية أخرى. # أبصر مجموعة من الناس ينصتون إلى رجل يقرأ من نص باللغة العربية. لاحظ القارئ، ~~الذي كان تاجر رقيق يسمى كارفا تورا، بارك وسأله بابتسامة إن كان قد فهم ما كان ~~مكتوبا في الكتاب. لم يكن بارك يقرأ ms059 العربية، لذا طلب تورا من أحد رفقائه أن يأتي ~~بمجلد صغير كان قد جلب من الغرب. عندما فتحه بارك، وجد أنه كان «كتاب الصلاة ~~المشتركة». شعر الرجلان بسعادة غامرة في تلك اللحظة - كان ما أسعد تورا هو حقيقة أن هذا ~~الغريب ذا الأسمال البالية يستطيع قراءة الكلمات الإنجليزية التي لم يكن بوسع أي أحد ~~آخر أن يفهمها؛ أما ما أسعد بارك فقد كان اكتشاف نص مسيحي ب «اللغة الإنجليزية» في ~~غرب أفريقيا - ونشأت رابطة فورية بين الرجلين. عرض تورا أن يوفر لبارك مسكنا مجانا ~~حتى ينتهي الموسم المطير، وقال إنه سيرشده بعد ذلك إلى نهر جامبيا مع مجموعة العبيد ~~التي كان سيأخذها إلى الساحل. وقبل بارك عرضه. بعد ثلاثة أيام شعر بإعياء شديد لدرجة ~~أنه لم يستطع السير، وظل في كاماليا طيلة الشهور السبعة التالية، وأخذ يسجل ملاحظات ~~عن الحياة في المدينة عندما بدأ يسترد عافيته. أثناء هذا الوقت أصبح أول أوروبي يسجل أن ~~المخطوطات كانت تستخدم في الداخل الغرب أفريقي. # عندما رحل تورا في رحلة عمل، ترك بارك في رعاية معلم مسلم يسمى فانكوما، والذي كان ~~يمتلك عددا كبيرا من المخطوطات. كان قد عرض على بارك وثائق مماثلة في أماكن أخرى ~~أثناء أسفاره، لكن الآن كان لديه الوقت ليناقشها بتفصيل: # مستعلما من المعلم حول الموضوع، اكتشفت أن بحوزة الزنوج (من ضمن مخطوطات ~~أخرى) نسخة عربية من «بانتاتيك موسى» [الأسفار الخمسة الأولى من العهد ~~القديم]، والتي يطلقون عليها «توراة موسى». هذا الكتاب ذو قيمة كبيرة حتى إنه ~~عادة ما يباع بقيمة عبد من النخبة. # كان لدى السودانيين أيضا نسخ من المزامير ومن سفر إشعياء، وكانت تحظى بتقدير ~~كبير، واكتشف بارك أن أناسا كثيرين في كاماليا كانوا يعرفون قصص العهد القديم؛ وفي ~~ذلك قصص آدم وحواء، ومقتل هابيل، وطوفان نوح، وسيرة حياة إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وقصة ~~يوسف وإخوته، وقصص موسى وداود وسليمان. وأصيب بالدهشة عندما وجد عددا من الناس الذين ~~كان بوسعهم أن يسردوا عليه هذه القصص بلغة الماندينكا، وأذهلهم أن ms060 يكتشفوا أنه كان هو ~~الآخر يعرفها. # استخدم فانكوما مخطوطاته لتعليم السبعة عشر صبيا والبنتين الذين كانوا في مدرسته. ~~كان الصبية يتعلمون في الصباح والمساء ويؤدون الواجبات المنزلية لمعلمهم أثناء اليوم، ~~وكان ذلك أثناء ما كان يعلم البنات. كان التلاميذ يتعلمون قراءة القرآن وتلاوة عدد من ~~الأدعية، وعندما يصبحون جاهزين، كانت وليمة تعد ويجتاز التلميذ اختبارا، أو «[يأخذ] ~~درجته»، على حد تعبير بارك. حضر المستكشف ثلاثة من هذه الاحتفالات، واستمع بغبطة إلى ~~«الإجابات المميزة والذكية» التي أجاب بها كل واحد من التلاميذ. وعندما يصبح الممتحنون ~~راضين، كانت الصفحة الأخيرة من القرآن توضع في يد التلميذ، ويطلب منه أو منها أن ~~تتلوها جهرا. وأخيرا كان كل العلماء ينهضون، ويصافحون كل واحد من التلاميذ ويسبغون ~~على كل واحد منهم لقب «بوشرين» أو عالم. # كان آباء الصبية يعطون المعلم عبدا أو السعر المعادل لذلك عند تخرج أطفالهم. (لم ~~يقل بارك إن كان نفس الأمر ينطبق على الفتيات أم لا.) ذكر بارك أن هذا كان يحدث دوما ~~إذا كان بمقدور الآباء تحمل تكلفته، وإلا يظل الصبي بمثابة الخادم المنزلي للمعلم إلى ~~أن يتمكن من جمع أموال كافية ليفتدي نفسه بها. ومع أن التلاميذ كانوا يتلقون تعليما ~~إسلاميا، فقد ذكر بارك أن معظم تلاميذ فانكوما لم يكونوا مسلمين، وأن هدف آبائهم من ~~إدخالهم المدرسة كان يتمثل فقط في تعليم أطفالهم. لم يكن وجود مدرسة في كاماليا أمرا ~~غير مألوف. إذ كان قد لاحظ أنه «كان ثمة تشجيع ... يولى للتعلم (على علاته) في ~~أنحاء كثيرة من أفريقيا.» # بعد كتابة هذه الملاحظات عن هذا النظام التعليمي الأفريقي الذي كان سائدا في القرن ~~الثامن عشر، غادر بارك كاماليا في أبريل من عام 1797. سافر مع قافلة تورا المكونة من ~~خمسة وثلاثين عبدا، الذين كان بعضهم قد بقي مكبلا بأغلال حديدية لسنوات وكان بالكاد ~~يستطيع السير، ولكنهم كانوا الآن في طريقهم إلى حياة بائسة في الأمريكتين أو إلى ميتة ~~مريعة أثناء نقلهم. استغرق الأمر شهرين لعبور الأميال «المملة والمرهقة». وعندما ~~اقتربوا ms061 من بيسانيا ، التقى بارك بامرأة تتحدث الإنجليزية والتي كانت تعرفه قبل أن ~~ينطلق في رحلته لكنها حينئذ ظنت خطأ أنه مسلم. عندما أخبرها بهويته، نظرت إليه ~~«بدهشة عظيمة، وبدت غير مستعدة للإقرار بما شهدت به حواسها.» كان قد قيل لتجار نهر ~~جامبيا منذ وقت طويل إن بارك قد أردي قتيلا في لودامار، ولم يتوقعوا أبدا أن يروه ~~مجددا. ~~••• # بلغ بارك فالموث قبل أعياد الميلاد المجيد لعام 1797 مباشرة، بعد غياب عن إنجلترا ~~دام لعامين وسبعة شهور. ابتهجت بريطانيا باكتشافاته، وكان الأكثر ابتهاجا بها هم أعضاء ~~الرابطة الأفريقية، الذين صار لديهم أخيرا ما يحتفلون به. كان بوفوي قد توفي سنة 1795، ~~لذا أعد المستكشف سردا لرحلته مع سكرتير الرابطة الجديد، براين إدواردز. نشر كتاب ~~«أسفار في المناطق الداخلية لأفريقيا» الذي تضمن خرائط جديدة رسمها رسام الخرائط ~~البارز جيمس رينيل، في عام 1799. كان الكتاب عبارة عن قصة مغامرات واقعية، أعطى فيها ~~بارك القراء الأوروبيين أول سرد صحيح عن بلاد السودان وشعبها، وسرعان ما صار من الكتب ~~الأكثر مبيعا. وأصبحت تمبكتو ونهر النيجر حديث أوروبا. # كانت الرابطة الأفريقية قد نمت نموا هائلا في العقد الذي مضى منذ تأسيسها. في ~~الخامس والعشرين من مايو من عام 1799، التقى أعضاؤها في حانة «ستار آند جارتر» في شارع ~~بول مول، حيث هنأ بانكس الجمع على كتاب بارك، «الذي تلقاه الجمهور بقبول حسن.» وفي ~~حين أنه لم يكن قد أحسن اختيار لوكاس وهوتون، فقد أظهر بارك «قوة لبذل الجهود، ~~وبنية جسدية تتحمل المشقة، ورباطة جأش قادرة على تحمل الإهانات بصبر، وشجاعة للاضطلاع ~~بمجازفات خطرة، وحسن تقدير لوضع حدود لجهوده عندما كان من المحتمل أن تكون الصعوبات ~~التي واجهها مستعصية.» # كان موقف أوروبا تجاه أفريقيا قد تغير في العقد الذي مر منذ أنشأ نادي السبت ~~الرابطة. كانت بريطانيا وفرنسا في خضم سلسلة طويلة من الحروب، وكان نابليون قد احتل مصر ~~ليحاول تهديد المصالح البريطانية في الهند. كان ثمة قيمة استراتيجية لركن واحد على ~~الأقل من القارة الأفريقية، وتحدث بانكس، الذي عمل ms062 دوما على تعزيز مصالح الأمة، ~~صراحة الآن عن استغلال معلومات بارك الجديدة من أجل الربح، وذلك بالوسائل العسكرية. ~~كان بارك قد فتح «بوابة على الداخل الأفريقي»، حسبما قال بانكس، يمكن «لكل أمة» أن ~~تدخل من خلالها وتوسع تجارتها. وأضاف: «عن قريب ستجعل فصيلة من 500 من الجنود ~~المختارين ذلك الطريق ميسورا، وستبني موانئ على [نهر النيجر] - إذا ركب 200 من هؤلاء ~~سفينة ومعهم قطع حربية ميدانية فسيكون في مقدورهم التغلب على كل القوات التي يمكن ~~لأفريقيا أن تجلبها في مواجهتهم.» وبالاستعانة بالتكنولوجيا الأوروبية، يمكن تلقين ~~«المتوحشين الجهلة» المنتمين إلى الداخل الأفريقي كيفية التنقيب عن ذهبهم بطريقة أفضل، ~~وسيكون من المرجح أن تزيد قيمة العائد السنوي، التي قدرها بأنها حاليا مليون جنيه ~~إسترليني، بمقدار مائة ضعف. # وضع الاجتماع مذكرة لتقديمها للجنة المجلس الملكي الخاص للتجارة والمزارع، محددا ~~أجندة استعمارية صريحة. نصحوا بأن «أول خطوة للحكومة يجب أن تتمثل في أن تؤمن ~~للتاج البريطاني، إما بالغزو أو بالمعاهدات، سائر ساحل أفريقيا من أرجين إلى سيراليون؛ ~~أو على الأقل أن تحصل على تنازل عن نهر السنغال.» # تزوج بارك في ذلك العام وعاد إلى اسكتلندا ليعمل طبيبا، لكن العمل لم يناسبه ~~وسرعان ما اشتاق إلى العودة إلى أفريقيا. أخبر الكاتب الروائي والشاعر السير والتر سكوت ~~أنه كان يعاني من خلل عصبي كان يجعله يستيقظ فجأة ليلا معتقدا أنه ما زال سجينا في ~~خيمة علي في لودامار. عندما عبر سكوت عن استغرابه من أنه لا يزال يريد العودة إلى ~~القارة، أجاب بارك قائلا «إنه يفضل أن يواجه أفريقيا وكل أهوالها عن أن يضيع حياته في ~~جولات طويلة وشاقة بحصانه عبر تلال اسكتلندا، والتي كان مقابلها كافيا بالكاد للحفاظ ~~على تماسك الروح والجسد.» # بحلول موسم شتاء عامي 1803-1804، كانت وزارة الحرب وشئون المستعمرات تناقش إرسال قوة ~~عسكرية لاحتلال تمبكتو، بعدما تزايد قلقها من المحاولات الفرنسية للسيطرة على غرب ~~أفريقيا. في النهاية اتفق على إعادة إرسال أنجح مستكشفي الرابطة الأفريقية مع فصيلة ~~صغيرة من الجنود. أبحرت حملة بارك الاستكشافية الثانية ms063 هذه من إنجلترا في الثلاثين من ~~يناير من عام 1805، وكلفت بأن تتبع مسار نهر النيجر «إلى أقصى مسافة ممكنة يمكن ~~تتبعه إليها.» # إن كان العامل الرئيسي لنجاح رحلته الأولى هو طبيعتها التي لم تكن تشكل تهديدا - ~~مدعومة بلطف مضيفي بارك، وقليل من الحظ الحسن، وقوة احتمال شخصية هائلة - فقد كانت ~~الحملة الثانية تستهدف القتال. مضى بارك برتبة نقيب، وراتب 5000 جنيه إسترليني، و5000 ~~جنيه إسترليني أخرى للنفقات، وفريق يضم خمسة وأربعين فردا، يشمل سرية من الجنود، ~~وبحارة، ونجارين، وزوج أخته ألكسندر أندرسون، وصديقا من سيلكيرك، هو جورج سكوت. جند ~~الجنود من جوري، وهي جزيرة قبالة ساحل السنغال كان الإنجليز قد استولوا عليها مؤخرا من ~~الفرنسيين، لذا كانوا متأقلمين جزئيا مع غرب أفريقيا، لكن المرض ظل يودي بحياتهم ~~بسرعة في الداخل. وبحلول وقت بلوغهم باماكو، كان واحد وثلاثون من الأوروبيين قد لقوا ~~حتفهم. لكن الرهان على بارك كان أعلى من أي وقت مضى، وتابع طريقه بتصميم. بلغ ~~سانساندينج في أكتوبر، حيث بنى مركبا شراعيا طوله أربعون قدما وأطلق عليه اسم قارب ~~صاحب الجلالة «جوليبا»، وهو اسم نهر النيجر بلغة الماندينكا. واستأجر مرشدا، هو أمادي ~~فطومي، واشترى ثلاثة بحارة عبيد للمساعدة في تشغيله، ولكن بحلول وقت استعدادهم لمغادرة ~~سانساندينج لم يكن باقيا إلا خمسة أوروبيين، وكان أندرسون وسكوت قد توفيا. # لا بد أن الناجين بحلول ذلك الوقت كانوا يعرفون أنه من غير المحتمل أن تكتب لهم ~~النجاة في المنطقة الداخلية، وأصاب اضطراب عقلي واحدا من الجنود على الأقل. ومع ذلك، ~~لم يكن أي شيء سيجعل بارك يحيد عن مساره. أبلغ لندن في برقيته الأخيرة أن لديه «تصميما ~~راسخا على أن يكتشف نهاية نهر النيجر أو أن يهلك دون ذلك»، مضيفا أنه إن فقد حياته ~~فعلا، فعلى الأقل سيموت في النهر. أبحر قارب صاحب الجلالة «جوليبا» في نوفمبر من عام ~~1805، وانقطعت أخبار بارك بعد ذلك للأبد. # استغرق الأمر من الحكومة البريطانية ستة أعوام حتى تكتشف ما حدث. في عام 1811، تعقب ~~واحد من مرشدي بارك ms064 السابقين فطومي، الذي كان قد كتب روايته عن الأيام الأخيرة للحملة ~~الاستكشافية باللغة العربية. كان القارب «جوليبا» قد أبحر مع تيار النهر مسافة 1500 ~~ميل، واختار بارك، الذي كانت تجربته مع «المور» لا تزال تطارده، ألا يرسو حتى يبلغوا ~~الساحل. وكلما واجهوا تهديدا كانوا يشقون طريقهم خلاله وهم يطلقون النار، ومع انتشار ~~الأنباء عن عدوان المسيحيين، كذلك انتشرت المقاومة في طريق تقدمهم. لا تذكر رواية ~~فطومي البسيطة عن مرور «جوليبا» بتمبكتو سوى تلميحات عن الأيام الأخيرة للطاقم الذي ~~أنهكته الأمراض بينما كان أفراده على شفير الجنون: # وصلنا إلى [كابارا]؛ ولدى مروري بها، جاءت ثلاثة زوارق صغيرة لتعترض طريقنا، ~~فدرأناها بالقوة كما في السابق؛ ووصلنا إلى [تمبكتو]؛ ولدى مرورنا بها تعرضنا ~~من جديد لهجوم من ثلاثة زوارق صغيرة أخرى، ودرأناه؛ ومررنا [بجورما]، وبعد ~~مرورنا بها [جاءت] سبعة زوارق صغيرة في إثرنا، وبالمثل درأنا هجومها؛ وفقدنا ~~رجلا أبيض، بسبب المرض؛ بعد ذلك لم يكن على متن [«جوليبا»] سوى أربعة رجال ~~بيض، وأنا، وثلاثة عبيد كنا قد اشتريناهم، أي إن عددنا مجتمعين كان ثمانية؛ ~~وكان لكل واحد منا 15 بندقية مسكيت، ملقمة جيدا، وجاهزة دوما للقتال ... جاء في ~~إثرنا [ستون] زورقا صغيرا، فدرأنا هجومها بعد أن قتلنا كثيرا من السكان ~~الأصليين، وهو ما كنا قد فعلناه في كل اشتباكاتنا السابقة. # في هذا القتال الأخير كان واحد من الجنود القليلين الباقين على قيد الحياة، وهو ~~الملازم جون مارتين، في حالة تعطش وحشي للدماء وأخذ يطلق طلقات كثيرة لا داعي لها حتى ~~إن فطومي أمسك بيديه وحاول أن يكبح جماحه. وقال لمارتين: «لقد قتلنا ما يكفي.» ثم أضاف: ~~«فلنتوقف عن إطلاق النار!» حول الجندي غضبه إلى المرشد، لكن بارك تدخل لينقذه. # بجهد هائل نابع من الإرادة، بلغ المركب الدموي بلدة يلوا، في نيجيريا المعاصرة، في ~~أوائل عام 1806، حيث غادرهم فطومي. كانوا على بعد خمسمائة ميل فقط من دلتا نهر النيجر، ~~حيث يصب نهر النيجر في خليج غينيا، لكنهم لن يصلوا لأبعد من ذلك. مباشرة فوق شلالات ~~بوسا ms065 شديدة الانحدار، تعرضوا لهجوم من ضفة النهر. انجرف المركب نحو ضفة النهر، وقفز ~~بارك والأوروبيون الثلاثة الباقون إلى النهر، حيث غرقوا جميعا. ~~••• # بحلول عام 1820 كانت الحكومة البريطانية قد أخذت على نحو متزايد تضطلع بدور الرابطة ~~الأفريقية في استكشاف القارة. كان نفوذ الرابطة قد تضاءل وكذلك عدد أعضائها، من خمسة ~~وسبعين عضوا في عام 1810 إلى ستة وأربعين بحلول عام 1819. كانت قد ملأت كثيرا من ~~الفجوات في خرائط أفريقيا واستحدثت نموذجا جديدا للاستكشاف ستستند عليه الجمعيات ~~الجغرافية التي كانت على وشك أن تظهر فجأة وبسرعة في سائر أنحاء العالم. ومع ذلك، كانت ~~اكتشافات الرابطة قد أحرزت بتكلفة ما؛ إذ إن جميع «مستكشفيها»، باستثناء سيمون ~~لوكاس، قد لقوا حتفهم خارج البلاد. وصل الألماني الشاب فريدريك هورنمان إلى فزان ~~متنكرا في هيئة مسلم في عام 1799 وأرسل معلومة مفادها أن «تمبكتو هي بالتأكيد المدينة ~~الأبرز والأهم في الداخل الأفريقي»، قبل أن يختفي. وبعد عشرين عاما بلغ بريطانيا نبأ ~~موته في عام 1801 في نيجيريا الحالية. أرسل هنري نيكولز من خليج غينيا في عام 1804 ~~للعثور على نهاية نهر النيجر، دون أن يدرك أن هدف بحثه كان هو نفس الموضع الذي كان قد ~~انطلق منه. وتوفي في عام 1805، ربما بسبب الملاريا. وفي عام 1809 أرسلت الرابطة يوهان ~~لودفيك بركهارت، الذي تجول في الشرق الأوسط تسعة أعوام، تعلم خلالها اللغة العربية ~~وأعاد اكتشاف مدينة البتراء، التي كانت قد فقدت منذ ألف سنة، والمعبد العظيم لرمسيس ~~الثاني في أبو سمبل، الذي كان مدفونا بالرمال. وعندما جهز نفسه أخيرا ليتجه صوب ~~بلاد السودان في أواخر عام 1817، أصيب بالدوسنتاريا ومات. # في هذا الوقت كان بانكس قد صار مسنا. كان بدينا ومصابا بالنقرس وأمضى ساعات ~~استيقاظه على كرسي متحرك، ومع ذلك استمر في رئاسة الجمعية الملكية حتى وفاته، التي حدثت ~~في التاسع عشر من يونيو من عام 1820. استغرق الأمر ستة أعوام أخرى قبل أن يصل مستكشف ~~أوروبي أخيرا إلى تمبكتو. # الفصل الخامس # | القاعدة تهب للإنقاذ # أبريل 2012 # مع شروق شمس يوم الإثنين جاء موكب جديد ms066 من السيارات من الشرق. وتقدم على طول الشارع ~~الرملي الذي امتد مارا بمنزل إسماعيل، واصطبغت ألوان الصحراء القاتمة بألوان شاحنات ~~التويوتا، وعلى كل منها مدفع رشاش محمول في الخلف إلى جانب حفنة من الرجال الذين ~~أخذوا يتمايلون. وعلى خلاف السيارات التي كان إسماعيل قد رآها في اليوم السابق، سلكت ~~هذه السيارات الطريق بتأن. وأثناء مرورها استطاع أن يرى أنه بدلا من أن ترفع راية ~~الحركة الوطنية لتحرير أزواد ذات الألوان المتعددة حملت أعلاما سوداء منقوشا عليها ~~باللون الأبيض حروف عربية. مضى القادمون الجدد إلى معسكر الجيش وأوقفوا سياراتهم عند ~~راية الحركة الوطنية لتحرير أزواد ذات الألوان المتعددة وأحرقوها قبل أن يستبدلوا بها ~~علمهم المستطيل الأسود. كان مكتوبا على أعلامهم «لا إله إلا الله». # بحلول الساعة العاشرة صباحا رن هاتف جانسكي. كانت مجموعة من القادمين الجدد قد ~~توقفت أمام المسجد بالقرب من نصب شعلة السلام عند الطرف الشمالي الغربي للمدينة، ~~حسبما قيل له، لذا ركب سيارته ليذهب ليرى من كانوا. سالكا الطريق الدائري مر ~~بمجموعة من قادة المتمردين يقودون عرباتهم في الاتجاه الآخر. رن هاتفه مجددا. كانت ~~مجموعة أخرى قد وصلت عند المستشفى. فاتجه جنوبا. # كان من شأن قائمة الجهاديين الذين وصلوا إلى تمبكتو في ذلك اليوم أن تمثل عددا من ~~أهم «المجرمين المطلوبين» على مستوى العالم. كانت تضم اثنين من كبار قادة تنظيم ~~القاعدة: يحيى أبو الهمام، «أمير إمارة الصحراء»، ومختار بلمختار، أمير كتيبة الملثمين ~~في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. كان كلاهما في العقد الرابع من عمرهما، ~~وكانا من قدامى المحاربين في الحرب الأهلية الجزائرية وكان قد حكم عليهما بالإعدام ~~غيابيا، وبحلول عام 2015 ستوضع مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي ~~إلى القبض على أي منهما أو قتله. كان يشاع أن الهمام كان متورطا في قتل رهينة ~~فرنسية في الثامنة والسبعين من عمره في النيجر، بينما كان بلمختار - الذي كان من قدامى ~~المحاربين في أفغانستان والذي عرف بمجموعة من الألقاب المتنوعة التي تشمل «الأعور» ~~و«صعب المنال ms067» - مطلوبا في سلسلة من جرائم القتل والخطف. # لكن هذين الرجلين سيلعبان أدوارا ثانوية في مستقبل المدينة، مقارنة برجلين آخرين ~~وصلا إلى تمبكتو في ذلك اليوم: عبد الحميد أبو زيد وإياد آغ غالي. كان أبو زيد هو الآخر ~~من قدامى المحاربين في الحرب الجزائرية، وكان أكبر سنا من الآخرين، وأكثر ما كان ~~يميزه هو قصر قامته: كان طوله حوالي خمسة أقدام. كان «الأمير القصير» نجما صاعدا في ~~تنظيم القاعدة لبلاد المغرب الإسلامي بفضل الأموال التي كان قد اكتسبها من عمليات ~~الخطف، مما أدى إلى أن يحصل التنظيم على ملايين اليوروات. وقيل إنه يحتفظ بأمواله ~~مدفونة في مكان سري في الصحراء، وإنه شوهد وهو يدفع لمقاتليه أجورهم بأوراق نقدية ~~جديدة من عملة اليورو. وربما يكون أبو زيد قاسيا لا يرحم - في عام 2009 قتلت كتيبة ~~الجهاديين التابعة له رجلا بريطانيا، هو إدوين داير، الذي كان قد وقع في الأسر ~~بالقرب من تمبكتو - وأينما كان يذهب، كان رهائنه الغربيون يربطون بالقرب منه. وعلى ~~الرغم من ثرائه عاش حياة تقشف، وكجهادي صالح كان يحمل بندقيته الكلاشينكوف في جميع ~~الأوقات. كان يتكلم بهمهمة قيل إنها مستوحاة من نبرة بن لادن الناعمة. وكان يشرب ~~الكوكاكولا ويستمتع باللبن الممزوج بالأرز والبلح. # أما آغ غالي فكان من نفس عشيرة الطوارق التي كان منها محمد آغ ناجم. ومثل آغ ناجم. ~~كان قد انضم إلى عسكر القذافي في ريعان شبابه لكنه عاد إلى مالي في ثمانينيات القرن ~~الماضي ليشق طريقه العملي كأحد الثوار. كانت له لحية سوداء ووجه طفولي، ومع أنه فيما ~~مضى كان يستمتع بالويسكي والموسيقى، أصبح منذ ذلك الحين متطرفا. ذكر دبلوماسي أمريكي ~~في تحليل له أنه ألقى بظلال كئيبة على شمال البلاد وكان يعاود الظهور «مثل القرش الرديء ~~الذي يضرب به المثل» ليأخذ حصته كلما دفعت فدية. كانت قدرته على أن يلعب كلا ~~الدورين خرافية: أرسلته الحكومة المالية ذات مرة ممثلا لها في المملكة العربية ~~السعودية، لكنه طرد لصلاته بتنظيمات دينية متطرفة. وعندما رفض عرضه لقيادة الحركة ~~الوطنية ms068 لتحرير أزواد، استحدث جماعة جهادية جديدة تسمى أنصار الدين، وأدت هذه ~~الجماعة دور جناح محلي لتنظيم القاعدة. في ذلك اليوم، كان في تمبكتو لاختطاف انتصار ~~الحركة الوطنية لتحرير أزواد. # في الساعة الثامنة صباحا، ذهب القاضي لرؤية زميل له، وقررا أن يذهبا إلى المدينة على ~~دراجة القاضي البخارية الصغيرة لمعرفة ما يحدث. في السوق الصغير شاهدا شاحنتي تويوتا ~~تتوقفان بجوار مسجد صغير. كانت كل واحدة منهما مكدسة برجال مسلحين يضعون عمائم تنحدر ~~أذيالها إلى خصورهم، وفي الشاحنة الأمامية كان يوجد رجل ذو أسنان لامعة مميزة ولحية ~~مصبوغة بالحنة والذي تعرف عليه القاضي بأنه عمر ولد حماها. كان حماها، الذي كان ~~معروفا لمعظم الأشخاص باسم «ذو اللحية الحمراء»، من أهل تمبكتو وقائدا ~~جهاديا. # قال حماها للناس المحتشدين في السوق بلغة فرنسية جيدة: «تعالوا، تجمعوا حول ~~السيارة»، بينما قفز مقاتلوه لينزلوا من الشاحنتين الرباعيتي الدفع ليجلبوا الناس إليه. ~~ثم أضاف: «لم نأت لنقتلكم.» وأردف: «جئنا باسم الإسلام.» # عندما اجتمع حشد من الناس، بدأ حماها يشرح مهمتهم. # قال إنهم لا يسعون إلى الاستقلال عن مالي، ولا يريدون أن يتسببوا في إلحاق أي أذى ~~بالناس. لقد كانت تمبكتو يوما ما مدينة إسلامية عظيمة، وهم ببساطة يريدون لها أن تعود ~~عظيمة مجددا. المشكلات التي كان الناس يعانون منها - الفقر، والبطالة، والتعاسة - ~~وجدت لأنهم كانوا قد ضلوا عن شريعة الله. أما الآن، وأن الله قد أتاح لهم أن ~~يحتلوا المدينة، فإن مشيئته سبحانه هي أن يكفلوا أن تعيش تمبكتو تبعا لشريعة ~~الإسلام. # بعد خطبته، تلقى الأسئلة، وعندما انتهى من الرد عليها، ابتعد مسافة قصيرة وبدأ رجاله ~~يحشدون جمهورا جديدا. استمر على هذا النحو معظم اليوم، وفعل جهاديون آخرون نفس الأمر، ~~حتى تنقل رسالتهم إلى الناس. # لم يمض وقت طويل حتى أصبح يغلب على جلسات الأسئلة والأجوبة هذه شكاوى حول عمليات ~~النهب. استمع الجهاديون. ثم بدءوا يوزعون أرقام هواتف يمكن لأصحاب المظالم أن يتصلوا ~~بها، ومن ذلك الحين فصاعدا، كلما واجه أي شخص مشكلة مع الحركة الوطنية لتحرير ms069 أزواد - ~~عندما كانت سيارة أحدهم أو دراجته البخارية تؤخذ أو ينهب متجره - كانوا يتصلون ~~بالجهاديين، وإذا كانت الأغراض المسروقة أملاكا خاصة، كان من شأن الجهاديين أن يأمروا ~~أفراد الحركة الوطنية لتحرير أزواد بإعادتها. تذكر سانيه شريفي ألفا، صديق حيدرة منذ ~~الطفولة والرئيس السابق لهيئة السياحة في المدينة، قائلا: «قال أفراد جماعة أنصار ~~الدين إن نهب الأشخاص العاديين لم يكن أمرا مقبولا.» وأضاف: «إن كان الأمر ضد ~~الدولة، فهذا مقبول، ولكن إن كان ضد مواطنين عاديين، فلا يحق لهم فعله. وفي كل مرة كان ~~شخص ما يستولي على ملكية خاصة، كان أفراد جماعة أنصار الدين - وعناصر من تنظيم القاعدة ~~أيضا - يأخذون على عاتقهم أمر إعادتها». # كانت بعض الأصول الحيوية المملوكة للدولة محمية هي الأخرى. كانت المدينة في وضع ~~«كارثي» بعد عمليات النهب، حسبما قال المتحدث باسم جماعة أنصار الدين، سندة ولد ~~بوعمامة، لذا بادروا إلى محاولة إصلاح ذلك. تأكدوا من تأمين المرافق - وفي ذلك ~~إمدادات المياه، ومحطة كهرباء شركة طاقة مالي، ومعدات الاتصالات - بالإضافة إلى راديو ~~بوكتو والمستشفى. وفي ليلة يوم الأحد كان رئيس هيئة الخدمات الصحية في تمبكتو قد تلقى ~~اتصالا هاتفيا من أحد مساعديه الذي أخبره بأنه لم يعد لديه مكتب: كان قد نهب ~~وأتلف. وفي صباح يوم الإثنين ذهب آغ غالي إلى المستشفى بنفسه وسأل اختصاصي الصحة عما ~~كان ناقصا. كانت السيارات، وفي ذلك عربات الإسعاف، قد سرقت، بالإضافة إلى الآلات ~~واللوازم الطبية، لذا أحضر آغ غالي شاحنتين ليستعاض بهما عنها. # بعد موجة التدمير التي كانت قد اجتاحت المدينة يوم الأحد، أعجب الناس بذلك. تذكر ~~ديادي قائلا: «كانوا بمثابة أطباء نفسيين، وعرفوا كيف يكسبون رضا الناس.» ثم أضاف: ~~«بدءوا بالإصغاء. وإذا كان ثمة أناس محبطون، أو أناس قد سرقت أشياؤهم، كان من شأنهم ~~أن يصلحوا ما حدث ويحاولوا شراء احترامهم.» واعترف جانسكي نفسه بأن آغ غالي كان ~~«زعيما.» # ومع ذلك لم يكن النهب قد توقف كليا، وفي وقت لاحق في يوم الإثنين ذهب كبراء ~~المدينة لرؤية آغ غالي ms070 ليشتكوا له: كانت بيوت العائلات لا تزال تتعرض للاقتحام، حسبما ~~قالوا، وكانت الأشياء تتعرض للسرقة أو التدمير. في تلك اللحظة، أمر زعيم جماعة أنصار ~~الدين أفراد الحركة الوطنية لتحرير أزواد بالخروج عن وسط المدينة بالكامل. ومنذ ذلك ~~الحين فصاعدا، أمسك مقاتلوه الجهاديون بزمام الأمور في المدينة، بينما أصبحت الأحياء ~~الجنوبية، وفي ذلك المطار وضفة النهر، هي نطاق سيطرة أفراد الحركة الوطنية لتحرير ~~أزواد العلمانيين. قال سانيه شريفي ألفا: «كان لأفراد الحركة الوطنية لتحرير أزواد الحق ~~في أن يأتوا وينجزوا شئونهم هنا، وأن يشتروا احتياجاتهم، ولكن لم يكن مسموحا لهم ~~بالبقاء في المدينة بعد الساعة الثامنة مساء.» وعندما كانوا يأتون إلى المدينة، كان ~~يتعين عليهم أن يأتوا دون أسلحة أو أعلام، في سيارات بدون مدافع. # ومع ذلك، كان من شأن تمبكتو أن تدفع ثمن حماية آغ غالي لها. ففي مساء ذلك اليوم، دعا ~~زعيم جماعة أنصار الدين الأئمة للمجيء إلى معسكر الجيش ليشرح لهم أنهم «سيقاتلون حتى ~~الموت» أولئك الذين أرادوا أن يتحدثوا عن إقامة جمهورية علمانية - بعبارة أخرى، الحركة ~~الوطنية لتحرير أزواد - وحدد متطلبات النظام الديني في الحاكم الجديد. # أذيعت تفاصيل فلسفة آغ غالي السياسية على راديو بوكتو في وقت لاحق من ذلك الأسبوع. ~~بدأ بالاستشهاد بحديث محل خلاف يزعم فيه أن النبي محمد قال: «أمرت أن أقاتل ~~الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا ~~الزكاة.» وقال إن جماعة أنصار الدين ليست جماعة عرقية أو قبلية أو عنصرية، وإنما جماعة ~~إسلامية تعادي الكفار والمشركين. وأضاف أن معاناة المسلمين كانت جراء قوانين اليهود ~~والنصارى: # لا يخفى على أحد حجم المعاناة التي يعاني منها مجتمعنا المسلم، ومن أعظم ذلك ~~تعطيل الشريعة الإسلامية، التي أكرمنا الله بها، واستبدال القوانين الوضعية ~~المستوردة من اليهود والنصارى وأتباعهم بها، وقد نشأ عن ذلك من الظلم والعدوان ~~والفسوق والعصيان والفقر والحرمان ما لا يعلمه إلا الله. # وتابع يقول، إنه لهذه الأسباب: # اجتمع إخوانكم من المجاهدين ومن جماعة أنصار الدين ms071 وتعاهدوا على نصرة الحق ~~وإقامة الدين ورفع الظلم عن المظلومين، وجمع شمل المسلمين، وتوحيد كلمتهم على ~~كلمة التوحيد، لا إله إلا الله، محمد رسول الله # صلى الله عليه وسلم ~~. # من أجل النجاح في مسعاه، طلب آغ غالي ثلاثة أشياء من أهل تمبكتو. أولا، دعا «شرائح ~~المجتمع المسلم كافة إلى إعانتنا على إقامة الدين»، ونشر العدل والأمن والحكم بين الناس ~~بالقسط، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ثانيا، قال: «ندعو إخواننا التجار» إلى ~~مواصلة إمداد المدينة بالمواد الغذائية الأساسية والوقود والأدوية؛ لأن «الله في عون ~~العبد ما دام العبد في عون أخيه.» وأخيرا، يتعين على الناس كافة، وخاصة «أصحاب ~~الكفاءات والقدرات» الوقوف مع المجتمع، وإفادة الناس، بكل ما أمكن من دعم مالي أو ~~تطوع؛ إذ إنه مكتوب في القرآن الكريم: # فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا ~~يره ~~. # في مساء يوم الإثنين، بدأت تمبكتو أول ليلة لها في ظل الشريعة الإسلامية. ~~••• # لقي وصول الجهاديين ارتياحا لدى حراس المخطوطات. فقد ظنوا أنه مهما كانت الأفكار ~~الغريبة التي كانت لدى هؤلاء الناس عن العقيدة الإسلامية، فإنهم بالتأكيد لن يمثلوا ~~تهديدا لما كان، في نهاية المطاف، في معظمه نصوصا إسلامية. بل إنهم حتى ربما يساعدون ~~في حمايتها من اللصوص. # كان عبد الله «إير مالي» شاباني - الذي كان رجلا بدينا، ولقب تيمنا بالخطوط ~~الجوية الوطنية في الماضي بسبب سرعته في ملعب كرة القدم - جالسا قبالة مبنى معهد أحمد ~~بابا الجديد في سانكوري صباح يوم الإثنين عندما رأى سيارتين تتوقفان أمام المبنى ~~والعديد من الرجال المسلحين يدخلونه. بعد لحظة تفكير وقف ولحق بهم. في داخل المجمع، ~~رأى شابين في الدور الأرضي والعديد من الشبان الآخرين في المكاتب بالأعلى، وكلهم ~~مسلحون، وفكر في أنه من الحكمة أن يغادر. وبعدما عاد ليجلس خارجا، سمع كثيرا من ~~الصياح آتيا من المبنى، وسرعان ما عاود الرجال الظهور، وهم يحملون حقيبة بلاستيكية ~~مليئة بالأسلاب. شاهدهم يصعدون إلى سياراتهم ويمضون بها مبتعدين. # بعد ساعة، وصلت مجموعة أخرى، في شاحنة ms072 صغيرة عليها علم أسود. كان قائدهم رجلا ~~ملتحيا بدينا وبدا أجنبيا. اقترب إير مالي منه وقال له إن «المهووسين» كانوا قد ~~جاءوا وزاروا المكان. كان قد سمع قدرا كبيرا من الجلبة لكنه لم يعرف ماذا فعلوا. ~~سأله الجهادي: «هل ما زالوا هناك؟» عندما أجاب إير مالي بالنفي، قال القائد إنهما ينبغي ~~أن يدخلا معا. # في الداخل، وجدا المكاتب محطمة والنوافذ مكسورة. فكر إير مالي في أنه لا بد أن ~~الرجال كانوا يفتشون عن مبالغ نقدية؛ لأنه كانت توجد هواتف محمولة ملقاة على الأرض في ~~أنحاء المكان، ولكنهم لم يهتموا بأخذها. وبدا أيضا أنهم قد حاولوا فتح الخزينة، ولكن ~~لم يحالفهم النجاح. # سأله القائد: «أين العاملون؟» # قال إير مالي: «ذهبوا.» ثم أردف: «لاذوا بالفرار.» # صرح القائد بجدية بأنه يجب الحفاظ على المركز؛ لأنه كان يضم تاريخ الناس؛ فقصص ~~آبائهم وأجدادهم كانت كلها محفوظة هنا. وسأل إير مالي إن كان يعرف أي أحد يمكنه أن ~~يأتي ليقيم الضرر اللاحق. # شعر إير مالي بارتياح يغمره: بدا له أنه يمكن حمل الجهاديين على أن يفهموا. وحتى إن ~~كان كل شيء آخر قد تعرض للنهب، فيمكن على الأقل إنقاذ هذا المكان. اتصل هاتفيا ~~بمدير حسابات المعهد وشرح له الأمر. في أول الأمر قال إنه لا يستطيع القدوم، ولكن إير ~~مالي ألح عليه، ووصل المدير في عصر ذلك اليوم وجرد المحتويات. قال إنه ينبغي نقل كل ~~الأشياء القيمة الباقية إلى مكان آمن؛ أجهزة الكمبيوتر، والأثاث - كل شيء عدا ~~المخطوطات. كانت المخطوطات في مكان آمن ولن تنقل إلى أي مكان. على أي حال، لقد أظهر ~~اللصوص آنفا أنهم لم يكونوا مهتمين بأخذها. # عندما أجري الجرد، أعطى المدير قائمة بالأغراض المفقودة للجهاديين، الذين قالوا ~~إنهم سيتحرون الأمر. وأضافوا أنهم سيرسلون أشخاصا في اليوم التالي لحراسة ~~المبنى. # مرت عدة أيام، ولكن لم يأت أحد. # في تلك الأثناء أمضى إسماعيل ديادي حيدرة جل يوم الإثنين في مكتبة فوندو كاتي ~~الخاصة به، منتهيا من مهمة نقل مخطوطاته. وفي عصر ذلك اليوم ms073 كان جالسا تحت الشجرة ~~التي في فناء منزله مع أحد أصدقائه عندما توقفت سيارة في الخارج. كان يوجد خمسة رجال ~~مسلحون في الخلف واثنان في الأمام، واستعلم قائدهم عن المسئول عن المنزل. وقبل أن ~~يتمكن إسماعيل من الكلام، قال صديقه إن المدير لم يكن موجودا. # قال: «لقد ذهب إلى باماكو.» ثم أضاف: «لاذ بالفرار.» # تساءل المتمرد: «ما هذا المكان؟» ثم أردف: «هل هو مكتب؟» ~~«كلا، إنها مكتبة.» ~~«ماذا يوجد في داخل هذه المكتبة؟» ~~«كتب. مصاحف.» # قال الرجل: «حسنا.» ثم أردف: «إن كانت مصاحف، فلن يلمسها أحد إلى أن يعود مالك ~~المكان.» # انطلقت الشاحنة الصغيرة مغادرة. وعلى بعد خمسين ياردة في الشارع توقفت ورجعت ~~للوراء، ونزل الجهادي منها وذهب ليخاطب الرجل الذي كان يملك المتجر المجاور. ظن إسماعيل ~~أنهم كانوا يحاولون التحقق مما قاله صديقه. # قال إسماعيل لرفيقه: «يجب أن نظل هادئين.» ثم أضاف: «أنا الذي سأتحدث إن سألنا ~~مجددا.» # اشترى الجهاديون بضعة أشياء من المتجر، من ضمنها السكر والشاي، ثم عادوا. تذكر ~~إسماعيل قائلا: «لقد كانت لحظة حساسة وصعبة للغاية.» ثم أردف: «كانوا على مسافة لا ~~تزيد عن خمسة أمتار من المكتبة.» # قال قائدهم: «أنا أعرفكما الآن، أنتما الاثنان، لقد رأيتكما.» ثم أردف: «إن حدث شيء ~~لهذا المنزل، فسآتي بحثا عنكما.» # قال إسماعيل: «لا مشكلة.» ثم أضاف: «الجميع هادئون. ولن يلمس أحد أي شيء ~~هنا.» # بعدما غادر الرجال، استدار صديق إسماعيل نحوه مخاطبا إياه. وقال: «سيرجع أولئك ~~الأشخاص مرة أخرى.» ثم أضاف: «يجب أن ترحل عن هنا. اترك هذه المدينة، لأنك معروف؛ ~~الجميع يعرفونك. في النهاية سيأتون للبحث عنك.» # قال إسماعيل: «ربما.» ثم أضاف: «أجل.» # الفصل السادس # | سوف تكون من نصيبي # 1824-1830 # ربما يكون جوزيف بانكس قد مات والرابطة الأفريقية في انحدار، ولكن في أوائل عشرينيات ~~القرن التاسع عشر كان منافس أوروبي جديد على وشك أن ينضم إلى سباق الوصول إلى تمبكتو. ~~في الثالث من ديسمبر من عام 1824، تلقت اللجنة المركزية للجمعية الجغرافية المشكلة ~~حديثا في باريس معلومة مثيرة للفضول من ms074 أحد مسئوليها المؤسسين ، رسام الخرائط آدم ~~فرانسوا جومار. بحسب محضر اجتماع الجمعية: # أعلن السيد جومار أن أحد الأعضاء تبرع بألف فرنك ... لمكافأة أول رحالة يشق ~~طريقه حتى مدينة تمبكتو عن طريق السنغال، والذي يتحصل على ملاحظات مؤكدة ودقيقة ~~عن موقع هذه المدينة، وعن مسار الأنهار التي تجري في المنطقة المجاورة لها، وعن ~~التجارة التي هي مركزها؛ ومعلومات مرضية للغاية حول البلاد التي بين تمبكتو ~~وبحيرة تشاد، بالإضافة إلى اتجاه وارتفاع الجبال التي تشكل حوض ~~السودان. # من المؤكد أن فكرة مكافأة تمبكتو قد أسرت خيال المائتين وسبعة عشر عالما الذين ~~كانوا قد أنشئوا الجمعية الجغرافية؛ إذ إن قيمتها بدأت تتعاظم على الفور. فقد أضيف ~~إليها على الفور مبلغ ألف فرنك على سبيل التبرع من أجل «الاكتشافات الجغرافية» من ~~الكونت جريجوري أورلوف، الذي كان عضوا في مجلس الشيوخ الروسي وكان يعيش في فرنسا، مما ~~ضاعف الجائزة، ثم ضاعفها مجددا وزير البحرية الفرنسية. وحتى لا يتفوق عليه أحد، أضاف ~~وزير الشئون الخارجية ألفي فرنك أخرى، وتبرع وزير الداخلية بألف فرنك إضافية. قدم ~~عدة أعضاء آخرون المزيد، بحيث بلغت قيمة الجائزة في أوائل عام 1825 ما يعادل 10 آلاف ~~فرنك وهو ما كان مبلغا ضخما، أضافت إليه الجمعية - التي كانت ستقرر من هو الفائز - ~~الوعد بمنح الفائز جائزة رفيعة هي «الميدالية الذهبية الكبرى للاستكشاف ورحلات ~~الاكتشاف» إلى جانب المبلغ النقدي. # ومع ذلك، لم يكن استحقاق هذا المبلغ الكبير أمرا سهلا. بالإضافة إلى كون المتنافس ~~المنتصر «محظوظا بما يكفي لأن يتغلب على كل الأخطار المتعلقة ببلوغ تمبكتو» أعلنت ~~«نشرة الجمعية الجغرافية الفرنسية» أنه يتعين عليه أن يتحصل على حقائق مفيدة عن ~~جغرافيا البلاد، وإنتاجها الزراعي، وتجارتها. تحديدا، طلبت الجمعية خريطة مستندة على ~~الملاحظات الفلكية، وتقريرا مكتوبا بخط اليد يحتوي على معلومات عن طبيعة الأرض، وعمق ~~الآبار والمياه الموجودة فيها، وعرض المجاري المائية والأنهار وسرعة جريانها، ولونها ~~ونقاوتها، ونتاج الأرض التي تمدها بالمياه، والمناخ، وانحراف الإبرة المغناطيسية ~~وميلها، وأنواع الحيوانات التي تعيش هناك. كان يتعين أيضا على المتسابقين ms075 أن يجلبوا ~~معهم عينات من الأحافير، والأصداف، والنباتات، ودراسة تفصيلية عن سكان المنطقة: # عن طريق مراقبة الناس، على [المستكشف] استقصاء عاداتهم، واحتفالاتهم، ~~وملابسهم التقليدية، وأسلحتهم، وقوانينهم، وعبادتهم، والطريقة التي يتغذون بها، ~~وأمراضهم، ولون بشرتهم، وشكل وجوههم، وطبيعة شعرهم، وأيضا أهداف تجارتهم ~~المختلفة. # لأي شخص عاش في بلاد السودان، كان من شأن قراءة هذا أن تكون مقلقة. ومع ذلك، كما كان ~~الحال مع الرابطة الأفريقية، أجريت الدراسة بداعي الجغرافيا - كانت «حقلا شاسعا ~~يتعين تعهده من أجل معرفة الأجناس البشرية»، حسبما أعلنت «النشرة»، و«من أجل تاريخ ~~الحضارات، ومن أجل لغاتها، وملابسها التقليدية، وأفكارها الدينية!» - وأيضا كانت تلك ~~هي بالضبط نوعية المعلومات التي تتطلبها أي قوة استعمارية. كان من شأن الكرم الذي أغدق ~~به الوزراء أموال الحكومة أن يكون مثيرا للريبة. في الواقع، كانت «الجائزة الممنوحة ~~لتشجيع القيام برحلة إلى تمبكتو» تشبه كثيرا محاولة وافد متأخر لإيجاد سبيل له إلى ~~مباراة الاستكشاف الأفريقي التي بدأها منافسه قديم العهد. أقرت «النشرة» بذلك: كانت ~~بعثة للحكومة البريطانية إلى وسط أفريقيا في عام 1823 هي التي جذبت انتباه الأوروبيين ~~مجددا إلى القارة، وكان من الطبيعي أن تولي الجمعية الجغرافية الفرنسية، التي لم يكن ~~قد مر على تأسيسها سوى ثلاث سنوات، وجهتها إلى هذا الاتجاه. كان من مصلحة فرنسا ~~التجارية أن تجد طريقا إلى الداخل الأفريقي يقتفي أثر الطريق الذي سلكه مونجو بارك، ~~وهو ما من شأنه أن يرتبط ارتباطا ملائما بالمستعمرات الفرنسية، القائمة منذ فترة ~~طويلة، في السنغال. # مع انتشار نبأ الجائزة، أشيع أن ستة مغامرين كانوا يعدون العدة لمحاولة الوصول إلى ~~المدينة، ولكن كان يوجد شخصان هما من أصبحا بوجه خاص مقترنين بالسباق المحفز حديثا ~~إلى تمبكتو: رينيه كاييه والميجور ألكسندر جوردون لينج. # كان لينج هو من سيرسل «أول خطاب على الإطلاق يكتبه مسيحي من ذلك المكان»، على حد ~~تعبير القنصل البريطاني في طرابلس، هانمر وارينجتون. عمل لينج، الذي كان ابن مدير مدرسة ~~من أدنبرة، لفترة قصيرة معلما هو الآخر قبل أن يهرب إلى الجيش ms076 ويرسل إلى أقاليم ~~غريبة هي بربادوس وجامايكا وسيراليون، التي أرسل إليها في عام 1819. في غرب أفريقيا ~~قاد عددا من الحملات إلى الداخل، مبديا شجاعة، وصلابة جسدية، ومقدرة على تعزيز الذات ~~وهي صفات ستصبح أساسية في محاولة الوصول إلى تمبكتو التي كانت بالفعل قد بدأت تتبلور في ~~رأسه. لقد كتب إلى أصدقاء له في عام 1821: «لقد كان لدي طيلة أعوام كثيرة رغبة قوية في ~~التوغل إلى الداخل الأفريقي، وقد تزايدت لدي تلك الرغبة تزايدا عظيما بوصولي إلى ~~الساحل [الخاص بغرب أفريقيا].» # في عام 1824، أرسل إلى الديار، معتل الصحة، ليكتب تقريرا لوزير الدولة للحرب ~~والمستعمرات، اللورد باتهورست، عن الهزيمة الكارثية للبريطانيين على يد إمبراطورية ~~الأشانتي في نسامانكو. مستعينا بالتملق والاسترضاء، حظي الميجور البالغ من العمر تسعا ~~وعشرين سنة بقبول باتهورست الذي عينه قائدا ل «حملة إلى تمبكتو»، وكان ذلك من دواعي ~~غضب عارم لدى قائده المباشر في سيراليون، السير تشارلز تيرنر، الذي اشتكى من أن لينج ~~كان «يفتقر إلى الحكمة، وإلى الانضباط العسكري، وجبانا» وأن «أعماله العسكرية كانت ~~أسوأ [حتى] من نظمه للشعر.» وفي مايو من عام 1825 وصل لينج إلى طرابلس، حيث استقبله ~~بترحاب وارينجتون، الذي كان سكيرا ومحبا لوطنه، وكان يشاع أن زوجته كانت ابنة غير ~~شرعية للملك جورج الرابع، وعلى الفور دخل في علاقة عاطفية صاخبة مع ابنة القنصل، إيما. ~~وتزوجا في ضيعة والدها الكبيرة في ضواحي المدينة في الرابع عشر من يوليو، قبل أربعة ~~أيام من انطلاق العريس في رحلته إلى تمبكتو. كان وارينجتون قد رأى كثيرا من المستكشفين ~~الذين ينطلقون إلى هلاكهم في الصحراء ورفض أن يسمح للعروسين أن يتمما زواجهما حتى عودة ~~لينج. وفي واحدة من أكثر المكاتبات التي تلقتها وزارة الحرب والمستعمرات غرابة، كتب ~~إلى باتهورست يقول: «سأحرص بشدة على أن تظل ابنتي طاهرة وعفيفة كالثلج.» # استأجر لينج تاجرا، هو الشيخ باباني، ليأخذه إلى تمبكتو مقابل مبلغ 2500 دولار، ودفع ~~له ألفا مقدما. كان لدى كل من المستكشف والقنصل ثقة كبيرة في الشيخ باباني، الذي قيل ~~إنه ms077 عاش في المدينة الغامضة أعواما كثيرة. كان رجلا «ممتازا في كل شيء»، حسبما أورد ~~لينج، «هادئ الطبع، غير مؤذ، ومسالما»، بينما اعتبره وارينجتون «من خيرة من رأيت في ~~حياتي، وذو طبع معتدل للغاية، ويتصف بأكثر طلعة جذابة وقعت عليها عيناي.» اتفق على ~~أن يأخذ الشيخ لينج إلى تمبكتو في شهرين ونصف، وفي نهاية تلك المدة سيترك لينج في ~~رعاية صديقه المقرب، «الشيخ الكبير والزعيم مارابوط مقتة»، الذي كان لديه من النفوذ ما ~~يضمن للمستكشف مرورا آمنا إلى الساحل. بخلاف باباني، ضمت الحملة الاستكشافية ~~بحارين أفريقيين، كان لينج يأمل أن يبنيا له قاربا يبحر به في نهر النيجر؛ ~~ومترجما يهوديا؛ ونافخ بوق عسكريا كثير الأسفار، مولودا في جزر الكاريبي، يدعى ~~جاك لي بور، والذي كان الخادم الشخصي للمستكشف. كان النهج الذي كان لينج ينوي أن ينتهجه ~~تنقصه الفطنة: كانوا سيسافرون في ملابس إسلامية، ولكن لئلا يخطئ أحد في تحديد هويتهم ~~الحقيقية، كان سيتلو صلوات مسيحية على مساعديه كل يوم أحد، حيث سيظهرون جميعهم معا ~~«مرتدين ملابس رجال إنجليز.» # انطلقت الحملة الاستكشافية إلى الصحراء في أوج فصل الصيف، عندما كان مقياس الحرارة ~~يصل دوما إلى 120 درجة وكانت الأرض جدباء لدرجة أنه، حسب لينج، «كان العشب الذي يمكن ~~العثور عليه يماثل في قلته ما يمكن أن تجده في قعر منجم قصدير في كورنوول.» استغرق ~~الأمر قرابة شهرين للوصول إلى مدينة وواحة غدامس القديمة، على بعد أقل من ثلاثمائة ميل ~~من طرابلس، بعد أن قاد باباني القافلة في طريق ملتو مسافة ألف ميل. أصاب العرج سبعة ~~جمال في هذا الجزء الأول من الرحلة، بينما نفد طعام الرجال وتراجعت حصصهم من الماء حتى ~~وصلت إلى آخرها. أيضا تحطم معظم معدات لينج العلمية، وكذلك بندقيته الوحيدة، التي ~~كان جمل قد داس عليها «بخفه المتورم الكبير.» # لكن روح لينج الرومانسية كانت هي ما مثل معظم التهديد المبكر الكبير للحملة ~~الاستكشافية. ففي غدامس تلقى حزمة من الخطابات من عروسه الجديدة، من بينها صورة شاحبة ~~لها كانت قد رسمت ms078 في طرابلس. جعله مظهر حبيبته الدال على إصابتها بالسل يدخل في نوبة ~~هيستيرية. في صباح اليوم التالي كتب إلى وارينجتون، مهددا بالتخلي تماما عن مهمته إذ ~~كان جليا أن إيما مشتاقة إليه: # إن حبيبتي إيما مريضة، ومكتئبة، وتعيسة - تطارد مخيلتي عيناها الغائرتان، ~~وخدها الشاحب، وشفتها عديمة اللون، ووداعا للصمود - لو كنت على مسيرة يوم من ~~تمبكتو، وبلغني أن حبيبتي إيما مريضة، فسأرجع، وأقتفي أثر خطواتي عائدا إلى ~~طرابلس؛ ما تمبكتو؟ وما نهر النيجر؟ ما أهمية العالم لي دون حبيبتي ~~إيما؟ # ولكن بحلول الساعة السادسة مساء، كان قد تعافى من هذه النوبة الرومانسية وعاد ليكتب ~~من جديد، طالبا أن يلتمس له العذر عن «اضطرابه صباحا.» في اليوم التالي كان يتعهد ~~مجددا بأن يؤدي واجبه «مثل رجل طروادي.» # بعد البقاء ستة أسابيع في غدامس، غادرت قافلة الشيخ باباني صوب الجنوب الغربي، ووصلت ~~عين صالح، في إقليم توات، في الثاني من ديسمبر. هنا، بعيدا عن متناول السلطات ~~الطرابلسية، بدأ الباباني يتغير: كان حينئذ «معوزا وجشعا إلى أبعد حد»، كما كتب ~~لينج. في التاسع من يناير انطلقوا من جديد. كان يشعر أفراد القافلة بالتوتر. كانت كل ~~شجيرة بعيدة تعتبر عصابة من لصوص الطوارق، وفي إحدى المرات ظن عن طريق الخطأ أن ~~لينج هو مونجو بارك، لكنه لم يعر اهتماما كبيرا للخطر الذي انطوى عليه ذلك. في سهل ~~تنزروفت القاحل الكبير، الذي كان «منبسطا مثل مسطح بولينج أخضر، ومنعدم الخضرة مثل ~~جزيرة ميلفيل [في الدائرة القطبية الشمالية] في ذروة الشتاء»، انضمت إليهم مجموعة مدججة ~~بالسلاح من طوارق الأهقار على جمال سريعة، وسارت جنبا إلى جنب مع القافلة. وبعد بضعة ~~أيام، بعد ما وصفه لينج بأنه فعل ينطوي على «خيانة خسيسة» من جانب الباباني، أحاط ~~الطوارق في صمت بخيمته في الساعة الثالثة فجرا وأطبقوا عليه. حاول المترجم أن يلوذ ~~بالفرار لكنهم أمسكوا به وقتلوه، وحدث الأمر نفسه مع واحد من البحارين الأفريقيين. ~~جرح الآخر في ساقه، بينما تمكن جاك لي بور من الهرب. أما لينج فأصيب ms079 بطلقات وطعن ~~أربعا وعشرين طعنة وترك بعدما اعتبر في عداد الأموات. # بطريقة ما، تمكن المستكشف المثخن بجراح خطيرة من أن يصعد على جمل في ذلك الصباح. ~~حمله الجمل مسافة أربعمائة ميل أخرى إلى منطقة شيخ قبيلة عرب كونتا ذي النفوذ، سيدي ~~محمد، حيث كتب في العاشر من مايو من عام 1826 إلى حميه بيده اليسرى المشوهة، يخبره ~~بالتفصيل عن إصاباته المروعة. وحتى بينما كان لينج يتعافى، اجتاحت كارثة مخيم سيدي ~~محمد الصحراوي. ففي الأول من يوليو، كتب لينج مجددا إلى وارينجتون بالأنباء، ~~معينا هذه المرة مكان كتابة خطابه بأنه «أزواد»: # بذهن مكتئب مع الأسف بالمرض، والحزن، وخيبة الأمل، أكتب إليك بقلم مكره ~~لأطلعك على أنني لم أمض في رحلتي أبعد مما كنت حين كتبت إليك آخر ~~مرة. # كان مرض ما، «شيء يشبه الحمى الصفراء»، قد اجتاح المخيم وقتل نصف تعداده، وفي ذلك ~~الباباني، وسيدي محمد نفسه، وجاك لي بور. كانت الحمى قد أصابت لينج هو الآخر، لكنه كان ~~قد تعافى منها، وكان حينئذ الفرد الوحيد من جماعته الأصلية الذي بقي على قيد الحياة. ~~كان لا يزال يعاني من «آلام مريعة» في رأسه، ناشئة عن شدة جراحه. ومع ذلك، مدفوعا ~~بشعور، يقترب من الجنون، بأن هذا هو مصيره، صمم على أن يمضي قدما. # كان على بعد مسيرة بضعة أيام قليلة فقط من تمبكتو، لكن توقيت وصوله لم يكن من الممكن ~~أن يكون أسوأ من ذلك: كانت المدينة في طريقها للوقوع تحت سيطرة الحاكم المسلم ~~لإمبراطورية ماسينا الفولانية، أحمد لوبو. كان لوبو قد تلقى منذ وقت قريب تحذيرا من ~~سلطان خلافة صكتو القوية بألا يدع الأوروبيين يزورون بلاد السودان بسبب الانتهاكات ~~ووقائع الفساد التي كانوا قد ارتكبوها في مصر وفي أماكن أخرى، وكتب عندئذ إلى حاكم ~~تمبكتو، منذرا بالشر ويخبره أن «ينتزع [من لينج] كل أمل في العودة إلى ممالكنا.» حذر ~~شيخ كونتا الجديد، نجل سيدي محمد الأكبر، المختار الصغير، مرارا وتكرارا المستكشف ~~داعيا إياه ألا يتابع طريقه، لكن لينج أصر. فعل الشيخ ms080 المختار ما في وسعه؛ إذ أعطاه ~~مرشدا إلى تمبكتو وكتب إلى حاكم المدينة، طالبا منه أن يحمي لينج. # بلغ لينج المدينة في الثالث عشر من أغسطس من عام 1826، بعد ما يزيد قليلا عن عام من ~~مغادرته طرابلس، وبعد خمسة أسابيع كتب خطابه الوحيد من تمبكتو إلى وارينجتون. لم يكن، ~~بالمعنى الدقيق للكلمة، أول أوروبي يبلغ تمبكتو - فعلى أية حال، كان ليون الأفريقي قد ~~ولد في أوروبا وعاش في إيطاليا، وقاتل مرتزقة ومرتدون أوروبيون في صفوف الجيش المغربي ~~الذي غزا المدينة في عام 1591 - لكنه كان أول مستكشف يصل إلى هناك ويرسل إلى الوطن ~~إفادة بذلك، رغم ما كانت عليه من اقتضاب وغموض. لو كانت المدينة مخيبة للآمال، ما كان ~~لينج سيقول ذلك الآن. من المرجح أنه أمضى أسابيع في تمبكتو يملأ يومياته بملاحظات كان ~~يأمل أن تنشر يوما ما، لكنه لم يكن يرغب بعد في أن يطلع عليها الحكومة ~~البريطانية، وفجأة لم يكن ثمة وقت: كان من المتوقع مجيء وفد من الفولاني وكان قد ~~ألح عليه في المغادرة على الفور. ومع ذلك، لم يستطع أن يخيب أمل قرائه كليا، ~~ولذلك ذكر ببساطة أن «المدينة العظيمة في وسط أفريقيا» كانت قد «أوفت تماما بتوقعاته» ~~من كل ناحية فيما عدا مساحتها، ووعد بأن يكتب على نحو أوفى من سيجو، مع أن الطريق ~~أمامه كان «سيئا»، وكان يعرف أن الأخطار لم تكن قد انتهت. # غادر لينج تمبكتو في حوالي الثالثة عصرا في اليوم التالي، الموافق الثاني والعشرين ~~من سبتمبر، بصحبة عبد معتق يدعى بونجولا، وصبي عربي. انطلق شمالا إلى الصحراء، صوب ~~أروان، في طريق ملتو الغرض منه تجنب رجال لوبو. ثم، كشأن كثيرين قبله، ~~اختفى. ~~••• # احتفظت الصحراء الكبرى بقليل من الأسرار. فعلى الرغم من مساحتها الهائلة وصغر تعداد ~~سكانها، كانت الشائعات تنتقل سريعا. كانت القوافل تلتقط الشائعات من كل مستوطنة كانت ~~تمر بها، من الأسواق الكبيرة وحتى أصغر الواحات، وتحملها معها إلى وجهاتها. كان هذا ~~دوما مصدر دهشة لدارسي الصحراء الكبرى، وأورد المؤرخ إي ms081 دبليو بوفيل أن «في هذه ~~الصحراء الهائلة كان الأمر يبدو كما لو أن الجميع يعرفون ما يفعله جميع الناس الآخرين.» ~~في أوائل القرن التاسع عشر، كان القليل من المعلومات ينتقل على نحو أسرع مما تنتقل به ~~أخبار أوروبي دخيل. # وصلت الأصداء الأولى لمتاعب لينج إلى وارينجتون في طرابلس في مارس من عام 1826: أنه ~~قد حدث هجوم غادر على جماعته وأن المستكشف قد أصيب إصابات بليغة. بعد ذلك، توقفت ~~الأخبار الآتية من الصحراء. بصفته القنصل وكذلك حما المستكشف، كان وارينجتون في موقف ~~حرج زاد من سوئه فجيعة ابنته وعلمه بمخادعة البلاط الطرابلسي. كان لينج قد سافر تحت ~~حماية باشا طرابلس القوي، يوسف القرمانلي، وكان وارينجتون يضغط الآن على القرمانلي ~~ضغطا كبيرا من أجل أن يأتيه بأخبار عن لينج. ففي ربيع عام 1827، قدم الباشا إلى ~~وارينجتون نسخة من إفادة أرسلها الشيخ المختار نفسه. # كان قادة تمبكتو في حرج بين رغبتهم في رعاية ضيفهم ومطالب ملكهم الجديد، أحمد لوبو، ~~حسبما أوضح الشيخ: # من أجل التوفيق بين المصلحتين، سمحوا له بأن يبقى في تمبكتو قرابة شهر ... حتى ~~التقى بعدو الله ورسوله، أحمد ولد عبيدة ولد رشال البربوشي، الذي أقنعه بأن ~~بوسعه أن يرشده إلى أروان، ومن هناك يركب النهر من سانساندينج، وأن يتابع طريقه ~~من هناك إلى المحيط الكبير. # كان «عدو الله» هو شيخ عرب البرابيش، الذي كان يعرف أيضا باسم أحمدو لعبيدة. غادر ~~هو ولينج تمبكتو معا، لكن في منتصف الطريق أمر المرشد خدمه أن يمسكوا لينج ويقتلوه. ~~بعد ذلك فتشوا أمتعته، التي كانت «كل الأشياء العديمة النفع فيها، من [نحو] أوراق، ~~وخطابات، وكتب، قد مزقت وألقيت لتذروها الرياح، خشية أن تحتوي على بعض السحر، ~~واحتفظ بالأغراض القيمة.» قال الشيخ المختار إن هذه كانت القصة الصادقة لملابسات ~~وفاة لينج. # أحال وارينجتون الأخبار إلى وزارة الحرب والمستعمرات، دون أن يصدقها تصديقا تاما. ~~وبعد بضعة شهور فجع الدبلوماسي البريطاني لدى سماعه بأمر خطاب أرسل في الخامس من ~~أبريل إلى الصحيفة الفرنسية «ليتوال»، والذي ذكر وفاة ms082 لينج باعتبارها حقيقة واقعة. لم ~~يرفق اسم بالخطاب، لكن ذكر في ترويسته أنه كتب في «سوقارة في طرابلس»، التي ~~تصادف أنها كانت مقر إقامة القنصل الفرنسي، البارون جان بابتيست روسو. كان وارينجتون ~~يكره الفرنسيين عموما وروسو بوجه خاص، وحينئذ كان قد وجد هدفا لغضبه وحزنه. كيف ~~استطاع روسو أن يعرف ما لم يعرفه وارينجتون. تصور في مخيلته مؤامرة محكمة بين ~~الفرنسيين، والقرمانلي باشا، ووزير خارجية الباشا، والذي كان رجلا محبا للفرنسيين ~~ومثقلا بالديون يدعى حسونة الدغيس. اعتقد وارينجتون أن هذا الرجل كان متواطئا مع ~~الباباني منذ البداية، وربما حتى يكون قد مول قاتل لينج في نهاية المطاف. عندما أرسل ~~وارينجتون بتقارير يلمح فيها إلى هذه المؤامرة، حولت فرقاطة من البحرية الملكية ~~مسارها إلى طرابلس لإقناع الباشا بالتعاون أكثر مع تحريات القنصل. في ذلك اليوم، ~~الموافق الثاني والعشرين من أبريل من عام 1828، اعترف الباشا لأول مرة بأن لينج قد لقي ~~حتفه. في أغسطس، وصل بونجولا إلى طرابلس، حيث أكد أن شيخ البرابيش قد «قتل ~~[المستكشف]، بمعاونة خدمه السود بطعنات كثيرة أثناء نومه.» لم يكن ثمة شك في مصير ~~لينج. # كان للأمر وقع كارثي على إيما التي كانت بالفعل معتلة، والتي تزوجت مرة أخرى ~~وانتقلت للإقامة في إيطاليا، لكنها توفيت في العام التالي، في الثامنة والعشرين من ~~عمرها، بعد أربعة أعوام فقط من مشاهدتها لحبيبها يشد الرحال مغادرا إلى تمبكتو. بينما ~~انصب اهتمام والدها اليائس على يوميات المستكشف، رافضا أن يصدق تأكيد الشيخ المختار ~~بأنها قد أتلفت. لم يكن ثمة شك في أنه كان من شأنها أن تحتوي على معلومات حيوية عن ~~الداخل الأفريقي كانت ستجعل اسم زوج ابنته بارزا، وبنفس القدر من الأهمية، تدعم أي ~~مطالبة بريطانية مستقبلية بالأحقية في السيطرة على الداخل الأفريقي الغني بالثروات. ~~اتجهت شكوكه مجددا إلى الدغيس والقنصل الفرنسي. # في أثناء ذلك أجج روسو عن غير عمد جنون الارتياب لدى خصمه بتصريحه بأنه قد اكتشف وجود ~~تاريخ لتمبكتو، وهو ما كان يأمل أن يكون في حوزته عما ms083 قريب. نشرت رسائل البارون التي ~~تعلن اكتشافاته في «نشرة الجمعية الجغرافية الفرنسية» في عام 1827 ومن شبه المؤكد أنها ~~تعتبر أول ذكر لما يعرف باسم كتاب «تاريخ السودان» في الكتابات الأوروبية، على الرغم ~~من أنه لم يكن يعرف أنه كان يسمى بذلك الاسم. كتب كتاب «تاريخ السودان»، الذي عادة ~~ما ينسب على وجه الخطأ إلى أحمد بابا، في القرن السابع عشر على يد عالم تمبكتي آخر، ~~هو عبد الرحمن بن عبد الله السعدي. وما إن عثر على هذا الكتاب، حتى أصبح النص الأساسي ~~للمؤرخين عن المنطقة. # في رسالته الأولى، ذكر روسو متأملا أن عاصمة بلاد السودان، «تن بكتو»، أفلتت دوما ~~من أكثر الاستقصاءات مثابرة. قال: «الجميع يتحدث عنها، ولم يرها أحد بعد.» كان يأمل ~~أن يأتي مستكشف، مدفوعا بما أعلنته الجمعية الجغرافية الفرنسية عن «منافسة نبيلة ~~وسخية» وأن «يسعد بأن يميط عنها ... لثام الغموض وهو ما من شأنه أن يكشفها أمام أعين ~~الباحثين الأوروبيين.» واستطرد القنصل الفرنسي قائلا إنه، إلى أن يحدث ذلك، كان قد ~~تمكن من جمع القليل من المعلومات عن الموضوع: # يبدو أنه يوجد تأريخ مفصل لهذه المدينة، كتبه شخص يدعى سيدي أحمد بابا، ~~المولود في أروان، وهي بلدية في الإقليم [المسمى كونتا]، وهو تأريخ يحدد وقت ~~تأسيسها بأنه عام 1116 ميلادية. في هذا العمل، هذه هي الكيفية التي تروى بها ~~الملابسات التي أحاطت بتأسيس تن بكتو: ~~«استقرت امرأة من قبيلة الطوارق، تسمى بكتو، على حافة نيل الزنوج، في كوخ ~~تظلله شجرة كثيفة الأغصان؛ وكانت تمتلك بعض النعاج، وودت أن تمارس كرم ضيافتها ~~مع المسافرين من قومها الذين كانوا يمرون من ذلك الطريق. وسرعان ما أصبح منزلها ~~المتواضع ملاذا مقدسا، ومكانا لراحة وسرور القبائل المحيطة، التي أطلقت عليه ~~اسم «تن بكتو»، أي ملك بكتو (كلمة «تن» في اصطلاحهم هي ضمير الملكية ~~للغائب). بعد ذلك جاءت هذه القبائل من كل الجهات لتجتمع وصنعت مخيما شاسعا، ~~تحول فيما بعد إلى مدينة شاسعة وآهلة بالسكان.» هذا، بحسب سيدي أحمد بابا، ~~هو أصل الاسم ms084 وأصل تأسيس تن بكتو، التي ربما كانت شهرتها في نهاية المطاف هي ~~مجرد وهم، سيزول ما إن نتمكن من قهر العقبات الكثيرة التي تمنع الوصول ~~إليها. # نشرت رسائل أخرى لروسو، مؤرخة في الثالث من مارس وفي الثاني عشر من يونيو، 1828، ~~في «نشرة الجمعية الجغرافية الفرنسية» في العام التالي. هذه المرة خلط هو أو محررو ~~النشرة بين اسم أحمد بابا والبطل الشعبي علي بابا: إذ كتب روسو: «آمل أن يكون بحوزتي ~~قريبا تاريخ تمبكتو الذي كتبه سيدي علي بابا من أروان، والذي أترقب وصوله من ~~توات.» # أما وارينجتون فاعتبر هذا دليلا إضافيا على الحيل الفرنسية القذرة. كيف أمكن ~~لروسو أن يكون في وضع يتيح له أن يتحصل على تاريخ تمبكتو الذي كتبه «علي بابا» بينما ~~لم يكن أي فرنسي قد وصل إلى المدينة؟ هل كان هذا هو الكتاب الذي كان لينج قد ألمح إليه ~~في خطابه الوحيد من ذلك المكان، والذي كان قد كتب فيه أنه قد «كوفئ بسخاء» في عمليات ~~بحثه عن سجلات المدينة؟ كان يوجد تفسير بسيط للأوراق المفقودة: وهو أن الفرنسيين قد ~~سرقوه. وكلما واصل في هذا المسار من التحقيقات، ازداد عدد الشهود الذين تقدموا ليعطوه ~~الإجابة التي رغب فيها. أخبره بونجولا بأن الدغيس قد استحوذ على أوراق لينج، بينما قال ~~موظف سابق لدى روسو إنه قد رأى الدغيس يسلم وثائق إلى القنصل الفرنسي مقابل مبلغ من ~~المال. خمن وارينجتون أنه لا بد أن يكون الدغيس قد حصل على ثمار رحلة لينج، وباعها ~~للفرنسيين ليساعدوه على دفع ديونه. # بينما كان وارينجتون يتأهب لمواجهة روسو بشأن أوراق لينج المفقودة، كانت الأنباء على ~~وشك أن تذيع بشأن أن أوروبيا ثانيا قد وصل إلى تمبكتو. كان هذا التطور سيئا على ~~نحو مضاعف لوارينجتون؛ لأن المستكشف كان فرنسيا. ~~••• # كان رينيه كاييه من نواح كثيرة يمثل نقيض لينج. كان شخصا بسيطا، وابن مجرم مدان، ~~وصار يتيما في الحادية عشرة من عمره، كما كان طفلا مهملا يتسم بشخصية حالمة، بل ~~كئيبة. كانت إحدى بوادر ms085 حظه الحسن المبكر القليلة هي أن ظهر في حياته معلم شجعه على ~~قراءة قصص المغامرات. كان ما ألهب مخيلة كاييه على وجه خاص هو رواية دانييل ديفو، ~~«روبنسون كروزو»، لكن لم يثر حماسه شيء في الأدب بقدر خريطة أفريقيا. في طفولته، كان قد ~~تمعن في شكل القارة الذي يشبه تركيبا مأخوذا من أجسام حيوانات ثديية، من ردف مستدير ~~إلى قرن وحيد القرن، وتأمل طويلا تعليقاتها التوضيحية المدهشة. أي مدن تقع في تلك ~~الفجوات غير المكتشفة؟ وأي مخلوقات غير منظورة؟ وأي حضارات مجهولة؟ ازداد شغفه ~~بالجغرافيا حتى صار ولعا. وقرر أن يصنع لنفسه اسما بارزا باكتشاف ما مهم في هذه ~~القارة التي لم يستكشف منها إلا القليل. انعزل عن أصدقائه، ونبذ الرياضة ووسائل اللهو ~~الأخرى، وكرس وقت فراغه للكتب والخرائط. في السادسة عشرة من عمره - وهو نفس عدد ~~الأعوام التي كانت قد مرت من القرن التاسع عشر - ترك وطنه وفي جيبه ستون فرنكا، متجها ~~إلى أفريقيا. # كان العقد الأول من حياة كاييه المهنية في الاستكشاف بمثابة تعلم للأخطاء التي يمكن ~~أن يقع فيها المغامرون الأوروبيون. أبحرت سفينة «لوار»، التي عمل على متنها مقابل أن ~~تحمله جنوبا، من فرنسا بصحبة الفرقاطة «ميدوسا»، وهي سفينة لاسمها سمعة سيئة. تحطمت ~~«ميدوسا» في مياه أرجين الضحلة السيئة السمعة، وهي جزيرة قبالة الساحل الغربي بالقرب من ~~كيب بلانكو، وعندئذ هرب القبطان والضباط إلى القوارب، وأودعوا 147 فردا من أصحاب ~~الرتب الأدنى طوفا مؤقتا جنح بهم بعيدا عن الشاطئ. لم ينج إلا خمسة عشر شخصا من ~~مشاهد القتال المخمور، والمجاعة، وأكل لحوم البشر التي اندلعت على متن الطوف، والتي ~~خلدها تيودور جيريكو في لوحته «طوف ميدوسا»، كناية عن فساد الصفوة الفرنسية. # سرعان ما وجد كاييه كوارث كبرى مماثلة تجري على البر. كان من بين هذه الكوارث حملة ~~استكشافية بريطانية كبيرة إلى الداخل الأفريقي وتمبكتو بقيادة الميجور جون بيدي، كانت ~~قد انطلقت من منطقة مستنقعات ينتشر بها داء الملاريا من عند مصب نهر نونيز. توفي بيدي ~~جراء الحمى قبل ms086 حتى أن يترك الساحل، ولم تقطع حملته إلا ثلاثمائة ميل في الداخل حتى ~~أجبرت على العودة ومعها نصف ضباطها موتى. لم يفت ذلك من عضد البريطانيين، وحاولوا ~~مجددا، هذه المرة بدءا من نهر جامبيا، لكن ملك بوندو استنزف الحملة الاستكشافية ~~بخبرة كبيرة حتى إن قائدها، الميجور ويليام جراي، سرعان ما اضطر إلى أن يرسل إلى ~~الساحل في طلب المزيد من الهدايا. انضم كاييه إلى قافلة إعادة التموين، التي حملت قدرا ~~أكبر بكثير مما يلزم من الأمتعة وأقل مما يلزم بكثير من المياه إلى الصحراء. أصبحت عينا ~~الشاب مجوفتين بسبب الجفاف، وشاهد اليأس يستولي على الرجال الآخرين حتى إنهم شربوا ~~بولهم. ولاحقا، أصابته الحمى، وكان من حسن حظه أن تمكن من العودة إلى فرنسا على قيد ~~الحياة. وهناك سمع أن هذه الحملات العسكرية البريطانية الفاشلة كانت قد تكلفت مبلغا ~~خياليا يصل إلى 750 ألف جنيه إسترليني، وهو ما يعادل 3,4 ملايين دولار في هذا ~~الوقت. # ومع ذلك ظل كاييه مثابرا. في عام 1824 عاد إلى أفريقيا ومعه فكرته الخاصة عن الهجوم ~~على الداخل الأفريقي. على خلاف حالات الفشل التي كان قد شهدها، كانت مهمته ذات تكلفة ~~قليلة ومتسمة بالحذر. كان سيتنكر في هيئة عربي مصري بائس كان قد تعرض للاختطاف على يد ~~القوات الفرنسية في طفولته وكان الآن متوجها إلى الإسكندرية عائدا إلى الديار. أمضى ~~ثلاث سنوات في التحضير لدوره، فتعلم العربية والنصوص الإسلامية، وأتقن قصته الملفقة، ~~وتعلم كيف يرتدي ثيابه، ويصلي، ويأكل مثل المسلمين. لم يكن الفرنسيون والبريطانيون ~~سيوفرون التمويل المالي لمهمته المنفردة، لكن كان من شأن جائزة الجمعية الجغرافية ~~الفرنسية أن تكون مكافأة كافية له. كان سيعطي المال لأخته، التي كانت تعيش في فقر في ~~فرنسا. # أقسم في نفسه: «حيا أو ميتا، سوف تكون من نصيبي.» # غادر كاييه ساحل غينيا في التاسع عشر من أبريل، عام 1827، في لباس عربي، وهو يحمل ~~معه مصحفا والمظلة الضرورية. ارتقى مستنقعات الملاريا إلى مرتفعات غينيا، وبذل جهدا ~~جهيدا وهو يمر عبر الممرات الجبلية والوديان والسيول الزاخرة ms087 بالعواصف المدارية. استظل ~~من الشمس تحت أشجار البومباكس الوارفة وأكل ثمار التمر الهندي ليدرأ الحمى التي كانت ~~تهدده دوما بأن تباغته. وفي مرتفعات فوتاجلون، عبر نهر النيجر - وحتى هنا، بالقرب من ~~منبعه، كان عرضه يبلغ مائتي ياردة - وبالقرب من كانكان نجا من محاولة مرشده اكتشاف أنه ~~مسيحي. تفشت في قدميه جروح نازفة وأدت إصابته بالإسقربوط إلى تعرية سقف حلقه حتى صار ~~عظمه مكشوفا، لكنه تعافى من ذلك. وواصل مسيره. وفي مارس من عام 1828 بلغ بلدة جني أو ~~جينيه على نهر باني، حيث وجد قاربا يأخذه شمالا إلى نهر النيجر، ثم 250 ميلا أخرى ~~إلى كابارا، مرفأ تمبكتو. وفي التاسع عشر من أبريل، من عام 1828، بعد مرور عام من ~~انطلاقه في رحلته، كان أخيرا قد اقترب من غايته. # في الساعة الواحدة من بعد ظهر ذلك اليوم، كان يختبئ في قعر القارب عندما ناداه الطاقم ~~ليخبروه أنهم يقتربون من كابارا، فسارع بالصعود إلى السطح. للوهلة الأولى لم يتمكن من ~~رؤية أي شيء إلا مستنقع تغطيه طيور مائية؛ ثم ظهر المرفأ الصغير الذي يخدم تمبكتو، ~~طافيا فوق خط الفيضان على تلة صغيرة. كانت المياه في النهر ضحلة للغاية بحيث لم تكن ~~تسمح للقارب بأن يقترب؛ لذا ركب قاربا صغيرا جره العبيد عبر المياه الضحلة. # لم يكن المرفأ مثل لو هافر أو مرسيليا، لكن كان ثمة الكثير من الضجة حول كابارا. ~~كان رصيف الميناء مزدحما برجال ونساء يحملون البضائع جيئة وذهابا، بينما أخذ نجارو ~~السفن يعملون على إصلاح قوارب صغيرة كانت قد نقلت إلى الشاطئ. كانت شوارع المدينة ~~الضيقة نفسها مليئة بصخب أناس يبيعون السمك، واللبن، وجوز الكولا، والفستق، بينما ~~أخذت مجموعات متتابعة من الحمير والجمال تمر باستمرار، تحمل البضائع إلى تمبكتو. كان ~~ذلك اليوم هو اليوم الأخير من شهر رمضان، وعند الغسق عجت المدينة بالرقص ~~والاحتفالات. # في الساعة الثالثة والنصف من عصر اليوم التالي، انضم كاييه إلى قافلة صغيرة كانت ~~تتجمع على الطريق إلى تمبكتو. # كان الطريق شمالا أبيض برمال لامعة ناعمة جدا حتى ms088 إنها جعلت السير عليها صعبا. مر ~~الطريق ببحيرات غير متوقعة كانت ضفافها مكسوة بغزارة بالنباتات، وعبر غابة قزمة من ~~النخيل وشجيرات الميموزا وصمغ الأكاسيا. وطيلة معظم الرحلة كانوا يتبعهم رجل من الطوارق ~~كان على صهوة جواد بديع وكان هذا الرجل قد نظر إليه نظرات متفحصة وسأل سائقي القافلة ~~عن الجهة التي جاء منها، لكن الفارس فقد اهتمامه بعد أن أخبروه أن كاييه كان مصريا ~~فقيرا. وعلى بعد ميلين ونصف الميل على المسار، في منتصف الطريق بين كابارا وتمبكتو، ~~بلغوا موضعا اشتهر بأنه كانت ترتكب فيه جرائم القتل وكان يعرف باسم «لا يسمعون»؛ ~~لأنه من ذلك الموضع لم تكن صيحات الاستغاثة تسمع في أي من المدينتين. مضت القافلة ~~آمنة عبره. وبعد مسيرة ميلين آخرين، كانت الشمس في الأفق عندما صعد المسار كثيبا ~~رمليا قاحلا. وأخيرا، من فوق قمته، استطاع كاييه أن يبصر مقصده. # كانت المدينة أمامه منبسطة ومنخفضة، ممتدة بين سماء هائلة وصحراء شاسعة. كتب رحالة ~~لاحق عن بلوغ هذه البقعة: «لا شيء ينقص من المشهد الشاسع الذي يضيئه الوهج النابض ~~لشمس الصحراء القوية.» وأردف: «حقا إنها متوجة في الأفق بجلال ملكة. إنها بالفعل ~~مدينة الخيال، تمبكتو التي حكت عنها الأسطورة الأوروبية.» استحوذ الانفعال على كاييه: # الآن رأيت عاصمة بلاد السودان هذه، وصار ما كان لأمد طويل موضع أمنياتي في ~~متناولي. لدى دخولي هذه المدينة الغامضة، التي هي موضع فضول وبحث أمم أوروبا ~~المتحضرة، شعرت برضا لا يوصف. لم أشعر من قبل بمشاعر مماثلة وكانت نشوتي ~~مفرطة. # لم يكن بوسعه أن يشاطر فرحه مع الآخرين خوفا من أن تنكشف هويته. وبدلا من ذلك شكر ~~ربه في صمت؛ فقد بدت العقبات والأخطار مستعصية، لكن بحفظ الرب ورعايته حقق ما كان ~~يطمح إليه. # ولكن عندما اقترب أكثر، بدأت حماسته تتلاشى. لم تكن تمبكتو رائعة بقدر ما كان يتوقع: # لم تكن المدينة، لأول وهلة، سوى كتلة من المنازل القبيحة المنظر، المبنية من ~~الطين. لم يكن ثمة ما يرى في كل الاتجاهات سوى سهول هائلة ms089 من رمال متحركة ~~ذات لون أبيض مصفر. كانت السماء بلون أحمر شاحب على امتداد الأفق: اكتست ~~الطبيعة كلها بمظهر كئيب، وساد سكون عميق للغاية؛ فلم يكن يسمع حتى صوت تغريد ~~طائر. # لم تكن أبنيتها عالية ولا ضخمة ضخامة مميزة؛ وكان معظمها يتألف من طابق واحد. لم يكن ~~للمدينة أسوار. لم يكن ثمة نسمة ريح، وعندما استلقى لينام جعلته الحرارة الخانقة يشعر ~~بعدم الراحة أكثر من أي وقت مضى. وفي صباح اليوم التالي، بعدما تفحص المدينة في ضوء ~~النهار، وجد أنها لم تكن كبيرة ولا مزدحمة بقدر ما كان قد انساق إلى أن يعتقد. كان ~~سوقها الفاخر صحراء جرداء مقارنة بسوق جني. كان جوها يبعث على الخدر. أورد قائلا: ~~«كان لكل شيء مظهر كئيب.» ثم أضاف: «دهشت من الركود، بل يمكنني حتى أن أقول الجمود، ~~الذي تجلى في المدينة.» # كما كان البارون روسو قد توقع، كانت المدينة العظيمة ذات المنازل المسقوفة بالذهب ~~مجرد وهم. كتب كاييه أن «التصورات المبالغ فيها» عن هذه المدينة التي كانت «موضع فضول لعصور عديدة» كانت قد سادت، مشتملة تعدادها، وحضارتها، وتجارتها مع بلاد السودان. ~~كانت مدينة صغيرة، قطرها ثلاثة أميال، ومثلثة الشكل تقريبا، وكانت قائمة على تربة ~~كانت «غير صالحة للزراعة على الإطلاق» ولم يكن فيها أي نباتات سوى أشجار متقزمة ~~وشجيرات. # ومع ذلك، كان للمدينة بعض الميزات الإيجابية التي كان من شأنها أن تقلل من خيبة أمله. ~~كانت شوارعها نظيفة، وأهلها متأنقين، ولطفاء وميالين لمساعدة الغرباء، على النقيض مما ~~كان قد قيل لبارك. لم تكن النساء محجبات مثل النساء في المغرب وكان مسموحا لهن الخروج ~~متى شئن وزيارة من شئن. كان يوجد في المجمل سبعة مساجد، منها مسجدان كبيران، وكانت ~~تعلو كلا منها مئذنة من الطوب. وعندما ارتقى كاييه برج مسجد جينجربر الكبير، لم يسعه ~~إلا أن يعبر عن إعجابه بحقيقة أن مدينة قد بنيت هنا أصلا: «لم يسعني سوى أن أتأمل ~~في ذهول المدينة المذهلة التي أمامي، التي لم تنشأ إلا لدواعي التجارة، والمفتقرة ms090 ~~إلى كل مورد عدا ما يتيحه موقعها العرضي بصفتها مكانا لتبادل السلع.» # كان حاكم تمبكتو تاجرا يدعى عثمان، كان قد ورث ثروة كبيرة من أسلافه، وكان «ثريا ~~جدا» على نحو مرض. استقبل الحاكم كاييه بينما كان جالسا على بساط جميل عليه وسادة ~~فاخرة: # بدا أن الملك كان ذا طبيعة ودودة للغاية؛ ربما يكون عمره حوالي خمسة وخمسين ~~عاما، وكان شعره أبيض ومجعدا. كان متوسط الطول، وكان لونه قاتم السواد. كان ~~له أنف معقوف، وشفتان رفيعتان، ولحية رمادية، وعينان واسعتان، وكانت طلعته في ~~مجملها مقبولة؛ أما ملبسه فكان، كملابس المور، يتألف من أشياء أوروبية الصنع. ~~كان على رأسه طاقية حمراء، تلتف حولها قطعة كبيرة من نسيج قطني على هيئة عمامة. ~~كان حذاؤه مصنوعا من جلد الماعز المدبوغ، على شكل النعال التي نرتديها في ~~الصباح، ومصنوعا محليا. وكان كثيرا ما يزور المسجد. # كانت التجارة هي شريان الحياة لهذه المدينة التي كانت «واحدة من أكبر المدن» التي ~~رآها كاييه في أفريقيا، و«المركز التجاري الرئيسي» لهذا الجزء من القارة. كان يوجد ~~الكثير من المغاربة هنا، والذين كانوا يقيمون من ستة إلى ثمانية شهور ليبيعوا بضائعهم ~~ويشتروا المزيد من البضائع التي يحملونها إلى الشمال. كتب كاييه أنه، فيما يتعلق ~~بالتجارة، كان الناس مجتهدين وأذكياء؛ وكان التجار عموما أثرياء، ويسكنون أفضل المنازل ~~في المدينة ويمتلكون الكثير من العبيد. تألفت السلع بالأساس من الملح وبضائع أخرى كانت ~~تصل إلى تمبكتو عن طريق القوافل أو بالقوارب. وكانت توجد حتى أغراض من أوروبا؛ إذ وجد ~~كاييه بنادق ذات ماسورتين عليها علامة مصنع الأسلحة الفرنسي المملوك للدولة في سانت ~~إتيان، إلى جانب مصنوعات أوروبية «زجاجية، وعنبر، ومرجان، وكبريت، وورق، وما شابه.» كان ~~ما أورده كاييه عن «الورق، وما شابه» هو أقرب إشارة جاء على ذكرها فيما يتعلق ~~بالمخطوطات. # أقام الفرنسي في المدينة أسبوعين. وكرس أيامه القليلة الأخيرة لمحاولة معرفة ما ~~أصاب لينج، الذي كان قد سمع اسمه في جني، وأراه أحدهم الموضع الذي قيل إنه قد قتل ~~فيه. بكاه ms091 كاييه سرا؛ إذ كان ذلك هو «الإعراب الوحيد عن الأسف الذي يمكنني تقديمه ~~للرحالة المنكود.» غادر كاييه تمبكتو في الرابع من مايو، من عام 1828، مرتحلا مع قافلة ~~تحمل ريش النعام، والعاج، والذهب، والعبيد إلى أسواق المغرب. وأعطاه مضيفه، سيدي عبد ~~الله شبير، الذي كان «رجلا رائعا»، بضاعة كافية لتمويل رحلته القادمة واستيقظ مبكرا ~~في يوم الرحيل ليرافقه لبعض المسافة، قبل أن يصافح كاييه بمودة ويتمنى له ~~التوفيق. # كان رجال القافلة أقل تمسكا بكرم الضيافة. لم يظهر سائقو القافلة أي رحمة ~~بالمسافر المعدم، وكانوا أسوأ مع العبيد. كان الماء شحيحا دوما حتى إن كاييه شعر ~~باستمرار أنه على وشك الموت، ورفض سائقو القافلة أن يعطوه المزيد حتى عندما توسل ~~إليهم. انطوت العواصف الرملية على خطر أن تطمر القافلة كلها، متخذة في بعض الأحيان ~~هيئة زوابع ترابية هائلة. وحتى عندما كانوا يرتحلون تحت السماء الحارقة، لم يسعه إلا أن ~~ينبهر برحابة الطبيعة الصحراوية، بآفاقها التي لا حدود لها، وسهولها الشاسعة ~~البراقة. ~~••• # بلغ كاييه القنصلية الفرنسية في طنجة في السابع من سبتمبر، بعد 507 أيام من انطلاقه. ~~كان منهكا، ومعتلا، ويرتدي أسمالا، لكن كان بوسعه أخيرا أن يتخلى عن تنكره، ~~فارتدى ملابس أوروبية، وعثر على سفينة متجهة إلى تولون. وهناك كتب إلى جومار في ~~الجمعية الجغرافية الفرنسية، الذي أرسل إليه على الفور خمسمائة فرنك لتغطية نفقات رحلته ~~إلى العاصمة الفرنسية. وفي باريس، استجوب جومار وزملاؤه الرحالة من أجل التحقق من ~~روايته، التي أعلنوا أنها حقيقة؛ فقد حقق «كل شيء ممكن ... أكثر مما كان يؤمل بما كان ~~لديه من الموارد»، وقد «نجح نجاحا كاملا.» وعلى الرغم من الاعتراضات البريطانية، ~~منح كاييه الجائزة المالية، وفي عام 1830، منح الميدالية الذهبية، على الرغم من أنه ~~اتفق على أنه ينبغي تقاسمها مع لينج. # قوبل انتصار كاييه بصيحات تفاخر مزهوة في فرنسا. فصرحت إحدى الصحف الفرنسية: «ها ~~نحن ذا لدينا ما هو محط فخر لفرنسا، ومحط غيرة من منافستها الدائمة!» وأضافت: «ما ~~عجزت إنجلترا عن إنجازه، بمعاونة مجموعة كاملة من ms092 المستكشفين، وبتكلفة تجاوزت عشرين ~~مليونا، فعله رجل فرنسي بموارده الشخصية الشحيحة وحدها، وبدون أن يكلف وطنه أي نفقات.» ~~رد البريطانيون بغضب عارم. كيف استطاع فرنسي بسيط، متواضع التعليم، أن يبلغ الهدف الذي ~~كانوا يسعون إليه لعقود؟ كانت شدة حمى بلوغ تمبكتو قد تمخضت عن العديد من الادعاءات ~~الكاذبة في الأعوام الأخيرة؛ ومن المؤكد أن رواية كاييه كانت مجرد كذبة أخرى. الأمر ~~الأرجح أن السفينة التي كان على متنها قد تحطمت على الساحل البربري وأنه سمع بعض ~~المعلومات المبهمة عن الداخل الأفريقي وتظاهر بأنها من عنده. لم يؤد تظاهره بالإسلام ~~إلا إلى زيادة الغضب البريطاني؛ لأنه إن كان المستكشف على استعداد لأن يبدل دينه ~~طوعا، فكيف يمكن لملاحظاته أن تكون محل ثقة؟ # ذكرت دورية «كوارترلي ريفيو» أن «هذا الصياح والأنين الأبدي حول «غيرة» و«منافسة» ~~إنجلترا» لا يدل إلا على «إدراك دائم التكرر للأفضلية الفكرية والجسدية لمواطنينا على ~~مواطنيهم»، ومضت بعد ذلك لتبذل قصارى ما في وسعها للطعن في «تدليس» كاييه. وأردفت أن ~~لينج كان المكتشف الحقيقي لتمبكتو، بينما كان كاييه «شخصا جاهلا»، وأن جومار لم يفعل ~~ما يمليه عليه ضميره في التحقق من رحلته. وأضافت: «إننا لن نبدي أي رأي بشأن ما إذا ~~كان السيد كاييه قد بلغ تمبكتو أم لم يبلغها، لكننا لن نتردد في أن نقول، فيما يتعلق ~~بأي معلومات عاد بها، بشأن جغرافيا وسط أفريقيا، أو بشأن مسار «جوليبا»، إنه ربما كان ~~من الأفضل لو أنه كان قد بقي في وطنه.» واختتم النقد اللاذع برواية مطولة وجيدة ~~الإحاطة لنظرية المؤامرة البريطانية التي مفادها أن روسو والدغيس قد سرقا أوراق ~~لينج. # تأذى كاييه بشدة من هذه الهجمات، التي أثرت فيه، حسبما قال، أكثر من «كل ~~المشقات، والمتاعب والشظاف» التي كان قد جابهها في الداخل الأفريقي. # في طرابلس، دفع الاحتفال بالفرنسي وارينجتون إلى أن يمشط الصحراء أكثر مما مضى ~~بحثا عن يوميات لينج، التي كانت حينئذ تتحمل عبئا مزدوجا من إنقاذ لمجد بلاده ومجد ~~زوج ابنته. وفي أكتوبر من ms093 عام 1828، كتب إلى وزارة الحرب والمستعمرات عن «المؤامرة ~~البائسة» التي كان لديه فيها «ما يدعو إلى الاشتباه في أن القنصل الفرنسي ربما يكون قد ~~سرق أوراق الميجور لينج.» وبحلول شهر مايو من عام 1829، كان يبلغ الحكومة البريطانية ~~بأن الدغيس لم يكن ينتظر فحسب وصول نسخة من كتاب «تاريخ تمبكتو» وإنما أيضا وصول مؤلفه ~~«سيدي علي بابا الأرواني» من توات. (هذا بغض النظر عن حقيقة أن «أحمد» بابا كان قد ~~توفي منذ أكثر من مائتي سنة.) # قال وارينجتون إنه، في البداية، كان يميل إلى السخرية من فكرة أن تأريخا لتمبكتو قد ~~صدر في أفريقيا؛ لأنه لم يكن يعتقد أن أي أفريقي سيهتم بماضي بلده. وتساءل: «هل من ~~المحتمل أن يكون سيدي علي بابا هذا قد فحص السجلات وكتب تاريخ تمبكتو؟ صدقني، إن قصعة ~~كسكسي لهي موضع للبحث عند أي من المور أكثر من تاريخه.» ومع ذلك، كان حينئذ مقتنعا ~~بأن لينج لا بد أن يكون قد تحصل في تمبكتو على تأريخ «علي بابا»، وأن هذا من ثم كان ~~دليلا على المخطط الفرنسي. وأعلن أنه «من المؤكد أنه يحق لنا أن نصدق أن لينج كان ~~بحوزته تاريخ تمبكتو.» كانت ثمة خطوة قصيرة ما بين هذا التوهم واستنتاج أن من كان ~~بحوزته نسخة من هذا «التاريخ» فإن بحوزته أيضا يوميات لينج. # لإجبار الباشا على إخراج الوثائق، قطع وارينجتون العلاقات الدبلوماسية في يونيو من ~~ذلك العام ونكس العلم البريطاني. أما الباشا، الذي اعتمد بقاؤه على أن يستعين بالنفوذ ~~البريطاني في مواجهة الفرنسيين، فقد أصابه الذعر. وفي الخامس من أغسطس أعلن أن مجموعة ~~من الناس كانوا آتين من الصحراء سيشهدون بالتأكيد بأن أوراق لينج قد أعطيت إلى الدغيس ~~والقنصل الفرنسي. وبعدما استقرأ الدغيس الرياح السياسية، قرر أن يهرب؛ وبعد ثلاثة ~~أيام هرب إلى خارج طرابلس على متن فرقاطة أمريكية صغيرة. وبعد ذلك بوقت قصير، أمر ~~الباشا بتنكيس العلم الفرنسي من فوق قنصلية روسو. # تتكشف حالة وارينجتون العقلية في رسالة كتبها إلى وكيل وزارة المستعمرات، آر ms094 دبليو ~~هاي، في العاشر من أغسطس، من عام 1829، والتي قال فيها بوضوح: «إن رغبت في أن تتخذ أي ~~خطوات مع السلطات الفرنسية فيمكنك أن تتخذها باطمئنان وثقة؛ لأنني أخشى من أن السيد ~~روسو سيهرب إلى أمريكا هو الآخر، ما إن يسمع بأن فعلته الشائنة قد اكتشفت. إنه لم ~~يختلس من الحكومة الإنجليزية يوميات ومخطوطات الميجور لينج فحسب، وإنما أيضا سرق ~~خطابات لزوجته، ولي، ولعائلتي.» # واختتم وارينجتون بقوله إن الأمر «حقا مروع للغاية ولا يمكنني المتابعة.» # وبعد يومين، توج هجوم وارينجتون المخبول على روسو بعرض للمبارزة. كان البارون ~~بالفعل قد تحمل ما فيه الكفاية؛ وخوفا على حياته، طلب من الولايات المتحدة أن تساعده ~~في الهروب من طرابلس، وهرب، مثل الدغيس، على متن سفينة أمريكية. وبعد أن صارت «مسألة ~~لينج» أزمة دبلوماسية كاملة، عينت الحكومة الفرنسية لجنة للتحقيق في مزاعم وارينجتون. ~~وفي وقت لاحق من ذلك العام، أعلنت أن روسو بريء من كل التهم. # لم تكن التداعيات قد انتهت بعد. كانت تلك الأحداث قد جعلت فرنسا تبدو بلهاء واحتاجت ~~إلى تدارك ذلك. في عام 1830، وصلت سفينة حربية فرنسية إلى مرفأ طرابلس وأمر الباشا ~~علنا بأن يسحب كل التهم التي وجهها إلى القنصل الفرنسي وأن يسدد إلى دائنيه الفرنسيين ~~ديونا بقيمة 800 ألف فرنك. وإذ كانت قاعة عرش الباشا في نطاق المدافع الفرنسية، اضطر ~~إلى أن يقبل. وبعد أن أصبحت الأسرة الحاكمة القرمانلية مفتقرة إلى المال وكذلك إلى ~~المصداقية، كان حكمها يشارف على نهايته؛ وفي عام 1832 أطيح بالباشا من فوق عرشه وعين ~~حاكم عثماني بعد ذلك بفترة وجيزة. توفي الرجل، الذي كان يوما ما حاكم طرابلس القوي، ~~وهو يرتدي أسمالا بالية في كوخ على مسافة قصيرة من القصر الذي كان قد سكنه وقتا ~~طويلا جدا. # كان حال روسو أفضل قليلا. يبدو أنه لم تصل إليه أي نسخة من كتاب «تاريخ السودان»، ~~وهو المخطوط الذي كان من الممكن أن يجعل اسمه بارزا. وبعد التدخل الفرنسي، عاد إلى ~~طرابلس، لكن الشكوك في باريس ولندن ظلت قائمة ms095 بشأن مسلكه، ومات بعد ذلك بوقت قصير، في ~~عام 1831. انتهت قصة كاييه نهاية أسعد قليلا. اختير عضوا في جوقة الشرف وكوفئ بمعاش ~~منتظم، وجعله الكتاب الذي يحوي روايته لأسفاره في ثلاثة مجلدات، والذي نشر على نفقة ~~الدولة في عام 1830، رجلا مشهورا. وعلى الرغم من أنه لم ينجح في أن يحظى بدعم من أجل ~~المزيد من الحملات إلى أفريقيا، فقد عاش مع زوجته وأطفاله في مزرعة في غرب فرنسا حتى ~~وقع ضحية لمرض السل وتوفي في السابع عشر من مايو من عام 1838. أما وارينجتون فبقي في ~~طرابلس حتى عام 1846، وعند ذلك الحين أجبر على الاستقالة بعد شجار مع قنصل نابولي ~~على علبة سيجار. وانتقل إلى باتراس، باليونان، حيث مات في العام التالي. ولم يكن قد ~~عثر على يوميات لينج. # أما فيما يتعلق بالمدينة التي كانت موضع الاشتهاء الأوروبي؛ فقد تحقق هدف الوصول إلى ~~تمبكتو، ولكن ليس بالطريقة التي كان يتمناها أي أحد. ومع ذلك، ألهم تبديد كاييه العلني ~~للأسطورة الذهبية التي كانت قد دامت منذ العصور الوسطى طالبا جامعيا في كامبريدج في ~~التاسعة عشرة من عمره أن ينظم شعرا عنها. ففي عام 1829، العام التالي لعودة المستكشف ~~الفرنسي، اشترك الشاب ألفريد، اللورد تنيسون، بقصيدته «تمبكتو» في مسابقة الجامعة ~~الشعرية. تروي القصيدة حكاية كيف بدد «الاستكشاف» حلم الشوارع الفضية والقباب ~~المرتعشة التي كان يعتقد يوما ما أنها موجودة في المدينة الكائنة في الصحراء ~~الكبرى: # أيتها المدينة! أيها العرش الأخير! حيث نشأت # على أنه لغز من الحسن # في كل العيون، اقترب الوقت # الذي يتعين علي فيه أن أترك هذا الوطن المجيد # إلى الاستكشاف المتبصر: قريبا الأبراج المتألقة القاصية # ستعتم بتلويح عصاه السحرية؛ # ستعتم، وتتضاءل وترتعش متحولة إلى أكواخ، # بقع سوداء وسط صحراء من رمال كئيبة، # مستوطنات بربرية منخفضة البناء، ذات جدران طينية. # كم تبدلت من هذه المدينة الجميلة! # وفي نهاية القصيدة، قال: «القمر/قد سقط من سماء الليل، وكل شيء صار ~~ظلاما!» # الفصل السابع # | قائمة إسماعيل # أبريل 2012 # بدا الأمر وكأن تمبكتو قد قصفت بالورق ms096. خارج كل مبنى حكومي - مبنى البلدية، ومبنى ~~المحافظة، والبنوك - فرش بساط من وثائق مكتوبة بالآلة الكاتبة، أو مطبوعة، أو مكتوبة ~~بخط اليد، إنجازات مائة عام من البيروقراطية الحكومية. كان الإداريون قد عملوا منذ ~~أزمنة الاستعمار على جمع تفاصيل لكل جانب من جوانب الحياة في تمبكتو، لكن الثوار، ~~أثناء تحطيمهم لمكاتب المدينة، كانوا قد سحبوا الملفات من كل رف وخزانة ورموها في ~~الطرقات والأزقة، حيث طرحت لتداس بالأقدام. في أحد الأيام مر إسماعيل ديادي ~~حيدرة، بالقرب من المدخل الجنوبي للمدينة، من كثيب رملي مغطى بأوراق أخذت الريح ~~الساخنة تقلبها. تذكر حوداي آغ محمد، الذي كان هو نفسه مسئولا حكوميا لأمد طويل ~~قائلا: «انكشفت دخيلة المدينة أمام الجميع. كانت أسرارها التي أحيطت بكتمان شديد ~~ملقاة في الشوارع.» ولأولئك الذين رأوا العالم من خلال المخطوطات، كان هذا نذيرا بما ~~قد يأتي. # بعد رحلته الطويلة بالسيارة إلى الشمال، بقي حيدرة مع زوجته وأطفاله الخمسة في بيتهم ~~في هامابانجو. أثناء تلك الأيام أمضى جل وقته في مكالمات هاتفية، يتحدث مع أصدقائه ~~وزملائه، ومن وقت لآخر مع صحفيين أيضا. قال لمراسل لصحيفة «لوبوان» إنه منذ وصول ~~الجهاديين كانت الفوضى في المدينة قد أصبحت إلى حد كبير تحت السيطرة. لم يكن قد حدث ~~بعد أي تهديد خطير للمكتبات، لكن هذه الأوقات كانت أوقاتا مضطربة؛ وقال: «تكمن ~~المشكلة في أننا لا نعرف حقا ما يحدث، فضلا عن أن ما نعرفه عما ستأتي به الأيام ~~القادمة أقل.» # كان قلق متزايد يساور منظمات العناية بالتراث خارج مالي. في يوم الثلاثاء، الموافق ~~الثالث من أبريل، اليوم التالي لاستيلاء جماعة أنصار الدين على مقاليد الأمور، أصدرت ~~إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونسكو، تحذيرا بشأن مباني المدينة التاريخية، ~~قائلة: «إن عجائب الهندسة المعمارية المصنوعة من الطوب اللبن في تمبكتو التي تتضمن ~~مساجد جينجربر، وسانكوري وسيدي يحيى العظيمة يجب أن تصان.» واصفة المدينة بأنها ~~«أساسية للحفاظ على هوية الشعب المالي وتراثنا العالمي.» وتوقع آخرون وجود خطر كبير ~~على المخطوطات. قال شاميل جيبي، رئيس مشروع مخطوطات ms097 تمبكتو التابع لجامعة كيب تاون: ~~«ليس لدي ثقة في المتمردين.» ثم أضاف: «ربما يكون القائمون على قيادتهم من المتعلمين، ~~لكنهم يرسلون جنودا يتصفون بالجهل وإذا رغبوا في شيء فسيأخذونه ... لن يكون لديهم أي ~~احترام للثقافة الورقية.» # في ذلك الوقت بدأت عريضة أطلقتها مجموعة من واحد وخمسين فردا من كبار الباحثين ~~ومديري المكتبات تكتسب زخما على الإنترنت. اجتذبت العريضة، الداعية إلى حماية ~~المخطوطات خشية أن يتعرض جانب مهم من ذاكرة العالم «للانمحاء»، أسماء أكثر من 1500 ~~أكاديمي من جامعات في أربع وسبعين دولة، من ضمنها ييل، وهارفرد، وأكسفورد، وكمبريدج، ~~والسوربون. أما رئيس معهد أبحاث غرب أفريقيا، فحذر من أن الوثائق الثمينة قد تباع ~~بطريقة غير قانونية أو تتعرض للإتلاف على أيدي المحتلين. وقال الباحث حمادي بوكوم: «هذه ~~المخطوطات ظلت باقية عبر العصور بفضل نظام علماني.» ثم أردف: «وبوصول الإسلاميين، اختل ~~ذلك النظام العلماني، وصارت تلك الثقافة في خطر.» # كان إسماعيل هو الآخر قلقا بشأن نهاية النظام العلماني. شكل تنظيم القاعدة منذ ~~أمد طويل تهديدا لمعلمي اللغة الفرنسية في مالي، وكان النظام التعليمي أحد الأهداف ~~الأولى لبرنامج الأسلمة الذي اتبعته جماعة أنصار الدين. أصدر الجهاديون أوامر بفصل ~~الأولاد عن البنات، ولكن لم يكن يوجد ما يكفي من المعلمين الباقين للتدريس للفصول ~~الإضافية، فبقيت المدارس مغلقة. وأعلن أيضا حظر تدريس الفلسفة، وهو ما وجد إسماعيل ~~أنه يمثل تهديدا شخصيا له؛ لأنه حسب علمه كان هو الوحيد في المدينة الذي كان ~~يدرسها. كان لديه مكتبة كبيرة من الكتب المطبوعة المكرسة لهذه المادة، ومن بينها ~~أعمال لأفلاطون وأرسطو وسينيكا وسبينوزا ودي مونتين، وكان يعرف أن الجهادي ذا اللحية ~~الحمراء، حماها، كان على علم بوجودها لأنه هو وشقيقه الأكبر، الذي كان صديقا للعائلة، ~~كانا قد اعتادا على أن يأتيا لقراءة تلك الكتب. # غير أن مصدر القلق الأكبر لإسماعيل كان يتمثل في مخطوطاته. كان مشغولا في مكتبة ~~فوندو كاتي الخاصة به، وبحلول يوم الأربعاء كانت الوثائق قد صارت مخبأة في أماكن ~~رفض أن يبوح بها حتى بعد عامين ms098 ونصف. وكان كل ما قاله: «بهذه الطريقة، حتى وإن أتى ~~الرجال إلى المبنى، ما كانوا سيجدون أي شيء.» # لم يكن هو الوحيد الذي يخفي المخطوطات. كانت مكتبة الونجري - التي كان يقال إنها ~~تعتمد على المجموعة الأصلية للشيخ محمد باغايوغو (بغيغ)، العلامة الذي عاش في تمبكتو ~~في القرن السادس عشر - تحت رعاية القائم عليها محمد سيسيه بينما كان مالكها في الخارج. ~~في الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الخميس، انزعج سيسيه من تحذير جاءه في مكالمة ~~هاتفية من مجهول. قال المتحدث: «توخ الحذر، فالأشرار واقفون أمام بوابتك.» # جعلت المكالمة سيسيه يقع في حيص بيص. ماذا كان بوسعه أن يفعل؟ كان عليه أن يذهب ~~ليرى من هؤلاء «الأشرار» ويعرف مبتغاهم. عندما بلغ مبنى المكتبة، القائم في أحد ~~التقاطعات في متاهة الشوارع الواقعة خلف مسجد سيدي يحيى، رأى شاحنتين صغيرتين من شاحنات ~~الجهاديين واقفتين بالخارج أمام واجهة المبنى. حسبما بدا له، لم يكن الرجال المسلحون ~~ينوون الدخول، ولكن مع ذلك كان قلقا. في تلك الليلة اتصل بمالك المكتبة، مختار بن ~~يحيى الونجري، ليخبره بما حدث، واتفقا على أنه ينبغي نقل المخطوطات. وبعد يومين، جاء ~~سيسيه وشقيق مختار الأكبر في جنح الظلام ببضع حقائب وبعض الخزائن لبدء عملية ~~النقل. # تذكر سيسيه الأمر قائلا: «تأملت الجو العام [حول المكتبة]، وتحققت مما إذا كان ~~هادئا حقا وأنه لم يكن يوجد أشخاص مسلحون يتسكعون عند الناصية.» كان الشارع خاليا ~~من المارة؛ لذا انسلا إلى الداخل وأغلقا الباب خلفهما، وشرعا في إنزال المخطوطات من فوق ~~الأرفف ووضعها في الحقائب والخزائن. ومن شدة ارتباكهما لم يعطيا الأولوية للمخطوطات ~~الأكثر أهمية؛ وإنما أخذا ما استطاعا أخذه. استغرق الأمر من نصف ساعة إلى ساعة لملء كل ~~خزانة. أضاف قائلا: «في كل مرة كنا نأخذ مخطوطة، كان يتعين علينا أن نفعل ذلك برفق، ~~وأن نتوخى الحذر حتى لا نتلفها؛ لأن المطويات قديمة جدا. كان ذلك هو السبب في استغراق ~~الأمر الكثير من الوقت.» عندما كان أحد الصناديق يمتلئ، كان يغلق بقفلين. وضعا ms099 بعض ~~المخطوطات في حقائب أيضا، لكن كان يصعب حمل هذه الحقائب. # أصغيا بانتباه قبل أن يغادرا، وعندما كان الشارع في الخارج هادئا، أخذا نفسا ~~عميقا وفتحا الباب. حمل أحد الرجلين الخزائن على عربة يد، بينما أحضر الآخر الحقائب ~~الثقيلة. كان شقيق مختار يقطن على مسافة قريبة، على الطريق الرئيسي في الناحية المقابلة ~~لمسجد سيدي يحيى، وأخذا المخطوطات إلى منزله ووضعاها في غرفة مظلمة، وغطياها بأغراض ~~منزلية أخرى بحيث حتى لو جاء أحد ما وتفقد المكان، ما كان سيراها. # لم يكن إخفاء المخطوطات خيارا متاحا للمكتبة الأكثر ظهورا للعيان، الكائنة في مبنى ~~أحمد بابا الجديد في سانكوري، التي احتوت على حوالي 15000 وثيقة من جملة وثائق المعهد ~~البالغ عددها 38803 وثائق. كان رئيس المعهد عاكفا على العمل في هذه المهمة في أيامه ~~الأخيرة ثم سلمها إلى مدير جديد، ولاذ بالفرار من المدينة في ذلك الأسبوع. كان عبد ~~الله سيسيه، وهو رجل طويل القامة ذو وجه بارز العظام، هو الآن أقدم موظفي المؤسسة في ~~تمبكتو. وفي يوم الخميس، تلقى هو الآخر تحذيرا من مجهول. قيل له: «ثمة عصابات تريد ~~أن تأتي وتدمر مكتبتك.» قرر أنه يوجد شيء يمكنه فعله؛ وهو أن يطلب المساعدة من ~~المحتلين الجدد للمدينة. # انطلق صوب معسكر الجيش، الذي كان الجهاديون يتخذونه قاعدة لهم في ذلك الوقت، وسأل ~~حارسا ملتحيا يرتدي زيا عسكريا إن كان يمكنه أن يتحدث مع إياد آغ غالي. لكن قائد ~~جماعة أنصار الدين لم يكن هناك، وبدلا من ذلك أحيل سيسيه إلى قائد آخر، وهو رجل ~~تشادي يدعى أداما الذي سيشتهر بأنه يرتدي سترة انتحارية أينما ذهب. أوضح له سيسيه ~~أنه كان قد تلقى تهديدا بأن مبنى أحمد بابا سيتعرض للنهب، وأخبره أنه يجب حمايته ~~مهما كلف الأمر. وعده أداما بأنه سيرى ما بوسعه فعله. # بعد يومين، وصلت مجموعة من الجهاديين إلى سانكوري وبدأت في الانتشار حول المبنى. ذهب ~~سيسيه ليتحدث إليهم، وأخبرهم أنه كان يعمل لحساب المعهد وأنه تمبكتي؛ قال: «أنا من ~~المدينة ولن أغادرها»، وأنه ms100 يتعين عليه أن يأتي بانتظام ليتحقق من أن كل شيء في أمان، ~~فتلك كانت وظيفته. اتفقوا على أن يدعوه يتفقد المكان متى أراد، واستمر في زيارة ~~المبنى كل بضعة أيام ليتأكد من أنه لم يحدث أي ضرر به. # في مبنى أحمد بابا القديم في شارع شيمنيتز، كان متعهد المبنى أبا تراوري وحفيده ~~حاسيني يحاولان أن يصدا مجموعات اللصوص الذين طلبوا منهم أن يفتحوا المخازن، وكانا ~~يخبرونهم بأنهما لم يكن معهما أي مفاتيح. وعندما شرحا هذه المشكلة للجهاديين، تلقيا ~~رسالة باللغة العربية مفادها أن المبنى كان تحت حمايتهما وأنه يجب أن يترك وشأنه. تذكر ~~حاسيني قائلا: «عندما كان يجيء اللصوص، كنا نريهم الرسالة، وكانوا يذهبون على الفور.» ~~ثم أردف: «هكذا تعاملنا مع الأمر.» ~~••• # طوال شهر أبريل، مع ازدياد حرارة الجو، انحسر الناس من شمال مالي. جهز اللاجئون ~~أمتعتهم بالقليل من الأشياء الأساسية، وأغلقوا بيوتهم، ومضوا لركوب أي وسيلة مواصلات ~~استطاعوا أن يجدوها. غادر البعض إلى بلدان مجاورة - موريتانيا، وبوركينا فاسو، وكوت ~~ديفوار - حيث انتهى بهم الحال إلى معسكرات لاجئين؛ وذهب آخرون إلى جنوب مالي، متوقفين ~~في سيجو، أو موبتي، أو باماكو. غادر قرابة نصف مليون شخص الشمال في ذلك العام. ذهب ~~البعض للإقامة مع أقربائهم، وتشاركوا في شقق صغيرة مع عائلات كانت تكدح من أجل لقمة ~~العيش حتى قبل الأزمة، وعاشوا على هبات من برنامج الغذاء العالمي ومنظمات خيرية كانت ~~موجودة في البلاد منذ عقود. فقد البالغون وظائفهم، وفقد الأطفال تعليمهم، وفي كل ~~مرحلة من مراحل هروبهم كان اللاجئون يتعرضون للنهب، على يد المتمردين في الأرض التي ~~كانوا يلوذون بالفرار منها وعلى يد «العسكريين» في الإقليم الذي كانوا يهربون ~~إليه. # كانوا يهربون في الغالب لأنهم كانوا خائفين. تذكر دياكيتي قائلا: «كان بوسعك أن ~~تطالع الخوف على وجوه كل من تراهم.» تذكر أن أفراد أسرته كانوا في حالة من الخوف ~~لدرجة كانوا بالكاد يأكلون. أضاف: «كان الجميع خائفين. لم يكن الناس يعرفون ما الذي ~~كان يحدث في ذلك اليوم، أو ما سيحدث ms101 في اليوم التالي .» سرت الشائعات في أرجاء المدينة ~~حول الفظائع التي يرتكبها المتمردون. قالت مغنية تدعى بينتو قربة: «قال الناس إنك إن ~~كنت فنانا فسيقطعون لسانك؛ لأنهم يكرهون الموسيقى ويريدون منعها.» لم يقطع الجهاديون ~~الألسنة، لكنهم منعوا الموسيقى وعاقبوا الناس بسبب عزفها، لذا هربت إلى باماكو. # حتى أولئك الذين أرادوا البقاء وجدوا أنهم لم يكن لديهم أي وسيلة للعيش. فبعدما ~~نهبت المدينة وغادر الموظفون الحكوميون، تعطل قدر كبير من البنية التحتية. كان ~~الجهاديون قد أنقذوا محطة الكهرباء، لكنها كانت تعاني من نقص في الوقود وكان ثمة ~~حالات متكررة من نقص الطاقة وانقطاع التيار الكهربائي. كانت متاجر قليلة مفتوحة، ~~وكانت البنوك كلها قد تعرضت للتحطيم؛ لذا لم يكن ثمة سبيل للحصول على المال. كان ~~السبب الرئيسي لبقاء دياكيتي في المدينة هو وظيفته في المعهد، لكن الآن كان المعهد قد ~~أغلق. تذكر قائلا: «قلت لنفسي، عندما ينفد ما في جيوبي من نقود قليلة، ما الذي ~~سيحدث بعد ذلك؟» ثم أضاف: «يمكنني أن أتأقلم، لكن ماذا عن أطفالي الصغار؟ إن نفد مالي، ~~كيف سأتمكن من الخروج من المدينة، أو حتى أن أجد طعاما؟» عندما وجد مكانا في شاحنة ~~متوجهة جنوبا في اليوم الثالث من الاحتلال، لم يتردد. ترك بعض أجهزة الكمبيوتر ~~ومحركات الأقراص الصلبة عليها نسخ ممسوحة ضوئيا من المخطوطات في منزل أحد زملائه - ~~كان مجرد جزء صغير من المجموعة، لكنه فعل ما بوسعه - ثم غادر المدينة. # تناقش القاضي وزوجته فطومة كل يوم بشأن المغادرة. كان منزلهم في حي أباراجو الذي ~~يقطنه العرب والطوارق، حيث كان يعيش كثيرون من المتمردين والمتعاطفين معهم، والآن شعرا ~~بأنهما مهددان. كانا سيريان قادة تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي في الشارع ~~يوميا، وكان كل جيرانهم من ذوي البشرة الداكنة مثلهما قد غادروا أو يستعدون للمغادرة؛ ~~فمهما يكن ما يقوله الجهاديون عن أن كل الأجناس متساوية أمام الله، لم يصدق القاضي ~~وفطومة قولهم. كان القاضي يقطن بجوار متجر يبيع أرصدة الهواتف المحمولة، وفي أحد ~~الأيام طرقت مجموعة من اللصوص ms102 باب بيته، معتقدة أنه كان يدير المتجر. أخبر فطومة أن ~~تغلق الباب على نفسها بعد ذلك. # كان لا يزال يخرج يوميا، ويتجول في أنحاء المدينة على دراجته البخارية الصغيرة، ~~مراقبا ما يجري فيها. في بعض الأحيان كان يتوقف عند محطة الحافلات في وسط السوق ~~الكبير، محاولا قياس مدى سهولة المغادرة، لكنها كانت دوما مزدحمة بالناس لدرجة أنه لم ~~يكن حتى يستطيع أن يدخلها. كان زملاؤه كلهم يلوذون بالفرار؛ ففي كل يوم كان يكتشف أن ~~واحدا آخر قد غادر. ذات مرة طلبت منه مجموعة منهم أن يذهب معهم في سيارة كانوا قد ~~استأجروها، لكنه رفض؛ فقد كان لا يزال ثمة الكثير من الفوضى. كان من الأفضل البقاء ~~حتى تستقر الأمور وبعد ذلك يرى ما يتعين عليه فعله. كان لا يزال يعتقد أن الجيش المالي ~~قد يعود ويستعيد السيطرة على المدينة. # ظل القاضي وزملاؤه على تواصل مع أبا، القائم على مبنى أحمد بابا القديم في شارع ~~شيمنيتز، الذي كان لا يزال يحوي معظم المخطوطات؛ حوالي 24 ألفا. وعلى الرغم من أن ~~الرجال المسلحين كانوا يحومون حول المكان، كانت المخطوطات آمنة. كان أفراد الحركة ~~الوطنية لتحرير أزواد هم من كانوا يشكلون الخطر الأعظم، والآن بعد أن طردوا من ~~المدينة، لم يكن التهديد كبيرا جدا. تذكر قائلا: «لم نكن قلقين بشأن الجهاديين في ~~البداية؛ لأن المخطوطات كانت تتكلم عن الإسلام.» ثم أضاف: «كانت تتكلم عن أمور جيدة. ~~وبما أن هؤلاء الناس كانوا مسلمين، فلن يمسوها بسوء.» # على أية حال، حتى إن أرادوا نقل المخطوطات، ما كان بوسعهم فعل ذلك. لقد كانت أكثر ~~بكثير من أن يستطيعوا نقلها. ~~••• # من بين كثير من الروايات عن الهروب من تمبكتو، لم تكن توجد واحدة مليئة بالحيوية أكثر ~~من رواية إسماعيل ديادي حيدرة. كانت، حسبما قال لاحقا، مثل فيلم «قائمة شندلر» ~~مالي. # إذ كانت مخطوطاته مخبأة، قرر أن يغادر بهدوء في أول يوم سبت بعد الاحتلال، والذي ~~كان يوافق السابع من أبريل، واستأجر شاحنة صغيرة لتأخذه إلى النهر، حيث كانت ms103 مكتبة ~~فوندو كاتي تمتلك قاربا. وصلت السيارة في فجر ذلك اليوم، وحمل طفليه ومتعلقاته. عندما ~~فتح الباب الأمامي لمنزله، وجد حشدا من أكثر من خمسين من أصدقائه وجيرانه واقفين في ~~الشارع ومعهم حقائبهم. # سألهم: «ماذا تفعلون هنا؟» # أجابوا: «نحن آتون معك.» # كان من شأن الخروج الهادئ الذي كان يتخيله أن يكون مستحيلا مع هذا العدد الكبير ~~جدا. كان من المحتم أن يسمع أفراد جماعة أنصار الدين أو الحركة الوطنية لتحرير أزواد ~~الجلبة ويأتوا لتحري الأمر، وعلى أية حال لم تكن الشاحنة التي كان قد استأجرها كبيرة ~~بما يكفي لأن تحملهم. لكنهم كانوا يائسين. وكان عليه أن يحاول. طلب منهم أن يصعدوا إلى ~~الشاحنة - كان يوجد امرأتان في الثمانينيات من عمرهما، بالإضافة إلى أطفال وحتى رضع ~~- وعندما أصبحت الشاحنة محملة فوق طاقتها تماما قال للآخرين إن السائق سيعود من ~~أجلهم. بعد ذلك صعد إسماعيل إلى الشاحنة ومعه طفلاه - الفردان الوحيدان من أسرته اللذان ~~كانا معه في تمبكتو - وكذلك جهاز كمبيوتر وأربع من أثمن مخطوطاته، التي حملها معه في ~~حقيبة. حذره السائق من أنه إذا رأى الرجال الحقيبة عند أول نقطة تفتيش، فستسرق، ~~ولكن بوسعه أن يخبئها في المساحة التي تحت مقعده، وكان هذا هو الموضع الذي وضعت فيه ~~بالفعل. # عندما شرعت الشاحنة في التحرك، بدأ الناس الذين خلفهم وراءه في النحيب. طلب ~~إسماعيل من السائق أن يتوقف ومضى إليهم ليطمئنهم. قال لهم: «سوف تغادرون تمبكتو.» ثم ~~أضاف: «لن يبقى شخص واحد هنا.» ثم عاد ليصعد إلى المركبة المثقلة بالركاب، والتي ~~انطلقت صوب النهر. # أوقفوا عند نقطة تفتيش تابعة للحركة الوطنية لتحرير أزواد عند الطريق الجانبي المؤدي ~~إلى المطار، حيث صوب إليهم اثنان من مقاتلي المتمردين بندقيتيهما بينما صعد آخرون إلى ~~الشاحنة لتفتيشها، وأخذوا يسألون إن كان معهم أسلحة أو كانوا يخفون جنودا. أجابهم ~~إسماعيل قائلا: «لا، لا يوجد جنود هنا. كلنا مدنيون.» بعد تفتيش الحقائب بدقة، لوح ~~لهم جنود الحركة الوطنية لتحرير أزواد بأن يمضوا في طريقهم، وتابعت الشاحنة مسيرها نحو ms104 ~~العبارة في كوريومي . هناك تعرضوا للاستيقاف مجددا، ومن جديد طلب من الجميع أن ~~يترجلوا من الشاحنة بينما فتشها مقاتلو الحركة الوطنية لتحرير أزواد. # سأل القائد: «من المسئول هنا؟» # فتقدم إسماعيل. # قال القائد: «إن كنت تريد المغادرة، فسيتعين علي أولا أن أوضح من نحن ولماذا ~~أصبحنا الحركة الوطنية لتحرير أزواد.» ثم انخرط في حديث سياسي دام أكثر من عشر دقائق، ~~مخبرا اللاجئين أنهم كانوا يقاتلون من أجل الجميع، ليس فقط الطوارق وإنما كل أهل ~~الشمال، الذين كانوا ينوون أن يحرروهم من سيطرة الحكومة المالية. أوضح منشأ الحركة ~~والهدف منها، وصولا حتى إلى تصميم علم الحركة الوطنية لتحرير أزواد، وعندما انتهى من ~~حديثه، تساءل إن كان الجميع قد فهموا. فأومأ الركاب بالإيجاب. # أمسك بكتف إسماعيل وسأله: «ما رأيك؟» # قال إسماعيل: «أنت تطلب مني رأيي، لذا سأخبرك بما أظن.» ثم أردف: «أظن أنكم قد ~~اقترفتم أمرا سيئا جدا. إن كنتم قد أتيتم إلى هنا لتحرير السكان، فبدلا من إحراق ~~المنازل وإطلاق النار وإخافة الناس، ينبغي عليكم أن توضحوا هذا للناس في تمبكتو، وأنا ~~شبه واثق من أنه عندئذ سيتبعكم جانب كبير منهم. يجب أن تأخذوا الناس في الحسبان. ~~فنحن لدينا رأي أيضا. يمكننا أن نتفق معكم، أو نختلف.» # نادى القائد على رجل آخر، كانت عمامة صحراوية ملفوفة حول وجهه بحيث كانت عيناه فقط ~~مرئيتين. طلب من إسماعيل أن يكرر ما قاله، وبدأت مناقشة استمرت قرابة نصف ساعة. وعندما ~~انتهوا، كان سائق الشاحنة قد عاد إلى تمبكتو ليصطحب المجموعة الثانية من عند المكتبة ~~ويحضرها إلى كوريومي. # كانت الساعة عندئذ الثانية بعد الظهر، وكان تبادل الحجج السياسية لا يزال يجري عندما ~~قال المتمرد المقنع إنهم إن أرادوا المغادرة، فيجب عليهم أن يذهبوا فورا؛ لأنه ~~ورجاله كانوا على وشك أن ينالوا راحتهم من الخدمة، ولم يكن بوسعهم أن يضمنوا أن ~~المجموعة التالية ستدعهم يغادرون. # شكره إسماعيل. # قال الرجل المقنع: «ثمة أمر آخر.» ثم أردف: «عندما يحل الليل، فأينما كنتم، ~~توقفوا هناك. سوف يطلقون النار على أي ms105 شيء يتحرك.» # مضى اللاجئون إلى المرفأ، حيث صعدوا على متن قارب مكتبة فوندو كاتي. كانوا قد سافروا ~~مسافة قصيرة فقط عندما حل الليل، لكن إسماعيل، عملا بنصيحة المتمرد، طلب من قائد ~~المركب أن يتوقف عند القرية التالية. رحب بهم بالطعام والمراتب في منازل القرويين، ~~وعند الساعة الخامسة من صباح اليوم التالي تابعوا طريقهم صوب موبتي. استغرق الأمر قرابة ~~أسبوع، لكن في النهاية وصل كل الركاب الذين كانوا مع إسماعيل إلى إقليم خاضع لسيطرة ~~الحكومة. # في باماكو، انتقل رجل المكتبات إلى منزل خال كان مملوكا لشقيقه. قال: «كان في ~~صحبتي عندئذ كل أفراد عائلتي.» كان معه أيضا مخطوطاته الأربعة الأثمن، التي كان قد ~~أخرجها من تمبكتو. ~~••• # بينما كان إسماعيل يرتحل في عكس مجرى النهر، كان حيدرة يغادر منزله ليتفقد المدينة. ~~كان قد مضى أسبوع على الاحتلال، وكانت أول مرة يغامر فيها بالخروج منذ وصوله في يوم ~~الأحد السابق. سار جنوبا صوب الحي الإداري، مارا بمقر البلدية ومبنى المحافظة في ~~ميدان الاستقلال. أفزعته الأوراق التي كانت متناثرة في الشوارع؛ كان هذا النوع من الخطر ~~هو بالتحديد ما جعله يعود إلى تمبكتو. قال: «جعلني ذلك أشعر حقا بالاستياء.» ثم أردف: ~~«كانوا قد بدءوا بالمباني الحكومية وانتقلوا إلى كل المباني الإدارية الأخرى. كانت كلها ~~منهوبة.» كانت بعض عمليات النهب لا تزال تجري، وأدرك أنه إن استمرت، فستصل في نهاية ~~الأمر إلى المكتبات، التي كانت عادة في مبان كبيرة وكانت أهدافا واضحة. # عاد إلى المنزل في حالة من القلق، مصمما على أن «يفعل شيئا.» كان من المستحيل عقد ~~لقاءات في ذلك الوقت؛ لذا أمضى الأيام التالية في الحديث عبر الهاتف مع زملائه وأصدقائه ~~من العائلات الرئيسية المالكة للمكتبات. «سألوني: «ما الذي تريد قوله؟ أجل، نرى الأوراق ~~في الشوارع، ونرى الأضرار، ولكن ماذا تقترح؟»» # قال إنهم ينبغي أن يجمعوا المخطوطات في صناديق وخزائن، ويحضروها إلى المنازل ~~العائلية. ~~«قالوا: «حسنا، نحن متفقون معك في هذا، ولكن ليس معنا مال لشراء خزائن. لا يمكننا أن ~~نفعل ذلك.»» # لم ms106 يكن بحوزة حيدرة أي نقود هو الآخر، ولكن كانت معه منحة بقيمة 12 ألف دولار من ~~مؤسسة فورد كان الغرض منها أن يدفع بها تكلفة تعلمه الإنجليزية في جامعة أكسفورد. لم ~~يكن قد استخدمها - وقال أصدقاؤه إنه لم يكن يعتزم أن يستخدمها - وفي ذلك الوقت بعث ~~برسالة إلى مؤسسة فورد يقول فيها إنه يريد تصريحا لأن ينفق المال على المخطوطات. تذكر ~~حيدرة قائلا: «قالوا: «بالتأكيد، اعتبر الأمر منتهيا؛ نصرح لك بذلك».» # كانت العقبة التالية التي واجهها هي أن يتحصل على المال. كانت البنوك قد نهبت، لكن ~~وسائل النقل كانت لا تزال تعمل؛ لذا حرر شيكا وأرسله مع أحد زملائه مسافة 250 ميلا ~~جنوبا إلى موبتي، التي كانت لا تزال تحت سيطرة الحكومة. كان المال أكثر بكثير من أن ~~يأخذه كله دفعة واحدة؛ لذا عقد اتفاقا مع أحد التجار هناك والذي وافق على أن يحمله ~~ويدفع منه مبالغ صغيرة عندما يقتضي الأمر ذلك. عندئذ أصبح بحوزته مبلغ كبير من المال - ~~خمسة أو ستة ملايين فرنك غرب أفريقي - يمكنه أن يشتري بواسطته خزائن. كان يشتريها بعد ~~ذلك كل يوم تقريبا في السوق، حتى نفدت من المدينة واستلزم الأمر طلب المزيد منها. ~~وبمرور الوقت كان المخزون في موبتي سينفد أيضا، وكان سيتعين على حيدرة أن يجعلهم ~~يصنعوها، فاشترى براميل زيت خاوية من تمبكتو وأرسلها جنوبا لتحويلها إلى خزائن وشحنها ~~شمالا مجددا. # لم يكن حيدرة هو الوحيد الذي طلب من الناس أن ينقلوا مخطوطاتهم إلى منازلهم؛ لم يكن ~~كثير من العائلات المالكة للمخطوطات، وفي ذلك عائلة إسماعيل والونجري، بحاجة إلى أن ~~يطلب منها ذلك. قال سانيه شريفي ألفا إنه في تلك الأيام الأولى للاحتلال عقد «لقاء ~~سري»، استهدف بدرجة كبيرة المخطوطات المملوكة لمعهد أحمد بابا. قال: «التقينا بأعضاء ~~المجلس الإسلامي الأعلى.» ثم أضاف: «شعروا بأن عليهم أن يفعلوا شيئا لنقل المخطوطات.» ~~في النهاية بدا أن نقل أرشيف الدولة سيكون مخاطرة كبيرة، لكن نصح الآخرون بأن يحاولوا ~~نقل مخطوطاتهم بتكتم: «تناقلوا فيما بينهم رسالة مفادها أن على ms107 كل واحد منهم أن ~~يهرب مخطوطاته ويخبئها حيثما استطاع.» # تقدمت العملية تقدما سريعا؛ وفي حالة حيدرة كان التقدم أسرع من اللازم. في الأسبوع ~~الثاني من الاحتلال، زار طاقم من قناة الجزيرة تمبكتو. كانت جماعة أنصار الدين قد أعطت ~~محمد فال، مراسل القناة في شمال أفريقيا، إذنا بأن يقدم تقريرا عن الحياة في المدينة ~~المحتلة، وسأل عن مجموعات المخطوطات. أخبره الجهاديون بأنها آمنة تماما، وأنه ينبغي أن ~~يرى ذلك بنفسه. # في يوم السبت، الموافق الرابع عشر من أبريل، ذهب فال لمقابلة ابن أخت حيدرة، محمد ~~توريه، الذي كان يعتني بمكتبة مما حيدرة التذكارية، وأخبره بأنه يريد أن يقوم بجولة في ~~المبنى ليرى المخطوطات الشهيرة. بدأ توريه يتصبب عرقا؛ فقد كان يعرف أن المكان شبه ~~خاو وقد يتهم بالسرقة. قال لفال إن المكتبة لا تستحق المشاهدة؛ فلم يكن يوجد هناك ~~أي شيء مثير للاهتمام حقا، ولن تكون مادة جيدة على التليفزيون، وإنه على أي حال لم ~~يكن لديه وقت ليريه المكان. عاد فال وأخبر الجهاديين بما جرى. # بعد ذلك بوقت قصير، أتى رجال مسلحون إلى منزل توريه وبصحبتهم طاقم تليفزيوني. قال ~~توريه: «أجبروني على الذهاب إلى المكتبة.» ثم أردف: «ذهبت، وفتحتها، وصوروا كل شيء، ~~وشاهدوا الأماكن، والمكاتب، وكل شيء.» ولكن لم يكن يوجد أي شيء هناك؛ كبرت الصورة ~~الملتقطة بالكاميرا مصورة أرففا وخزائن خاوية. كانت المخطوطات الوحيدة التي ~~استطاعوا أن يجدوها هي عدة صناديق كان توريه قد خبأها في أحد الحمامات. # سأله فال، بينما كانت المجموعة المرافقة له، والتي كانت عبارة عن ثلاثة من الجهاديين، ~~تنتظره عند باب المكتبة: أين بقية المخطوطات؟ قال توريه كاذبا: «لا أعرف.» ثم أردف: ~~«سيتعين عليك أن تتحدث مع الرئيس. لا اطلاع لي على هذه الأمور.» # قدم فال تقريرا مشوشا إلى حد ما. # في تلك الأثناء استمر عبد الله سيسيه يزور المبنى الجديد في سانكوري ليتحقق من أنه لم ~~تتعرض أشياء أخرى للنهب. في الأسبوع الثاني، وجد جهاديا جديدا مسئولا عن المكان لم ~~يتعرف سيسيه عليه. قيل ms108 لسيسيه إن القادة الكبار اتخذوا المبنى مقر إقامة لهم، وإنه لا ~~يمكنه الدخول. وبعد بضعة أيام، سمع سيسيه أن عبد الحميد أبو زيد، الذي كان قد انتقل إلى ~~المكان ومعه العديد من الرهائن الفرنسيين، كان من ضمن «القادة الكبار». كان معهد أحمد ~~بابا قد صار ثكنة جهادية. # لن يسمح لسيسيه بالدخول ثانية. # الجزء الثاني # | التدمير # كن حمارا في معشر جهلاء # أيقنوا أنهم أولو العرفان؛ # فهم يحسبون للجهل من ليس # حمارا خلوا من الإيمان. # عمر الخيام، «الرباعيات»، ~~(تعريب أحمد الصافي النجفي) # الفصل الثامن # | مستكشف من فوق مقعده الوثير # 1830-1849 # حتى بمقاييس القرن التاسع العشر لرسوم البورتريه، يبدو ويليام ديزبورو كولي مشاكسا. ~~في رسوم البورتريه التي تصوره، نجده عالقا في مرحلة الكهولة، ينظر إلى المستقبل بفم ~~مقلوب، وعينين منتفختين متشككتين. لن تكون الأجيال القادمة رحيمة بكولي. ولم يكن ~~مستكشفو عصره كذلك؛ إذ كان قليلون من «جغرافيي المقاعد الوثيرة»، حسبما وصف على سبيل ~~الاستهزاء، مكروهين أكثر من هذا الشخص. ومع ذلك، كان كولي يمتلك بالفعل قدرات جديرة ~~بالملاحظة. فبينما كانوا يطئون بأقدامهم مستنقعات أفريقيا الاستوائية وغاباتها الموبوءة ~~بالأمراض مسلحين بالخرائط والبوصلات، كان يصنع اكتشافات رائدة مماثلة بتصفح الوثائق في ~~المكتبة البريطانية. كان كولي هو من دفع البحث عن تمبكتو وبلاد السودان ليتجاوز مجرد ~~رسم الخرائط، بادئا الاستقصاء الأوروبي حول تاريخ وسط أفريقيا القديم. # كان قد ولد في أيرلندا، على الأرجح في عام 1795، وهو العام الذي انطلق فيه بارك ~~لأول مرة من أجل العثور على نهر النيجر. كان كولي ابنا لمحام وحفيدا لمهندس معماري ~~مرموق، وتلقى تعليمه في جامعة ترينيتي، بدبلن، وانتقل في شبابه للعيش في إنجلترا، حيث ~~التحق بالمشهد الأدبي اللندني، وأصبح كاتب مقالات في مجلة «أثينيوم» وأسهم في دورية ~~«أدنبرة ريفيو». في عام 1830، شرع في وضع سرد لاستكشاف أوروبا للعالم، وهو كتاب «تاريخ ~~الاستكشاف البحري والبري»، والذي رسخ سمعته بصفته جغرافيا، وأصبح واحدا من أوائل ~~أعضاء نادي الاستكشاف الجديد الذين كانوا يلتقون في غرف جمعية البستنة في شارع ريجينت. ~~بعد ذلك أطلق على ms109 هذه المنظمة، التي سرعان ما استوعبت الرابطة الأفريقية الآخذة في ~~الانحسار، اسم الجمعية الجغرافية الملكية. # سرعان ما انخرط كولي بروحه القتالية في مسألة تصويب المزاعم المبالغ فيها لبعض ~~معاصريه. في عام 1832 حقق انتصارا مبكرا على منافس لإنجلترا بفضح الأسفار التي كان ~~من الواضح أنها مدلسة للمستكشف جان بابتيست دوفيل، الذي زعم أنه وصل إلى عمق المناطق ~~الداخلية لأنجولا ونال على هذا الإنجاز ميدالية ذهبية من الجمعية الجغرافية الفرنسية. ~~بدأ كولي استعراضه لكتاب دوفيل المكون من ثلاثة مجلدات «الرحلة إلى الكونغو والمناطق ~~الداخلية لأفريقيا الاستوائية» بسخرية معتادة؛ إذ كتب: «لم تتمخض أفريقيا، التي تميزت ~~في كل العصور بأنها أرض للمعجزات والعجائب، عن شيء أكثر استثنائية من المجلدات التي بين ~~أيدينا»، قبل أن يثبت أن من شأن الرحلة أن تكون مستحيلة في المدة التي كان دوفيل قد زعم ~~أنها استغرقتها. كانت العواقب كارثية على المستكشف الفرنسي؛ إذ دمرت سمعته وانتحرت ~~خطيبته خجلة. تحدى دوفيل للمبارزة أي شخص يكرر ملاحظات كولي، لكنه في نهاية الأمر ~~هرب من فرنسا إلى البرازيل، حيث قتل على ضفاف نهر الأمازون في عام 1837. # يبدو أن تلك الحادثة التعيسة جعلت كولي يتذوق طعم الإطاحة بالأشخاص. من المؤكد أن ~~الأمر عزز من سمعته؛ ففي عام 1832 انتخب لعضوية مجلس الجمعية الجغرافية الملكية، وبعد ~~ذلك بثلاثة أعوام أصبح نائب الرئيس، ولكن صعوده عبر مناصب المؤسسة الإنجليزية توقف فجأة ~~عندما افتعل شجارا مع سكرتير الجمعية الجغرافية الملكية، العقيد ألكسندر ماكونوكي، ~~متهما إياه بسوء السلوك المالي. تصاعدت الواقعة، التي ربما يكون قد أشعل شرارتها أمر ~~تافه بقدر إضاعة رسوم اشتراك كولي، حتى وصلت إلى دعوات للمبارزة، وأجبر كولي على ~~التنحي من منصبه الرسمي. ومنذ ذلك الحين، كرس نفسه للبحث عما أطلق عليه الشخصية ~~الرائدة والبارزة في الاستكشاف الفيكتوري، ديفيد ليفينجستون، «الاكتشافات النظرية»، ~~والتي، مع ذلك، أعطت منهجا وموثوقية للأفكار الأوروبية بشأن أفريقيا، وعلى الأخص غرب ~~السودان. # في عام 1834، أجرى كولي مقابلة مع تاجر عربي وعبده الأسود في لندن بشأن جغرافيا شرق ~~أفريقيا. وربط بين ms110 معلوماته وبين المصادر البرتغالية وغيرها من المصادر وأخرج عملا ~~رائدا عن المناطق الداخلية في القارة، اقترح فيه فكرة وجود بحر داخلي غير مكتشف في شرق ~~أفريقيا يسمى بحيرة نياسي، والتي تعرف حاليا باسم بحيرة تنجانيقا. قاده هذا إلى ~~استكشاف شامل لمجموعة أخرى من المصادر، والتي كانت حتى ذلك الحين مستخدمة استخداما ~~قاصرا؛ وهي المصادر الجغرافية العربية القديمة. بالاستعانة بهذه المصادر اعتقد أن ~~بوسعه تصويب أخطاء أسلافه، وبخاصة رسام الخرائط الفرنسي اللامع من القرن الثامن عشر جان ~~بابتيست بورجينيون دانفيل ورسام الخرائط الخاص بالرابطة الأفريقية، جيمس رينيل: # تطرح الجغرافيا العربية لأفريقيا، في الوقت الحاضر، قدرا كبيرا، ولكنه ~~مشوش، من المادة العلمية، التي أحيانا ما يستعين بها الكتاب المعاصرون، ~~ليختار كل منهم ما يبدو أنه يخدم غرضه، ويكيفه بما يتلاءم مع وجهات نظره ~~بتأويل يكافئ في ضحالته وتحيزه طريقته في البحث. سمح جغرافيون معاصرون ~~- دانفيل ورينيل على غير المتوقع - لأوجه تشابه متخيلة في نطق الأسماء أن ~~تقودهم بعيدا عن الحقيقة وعن مسار الاستقصاء القويم ... جردت الفوضى التي ~~أدخلتها هذه الطريقة الخاطئة في الأسلوب الأعمال الجغرافية الأولى عن وسط ~~أفريقيا من كل قيمة لها. # عزم كولي على «فحص أعمال المؤلفين العرب الأعظم قيمة» وتطوير المعلومات الواردة فيها. ~~ساعده في هذه المهمة صديق، هو المستشرق الإسباني باسكوال كيانجوس، الذي كان يضع مخططا ~~لتاريخ الإسلام في بلده بالعودة إلى مخطوطات المؤرخين العرب ومقارنتها بالروايات ~~الأوروبية الموجودة. استعان كولي بنفس التقنية؛ وهي المقارنة المرجعية بين المصادر ~~العربية ومصادر مؤرخين أوروبيين، مثل المؤرخ البرتغالي جواو دي باروس والإسباني لوي دل ~~مارمول كربخال، بالإضافة إلى الكتابات الأحدث لبارك وكاييه. بهذه الطريقة استطاع تقدير ~~مدى موثوقية كل مصدر وتحديد أصل المعلومات. كان من شأنه أن يبدأ من الصفر، متخليا عن ~~كل الفرضيات السابقة عن مواضع إمبراطوريتي غانا ومالي. وبهذه المعالجة الحيوية، التي ~~دعاها «تصحيح المصادر»، استبعدت التقارير الأكثر خيالية والروايات المستقاة من مصادر ~~غير مباشرة. # كانت استعانة كولي بالنصوص العربية مؤشرا على النهج الذي كان يتبعه، والذي كان واسع ms111 ~~الأفق مقارنة بعصره . كانت الجغرافيا الأوروبية من وجهة نظره ضيقة الأفق؛ وأكدت كتاباته ~~على حقيقة أن الأفارقة السود كان لهم ماضيهم الخاص بهم، وكانت إلى حد كبير متحررة من ~~العنصرية التي ظهرت بعده. على سبيل المثال، لم يغفل، عند وصفه لعمليات الإعدام ~~«الهمجية» في بلاط مواتا يامفو في شرق أنجولا، عن ملاحظة أن القوانين الجنائية في ~~البلدان الأوروبية كانت شديدة القسوة على نحو مماثل. # كان جغرافيان عربيان مفيدين بوجه خاص لكولي؛ وهما الأندلسي أبو عبيد الله البكري، ~~الذي كتب أهم عمل له، كتاب «المسالك والممالك»، في عام 1068، وابن خلدون، وهو عالم ~~ولد في تونس في عام 1332. لاحظ كولي أن هذين المؤلفين كانا قد كتبا باستفاضة عن حضارات ~~غرب أفريقيا. كان البكري مفيدا على نحو خاص فيما يتعلق بإمبراطورية غانا القديمة، ~~والتي كانت، على خلاف الدولة الحديثة التي تحمل نفس الاسم، تقع على بعد ثلاثمائة ميل ~~غرب تمبكتو وكانت لا تزال في تصاعد عندما كان على قيد الحياة. أما ابن خلدون فكان ~~المصدر الرئيسي للمعلومات عن إمبراطورية مالي، التي امتدت من جاو إلى الساحل السنغالي ~~وتضمنت غانا في القرن الثالث عشر. # لاحظ البكري أن اسم غانا كان يعني أشياء متنوعة. كان لقبا يعطى لحكام المملكة، ~~ولكن كان يوجد أيضا ما سمي «مدينة غانا» التي هي: # مدينتان سهليتان. إحداهما المدينة التي يسكنها المسلمون، وهي مدينة كبيرة ~~فيها اثنا عشر مسجدا أحدها يجمعون فيه. ولها الأئمة والمؤذنون والراتبون، ~~وفيها فقهاء وحملة علم. وحواليها آبار عذبة منها يشربون وعليها يعتملون ~~الخضراوات. # على بعد ستة أميال من مدينة غانا كانت تقع «مدينة الملك»، والتي كانت تسمى ~~«الغابة». وكان فيها قصر، ومسجد، ومبان مقببة، وحولها غابات كانت تحتوي على سجون، ~~وكذلك بساتين وأدغال حيث كان يسكن «سحرتهم، وهم الذين يقيمون دينهم». كان الملك ~~وثنيا، يتحلى بحلي النساء في العنق والذراعين ويجعل على رأسه الطراطير المذهبة، لكنه ~~كان يحيط نفسه بمترجمين ووزراء مسلمين. وحول قبته عشرة أفراس بثياب مذهبة ووراء الملك ~~عشرة من الغلمان يحملون الحجف والسيوف ms112 المحلاة بالذهب، وعن يمينه أولاد ملوك بلده ~~قد ضفروا رءوسهم بأنواع الذهب وعليهم الثياب الرفيعة. وعلى باب القبة كلاب منسوبة لا ~~تكاد تفارق موضع الملك تحرسه، في أعناقها سواجير الذهب والفضة يكون في الساجور عدة ~~رمانات ذهب وفضة. # وكان يقال إن ملك غانا كان إذا احتفل يضع مائتي ألف رجل في الميدان، منهم رماة أزيد ~~من أربعين ألفا. وكان يمول قوته العسكرية بفرض الضرائب على المواد الخام التي كانت ~~تستخرج في المملكة، بحسب ما أورد البكري: # ولملكهم على حمار الملح دينار ذهب في إدخاله المملكة وديناران في إخراجه. وله ~~على حمل النحاس خمسة مثاقيل وعلى حمل المتاع عشرة مثاقيل. [المثقال، وهو ~~المكافئ السوداني للدينار أو الدوقية، كان حوالي 4,25 جرامات من الذهب.] وأفضل ~~الذهب في بلاده ما كان بمدينة غياروا، وبينها وبين مدينة الملك مسيرة ثمانية ~~عشر يوما في بلاد معمورة بقبائل السودان التي مساكنها متصلة ... وإذا وجد في جميع ~~معادن بلاده الندرة من الذهب استصفاها الملك، وإنما يترك منها للناس هذا التبر ~~الرقيق. ولولا ذلك لكثر الذهب بأيدي الناس حتى يهون. والندرة تكون من أوقية إلى ~~رطل. # وفقا للبكري، كان الملك يمتلك ندرة من الذهب في حجم حجر ضخم. # بعد ذلك بثلاثمائة عام، في عام 1374، شرع ابن خلدون، الذي كان قد سافر أسفارا واسعة ~~في شمال أفريقيا وإسبانيا، وعمل في بلاط فاس وغرناطة وتلمسان والقاهرة، في كتابة كتاب ~~ضخم من سبعة مجلدات عن تاريخ العالم. احتوى آخر مجلدات الكتاب، الذي يعرف عادة باسم ~~«تاريخ البربر»، على معلومات قيمة عن غرب السودان، وعن حكام إمبراطورية مالي. وذكر ~~أنه، في حقبته، كانت الإمبراطورية الغانية قد ضمتها مملكة مالي، التي امتدت حتى جاو، ~~على بعد مائتي ميل شرق تمبكتو، وكانت قد صارت «بالغة القوة.» كانت إمبراطورية مسلمة؛ ~~إذ اعتنق ملوك مالي الأوائل الإسلام في القرن الثالث عشر، وحج كثير منهم إلى مكة. ~~أفاض ابن خلدون بوجه خاص في الحديث عن رحلة حج عام 1324 التي أداها مانسا موسى، الذي ~~كان «رجلا مستقيما وملكا عظيما ms113.» وظلت الحكايات عن موسى تحكى في شمال أفريقيا بعد ~~ذلك بخمسين عاما. جلب موسى معه العديد من العلماء المسلمين عند عودته من مكة، ومن ~~ضمنهم الشاعر والأديب الأندلسي أبو إسحاق الساحلي. قال أحد هؤلاء الرفقاء لابن خلدون: # كنا نواكبه أنا وأبو إسحاق الطونجق [الساحلي] دون وزرائه ووجوه قومه نأخذ ~~بأطراف الأحاديث، نتمتع. وكان متحفا في كل منزل بطرف المآكل والحلاوات. والذي ~~تحمل آلته وحربته من الوصائف خاصة اثني عشر ألفا لابسات أقبية الديباج والحرير ~~اليماني. # عاد الساحلي مع الملك إلى عاصمته، حيث تمنى أن يكون له منزل مبني بالكلس، وهو ما كان ~~غير معتاد في أرضه، فنهض الأندلسي بالمهمة، وأقام بناية مربعة الشكل لها قبة. قيل لابن ~~خلدون إنه قد: «استفرغ فيها إجادته. وكان صناع اليدين.» ثم أضاف المتحدث: «وأصفى عليها ~~من الكلس ووالى عليها بالأصباغ المشبعة فجاءت من أتقن المباني. ووقعت من السلطان موقع ~~الاستغراب لفقدان صنعة البناء بأرضهم، ووصله باثني عشر ألفا [حوالي 50 كيلوجراما] من ~~مثاقيل التبر مثوبة عليها، إلى ما كان له من الأثرة والميل إليه والصلات السنية.» ~~قيل أيضا إن الساحلي بنى قصرا لموسى في تمبكتو، وأول تجسيد لمسجد جينجربر. # دام حكم موسى خمسة وعشرين عاما، بحسب ابن خلدون، وسرعان ما انهارت الإمبراطورية ~~المالية بعده، أثناء حكم حفيده ماري جاطه. وصف مصدر ابن خلدون، الذي كان قاضيا شرعيا ~~مغربيا، والذي عمل في جاو، ماري جاطه بأنه «كان أشر وال عليهم بما سامهم من النكال ~~والعسف وإفساد الحرم.» أهدر جاطه ثروة الإمبراطورية ب «سرفه وتبذيره»، بل إنه اضطر حتى ~~لبيع حجر الذهب الذي كان أنفس ذخائر الخزانة المالية. وعند وفاته في عام 1373 / 1374، ~~كان الملك في أزمة، ولم يتمكن خلفه، الذي كان حاكما أفضل منه بكثير، من الحفاظ على ~~السلطة. ~~••• # في عام 1841، نشر كولي عمله غير المسبوق «نيجرولاند العرب، مفحوصة ومشروحة». كان أول ~~سرد موثوق فيه عن الجغرافيا التاريخية لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ومثل بزوغ فجر فرع ~~جديد من فروع المعرفة، وهو تاريخ غرب أفريقيا. لم يعترض أهل ms114 الخبرة اللاحقون على معظم ~~تحديداته لأسماء الأماكن المأخوذة من المؤرخين والجغرافيين العرب في العصور الوسطى، ~~وشكل كتاب «نيجرولاند» أساسا لكل جهود البحث اللاحقة. وعادة ما كان يستمتع بالأخطاء ~~التي كان قد اكتشفها في أعمال الآخرين؛ إذ خلط رينيل بين كانو، في نيجيريا المعاصرة، ~~وغانا، وبرهن كولي على أن الاسمين كانا مختلفين من ناحية الأصل. كذلك أدرك أن «غانا» ~~كانت تمثل مملكة وأيضا اسم الملك نفسه، وأن العاصمة التي أقام بها الحاكم لم تكن دوما ~~نفس المدينة، ولكن ربما كانت «اسما متنقلا» استخدم لوصف أماكن مختلفة في أزمنة ~~مختلفة. # ومع ذلك ظل كولي شخصية محل جدل - «طائر نوء هائج»، على حد وصف أحد النقاد - ~~ولم يكن ثمة اعتراف يذكر بإسهاماته أثناء حياته. بعد وفاته في عام 1883، وصفه ~~التأريخ الرسمي لجمعية هاكلوت، وهي مؤسسة كانت قد أنشئت لنشر روايات المستكشفين ~~لرحلاتهم، بأنه «عبقري غريب الأطوار إلى حد ما.» شككت تأبينات أخرى صراحة في قواه ~~العقلية استنادا إلى آرائه الثابتة على نحو غير عادي. ومع أنه كان قد استنتج على نحو ~~صحيح وجود جبلي كليمنجارو وكينيا، فإنه أصر على أنهما لا يمكن أن يكونا مغطين ~~بالثلوج بعد وقت طويل من رؤية مستكشفين أوروبيين أنهما كانا كذلك، واعتقد أن بحيرتي ~~مالاوي وتنجانيقا الأفريقيتين العظيمتين كان يضمهما مسطح مائي واحد عملاق، على النقيض ~~من مشاهدات ليفينجستون. مات كولي فقيرا في منزل خلف نهايتي السكة الحديدية لمحطتي ~~كينجز كروس ويوستن، في لندن، ولكن عمله عن غرب السودان سيظل واحدا من الأعمال القليلة ~~في تلك الحقبة التي «ترقى إلى مستوى متطلبات الدراسات الحديثة»، كما كتب المؤرخ جون ~~رالف ويليس. # أيضا كان عمل كولي هو العمل المفضل لمستكشف يبدو أنه كان قد أقام معه علاقة احترام ~~متبادل، وهو رجل لم يكن يخلو من ميول كراهية للبشر، بل تشارك مع كولي في ميله إلى ~~الصلف العلمي العنيد. كتب المستكشف: «قبل رحلتي إلى إقليم نهر النيجر، لم تكن توجد أية ~~بيانات معروفة تذكر فيما يخص تاريخ هذه البقعة الواسعة والمهمة ms115، عدا حقائق قليلة ~~منفردة، توصل إليها السيد كولي بعبقرية وبحث عظيمين.» # كان هذا هو الرجل الذي سيمضي ليميط اللثام عن أسرار أكبر مملكة في تاريخ غرب أفريقيا، ~~وهي إمبراطورية تزامن أوجها مع أوج تمبكتو، وكانت أوروبا على جهل تام بها. كانت ~~المملكة تسمى سونجاي، وكان اسم المستكشف هو هاينريش بارت. # الفصل التاسع # | فارس بلا رأس # أبريل-مايو 2012 # عاد حيدرة إلى باماكو في بداية شهر مايو ليجد العاصمة في حالة من الفوضى. تنحى ~~الضابط الذي كان قد قاد الانقلاب في العاصمة، النقيب أمادو «بولي» سانوجو، بعدما واجه ~~عقوبات اقتصادية قاسية فرضتها دول غرب أفريقيا المجاورة، وتألفت الحكومة في ذلك الوقت ~~من تحالف غير مستقر بين مؤيديه ورئيس مدني مؤقت. في غضون شهر كانت البلاد قد فقدت ~~قائدها المنتخب ونصف أراضيها، وقطعت المساعدات الأجنبية التي كانت تعتمد عليها، ~~وسحب الدبلوماسيون وأغلقت السفارات أو تركت بموظفين أساسيين. وعلى حد تعبير ~~منظمة العفو الدولية، كانت مالي في خضم «كارثة دولية كبرى.» # في الرابع والعشرين من أبريل كان مدير جديد قد تولى رئاسة معهد أحمد بابا. كان عبد ~~القادر إدريسا معيجا رجلا عنيدا قوي البنية، ولم يكن من الممكن أن يبدأ وظيفته ~~الجديدة في وقت أسوأ من ذلك. كان سلفه قد سلمه وثيقة مثنية الحافة في حافظة ~~بلاستيكية فيها قائمة بأصول المؤسسة، ولكن الله وحده كان يعلم كم بقي منها. كان مقر ~~عمله في تمبكتو يستخدم ثكنة للجهاديين، وكان موظفوه قد لاذوا بالفرار، ولم يكن معه ~~أي أموال، حيث كان أحد القرارات الموضوعية القليلة للحكومة منذ الانقلاب هو إيقاف ~~الإنفاق بالكامل على الشمال. كان يوجد أيضا تهديد فعلي للمخطوطات التي كانت مهمته ~~حمايتها. إذن ماذا كان بوسعه أن يفعل؟ # بدأ بتجميع مبلغ أربعمائة دولار شهريا بصعوبة لاستئجار غرفتين فوق متجر سمك ودجاج ~~تتفشى فيه الجرذان في ضاحية كالابان كورا في جنوب باماكو. من هناك، سيحاول أن يتوصل إلى ~~كيفية دفع مرتبات موظفيه، وكيفية البقاء على اتصال مع القليلين الذين بقوا في تمبكتو. ~~كان على اتصال ms116 دوري بعبد القادر حيدرة في الفترة التي سبقت بدء وظيفته الجديدة - في ~~الواقع، كان حيدرة هو الذي أخبره بأن المنصب سيعرض عليه - وحينئذ اقترح التمبكتي أن ~~يعقدا اجتماعا. # سأله معيجا: «مع من؟» ~~«مع إسماعيل ديادي حيدرة. سأتصل به.» # وحيث إن معيجا كان الوحيد الذي لديه مكتب في باماكو، اتفق الرجال الثلاثة على أن ~~يتقابلوا هناك. وبعد وقت قصير كان المسئولون عن أشهر مجموعات مخطوطات في تمبكتو، ~~الذين كان بوسعهم أن يزعموا فيما بينهم أنهم يتحكمون في حوالي 90 ألف وثيقة من وثائق ~~المدينة، يلتقون بصفة شبه يومية. تذكر عبد القادر حيدرة قائلا: «اجتمعنا، وتكلمنا عن ~~المخطوطات، وتحدثنا عما كان يتعين علينا فعله للحصول على مساعدة.» # كان التباين بين هذه الشخصيات الثلاثة واضحا. كان معيجا، الذي كان مباشرا في حديثه، ~~وفظا أحيانا، رئيسا سابقا لقسم اللغة العربية في جامعة باماكو وكان قد عمل على ~~مشروع لرقمنة المخطوطات وتصنيفها يطلق عليه # MLI/015 ~~«مالي خمسة عشر» لذا كان يعرف المخطوطات، لكنه كان مبتدئا بالمقارنة بزملائه مالكي ~~المخطوطات. أما إسماعيل، فكان شديد التهذيب، وأرستقراطيا، وذا شخصية آسرة. كان يقول ~~إنه كان سليلا للعلامة التمبكتي الذي كان يعيش في القرن السادس عشر، محمود كاتي، ~~الذي سميت مكتبته فوندو كاتي تيمنا باسمه، وكان يحتفظ ببيت في غرناطة. ثم كان يوجد ~~حيدرة نفسه، الذي كان يزعم هو الآخر أنه كان سليل عائلة تمبكتية من العلماء. كان يمكن ~~أن يكون متقلبا، ويوزع المعلومات حسبما يناسبه، لكنه كان يحب أن يجعل الناس يضحكون، ~~حتى في لحظات التوتر الشديد. كان من شأنه هو وإسماعيل أن يخاطب كل منهما الآخر مازحا ~~في هذه الاجتماعات بقوله «يا بني»، وحتى معيجا كان يتورط أحيانا في هذا المزاح الخشن. ~~تذكر قائلا: «في البداية، كان حقا فريقا قويا.» ثم أضاف: «كنا حقا نثق بعضنا ~~في بعض في البداية. كان حقا جوا وديا.» # في هذه الاجتماعات كان رجال المكتبات يتشاركون أي معلومات كان بوسعهم أن يستقوها من ~~الأشخاص الذين كانوا على اتصال بهم في الشمال. اعتقدوا أن الخطر ms117 الأعظم على المخطوطات ~~في هذه المرحلة كان من العصابات ولصوص الحركة الوطنية لتحرير أزواد. # طيلة شهر، كانت منظمة اليونسكو تصدر تصريحات دورية عن التهديد الذي كان يشكله ~~المتمردون على تراث تمبكتو. في منتصف شهر أبريل كانت المنظمة قد حذرت من أن انتقال ~~الجهاديين إلى مبنى أحمد بابا الجديد كان سببا ل «انزعاج شديد»؛ لأنه كان يحتوي على ~~وثائق يرجع تاريخها إلى حقبة تمبكتو المجيدة بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر؛ قالت ~~المديرة العامة للمنظمة إيرينا بوكوفا: «لا بد من الحفاظ على هذا التراث.» ثم أضافت: ~~«لقد احتشد مواطنو تمبكتو من أجل حماية هذه الوثائق القديمة، وأنا أحيي شجاعتهم ~~وتفانيهم. ولكنهم يحتاجون إلى مساعدتنا.» وناشدت أن تتخذ إجراءات متضافرة من الفصائل ~~المالية المتناحرة، وحكومات الدول المجاورة، والإنتربول، ومنظمات الجمارك، وسوق الأعمال ~~الفنية، وجامعي التحف الفنية للحيلولة دون خسارة هذه الكنوز، التي مثلت أهمية كبيرة ~~للبشرية جمعاء. # بينما أعربت منظمة اليونسكو عن قلقها، كانت غرائز رجال المكتبات تقول إن عليهم أن ~~يفعلوا العكس، وكان القرار الأول الذي اتخذوه أن يحاولوا إبقاء المخطوطات بعيدا عن نظر ~~الرأي العام. سنحت لحيدرة فرصة أن يحاول إسكات المنظمة التابعة للأمم المتحدة في الثامن ~~عشر من مايو، عندما حط وفد للطوارئ في باماكو من أجل أول اجتماع كبير مع الحكومة ~~المالية منذ بداية الأزمة. دعي حيدرة إلى مؤتمر في وزارة الثقافة مع المسئولين الذين ~~عملوا على التراث المالي، وذهب ومعه أجندته الخاصة. عندما طلب منه أن يقدم تقريرا ~~عن حالة المخطوطات، قال للسياسيين، والمسئولين، والصحفيين الذين كانوا حاضرين إنه على ~~الرغم من أنه كان قد عاد حالا من تمبكتو فإنه لم يكن بوسعه أن يقول أي شيء عن مجموعات ~~المخطوطات. سئل عن السبب في ذلك. أجاب قائلا إن السبب هو أن المخطوطات كانت الأشياء ~~الأكثر هشاشة في التراث الثقافي للمدينة، وإنه يجب ألا تذكر في الإذاعة أو ~~التليفزيون. ناقش المسئولون المسألة باقتضاب، ثم وقفت وزيرة الثقافة، ديالو فاديما ~~توريه وطلبت من الصحفيين ألا ينشروا أو يبثوا أي ms118 شيء قيل عن المخطوطات. وقالت: «يجب أن ~~تغفلوا كل شيء تسمعونه.» # مضى حيدرة، راضيا، يشرح ما تم حتى ذلك الحين، وأخبرهم أن كثيرا من المجموعات قد ~~نقلت إلى بيوت الناس، حيث كانت آمنة بما يكفي في الوقت الراهن. كانت المساعدة ~~الوحيدة التي احتاج إليها حقا في هذه المرحلة هي ألا تذكر المخطوطات في وسائل ~~الإعلام. وقال: «هذا كل شيء.» كانت رسالة رجال المكتبات قد وصلت إلى الصحافة وإلى أكبر ~~كيان مدافع عن التراث العالمي، وستنقل إلى الآخرين. قال إسماعيل: «في اجتماعاتنا ~~الكثيرة ناقشنا بالتفصيل استراتيجيات الاتصال هذه.» ثم أضاف: «طلبنا من هيئات معينة ~~ألا تتحدث كثيرا بشأن المخطوطات في الصحف أو في التليفزيون أو الإذاعة.» # بعد أن أصبح التعتيم الإعلامي قائما، انتقل رجال المكتبات لمناقشة أمور مهمة أخرى. ~~كان يوجد أمل ضئيل في أن الموقف سيتحسن؛ وفي الواقع، تعين عليهم أن يفترضوا أنه ~~سيسوء. ماذا سيفعلون إذن؟ كان معيجا يتساءل عن كيفية إيصال مخطوطات المعهد إلى بر ~~الأمان منذ أن تولى منصبه الجديد، والآن ناقش الرجال الثلاثة الفكرة صراحة. # لم يعتقد حيدرة في البداية أن إجلاء المخطوطات كان هو السبيل الصحيح. كان شحن عشرات ~~الآلاف من الوثائق الهشة إلى خارج تمبكتو تحت أنظار المحتلين وعبر الصحراء الخطرة أمرا ~~يحمل مخاطر كبيرة، ليس فقط على الوثائق. كان عدد حالات الضرب والتشويه في الشمال ~~يتزايد يوميا، وكذلك حالات الاغتصاب والقتل التي كان يرتكبها مسلحون من مجموعات ~~مختلفة؛ فبنهاية شهر أبريل كانت إقامة شريعة أنصار الدين قد أدت إلى حالات إعدام ~~بإجراءات موجزة، وعقوبات جلد، وبتر للأعضاء، بل قطع أذن امرأة لارتدائها تنورة قصيرة. ~~ماذا كان سيفعل هؤلاء الناس إذن في شخص قبض عليه وهو ينقل المخطوطات؟ ثم كانت توجد ~~مسألة المال: كانت تذكرة الذهاب بوسائل النقل العام من وإلى باماكو تتكلف 25 ألف فرنك ~~غرب أفريقي، أو ما يوازي حوالي أربعين دولارا. أخذا في الاعتبار عدد الشحنات، ~~والمبالغ الإضافية التي سيلزم إنفاقها على القائمين على النقل والرشاوى الضرورية للشرطة ~~ورجال الجمارك، كان من ms119 شأن الإجلاء الكامل للمخطوطات أن يكون باهظ الثمن. # تذكر حيدرة قائلا: «قلنا إننا يجب أن ننتظر.» ثم أضاف: «لم نكن نظن أن إجلاء ~~المخطوطات كان فكرة جيدة في ذلك الوقت. كان ثمة الكثير من التوتر، وإن بدأنا، لم نكن ~~نظن أن الأمر سينجح. قلنا إنه كان من الضروري أن نترك الأشياء على ما هي عليه في الوقت ~~الحالي، لبعض الوقت.» # ومع ذلك، بدءوا بالفعل في الأعمال التحضيرية. # كانت توجد شخصية رابعة في باماكو كانت تلتقي بين آن وآخر مع حيدرة، وهي امرأة ~~أمريكية تدعى ستيفاني دياكيتي. كانت دياكيتي محامية، حسبما قالت لاحقا، وخبيرة مدربة ~~في حفظ الكتب، وكانت تدير منظمة استشارات تنموية باسم «دي إنترناشيونال». كانت في ~~الخمسينيات من عمرها، وذات شعر أشقر رمادي، ومفعمة بالنشاط، وكانت دولية حقا. كانت ~~تمتلك منازل في سياتل وباماكو، وعلى الرغم من أن مهارتها اللغوية كانت تعني أنها كان ~~بوسعها أن تسب بعنف باللغتين البامبارية والإنجليزية، كانت بارعة جدا في النقاش ~~المتعلق بالاستشارات، الذي يمكن أن تخرج منها فيه عبارات مثل «التدوير في استخدام ~~أجهزة الاتصال والبرامج» و«تيسير الاستثمار» دون أي صعوبة. كانت هي وحيدرة قد التقيا ~~لأول مرة في أواخر تسعينيات القرن الماضي، عندما كانت تسافر في أرجاء منطقة تمبكتو ~~تقيم مشروعا لتعليم الفتيات، ونشأت بينهما صداقة دائمة، ولكن صاخبة، بسبب ~~المخطوطات. (كان أزواجهما - فقد كان له زوجتان؛ وكان لها زوج مالي الجنسية - يحبون أن ~~يطلقوا عليهما «الثنائي الرهيب»، حسبما قالت لاحقا.) كان هو المالك لمجموعة مخطوطات ~~مهمة، بينما كانت تمتلك هي صلات بعالم التنمية الدولية، وكانت جيدة في عملية بدء ~~المؤسسات. كانا قد حولا «سافاما»، المنظمة غير الحكومية التي أنشأها حيدرة لحماية ~~مستقبل تراث المدينة المكتوب، إلى مؤسسة يمكن للجهات المانحة الدولية أن تعمل ~~معها. # صاغت دياكيتي نداء وأرسلته إلى كل المؤسسات الثقافية الكبرى التي لديها في سجل جهات ~~الاتصال، بينما قام رجال المكتبات بجولة في السفارات لمحاولة الحصول على دعم مالي. في ~~مرحلة ما، كان حيدرة مقتنعا بأنهم يحظون بمساندة ms120 جنوب أفريقيا؛ وقيل له إنهم لم يكن ~~عليهم سوى أن يعدوا خطابا يطلبون فيه المساعدة ويوقعونه بالاشتراك مع رئيس المجلس ~~الإسلامي الأعلى في مالي. تذكر حيدرة قائلا: «في الخطاب، طلبنا من إخوتنا المسلمين في ~~جنوب أفريقيا أن يهبوا إلى عوننا، أو أن يأتوا معنا إلى تمبكتو لنرى كيف سنضطلع ~~بالأمور.» أرسلوا الخطاب، وكل يوم كانوا ينتظرون أخبارا سارة، ولكن لم يأتهم رد أبدا، ~~وتدريجيا أدركوا أن المساندة الجنوب أفريقية لن تتجسد على أرض الواقع. قال حيدرة: ~~«كنا محبطين جدا.» ثم أضاف: «كان الأمل الوحيد الذي لدينا، وكان قد ضاع.» # استمروا في الاتصال بآخرين - سفارات، ومؤسسات، ومنظمات غير حكومية - لكن لم يرغب أحد ~~في أن يضطلع بهذه المهمة الجريئة والمحفوفة بمخاطرة سياسية. تذكر معيجا: «قالت منظمة ~~اليونسكو إن التهريب لم يكن يتلاءم مع نطاق صلاحيتها.» ثم أردف: «قالوا إنهم لن يدخلوا ~~في تلك اللعبة.» ~~••• # في الشمال، كان الجهاديون يعززون من إحكام قبضتهم على تمبكتو. وفي الأسبوع الأخير ~~من أبريل، شاهد المرشد السياحي العاطل عن العمل باستوس موجة نشاط في بنك التضامن المالي ~~(بي إم إس) الخاوي على الناحية الأخرى من الشارع قبالة منزله. من موقع المراقبة الممتاز ~~من حديقة سطح منزله، رأى مجموعة من الجهاديين تصل في شاحنة مكدسة بمراتب وأغطية ~~أسرة كانوا قد أخذوها من فندق لا بالميراي الفاخر، الذي كان فيما مضى مكانا مفضلا ~~لنجوم الغناء الشعبي الذين كانوا يأتون أحيانا إلى تمبكتو. دخلوا البنك المنهوب، ~~وتفقدوا المكان، ونظفوه، وانتقلوا إليه بكل ما كان معهم من أثاث. # أمضى باستوس، الذي لم يكن لديه في الوقت الحاضر ما يفعله سوى الاعتناء بحديقته ~~المشرفة على النهر، معظم العام التالي يشاهد الأنشطة اليومية لجيرانه في المبنى المقابل ~~عبر الشارع. كان معظم من يعيشون فيه من جنود المشاة، ورجال الشرطة، وموظفي الجمارك، ~~والحراس. اختار القادة الإقامة في مكان آخر، لكنهم تعاملوا مع مبنى بنك التضامن المالي ~~باعتباره مكتبا. كان أبو زيد، «الزعيم الكبير»، يصل كل صباح في الساعة الثامنة، ومعه ~~بندقيته الكلاشينكوف معلقة ms121 على كتفه وهاتف أقمار صناعية في جيبه، في سيارة يقودها ~~شاب قيل لباستوس إنه ابنه. لم يرتد أبو زيد سوى ثلاثة أطقم من الملابس أثناء مدة ~~الاحتلال كلها، حسبما قال باستوس، ولكنه كان يحمل مبالغ مالية ضخمة: «رأيت الطريقة ~~التي كان ينفق بها المال. كان المال لديهم بلا قيمة.» كان يوجد مقصف في مبنى بنك ~~التضامن المالي، وكل صباح كان أبو زيد يتحدث مع الطاهي حول قائمة الطعام قبل أن يعطي ~~ملاحظات كانت كافية له ليشتري ما احتاجه من السوق. مما أثار حفيظة باستوس أن الطاهي ~~كان كثيرا ما يأتي إليه ويأخذ توابل وأواني من مطبخه. لم يكن بوسع باستوس أن يرفض؛ إذ ~~قال: «فهمت عقليتهم.» ثم أضاف: «إن رفضت، سيظنون أنك ضدهم، وستصبح عدوهم. لذا من ~~الأفضل ألا تقول شيئا.» # كل يوم كان باستوس يراقب أبو زيد يغادر مبنى بنك التضامن المالي في حوالي الثالثة ~~بعد الظهر، وكل مساء كان يشاهد المزيد من صغار المقاتلين يسيرون عبر السقف إلى مبنى ~~مبيت ملاصق. أصبح بإمكانه أن يتعرف على هؤلاء الرجال جيدا، وعرف من لهجاتهم أنهم أتوا ~~من كل أنحاء العالم الإسلامي. بعدما كان نبأ احتلال تمبكتو قد انتشر، كان الجهاديون من ~~كل الجنسيات قد أتوا إلى المدينة. كان كثيرون منهم جزائريين، ولكن كان يوجد أيضا ~~باكستانيون، وصوماليون، ومغاربة، وتونسيون، بل إنه كان يوجد رجل فرنسي، هو جيل لو جوين. ~~كان لو جوين قد أمضى ثلاثين عاما في الأسطول التجاري قبل أن ينتقل إلى الصحراء، ~~معتنقا الإسلام، ومتسميا بالاسم الجهادي الحركي عبد الجليل. # كان يوجد ماليون وسط الجهاديين أيضا، وكان كثيرون منهم قد تحولوا إلى جهاديين على ~~يد الدعاة المتطرفين الذين كانوا يأتون إلى تمبكتو طيلة عقود. وبحسب محمد «حامو» ديديو، ~~وهو باحث تمبكتي معاصر، كان الدعاة قد وصلوا في قوافل يبلغ عددها أربعين، وأقاموا في ~~مساجد المدينة. في البداية كانوا موضع ترحيب. بل إن الناس كانوا يستمعون إلى فلسفتهم ~~وينخرطون معهم في نقاشات دينية. كانوا يدعون الوهابيين، نسبة إلى رجل ms122 الدين المتشدد ~~من القرن الثامن عشر محمد بن عبد الوهاب؛ أو السلفيين، نسبة إلى السلف، وهم الأجيال ~~الثلاثة الأولى من المسلمين، الذين قال عنهم النبي: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ~~ثم الذين يلونهم.» اعتقد الوهابيون السلفيون أن الإيمان النقي للأيام الأولى للإسلام قد ~~لوثته البدع الدينية والتأثيرات الأجنبية، وأنه كان يتعين التخلص منها حتى يعود ~~المسلمون إلى حالتهم الأولى المباركة. ولكن بمرور الوقت، سئم التمبكتيون بقدر كبير من ~~الانتقاد والتعالي، وزادت شكوكهم في وسائل هؤلاء الدعاة. تساءلوا: من الذي كان يمولهم؟ ~~ومن الذي يمكن أن يتحمل أن يقضي ثلاثة شهور بعيدا عن زوجته وعائلته، يعظ في أفريقيا؟ ~~وعندما بدءوا يتكلمون في المساجد، كانت جماعات الناس تقوم واقفة وتنصرف. لكن الزوار لم ~~ييأسوا. # كان بعض السلفيين من المحليين. كان حماها ذو اللحية الحمراء من هؤلاء لكن الأكثر ~~تطرفا كان حامد موسى. كان موسى قد ولد في عائلة من الطوارق على مسافة ليست ببعيدة ~~من المدينة وعاش بعض الوقت في المملكة العربية السعودية قبل أن يعود إلى تمبكتو، عازما ~~على تحويل المدينة إلى طريقته في التفكير. كان غير محبوب على الإطلاق - فحسبما تذكر أحد ~~جيرانه: «كان روحا مظلمة»؛ كان شخصا عنصريا يعتقد أن السود ينبغي أن يكونوا عبيدا ~~وكان يهوى إذلالهم - ولكن كان بإمكانه الحصول على مبالغ مالية كبيرة من أجل مشروعه ~~الراديكالي، وعندما لم تعد مواعظه موضع ترحيب في مساجد المدينة، بنى مسجدا خاصا ~~به. أصبح مسجد موسى ملاذا للراديكاليين والوعاظ الأجانب، وقرر المصلون العاديون ~~الذين كانوا يعيشون في الجوار أنهم سيكونون أكثر أمنا بتأديتهم للصلاة في البيت. ومن ~~أجل أن يجتذبهم للعودة أعطاهم موسى وأصدقاؤه طعاما ومالا بشرط أن يأتوا للاستماع، ~~ودعي الأتباع الأكثر حرصا إلى حضور معسكرات تطرف مدتها أسبوع في الأدغال. # كان آغ الحسيني هوكا، المعروف باسم «هوكا هوكا»، واحدا من التمبكتيين الذين أصبحوا ~~متطرفين بهذه الطريقة. كان رجلا ذكيا، ومعلما في المدرسة الفرنسية العربية، وكان ~~من رسخ إيمانه هو أخوه الكبير محمد عيسى، الذي كان ذا ms123 شخصية جادة وعلى معرفة عميقة ~~بالقرآن. عندما كان وعاظ السلفيين يتكلمون، كان عيسى يقول لهوكا وللشباب أن يأخذوا ~~حذرهم. كان يقول: «إنهم يحاولون خداعكم.» لكن عيسى مات في سن مبكرة، وبعد موته، وقع ~~هوكا تحت تأثير موسى. وبدأ يحضر المعسكرات في الأدغال، وسرعان ما أصبح يعظ الناس في ~~مسجد موسى. كان أحمد الفقي المهدي رجلا محليا آخر أصبح من المتحولين إلى السلفية. ~~ولاحقا صار المهدي أول رجل تحكم عليه المحكمة الجنائية الدولية بتهمة التدمير ~~الثقافي. # سارع موسى، وهوكا هوكا، والمهدي إلى الانضمام إلى المتمردين في أبريل 2012؛ وإذ ~~احتاجت الثورة الإسلامية في مالي إلى ماليين مرموقين، منح الثلاثة كلهم أدوارا ~~بارزة في الإدارة الجديدة للمدينة. عين هوكا هوكا القاضي الشرعي، بينما انضم موسى ~~والمهدي إلى الشرطة الإسلامية، وتولى الأخير رئاسة هيئة الحسبة. عهد إلى هؤلاء ~~الثلاثة مهمة فرض قانون العقوبات الجديد بما يتوافق مع التفسير الحرفي للحدود الستة ~~المذكورة في القرآن والسنة: # حد السرقة: # قطع اليد. # حد الزنا: # الرجم حتى الموت أو مائة جلدة. # حد قذف المحصنات: # ثمانين جلدة. # حد شرب الخمر: # ثمانين جلدة. # حد الردة: # القتل أو النفي. # حد قطع الطريق: # القتل. # بعد أيام عدة من وصول الجهاديين إلى البنك المقابل لمنزل باستوس، رأى أنهم قد وضعوا ~~لوحة مكتوبا عليها باللغة العربية «الشرطة الإسلامية». انتقلت إلى المبنى مجموعة من ~~الرجال المسلحين الذين كانوا يرتدون طبارد زرقاء مزينة بشارة عبارة عن بندقيتي ~~كلاشينكوف متقاطعتين وبدءوا دوريات في أنحاء المدينة، مع أنهم كانوا حريصين في البداية ~~على ألا يطبقوا القوانين الجديدة بصرامة مفرطة. # تذكر باستوس قائلا: «كانوا ماكرين للغاية.» ~~••• # وخلال أبريل ودخولا في مايو كان سكان تمبكتو بين شقي رحى المجموعتين المتمردتين ~~المتناحرتين. كانت الحركة الوطنية لتحرير أزواد لا تزال تحتل الأطراف الجنوبية للمدينة، ~~وكلما أرادوا إنجاز شيء ما، كانوا يذهبون إلى القادة المدنيين للمدينة، بينما كان ~~الجهاديون يذهبون إلى المسئولين الدينيين في المجلس الإسلامي الأعلى، بقيادة الإمام ~~الأكبر، عبد الرحمن بن السيوطي. لذلك كانت إدارة المدينة في حالة من الفوضى وكان ms124 أهلها ~~مشتتين. أحيانا كانت القرارات تتخذ مرتين أو لا تتخذ على الإطلاق، وعندما ~~كان يقبض على الناس في ظل القوانين الجديدة، لم يكن أحد يعرف إلى من يذهب ليدافع عن ~~نفسه. من الذي من شأنه أن يتولى إدارة شحنات المساعدات الخيرية المرسلة إلى تمبكتو من ~~الجنوب؟ من الذي من شأنه أن يتولى تنظيم ري الحقول، إذ كان موسم المطر يقترب؟ # فعل كبراء تمبكتو - المدينة الديمقراطية إن كانت توجد مدينة هكذا - ما كانوا يفعلونه ~~دوما في أوقات الاضطراب؛ عقدوا اجتماعا. أسفر الاجتماع عن تشكيل هيئة مدنية جديدة، هي ~~لجنة الأزمة، التي تألفت من قادة أحياء تمبكتو الثمانية عشرة، واتخذوا من رئيس البلدية ~~سيسيه رئيسا لهم ونائب رئيس البلدية السابق ديادي نائبا للرئيس. تقرر أن تجتمع لجنة ~~الأزمة في مكتب رئيس البلدية مرتين أسبوعيا، وكإجراء احترازي حدد الكبراء غرضهم ~~كتابة وأرسلوه إلى الجهاديين للتصديق عليه. # بينما كانوا ينتظرون ردا، قرر الكبراء أن يناقشوا القضية الأكثر إلحاحا، وهي ~~قضية تنظيم ري الحقول. بثوا رسالة على محطة الإذاعة المحلية يطلبون حضور كل المزارعين ~~الذين عملوا في المناطق الزراعية الرئيسية إلى مبنى البلدية في صباح اليوم التالي. في ~~الساعة التاسعة صباحا، في اليوم التالي، بينما كان الناس يبدءون في التجمع، توقفت ~~سيارتان تابعتان للشرطة الإسلامية أمام المبنى وأمرت الناس بأن يتفرقوا. قرر أربعة ~~أعضاء في لجنة الأزمة، وفي ذلك ديادي، أن يبقوا في ساحة المبنى، وبعد ثلاثين دقيقة ~~عاد الجهاديون. لقموا أسلحتهم وجهزوها للإطلاق ونزلوا من شاحنتيهم. ~~«ألم تسمعونا نقول إنه يتعين على الجميع أن يغادروا؟» # قال ديادي: «بلى.» ثم أردف: «لقد قلتم للناس أن يغادروا. ولقد غادروا.» ~~«وماذا تفعلون أنتم هنا؟» # قال ديادي: «نحن المسئولون.» ثم أضاف: «قلنا للناس أن يأتوا. والآن يتعين علينا أن ~~ننتظر لنخبر الناس الذين يأتون عن السبب في أنه لا يوجد أحد هنا وسبب عدم وجود اجتماع. ~~عندما ننتهي من إخبارهم سنذهب، ولكن لا يمكننا أن نذهب قبل ذلك. نحن ممثلو ~~الناس.» # بعد أربعة أيام، تلقى ديادي مذكرة استدعاء ms125 للجنة الأزمة للمثول أمام الجهاديين. ~~ذهبوا إلى مركز الشرطة، ومن هناك اقتيدوا بسيارة إلى مكتب السجل العقاري السابق، حيث ~~كان أبو زيد يقيم في ذلك الوقت، وأرشدوا إلى منطقة إقامة رحبة جهزت بالسجاد ~~والفرش للضيوف. وهناك وجدوا القيادة العليا للجهاديين بكامل هيئتها؛ آغ غالي ذو الوجه ~~الطفولي، وأبو زيد الضئيل الحجم، وسندة ولد بوعمامة الناطق الرسمي الوسيم اللطيف، ~~ومجموعة من ضباط آخرين من جنسيات مختلفة، بجوار كل واحد منهم بندقية كلاشينكوف. أثناء ~~احتساء الشاي أوضح محتلو المدينة أنهم كانوا قد أجروا تحريات، وأنه يسعدهم قبول أن ~~لجنة الأزمة كانت بالفعل تمثل أهل تمبكتو. كرروا شعار أنهم كانوا قد جاءوا ببساطة ~~من أجل أن يكفلوا أن تعيش المدينة المقدسة تبعا للتعاليم التي أوحى بها الله. وقالوا ~~إنهم قريبا سيعقدون في جاو مؤتمرا سيعلن فيه عن إقامة جمهورية أزواد الإسلامية، ومن ~~تلك اللحظة يجب أن يفهم أنه لم تكن توجد دولة في شمال مالي - لا حاكم مقاطعة، ولا ~~محافظ معين من قبل باماكو، ولا رئيس بلدية ولا دستور مالي - لا وجود إلا للشريعة. ~~ينبغي أن تفهم اللجنة أهدافهم وتساعدهم في إرشاد المدينة إلى الطريق القويم، ولن ينفعهم ~~أن يعبسوا أو يتشاجروا؛ لأن الله قد وهبهم وسيلة لجعل الناس يفعلون ما يشاءون. ومع ذلك ~~كانوا يفضلون الإقناع على الإجبار، ولهذا السبب دعي الكبراء اليوم. # تذكر ديادي: «من ذلك الوقت فصاعدا كان يتعين أن نعمل معا.» ثم أردف: «وإذا شعرنا ~~أن أمورا لم تكن مناسبة، فعلينا أن نخبرهم، والعكس صحيح. كان التعاون قد بدأ بشكل أو ~~بآخر.» # ومع ذلك، كانت توجد بعض الموضوعات التي لن تتمكن اللجنة والجهاديون من مناقشتها. من ~~هذه الموضوعات كان موضوع المخطوطات؛ إذ يتذكر رئيس البلدية سيسيه: «كان موضوعا خطيرا ~~للغاية.» ثم أضاف: «كانت تلك مشكلة مخفاة.» # الموضوع الآخر كان مصير آثار التراث العالمي بالمدينة. كان الجهاديون يعتبرون ذلك ~~أمرا غير قابل للتفاوض. ~~••• # ذات مرة وصف أمادو همباطي با إمبراطورية أحمد لوبو المسلمة بأنها قامت على «أساس قديم ~~من الأديان ms126 المحلية.» بحسب همباطي با، أنشأ هذا إطارا اجتماعيا يمكن أن تعيش فيه ~~الشعوب المختلفة جنبا إلى جنب مع الحرص على الحفاظ على أعراقها وخصائصها المختلفة. في ~~بداية القرن الحادي والعشرين، كان هذا الخليط من المعتقدات لا يزال موجودا على ضفاف ~~نهر النيجر. كانت مالي دولة مليئة بالمساجد، حيث كانت حياة الناس محكومة بالأساس ~~بمبادئ المذهب المالكي السني، ولكن كانت أيضا دولة كان فيها المرابطون يصنعون تمائم ~~«جو جو» و«جريس جريس» لسائقي الشاحنات وربابنة القوارب لدرء الشر، والصحفيون يطلبون ~~تعاويذ لمساعدة ضيوفهم على أن يفضوا بما لديهم. بعض هذه الممارسات كان دليلا على ~~وجود «الأساس القديم»؛ وبعض الممارسات الأخرى كان مظاهر للروحانية الصوفية التي كان ~~لها منذ وقت طويل دور في الإسلام الأفريقي. # يعتقد الصوفيون، بوجه عام، أن الأحياء يمكن أن يصلوا إلى الاستنارة من خلال التكريس ~~الداخلي لأنفسهم لله. ينشئ كبار قادة الصوفية علاقة حميمة خاصة مع الذات الإلهية، ~~وأحيانا يبجلون باعتبارهم أولياء. ضمت الأضرحة في أنحاء تمبكتو رفات مئات من هؤلاء ~~الأولياء، ومن شأن الناس أن يتبركوا بأقواهم وأشهرهم ليتشفعوا لهم في حياتهم. أدرج ~~ستة عشر ضريحا من هذه الأضرحة في قائمة اليونسكو لآثار التراث العالمي في عام 1988، ~~إلى جانب مساجد جينجربر، وسانكوري، وسيدي يحيى، وشكل الأولياء المدفونون فيها - وهم ~~شخصيات تاريخية مثل العم الأكبر لأحمد بابا، وهو الشيخ سيدي محمود، قاضي تمبكتو العظيم ~~في القرن السادس عشر، والشيخ ألفا موي، الذي قتل على يد القوات المغربية في عام 1594 ~~- متراسا روحيا صان المدينة بطريقة معجزة. شرح إير مالي الكيفية التي كان يعمل بها ~~هذا عمليا: «إذا نظرنا إلى مدينة تمبكتو، نجد أضرحة عند أركانها الأربعة، وكل ولي ~~يحتل ركنا. هذا يعني أن لا شيء سيئ يمكن أن يدخل هناك، ولذلك فالمدينة آمنة. وحتى إن ~~ألقيت قنبلة أو قذيفة، فتذكر أنها لن تسقط بداخل المدينة. بل ستسقط خارجها.» وبحسب ~~سانيه شريفي ألفا، كان الدفاع الروحي قد أنقذ المدينة من وابل من قذائف الهاون التي ~~سقطت عليها أثناء تمرد الطوارق ms127 في عام 1992، ولكنها لم تنفجر. وقال: «لا يوجد تفسير ~~علمي للأمر.» # اعتبر الجهاديون كثيرا من هذه المعتقدات، وفي ذلك تبجيل أولياء تمبكتو، «بدعا» ~~خطرة على شعائر السلف، أول وأطهر المسلمين. ومن أجل إعادة المدينة ودينها إلى الحالة ~~النقية، كان لا بد من استئصال هذه البدع. # ومع ذلك، عندما نشب الصراع لم ينشب بسبب أحد الأولياء، وإنما بسبب جن. # في النصف الثاني من أبريل قيل إن شبحا ظهر في المدينة، متسربلا بثياب بيضاء، وقطعة ~~طويلة من القطن ملفوفة حول وجهه بطريقة الطوارق، وكان راكبا على حصان أبيض. كان هذا هو ~~الفاروق، وهو الرمز التعويذي للمدينة، والذي حفظ المدينة طيلة قرون من الأرواح الشريرة ~~والسلوك السيئ. كان يقال إن الفاروق يذرع المدينة جيئة وذهابا بعد حلول الظلام فارضا ~~نظاما لحظر التجول يقوم على ثلاثة تعديات؛ ففي المرتين الأوليين اللتين كان يقبض فيهما ~~على شبان يسيئون التصرف كان يرسلهم إلى البيت محذرا إياهم، ولكن في المرة الثالثة كان ~~يجعلهم يختفون للأبد. ذات مرة، منذ قرون، كان قد حاول أن يوبخ زوارا مقدسين من بلدة ~~جني كانوا قد بقوا في المسجد لوقت متأخر، ومن شدة غضب إمام مسجد سانكوري حبس الفاروق ~~سبعمائة عام في مياه نهر باني. وبعد ذلك، عاد الجني، واسترد مكانه الصحيح في قلب ~~تمبكتو، وصار له نصب خاص على جزيرة مرورية في ميدان الاستقلال. # ظن مامادو قاسي، وهو شاب مالي قيل إن والده كان مؤذنا في باماكو، أن الفاروق صنم ~~وثني زائف. عندما وصل إلى تمبكتو في أبريل من عام 2012 للانضمام إلى الجهاد وأخبر عن ~~الجني، قرر أن أفضل ما يفعله هو أن يهدم النصب. قال: «تسلقته وهشمته أمام الجميع ~~الذين قالوا لي إن هذا هو الجني الذي يحمي المدينة.» لم يتمكن من هدم النصب كله - ~~كانت القاعدة كبيرة ومصنوعة من خرسانة سميكة - لكنه تمكن من أن يسقط رأس الفارس ~~وقدميه وقدمي جواده. قال لحشد الناس الذين تجمعوا ليشاهدوا: «انظروا، لا وجود ~~لجنكم!» ثم أضاف: «إن الله هو الذي يحمينا!» # وبدلا ms128 من أن يقتنع الناس، أغضبهم العمل التجريبي الذي ارتكبه وأظهروا غضبهم بأن ~~خرجوا في مسيرة إلى معسكر الجيش. فرق الجهاديون المحتجين بإطلاق النار فوق ~~رءوسهم. # لم يكن نصب الفاروق قديما ولا ذا قيمة خاصة، ولكنه كان رمزا لشيء أراد المحتلون ~~استئصاله، وكان العمل التخريبي الذي اقترفه قاسي ذا أهمية كبيرة لأنه كان بمثابة ~~استهلال للحرب المقبلة على أشباح تمبكتو. # بعد أسبوعين من استهداف نصب الجني هاجم الجهاديون شيئا أثمن بكثير: ضريح الشيخ ~~سيدي محمود. كان هذا الولي، الذي توفي في عام 1548، عالما جليلا من علماء تمبكتو، ~~ومعروفا بعلو شأنه. كان قبره، المصنوع من الحجارة والطين اللبن، قد بني على تلة ~~منخفضة على موقع ردهة منزله، شمال المدينة. كان أتباعه مدفونين حوله، بحيث كان الآن في ~~مركز مقبرة كبيرة، وكان الناس يذهبون إلى هناك على نحو منتظم للتبرك. # في يوم الجمعة، الموافق الرابع من مايو، رأت مجموعة من الجهاديين المتعبدين وقالت ~~لهم إن ما يفعلونه محرم وينبغي عليهم أن «يطلبوا العون من الله مباشرة دون وسيط» ~~وليس من شخص ميت. بعد ذلك بدءوا يهاجمون المقبرة، ويحطمون باب الضريح ويقتلعون نوافذه، ~~ويحرقون الستار الأبيض الذي يفصل القبر عن مكان الصلاة ويحطمون العديد من شواهد القبور. ~~قال أحد معاوني رئيس البلدية لأحد المراسلين في اليوم التالي إن الجهاديين كانوا قد ~~توعدوا الناس بهدم أضرحة أخرى، وكذلك بعض المخطوطات. وقال: «إن تمبكتو مصدومة.» # تفاعل الخبراء الثقافيون حول مالي مع الأمر بمزيج من الغضب والحزن. قال البروفسيور ~~بابا أكيب حيدرة، وهو خبير مخطوطات تمبكتي: «إنني أعاني والجميع يعانون بنفس الطريقة ~~معي.» ثم أردف: «إنهم يعودون بنا إلى الوراء، إلى الوراء، هذا غير مقبول. إنهم يهاجمون ~~قيمنا، وروحانياتنا، المتغلغلة في روح تمبكتو. يجب على اليونسكو أن تعمل على تعبئة ~~الرأي العام الدولي. هذا ليس الإسلام، وستقع كارثة عظيمة إن لم يفعل أحد شيئا.» ~~وبالنسبة للمخرج ووزير الثقافة المالي السابق شيخ عمر سيسوكو، كانت المقبرة تمثل «جزءا ~~من التراث الثقافي والروحي لتمبكتو، وللإنسانية بوجه عام»، والتعصب الذي ms129 تمثل في ~~الهجوم عليها كان «مأساويا». أما الحكومة المالية فأدانت «حتى الرمق الأخير» ما وصفته ~~بأنه «عمل حقير يهدم المبادئ الأساسية للإسلام، دين التسامح والاحترام.» # في الرابع عشر من مايو، أطلق المجتمع الثقافي بالمدينة - الفنانون، والمثقفون، ~~والعاملون في المخطوطات - نداء استغاثة إلى الأمين العام للأمم المتحدة. نص الإعلان ~~على أن «الفوضى الشاملة وغياب القانون سائدان هنا في تمبكتو»، مضيفا أنه كان «يوجد خطر ~~جسيم يتمثل في تدمير كل ثرواتها.» إن كان التراث العالمي يعني شيئا، فيجب على المجتمع ~~الدولي أن يبادر بالتحرك الآن، لأن «تمبكتو على وشك أن تفقد روحها. إن تمبكتو مهددة ~~بتخريب شائن. إن سفاحا يضع سكينه الحاد على عنق تمبكتو.» # لم يتأثر الجهاديون بأي من ذلك. فقد كانوا ينفذون تعاليم الله. قال حماها ذو ~~اللحية الحمراء موضحا: «يجب ألا يتجاوز ارتفاع القبر مستوى الكاحل.» وأضاف: «إذا كان ~~القبر أعلى من ذلك، يجب عليك أن تهدمه.» ~~••• # لرجال المكتبات الثلاثة في باماكو، كان تدنيس قبر سيدي محمود تطورا جديدا مقلقا. ~~إلى أي مدى سيصل هؤلاء الناس؟ وما الذي يعنيه هذا للمخطوطات؟ كما كان يعرف أي أحد أمضى ~~وقتا مع الوثائق، لم تكن محتوياتها قاصرة على موضوعات يعتبرها الجهاديون مقبولة. على ~~وجه التحديد، كانت فكرة الشفاعة - التي تعني أنه يمكن للمسلمين التوسل إلى أحد ~~الأولياء ليتوسط إلى الله من أجل تحقيق مطالب خاصة - محل نقاش واسع في المخطوطات، ~~لكن السلفيين كانوا يعتبرونها أمرا محرما وملعونا. فبحسب ما ذكر اللاجئون الذين ~~خرجوا من المدينة، اعتبر محتلو المدينة أن بعض الكتب في معهد أحمد بابا «لا تتماشى مع ~~الإسلام.» # أيضا وصلت إلى رجال المكتبات أنباء بأن الجهاديين كانوا قد بدءوا في الاعتراض على ~~الاحتفال الديني الرئيسي في تمبكتو، وهو المولد النبوي. يحتفل المسلمون السنة في سائر ~~أنحاء العالم الإسلامي بالمولد النبوي منذ القرن الثاني عشر، لكن السلفيين لم يوافقوا ~~عليه؛ فمن وجهة نظرهم، كان المولد النبوي بدعة ارتقت بالنبي إلى درجة قريبة من ~~الألوهية. كان هذا موضع قلق كبير لرجال المكتبات؛ لأن ms130 احتفالات المولد النبوي في تمبكتو ~~كانت تستند على «القصيدة العشرينية»، وهي قصيدة مجازية من عشرين بيتا في مدح النبي. ~~كان هذا النص التعبدي، الذي كتبه عبد الرحمن الفزازي في القرن الثالث عشر في قرطبة، قد ~~جاء إلى تمبكتو من المغرب في القرن الخامس عشر ونسخ على نطاق واسع. أثناء الاستعداد ~~للاحتفال، كانت القصيدة بكاملها تقرأ أربع مرات؛ أولا على مدى أربعين يوما، ثم على ~~مدى أسبوع، ثم على مدى ثلاثة أيام. وأخيرا، كانت تقرأ على مدى الليلة الأخيرة التي ~~تسبق اليوم المقدس نفسه. وحيث إن هذا العمل كان موجودا في الكثير من مجموعات ~~المخطوطات، خشي حيدرة أن يجتذب انتباه محتلي المدينة إلى وثائق معينة لم تكن ~~ستعجبهم. # تذكر حيدرة قائلا: «عقدت لقاءات كثيرة في تمبكتو بين المحتلين والأعيان ~~والمرابطين حول تنظيم المولد النبوي.» ثم أردف: «سمعنا أن المحتلين قالوا: «لا، لا، ~~الاحتفال بالمولد النبوي حرام. كما أن المخطوطات التي تتحدث بشأنه ليست في الحقيقة ~~مخطوطات جيدة.» سمعنا ذلك. وجعلنا هذا نبدأ في التفكير. قلنا إن ذلك ربما يكون ~~تهديدا.» # بدأ أيضا يسمع أنباء عن أن المتمردين قد قبضوا على أشخاص معهم مخطوطات في حقائبهم ~~وأتلفوها. تذكر قائلا: «وجدوا بعض المخطوطات وأحرقوها.» ثم أردف: «لم يكن بالأمر ~~الجلل؛ إذ كانت مخطوطات قليلة، لكنهم أحرقوها.» تلاعبت هذه القصص بمخيلة حيدرة. إن ~~كانوا قد أتلفوا بضع حزم من المخطوطات، فماذا سيفعلون بمكتبة مليئة بها؟ # قال حيدرة: «قلنا إن ذلك ليس جيدا.» ثم أردف: «كنا نعرف أن الأمور تبدأ هكذا، شيئا ~~فشيئا.» # بحسب ما قال معيجا، تبلورت هذه النذر القليلة من المعلومات في هيئة قرار اتخذ ~~في الأسبوع الأخير من مايو. # تذكر حيدرة قائلا: «في أحد الأيام، قلت لمعيجا إنني أرى أننا يجب أن نجد حلا لنقل ~~المخطوطات إلى باماكو. وقلت إن الآن هو الوقت المناسب.» # الفصل العاشر # | بابا تمبكتو # 1850-1854 # في صباح يوم الحادي والثلاثين من مارس من عام 1850، غطى ضباب كثيف غرب ليبيا، وهو ~~أمر نادرا ما كان يحدث، منذرا باحتمال سقوط أمطار ms131. كان الربيع مطيرا ، وبينما كان ~~هاينريش بارت وزميله البروسي أدولف أوفرويج ينتظران قائد حملتهما في مكان اللقاء جنوب ~~طرابلس، فوجئا باخضرار الصحراء، التي بدت مثل مرج؛ إذ كانت مليئة بحقول الذرة، والعشب، ~~وقطعان الأغنام، ومجموعة وافرة من زهور برية زرقاء. عندما بدأ المطر يهطل، وصلت جماعة ~~جيمس ريتشاردسون، وراقب بارت بتشكك بينما بدأ خدمه ينصبون خيمة بحجم مستشفى ميداني. ~~هطل المطر بغزارة طيلة الأربع والعشرين ساعة التالية مما جعلهم يؤجلون خططهم للرحيل، ~~لكن مع أن بارت كان محبطا، فإنه لم يوثق هذا في يومياته. كان أخيرا على وشك أن ينطلق ~~في الرحلة التي ستميزه، رحلة ملحمية مدتها خمسة أعوام من شأنها أن تحل لغز قلب أفريقيا ~~الذهبي المفقود. # كان قلة من الرجال مؤهلين جدا لمهمة كهذه بقدر ما كان بارت مؤهلا للاستكشاف. صورته ~~صورة بطباعة الليثوجراف في هيئة شاب متشكك، له شارب متصل بلحيته وظهر مستقيم بصرامة. ~~كان من غرس فيه تلك الصرامة هما والديه، يوهان وتشارلوت بارت من هامبورج، اللذين كانا ~~لوثريين ربيا أولادهما تبعا للمبادئ الصارمة للأخلاق، والواجب، والمثابرة. كان ~~هاينريش الابن الثالث من أربعة أبناء، وقد ولد في عام 1821، وأرسل في عمر الحادية ~~عشرة إلى أكاديمية يوهانيم المرموقة، حيث كان له قلة من الأصدقاء وأظهر ما وصفه أحد ~~معاصريه بأنه «انطواء أرستقراطي.» ومع ذلك كان تلميذا مفعما بالتصميم والحيوية، وكان ~~يشغل وقت فراغه في قراءة تاريخ وجغرافيا الإغريق والرومان باللغتين اليونانية ~~واللاتينية. وفي أيام مراهقته، معتقدا أنه كان ضعيفا من الناحية البدنية، اتبع نظاما ~~من التدريبات والاستحمام بماء بارد، حتى في الشتاء، من أجل تقوية جسده. # بعد أسبوعين من ترك أكاديمية يوهانيم في عام 1839 التحق بجامعة برلين، إحدى أكثر ~~المؤسسات التعليمية حيوية في ذلك الوقت، حيث كان من ضمن زملائه من الطلاب كارل ماركس، ~~وفريدريش إنجلز، وسورين كيركجور. تلقى بارت تعليمه على يد اثنين من عمالقة العلم في ~~القرن التاسع عشر: كارل ريتر، مؤسس الجغرافيا الحديثة، وألكسندر فون هومبولت، عالم ~~الطبيعة الذي كان قد قام برحلة استكشاف ms132 ملحمية دامت خمسة أعوام في أمريكا اللاتينية جمع ~~فيها ستين ألف نوع من النباتات وخمسة وثلاثين صندوقا من الحشرات، والطيور، والأحجار، ~~وغيرها من العينات. من شأن هذا التعليم الراقي وحده أن يميز بارت عن المغامرين الذين ~~كانوا قد مضوا للاستكشاف من قبل. كان يحمل معه كتاب كولي «نيجرولاند»، وتكشف يومياته عن ~~معرفة تفصيلية بالجغرافيين العرب، وكذلك باكتشافات سابقيه بارك، وكاييه، والضابط البحري ~~الاسكتلندي هيو كلابرتون، الذي زار وسط أفريقيا في عشرينيات القرن التاسع عشر. لا بد ~~أنه كان يبدو لخبراء الجمعية الجغرافية الملكية المسنين متعلما تعليما زائدا عن ~~اللزوم، لكنه يمكن أيضا أن يوحي بخبرة كبيرة في المجال. وبعد عام من تخرجه في ~~الجامعة كان قد انطلق في رحلة منفردة لمدة ثلاث سنوات من طنجة عبر بلاد البربر والشرق ~~الأوسط. وفيما بين طرابلس ومصر تعرض للهجوم ليلا على يد عصابات بدوية، وأصيب بطلقات ~~رصاص في كلتا ساقيه وسقط مغشيا عليه. وعندما عاد إلى الديار، كان، بحسب زوج أخته ~~ولاحقا كاتب سيرته الذاتية جوستاف فون شوبرت، «صامتا ومنطويا على نفسه»، ورجلا يصعب ~~التعرف عليه: # استغرق الأمر وقتا طويلا قبل أن أتمكن من إذابة الجليد الذي كان يحيط بقلبه ~~ومن التعرف على أعماق شخصيته. في خطابه الأول لي، كتب: «إن جعلت أختي تعيسة، ~~فسأرديك قتيلا»، وهو ما كان واضحا بما يكفي. # تحت هذه القشرة الخارجية كان يوجد رجل يحتاج إلى أن تكون ثمة حاجة إليه؛ فقد كتب ~~ذات مرة أن هدفه الوحيد هو أن «أكون «نافعا» للبشر، وأن أشجعهم على التنوير المشترك، ~~وأن أغذي أرواحهم وأمنحهم القوة.» من المؤسف أن رواية بارت عن رحلته في شمال أفريقيا ~~كانت مخيبة لآمال البشرية. كتب ناقد بمجلة «أثينيوم» عن كتابه «رحلات على شواطئ البحر ~~المتوسط القرطاجية والقورينية» أنه «عينة محيرة أكثر ... من بعض من أسوأ أخطاء النثر ~~الألماني التي نادرا ما وقعت في طريقنا»، وألغيت الخطط المتعلقة بكتابة مجلد ثان. ~~الأمر الذي كان أكثر إيلاما حتى من الانتقادات المهنية التي تلقاها في هذا الوقت كان ms133 ~~الرفض الذي تلقاه لعرض بالزواج. كتب شوبرت، دون أن يسجل اسم المرأة: «كانت التجربة ~~بمثابة لطمة شديدة لكبرياء بارت.» ثم أضاف: «دام خوفه المرير من العلاقات العاطفية ~~وقتا طويلا بعد ذلك، وحتى في الأعوام اللاحقة لم يستطع أن يرغم نفسه على ~~الزواج.» # ليس ذلك مهما. سيوظف بارت شغفه في البلدان الأجنبية، حيث كان دوما يبدو أكثر ~~ارتياحا. # في عام 1849، عثر على فرصته، في حملة جيمس ريتشاردسون الاستكشافية البريطانية إلى ~~المناطق الداخلية الأفريقية. كان ريتشاردسون البروتستانتي قد انضم إلى جمعية مناهضة ~~العبودية في بريطانيا والخارج عند تأسيسها في عام 1839 ونشأ لديه اهتمام خاص بالجانب ~~المتعلق بالتجارة التي كانت تعبر الصحراء الكبرى. وفي عام 1845، قادته رحلاته إلى واحة ~~غات، في فزان، ولدى عودته طرح فكرة القيام بحملة استكشافية إلى بحيرة تشاد على وزير ~~الخارجية، اللورد بامرستن، بهدف الاستعاضة عن تجارة الرقيق بالسلع المصنعة البريطانية. ~~ووافق بامرستن على ذلك. ولأن ريتشاردسون لم يكن خبيرا في الملاحظات الجغرافية، فقد لجأ ~~إلى معارفه من البروسيين ليرشحوا له عالما، وبناء على توصية من ريتر استخدم بارت ~~وأوفرويج. كان من شأنهم أن يسافروا على نفقة بريطانيا فيما أطلق عليه ريتشاردسون «رحلة ~~استكشاف وعمل خيري إلى وسط أفريقيا عن طريق الصحراء الكبرى». # على غير العادة، وربما على نحو منذر بالشؤم، وضع الثلاثة عقدا قبل مغادرتهم ~~ليحددوا أدوارهم. كان من شأن ريتشاردسون، بصفته القائد، أن يقرر اختيار الطريق ووسيلة ~~التقدم، ولكنه كان ملزما أيضا بأن يعاونهما في عملهما العلمي. وإذا وصلوا إلى بحيرة ~~تشاد على قيد الحياة، فسيعود، تاركا للرجلين الألمانيين أي أدوات يحتاجان إليها للقيام ~~بملاحظاتهما. # كان التوتر بين بارت وقائده واضحا منذ البداية. كانت الجملة التي سيختار بارت، بعد ~~أعوام، أن يفتتح بها سرده للرحلة في خمسة مجلدات هي: «كان السيد ريتشاردسون في باريس ~~ينتظر المراسلات بينما كنت أنا والسيد أوفرويج قد وصلنا إلى تونس»؛ وبعد ستة أسابيع ~~أخرى وصل ريتشاردسون المرتبك إلى طرابلس. استغل بارت الوقت في أن يأخذ أوفرويج في جولة ~~كبيرة إلى المناطق الساحلية ms134، وهو انحراف اعتبره البريطاني دلالة على «تهور أوروبي». ~~وبعد وصول ريتشاردسون، زادت حالات التأخير أكثر؛ إذ انتظر أن تشحن كميات هائلة من ~~المعدات من مالطا. وكان أكبر سبب للتأخير هو القارب. فعلى الرغم من أن الأميال الألف والخمسمائة ~~الأولى من طريق الحملة الاستكشافية كانت ستقطع عبر الصحراء، كان عليهم أن يحملوا ~~قارب تجديف ثقيلا كانوا يأملون أن يستخدموه يوما ما في معاينة بحيرة تشاد. واحتاجوا ~~أيضا إلى بحار لتشغيله؛ وكان ريتشاردسون قد عين قريبا له لهذه المهمة، لكنه كان ~~صعب المراس حتى إنه أعيد إلى الديار عندما كانوا في منتصف الطريق وسط الصحراء. # هذا النوع من الأخطاء الفادحة كان أمرا معتادا من ريتشاردسون، بحسب القنصل ~~البريطاني في طرابلس، جي دبليو كرو، الذي أعرب لوزارة الخارجية عن دهشته الشديدة من أن ~~يختار رجل كهذا لقيادة حملة استكشافية إلى المناطق الداخلية: «أخشى أن يؤدي سوء إدارته ~~الشديدة إلى إضعاف السمعة التي تتمتع بها حتى الآن الأمة الإنجليزية في وسط ~~أفريقيا.» # بينما رتب ريتشاردسون عملية نشر القارب إلى قطع يمكن أن تحمل على ثمانية جمال ~~كبيرة، انطلق البروسيان النافدا الصبر جنوبا، بعدما وعداه بأن ينتظراه بعد أربعين ~~ميلا في وادي المجينين. وأخيرا، في صباح يوم الثاني من أبريل من عام 1850؛ وإذ كان ~~الجو صحوا، كانت الحملة تستعد للرحيل. كان من شأن المشهد الذي تقع عليه عينا زائر ~~الوادي أن يكون جديرا بسيرك بارنوم وبيلي. # امتلأ مجرى النهر الجاف باثنين وستين جملا، بينما اشتبك حولها عشرات من قادة الجمال، ~~والخدم، والتابعين في عراك وجدال. كان ريتشاردسون قد وظف ترجمانا سكيرا يسمى ~~يوسف موكني، الذي كان ابنا لحاكم سابق لفزان، والذي كان قد أجبر على توقيع عقد ~~بالامتناع عن شرب الخمر، واثنين من الإنكشارية العرب اللذين أمضيا الأسابيع الأولى في ~~التهديد بأن يقتل أحدهما الآخر. بعد ذلك أتت حفنة من العبيد المعتوقين، العائدين مع ~~عائلاتهم من تونس إلى وطنهم في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ومرابط من فزان. كان ~~الشخصان الأكثر جدارة بالملاحظة من الجميع هما ms135 تابعان وصفهما ريتشاردسون بأنهما ~~«رفيقان مجنونان»، واللذان تشكك في أن الهدف الوحيد من وجودهما كان التهكم على الحملة. ~~كان لدى أحد هذين الرجلين، والذي زعم أنه يحمل لقب شريف من نسل النبي، «عادة كريهة ~~تتمثل في التهديد بقطع عنق الجميع». وما إن وصل حتى أثار استياء القافلة ببدء المشاحنات ~~وإخبار الآخرين بأنه سيطعنهم أو يطلق عليهم النار. «ولكنه كان يتملقنا نحن الأوروبيين»، ~~بحسب ما ذكر ريتشاردسون، «بينما كان معه سكين ضخم يخفيه تحت ثيابه جاهزا للهجوم.» ~~كانت مجموعة من الدبلوماسيين والمغتربين قد أتت أيضا إلى الوادي لتودعهم: القنصل ~~الأمريكي، السيد جينز؛ ونائب القنصل البريطاني، السيد ريد؛ وفريدريك وارينجتون، وزوج ~~أخت ألكسندر جوردون لينج وصديق بارت، وهو رجل وصفه البروسي بأنه «ربما يكون أروع مثال ~~على الأوروبيين المستعربين». # ما إن أعيد «الرفيقان المجنونان» إلى طرابلس، وأحدهما، وهو الشريف، تحت الحراسة، ~~انطلقت الحملة الاستكشافية. ركب وارينجتون معهم الأيام القليلة الأولى حتى مدينة غريان ~~التي تقع على قمة جبل. أقاموا مخيما وسط شجيرات الأكاسيا وراقبوا المخروط البركاني ~~لجبل تكوت بينما كانت قصعة كبيرة من الكسكسي تحضر لوارينجتون. وفي صباح اليوم ~~التالي، الخامس من أبريل، راقبهم وهم يغادرون صوب الأفق الجنوبي، مثلما راقب والده ~~ألكسندر جوردون لينج يرحل منذ خمسة وعشرين عاما. # كتب بارت بعد عدة أعوام: «افترقنا عن السيد وارينجتون، وكنت الوحيد من الرحالة ~~الثلاثة الذي سوف يراه مجددا.» ~~••• # اتضح أن ريتشاردسون ضعيف في القيادة بقدر ما توقع الجميع، وكانت رحلتهم عبر الصحراء ~~تماثل في تعرجها تقريبا رحلة لينج. كانت القافلة مستنزفة على يد مرشديها ومطاردة من ~~قبل قراصنة الطوارق. وبحلول شهر سبتمبر من عام 1850، عندما وصلوا إلى الأمان في ~~تنتالوس في جبال آير، كان الإرهاق قد بلغ بريتشاردسون مبلغه. وبينما انطلق بارت في حملة ~~استكشافية فرعية إلى أغاديس، حيث سمع عن وجود إمبراطورية سونجاي السودانية العظيمة، ~~استراح ريتشاردسون في خيمته. لم يستطع أن يحتمل حرارة الجو، وحاول واهنا أن يرجع إلى ~~طرابلس لكنه لم يتمكن من العثور على مرشد. ومات في شهر ms136 مارس في العام التالي دون أي ~~مقاومة. عندئذ تولى بارت مسئولية الحملة، وأجرى بالاشتراك مع زميله البروسي مسحا ~~شاملا لبحيرة تشاد، لكن نوبات متكررة من الحمى دمرت صحة أوفرويج، وبحلول أواخر شهر ~~سبتمبر من عام 1852 مات هو الآخر. دفنه بارت في قبر على ضفة البحيرة، بجوار ~~القارب. # اغتم بارت بشدة لوفاة أوفرويج. وكتب في يومياته: «وهكذا مات صديقي ورفيقي الوحيد، في ~~العام الثلاثين من عمره، وهو في ريعان شبابه.» عندئذ شعر أن بحيرة تشاد «لا تطاق»، ~~ولم يكن أمامه سوى أن يفعل أمرا واحدا، وهو أن يمضي قدما. ترك بامرستن أمر وجهة ~~الحملة المستقبلية بالكامل لسلطته التقديرية، وكتب له أنه سيكون «راضيا تماما» بمسار ~~غربي إن اختار بارت هذا، وكان ذلك هو ما فعله المستكشف حينئذ. كتب: «عزمت على أن أنطلق ~~بأسرع ما يمكن في رحلتي صوب نهر النيجر، إلى بلاد جديدة وأناس جدد.» وفي الخامس ~~والعشرين من نوفمبر، شرع في المضي على الطريق الخطر إلى تمبكتو، متنكرا في هيئة مسلم، ~~كما فعل كاييه من قبل. ادعى أن اسمه «عبد الكريم»، وأنه سوري يتكلم التركية كان مسافرا ~~إلى المدينة ومعه كتب لشيخ تمبكتو، وهو رجل يدعى أحمد البكاي كان بارت قد سمع به في ~~أسفاره. # كان الطريق غربا رحلة شاقة، في «مناطق تكاد تكون مجهولة، ولم تطأها قدم أوروبية ~~من قبل»، واستلزمت عبور ممالك كثيرة علاوة على تضاريس جعلتها الأمطار خطرة. ومع ~~ذلك، وقبل أن يصل إلى المدينة بوقت طويل، بدأ بارت يكتشف اكتشافات بالغة الأهمية فيما ~~يتعلق بتاريخ سونجاي، وهو موضوع كان افتتان المستكشف به يتزايد. # في أبريل من عام 1853، تقريبا في منتصف طريق رحلته الممتدة لمسافة 1500 ميل إلى ~~تمبكتو، وصل إلى وورنو في صكتو، حيث التقى برجل متعلم يدعى عبد القادر دان تافا، ~~والذي كان ملما «إلماما كاملا في ذهنه»، على حد قول بارت، بقدر كبير من تاريخ ~~السلالات الحاكمة في سونجاي، وهي معلومات كانت «بالغة الأهمية» في تبصير المستكشف بماضي ~~المنطقة. كان الأكثر إثارة، مع ذلك، هو ms137 أن هذا الرجل أخبره بوجود سجل تاريخي كبير ~~لإمبراطورية سونجاي، كتبه، بحسب قوله، العلامة أحمد بابا. # بدأ بارت يسعى إلى الحصول على مخطوطات أينما ذهب. في ذلك الشهر، وجد على الأقل، ~~مخطوطتين، «تزيين الورقات»، وهي سجل تاريخي كتبه عبد الله بن محمد فودي، وكتاب محمد ~~بيلو «إنفاق الميسور»، الذي كان كلابرتون قد جلب مقتطفا منه في عام 1825، لكنه كان قد ~~فقد منذ ذلك الحين. يحكي الكتابان عن الجهاد الفولاني في أوائل القرن التاسع عشر، ~~والذي أسفر عن إقامة خلافة صكتو، ومع ذلك كان هذان الكتابان مكافأة صغيرة مقارنة ~~بالوثيقة التي كان سيعثر عليها على مسافة أبعد غربا. في شهر يونيو، مع بداية هطول ~~أمطار شديدة، وصل بارت إلى جاندو، على حدود دولة النيجر المعاصرة، حيث أعير نسخة من ~~«ذلك العمل التاريخي الأقيم الذي كتبه أحمد بابا»، وهو تاريخ السودان الذي كان عبد ~~القادر دان تافا قد أخبره عنه. جلس بارت لمدة ثلاثة أو أربعة أيام يقرأ في «مجلد قطع ~~الربع الكبير الحجم» الذي يحتوي على الوقائع التاريخية، مستعينا بإتقانه للغة العربية ~~ليستخرج أهم الفقرات. كتب عن هذه الفقرات أنها: # منحتني نظرة جديدة تماما فيما يتعلق بتاريخ مناطق المسار الأوسط لنهر ~~النيجر، الذي كنت متوجها إليها، مثيرة في داخلي اهتماما أكثر حيوية بكثير ~~مما كان لدي في السابق بمملكة وجدت منصوصا هنا، بخطوط عريضة واضحة ومتميزة ~~جدا، النفوذ العظيم الذي كانت تتمتع به، في الأزمنة الماضية. # نسخ بارت من سجل الوقائع التاريخية بقدر ما أتاح الوقت، مركزا على البيانات ~~التاريخية، لكنه لم يستطع أن يستوعب ما كان يقرؤه استيعابا صحيحا قبل أن يتابع المضي ~~في طريقه صوب تمبكتو. # في العشرين من يونيو، في ساي، ابتهج برؤية نهر النيجر للمرة الأولى، الذي كتب عنه أنه ~~«مجرى مائي مهيب غير متقطع» يبلغ عرضه نحو سبعمائة ياردة. انساب النهر العظيم في اتجاه ~~الجنوب والجنوب الغربي بتيار معتدل بسرعة ثلاثة أميال في الساعة تقريبا. عبرت جماعته ~~الصغيرة في قاربين مصنوعين من جذوع شجر مفرغة مربوط ms138 بعضها إلى البعض ، وكان بارت ~~«ممتلئا بالسرور عندما كنت طافيا على مياه هذا المجرى الذائع الصيت، الذي كانت تكلفة ~~استكشافه التضحية بالكثير من الأرواح النبيلة.» وسرعان ما عاد يشق طريقه بصعوبة غربا ~~من جديد، على طول دروب كان المطر قد حولها إلى برك، وعبر أنهار تفيض بالمياه على ~~نحو خطر. أصابت عدوى دودة غينيا واحدا من خدمه، واخترق البعوض والذباب القارص ~~ملابسهم وجعله محموما، لكن في أواخر شهر أغسطس وصل إلى ساريامو، في الدلتا الداخلية، ~~حيث تمكن من استئجار قارب نهري ليأخذه إلى قرب وجهته. وبينما كان البحارة يعملون، ~~كانوا ينشدون أغنية عن مآثر حاكم بارز لسوناجاي، هو أسكيا العظيم. # في الخامس من سبتمبر كان بارت قد وصل إلى كابارا وماضيا حينئذ على خطى ذلك ~~«الرحالة الفرنسي الجدير بالتقدير جدا»، رينيه كاييه. وانزعج عندما علم هناك أن ~~الشيخ البكاي، الرجل الذي كان يعتمد عليه في أن يوفر له الحماية، لم يكن في تمبكتو. ~~فأرسل مرشده ليسبقه إلى المدينة ليطلب الحماية من شقيق الشيخ، سيدي العواتي، ومر بيوم ~~مشحون بالتوتر، تعرض فيه لمضايقة الطوارق، منتظرا جوابا. كان قد شعر بأنه يتعين ~~عليه أن يخبر العواتي سرا أنه مسيحي، وأن يقول إنه كان تحت حماية سلطان إسطنبول. ~~وأخيرا، في منتصف الليل تقريبا، وصل العواتي. كان متشككا وطلب أن يرى خطاب حماية ~~العثمانيين لبارت، وهي وثيقة كان المستكشف قد طلبها من وزارة الخارجية لكنها لم تصل ~~أبدا. شعر بارت بالإحراج لأنه لم يكن معه دليل مكتوب على ادعائه، وهو ما جعله في موقف ~~خطر، لكن العواتي وافق مع ذلك على حمايته. # في الساعة العاشرة من صباح يوم السابع من سبتمبر من عام 1853، انطلق بارت وجماعته ~~شمالا على الدرب السيئ السمعة الذي يبلغ طوله ثمانية أميال. وقبل نقطة منتصف الطريق ~~المشتهرة بجرائم القتل، أبصر حشدا من الناس آتين من المدينة لتحية زائرهم المهم، عبد ~~الكريم. مدركا أنه يتعين عليه مواجهة الموقف أو أن يخاطر بأن يتعرض للقتل، تقدم إلى ~~الأمام، وفي يده بندقية، ليتلقى ms139 تحياتهم الكثيرة. كادت هويته المزيفة تنكشف على يد رجل ~~خاطبه باللغة التركية، التي كان بارت قد نسيها، لكنه سار متخطيا الحشد ليتجنب المزيد ~~من الأسئلة ويلوذ بالأمان في المدينة. سار عبر الشوارع والأزقة الضيقة إلى حي سانيه ~~جونجو «العامر بالسكان والغنى»، حيث قدم له منزل قبالة منزل الشيخ البكاي. # وهناك، أصيب بنوبة شديدة من الحمى وانهار. ~~••• # كانت تمبكتو مكانا يشكل التواجد فيه خطورة على رجل مسيحي في عام 1853 تماما كما ~~كان عليه الحال في منتصف عشرينيات القرن التاسع عشر. كانت لا تزال تحت سيطرة إمبراطورية ~~ماسينا الفولانية، التي كان يحكمها آنذاك حفيد لوبو الشاب أحمد الثالث، مع أنه كان قد ~~بدأ يفقد سيطرته على المدينة لصالح الطوارق. كان الشيخ البكاي، الحاكم الروحي والسياسي ~~للمدينة، يمارس توازنا دقيقا، بحيث كان يناور مجموعة بالأخرى من أجل أن يحافظ على ~~درجة من الاستقلال؛ وكان قد وضع نظاما يضم قاضيين شرعيين للفصل في المنازعات بين ~~الفولانيين والطوارق، لكنه كان سلاما غير مستقر، وكانت المدينة مليئة بعملاء ينتظرون ~~اللحظة المناسبة لينقضوا وينالوا رضا أحمد الثالث. كان من شأن هذا الجو المحموم أن ~~يبقي بارت في تمبكتو قرابة العام. # وبعد أن طرح بارت عنه تنكره، أمضى المستكشف أسابيعه الثلاثة الأولى في المدينة ~~متحصنا داخل المنزل، مقتنعا بأن العواتي كان يتآمر مع مرشده الخائن لسرقته قبل مقتله ~~المحتوم، ولكن في الساعة الثالثة من فجر يوم السادس والعشرين من شهر سبتمبر سمع ~~الموسيقى تصدح خارج نافذته؛ إذ كانت مجموعة من النساء تحتفل بوصول البكاي. كان حماس ~~بارت لظهور الرجل الذي كانت سلامته تعتمد عليه قد جعله يصاب بنوبة جديدة من الحمى، ولم ~~يتمكن من أن يزوره في اليوم التالي لتحيته والتعبير عن احترامه، لكن الشيخ، مظهرا ~~أخلاقه الحميدة المشهورة، أرسل رسالة يرجو فيها من المستكشف أن يستريح، مقدما له هدية ~~عبارة عن ثورين، وغنمتين، ووعاءين من الزبد وحملي جمل من الأرز والذرة، مع تحذير بألا ~~يأكل أي شيء إلا ما كان آتيا من منزله. كانت هذه بداية ميمونة ms140 للعلاقة بين المستكشف ~~والرجل الذي سيطلق عليه فيما بعد «صديقي» و«نصيري»، والذي سيشبه نفوذه بنفوذ ~~قداسة البابا. لم تحظ أي شخصية في سرد بارت الهائل لحملته - لا أوفرويج، ولا حتى حكام ~~ولايات وسط أفريقيا التي زارها - بالإعجاب الذي أغدقه المستكشف على البكاي، الذي كان ~~أول علامة من تمبكتو يكون بينه وبين شخص أوروبي تواصل مطول وموثق. # في صباح اليوم التالي - الذي كان يوما عاصفا، يوافق الذكرى السنوية لوفاة أوفرويج، ~~كما ذكر بارت نفسه - كان المستكشف قد تعافى بما يكفي لأن يؤدي زيارة مجاملة إلى منزل ~~البكاي. وجد الشيخ في غرفة علوية صغيرة كانت تطل على حديقة سطح، وبصحبته اثنين من ~~تلاميذه وابن أخ شاب. كان الرجل، الذي انتصب واقفا لتحية بارت، في نحو الخمسين من ~~عمره، طويلا و«كامل التناسق»، وله لحية رمادية وملابسه كلها سوداء اللون. لاحظ بارت ~~على الفور قسمات وجهه البشوشة الذكية و«شخصيته الواضحة والصريحة»: كان قد قامر بحياته ~~على هذا الرجل، والآن كان متأكدا من أنه كان في أمان. وبعد أن ألقى عبارات المجاملة ~~وقدم للبكاي هدية عبارة عن مسدس سداسي الطلقات، انخرطا في حوار متبادل مطول وعميق. ~~كان لينج، المسيحي الوحيد الذي قابله بعلم مسبق أي أحد في تمبكتو، هو موضوع محادثتهما ~~الأول، وعرف بارت أن البكاي كان ابن سيدي محمد الكونتي، الشيخ الذي كان قد ساعد لينج ~~قبل يستسلم لوباء ألم به. # سرعان ما وجه المسدس ... الذي أهديته له، دفة حديثنا إلى موضوع تفوق ~~الأوروبيين في مهارة التصنيع ... وأحد الأسئلة الأول التي طرحها علي مضيفي ~~كان عما إذا كان صحيحا، كما أخبر [الميجور لينج] والده، سيدي [محمد]، أثناء ~~إقامته في أزواد، أن عاصمة الإمبراطورية البريطانية كان تضم مليوني شخص. # عبر البكاي عن «إعجابه بقوة الميجور الجسدية، وكذلك بشخصيته التي تنطوي على النبل ~~والفروسية»، لكن عندما استفسر بارت عن أوراق لينج، قيل له إنها لم تعد موجودة، ومع ~~ذلك كان الشيخ على علم بأن لينج كان قد رسم خريطة للجزء الشمالي من الصحراء ms141 بكامله ~~أثناء إقامته في أزواد. # بعد لقائهما، بعث بارت بمزيد من الهدايا إلى منزل الشيخ عبر الشارع، لكن البكاي رجاه ~~أن يتوقف عن ذلك، طالبا منه فقط ألا ينساه عندما يعود إلى إنجلترا، وأن يقدم «طلبا ~~إلى حكومة صاحبة الجلالة أن ترسل إليه بعض الأسلحة النارية الجيدة وبعض الكتب العربية.» ~~كان الأدب محل تقدير عظيم لدى صفوة تمبكتو. وبينما كان في المدينة، سمع بارت شائعات ~~عن وجود مكتبات قديمة ضخمة، كان بعضها قد دمره الفولانيون، والبعض الآخر كان مخبئا، ~~ومع أن البكاي لم يطلع بارك على مجموعة مخطوطات، فقد كشف عن مجموعة صغيرة من الأعمال ~~المقدرة، من بينها نسخة من كتابات أبقراط بالعربية كان كلابرتون قد أهداها لسلطان ~~صكتو، والتي كان السلطان قد أعطاها بدوره للبكاي. كان يوجد طلب عظيم على الأعمال ~~المكتوبة هنا وفي جنوب السودان عموما، بحسب ما أورد بارت، حتى إنه # يمكنني أن أؤكد، بثقة كاملة، أن تلك الكتب القليلة التي أخذها الكابتن ~~الاسكتلندي الهمام [كلابرتون] إلى وسط أفريقيا كان تأثيرها في استمالة أصحاب ~~السلطة في أفريقيا إلى شخصية الأوروبيين أكبر من أغلى هدية قدمت لهم على ~~الإطلاق. # وإذ أخذ بارت يراقب الشيخ خلال الأسابيع والشهور التالية، أصبحت طبيعة التمبكتي ~~اللطيفة والمحبة للعلم أكثر وضوحا من ذي قبل. كثيرا ما كان تلاميذ يحضرون إلى ~~البكاي، وكان بعضهم يأتي من مسافات بعيدة ليتتلمذوا على يديه. كان قد أنشأ مكانا ~~للصلاة في الساحة الصغيرة أمام منزله حيث كان يمكن للتلاميذ أن يمضوا ليلتهم، وفي وقت ~~متأخر من المساء كان يحكي لهم قصصا متعلقة بمواضيع دينية، أو يفتح معهم نقاشات ~~دينية، مظهرا «براهين لا لبس فيها على عقل مستنير وراق.» كان من موضوعاته المفضلة ~~سير الأنبياء، الذين قال إن كل واحد منهم كان يمتلك سمة شخصية تميزه عن بقيتهم: ~~فأورد بارت أنه «ركز بوجه خاص على الصفات المميزة لموسى، الذي كان مفضلا جدا ~~لديه.» في إحدى المناسبات تأثر المستكشف تأثرا عميقا بالطريقة التي قاد بها البكاي ~~تلاميذه في تلاوات لنصوص ms142 إسلامية: # كان الشيخ في جزء من اليوم يقرأ ويتلو على تلاميذه فصولا من أحاديث البخاري، ~~بينما يسمع ابنه الشاب بصوت مرتفع درسه من القرآن، وفي المساء كان التلاميذ ~~يتلون بطريقة جميلة، حتى ساعة متأخرة من الليل، العديد من سور القرآن الكريم. ~~لم يكن يوجد أي شيء أكثر جاذبية لي من سماع هذه الآيات الجميلة تتلى من هذه ~~الأصوات الجهورية في هذا البلد الصحراوي المفتوح. # لم يكن البكاي مجرد فقيه ورجل دين؛ إذ كان قوة سياسية في المنطقة استخدم نفوذه ~~لصالح تمبكتو. في بعض الأحيان كان يحل نزاعات بين عشائر متناحرة، أو يحاول أن يعيد ~~فتح طرق تجارة كانت القبائل قد أغلقتها، أو يخطط لتحرير المدينة من الطاغية الذي ~~كان يسيطر عليها، أحمد الثالث. كان وجود بارت يمثل صداعا سياسيا ضخما للبكاي، ~~لكنه صداع يبدو أن الشيخ كان يستمتع به. طوال ثمانية شهور كان يناور بمهارة لإدخال ~~المستكشف إلى المدينة وإخراجه منها، مستدعيا حلفاءه لحماية بارت عندما كانت الضرورة ~~تستدعي ذلك. كان دون شك مدفوعا بالندم لما كان قد جرى للينج وبالأمل في أن بريطانيا ~~يمكن أن تكون حليفا له في مواجهة الفرنسيين، الذين كانوا بالفعل يشنون توغلات عسكرية ~~عدوانية في الصحراء الكبرى، لكن السبب الرئيسي الذي كان يدعوه إلى حماية المسيحي، بحسب ~~بارت، كان أن يظهر للفولانيين من الذي كان يحكم تمبكتو. # في أواخر عام 1853، بعد أن كان البكاي قد أحبط العديد من المحاولات للإمساك ببارت، ~~أرسل السلطان أحمد رسالة يأمر فيها بأن يسلم إليه المسيحي ومتعلقاته. كان سخط ~~الشيخ من النسب الوضيع للرسول يكاد يوازي سخطه من محتوى الرسالة، وردا على ذلك، نظم ~~قصيدة مسيئة، هاجم فيها السلطان لتآمره لقتل صديقه، الذي كان رجلا متبحرا في الدين ~~أكثر من الحاكم الفولاني نفسه. وأعلن، بعدما أورد قائمة بأصله الممتد والنبيل، قائلا: ~~«إن ضيفي هو شرفي.» هل حقا أرسل أحمد العبد لاعتقال بارت، «حتى يتمكن [أحمد] من نهب ~~متعلقاته وتقييده بالأغلال؟» إن أصر السلطان على ذلك، فسيكون البكاي بلا جريرة أمام ms143 ~~الله إن دعا أتباعه في ماسينا إلى الإطاحة بحكم السلطان: # إن لي وسط قبيلة فولان طائفة من الرجال في الأرض ممن يسارعون ويهبون للدفاع ~~عن دين الله. إن دين الله، عز وجل، أحب إليهم من بيوتهم وأهليهم وأنفسهم. متى ~~رأوا كفرا وعصيانا لربهم، قاوموه، وابتعدوا عن كل شخص أثيم ضال. ولي بعض من ~~رجال الله في الأرض، وأيضا من الملائكة، على هيئة جيش مؤازر ومنتشر ... هو الله، ~~والله أكبر! وهو يضاعف عونه ضد كل ظالم عنيف ومتجاوز. # أرسلت بطانة أحمد العديد من المبعوثين الآخرين إلى تمبكتو لمحاولة أسر بارت، لكن ~~الفولانيين كانوا ضعفاء جدا هناك، وكان البكاي مدافعا لا يلين. وفي مساء أحد الأيام، ~~عندما كان التهديد على بارت كبيرا على نحو استثنائي، ذهب المستكشف الألماني إلى منزل ~~البكاي قرب منتصف الليل وهناك «وجدت الرجل التقي بنفسه، متسلحا ببندقية ذات ماسورتين.» ~~أمضى الليل في صحبة البكاي ورجاله، في انتظار هجوم لم يأت أبدا. وبغية تمضية الوقت، ~~أخذ الشيخ، جالسا على مسطبة مرتفعة من الطوب اللبن كانت تشغل ركنا من البهو، «يسلي ~~الجمع الذي كان قد أخذه النعاس بقصص عن الأنبياء، وبخاصة موسى ومحمد، وعن الانتصارات ~~التي أحرزها سالف الذكر، في بداية دعوته، على خصومه الكثر.» ~~••• # على الرغم من أن بارت لم يكن يغادر منزله كثيرا، فقد تمكن من وقت لآخر من التجول ~~في المدينة، وأثناء إقامته الممتدة كان بمقدوره أن يجري أكثر الملاحظات الأوروبية ~~شمولا حتى ذلك الوقت عن الحياة في تمبكتو. لم تتعارض ملاحظاته مع النتائج التي كان قد ~~توصل إليها كاييه، الذي كان قد زار المدينة مدة ثلاثة عشر يوما فقط وكانت هويته ~~المزيفة عائقا أمامه، ولكن مع معرفة البروسي الأكبر بالمنطقة، وبصلاته وموارده الأفضل ~~بكثير، صور تمبكتو من منظور مختلف. # رسم بارت مخططا أرضيا مفصلا، وسجل عليه أحياء المدينة المختلفة ووصف طبيعة ~~كل منها. كانت أهم مباني المدينة هي مساجدها الثلاثة الكبيرة، وترك مسجد جينجربر ~~المهيب على وجه الخصوص انطباعا دائما في نفسه. كانت دفاعات تمبكتو - وفي ms144 ذلك جدار ~~«يبدو أنه لم يكن أبدا ذا ضخامة كبيرة» - قد دمرت أثناء الغزو الفولاني في عام ~~1826، بحسب ما كتب بارت. وأحصى بارت 980 منزلا من الطوب اللبن وبضع مئات من الأكواخ، ~~وهو ما قاده إلى أن يقدر أن المدينة كانت تضم سكانا دائمين بلغ تعدادهم في ذلك ~~الوقت حوالي 13 ألفا، ولكن أثناء موسم التجارة، من نوفمبر إلى يناير، كانت تزيد بمقدار ~~5000 إلى 10000 شخص، وربما كانت في وقت مضى في ضعف حجمها، ممتدة ألف ياردة أخرى ~~شمالا لتشمل ضريح سيدي محمود، الذي كان الآن في الصحراء. # كانت أضرحة تمبكتو تلعب دورا خاصا في الحياة الروحية للناس. عندما توفيت والدة ~~زوجة البكاي، ذهب الشيخ ليصلي على روحها في ضريح سيدي المختار، في الجانب الشرقي من ~~المدينة. كان هذا مؤشرا على التبجيل الذي كانت تحظى به النساء، كما أورد بارت، مضيفا: ~~«يوجد ... العديد من النساء اللواتي اشتهرن من أجل القداسة التي كانت عليها حياتهن، بل ~~يوجد حتى من كن واضعات لمسالك دينية ذات قبول، وسط قبيلة كونتا.» لاحقا، شهد دورا ~~آخر للرجل التقي؛ وهو دور المصالح. كان البكاي، وإخوته، وأبناء حارس بارت «يسعون إلى ~~التوصل إلى تفاهم ودي فيما بينهم»، واندهش المستكشف عندما قيل له إن هذا سيجري في ~~«المقبرة المعظمة الواقعة على بعد بضع مئات من الياردات شرق المدينة، حيث كان سيدي ~~مختار مدفونا.» عاين بارت ضريح سيدي المختار عن قرب ووجد أنه كان عبارة عن «حجرة فسيحة ~~من الطين اللبن، محاطة بالعديد من المقابر الأصغر لأشخاص كانوا راغبين في أن يضعوا ~~أنفسهم في حماية روح هذا الرجل التقي، حتى في العالم الآخر.» # أما تصوير بارت للحياة الاقتصادية للمدينة التاريخية فلا يمكن أن يكون هناك ما هو ~~أفضل منه. كانت المنطقة الأكثر ثراء هي تلك التي كان مقيما فيها، وهي حي سانيه جونجو، ~~حيث كانت أغلى المنازل مملوكة للتجار. كانت السلع الوحيدة التي تصنع في تمبكتو هي ~~المصنوعات الجلدية ومنتجات الحدادة، حسبما أورد، وكان ثراء المدينة معتمدا على التجارة ~~الأجنبية، التي وجدت ms145 أن هذه البقعة هي «الموقع المفضل للتبادل التجاري.» كانت البضائع ~~تتدفق إلى المدينة من ثلاثة طرق تجارية كبرى؛ طريقين كانا يجتازان الصحراء، واحد إلى ~~المغرب والآخر إلى غدامس، في ليبيا؛ والثالث كان يمضي إلى جهة الجنوب الغربي في النهر. ~~في يوم عيد الميلاد المجيد من عام 1853، شهد بارت فيضان مياه نهر النيجر يصل حتى ~~تمبكتو، مجتاحا الجانبين الجنوبي والجنوبي الغربي من المدينة، وذكر أن «القوارب ~~الصغيرة وصلت إلى مسافة قريبة جدا من المدينة.» كان الذهب، الذي كان يستخرج من ~~مناجم بامبوك الشهيرة، في غرب مالي الحالية، هو المادة الخام المتبادلة الرئيسية، على ~~الرغم من أن قيمة ما كان يستخرج منه في هذا الوقت لم تكن تتجاوز 20 ألف جنيه ~~إسترليني في العام. كان يجلب إلى المدينة على هيئة حلقات، لكن لا بد أنه كان يتبادل ~~في شكل تبر أيضا. كان وزن مثقال الذهب في تمبكتو يعادل أربعا وعشرين حبة من شجرة ~~الخروب، وكانت قيمته تعادل ثلاثة أو أربعة آلاف صدفة. # كانت السلعة الرئيسية الأخرى في تمبكتو هي الملح، الذي كان يجلب من المناجم في ~~تودني. كان الملح هنا يتشكل في خمس طبقات، وكان لكل طبقة قيمة مختلفة، وكان ~~يستخرج على هيئة ألواح يصل وزنها إلى خمسة وستين رطلا. كانت قيمة اللوح المتوسط ~~الحجم تعادل من ثلاثة إلى ستة آلاف صدفة، وكان أعلى سعر يدفع قرب فصل الربيع، ~~عندما تصبح القوافل شحيحة بسبب الذباب الماص للدم الذي كان يتفشى في المنطقة. كان الملح ~~يقايض بالأساس مقابل القماش المصنع في كانو، التابعة لخلافة صكتو. كانت كانو ~~منتجا كبيرا للمنسوجات حتى إن بارت أطلق عليها «مانشستر أفريقيا.» كانت ثالث أغلى ~~سلعة هي جوزة الكولا، وهي سلعة كمالية كان يوجد منها العديد من الأصناف المختلفة. بقدر ~~ما استطاع التأكد، لم يكن العبيد يصدرون ب «كمية كبيرة». كانت المنتجات الزراعية ~~الرئيسية في السوق هي الأرز، والذرة البيضاء، والذرة الرفيعة، علاوة على الزبدة ~~النباتية، التي كانت تستخدم للطبخ والإضاءة. كما حدث مع كاييه، وجد بارت هو الآخر ms146 ~~بضائع أوروبية، تشمل القماش، والمرايا، وأدوات المائدة، والتبغ، وسيوفا مصنوعة في ~~ألمانيا، كانت تستورد عبر الصحراء. رأى بارت قماشا قطنيا أبيض مطبوعا عليه اسم ~~شركة في مانشستر بحروف عربية، وأورد أن «كل أدوات المائدة في تمبكتو هي صناعة ~~إنجليزية.» # مدركا أن المدينة لم تعد كما كانت فيما مضى، استخلص بارت أنه كان أمام أوروبا ~~فرصة هائلة لإنعاش التجارة التي كانت في السابق تنشط هذه المنطقة من العالم. في ~~نهاية المطاف، كانت تمبكتو لا تزال «ذات أهمية تجارية قصوى»، كونها كانت تقع بين نهر غرب ~~أفريقيا العظيم والشمال. # أثناء إقامته الممتدة، عاد بارت أيضا إلى دراسته لمخطوطة «تاريخ السودان» التي كان ~~قد وجدها في جاندو. في الخامس عشر من ديسمبر، من عام 1853، أرسل ملاحظاته، عبر قافلة، ~~إلى البروفيسور إميل روديجر في الجمعية الشرقية الألمانية في ليبزيج. كتب أن هذا ~~التسجيل للوقائع التاريخية قد أتم، على ما يبدو، على يد العالم أحمد بابا فيما بين ~~عامي 1653 و1654، وكان يلقي «ضوءا غير متوقع على الإطلاق» على تاريخ المنطقة الذي كان ~~مهملا تماما، بينما جعلت روايته فيما يتعلق بإمبراطور سونجاي وصف ليون الأفريقي ~~يبدو «أجوف وفارغا». كان ضيق الوقت يعني أنه قد أجبر على إغفال عدد لا نهائي من ~~التفاصيل - «من الطبيعي أن الرحالة في هذه المناطق لا يملك الطمأنينة التي يتمتع بها ~~الباحث في غرفة مكتبه»، بحسب ما ذكر بارت - لكن لم يكن لديه شك في أن شخصا ما سيجلب ~~نسخة كاملة من الكتاب إلى أوروبا في المستقبل القريب. # كتب إلى روديجر يقول له: «لعلك سمعت بالفعل من مصادر أخرى عن الظروف التي مررت بها ~~في هذه المدينة الغريبة.» ثم أردف: «إنها ليست سارة على الإطلاق، لكن الرب الرحيم ~~سيحفظ حياتي ويقودني إلى الديار، سعيدا ودون أن يمسني أذى، لأبسط من أجل مجده ما ~~بدأته هنا.» # تمكن بارت أخيرا من مغادرة تمبكتو في ربيع عام 1854. رافقه البكاي إلى جاو، ~~المدينة التي كانت يوما ما العاصمة البديعة لإمبراطورية سونجاي، والتي وجدها بارت ~~حينئذ مخيبة ms147 للآمال. وهناك، في الثامن من يوليو، افترقا بعضهما عن بعض. كتب بارت: «مع ~~أني شعرت بصدق بالتعلق بنصيري، لم يسعني إلا أن أشعر بالرضا العظيم عن كوني قد تمكنت ~~أخيرا من أن أعود أدراجي إلى الوطن.» ~~••• # عندما علمت الحكومة البريطانية بوفاة ريتشاردسون كانت قد عينت مساعدا جديدا لبارت، ~~وهو شاب ألماني يدعى إدوارد فوجل، والذي كان قد انطلق من طرابلس في صيف عام 1853 ومعه ~~تعليمات بالعثور على المستكشف. وبعد عام، أبلغ فوجل بأن بارت قد مات على مسافة مائة ~~ميل من صكتو، وكتب إلى القنصل في طرابلس لينقل له الأخبار السيئة. أحيلت الرسالة إلى ~~وزارة الخارجية، وأبلغ إخوة بارت ووالداه في هامبورج بذلك. وكتب بارت إنهم «شعروا ~~بأبلغ مشاعر الحزن والأسى»، وأقاموا جنازة دفنوا فيها كل متعلقات المستكشف؛ إذ لم يكن ~~ثمة جثمان ليدفنوه. # في الأول من ديسمبر من عام 1854، كان بارت مسافرا صوب كوكاوا، عاصمة بورنو، عبر ~~غابات ممتدة في ظروف قاسية، عندما التقى بمصدر البلاغ الكاذب. أبصر مجموعة صغيرة تتقدم ~~نحوه، يقودها رجل «ذو ملامح غريبة؛ شاب ذو بشرة فاتحة جدا، ويلبس ثوبا سودانيا ~~[لباس بسيط من القماش] مثل الذي كنت أرتديه، ويضع عمامة بيضاء ملفوفة لفات كثيرة حول ~~رأسه.» تعرف بارت على واحد من المسافرين إذ كان خادمه مادي، الذي كان قد تركه ليحرس ~~منزلا كان قد اتخذه في كوكاوا منذ عامين. قال مادي للشاب ذي البشرة الشاحبة إن هذا هو ~~«عبد الكريم»، وعندئذ هرول الغريب مسرعا نحوه. # بعد ذلك بسبعة عشر عاما، سيحيي هنري مورتون ستانلي مستكشفا أفريقيا مفقودا آخر ~~على ضفاف بحيرة تنجانيقا بعبارة «أظن أنك دكتور ليفينجستون، أليس كذلك؟» ويعقد واحدا ~~من أشهر اللقاءات في التاريخ. إن التقاء الرجلين البروسيين بالصدفة هو بالتأكيد حدث أقل ~~شهرة. فبينما كتب ستانلي كتابا عن هذا الحدث المشار إليه، خصص بارت أقل من صفحتين من ~~يومياته المنشورة للقائه هذا بأول أوروبي في غضون عامين. أصيب كلاهما بالدهشة، حسبما ~~أورد. تبادلا تحية حارة، ثم ترجلا عن ركوبتهما وجلسا أرضا ms148. أعد بارت بعض القهوة ~~المغلية، «بحيث شعر كلانا نوعا ما وكأننا في وطننا»، وعندئذ قال فوجل لبارت إنه كان ~~قد استهلك كل مخزون الحملة الاستكشافية، وفي ذلك المؤن التي كانت قد وضعت بحرص ~~في كوكاوا وزيندر، وهو ما أصاب الرجل الأكبر سنا ب «ذهول عظيم». وإذا لم يكن هذا ~~مؤلما بما يكفي، فقد عجز فوجل أيضا عن تقديم أي مشروبات كحولية له: # لم يسبب لي خبر نقص الإمدادات المالية الكثير من الدهشة بقدر النبأ الذي ~~تلقيته منه بأنه لم يكن معه زجاجة نبيذ واحدة؛ لأنني، إذ كنت لم أشرب قطرة ~~واحدة من أي شراب منبه عدا القهوة لأكثر من ثلاثة أعوام ... كنت أشعر باشتياق لا ~~يوصف لعصير العنب، الذي علمتني تجربتي السابقة فائدته. # كان الأمر قد استغرق من فوجل ثمانية عشر شهرا للعثور على بارت. وبعد ساعتين، قرر ~~الاثنان أن يفترقا بعضهما عن بعض، ليواصل فوجل رحلته إلى زيندر، ويعود بارت إلى ~~كوكاوا. # كتب بارت: «أسرعت لكي ألحق بجماعتي.» # الفصل الحادي عشر # | عملاء سريون # يونيو-سبتمبر 2012 # تذكر شيخ ديوارا أين كان بالضبط عندما بدأ الجهاديون هدمهم الشامل لقبور تمبكتو. ~~كان ذلك في وقت مبكر من صباح يوم السبت، الموافق الثلاثين من يونيو، وكان المصور ~~الصحفي مسافرا ليحضر اجتماعا للجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو في سان ~~بطرسبرج. كان قد ذهب إلى تمبكتو ليصور قبر سيدي محمود الذي كان قد تعرض للتدنيس، ~~وكانت منظمة اليونسكو قد دعته حتى يعرض على اللجنة اللقطات التي كان قد صورها كدليل ~~على ما قد حدث. ولكن كان قد حدث خطأ فيما يتعلق بنقل حقائبه، ولم يلحق برحلته المنتظرة، ~~ولذا علق في الدار البيضاء. وفي الساعة السابعة صباحا، رن جرس هاتفه ~~المحمول. # كان الصوت في الطرف الآخر من المكالمة هو صوت مقاتل شاب بتنظيم القاعدة كان ديوارا قد ~~تعرف عليه في تمبكتو. كانا قد صارا صديقين بعد أن التقط الصحفي بضع صور له متخذا ~~أوضاعا ببندقيته. # قال له المقاتل: «أظن أنهم سيهدمون الأضرحة.» ثم أضاف: «لقد ms149 كانوا يتحدثون عن الأمر ~~حالا.» قال إن مجموعة من الجهاديين كانت قد ذهبت إلى متجر الأدوات المعدنية في سوق ~~تمبكتو لشراء المعاول والمعازق التي كانوا يحتاجون إليها، «ثم سيذهبون ويفعلون ما ~~انتووا فعله.» # أصيب ديوارا بحيرة شديدة. أنبأته غرائزه بأن يسرع عائدا إلى مالي، ولكن الرحلة ~~التالية التي يمكنه أن يطير بها إلى باماكو كانت بعد أربعة أيام. كتب قصة خبرية سريعة ~~لوكالة رويترز، ثم عاد للاتصال بصديقه المقاتل الشاب. لم يكن الهدم قد بدأ بعد. # قال المقاتل: «عندما نصل إلى هناك بالقرب من المقابر، لن أتمكن من التحدث إليك.» ~~سأله عن إمكانية إرسال رسالة نصية. رد بالنفي، إذ لم يكن يعرف الكتابة. ألح ديوارا ~~قائلا إن ذلك ليس مهما؛ إذ يمكن أن يرسل رسالة فارغة، ما داما يعرفان أنها إشارة إلى ~~أن الهجمات على الأضرحة قد بدأت. ووافق الجهادي على ذلك. # بعد ذلك بوقت قصير، تلقى ديوارا رسالة فارغة. # لم يكن محض صدفة أن الهدم بدأ في الأسبوع الذي كانت الجلسة السادسة والثلاثين للجنة ~~التراث العالمي تنعقد فيه في سان بطرسبرج. كان التوتر بين الحركة الوطنية لتحرير أزواد ~~وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي آخذا في التصاعد منذ شهور، وفي يوم الأربعاء، ~~الموافق السابع والعشرين من يونيو، في جاو، تحول أخيرا إلى تبادل مفتوح لإطلاق ~~النار. وانتهى بهروب الأمين العام للحركة الوطنية لتحرير أزواد، بلال آغ الشريف، من مقر ~~القيادة الخاص به، بينما جرت جثة أحد كبار قادة الحركة، وهو منشق عن الجيش المالي، ~~يدعى العقيد بونا آغ طيب، عبر الشوارع خلف شاحنة صغيرة. أتبع تنظيم القاعدة هذا ~~الانتصار بإصدار أوامر إلى المنتمين إلى الحركة الوطنية لتحرير أزواد بترك قاعدتهم في ~~مطار تمبكتو قبل الساعة الخامسة من عصر اليوم التالي. بخضوع امتثل أفراد الحركة ~~للأمر، تاركين الجهاديين ليصبحوا السلطة الوحيدة في شمال مالي. تذكر شيخ المدينة ~~جانسكي: «من تلك اللحظة صارت مملكتهم.» # اجتمع الموفدون في اجتماع اليونسكو في قصر توريد، وهو قصر فخم من القرن الثامن عشر ~~بني من ms150 أجل جريجوري بوتيمكين، عشيق إمبراطورة روسيا، كاترين العظيمة، ويطل على نهر ~~نيفا. كان عملهم في الأساس هو إدارة قائمتين. أولاهما هي قائمة التراث العالمي، التي ~~تتألف من ألف من أثمن كنوز العالم؛ وتشمل آثارا، ومواقع أثرية، وظواهر طبيعية ~~اعتبرت ذات «قيمة عالمية بارزة». والثانية، وهي قائمة التراث العالمي المعرض للخطر، ~~كانت مجموعة فرعية من القائمة الأولى وتضم تلك المواقع المهددة بالتدمير، أو بكوارث ~~طبيعية، أو بحروب. ارتأت الهيئة التابعة للأمم المتحدة أنه كان ثمة ضرورة «لعمليات ~~كبرى» لحماية هذه المواقع، وطلب تقديم المساعدة لإنجاز ذلك. # بعد طلب متأخر من الحكومة المالية ناقشت اللجنة في ذلك الأسبوع مسألة نقل أضرحة ~~تمبكتو إلى قائمة الخطر. أعطت اللجنة ردها الرسمي، المسجل في محضر جلساتها باسم «القرار # 36 COM 7B.106 ~~»، وباركت للحكومة المالية تعبيرها عن ~~قلقها، وناشدت الاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا من أجل ضمان ~~حماية التراث الثقافي لشمال مالي، واتفقت على إدراج الآثار المشار إليها على قائمة ~~المواقع العالمية المهددة. وكان من شأن المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا في وقت ~~لاحق أن تفسر هذه الخطوة. لم يكن القرار بيدها، وإنما بيد اللجنة. كان أيضا وضعا ~~خاسرا لا محالة. قالت: «أعرف أن البعض يرى أنه يتعين علينا ألا نستثيرهم [الجهاديين]؛ ~~وأنه يتعين أن نسترضيهم، وهو ما أتفهمه في بعض الحالات.» ثم أردفت: «ولكن يوجد آخرون، ~~بخاصة الآن بعد أن أصبح كل شيء عالميا، وكل شيء مرئيا جدا ومتصلا جدا، ممن ~~ينتقدون منظمة اليونسكو بسبب عدم فعلها ما يكفي أكثر من انتقادها بسبب تسببها في ~~الدمار.» # وكان الأمر الأكثر مدعاة للأسف هو توقيت اجتماع اللجنة؛ فقد اتخذ القرار في يوم ~~الخميس، الموافق الثامن والعشرين من يونيو، وهو نفس اليوم الذي أجبر فيه الجهاديون، وهم ~~لا يزالون مزهوين بعد انتصارهم في جاو، الحركة الوطنية لتحرير أزواد على الانسحاب من ~~تمبكتو. في صباح اليوم التالي، في اليوم المقدس عند المسلمين، ذهبوا إلى مساجد المدينة ~~للتنديد بمذهب أولياء تمبكتو. وفي صباح اليوم الذي تلا ذلك، تلقى ديوارا مكالمته ~~الهاتفية ms151 في الدار البيضاء. # تلقى أحمد الفقي المهدي، قائد الشرطة الإسلامية الذي ينتمي إلى قرية قريبة، أمرا ~~بالقيام بعملية الهدم. بدأ في الطرف الشمالي للمدينة، في أباراجو، بضريح سيدي محمود. ~~كانوا بالفعل قد هاجموا قبر هذا الولي الشهير، والآن كانوا ينهون ما بدءوه. كان القبر ~~على هيئة بناء شبيه بالصندوق مصنوع من تربة مدكوكة وحجارة، وكان مبنيا على تل بجوار ~~شجرة، ومحاطا بقبور مريدي هذا الولي، الذين قيل إن عددهم 167 مريدا. كانت بقعة ~~هادئة، مكانا كان الناس يأتون إليه يوميا للدعاء، والتبرك، وطلب العون والمدد من ~~الولي. في الساعة الثامنة صباحا، أحاط نحو مائة من الجهاديين بالقبر وبدءوا في الهجوم ~~عليه، وهم يصيحون «الله أكبر!» مستخدمين المعازق والمعاول والعتلات والمطارق التي كانوا ~~قد اشتروها من متجر الأدوات المعدنية. أبعد المتفرجون بواسطة بنادق آلية مصوبة في ~~اتجاههم. تذكر جانسكي قائلا: «لم يسمح لأي أحد بالاقتراب.» # لم يكن القبر مبنيا ليحتمل أي نوع من الاعتداء. وسرعان ما تمكن الرجال من نقب أحد ~~الحوائط بعتلة وأحالوه إلى أنقاض. شرح جهادي ذو عمامة سوداء أمام الكاميرا الأسباب التي ~~دعته إلى هدم الضريح. وقال: «توجد قاعدة شرعية تقول إن القبر يجب ألا يزيد ارتفاعه عن ~~بضعة سنتيمترات فوق سطح الأرض.» ثم أضاف: «كما أنه لا يجوز تعظيم أحد إلا الله. لذلك ~~السبب إننا نهدم هذا القبر.» وعندما انتهوا، كان البناء قد صار كومة من التراب والحجارة ~~والقطع الخشبية. بعد ذلك انتقل فريق الهدم إلى قبر الشيخ محمد محمود الأرواني في نفس ~~المقبرة. # قال المتحدث باسم الجهاديين سندة ولد بوعمامة: «كلنا مسلمون.» ثم أردف: «ما اليونسكو ~~هذه؟» كانت هذه هي مجرد البداية لعملية هدم كل الأضرحة الموجودة بالمدينة؛ «اليوم، سيهدم ~~أنصار الدين كل الأضرحة في المدينة. كلها، دون استثناء.» وصف حماها ذو اللحية الحمراء ~~أولئك الذين كانوا يتعبدون عند الأضرحة بأنهم «يقودهم الشيطان»؛ وقال لأحد المراسلين: ~~«إن الصلاة على القبور والتبرك بها هما من الأمور المحرمة في الإسلام.» وأضاف: «إن ~~جماعة أنصار الدين تظهر لبقية العالم، وبخاصة ms152 الدول الغربية، أنه سواء شاءوا أم أبوا، ~~لن نسمح للجيل الجديد بالاعتقاد في الأضرحة ... بغض النظر عما تقوله الأمم المتحدة، أو ~~اليونسكو، أو المحكمة الجنائية الدولية، أو الإيكواس [المجموعة الاقتصادية لدول غرب ~~أفريقيا]. نحن لا نعرف تلك المنظمات. الشيء الوحيد الذي نعترف به هو حكم الله، الشريعة. ~~الشريعة هي التزام إلهي. لا يحق للناس أن يختاروا أن تعجبهم أو لا.» # في حوالي الساعة العاشرة صباحا تحرك الرجال الذين يحملون المعازق والمعاول شرقا، ~~إلى مقبرة سيدي المختار الكونتي، حيث كان بارت قد شهد البكاي يتفاوض مع إخوته منذ 158 ~~عاما مضت. هدموا المزيد من الأضرحة هناك، وفي ذلك ضريح الشيخ نفسه، وصرح المهدي: ~~«سنمحو من فوق ظهر أرضنا كل ما لا ينتمي إليها.» وفي عصر ذلك اليوم، تحركت جماعة ~~المهدي جنوبا إلى مقبرة ألفا موي، حيث ظلوا يعملون حتى الغروب. # صرخ بعض السكان وهم يشاهدون أقدس بقاعهم تتعرض للتحطيم؛ بينما لم ينبس آخرون ببنت ~~شفة، غير مستوعبين لما يحدث. في تلك الليلة، نامت المدينة عند الغسق. تذكر إير مالي ~~قائلا: «كان الجميع منهكين.» ثم أردف: «شعرت وكأن أيام تمبكتو قد ولت.» # استمر الهياج في اليوم التالي، مع هدم ثلاثة أضرحة أخرى في جينجربر. استشعر إير مالي ~~وجود نهج في اعتدائهم؛ إذ كانوا يهاجمون المقابر على أطراف المدينة، التي كانت تمثل ~~أحجار الزاوية لدفاعاتها الروحية. وفي اليوم الثالث، اختار الجهاديون هدفا جديدا. في ~~جدار على الجانب الغربي من مسجد سيدي يحيى، تحت عتبة عليا مثلثة، كان يوجد باب خشبي ~~بهي منقوش على طراز تمبكتي تقليدي بأشغال معدنية زخرفية. بحسب اعتقاد محلي، كان من ~~المفترض أن يظل مغلقا حتى نهاية الزمان. أوضح الإمام الأكبر عبد الرحمن بن السيوطي: ~~«كانت رمزية باب مسجد سيدي يحيى بسيطة جدا وهي أنه يوجد أناس قالوا إنه عندما تفتح ~~الباب، فهذه هي نهاية العالم.» لم يكن للأمر علاقة بالسحر أو بالشرك؛ مجرد أسطورة كانت ~~قد اخترعت لغرض عملي. وأضاف: «حكى القدماء القصة للأطفال الصغار ليمنعوهم من ~~الاقتراب من الباب ms153؛ لأن الجدار خلفه لم يكن صلبا جدا وكان ثمة خطر أن ينهار على ~~الناس. اعتقد الناس أن عليك تركه وشأنه. كانت هذه طريقة لإبقاء الناس آمنين.» # رأى السلفيون الأمر على أنه بدعة. قال ابن السيوطي: «كانت عقليتهم تقضي بأن يتحدوا ~~ذلك.» ثم أردف: «أرادوا أن يبرهنوا أن الأمر لم يكن صحيحا، مع أن الجميع بالطبع ~~كانوا يعرفون أنه لم يكن صحيحا. كان ببساطة شيئا يقال للأطفال لإخافتهم.» # في صباح يوم الإثنين أقبلت مجموعة من الرجال المسلحين الذين يلبسون العمائم على ~~المسجد. بدءوا أولا بسحب العتبة العليا وإخراجها، والتي خرجت بسهولة. شكلت ضلفتا الباب ~~مشكلة أكبر؛ إذ تعين على الرجال أن يبذلوا مجهودا مضنيا، مقتلعين إياها من التربة ~~التي جففتها الشمس والتي كانت تثبتهما في مكانهما. خرج جهادي ذو عمامة سوداء من المهمة ~~وهو يفرك عنقه، ويعلم أن كاميرا الفيديو تصوره. قال: «الله أكبر»، وأضاف بسخرية: «والآن ~~يحل وقت نهاية العالم.» # بدأ أناس يبكون وسط الحشد الصغير من التمبكتيين الذين تجمعوا ليشاهدوا ما ~~يحدث. # حتى بعد مرور عامين، كانت هذه اللحظة عصيبة على الإمام الأكبر. قال بصوت مرهق: ~~«عندما كانت الأضرحة تهدم، كانت تلك هي اللحظة التي انهارت فيها الروح المعنوية.» ثم ~~أردف: «ربما كانوا يعتبرون أن هذا هو الإسلام. تقول الأحاديث النبوية إن الناس قرب ~~نهاية الزمان سيفترقون على ثلاث وسبعين فرقة، وفرقة واحدة فقط ستكون على الحق. نحن نشهد ~~ذلك. كل يوم تسمع عن فرقة جديدة تظهر، وتعلن عن نفسها. من وجهة نظرهم، وفي أنفسهم، ~~يعتبرون أن هذه الأمور هي الحق. إن الناس الآن في حيرة من أمرهم.» # وجه كثيرون اللوم إلى لجنة التراث العالمي. قال إير مالي: «لو لم تقل منظمة ~~اليونسكو ما قالته، ما كان الجهاديون سيمسون التراث الثقافي بسوء.» ثم أضاف: «نظرا لما ~~قررته منظمة اليونسكو تعين أن يهاجموا ما كانوا قد نسوا أن يهاجموه.» # بعدئذ كتبت لجنة الأزمة إلى الأشخاص الذين كانت على اتصال بهم في باماكو، تطلب منهم ~~أن يتوقفوا عن شجب مسلك الجهاديين ms154، بينما اعتبر رجال المكتبات في باماكو الأمر دافعا ~~إضافيا لمحاولة جعل الناس يلتزمون الصمت. قال حيدرة: «في كل مرة كانت منظمة اليونسكو ~~تأتي على ذكر المخطوطات، كنت أتصل بهم وأقول لهم، لا، يجب ألا تتحدثوا عن ~~المخطوطات.» # في اليوم التالي لهدم الأضرحة استقبل حيدرة مكالمة من مسئول كبير من مسئولي اليونسكو ~~في باريس. قال المسئول إن مهمة المنظمة هي العمل من أجل التراث العالمي، وعندما يكون في ~~خطر، فإنهم ملزمون بالتحرك. فلماذا يتصل بهم حيدرة في كل مرة يتكلمون ويطلب منهم أن ~~يلتزموا الصمت؟ # قال حيدرة: «قلت له إننا في خضم شيء شديد الأهمية، وإن واصلتم التحدث إلى وسائل ~~الإعلام عن المخطوطات، سيصبح الناس هناك على دراية بما نفعله.» ثم أردف: «في اليوم ~~التالي اتصل مجددا وقال لي: «حسنا، سنعقد اتفاقا بيننا. سأتصل بك كل يوم، وستطلعني ~~على ما يحدث.» ووافقت على ذلك.» # من تلك اللحظة، كان من شأن المسئول أن يتصل كل صباح، وكان حيدرة يطلعه على المستجدات. ~~تذكر حيدرة قائلا: «دارت بيننا محادثات كثيرة بعد ذلك.» ثم أضاف: «لقد فهموا.» # فهم ديوارا شيئا أيضا؛ وهو أن هياج الجهاديين كان يعني أنهم قد توقفوا عن استمالة ~~أهل المدينة. كانوا قد تخلوا عن التظاهر وكشفوا الآن حقيقتهم كما كانوا بالفعل. قال: ~~«كانوا قد دخلوا مرحلة جديدة من الاحتلال، مرحلة حاسمة.» ثم أردف: «فهمت عندئذ أنه ~~ستحدث عمليات بتر للأعضاء، وجلد، وكل ما كان سيحدث بعد ذلك.» ~~••• # أتى فيض الغضب الذي انهمر على الجهاديين من كل أنحاء وأرجاء العالم. صرحت المدعية ~~العامة للمحكمة الجنائية الدولية بأن هدم الأضرحة يعد جريمة حرب، وأن لمكتبها سلطة ~~التحقيق فيها. وأصدر قادة ست دول غرب أفريقية بيانا يحثون فيه المحكمة الجنائية ~~الدولية على أن تتخذ إجراءات ودعوا مالي إلى أن تطلب من الأمم المتحدة أن تتدخل ~~عسكريا في مواجهة المجموعات في شمال مالي. كما أن وزارة خارجية الولايات المتحدة ~~«أدانت بشدة» هدم الأضرحة، بينما وصفته روسيا بأنه عمل «بربري» لا يمكن «إلا أن يثير ~~السخط ms155.» أما فرنسا فاعتبرته عملا «غير مقبول» و«تعديا ممنهجا على الأماكن المقدسة»، ~~التي كانت لقرون جزءا من روح المدينة الواقعة جنوب الصحراء الكبرى. وبناء على طلب من ~~باريس، اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع القرار رقم 2056، الذي دعا إلى ~~فرض عقوبات على الجهاديين المسئولين عن تلك الأعمال وأدان «تدنيس وتخريب وتدمير مواقع ~~مقدسة وذات أهمية تاريخية وثقافية» في المدينة. # في جنوب مالي كان رد الفعل عدائيا بنفس القدر. في الرابع من يوليو، خرج أئمة ~~المسلمين في باماكو في مسيرة ضد الإسلاميين في الشمال. وكان من الشعارات المكتوبة على ~~اللافتات التي حملوها «لا للإسلام المستورد، نعم لإسلام أجدادنا»، بينما أوضح أحد ~~المتظاهرين أن «تمبكتو قد تأسست على الإسلام النقي، الذي يحترم الناس، جميع الناس.» ~~ودعت وزيرة الثقافة، ديالو فاديما توريه، الأمم المتحدة إلى «اتخاذ خطوات ملموسة لوقف ~~هذه الجرائم التي ترتكب بحق التراث الثقافي لشعبي.» وحتى الحركة الوطنية لتحرير أزواد ~~دعت، جديا، إلى التدخل الدولي، مطالبة «الولايات المتحدة، وفرنسا، وكل البلدان ~~الأخرى التي تريد الوقوف في مواجهة جماعات أنصار الدين، وبوكو حرام، والقاعدة التي تحتل ~~الآن تمبكتو، وجاو وكيدال، أن تساعدنا على قتلهم وأن تساعد الناس في تلك المدن.» # غير أن فورة الغضب غير المتوقعة على الإطلاق أتت من مخبأ زعيم تنظيم القاعدة في بلاد ~~المغرب الإسلامي، عبد المالك دروكدال، الذي ربما كان في جبال القبائل في شرق الجزائر ~~العاصمة. # بمناسبة بداية شهر رمضان المعظم في العشرين من يوليو، وضع الأمير ومستشاروه اللمسات ~~الأخيرة على مذكرة من ثمانين صفحة بعنوان «توجيهات عامة بخصوص المشروع الإسلامي الجهادي ~~بأزواد» وأرسلها إلى القادة التابعين له في مالي. لم يكن من شأن العالم أن يطلع على ~~نطاق واسع على صفحات هذه الوثيقة الداخلية إلا في العام التالي، عندما عثر عليها ~~مراسلون كانوا ينبشون الركام والورقيات التي كان محتلو تمبكتو قد تركوها وراءهم. كانت ~~الوثيقة منظمة بعناية، مع انتقادات تسبقها وتليها ملاحظات إيجابية عن الفرصة العظيمة ~~«للمولود الصغير» المتمثل في مشروع أزواد الإسلامية. اشتملت الوثيقة ms156 في أجزاء منها على ~~نوع من كلام الأعمال الذي قد يجده المرء في تقرير لإحدى الشركات؛ إذ ورد مرات عديدة ~~ذكر «الأطراف الخارجية صاحبة المصلحة» وتحذيرات من «الوضوح الشديد على الساحة السياسية ~~والعسكرية الحالية»، علاوة على مخاوف بشأن وصمة القاعدة. كان جوهر المذكرة واضحا: ~~وهو أن فرع الصحراء الكبرى لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي كان يمكنه إفساد هذا ~~المشروع الجهادي برمته. # كتب دروكدال أنه ربما لا تكون القوى الكبرى في وضع يسمح لها باستخدام القوة بسبب ~~إنهاك جيوشها والأزمة المالية العالمية الجارية، لكنها مع ذلك ستحاول أن تعيق إقامة ~~دولة أزواد الإسلامية. وأضاف أنه من المحتمل، بل من المؤكد، أن تقوم بنوع ما من التدخل ~~العسكري أو تمارس ضغطا من خلال فرض حظر اقتصادي وسياسي وعسكري شامل، وعند هذه المرحلة ~~سيجبر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على التقهقر إلى قواعده في الصحراء. ومع ~~الأخذ في الاعتبار أن القاعدة كانت تمثل استفزازا للغرب، كان من الأهمية بمكان ~~التخفي. كتب دروكدال ناصحا: «يسعكم في ذلك السكوت والتظاهر بأنكم حركة «داخلية» لها ~~قضاياها واهتماماتها الخاصة.» ثم أضاف: «التدخل الخارجي سيزداد تأكده وسيتم التسريع به ~~كلما تفردنا [تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي] بالحكومة وبرزت هيمنتنا عليها ~~بشكل واضح جدا.» # يجب عليهم أيضا أن يتجنبوا الإقدام على مخاطرات. كانت السرعة التي يتحرك بها القادة ~~المحليون لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في مواجهة إسلام المنطقة تمثل خطأ ~~كبيرا. ذكر دروكدال في فقرة تنطوي على انتقاد لاذع: «ومن السياسات الخاطئة التي نراكم ~~قد وقعتم فيها: التسرع في تطبيق الشريعة وعدم مراعاة التدرج الضروري في بيئة يغلب ~~عليها الجهل بأحكام الدين وعلى شعوب غيبت عنها أحكام هذه الشريعة لقرون متتالية من ~~الزمن.» لقد أثبتت التجارب السابقة أن تطبيق الشريعة بهذه الطريقة «سيؤدي حتما إلى ~~نفرة الناس من الدين وبغضهم للمجاهدين.» وهو ما من شأنه أن يؤدي، بالتالي، إلى فشل ~~«تجربتنا.» # اشتملت الأمثلة المحددة على هذا التسرع، التي أمرهم هو والمجلس الحاكم لتنظيم القاعدة ~~في ms157 بلاد المغرب الإسلامي بألا يكرروها، على هدم الأضرحة وتطبيق الحدود. وفيما يتعلق ~~بقرار هدم الأضرحة، كتب: «إن تمكننا الآن غير مكتمل، والتدخل الخارجي قادم، والناس ~~حديثو عهد بالفتح ... فالمفاسد المترتبة على هذا الفعل ليست هينة ولن يغفر لنا إن ~~واصلنا على هذا النحو.» لكن «الخطأ الجسيم» الذي وقعوا فيه كان الخلاف مع الحركة ~~الوطنية لتحرير أزواد، التي كانت شريكا ضروريا في النضال من أجل تحقيق أهداف تنظيم ~~القاعدة، حتى وإن لم تبد نصيرا طبيعيا. شعر دروكدال بالقنوط لنقض الاتفاقات مع ~~الحركة الوطنية لتحرير أزواد ومع حركة التمرد العربية. كتب أنه ينبغي استخدام هذه ~~الجماعات لبناء الدولة والدفاع عنها ضد التدخل الأجنبي. ورأى أن الاتفاق الذي كان قد ~~وضع بين الحركة الوطنية لتحرير أزواد والقاعدة كان «فتحا» عظيما تخطى كل ما كان ~~يأمله تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من حركة من المفترض أن لها نزعات ~~علمانية. # إجمالا، بينما كان ينبغي أن تقدم القاعدة مواردها لدولة أزواد، لم يكن من مصلحتها ~~ولا في وسعها أن تحكم الإقليم في حين أن هدفها الأساسي كان الجهاد العالمي. لذلك كان ~~ينبغي عليها أن تبقى في خلفية المشهد، مقدمة الدعم لحكومة من أزواد بقيادة إياد آغ ~~غالي وجماعة أنصار الدين، لكنها تشمل ممثلين لكل الطوائف في الشمال - الحركة الوطنية ~~لتحرير أزواد، والعرب، والسونجاي، والفولاني - وأن تركز طاقاتها على المشهد ~~الأشمل. # واختتم قائلا: «وفي الختام فإن هذه التوجيهات والتصور العام هي مما نراه الأسلوب ~~الأمثل لتجنب أخطاء الماضي الذي ذقنا مرارته ونتمنى عدم تكراره.» # إلى من كانت مذكرة دروكدال موجهة؟ بالتأكيد ليس إلى أبي زيد، المقرب من دروكدال ~~والذي أدت عمليات الخطف التي قام بها إلى رفع مكانة التنظيم وزيادة احتياطاته النقدية ~~بدرجة كبيرة. الاحتمال الأكبر أنها كانت موجهة إلى مختار بلمختار، القائد الأعور ~~الذي قاد القتال مع الحركة الوطنية لتحرير أزواد في جاو. كان من شأن بلمختار أن ينفصل ~~بعد قليل عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي انفصالا تاما ويؤسس كتيبة ~~الموقعين بالدم المنافسة ms158، وأن يكتب إلى الزعيم العالمي للقاعدة، أيمن الظواهري، يخبره ~~أن دروكدال كان منفصلا انفصالا عميقا عن واقع الأمور والأحداث الجارية. وبالنظر إلى ~~أن الجهاديين كانوا بالفعل قد جروا جثة العقيد بونا آغ طيب عبر شوارع جاو وأجبروا ~~الأمين العام للحركة الوطنية لتحرير أزواد على الفرار من مقر عملياته، فقد كانت وجهة ~~نظره مقبولة؛ فبالتأكيد كان وقت رأب الصدع في العلاقات مع الحركة الوطنية لتحرير أزواد ~~قد ولى منذ زمن بعيد. # أيا كان رأي قادة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي جنوب الصحراء الكبرى في ~~كلمات الأمير، فقد كان تأثيرها ضعيفا. تحرك قادة تمبكتو الجدد بسرعة أكبر حتى من ~~ذي قبل، عالقين في مسارهم، ومتولين إدارة إقليم حيث كان أمر تسيير الأمور يمثل تحديا ~~صعبا. ~~••• # أما رجال المكتبات في باماكو فكانوا يرون أن الحاجة إلى إجلاء المخطوطات تزداد ~~إلحاحا. أمضى حيدرة أيامه في حلقة مفرغة من لقاءات جمع تبرعات غير مثمرة. لقد طاف من ~~جديد على السفارات، واتصل ب «أصدقاء مالي» (قال حيدرة: «إن لمالي أصدقاء كثيرين») ليرى ~~إن كان أي شيء قد تغير، لكن هذه الاتصالات أسفرت عن نفس الرد مرارا وتكرارا: تذكر ~~قائلا: «كان الرد: «لا، لا، لا، لا يمكننا أن نفعل أي شيء مثل ذلك».» وأردف: «ثم كانوا ~~يضيفون: إن ذلك يمثل التراث القومي لمالي، ونحن أصدقاء مالي، وإن شرع بلدنا في أن ~~يساعدك في فعل ذلك، فستبدأ مالي في اتهامنا. لا يمكننا أن نتورط في ذلك.» بدا له أن ~~معارفه الذين كان يتصل بهم لم يعودوا يتحدثون معه بنفس نبرة الاحترام التي كانوا ~~يتحدثون بها في السابق. وأخيرا، أوضح له أحد «الأصدقاء» أن الشركاء الدوليين لم يكن ~~لديهم ثقة فيما كان يجري في البلاد، ولذلك ما كانوا سينفقون أموالا هناك. شعر حيدرة ~~بأنه قد خدع. # قال: «فهمت أمورا كثيرة.» ثم أضاف: «ذكرني هذا بلقاءات كثيرة اجتمعت فيها مع ~~أشخاص آخرين. لم يكونوا صريحين معنا.» # جرب رجال المكتبات مسلكا جديدا، فحددوا مواعيد مع كبار الشخصيات في الحكومة ~~المالية ms159 ممن كانوا مسئولين عن التراث. بدءوا بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ~~الإدارة الحكومية المسئولة عن معهد أحمد بابا. قال لهم حيدرة إن مخطوطات تمبكتو معرضة ~~للخطر، لكن رجال المكتبات لم يكن لديهم الوسائل لإنقاذها. سألهم: «ما الذي ستفعلونه ~~لمساعدتنا؟» # قال له الأمين العام للإدارة: «الحال الذي أراك عليه اليوم يجعلني أعرف أنك جاد.» ثم ~~أردف: «ولكنني سأخبرك ببعض الأمور. لا يمكننا أن نساعدكم سياسيا، ولا ماديا، بأي ~~طريقة. الأمر الوحيد الذي يمكنني أن أقوله لك هو أنه يجب عليك أن تفعل كل ما بوسعك أن ~~تفعله في هذا الشأن. نحن نساندك.» # بعد ذلك ذهبوا إلى وزارة الثقافة، التي كانت تشرف على مجموعات المخطوطات الخاصة. قال ~~حيدرة نفس الكلام وتلقى نفس الإجابة. تذكر أنه قيل له إن عليه أن يفعل ما في وسعه، ~~وإنهم يساندونه. قال حيدرة: «قلت لهم إنني سأحاول، ولكنني أردت أن يكونوا على دراية ~~بالأمر؛ لأنه إن حدثت مشكلات فسيتعين عليهم مساعدتي.» ووافقه المسئولون. # بمساندة الوزارتين، اتصل حيدرة بجهات اتصاله في الخارج. كان له صديق في جنيف، وطلب ~~منه هذا الصديق أن يأتي إلى سويسرا، بل إنه دفع له ثمن تذكرة طائرته. أمضى حيدرة عدة ~~أيام هناك، والتقى بأشخاص ممن كانوا يتعاملون مع التراث العالمي، ومن ضمنهم بعض ممن ~~كانوا قد عملوا على إنقاذ المخطوطات في العراق وأفغانستان. قالوا له إنه ينبغي أن يبدأ ~~العملية في القريب العاجل، ولكن أن يأخذ الأمر بروية وحذر. وحتى إن تمكن من تهريب ~~مخطوطة واحدة من المدينة كل يوم، كان من شأن هذا أن يكون أمرا يستحق العناء. أعطته ~~امرأة نصيحة كان من شأنها أن تعلق في ذهنه. تذكر قائلا: «قالت يجب عليك ألا تخسر أي ~~شخص يبدأ في العمل معك.» وأردف: «ثم أضافت: يجب عليك أن تبقيهم دوما سعداء، حتى وإن لم ~~يكن يهمك هذا، حتى إن أقدموا على حسابات خاطئة. قالت لي هذا ثلاث مرات.» # عاد من سويسرا وفي ذهنه أفكار كثيرة، ولكن كان لا يزال ينقصه المال. # في ذلك ms160 الوقت أراد إسماعيل هو الآخر أن يسافر. بالنسبة إلى رجل كان يحب أن يمضي ساعة ~~كل صباح ومساء في السير في الصحراء المفتوحة حول تمبكتو، كانت باماكو خانقة. كانت ~~القرية التي كان مونجو بارك قد مر بها في عام 1796 عبارة الآن عن مدينة يزيد تعداد ~~سكانها عن مليوني نسمة، أضف إلى ذلك الآلاف الذين كانوا يصلون من الشمال كل أسبوع. ~~كانت بيوتها المبنية بالقوالب الأسمنتية تمتد لمسافة عشرين ميلا؛ وشوارعها وجسورها ~~مزدحمة بالسيارات التي لا تتوقف عن إطلاق النفير وإخراج عادم بني في الهواء الرطب. ~~كان مما يزيد من إحساس إسماعيل بالاختناق التوتر السياسي الذي كان يمتد في بعض الأحيان ~~متحولا إلى قتال بالأسلحة النارية في الشوارع، واشتمل ذلك على محاولة انقلاب مضاد ~~أقدم عليها حرس الرئيس المخلوع أسفرت عن أربعة عشر قتيلا. # قال: «لم يكن الحال جيدا في باماكو.» # وإذ كان قد أبعد عن تمبكتو، وقد خبئت مخطوطات مكتبته فوندو كاتي، لم يكن لديه ~~الكثير مما يربطه بمالي وبأزمتها. قرر أن يعود إلى وطنه الثاني، الأندلس. # تفهم رجال المكتبات الآخرون الأمر. قال حيدرة: «ما حدث أن صديقنا إسماعيل أصابه ~~التعب.» ثم أضاف: «قال: «حسنا. سأترككم تتابعون الأمر.»» # قال معيجا: «كانت حقيقة الأمر أننا بينما كنا نبحث عن حلول، لم يكن لدى إسماعيل أي ~~مشكلة.» ثم أردف: «كان معنا ليعطينا أفكارا. وبحلول الوقت الذي اتخذنا فيه القرار ~~بالتدخل، كان قد غادر إلى إسبانيا. كان قد كفل التأمين لمخطوطاته قبل الذهاب، ثم ~~غادر.» # ولم يرجع إسماعيل. ~~••• # بحلول شهر يوليو كان القاضي هو الآخر في باماكو. كان باحث معهد أحمد بابا ذو ~~الابتسامة المريحة والعينين الناعستين قد غادر تمبكتو مع أسرته في أواخر شهر أبريل. ~~وبعد رحلة مرعبة بالحافلة دامت قرابة أسبوع، وصلوا إلى سيجو، حيث وجد منزلا رخيصا ~~واستأجره. لكن لم يكن يوجد ما يفعله هناك، ومع عدم وجود مورد للمال، قرر هو وفطومة في ~~يونيو أنه ينبغي أن يذهب إلى باماكو. كل يوم كان القاضي يذهب ليطلب عملا في المكاتب ms161 ~~الصغيرة في كالابان كورا التي كان المدير، معيجا، قد استأجرها. وحتى هنا، لم يوجد ~~الكثير من العمل؛ فالمواد الوحيدة التي كان المعهد يملكها كانت بضع وثائق رقمية كانت قد ~~أحضرت جنوبا على محركات أقراص صلبة، بالإضافة إلى عدة مئات من المخطوطات كان معيجا ~~قد حصل عليها في باماكو. # ولكن، في الثالث والعشرين من يوليو، دعا معيجا القاضي إلى الدخول. كان ثمة أمر صعب ~~للغاية احتاج أن يطلبه منه، ولكن تعين عليه أن يكون كتوما جدا. # قال القاضي: «لا مشكلة.» ثم أردف: «إن كان بوسعي القيام به، فلا مشكلة. ~~سأحاول.» # قص عليه المدير بعضا مما كان حيدرة قد علمه في رحلته إلى سويسرا؛ كيف عانت مكتبات ~~المخطوطات من خسائر كارثية أثناء حرب العراق، وكيف دمرت مكتبات أخرى في السودان ~~وليبيا. قال معيجا إن مخطوطات المعهد هي الأخرى كانت عرضة الآن لخطر أن تتلف؛ إن لم ~~يفعلها الإسلاميون، كان ثمة احتمال قوي أن يقدم أفراد الحركة الوطنية لتحرير ~~أزواد على ذلك. # واختتم حديثه قائلا: «ما أريد منك أن تفعله هو أن تخرج المخطوطات من المكتبات في ~~تمبكتو.» # قال القاضي: «لا مشكلة.» # كان معتادا من القاضي أن يجيب بطريقة هادئة، بل حتى باردة، وكان ذلك هو السبب الذي ~~دعا معيجا إلى أن يسأله. كان المدير لا يزال جديدا في وظيفته، لكنه كان قد استطلع آراء ~~قدامى الموظفين في تمبكتو عمن يمكن الوثوق به للاضطلاع بمهمة خاصة وحساسة، وكان اسم ~~القاضي هو الأول في القائمة. كان سيرافقه «عميلان سريان» آخران. كان الأول هو عبد الله ~~سديدي، الذي كان معروفا عنه هو الآخر أنه يتحلى برباطة الجأش. كان الثالث شخصا لم يكن ~~أي منهما يعرفه جيدا، لكنه كان سيكون من الأهمية بمكان لأنه كان مدير مكتبة أحمد ~~بابا؛ بويا حيدرة. # طلب معيجا من القاضي أن يتصل بالاثنين الآخرين؛ ثم وضع الخطة. # كانت الخطة تقضي بأن يشق هؤلاء «العملاء» طريقهم إلى تمبكتو، حيث كانوا سيتصلون بأبا ~~تراوري، حارس المبنى القديم في شارع شيمنيتز، ويطلبون منه أن ms162 يسمح لهم بدخول المستودع ~~في الخلف. هناك كانوا سيحزمون بضع مئات من المخطوطات - كان سيتعين عليهم أن يتخذوا ~~القرارات بأنفسهم بشأن أي مخطوطات سينتقون، لكنه كان يفضل أن ينتقوا المخطوطات الأقل ~~قيمة، أو تلك التي كان يوجد منها نسخ متعددة، تحسبا لأن تفقد - ويحضروها إلى باماكو. ~~كان ينبغي أن يتجنبوا السفر عائدين معا؛ لأنه إن قبض على أحدهم، يمكن أن يفقدوا كل ~~شيء. كان ينبغي أيضا على كل عميل أن يختلق رواية ملفقة تحسبا لأن يتعرض للاستيقاف. ~~(كانت رواية القاضي الملفقة أنه كان قد طلب إجازة من المعهد ليزور شقيقه، الذي كان لا ~~يزال يقطن في تمبكتو.) قال معيجا إن الأمر الأخير هو أنه يجب ألا يخبروا أي أحد، ولا ~~حتى أقرب أقربائهم، بالمكان الذي كانوا ذاهبين إليه ولا بما كانوا يخططون لفعله ~~هناك. # قال: «أعرف أن الناس في تمبكتو وجاو لا يكفون عن الثرثرة، ولكن أريد منكم أن تكونوا ~~متحفظين فيما تتلفظون به.» # لم يكن المدير يملك أي مال للمهمة إذ كان تمويله لا يزال مجمدا؛ لذا دفع مقابل ~~رحلتهم من أمواله الخاصة. أخذهم بالسيارة إلى البنك الذي كان في نفس الشارع وسحب مبلغا ~~كبيرا، وأعطى لكل عميل منهم 100 ألف فرنك وسط أفريقي (ما يعادل 170 دولارا ~~أمريكيا). بعد ذلك طلب منهم أن يعودوا إلى البيت ويحزموا حقائبهم. # في الساعة الثالثة بعد ظهر اليوم التالي، حمل العملاء حقائبهم إلى ملتقى الطرق ~~الدائري الخاص بسوجولون، الذي تنتصب فيه منحوتة لجاموس ماء، وركبوا حافلة متجهة إلى ~~موبتي. ~~••• # كان السفر في مالي صعبا في أهدأ الأوقات. كانت السيارات بطيئة، وزنبركاتها مكسورة، ~~ومقاعدها غير مريحة وإطاراتها منحولة على نحو خطر، ومع أن حرفيي ميكانيكا السيارات ~~كانوا يأتون بالعجائب، كانت الأعطال تحدث في كل رحلة تقريبا. كان يوجد 3400 ميل فقط من ~~الطرق المرصوفة في بلد تعادل مساحته ضعف مساحة فرنسا، وكانت الشاحنات الكبيرة وعربات ~~الفان تتنافس عليها مع السيارات المسرعة، والعربات التي تجرها الحمير المثقلة بحمولة ~~فوق طاقتها، والمارة، وركاب الدراجات الهوائية، متفادية الحافلات المعطلة ms163 وجثث ~~الحيوانات. وعلى الرغم من قلة الطرق في البلاد، كان احتمال أن يقضي المالي نحبه في حادث ~~سيارة أعلى بسبع مرات من احتمال وفاة البريطاني، وأكثر قليلا من ضعف احتمال وفاة ~~الأمريكي لنفس السبب. # ازداد التوتر في الرحلة سوءا بسبب مهمة العملاء. كان دخول منطقة الجهاديين وحده ~~مخاطرة كافية؛ وكم كان من الأسوأ أن تسافر بقصد غير مشروع، مهما كان نبيلا، كان ~~يمكن أن يؤدي إلى السجن، أو قطع اليد، أو القتل. في الطريق إلى الشمال، اختبر الرجال ~~نقاط التفتيش التي كان سيتعين عليهم عبورها ومعهم حمولتهم في الطريق إلى الجنوب. عند ~~دوينتزا، حيث انحرف مسارهم عن الطريق المرصوف، رأوا أول جهاديين. تذكر القاضي قائلا: ~~«كانوا في كل مكان.» كانت توجد نقاط تفتيش إضافية على مسافة مائة ميل شمالا، عند ~~بامبارا ماوندي، وجنوب النهر مباشرة. في كل توقف كان عليهم أن يظهروا هوياتهم ~~ويجيبوا على أسئلة الجهاديين. من أنت؟ إلى أين أنت ذاهب؟ ما سبب مجيئك؟ # عندما بلغوا محطة عبارات نهر النيجر قبالة كوريومي، كان قد مضى عليهم في سفرهم ست ~~وثلاثون ساعة. كان وقت الغسق، ولم يكن مسموحا لهم أن يدخلوا تمبكتو بعد حلول الظلام؛ ~~لذا استعدوا لأن يناموا في العراء، على الضفة الجنوبية للنهر الفضي العظيم. لم يكونوا ~~وحدهم؛ إذ كان بويا، الذي كان ذا شخصية عصبية وضحكة عالية، قد تعرف على صديق وعلى ~~الرغم مما كان معيجا قد قاله، لم يستطع أن يمنع نفسه من الإفصاح عن السر الذي كان ~~يثقله. قال لصديقه إنهم كانوا في مهمة، وربما سيحاولون أن يدخلوا أحد مباني معهد أحمد ~~بابا. أصاب الذهول الصديق. كانت محاولة إتيان عمل كهذا بمثابة انتحار. وقبل أن يحاول ~~أي منهم أن يوقفه، كان يجري مكالمة هاتفية ليناقش الأمر مع شقيقه، الذي وافقه على أنهم ~~يجب ألا يحاولوا دخول المعهد تحت أي ظرف من الظروف؛ وحذرهم قائلا: «إن دخلتم المبنى، ~~فسيقتلكم الإسلاميون.» # لم تكن النصيحة هي التي ما أصاب القاضي وسديدي بالقلق بقدر حقيقة أن أمر المهمة ms164 قد ~~صار معلنا. # تابع العملاء طريقهم. في الصباح عبروا النهر ومروا عبر نقاط التفتيش النهائية، عند ~~كوريومي وعند محطة توتال للوقود عند مدخل المدينة. بعد ذلك مضى سديدي والقاضي ليخلدا ~~إلى الراحة في منزل القاضي في أباراجو، الذي كان شقيقه لا يزال مقيما فيه، وفي اليوم ~~التالي ذهبا إلى أحد الزملاء، وهو أبو بكرين معيجا، الذي كان يقطن مع أسرته بالقرب من ~~مسجد سيدي يحيى، ليخبراه بأنهما قد أرسلا لإخراج بعض المخطوطات من تمبكتو. # اتفق على أن بويا، بصفته الأكبر سنا، ينبغي أن يذهب الآن لمقابلة الحارس العجوز ~~أبا وحفيده حاسيني ويخبرهما بأمر المهمة. بعد المغادرة بقليل، اتصل بويا ليقول إنه كان ~~قد تحدث معهما وإنه لم تكن ثمة مشكلة؛ لذا سار القاضي وسديدي عبر الأزقة الرملية ~~إلى شارع شيمنيتز. قادهم أبا إلى الساحة الصغيرة ذات الأشجار خلف المبنى وفتح الباب ~~المؤدي إلى المستودع، الذي كان عبارة عن غرفة ذات حوائط بيضاء كانت تضم المخطوطات، التي ~~كانت كل مخطوطة منها موضوعة بعناية في صندوقها غير الحمضي، حيث كانت مخزنة في خزائن ~~خشبية. كان العملاء قد جاءوا مزودين بعدد من أشولة الأرز من فئة عشرة كيلوجرامات، ~~وأخرجوا المخطوطات من الصناديق وعبئوها بحرص في الأشولة. # كانوا جميعا متوترين، وبخاصة بويا؛ الذي يتذكر ذلك قائلا: «في اليوم الأول كنا ~~خائفين للغاية لأنها كانت المرة الأولى التي نفعل فيها ذلك.» ثم أضاف: «كنا مرتعبين ~~حقا، ولكن ما الذي يمكننا فعله؟ لم يكن الأمر يخلو من المخاطرة!» تسبب سديدي في ~~مشكلة إضافية؛ إذ كان لديه حساسية من الغبار، والذي كان في كل مكان، وظلت تنتابه نوبات ~~سعال لا يمكن السيطرة عليها. # سارعوا بملء الأجولة، ثم خرج واحد منهم إلى الطريق لينادي حمالا معه عربة جر يدوية ~~ليحمل المخطوطات إلى منزل أبي بكرين معيجا قبالة مسجد سيدي يحيى. وهناك وضعوا قائمة بما ~~كانوا قد أخذوه من المخطوطات. حسب تقدير القاضي كان معهم حوالي ثمانمائة وثيقة. ~~تمكنوا من العثور على خزانة من الفولاذ، ولكن سرعان ما امتلأت ms165 - كانت بعض المجلدات ~~الملفوفة بالجلد ضخمة، وتحتوي على خمسمائة أو حتى ستمائة صفحة - لذا وضعوا بقية ~~المخطوطات في حقيبتي ظهر ضخمتين، ثم قسموا الأغراض بينهم. أخذ كل من بويا ~~وسديدي حقيبة ظهر، بينما أخذ القاضي الخزانة بالإضافة إلى مخطوطتين كبيرتين لم يستطع ~~أن يدخلهما في الخزانة. # كانت الخطة تقضي بأن يسافر كل عميل إلى الجنوب على نحو منفصل، لكن الآن فضل القاضي ~~وسديدي ألا يدعا بويا يذهب بمفرده. تذكر معيجا قائلا: «عندما لاحظا أن بويا بدأ يعطي ~~معلومات عن المهمة، قالا إنهما إن تركاه يذهب بمفرده، قد يفصح عن معلومات أكثر من ~~اللازم وقد تفشل المهمة.» تطوع سديدي أن يغادر أولا. كان من شأنه أن يهاتفهما عندما ~~يكون قد نجح في المرور من نقاط التفتيش؛ ثم يمكن للقاضي وبويا أن يغادرا معا. # مر القاضي بيوم حافل بالتوتر في انتظار مكالمة سديدي. عندما جاءت المكالمة أخيرا، ~~قال سديدي إنه في سيفاري وإنه لم تحدث أية مشكلة. الأشخاص الوحيدون الذين أرادوا أن ~~يفتشوا حقيبة ظهره كانوا رجال الدرك المالي، لكنه قال لهم إنه كان يحمل مخطوطات ~~ملكا للدولة وتركوه يمر. عندئذ انطلق القاضي وبويا في طريقهما. على عكس الحركة ~~الوطنية لتحرير أزواد، لم يكن الجهاديون مهتمين بالحقائب، ومر الاثنان من نقاط التفتيش ~~دون مشاكل. لم يطلب من المسافرين أن يفتحوا كل حقائبهم إلا بعد تخطي سيفاري، في ~~المنطقة الحكومية. # تذكر القاضي: «كانت الشرطة تفتش كل مكان في الحافلة.» ثم أضاف: «أنزلوا كل شيء ~~وفتشوا في كل الأغراض.» راقب جنديا وهو يفتش في متاعه، حتى وصل أخيرا إلى الخزانة ~~المليئة بالمخطوطات. قبل أن يتمكن من فتحها تقدم القاضي ومعه خطاب كان معيجا قد ~~كتبه موضحا أنه كان مسافرا في مهمة تابعة للدولة. # قال الجندي: «أنا لست هنا من أجل أن أنظر في مهمتك.» ثم أضاف: «أنا هنا لأفتش ~~الحقائب.» # لم يكن أمام القاضي من اختيار سوى أن يطلعه على محتويات الخزانة. اتسعت عينا الجندي ~~دهشة. وصاح متعجبا: «آه، إنها مخطوطات!» # كانت تلك لحظة ms166 حرجة، لكن القاضي ظل هادئا، وإذ لم يكن يحمل أي شيء غير قانوني، أغلق ~~الجندي الصندوق الفولاذي ببساطة. وقال إن كل شيء على ما يرام، وإن بوسعهما أن يعودا ~~ليركبا الحافلة. # بلغا باماكو في الساعات الأولى من المساء، واتصل القاضي بمعيجا ليعلمه. في اليوم ~~التالي أحضر المخطوطات إلى المكتب الذي كان يعلو متجر السمك والدجاج وأخبر المدير بما ~~حدث. # عندما سمع حيدرة عن الشائعات التي كانت تتناقل في تمبكتو، لم يسره ذلك. تذكر ~~قائلا: «قلت: «حسنا، سنغير الاستراتيجية».» ثم أضاف: «قلت لهم من جديد كيف سيجري ~~الأمر.» ~~••• # ما إن مر أسبوع على عودة القاضي من تمبكتو، حتى كان يتوجه صوب الشمال من جديد، ~~لكن هذه المرة بمفرده. كان سديدي قد استبعد من عملية الإجلاء الثانية هذه بسبب ~~الحساسية التي كان يعاني منها، بينما كان بويا يشكل خطرا أمنيا. كان معيجا قد ~~ذكر القاضي بألا يتحدث مع أي أحد آخر عن مهمته، وبخاصة أفراد أسرته. كل ما استطاع ~~الباحث قوله لزوجته في سيجو هو أنه كان يتعين عليه أن يرحل مجددا لبضعة أيام. # في موبتي وجد سيارة دفع رباعي متجهة إلى تمبكتو، فركب فيها مع أحد مساعدي رئيس ~~البلدية وعدة أشخاص آخرين. بلغوا الضفة الجنوبية للنهر قبل حلول الليل مباشرة، لكن ~~العبارة كانت قد توقفت عن العمل في المساء؛ لذا نادوا زورق صيد، فحملهم إلى ~~الضفة الأخرى، ثم أقنعوا سائق سيارة لاند روفر أن يأخذهم معه الأميال التسعة الأخيرة ~~إلى تمبكتو. عند نقطة التفتيش بجوار محطة وقود توتال، اقترب من السيارة مجاهد شاب ~~معه بندقية، ويرتدي صدرية، ويضع عمامة على الطريقة الأفغانية. اعتقد القاضي أنه كان ~~باكستانيا. # كان مساعد رئيس البلدية قلقا - ما الذي سيحدث إن اكتشفوا هويته؟ - لكن الجهادي الشاب ~~لم يطلب حتى أن يطلع على هوياتهم. كان شاغله الوحيد هو المرأة المسنة التي كانت جالسة ~~مع الرجال في المقاعد الخلفية. # استولت الدهشة على القاضي، الذي كان مسلما متعلما ومتدينا. قال له إنها امرأة ~~مسنة. وكان ابنها يرافقها. ولا يوجد ms167 ما يمنع في الإسلام أن يسافر الرجال والنساء ~~معا. # صاح المقاتل الشاب: «أنت تكذب!» ثم أضاف: «لقد تعمدتم وضع المرأة وسطكم! عليكم أن ~~تخرجوا من السيارة. اخرجوا!» # هرع الركاب إلى تنفيذ ما قاله الرجل المسلح، وبسرعة جعل السائق المرأة تتبادل ~~مقعدها مع رجل كان يجلس في المقعد الأمامي. كانت لا تزال جالسة بجوار رجل، وهو السائق، ~~لكن الجهادي كان راضيا لأن الأمور قد عادت لنصابها الصحيح بحسب فكره السلفي، وأشار إلى ~~اللاند روفر بأن تمضي في طريقها. # كان الظلام قد حل عندما وصل القاضي إلى منزله في أباراجو. اتصل هاتفيا بأبي بكرين ~~ليخبره بأنه قد عاد، ثم ذهب ليخلد إلى الراحة، وفي الصباح التالي ذهبا معا إلى المبنى ~~القديم، حيث التقيا بأبا وحاسيني مجددا. اتصلوا بمعيجا من هناك: أراد المدير أن يشرح ~~المهمة الجديدة بنفسه للحارس. في عصر ذلك اليوم، شرعوا في مهمتهم، التي سرعان ما أصبحت ~~أمرا روتينيا. # كان القاضي سيغادر منزله قبل وقت الظهيرة لأداء صلاة الضحى في مسجد في السوق. ثم، مع ~~ارتفاع حرارة الجو وعودة الناس إلى بيوتهم لتناول الطعام وأخذ قسط من الراحة، مضى في ~~طريقه إلى شارع شيمنيتز، وجلب معه دزينة أو نحو ذلك من أشولة الأرز. أدخله حاسيني إلى ~~المستودع. وهناك عملا معا، فكان القاضي يأخذ الصناديق من فوق الأرفف ويمررها واحدا ~~تلو الآخر إلى حاسيني، الذي كان يضعها على الطاولة ويفتحها بينما يسجل القاضي الرقم ~~الفهرسي لكل مخطوطة. في المهمة الأولى كانوا قد سجلوا العناوين أيضا، لكن لأن حاسيني ~~لم يكن يقرأ العربية، كانا الآن يسجلان الأرقام فقط. نقلا المخطوطات من الصناديق ~~ليوفرا مساحة في الخزائن، وفتح حاسيني كل شوال بينما كان القاضي يملؤه بحرص. وفيما عدا ~~بضع وثائق علمية كان القاضي قد تعرف عليها، لم يعرف بالضبط ماهية المخطوطات؛ فقد كان ~~يأخذ ما استطاع أخذه فحسب. # ظلا يعملان حتى الساعة الرابعة بعد الظهر، وتوقفا عن العمل عندما بدأت المدينة تصحو ~~ثانية، ثم بقي القاضي مع حاسيني وأبا في منزلهما في مجمع ms168 المكتبة حتى الغسق. عندما كان ~~الليل قد حل، خرج أحدهم إلى الشارع لينادي حمالا معه عربة جر يدوية، فجاء بها ~~الحمال إلى المدخل الخلفي وحملها بالأشولة. عندما أصبحوا مستعدين للتحرك، سار أبا ~~في الشارع الرئيسي ليتحقق من أن الطريق كان آمنا. بإشارة منه، تحرك الرجال؛ إذ سار ~~حاسيني أمام الحمال الذي كان يجر العربة، والقاضي في الخلف، وساروا مسافة نصف ميل إلى ~~منزل أبي بكرين. حرصوا على اختيار حمال مختلف في كل ليلة حتى لا ينتاب أحدا ارتياب ~~زائد، وساروا في الأزقة الخلفية قدر الإمكان لتجنب دوريات الجهاديين. # في اليوم الثاني أضافوا وردية مسائية. كان العمل في الليل أصعب - كان انقطاع ~~الكهرباء متكررا، وتعين على أبا أن يمسك بكشاف ضوئي - لذا لم يتمكنوا من أن يلتزموا ~~بذلك وقتا طويلا، لكن المخطوطات كانت تتكدس سريعا في المنزل المقابل لمسجد سيدي ~~يحيى. # بعد ذلك اتصل أبو بكرين بمعيجا، الذي أعطاهم رقم تاجر كان حيدرة يعرفه، وكان هذا ~~التاجر سيجلب المخطوطات جنوبا. أحضر التاجر عشر خزائن، وطلب منهم أن يملئوها ويأخذوها ~~إلى مبنى معين في حي بيلافاراندي القريب. بعد ذلك نقل القاضي وأبو بكرين الوثائق إلى ~~الخزائن. عندما كانت واحدة تمتلئ، كانا يحكمان غلقها بقفل عند كل طرف من الطرفين واحتفظ ~~القاضي بالمفاتيح في جيبه. جرا الخزائن على عجلاتها، واحدة تلو الأخرى، إلى منزل ~~التاجر، ولم يكونا ينقلان أكثر من اثنتين أو ثلاث في اليوم وفي أوقات مختلفة، ليتجنبا ~~أن يلاحظهما أحد. وشحنت الخزائن من هناك إلى الجنوب في الشاحنات التي كانت لا تزال ~~تطوي الصحراء، منتقلة على طريق التجارة من تمبكتو إلى باماكو. حتى في وقت الحرب، ~~استمرت الناقلات في العمل؛ لأن الجهاديين احتاجوا إلى تجارة المدينة وإلى واردات ~~الغذاء. بحسب معيجا، كان المحتلون يثقون في التاجر؛ إذ قال: «كان الإسلاميون يثقون فيه، ~~وانتهز الفرصة لإخراج أشياء دون أن يزعجه أحد.» # نقلت المخطوطات جنوبا تحت أكوام من منتجات تمبكتو، علاوة على صناديق كوكاكولا ~~وفانتا والبضائع المستوردة الأخرى التي كانت تشحن من الجزائر ms169 وموريتانيا. قال حيدرة: ~~«في بعض الأحيان كانت الشاحنات تحمل خزانتين، وأحيانا أربعا.» ثم أردف: «أحيانا كانت ~~توجد شاحنتان وفي كل شاحنة كانت توجد خمس خزائن، أو ثلاث شاحنات وبها ثلاث خزائن. كانت ~~تلك هي الطريقة التي تابعنا بها العمل.» في بعض الأحيان كان أحد الأشخاص التابعين ~~لحيدرة يرافق الشحنات، ولكن في أوقات أخرى كانت تنقل بمفردها، «في حماية الله»، على ~~حد قول القاضي. # عندما كانت المخطوطات تصل إلى بوست دي نيامانا، نقطة التفتيش الجمركية الضخمة عند طرف ~~باماكو، كان السائق أو الناقل يتصل ليخبر رجال المكتبات بأنه قد وصل، وكان معيجا أو ~~حيدرة يذهب لملاقاته، وأيضا، إن دعت الحاجة، لتسهيل مروره وإنهاء الإجراءات الروتينية. ~~تذكر حيدرة: «كنت آخذ سيارتي لألتقي به هناك عند مدخل باماكو.» ثم أردف: «عادة ما كان ~~يوجد تأخير هناك وكنت أدفع الكثير من المال. وكانت هذه مشكلة كبيرة.» بعد ذلك كانت ~~الخزائن تؤخذ إلى مكتب معهد أحمد بابا في كالابان كورا. أحيانا كان معيجا يأخذها ~~بنفسه في سيارته، ولكن إن كان آتيا عدد كبير منها، كان يستأجر واحدة من حافلات ~~سوتراما الأجرة الصغيرة المطلية باللون الأخضر التي تنقل الركاب في جميع أنحاء ~~باماكو. # مع تقدم العملية، بدأ التوتر ينال من القاضي. أصبح يرتاب في الأطفال الذين كانوا ~~يلعبون حول منزله. ماذا لو أخبروا أحدا بتحركاته؟ بدأ يغادر قبل الفجر، قبل أن يخرج ~~الأطفال، وينتظر في منزل التاجر في بيلافاراندي حتى الساعة الثانية بعد الظهر قبل أن ~~يبدأ العمل. كان قلقا أيضا من أن أبا بكرين كان يقطن في منزل قريب جدا من السوق؛ ~~وكان الطريق المار أمام منزله مزدحما دوما بالحركة المرورية والناس والدوريات. كان من ~~المستحيل إخفاء الخزائن عند نقلها إلى منزل التاجر، وكان الناس يحدقون فيها. إن سئل، ~~كان القاضي يخبرهم أنها كانت فحسب تحتوي على سلع سوقية، لكنه خشي من أن القصة الملفقة ~~تفقد مصداقيتها. ماذا إن طلب منه أحد ما أن يفتح خزانة؟ فكر في نفسه: «ربما كانوا ~~يعرفون أننا نخطط لشيء ms170 ما.» ثم أضاف: «ربما كان من شأنهم أن يتفقدوا منزل أبي بكرين، ~~وعندئذ ستكون ثمة مشكلة كبيرة.» # قال لمعيجا إنه يعتقد أن الناس بدءوا يرتابون في الأمر. ارتأى المدير أن وجهة نظره ~~مقبولة. تذكر قائلا: «رأى الناس عددا كبيرا جدا من مرات الذهاب والإياب، وتساءلوا ~~عما يحدث.» لذا عندما كانوا قد وضعوا عشر خزائن ممتلئة في منزل التاجر، قال له معيجا ~~إنه قد فعل ما يكفي. سافر القاضي عائدا في منتصف شهر أغسطس، ووصل إلى باماكو في الثالث ~~والعشرين من الشهر، بعد خمسة عشر يوما من مغادرته. # في الرحلة الأولى كان العملاء الثلاثة قد نقلوا نحو ألف مخطوطة. وبعد عمل شاق مدة ~~أسبوع، بمعاونة حاسيني، وأبا، وأبي بكرين، كان القاضي قد نقل حينئذ حوالي ثمانية آلاف ~~مخطوطة أخرى. تقريبا كان ثلثا المجموعة التي كانت مخزنة في المبنى القديم لا يزالان ~~باقيين. # بعد فترة وجيزة من عودة القاضي للاستقرار في باماكو، اتصل به معيجا مجددا. قال له: ~~«الآن عليك أن تذهب لتحضرها كلها.» ~~••• # ذهب حيدرة إلى المكتب لمقابلة معيجا قبل عملية الإجلاء الثالثة. أراد أن يتحدث إلى ~~القاضي، ليطمئنه إلى أن ما كان يفعله الصواب. تذكر القاضي: «قال لي إنني لا ينبغي أن ~~أخاف، وقال إنها كانت مهمة من شأنها أن تكون مفيدة لنا على المدى الطويل، ولكن كان ~~يتعين القيام بها كما لو أنها ليست بالأمر المهم.» ثم أردف: «شجعني وهدأ من ~~روعي.» # كان ارتياب القاضي كبيرا لدرجة أنه لم يخبر أبا بكرين بأمر رحلته الأخيرة. كان يعمل ~~ليلا فقط، مع أبا وحاسيني، وأسرع من ذي قبل. قرر أن أشولة عشرة كيلوجرامات كانت ~~صغيرة للغاية؛ لذا أحضر نحو عشرين شوالا من أشولة مائة كيلوجرام. عبئوا هذه الأشولة ~~بكميات كبيرة، وأغلقوها بأن خاطوها بعد أن كانت قد امتلأت. لم يحاولوا حتى أن يحصوا ~~المخطوطات الآن؛ كانوا في عجلة كبيرة من أمرهم، حتى إن كل ما استطاعوا فعله هو أن ~~حاولوا ألا يجعلوا الصفحات المنفصلة تختلط بعضها ببعض. كانوا يعملون طويلا حتى ms171 ~~الليل، إلى أن يصيبهم الإرهاق، ثم كانوا ينقلون الأشولة على عربة اليد والعربة التي ~~يجرها الحمار مباشرة إلى المنزل في بيلافاراندي. وهناك كانوا يغلقون الباب، ويخرجون ~~المخطوطات من الأشولة، ويعودون بالأشولة الفارغة إلى المستودع. في الصباح، كان القاضي ~~يعمل بمفرده في وضع الوثائق في الخزائن. عندما كان أحد الصناديق الفولاذية يمتلئ، كان ~~ينقله إلى غرفة أخرى في المنزل؛ وكان التاجر يأخذه من هناك ويضعه في الشاحنات. في منتصف ~~النهار كان القاضي يذهب إلى البيت ليخلد إلى الراحة، ثم يتوجه عائدا إلى المعهد بعد ~~حلول الظلام ليبدأ وردية جديدة. # بعد عشرة أيام شاقة، صارت غرفة المحفوظات في المعهد فارغة، وشعر القاضي بأن جبلا من ~~المتاعب قد انزاح من فوق كاهليه. وبينما كان يغادر المبنى للمرة الأخيرة، التقى مصادفة ~~بسديدي، زميله الذي كان قد رافقه في الرحلة الأولى. فوجئ صديقه عندما رآه قد عاد، دون ~~أن يخبره، إلى تمبكتو. سأله: «ماذا تفعل هنا؟ لقد ظننت أنك في باماكو!» # حتى في هذه اللحظة، وهو يتحدث إلى صديق وعميل رفيق، لم يتخل القاضي عن حذره. قال ~~لسديدي إنه كان قد أرسل إلى جورما راروس، البلدة الكبيرة المجاورة على النهر، وإنه ~~كان في المعهد من أجل أن يلقي التحية على أبا. ثم قال: «لقد كنت أقوم بزيارة عابرة ~~فحسب.» # غادر القاضي تمبكتو في منتصف شهر سبتمبر، بعد أن نقل المجموعة، التي تبلغ نحو 24 ألف ~~وثيقة، بأكملها من المبنى القديم. ~~••• # كانت العملية قد أجريت في سرية كبيرة، لكن معيجا شعر بأنه يتعين عليه الآن أن يخبر ~~بعضا من زملائه بما قد تم. أحد هؤلاء الأشخاص كان عبد الله سيسيه، أكبر موظفي المعهد ~~الذين بقوا في تمبكتو. عندما كان معيجا قد تولى منصبه الجديد، كان قد عهد بالمخطوطات ~~إلى سيسيه، وطلب منه أن يتأكد من ألا ينقل أي شيء. بعد يومين من اكتمال عملية ~~الإجلاء اتصل به معيجا ليخبره أن المجموعة التي كانت في شارع شيمنيتز قد نقلت ~~بكاملها إلى باماكو. تذكر معيجا: «كنا قد أجلينا كل ms172 المخطوطات التي كانت في المبنى ~~القديم تحت ناظريه، ولم يكن حتى على علم بذلك!» # أيضا كان على معيجا أن يبلغ الموظفين العموميين في وزارة التعليم العالي، التي كانت ~~تتولى مسئولية الإشراف على معهد أحمد بابا. في نهاية الأمر، لم يكن قد مر على وجوده ~~في الوظيفة إلا خمسة شهور، وكان الآن هو وحيدرة قد نقلا سرا الجزء الأكبر من المجموعة ~~التابعة للدولة مسافة ستمائة ميل إلى الجنوب الغربي، إلى مكتبه الجديد في كالابان ~~كورا. # قرر أن يقيم حفل استقبال مفاجئ، وصفه حيدرة بأنه «حفل كوكتيل صغير»، ودعا مجموعة ~~منتقاة من الوزارة، تشمل المستشار الفني المسئول مسئولية خاصة عن معهد أحمد بابا، ~~إدريسا دياكيتي، وعددا قليلا من معاونيه. لم يوجه الدعوة إلى الوزير؛ لأنه لم يرغب ~~في أن يكون الحفل حدثا رفيع المستوى؛ إذ كانوا لا يزالون بحاجة إلى إبقاء عملياتهم ~~سرية. # أدخل رجال الوزارة غرفة مملؤة بأنواع الخزائن الفولاذية التي كانت تستخدم لشحن ~~الأغراض في كل أنحاء مالي. تذكر حيدرة: «كان من الواضح أنهم لم يكونوا يعرفون على ~~الإطلاق أننا كنا قد بدأنا شيئا ما.» عندما فتح معيجا الصناديق، تراجع الرجال مذهولين. ~~تذكر معيجا: «قالوا: «ماذا! ما هذا؟»» ثم أضاف: «كان وقع المفاجأة عليهم كبيرا جدا، ~~كبيرا جدا.» # منذ اعتداء الجهاديين على أضرحة أولياء تمبكتو، كان الوزراء يخشون أن يحدث شيء مماثل ~~لتراث المدينة المكتوب. قال دياكيتي: «كنا نشعر بالقلق من أن يقع هجوم على المخطوطات»، ~~لذا عندما فتحت الخزائن ورأى ما قد أنجز، ارتأى أنه أمر «رائع»، وجهد «محمود.» ~~انهمرت الأسئلة. كيف تمكنوا من إمرارها عبر كل نقاط التفتيش؟ كيف حتى واتتهم فكرة ~~تهريبها جنوبا؟ لم يعترض دياكيتي على قرار إبقاء العملية سرية. قال: «كان من الضروري ~~أن يكون هذا الأمر سريا؛ لذا لم يبلغوا السلطات المسئولة.» في نفس الوقت، وجد فكرة ~~وجود المخطوطات مؤقتا في خزائن «مخيفة»، وعرف أنه كان لا يزال ثمة الكثير من العمل ~~الذي يتعين إنجازه. قال: «كان يتعين علينا أن نجد وسيلة لمنعها من ms173 أن تكون كلها متركزة ~~في نفس المكان؛ لأن ذلك كان أيضا يمثل خطرا على المخطوطات.» كان جو باماكو الرطب ~~يمثل أيضا تهديدا. وأردف: «كان يتعين علينا أن نحسن الظروف التي كانت مودعة فيها. ~~كان ثمة الكثير من علامات الاستفهام.» # ومع ذلك، إجمالا، كان رجال الوزارة في غاية السعادة. تحدثوا عن تقديم ميداليات إلى ~~معيجا وحيدرة. قال حيدرة: «لا، لا، لا.» إذن، ما الأمر الآخر الذي يمكنهم فعله من ~~أجله؟ # قال حيدرة: «إن المخطوطات بحوزتنا، ولكن ما أطلبه منكم هو أنه يجب ألا تتحدثوا بشأن ~~الأمر؛ لأن مخطوطاتنا ما زالت هناك.» كان يشير إلى المجموعات الخاصة، التي كانت تشكل، ~~على حد قوله، 85 بالمائة من العدد الكلي للوثائق في المدينة. وتلك كانت لا تزال في ~~خطر. قال: «سرعان ما سنبدأ إجلاءها.» ثم أردف: «إن الأمر لم ينته بعد. لذا أفضل هدية ~~يمكنكم تقديمها لي ألا تتكلموا عن الأمر.» # ووافقه رجال الحكومة على ذلك. ~~••• # كان ثمة عاقبتان غريبتان فيما يتعلق بعملية تهريب مخطوطات معهد أحمد بابا جنوبا. ~~كانت الأولى أن معيجا دعي إلى مكتب وزير التعليم العالي، الذي وبخه على ما فعله. ~~سأله الوزير: «من الذي أعطاك الأمر بنقل المخطوطات؟» أوضح له معيجا أنه في الأوقات التي ~~كانوا يمرون بها كان قد قرر ألا ينتظر موافقة من أحد، وعندئذ قال له الوزير بفظاظة ~~إنه يجب إطلاعه على أي شيء كان يحدث ثم صرفه. # قال معيجا: «الناس دوما يفترضون الأسوأ.» # كانت العاقبة الثانية أن العلاقات بين رجال المكتبات بدأت في التدهور. # في بداية شهر سبتمبر، كان حيدرة قد سافر إلى دبي ليوضح ما لديه من مشكلات لجمعة ~~الماجد، وهو أحد رجالات العمل الخيري المخضرمين ويدير مركزا للحفاظ على المخطوطات ~~العربية وكان قد مول مشروعات سابقة في تمبكتو. أوضح حيدرة أنهم قد أجبروا على نقل ~~الوثائق إلى منازل الناس، حيث كانت محفوظة الآن في ظروف سيئة في صناديق خشبية أو ~~فولاذية، وأن مسلك الجهاديين كان يمثل تهديدا متزايدا. طلب منه الماجد ألا يؤجل ~~مسألة نقل ms174 المخطوطات من تمبكتو بل أن ينقلها بأي طريقة يتسنى له بها ذلك. وقال: ~~«سأساعدك على الفور.» ثم أردف: «يجب أن تبدأ العمل على هذا من اليوم.» وبعد ذلك أرسل ~~إلى حيدرة 30 ألف دولار ليجعله يبدأ. # شعر معيجا بأنه قد استبعد من هذه المعاملة المالية. تذكر مدير معهد أحمد بابا: «قال ~~لي: «ما إن يصبح المال هنا، فسأعطيك جزءا ستستخدمه في إخراج المخطوطات».» ثم أضاف: ~~«ولكن - وهذه أمور ليس من الجيد قولها - كنت أعرف أنه كان قد حصل على المال وصار بحوزته ~~بالفعل. وكان قد اتصل بالفعل بباعة وتجار كانوا بالفعل قد اشتروا خزائن وصناديق ~~للمخطوطات في تمبكتو. كان يعرف أنني كنت قد قدمت حالا [إلى الوظيفة]، ولم أكن أملك ~~المال، واستغل ذلك.» # توقع معيجا أن يتلقى بيانا ماليا تفصيليا للمبالغ التي كان حيدرة قد جمعها ~~ومقدار ما يمكنهما إنفاقه، وأن يحدث نقاش بينهما حول حجم الحصة المخصصة لمخطوطات أحمد ~~بابا. لكن حيدرة لم يقدم أيا من هذه المعلومات. قال معيجا: «كنت مصدوما لسببين.» ~~ثم أردف: «أولا، عندما بدأنا الاجتماعات في مكتبي، قلنا إننا سندير الأمر معا، حتى ~~النهاية. لكن عندما حصل على المال، لم يكن الحال كذلك. ثانيا، لو أنني كنت أعرف أنه ~~حصل على المال، ما كنت سأدفع مقابل الأشياء من مالي الخاص.» # لاحقا، أكد حيدرة أنه لم يعد معيجا مطلقا بأي من الأموال التي جمعها - قال: «لم ~~نتحدث عن هذا الأمر مطلقا» - وأنه على أي حال هو، وليس معيجا، من كانت الحكومة قد ~~خولته في أمر إجلاء المخطوطات. # بحلول شهر سبتمبر، كان تحالف رجال المكتبات الثلاثة الذين كانوا قد بدءوا في الاجتماع ~~في مايو قد انهار. كان من شأن حيدرة أن يتابع عملية إجلائه لمخطوطاته المملوكة ملكية ~~خاصة له دون مساعدة معيجا. # قال معيجا: «لقد أبعدني عن الأمر.» # الجزء الثالث # | التحرير # في مكان ما ... كان لا بد من قيام شخص ما بالإنقاذ والمحافظة، بطريقة أو بأخرى، ~~بالكتب، بالتسجيلات، في عقول الناس، بأي طريقة ما دامت آمنة، وخالية من ms175 العث، ~~وحشرات السمك الفضي ، والصدأ والعفن الجاف، والرجال الممسكين بأعواد ثقاب. # راي برادبري، رواية «فهرنهايت 451» # الفصل الثاني عشر # | حياة العلماء # 1854-1865 # لم تصل المقتطفات من كتاب «تاريخ السودان»، التي كان هاينريش بارت قد نسخها في جاندو، ~~إلى أوروبا حتى أواخر العام التالي بعد رحلة شاقة عبر الصحراء. ألقيت مهمة إعادة إنشاء ~~أجزاء المخطوطة من ملاحظات بارت على عاتق المستعرب الألماني كريستيان رالفس، الذي أمضى ~~معظم فصل شتاء عامي 1854-1855 وهو يحاول فهم الشذرات التي كانت قد أعطيت له. كانت ~~أقسام كاملة مفقودة من النص، وكانت اللغة العربية المكتوب به النص نفسها جامدة ~~وأحيانا غير مراعية للقواعد النحوية. ومع ذلك، بحلول فصل الربيع اعتقد رالفس أنه قد ~~تمكن من إخراج ترجمة ألمانية أمينة لمقتطفات بارت، ونشرت في دورية الجمعية الشرقية ~~الألمانية في ليبزيج في وقت لاحق من ذلك العام. لم يكن المستكشف نفسه قد عاد بعد من ~~أفريقيا. # شغلت هذه «الإسهامات الجديدة إلى تاريخ وجغرافيا السودان» ستا وسبعين صفحة، كانت ~~تسع وثلاثون منها مخصصة للملاحظات الهامشية الغزيرة للثنائي. من وجهة نظر رالفس، إن ~~النص أظهر الافتقار الشديد لدى كل الإسهامات السابقة إلى الدراية بغرب أفريقيا، وفي ~~ذلك إسهامات ابن بطوطة وليون الأفريقي. كان ليون قد أشار إشارة موجزة إلى أحد ملوك ~~سونجاي، لكن التأريخ المكتشف حديثا أماط اللثام عن إمبراطورية قوية حكمتها سلالة تدعى ~~سلالة أسكيا، ومنها «الفاتح العظيم» أسكيا الحاج محمد. لم يكن هذا سوى مثال واحد على ~~ثراء المعلومات التاريخية الجديدة، التي أتاحت حينئذ للأوروبيين فك لغز قصة «عالم ~~مجهول تماما ومدمر حاليا.» # كان قد قيل لبارت أن واضع هذا التأريخ هو أحمد بابا، وبالفعل كان جزء منه كذلك؛ لأنه ~~كان يشتمل على مقتطفات مطولة من معجم التراجم الذي كان قد وضعه عن فقهاء المالكية، ~~«كفاية المحتاج». ومع ذلك كان المستكشف، في العجلة التي كان فيها، قد غفل عن دليل ~~رئيسي يشير إلى هوية مؤلفه الحقيقي، عبد الرحمن عبد الله السعدي. ولد السعدي لأسرة ~~تمبكتية في الثامن والعشرين من مايو من ms176 عام 1594، وفي الفترة بين عامي 1626 و1627 ~~عين إماما لمسجد سانكوري في جني. بعد ذلك بعام عاد إلى مسقط رأسه، وأصبح إماما ~~ومسئولا في تمبكتو. كتب تأريخه في القرن السابع عشر باللغة العربية وامتد في ثمانية ~~وثلاثين فصلا، كان بعضها مستندا إلى مصادر تاريخية أسبق، والبعض الآخر إلى ملاحظات ~~المؤلف ومقابلاته. كان بناؤه النحوي غير مكتمل مما جعل المؤرخين اللاحقين يعتقدون أن ~~لغة سونجاي، وليس العربية، كانت لغة المؤلف الأولى، واستحضر أسلوبه في بعض المرات إلى ~~الذهن الحكايات الشعبية للأخوين جريم أو حكايات «ألف ليلة وليلة.» # كان بارت، الذي كان ينقصه الوقت وكان يعمل باستماتة لملء الفراغات في المعرفة ~~الأوروبية، قد استخرج قدر ما استطاع من البيانات، مركزا على أجزاء التأريخ التي ~~كانت مخصصة للملوك، والتواريخ التي يمكن التعرف عليها، والإمبراطوريات. بعبارة أخرى، ~~ركز على التاريخ الواسع الشامل. # استهل كتاب «تاريخ السودان» بقائمة لحكام سونجاي القدامى، من سلالة زا، ومضى ليروي ~~الأسطورة المؤسسة لمملكتهم. أول هؤلاء الأمراء كان «زا الأيمن». قيل إن هذا الشخص كان ~~قد غادر اليمن مع شقيقه ليسافر حول العالم، وإن القدر أتى بهما، وهما يتضوران جوعا ~~ويلبسان خرق جلود الحيوانات، إلى مدينة كوكيا، وهي «مدينة قديمة» على نهر النيجر كانت ~~موجودة، حسب ما ورد في التأريخ، منذ زمن المصريين القدماء؛ وإن كوكيا هي المكان الذي ~~جلب منه الفرعون جماعة السحرة التي استخدمها في جداله مع موسى. عندما سأل أهل المدينة ~~الغريبين عن اسميهما، أساء أحد الأخوين فهم السؤال وقال إنهما أتيا من اليمن - «جاء من ~~اليمن» - لذا دعاه أهل كوكيا، الذين كانوا يجدون صعوبة في نطق الكلمات العربية، زا ~~الأيمن. # وجد زا الأيمن أن أهل هذا البلد كانوا يعبدون شيطانا كان يظهر في النهر على هيئة ~~سمكة لها حلقة في أنفها. في هذه الأوقات كان يتجمع حشد من الناس ليسمعوا أوامر ~~الشيطان، التي كان يتعين على الجميع طاعتها. بعد أن شهد زا الأيمن هذا الطقس وأدرك أن ~~الناس كانوا يتبعون صراطا ضالا، صمم زا الأيمن على أن ms177 ينهي حياة هذا المخلوق. فقذف ~~السمكة بحربة وقتلها، وبعد ذلك سرعان ما أقسم الناس بالولاء لقاتل الإله- السمكة وجعلوه ~~ملكا. أصبح «زا» هو لقب كل الأمراء الذين حكموا من بعده. وسجل السعدي: «فتناسلوا ~~وتكاثروا حتى لا يعلم عدتهم إلا الله سبحانه.» ثم أضاف: «وكانوا ذوي قوة ونجدة وشجاعة ~~وعظم جثة وطول قامة.» # في وقت لاحق في تاريخها أخضعت بلاد سونجاي على يد مالي، الإمبراطورية التي حلت محل ~~غانا القديمة في غرب السودان، لكن المملكة ظفرت باستقلالها بفضل أميرين من أمراء ~~سونجاي، وهما الأخوان غير الشقيقين علي كولون وسليمان ناري. حسب العادة كان أمراء ~~الولايات التابعة مثل سونجاي يذهبون لخدمة الإمبراطور المالي وكانوا يختفون من وقت ~~لآخر طلبا للمنفعة. كان لدى علي كولون، الذي كان أميرا «لبيبا عاقلا فطنا كيسا ~~جدا»، مشروع آخر في ذهنه: وهو تحرير مملكته. فأخذ يمهد الطريق ببراعة، مسافرا ~~مبتعدا عن بلاط السلطان ومقتربا من موطنه سونجاي، واستعد بالأسلحة والأزودة وكمنها ~~في مواضع معروفات في طريقه. في أحد الأيام، علف الأخوان حصانيهما علفا صحيحا جيدا، ~~وهربا. أرسل سلطان مالي في إثر الهاربين رجالا كثيرين وحدثت مناوشات كثيرة، لكن ~~الأميرين كانا دوما يدحران خصومهما ووصلا بأمان إلى موطنهما. بعد ذلك، بحسب التأريخ، ~~أصبح علي كولون ملك سونجاي. وتسمى بلقب «سني» وأنقذ شعبه من نير الحكم ~~المالي. # خصص السعدي فصلا كاملا لتأسيس تمبكتو. وكتب أن المستوطنة تأسست في بداية القرن ~~الثاني عشر على يد الطوارق الذين جاءوا إلى المنطقة ليرعوا قطعانهم. في الصيف كانوا ~~يخيمون على ضفاف نهر النيجر، وفي الموسم المطير كانوا يهاجرون إلى آبار الصحراء في ~~أروان، التي تبعد مائة وخمسين ميلا شمالا. في النهاية اختار بعض منهم الاستقرار على ~~هذا الطريق، على مسافة قريبة من النهر: # ثم اختاروا موضع هذه البلدة الطيبة الطاهرة الزكية الفاخرة ذات بركة ونجعة ~~وحركة التي هي مسقط رأسي وبغية نفسي. ما دنستها عبادة الأوثان ولا سجد على ~~أديمها قط لغير الرحمن، مأوى العلماء والعابدين، ومألف الأولياء والزاهدين، ~~وملتقى الفلك والسيار. # سرعان ms178 ما بدأ المسافرون الذين كانوا يأتون إلى ملتقى الطرق هذا في استخدامها للتخزين. ~~وائتمن التجار على متاعهم وزروعهم أمة تدعى تنبكت - وهي كلمة، أورد السعدي أنها ~~تشير إلى شخص لديه «نتوء» أو ربما سرة ناتئة - ومنها جاء اسم الموضع المبارك. أخذ ~~المستوطنون يأتون بأعداد كبيرة من المناطق المجاورة - من ولاته، المركز التجاري لغانا ~~القديمة، في موريتانيا الحالية، وأيضا من مصر، وفزان، وغدامس، وتوات وفاس وسوسة وبيط - ~~وشيئا فشيئا أصبحت تمبكتو مركزا تجاريا للمنطقة. امتلأت بالقوافل من كل البلاد، ~~وتوافد عليها العلماء والصالحون من كل جنس. وأدى ازدهار تمبكتو إلى سحب كل القوافل ~~التجارية من ولاته، ونجم عنه خراب تلك المدينة. في أثناء ذلك، في تمبكتو، أخذت الأكواخ ~~المبنية بالقش والمحاطة بالأسوار تحل شيئا فشيئا محل المنازل المبنية بالطمي، التي ~~كانت تحاط بجدار منخفض، بحيث من وقف في خارجها يرى ما في داخلها. # تسارع تطور المدينة بعد أن عاد مانسا موسى من رحلته للحج في عام 1325. وفي طريق عودته ~~من مكة، أمر موسى - الذي كان «رجلا عادلا وتقيا، ولا يضاهيه أحد من سلاطين مالي ~~الآخرين في هاتين الصفتين» - ببناء مسجد في كل مكان كان يذهب إليه في يوم الجمعة. فبنى ~~مسجدا في جاو، ثم انتقل غربا إلى تمبكتو، وأصبح أول حاكم يستولي عليها. وعين ممثلا ~~له هناك وأمر ببناء قصر ملكي. وقيل أيضا إنه بنى مئذنة مسجد جينجربر، حسبما دون ~~السعدي. وحكم موسى وخلفاؤه تمبكتو مائة سنة. # بحسب السعدي، تلاشت قوة مالي في القرن الخامس عشر، وسيطر زعيم الطوارق السلطان عقيل ~~على تمبكتو من عام 1433 / 1434 وحتى ظهور ملك سونجاي سني علي، الذي حكم أربعا وعشرين ~~سنة، بداية من 1468 / 1469. كان سني علي طاغية كبيرا ومضطهدا لعلماء تمبكتو، بحسب ~~ما كتب السعدي، لكنه كان رجلا ذا قوة وطاقة جسدية هائلة وحول مملكته سونجاي إلى ~~إمبراطورية عظيمة. وبعد موته، خلع ابنه على يد واحد من حكام الأقاليم التابعين لسني ~~علي، وهو محمد ابن أبي بكر الطوري، الذي استولى على العرش في 1493 وكان أول من ms179 حمل اسم ~~«أسكيا». لا يكيل السعدي إلا الثناء لأسكيا الحاج محمد، أو أسكيا العظيم، كما صار ~~معروفا. لقد أسس سلالة أسكيا واعتمد على فتوحات سلفه ليجعل سونجاي أكبر إمبراطورية ~~شهدتها منطقة غرب أفريقيا على الإطلاق، ممتدة من نهر السنغال غربا إلى أغاديس شرقا، ~~ومن مناجم الملح في مدينة تاغزة (تغاز) شمالا إلى بورجو جنوبا، وهي منطقة بحجم غرب ~~أوروبا. امتد حكم سلالة أسكيا 101 سنة، حتى أرسل سلطان مراكش جيشا عبر الصحراء ليستولي ~~على أراضي سونجاي. # من وجهة نظر بارت، كان كتاب «تاريخ السودان» بالغ الأهمية. وكتب: «ليس لدي أي شك في ~~أن [الكتاب] سوف يكون واحدا من أهم الإضافات التي أضافها العصر الحالي إلى تاريخ ~~البشرية، في فرع كاد في السابق أن يكون مجهولا.» أظهرت المقتطفات أن تمبكتو كانت ~~موطنا لمجتمع ثري ومتطور قادر على تسجيل روايته الخاصة للماضي، وأخيرا منح أوروبا ~~إمكانية الوصول إلى ما هو أكثر من بضع حقائق منفصلة سجلها زوار أجانب للإمبراطورية ~~من أمثال البكري، وابن خلدون، وليون الأفريقي. كذلك أطاح الكتاب بكثير من الأفكار التي ~~كانت لدى الأوروبيين عن هذا الجزء من أفريقيا؛ إذ كانت ممالك المنطقة أقدم بكثير مما ~~اعتقد أي أحد، وحددت مواضعها الجغرافية أخيرا تحديدا دقيقا، وأخيرا بدا التسلسل ~~الزمني لإمبراطوريات غانا القديمة ومالي وسونجاي كاملا. # بالطبع اشتمل التأريخ على روايات كانت مستندة على أساطير وقصص تاريخية شفوية - هل ~~يحتمل أن الإله-السمكة كان معتمدا على حيوان خروف البحر، وهو كائن حقيقي من حيوانات ~~نهر النيجر؟ أم هل كان تمثيلا للنهر المقدس نفسه؟ - ولكنه كان عملا تاريخيا بلا شك، ~~وسيصبح مكتشفه الأب المؤسس لفرع دراسات سونجاي. # أنهى رالفس ترجمته بالدعاء لبارت أن يعود سالما حتى يتمكن من أن ينعم ب «التوقير ~~والإعجاب» اللذين استحقهما عن جدارة. # وصل المستكشف إلى لندن في السادس من سبتمبر من عام 1855، بصحبة عبدين كان أوفرويج قد ~~اشتراهما وأعتقهما، هما دوروجو وأبيجا، اللذان كان بارت قد وعد برعايتهما. أذهلتهما ~~إنجلترا، البلد الذي كان به منازل ضخمة، ولكن دون ms180 أن يكون على أرضها حبة رمل واحدة. ~~استقبل البروسي، الذي كان غائبا قرابة خمس سنوات ونصف وسافر أكثر من عشرة آلاف ميل، ~~مسجلا كل قرية، وقبيلة، وتضاريس جغرافية في طريقه، ب «حفاوة بالغة» من بامرستن، الذي ~~كان في ذلك الوقت رئيس الوزراء، واللورد كلاريندون، الذي كان عندئذ وزير الخارجية. ~~هنأه كلاريندون على «ثباته ومثابرته وحسن تقديره للأمور» أثناء الحملة ~~الاستكشافية. # لم تورد صحيفة «ذا تايمز» اللندنية، التي كانت قد أوردت تقريرا كاذبا عن وفاة ~~بارت، أي إشارة إلى عودته سالما. في العقود التالية، ستكيل هذه الصحيفة وصحف أخرى ~~المديح لمستكشفين تالين لأفريقيا، من أمثال ليفينجستون، وبرتون، وجون هاننج سبيك، ~~وجيمس جرانت، وصامويل بيكر. غير أنه لم يكن لدى بارت أي اهتمام بذلك. وكان هذا يمثل ~~إشارة منذرة بسوء إلى الطريقة التي سيعامله بها الرأي العام. # في الأول من أكتوبر غادر إنجلترا ليرى عائلته في هامبورج، وفي صحبته دوروجو ~~وأبيجا. ~~••• # بينما كان بارت في ألمانيا، ظهرت في أوروبا مقتطفات من نص مهم ثان كتبه عالم ~~تمبكتي. كانت هذه المقتطفات مأخوذة من معجم تراجم أحمد بابا الخاص بفقهاء المذهب ~~المالكي السني، «كفاية المحتاج»، وهو نفس العمل الذي كان تضمينه الجزئي في كتاب «تاريخ ~~السودان» قد زاد من الارتباك حول مؤلف الكتاب التاريخي. كان بارت قد قرأ هذا النص، ولكن ~~في عجلته لتسجيل البيانات التاريخية، لم يكن قد نسخه. في ذلك الوقت، كانت نسختان من هذا ~~المعجم قد أرسلتا إلى المستشرق الفرنسي البارز أوجست شربونو، الذي نشر أجزاء مترجمة ~~منه في «حولية الجمعية الأثرية بقسنطينة»، إلى جانب مقالة تمهيدية عن الأدب العربي في ~~السودان. # تحمس شربونو لمعجم تراجم أحمد بابا كما كان بارت بشأن كتاب تأريخ السعدي؛ كتب ~~شربونو يقول إنه «كشف فريد وغير متوقع عن حركة أدبية في قلب أفريقيا، في تمبكتو!» ~~والذي فتح «آفاقا جديدة» لم يكن الأوروبيون قد توقعوا وجودها قط. احتوى الكتاب على ~~تراجم قصيرة عديدة لفقهاء المذهب المالكي البارزين، الذين ولدوا في تمبكتو أو جاءوا ~~إليها لتعليم الناس ms181. كشف الكتاب عن وجود نظام تعليمي في تمبكتو كان يضارع النظم ~~التعليمية في المدن الإسلامية العظيمة مثل قرطبة وتونس والقاهرة، وكان يضم مدارس ~~يديرها رجال مثقفون ويحضرها عدد كبير من الطلاب. أظهر الكتاب أنه كان يوجد في المدينة ~~مكتبات مهمة كانت تحتوي على مئات الكتب وأوضح كم كان أمراء البلد يدعمون بشغف ~~الفقهاء. وكتب شربونو أن كتاب أحمد بابا أظهر بجلاء مشاركة الأعراق السوداء في الحياة ~~الفكرية، وكشف عن العدد الكبير للغاية للصلات التي كانت موجودة بين غرب السودان والعالم ~~العربي. # بعدما قرأ الأوروبيون المقتطفات المأخوذة من معجم تراجم أحمد بابا جنبا إلى جنب مع ~~تلك المأخوذة من كتاب تأريخ السعدي، صارت لديهم صورة واضحة عن الحياة العملية لصفوة ~~علماء تمبكتو. # بحلول منتصف القرن الرابع عشر، كانت المدينة مركزا تجاريا حيويا وشيئا فشيئا ~~ازداد عدد العلماء الذين كانوا يأتون للاستقرار هناك. وفي أوجها، كان يوجد ما يقدر ~~بمائتين إلى ثلاثمائة عالم في قمة المجتمع، ينتمون إلى العائلات التي تتصدر المشهد في ~~المدينة. كان أكثر المواطنين نفوذا في الصفوة هم «القضاة»، الذين كانوا يقيمون العدل ~~استنادا إلى معرفتهم بالشريعة الإسلامية. وبعدهم كان يأتي كل صنوف علماء الدين ~~الآخرين، وفي ذلك الأئمة، والفقهاء، والمرشدون، الذين كانوا يأتون غالبا من طبقة ~~التجار الثرية، إلى جانب معلمي المدارس، وعمال المساجد، والكتبة، بالإضافة إلى عدد ~~كبير ممن كان يطلق عليهم «الألفة»، وهم رجال دين من عائلات دنيا كانوا يكسبون رزقهم ~~من تعليمهم الإسلامي. كان حي سانكوري هو مركز النشاط العلمي في المدينة، وكان هذا هو ~~المكان الذي استقر فيه الأحفاد ذوو النفوذ من نسل محمد آقيت، الجد الأكبر لأحمد بابا. ~~كان علماء تمبكتو على اتصال منتظم بشمال أفريقيا ومصر، وبعضهم سافر إلى هناك، بينما ~~قدم آخرون إلى الجنوب للدراسة في تمبكتو. لذلك كانوا على دراية بطيف واسع من العلوم ~~الدنيوية، وفي ذلك الرياضيات، والفلك، والتاريخ، على الرغم من أن كل تلك المعارف ~~كانت تدرس في سياق إسلامي. # لم يكن علماء تمبكتو البارزون مجرد قادة ومعلمين ms182 دينيين؛ إذ كان يعتقد أيضا أنهم ~~يمتلكون نعمة إلهية، أو ما يطلق عليه «البركة»، التي مكنتهم من إتيان أفعال من ~~شأنها أن تكون مستحيلة على البشر العاديين. أحد أقدم رجال الدين الذين ذكرهم أحمد بابا ~~كان يعرف ببساطة باسم الحاج؛ وكان قد أتى إلى تمبكتو من ولاته وشغل منصب «القاضي» في ~~أوائل القرن الخامس عشر، أثناء الأيام الأخيرة للحكم المالي. في أحد الأيام، كانت ~~مجموعة من الناس جالسة لتناول الطعام عندما سمعوا أن جيشا من مملكة موسي المجاورة كان ~~يقترب من تمبكتو. تمتم الحاج بشيء ما في الطبق الذي كانوا يتشاركون في تناول الطعام منه ~~وأمرهم بأن يأكلوا، ثم قال لهم: «اذهبوا إلى القتال. ولن يضركم من سهامهم شيء.» دحر ~~جيش موسي، وعاد الرجال كلهم عدا واحد؛ هو زوج ابنة الحاج الذي لم يكن قد أكل؛ لأن ~~تناوله الطعام مع والد زوجته من شأنه أن يكون علامة على عدم الاحترام. # في منتصف القرن الخامس عشر عندما كان زعيم الطوارق عقيل يحكم المدينة، بلغ تدفق ~~العلماء المسلمين إلى تمبكتو مستويات لم يسبق لها مثيل. استمر عقيل وشعبه في اتباع ~~أسلوب حياتهم شبه البدوي خارج المدينة، تاركين المدينة في رعاية حاكم عمل على تعزيز ~~أنشطتها العلمية. كان أحد الرجال البارزين الذين وصلوا في هذا الوقت هو موديبو محمد ~~الكابري (مودب محمد الكابري). بحسب ما كتب أحمد بابا، إن الكابري «بلغ ذروة العلم ~~والصلاح»، وكان يوجه عددا كبيرا من التلاميذ، وكان أيضا مصدر الكثير من المعجزات. في ~~إحدى المناسبات، بدأ عالم مغربي مؤثر يقدح فيه، قائلا، متلاعبا بالألفاظ، إنه لم ~~يكن الكابري بقدر ما كان «الكافري» أي الكافر. يحكي أحمد بابا أن الله سلط على هذا ~~الرجل الجذام عقابا له على ذلك. وجلب له الأطباء من كل جهة ومكان لعلاجه، وأوصى ~~أحدهم بأن العلاج الوحيد أن يأكل قلب صبي صغير. ذبح صبية كثيرون، لكن الرجل مات «في ~~أسوأ حال» بسبب إهانته للقاضي العظيم. # قيل حتى إن الكابري كان قادرا على السير على الماء ms183. في سنة من السنوات، في يوم عيد ~~تاباسكي (عيد الأضحى كما يصطلح على تسميته باللغة المحلية)، احتاج إلى عبور النهر ~~لأخذ كبش أضحية، لذا سار ببساطة عابرا فوق سطحه. قرر أحد تلاميذه أن يتبعه، لكنه ~~غرق، وعندما بلغ الشيخ الضفة الأخرى ورأى تلميذه يصارع الغرق في النهر، ذهب لينقذه. ~~وصاح فيه: «ما حملك على ما فعلت؟» ~~«لما رأيتك فعلت، فعلت مثلك.» # لم يتعاطف الشيخ معه. وسأله: «أين قدمك من القدم التي ما سارت في معصية ~~قط؟» # لم تكن حياة العلماء الفاضلة مليئة بالبركة الإلهية فحسب؛ كان من الممكن أيضا أن ~~تكون متمتعة بالصحة والعمر المديد. رزق القاضي كاتب موسى بصحة غير عادية في البدن، ~~حسبما قيل، حتى إنه لم يستنب ولو في صلاة واحدة في المسجد. وأرجع هذه الصحة العظيمة إلى ~~أربعة أمور بسيطة؛ أنه لم يبت في العراء ولو ليلة واحدة، ولم يبت ليلة واحدة إلا ودهن ~~جسمه، وكان يستحم بعد الفجر بالماء الساخن، وما كان يخرج لصلاة الصبح قط إلا بعد ~~الفطور. # ربما كان أشهر مهاجر إلى تمبكتو في القرن الخامس عشر هو سيدي يحيى التادلسي. دعي ~~سيدي يحيى إلى تمبكتو من قبل حاكمها، محمد نض، الذي بنى المسجد الذي ما زال يحمل ~~اسمه. في وصف أحمد بابا، إن سيدي يحيى «انتشر ذكره في الآفاق والأقطار، وظهرت بركاته ~~للخاصة والعامة. فكان ذا كرامات ومكاشفات.» وفي اليوم الذي مات فيه الكابري وأسجي جسده ~~في أحد الأضرحة، رثاه سيدي يحيى، رثاء كان واحدا من أول الأمثلة على الشعر التمبكتي. ~~واشتمل على الأبيات التالية: # محمد الأستاذ مودب ذي النهى # رباطا صبارا أمره في التزايد. # فيا عجبا هل بعده من مبين! # ويا عربا هل بعده من مجالد؟! # قيل عن سيدي يحيى أنه «ما طرأت قدم تنبكت قط إلا وسيدي يحيى أفضل ~~من صاحبها.» كان معلما يسعى إليه، وفي أحد الأيام كان يلقي درسا تحت الصومعة، فإذا ~~بسحاب مكفهر تجمع فوق الرءوس وسمع صوت الرعد. سارع تلاميذه إلى جمع أشيائهم ~~والتوجه للداخل، لكن ms184 سيدي يحيى أمرهم ألا يبرحوا أماكنهم. وقال: «على رسلكم، فاسكنوا.» ~~ثم أضاف: «[المطر] لن ينزل هنا والملك يأمره بالنزول في أرض كذا.» فتجاوزهم المطر. لم ~~يكن التنبؤ بالطقس موهبة سيدي يحيى الوحيدة؛ ففي مناسبة أخرى، أمضت جواريه اليوم بطوله ~~في محاولة طبخ سمكة، لكن النار لم يكن لها تأثير على لحمها. فقال لهن: «إن رجلي مست ~~شيئا مبلولا في السقيفة، حين خرجت لصلاة الصبح اليوم؛ لعل هو [يقصد السمكة]. والنار ~~لا تحرق ما مسه جسدي.» # من كل الفضائل التي كانت موضع تقدير في تمبكتو في القرن الخامس عشر، لم يكن التواضع ~~على ما يبدو واحدا منها. # وقرب نهاية حياته، كان محمد نض قد رأى حلما رأى فيه أن الشمس تغرب والقمر يختفي ~~بعدها من فوره. فحكى الحلم لصديقه سيدي يحيى، الذي قال له إن وعده ألا يخاف، فسيفسر ~~له الحلم. # فقال محمد نض إنه لن يخاف. # أثنى سيدي يحيى على ذلك. وقال: «إن معناه أنني سأموت وأنك ستموت بعدي بوقت ~~قصير.» # فأصاب محمد نض حزن شديد. # قال سيدي يحيى: «ألم تقل لي إنك لن تخاف؟» # قال الحاكم: «إن حزني ليس بسبب خوفي من الموت، وإنما لقلقي على أولادي ~~الصغار.» # رد سيدي يحيى: «اتركهم في رعاية الله سبحانه وتعالى.» # سرعان ما مات رجل الدين الفقيه، وتبعه محمد نض إلى القبر. ودفن الصديقان بعضهما ~~إلى جوار بعض في المسجد نفسه. # أما العالم الذي يكن له أحمد بابا أعظم حب، والذي يروي قصة حياته بأشد تفصيل، فهو ~~معلمه محمد باغايوغو. كان باغايوغو رجلا ذا روح مهذبة وعطوفة، وكان «مطبوعا على ~~الخير وحسن النية.» وكان يتسم «بسلامة الطوية والانطباع على الخير واعتقاده في الناس ~~حتى كاد يتساوى عنده الناس في حسن ظنه بهم وعدم معرفة الشر.» وكان يمتلك قدرا عظيما ~~من الصبر؛ فكان من الممكن أن يعلم طوال النهار دون أن يمل أو يتعب، وكان يولي ~~اهتماما خاصا بالشخص البليد، لدرجة أن أحمد بابا سمع ذات مرة أحد زملائه يقول إنه ظن ~~أن باغايوغو ms185 لا بد أنه «شرب ماء زمزم لئلا يمل في الإقراء.» # يقدم بابا وصفا تفصيليا ليوم باغايوغو المتسم بالعمل الشاق. فكان يبدأ دروسه من ~~بعد صلاة الصبح، ولا يتوقف إلا لأداء صلاة الضحى، التي كان بعدها أحيانا ما يذهب إلى ~~القاضي في أمر الناس الذين طلبوا مساعدته. وفي فترة ما قبل الظهر كان يعود للتدريس ~~ثانية، ثم يؤدي صلاة الظهر، وبعد ذلك كان يتناوب بين التدريس والصلاة حتى المساء، ~~وعندئذ كان يعود إلى بيته. وحتى عندئذ لم يكن يومه قد انقضى؛ فقد كان يمضي الجزء ~~الأخير من الليل في صلاة القيام. # كانت براعة باغايوغو تتجلى بخاصة عندما كان الأمر يتعلق بكتبه، التي كان بعضها نادرا ~~وقيما «من جميع النواحي.» وكان سخيا في إعطائه لهذه الكتب حتى إنه كان يقرضها ولا ~~يطلب حتى إعادتها، وفي هذا الشأن، كتب بابا: # وربما يأتي لباب داره طالب فيرسل له براءة فيها اسم كتاب يطلبه فيخرجه من ~~الخزانة ويرسله له من غير معرفته من هو. فكان في ذلك العجب العجاب إيثارا ~~لوجهه تعالى، مع محبته للكتب وسعيه في تحصيلها شراء ونسخا. # ذكر بابا أن باغايوغو بهذه الطريقة وهب من كتب مكتبته قدرا كبيرا. ~~••• # من الأقوال المأثورة أن المسافر يعقد صداقات مع أشخاص غير متوقعين بالخارج ويجد ~~عداوات غير متوقعة في بلاده، ولكن هذا كان بالتحديد الوضع الذي وجد فيه بارت نفسه. ~~صحيح أنه كان قد جاب الصحراء الكبرى مرتين؛ وكان قد تمكن من الخروج من عشرات من ~~الورطات الفتاكة، بل إنه كان حتى على وشك الموت، ولكن كان من شأنه أن يبرهن أنه لم يكن ~~يجيد التعامل مع المسئولين في الغرف المعبأة بدخان السجائر في المجتمع الأوروبي في ~~القرن التاسع عشر. في عالم يتسم بالعدل، كان من شأن رحلته البطولية أن تصادق على الفور ~~على سمعته باعتباره مستكشفا وعالما عظيما، وأن يوضع اسمه في نفس المرتبة مع اسم ~~هومبولت. كان من شأنه في هذا الأمر، كما في نواح كثيرة، أن يخيب أمله. كان الشاب ~~السريع الانفعال ms186 ذو الثمانية والعشرين ربيعا الذي كان قد غادر إلى أفريقيا قد عاد ~~بسلوك فخور ويكاد يكون متغطرسا، وكانت صفة انعدام الثقة المتأصلة فيه قد بلغت الآن ~~مستويات مقلقة. كتب زوج أخته شوبرت: «أينما ذهب، كان يشعر بأن محاولات متعمدة ومحسوبة ~~كانت تجري لاستغلاله.» # استقبل في بداية الأمر في ألمانيا استقبالا حسنا. أشاد به هومبولت وتناول الطعام ~~مع ملك بروسيا. ومنح ميدالية ذهبية من مدينة هامبورج، وقدمت له شهادات دكتوراه ~~فخرية وأوسمة، ودعي إلى إلقاء خطبة في الجمعية الجغرافية في برلين. وحتى في إنجلترا، ~~جرى الاعتراف بإنجازاته والاحتفاء بها؛ فمنحته الجمعية الجغرافية الملكية ميدالية ~~الراعي الذهبية المرموقة الخاصة بها، ورشح لنيل لقب رفيق وسام الحمام. لكن بريطانيا ~~كانت تفضل أن يكون أبطالها بريطانيين، وبحسب ما كان هانمر وارينجتون قد بين قبل ~~ذلك بثلاثة عقود، فإن أفعال السادة الأجانب مثل بارت كانت عرضة للتشكك الذي كان يقترب ~~من الارتياب. وحتى عندما كان في رحلته، كان المسئولون في لندن قد راودتهم شكوك حول ~~ولائه. تساءلت وزارة الخارجية لماذا كان يرسل رسائله غير المنتظمة إلى سفير بروسيا في ~~لندن وليس إلى الحكومة التي كانت تدفع مقابل حملته؟ لماذا كانت تقاريره تظهر في ~~الدوريات الألمانية قبل أن تصل إلى الجمعية الجغرافية الملكية؟ # في نهاية أكتوبر، تلقى بارت خطابا سيئ الصياغة من سكرتير الجمعية الجغرافية ~~الملكية، نورتون شو، يطلب فيه منه تناول العشاء مع بعض من أعضاء الجمعية قبل الخطاب ~~الذي كان من شأنه أن يلقيه هناك. غضب بارت لافتراض شو أن قبوله كان مسلما به، فرد ~~بخطاب شديد اللهجة يقول فيه إنه لن يشارك في مثل هذا الشيء وإنه لن يخاطب أي مؤسسة ~~علمية حتى يكون مستعدا لنشر روايته لرحلته، متناسيا محاضرته أمام الجمعية الجغرافية ~~في برلين. بعد ذلك أصبح شو عدائيا على نحو صريح، وتبع ذلك عداء محرج استمر حتى ~~العام الجديد، عندما عاد المستكشف إلى لندن. لم تكن هذه هي مشكلة بارت الوحيدة؛ فعلى ~~الرغم من حقيقة أن حملته كانت لأعوام تفتقر إلى ms187 المال، فقد نشرت صحف بريطانية عديدة ~~قصصا عن إنفاقه المفرط المزعوم. وازداد الانطباع بوجود مخالفات مالية، سواء على يد ~~القنصل البريطاني في مرزق، بفزان، الذي اتهمه بالسعي إلى تحقيق مصالح تجارية ~~ألمانية قبل المصالح التجارية البريطانية، ووجد نفسه يتعرض للاستجواب من قبل وزارة ~~الخارجية. # بدأ يتمنى لو أنه لم يعد أبدا. قال لشوبرت: «كم أتوق إلى التخييم في الصحراء، في ~~ذلك الاتساع الذي لا يمكن تخيله حيث، بدون طموحات، وبدون آلاف الأشياء الصغيرة التي ~~تعذب الناس هنا، أتذوق حريتي وأنا أتقلب في فراشي في نهاية يوم طويل من السير، ~~بينما ممتلكاتي، وهي جمالي، وحصاني، حولي. أكاد أندم أنني وضعت نفسي في هذه ~~الأغلال.» # على سبيل الإلهاء، شغل بارت نفسه بكتابة سرد رحلاته. ظهرت المجلدات الثلاثة الأولى ~~لكتابه «رحلات واكتشافات في شمال ووسط أفريقيا» في أبريل من عام 1857، ونشرت بنحو ~~أنيق من قبل دار نشر لونجمان، مع رسومات توضيحية ملونة معتمدة على رسومات بارت ~~الأولية. وكان المجمل هو خمسة مجلدات، تضم 3500 صفحة مكتظة بالمعلومات، والتي كانت تمثل ~~عملا عظيما بأبعاد هومبولتية. من وجهة نظر جغرافي لاحق، هو اللورد رينيل رود، إن من ~~شأن هذا العمل أن يرفع بارت إلى مرتبة «ربما أعظم رحالة زار أفريقيا على الإطلاق»، ~~لكن التقييمات النقدية في ذلك الوقت كانت أقل كرما. قال النقاد إنه لا يمكن أن ~~يتوقع أن يبقي أي قارئ عادي على اهتمام بالمنطقة على مثل هذا النطاق الهائل. ودللت ~~هذه الاستجابة على الانفصال بين بارت والرأي العام؛ إذ كان يعتقد أن دوره كان توصيل ~~كميات ضخمة من البيانات الجديدة عن أفريقيا، كما فعل معلمه هومبولت، الذي كان قد وضع ~~ثلاثة وعشرين مجلدا من الملاحظات العلمية من جولته في مناطق أمريكا الإسبانية. لكن ~~الجمهور البريطاني كان معتادا على قصص مغامرات أقصر كتلك التي كان مونجو بارك قد ~~أصدرها. كانوا قد تلقوا بتلهف طبعة تلو طبعة من رواية بارك لرحلته الأولى في أفريقيا، ~~بينما كان من شأن كتاب ديفيد ليفينجستون «رحلات وأبحاث تبشيرية في جنوب ms188 أفريقيا» أن ~~يبيع أكثر من خمسين ألف نسخة. على النقيض، باعت المجلدات الأولى من رواية بارت لرحلته ~~أعدادا قليلة، وطبعت دار نشر لونجمان ألف نسخة فقط من كل مجلد من المجلدين ~~الأخيرين. # لا شيء من ذلك كان سيصبح مهما لو حاز بارت على الإشادة الأكاديمية التي كان يتوق ~~إليها، لكن لم تعرض عليه أي جامعة بريطانية منصبا فيها، وحتى كولي كان رافضا ~~لاكتشافاته، فلم يشر على الإطلاق إلى المصادر الجديدة التي كان بارت قد اكتشفها في ~~تقييمه لعمل المستكشف في دورية «أدنبرة ريفيو»: # من شأن إمبراطورية رائعة وقوية في نيجرولاند، يمتد نفوذها شمالا إلى ~~الصحراء، أن تكون جديرة بالملاحظة بالقدر الكافي، لو كان يوجد أي إثبات على ~~وجودها. ولكن لا توجد أي براعة في التخمين، ولا أي تكييف لطيف للتقاليد الجافة ~~والهزيلة، يمكن أن يحول هذه الأمجاد الافتراضية إلى تاريخ. # يمكن أن يتجلى المزيد من الإهانة لبارت في معاملة الحكومة لصديقه الشيخ أحمد البكاي. ~~كان بارت قد حث الشيخ التمبكتي على إقامة علاقات دبلوماسية مع الحكومة البريطانية، ~~معتقدا أن ذلك من شأنه أن يكون في مصلحة الطرفين؛ فمن شأن بريطانيا أن تحصل على شريك ~~تجاري في قلب أفريقيا؛ ومن شأن البكاي أن يحصل على حماية قوة عظمى لتقف بجانب تمبكتو ~~في وجه الفرنسيين الذين كانت ضراوتهم في ازدياد. عمل الشيخ بنصيحة بارت، وأرسل مبعوثين ~~إلى طرابلس في عام 1857 للبدء في مباحثات مع الحكومة البريطانية. لكن بريطانيا وفرنسا ~~كانتا حليفتين في ذلك الوقت، وعندما طلب المبعوثون الإذن بالذهاب إلى لندن، قالت وزارة ~~الخارجية إنه إذ كان الوقت في شهر أكتوبر فمن شأن الطقس أن يكون باردا على الرجال ذوي ~~الدماء الحارة، وسألتهم هل يمكنهم الانتظار إلى الربيع. فهم الوفد هذا الرفض على ~~حقيقته، وعاد جنوبا بينما كتب البكاي خطابا إلى الملكة فيكتوريا يشتكي فيه بشأن ~~المعاملة التي تلقاها وفده. # في العام التالي، عاد بارت إلى برلين، بعد أن ضاق ذرعا بإنجلترا، آملا أن يجد ~~التقدير الذي كانت بريطانيا قد عجزت عن ms189 تقديمه له. وبدلا من ذلك اصطدم بصورة طبق ~~الأصل من المشكلة التي كان قد واجهها في لندن؛ إذ استهزأ به البروسيون لعمله لصالح ~~البلد الذي كان في ذلك الوقت يمنع توحيد ألمانيا. ومن جهة أخرى، كان دليله على عمق ~~واتساع نطاق الثقافة والتاريخ في وسط وغرب السودان وموقفه الإيجابي تجاه الإسلام لم ~~يكونا ما أرادت النخبة المثقفة في ألمانيا أن تسمعه في ذلك الوقت. وفي عام 1859، رفض ~~ترشيحه للعضوية الكاملة في الأكاديمية الملكية للعلوم، والتي تعد أحد أعلى درجات ~~التكريم في الأوساط الأكاديمية الأوروبية. كان قد عارضه المؤرخ ليوبولد فون رانكه، الذي ~~حاجج بأنه بينما كان بارت بلا شك مغامرا جريئا، فإنه لم يكن باحثا جادا. # تابع بارت أسفاره، فسافر إلى إسبانيا، وإلى البلقان، وإلى جبال الألب. وفي عام 1865، ~~عاد من إحدى رحلاته ليعرف أن البكاي كان قد لقي حتفه في معركة، وهو يقاتل دفاعا عن ~~تمبكتو. وفي وقت لاحق من ذلك العام، في الثالث والعشرين من نوفمبر، أصيب المستكشف ~~بألم شنيع في بطنه؛ إذ كانت معدته قد انفجرت، على الأرجح نتيجة لاعتلال معوي كان قد ~~أصابه في أسفاره. عاش يومين آخرين وهو يعاني ألما مبرحا قبل أن يموت في الخامس ~~والعشرين من نوفمبر. وكان حينها في الرابعة والأربعين من عمره. # بعد ذلك بقرن تقريبا، في عام 1958، أسندت «الدورية الجغرافية» التابعة للجمعية ~~الجغرافية الملكية لمحاضر شاب من جامعة ليفربول، هو رالف مانسيل بروثيرو، مهمة كتابة ~~تقييم لإسهامات بارت في الاستكشاف الأفريقي. وصف بروثيرو، الذي أصبح لاحقا أستاذ ~~جغرافيا بارزا، كتاب بارت «رحلات واكتشافات» بأنه «من دون شك أعظم إسهام للمعرفة فيما ~~يتعلق بغرب السودان» وعلق بأنه كان من الغريب أنه فيما بعد كان قد تعرض للتجاهل. ~~أذهلت حقيقة واحدة على وجه الخصوص بروثيرو؛ إذ كان قد فتش في فهرس الجمعية الجغرافية ~~الملكية عن كل الدراسات المنشورة في بريطانيا التي كانت قد تناولت عمل بارت. وكان من ~~دواعي دهشته أنه لم يجد إلا دراسة واحدة! # الفصل الثالث عشر # | الثنائي الرهيب # سبتمبر ms190 2012-يناير 2013 # لم يكن لحيدرة مكتب بعد في باماكو - قال: «أردنا أن نكون مخفيين، ولم نرغب في أن ~~يعرف الناس ما كنا نفعله. لو كنا قد حصلنا على مكتب، لكان الأمر سيصبح رسميا» - لكن ~~ستيفاني دياكيتي فعلت، وفي منطقة أفضل بكثير من المدينة من تلك التي كان يوجد بها ~~مكتب معيجا الذي كان موبوءا بالجرذان. كان إيه سي آي 2000 حيا حديث العهد على الضفة ~~الشمالية للنهر، وكان منزل دياكيتي عبارة عن مبنى حديث في داخله، ويكاد يكون جميلا ~~في مدينة من المباني القبيحة والأحياء الفقيرة المبنية بقوالب أسمنتية. كان المنزل ~~مقاما حول ساحة صغيرة، كانت مزروعة بالأشجار والزهور التي ناضلت للبقاء على الحياة على ~~يد بستاني أخرق، وتألف من عدد قليل من غرف النوم، وغرفة استقبال بها سجادة غير ~~مألوفة الشكل، ومطبخ، ومكتب كبير. كان المكتب مجهزا بأسرع اتصال بالإنترنت استطاعت ~~دياكيتي أن تشتريه وبحفنة من الهواتف، لتضاف إلى الهواتف التي احتفظ بها حيدرة في ~~أرديته الضخمة. أحد حوائط هذه الغرفة كانت ستشغله على نحو متزايد جداول زمنية ~~وجداول إلكترونية ابتكرتها دياكيتي لتنظيم عملية الإجلاء. # كان حيدرة ودياكيتي يشكلان الآن فريقا، وكذلك كانت منظمتاهما؛ ففي الشهور المقبلة ~~كانا سيصفان نفسيهما بأنهما «ائتلاف»، يتكون من منظمة حيدرة غير الحكومية «سافاما» ~~ومنظمة دياكيتي التنموية «دي إنترناشيونال». كانا يلتقيان طوال أيام الأسبوع ويعملان من ~~الصباح وحتى العاشرة أو الحادية عشرة مساء، بحسب أحد المصادر. كان من شأن حيدرة أن ~~يجلس على مقعد مريح على طاولة القهوة، عادة مع كوب شاي ليبتون، بينما تجلس دياكيتي ~~على المكتب تعمل على جداول بيانات إكسيل. كانت تفضل أن تبدأ في الصباح الباكر، بينما ~~كان حيدرة يعيش وفق التوقيت الصحراوي؛ فكان لا يصل إلى المكتب إلا حوالي التاسعة أو ~~العاشرة صباحا ويفكر على أفضل نحو في الليل. وفي وقت الظهر كانا يتناولان الطعام؛ ~~وكانت دياكيتي مولعة بمطبخها؛ فكانت تتأكد من أنهما يتناولان طعاما جيدا - الكسكسي ~~والبرغل - على الأقل مرتين في اليوم، وهو ما كان حيدرة يلتهمه بكمية كبيرة. وإذا ms191 جاء ~~إلى المنزل ولم يقدم له شيء، كان يسأل: «أين الطعام؟» # في الأوقات بين ذلك، كان «الثنائي الرهيب» يعمل على خطة إجلاء المكتبات الخاصة. كم من ~~الناس يحتاجان؟ كم عدد شرائح الهاتف المطلوبة؟ كم سيتكلف كل هذا؟ ماذا إن توقفت خدمات ~~الناقلين؟ كان الأمر يستغرق أربعة أيام في المتوسط لوصول الشحنات من تمبكتو إلى باماكو. ~~كان كل ناقل ينبغي أن يكون مسئولا عما لا يزيد عن ثلاث خزائن في الرحلة - وهي كمية لن ~~تكون شديدة الوطأة إن فقدت، ويمكن حملها على عربة يد واحدة. كان عدد الخزائن مقسوما ~~على ثلاثة هو عدد مرات النقل اللازمة؛ وذلك العدد مقسوما على عدد الرحلات التي يمكن ~~لكل ناقل القيام بها هو عدد الناقلين اللازمين. # قال حيدرة: «كان يوجد الكثير من التفاصيل، والكثير من التنظيم.» # أحد الشواغل الأولى كان المكان الذي ستوضع فيه المخطوطات؛ إذ احتاجا إلى منازل ~~آمنة في باماكو. كانت إحدى الفوائد غير المتوقعة من الأزمة أن العاصمة كانت الآن تزخر ~~بالعائلات التي كانت قد هربت من الشمال، واتصل حيدرة بهم شخصيا ليستطلع إن كان بوسعه ~~أن يعتمد عليهم في أخذ خزائنه عندهم. أراد أسرا كانت هادئة وليس لها معارف فضوليون. ~~وبعد شهر من البحث كان قد حدد مجموعة تتكون من سبع وعشرين عائلة في أنحاء العاصمة. قال: ~~«كان معظمهم أشخاصا كنا نعرفهم معرفة جيدة جدا لوقت طويل.» # فيما يتعلق بمخطوطات معهد أحمد بابا، فقد كانت فكرة جيدة إشراك موظفي الدولة في ~~العملية، والذين لم يكن الكثير منهم من تمبكتو، وذلك خشية حدوث خسارة كارثية؛ وقال: «إن ~~حدثت أزمات، أو مشكلات، فالدولة هي الدولة؛ لذا كنا نتأكد من أن موظفي الدولة كانوا ~~معنا.» أما في حالة المكتبات الخاصة، فقد كان حيدرة وسط أهله؛ «كان يثق بعضنا في بعض. ~~كنا نعرف مخطوطاتنا. لم تكن العائلات بحاجة إلى بروتوكولات.» # كان جمع التبرعات أمرا محوريا للعملية. كان لحيدرة علاقات جيدة مع مؤسسة فورد ~~ومركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، ولكن المال الذي منحاه له لم يدم ms192 وقتا طويلا. ~~كانت دياكيتي في أثناء ذلك تجري اتصالاتها مع الحكومات والمنظمات الأجنبية التي عرفتها ~~من عملها في مجال التنمية. كانت هذه المنظمات هي التي سينتهي بها الأمر إلى التبرع ~~بالكميات الأكبر من النقود. # إحدى هذه المنظمات كانت مؤسسة مقرها أمستردام، وكان اسمها صندوق الأمير كلاوس، تيمنا ~~باسم زوج الملكة بياتريكس، ملكة هولندا. كان الصندوق يتلقى دعما من الحكومة الهولندية ~~واليانصيب الوطني الهولندي، وهو متخصص في التنمية الثقافية. كان يضم حتى برنامجا ل ~~«الاستجابة لحالات الطوارئ الثقافية» والذي وضع في أعقاب هدم طالبان لتماثيل بوذا في ~~ولاية باميان في أفغانستان في عام 2001. كان الهدف من هذا البرنامج، بحسب منسقته ديبورا ~~ستولك، «تكوين جبهة دولية في مواجهة التدمير المتعمد للتراث»، وسعيا لتحقيق هذا الهدف ~~كانت قد تتبعت الأزمة في مالي من أيامها الأولى، محاولة تحديد الأشخاص الذين يمكنهم ~~تحذيرها بشأن التهديدات المحتملة. وكان الباحثون في برنامج جامعة كيب تاون لمخطوطات ~~تمبكتو قد أوصلوها بمنظمة سافاما، والآن كانت على تواصل يومي بالبريد الإلكتروني بحيدرة ~~ودياكيتي. لم تكن قد التقت بهما من قبل، لكنها شعرت بأن حيدرة «كان يبدو أن لديه سجل ~~إنجاز جيدا»، وبخاصة عمله بالفعل مع مؤسسة فورد. والأكثر من ذلك أن السفارة الهولندية ~~في باماكو أكدت أن صاحب الطلب كان شريكا جديرا بالثقة وواسع الاطلاع في هذا المجال، ~~على الرغم من أنه بعد سنوات عديدة من الأزمة ظهر أنها كانت تعتقد خطأ أنه كان يوما ما ~~مدير معهد أحمد بابا. # في بداية شهر أكتوبر، كانت المعلومات التي كانت ستولك تتلقاها من باماكو عبر البريد ~~الإلكتروني، والهاتف، وبرنامج سكايب، تنذر بالخطر على نحو متزايد. من وجهة نظر حيدرة، ~~كانت ضرورة اتخاذ إجراءات لإنقاذ المخطوطات قد أصبحت ملحة، على حد قول دياكيتي ~~لها، بسبب تطورين جديدين. فمن ناحية، كان «تغيرا جيدا»، كما وصفته دياكيتي، وهو أنه ~~منذ مغادرة الحركة الوطنية لتحرير أزواد لتمبكتو، لم تعد السيارات المتجهة جنوبا ~~تتعرض للتفتيش. كان هذا، بحسب حيدرة، أمرا «مؤاتيا». من الناحية الأخرى، كان ~~«التغير السيئ ms193» هو أن محتلي المدينة كانوا قد طبقوا سياسة «تفتيش واستيلاء» على البيوت ~~الخاصة والمشاريع التجارية، وكان قلق حيدرة يتزايد من أن المخطوطات ستصبح هي الهدف. في ~~الواقع، كانت الحركة الوطنية لتحرير أزواد قد غادرت تمبكتو بعد معركة جاو في نهاية ~~يونيو؛ لذا كان «التغير الجيد» الذي تحدثت عنه دياكيتي قد مر عليه الآن ثلاثة شهور ~~على الأقل. كما بدت سياسة «التفتيش والاستيلاء» غير متسقة مع مسلك الجهاديين منذ بداية ~~الاحتلال. ومع ذلك، لم يكن لدى ستولك وفريقها في أمستردام سبب كاف للتشكك في تلك ~~المعلومات الآتية من مالي، وبعد هدم الأضرحة، كانت المعلومات متناسبة مع الصورة العامة ~~للتخريب الجهادي. # كان ثمة تطور مقلق آخر في تمبكتو في هذا الوقت. كانت فرقة الأمر بالمعروف والنهي عن ~~المنكر الجهادية قد بدأت حملة قمعية على نساء المدينة وفتياتها في منتصف سبتمبر، معلنة ~~عن حظر للتجول من الساعة الحادية عشرة مساء وقواعد لباس جديدة صارمة. لم يعد بوسع ~~النساء ارتداء أغطية الرأس الخفيفة الشفافة التي كانت نساء السونجاي يفضلنها. كان يتعين ~~عليهن تغطية شعورهن وآذانهن ورقابهن ومعاصمهن وكواحلهن بلباس على الطريقة العربية يسمى ~~«تونجو»، وهو عبارة عن قطعة قماش غير شفافة طولها اثنتا عشرة ياردة، وتعين عليهن ارتداء ~~قفازات. وجدت النساء اللواتي كن يعملن في أعمال يدوية أنه يكاد يكون من المستحيل أن ~~يعملن وهن مرتديات ثيابا كهذه، لكن أي واحدة كانت تخالف هذه القواعد كان من الممكن أن ~~تعاقب بأن تحبس في سجن جديد للنساء في بنك «بي إم إس»، الذي كان حينئذ يحمل اسم ~~«مركز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». هذا «السجن» كان في الواقع الكشك الصغير الذي ~~كانت في السابق ماكينة الصراف الآلي الخاصة بالبنك موضوعة فيه. لم يكن كبيرا بما يكفي ~~لشخص واحد حتى أن يستلقي فيه بطريقة مريحة، ولم يكن به ماء ولا مرحاض. ومع ذلك، كان ~~يمكن لأكثر من اثنتي عشرة امرأة أن يحشرن بداخله في نفس الوقت. # كان الرجل الذي يقف وراء هذه المهمة الأخلاقية هو الشخص ms194 ذو «الروح المظلمة» الذي كان ~~قد دعا الكثير من السلفيين إلى القدوم إلى تمبكتو، حامد موسى. كان موسى قد عين للتو ~~رئيسا لفرقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان هو ورجاله حينئذ يجوبون تمبكتو ~~يضربون ويتحرشون بأولئك الذين لم يكونوا يمتثلون للقواعد. وفي خلال أيام كان موسى قد ~~أصبح «أشهر وأكثر رجل ملعون في المدينة»، على حد تعبير امرأة من النساء المحليات، وكثرت ~~القصص عن اعتداءاته. وفي إحدى المرات عندما أفلتت منه فتاة مراهقة كان يطاردها بشاحنته ~~الصغيرة، حبس أباها بدلا منها. وفي مرة أخرى أمر رجاله بالإمساك بامرأة وإلقائها في ~~قارعة الطريق «حتى تسحق سيارة رأسها» لأنها «عاهرة!» وكان يرفع ثياب النساء بفوهة ~~بندقيته للتحقق من الأثواب التحتية اللواتي كن يرتدينها. وصارت الاعتقالات التي قام بها ~~متكررة لدرجة أنه عندما كان الأطفال الذين يلعبون في الشارع المحيط ببنك «بي إم إس» ~~يرونه عائدا من دون ضحية جديدة، كانوا يصيحون «حامد موسى لم يتناول إفطاره.» # في يوم السبت، الموافق السادس من أكتوبر، وصلت فورة غضب النساء من هذا الطاغية الجديد ~~إلى ذروتها. ففي صباح ذلك اليوم قررت مجموعة من النسوة اللواتي كن يعملن في السوق ~~الصغير بطريقة عفوية أن يخرجن في مسيرة إلى مقر قيادة موسى. وبينما كن يقتربن من مبنى ~~بنك «بي إم إس»، بدأت الشرطة الإسلامية بإطلاق النار، مطلقة الرصاص فوق رءوسهن، وركضن ~~كلهن ليختبئن عدا سبع من النسوة. اقتيد هؤلاء السبعة للمثول أمام مجموعة من كبار ~~الجهاديين، من ضمنهم موسى، الذي حذرهن قائلا: «إن خرجتن في مسيرة ثانية، فسترون ما ~~سيحدث لكن.» # في الثامن من أكتوبر، تلقت ستولك رسالة بريد إلكتروني من سافاما تصف هذه الواقعة. كان ~~الاحتجاج قد نجم عن دخول الميليشيا إلى البيوت الخاصة لاقتياد الفتيات غير المحجبات إلى ~~الاحتجاز، بحسب ما ورد في رسالة البريد الإلكتروني. وقيل لستولك إنه في ظل هذه الخلفية ~~المثيرة للقلق، كانت العائلات المالكة للمخطوطات قد أعربت لسافاما عن رغبتها في إجلاء ~~مجموعاتها. كان عدم وجود عمليات تفتيش على الطريق ms195 إلى الجنوب يعني أن هذه كانت اللحظة ~~المثالية؛ إذ كانت توجد «فرصة سانحة» لإخراج المخطوطات. # قدمت دياكيتي تفاصيل عن الكيفية التي يمكن بها القيام بالأمر. كانت المخطوطات ستؤخذ ~~إلى باماكو في خزائن، تحتوي كل منها على 250 إلى 300 وثيقة، عبر أحد طريقين؛ أحدهما ~~سيسلك المسار الرئيسي جنوبا إلى دوينتزا ثم إلى موبتي؛ والآخر سيمضي غربا، عبر منطقتي ~~ليري ونيونو. كان سيرافق كل شحنة أحد الناقلين الذي ستعينه العائلات المالكة للمخطوطات، ~~وسيوجد «أفراد للمراقبة والأمن» يعسكرون على امتداد كلا الطريقين، والذين سيكونون على ~~استعداد لتقديم «خدمات دعم غير مباشرة» والمساعدة في حالة الطوارئ. وقيل لستولك إنه من ~~أجل المزيد من التأمين، كل ناقل سيسجل الدخول ثماني مرات في اليوم عبر «شبكة اتصالات ~~هاتف محمول آمنة سريعة (باستخدام أجهزة اتصال وبرامج مختلفة)». وما إن تصل المخطوطات ~~إلى باماكو، فستخبأ في المنازل الآمنة التي كان حيدرة قد حددها. كان كل ذلك ينقصه الآن ~~التمويل. وعندما يصبح ذلك متاحا، يمكن للعملية أن تبدأ. # اقتنعت ستولك بالأمر. عرفت أن عملية إجلاء المخطوطات كانت تنطوي على مخاطرة، وأنه لم ~~يكن معروفا يقينا إن كانت ستنجح أم لا، ولكن بما أنه كان واضحا أنه يوجد تهديد وشيك، ~~بدا هذا أفضل خيار. # في السابع عشر من أكتوبر، وقع صندوق الأمير كلاوس عقدا مع حيدرة ودياكيتي من أجل ~~إجلاء مائتي خزانة مخطوطات، كانت سافاما بالفعل قد جمعتها وجهزتها لعملية الإجلاء. ~~قيل لستولك إن هذه كانت بالضبط نصف الأربعمائة خزانة، المحتوية على نحو مائة وستين ألف ~~مخطوطة، التي كان يلزم نقلها إجمالا، وكانت التكلفة على صندوق التمويل الهولندي ستكون ~~مائة ألف يورو، أو خمسمائة يورو تقريبا للخزانة الواحدة. كانت هذه التكلفة مرتفعة، ~~بالنظر إلى أن اللاجئ كان يمكن أن يسافر بحقائبه من تمبكتو إلى باماكو مقابل حوالي ~~أربعين يورو، لكن تنفيذ هذه العملية المعقدة كان مكلفا. (لاحقا قال حيدرة إن أكثر من ~~مائة شخص قد عملوا في عملية الإجلاء، بينما حددت دياكيتي أن عدد الناقلين وحدهم كان ~~ثلاثمائة.) بحسب ستولك، لم ms196 يكن المال من أجل وسائل النقل فحسب، وإنما من أجل «التنسيق ~~العام، وتكاليف النقل، والناقلين، والهواتف المحمولة التي كانت ستستخدم أثناء ~~الإجلاء، ورواتب العائلات/المنازل الآمنة»، وما إلى ذلك. قال حيدرة إن الهواتف كانت ~~نفقات جديرة بالملاحظة: «اشترينا عددا كبيرا من الهواتف، للجميع، وكنت أرسل رصيدا ~~كل يوم لكل شخص ... كنا نتعامل مع تاجر هنا كان يعطي رصيدا بقيمة خمسة آلاف فرنك [ثمانية ~~يوروات] لكل شخص. وكل أسبوع كنا ندفع له مقابل ذلك. نظمنا ذلك لأنهم كل صباح كانوا ~~يتصلون بي ... كل زملائي.» # بحسب تقرير إخباري لاحق عن عملية الإجلاء في مجلة «ذا نيو ريببلك» الأمريكية، تحققت ~~دياكيتي من المعلومات الواردة فيه، فإن الشحنات الأولى بدأت في مغادرة تمبكتو في اليوم ~~التالي لتوقيع عقد صندوق الأمير كلاوس: # في الثامن عشر من أكتوبر حمل الفريق الأول من الناقلين 35 خزانة على عربات ~~اليد والعربات التي يجرها الحمير، ونقلوها إلى نقطة تجميع على أطراف تمبكتو حيث ~~اشتروا مساحات في الحافلات والشاحنات التي كانت ستقطع الرحلة الطويلة جنوبا ~~إلى باماكو. # كانت الرحلة ستتكرر يوميا طوال الشهور العديدة التالية، بحسب ما ذكر مراسل مجلة «ذا ~~نيو ريببلك»، وأحيانا مرات كثيرة في اليوم الواحد، إذ كانت الفرق القائمة على الإجلاء ~~تمرر مئات الخزائن على نفس الطريق المتهالك إلى باماكو. ~~••• # عرفت ستولك أن الشحنات الأولى الممولة من صندوق الأمير كلاوس قد وصلت بأمان لأنها ~~تلقت صورة التقطها في ذلك اليوم مسئولو سافاما. أظهرت الصورة عددا كبيرا من الصناديق ~~الفولاذية المكدسة، وذراعي رجل جسده غير ظاهر - على ما يبدو أمين المكتبة البارز نفسه - ~~يحملان نسخة من صحيفة ذلك اليوم، وهي تقنية توثيق مستعارة من الأفلام السينمائية، على ~~حد تعبير أحد معاوني حيدرة. وتلقت المزيد من الصور بمضي الأسابيع. # ومع ذلك كانت رحلة المخطوطات جنوبا مشحونة بالقلق والمشكلات، ولم يكن يمر يوم دون ~~أن يتصل أحد الناقلين بحيدرة ليخبره بما وصفه الأخير لاحقا بأنه «مشكلات صغيرة» تراوحت ~~بين أعطال عادية ومطالبات بفدية وصدامات خطيرة مع الجهاديين. # تعلقت إحدى هذه ms197 «المشكلات الصغيرة» بمكتب منظمة سافاما نفسه في تمبكتو، والذي كان على ~~طريق كابارا، على مسافة نصف ميل جنوب وسط المدينة. كانت سافاما قد اجتذبت انتباه ~~الجهاديين منذ الأسابيع الأولى للاحتلال، عندما اتصلت الشرطة الإسلامية بالسكرتير ~~الإداري للمنظمة، سانيه شريفي ألفا، تخبره بأنها كانت على وشك مصادرة أصول المنظمة. ~~اتصل ألفا بديادي، نائب رئيس لجنة الأزمة، الذي تصادف أيضا أنه كان أمين صندوق سافاما، ~~وهرع كلاهما لمقابلة مفوض الشرطة الجهادية. قال المفوض إن الأمر حقيقي؛ إذ كانوا قد ~~قرروا أنه بما أن سافاما كانت تتلقى دعما من اليونسكو وتحصل على تمويل أمريكي عبر ~~مؤسسة فورد، فهي جهة متعاونة مع المصالح الغربية؛ لذا كانوا قد قرروا الاستيلاء ~~عليها. # فكر ديادي بسرعة. تذكر قائلا: «قلت له: «إنك محق في إحضاري إلى هنا».» إن لم يكن ~~المفوض يفهم الغرض من سافاما، فإن ديادي سيكون في غاية السعادة أن يوضح له ذلك. في ~~الحقيقة، كانت المنظمة عبارة عن رابطة من الأشخاص الذين يملكون المخطوطات، وهدفها هو ~~حماية مجموعاتهم وإنشاء إطار عمل من أجل تنميتها والاستفادة منها. وحيث إنه لم يكن لدى ~~العائلات الموارد اللازمة لتحقيق ذلك، فقد طلبت الدعم من اليونسكو ومن منظمات أخرى، ~~ولكن ذلك لم يكن يعني مطلقا أنها مملوكة للدولة أو لليونسكو. كانت سافاما مملوكة ~~للناس. # اختتم ديادي قائلا، وهو يعرض عليه وثائق تأسيس المنظمة: «ها هو النظام ~~الداخلي.» # لان جانب المفوض. كان قد قيل له إن سافاما جزء من اليونسكو، لكن عندما وجد أنها منظمة ~~خاصة، فلم يتخذ ضدها أي إجراء. بل في الواقع، طلب من رجاله حمايتها. # بعد شهرين، واجه العاملون في سافاما صداما أخطر مع الشرطة. كان لدى محمد توريه ابن ~~شقيقة حيدرة شحنة سيرسلها إلى باماكو، وكانت الشاحنات عموما تحمل حمولتها بالقرب ~~من بنك «بي إم إس» في السوق الكبير. وحيث إن المنطقة كانت حينئذ تعج بالجهاديين، رتب ~~للشاحنات أن تأتي بدلا من ذلك إلى مكتب سافاما ليلا. خطط لتحميل العديد من الخزائن ~~هناك قبل أن تتوجه الشاحنات ms198 إلى السوق الكبير لتملأ بالبضائع الأخرى. غادر وسط المدينة ~~مع شاحنتين من ذوات حمولة العشرة الأطنان، وتوقف بجوار مبنى سافاما، ودخل إلى المبنى. ~~وبينما كان يعمل على ضوء الكشافات اليدوية، أخذ أربع خزائن ثقيلة وحملها إلى الخارج. لم ~~تكن بالضبط عملية سرية - فقد كانت الشاحنتان الضخمتان تقفان بجوار المبنى بينما كانت ~~أضواء الكشافات اليدوية تومض في الداخل - وسرعان ما اجتذبت الشاحنتان انتباه أحد ~~الجهاديين الذي كان قد انتقل إلى المنزل المجاور للمبنى. كان هذا الجهادي هو الفرنسي ~~جيل لو جوين، الذي كان معروفا أيضا باسم عبد الجليل. # تذكر توريه: «كنت منهمكا في عملية إخراج الخزائن، عندما جاء عبد الجليل مباشرة. ~~ناداني، وأوقفني، وسألني عما أفعله. قلت إنني أخرج كتبي لأنه كان وقت إبعادها من أجل ~~الموسم المطير. كنت أخشى أن تلحق بها المياه أضرارا.» # للحظة لم يقتنع لو جوين بقصة توريه. قال: «لا، ما كنت ستفعل ذلك في هذا الوقت من ~~الليل. إنك لص.» على الفور اتصل بالشرطة الإسلامية، وسرعان ما وصلت مجموعة من الجهاديين ~~المسلحين. وكان مفوض الشرطة نفسه وسطهم. # قال توريه باستماتة للمفوض: «أنا لست لصا.» ثم أردف: «هذه الأشياء تخصني. كل شيء ~~هنا ملكي.» ~~«لماذا لم تطلعنا على أنك كنت تفعل شيئا كهذا؟» ~~«لم أعرف أنه في كل مرة تنقل فيها أغراضك الخاصة يتعين عليك أن تبلغ الشرطة.» # أمر المفوض بأن تؤخذ الشاحنتان بما فيهما من خزائن إلى مركز الشرطة، حيث ركنتا في ~~إحدى الساحات، وطلب من توريه أن يحضر في اليوم التالي شهودا يمكن أن يشهدوا بأن ~~المخطوطات كانت تخصه، وأن يحضر أوراقه. اتصل توريه بسرعة بحيدرة ليشرح له المشكلة، وبدأ ~~الأخير بدوره يجري اتصالاته بمعارفه في تمبكتو. # لم يكن حيدرة هو من اتصل بديادي، وإنما المفوض. سئل ديادي إن كان على علم بأن ~~الشاحنتين كانتا قد حملتا بمخطوطات سافاما وكانتا على وشك مغادرة المدينة. قال ~~ديادي: «شاحنتان؟» ثم أردف: «كيف؟» قال المفوض: تعال وانظر بنفسك. قال ديادي إنه ~~سيفعل، ولكن قبل أن يفعل ذلك مضى ms199 ليبحث عن توريه. # أجابه توريه بالإيجاب عندما سأله عن الأمر؛ إذ كجزء من جهود حيدرة لحماية المخطوطات، ~~كانوا قد اتخذوا «عددا معينا من الإجراءات» وكانوا قد بدءوا في إرسالها إلى باماكو. ~~وقال له إنها قد جرى احتجازها. # أصاب الذهول ديادي. تساءل: «عندما كانت تحدث مشكلات قبلئذ، إلى من كنت تلجأ؟» ثم ~~أضاف: «ومع ذلك، عندما قررت أن تخرج هذه المخطوطات، لم تسع حتى إلى أن تخبرنا بأنك ~~كنت تفعل ذلك. إذا أردت أن تفعل هذه الأمور، يتعين عليك أن تخبرنا!» # ومع ذلك، كان من شأنه أن يأتي لمساعدة توريه. ذهب لمقابلة المفوض وأخبره بأنه كان ~~بالفعل يعلم بشأن عملية نقل الخزائن. كانت سافاما تجري عملية لاتخاذ صناديق حفظ في ~~باماكو، وكان شحن المخطوطات جنوبا جزءا من هذا البرنامج. قال: «لم أكن أعرف أنها كانت ~~تغادر أمس، وإلا كنت قد أبلغتك بذلك.» # ذهب توريه إلى الشرطة ومعه أوراقه. خاطب المفوض توريه خطابا شديد اللهجة. قال له: ~~«إن أردت أن تفعل أشياء من هذا القبيل، فيجب عليك أن تأتي إلى الشرطة الإسلامية لتحصل ~~على إذن بذلك. يجب عليك ألا تفعل الأمور بتلك الطريقة، بينما لا علم لأحد بما تفعله، ~~وإلا فسيقول الناس إنك تسرق.» وحذره من أن عقوبة السرقة شديدة. # وافق توريه على أن يطلب الإذن قبل أن ينقل المخطوطات في المستقبل، وأفرج عن ~~الشاحنتين والخزائن. قال حيدرة إنهم أوقفوا العملية في ذلك الوقت حتى حين، وتوجهت ~~الشاحنتان صوب الجنوب من دون الخزائن. عندما بدأ توريه في نقلها مجددا، فعل ذلك في وضح ~~النهار. # أما لو جوين، فكان لا يزال يبدو مقتنعا أنه قد قبض على لص. لم يواجه مهربو المخطوطات ~~مشكلة في الشمال فحسب. لاحقا في شهر أكتوبر، قالت دياكيتي لستولك إن المنطقة التي ~~كانت تسيطر عليها الحكومة كانت قد أصبحت هي الأخرى بنفس القدر من الصعوبة؛ إذ كانت نقاط ~~تفتيش غير رسمية قد ظهرت فجأة، وكان يديرها مبتزون يرتدون ملابس عسكرية. # كانت توجد مجموعة من الانتهاكات القانونية التي كان يمكن ms200 أن يقبض على المسافرين ~~الماليين بسببها - عدم حمل رخص المركبات؛ انتهاء صلاحية بطاقات الهوية - بينما كانت ~~انتهاكات أخرى تلفق على الفور. كان يمكن لكل مشكلة من هذه المشكلات أن تعطل حافلة ~~لساعات حتى يتمكن المسافرون من الخروج منها عن طريق الإقناع أو بدفع رشوة. وفيما بين ~~سيفاري وباماكو كانت توجد تسع نقاط تفتيش حكومية، وتعين على حيدرة أن يتيقن من أن بوسع ~~الناقلين أن يدفعوا نقودا للمرور منها كلها. قال: «كان لدينا دوما مشكلات.» ثم أردف: ~~«كانت وسائل المواصلات مكلفة. لكن هذا كان طبيعيا [في حالة الحرب]. وكان الناقلون ~~مكلفين. ولكن ما الذي يمكنك فعله؟ كل الأموال التي أنفقناها على وسائل المواصلات ~~يمكننا أن نجد لها مسوغا، وكل ما أنفقناه على الناقلين يمكننا أن نجد له مسوغا. ~~ولكن المبالغ المالية التي أنفقت على الرشاوى - كيف يمكنك أن تجد مسوغا ~~لها؟» # جعل الفساد الرحلة الشاقة إلى الجنوب أكثر إرهاقا مما كانت عليه بالفعل. دامت أسوأ ~~رحلة قام بها توريه، والتي كان يحمل فيها ست خزائن ثقيلة أو سبعا ولكنها «جميلة جدا، ~~ومهمة جدا»، أكثر من أسبوع وتضمنت خمسة أنواع من وسائل المواصلات. بدأت الرحلة بداية ~~جيدة؛ فبعد أن مر بالاستعانة بالكلام المعسول من تفتيش جهادي عند دوينتزا عن طريق ~~التحدث باللغة العربية والتظاهر بالمرض، وصل إلى منطقة حكومية في الليلة الأولى. بعد ~~ذلك، ازدادت صعوبة الرحلة أكثر فأكثر. # كلما كان يعثر على مخطوطاته في إحدى نقاط التفتيش، كان الضباط النظاميون يحدثون ~~جلبة كبيرة. تذكر توريه: «كانوا يصيحون عندما كانت أعينهم تقع على المخطوطات، قائلين: ~~«ها هي مشكلة!»» وكان عناصر الدرك يستدعون. لم يكن من شأن توريه أن يقول إن كان قد ~~دفع لهم رشوة؛ إذ كان فقط يقول إنه «جعلهم يتفهمون الأمر»، وإنهم منحوه إذنا بمتابعة ~~طريقه. # تعطلت إحدى الحافلات. وسارت أخرى في الطريق الخطأ ومضت به إلى منطقة كانت أقرب إلى ~~كوت ديفوار منها إلى باماكو. بعد أيام، عندما وجد، وهو يشعر بالإنهاك، ما كان يأمل أن ~~يكون آخر حافلة ms201 صغيرة وتفاوض على الأجرة إلى باماكو، أوقفته مجموعة أخرى من رجال الدرك ~~وأخذوه إلى ثكنتهم. أبقي هناك مدة يوم بينما كانوا يتحققون من أوراقه، ويوجهون إليه ~~أسئلة، ويفتحون الخزائن. وما إن فعلوا ذلك، حتى عرفوا أنهم توصلوا إلى شيء ما. # استدعي ضابط قيادي. وقيل له: «انظر، يوجد شاب أحضر مخطوطات تمبكتو. إنها في كل ~~مكان!» # اتصل توريه بحيدرة، الذي اتصل بأحد معارفه في سيجو الذي كان من الممكن أن يتفاوض مع ~~رجال الدرك، وأخيرا وافقوا على أنه كان يتعين أخذ توريه إلى باماكو تحت حراسة من أجل ~~المزيد من الاستجواب. في الساعة الواحدة صباحا وصل إلى قاعدة الدرك المعسكر رقم واحد ~~ذي السمعة السيئة في الحي الاستعماري القديم في العاصمة، حيث استمرت الأسئلة. أجاب ~~بأفضل ما كان بوسعه، وفي الصباح وصل حيدرة ليخبرهم أنه كان في مهمة مشروعة. # تذكر حيدرة قائلا: «تفاوضت معهم.» # وما إن أصبح توريه حرا، حتى انطلق مجددا إلى الشمال. # كانت أخطر اللحظات التي وصفها المسئولون على عملية إجلاء المخطوطات كانت عندما ~~احتجز الناقلون وخزائنهم من أجل الحصول على فدية. # كان الطريق الرئيسي من تمبكتو إلى باماكو يمضي على امتداد الضفة اليمنى، أو الجنوبية، ~~للنهر، عبر مراكز تجمع السكان في وسط مالي؛ دوينتزا، وسيفاري، وموبتي، وسيجو. ومع ذلك ~~كان يوجد طريق آخر على امتداد الضفة اليسرى للنهر. بدلا من التوجه جنوبا من تمبكتو ~~إلى كوريومي وعبور النهر بالعبارة، يمكن لسيارات الدفع الرباعي أن تسلك المسار غربا ~~عبر الصحراء ذات الكثافة السكانية المنخفضة إلى نيافونكي وليري قبل عبور النهر إلى ~~سيجو. كانت رحلة طويلة وجامحة لمئات كثيرة من الأميال، عبر رمال عميقة وحول بحيرات كانت ~~تمتلئ وتفرغ تبعا لإيقاع فيضانات نهر النيجر. ومع ذلك لو كان هذا الطريق آمنا، كان ~~الناقلون سيتجنبون نقاط التفتيش ويوفرون على أنفسهم قدرا كبيرا من المتاعب والمال. ~~أخبر الكثير من الناس حيدرة أنه لا توجد مشاكل في طريق ليري؛ لذا قرروا أن ~~يجربوه. # تصادف أن السيارة التي اختيرت لهذه التجربة الأولى كانت سيارة ms202 دفع رباعي عتيقة، ~~«خربة»، كما وصفها حيدرة، ظلت تتعطل مرارا وتكرارا: «أتعرف، في ذلك الوقت، كانت كل ~~السيارات التي تستأجرها سيارات خربة. كانت السيارات التي تصل من سيفاري، على سبيل ~~المثال، متهالكة، ولم يكن لها حتى أوراق سليمة. كان يتعين عليك دوما أن تأخذ سيارة ~~أخرى.» كانوا بالكاد قد قطعوا مائة ميل عندما رن هاتف حيدرة ليحمل أنباء مقلقة: كانت ~~مجموعة من الرجال قد أوقفت الناقلين تحت تهديد السلاح وهم الآن محتجزون رهائن. لم يكن ~~لدى حيدرة أدنى فكرة عن هوية الرجال المسلحين أو مدى الخطورة التي يمكن أن يكونوا عليها ~~- كان من الممكن أن يكونوا من الجهاديين أو من الحركة الوطنية لتحرير أزواد، ولكن كان ~~الأرجح أنهم كانوا ينتمون إلى واحدة من مجموعات قطاع الطرق العديدة التي كانت تجوب ~~الصحراء. قال حيدرة: «أخذوا السيارة وهددوا الأشخاص الذين كانوا بداخلها.» ثم أردف: ~~«قالوا إنهم لن يدعوا السيارة تمضي وإنه يتعين علينا أن ندفع شيئا.» # كان من شأن موت ناقل واحد أن يعني لحيدرة إفساد المشروع كله: «إن وقع أمر سيئ لهؤلاء ~~الرجال، فسيصبح كل عملنا بلا قيمة. وستكون هذه مشكلة كبيرة.» لذلك حاول أن يتفاوض مع ~~الخاطفين أن يطلقوا سراح الرجال والخزائن. ولكن كان من المستحيل إجراء مثل هذه المحادثة ~~الدقيقة عبر شبكة الهاتف المحمول المتقطعة: «لم يكن بوسعي أن أتوصل إلى تفاهم معهم. ~~أرادوا أن يقتادوا الناقلين بعيدا. لم أعرف ما الذي يمكن أن يفعلوه بهم. لم أعرف ما ~~كان سيحدث! أصيبوا بخوف شديد. ونحن أيضا أصبنا بخوف شديد.» # ولكنه كان يعرف نيافونكي جيدا، واتصل بأحد أصدقائه، الذي اتصل بدوره بإمام موقر ~~كان يعيش في القرية التي كان الرجال محتجزين فيها. ذهب الإمام ليتحدث مع الخاطفين ~~بالنيابة عن حيدرة. قال حيدرة: «تكلم معهم، وتفاوض على مبلغ من المال، وأعيدت إليهم ~~سيارتهم وسمح لهم بالمرور.» لقد ساعد في الأمر أن السيارة كانت حطاما حتى إن ~~الخاطفين لم يرغبوا فيها. # كانوا قد احتجزوا رهائن مدة أربع وعشرين ساعة، واستغرق الأمر من ms203 الناقلين ثمانية ~~أيام لبلوغ باماكو . تذكر حيدرة: «ثمانية أيام لأن السيارة لم تكن جيدة وأمضوا يوما ~~محتجزين كرهائن!» # كانت المرة الوحيدة التي جربوا فيها الطريق عبر ليري. قال حيدرة: «لم نفعل ذلك ~~مجددا.» ~~••• # قرب نهاية عام 2012، أبلغت سافاما السفارة الألمانية في باماكو أن ما بين 80 ألفا ~~و120 ألف مخطوطة قد أجليت بنجاح من تمبكتو. ولكن في هذا الوقت، كانت الأزمة المالية ~~تدخل مرحلة أكثر خطورة بكثير. في الأسبوع الثاني من شهر ديسمبر، دعا إياد آغ غالي إلى ~~عقد مؤتمر لشيوخ القبائل والجماعات الجهادية في إساكان، التي كانت على بعد ساعتين ~~بالسيارة غرب تمبكتو. كان هذا المكان الذي يضم الكثبان الرملية البيضاء المتماوجة ~~رمزيا إلى حد كبير لجماعة أنصار الدين وحلفائها؛ فهنا كان يعقد مهرجان يسمى ~~«مهرجان في الصحراء» كل عام منذ عام 2003، وكان موسيقيون غربيون مثل روبرت بلانت وديمن ~~ألبارن يعزفون جنبا إلى جنب مع نجوم ماليين مثل ساليف كيتا وعلي فاركا توريه. كان ~~النجم الأيرلندي البارز بونو قد غنى هناك مع فرقة الطوارق الموسيقية تيناريوين في ~~يناير من ذلك العام. # لن يعقد هذا المهرجان في عام 2013. كانت الحفلات الموسيقية محظورة في جمهورية أزواد ~~الإسلامية، وبدلا من الموسيقيين كانت الكثبان الرملية في تلك الأيام تعج بالمقاتلين ~~الجهاديين. في نهاية القمة، ذكر شهود عيان أنهم رأوا أكثر من ثلاثمائة شاحنة صغيرة تتجه ~~مسرعة صوب تمبكتو، والجهاديون متشبثون في الخلف، يصيحون «الله أكبر!» لم يكن واضحا ما ~~كان يعنيه كل هذا، ولكن سرت شائعات في أنحاء تمبكتو بأن قرارا استراتيجيا قد ~~اتخذ. # في تلك الأثناء كانت تروس الدبلوماسية الدولية تتجه نحو التدخل. في العشرين من ديسمبر ~~أذن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بنشر قوة بقيادة أفريقية في مالي، وبعد ثلاثة ~~أيام، شرع الجهاديون في هجوم جديد على أضرحة تمبكتو في تحد للمجتمع الدولي. سار ~~المقاتلون بمركباتهم في الشوارع والأسواق وهم يخبرون الناس بأن هذه الأماكن الوثنية لا ~~بد أن تهدم. ثم، بحسب ما تذكر أحد شهود العيان، «نفذت الشرطة الإسلامية، مستخدمة ~~المعاول ms204 والمجارف، عملية هدم لخمسة أضرحة.» ومجددا ، تعهدوا بأنهم لن يتركوا ضريحا ~~واحدا قائما. # إذا لم يكن ذلك صادما بدرجة كافية، فإن المفاوضات في تمبكتو بشأن المولد النبوي كانت ~~هي الأخرى قد وصلت إلى حد الأزمة. في عام 2013 كان الاحتفال بمولد النبي سيحل في يوم ~~الخميس، الموافق الرابع والعشرين من يناير. كانت المدينة إلى حد كبير قد أذعنت لأمر ~~إلغاء المناسبة عندما قام أبو زيد بزيارة مفاجئة للإمام الأكبر عبد الرحمن بن السيوطي. ~~انتهز الإمام الفرصة ليسأل أمير القاعدة عن الاحتفال. تذكر سانيه شريفي ألفا، الذي كان ~~قد وردت إليه تفاصيل هذا اللقاء، قائلا: «أخبر الإمام أبا زيد بأنه يريد التحدث بشأن ~~الاحتفال بالمولد.» أجاب أبو زيد بأنه سيرجع في هذه الأمور إلى فقهائه الإسلاميين، ~~«العلماء». وقال: «هم الذين سيتخذون القرار بشأن الأمر.» ثم أردف: «عندما تكون ~~مستعدا، أحضر علماءك وسنحضر علماءنا ويمكنهم أن يتناقشوا في الأمر. إن استطعتم ~~إقناعهم، فلن يكون ثمة مشكلة.» # مع اقتراب حلول المولد النبوي، اجتمع الطرفان وتناظروا بشأن الأمر طيلة الصباح. ~~استحضر الإمام الأكبر الأمر قائلا: «التقينا هنا في منزلي.» ثم أردف: «طلبوا منا أن ~~نعرض حججنا وأدلتنا الداعمة إن كانت لدينا والتي من شأنها أن تجيز إقامة المولد ~~النبوي.» دام اللقاء من الساعة التاسعة صباحا وحتى الثانية من بعد الظهر، حيث طرح ~~«علماء» تمبكتو قضيتهم، استنادا إلى النصوص الإسلامية، بشأن الاحتفال الذي كانوا ~~يحتفلون به منذ قرون. قال فقهاء الجهاديين، بحسب ما ذكر ألفا: «نحن لا ننكر أي شيء مما ~~تقدمتم به في أطروحتكم، ولكن ثمة أمرا واحدا لا يعجبنا يحدث أثناء المولد؛ وهو أنه يحدث ~~الكثير من الانحراف، والكثير من الضلال. ولا يمكننا أن نقبل بذلك.» # أجاب ممثلو المدينة: «إن أولئك الذين يأتون بالضلال والانحراف لا ينتظرون المولد ~~ليفعلوا ذلك.» ثم أضافوا: «فتلك هي حياتهم قبل المولد وأثناءه وبعده. ليس المولد هو ~~الذي يتسبب في هذا، وليس ذلك سببا لمنعنا من الاحتفال به.» # عندما انتهت المناقشة، قيل للتمبكتيين إنهم سيتلقون القرار قريبا، على أساس ms205 الجهد ~~الذي كان الطرفان قد بذلاه معا. # بحلول بداية العام الجديد أصبح واضحا السبب الذي من أجله عقد لقاء إساكان. في ~~الأول من يناير، بعث آغ غالي بمطلبين متطرفين للحكومة المالية؛ وهما أنها يجب أن تعترف ~~بالاستقلال الذاتي لأزواد وأن تعلن عن «الطابع الإسلامي لدولة مالي» في الدستور. ورفضت ~~الحكومة. في اليوم التالي، بدأ نحو ألف وخمسمائة جهادي في التجمع في بامبارا ماوندي، ~~وهي القرية التي كانت بمنزلة محطة توقف للشاحنات في منتصف المسافة بين تمبكتو ~~ودوينتزا. في يوم الثلاثاء، الموافق الثامن من يناير، جرى تبادل لإطلاق النار عبر الخط ~~الأمامي، وفي تلك الليلة تقدمت مئات من عربات الجهاديين صوب كونا، الواقعة على مسافة ~~أربعين ميلا داخل المنطقة التي تسيطر عليها الحكومة. وفي الساعة الثامنة والنصف من ~~صباح اليوم التالي هاجموا البلدة من ثلاث جهات، وبحلول وقت متأخر من العصر كانت قد ~~سقطت. قال متحدث باسم المتمردين لوكالة فرانس برس عصر يوم الخميس: «نحن في كونا من أجل ~~الجهاد.» ثم أضاف: «لدينا سيطرة شبه كاملة على البلدة. وبعد هذا سنواصل التقدم ~~جنوبا.» # كانت موبتي تبعد أقل من ساعة بالسيارة. إن استولى عليها الجهاديون، فلن يكون ثمة ~~ما يوقفهم عن المضي في طريقهم وصولا إلى باماكو. # في صباح اليوم التالي، الجمعة، الموافق الحادي عشر من يناير، أعلن الرئيس الفرنسي ~~فرانسوا هولاند أن بلاده ماضية إلى الحرب. قال، بينما كان واقفا أمام علم أمته ~~ثلاثي الألوان في قصر الإليزيه: «لقد قررت أن فرنسا سوف تستجيب، إلى جانب شركائنا ~~الأفارقة، إلى طلب السلطات المالية.» كانت عملية سيرفال، وهي العملية العسكرية الفرنسية ~~لاستعادة شمال مالي، على وشك أن تبدأ. ~~••• # كان حيدرة قد تلقى تحذيرا من خبراء الحفاظ على التراث مفاده أن نهاية الاحتلال ~~ستكون الفترة الأخطر على المخطوطات: «قبل بدء كل هذا، قال لي الناس إنهم في اليوم الذي ~~سيرحلون فيه سيحرقون كل شيء. سيخربون كل شيء. كل شيء ذا أهمية. كان ذلك جزءا من ~~النصيحة التي قدموها لي. لكني لم أكن أعرف كيف ms206 سيحدث الأمر.» أيضا أقلق احتمال ~~تجدد القتال شاميل جيبي، رئيس مشروع مخطوطات تمبكتو في جامعة كيب تاون. قال: «أينما ~~ترى تدخلا عسكريا، يكون من المحتم أن تتعرض الأشياء للتدمير.» ثم أردف: «كان خوفي في ~~البداية من التجاهل. الخوف الآن من الحرب الصريحة والصدام العسكري.» أرسلت المديرة ~~العامة لليونسكو نداء إلى كل الفرق العسكرية في البلاد ألا تلحق المزيد من الضرر بآثار ~~تمبكتو؛ إذ قالت إيرينا بوكوفا: «إنني أطلب من كل القوات المسلحة أن تبذل كل ما وسعها ~~لحماية التراث الثقافي لهذا البلد.» ثم أردفت: «إن تراث مالي الثقافي هو تحفة رائعة ~~ينبغي للإنسانية جمعاء حمايتها. إن هذا هو تراثنا المشترك، ومن ثم لا يمكن بحال من ~~الأحوال لأي شيء أن يبرر الإضرار به. إنه يحمل هوية وقيم شعب بأكمله.» # على خلفية الصراع الوشيك، استأنف حيدرة ودياكيتي نشاطهم في جمع التبرعات. في الرابع ~~من يناير، ذهبا إلى مجمع السفارة الألمانية شديد التحصين على الضفة الجنوبية للنهر في ~~باماكو. كان السفير غائبا في إجازة مرضية طويلة، ولكن القائم بالأعمال، توماس شترايدر، ~~الذي كان قد وصل منذ وقت قريب، وافق على الالتقاء بهما. تذكر شترايدر أن حيدرة بدا ~~قلقا. قال: «كان يفتش عن حلفاء جدد في المجتمع الدولي ليساعدوه في تمويل هذه ~~الإجراءات [المتعلقة بالإجلاء].» ثم أضاف: «كان بحاجة إلى المال.» # أخبر رجل المكتبات شترايدر بأن سافاما كانت قد حصلت على ترخيص من العائلات المختلفة ~~في تمبكتو بأن ترعى المخطوطات، التي كانت قد خبئت وسط أهل تمبكتو في بيوتهم. ولكن ~~الآن كانت مخاطرة بقائها في المدينة قد أصبحت كبيرة للغاية؛ إذ كانت قوات المتمردين ~~تبحث بهمة عنها وتتلفها: # أخبرني بأنه كان يوجد خطر داهم، وأنها كانت تتعرض للإتلاف، والحرق، وأن هذا ~~قد جرى ... أثناء هذه الأسابيع مرارا وتكرارا. أتذكر أن قوات المتمردين عثرت ~~على بعض الكتب عندئذ وأتلفتها. أحرقتها أو ... أظن أنها أحرقتها، أجل. # قيل لشترايدر إنه كان يتعين إخراج المخطوطات بأي وسيلة. كان مقتنعا بأن التهديد كان ~~حقيقيا - تذكر قائلا: «لم يكن ms207 لدي سبب يدفعني إلى الشك في الأمر» - لكنه أراد المزيد ~~من التفصيل بشأن الكيفية التي ستجري بها عملية الإجلاء. هل كان حتى لا يزال من الممكن ~~السفر برا من تمبكتو إلى باماكو؟ أجاب حيدرة بالإيجاب، ولكن كان يوجد الكثير من نقاط ~~التفتيش التي كان يتعين عبورها. كيف كانت المخطوطات ستنقل؟ قيل لشترايدر إنها كانت ~~ستنقل بالشاحنات الصغيرة، ليلا، مخبأة تحت الفاكهة والخضراوات التي كانت تزرع في ~~تمبكتو وتشحن إلى بقية مالي. # لم يكن ثمة شك في أن ألمانيا ستحاول أن تقدم الدعم لعملية الإجلاء، بحسب ما قال ~~الدبلوماسي، ولكنه كان سيحتاج إلى بيان تفصيلي بالتكاليف علاوة على نوع من الاتفاق ~~المكتوب. وعد بأن يتحدث مع وزير الخارجية الألماني، ورتب مع دياكيتي لقاءات لاحقة، من ~~ضمنها لقاء في بار فندق راديسون باماكو، لإضفاء الطابع الرسمي على التفاصيل. # في السابع من يناير، كتب شترايدر مخاطبا برلين، طارحا قضية تقديم المساعدة. قال لهم ~~إنه كان على اتصال بالشخصين اللذين كانا ينفذان عملية إنقاذ لمكتبات مخطوطات باماكو. ~~كانت المخطوطات في خطر شديد، وكان الإسلاميون قد دمروا بالفعل المكاتب التابعة ~~للمكتبات، وفي ذلك أجهزة الكمبيوتر الشخصية والأثاث. والآن، بالنظر إلى احتمال حدوث ~~تدخل عسكري، كان الأمر يستلزم نقل الوثائق «بأسرع ما يمكن وعلى أكمل وجه ممكن»: كان ~~الأمر يتعلق بإنقاذ هذه الوثائق «من الحريق.» كان ينبغي إبقاء كل شيء في غاية السرية؛ ~~وذلك لأنه إن أحيط المحتلون علما بما كان يجري، فسيكون من المستحيل المضي قدما؛ إذ ~~كان حيدرة ودياكيتي قد لجآ إلى السفارة لأنهما «يوليان ثقة خاصة بالألمان.» كانا ~~يسعيان إلى الحصول على 500 ألف يورو على مدى العامين المقبلين لنقل كل المخطوطات ~~وإبقائها بأمان في باماكو، لكن كان من شأن تبرع عاجل بقيمة 10 آلاف يورو فورا أن ~~يكفل إنقاذ حوالي عشرين خزانة كاملة. # أتى المال من برلين «بسرعة مذهلة»، مقارنة بالإجراءات العادية لوزارة الخارجية، بحسب ~~ما قال شترايدر؛ لأنهم «أدركوا أن الحاجة الملحة إلى المشروع كانت في أعلى ~~مستوياتها.» وقع عقد لنقل أربعة آلاف ms208 مخطوطة «في ظروف غير مواتية» في مقابل 10 آلاف ~~يورو، وبعد ثمانية أيام فقط من لقائهم الأول بشترايدر، عاد دياكيتي وحيدرة إلى السفارة ~~لتسلم المال. سلمت الرزمة الكبيرة من عملات اليورو الورقية في خفاء في كيس ~~بلاستيكي يحمل اسم أحد مخابز باماكو. ولم يسمح للقائمين على إجلاء المخطوطات بالحصول ~~على إيصال تسلم. ~~••• # عندما صدر أخيرا القرار بشأن المولد النبوي كان في هيئة رسالة قصيرة؛ إذ تذكر سانيه ~~شريفي ألفا قائلا: «كتب أبو زيد رسالة يقول فيها إن الحجج التي قدمتموها صائبة حقا، ~~ولكن ما دمنا هنا، فلن نقيمه.» # تذكر الإمام الأكبر قائلا: «أظهر لنا هذا بجلاء أنهم في الحقيقة لم يكونوا يريدون ~~إقامة احتفال المولد النبوي.» قرر التمبكتيون ألا يضغطوا لفرض القضية، وطلب أئمة ~~المدينة من السكان ألا يحتفلوا بالعيد. بحسب الإمام الأكبر، لم يشر إلى المخطوطات في ~~أي مرحلة من النقاش: «لم نتكلم عن المخطوطات.» # إذا كان الإمام الأكبر وألفا مصيبين في تذكرهما للأحداث، فإنه لم يبد أن الجهاديين ~~كانوا عازمين على إتلاف كل نسخ «القصيدة العشرينية» والمجموعات التي اشتملت عليها. كان ~~أبو زيد قد نظم نقاشا شرعيا فقهيا، ثم انتظر حتى اللحظة الأخيرة قبل أن يلغي ~~الاحتفال. ولكن لم يكن هذا هو الانطباع الذي تلقته ستولك. أخبرتها سافاما بأن جماعة ~~أنصار الدين كانت قد حذرت المدينة في الثالث عشر من يناير من أن المولد النبوي «حرام» ~~وأن الاحتفال به سيكون له «تداعيات». كان هذا دليلا على أن موقف المخطوطات «كان بالفعل ~~بذلك القدر من الخطورة»، وأن عملية الإجلاء كانت مبررة. # كان القتال في وسط مالي في هذا الوقت يعني أن الطريق البري إلى باماكو كان قد صار ~~خطيرا للغاية على معظم سائقي الشاحنات بحيث لم يكن يمكنهم العمل عليه. وحيث إنه كان لا ~~يزال يوجد أعداد كبيرة من المخطوطات في تمبكتو، قرر حيدرة حينئذ أن ينقلها إلى القرى ~~المحيطة بالمدينة. قال حيدرة: «في ذلك الوقت، أخرجوا كل شيء.» ثم أردف: «أخذوا كل ما ~~كان موجودا إلى القرى الصغيرة القريبة ms209 من النهر في كابارا، وإيلوا، وهوندوبونجو ، ~~وتويا.» قدمت دياكيتي سردا لهذه الخطوة بعد شهرين، في محاضرة لجمع التبرعات في جامعة ~~أوريجون. قالت إنه كان وقتا ساعد فيه الماليون من كل الفئات على نقل المخطوطات إلى بر ~~الأمان، بطريقة عفوية وبمخاطرة شخصية كبيرة: # قدمت ربات البيوت وجبات الطعام والمأوى للناقلين العاملين معنا على امتداد ~~الطريق. ونقل التجار الناقلين وخزانات الكتب بالمجان، عندما رأوا الأشخاص ~~العاملين معنا يجرونها على عربات يد أو يحملونها على ظهورهم لأخذها إلى الأمان ~~بجوار النهر ... صنعت قرى بأكملها مناورات عند نقاط التفتيش، حتى يستطيع رجالنا ~~تجاوزها مع الكتب. في كل الحالات، ليس فقط في الشمال وإنما أيضا في الجنوب، ~~تقدم المجتمع للمساعدة من أجل حماية المخطوطات ... كانوا يطلقون [عليها] ~~«تراثنا»، و«مخطوطاتنا». # بحلول منتصف شهر يناير، كانت عشرات الآلاف من المخطوطات في القرى في انتظار شحنها ~~جنوبا، وإذ كان طريق الصحراء مغلقا، لم يكن يوجد إلا طريق واحد لنقلها؛ عبر النهر. ~~ولكن كان هذا ينطوي على مخاطر جديدة كبيرة، وأصبح مصدرا للخلاف بين رجل المكتبات ~~وشريكته. قالت دياكيتي لمستمعيها في جامعة أوريجون: «تجادلنا أنا وعبد القادر [حيدرة] ~~بشأن استخدام المجرى المائي.» ثم أردفت: «كان مؤيدا لذلك - فهو الفرد الشجاع في ~~الثنائي الرهيب الذي نكونه - وكنت معارضة بشدة. فالمخطوطة المبللة هي مجرد كومة من ~~الخرق القديمة. المخطوطات في معظمها مصنوعة من الورق القطني، الذي يغطي الحبر سطحه. لا ~~يحوي أي من الأحبار المستخدمة في كتابة هذه المخطوطات أي نوع من المثبتات. فهي ~~سريعة التطاير تماما.» في النهاية لم يكن أمامهما خيار؛ لأن الطرق كانت ستزداد خطورة ~~مع تقدم القوات الفرنسية والمالية. تذكرت دياكيتي: «أصبح استخدام النهر أمرا ~~حتميا.» ثم أضافت: «توقفت عن النوم تماما في تلك المرحلة. قال لي عبد القادر إنه هو ~~الآخر قد جافاه النوم.» # لم يكن نقل المخطوطات بالقوارب محفوفا بالمخاطر فحسب، وإنما كان أيضا باهظ التكلفة. ~~في يوم الثلاثاء، الموافق الخامس عشر من يناير، شرعت دياكيتي مجددا في محاولة جمع ~~المزيد من التمويل، فوصلت ms210 في ذلك اليوم إلى السفارة الهولندية في حي هيبودروم في شرق ~~باماكو من أجل مقابلة مع مسئولة المساعدات الإنمائية في السفارة، تو تجيوكر. كانت ~~دياكيتي قد عرفت اسم تجيوكر، وكذلك اسم مؤسسة خيرية مقرها في هولندا، هي مؤسسة دوين، عن ~~طريق أحد معارفها في قسم تمويل التنمية الهولندي. وكان قد قال لها إن تجيوكر كانت ~~ستستمع إليها على الأقل. إن كان بوسع أي شخص أن ينجز الأمور، فإن بوسعها ذلك. # أخبرت دياكيتي تجيوكر بالمشكلة. تذكرت الدبلوماسية: «قالوا نود أن تساعدينا لأنه لا ~~يزال يوجد 180 ألف مخطوطة باقية في تمبكتو ولا يمكننا إخراجها من دون المزيد من المال.» ~~أبلغت تجيوكر أن ردة فعل الجهاديين تجاه المولد النبوي مثلت تهديدا حقيقيا، ~~وبخاصة لأن القوات الفرنسية كانت حينئذ تجبر الجهاديين على التراجع. ثم أردفت: «بعد ~~معركة كونا صار مقاتلو تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في غاية الغضب وقالوا: ~~«حسنا، سنريكم. سنقيم «أوتو-دا-في» كبيرا في يوم المولد النبوي، يوم ميلاد النبي ~~محمد.»» # كان «أوتو-دا-في» - ويعني بالبرتغالية «فعل الإيمان» - مصطلحا كان يستخدم لوصف حرق ~~الهراطقة وأدبيات الهرطقة على يد محاكم التفتيش في أوروبا في العصور الوسطى. لكن الصدى ~~الحديث له جاء من استخدامه لوصف عمليات إحراق النازيين للكتب. أتلفت الجمعيات الطلابية ~~في ألمانيا النازية، تحت إشراف الجناح العسكري للحزب النازي والشوتزشتافل (وحدات النخبة ~~النازية)، الأدب المدرج في القائمة السوداء في المحارق، وفي ذلك الكتب التي كتبها ~~مؤلفون يهود، وهم يلقون صيغ لعن. وصف جوزيف جوبلز هذه الطقوس بأنها أفعال قوية ورمزية ~~تمثل بزوغ فجر عصر جديد وأفول العصر القديم. اقتنعت تجيوكر بأن هذا ما كان الجهاديون ~~ينوون الآن فعله. تذكرت تجيوكر: «المولد النبوي «حرام» في عقول الجهاديين، كما ~~المخطوطات.» ثم أضافت: «لذلك قالوا إنه في يوم الرابع والعشرين [من يناير] سيقيمون ~~«أوتو-دا-في» كبيرا لكل المخطوطات.» # شرح «ائتلاف» سافاما و«دي إنترناشيونال» الطبيعة العاجلة لتهديد المولد النبوي في ~~رسالة متابعة إلى السفارة، موقعة باسم حيدرة. كان يوجد 454 خزانة كان ms211 يلزم إجلاؤها على ~~الفور وفي سرية ، بحسب ما أبلغ الدبلوماسيون الهولنديون؛ لأن الجهاديين كانوا قد ~~قالوا إنهم سيتلفونها. كان الفشل في نقلها سيعني أن تراث تمبكتو الثقافي، «الذي يحمل ~~آمال شعب بأكمله وفخره»، سوف «يفقد نهائيا.» لم يكن يوجد الكثير من الوقت؛ لأن ~~المولد كان بعد أسبوع فقط. # لم يكن لدى تجيوكر ميزانية لإنقاذ الأمور الثقافية، ولكن دياكيتي كانت قد أتت تدق ~~بابها في لحظة مناسبة؛ إذ كانت وزيرة الخارجية الهولندية، ليليان بلومين، قد أرسلت حالا ~~رسالة قصيرة إلى السفارة تسأل عما بوسع الحكومة فعله لمساعدة مالي، وكانت تجيوكر مقتنعة ~~بأن هذا هو ما ينبغي فعله. أخبرت دياكيتي بأنها ستحاول أن تعرض على وزارة الخارجية ~~الأسباب التي ينبغي من أجلها تمويل عملية الإجلاء، وكتبت في ذلك اليوم مخاطبة رئيسها ~~المباشر في لاهاي. كان الرد الذي جاء بين عشية وضحاها غير مفيد. قالت تجيوكر: «كان، كما ~~تعرف، «إن الأمر معقد بعض الشيء».» غضبت جدا لدرجة أنها اتصلت بالسفير، مارتن ~~بروير، الذي طلب منها أن تخاطب بلومين مباشرة. # تذكر بروير: «قلت: «حسنا، أرسلي [الطلب] مباشرة إلى الوزيرة واتصلي بسكرتيرة ~~الوزيرة، وقولي لها إن هذا أمر ينبغي أن يكون على مكتبها أو في حقيبتها لأننا بحاجة ~~حقا إلى رد سريع.»» فعلت تجيوكر كما اقترح بروير، متجاوزة التسلسل الهرمي الوزاري ~~المعتاد. في الصباح التالي، الموافق السابع عشر من يناير، منحتها بلومين موافقتها على ~~العملية. قالت تجيوكر: «قالت: «حسنا، لنفعلها».» # كان يتعين أن يظل المشروع سريا للغاية: «قلت [لبلومين]: «يجب ألا تطلعي أي أحد على ~~الأمر؛ يجب أن يبقى سريا جدا؛ لأنه إن صار علنيا فسيبادر تنظيم القاعدة في بلاد ~~المغرب الإسلامي بردة فعل ويعرقل عملية الإنقاذ التي ستقوم بها سافاما ... إن الأمر في ~~غاية السرية ويمكن أن تعلنيه على الملأ بعد أربعة شهور أو خمسة ولكن ليس الآن؛ عليك أن ~~تلتزمي الصمت.»» أخذت بلومين مناشدة تجيوكر لها بالصمت مأخذ الجد، حتى إنها نقلت الأمر ~~إلى سفيرها. قالت لبروير: «دعنا لا نتحدث عن الأمر حتى ms212 يتم.» وصل الأمر إلى درجة أن ~~السفارة سجلت الأموال في سجلاتها على أنها من أجل دفاتر مدرسية حتى تخفي الغرض ~~الحقيقي من التبرع. # منحت وزارة الخارجية الهولندية 323475 يورو لسافاما. عندما أضيف هذا إلى الخمسة ~~والسبعين ألف يورو من مؤسسة دوين والمائة ألف يورو من صندوق الأمير كلاوس، كان مجموع ~~المبلغ الذي تبرع به الشعب الهولندي قد وصل حينئذ إلى ما يقارب نصف مليون يورو. أرسل ~~رئيس تجيوكر المباشر المعارض للأمر في مكتب أفريقيا رسالة بريد إلكتروني يقول فيها إنه ~~قد تلقى أمرا بتقديم المساعدة، وفي عصر ذلك اليوم بدأت الترتيبات تتخذ. توجهت إلى ~~قسم الشئون المالية وقالت لهم: «حسنا، لدي مهمة سرية للغاية. كيف يمكننا أن نفعل ~~الأمر؟» وظلت تعمل حتى وقت متأخر من الليل لتنجز الأعمال الورقية. كانت سافاما قد ~~أخبرتها بأنه إن كان بوسعها أن تجهز عقدا بسرعة، فيمكن استخدامه لاقتراض أموال لتمويل ~~العملية. تذكرت تجيوكر: «في غضون يومين كنا قد جهزنا العقد، وكل الأعمال الورقية، ~~وأمكننا توقيع العقد مع عبد القادر بحيث كان سيحصل على المال في غضون أسبوع.» ثم أردفت: ~~«كان يعمل بحسب موعد نهائي؛ لأنه كان يوجد الكثير جدا من المخطوطات التي كان يتعين ~~نقلها.» # في ذلك السبت، الموافق التاسع عشر من يناير، أخذت تجيوكر العقد إلى رجل المكتبات من ~~أجل أن يوقعه. التقت به في مخزن باماكو حيث كانت المخطوطات تستلم وترسل إلى ~~المنازل الآمنة. تذكرت أنه بدا وكأنه لم يغتسل، و«متعبا جدا»، ومن أجل أن ترفع من ~~معنوياته أخبرته بأن العمل الذي كان يقوم به «مهم جدا للإنسانية كلها.» نص العقد ~~على أنه سيخرج 454 خزانة، تحتوي على نحو 136200 مخطوطة، وهو ما جعل تكلفة نقل كل ~~خزانة تبلغ مبلغا ضخما يعادل 660 يورو، على الرغم من هذا كان يتضمن التخزين في باماكو ~~لمدة عام، ووضع قائمة موجودات، بقيمة 212 يورو لكل خزانة، و10 بالمائة «رسوما إدارية» ~~لسافاما ودي إنترناشيونال. كانت ال 454 خزانة جزءا من مجمل 709 خزائن قيل للهولنديين ~~إنه كان يتعين إخراجها. # قالت تجيوكر: «في ms213 نهاية ذلك الأسبوع كان عدد كبير من القوارب، حوالي عشرين، قد بدأ ~~بالفعل في مغادرة تمبكتو.» كان من الممكن أن يحملوا كل المخطوطات دفعة واحدة في ~~أحد قوارب نهر النيجر الأكبر حجما، ولكن بدلا من ذلك وضعوا عشرين خزانة أو نحو ذلك ~~فقط على كل قارب، لتقليل مخاطرة حدوث خسارة كارثية. بعد ذلك انطلقت القوارب في رحلة ~~بطول 250 ميلا في عكس مجرى النهر، عبر الدلتا الداخلية وبحيرة ديبو، إلى موبتي، حيث ~~اتجهوا جنوبا في نهر باني مسافة سبعين ميلا أخرى إلى جني. وهناك انتقلت المخطوطات ~~إلى عربات أجرة أدغال والتي أخذتها الثلاثمائة والخمسين ميلا الأخيرة إلى باماكو ~~برا. قالت تجيوكر: «في جني كان يوجد أكثر من خمسين شاحنة صغيرة، بل حتى مائة، كانت ~~ستأخذ صناديق المخطوطات.» كانت هذه الشاحنات عادة من ماركة تويوتا، وحملت في الخلف في ~~كل مرة صندوقين أو ثلاثة من الصناديق الثقيلة، مغطاة ببضائع أخرى، كالتبن، والبطاطس، ~~والحبوب، لإخفائها. # قالت تجيوكر: «كان يوجد الكثير من الشاحنات الصغيرة.» ثم أردفت: «لذلك كانت العملية ~~باهظة التكلفة جدا.» ~~••• # كانت هذه المرحلة النهرية من العملية هي المرحلة التي، بحسب ما ذكر حيدرة ودياكيتي، ~~حدثت أثناءها الواقعة المتعلقة بطائرة الهليكوبتر. # في هذا الوقت كان عمال وقادة مراكب نهر النيجر الناقلة للمخطوطات مذعورين من الطائرات ~~الفرنسية. تذكر قادة المراكب من أمثال حاسيم تراوري من شركة نمبر وان للنقل رؤيتهم ~~لطائرات الهليكوبتر وهي تحلق فوق النهر ليلا حتى إنها كانت تقترب منهم. تذكر تراوري ~~أن أنوارها كانت تبدو «مثل نجم، لكنه كان يومض وينطفئ.» ثم أردف: «شعرنا بخوف شديد ~~جدا. وأصاب الهلع كثيرين؛ لأن الناس كانوا يقولون إنه إذا لم يعرف الفرنسيون من نحن، ~~فقد يقذفوننا بالقنابل؛ لذا شعرنا بفزع شديد.» بحسب ما ذكرت تجيوكر، ذهبت دياكيتي ~~وحيدرة لمقابلة قائد عملية سيرفال ليطلبا عدم استهداف القوارب التي كانت تحمل ~~المخطوطات؛ وإن كان هذا صحيحا، فيبدو أن الرسالة لم تصل إلى الطيارين. لم يكن ~~الكولونيل فريدريك جوت، قائد فوج طائرات الهليكوبتر الفرنسي الذي نشر في ms214 عملية ~~سيرفال، على دراية بأي استثناءات خاصة لقوارب نهر النيجر، وقال إنه، مع ذلك، لا داعي ~~لأن يقلقوا؛ فبدون التأكد من وجود أسلحة على متن القوارب، لم يكن مسموحا لرجاله ~~بالاشتباك. بالطبع، لم يكن الأشخاص المبحرون في القوارب الهشة يعرفون ذلك. # في إحدى الليالي، بحسب ما ذكر حيدرة، كانت عشرة قوارب تحمل المخطوطات مبحرة معا «في ~~قافلة كبيرة» وكانت قد بلغت وسط بحيرة ديبو عندما أقبلت طائرة هليكوبتر للتحري، مصوبة ~~ضوء كشاف نحوها. قال حيدرة: «شعر الأشخاص الذين كانوا على متن القوارب بالخوف من أن ~~يتحولوا إلى لحم مفروم.» حامت الآلة الطنانة فوقهم لمدة ثلاثين ثانية، وهي تمسح القوارب ~~بحثا عن أسلحة، قبل أن يميل بها الطيار مبتعدا. اتصل أحد الناقلين مذعورا بحيدرة في ~~الساعة الواحدة صباحا ليخبره بأنهم كادوا يتعرضوا للقتل. قال له الرجل: «لقد مرت ~~بنا طائرة هليكوبتر وكانت ستقذفنا بالقنابل.» أصدر حيدرة أمرا بأنه من تلك اللحظة يجب ~~أن يتوقفوا في الساعة الخامسة مساء أينما كانوا، وألا يسافروا ليلا مرة أخرى. # تذكر حيدرة: «عرفت أنه كانت توجد أجهزة رصد في طائرات الهليكوبتر، وإن لم ترصد شيئا ~~خطيرا فلا يمكن أن تلحق ضررا.» ثم أردف: «ولكن إن رصدت أسلحة أو شيئا من هذا ~~القبيل، فيمكن أن تهاجم. وجدوا أنه لم تكن توجد أسلحة، لذا غادروا. ولكن لو كانت ~~القوارب تحمل أسلحة، كانوا سيضربونها، ذلك أكيد.» # روت دياكيتي نسخة من هذه القصة لمستمعيها في أوريجون. في روايتها، قالت إن طيار طائرة ~~الهليكوبتر الفرنسية «طلب أن يفتح الناقلون صناديقهم وإلا فسيغرقهم للاشتباه في وجود ~~أسلحة»، لكن الطيار غير رأيه عندما «رأى أن القارب لم يكن يحمل إلا أكواما قديمة من ~~الورق»: # كانت القوارب المليئة بالمخطوطات والناقلون عرضة لخطر أن تغرقها طائرات ~~الهليكوبتر المقاتلة الفرنسية [التي] انسحبت وحيت رجالنا عندما خاطروا ~~بحياتهم وبقوا في الماء، وفتحوا خزانة وأظهروا للطيارين أننا كنا نحمل مخطوطات، ~~وليس أسلحة. # أخبرت دياكيتي مجلة «ذا نيو ريببلك» بحادثة أخرى في النهر في وقت مقارب لهذا الوقت، ~~جرت ms215 بعد تصريح الجهاديين بأنه «كان يتعين على كبراء المدينة أن يسلموا كل المخطوطات حتى ~~يمكن إحراقها قبل أن تبدأ الإجازة [الخاصة بالمولد النبوي].» أدى التهديد إلى إصابة ~~القائمين على عملية الإجلاء بحالة من الذعر، وبدءوا يتصلون بكل الناقلين ويأمرونهم بأن ~~يأخذوا الخزائن في النهر بأسرع ما يمكن. وسرعان ما كانوا قد حملوا قافلة من سبعة ~~وأربعين قاربا، والتي بدأت بعد ذلك تبحر في طريقها إلى الجنوب. وعندما شارفوا على ~~الطرف الجنوبي لبحيرة ديبو، بحسب ما أوردت مجلة «ذا نيو ريببلك»، وقعت كارثة: # دخل عشرون قاربا مضيقا مائيا ضيقا. وفجأة، ظهرت مجموعات من الرجال، الذين ~~كانت رءوسهم مغطاة بالعمائم، على جانبي النهر، وهم يلوحون بأسلحة آلية ويأمرون ~~القوارب بالتوقف. لم يكن أمام الناقلين خيار سوى الاتجاه إلى الضفة وإيقاف ~~قواربهم، حيث قال الرجال المسلحون إنهم سيحرقون شحنتهم إلا إذا استطاعوا أن ~~يقدموا لهم مبلغا فلكيا من المال. جمع الناقلون المرهقون نقودهم، وساعاتهم، ~~ونفائسهم، وأعطوها لهم، لكن هذا لم يكن كافيا. # سمح أخيرا للشباب بأن يتصلوا بحيدرة، الذي شرع في مفاوضات مع المسلحين. قالت ~~دياكيتي لمجلة «ذا نيو ريببلك»: «أعطاهم بالأساس إقرارا بالدين.» ثم أضافت: «كان الأمر ~~كما لو كان عبد القادر يستخدم بطاقة ائتمانه.» أطلق سراح المخطوطات والناقلين. وبعد ~~ذلك بأيام قليلة، أرسل حيدرة إليهم المال. # تلقت تجيوكر إحاطات موجزة بهذه النوعيات من الوقائع عبر رسائل نصية. قالت: «كان من ~~شأنهم أن يرسلوا رسالة نصية يقولون فيها «إنهم في بحيرة ديبو»؛ «لقد واجهنا مشكلة»؛ ~~«المشكلة حلت»؛ «نحن نتابع الطريق إلى جني.»» ثم أردفت: «كانت قصيرة جدا: ~~«القوارب في هذا المكان»؛ «مشكلة الليلة الماضية حلت»؛ «ما زلنا في طريقنا.»» تذكرت ~~أيضا أنها سمعت قصة عن أشخاص أوقفوا الناقلين، وقالت إنهم اضطروا إلى إعطائهم مالا ~~ليمضوا في طريقهم: «كان نوعا من السطو المسلح بالقرب من بحيرة ديبو ... كان يوجد الكثير ~~من القوارب.» # مرة أو مرتين أثناء العملية سأل السفير بروير عن سير الأمور، وتذكر أنه أبلغ ~~بوجود صعوبات في الطريق؛ إذ قال: «بلغتنا ms216 بعض القصص عن [خزائن] مليئة بالمخطوطات كانت ~~تنقل بالقوارب وأن الأمر كان ينفذ أثناء الليل وأنهم واجهوا مشكلات كثيرة في ~~الطريق بسبب وجود الشرطة، والمتمردين، وما إلى ذلك.» وسمع أن القوارب قد اختطفت أو أن ~~الناس قد هددوا بإضرام النار في المخطوطات. قال: «إن الأفراد الذين كانوا في أرض ~~المعركة هم الذين حلوا هذه الأمور.» # عندما وصلت الخزائن إلى باماكو، اصطحب حيدرة تجيوكر لرؤيتها. قالت: «جعلني حقا ~~جزءا من فريق استقبال كل تلك الصناديق. أراني طريقتهم في المحاسبة؛ أي الأجزاء كانت ~~تمول من قبل مؤسسة فورد، وأيها التي كان تمول من قبل صندوق الأمير كلاوس، ~~ومن قبل مؤسسة دوين. كان مكتوبا على كل صندوق رقم واسم الممول بحيث كانوا يعرفون ~~من الذي دفع مقابل ماذا.» التقت ببعض الناقلين الشباب الذين رافقوا الخزائن. وأردفت: ~~«أظن أنهم فعلوا أشياء رائعة حقا لتشتيت انتباه رجال تنظيم القاعدة في بلاد المغرب ~~الإسلامي، خاصة في تمبكتو، لإخراج المخطوطات منها.» # رافق السفير بروير تجيوكر في واحدة من هذه الزيارات. أحصى من خمسمائة إلى ستمائة ~~حاوية تقريبا في الغرفة، كانت تثبت بسهولة كافية أن سافاما قد أوفت بالعقد المبرم ~~بينها وبين الحكومة الهولندية، وقيل له إنه كان يوجد المزيد في مكان آخر. # قال: «نظرت إلى تو [تجيوكر] وقلت: «هذا كثير. هل هذه كلها ممتلئة؟» قالوا: «نعم، كلها ~~ممتلئة.»» # ولزيادة التأكد، انتقى حتى صندوقا كان في داخل كومة في مؤخرة المخزن وقال: «حسنا، ~~أروني ذلك الصندوق.» # تذكر قائلا: «كانت حماقة، ولكننا فعلنا ذلك بالفعل.» # عندما فتحت الخزانة، رأى أنها كانت مكدسة حتى حافتها بالمخطوطات. # الفصل الرابع عشر # | ثقالة أوراق الملك ليوبولد # 1865-1905 # على الرغم من أن بارت وشربونو كانا قد توصلا إلى أدلة واضحة على أن الناس عبر ~~الصحراء كانوا قد أفرزوا حضارات ملمة بالقراءة والكتابة، فقد كانا يسبحان عكس تيار ~~الفكر السائد في أواخر القرن التاسع عشر. وكانا سيغرقان قريبا. # في نهاية تقريره الخاص بالتوصيات المكون من سبع عشرة صفحة والموجه إلى الجمعية ~~الدولية لقمع العادات المتوحشة، يكشف ms217 السيد كورتز، تاجر العاج والبطل المحوري المضاد في ~~رواية جوزيف كونراد القصيرة «قلب الظلام»، عن عدائه الكامن، مشخبطا بيد مرتعشة محمومة: ~~«يجب القضاء على جميع المتوحشين!» كان منطق كورتز الذي يبرر قتل أهل أفريقيا وسرقة ~~مواردهم هو أننا نحن البيض، الذين كنا متقدمين للغاية، # يتحتم علينا الظهور أمامهم [المتوحشين] وكأننا كائنات خارقة للطبيعة؛ يجب أن ~~نبدو لهم كآلهة ... ببعض الإرادة من جانبنا، نستطيع صنع خير لا حد له. # استندت رواية «قلب الظلام» على ما كان كونراد قد رآه بصفته القائد بالوكالة للسفينة ~~البخارية «روا دي بيلج» (ملك البلجيك) في عام 1890 في دولة الكونغو الحرة، الإقليم الذي ~~حقق به ليوبولد الثاني ملك بلجيكا رغبته الطويلة الأمد في حكم مستعمرة. في الكونغو ~~تحت سيطرة ليوبولد، كان من شأن جيش خاص، عرف باسم «القوة العامة»، أن يجعل الناس ~~يجردون أرضهم من ثروتها الطبيعية، بالأساس المطاط والعاج، من أجل إثراء بروكسل. وإذا لم ~~يفوا بالحصص المطلوبة منهم، كان الرجال يقتلون، وتغتصب النساء، وتقطع أطراف ~~الأطفال، وتحرق القرى. قدر عدد من قتلوا في الإقليم نتيجة لحكم ليوبولد بعشرة ~~ملايين، أو تقريبا نصف عدد السكان. # مما لا شك فيه أن جوزيف بانكس كان سيصاب بالذعر عندما يعلم بحجم وحشية الملك ~~البلجيكي في وسط أفريقيا، لكنها كانت من نواح كثيرة امتدادا حتميا للنهج الذي كانت ~~الرابطة الأفريقية قد بدأته؛ مثال متطرف لنمط كان يتكرر في الأراضي المكتشفة في كل ~~مكان من الأمريكتين إلى أسترالاسيا والمنطقة القطبية الشمالية. كانت حقبة الاستكشاف قد ~~انتهت؛ وحلت الآن حقبة الاستغلال. ولكن أولا كان يتعين على القوى العظمى أن تستولي ~~على الأقاليم الأفريقية، وفي أواخر القرن التاسع عشر كان ذلك هو ما فعلته بالضبط. في ~~عام 1870 كانت نسبة 10 بالمائة تقريبا من القارة تحت سيطرة قوة استعمارية. بحلول عام ~~1914، لم تكن نسبة 10 بالمائة فقط كذلك. # كانت القوة الدافعة للإمبريالية الجديدة جزئيا مالية. في سبعينيات القرن التاسع عشر ~~توقف نمو العديد من الدول الغربية؛ وكان من شأن أوضاعها الاقتصادية أن تظل راكدة ~~لأكثر من ms218 عقدين. كانت ثمة حاجة إلى أسواق جديدة ومواد خام، وكانت أفريقيا تمتلك ~~كليهما. تزامنت هذه الحتمية مع ذروة للعنصرية الأوروبية، عززتها أعظم فجوة تكنولوجية ~~شهدها التاريخ على الإطلاق بين العالم الصناعي وأفريقيا، وشجعت عليها نخبة مثقفة قام ~~فكرها على تسلسلات هرمية للعرق تطورت أثناء عصر التنوير. أما القلة الذين كانوا قد ~~زاروا بالفعل أجزاء من القارة أو درسوها، فكانت محاولتهم مقاومة هذا التحول الفكري ~~مستحيلة. كان بارت قد رفض بسطحية من قبل الأكاديمية الملكية للعلوم في برلين لكونه ~~«مغامرا» وليس عالما؛ ولكن إلى أي حد يكمن قرار الأكاديمية في رفضها لروايته ~~لمشاهداته في غرب السودان؟ كانت نظرة المؤسسة الألمانية إلى أفريقيا لا يزال يهيمن ~~عليها تفكير جورج هيجل، الذي كان قد أعلن في أوائل القرن أنها «ليست جزءا تاريخيا من ~~العالم؛ فهي ليس فيها حركة أو تطور يمكن عرضهما.» رفضت الأدلة الواضحة على وجود ~~حضارة هناك، كتلك الموجودة في قرطاج أو مصر، باعتبارها ليست أفريقية على النحو السليم؛ ~~فهي لم تكن «تنتمي إلى الروح الأفريقية.» كانت النتيجة أن «ما نفهمه على نحو سليم من ~~كلمة أفريقيا هو الروح التي لا تاريخ لها ولا تطور، التي لا تزال منغلقة في حالة ~~الطبيعة المحضة ... على عتبة تاريخ العالم.» # لم يكن هيجل أول ولا آخر مفكر أوروبي يسقط القارة وسكانها. في خمسينيات القرن ~~التاسع عشر، كتب عالم الأجناس البشرية جوزيف آرثر جوبينو عمله المهم في علم العنصرية ~~المزعوم، «التنوع الأخلاقي والفكري للأجناس»، الذي اشتمل على تسلسل هرمي عنصري كامل فيه ~~البيض من ذوي الأصل الأوروبي في القمة وذوو البشرة الداكنة في القاع. كتب جوبينو أنه ~~ربما يكون مستكشفون مثل بارك قد «منحوا بعض الزنوج شهادة بامتلاكهم لذكاء شديد»، ولكن ~~كان من غير اللائق استخلاص استنتاجات علمية من لقاءات عرضية مع قلة من الأفراد ذوي ~~الذكاء. كانت الهيئة العامة لجسم الأجناس السوداء دليلا على دونية عرقهم؛ إذ كان لعظام ~~الحوض لديهم «طابع حيواني» بدا وكأنه «ينبئ بمصيرهم»، بينما كانت جباههم «ضيقة ~~ومنحسرة»، وهذه علامة ms219 على أنها كانت «أقل في القدرة على التفكير.» # بدأت النظرية العنصرية في التغلغل في كل جانب تقريبا من جوانب التفكير الأوروبي بشأن ~~أفريقيا، وفي ذلك الاستكشاف. في عام 1874، ذكر المستكشف البريطاني صامويل بيكر: # في هذا الإقليم الهمجي [في وسط أفريقيا] ... لا نجد أي آثار من الماضي؛ فلا ~~توجد أي عمارة قديمة، ولا نحت، ولا حتى حجر محفور يثبت أن الهمجي الزنجي في ~~يومنا هذا أدنى في المرتبة من سلف بعيد ... لذلك يجب أن نستنتج أن أجناس الإنسان ~~التي تسكن الآن [هذا الإقليم] لم تتغير عن قبائل ما قبل التاريخ التي كانت ~~تمثل السكان الأصليين. # كان من شأن هذه العقلية أن تستمر وصولا إلى عمق القرن العشرين. في عام 1923، سيكتب ~~المؤرخ البريطاني الرائد إيه بي نيوتن أن «لم يكن لأفريقيا عمليا أي تاريخ قبل مجيء ~~الأوروبيين ... لأن التاريخ يبدأ فقط من الوقت الذي يعتاد فيه البشر الكتابة»، متجاهلا ~~تجاهلا تاما مجموعة الأدلة المتزايدة التي تثبت العكس. بعد ذلك بخمس سنوات، سيصادق ~~ريجينالد كوبلاند، أستاذ كرسي بيت للتاريخ الاستعماري بجامعة أكسفورد، على ما ذكره ~~نيوتن، مؤكدا أنه حتى القرن التاسع عشر، كان القوام الرئيسي للأفارقة «قد ظل، لقرون لا ~~تحصى، غارقا في البربرية ... لقد ظلوا في حالة جمود، فلا تقدموا إلى الأمام ولا تراجعوا ~~للوراء. لا يوجد مكان في العالم، عدا ربما في بعض المستنقعات المنتنة في أمريكا ~~الجنوبية أو في بعض جزر المحيط الهادئ المنعزلة، كانت فيه الحياة البشرية بهذا الجمود. ~~كان قلب أفريقيا بالكاد ينبض.» # كانت أفريقيا، المسلوبة من ماضيها وثقافتها، صفحة بيضاء، فراغ يمكن أن تفرض عليه ~~المسيحية والحضارة. ومع اكتمال الأساس الفكري، كان يمكن أن يبدأ «التصارع على أفريقيا»، ~~كما أسماه أحد كتاب الأعمدة في صحيفة «ذا تايمز» اللندنية. كان ليوبولد أحد المحرضين ~~على عملية الاستيلاء على الأراضي هذه. يبدو الآن ليوبولد، الذي لم يكن سوى الملك الثاني ~~لبلد كان قد تأسس في عام 1830، نوعا ما على هيئة متطرف استعماري. كان قد ظل لعقود ~~يبحث عن إقليم فيما ms220 وراء البحار ليستولي عليه. في عام 1871، قبل أربع سنوات من اعتلائه ~~العرش، كان قد منح وزير مالية بلجيكا المناهض للإمبريالية ثقالة أوراق مصنوعة من ~~قطعة من رخام الأكروبول منقوشا عليها كلمات معناها «لا بد أن يكون لبلجيكا مستعمرة.» ~~كان لديه ميل شديد للاستيلاء على جزيرة بورنيو وغينيا الجديدة. واستثمر في شركة قناة ~~السويس ودرس خطوط السكك الحديدية البرازيلية. وأخيرا عين هنري مورتون ستانلي، ~~المستكشف الذي قال عنه ريتشارد فرانسيس برتون ذات مرة: «إنه يطلق النار على الزنوج ~~وكأنهم قرود»، ليجري سرا فحصا أوليا لحوض نهر الكونغو، وهو رقعة هائلة من الأرض ~~تزيد مساحتها عن ثلاثين ضعف مساحة بلده. بنى ستانلي طرقا وعقد تحالفات، بينما حاول ~~ليوبولد أن يقنع القوى العظمى بأن تساند اقتراح أن تستحوذ الرابطة الدولية الأفريقية ~~التي كان قد أسسها على الإقليم. وفي نوفمبر من عام 1884، عقد أوتو فون بسمارك مؤتمرا ~~دبلوماسيا في برلين، لحل مسألة ليوبولد من ناحية، ولوضع القواعد الأساسية لعمليات ضم ~~الأراضي التي كانت جارية بالفعل من ناحية أخرى. # تفاوض مندوبو الوفود لمدة ثلاثة شهور، بدون وجود أفريقي واحد على الطاولة. عندما ~~افترقوا في السادس والعشرين من فبراير من عام 1885، كان قد اعترف بالرابطة الدولية ~~الأفريقية التابعة لليوبولد باعتبارها الجهة الحاكمة لدولة الكونغو الحرة الجديدة، مما ~~شكل الإطار القانوني لاستيلائه على الإقليم، ووضعت الخطوط العريضة لتقسيم ~~أفريقيا. ونص المؤتمر على أنه من أجل أن تمتلك القوى الأوروبية أقاليمها بالكامل، ~~كان يتعين عليها أن تبدي «احتلالا فعالا»؛ بعبارة أخرى، كان يتعين أن يكون لها قوات ~~على الأرض. # كانت تمبكتو لعقود على دراية بالتعديات الأوروبية. في عام 1830، كان جيش من أربعة ~~وثلاثين ألف جندي فرنسي قد استولوا على الجزائر من العثمانيين، وبحلول خمسينيات القرن ~~التاسع عشر، بعد سلسلة من الحملات على حركات المقاومة المحلية، كانوا قد غزوا معظم ~~الإقليم المحيط. كان مئات الآلاف من «المستوطنين» قد عبروا البحر المتوسط للاستقرار في ~~شمال أفريقيا، وكان ينتشر في الساحل حينئذ بساتين الكروم، والمزارع، والعمارة ~~الفرنسية. في تلك الأثناء، في ms221 غرب أفريقيا كانوا قد توغلوا في المناطق الداخلية ~~انطلاقا من قواعدهم الشديدة القدم في السنغال وخليج غينيا. كان التقدم الفرنسي هنا ~~على هيئة مسألة ترقيع بقدر أكبر، يقودها غالبا تجار مستقلون أو ضباط جيش كان من شأنهم ~~أن يستغلوا أي شجار لاستدعاء زوارق حربية أو كتائب عسكرية، وعندئذ كان القادة المحليون ~~يجبرون على توقيع معاهدات التنازل عن الأراضي. شيئا فشيئا، كانت باريس قد بسطت ~~سيطرتها على غينيا، وداهومي، وكوت ديفوار، وفولتا العليا، وأجزاء من وادي نهر ~~النيجر. # وعلى الرغم من علم قادة تمبكتو بكل هذا، كانوا سيشعرون بالمفاجأة عندما يعرفون أنهم ~~على وشك أن يصبحوا جزءا من فرنسا. ~~••• # طيلة مائة عام، كانت القوة الدافعة للاستكشاف الأوروبي في تمبكتو ونهر النيجر هي ~~جمعيات الاستكشاف، والجغرافيين، وحفنة من المستشرقين. لم تعد دراسة أفريقيا حينئذ ~~تخصصا جديرا بالفكر الأكاديمي. لم تنشئ أي جامعة أوروبية كراسي أستاذية في تاريخ ~~القارة أو لغاتها؛ فإذا لم يكن لأفريقيا حضارة، فما المغزى من إنشائها؟ كانت دراسة ~~الماضي تعتمد على المواد المرجعية المكتوبة، وبما أن أفريقيا لم تكن تمتلك أيا من ~~ذلك، فلم يكن يوجد ما يمكن البحث فيه. في العقود التالية، كان دور استكشاف ثقافة ~~أفريقيا سيقع في المقام الأول على عاتق الجنود، والضباط الاستعماريين، ~~والصحفيين. # أثارت أماكن قليلة في القارة حماس الجيل الجديد من الإمبرياليين الفرنسيين أكثر من ~~تمبكتو. ولم تكن خيبة أمل كاييه سببا في تثبيط الفضول الأوروبي بشأن المدينة، أو ~~الاعتقاد بالثراء الجوهري للمنطقة. وجرت عدة محاولات فاشلة للوصول إليها في الجزء ~~الأخير من القرن التاسع عشر. في عام 1884، شيدت سفينة خصيصى من أجل أن تشق طريقها في ~~نهر النيجر؛ وغرقت في جني في عام 1885، وانتشلت، وانطلقت مجددا في طريقها إلى ~~تمبكتو في عام 1886، عندما أجبرت أخيرا على التراجع بعد تعرضها لهجوم من مجموعة من ~~الطوارق. # حتى عندما حاول رؤساؤهم في وزارة المستعمرات في باريس منعهم، كان من شأن كبار ~~الضباط التوسعيين الساعين إلى ترقية أن يأخذوا على عاتقهم مهمة التوغل في عمق غرب ms222 ~~أفريقيا. كان أكثر هؤلاء العسكريين عدوانية هو الكولونيل لوي أرشينار، قائد القوات ~~الفرنسية في السودان من 1888 إلى 1893. في هذا الوقت كانت منطقة النيجر الوسطى تحت ~~سيطرة إمبراطورية التكرور الإسلامية. لخص سلف أرشينار، جوزيف جالياني، المواقف ~~الفرنسية تجاه سلطان التكرور، أحمدو سيكو، حيث ذكر أنه «يجب علينا أن ننظر إلى كل هؤلاء ~~الزعماء باعتبارهم أشخاصا يجب تدميرهم وجعلهم يختفون في القريب العاجل.» في أبريل من ~~عام 1890، شن أرشينار هجوما غير مبرر على عاصمة التكرور في سيجو، التي سقطت دون ~~مقاومة. وبينما كان رجاله ينقبون في ممتلكات أحمدو بحثا عن ثروته الشهيرة (التي لم تكن ~~بقدر ما أشيع عنها)، وجدوا عددا كبيرا من المخطوطات. تكشف رواية أرشينار عن ذلك ~~اليوم عن عدم وجود اهتمام بهذه الوثائق، ومع ذلك استولي عليها وشحنت في أربعة ~~صناديق. وظلت في مستودع إمدادات استعماري حتى نهاية عام 1892، ثم أعطيت لمكتبة فرنسا ~~الوطنية في باريس. وبقيت هناك، دون أن تمسها يد، لأعوام عديدة. # بعد سحق التكرور، استمر أرشينار في التوغل صوب تمبكتو، مخالفا الأوامر المباشرة من ~~رؤسائه في باريس. في أبريل من عام 1893 استولى على جني بعد قتال عنيف، وسقطت موبتي في ~~وقت لاحق من ذلك الشهر دون مقاومة، لكن تحولا سياسيا رافضا للتوسع العسكري كلف ~~أرشينار أخيرا منصبه. تولى الآن ضابطان فرنسيان متنافسان - المقدم أوجين بونييه ~~والنقيب البحري هنري بواتو - الراية في هذا السباق الجديد إلى تمبكتو، في عصيان لأوامر ~~صريحة من بديل أرشينار، الذي كان في طريقه قادما من فرنسا. كان بواتو هو المتقدم من ~~البداية؛ فبعد أن أخذ زورقين حربيين وفرقة من الجنود مبحرا مع مجرى النهر، دخل تمبكتو ~~في السادس عشر من ديسمبر من عام 1893. أما بونييه الغاضب، الذي كان طوال حياته يطمح إلى ~~غزو المدينة، فوصل بعد ذلك بشهر إلى المنطقة مع رتل من القوات الاستعمارية. وبالقرب من ~~جوندام، تعرض الرتل لهجوم ليلا من الطوارق، وذبح بونييه، وعشرة من ضباطه، ومترجم، ~~وضابطا صف أوروبيان، وثمانية وستون جنديا سنغاليا. كان يتعين حينئذ إعادة ~~الاستيلاء ms223 على المدينة ومعاقبة الطوارق، وهما مهمتان أنجزهما بكفاءة الميجور جوزيف ~~جوفر، الذي تقدم على امتداد الضفة اليسرى لنهر النيجر من سيجو، وقتل مائة من الطوارق، ~~واستولى على ألف وخمسمائة رأس من ماشيتهم. نال جوفر ترقية عن عمله، ولم تكن تلك هي ~~المرة الأخيرة؛ ففي عام 1914 أصبح القائد العام للقوات الفرنسية في الجبهة ~~الغربية. # أثار الاستيلاء على تمبكتو وإحجام الضباط الفرنسيين في غرب السودان عن إطاعة الأوامر ~~غضبا شديدا في باريس، حيث كانت الحكومة منقسمة بين فصائل موالية للجيش وأخرى موالية ~~للمدنيين. ومع ذلك كان الاحتلال أمرا واقعا. ووافقت عليه وزارة المستعمرات بشرطين: ~~الأول، أن يمكن الحفاظ عليه من دون مخاطرة؛ والثاني، ألا يكبد الحكومة أي تكلفة ~~إضافية. ~~••• # كان فيليكس دوبوا ابن طاه معروف أمضى عشرين عاما يطهو للقيصر. أثبتت صلات أبيه بين ~~ذوي المراتب العليا في المجتمع الأوروبي في القرن التاسع عشر نفعها لفيليكس عندما بدأ ~~مسيرته المهنية صحفيا، لكن مغامراته في عالم الأدب كانت أكثر قيمة؛ كتب والد دوبوا ~~سلسلة موسوعية من كتب الطهي الأكثر مبيعا، وأبقت عائدات حقوق التأليف، من وصفات لأطباق ~~مثل أمخاخ الأغنام في صوص الريمولاد ولحم قدم العجل «بالطريقة الجنيفية»، فيليكس ~~واقفا على قدميه ماديا كلما كان دخله الآخر يوشك أن ينضب. بحلول عام 1894، في ~~الثانية والثلاثين من عمره، أصبح فيليكس مراسلا أجنبيا معترفا به، بعد أن كتب ~~تقارير صحفية غنية بالتنوع لصحف باريس من فيينا وبرلين، ومن حملة هنري بروسلار فيدرب ~~الاستكشافية إلى فوتاجلون. كان من الطبيعي جدا، عندما وصلت أخبار غزو تمبكتو إلى ~~أوروبا، أن يلجأ إليه رئيس تحرير صحيفة «لو فيجارو» الباريسية ليعطيه تقريرا إخباريا ~~من هذه الجوهرة الجديدة الغريبة في تاج فرنسا. # رسا المراسل في داكار في أغسطس من عام 1894 وبعد استكشاف الساحل، بدأ يشق طريقه ~~شرقا. لم يعد الطريق إلى تمبكتو يحمل الأخطار التي كان قد واجهها بارك وكاييه؛ ارتحل ~~دوبوا مخترقا الداخل الأفريقي تحت حماية السلطة الفرنسية، على طرق إمدادات أنشئت من ~~أجل القوات المسلحة وحتى على السكة الحديدية ms224 الجديدة التي كانت قد بنيت بين داكار ~~وسان لوي. توقف في جني، حيث أثار حماسه أن يعثر على مخطوطات، من بينها نسخة كاملة من ~~كتاب «تاريخ السودان»، والتي نسخها، وعمارة سودانية مذهلة. أقنعه هذان الاكتشافان بأن ~~حضارة سونجاي، التي أظهرت هذا «الذكاء والعلم»، لا بد أنها أتت من مصر القديمة. من ~~جني شق طريقه شمالا في النهر، عازما، كما كتب لاحقا، على أن «يميط تماما اللثام ~~الذي أخفى السودان عنا لزمن طويل جدا.» ارتحل الأميال القليلة الأخيرة من كابارا في ~~حراسة مسلحة، وعندما ارتفع المسار الرملي إلى قمة كثيب رملي، وقعت عيناه لأول مرة على ~~هدفه، الذي بدا له على صورة «سماء شاسعة وبراقة، وامتداد شاسع وبراق من الأرض، والمعالم ~~الكبيرة للمدينة توحد الاثنين. إنها صورة ظلية قاتمة، ضخمة، وطويلة، صورة تنم عن ~~العظمة والضخامة - هكذا ظهرت «ملكة السودان.»» # عند دخوله إلى المدينة، عاد بسرعة إلى الواقع. كانت تمبكتو في يناير من عام 1895 ~~«مأساوية»، تكاد أن تكون خرابا. حتى منزل الشيخ البكاي، الذي كان رجلا «معروفا في ~~سائر أنحاء أوروبا، وفي سائر أنحاء العالم، وتبادلت ملكة إنجلترا معه المراسلات»، كان ~~حطاما، مع وجود بقايا ضئيلة للعقل المتوقد بالذكاء الذي كان يسكن فيه يوما ما. كانت ~~أبنية المدينة في حالة سيئة لدرجة أن دوبوا فكر في التخييم خارجها، قبل أن يجد مرشده ~~منزلا يرضيه. في اليوم التالي بعث برسائل تقديمية كان قد حصل عليها في جني، داعيا ~~علماء المدينة لزيارته. بينما كان يتبادل الحديث مع هؤلاء الرجال، موجها إليهم أسئلة ~~عميقة بحثا عن معلومات تاريخية، وإذ أطلعوه على المزيد من المخطوطات، أخذ رأيه يتغير ~~من جديد تغيرا كاملا. لم تكن أمجاد تمبكتو في نهاية الأمر وهما؛ كانت فقط تكمن في ~~أفق الماضي البعيد. تبدد المشهد البائس الذي استقبله شيئا فشيئا، ومن دون أن يطأ ~~بقدمه الشارع بعد، تشكلت تمبكتو جديدة أمامه: # كان من الواضح أن سرا كان يحوم حول تمبكتو الغامضة. كانت لدي العينان ~~اللتان أبصرتا ذلك؛ وأخيرا استعدت صورة المدينة ms225 العظيمة، تمبكتو الغنية التي ~~تحاكت عنها الأساطير . # كان الصحفي قد عثر على سبقه الصحفي. # لم يكن كاييه مخطئا؛ كانت ملكة السودان كئيبة وباهتة ظاهريا. ولكن بالتنقيب عميقا ~~في مخطوطاتها، التي كانت فقط ما بقي من المكتبات البديعة التي كانت قد نهبت بالفعل ~~على يد إمبراطوريتي الفولاني والتكرور من منحنى نهر النيجر، أماط دوبوا اللثام عن ~~«تمبكتو المقدسة، المثقفة، حاملة مشعل المعرفة في منطقة نهر النيجر.» هكذا كان بهاء ~~المدينة أثناء ماضيها الذهبي لدرجة أن «تخيلاتنا لا تزال منبهرة بانعكاساته، بعد ثلاثة ~~قرون من أفول نجمها.» وسارع بعقد مقارنات بينها وبين أوروبا؛ كان سانكوري، مركز نشاط ~~مثقفي المدينة، تشبه كثيرا الحي اللاتيني في باريس، وشكلت مدارسها «جامعة سانكوري» - ~~وهو مصطلح صاغه دوبوا - التي كان أساتذتها «يذهلون أعظم علماء الإسلام بسعة اطلاعهم.» # لم تكن تمبكتو نواة السودان الفكرية الكبرى فحسب ... كانت أيضا واحدة من أعظم ~~المراكز العلمية للإسلام نفسه؛ إذ كانت جامعتها الشقيقة الصغرى لجامعات ~~القاهرة، وقرطبة، وفاس، ودمشق. لا تدع لنا مجموعتها من المخطوطات القديمة ~~مجالا للشك في هذه النقطة، وهي تسمح لنا بأن نعيد بناء هذا الجانب من ماضيها ~~بأدق تفاصيله. # وكتب أنه على النقيض من جامعي الكتب الأوروبيين البخلاء في العصر الحالي، كان علماء ~~تمبكتو الواسعو المعرفة يجدون متعة حقيقية في مشاركة أثمن مخطوطاتهم مع الآخرين؛ كانوا ~~ديدان كتب «بأفضل ما تعنيه الكلمة.» تخيل دوبوا هؤلاء العلماء وهم يفتشون بشغف عن ~~مجلدات لم تكن بحوزتهم ويصنعون نسخا عندما يكونون أفقر من أن يشتروا ما أرادوا. بهذه ~~الطريقة زادوا مجموعاتهم من الكتب إلى ما بين سبعمائة وألفي مجلد. كان من بينها ~~أعمال في الشعر والخيال، ومؤلفات «من نوع غريب على الأدب العربي»، من بينها أعمال ~~العالمين الشهيرين الحريري والحمداني. وجد نسخة من «كتاب تحفة الألباب ونخبة ~~الإعجاب»، وهو عبارة عن مجموعة من الأسفار والأساطير ألفه أبو حامد الغرناطي في ~~الموصل في القرن الثاني عشر. كتب دوبوا: «كانت الأعمال التاريخية والجغرافية من المغرب، ~~وتونس، ومصر معروفة في تمبكتو، وكانت العلوم الخالصة ms226 متمثلة في كتب عن الفلك والطب.» ~~باختصار ، يمكن القول إن مكتبات تمبكتو كانت تشتمل تقريبا على مجمل الأعمال المكتوبة ~~بالعربية. # وذكر أن الجانب الأعظم من مجموعات تمبكتو كان «غير مثير لاهتمامنا تماما»؛ لأنه كان ~~يتألف من دراسات فقهية وشرعية ونصوص إسلامية جادة، لكن جزءا ضئيلا من مجموعات ~~تمبكتو الأدبية كان «في غاية الأهمية»؛ إذ كان يحتوي على «تلك الأعمال التاريخية التي ~~ألقت قدرا كبيرا من الضوء على الماضي المجهول لهذه المناطق الشاسعة.» كان من أهم هذه ~~الأعمال كتاب «تاريخ السودان»، لكنه وجد أيضا كتب تاريخ أخرى: «ديوان الملوك في ~~سلاطين السودان» مجهول المؤلف، الذي وصف تاريخ المدينة من عام 1591 وما بعده، و«تذكرة ~~النسيان في أخبار ملوك السودان»، وهو عبارة عن إعادة ترتيب لكتاب «ديوان الملوك» على ~~هيئة قاموس تراجم. ولكن كانت كتب المدينة كلها ذات قيمة كبيرة جدا حتى إن دوبوا لم ~~يتمكن من شراء كتاب واحد. # لم يكن أعظم اكتشاف أدبي لدوبوا عبارة عن مخطوطة على الإطلاق، وإنما مجرد شائعة. ~~أخبره أحدهم عن كتاب دعاه «تاريخ الفتاش»، وهو «تأريخ لممالك جاناطا [غانا]، وسونجوي ~~[سونجاي]، وتمبكتو، منذ نشأتها وحتى عام 1554»، الذي كتبه العالم محمود كعت. كان من شأن ~~العثور على هذه الوثيقة أن يكون ذا قيمة لا تقدر بثمن، ولكن مع أنه سأل الكثير من ~~الناس في تمبكتو، لم يطلع إلا على شذرات من هذا الكتاب. كان جميع الناس في المدينة ~~يعرفونه، ولكن لم يقر أي واحد بأنه يمتلكه. كان، كما استنتج، «كتاب السودان ~~الشبح.» # أخبر قاضي تمبكتو أحمدو سنسريف، الذي زعم أنه من نسل كعت، دوبوا بأنه كان يوجد سبب ~~لعدم وجود نسخ يمكن العثور عليها: # لم يكن كتاب «الفتاش» مشتهرا على الإطلاق ككتب تاريخ السودان الأخرى لأنه ~~تناول أحوال الكثير من الشعوب والكثير من الناس. أظهر الكتاب أن العائلات، التي ~~ازدادت ثراء ونفوذا منذئذ، وزعماء البلدان المختلفة، كانوا من أصول متواضعة، ~~وأنهم أحيانا كانوا نسل عبيد. لهذا السبب تسبب الكتاب في قدر عظيم من ~~الإزعاج للكثير من ms227 الناس، واشترى أصحاب الشأن أولئك كل النسخ التي استطاعوا ~~الحصول عليها وأتلفوها. # كان من بين أولئك الذين قيل إن الكتاب أزعجهم الشيخ أحمد لوبو، مؤسس إمبراطورية ~~ماسينا الفولانية، الذي كان قد أمر بقتل لينج في عام 1828. كان لوبو قد نصب نفسه ~~الخليفة الثاني عشر، آخر خلفاء النبي محمد، والذي كان قد تنبأ بمجيئه. لكن كتاب ~~«الفتاش»، الذي كتب قبل تأسيس إمبراطورية لوبو بقرون، أغفل ذكره في قائمة النبوءات ~~التي وردت فيه. تفكر دوبوا متسائلا: هل من المحتمل أن يكون الفولاني قد أتلف نسخ ~~كتاب «الفتاش» لمنع الكتاب من فضح كذبة لوبو؟ # أخبر سنسريف دوبوا بأن المخطوطة الأصلية من كتاب «الفتاش» قد فقدت في ملابسات غير ~~معتادة. كانت قد ورثته إحدى عماته الكبريات، التي عاشت في قرية تيندرما مسقط رأس كعت، ~~على بعد ستين ميلا جنوب غرب تمبكتو. ولكي تحافظ على الكتاب المثير للجدل، وضعته في ~~صندوق خشبي ودفنته تحت ربوة صغيرة بالقرب من منزلها. كانت امرأة مشهورة وذكية ولديها ~~موهبة في الحديث، وكثيرا ما كان الناس يأتون لزيارتها، وأحيانا يسألونها عما كان تحت ~~الربوة. كانت تجيب دوما بنفس الطريقة. كانت تقول: «إن [محمود كعت]، أخي الجليل، هو ~~المدفون هناك»، وعندئذ كان أصدقاؤها لا يغفلون أبدا أن يتمتموا بدعاء قصير له على ~~الربوة؛ لأن كعت كان يشتهر بالتقوى والحكمة. # في نهاية المطاف أصبحت على علاقة طيبة برجل من الفولاني وأخبرته بسر ما كان مدفونا ~~تحت الأرض. هرع الرجل على الفور إلى لوبو ليخبره بشأن النسخة الكاملة من كتاب ~~«الفتاش»، وبعد ذلك بفترة وجيزة أرسل السلطان رجاله ليستخرجوا الوثيقة الثمينة. وبينما ~~كانوا عائدين في النهر إلى العاصمة، «انقلب زورق حامل الكتاب الذي لا يقدر بثمن.» ~~واختفت المخطوطة في مياه نهر النيجر وضاعت من العالم إلى الأبد. ~~••• # سرعان ما أضفت توصيفات دوبوا للعصر الذهبي لتمبكتو الحيوية على صفحات صحيفتي «لو ~~فيجارو» و«لاليستراسيون»، مصحوبة بصور للبلد الذي كان قد ارتحل عبره. نشر السرد ~~الكامل لرحلته على هيئة كتاب في فرنسا في عام 1897. صيغ ms228 كتاب «تمبكتو الغامضة» بحرفية ~~لتلبية شهية العامة للأدب الاستعماري، مستحضرا رؤية رائعة عن أرض أوروبية حديثة العهد. ~~على يد دوبوا، تحررت المدينة من طريقة كاييه الفاضحة للزيف ومن ملاحظات بارت القاسية ~~واستعادت مكانتها الشعرية المرتفعة. معيدا صياغة الاستعارة التي استخدمت ذات يوم ~~على يد منافس وارينجتون في طرابلس، البارون روسو، حول دوبوا تمبكتو إلى أنثى مثيرة ~~تنتظر أن «يماط عنها النقاب.» كان من شأن المؤلف أن يعري بجرأة «ملكة السودان» داكنة ~~البشرة أمام أعين جمهوره، وكان من شأن لمحات العجائب الكامنة أن تسلب لب القارئ. وحقق ~~الكتاب نجاحا ساحقا. # وهب دوبوا كتاب «تاريخ السودان» الذي كان قد جلبه من جني للمكتبة الوطنية الفرنسية، ~~حيث انضم إلى المجلدات البالغ عددها 518 مجلدا التي كان أرشينار قد نهبها من سيجو، ~~وفي ذلك نسخة أخرى من كتاب «تاريخ السودان». أرسلت كلتا النسختين في ذلك الوقت إلى ~~المستشرق البارز أوكتاف هودا في مدرسة اللغات الشرقية الحية في باريس. مستعينين ~~بالمخطوطتين، بدأ هودا ومعاونه إدمون بينوا في تجميع نسخة عربية من الكتاب التاريخي، ~~ونشراها في عام 1898. وفي عام 1900 أصدرت ترجمة فرنسية، مدعومة بوصول مخطوطة ثالثة ~~اكتشفها المستكشف لوي توتين. كان من شأن هذا العمل، جنبا إلى جنب مع كتاب دوبوا، أن ~~يبعثا حياة جديدة في أسطورة تمبكتو الذهبية. # ومما يبعث على السخرية أن مروج أسطورة تمبكتو الجديدة اعتقد بلا خجل بتفوق جنسه. ~~كان دوبوا قد كتب عن حملة جوفر التأديبية ضد الطوارق، على سبيل المثال، أنه «يظل ~~ضروريا من آن لآخر أن نظهر لهم أن هيمنتهم الشريرة إلى زوال، وأنهم قد وجدوا ~~سيدهم.» ومع ذلك، فمن وجهة نظر المؤرخين الاستعماريين، كان من الممكن في نفس الوقت ~~الإشادة بالإمبراطورية والتعجب من منجزات شعبها الذي أخضع مؤخرا. ولإضفاء الشرعية ~~على احتلال القارة، كانت الثقافة الأفريقية قد قلصت إلى العدم؛ والآن بعد أن صارت ~~في قبضة الأوروبيين، بدا من الممكن الإفصاح عن عجائبها على نحو آمن. وبالفعل، من وجهة ~~نظر دوبوا، لم يكن بوسع تمبكتو أن تزدهر مجددا إلا ms229 تحت الاحتلال الفرنسي. فكتب في ~~واحدة من فقراته الطنانة الكثيرة: «أتصور المدينة وقد صارت مركزا للحضارة والعلوم ~~الأوروبية، كما كانت في السابق مركزا للثقافة الإسلامية.» ثم أضاف: «سوف تمتد مجددا ~~سمعة علمائها من بحيرة تشاد إلى جبال كونج وضفاف الأطلنطي، وسوف تعود تمبكتو مرة أخرى ~~ملكة السودان الغنية والمثقفة التي يبشر الآن منظرها من بعيد على نحو خادع بأنها ~~كذلك.» # كان من شأن كتاب استعماريين آخرين، حريصين على إظهار إنجازات البلدان المحتلة ~~حديثا، أن يسيروا على خطى دوبوا. من بين هؤلاء كانت فلورا شو المثيرة للفضول، المعروفة ~~أيضا باسم الليدي لوجارد. ولدت شو في عائلة عسكرية في وولويتش، جنوب شرق لندن، ولم ~~تتلق تعليما رسميا، مع أنها أمضت جانبا كبيرا من طفولتها في القراءة في مكتبة ~~الأكاديمية العسكرية الملكية. وعندما كانت في السابعة عشرة من عمرها أصبح الناقد جون ~~راسكن راعيا لها، وشجعها على الكتابة، وأصبحت مؤلفة ناجحة إلى حد ما. ومع ذلك، كان ~~المجال الذي كان من شأنها أن تتفوق فيه هو الصحافة: أصبحت أول امرأة تنضم إلى الطاقم ~~الدائم لصحيفة «ذا تايمز» وفي عام 1893 عينت محررة استعمارية بها. كانت صديقة ~~وداعمة لسيسل رودس، بل إنها حتى صاغت مصطلح «نيجيريا» في مقالة في صحيفة «ذا تايمز» في ~~عام 1897. وبحسب ما ذكر أحد معاصريها، كانت «شابة جميلة، مهندمة، نابغة، مستقيمة، على ~~أعلى قدر من البراعة، لديها القدرة على بذل جهد هائل في العمل، صلبة للغاية، وتتكلم ~~وكأنها أحد قادة صحيفة «ذا تايمز».» في عام 1902 تزوجت من المفوض السامي البريطاني في ~~شمال نيجيريا، فريدريك لوجارد، وبعد ثلاثة أعوام نشرت كتابا عن تاريخ غرب أفريقيا، هو ~~كتاب «تابعة استوائية»، الذي جمعت فيه مجموعة هائلة من المواد المرجعية، من ضمنها كتاب ~~«تاريخ السودان» الذي وصفته بأنه «كنز». # كانت مهمة شو التي اختارت لنفسها القيام بها في كتابها هي توضيح طبيعة المنطقة للقارئ ~~الغربي وشرح مباهجه. وللقيام بذلك، أجرت كثيرا مقارنات جدلية بين تاريخ سونجاي ~~والخبرات التي قد يفهمها قراؤها. وهكذا كان سجن إقليم ms230 أسكيا يؤدي «غرضا مشابها لذلك ~~الذي كان يؤديه برج لندن»، بينما في ظل حكم خلفاء أسكيا الأكبر، «كانت حفلات الموسيقى، ~~التي تقدم مغنين من كلا الجنسين، محل ارتياد من الكثيرين.» في كثير من النواحي، كانت ~~إمبراطورية سونجاي متقدمة إلى حد بعيد عن أوروبا المعاصرة: فكتبت أنه كان يوجد جراحو ~~عيون مشهورون ممن كان بمقدورهم إجراء عمليات مياه بيضاء، وكان يوجد معرفة كافية بعلم ~~الفلك حتى إن «ظهور المذنبات، الذي كان أمرا مدهشا لأوروبا في العصور الوسطى، كان ~~يلاحظ أيضا بهدوء، باعتباره مسألة محل اهتمام علمي، في تمبكتو.» لكن أعظم إنجاز ~~لشعب سونجاي كان «جامعة تمبكتو»، المؤسسة التي كان دوبوا قد استحضرها من أبحاثه فيما ~~يتعلق بالمدارس الإسلامية حول مسجد سانكوري. بحسب ما ذكرت شو، كانت الجامعة قد جعلت ~~تمبكتو «مركزا حضاريا نشطا جدا»، أثناء العصور الوسطى السودانية. # سينظر لاحقا إلى العديد من هذه المزاعم باعتبارها مبالغات، ولكنها كانت معتدلة ~~مقارنة بنظرية كانت قد أشيعت لأول مرة عام 1880، وهي النظرية التي أعطتها شو حينئذ ~~مصداقية؛ القائلة بأن الماليين قد أبحروا إلى الأمريكتين قبل كولومبوس بوقت طويل، وبأن ~~نسلهم قد ساعد في تأسيس إمبراطورية الأزتيك. يقال إن مصدر هذه القصة هو حكاية حكاها ~~مانسا موسى أثناء رحلة حجه. عندما سئل موسى كيف صار ملكا لمالي، أجاب بأن سلفه كان قد ~~أطلق حملة استكشافية استثنائية، مجهزا مائتي سفينة بالرجال ومائتي سفينة أخرى بما يكفي ~~من الذهب، والماء، والزاد لأن يدوم معهم لأعوام، وأمر قائدهم ألا يعود حتى يصل إلى ~~الجهة الأخرى من المحيط الأطلنطي. وقال موسى إنه لم يعد من هذه السفن إلا سفينة ~~واحدة، ومعها قصة مفادها أن السفن الأخرى قد وصلت إلى مصب نهر قوي التيار. وعندئذ، ~~بحسب حكاية موسى المزعومة، جهز السلطان حملة استكشافية جديدة: # جهز ألفي سفينة، منها ألف لنفسه وللرجال الذين أخذهم معه، وألف للمياه ~~والزاد. تركني لأنوب عنه وأبحر في المحيط الأطلنطي مع رجاله. كانت تلك هي آخر ~~مرة نراه فيها هو وكل أولئك الذين كانوا معه ms231، وهكذا صرت أنا ملكا. # هل من المحتمل أن المصب العظيم الذي وصل إليه الأسطول المالي كان نهر الأمازون؟ أو أن ~~الماليين كانوا قد تابعوا طريقهم من هناك إلى المكسيك، حيث ساعدوا هم وأحفادهم في إقامة ~~إمبراطورية الأزتيك؟ استشهدت شو بالعديد من الأدلة الداعمة لهذه الفرضية غير المحتملة. ~~كان من هذه الأدلة حقيقة أن ابن بطوطة في روايته لزيارته إلى بلاط الحكم المالي، سجل ~~أن «شعراء يرتدون الأقنعة ويلبسون مثل الطيور سمح لهم بالإفصاح عن رأيهم للملك»: # يصعب على المرء ألا يستحضر في الوصف [الذي قدمه ابن بطوطة]، ببعض التفصيل، ~~ممارسات مشابهة ورثها التيزكوكان إلى الأزتيك، الذين كانوا، في نفس خط ~~العرض تقريبا في القارة الأمريكية في نفس هذا الوقت، في منتصف القرن الرابع ~~عشر، ينجحون في اتخاذ موقعهم على الهضبة المكسيكية. # اشتملت المصادفات الأخرى على عادات في كلا البلدين كان يتوقع فيها من الأشخاص ~~الذين يستدعون إلى البلاط أن يغيروا ما يلبسونه ويرتدون ثيابا رثة، بينما تتماثل ~~العادة السودانية المتمثلة في أن يحثو المرء التراب على رأسه قبل أن يخاطب الإمبراطور ~~مع ركوع الأزتيك للمس الأرض باليد اليمنى. ومع ذلك كان من أهم الأدلة التي ساقتها شو ~~أمر لون بشرة الجنسين: «يجدر أن نتذكر أن الأزتيك، رغم أنهم ليسوا زنوجا، كانوا جنسا ~~ذا بشرة داكنة أو نحاسية اللون، على ما يبدو من قبيل اللون الذي يصفه بارت بأنه لون ~~«الأجناس الحمراء» التي في السودان.» بحسب شو، إن لون البشرة هذا كان قد نتج عن اختلاط ~~«فحولة العربي» مع «الطبيعة اللطيفة للسوداني الأسود»، الذي أنتح جنسا متفوقا ~~جينيا. وأضافت: «نتيجة لتصادم واندماج هاتين القوتين، بلغت الحضارة السوداء أعظم درجة ~~وصلت إليها على الإطلاق في أفريقيا الحديثة.» # على الرغم من غياب أي دليل ملموس، فستظل حكاية الحملة البحرية المالية في القرن ~~الرابع عشر إلى أمريكا تذكر على أنها حقيقة في بعض الدوائر بعد ذلك بقرن. # بحلول أوائل القرن العشرين، كانت أسطورة تمبكتو الثرية ذات الأسقف الذهبية قد نبذت ~~منذ وقت طويل، ولكن ms232 كان قد حل محلها فكرة كون تمبكتو مدينة جامعية مستنيرة ترفه ~~فيها فرق الموسيقى عن الأباطرة ويرسم فيها علماء الفلك مسارات المذنبات في نفس الوقت ~~الذي كانت فيه أوروبا تجاهد للخروج من عصور الظلام. كان لهذه الأسطورة أساس أكثر مما ~~كان للأسطورة القديمة، ولكنها كانت لا تزال مبالغة صارخة، قصة كتبت لتناسب الحاجة ~~الجديدة إلى الغرابة المثيرة. يبدو أن تمبكتو كانت تعكس لكل واحد من الرحالة الذين ~~وصلوا إليها شيئا مما أرادوا أن يجدوه فيها. اكتشف لينج الرومانسي نهايته المتسمة ~~بالعظمة. ووجد كاييه، المغامر متواضع الحال، مدينة بسيطة. وكشف بارت، العالم، عالما ~~من المعلومات الجديدة. وتوصل دوبوا، الصحفي، إلى انفراده الحصري، بعدما أماط اللثام ~~عن الماضي الخفي للمنطقة. # فالأمر الغامض لا يمثل شيئا إذا لم يكن ملزما. # الفصل الخامس عشر # | محرقة الكتب # يناير 2013 # في يوم الأحد، الموافق العشرين من يناير، انسل المصور الصحفي شيخ ديوارا عبر نقطة ~~تفتيش الجيش المالي جنوب دوينتزا ودفع مالا لشاب معه دراجة بخارية ليأخذه عبر الخطوط ~~الأمامية. كان قد أمضى يومه كله في السفر وتصوير لقطات الفيديو. كان الآن وقت الغسق ~~واحتاج إلى تناول الطعام؛ لذا عندما وصل إلى المدينة دخل مقهى وطلب بعض الطعام. حذره ~~مالك المقهى قائلا إن عليه أن يلتزم الحذر؛ فالجهاديون الذين كانوا لا يزالون يحتلون ~~المدينة كانوا مرتبكين وغاضبين وكانوا قد أطلقوا النار مؤخرا على أحد المدنيين. # بعد ذلك بثوان، بحسب ما تذكر ديوارا، انقلب الحي رأسا على عقب بفعل انفجار هائل. ~~قال: «سبق لي أن رأيت زلازل وانهيارات أرضية، ولكن ذلك لا يفوق هذا.» كل من كان واقفا ~~سقط أرضا بفعل قوة موجة الصدمة، ولمدة خمس دقائق لم يكن ديوارا يسمع أي شيء سوى ضجيج ~~أبيض. بدت دوينتزا نفسها وكأن «كل شيء فيها مشوش.» بينما كان الناس يجاهدون ليعودوا ~~للوقوف على أقدامهم، استطاع أن يرى مركبات جهاديين تتسابق خارجة من المدينة بسرعات بدت ~~مستحيلة، وأنوارها مطفأة. وعندما لم يدر محرك إحدى مركباتهم الثمينة، تخلوا ببساطة ~~عنها. # بينما كان ديوارا ms233 لا يزال في حالة دوار، شاهد رجلا يلتقط عبوة لبن مجفف كانت قد سقطت ~~من إحدى الشاحنات وهي تغادر مسرعة. خطر لمجموعة من المدنيين أنها ستكون فكرة جيدة أن ~~يذهبوا إلى المدرسة التي كان الجهاديون يستخدمونها قاعدة لهم ليروا ما تركوه. فركبوا ~~دراجاتهم البخارية واتجهوا بها صوب المبنى، ولكن بينما كانوا يقتربون منه سقطت قنبلة ~~ثانية. قال ديوارا: «بووم! أقسم إنه كان أعلى صوتا من الأول.» لاذ الناس بالفرار، ~~تاركين دراجاتهم البخارية. رفضوا أن يعودوا من أجل إحضارها، حتى في اليوم ~~التالي. # تذكر أهل تمبكتو أيام الحملة الفرنسية الجوية هذه باعتبارها الأيام الأكثر رعبا في ~~سائر أيام الاحتلال. تذكر إير مالي قائلا: «كان الأمر مريعا.» حتى عندما سقطت ~~القنابل بعيدا، كان بوسع الناس أن يشعروا بأن الأرض تهتز، وأحيانا كانت تنهار أجزاء ~~من بيوت المدينة الهشة المبنية بالتربة المدكوكة. كان الأمر أفضل قليلا عندما لم تكن ~~الطائرات تقصف؛ إذ كان يمكن سماعها تصرخ في السماء كل ليلة. تضمنت الأهداف مقر قوة ~~الدرك، وقصر القذافي، الذي كان يضم عشر غرف نوم، وأربعة عشر حماما، الذي كان يوجد ~~خارج المدينة والذي كان أبو زيد قد استخدمه مقرا له. تحول المبنى إلى أنقاض، ~~وتناثرت المتعلقات الشخصية وأوراق المراسلات فوق العشب، وفي ذلك فاتورة كهرباء موجهة ~~إلى «السيد القذافي.» # بينما كانت الطائرات ترعب أهل المدينة، كان لها تأثير مماثل على المحتلين. في ~~النهار كان الجهاديون يركنون مركباتهم تحت الأشجار القليلة المتناثرة ليحاولوا إخفاءها ~~عن السماء، وعندما كانوا يسمعون صوت طائرة نفاثة كانوا يفتحون مصاحفهم ويبدءون في ~~القراءة منها. بدءوا أيضا يأخذون أسرهم خارج المدينة، حيث كانوا يجلونهم ليلا في ~~قوافل. أخبروا السكان العرب بأن يغادروا أيضا، وتذكر إير مالي قائلا: «قالوا: «إن لم ~~تغادروا سيقتلونكم جميعا. في خلال ثلاثة أيام أو أربعة ستكونون كلكم صرعى في ~~تمبكتو.»» # في هذه الأيام، صارت العلاقات بين الجهاديين والسكان أكثر توترا من أي وقت مضى. حاول ~~المحتلون تنظيم مسيرات ضد الضربات الجوية ليستخدموها في مقاطع فيديو دعائية، ولكن ms234 لم ~~يأت أحد عدا مقاتليهم وقلة من الجالية العربية. ومع ذلك كان الأمر الأكثر إثارة للسخط ~~أن بعض المدنيين لم يستطيعوا احتواء فرحتهم بتقدم القوات الفرنسية وكانوا قد بدءوا ~~يسخرون علانية من الجهاديين. في الفجر، كان من شأنهم أن يستيقظوا ليجدوا أن علم مالي ~~قد رفع فوق مبان مدنية ليلا، وبعد استعادة كونا في الثامن عشر من يناير، كان يمكن ~~سماع أطفال الشوارع وهم يجرون بصوت عال مكالمات هاتفية تخيلية مع جنود ~~حكوميين. # كان من شأنهم أن يقولوا: «مرحبا، كونا؟» ثم يضيفون: «كونا! ما الأخبار؟ هل كل شيء ~~يجري على ما يرام هناك؟ حسنا، جيد جدا، جيد جدا!» # وصل الأمر إلى حد أن بعض منتهزي الفرص الشجعان أصبحوا ينهبون منازل المحتلين. وجد ~~أحد قادة الجهاديين، والذي كان قد صادر بيت مدير محطات المياه والغابات، أنه بينما كان ~~غائبا كان شخص ما قد سرق العديد من البنادق التي كان قد تركها في المنزل. أصابه سخط ~~شديد. قال عبد الله سيسيه: «بحث الجهاديون في كل مكان عن الجاني.» ثم أردف: «وأخيرا ~~قبضوا على شاب، قائلين إنه كان أحد أولئك الذين كانوا متورطين في الأمر. في تلك ~~اللحظة كانوا غاضبين حقا من أهل المدينة؛ لأنهم عرفوا أن الناس ظنوا أنهم كانوا ~~سيطردون خارجها وكانوا يستغلون الفرصة.» عذب الجهاديون المشتبه فيه لأيام، بحسب ما ~~قال سيسيه، لكنهم لم يعثروا أبدا على الأسلحة. # في يوم الثلاثاء، الموافق الثاني والعشرين من يناير، اتصل مفوض الشرطة الإسلامية، ~~الذي كان في هذا الوقت رجلا يدعى حسن، بديادي وطلب منه أن يحضر لجنة الأزمة إلى ~~مبنى المحافظة بعد الغسق مباشرة من أجل اجتماع عاجل. تشكك أعضاء اللجنة الآخرون في ~~الأمر. ماذا لو كان فخا؟ ماذا لو أن حسن كان ينوي أن يحتجزهم رهائن؟ شعر ديادي وستة ~~آخرون بأنهم ملزمون بداعي الشرف بأن يذهبوا: «قلت إننا كنا نفعل هذا طيلة عشرة شهور؛ ~~إننا تعهدنا بالتزامات وأن الطرفين احترما تلك الالتزامات حتى يومنا هذا.» # أرسلوا من مبنى المحافظة إلى مبنى البلدية ms235، حيث فوجئ ديادي عندما وجد أن مجموعة من ~~العرب كانت حاضرة أيضا. كان الجو متوترا من البداية. بدأ حسن بتوجيه تحذير. كان ~~الناس قد اقتحموا بيوت الجهاديين وسرقوا متعلقاتهم. وكانوا يسخرون منهم في الشوارع. يجب ~~على لجنة الأزمة أن تحذر الناس من أن الشرطة الإسلامية لم يعد لديها وقت لإجراء ~~اعتقالات، وأنهم إن خالفوا القانون من الآن فصاعدا، وإن اقتربوا من منازل الجهاديين أو ~~سرقوها، فسيقتلون رميا بالرصاص. كانت مهمة اللجنة أن تجعل الناس على علم بهذا. ما كاد ~~ينتهي من كلامه حتى تولى تاجر عربي دفة الحديث وقال إنه كان قد سمع أن شباب المدينة ~~كانوا يحضرون لنهب متاجرهم، وإنه ينبغي على اللجنة أن تحذر الناس من أن أصحاب ~~المتاجر العرب كانوا مسلحين، وإن اقترب أي أحد منهم فسيردى قتيلا بالرصاص. أضاف أن ~~أهل تمبكتو كانوا عنصريين تجاههم. لم يكونوا قد وقفوا جنبا إلى جنب معهم، وكانوا حتى ~~قد رفضوا أن يخرجوا في مسيرة ضد الضربات الجوية. # اشتاط ديادي غضبا. وقال لحسن إنه لم يأت ليوجه تهديدات، ولم يكن يتوقع أن توجه ~~إليه تهديدات. وأضاف: «إذا أردت أن يكون الناس هادئين، فلا تسمح لهؤلاء الأشخاص أن ~~يلقوا علينا محاضرات، أو أن يقولوا إننا لا نستطيع أن نمر بمتاجرهم. من هم ليطلبوا منا ~~أن نخرج في مسيرة؟ هل ينبغي علينا أن نتبعهم فحسب كالخراف؟ نحن لسنا إسلاميين ولا نخرج ~~في مسيرات مع الإسلاميين. وإن كان ذلك هو السبب في دعوتك لنا إلى هنا، فسوف ~~نغادر.» # حاول حسن أن يهدئه، لكن ديادي وأعضاء اللجنة الآخرين غادروا بعد ذلك بقليل. كان هذا ~~لقاءهم الأخير بالمحتلين. في اليوم التالي، أطلق الجهاديون النار على شاب فأردوه ~~قتيلا. كان يدعى مصطفى، وبحسب إحدى الروايات، كانت جريمته أنه هتف «تحيا ~~فرنسا!» # تذكر ديادي: «لقد قتلوا طفلا.» ثم أردف: «كان الطفل قد قفز فرحا. أطلقوا عليه النار ~~وأردوه قتيلا.» # حاول قادة الجهاديين أن يكفروا عن ذلك. فقدموا أعذارهم إلى أسرته، قائلين إن ~~الأمر كان غلطة، وأعطوا والد ms236 مصطفى مبلغا من المال. لكن العلاقات استمرت في ~~التدهور. # قال المرشد السياحي باستوس: «كانت تلك هي الأيام التي رأينا فيها وجههم الإرهابي.» ثم ~~أضاف: «كنا كلنا كفارا لأنهم طلبوا منا أن نخرج في مسيرة ضد الضربات الجوية وكان ~~الجميع خائفين من الخروج. قالوا لنا: «إنكم تستحقون أن تذهبوا إلى الجحيم.»» # كما كان معارف حيدرة قد توقعوا، بدأ الجهاديون في تدمير الأشياء بعد ذلك. أحرقوا ~~الشاحنات والآلات الزراعية. وأحرقوا محطة كهرباء المدينة. تذكر عبد الله سيسيه: «كل ما ~~يمكنهم فعله لإلحاق الأذى بالمدينة، فعلوه قبل أن يغادروا.» دخلت تمبكتو حينئذ أشد ~~مراحل التخريب أثناء الاحتلال. تذكر الإمام الأكبر: «كانت الأيام الأخيرة هي الأصعب.» ~~ثم أردف: «كان الواقع شديد الوطأة جدا. كان الناس مصدومين بسبب إطلاق النار، وكان ~~اللصوص في كل بقاع المدينة من وقت حلول الليل إلى شروق الشمس. لم يكن الناس يستطيعون ~~الخروج. لزم الجميع بيوتهم. كانوا خائفين جدا لدرجة أنهم لم يتمكنوا من تناول ~~الطعام.» # لم تكن توجد إنارة ولم تعد مضخات الماء الكهربائية، التي كانت تمبكتو تعتمد عليها، ~~تعمل؛ لذا، كان على الناس أن يسحبوا المياه من الآبار القديمة يدويا. لكن تدمير شبكة ~~الهاتف المحمول كان أكثر ما آلمهم. رأى باستوس الأمر يحدث؛ قال: «كنت هناك عند ~~السنترال المركزي في مساء أحد الأيام.» ثم أضاف: «وكان ثمة رجل جاء ومعه بندقية ~~كلاشينكوف. توقف أمام مجموعة منا وبدأ يطلق النار: بوب، بوب، بوب، بوب، بوب! فانفجر ~~مقسم الهاتف.» وزع الجهاديون بينهم أجهزة ووكي توكي، لكن الاتصالات كانت قد ~~انقطعت بين بقية الناس. # قال الإمام الأكبر: «لم تكن توجد هواتف، ولا اتصالات.» ثم أضاف: «لم نسمع أي أحد ~~يتكلم عن تمبكتو. كان ذلك ما أصابنا بصدمة أكبر؛ لأن العالم قد تخلى عنا. لم يعرف أحد ~~كيف كنا نعيش.» # كان الخبر الإيجابي الوحيد أنه تحت وطأة الضربات الجوية، كان آخر الجهاديين يغادرون. ~~في يوم الأربعاء، الموافق الثالث والعشرين من يناير، رأى باستوس أبا زيد يسدد ما عليه ~~لمجموعة من مقاتليه في ms237 الشارع. أخذوا معهم ما استطاعوا أخذه، وفي ذلك الدراجات ~~البخارية، التي ربطوها في مؤخرة عرباتهم ذات الدفع الرباعي. # قال ديادي: «بدءوا ينسحبون لأنهم فهموا أن القضية كانت خاسرة.» ~~••• # عند فجر يوم الخميس، الموافق الرابع والعشرين من يناير - يوم الاحتفال المحظور ~~بالمولد النبوي - هرع حارس مبنى معهد أحمد بابا الجديد في سانكوري إلى عبد الله سيسيه ~~ليخبره بأن الجهاديين قد غادروا. تلى هذا الخبر نبأ ثان: كان يبدو أن ثمة نارا ~~تضطرم بالداخل. هرع سيسيه لينظر ورأى خيوطا رفيعة من الدخان الأبيض تنبعث من السقف ~~المفتوح. كان يمكن أن يكون أي شيء يحترق؛ أسلاك كهربائية، أو أثاث، أو نار حطب معدة ~~لتحضير الشاي. أو ربما كان آتيا من مخطوطات تحترق. # كان سيسيه على علم بتحذير الجهاديين من أن أي أحد سيدخل مبانيهم سيردى قتيلا ~~بالرصاص، لكن الحارس كان على يقين من أن المقاتلين كانوا قد ذهبوا، وباعتباره الرجل ~~الكبير المسئول عن معهد أحمد بابا في تمبكتو، شعر بأن من واجبه أن يتحرى الأمر. دخل ~~الرجلان من الباب الصغير على الجهة الغربية وسارا بحذر في واحد من الممرات الداخلية ~~المبنية على طراز العمارة الساحلية السودانية على يد مهندس معماري جنوب أفريقي. كان ~~المبنى هادئا وباردا، محميا من شمس الصحراء التي كانت تتسرب عبر حواجز من الحجارة ~~المنحوتة باليد. قادهم الدخان إلى بقعة خارج قاعة المؤتمرات. وبينما كان سيسيه والحارس ~~يقتربان، شاهدا كومة من الرماد كانت قد دفعت إلى الأعلى نحو عمود مربع. كانت كومات ~~من صناديق المخطوطات المهملة، المصنفة بعناية بملصقات تحمل أرقامها المفهرسة، موضوعة في ~~أحد الجوانب. كان الحطب المحترق لا يزال مشتعلا. قال سيسيه إنه يبدو أن الجهاديين ~~كانوا قد أفرغوا الصناديق، ثم أشعلوا النار في المحتويات. # بعد ذلك بأعوام، كان سيسيه لا يزال يجد صعوبة في استيعاب هذا الفعل. قال: «أن يصدق ~~المرء أن هؤلاء الناس الذين قالوا إنهم مسلمون يمكن أن يأخذوا شيئا كان إسلاميا ~~ويشعلوا فيه النار؛ لم نظن أبدا أن ذلك يمكن أن يحدث. كان أسوأ ms238 شيء يمكن أن يفعلوه ~~بنا. أي شيء إلا ذلك.» تساءل، لماذا فعلوا هذا؟ وأضاف: «لم يكن لديهم أي دافع آخر سوى ~~أن يتسببوا في أذى لنا.» إن كانت المخطوطات بطريقة ما مخالفة لأيديولوجيتهم، كانوا ~~سيتلفونها عندما وصلوا. ولكنهم كانوا قد احتلوا المبنى مدة عشرة شهور وانتظروا حتى عشية ~~مغادرتهم ليحرقوها. قال سيسيه: «لأنهم كانوا مهزومين، اضطروا لأن يغادروا.» ثم أردف: ~~«كانوا يعرفون القيمة الدولية والعلمية للمخطوطات، وما تساويه؛ لذا تعين عليهم أن ~~يحرقوها.» # لم يبق هو ولا الحارس طويلا، وهو ما كان من حسن حظهم لأن الجهاديين عادوا بعد ذلك ~~بقليل. قال سيسيه: «لو كانوا قد وجدونا هناك، كانوا سيقضون علينا.» # عندما علم معيجا بما قد حدث، اعتبر ذلك بمنزلة فشل شخصي له. «جعل الله الأمر ~~مسئوليتي، والآن المخطوطات قد أحرقت. المخطوطات التي يرجع تاريخها إلى قرون وقرون. ~~لذا كان الأمر يمثل لي فشلا. في الليلة التي علمت فيها بذلك، لم أستطع ~~النوم.» # شعر حيدرة هو الآخر بحزن شديد. قال: «في اليوم الذي أحرقوها فيه شعرت بإعياء شديد ~~جدا.» ثم أردف: «كان الأمر كما لو أننا لم ننقذ أي شيء. كان ذلك هو مدى ما شعرت به من ~~سوء.» # الفصل السادس عشر # | كتاب «تاريخ الفتاش» # 1911-1913 # طيلة ما يقرب من عقدين بعد عودة دوبوا، تلاعب كتاب «الفتاش»، «كتاب السودان الشبح»، ~~بعقول مستشرقي باريس. كان دوبوا قد وصف هذا العمل بمبالغة تقليدية بأنه «الأساس الرئيسي ~~لكل التوثيق التاريخي لمنطقة النيجر»، لكن لم يتمكن أي أحد من العثور إلا على عدد قليل ~~من القصاصات المتشابهة على نحو ملحوظ. عندما كان أهل تمبكتو يسألون عنه، كانوا يهزون ~~أكتافهم ويقولون إنه على قدر علمهم، كانت كل نسخ المخطوط قد أتلفت. # في عام 1911، بعث الحاكم الفرنسي للسنغال العليا والنيجر بالمستكشف ألبرت بونيل دي ~~ميزيير إلى تمبكتو. هناك، عقد بونيل دي ميزيير صداقة مع العالم سيدي محمد الإمام بن ~~السيوطي، واكتسب من ثقة التمبكتي ما كان كافيا لأن يطلعه على وثيقة ثمينة من ~~مكتبته الشخصية. لم تكن ms239 كاملة، وكان ورقها متفتتا وحبرها باهتا، ولكن كان يعتقد ~~أنها النسخة الوحيدة الباقية من كتاب قديم عن تاريخ السودان. سأله بونيل دي ميزيير إن ~~كان من الممكن أن يحصل على نسخة طبق الأصل منها، فأشرف ابن الأسيوطي على عمل مخطوطة ~~جديدة، والتي أرسلت إلى أوكتاف هودا وبرفقتها رسالة قصيرة توضح أن هذه كانت «تجميعا ~~لسير ملوك سونجاي وجزء من تاريخ ملوك السودان قبل مملكة سونجاي»، وأنه كان يعتقد ~~أنها كتبت في القرن الخامس عشر. # كان بمقدور هودا أن يخمن من أول نظرة أنها كانت «وثيقة في غاية الأهمية عن تاريخ ~~السودان الفرنسي»، وأنها تمثل معلومات إضافية لتلك التي كانت متضمنة في كتاب ~~«تاريخ السودان». وحيث إن صفحاتها الافتتاحية كانت قد فقدت، كانت المخطوطة تفتقر إلى ~~العنوان واسم مؤلفها، ولكن سرعان ما اتضح لهودا أنها كانت عبارة عن العمل الذي كان ~~دوبوا قد سمع به، وهو «الفتاش». # من أجل ملء الفراغات التي في النص، ألح هودا ومساعده موريس ديلافوس على بونيل دي ~~ميزيير أن يعثر على نسخة أخرى. كتب المستكشف إلى ابن السيوطي يطلب مجددا مساعدته، ~~وأجاب التمبكتي بحسن نية أنه على الرغم من أنه لم يكن لديه أي علم بوجود المزيد من ~~النسخ، فإنه سيرسل إليه نسخته الأصلية. تلقى المترجمان هذه الوثيقة في مايو من عام ~~1912، وأسمياها المخطوطة «أ»، بينما أسميت النسخة باسم المخطوطة «ب». في وقت لاحق ~~من ذلك العام، عثر على وثيقة أخرى ونسخت بأمر من المسئول الاستعماري الفرنسي في ~~مدينة كايس. تضمنت المخطوطة «ج»، وهو الاسم الذي أصبحت معروفة به، تمهيدا وفصلا ~~مفقودا من نسخة ابن السيوطي، وحمل العمل بوضوح اسم «تاريخ الفتاش»، أو لإعطائه عنوانه ~~الكامل، «تاريخ الفتاش في أخبار البلدان والجيوش وأكابر الناس». كان اسم مؤلفه محمود ~~كعت. وبحسب ما أورد كتاب «تاريخ السودان»، كان كعت قد ولد في عام 1468 وكان صديقا ~~مقربا من أسكيا الحاج محمد. # كان لدى هودا وديلافوس الآن ثلاث نسخ مما ظنا أنه نفس كتاب التأريخ، «تاريخ ~~الفتاش»، وكانت كل نسخة ms240 منها لها مشاكلها: فالمخطوطة «أ» كانت الأقدم ولذلك كانت الأكثر ~~أصالة، ولكن أقساما كاملة منها كانت مجتزأة أو مفقودة. أما النسخة «ب» فكانت مجرد ~~صورة طبق الأصل من المخطوطة «أ». أما المخطوطة «ج» فكانت كاملة واحتوت على فقرات كثيرة ~~كانت غير واردة في المخطوطتين الأخريين، لكنها كان مليئة بأخطاء جسيمة، كانت ترجع من ~~ناحية إلى أن الناسخ المعاصر لم يكن يتقن اللغة العربية إتقانا تاما، ومن ناحية أخرى ~~إلى أن المخطوطة التي كانت مستمدة منها كانت تالفة جدا حتى إن أقساما منها كانت قد ~~أصبحت غير مقروءة. # عند القراءة الدقيقة للوثائق، واجه المستشرقان لغزين محيرين. بدا أن الأول كان ~~دليلا على ما كان قد قيل لدوبوا في تمبكتو، وهو قمع أحمد لوبو، سلطان ماسينا، لكتاب ~~التأريخ. إذ بينما كانت الصفحات الافتتاحية المتضررة للمخطوطة «أ» تسجل نبوءات متنوعة ~~بشرت بمجيء الخليفة الثاني عشر للسودان، نصت بداية المخطوطة «ج» على أن الخليفة ~~أحمد سوف يأتي إلى ماسينا في بداية القرن التاسع عشر. كان هذا مريبا للغاية؛ فما مدى ~~احتمالية أن تأريخا بدئ في القرن السادس عشر سيحدد بوضوح شديد أن الخليفة هو نفسه ~~سلطان القرن التاسع عشر الذي زعم أنه قد قمعه؟ اعتبر هودا وديلافوس أن هذا دليل قاطع ~~على أن هذه الفقرة من المخطوطة «ج» كانت قد زورت، وأن أحمد لوبو كان بالفعل قد أمر ~~بأن يتلاعب في كل نسخ «تاريخ الفتاش» أو أن تدمر لخدمة مصالحه السياسية. # كان اللغز الثاني لغزا متعلقا بالمؤلف. ذكرت المخطوطة «ج» أن المؤرخ هو كعت، ولكن ~~سرد «تاريخ الفتاش» ينتهي في عام 1599، عندما كان سيبلغ من العمر أكثر من 130 عاما. ~~كيف يمكن أن يكون قد كتب عن أحداث جرت بعد وفاته؟ خمن المستشرقان أنه لا بد أن يكون ~~أحد أحفاده هو الذي أنهى التأريخ، الذي جمع من أوراق كان قد خلفها وراءه هو ~~وأبناؤه. ومن ثم كان «تاريخ الفتاش» نتاج تعاون بين ثلاثة أجيال: «كان المحرر الفعلي ~~للعمل هو حفيد محمود كعت، بينما كان الجد ms241 هو الذي ألهم به.» كان هذا الحفيد المجهول، ~~الذي تحدد لاحقا أنه «ابن المختار»، هو الذي كان من شأنه أن يكمل العمل في حوالي عام ~~1665. # كانت ألغاز كتاب «تاريخ الفتاش» على أحسن الفروض قد حلت جزئيا، لكن المؤلفين ~~شعرا بأن بمقدورهما مع ذلك توليف نسخة كاملة. نشرا نسختهما المجمعة من الكتاب - باللغة العربية ومترجمة إلى الفرنسية - في عام 1913. وسرعان ما اعتبر كتاب «تاريخ ~~الفتاش» أهم اكتشاف فيما يتعلق بتاريخ المنطقة منذ كتاب «تاريخ السودان»، ونظر إليه ~~باعتباره قطعة رئيسية في أحجية فهم الحياة أثناء العصر الذهبي لتمبكتو. # بعد حمدلة استهلالية، تبسط نسخة هودا وديلافوس من كتاب «تاريخ الفتاش» آيات إجلالها ~~لأسكيا الحاج محمد. أما كراهية كتاب الكتاب لسلفه، سني علي، فلا تكاد تعرف حدا؛ ~~فكان «الملعون» مسلما ضعيف الإسلام اقترف «بدعا فاضحة» و«أفعالا وحشية دموية» مع ~~الناس واضطهد علماء تمبكتو. لا يمكن للتناقض بينه وبين أسكيا الحاج محمد أن يكون أوضح ~~من هذا. تتدفق كلمات كتاب «تاريخ الفتاش» كما يلي: «من الصعب أن نحصي الفضائل والصفات ~~الكثيرة [لأسكيا الأول]، والتي منها مهاراته السياسية الممتازة، وكرمه تجاه رعاياه ~~وانشغاله بالفقراء. لا يمكننا أن نجد نظيره في أي حاكم جاء قبله أو بعده.» # يبدو أنه يوجد سبب جلي في أن كلا كتابي التأريخ انهالا بالمديح على هذا المغتصب لعرش ~~سونجاي؛ ففي حكمه ازدهرت تمبكتو كما لم يحدث من قبل. بحسب كتاب «تاريخ الفتاش»، كان هذا ~~نتيجة انسجام حدث بين الإمبراطور وتمبكتو. في عامي 1498-1499، عين محمود حفيد محمد ~~آقيت في منصب قاضي المدينة. كان في الخامسة والثلاثين من عمره فحسب، وكان أول شخص من ~~نسل آقيت يصل إلى هذا المنصب الأكثر نفوذا في التسلسل الهرمي الوظيفي في المدينة، وظل ~~في هذا المنصب مدة خمسة وخمسين عاما. # يحكي كتاب «تاريخ الفتاش» أنه في أحد الأيام، أتى أسكيا الحاج محمد إلى تمبكتو ليحتج ~~لدى محمود على عدم إطاعته لأوامره. فتوقف خارج المدينة، وركب القاضي بشجاعة خارجا إلى ~~معسكر الإمبراطور. بدأ أسكيا اللقاء بسلسلة من ms242 الأسئلة الموجهة: هل كان القاضي محمود ~~بطريقة ما أفضل أو أجل من كل أسلافه العظماء، الذين بدأ يعددهم وكانوا قد أطاعوا ~~ملوك سونجاي السابقين؟ فأجاب القاضي محمود بالنفي في كل مرة. فسأله أسكيا: فلماذا إذن ~~طرد مرارا وتكرارا رسل الإمبراطور دون أن يفعل ما قيل له؟ أجاب الشيخ بانتهار: # هل نسيت أم تناسيت يوم جئتني في داري وأخذت برجلي وثيابي فقلت: «جئت أدخل في ~~حرمتك وأستودعك نفسي أن تحول بيني وبين جهنم. فانصرني وأمسك بيدي حتى لا أقع ~~في جهنم. وأنا وديعتك.» فهذا سبب طردي رسلك ورد أمرك. # كان سني علي دون شك سيقتل القاضي في التو واللحظة عقابا له على صفاقته، لكن أسكيا ~~الحاج محمد كان رجلا متدينا وبدلا من ذلك قال: «نسيت ذلك والله!» وحيث إن القاضي ~~محمود كان قد ذكره بواجبه الديني، فقد استحق مكافأة سخية: # أطال الله إقامتك بيني وبين النار وغضب الجبار. فأنا أستغفر الله وأتوب إليه. ~~وحتى الآن أنا وديعتك آخذ بذيلك. فاثبت في هذا المكان، ثبتك الله وادفعن عن ~~نفسي! # بعد ذلك ركب الإمبراطور حصانه ورجع «فرحا مسرورا»، بحسب ما أورد كتاب «تاريخ ~~الفتاش». # طيلة المائة السنة التالية سيعيش حكام سونجاي في كنف الحماية الروحية لعلماء تمبكتو، ~~بينما وفرت للمدينة بدورها الحماية الدنيوية من جانب أباطرة جاو. كان هذا زمن ~~الازدهار، الفترة التي ستحظى فيها تمبكتو باشتهارها كمدينة عظيمة للعلماء. في عهد ~~القاضي محمود، أعيد تنظيم أبنية المدينة الرئيسية ووسعت، وفي ذلك مسجد جينجربر. ~~كانت مكانا مسالما - كانت مكانا هادئا جدا، بحسب كتاب «تاريخ الفتاش»، حتى إن ~~المرء يمكن أن يمر بمائة رجل من أهلها، فلا يجد مع أحد منهم حريشا ولا سيفا ولا مدية ~~- وكبيرا؛ إذ كان يوجد ما يكفي من السكان لإعالة ستة وعشرين بيتا من بيوت الخياطة، ~~التي كان يشرف على كل منها شيخ رئيس معلم عنده من المتعلمين نحو خمسين. انتقلت ~~أعداد كبيرة من العلماء وطلبة العلم إلى تمبكتو، فتضخم المجتمع الأكاديمي ليصل إلى حجم ~~غير مسبوق ويملأ ما ms243 بين 150 و180 مدرسة لتحفيظ القرآن، التي كان بكل منها عشرات وحتى ~~مئات من التلاميذ. إحدى هذه المدارس، التي كانت تابعة لشخص يدعى علي تكريا، كان بها ما ~~بين 173 و345 تلميذا، بحسب كتاب «تاريخ الفتاش»، الذي ذكر أنه كان يوجد من ألواح ~~الصبيان 123 لوحا يتدرب عليها التلاميذ على الكتابة في عرصة داره، تكفي لأن تكون ~~جملة القرآن محصلة فيها. من شأن هذه الأعداد أن تستخدم لوضع تقديرات بأنه كان يوجد ~~25 ألف تلميذ في تمبكتو في هذا الوقت، ولكن بحساب أكثر اتزانا يمكن أن نقدر أن عدد ~~تلاميذ المرحلة الابتدائية كان أربعة إلى خمسة آلاف، وأن تعداد المدينة لم يكن يزيد عن ~~خمسين ألفا. ومع ذلك، كان من شأن هذا أن يجعلها مدينة عالمية كبيرة في بداية القرن ~~السادس عشر. # كان للأدب سيطرة غير عادية على هذا المجتمع، الذي عانى من «ولع شديد باقتناء الكتب»، ~~على حد تعبير أحد الأكاديميين. في ثقافة متقشفة كان فيها متاع الدنيا مستهجنا، صار ~~استيراد المخطوطات ونسخها إحدى صور الهوس المستحوذة على النخبة؛ فكان من شأنهم أن ~~يتوددوا إلى الزوار على أمل أنهم قد يكون بحوزتهم عمل جديد يمكن شراؤه أو استعارته، ~~بينما أدت زيادة الطلب إلى رفع أثمان الكتب إلى مستويات مبالغ فيها. يروي كتاب ~~«تاريخ الفتاش» أن أسكيا داود، خلف أسكيا محمد، ساعد محمود كعت في شراء قاموس نادر ~~بقيمة ثمانين مثقالا، أو ما يعادل تقريبا 340 جراما من الذهب، وهو ما سيساوي 16 ألف ~~دولار أمريكي بأسعار وقتنا الحالي. كان يوجد كتب أرخص تباع في تمبكتو - بيع مجلد ~~واحد مستعمل من كتاب عنوانه «شرح الأحكام» مقابل ما يزيد قليلا عن أربعة مثاقيل - ~~وربما كان القاموس الذي ثمنه ثمانون مثقالا مزخرفا زخرفة جيدة خاصة ويتألف من مجلدات ~~متعددة. يحكي كتاب «تاريخ الفتاش» عن قاموس آخر كان مملوكا لأحد التمبكتيين وكان يضم ~~ثمانية وعشرين مجلدا. أدى الطلب على الكتب إلى قيام صناعة نسخ احترافية كبيرة في ~~المدينة وفي الإمبراطورية عموما. عين أسكيا داود نساخا لديه لنسخ المخطوطات ~~وكثيرا ms244 ما كان يقدم هذه المخطوطات إلى العلماء كوسيلة لكسب الحظوة والنفوذ في ~~تمبكتو. # يمكن العثور على معلومات مفصلة عن الكيفية التي كانت تنتج بها الكتب في حرد المتن، ~~وهو التوصيف القصير لأصل المخطوطة الذي كان يدرج عادة في نهاية الكتاب. يصف حرد ~~المتن لستة مجلدات من نسخة من القرن السادس عشر لقاموس «المحكم» لابن سيده قائمة ~~بالمدفوعات والمواعيد النهائية، مما يبين أن النساخ الذي كان يعمل بدوام كامل كان ~~يحتاج إلى ثلاثة وعشرين يوما لنسخ مجلدين من الكتاب، بمجموع 179 مطوية (ورقة). كان ~~يوجد تسعة عشر سطرا من النصوص في الصفحة؛ لذا كان النساخ يكتب في المتوسط 285 سطرا ~~من النصوص في اليوم. استغرق نساخ آخر تسعة عشر يوما إضافية ليضيف التشكيل من أجل ~~النطق السليم لهذه المجلدات، بمعدل 300 سطر من النصوص تقريبا في اليوم. عادة ما كان ~~يدفع للنساخ مثقال واحد في الشهر، بالإضافة إلى ذلك كان نصف مثقال يدفع لمصحح ~~ملم بالموضوع، والذي كان يصحح الأخطاء. كانت تكلفة العمالة وحدها لعمل كبير مثل ~~«المحكم» تصل إلى حوالي واحد وعشرين مثقالا، أو تسعين جراما من الذهب، وتضاف أيضا ~~إلى ذلك تكلفة الورق التي كان يجب أخذها في الاعتبار؛ إذ كان غالي الثمن، لأن معظمه ~~كان يستورد من شمال أفريقيا ومصر. كان من المرجح أن يكلف الورق المستخدم في أي مجلد ~~كبير خمسة مثاقيل أو أكثر. # نتج عن ولع تمبكتو باقتناء الكتب أن أعدادا كبيرة من المخطوطات تكدست في المدينة. ~~لم تكن هذه المخطوطات تجمع في مكتبات عامة من قبيل تلك التي كانت موجودة في مراكز ~~التعليم الإسلامي الأخرى مثل بغداد أو القاهرة؛ إذ كان مسجد الأزهر يتباهى بأنه يضم ~~عشرات الآلاف من المخطوطات بالإضافة إلى نطاق مذهل من الخدمات للقراء. في تمبكتو، كانت ~~المجموعات مملوكة لعائلات علمية، كان من شأنها أن تعيرها بسخاء إلى الزملاء والطلاب. ~~ربما كان غياب المجموعات العامة يعكس حقيقة أن العلماء في تمبكتو أتوا من النخبة الثرية ~~- مع وجود استثناء ملحوظ هو فئة «الألفة» - لذا لم يكن ms245 القراء العاديون بحاجة إلى ~~الوصول بانتظام إلى الأعمال الأصعب التي لن يفهموها. ومع ذلك، تنامت المجموعات الخاصة ~~حتى وصلت لأحجام هائلة. تألفت مكتبة أحمد بابا الشخصية، التي ذكر أنها كانت «الأصغر بين ~~مكتبات أي من أقربائي»، مما لا يقل على 1600 مجلد، بينما وصلت مكتبة أحمد عمر إلى ما ~~يقرب من 700 مجلد وقت وفاته. يتضح اتساع نطاق القراءة المتاحة في تمبكتو أيضا من ~~استشهادات في أعمال أخرى كتبت في المدينة. كتب العالم التمبكتي أحمد ابن أند آغ محمد ~~رسالة في النحو استقيت من أربعين عملا آخر، بينما استشهد قاموس تراجم بابا بثلاثة ~~وعشرين مصدرا مالكيا. # بحلول النصف الثاني من القرن السادس عشر، كانت عجائب وروائع تمبكتو قد وصلت إلى آفاق ~~كان يستحيل حصرها، بحسب «تاريخ الفتاش». لم يكن لها نظير في بلاد السودان: # فتنبكت يومئذ لا نظير لها في البلدان من بلاد السودان إلى أقصى بلاد المغرب ~~من بلاد مل [مالي]، مروءة وحرية، وتعففا وصيانة وحفظ العرض، ورأفة ورحمة ~~بالمساكين والغرباء وتلطفا بطلبة العلم وإعانتهم. # لذا عندما حلت النهاية كانت صدمة هائلة. ~~••• # حكم أسكيا الحاج محمد ستا وثلاثين سنة قبل أن يعزله ابنه موسى في الخامس عشر من ~~أغسطس من عام 1529. بعده جاء تعاقب من أناس حملوا لقب أسكيا: محمد بنكن، وإسماعيل، ~~وإسحاق الأول، وداود، والحاج، ومحمد بان، وإسحاق الثاني، ومحمد كاع، ونوح. ومع أن ~~تمبكتو استمرت في الازدهار في ظل حكمهم، لم يقترب إلا داود من نيل الثناء الذي انهال به ~~مؤرخو المدينة على أسكيا الأول، وبمرور الزمن دخلت الإمبراطورية في طور الانحطاط. يسجل ~~كتاب «تاريخ السودان» أن الناس «بدلوا نعم الله كفرا وما تركوا شيئا من معاصي الله ~~تعالى إلا وارتكبوها جهرا من شرب الخمور ونكحة الذكور والزنى.» واستسلموا للغاية لهذه ~~الرذيلة الأخيرة حتى إن المرء كان سيحسب أن هذا الأمر لم يكن محظورا، بحسب ما يسجل ~~كتاب «تاريخ السودان»، وحتى أبناء السلاطين ارتكبوا زنا المحارم مع أخواتهم. # ومع ذلك كان الأمر الأخطر أن الإمبراطورية كانت آخذة في التخلف ms246 عن جارتها الشمالية، ~~المغرب. كانت سلالة السعديين التي حكمت ذلك البلد تقاتل الغزاة البرتغاليين، والإسبان، ~~والعثمانيين لقرون، وكانت حتى قد عقدت تحالفا مع إنجلترا ضد إسبانيا. كانت النتيجة هي ~~مجتمع عسكري كانت قواته مدربة جيدا ومسلحة بمدافع إنجليزية، والذي كان قد اتبع استخدام ~~بنادق المسكيت والقربينة (الهركوبة)، مستعينا في استخدامها بالمرتزقة و«المرتدين»؛ وهم ~~عصابات من المساجين والهاربين المسيحيين الذين تحولوا إلى الإسلام. # كان سلطان السعديين هو أحمد المنصور، الذي كان رجلا هادئا ذا طموح هائل وميل إلى ~~الانفجار في نوبات من الغضب الشديد. زعم هو الآخر أنه الخليفة الثاني عشر، وحيث إن دور ~~الخليفة كان استعادة وحدة العالم الإسلامي، كان يتعين على الحكام المسلمين للممالك ~~السودانية أن يخضعوا له ويسلموه ثروتهم. كان بالفعل قد أنفق مبالغ طائلة على «القصر ~~الذي لا مثيل له» المترف في مراكش، ذي الأسقف المذهبة والأرضيات الرخامية، وتعين عليه ~~أن ينفق المال على أعداد كبيرة من الجنود، والجواسيس، والعملاء. بدأ بمطالبة الأسكيين ~~بدفع خراج على كل حمولة من الملح كانت سونجاي تستخرجها من المناجم في الصحراء بالقرب من ~~مدينة تاغزة، التي تقع في منتصف المسافة تقريبا بين تمبكتو ومراكش؛ ففي نهاية المطاف، ~~كانت جيوشه هي التي أبقت منطقة جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية آمنة من المسيحيين. ~~فقبح أسكيا إسحاق الثاني للمنصور في الجواب، مرسلا له رمحا ونعلين من حديد. كان ~~المقصود ضمنيا من الهدية أنه حتى يبلى نعل السلطان من الجري، لن يكون في مأمن أبدا ~~من رماح سونجاي. حينئذ أصبح لدى السلطان ذريعته للحرب، واختار مخصيا قصيرا أزرق ~~العينين يدعى جودار لينفذ خطته. # منح جودار أعتى قوة أرسلت على الإطلاق عبر الصحراء الكبرى: كانت تتألف من جيش ~~نخبة ومتطور من أكثر من أربعة آلاف جندي، من بينهم ألفان من المرتدين المسلحين ببنادق ~~القربينة، وخمسمائة من الرجال المسلحين على صهوة الخيل، وسبعون من المرتزقة المسيحيين ~~المسلحين بالبنادق القصيرة، وألف وخمسمائة من الخيالة المغاربة. كان معهم أيضا هاونات ~~ومدافع وحملوا معهم مائة وخمسين طنا من البارود في ms247 قافلة متاع كانت بطول عشرة آلاف ~~جمل. تفاخر السلطان قائلا إن غزوة السودان ستكون «سهلة»؛ لأن السودانيين لم يكن لديهم ~~ما يقاتلون به إلا الرماح والسيوف. # بلغ المغاربة منحنى نهر النيجر في منتصف الطريق بين جاو وتمبكتو في الثامن والعشرين ~~من فبراير من عام 1591، وأخذوا إسحاق الثاني على حين غرة. سارع الأسكيون إلى جمع قوة ~~كبيرة تلاقت مع المغاربة عند تونديبي، التي تقع على بعد ثلاثين ميلا شمال جاو، بعد ~~أسبوعين. ساق السونجاي ألف رأس من الماشية إلى العدو، ولكن عندما سمعت البهائم أصوات ~~إطلاق النار، ارتدت متشتتة في فرار جماعي مخترقة صفوف السونجاي، وبعد ذلك انكسر ~~الأسكيون «في طرفة عين»، بحسب ما أورد كتاب «تاريخ السودان». فر إسحاق، وسار جودار ~~بجيشه نحو جاو. عرض أسكيا بنود السلم: وهي أن يتعهد بالولاء للمنصور، ويسلمه حقوق ~~تجارة الملح، ويعطيه مائة ألف مثقال من الذهب وألف عبد. أجاب جودار بأنه سيرسل البنود ~~إلى السلطان ليأخذ منه الموافقة. # بعد ذلك تقدم جودار إلى تمبكتو، ودخل المدينة في الثلاثين من مايو. مضى مباشرة إلى ~~القاضي، الذي كان في هذا الوقت عمر الطاعن في السن، ابن القاضي محمود، وأخبره بأنه ~~يحتاج إلى «رحبة واسعة فنبني بها قصبتنا [حصننا] وندخل فيها، إلى أن يأتيني أمر السلطان ~~بالرجوع إليه»، بحسب ما أورد كتاب «تاريخ الفتاش». بعد ذلك أخرج رجال جودار السكان من ~~حي التجار الأثرياء، «وهجموا عليهم بالكلام القبيح والانتهار والضرب»، قبل أن يشرعوا في ~~العمل ويضموا المنازل لتشكيل قصبة. أرغم الجنود جميع من وجدوهم في الشوارع على العمل ~~في البناء، بينما أمر تجار المدينة بإخراج كمية كبيرة من الحبوب. # جاء العمل القسري ومصادرة الطعام بمثابة صدمة للمدينة المقدسة، التي كانت محل تبجيل ~~لقرن من الزمان. كتب مؤلفو كتاب «تاريخ الفتاش» يقولون: «لا فتنة أعظم ولا أكبر على أهل ~~تنبكت ولا أمر منها»: # ولا يحاط باطراد ما نزلت بتنبكت من المصائب والإتلاف عند نزولهم [المغاربة] ~~بها. ولا يحصروا مما أحدثوه فيها من الزور والكبيرة. # ومع ذلك، لم ms248 تكن هذه إلا البداية. # عندما تلقى السلطان رسالة جودار التي تحدد الخطوط العريضة لاتفاق السلام، غضب ~~غضبا شديدا واستبدل به رجلا من شأنه أن يقضي على السونجاي للأبد. كان هذا الرجل ~~قائدا سابقا للمرتدين، ذا مزاج متقلب، واسمه محمود بن زرقون. وصل الباشا محمود إلى ~~تمبكتو في السابع عشر من أغسطس من عام 1591، وتولى قيادة قوة السلطان، وعلى الفور انطلق ~~شرقا وجودار في عقبه، مطاردا بقية السونجاي. وأثناء غيابه الذي دام سنتين، ثارت ~~تمبكتو على الحكم المغربي، وفي خريف عام 1593، عاد محمود ومعه خطة موضوعة بعناية ~~لمعاقبة الرجال الذين اعتقد أنهم كانوا يساندون التمرد سرا طول الوقت؛ العلماء ورجال ~~الدين بالمدينة. أمر بالقبض على اثنين من كبار أشراف المدينة وإعدامهما، وأعلن أنه يجب ~~على الناس أن يأتوا إلى مسجد سانكوري في مجموعات لتجديد البيعة للسلطان. في اليوم الأول ~~كان دور التجار من بلدات الواحات في الصحراء الكبرى، وفي اليوم الثاني كان دور الناس من ~~بلدات القوافل في الغرب. في اليوم الثالث، الموافق العشرين من أكتوبر، وهو تاريخ وصفه ~~أحمد بابا بأنه يوم الخراب، كان دور العلماء. # عندما جاءت اللحظة، أحضروا المصحف وكتب الحديث إلى مسجد سانكوري واصطف صفوة رجال ~~الحياة الفكرية في تمبكتو في الداخل. وضع رجال مسلحون على المخارج وعلى سطح المبنى، ~~وغلقت الأبواب، وكبل الفقهاء وبعد ذلك سحبوا إلى الخارج، واحدا تلو الآخر. ~~أمر محمود بأن يؤخذ الأسرى مشاة عبر المدينة إلى قصبته في فريقين. أركب القاضي عمر، ~~الذي كان شيخا كبيرا للغاية ولا يقدر على السير، على حمار صغير اقتيد عبر وسط ~~المدينة، بينما سلك فريق ثان طريقا شرقيا حول المدينة. بالقرب من مسجد سيدي يحيى، ~~استل أحد الأسرى سيف أحد الرماة وهاجمه به، وعندئذ بدأ رجال السلطان موجة من التقتيل، ~~فقطعوا رءوس السجناء المحيطين بهم. قتل أربعة عشر من التمبكتيين على الفور، وفي ~~ذلك تسعة علماء من سانكوري. # يروي كتاب «تاريخ الفتاش» أن القاضي عمر كان مع خادم يمسك مقاليد داره عندما أبلغ ~~بخبر المذبحة. انخرط ms249 الخادم في البكاء، فضربه جندي مغربي بالسيف فقتله على الفور. ~~عندئذ بدأ القاضي يضحك. عندما سئل عن سبب ذلك، أجاب: «كنت أحسب أنا خير من هذا الغلام ~~فظهر فضله علي الآن، وقد سبقني إلى الجنة.» وضع بقية العلماء تحت الحراسة في ~~القصبة، بينما مضى جنود الباشا محمود يفتشون في منازلهم، ويأخذون كل ما له قيمة. سجل ~~السعدي في كتاب «تاريخ السودان»: «ونهب أتباعه ما اتصلوا بها [أي كل ما وقعت عليه ~~أيديهم من ممتلكاتهم] وكشفوا عوراتهم وجردوا حرائرهم، وفعلوا بهن الفواحش.» وكان من ضمن ~~ما نهب مكتبة أحمد بابا الكبيرة. # وبعد أن بقي العلماء محبوسين في القصبة مدة خمسة شهور، أمر بأن يؤخذ العلماء الذين ~~اعتبروا خطرين - الذين كان معظمهم من أفراد عائلة آقيت - عبر الصحراء إلى مراكش مع ~~أسرهم. أرسل ما كان جملته سبعين أسيرا مكبلين بالسلاسل. كانت الرحلة شاقة على ~~العلماء الذين لم يكونوا يهتمون بمتاع الدنيا؛ وفي إحدى مراحلها، سقط أحمد بابا، مثقلا ~~بأغلاله، من على جمله، وكسرت رجله. بلغوا مراكش في الحادي والعشرين من مايو، من عام ~~1594، وأودعوا السجن. ومات القاضي عمر الطاعن في السن هناك. # بعد عامين، أطلق سراح الأسرى الباقين على قيد الحياة وأودعوا في شكل من أشكال ~~الإقامة الجبرية، وسمح لأحمد بابا بمقابلة السلطان. وجد الحاكم العظيم محتجبا عن ~~أنظار البشر العاديين بستار، ورفض أن يتكلم معه حتى أزيح الستار؛ إذ قال بابا إنه ~~بالكلام من وراء حجاب، كان المنصور يتشبه بالله. عندما أذعن السلطان لطلبه، سأله بابا ~~السؤال الذي لا بد أنه كان يعتمل بداخله لسنوات: «أي حاجة لك في نهب متاعي وتضييع كتبي ~~وتصفيدي من تنبكت إلى هنا؟» أجاب المنصور بأن هذا جزء من سعيه لتوحيد العالم ~~الإسلامي وأنه بما أن بابا كان واحدا من أعيان المسلمين في بلده، فإن إذعان بقية مملكة ~~سونجاي من المؤكد أنه سيتبع إذعانه. # كان العقد الذي أمضاه بابا في العاصمة المغربية هو أغزر المراحل إنتاجا في حياته ~~العملية. أصبح مشهورا بصفته فقيها ومدافعا عن حقوق ms250 الإنسان، وذاع صيته في سائر أنحاء ~~المغرب. فكان يعلم النحو، والبلاغة، والتوحيد، والفقه المالكي، وكتب بغزارة: إذ ~~كتب ستة وخمسون كتابا من أعماله المعروفة في هذه الفترة. لكنه كان يشتاق إلى وطنه، ~~كما تحكي قصيدة كتبها في المغرب: # أيا قاصدا كاغو [جاو]، فعج نحو بلدتي # وزمزم لهم باسمي وبلغ أحبتي # سلاما عطيرا من غريب وشائق # إلى وطن الأحباب رهطي وجيرتي. # في عام 1607، عندما كان السلطان قد مات، سمح لأحمد بابا بأن يغادر ~~مراكش. وصل إلى تمبكتو في العام التالي وكان الوحيد من الفقهاء المبعدين الذي رأى ~~مدينته الأم مجددا. عاش هناك تسعة عشر عاما أخرى، يعلم ويكتب، وتوفي في الثاني ~~والعشرين من أبريل من عام 1627. # خلده علم تمبكتو؛ فقد كتبت كتب التراجم والتاريخ، في نهاية المطاف، بعد وفاته. ~~ولكن الدمار الذي خلفه الباشا محمود كان قد خرب المدينة، بنص كلمات كتاب «تاريخ ~~الفتاش»: # صارت تنبكت جسما بلا روح. وانعكس أمورها وتغير حالها وتبدل عوائدها. ~~ورجع أسفلها أعلاها وأعلاها أسفلها. وساد أرذالها على عظمائها. وباعوا الدين ~~بالدنيا، واشتروا الضلالة بالهدى. وعطل أحكام الشريعة، وأميتت السنة ~~وأحييت البدع، ولا بقي فيها من يتمسك بالسنة، ولا من يسير على منهج التقوى ~~في ذلك الوقت، سوى محمد بغيغ بن أحمد وحده. # قبل مائتي سنة تقريبا من إرسال الرابطة الأفريقية أول مستكشف لها إلى الجنوب، كانت ~~تمبكتو قد بدأت في انحطاطها الطويل. # الفصل السابع عشر # | لحظة من الواقع تحاكي أفلام إنديانا جونز! # يناير-فبراير 2013 # أنذرت قطرات المطر الصحراوي الكبيرة بتحويل التربة الرسوبية إلى طين أحمر زلق في صباح ~~يوم السابع والعشرين من يناير من عام 2013، عندما التقت مجموعة من الضباط الفرنسيين في ~~المطار المهجور في جوندام، على بعد خمسين ميلا جنوب غرب تمبكتو. كان المبنى الوحيد ~~الموجود في المطار هو كوخ متهدم بدون باب، وشبابيك مدلاة من مفصلاتها، لكنه كان لا بد ~~أن يؤدي الغرض. كانت هذه هي القاعدة التي سيخططون منها لتقدمهم النهائي. رحب ~~الكولونيل بول جيز، قائد مجموعة «جي تي آي إيه 1» القتالية ms251 المدرعة، التي كانت قد جاهدت ~~طيلة الأيام الأربعة الماضية في السير على الطريق الصحراوي الممتد على الضفة اليسرى ~~للنهر من باماكو، بالجنرال برنار باريرا، قائد عملية سيرفال، والكولونيل فريدريك جوت، ~~قائد فوج طائرات الهليكوبتر. حيا جيز، وهو ضابط بحرية مفتول العضلات، رئيسه بابتسامة ~~كبيرة وخيارين. قال: «جعة أم ويسكي؟» # كانت عملية سيرفال تجري في إطار زمني ضيق. عندما تلقى جوت الأوامر من المسئولين في ~~باريس بالاستيلاء على تمبكتو بعد أقل من شهر من بداية التدخل، قال لهم إنهم «مجانين». ~~منذ ذلك الحين لم يزدد الجدول الزمني إلا تسارعا؛ إذ كان هو ورجاله الآن يجهزون للهجوم ~~على المدينة في الصباح التالي، بعد سبعة عشر يوما فقط من إطلاق أول طلقة فرنسية. بعدما ~~هزموا في كونا، كان الجهاديون مستمرين في الانسحاب، لكن تقارير المخابرات الفرنسية ~~اقترحت أنهم الآن سيصمدون. قال جوت، وهو رجل طويل القامة، ذو أسنان بيضاء متساوية: «في ~~الشرح الأخير للمهمات أخبرونا بأننا سنلتقي ببعض الجهاديين؛ لذا كان الأمر مؤكدا ~~لنا.» # كان الفرنسيون يعتبرون الجهاديين مقاتلين شديدي العناد: كانوا يقاتلون حتى آخر رجل ~~منهم وربما كانوا يتعاطون جرعات من المخدرات. تذكر جوت: «عندما قاتلونا لم يبد عليهم ~~أنهم يعانون.» ثم أضاف: «في أيامنا الأولى في الشمال، لم يتخلوا مطلقا عن مواقعهم. حتى ~~عندما كانوا يواجهون الدبابات وطائرات الهليكوبتر بالكلاشينكوف فحسب، بقوا في أماكنهم.» ~~قيل لجوت إنه قد ركبت مدافع رشاشة على أسطح منازل تمبكتو لتشكل وابلا مضادا ~~للطائرات، وهو ما جعله مقتنعا بأنهم «سيخسرون بالتأكيد» بعض الطائرات والأفراد. قال: ~~«كانوا منظمين، وكان لديهم القدرة على استخدام أسلحتهم، ولم يكن لديهم مشكلة في ~~المعنويات، وكانوا مقتنعين اقتناعا تاما بمهمتهم.» # في الساعة الخامسة من عصر يوم الأحد، أعطى الجنرال باريرا الأمر بالتقدم. كان سيرتحل ~~بصحبة رتل الجنود الفرنسيين والماليين المدرع بقيادة جيز، الذي كانت مهمته أن يستولي ~~على مطار تمبكتو. في الوقت نفسه، صدرت الأوامر لطائرات الهليكوبتر بقيادة جوت بأن ~~تستطلع الطرق وأن تهاجم أي شيء يمكن أن يعترض المجموعة القتالية. تحرك ms252 الرتل المدرع ~~بسرعة أبطأ كثيرا مما كانوا يأملون؛ لأن الظلام كان سيحل بعد قليل وكان ثمة تهديد ~~مستمر من حدوث هجوم بالعبوات الناسفة اليدوية الصنع: كانت الساعة الحادية عشرة مساء ~~عندما وصلوا إلى مشارف المطار. # لم تستغرق طائرات الهليكوبتر وقتا في تغطية المنطقة، وعندما حل الغسق، رأى جوت ~~المدينة لأول مرة. تذكر أنها بدت واهنة، وتكاد بحار الرمال المحيطة بها أن تبتلعها. كان ~~من المستحيل ألا تلفت أكثر من عشر طائرات الأنظار هنا، وكان رجاله متوترين ومستعدين ~~لإطلاق النار عليهم. كانت التقارير الأولى من الطيارين «مفصلة جدا ومجنونة»؛ إذ أخبره ~~أحدهم بأنه يستطيع أن يرى دراجتين بخاريتين، وربما خمسة أو ستة أشخاص، وهو ما اعتبر أنه ~~يمثل «تهديدا حقيقيا.» أخبره الكولونيل بأن يمتنع عن إطلاق نيرانه. # بعد بعض الوقت بات واضحا أنه لم يكن يوجد جهاديون في المدينة. بعث جوت بالخبر إلى ~~لواء الفيلق الأجنبي الفرنسي، «جي تي آي إيه، 4» المحمول جوا الذي كان في انتظار ~~إشارته. ومع اقتراب منتصف الليل، وبينما كان رجال جيز يشقون طريقهم عبر السياج السلكي ~~الذي كان يحيط بمهبط الطائرات جنوب تمبكتو، أنزلت طائرات النقل مائتين من أشهر القوات ~~الصحراوية في العالم إلى الرمال شمالا. كان هذا هو أكبر هبوط مظلي كانت العسكرية ~~الفرنسية قد قامت به منذ أكثر من ثلاثين عاما. # عند الفجر نقل جوت قائد وحدة الفيلق الأجنبي إلى مطار تمبكتو ليعطي شرحا بالمهمات ~~بشأن الهجوم النهائي. على الرغم من أنهم كانوا يعتقدون الآن أن تمبكتو خالية من مقاتلي ~~العدو، فإن هذه لن تكون مهمة مباشرة: عرف الجنرال باريرا أن جنود الفيلق قد يبدءون في ~~إطلاق النار إن رأوا جنودا ماليين مسلحين. قرر تقسيم المدينة إلى مناطق، وقال إن ~~الوحدة التابعة للجيش المالي ستدخل مدينتها أولا. # كشأن الجميع في تمبكتو، عرف إير مالي ما كان يحدث. منذ تدمير محطة توليد الكهرباء، ~~كانت المدينة في حالة من الإظلام شبه الكامل، وكان قد أمضى الأمسيات الماضية يشاهد ~~الأضواء تتحرك بالخارج في الصحراء بينما كان الفرنسيون ms253 يجرون مناوراتهم. كان قد رأى ~~قوات المظلات تهبط شمالا ، والرتل يصل إلى مؤخرة المطار حيث كان يوجد السياج السلكي. ~~فكر في نفسه قائلا إنه في أي لحظة سيكون بمقدوره أن يرى العربات المدرعة الفرنسية ~~تمضي في الطريق. ظل منتظرا، لكن لم يأت أحد بعد. # قبل الفجر بقليل، تخلى الناس عن حذرهم ومضوا إلى المساجد للصلاة. فقط عندما خرجوا من ~~المساجد، وكانت الشمس تنشر ضوءا شاحبا، تمكنوا من تمييز أجساد أشخاص بعيدين يسيرون ~~نحو المدينة. عندما اقترب الأشخاص أكثر، استطاع الناس أن يروا أنهم كانوا جنودا ~~ماليين. كانت هذه هي أول قوات حكومية كانوا قد رأوها منذ عشرة أشهر طويلة. # ركب شباب المدينة دراجاتهم البخارية وسلكوا طريق كابارا للترحيب بالجنود ومرافقتهم ~~إلى داخل المدينة. في الساعة العاشرة صباحا، وصل الفرنسيون وتجمهر الناس حولهم. كانت ~~نساء المدينة يصنعن الأعلام سرا لأيام، وفي صباح ذلك اليوم بينما كانت القوات تدخل، ~~اصطف مئات من الناس المبتهجين في الطرقات، يصيحون قائلين: «مالي! مالي! مالي!» و«شكرا ~~فرانسوا هولاند!» ويلوحون بأعلام البلدين ثلاثية الألوان. # قال إير مالي إنه في تلك اللحظة، نسي الناس كل شيء. وأضاف: «كان كل شيء قد انتهى في ~~يوم واحد. حقيقة كوننا أحرارا ... كانت كافية لنا. كان الناس في غاية السعادة.» # قال ديادي: «إن تمبكتو الحرة تمثل لنا شيئا يعجز المرء عن وصفه.» ثم أردف: «لا أحد ~~يستطيع أن يعرف تكلفة عشرة شهور من الحرمان، عشرة شهور من التعصب، عشرة شهور من ~~الإذلال.» # ذهب كبير ضباط الجيش المالي، الكولونيل كيبا سانجارى، مع جنوده إلى مبنى البلدية، ومن ~~هناك مضوا ليقوموا بزيارة مجاملة للجنة الأزمة في منزل ديادي. تذكر ديادي: «جاء ~~الكولونيل كيبا وطاقمه إلى منزلنا، جاءوا إلى غرفتنا.» ثم أردف: «استقبلناهم، ومنحناهم ~~ثقتنا، وقدمنا لهم المشروبات المرطبة. وعندما جمعنا الناس وأخبرناهم بما كان يحدث، ~~أحضروا أطنانا من الأرز واللحم البقري، التي قدموها ليعربوا لهم عن الترحيب بهم.» ثم ~~نظم الجيش المالي نفسه لتأمين المدينة. # كان جوت ينوي أن يتقهقر إلى سيفاري في ms254 عصر ذلك اليوم: لم تكن تمبكتو سوى ثانية ثلاث ~~مدن رئيسية في الشمال كان يتعين تحريرها، وكان يحتاج إلى تخطيط المرحلة التالية من ~~العملية، ولكن باريرا أوقفه واقترح أن يدخلا المدينة معا. كان يتعين على الجنرال أن ~~يتأكد من أنها كانت آمنة، ولكن كان لديه أيضا دافع آخر. كان قد صار مفتونا بأسطورة ~~تمبكتو وكان قد أخذ يطالع كتاب كاييه. أراد أن يرى بنفسه المنزل الذي كان المستكشف ~~الفرنسي قد أقام فيه. # مضوا بمركباتهم من المطار في قافلة صغيرة إلى داخل المدينة. تذكر جوت: «كان سكان ~~المدينة كرماء جدا.» ثم أردف: «كانوا يصفقون. كان ثمة الكثير من السعادة، وكان ~~بوسعنا أن نلاحظها.» أقبل الناس ليشكروهم، وبخاصة النساء والأطفال. قادوا مركباتهم ~~بأسرع ما في مقدورهم، لكن سرعان ما أصبحت الأزقة ضيقة للغاية بحيث لم تكن تسمح بمرور ~~المركبات، ونزل منها الضباط وتابعوا سيرا على الأقدام. كان وقت الغسق، وكان الضوء من ~~المنازل يكاد أن يكون غير ملحوظ. وعندما اقتربوا من المبنى الذي كان كاييه قد أقام فيه ~~مدة أسبوعين قصيرين في عام 1828، خرج رجل مسن لتحيتهم. قال للجنرال: «آه، أنت محررنا!» ~~قبل أن يعرض عليه أن يأخذه في جولة. فتح بابا خشبيا، مرصعا بمعدن مصقول على الطراز ~~القديم، وقاد الرجال العسكريين إلى الداخل. # شعر الجنرال بفخر شديد. ~~••• # كان العالم الذي كان يراقب ما يحدث يعتبر أن تحرير تمبكتو كان علامة فارقة في الصراع ~~في مالي، لكن سرعان ما طغت عليه أنباء حدث آخر. # في وقت مبكر من صباح ذلك اليوم، بدأ رئيس البلدية سيسيه، الذي كان في باماكو، يقدم ~~إحاطة إعلامية للصحفيين بشأن إحراق المخطوطات في معهد أحمد بابا. قبل الساعة التاسعة ~~صباحا، قال رئيس البلدية لتوماس فيسي مراسل بي بي سي إنه كان لديه «روايات موثوق بها ~~جدا بشأن إحراق مقاتلين إسلاميين لمخطوطات قديمة في الأيام القليلة الماضية»، بحسب ما ~~ذكر فيسي. بعد ذلك بدقائق، نشرت الصحفية التليفزيونية العربية جنان موسى تغريدة قالت ~~فيها إنها قد أحيطت علما بالأمر نفسه ms255. وبحلول منتصف الصباح كانت وكالات قد تلقفت ~~الخبر وكان يجري إرساله في صورة أخبار قصيرة إلى وكالات الأنباء وتكرر ظهوره في ~~حسابات وسائل التواصل الاجتماعي. # تلا ذلك المزيد من المقابلات مع رئيس البلدية. قال لوكالة أسوشيتد برس: «إنه من ~~المقلق حقا أن هذا قد حدث.» ثم أردف: «لقد أضرموا النار في كل المخطوطات القديمة ~~المهمة، وكتب الجغرافيا والعلوم القديمة. إنه تاريخ تمبكتو، تاريخ أهلها.» وقال لصحيفة ~~«ذا جارديان»: «الخبر صحيح، لقد أحرقوا المخطوطات ... أحرقوا أيضا العديد من المباني. ~~كان أحد الأشخاص يحتفل في الشارع فقتلوه.» بحسب ما ذكر رئيس البلدية، لم تكن المخطوطات ~~«جزءا من تراث مالي فحسب وإنما أيضا من التراث العالمي. إنهم بتدميرها يهددون العالم. ~~علينا أن نقتل كل المتمردين في الشمال.» بدا أن كلمات رئيس البلدية سيسيه مؤكدة عندما ~~زار مراسل سكاي نيوز ألكس كروفورد، الذي كان يرافق القوات الفرنسية الآخذة في التقدم، ~~مبنى معهد أحمد بابا وعرض صورا لصناديق محترقة. # كانت السرية المحيطة بعملية حيدرة فعالة للغاية حتى إنه لم يعرف أي أحد في وسائل ~~الإعلام العالمية تقريبا أي معلومة مختلفة، وكان التصريح الصادر من سيسيه بأن «كل ~~المخطوطات المهمة القديمة» قد أحرقت قد أدى إلى تقديرات كارثية للأعداد التي ~~أتلفت. تذكر معيجا: «كان الجميع يتحدثون عن الأمر، حتى الإذاعة.» ثم أردف: «لكنهم ~~وضعوا أرقاما تخيلية. البعض قال إن مائتي ألف مخطوطة أحرقت، أو شيئا من ذلك ~~القبيل.» # عند منتصف النهار، بعد سويعات فقط من إعلان سيسيه، بعث حيدرة برسالة بريد إلكتروني ~~إلى صديقه في مؤسسة فورد وكانت بلغة إنجليزية مضطربة. بدأها بقوله إن الأمور قد صارت ~~«مقلقة أكثر.» كان الجهاديون قد بدءوا في إحراق المخطوطات. كان يشعر بالخوف من أن تراث ~~المدينة يمكن أن يصيبه الضرر أثناء القتال. واختتم بقوله: «لقد حان الوقت، فمن الضروري ~~توفير الموارد لنقل المخطوطات إلى جنوب البلاد.» سواء كانت رسالة البريد الإلكتروني هذه ~~بدافع من خوف حقيقي أو انتهازية - ففي نهاية الأمر، كانت لحظة كان فيها التهديد الجهادي ~~قد حيد ms256 بالتأكيد - فإن مؤسسة فورد تحركت بسرعة، تدفعها دون شك التقارير الكارثية ~~الواردة في وسائل الإعلام. عجل بإرسال طلب تمويل لمنظمة سافاما من خلال المكتب ~~الرئيسي للمؤسسة في نيويورك بمساعدة من المدير التنفيذي الذي سيقود المؤسسة فيما بعد، ~~دارين ووكر. وافقت المؤسسة على منحة قدرها 326 ألف دولار أمريكي، والتي كانت ستغطي ~~تكلفة نقل 922 خزانة إضافية. كان إجمالي المبلغ الذي كانت سافاما قد جمعته لإجلاء ~~مخطوطاتها يقترب الآن من مليون دولار. # في تلك الأثناء، في تمبكتو، كان عبد الله سيسيه لا يزال يفكر بشأن كومة الرماد التي ~~كان قد رآها صباح يوم الخميس. كان الجهاديون قد غادروا للأبد يوم الجمعة، لكنه لم يكن ~~قد عاد إلى داخل المبنى لأنه كان يظن أنه ربما كان ملغما. ومع ذلك كان يعرف أن شيئا ~~ما لم يكن منطقيا تماما. كان يوجد نحو خمسة عشر ألف مخطوطة في المبنى، ولكن لم يكن ~~يوجد خارج قاعة المؤتمرات ما يكفي من الرماد الذي يدل على إحراقها كلها. قال: «لم تكن ~~تلك الكومة من الرماد هي كل الخمسة عشر ألف مخطوطة التي أحرقوها.» فكر في أنه لا بد ~~أن الجهاديين قد سرقوا بقيتها. ثم أردف: «فكرت في أنهم قد أخذوا بعضا منها. كانت ~~تلك هي أول فكرة خطرت لي.» # عندما وصل الجنود الفرنسيون إلى سانكوري، طلبوا أن يتحدثوا إلى الشخص المسئول عن معهد ~~أحمد بابا، واستدعي سيسيه. استجوبوه مطولا بشأن الجهاديين - من كانوا؟ من كان ~~زعيمهم؟ من أي الجنسيات كانوا؟ - وفتشوا المبنى. مثل أي مكان آخر في المدينة، وجدوا ~~ذخيرة وقنابل يدوية في مهاجع الجهاديين. تذكر سيسيه أن الجنود الفرنسيين «أخذوا معهم ~~الكثير من الذخيرة، وأخذوا الكثير من الوثائق حتى يتمكنوا من فهم المتمردين.» # بينما كان الجنود يشقون طريقهم عبر المبنى بحثا عن فخاخ متفجرة، كانوا يضعون ~~علامات برذاذ طلاء أحمر على الغرف التي كانوا قد أخلوها. وعندما وصلوا إلى القبو، ~~ساروا عبر مكان عرض المخطوطات وبدءوا يشقون طريقهم عبر الممر الطويل الذي كانت توجد ~~فيه غرف التخزين. كان ms257 يوجد في المجمل سبع من هذه الغرف. كانت ست غرف منها خالية، ~~وأبوابها مفتوحة، بينما كانت الغرفة السابعة موصدة. سمحت نافذة فحص زجاجية للأشخاص أن ~~ينظروا إلى داخل الغرفة، لكن الأنوار لم تكن تعمل، وكان الظلام هو كل ما يستطيع أي أحد ~~أن يراه. وبعدما فتحوا الباب، وجدوا غرفة عادية مملوءة بوحدات أرفف، كانت كل منها ~~مملوءة بصناديق حفظ، في صفوف متراصة بعضها فوق بعض. هنا كان الجزء الأكبر من مخطوطات ~~المبنى، نحو عشرة آلاف مخطوطة، قابعا دون أن يمس. # عندما جرد موظفو الدولة المجموعة لاحقا، وجدوا أن 4203 مخطوطات كانت مفقودة. قالوا ~~إن الوثائق المفقودة كانت مقتنيات جديدة، كانت قد تركت في غرفة الترميم في الطابق ~~العلوي من مبنى سانكوري وكانت هدفا ملحوظا للصوص الانتهازيين. وفيما يتعلق بسبب ترك ~~العشرة الآلاف مخطوطة المتبقية الأخرى، قال سيسيه إنه يظن أنه لا بد أن اللصوص قد ~~افترضوا أن غرفة التخزين الموصدة كانت خالية كبقية الغرف الست الأخرى، ولم يكلفوا ~~أنفسهم عناء فتح الباب عنوة. كان هذا الأمر دليلا واضحا على القوة الروحية ~~للمدينة. # قال: «إنه حقا لغز تمبكتو.» ~~••• # في تلك الأمسية، اصطحب حيدرة تو تجيوكر لتشاهد المزيد من الخزائن الآتية إلى باماكو. ~~مجددا صدمت من مظهره. قالت: «كان متسخا ومجهدا تماما.» ثم أردفت: «أظن أنه لم ~~يكن لديه ما يكفي من الوقت للاغتسال.» كان مجهدا للغاية، لكنه كان «فخورا جدا ~~بإخراجها.» اعتقدت أنه كان في حقيقته رجلا خجولا أجبر على مضض على تولي دور قيادي. ~~تذكرت قائلة: «أظن أنه في العادة رجل صموت ... وليس من النوع القيادي.» ثم أضافت: «ولكن ~~بسبب الظروف اضطر إلى أن يحول نفسه إلى زعيم رابطة العائلات.» # اصطحب حيدرة تجيوكر إلى منزل زوجته الثانية، وهو عبارة عن مبنى كبير وفخم بحديقة على ~~الضفة الجنوبية للنهر، حيث أخذها إلى غرفة مليئة بالخزائن من أرضيتها إلى سقفها؛ وبداخل ~~كل خزانة كانت توجد مجموعات من المخطوطات. سلبت الوثائق نفسها - القطع الأثرية التي لا ~~تقدر بثمن التي كانت صميم عملية الإجلاء - لب ms258 الدبلوماسية الهولندية. قالت: ~~«كانت المحتويات جميلة جدا. كانت مذهلة . كانت المخطوطات كلها عبارة عن صنوف من ~~الجودة، أتعرف ما أقصد؟ بعضها كان ملونا، والبعض الآخر كان بسيطا فحسب - مجرد رسالة ~~حب ... كان ذلك جميلا جدا.» # بالمثل أعجب شترايدر، القائم بالأعمال في السفارة الألمانية، بما عرض عليه من ~~الشحنات التي وصلت إلى باماكو. شعر بأنه كان «عملا جيدا حقا.» وقال: «رأيت الكثير ~~من الكتب - كان لدي فرصة أن أطلع عليها في باماكو - وكان هذا مذهلا، الشعور بأن ~~لديك بعض المخطوطات التي ترجع إلى القرن الثالث عشر أو حتى الثاني عشر، والكثير جدا ~~من المخطوطات المختلفة ... التي كتبت كلها منذ قرون بعيدة. كان شعورا عظيما أننا ~~ساهمنا في الأمر.» # ومع ذلك، لم تكن عملية الإجلاء قد اكتملت بعد. ففي الثلاثين من يناير، بعد يومين من ~~التحرير، أبلغ حيدرة الشخص الذي كان على اتصال به في مؤسسة فورد، جوزيف جيتاري، بأن ~~عشرين قاربا كانت تغادر الآن منطقة تمبكتو حاملة ثلاثمائة صندوق من المخطوطات. وكتب ~~يخبره أنهم كانوا سيمضون أربعة أيام في النهر إلى أن يصلوا إلى جني، قبل أن يختتم ~~بعبارته المعتادة: «تحياتي!» أحال جيتاري هذه الرسائل الإلكترونية إلى دارين ووكر، ~~مضيفا ملاحظة من عنده: «العملية مستمرة. لحظة من الواقع تحاكي أفلام إنديانا ~~جونز!» # في يوم الجمعة، الموافق الأول من فبراير، وصلت إلى جني عشرة قوارب أخرى تحمل 150 ~~صندوقا إضافيا؛ أنزل 157 صندوقا آخر في اليوم التالي. # في يوم الخميس، الموافق السابع من فبراير، في الساعة الثامنة وثلاث عشرة دقيقة ~~صباحا، أرسل حيدرة إلى جيتاري رسالة بريد إلكتروني تحمل خبر وصول الشحنة الأخيرة. «أود ~~فقط أن أبلغك بأن القوارب الأخيرة وصلت للتو إلى جني. هذه الرحلة هي تتمة نقل 922 ~~صندوقا إلى جني عبر النهر. ستصلك قريبا صور عمليات الوصول الأولى لصناديق المخطوطات ~~إلى باماكو. تحياتي!» # كان يبدو أن مهمة حيدرة الجبارة لإنقاذ مخطوطات تمبكتو قد اكتملت أخيرا. # الفصل الثامن عشر # | حمى المخطوطات # 1967-2003 # بعد اكتشاف كتب تأريخ تمبكتو وترجمتها، بدأت قصة المدينة الأسطورية تختفي في ms259 النصف ~~الأخير من القرن العشرين. ومع أنه كان لا يزال من السهل أن تجد أكاديميين يكتبون عن ~~الحملات الاستكشافية المالية إلى أمريكا، أو عن الخمسة والعشرين ألف طالب الذين كانوا ~~يدرسون بجامعة تمبكتو أثناء العصور الوسطى السودانية، فإن مجموعة قليلة، ولكنها كانت ~~آخذة في التزايد، من المتخصصين في الدراسات الأفريقية كانت تفتت شيئا فشيئا الأساطير ~~أملا في إخراج حقيقة موضوعية. ففي نهاية الأمر كان التاريخ رائعا بما يكفي، ولا يتطلب ~~المزيد من التنميق. ما كان متبقيا - «القصة الشائعة»، الرواية المألوفة لقصة تمبكتو ~~والسونجاي - كان يستند على كتب سرد الوقائع التاريخية وعلى قوائم ملوك سونجاي التي ~~أوردتها، من سلالة زا إلى الأسكيين عبر سني علي كولون وخلفائه. هذه التفاصيل كانت ~~حقائق، وهو ما كان من الممكن للمؤرخين أن يتفقوا عليه إلى حد بعيد. # قرب نهاية عام 1967، نظمت منظمة اليونسكو ملتقى للخبراء حول مخطوطات غرب أفريقيا ~~في تمبكتو، في دولة مالي المستقلة حديثا. من بين الضيوف كان الرجل الذي سيعرف بعميد ~~خبراء مخطوطات تمبكتو، وهو جون هنويك. أوصى الملتقى - وهو ما كان من وجهة نظر هنويك ~~«أكثر قليلا من مجرد أمل خادع» - بإقامة معهد أبحاث في تمبكتو لجمع وحفظ التراث ~~الإسلامي للمنطقة. بل إنه اقترح اسم له: مركز أحمد بابا. في غضون عشر سنوات، كان هذا ~~المعهد قد تأسس، وهو ما كان بمنزلة مفاجأة لهنويك. كانت مالي الآن تمتلك برنامجها ~~المعترف به دوليا والمكرس للبحث في ماضي المنطقة من خلال وثائقها. # بحلول عام 1992، عندما عاد هنويك للتفتيش عن نسخ من كتاب «تاريخ السودان» من أجل ~~ترجمة إنجليزية جديدة كان بصدد إعدادها، كان المعهد قد أحرز المزيد من التقدم: كان الآن ~~يفتخر بأنه يضم إدارة لترميم المخطوطات وقسما يمكن فيه تحويل الأعمال إلى ميكروفيش. ~~وكان يمتلك أيضا عددا متزايدا من الوثائق - أكثر من 6300 وثيقة - بالإضافة إلى مكتبة ~~صغيرة للأعمال المطبوعة. كتب هنويك أنه يجد أن «من الصعب إعطاء صورة منصفة عن ثراء ~~المجموعة.» كان معظم العناصر لمؤلفين محليين ويندرج تحت تصنيفين واسعين: عناصر ms260 ذات طابع ~~«أدبي»، وتشمل الدراسات الدينية، وكتب تسجيل الوقائع التاريخية، والقصائد؛ وعناصر ذات ~~طابع «وثائقي» وتشمل خطابات، ووثائق قانونية، ومخطوطات متعلقة باستئجار منازل، وجداول ~~ميراث، وملكية أراض، وما إلى ذلك. # من ضمن الأعمال الأدبية، قال هنويك إنه توجد نسختان لكل من كتابي «تاريخ السودان» ~~و«تاريخ الفتاش». كان يوجد أيضا كتب لتاريخ أزواد وشعب البربر، ولتاريخ بلدة تادمكة ~~التجارية القديمة. كان يوجد قواميس تراجم، بالإضافة إلى تأريخ للحروب بين الطوارق ~~والفرنسيين؛ ونسخة من كتاب التأريخ «ديوان الملوك» مجهول المؤلف الذي كان دوبوا قد عثر ~~عليه. اشتملت الدراسات الدينية البارزة على أعمال لعائلة فقهاء كونتا الذين كانوا قد ~~فعلوا الكثير لمساعدة لينج وبارت، ومن ضمنهم سيدي المختار، وسيدي محمد، وسيدي أحمد ~~البكاي. كان يوجد أعمال لأحمد بابا نفسه ولأعضاء آخرين من عائلة آقيت ذائعة الصيت. ثم ~~كانت توجد مجموعة كاملة من المخطوطات في تصنيف هنويك الثاني، وهو العناصر ذات الطابع ~~«الوثائقي». # في هذا الوقت، كان طاقم عمل مركز أحمد بابا يضم الشاب عبد القادر حيدرة، الذي ذكر ~~هنويك أنه كان لديه «صلات جيدة بالكثير من العائلات في المدينة.» ومع ذلك كان العنصر ~~الأهم في تطور المركز الذي كان في مهده هو مديره، محمود زوبر. كان زوبر شخصية نادرة ~~المثال، حتى في أواخر القرن العشرين: كان عالما ماليا معترفا به من قبل الأوساط ~~الأكاديمية الدولية. كان يتقن لغات الفولاني، والسونجاي، والتماشق، والعربية، ~~والفرنسية، وكان لديه معرفة عميقة بتاريخ وثقافة منطقة النيجر الوسطى، وكان قد حصل على ~~درجة الدكتوراه من جامعة السوربون عن بحثه في حياة أحمد بابا. # تحت قيادة زوبر، تزايدت شهرة مركز أحمد بابا خلال تسعينيات القرن العشرين، كما تزايدت ~~أيضا مجموعته. في تلك الأثناء، قام حيدرة بمحاولاته الأولى للنهوض بالمكتبات الخاصة. ~~وقرب نهاية العقد، تلقت حظوظ تمبكتو دفعة كبيرة بزيارة ضيف مميز للغاية: هنري لويس ~~جيتس الابن. كان جيتس، الرئيس البارز لقسم الدراسات الأفريقية والأفريقية الأمريكية ~~بجامعة هارفرد، قد أتى إلى مالي لعمل فيلم لسلسلة وثائقية من إنتاج شبكة «بي ms261 بي إس» ~~التليفزيونية بعنوان «عجائب العالم الأفريقي». وعلى العكس من الرجال البيض الذين كانوا ~~قد استكشفوا تمبكتو في الماضي، تناول جيتس الموضوع من المنظور المختلف اختلافا كبيرا ~~لشخص من نسل العبيد. كانت زيارته بالتأكيد مشحونة سياسيا؛ ففي الفيلم، الذي عرض ~~لأول مرة عام 1999، صرح بأنه «بصفتي أمريكيا من أصول أفريقية، أعرف شعور أن يسرق ~~تاريخك منك.» # رافق سيدي علي ولد، المرشد الذي يتحدث اللغة الإنجليزية، جيتس في جولة إلى مسجد ~~سانكوري، واصطحب جيتس لمقابلة حيدرة ورؤية كتبه. في هذه الأيام التي سبقت بناء مكتبة ~~مما حيدرة التذكارية، كانت المجموعة محفوظة في غرفة تخزين مزدحمة بصناديق معدنية ~~قديمة، وكانت المجلدات مغطاة بطبقة رقيقة من التراب والرمل. أصيب جيتس بذهول؛ فهنا ~~كان يوجد آلاف المخطوطات، قليل منها مغلف بالجلد، والبعض الآخر كان مجرد أكوام من ~~المطويات السائبة الملفوفة معا بحرص، وبعضها يحتوي على نقوش ذهبية ورسوم توضيحية قدر ~~أنها تساوي آلاف الدولارات في دور المزادات الرئيسية في العالم. واعتقد أنها إن ~~ترجمت فقد تعيد كتابة تاريخ أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى برمته. # وصف هذه اللحظة في يوميات نشرت على الإنترنت: # بينما كنت واقفا في «مكتبة» حيدرة ... تخيلت الشعور الذي شعر به راعي الغنم ~~وهو ممسك في يده بمخطوطات البحر الميت، شاعرا ربما بعظمة اكتشافه، ولكنه عاجز ~~عن كشف أسراره. هنا، في «بوابة الصحراء»، على حافة طريق الصحراء الكبرى الرملي ~~العظيم الذي تسلكه الجمال، حيث يلتقي عالمان مختلفان طيلة ألف عام، أمسكت في ~~يدي بما قد يكون آخر بقايا الإنجاز الفكري لعالم أفريقيا جنوب الصحراء ~~الكبرى. # لاحقا، وهو يتحدث أمام الكاميرا في ساحة مسجد سانكوري والدموع في عينيه، تخيل جيتس ~~نفسه «محاطا برجال سود يلبسون الأردية الطويلة والعمائم، التي حصلوا عليها علامة لهم ~~على درجتهم العلمية عند تخرجهم، وكل واحد منهم يحمل كتبا، وهذا المكان كله محاط ~~بالكتب»: # في نفس الوقت بالضبط الذي قال فيه الأوروبيون إن أفارقة جنوب الصحراء الكبرى ~~يفتقرون إلى القدرة الفكرية على القراءة أو الكتابة، كان هذا المكان، الذي ~~تأسس ms262 تقريبا في نفس وقت تأسيس جامعة باريس وجامعة بولونيا ... وقبل تأسيس ~~جامعتي المحبوبة هارفرد بثلاثمائة وإحدى عشرة سنة كاملة ... يزخر بخمسة وعشرين ~~ألف طالب وعالم اجتمعوا من كل أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وشمال أفريقيا ~~وأتوا إلى هنا لأن هذا المكان كان مركز التعلم العظيم في أفريقيا. # قال جيتس إن هذا كان «كافيا لجعلي أبكي.» # على الرغم من أن سرد جيتس عن تمبكتو كرر العديد من الأخطاء التي ارتكبها المؤرخون ~~الاستعماريون، فقد كان من شأنه أن يغير ديناميكيات تجارة المخطوطات تغييرا جذريا. ~~فها هو رجل أسود، «أمريكي» أسود، أستاذ بارز له كرسي في جامعة هارفرد، يذرف الدمع بسبب ~~اكتشافه الشخصي لدليل مكتوب على الماضي الفكري لأفريقيا، الدليل على مهزلة قرون من ~~العنصرية الأوروبية. لماذا لم يكن يعرف بالأمر؟ ولماذا لم يكن العالم يعرف؟ لدى عودته ~~إلى الولايات المتحدة، بدأ جيتس في حشد الدعم المالي لحيدرة، والذي أتى في صورة منحة من ~~مؤسسة أندرو دبليو ميلون. وبعد سنوات من محاولة التمبكتي لتجميع القليل من التمويل من ~~أجل مشروعه المتمثل في المكتبات الخاصة، بدأت الأموال أخيرا تتدفق إليه. وسرعان ما ~~أصبحت المدينة الفقيرة بؤرة ازدهار في مجال المخطوطات: حفزت مبالغ التمويل المتزايدة ~~- التي تبرعت بها منظمة اليونسكو، ومؤسسة فورد، والنرويج، ولوكسمبورج، والولايات ~~المتحدة - الناس على جلب المزيد من الوثائق من القرى المحيطة بتمبكتو، بينما بدأت مدن ~~مالية أخرى، مثل جني وسيجو، في مشاريع المخطوطات الخاصة بها. رحب مالكو المخطوطات ~~بالأموال، ولكن كان للازدهار جانب أكثر قتامة: أصبحت المكتبات تقيم، ليس بجودة ~~كتبها فحسب، وإنما أيضا بأعدادها؛ أخذت الأرقام المزعومة تتصاعد أعلى فأعلى، وتضخمت ~~المجموعات عن طريق الشراء العشوائي. ووجدت المكتبات الخاصة والعامة نفسها يتبارى بعضها ~~مع بعض في إطار تدافعها من أجل الحصول على التمويل. أفصح طلب منحة منظمة سافاما، ~~المكتوب في العقد الأول من القرن الحالي، عن ذلك: كان مركز أحمد بابا قد تمكن من جمع ~~عشرين ألف مخطوطة أو نحو ذلك، لكن هذا كان «صغيرا للغاية مقارنة بمئات الآلاف (ربما ms263 ~~حتى الملايين) من المخطوطات المملوكة لأفراد.» # لم يكن جيتس هو الرجل الوحيد الذي كان لديه طموحات سياسية فيما يتعلق بالمخطوطات. في ~~نوفمبر من عام 2001، جاء الرئيس الجنوب أفريقي تابو إيمبيكي إلى تمبكتو بصحبة نظيره ~~المالي، الرئيس ألفا عمر كوناري، وهو في الأصل مؤرخ. أطلع إيمبيكي على مساحة العرض ~~الضيقة في مبنى أحمد بابا في شارع شيمنيتز، والتي كانت تحتوي فقط على خزانتين زجاجيتين ~~صغيرتين، قبل أن يصطحب إلى ورشة ترميم مليئة بمعدات صدئة عفا عليها الزمن. وبينما ~~كان الرئيس الجنوب أفريقي يستمع إلى شرح عن تاريخ محتويات المخطوطات، أدرك الفرصة التي ~~أمامه. # لم يكن قد مر سوى أحد عشر عاما فقط على قيام نيلسون مانديلا ب «مسيرته نحو ~~الحرية»، وسبعة أعوام فقط على انتخابه رئيسا وأعلن أن الفصل العنصري البغيض قد صار ~~شيئا من الماضي. كان إيمبيكي، باعتباره خلفا لمانديلا، يضغط بشدة لتحرير القارة من ~~التفكير العنصري الذي ينتمي إلى الماضي. أدرك أن الأدلة الموجودة في مركز أحمد بابا ~~يمكن استخدامها لإعادة توجيه الحياة الفكرية للقارة بعيدا عن تفضيلها المتحيز للندن ~~وباريس، العاصمتين الاستعماريتين القديمتين، ويمكن أن تساعد في صياغة هوية محلية ~~للقارة. # عند عودته إلى جنوب أفريقيا، بادر إيمبيكي إلى بدء مشروع عملاق كانت مهمته استغلال ~~المخطوطات. على مدى العقد التالي، كانت ملايين الدولارات من الأموال الجنوب أفريقية ~~ستضخ من أجل البناء، وصيانة المخطوطات، والبرامج البحثية في مالي وجنوب أفريقيا ~~لتطوير ما وصفه شاميل جيبي، رئيس مشروع مخطوطات تمبكتو في جامعة كيب تاون، بأنه «تراث ~~أدبي تعرض للتقليل من شأنه إلى حد كبير ومن المحتمل أن يكون رمزا لتراث قاري أوسع ~~نطاقا من الإبداع والتقليد المكتوب على وجه التحديد.» في عام 2009، افتتح مبنى مركز ~~أحمد بابا الجديد، المصمم على يد معماريين جنوب أفريقيين، والذي تكلف 8,36 مليون دولار، ~~بجوار مسجد سانكوري، متضمنا خدمات ترميم المخطوطات وتصنيفها ورقمنتها. # مع تدفق الأموال إلى تمبكتو، ووصول أرقامها إلى مستويات مذهلة، كان من المؤكد أنه ~~لن يمضي وقت طويل قبل أن تقدم الوثائق اكتشافات ms264 ذات أهمية تاريخية. ولكن التقدم كان ~~بطيئا على هذه الجبهة. في عام 1999، بدا أن هنويك كان على وشك أن يتوصل لكشف مهم عندما ~~أطلع على كنز دفين من الوثائق في مكتبة فوندو كاتي كان يبدو أنه يحتوي على مواد ~~مرجعية أصلية لكتاب «تاريخ الفتاش»، مكتوبة على هوامش نصوص أخرى. كانت هذه الوثائق ~~تمثل، بحسب ما قيل لمراسل صحيفة «شيكاجو تريبيون» في عام 2001، المعادل الأفريقي ~~للوثائق الأنجلو ساكسونية، وهو ما كان من شأنه أن يغير الآراء التي كانت تحظى بالقبول ~~منذ وقت طويل عن التاريخ الأفريقي. إلا أن هنويك كان قد أصيب بسكتة دماغية في عام ~~2000، وتوقف البحث في الوثائق. في الواقع، عندما قلبت الأمور رأسا على عقب فيما ~~يتعلق بالتاريخ السوداني، لم يكن ذلك على الإطلاق بسبب اكتشافات جديدة في المخطوطات. في ~~العقد الأول من القرن الحالي، أتت أهم الاكتشافات المتعلقة بحقبة سونجاي من مصدر مختلف ~~تماما؛ ألا وهو، النقوش العربية من العصور الوسطى المكتوبة على شواهد القبور في ~~المنطقة. # كان الرجل الذي فك رموز هذا الدليل المتعلق بالكتابات المنقوشة هو طبيب بشري ~~برازيلي تحول إلى منقب في التاريخ يدعى باولو فرناندو دي مورايس فارياس. كان ~~فارياس قد عاش وعمل سنوات عديدة في غرب أفريقيا وتنامى لديه شغف بهذه الكتابات التي ~~يرجع تاريخها إلى قرون عديدة. ماذا كانت تعني؟ أي ثقافات أنتجتها؟ أمضى فارياس ثلاثين ~~عاما في اكتشاف ذلك. ظهر عمله الأعظم «نقوش العصور الوسطى العربية من جمهورية مالي»، ~~في عام 2003، بعد أربعة أعوام من نشر هنويك لترجمته الإنجليزية الجديدة البارزة لكتاب ~~«تاريخ السودان». كان من شأن النتائج أن تشكل تحديا لأسس التأريخ الشائع القبول عن ~~تمبكتو وإمبراطورية السونجاي الذي كان قد بدأ باكتشاف بارت لكتاب «تاريخ السودان» في ~~عام 1853. # بما أن الكتابات المنقوشة، التي كان قد أعيد اكتشافها في القرن العشرين، كانت ترجع ~~إلى ذلك العصر، لذا كانت أقدم مصادر الكتابة في المنطقة وأكثرها موثوقية، إذ كانت تسبق ~~كتب التأريخ بمئات السنين. ومع ذلك فقد تعرضت للتجاهل إلى حد ms265 ما لأنها لم تكن تتوافق ~~مع التأريخ المذكور في كتابي «تاريخ السودان» و«تاريخ الفتاش». كان الأكاديميون قد ~~تفاعلوا معها بنوع من «فورات الحماس» التي استتبعها «عدم يقين معطل»، بحسب ما كتب ~~فارياس؛ إذ لم يكن لديهم أي فكرة عن كيفية ربطها بالمصادر الوثائقية المعروفة: لم ~~تتطابق التواريخ، ولا أسماء السلالات الحاكمة، ولا الحكام. كان يمكن فقط لشخص بمعرفة ~~وتفاني فارياس أن يفهمها ويكتشف الكيفية التي يمكن أن تتوافق بها مع الكتب ~~التاريخية. # ما بدأ البرازيلي يدركه هو أن كتب التاريخ على الرغم مع كونها مصدرا قيما، فإن ~~أجزاء كبيرة منها لم تكن دقيقة تاريخيا على الإطلاق: في الواقع، كان مؤلفوها قد ~~صاغوا سردا لتاريخ سونجاي من أجل المهمة السياسية المتمثلة في إعادة توحيد الناس الذين ~~عاشوا في منحنى نهر النيجر بعد الغزو. كان الغزو المغربي قد حول الأسكيين إلى ملوك ~~أشبه بالدمى وأدى إلى تقليص الامتياز الذي كان يتمتع به سكان المدن المتعلمون في ظل ~~حكمهم، بينما كان سماسرة السلطة الجدد في منطقة سونجاي لا يزالون يصارعون من أجل الحصول ~~على الشرعية. وبحسب ما برهن فارياس، فإن كتب التاريخ كانت لذلك مصممة على هيئة شكل ~~من أشكال «إدارة الكوارث»، وهو شكل جديد من الأدب يهدف إلى التوفيق بين النخب وتمكينهم ~~من المضي قدما معا. لقد كانت مؤلفة بطريقة جعلت قصة السونجاي تظهر على صورة «سرد ~~فريد ومحكم»، لكن هذا كان مصطنعا؛ إذ اختصرت فترات نفوذ القوى الأجنبية مثل مالي ~~وبسطت فترة حكم ملوك سونجاي إلى الوراء وكذلك إلى الأمام عبر الزمن. هذه النسخة ~~المعدلة من الأحداث ذات الطابع القومي المنتمي إلى السونجاي استبعدت من قوائم الملوك ~~سلالات حاكمة كاملة، مثل سلالة تحمل لقب «ملك»، كان بعضها يسبق سلالة زا، وعلى الأقل ~~ست حاكمات نساء حملن لقب «ملكة» وشكلن سلسلة ملكية مستقلة. # للمساعدة في ملء الفجوات في تاريخ سونجاي، اقتبس مؤلفو كتابي «تاريخ السودان» و«تاريخ ~~الفتاش» من أساطير سابقة لثقافات أخرى. أخذت قصة علي كولون، على سبيل المثال، من ms266 ~~تراث الطوارق، ومن المحتمل أنه لم يكن شخصية حقيقية ، شأنه في ذلك شأن زا الأيمن، الملك ~~الأسطوري الذي قتل الإله-السمكة. # بحسب ما كتب فارياس، كان يوجد سببان وراء أن المؤرخين الأقدم لم يلاحظوا هذه الأخطاء. ~~كان السبب الأول هو المصادفة القدرية التي جعلت بارت يعثر على كتاب «تاريخ السودان» ~~وليس على دليل الكتابات المنقوشة. وبعد أن اطلع المؤرخون على كتب التاريخ بكل ~~تفاصيلها النابضة بالحياة، كانوا مترددين في قبول الأدلة التي تعارضت معها. كان السبب ~~الثاني، بحسب فارياس، نتاجا للثقافة العنصرية في أواخر القرن التاسع عشر. كان ~~المستشرقون الفرنسيون قد اعتبروا أحمد بابا مثالا لفقهاء تمبكتو بسبب كتابته العربية ~~النثرية الجميلة، بينما نسب إلى مؤلفي كتابي «تاريخ السودان» و«تاريخ الفتاش» فحسب، ~~الذين كتبوا أعمالهم في فترة لاحقة وبلغة عربية ركيكة، فضل قدرتهم على النقل الأمين ~~لاكتشافات أسلافهم الألمع. # من وجهة نظر فارياس، لم تجعل هذه الاكتشافات كتب التأريخ عن تمبكتو غير ذات صلة. ليس ~~الأمر كذلك على الإطلاق. لقد كانت أكثر تطورا وتعقيدا مما اعتقد أي أحد. فبتجميلها ~~للتاريخ بهذه الطريقة، كانت قد شكلت أكثر كتابة مبدعة خرجت في أي وقت من المدينة. ~~وخلص إلى ما يلي: «يجب علينا أن نعتمد اعتمادا أقل على عمليات إعادة البناء التي ~~قدمتها كتب التأريخ للماضي القديم، وأن نتعلم في الوقت نفسه احترام مهارات المؤرخين ~~بصفتهم حرفيين في كتابة النصوص وعملاء أيديولوجيين.» # لذا حتى في بداية القرن الحادي والعشرين، في الوقت الذي يمكن فيه القول إن الكثير من ~~اللبنات الأساسية لتاريخ العالم قد ترسخت، كان ماضي غرب أفريقيا محل مراجعة وتنقيح ~~جاد. أظهر فارياس، مرة أخرى، أن ما كان يعتقد لزمن طويل عن تمبكتو كان خطأ. # الفصل التاسع عشر # | مصنع الأساطير # 2013-2015 # في الأيام التي تلت التصريح المثير لرئيس البلدية سيسيه، تباطأت أنباء الإجلاء في ~~الظهور للعلن. بدا أن لا أحد يريد أن يكشف قبل الأوان الحقيقة المتمثلة في أن كل ~~المخطوطات تقريبا كانت في مأمن. في جامعة كيب تاون، استقبل فريق مشروع ms267 مخطوطات تمبكتو ~~مكالمات من صحفيين يبحثون عن تحليل خبير لما قد حدث. دعاهم الأكاديميون إلى توخي ~~الحيطة. فبمجرد أن شاهدوا الصور التلفزيونية الآتية من مبنى أحمد بابا، عرفوا أن جميع ~~الوثائق لم تحرق: فببساطة لم يكن ثمة ما يكفي من الأضرار، ولا ما يكفي من الرماد. ~~وعندما اتصلوا بزملائهم في مالي فوجئوا بأن لا أحد منهم كان من شأنه أن يفسر بالضبط ~~ما قد حدث. تذكرت سوزانا مولينز ليتيراس، التي كانت وقتئذ طالبة دكتوراه تعمل مع ~~المشروع، قائلة: «امتنعوا عن أن يطلعونا على الأمر.» ثم أضافت: «أخبرونا بأن هذا كان ~~لأسباب أمنية، وأن الأمر كان غير آمن على الإطلاق.» بدا لها أنه في ذلك الوقت كان هذا ~~القدر من الحيطة غير ضروري. # ومع ذلك، بدأت معلومات منتقاة تتسرب إلى أولئك الذين كانوا يعرفون حيدرة معرفة جيدة. ~~قال جان-ميشيل دجيان، وهو كاتب فرنسي تخصص في ثقافة غرب أفريقيا، لصحيفة «ذا ~~نيويوركر» في يوم التحرير إن معظم مخطوطات تمبكتو - «نحو خمسين ألفا» - كانت آمنة وإن ~~حيدرة قد نقل أكثر من خمسة عشر ألفا إلى العاصمة قبل شهرين لحمايتها. في وقت لاحق من ~~ذلك الأسبوع، كتب المراسل المخضرم في أفريقيا تريستان ماكونيل مقالا لكل من صحيفة ~~«جلوبال بوست» الرقمية ومجلة «هاربرز» كشف فيهما حيدرة تفاصيل عملية الإجلاء. كتب أن ~~رجل المكتبات كان قد شرع، متعاونا مع «حفنة من المتطوعين»، في إخفاء مخطوطات تمبكتو. ~~كان قد عمل، بمعاونة «خمسة عشر زميلا»، كل ليلة لمدة شهر في وضعها في خزائن، بادئا ~~بمجموعة مما حيدرة ثم منتقلا إلى مجموعات أخرى. كان «أكثر من ألف» صندوق من المخطوطات ~~قد دفنت تحت أرضيات طينية، أو خبئت في خزانات وغرف في منازل خاصة، أو أرسلت عبر ~~النهر. قال حيدرة لماكونيل إنه رفض عروضا بمساعدة إضافية، لأنه لم يرغب في أن يعرف أحد ~~آخر الموضع الذي كانت المخطوطات مخبأة فيه. # عندما أدركت وسائل الإعلام العالمية أن ما كان يعتقد أنه قد دمر كان في الواقع ~~قد حفظ، بدأت جولة ms268 جديدة من التغطية الصحفية، وبدأت أعداد المخطوطات التي أجليت في ~~التزايد. بحلول الخامس والعشرين من فبراير، كان الخمسة عشر ألف مخطوطة التي ذكرها دجيان ~~قد صارت، بحسب مجلة «دير شبيجل»، «أكثر من مائتي ألف وثيقة، أو نحو ثمانين بالمائة من ~~[مخطوطات تمبكتو]»، وذلك نقلا عن وزير الخارجية الألمانية كمصدر لها. لاحقا ذكرت ~~وثيقة إحاطة ألمانية أن الرقم هو مائتان وخمسة وثمانون ألفا، بينما في أبريل، في مجلة ~~«ذا نيو ريببلك» الأمريكية، ذكر نقلا عن حيدرة أنه زعم أن «خمسة وتسعين بالمائة ~~تقريبا من مخطوطات المدينة البالغ عددها ثلاثمائة ألف مخطوطة قد وصلت بأمان إلى ~~باماكو.» بحلول عام 2015 كان من شأن نسبة الخمسة والتسعين بالمائة هذه أن تصبح 377491 ~~مخطوطة، شحنت فيما يقرب من 2500 خزانة. لم يكن هذا العدد يشمل الأربعة والعشرين ~~ألفا أو نحو ذلك التي أجليت من مبنى أحمد بابا القديم، وهو ما كان من شأنه أن يصل ~~بالمجموع إلى أكثر من أربعمائة ألف مخطوطة. # في الثالث عشر من مارس، من عام 2013، بعد ستة أسابيع من التحرير، أطلقت دياكيتي حملة ~~جديدة لجمع التبرعات، تحت اسم «تي 160 كيه»: «مكتبات تمبكتو في المنفى»، إلى جانب ~~محاضرة في جامعة أوريجون. (قالت إن تسمية «تي 160 كيه» تشير إلى «المائة والستين ألف ~~مخطوطة الأولى» التي كانت قد أجليت من تمبكتو.) في محاضرتها، تذكرت دياكيتي كيف هب أهل ~~تمبكتو والقرى المحيطة بها لتقديم المساعدة لإنقاذ التراث، في الوقت الذي كانوا يشعرون ~~فيه بالخوف على حياتهم ومستقبلهم، ولا يتلقون أي نوع من الدخل لأن أعمالهم التجارية أو ~~وظائفهم كانت قد انحسرت مع الأزمة. دمعت عيناها تأثرا بقوة القصة. وقالت: «سأبدأ في ~~البكاء في أي لحظة هنا مجددا.» ثم أضافت: «ها قد بدأت.» # تكلمت لمدة خمسين دقيقة - «وهي مدة قصيرة من الوقت لمغامرة بهذه الضخامة»، على حد ~~وصفها - لكنها كانت كافية لها لتكشف النتائج الجديدة المثيرة للاهتمام بشأن المخطوطات. ~~قالت إنه أثناء عملية الإجلاء، كان العاملون قد قاموا بعمل قائمة جرد تقريبية، واكتشفوا ~~للمرة الأولى أن عدد الكتب ms269 الدينية في المجموعات كان أدنى بكثير من عدد الأعمال ~~العلمانية، التي كانت تشمل أشعارا، وأقاصيص، ومقالات، وكتبا للطهي، وأعمالا عن علوم ~~العصور الوسطى، والطب، والموسيقى، و«غير ذلك الكثير.» ومع ذلك فإن ما كانت لا تزال تجده ~~مثيرا هو مبحث كانت قد نقبت عنه قبل ذلك بعقد تحت رعاية «المجموعة البحثية الخاصة ~~بحل النزاعات الخاصة» في مالي، وهو: المخطوطات التي احتوت على نصوص كانت تستخدمها ~~جماعة من الدبلوماسيين الإسلاميين تسمى «سفراء السلام»، وفي رأيها أنه ينبغي الآن ~~استخدام هذه النصوص لتتصدر جهود عملية المصالحة في مالي. بل إن هذه النصوص يمكن أن ~~تحتوي على نموذج لحل المنازعات في جميع أنحاء القارة. # إن الطريقة التي جمعت بها المخطوطات الناس أثناء عملية الإجلاء تقودنا إلى ~~الاعتقاد بأنها، وهذه المادة المرجعية، يمكن أن تقود عملية إحلال السلام الدائم ~~في مالي، وربما يكون هذا هو قدر المخطوطات، على الأقل في هذه الصيغة ~~لوجودها. # ولكن قبل أن يمكن للمخطوطات أن تحقق هذا القدر، كان ثمة حاجة إلى المزيد من ~~التمويل. فبعيدا عن كونها آمنة، كانت المخطوطات في باماكو واقعة تحت تهديد طقس ~~المدينة الرطب، واستلزمت هذه الأزمة الجديدة مبالغ مالية أكبر من تلك التي استلزمتها ~~عملية الإجلاء. كان المستهدف من حملة «تي 160 كيه» - التي روج لها في وسائل الإعلام ~~القديمة والجديدة على حد سواء - هو سبعة ملايين دولار أمريكي. بعد مرور شهرين، في ~~الخامس عشر من مايو، نشر حيدرة «خطة عمل لإنقاذ مخطوطات تمبكتو التي أجليت إلى باماكو، ~~والحفاظ عليها، وزيادة قيمتها»، والتي فصلت تكاليف الحفاظ على وثائق منظمة سافاما ~~ورقمنتها وفهرستها والبحث فيها. حددت تكلفة هذا البرنامج الذي كانت مدته ثلاث سنوات ~~بمبلغ أعلى بكثير، بما يزيد قليلا عن 22 مليون دولار أمريكي: وهو مبلغ هائل في بلد ~~كان متوسط الدخل السنوي فيه 1500 دولار أمريكي فقط. # استجاب العديد من المانحين للنداءات الجديدة. ساهمت وزارة الخارجية الألمانية ومؤسسة ~~جيردا هنكل بحوالي مليون دولار سنويا، بينما قاد فريق من جامعة هامبورج الجهود للحفاظ ~~على المخطوطات وفحص محتوياتها ms270. اشترت منظمة سافاما أجهزة لإزالة الرطوبة، ورممت ~~بناية كبيرة في جنوب باماكو لتكون مقرا لها. وهناك، بدأت جديا العملية البطيئة لصنع ~~صناديق جديدة خالية من الأحماض من أجل المخطوطات وتصويرها، حيث وظف حيدرة جيشا ~~كبيرا من الموظفين. كانت سافاما الآن في طريقها للتفوق على الأرشيف الذي تديره الدولة ~~باعتبارها المرجع الرئيسي للمخطوطات المالية. # في تلك الأثناء بدأت تتدفق على المدينة الصغيرة الشهيرة عروض المساعدات من سائر أنحاء ~~العالم. تعهدت منظمة اليونسكو بإعادة بناء جميع الأضرحة المهدمة؛ وكانت ستنهي المهمة في ~~صيف عام 2015. وأسست مبادرة بقيادة أمريكية، تحت اسم «مجموعة عمل نهضة تمبكتو»، بهدف ~~إحياء مالي عن طريق إحياء تراثها الثقافي. تضمن مشروع «نهضة تمبكتو» اتفاقا مع شركة ~~جوجل لجعل الشركة تصور المدينة من أجل نسخة منظور الشارع، التي يمكن فيها، بمقابل مادي، ~~للمستخدمين البعيدين أن يأخذوا جولة افتراضية ويشاهدوا لقطات مصورة لسكان محليين يحكون ~~قصصا عن المدينة. قالت وزيرة الثقافة المالية، ندياي راماتولاي ديالو: «ستكون أداة ~~سياحية لنا.» ثم أردفت: «أرادوا عمل ذلك بطريقة يمكنك من خلالها زيارة تمبكتو بكاملها، ~~فيمكنك رؤية المخطوطات، ويمكنك زيارة المساجد والآثار وكل ما هو موجود في تمبكتو.» كانت ~~توجد أيضا خطط تجري على قدم وساق لإنشاء أول جامعة حقيقية في المدينة، بتكلفة تقديرية ~~بلغت 80 مليون دولار، والتي تقدم دورات في كل شيء من الأدب إلى الزراعة وحتى الطاقة ~~المتجددة. # في خريف عام 2014، سافر حيدرة إلى أوروبا لتسلم جائزة مؤسسة أفريقيا الألمانية ~~المرموقة، تقديرا لجهوده في إنقاذ المخطوطات وتجنب «خسارة لا يمكن تصورها» للتراث ~~العالمي، ولالتزامه الدءوب بتطوير وحفظ التاريخ الأفريقي. قال وزير الخارجية الألمانية، ~~وهو يقدم الجائزة: «كان من الممكن أن يكون للأمر نتيجة مختلفة تماما، لكننا اليوم ~~سعداء بأن 95 بالمائة من المخطوطات قد أنقذت.» ~~••• # لم يصب الجميع بالتفشي الجديد لحمى تمبكتو. في خريف عام 2015، اجتمعت مجموعة ~~متعددة الجنسيات من المتخصصين في الدراسات الأفريقية في الحرم الجامعي المورق لجامعة ~~برمنجهام لحضور ندوة تكريما لكبير الباحثين الفخريين في الجامعة باولو فرناندو دي ~~مورايس فارياس. اجتمع ms271 أكاديميون من جميع أنحاء العالم في قاعات مؤتمرات ذات جدران بيضاء ~~لتقديم عروض إيضاحية حول مواضيع متنوعة مثل التعليم التبشيري الكاثوليكي في مملكة ~~الكونغو ودور الرواة القبليين في غرب أفريقيا. وكان من بين المبعوثين خبراء بارزون في ~~التراث الإسلامي لغرب أفريقيا، من بينهم فارياس، وشاميل جيبي، وتشارلز ستيوارت، وماورو ~~نوبيلي من جامعة إلينوي، وبروس هول. # كان هول، وهو أستاذ مساعد طويل معسول اللسان من جامعة ديوك، يعرف دياكيتي، وحيدرة، ~~وهنويك منذ عام 1999، عندما أمضى سنوات عديدة في تمبكتو، وهو طالب دكتوراه شاب، يعمل ~~في المخطوطات. كان واحدا من غربيين قلائل بمقدورهم قراءة وفهم النصوص التي امتلأت بها ~~المكتبات الإسلامية في غرب أفريقيا. ومنذ عام 2013 كان قد صار أبرز المنتقدين علنيا ~~لمنظمة سافاما. بعدما شاهد مقطع فيديو لمحاضرة دياكيتي في أوريجون وقرأ دعوتها للتمويل، ~~شعر بإحساس متزايد بالإحباط. لقد اختبر بنفسه إضفاء الطابع التجاري على المجموعات ~~الخاصة والقيود المفروضة على وصول الباحثين إليها التي غالبا ما كانت تستتبع ذلك. كانت ~~المبالغ التي كانت منظمة سافاما تحاول جمعها، ونطاق السرية المفروض، والمصطلحات ~~الروحانية التي وصفت بها المخطوطات بمثابة علامات إنذار لهول، الذي أرسل ردا ~~متشككا للغاية إلى دياكيتي في القائمة البريدية «مانسا 1»، والذي أرسل إلى أقسام ~~الدراسات الأفريقية حول العالم. # بحسب هول، كانت دياكيتي قد أخطأت في توصيف طبيعة الوثائق. فعلى النقيض من ادعاءاتها ~~بأنها كانت متعددة اللغات، وموسوعية، وعلمانية بطبيعتها، كان 98 بالمائة منها مكتوبا ~~بلغة عربية أدبية، وباستثناء العديد من العقود والرسائل المكونة من صفحة واحدة، كانت ~~الغالبية العظمى منها نصوصا دينية إسلامية. لم يكن هذا بغرض التقليل من شأنها؛ إذ كتب ~~هول: «إنها توفر مصدرا رائعا ومهما للعلماء، الماليين منهم وغير الماليين، ولكن ~~أفضل طريقة لفهمها هي باعتبارها نتاج تقليد أوسع من المعرفة الإسلامية في أنحاء غرب ~~أفريقيا والعالم الإسلامي الأوسع.» ولم تكن بحاجة إلى تحويلها إلى رموز محل ~~توقير. # استمر هول في اتخاذ هذا الموقف في برمنجهام. كان الآن يستخدم كلمة «احتيال» علنا. ~~منذ تأسيس مركز أحمد بابا، قدمت ms272 ملايين الدولارات للعاملين في مجال المخطوطات، ~~وتضخم عدد المخطوطات لجذب المزيد من التمويل. لكن أي مجموعة حاولت التعامل مع الوثائق ~~في تمبكتو أصيبت بالإحباط، وقال: «تعتمد عمليات جمع التبرعات [المقدمة إلى تمبكتو] على ~~بعض الاحتيال؛ إذ تقوم على تقديم عرض مناف للحقيقة عن المخطوطات وعددها.» من وجهة ~~نظر هول، إن ثلاثمائة ألف هو أفضل تقدير «للعدد الكلي للمخطوطات العربية الموجودة في ~~منطقة شمال مالي كلها.» قال هول إنه حتى حيدرة نفسه كان في عام 2011 قد قدر العدد في ~~منطقة تمبكتو كلها بما يعادل 101820 مخطوطة. وما لم تكن تستورد على نطاق واسع، فمن ~~ثم يجب أن يكون العدد في المدينة نفسها أقل بكثير. كانت المجموعة الموجودة في معهد ~~أحمد بابا المملوك للدولة هي إلى حد بعيد أهم مجموعة: إذا احتسبت جميع الرسائل، ~~والعقود، والقصائد، والمواد الأخرى المكونة من ورقة واحدة، فقد تصل إلى ثلاثين ألف ~~قطعة. كانت مجموعة حيدرة هي أكبر مجموعة خاصة. وقال هول إن معظم المجموعات الأخرى كانت ~~صغيرة، وأغلبها كان عدده لا يتجاوز العدة الآلاف. # في صميم مسألة الأعداد كانت تكمن مشكلة متعلقة بالتعريف. في عام 2000، كانت مؤسسة ~~الفرقان للتراث الإسلامي بلندن قد فهرست مجموعة مما حيدرة ووجدت أربعة آلاف وثيقة فقط، ~~لكن هذا لم يشمل الأعداد الكبيرة من الأحكام القانونية وسندات البيع المكونة من ورقة ~~واحدة، وما إلى ذلك، التي كان كل منها كان يعرف حينئذ على نحو شائع في تمبكتو ~~على أنه مخطوطة في حد ذاتها. في أول لقاء لي مع حيدرة في عام 2013، كان قد اختار ~~بتأن تعريفا أوسع حتى من ذلك حيث أخذ يشخبط على قصاصة لاصقة وأفصح عن أنه، من وجهة ~~نظر والده، حتى هذه كان يمكن أن تسمى مخطوطة. من وجهة نظر هول، كان هذا التعريف بلا ~~معنى. # لم يشك هول في أن عمليات إخلاء مبنى أحمد بابا القديم، أو فوندو كاتي، أو مكتبة مما ~~حيدرة قد حدثت. وكتب في أحد هوامش ورقته البحثية المقدمة: «أصر مسئولون رفيعو المستوى ~~في الحكومة المالية ms273 في وقت مبكر على أن المخطوطات من [مبنى أحمد بابا القديم] كانت في ~~أغلبها آمنة، وأنها قد خبئت أو هربت من تمبكتو أثناء الاحتلال السلفي.» لكن معارفه ~~في تمبكتو أخبروه أن مجموعات مخطوطات كثيرة أخرى بقيت في البلدة أثناء الاحتلال، وأن ~~بعضها نقل إلى باماكو، ولكن «بعد» التحرير، من أجل دعم المزاعم بأن هذه الأعداد ~~الهائلة قد أجليت. ضخمت القصة المنقولة لوسائل الإعلام الدولية بعد ذلك بقدر ~~كبير، وكانت النتيجة ضخ أموال غربية ضخمة إلى منظمة سافاما. # وذكر: «إن قصة المخطوطات التي أنقذت هي في أحسن الأحوال قصة مضللة، وهي، في ~~أسوئها، غير شريفة واحتيالية تماما.» # لم يختلف أي من الخبراء في المجموعة المتعددة الجنسيات مع النقاط الجوهرية في تقييمه ~~النقدي للغاية. تساءل توم مكاسكي، الأستاذ في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة ~~لندن، كيف حدث أن مخطوطات تمبكتو قد ضخمت إلى شيء لم تكن عليه؟ قال: «هل نحن نتحدث ~~عن كيان كامل مبني على ... كنت سأقول «على أكاذيب»، ولكني الآن أقول «على لا ~~شيء»؟» # إن كان هول مصيبا، فإن بطل تمبكتو قد بالغ مبالغة مفرطة بشأن حجم عملية الإنقاذ، كما ~~أن منظمة سافاما قد تلقت أموالا لإجلاء مخطوطات كانت إما لم تنقل مطلقا أو حتى لم ~~يكن لها وجود. # أثارت إعادة فحص رواية إجلاء المكتبات الخاصة بعيون هول المتشككة العديد من الأسئلة ~~التي لم يجب عنها. إذا نحينا جانبا القضية المهمة المتعلقة بالأعداد في الوقت ~~الحالي، فلماذا لم يقدم حيدرة أي شهود عيان لتأكيد الأجزاء الأكثر دراماتيكية من ~~العملية، على الرغم من أنه طلب منه مرارا وتكرارا أن يقدمهم؟ في البداية قال إن ~~الأمر يتعلق بالأمن؛ ولاحقا، قال إن الأشخاص غاضبون منه لإعطائه أسماءهم للصحفيين. ~~لماذا وافق بعض رفاقه في البداية على الحديث، ثم أصبحوا غير متاحين في ظروف غامضة؟ وحتى ~~أكثر الأشخاص من مركز أحمد بابا الذين أجريت معهم مقابلات والذين كانوا الأكثر ~~استعدادا للحديث كانوا يتوقفون عن الحديث عندما يسألون عن إجلاء المخطوطات ذات ~~الملكية الخاصة: «آه، لا ms274، لا، لا!» قال أحد الموظفين في مركز أحمد بابا ، ضاحكا: «لا ~~يمكنني أن أتحدث عن المكتبات الخاصة!» # عندما حصلنا أخيرا على روايات أخرى، كانت غالبا لا تتوافق مع رواية حيدرة أو ~~دياكيتي للأحداث، بل إن روايتي الثنائي الرهيب تناقضتا بعضهما مع بعض. لماذا، على سبيل ~~المثال، كانت دياكيتي ستخبر ديبورا ستولك بأن طريق ليري استخدم بقدر طريق دوينتزا - ~~وأن «أفراد الإشراف والأمن» كانوا «معسكرين بطوله» - في حين أن حيدرة قال إنهم ~~حاولوا استخدامه مرة واحدة فقط، وأن ذلك قد أسفر عن عملية اختطاف؟ لماذا أنكر حيدرة ~~في البداية عملية الاختطاف الكبيرة لعشرين قاربا في نهر النيجر، في حين أنه من المفترض ~~أنه قد دفع فدية مقابل إخلاء سبيل تلك القوارب «كما لو كان يستخدم بطاقة ائتمانه»، بحسب ~~ما ذكرت دياكيتي؟ ولماذا لم يسمع أصحاب المراكب الآخرون الذين كانوا يبحرون جيئة ~~وذهابا في النهر عن هذه الحادثة الكبيرة، التي كانت ستؤثر تأثيرا مباشرا على عملهم؟ ~~لماذا قالت دياكيتي إن طائرات الهليكوبتر الفرنسية حيت الناقلين بينما كانوا يرفعون ~~المخطوطات، بينما قال حيدرة: «ذلك غير صحيح. ذلك مجرد تعليق تفسيري»؟ # وبينما بدت بعض التفاصيل غير موثوق فيها، أثار الأكاديميون المزيد من الأسئلة الجوهرية ~~حول قصة سافاما. ما المدى الذي كانت عليه خطورة التهديد الجهادي، في الوقت الذي كانت ~~فيه كل المجموعات الخاصة مخبأة؟ خرج توماس شترايدر، القائم بالأعمال في السفارة ~~الألمانية، من اجتماعه مع سافاما معتقدا أن الوثائق كانت تتعرض للإتلاف «مرة بعد ~~مرة»، لكن حيدرة نفسه تذكر فقط على نحو ملتبس أنه سمع عن حادثتي إتلاف للمخطوطات، ~~وقعتا في وقت مبكر، واللتين وصفهما بأنهما «أمور بسيطة جدا.» في ذلك الوقت، حملت تو ~~تجيوكر على الاعتقاد بأن الجهاديين كانوا قد توعدوا بإحراق الكتب في طقوس احتفالية، ~~«أوتو-دا-في»، في يوم المولد النبوي، وجعل حيدرة هذا سببا لطلبه منحة من السفارة ~~الهولندية. لقد كتب في رسالة الطلب التي بعث بها أنهم كانوا بحاجة إلى المال على نحو ~~عاجل، لأنه كان يتعين عليهم إجلاء ms275 المخطوطات «قبل ... الرابع والعشرين من يناير القادم، ~~التاريخ الذي هدد الجهاديون بأنهم سيتخذون إجراء فيه وسيمضون قدما في تدمير هذا ~~التراث الثقافي.» بل إن مراسل مجلة «ذا نيو ريببليك» قيل له إن أصحاب المكتبات كانوا قد ~~تلقوا توجيهات بجمع مخطوطاتهم معا من أجل هذا الأمر فحسب. ومع ذلك لم يتذكر أي من ~~التمبكتيين الذين أجريت معهم مقابلات أي تهديد من هذا القبيل. وعندما سئل رئيس البعثة ~~الثقافية في تمبكتو، البخاري بن السيوطي، تحديدا عما إذا كان الجهاديون قد تكلموا عن ~~إحراق المخطوطات في المولد النبوي، أجاب: «لا، لم أسمع بذلك.» أنكر الإمام الأكبر، ~~الرجل الذي قاد المفاوضات حول المولد النبوي مع الجهاديين، والمصدر الذي لا يرقى إليه ~~الشك، الأمر إنكارا تاما، قال لي: «لم يهددوا بإحراق مخطوطات تمبكتو.» # في حين أن هدم الأضرحة كان يمثل دليلا على الصدام بين معتقدات السلفيين ومعتقدات ~~معظم التمبكتيين، فإن موقف الجهاديين من المخطوطات كان مختلفا. مما لا شك فيه أنه كان ~~ينظر إلى وثائق معينة باعتبارها أشياء «محرمة»، ولكن إذا أخذنا في الاعتبار أنه ~~يمكن لخبير أن يستغرق ساعات لفك طلاسم صفحة واحدة، فما مدى احتمال أن هؤلاء المقاتلين ~~الذين كانوا غالبا أميين كانوا سيجدون الوقت لاستبعاد الأعمال التي كانوا لا يوافقون ~~عليها، وإلا كانوا سيحرقون المخطوطات برمتها، وفي ذلك نسخ كثيرة من أقدس نصوصهم؟ ~~كان الجهاديون، في العديد من المناسبات، قد وعدوا بحمايتها، وإن كان ما قاله ديادي ~~وسانيه شريفي ألفا صحيحا، فإن الشرطة الإسلامية لم تكن قد اعترضت حتى على شحنها جنوبا ~~من أجل المحافظة عليها. # وماذا عن واقعة الإتلاف في يوم التحرير نفسه التي تداولتها التقارير الإخبارية على ~~نطاق واسع؟ إن كان رئيس البلدية سيسيه قد اعتقد حقا أنهم قد «أضرموا النار في كل ~~المخطوطات القديمة المهمة»، كما أدلى لوسائل الإعلام العالمية، فلماذا استغرق الأمر ~~وقتا طويلا جدا لتصحيح هذا الخطأ؟ لاحقا، قدر معهد أحمد بابا أن 4203 وثائق قد ~~فقدت، ولكن كان يبدو أن قلة هم من صدقوا أن هذا العدد ms276 الكبير قد أحرق. قال ~~الغالبية إنها من المحتمل أن تكون قد سرقت، وإن الحريق كان مدبرا للتغطية على ~~السرقة. كان هذا يبدو معقولا، وربما يفسر السبب وراء أن عشرة آلاف مخطوطة كانت قد ~~تركت في القبو. ومع ذلك، كان من الغريب أنه لم يبد أن أي أحد كان مهتما بأن يعرف ~~أي مخطوطات كانت قد فقدت، أو أن يعرف أي العائلات كانت قد أعطتها للمعهد. ~~(لاحقا، عندما سألت حيدرة عما إذا كان قد بالغ بشأن التهديد، أجاب: «إن كنت تعتقد ~~أنه لم يكن ثمة تهديد، فذلك رأيك وهو لا يهمنا. كان التهديد قائما قبل المولد ~~النبوي، وأثناءه، وبعده. لكي تفهم هذا ... يكفي أن تنظر في مسألة عمليات إحراق المخطوطات ~~التي تداولتها وسائل الإعلام العالمية.») # امتد تشكك الأكاديميين حتى إلى أكبر التساؤلات على الإطلاق؛ وهو مسألة محتويات ~~المخطوطات والتي هي محل تفاخر. ارتأى كثير من هؤلاء الخبراء أن القيمة التاريخية ~~للوثائق كان مبالغا فيها شأنها في ذلك شأن الأعداد: زعمت ادعاءات كبيرة بشأن ~~المجموعات الخاصة، غير أن إمكانية الوصول إليها كانت تخضع لسيطرة محكمة بحيث لم يكن ~~ممكنا التحقق إلا من عدد قليل من هذه الادعاءات. كان أكثر الآراء إدانة في هذا الشأن ~~دراسة جديدة أجراها أكاديمي من جنوب أفريقيا عن الوثائق التي كانت قد أثارت حماس هنويك ~~عندما اطلع عليها في مكتبة فوندو كاتي، والتي قيل إنها كانت تحتوي على الملاحظات ~~الأصلية لكتاب «تاريخ الفتاش». وفقا للدراسة، كان بعض هذه المخطوطات على الأقل قد ~~زور. # بعد أن أصبح الآن كل شيء تقريبا فيما يتعلق بعملية إجلاء المجموعات الخاصة محل شك، ~~لجأت إلى الدبلوماسيين الهولنديين، الذين كان ثلاثة منهم على الأقل - تو تجيوكر، ~~والسفير مارتن بروير، وملحقته الصحفية، ميريام تاسينج - قد شهدوا وصول خزائن المخطوطات ~~إلى باماكو في أوائل عام 2013. أذهلتهم الاتهامات. أخرجت تجيوكر، التي كانت قد فعلت ~~الكثير من أجل إيجاد أموال لمنظمة سافاما، صورا فوتوغرافية لأكوام من الخزائن في ~~باماكو، التي كان بعضها مفتوحا ومليئا بالمخطوطات. تذكرت قائلة: «كان ms277 يوجد المئات من ~~صناديق الخزائن المعدنية من النوع الذي من شأنك أن تنقله عندما تكون ذاهبا في رحلة ~~طويلة. كان الأمر حقا مثيرا للإعجاب للغاية.» ثم أردفت: «استمرت في القدوم وأجرينا ~~عملية عد سريعة جدا - لا يمكنني أن أتذكر كيفيتها - وكان يوجد ما يقرب من مائة ~~وخمسين ألف مخطوطة هناك.» كانت كل خزانة مرقمة، لكي يتمكنوا من معرفة من دفع تكلفتها ~~ومن أي عائلة أتت المخطوطات؛ لذا كان لديهم «تسجيل لكل تلك الخزائن الكبيرة.» # بالمثل كان بروير هو الآخر غير مصدق للاتهامات. قال: «مهما كان ما يقوله الناس، فإن ~~بوسعي أن أخبرك بأن القصة حقيقية.» ومع ذلك أقلقته اتهامات هول بالقدر الذي كان كافيا ~~لأن يجري تحريات من تلقاء نفسه. تقابل مع حيدرة الذي أطلعه على محتويات منازله الآمنة ~~في باماكو، حيث كان كثير من المخطوطات لا يزال مخزنا. كانت النتيجة حاسمة، كما كتب في ~~رسالة بريد إلكتروني: # اطلعنا على كمية كبيرة من المخطوطات التي كانت بالفعل قد جردت و/أو ~~سجلت، وكان مجموعها 110 آلاف مخطوطة. هذا العدد سيعادل ما يقدر ~~بثمانمائة إلى ألف حاوية. رأينا بأنفسنا نحو 1300 حاوية مليئة بالمخطوطات ولم ~~تكن قد أفرغت بعد، وهو ما يجعل المجموع من 2100 إلى 2300 حاوية. بالطبع هذه ~~حسابات تقريبية، ولكننا مطمئنون للقول بأن المجموع 2400 المذكور على لسان حيدرة ~~صحيح بالتأكيد. قمنا بزيارة جميع المواقع السبعة خلال فترة من الوقت مدتها ثلاث ~~ساعات ولم ينقل أي من الحاويات في ذلك الوقت ... في جميع المواقع فتحنا بعض ~~الحاويات والصناديق، وكانت المخطوطات بداخلها. رفعنا الحاويات لنتأكد مما إذا ~~كانت ممتلئة أم لا وكانت كلها ممتلئة عن آخرها. # بناء على الأدلة التي كان بروير قد اطلع عليها، كانت اعتراضات هول في غير محلها. ~~وتساءل لماذا وجهت هذه الاتهامات؟ كتب يقول: «في ظاهر الأمر يوجد قدر كبير من ~~المنافسة والحسد حول هذه المخطوطات.» ثم أضاف: «ولقد تجاهلت منظمة سافاما كل ~~الأكاديميين في عملية الإنقاذ هذه.» # إذن من وجهة نظر بروير لم يكن ثمة شك. ~~••• # كانت باماكو في ms278 أواخر عام 2015 لا تزال تعاني جراء هجوم إرهابي جديد . في يوم ~~الجمعة، الموافق العشرين من نوفمبر، دخل جهاديان فندق راديسون، وأخذا 170 شخصا رهائن، ~~وأطلقا النار على عشرين فأردوهم قتلى. في السنوات التي أعقبت التدخل الفرنسي، كانت ~~المجموعات المسلحة في الشمال قد أعادت تأكيد وجودها: كان عشرات من أفراد قوات حفظ ~~السلام التابعة للأمم المتحدة قد قتلوا، وتسللت أعمال العنف الإرهابية إلى جنوب ووسط ~~مالي، وغادر صحفيون أجانب البلاد بعد تلقيهم تهديدات شخصية بالقتل. وفي أعقاب الهجوم ~~الأخير، أخذت المنظمات الدولية تسحب عامليها، وكانت البلاد في حالة طوارئ رسمية. أغلقت ~~أكياس شركة هيسكو الرملية العملاقة مدخل القرية الحكومية، وأخذ جنود يرتدون سترات ~~واقية يفتشون الجوانب السفلية للمركبات بحثا عن قنابل. كانت الشرطة توقف السيارات في ~~الشارع، وكان الحراس يمسحون أجساد ضيوف الفندق بالأجهزة اليدوية للكشف عن المعادن قبل ~~أن يسمحوا لهم بالدخول. عندما طلب من أحد الدبلوماسيين أن يلخص الموقف الأمني، قال ~~ببساطة: «ليس جيدا جدا.» # كان حيدرة مصابا بوعكة في ذلك الأسبوع، لكنه وافق مع ذلك على مقابلتي عدة مرات. كانت ~~أولى هذه المقابلات في أول المساء، الذي كان أكثر وقت يفضل أن يتبادل الحديث فيه، ~~في شقته في حي باكو دجيكوروني. جلسنا، كما فعلنا من قبل مرات كثيرة، على الأرض بين ~~الأرائك، وخاض بثقة في الحديث عن الأيام الأولى للاحتلال، وهو الحديث الذي كان قد صار ~~الآن معتادا عليه، منحيا جانبا كالعادة الخلافات حول التفاصيل. مضينا ببطء في ~~تفحص الرواية، مرورا بعملية إجلاء معهد أحمد بابا، ووصولا إلى مسألة المكتبات ~~الخاصة العسيرة. عند تلك النقطة، التي واجه فيها أكبر التناقضات في القصة، بدا أن حديثه ~~الجازم كان يشوبه زلات. # الأسطول المكون من سبعة وأربعين قاربا والعدد الهائل من سيارات الأجرة، والاتصال ~~الهاتفي بكل واحد من الناقلين الثلاثمائة عدة مرات في اليوم، والجدول المعلق على الحائط ~~بأسماء الأشخاص الذين كان يتعين الاتصال بهم كل بضع دقائق، سألته: «هل كان كل ذلك ~~صحيحا؟» # لم يرد بكلمة «نعم» بالضبط هذه المرة. كان ms279 الرد أقرب إلى الغمغمة قائلا: ~~«همممم». # سألته: وماذا عن «الفرصة السانحة» في شهر أكتوبر، التي توجت بالعقد الذي أبرم ~~في السابع عشر من أكتوبر مع صندوق الأمير كلاوس وبداية عملية إجلاء المخطوطات الخاصة في ~~اليوم التالي؟ هل بوسعك أن تؤكد أن ذلك قد حدث؟ # أجاب: «لا أعرف. لقد بدأنا في أغسطس.» ~~«هل كنت قد بدأت بالمكتبات الخاصة في أغسطس؟» # قال مغمغما: «همممم.» ثم أضاف: «لقد قمنا بالكثير من العمليات.» ~~«وماذا عن الفكرة - التي كانت دياكيتي قد أفصحت عنها في رسالة بريد إلكتروني إلى ~~صندوق الأمير كلاوس - التي مفادها أنكم قد استخدمتم الطريق المسار الذي يتبع الضفة ~~اليسرى للنهر ويمر عبر ليري بنفس القدر الذي استخدمتم به الطريق الرئيسي عبر موبتي؟ ما ~~رأيك في ذلك؟» ~~«همممم.» ~~«ماذا عن الواقعة عند طرف بحيرة ديبو، حيث نصبت عصابات كمينا للقوارب واحتجزت ~~المخطوطات طلبا لفدية، واضطررت لدفع مبلغ من المال مقابل تحريرها. هل حدث ذلك ~~حقا؟» # سعل بقوة شديدة. وقال بالفرنسية: «ينبغي أن نترك الأمر هكذا.» ثم أردف: «دع ذلك ~~الأمر هكذا.» ~~«ماذا تعني بقولك «دع الأمر هكذا»؟» ~~«كفى حديثا في هذا الأمر.» # تحول مسار المحادثة إلى الأعداد. لم يكون هول وزملاؤه من الأكاديميين وحدهم من ~~تشككوا فيها. لم يعتقد إلا قلة من زملاء حيدرة في المجال - لم يكن من بينهم إسماعيل ~~ومعيجا - أن هذه الكميات الهائلة من المخطوطات كانت موجودة. كان إسماعيل قد قال: «إن ~~جمعت مخطوطات المكتبات المختلفة، كيف ستحصل على مجموع مائتي ألف مخطوطة؟ هل هذا ممكن؟» ~~أما معيجا، الذي كان قد عمل مع مشروع «إم إل آي/015» الممول من لوكسمبورج، فقال إنهم ~~كانوا قد صنعوا فهرسا لكل المخطوطات في تمبكتو ولم يصلوا حتى إلى مائة ألف مخطوطة. ~~فكيف يمكن لحيدرة أن يزعم أنه أجلى 377491 مخطوطة؟ # قال حيدرة إن هؤلاء الأشخاص لم يكونوا متخصصين. أما بروس هول فقد عمل بالأساس مع معهد ~~أحمد بابا ولم يكن قد زار مالي منذ سنوات. حتى معيجا، من وجهة نظره، لم يكن متخصصا. ~~كانت التقديرات ms280 السابقة الأقل قد أجريت قبل أن يتمكنوا من إجراء إحصاء صحيح. # سألته: لو كان رقم 377491 مخطوطة خاصة صحيحا، كيف يمكنك أن تفسر أنها استلزمت نحو ~~2500 خزانة لنقلها، بينما شحنت مخطوطات معهد أحمد بابا البالغ عددها أربعة وعشرين ~~ألف مخطوطة في ست وثلاثين خزانة فقط؟ # قال: «هذا سؤال تسهل الإجابة عليه»، واعتدل في جلسته ورشف رشفة طويلة من زجاجة مياه. ~~كانت المخطوطات مختلفة الأحجام. بعضها كان يتألف من ورقة واحدة. يمكنك أن تضع الكثير من ~~هذه المطويات المكونة من ورقة واحدة في خزانة، ولكن لا يمكنك إلا أن تضع فيها القليل ~~جدا من المخطوطات الضخمة. # قلت له إن ذلك لم يفسر لماذا شحنت سافاما ما متوسطه 157 مخطوطة في كل خزانة، بينما ~~وضعت ستمائة مخطوطة في كل صندوق من صناديق أحمد بابا. بذلك السمك، كان بمقدوره أن ~~ينقل مليوني مخطوطة تقريبا في 2500 خزانة. # قال: «لا أعرف.» ثم أضاف: «ربما كانت المخطوطات [الخاصة بسافاما] أكبر.» # في اليوم التالي التقينا في مبنى سافاما. هناك، طلبت منه أن نستعرض قائمة المكتبات ~~الخاصة على موقع الويب الخاص بالمنظمة لنتحقق من أيها كان قد نقله وأيها لم ينقله. كانت ~~النتائج مفاجئة. من بين مكتبات المدينة البالغ عددها خمسا وثلاثين والمدرجة على موقع # savamadci.net ~~، زعم أنه أجلى سبع عشرة منها فقط. ~~كانت هذه تشمل مكتبتين خاصتين كان مالكاها قد أخبراني بأن مخطوطاتهما لم تنقل بواسطة ~~سافاما: مكتبة فوندو كاتي المملوكة لإسماعيل ومكتبة الإمام ألفا سالوم المملوكة لسانيه ~~شريفي ألفا. كان يوجد المزيد من التناقضات: أخبرني عبد الحميد كونتا، صاحب مكتبة زاوية ~~الكونتي، في مقابلتين منفصلتين أن سافاما نقلت كتبه في يونيو؛ قبل أربعة أشهر من ~~«الفرصة السانحة». والأسوأ من ذلك، أن مالك مخطوطات آخر في تمبكتو، هو عبد الواحد ~~حيدرة، قال إن ثلاث مكتبات خاصة رئيسية كانت قد نقلت قبل التحرير بوقت طويل، فيما ~~اعتقد أنه كان محاولة لدعم مزاعم سافاما المبالغ فيها. # تساءلت: كيف يمكن لهذا العدد المنخفض جدا من المكتبات، والذي لم يتضمن مستودعات ~~بارزة مثل مكتبة ms281 الإمام الأكبر وعائلة الونجري، أن يصل إلى نسبة الإجلاء التي زعم أنها ~~كانت بنسبة 95 بالمائة؟ # كان رد حيدرة أن المكتبات الأشهر ليست دوما الأكبر. # كان قد قال لي في شقته: «لا توجد رواية واحدة فقط لعملية الإجلاء.» ثم أردف: «سيكون ~~لدى كل شخص تأويله الخاص للأمر. بروس [هول] سيكون له رواية للأمر، ولإسماعيل رواية ~~أخرى، ومعيجا كذلك، بينما لي أنا روايتي الخاصة. كل هذه الروايات ستكون مختلفة، ولكنها ~~ستكون كلها صحيحة. إن اتفق الجميع على القصة، عندئذ بالتأكيد لن تكون صحيحة.» ~~••• # في أمسيتي الأخيرة في باماكو ألقى حيدرة بورقته الرابحة؛ حيث دعاني إلى جولة في ~~المنازل الآمنة. ومجددا كان وقت الغسق، وبينما كنا نعبر بالسيارة جسر الشهداء بباماكو ~~كانت الشمس تغرب، ملقية بظلال وردية وثقيلة، في نهر النيجر. كان هذا هو وقت رياح ~~الهرمتان، وكان التراب المضطرب بفعل هذه الرياح القوية الدافئة عالقا فوق المدينة. قاد ~~حيدرة السيارة بطريقة جامحة حول جنوب باماكو، مرتديا ثوبا برونزيا من القطن المشمع ~~اللامع وطاقية كوفي متوافقة مع الثوب، ماضيا عبر الظلام المتجمع والازدحام المروري ~~الممتد عبر المدينة. كانت ملاحقته على الطرق الخلفية لهذه المدينة المجهولة، في مطاردة ~~معقدة، نهاية مفاجئة لقصة كانت تبدو يوما ما واضحة. # أوقف السيارة فجأة، وترجل منها، متجها بمرح إلى حركة المرور البطيئة ومسرعا الخطى ~~في زقاق مظلم كئيب. صاح ملقيا التحية على حراس يتبادلون الحديث أو يصلون على سجادة ~~بالخارج دون أن يتوقف عن السير، وفتح هاتفه ليضيء به بئر سلم ويبعد جرذا. صاعدا ~~درجة تلو الأخرى، تبعت الرجل الضخم، وكل منا يتنفس بصعوبة. سرنا عبر ممر مصمت ~~الجدران، ووصلنا إلى بوابة أمان فولاذية، كان مفتاحها مع شخص مؤتمن، ثم دخلنا غرفة ~~مليئة بعشرات أو مئات الخزائن، التي كان بعضها بألوان عادية، والبعض الآخر فولاذه مطلي، ~~وبعضها مزين بصور صواريخ وأشكال تجريدية مصنوعة بقوالب رسم. كانت مكدسة في كومات، ~~وبعضها مغلق بقفل واحد، والبعض مغلق بقفلين، والبعض لم يكن له قفل على الإطلاق. وأخذ ~~جهاز مزيل للرطوبة يصدر ms282 طنينا. # كان من الممكن فتح أغطية الخزائن غير المقفلة ، وبداخلها كانت توجد دوما مخطوطات، ~~كان بعضها لا يزال في الصناديق الخالية من الأحماض التي جلبت فيها إلى الجنوب، ~~وبعضها في حافظات ملونة، والبعض الآخر ملفوف في جلود حيوانات. هنا كانت توجد مائة ~~مخطوطة في حزمة واحدة؛ وهناك يوجد مجلد منفرد سمكه ثماني بوصات. منقبا على غير هدى ~~في الخلف، وصولا إلى منتصف كومة من الخزائن، وجدت وثائق هناك أيضا. رفعت بصعوبة غطاء ~~خزانة مقفلة بقفل واحد، ونظرت إلى الداخل؛ فوجدت المزيد من الوثائق. # في بعض الأحيان كان انتقالنا بالسيارة بين مواقع التخزين يستغرق خمس دقائق؛ وأحيانا ~~كان يستغرق نصف ساعة عبر ضواحي العاصمة المالية، وكنت أميز أمام الأنوار الأمامية ~~الشاحنات، ورجال الشرطة، وسيارات الجيش رباعية الدفع، وسحب العادم الصادرة من دراجات ~~نارية صغيرة مارة. ها قد وصلنا لوجهة أخرى. المزيد من الخزائن، والمزيد من أرفف ~~المخطوطات. ها هي بطاقة مطبوعة تحمل اسم مكتبة أبي بكرين بن سعيد، التي كانت تضم 7610 ~~مخطوطات؛ وهناك كانت توجد مخطوطات مكتبة ألفا محمد ديري، التي كانت تضم 6450 مخطوطة. ~~غرفة أخرى، وحصيلة أخرى تضاف إلى المجموع الآخذ في التزايد. # الكثير جدا من الصناديق. والكثير جدا من المخطوطات. هل يمكن أن تصل كلها حقا ~~إلى هذا العدد؟ كان من الصعب على نحو غريب التمسك بالتشكك في مواجهة هذا الرجل ~~الواثق الجذاب. ربما كان قد بالغ قليلا؛ ولكن هل كان ذلك بالغ السوء؟ لم يبد أن ~~المانحين كانوا مهتمين بالأمر. كان قد مر الآن أكثر من ثلاث سنوات على عملية الإجلاء، ~~وحتى الفريق الذي أتى من جامعة هامبورج لدراسة المخطوطات، والذي كانت حكومته قد خصصت ~~تمويلا بملايين اليوروات، لم يكن قد أجرى إحصاء كاملا، ولا حتى تقريبيا. هل كان ~~الأمر مهما حقا؟ # كانت الصناديق الثنائية الأقفال ثقيلة بلا شك. هل بوسع حيدرة أن يفتح واحدا من تلك ~~الصناديق؟ قال إنه كان قد ترك المفاتيح في الشقة. وكانت بعيدة للغاية ولم يكن بوسعه أن ~~يعود إليها. على أية حال ms283، كان يوجد واحد على قمة كومة هناك، ويوجد مفتاح بالفعل في ~~قفله. لا بد أن الحراس قد تركوه بالخطأ. قال لي: انظر في الداخل هناك. ماذا ترى؟ قلت: ~~مخطوطات! # كان الموقع الأخير منزلا كبيرا له حديقة مبهجة في مجمع سكني مسور. كانت توجد ~~بوابة دخول عريضة، وممر للسيارات مغطى بحجارة الرصف. في إحدى الغرف هنا كان يوجد 140 ~~خزانة أخرى؛ فكان المجموع التراكمي الآن يزيد عن ألف خزانة، وسيضاف المزيد في اليوم ~~التالي. قال إن هذه الخزائن كانت لا تزال ممتلئة. وكانت كلها أيضا لا تزال مقفلة بقفل ~~مزدوج. # بينما كنا نغادر غرفة التخزين قلت له إنني أريد منه طلبا أخيرا. هل يمكننا أن نعود ~~إلى الشقة معا، ونأخذ المفاتيح، ونعود لنفتح بضعة صناديق مزدوجة القفل؟ سيكون هذا هو ~~الإثبات النهائي الحاسم؛ وعندئذ نكون قد انتهينا. # أجاب قائلا: «لا.» # كان هذا هو أول رفض صريح خلال يومين من الأسئلة الصعبة. # قال، وصوته يتعالى: «لا بد أن تثق بي.» ثم أردف: «أنت تتهمني بأنني لص! إن لدي ~~كرامة. لقد كنت مريضا، والليلة قدت السيارة في جميع أنحاء باماكو وفتحت كل شيء. لقد ~~أريتك كل شيء. إن لدي كرامة. أنا لست طفلا.» # قلت له لا أحد يتهمك بأنك لص، ولكن ثمة أشخاصا لا يصدقون أن هذا حقيقي تماما. ~~يريدون دليلا على أنه كذلك. # قال، وكان في نبرته الآن صرامة: «أولئك الأشخاص لن يصدقوا الأمر أبدا، ولو أتيتهم ~~بكل إثباتات العالم.» ثم أضاف: «إن الناس ينسبون إلى الآخرين كلاما لم يصدر عنهم - بل ~~إنهم ينسبون إلى النبي كلاما لم يتفوه به! هذه مخطوطاتنا نحن، وليس أنتم. هذه مخطوطات ~~مالي. إنها ملكنا! ليست ملككم أنتم!» # قلت له: «إذن أنت لن تفتح الصناديق المغلقة؟» ~~«لا، لن أفعل.» # لم يكن لدي المزيد من الأسئلة. ولم يكن يوجد أي شيء آخر يمكن رؤيته. بعد ذلك أقدم ~~حيدرة على تصرف مفاجئ. اقترب مني فجأة وجذبني إلى الداخل، آخذا ذراعي تحت عضلات ~~ذراعه الضخمة، وممسكا يدي بيده في عناق غير ms284 متوقع، وابتسم. هل كان يطلب غفرانا؟ أو ~~رأفة؟ # مشينا وهو قابض علي بهذه الطريقة في الممر المضاء بإضاءة خافتة، نحو الباب الأمامي، ~~وخرجنا إلى الحديقة، بأزهارها الاستوائية وأصوات صراصير الليل، إلى حيث كان مساعدوه ~~وسائقه ينتظرون. # | خاتمة # هذا الكتاب هو كتاب تحليل للتاريخ بقدر ما هو كتاب تاريخ. وأعني بهذا القول أنه سرد ~~للتأويلات عن ماضي تمبكتو بقدر ما هو قصة ما حدث بالفعل هناك. لقد اتضح السبب في هذا، أو ~~ذلك ما آمله: إن قصة تمبكتو في حالة حراك دائم، تتأرجح إلى الخلف وإلى الأمام بين قطبين ~~متنافسين هما الأسطورة والواقع. تقدم حجج مذهلة ثم تدحض ثم ينشأ ادعاء آخر، في دورة ~~متصلة، على ما يبدو، من الافتراض والتصويب. # منذ أيامها الأولى، كان يغذي أسطورة «أورشليم الجديدة عبر الصحراء» - التي أسميت تمبكتو ~~أو تومبوكتو، أو تنبكت، أو تمبكت - مزيج من المعلومات المضللة والسذاجة والطمع الأوروبي ~~في الذهب. السؤال المهم هو: لماذا هذا المكان بالتحديد؟ لماذا كانت هذه المدينة هي التي ~~صارت بؤرة مفاهيم العالم الخاطئة حول أفريقيا، وليس، مثلا، جني أو جاو أو كانو؟ كان السبب ~~في هذا يرجع جزئيا إلى الجغرافيا؛ فبسبب أن تمبكتو تقع عند الطرف الجنوبي لطرق القوافل ~~إلى المغرب وليبيا، انتقلت بسهولة الأخبار المبالغ فيها عن ثرائها، التي كانت تنقل عبر ~~الصحراء، إلى أوروبا. ساعد في هذا أن المكان كان له اسم رنان، شعار لا ينسى «تلتقطه ~~الأذن وينقل صورا لعجائب»، بحسب تعبير المؤرخة يوجينيا هربرت. وكان من الأسباب البالغة ~~الأهمية أيضا استعصاء الوصول إلى المدينة؛ إذ كان يمكنك أن تقول ما شئت عن تمبكتو وما كان ~~أحد سيصحح لك قولك. أخبر روبرت آدامز، وهو بحار أمريكي زعم زعما غير محتمل مفاده أنه وصل ~~إلى المدينة في عام 1812، العالم أن المدينة كان يحكمها الملك وولو والملكة فاطمة، اللذان ~~لم يغتسلا أبدا وإنما كانا يدهنان جسديهما يوميا بزبدة حليب الماعز. في حقبة لاحقة، سمع ~~بروس تشاتوين أن التمبكتيين كانوا يأكلون حساء الفئران، التي كانت تقدم كاملة ms285 بأرجلها ~~الوردية الصغيرة. وحتى عندما كانت الاكتشافات الجغرافية البالغة الأهمية تحدث في القطب ~~الشمالي وأمريكا الجنوبية، فشل المستكشفون مرة تلو أخرى في اختراق المدينة الغامضة. وعندما ~~وصل أخيرا ألكسندر لينج، بعناء شديد وهو على وشك الموت، إلى المناطق المحيطة بها في عام ~~1826، كان الأوروبيون قد أمضوا خمسة قرون على الأقل ينسجون خيالات حولها. # طغت «تمبكتو التي في الأذهان» على حقيقة المكان، التي لم يكن يعرف عنها إلا القليل، ولم ~~يكن تبديد هذه الأسطورة مهمة مستحبة. فبعد أن وصل لينج لما أراد، يبدو أن المغامر المشهور ~~عنه الإطناب في الكلام عجز أن يجد ما يقوله. أقام هناك خمسة أسابيع دون أن يرسل كلمة واحدة ~~إلى الوطن، وعندما كان مجبرا أخيرا على أن يخط بالقلم كلمات، لم يفصح عن شيء تقريبا. ~~يمكننا أن نتخيل السبب؛ إذ كان اكتشافه هو أن المدينة العظيمة التي راودت لزمن طويل الخيال ~~الأوروبي كانت بلدة صغيرة ذات أبنية متواضعة مبنية من الطوب اللبن. في تلك الظروف، من الذي ~~لم يكن سيكتب، كما فعل، أن «عاصمة وسط أفريقيا العظيمة» قد «لبت توقعاتي تماما» - وفي ~~الواقع، كان عليه أن يلوذ بالفرار منها؟ # بذل رينيه كاييه في وصفه لتمبكتو بأنها «ليست سوى كتلة من المنازل القبيحة المنظر» جهدا ~~أكبر لتصحيح التصور الخاطئ، لكنه قوبل إلى حد كبير بعدم التصديق، ولم يفعل أولئك الذين ~~جاءوا في أعقابه سوى أنهم نقبوا أكثر عن الأسطورة. بعد ذلك بسبعين عاما، كان ملحوظا ~~حماس الصحفي فيليكس دوبوا عند اكتشافه الخلفية التاريخية الوهمية لثقافة أسسها قدماء ~~المصريين والتي «لا تزال مبهرة ... بعد ثلاثة قرون من أفول نجمها». لم يكتف بتراث المدينة ~~الحقيقي من العلم، فضخمه، معيدا تقديم تمبكتو في صورة قرطاج والإسكندرية مجتمعتين، وظلت ~~أجزاء من خرافة «جامعة تمبكتو» التي صاغها تعاود الظهور بعد ذلك بقرن. أما هاينريش بارت، ~~الذي كان أحد عباقرة الاستكشاف الأفريقي، فأدخل هو الآخر، عن طريق الخطأ، تقليد قراءة كتاب ~~«تاريخ السودان» على أنه تاريخ، في حين أنه ثبت في الواقع أن ms286 روايته مصطنعة؛ إعادة صياغة ~~تخيلية للأحداث الماضية لتلائم سياسات ذلك الوقت. تفاقم هذا الالتباس على يد المستشرقين ~~هودا، وبينوا، وديلافوس، الذين فهموا أن اللغة العربية الضحلة لكتاب الوقائع التاريخية ~~تعني أنه لم يكن بوسع مؤلفيها سوى أن ينقلوا المعلومات التي وضعها أسلافهم بدقة، وليس ~~اختراع التاريخ من جديد. وطيلة قرن، طغت الحقائق المفترضة في كتب الوقائع التاريخية على ~~الأدلة المستقاة من النقوش المكتوبة التي كانت مناقضة ولكنها أكثر موثوقية. # لم تكن أوروبا هي المبتدع الوحيد لأساطير تمبكتو؛ فقد لعب مواطنو المدينة دورا مدهشا في ~~تعظيمها. فلم يفوت كتاب «تاريخ السودان» ولا كتاب «تاريخ الفتاش» فرصة الإطناب بشأن ~~المدينة التي وصفها السعدي بأنها «الطيبة الطاهرة الزكية ذات بركة ونجعة»، والتي قال عنها ~~كتاب «تاريخ الفتاش» إنها «لا نظير لها في البلدان من بلاد السودان.» وأفرط أحمد بابا، الذي ~~كتب في عصر أسبق، في امتداح مآثر فقهاء تمبكتو الإعجازية؛ فقد كان بمقدور هؤلاء الأولياء ~~أن يسيروا على الماء ويحموا الناس من سهام العدو والنار. وربما تكون المبالغة بشأن روحانية ~~المدينة قد نشأت كوسيلة لحمايتها، نوع من الدفاع الروحي، مثلما كان القديسون في أوروبا في ~~العصور الوسطى يستحضرون لتخويف الغزاة المحتملين. # تندرج قصة تمبكتو العظيمة في القرن الحادي والعشرين، رواية وقائع إجلاء المخطوطات، تماما ~~ضمن هذا التقليد. كما أوضح جوزيف جيتاري، تبدو هذه القصة وكأنها قصة من قصص إنديانا جونز، ~~ولكنها في عالم الواقع، قصة أنقذ فيها أهل مدينة الأولياء، بقيادة رجال المكتبات، تراثهم ~~شبه السحري من أيدي الجهاديين الذين يحرقون الكتب. بهذا التأثير، السمة العالمية للخير في ~~مواجهة الشر، والكتب في مواجهة البنادق، والمتطرفون في مواجهة المعتدلين، أثبتت هذه الحكاية ~~الشعبية المعاصرة أنها لا تقاوم. لقد كانت أعظم بكثير من أن تكون مبنية على نواة حقيقية، ~~تماما مثلما كانت أساطير ماضي المدينة الأروع: فلن ينكر إلا أكثر الأكاديميين تشككا أن ~~تمبكتو كانت يوما ما مركزا مهما للفقه الإسلامي في غرب السودان. عمل مالكو المخطوطات، ~~بحسب ما أعتقد، على حماية تراثهم الأدبي من ms287 خطر النهب، غالبا عن طريق إخفاء الوثائق، ~~وأحيانا عن طريق إجلائها في عمليات أشرفت عليها منظمة سافاما. أنقذت مخطوطات أحمد بابا ~~تحديدا بالطريقة التي شرحت لي. ومما لا شك فيه أن هذه العمليات استلزمت جرأة وشجاعة، من ~~رجال المكتبات وأيضا من الزملاء الأصغر الذين تحدوا العقوبات التي فرضتها شريعة الجهاديين. ~~من هذه الأسس، نسج حول هذه العملية شيء أكبر وأخطر مما كانت عليه حقا. # إن الخرافة، بطبيعتها، تبسيط مفرط. يصف إي بي تومبسون النزعة إلى تبسيط حياة السابقين ~~باعتباره نوعا من «التعالي الهائل من جانب الأجيال التالية» يمكننا أن نضيف تعالي التباعد، ~~نزوع ثقافة ما إلى تخيل أن الأفراد المنتمين إلى ثقافة أخرى أقل تطورا وأدنى عمقا مما ~~هم عليه في الواقع. كان هذا ما أدى بالغرب إلى الوقوع في خطأ اعتبار كتب وقائع تاريخ ~~تمبكتو تاريخا من الدرجة الأولى، ولكن أدب من الدرجة الثانية، في حين أن العكس كان صحيحا؛ ~~فقد بالغ المؤرخون في تزيين الماضي بشدة، مما أدى إلى إنتاج أبدع كتابات خرجت من المدينة ~~على الإطلاق. وكما أشار فارياس في هذا السياق، فإننا نحن الغرباء نقلل من شأن الأصالة ~~الفكرية للتمبكتيين متحملين العواقب. لا تزال الروايات عن المكان وتاريخه مشوهة بسبب هذا ~~الفشل؛ المتمثل في عدم قدرتنا على تخيل التعقيد الكامل للمدينة. ومع ذلك، فإن الأخطاء في ~~قراءتها كانت من صنع تمبكتو. فما الذي عساه يمكن أن يجذب العالم أيضا إلى هذه المدينة ~~النائية غير الأساطير، والشائعات، و«شهرتها النائية» بحسب وصف لينج؟ وكم كانت ستغدو المدينة ~~أدنى من دونها؟ # أتخيل قصة تمبكتو كسلسلة من الأساطير والتصحيحات وضعت واحدة فوق الأخرى. ربما في ~~المستقبل سيخترق أحد خبراء الجغرافيا النفسية كل هذه الطبقات المدمجة التي تصل إلى عمق ~~الماضي السوداني. سيجد في القاع قصة زا الأيمن الذي يقتل الإله-السمكة في كوكيا. سوف يشاهد ~~علي كولون وهو يركب حصانه مارا به في طريقه لتحرير السونجاي، وقد علف حصانه بعلف خاص ~~مقو. سوف يراقب الأمة القوية تنبكت، بسرتها البارزة ms288، وهي تقيم مخيمها الصحراوي، ~~ويرى الأسطول المالي وهو يستعد للمغادرة إلى الأمريكتين، والحرفيين وهم يغلفون قصر موسى ~~بالذهب. وعلى قمة تلك الطبقات، الأقرب إلى الوقت الحاضر، سوف يشاهد مروحيات قتالية تحوم حول ~~قافلة كبيرة من قوارب نهر النيجر التي تشق طريقها في اتجاه منبع النهر، حاملة حمولتها من ~~الكتب القيمة. عدة مئات آلاف من الكتب. # | الملاحظات # إن روايتي لما جرى في تمبكتو في عامي 2012 و2013 مستقاة من مئات الساعات من المقابلات ~~التي أجريتها في مالي، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وألمانيا، وبلجيكا، وهولندا، ~~وفرنسا، وإسبانيا، وجنوب أفريقيا ما بين عامي 2013 و2016. قدمت لي مواد داعمة، تشمل ~~مراسلات، وتقارير، وطلبات منح، من وزارات أجنبية ومنظمات مانحة، غالبا طوعا، وأحيانا ~~بموجب قانون حرية تداول المعلومات. أما السرد المتعلق بالاستكشاف فمستقى من طائفة ثرية من ~~الأعمال التي كتبها المستكشفون ورعاتهم. كانت الرابطة الأفريقية حريصة على توثيق أهدافها ~~وأنشطتها، فأصدرت «محاضر الرابطة المتعلقة بتشجيع اكتشاف الأجزاء الداخلية من أفريقيا» بصفة ~~دورية للأعضاء. أتيحت هذه الوثائق للجمهور في طبعة من مجلدين في عام 1810، ثم في عام 1964 ~~جمعها روبن هاليت، إلى جانب أوراق أخرى من الرابطة، ونشرت تحت اسم «سجلات الرابطة ~~الأفريقية فيما بين عامي 1788 و1831»، مصحوبة بتمهيد تاريخي دقيق عن المنظمة. جمع المؤرخ ~~الهاوي إي دبليو بوفيل الأوراق المتعلقة بمستكشفين آخرين لغرب أفريقيا، على وجه الخصوص ~~ألكسندر جوردون لينج، بصورة نهائية في سلسلته «بعثات إلى نهر النيجر». وبالإضافة إلى هذه ~~الأعمال، رجعت مرارا وتكرارا إلى مجموعة من المصادر الأكثر حداثة. كان من أهم تلك المصادر ~~ترجمات لأعمال علماء تمبكتو، وفي ذلك كتاب جون هنويك «تمبكتو وإمبراطورية السونجاي»، ~~الذي يقدم الترجمة الأكثر موثوقية لكتاب «تاريخ السودان»، وترجمتي أوكتاف هودا وموريس ~~ديلافوس إلى الفرنسية لكتابي «تاريخ السودان» «ترجمة هودا» وكتاب «تاريخ الفتاش» (ترجمة ~~هودا وديلافوس). يقدم كتاب بيكا ماسونين، «إعادة نظر في نيجرولاند»، واحدة من الروايات ~~السردية التفصيلية القليلة عن العلاقة بين أوروبا والإقليم، بينما يعد كتاب باولو فرناندو ~~دي مورايس فارياس «نقوش العصور الوسطى العربية من جمهورية ms289 مالي» تحذيرا نافع الأثر بأن ~~تاريخ تمبكتو في حالة من التغير المتواصل الدائم. ~~(1) ملاحظات على اللغة والأسماء # كما أشار قراء المسودات المبكرة لهذا الكتاب، يوجد عدد قليل من العقبات التي تعترض ~~التفاهم المتبادل بين الثقافات أكبر من وجود عدد من الأسماء غير المألوفة أو الكلمات ~~الأجنبية التي بعلامات تشكيل صوتية غير معترف بها. لذلك، على الرغم من أنني اخترت ~~اتباع الأسلوب الذي تستخدمه دورية «سودانيك أفريكا» للنقل الحرفي للكلمات العربية، ~~فقد أزلت بعض هذه العلامات، وفي ذلك ما كان منها في الفقرات المقتبسة، في محاولة ~~لتبسيط تجربة القارئ العادي. # شكلت أسماء الأشخاص والأماكن تحديا خاصا؛ نظرا لأنها غالبا ما تكتب بطرق ~~مختلفة في اللغات المختلفة. تسبب هذا في بعض التناقضات؛ فقد استخدمت التهجية ~~الإنجليزية # Timbuktu ~~، على سبيل المثال، على عكس التهجية ~~الفرانكفونية # Tombouctou ~~، ولكني تهجيت اسم الماليين ~~المعاصرين الذين يحملون اسم النبي محمد على أنه # Mohamed ~~، بالطريقة التي يتهجونه بها، وليس بالطريقة ~~الإنجليزية التقليدية # Muhammad ~~، المستخدم هجاؤها ~~للشخصيات التاريخية. من ناحية أخرى، فإن المجموعة الصغيرة نسبيا من الألقاب في مالي ~~قد جعلت من الأسلوب الغربي لاستخدام الاسم الأخير في الإشارة الثانية مدعاة للسخرية. ~~(ففي هذه القصة، يوجد على الأقل خمسة يحملون اسم حيدرة، وأربعة يحملون اسم معيجا، وخمسة ~~يحملون اسم توريه.) يتغلب الماليون على هذا باستخدام تنويعة من الأسماء أو تركيبات ~~الأسماء. على سبيل المثال، قائد هذه الدولة، الرئيس كيتا، معروف عموما باسم إبراهيم ~~بوبكر كيتا، أو إي بي كيه، ويعرف سلفه أحمد توماني توريه بالاختصار إيه تي تي. أما ~~الكنى - مثل «جانسكي»، و«إير مالي»، بل حتى «جون ترافولتا» - فهي الأخرى مستخدمة على ~~نطاق واسع، وأحيانا ما تطبع على بطاقات العمل الخاصة بالأشخاص. # كان مبدئي الإرشادي هو أن أحاول أن أجعل كل شيء مباشرا قدر الإمكان للقارئ، دون أن ~~أقصد أي ازدراء. ~~(2) تمهيد: رجل ذو إقدام وعبقرية # يرى إي دبليو بوفيل أن ألكسندر جوردون لينج كان «أكثر مستكشفي أفريقيا تعرضا للتجاهل»، ~~ومرد هذا من ناحية إلى أنه لم يعش حتى يروي حكايته، ومن ms290 ناحية أخرى إلى أنه لم يعثر ~~على دفتر يومياته. استقيت جانبا كبيرا من روايتي عن حملته إلى تمبكتو من أوراقه، التي ~~عثرت عليها في دار المحفوظات الوطنية البريطانية («بعثة الميجور لينج إلى تمبكتو: الأوراق ~~المتعلقة بوفاته») وفي كتاب «بعثات إلى نهر النيجر»، المجلد الأول، من تحرير بوفيل. ~~استقيت التفاصيل عن المرحلة الأولى من حياة لينج من كتاب روبرت تشامبرز، «قاموس سير ~~الاسكتلنديين البارزين»، المجلد الثالث، ومن إدخال كريستوفر فايف عنه في «قاموس أكسفورد ~~للسير الوطنية». ويمكن للقارئ أن يجد إعادة سرد حديثة لقصته في كتاب فرانك تي كريزا ~~«السباق إلى تمبكتو». # نشرت خواطر بروس تشاتوين حول اسم تمبكتو؛ «تمبكتو، أم تمبوتو، أم تومبوكتو، أم ~~تومبيكتو، أم تومبكتو، أم تمبكت؟» على هيئة مقال بعنوان «ذهب إلى تمبكتو» في مجلة «فوج» في ~~عام 1970، ولاحقا في كتاب «تشريح القلق» الذي جمع فيه أعماله. ~~(2-1) الاحتلال # الفقرة المقتطفة من كتاب «ألف ليلة وليلة» مأخوذة من ترجمة إدوارد وليام لين التي ~~صدرت عام 1841. ~~(أ) باحث عن المخطوطات # جانب كبير من الروايات المتعلقة بطفولة عبد القادر حيدرة والمراحل الأولى من ~~حياته، وما قام به من أفعال في يوم الثلاثين من مارس، عام 2012، مستمد من مقابلات ~~كثيرة معه. لقد أدرج صورة موجزة عن مسيرة والده وتاريخ مكتبة مما حيدرة في مقالته ~~«نظرة عامة على مكتبات المخطوطات الرئيسية في تمبكتو». اختار صديق طفولته سانيه ~~شريفي ألفا زيارة أمادو همباطي با باعتبارها اللحظة التي حدد فيها حيدرة هدفه في ~~الحياة. لا يمكن لأي شخص يسعى لاستكشاف مفصل لثقافة البلاد وإسلام غرب أفريقيا أن ~~يجد أفضل من كتاب همباطي با «روح التسامح: الحياة الملهمة لتيرنو بوكار». # المجموعة التي يشغل فيها حيدرة منصب الرئيس التنفيذي هي «المنظمة غير الحكومية ~~لصون وتحسين المخطوطات والدفاع عن الثقافة الإسلامية»، التي يشار إليها عموما ~~باسم سافاما. وأطلق على معهد أبحاث المخطوطات الذي تأسس في تمبكتو اسم «مركز ~~أحمد بابا للتوثيق والأبحاث»، أو سيدراب، ولكن أعيدت تسميته فصار يحمل اسم «معهد ~~أحمد بابا للدراسات العليا والبحوث الإسلامية ms291». ولدواعي التبسيط، لم أستخدم أيا ~~من الاسمين الرسميين وإنما أشرت إليه باسم مركز أحمد بابا أو معهد أحمد بابا. نشر ~~محضر الاجتماع التأسيسي لهذا المركز في «تقرير اجتماع خبراء اليونسكو حول استخدام ~~المصادر المكتوبة لدراسة تاريخ أفريقيا، المنعقد في تمبكتو» في عام 1968، وقصة ~~بداياته سردها جون هنويك في عمله «سيدراب: مركز أحمد بابا للتوثيق والأبحاث في ~~تمبكتو»، ولويس برينر وديفيد روبنسون، في عملهما «مشروع للحفاظ على المخطوطات ~~العربية المالية». وأشار هنويك إلى وجود «شريف شاب»، قاصدا حيدرة، ضمن طاقم العمل ~~في المركز، والذي ورث مكتبة كبيرة عن والده ونفذ «حملات تنقيبية» في المدينة ~~لإنشاء قوائم بالمخطوطات التي كانت متاحة للشراء. تأتي تفاصيل عمل حيدرة كمنقب عن ~~المخطوطات، وفي ذلك رقم 16000 مخطوطة التي جمعت في اثني عشر عاما، من ~~مقابلات معه ومن مشروع مخطوطات تمبكتو في جامعة كيب تاون ~~( # tombouctoumanuscripts.org ~~). # تعليقات هيو تريفور-روبير الصادرة عام 1963 عن التاريخ الأفريقي مذكورة في كتاب ~~إم إي تشامبرلين «التصارع على أفريقيا»، وفي مصادر أخرى. وثقت زيارة هنري لويس ~~جيتس الابن إلى تمبكتو في الفيلم الذي أنتجته شبكة «بي بي إس» التليفزيونية «عجائب ~~العالم الأفريقي». يضم موقع الويب المصغر # www.pbs.org/wonders # التابع ~~لشبكة «بي بي إس» المزيد من المعلومات عن رحلات جيتس، وفي ذلك مقتطفات من ~~يومياته. صدر تصريح تابو إيمبيكي، الذي مفاده أن المخطوطات فتحت آفاقا للتفكير ~~بشأن العالم بطرق جديدة، في السابع من أغسطس، عام 2008، في مبنى قلعة الرجاء ~~الصالح، في كيب تاون. وجدت النص الكامل على موقع رئاسة جنوب أفريقيا، على الرابط # http://www.thepresidency.gov.za/pebble.asp?relid=3336 ~~. ~~اقتبس رون جروسمان من كتابات جون هنويك، وشون أوفاهي، وديفيد روبنسون، في مقاله ~~«المخطوطات الأفريقية تعيد كتابة التاريخ: أستاذ بجامعة نورث ويسترن يميط اللثام عن ~~كتابات لأفريقي أسود تعود للقرن السادس عشر تتعارض مع الكثير من التصورات ~~الغربية المسبقة». # الزعم المذكور عام 2011 بوجود أكثر من مائة ألف مخطوطة في مجموعات تمبكتو مأخوذ ~~من مقالة حيدرة «نظرة عامة على مكتبات المخطوطات الرئيسية في تمبكتو». كتب فيها أن ~~«أحدث عمليات المسح تشير إلى وجود حوالي ms292 مليون مخطوطة محفوظة في العديد من المكتبات ~~الخاصة والعامة [في تمبكتو والمناطق المحيطة بها]. تضم أهمها في تمبكتو ما لا يقل ~~مجموعه عن 101820 مخطوطة.» لاحقا قال لي حيدرة إن ذلك كان يمثل فقط العدد الذي ~~كان قد أحصي حتى ذلك الوقت. # يمكن العثور على رأي موثوق فيه بشأن أسباب الصراع في مالي في عام 2012 في تقرير ~~مجموعة الأزمات الدولية، «مالي، تجنب التصعيد». تصف جوديث شيله حجم اقتصاد ~~الصحراء الكبرى في كتاب «مهربو وقديسو الصحراء الكبرى»، بتفصيل يستحق إعادة سرده: ~~«يأتي الدقيق، والمكرونة، والبنزين من الجزائر إلى الجنوب في سيارات جيب صغيرة أو ~~في شاحنات عتيقة أو حتى على ظهور الجمال والحمير. وتذهب رءوس الماشية الحية ~~والسجائر من مالي إلى الشمال ... وتصل الأقمشة، والعطور، والمجوهرات، والبخور والأثاث ~~من جنوب المغرب وموريتانيا، وهما من الأماكن التي توجد في صدارة الموضة الأنثوية ~~والتي بها موانئ مفتوحة على مصراعيها للواردات الصينية؛ وغالبا يكون من يتاجر في ~~هذه السلع هن النساء ... تصل المخدرات من موريتانيا، عبر الصحراء الكبرى الغربية، أو ~~من خليج غينيا، وتمرر حول الطرف الجنوبي للجزائر عبر النيجر وتشاد إلى مصر، ومن ~~هناك إلى إسرائيل وأوروبا. تأتي الأسلحة من مناطق الأزمات الطويلة الأمد، مثل تشاد، ~~أو تفرغ في موانئ خليج غينيا الضخمة وتباع في جميع أنحاء المنطقة.» ~~(ب) فراغ واسع وممتد # استخلصت تفاصيل إنشاء الرابطة الأفريقية وإنجازاتها الأولى من «محاضر الرابطة ~~المتعلقة بتشجيع اكتشاف الأجزاء الداخلية من أفريقيا»، ومن كتاب روبن هاليت، «سجلات ~~الرابطة الأفريقية فيما بين عامي 1788 و1831»، والذي يقدم صورة واضحة عما كان ~~معروفا في أوروبا عن القارة والدوافع وراء رغبة جوزيف بانكس ورفاقه في استكشافها. ~~يمكن للقارئ أن يعثر على إعادة سرد ممتعة لأنشطة الرابطة في كتاب أنتوني ساتين ~~«بوابات أفريقيا». # كانت سيرة بانكس موضوعا للعديد من كتب السير الذاتية، ومن بينها كتاب هارولد ~~بي كارتر «السير جوزيف بانكس 1743-1820»، وكتاب «قصة حياة جوزيف بانكس» لباتريك ~~أوبراين، وهو كاتب اشتهر بسلسلة روايات «أوبري-ماتورين» عن حياة البحر. يقال إن ~~حوالي عشرين ms293 ألف مراسلة من مراسلات بانكس لا تزال موجودة؛ وجمع نيل تشامبرز العديد ~~من هذه المراسلات في كتابه «رسائل السير جوزيف بانكس: مجموعة مختارة ~~1768-1820». # يمكن قراءة الملاحظات التي كتبها العالم بانكس بنفسه حول زيارته للقارة الأفريقية ~~عام 1771 في كتاب «يوميات السير جوزيف بانكس على متن سفينة إنديفور». تشكل خواطر ~~جوناثان سويفت حول الخرائط الأفريقية جزءا من قصيدته التي صدرت عام 1733 بعنوان ~~«في الشعر: رابسودية». يمكن للقارئ أن يجد ملاحظات هوراس والبول حول مآثر جيمس بروس ~~في إثيوبيا في كتاب «رسائل هوراس والبول، إيرل أورفورد، إلى السير هوراس مان: مقام ~~صاحب الجلالة البريطانية في بلاط فلورنسا، من عام 1760 إلى عام 1785»، المجلد ~~الثاني. تعليقات التاجر الإنجليزي على أهمية التجارة الأفريقية مستمدة من عمل جون ~~بيتر ديمارين، المنشور دون الإشارة إلى اسم المؤلف، بعنوان «أطروحة حول التجارة من ~~بريطانيا العظمى إلى أفريقيا، الموصى بها بتواضع إلى عناية الحكومة من قبل تاجر ~~أفريقي». # استطلع ريكاردو بيليزو النظريات المختلفة عن أصول اسم تمبكتو في مقاله «تمبكتو: ~~درس في التأخر»، وكذلك فعل سيكيني مودي سيسوكو في كتاب «تمبكتو وإمبراطورية ~~السونجاي». تشمل المصادر المتعلقة بجغرافيا منحنى النيجر، كتاب جون هنويك، «تمبكتو ~~وإمبراطورية السونجاي»، وكتاب سانش دي جرامون «الإله القوي ذو البشرة البنية». ~~استطلعت كل من سوزان كيتش ماكنتوش ورودريك ماكنتوش التاريخ المناخي للصحراء ~~الكبرى في كتاب «غرب أفريقيا في عصر ما قبل التاريخ»، والذي يقدم أدلة على أن ~~الصحراء الكبرى كانت، ما بين عامي 8000 و5500 قبل الميلاد، عبارة عن مجموعة متلاصقة ~~من البحيرات الضحلة والمستنقعات، التي يجوبها الفيلة، والزراف، وحيوانات وحيد ~~القرن، والتماسيح. اكتشفت هاينريش بارت أدلة على هذه «الحقبة الخضراء» في الصحراء ~~الكبرى في يونيو من عام 1850، على هيئة منحوتات صخرية من عصور ما قبل التاريخ ~~لصيادين وثيران في الصحراء الوسطى القاحلة. # إن تلخيصي لمعرفة الجغرافيين الكلاسيكيين بأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى مستمد من ~~كتاب هاليت «سجلات الرابطة الأفريقية» ومن عمل سي كيه ميك «النيجر والكلاسيكيات: ~~تاريخ اسم». ويمكن للقارئ أن يجد معلومات إضافية عن تجارة الذهب عبر ms294 الصحراء الكبرى ~~في عمل وارد باريت، «تدفقات السبائك العالمية، 1450-1800»، وكتاب إيان بلانشارد ~~«التنقيب عن المعادن والتعدين وسك النقود في العصور الوسطى»، المجلد الثالث. الرائع ~~في الأمر أن خريطة أبراهام كريسكيس المرسومة عام 1375، الأطلس الكتالوني، التي ~~تحتوي على أول تمثيل لتمبكتو في أوروبا، موجودة في المكتبة الوطنية الفرنسية في ~~باريس، ويمكن مشاهدتها على الإنترنت على # gallica.bnf.fr ~~. # الاقتباسات من كتاب ليون الأفريقي «وصف أفريقيا» مأخوذة من ترجمة جون هنويك، ~~الموجودة في كتاب «تمبكتو وإمبراطورية السونجاي». يقال عادة إن «المعماري الذي من ~~بيتيس» الذي بنى مسجد جينجربر كان الأديب الأندلسي أبا إسحاق الساحلي، وهو أحد ~~العديد من المسلمين المثقفين الذين جاءوا مع مانسا موسى من مكة (للاستزادة عن ~~الساحلي، ارجع للفصل الثامن). لم يكن يوجد «ملك لتمبكتو» بالمعنى المعروف للكلمة، ~~والأرجح أن ليون كان يشير إلى أسكيا الحاج محمد، الذي حكم من جاو. # سجلت مآثر ريتشارد جوبسون في كتابه «التجارة الذهبية؛ أو، اكتشاف نهر جامبرا، ~~والتجارة الذهبية للإثيوبيين»، الذي نشر لأول مرة في عام 1623. ومسألة ازدياد ~~جاذبية تمبكتو في المخيلة الأوروبية مستمدة جزئيا من كتاب بيكا ماسونين، «إعادة ~~نظر في نيجرولاند»، وأيضا كتاب يوجينيا هربرت «تمبكتو: دراسة حالة عن دور الأسطورة ~~في التاريخ». صيغت الاستعارة التي تشبه فيها تمبكتو بالمغناطيس الذي يجذب ~~الأوروبيين إلى غرب أفريقيا على يد إيه إس كانيا-فورستنر في كتابه «غزو غرب ~~السودان». نسب الانتقاد للاستكشاف الأفريقي المصوغ ببلاغة رائعة - «لم يكن يوجد ~~ما يكتشف، فقد كنا موجودين هنا طوال الوقت» - إلى رئيس سابق لملاوي، وهو هاستينجز ~~باندا. # وصف عدة المستكشف الساذج - مسدس ومظلة وأشياء قليلة أخرى - مستمد من كتاب ~~مونجو بارك «أسفار في المناطق الداخلية لأفريقيا»، مع أن بارك حمل معه أيضا ~~«تشكيلة صغيرة من الخرز، والعنبر، والتبغ ... وغيارات قليلة من الكتان، وغيرها من ~~الملابس الضرورية ... وآلة سدس تحمل في الجيب، وبوصلة مغناطيسية، وميزان حرارة؛ إلى ~~جانب بندقيتين خفيفتين للصيد، ومسدسين، وبعض الأغراض الصغيرة الأخرى.» كان من شأن ~~المستكشفين اللاحقين أن ينطلقوا في رحلتهم ومعهم المزيد من الموارد الإضافية ms295، على ~~الرغم من أن قلة عادوا بها. # للاطلاع على البيانات حول معدل وفيات الأوروبيين في غرب أفريقيا، انظر كتاب فيليب ~~دي كورتن «المرض والإمبراطورية» وبحثه «نهاية «قبر الرجل الأبيض»؟ معدل وفيات القرن ~~التاسع عشر في غرب أفريقيا». وفي محاضرة «أنهار الموت في أفريقيا»، ذكر مايكل ~~جيلفاند أنه «على قدر علمي، لا يوجد داء يقهر الأطباء بقدر [الملاريا]»، وقدر ~~أن 80 بالمائة من الأوروبيين في حملة مونجو بارك الاستكشافية الثانية لقوا نحبهم ~~جراءه. # جمع جاريد سباركس قصة حياة جون ليديارد في عام 1828، في كتاب «مذكرات حياة ~~ورحلات جون ليديارد من يومياته ومراسلاته.» ألهمت رحلة ليديارد على متن زورق كانو ~~في نهر كونيتيكت إنشاء نادي ليديارد للكانو في كلية دارتموث في عام 1920؛ لا يزال ~~النادي يجري رحلات التجديف في نيو إنجلاند. مهمة ليديارد الأخيرة موثقة في ~~«محاضر الرابطة المتعلقة بتشجيع اكتشاف الأجزاء الداخلية من أفريقيا»، وكتاب هاليت، ~~«سجلات الرابطة الأفريقية». يمكن العثور على خواطر توماس جيفرسون حول مقابلته مع ~~جون ليديارد في كتاب الرئيس الثالث للولايات المتحدة «السيرة الذاتية». ~~(ج) الجحيم ليس ببعيد # قصة التفاوض الذي جرى على قمة الكثيب الرملي، في يوم الجمعة، الموافق الثلاثين من ~~مارس، عام 2012، حكاها لي قادر خليل وبوبكر «جانسكي» ماهامان، الذي كان حاضرا هو ~~الآخر، وحكاها لي أيضا رئيس البلدية هلي عثمان سيسيه، وديادي حمدون معيجا، ~~والمحافظ مامادو مانجارا، الذين حكي لهم ما حدث. وفقا لخليل، كان من طرح فكرة ~~الاجتماع هم قادة الميليشيا العربية؛ وكان كل من أجريت معهم مقابلات في تمبكتو ~~دون استثناء قد اعتبروا ذلك خدعة لضمان مغادرة الجنوبيين والجيش دون قتال. اعتقد ~~جانسكي أن الملابسات الغريبة للاجتماع كانت تكتيكا مدبرا لإرباك المندوبين؛ وقال ~~إن الأمر كان «مزحة، وعرضا عظيما.» ووفقا لجندي في رتل التعزيزات من نيافونكي، ~~يبدو أن المجلس العسكري كان بالفعل قد أمر بالانسحاب على أي حال، فبمجرد وصول ~~القوات إلى تمبكتو، طلب منهم الانسحاب باتجاه سيفاري. وقال المحافظ مانجارا عن ~~قرار التخلي عن المدينة: «بعد الانقلاب لم تكن توجد قوة فورية ms296 يمكنها الدفاع عنها ~~على النحو المناسب، على الرغم من الرغبة التي كانت موجودة». رفض جاستون دامانجو ~~إجراء مقابلة معه. # بالإضافة إلى الأشخاص الذين قابلتهم والمذكورين في النص، استخدمت عددا قليلا من ~~المصادر المنشورة عن أحداث الأول من أبريل، وفي ذلك كتاب حوداي آغ محمد «تمبكتو ~~2012: المدينة المقدسة في ظلام الفكر الجهادي». كان المقيم الذي تذكر سقوط ~~القنابل اليدوية من شاحنة صغيرة مثل ثمرات المانجو من شجرة يتحدث إلى باحثين من ~~منظمة هيومن رايتس ووتش، والذين أدرجوا الكلام في تقرير المنظمة لعام 2012 المسمى ~~«مالي: جرائم حرب ارتكبها متمردو الشمال». ويمكن قراءة جزء كبير من بيانات الحركة ~~الوطنية لتحرير أزواد في تلك الفترة في أرشيف موقع «توماست للأنباء». ثمة جانبان ~~جديران بالذكر لأحداث تلك الفترة هنا؛ أولا، توجد عدة نظريات حول سبب انفجار مخزن ~~الذخيرة في معسكر الجيش؛ وإذ لم أتمكن من العثور على شاهد عيان، تبنيت نظريات ~~جانسكي وآغ محمد، اللذين يتفقان على أن شخصا ما كان يحاول إطلاق النار على القفل. ~~ثانيا، تباينت الروايات عن مقتل الشاب؛ فيقول البعض إنه أصيب بشظية قذيفة. ومع ~~ذلك، تبدو رواية فطومة هاربر موثوقا فيها، حيث كانت معه قبل دقائق من وفاته. # ساعدت جيني بلينكو ومجلس برنامج «نيتشر بلس» في متحف التاريخ الطبيعي في لندن في ~~التعرف على زهور ونكة مدغشقر الوردية، في حديقة فندق بوكتو، من الصور ~~الفوتوغرافية. ~~(د) المستكشف الرابع # يمكن للقارئ أن يجد المزيد من الروايات التفصيلية عن حياة سايمون لوكاس ودانيل ~~هوتون وأسفارهما المدهشة في «محاضر الرابطة المتعلقة بتشجيع اكتشاف الأجزاء ~~الداخلية من أفريقيا» وفي كتاب روبن هاليت، «سجلات الرابطة الأفريقية فيما بين عامي ~~1788-1831». تظل رواية رحلة مونجو بارك الأولى المستمدة من مقابلات مع براين ~~إدواردز من الرابطة الأفريقية والمنشورة في كتاب بارك «أسفار في المناطق الداخلية ~~الأفريقية»، مادة سهلة وبسيطة للقراءة. يشير إدخال كريستوفر فايف عن بارك في ~~«قاموس أكسفورد للسير الوطنية» إلى أن بعض قراء كتابه «أسفار في المناطق ~~الداخلية الأفريقية» انزعجوا من أنه لم يشجب العبودية صراحة ms297، وبالفعل لقد عاش ~~لبعض الوقت مع تاجري عبيد، هما الدكتور جون ليدلي وكارفا تورا . ومع ذلك، كما أوضحت ~~بيكا ماسونين، في رحلته الأولى يبدو أنه التقى بالأفارقة وتعامل معهم من دون صور ~~الإجحاف والتحيز الكثيرة التي اتصفت بها الأجيال السابقة واللاحقة. يمكن للقارئ ~~أن يجد إعادة صياغة دوقة ديفونشاير لأغنية فتيات البامبارا المضيافات في كتاب ~~ليندلي موراي «مقدمة إلى القارئ الإنجليزي؛ أو مجموعة مختارة من القطع الأدبية، في ~~النثر والشعر ... مع قواعد وملاحظات لمساعدة الأطفال على القراءة الصحيحة» (الذي نشر ~~لأول مرة في عام 1816). توجد صورتان لبارك في مجموعة المعرض الوطني للوحات في لندن. ~~يظهر بارك في الصورة الأولى، التي رسمت في وقت مقارب لرحلته الأولى، على هيئة ~~مغامر شاب جريء أزرق العينين؛ وفي الثانية، المرسومة حوالي عام 1805 على يد رسام ~~الكاريكاتير الساخر توماس رولندسون، يظهر على هيئة شخص كهل أصلع مكسور الأنف، على ~~ما يبدو. إن تعليقات جوزيف بانكس في حانة «ستار آند جارتر» مسجلة في «محاضر ~~الرابطة المتعلقة بتشجيع اكتشاف الأجزاء الداخلية من أفريقيا». ورواية رحلة بارك ~~الثانية ووفاته مأخوذة من «يوميات إيزاكو لرحلة في إثر السيد مونجو بارك، للتثبت ~~من حياته ووفاته»، ومن كتاب بارك «حياة وأسفار مونجو بارك.» # لعبت رحلات بارك دورا رئيسيا في بناء أسطورة تمبكتو، بحسب إي دبليو بوفيل، وفي ~~توجيه مستكشفين آخرين نحوها. انساق بانكس على وجه التحديد وراء رواية بارك عن «ذهب ~~وفير في كل المجاري المائية التي تصب في نهر جوليبا.» ~~(ه) القاعدة تهب للإنقاذ # يصعب الحصول على معلومات موثوق فيها عن الجماعات الجهادية في الصحراء الكبرى، لكنني ~~وجدت المقابلات والمصادر التالية مفيدة: ولفرام لاتشر، «الجريمة المنظمة والصراع في ~~منطقة الساحل والصحراء الكبرى»؛ وأندرو ليبوفيتش، «الوجه المحلي للفكر الجهادي في ~~شمال مالي»؛ وستيفن هارمون، «الإرهاب والتمرد في منطقة الصحراء والساحل»؛ وتقرير ~~محمد محمود أبو المعالي «القاعدة وحلفاؤها في الساحل والصحراء الكبرى». ويمكن ~~للقارئ أن يجد السير الذاتية للعديد من الجهاديين المطلوبين في «الدليل العالمي ~~للحركات الإسلامية» الصادر عن مجلس السياسة الخارجية ms298 الأمريكية. ويمكن العثور على ~~برقية الدبلوماسي الأمريكي التي تصف إياد آغ غالي بأنه «قرش رديء» على موقع ~~ويكيليكس الإلكتروني. وللحصول على رؤية رهينة مستقاة من مصدرها عن العيش مع الألوية ~~الجهادية في الصحراء، انظر «موسم في الجحيم» لروبرت فاولر، الدبلوماسي الكندي الذي ~~اختطف في عام 2008. # نشرت وكالة الأخبار الموريتانية شكاوى سندة ولد بوعمامة حول الأوضاع في المدينة ~~المنهوبة: «تعلمون أننا أتينا إلى هنا في وقت متأخر، ووجدنا المدينة مدمرة جزئيا ~~... لقد نهبت مؤسسات عديدة وتحطمت مقراتها وسرقت سياراتها». نشرت وكالة نواكشوط ~~للأنباء باللغة العربية إعلان إياد آغ غالي تطبيق الشريعة؛ وقد استخدمت ترجمة ~~إنجليزية قام بها آرون واي زيلين، وهو زميل في معهد واشنطن. أوردت صحيفة «لا نوفيل ~~ريببليك»، التي تصدر في باماكو، مقابلة خليل مع آغ غالي في الرابع من أبريل ~~ولخصتها بأنها تلقي بلائمة «كل ما فيه الناس من ابتلاء [على] قلة إيمانهم بالله ~~و[على حقيقة أنهم قد] نبذوا تطبيق الشريعة، التي تبدلت بتوجيه من الغربيين البيض ... ~~ولأجل ذلك يوجد بؤس، وفسق، وغير ذلك من الابتلاءات في مجتمعنا». تحدث كل من ~~خليل ورئيس البلدية سيسيه إلى وكالة أسوشيتد برس في خبر بعنوان «الإسلاميون يفرضون ~~الشريعة في تمبكتو بمالي.» قال خليل إنه في ظل الشريعة أجبرت النساء على ارتداء ~~الحجاب السلفي، وسيعاقب السارقون بقطع أيديهم، وسيرجم الزناة حتى الموت. قال ~~رئيس البلدية سيسيه: «ستتصاعد حدة الأمور هنا.» ثم أردف: «نساؤنا لن يلبسن الحجاب ~~بهذه الطريقة.» ~~(و) سوف تكون من نصيبي # كان من ضمن أعضاء الحملة الاستكشافية البريطانية في عام 1823 إلى أفريقيا، التي ~~حفزت الجمعية الجغرافية الفرنسية على أن ترد، ديكسون دينهام، وهيو كلابرتون، ~~ووالتر أودني. في «مهمة بورنو»، المجلد الثاني من كتاب «بعثات إلى نهر النيجر» لاحظ ~~إي دبليو بوفيل أنه «لا يزال صعبا أن يتذكر المرء في كل تاريخ الاستكشاف الجغرافي ~~المتقلب ... رجلا بغيضا أكثر من ديكسون دينهام.» على النقيض، كان كلابرتون مستكشفا ~~ناجحا ومحل احترام وكان من شأن ألكسندر جوردون لينج أن يعتبره أقرب منافسيه في ms299 ~~السباق إلى تمبكتو. # التفاصيل عن جائزة الجمعية الجغرافية الفرنسية المتضاعفة للوصول إلى تمبكتو ~~موجودة في الأعداد ذات الصلة من «نشرة» الجمعية. # للاطلاع على المصادر الرئيسية لرحلة ألكسندر جوردون لينج، انظر الملاحظات على ~~التمهيد. يجدر أن أوضح هنا هوية شيوخ قبيلة عرب كونتا، الذين أحيانا ما اختلط ~~الأمر عليهم بشأن لينج. من المحتمل أن «الزعيم مارابوط مقتة» الذي كان من المفترض ~~أن يوصل باباني المستكشف إليه كان الشيخ الفقيه سيدي المختار، الذي توفي في عام ~~1811، تاركا وراءه أكثر من ثمانية أطفال. توفي ابنه الشيخ سيدي محمد، الذي استقبل ~~لينج المصاب في عام 1826، جراء حمى أصابته، لاحقا في تلك السنة. كان يليه ~~المختار الصغير، الذي مكن لينج من أن يواصل طريقه إلى تمبكتو وكتب في نهاية الأمر ~~إلى الباشا يخبره بوفاة المستكشف. توفي المختار الصغير في سنة 1846 أو 1847 وخلفه ~~شقيقه الأصغر أحمد البكاي، الذي عاش حتى عام 1865. مثلت هذه العائلة إلى حد ما ~~نهضة مصغرة فيما يتعلق بالأنشطة الفقهية للمنطقة. يمكن للقارئ أن يجد مزيدا من ~~التفاصيل عن حياتهم وأعمالهم في كتاب شاميل جيبي وسليمان بشير ديان «معاني ~~تمبكتو». # يستهل خطاب البارون روسو، الذي أعلن وفاة لينج، والذي نشر لأول مرة في صحيفة ~~«ليتوال» في الثاني من مايو، عام 1827، وذكر في ترويسته أنه كتب في «سوقارة في طرابلس»، بالعبارة التالية: «لقي الميجور لينج، الذي أعلنت نهايته المأساوية، ~~حتفه نتيجة لمثابرته الشجاعة بعد أن تمكن مع ذلك من زيارة مدينة تمبكتو ~~الشهيرة.» يمكن للقارئ أن يجده في كتاب إي دبليو بوفيل «بعثات إلى نهر النيجر»، ~~المجلد الأول. ذكر البارون لما وصفه بأنه «تاريخ تفصيلي للمدينة»، والذي من ~~المحتمل أنه إشارة إلى كتاب «تاريخ السودان»، موجود في رسالة نشرت في «نشرة ~~الجمعية الجغرافية الفرنسية»، المجلد السابع، بينما يمكن العثور على مقتطفات رسائل ~~عن تاريخ «سيدي علي بابا من أروان» مؤرخة في الثالث من مارس والثاني عشر من يونيو، ~~عام 1828، في المجلد التاسع. وصف البارون روسو تمبكتو بأنها أصبحت تمثل ~~للأوروبيين ما كانت تمثله مدينة ms300 المتعة الساحرة إرم ذات العماد للعرب القدماء، أو ~~ما يمثله ينبوع الشباب للميثولوجيا الشرقية . يبدو أن روسو هو أول من استخدم صفة ~~«غامضة» لوصف المدينة. # رواية رينيه كاييه عن زيارته الناجحة لتمبكتو - ونقده المتمثل في قوله «لم تكن ~~المدينة، لأول وهلة، سوى كتلة من المنازل القبيحة المنظر، المبنية من الطين» - ~~مذكورة باللغة الإنجليزية في كتاب «أسفار عبر وسط أفريقيا إلى تمبكتو». إن طبعة عام ~~1830 مستهلة باستعراض للخسائر الفادحة من مستكشفي أفريقيا: «ومع ذلك هباء ~~انطلق هوتون، وبراون، وهورنمان، وبارك - هباء انطلق من خلفوهم، بنو وطننا، توكي، ~~وبيدي، وكامبل، وجراي، وريتشي، وبوديتش، وأودني، وكلابرتون، ودينهام ولينج - هباء ~~انطلق رحالون أوروبيون آخرون، بوركهارت، وبوفورت، ومولين، وبيلزوني، انطلقوا جميعا ~~من نقاط مختلفة على ساحل أفريقيا، مفعمين بالأمل في إماطة النقاب الذي غلف ~~المدينة الغامضة؛ وكلهم إما هلكوا أو تخبطوا في سعيهم». # نشر الاستقبال الناقد للطبعة الفرنسية من كتاب كاييه في دورية «كوارترلي ريفيو» ~~في عام 1830. في كتاب «تمبكتو: دراسة حالة عن دور الأسطورة في التاريخ» تلخص ~~يوجينيا هربرت رد الفعل البريطاني تجاه كاييه: «لا حاجة إلى تكرار التشكيك المتغطرس ~~الذي استقبل به الخبر في بريطانيا، أو التهم المريرة التي وجهت إلى [آدم ~~فرانسوا] جومار، رئيسه ورئيس الجمعية الجغرافية، أو التلميحات في بعض الدوائر بأن ~~القصة بأكملها كانت افتراء مأخوذا من أوراق القتيل لينج. كانت الحقيقة المحزنة هي ~~أن لينج قد وضع في قالب بطولي يليق بفاتح تمبكتو، ووضع كاييه في قالب رجل غير ~~متعلم، وضيق الأفق، ومهووس، ويتصرف من تلقاء نفسه تماما. لم يوف كاييه حقه على ~~مضض في إنجلترا إلا بعد عشرين عاما، بعد أن تحقق [هاينريش] بارت من المعلومات ~~الأساسية التي قدمها». # وفقا لتقديرات موقع # measringworth.com ~~، كانت ~~قيمة جائزة كاييه البالغة عشرة آلاف فرنك ستصل إلى حوالي ستين ألف دولار اليوم، في ~~حين أن ميزانية حملة بيدي الاستكشافية في عام 1816 البالغة سبعمائة وخمسين ألف جنيه ~~إسترليني تعادل حوالي اثنين وسبعين مليون دولار حاليا. # استمر الغموض يحيط بمصير أوراق لينج لمدة قرن آخر ms301. في عام 1910، تلقى المستكشف ~~الفرنسي ألبرت بونيل دي ميزيير رواية أخرى حول وفاة لينج . وجد رجلا من عرب ~~البرابيش يبلغ من العمر اثنين وثمانين عاما كان قد رباه عمه أحمدو لعبيدة. أخبر ~~الرجل العجوز ألبرت بونيل دي ميزيير أن لعبيدة أخبره كثيرا عن كيفية ومكان مقتل ~~لينج. في هذه الرواية، حاصر لعبيدة وثلاثة رجال آخرين على ظهور الخيل لينج بينما ~~كان يستريح في ظل شجرة وطلبوا منه التخلي عن إيمانه وأن يصبح مسلما. رفض لينج، ~~وأمر لعبيدة الرجال الآخرين بقتله. وعندما ترددوا، طعنه لعبيدة بينما أمسك الثلاثة ~~الآخرون لينج من ذراعيه. وقتلوا أيضا صبيا عربيا كان يرافق لينج، وقطعوا رأس ~~المستكشف ثم أحرقوا كل أوراقه خوفا من أن تحوي سحرا. # وجد بونيل دي ميزيير هيكلين عظميين مدفونين في الموضع الذي أرشده إليه العربي. ~~فحص مسئولون طبيون الرفات وأكدوا أنها تخص رجلا أوروبيا بالغا وصبيا عربيا. ~~ودفنا في المقبرة المسيحية المحلية. # يتضمن كتاب جوشوا هامر الأخير «رجال مكتبات تمبكتو الشجعان وسباقهم لإنقاذ أثمن ~~مخطوطات العالم» ادعاء بأن يوميات لينج موجودة في مجموعة مما حيدرة. كتب يقول: ~~«كان أحد أكثر الأعمال التي امتلكها والده قيمة يوميات السفر الأصلية للميجور ~~ألكسندر جوردون لينج ... بعد سنوات قليلة من مقتل لينج، كتب نساخ دليلا تمهيديا ~~لقواعد النحو العربي على أوراق المستكشف؛ وهو مثال قديم على إعادة التدوير». سيكون ~~هذا أمرا رائعا إن كان صحيحا؛ فقد أخبرني ديمتري بونداريف من جامعة هامبورج، ~~والذي يعمل على نحو وثيق مع حيدرة، أن هذا «ادعاء لا أساس له». ~~(ز) قائمة إسماعيل # تعليق إسماعيل ديادي حيدرة «لا نعرف حقا ما يحدث» قاله لفاليري مارين لا ميسلي ~~ونشر في تقرير إخباري بعنوان «تمبكتو، هل هي تراث عالمي في أيدي الإسلاميين؟» ~~جمعت التحذيرات بشأن مستقبل المخطوطات من مصادر إخبارية متنوعة؛ إذ أطلقت ~~المديرة العامة لمنظمة اليونسكو إيرينا بوكوفا تحذيرها في الثاني من أبريل، عام ~~2012؛ ويمكن للقارئ أن يجد عريضة تطالب بالحفاظ على المخطوطات والتي نشرتها جمعية ~~أبحاث غرب أفريقيا على العنوان التالي ms302: # http://www.bu.edu/wara/timbuktu/ ~~؛ ~~ونقل عن شاميل جيبي قوله: «ليس لدي ثقة في المتمردين»، في مقال باسكال فليتشر ~~«رجال مكتبات تمبكتو يحمون المكتبات من المتمردين»؛ ونشرت كلمات حمادي بوكوم عن ~~النظام العلماني في مقال سيرج دانيال «تاريخ تمبكتو في خطر مع تقدم ~~التمرد». # يمكن للقارئ أن يجد الأدلة على وجود تهديد طويل الأمد يواجه التعليم العلماني في ~~مالي في تقرير منظمة العفو الدولية «مالي: خمسة أشهر من الأزمة: التمرد المسلح ~~والانقلاب العسكري». قال أحد سكان تمبكتو لباحثي منظمة العفو الدولية إن تنظيم ~~القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي كان قد أرسل عدة تحذيرات إلى المعلمين يحظر ~~عليهم فيها تعليم التلاميذ باللغة الفرنسية، ابتداء من عام 2008. أخبرني معلمون ~~آخرون في مقابلات معهم أنه كان يتعين فصل الفتيات والفتيان، وأنه في وقت سابق، ~~حذفت بعض المواد من المناهج الدراسية. # رقم النصف مليون لاجئ أو نازح داخليا تقريبا من شمال مالي في عام 2012 مأخوذ ~~من تقرير منظمة الهجرة الدولية «لمحة عن أزمة الهجرة في مالي». وفقا لمنظمة الهجرة ~~الدولية، بحلول مارس 2013، كان ما مجموعه 175412 شخصا قد أجبروا على الفرار إلى ~~بلدان أخرى، ونزح 260665 شخصا داخليا. قدر إجمالي عدد سكان الشمال في فترة ~~ما قبل الأزمة بنحو 1,3 مليون نسمة. # رواية مغادرة إسماعيل ديادي حيدرة من تمبكتو هي على لسانه. وتتوافق مع ما قاله ~~لسوزانا مولينز ليتيراس من جامعة كيب تاون، والتي عملت عن كثب على مجموعة فوندو ~~كاتي والتي تحققت من إجلائه لأربع مخطوطات جنوبا. ووفقا لمقالها «تكوين أرشيف ~~فوندو كاتي: مجموعة عائلية في تمبكتو»، تضمنت هذه المخطوطات مصحفا يعود تاريخه ~~إلى عام 1482 وثلاث مخطوطات بها ملاحظات هامشية كتبها أسلاف مشهورون، على حد قول ~~إسماعيل. # ثمة بعض التناقض في توقيت إخفاء المكتبات الأخرى. قال محمد توريه من مكتبة مما ~~حيدرة إنه بدأ في إخراج المخطوطات من الأرفف ليلة السبت، الموافق الثلاثين من مارس، ~~عام 2012، بعد مناقشة الأمر عبر الهاتف مع عبد القادر حيدرة، الذي كان قد وصل إلى ~~باماكو صباح ذلك اليوم. نفى حيدرة ذلك، وقال إنه لم تنقل ms303 أي مخطوطات إلا بعد ~~أسبوع على الأقل. كما اعترض حيدرة على توقيت محمد سيسيه فيما يتعلق بنقل مكتبة ~~الونجري، قائلا إنها نقلت عشية الاحتلال وليس بعد ذلك. وحيث إن سيسيه كان هو ~~من أجلى مخطوطات الونجري، فقد انحزت إلى روايته للأحداث. # صورت صحيفة «لا ديبيش» الجهادي أداما تصويرا نابضا بالحيوية في مقالتها ~~بعنوان «الكشف عن الرجال الذين يبثون الرعب في شمال مالي»: «عرف باسم المفوض ~~أداما؛ لأنه وفر في وقت ما الحماية لسكان المدينة من لصوص الحركة الوطنية ~~لتحرير أزواد ... إنه تشادي الجنسية، وكان دائما ملحوظا في المدينة لأسلوبه الخاص ~~في اللبس؛ إذ كان يضع حزام خراطيش، ويلبس سترة ناسفة، ويحمل بندقية كلاشينكوف على ~~كتفه». # أكدت مؤسسة فورد أنها كانت بالفعل قد قدمت منحة لحيدرة لتعلم اللغة ~~الإنجليزية في جامعة أكسفورد. # كانت لقطات الفيديو التي صورها طاقم قناة الجزيرة في يوم السبت، الموافق الرابع ~~عشر من أبريل، والتي تظهر مكتبة مما حيدرة خاوية متاحة على الإنترنت. أشار الحساب ~~الذي يحمل اسم # Manuscrits de Tombouctou # على ~~الفيسبوك، والذي يديره مساعد حيدرة، بانزومانا تراوري، إلى زيارة قناة الجزيرة في ~~منشور في الثامن عشر من أبريل، وقال إن المخطوطات كانت قد نقلت قبل ذلك الوقت: ~~«على مستوى المكتبات الخاصة ... وتحديدا مما حيدرة والإمام ابن السيوطي اللتين ~~تحتويان على قدر كبير من المخطوطات ... نقلت المخطوطات إلى مبان أخرى بعيدا عن ~~المستودعات المعتادة.» # بعد عدة أيام من منعه من دخول المبنى، أبلغ عبد الله سيسيه أن أبا زيد كان ~~مقيما بالداخل «مع رجاله». قيل لسيسيه إن أمير تنظيم القاعدة في بلاد المغرب ~~الإسلامي كان معه أيضا رهائن هناك، من بينهم، لبعض الوقت، مواطنة سويسرية تدعى ~~بياتريس ستوكلي. وفقا للمرشد السياحي باستوس، احتجزت ستوكلي لفترة وجيزة في ~~البنك المقابل لمنزله. وأطلق سراحها، بعد دفع فدية، في يوم الثلاثاء، الموافق ~~الرابع والعشرين من أبريل. وعادت إلى تمبكتو واختطفها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب ~~الإسلامي مجددا في يناير من عام 2016. ~~(2-2) التدمير # الفقرة المقتبسة من رباعيات عمر الخيام، وهو أحد الشعراء المفضلين ms304 عند الراحل ~~كريستوفر هيتشنز، هي إعادة صياغة قام بها ريتشارد لي جالين. ~~(أ) مستكشف من فوق مقعده الوثير # أدين بوجود ويليام ديزبورو كولي في هذا العرض إلى بيكا ماسونين، التي تمنحه ~~«الشرف الحقيقي المتمثل في تأسيس الجغرافيا التاريخية الحديثة لأفريقيا السودانية» ~~وتصف كتابه «نيجرولاند العرب، مفحوصة ومشروحة» بأنه «كتاب رائد يصف حقبة مهمة». ~~وبعيدا عن ماسونين، وكتاب كولي، فقد استقيت معلوماتي من دراسة آر سي بريدجز، ~~«دبليو دي كولي، الجمعية الجغرافية الملكية والجغرافيا الأفريقية في القرن التاسع ~~عشر» ومن إدخال بريدجز عن كولي في «قاموس أكسفورد للسير الوطنية». نشر استعراض ~~كولي لكتاب جان بابتيست دوفيل «الرحلة إلى الكونغو والمناطق الداخلية لأفريقيا ~~الاستوائية»، المكون من ثلاثة مجلدات، في فصلية «ذا فورين كوارترلي ريفيو» في عام ~~1832. المصادر العربية التي استخدمها كولي، وفي ذلك كتابات البكري وابن خلدون، ~~موجودة في كتاب نحميا ليفتسيون وجيه إف بي هوبكنز «متن المصادر العربية المبكرة ~~لتاريخ غرب أفريقيا». كتب جون رالف ويليس مقدمة لطبعة عام 1966 من كتاب كولي ~~«نيجرولاند العرب». ~~(ب) فارس بلا رأس # وصف حياة رجال المكتبات في باماكو في مايو من عام 2012 مستقى من مقابلات ~~أجريت مع الثلاثة كلهم. ورواياتهم مترابطة إلى حد كبير. ووفقا للمكتب الإعلامي ~~التابع لمنظمة اليونسكو، حضر الاجتماع الرفيع المستوى في باماكو، من الثامن عشر من ~~مايو وحتى العشرين من الشهر نفسه، المديرة العامة المساعدة لشئون أفريقيا، للا ~~عائشة بن بركة، ومدير مركز التراث العالمي التابع للمنظمة، كيشور راو، الذي التقى ~~بمسئولين حكوميين كبار، من ضمنهم رئيس الوزراء المؤقت، شيخ موديبو ديارا، ووزيرة ~~الثقافة، ديالو فاديما توريه. رواية ما حدث في الاجتماع هي رواية عبد القادر ~~حيدرة. # وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش الأعمال الوحشية التي ارتكبها المتمردون في الشمال ~~المحتل في تقريرها الصادر في أبريل من عام 2012، «مالي: جرائم حرب ارتكبها متمردو ~~الشمال». تضمنت هذه الأفعال الاغتصاب الجماعي المزعوم لفتاة في الثانية عشرة من ~~عمرها في تمبكتو على يد ثلاثة من رجال الميليشيات العربية، على الرغم من أنني لم ~~أتحقق من ms305 ذلك بشكل مستقل. # يستند وصفي للتطرف الذي كان يزحف على تمبكتو بشكل أساسي إلى مقابلات، وتحديدا ~~مع محمد «حامو» ديديو، وهو باحث تمبكتي موقر يعمل في المخطوطات، وهو الذي أخبرني ~~أن زيارات الدعاة السلفيين بدأت في التسعينيات. يميل العديد من التمبكتيين إلى ~~التشديد على أن الجهاديين غرباء عنهم، على الرغم من وجود العديد من الماليين ~~والتمبكتيين المؤثرين بينهم، وفي ذلك عمر ولد حماها، ومحمد آغ موسى، وآغ الحسيني ~~هوكا (هوكا هوكا)، وأحمد الفقي المهدي المعروف أيضا بالاسم الجهادي أبي تراب. ~~اتهمت المحكمة الجنائية الدولية في عام 2015 المهدي، الموصوف في بعض التقارير بأنه ~~صهر هوكا هوكا، بارتكابه جريمة حرب تتمثل في مهاجمة مبان دينية وتاريخية في ~~تمبكتو. وأرسل إلى لاهاي، حيث أقر في الثاني والعشرين من أغسطس من عام 2016 ~~بأنه مذنب في جميع التهم الموجهة إليه وطلب الصفح من شعب تمبكتو. قال: «أود أن ~~ينظروا إلي على أنني ابن ضل طريقه». بعد ذلك حكم عليه بالسجن تسع سنوات. ~~يمكن للقارئ أن يجد نسخا من الأدلة المقدمة في المحاكمة على موقع المحكمة الجنائية ~~الدولية الإلكتروني، على العنوان التالي: # www.icc-cpi.int ~~(راجع ~~خاصة # https://www.icc-cpi.int/Transcripts/CR2016_05767.PDF ~~). ~~بث فيلم تصويري، تحت اسم «مالي في ظل نظام حكم الإسلاميين»، من صنع الصحفي ~~عثمان آغ محمد عثمان، من موقع «صحراء ميديا» الإخباري، عن الفترة التي أمضاها ~~المهدي قائدا لشرطة تمبكتو الإسلامية، كتقرير خاص على قناة «فرنسا 2» التليفزيونية ~~في الحادي والثلاثين من يناير، عام 2013. ويمكن للقارئ أن يجده على ~~الإنترنت. # كان ثمة بعض الخلط لدى من أجريت معهم المقابلات بشأن هوية من كان يقود الشرطة ~~الإسلامية أثناء الاحتلال. يبدو جليا أن المهدي وموسى كانا مسئولين عن الحسبة، ~~أو فرقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في أوقات مختلفة. ووفقا لكل من قادر ~~خليل ونسخ محاضر محاكمة المحكمة الجنائية الدولية للمهدي، كان التشادي الراحل ~~أداما رئيسا للشرطة الإسلامية في البداية. يصف المراسل المالي بابا أحمد، في ~~تقريره «مالي: أشباح تمبكتو»، رجلا يدعى خوبي بأنه مفوض الشرطة، وحسن ديكو بأنه ~~«مراقب الشرطة»؛ ووفقا لديادي حمدون ms306 معيجا عضو لجنة الأزمة، في نهاية الاحتلال كان ~~حسن هو المفوض. ظاهر الأمر أن الحسبة كانت منفصلة عن الشرطة الإسلامية أو فرعا ~~تابعا لها، وأن الأربعة أو الخمسة جهاديين المشار إليهم شغلوا هذه المناصب ~~القيادية في أوقات مختلفة. # فيما يتعلق بوصف دور الفاروق في تمبكتو، أنا مدين بالفضل إلى ميراندا دود، وهي ~~متطوعة سابقة في فيلق السلام عاشت في المدينة سنوات كثيرة وتزوجت من أحد زعماء ~~الطوارق، والذي كان شاعرا ومؤرخا. كان موقعها على الإنترنت # Explore Timbuktu # مصدرا مفيدا فيما يتعلق ~~بالتقاليد المحلية، بينما أخبرني بروس هول أن الأسطورة موجودة في مناطق أخرى من ~~العالم، وأنها فكرة إسلامية منحت مظهرا خارجيا تمبكتيا. وفي شرحه ل ~~«المتراس الروحي» الذي شكلته الأضرحة، قال ساني شريفي ألفا إن عقيدا في الجيش ~~أخبره أنه في عام 1992 أطلق المتمردون ما يكفي من القذائف والصواريخ لتفجير ~~المدينة، ولكن لم يحدث أي ضرر: قال ألفا: «لم يفهم العقيد قط كيف ... قذفت ~~جميعها ولم تنفجر واحدة منها.» ثم أردف: «قال لي إنه لا يستطيع تفسير الأمر ~~علميا». # أجرى شيخ ديوارا مقابلة مصورة بالفيديو مع محمد قاسي، وهو اسم على مسمى، ~~وأعطاني المقطع المصور، الذي يمكن أيضا العثور عليه على موقع قناة الجزيرة ~~الإلكتروني. ذكرت مسيرة الحادي والعشرين من أبريل، 2012، إلى معسكر الجيش في ~~تقرير الجمعيتي آغ موتشلت، «تمبكتو، مسيرة ضد جماعة أنصار الدين/تنظيم القاعدة في ~~بلاد المغرب الإسلامي في نهاية هذا الأسبوع». رواية هجوم يوم الجمعة، الموافق ~~الرابع من مايو، على قبر سيدي محمود مأخوذة من تقارير إخبارية معاصرة، تشمل تقريرا ~~بعنوان «المقاتلون الإسلاميون الماليون «يهدمون» قبر أحد أولياء تمبكتو» وتقريرا ~~بعنوان «مالي: تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يدنس ضريحا في تمبكتو»، ومن ~~تقرير «القرارات التي اعتمدتها لجنة التراث العالمي في دورتها السادسة والثلاثين» ~~الصادر عن منظمة اليونسكو. بابا أكيب حيدرة وشيخ عمر سيسوكو عقد معهما لقاء من ~~أجل التقرير الإخباري «مالي: حالة سخط لدى الفنانين والمثقفين بعد عمليات التدنيس ~~التي جرت في تمبكتو». نشر نداء استغاثة المدينة ms307 يوم الرابع عشر من مايو على ~~الموقع الإلكتروني # tombouctoumanuscripts.org # وعلى ~~مواقع أخرى. إن تفسير حماها للاعتقاد السلفي في أن القبر لا يجوز أن يتجاوز ارتفاعه ~~الكاحل سجله ديوارا. أفصح عبد القادر حيدرة عن مخاوفه بشأن المولد النبوي لي في ~~مقابلات، بينما شرح لي إسماعيل ديادي حيدرة وفطومة هاربر مسألة الاحتفال بالمولد ~~النبوي نفسها. ~~(ج) بابا تمبكتو # من حسن حظ من يدرسون أعمال هاينريش بارت أن لديهم سردا حديثا لحياته ورحلته ~~الاستكشافية إلى وسط أفريقيا في كتاب ستيف كيمبر «متاهة من الممالك»، الذي ~~استقيت منه ترجمة كتاب جوستاف فون شوبرت، صهر بارت. التفاصيل الأخرى لحياة بارت ~~مأخوذة من مقدمة إيه إتش إم كيرك-جرين لكتاب «رحلات بارت في نيجيريا» ومن كتاب ~~«هاينريش بارت: مستكشف في أفريقيا»، تحرير هاينريش شيفرز. إن أعظم مصدر عن بارت ~~هو، بالطبع، كتاب المستكشف البارز «رحلات واكتشافات في شمال ووسط أفريقيا». تحتوي ~~طبعة لونجمان (1857-1858) على رسوم إيضاحية موحية رسمها يوهان مارتن بيرناتز، ~~استنادا إلى رسومات بارت الأولية. يمكن الاطلاع عليها عبر الإنترنت على موقع ~~المكتبة البريطانية على الإنترنت: # www.bl.uk ~~. # الأقواس في قول بارت «أن أكون «نافعا» للبشر» هي من عندي. # ظهر نقد كتاب بارت «رحلات على شواطئ البحر المتوسط القرطاجية والقورينية» (الذي ~~نشر باللغة الألمانية فقط) في مجلة «أثينيوم» في عام 1850. # نشرت ثمانية مجلدات تضم يوميات جيمس ريتشاردسون بعد وفاته على هيئة كتاب بعنوان ~~«سرد لبعثة إلى وسط أفريقيا جرت في عامي 1850-1851». كان ريتشاردسون مهتما بشدة ~~بالأشخاص الذين شكلوا رحلته الاستكشافية، وفيما يختص بالقارئ المعاصر، فإن روايته ~~أكثر إخبارا وجاذبية إلى حد ما من قصة بارت. رأي جي دبليو كرو في ريتشاردسون ~~مذكور في كتاب كيمبر، «متاهة من الممالك». # أرفقت ترجمتا جون نيكلسون لقصيدتين كتبهما البكاي لسلطان ماسينا، دفاعا عن ~~بارت، على هيئة ملحق في كتاب المستكشف «رحلات واكتشافات في شمال ووسط ~~أفريقيا». # الرأي القائل بأن تصوير بارت للحياة الاقتصادية للمدينة التاريخية لا يمكن أن ~~يكون أفضل من ذلك مأخوذ من كتاب إلياس سعد «التاريخ الاجتماعي لتمبكتو». تفاصيل ~~الجنازة ms308 التي دفن فيها أقارب بارت المفجوعون جميع ممتلكات المستكشف، الذي كان لا يزال على قيد الحياة، موجودة في كتاب كيمبر، «متاهة من الممالك». # لم يعد إدوارد فوجل حيا إلى أوروبا. فقد قتل عام 1856 في وارا، عاصمة مملكة ~~وداي، على يد سلطان تلك المملكة. ~~(د) عملاء سريون # كانت الصلة بين التدمير الثقافي واليونسكو مفهومة جيدا لدى التمبكتيين. قال ~~سانيه شريفي ألفا: «في كل مرة تحدثت فيها اليونسكو عن المخطوطات، كنا نقول لهم: ~~«لا، لا، حقا، لا تتحدثوا عنها؛ لأنكم إن فعلتم، فستكون هذه هي الطريقة التي ~~سيرد بها [الجهاديون]».» ومع ذلك، كانت المنظمة الأممية في موقف صعب، كما أوضحت ~~لي المديرة العامة إيرينا بوكوفا في عام 2016: «أعلم أن ثمة رأيا يقول إنه لا ~~يتعين علينا استفزازهم، وأن علينا استرضاءهم ... [لكن] علينا أن نتحدث عن ~~الأمر.» # يوجد العديد من التقارير الإخبارية المعاصرة عن معركة جاو، وفي ذلك تقرير ~~«شمال مالي: جاو في أيدي الإسلاميين». أما أفضل المصادر لرواية أحداث الدمار في ~~تمبكتو فهي مقاطع الفيديو التي التقطها الصحفيون الذين أطلعوا مسبقا على ما كان ~~سيحدث. يمكن مشاهدة واقعة تحطيم باب مسجد سيدي يحيى في فيلم عثمان آغ محمد عثمان ~~«مالي في ظل نظام الإسلاميين» (موقع صحراء ميديا الإخباري). إن سؤال سندة ولد ~~بوعمامة «ما اليونسكو هذه؟» أورده سيرج دانيال في تقريره الإخباري «هدم الأضرحة في ~~مالي: باماكو تستنكر الغضب المدمر». اقتبس جوليوس كافنديش أقوال حماها في تقريره ~~الإخباري «تدمير تمبكتو: الجهادي الذي ألهم هدم الأضرحة». أيضا كانت محاضر جلسات ~~محاكمة المحكمة الجنائية الدولية لأحمد الفقي المهدي (خاصة «23 أغسطس 2016، قاعة ~~المحاكمات رقم ثمانية، محضر الجلسة»، # https://www.icc-cpi.int/Transcripts/CR2016_05767.PDF ~~؛ ~~و«24 أغسطس 2016، قاعة المحاكمات رقم ثمانية، محضر الجلسة»، # https://www.icc-cpi.int/Transcripts/CR2016_05772.PDF ~~) ~~مفيدة في أن أعيد في مخيلتي بناء ما حدث في تلك الأيام. # جمع رد الفعل تجاه هدم الأضرحة من التقارير الإخبارية المعاصرة للأحداث، ومن ~~بينها تقرير «الانفصاليون الماليون مستعدون للعمل على هدم المقابر» و«هدم أضرحة ~~تمبكتو: «جريمة حرب» بحسب المحكمة الجنائية الدولية». تم التأكد من صحة صفحات ~~المذكرة التي ms309 كتبها عبد المالك دروكدال بواسطة خبير مكافحة الإرهاب الفرنسي ماتيو ~~جيدير. ظهرت أجزاء منها في تقرير روكميني كاليماشي «في تمبكتو، القاعدة تترك وراءها ~~بيانا»، وتقرير جان-لوي لو توزيه، «خارطة طريق تنظيم القاعدة في بلاد المغرب ~~الإسلامي في مالي»، بينما نشرت الوثيقة الكاملة المكونة من ثمانين صفحة في ~~تقرير نيكولا تشامبو، «مشروع زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بشأن ~~مالي». يتضمن بحث جيدير «رسائل تمبكتو: رؤى جديدة حول تنظيم القاعدة في بلاد ~~المغرب الإسلامي» تحليلا لتفاصيل العلاقة المتوترة بين دروكدال وبلمختار. # وبحسب حيدرة، رافقه معيجا وإسماعيل إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، حيث ~~التقوا بأمين عام الوزارة، والمستشار المسئول عن معهد أحمد بابا، والمدير الوطني ~~للتعليم العالي. # لم يرغب حيدرة في ذكر اسم الصديق الذي دفع ثمن تذكرته إلى جنيف، أو أسماء معارفه ~~الآخرين الذين التقى بهم هناك. # حكيت لي رواية إنقاذ معهد أحمد بابا بالأساس من قبل القاضي معيجا، وبويا ~~حيدرة، وحسيني تراوري، ومحمد دياكيتي، وعبد القادر حيدرة. توافقت رواياتهم ~~المنفردة في معظم الجوانب المهمة. أكد إدريسا دياكيتي، الموظف الحكومي المسئول عن ~~معهد أحمد بابا في هذا الوقت، «حفل الكوكتيل الصغير» الذي عرض فيه على رجال ~~الوزارة المخطوطات التي أجليت. كان الوزير المسئول عن المعهد في هذا الوقت، الذي ~~وبخ معيجا على نقل المخطوطات دون إذن، هو هارونا كانتيه. # الأقوال المقتبسة من جمعة الماجد استحضرها عبد القادر حيدرة من ذاكرته، مع أن ~~مركز جمعة الماجد أكد مساهمته في عملية الإجلاء. ~~(2-3) التحرير ~~(أ) حياة العلماء # نشرت رسالة هاينريش بارت، المؤرخة في الخامس عشر من ديسمبر 1853، والتي أعلن ~~فيها اكتشاف كتاب «تاريخ السودان»، في عام 1855 بعنوان «رسالة من د. بارت إلى ~~البروفيسور روديجر» في «دورية الجمعية الشرقية الألمانية». بحث كريستيان رالفس ~~«مساهمات في تاريخ وجغرافيا السودان قدمها د. بارت» ظهر لاحقا في الدورية ~~نفسها. # وصف عبد الرحمن السعدي المستوطنين الأوائل في تمبكتو بأنهم من الطوارق ~~ومسوفة. ووفقا لجون هنويك في كتاب «تمبكتو وإمبراطورية السونجاي»، فقد خلط ~~المؤرخ بين مجموعات أمازيغية ms310 متمايزة؛ إذ كانت قبيلة مسوفة جزءا من الاتحاد ~~القبلي العظيم المعروف باسم صنهاجة، الذي سيطر على منطقة تمبكتو وتحدث بلهجة ~~زناكة، بينما يتحدث الطوارق لهجة تماشق، وهي لهجة أمازيغية مختلفة. يرى هنويك أن ~~الاشتقاق المعقول لاسم تمبكتو مأخوذ من جذر ب-ك-ت بلهجة زناكة، ويعني «بعيد أو ~~مخفي»، مقترنا بأداة الملكية المؤنثة «تن». ويشير إلى أن المدينة تقع في غور ~~طفيف. # يصف السعدي أيضا حكم أسكيا الحاج محمد ونسله بأنه استمر «مائة سنة وسنة» من ~~الثاني من أبريل 1493 إلى الثاني عشر من أبريل 1591؛ وهذه الفترة بالطبع سبعة ~~وتسعون عاما فقط. في الواقع، الأسكيون المنحدرون من محمد مذكورون في كتاب «تاريخ السودان» حتى عام 1656 على الأقل، ولكن بعد الغزو المغربي انقسموا إلى أولئك الذين ~~خاضوا حرب عصابات من منطقة سيطرة أقل كثيرا، وأولئك الذين أصبحوا دمى للحكم ~~المغربي. ومع ذلك، فإن عبارة «مائة سنة وسنة» تتوافق على نحو فضفاض مع الفترة ~~التي حكم فيها الأسكيون باستقلالية في جاو. # أفضل عمل معروف لأحمد بابا، «كفاية المحتاج»، هو نسخة مختصرة ومراجعة من كتابه ~~«نيل الابتهاج»، الذي كان القصد منه أن يكون مكملا لكتاب «الديباج المذهب» (وهو ~~قاموس تراجم لفقهاء المذهب المالكي) الذي كتبه برهان الدين بن فرحون، وهو علامة ~~من المدينة المنورة، والذي توفي في عام 1397. أخذت ترجمة أوجست شربونو من ~~مخطوطتين دقيقتين دقة معقولة أرسلهما إليه تلاميذه، وفقا لبحثه «أطروحة في الأدب ~~العربي للسودان وفقا لكتاب «تكملة الديباج» لأحمد بابا التمبكتي». # في كتابه «التاريخ الاجتماعي لتمبكتو»، قدر إلياس سعد أنه بحلول عام 1325، ~~عندما دمجت تمبكتو في إمبراطورية مالي، كان عدد سكانها حوالي عشرة آلاف نسمة. ~~غالبا ما يستشهد بوجود المدينة في الأطلس الكتالوني عام 1375 باعتباره دليلا على ~~مكانتها كمركز تجاري في منتصف القرن الرابع عشر. واستمرت في النمو؛ سعد هو أيضا ~~مصدر التقديرات بأنه في ذروتها في القرن السادس عشر كانت تضم 150 إلى 180 كتابا ~~لتحفيظ القرآن، حيث كان يجري تدريس مبادئ القراءة وتلاوة القرآن، وبلغ الحد الأقصى ~~للملتحقين بها من أربعة ms311 إلى خمسة آلاف طالب. اقترح نحميا ليفتسيون وبيكا ماسونين ~~وآخرون أن مائتين إلى ثلاثمائة فرد تمكنوا من بلوغ مكانة العلماء المؤهلين ~~تأهيلا كاملا في القرن السادس عشر. مع ذلك، لا يتفق الجميع مع تصوير المدينة ~~كمركز فكري: يجادل تشارلز ستيوارت بأن الأهمية التاريخية لتمبكتو كانت موضع مبالغة ~~كبيرة على حساب مراكز العلم السودانية الأخرى، التي تقع فيما يعرف الآن ~~بموريتانيا، ويرجع ذلك جزئيا إلى أحمد بابا الغزير الإنتاج. كتب لي ستيوارت: ~~«ربما لم يكن يوجد مطلقا ما يستحق أن يوصف بأنه مركز للتعلم في تمبكتو، حيث لم ~~يترك المؤلفون الأوائل هناك أي أثر تقريبا لتدريس اللغة العربية». يتناقض هذا مع ~~قوله إن «الأراضي الواقعة جهة الغرب حيث كانت قواعد اللغة العربية موضوعا مكتسحا ~~لهي مؤشر واضح على ثقافة عربية طموحة ومتوسعة ومتنورة ... هذا لا ينفي أهمية جمع ~~الكتب في القرن العشرين في تمبكتو وما حولها أو المكتبات الحالية هناك، ولكن ثمة ~~بالتأكيد أدلة خلافية على أن الشهرة الحديثة ليست قائمة على قدر كبير من الأساس ~~التاريخي». # تصويري لحياة بارت اللاحقة مستمد من كتابات ستيف كيمبر، وبيكا ماسونين، وآر ~~مانسيل بروثيرو. ظهر نقد دبليو دي كولي لعمل بارت في كتاب «اكتشافات بارت في ~~أفريقيا». لم يعترف اعترافا كاملا بإسهام بارت في معرفة العالم بأفريقيا إلا ~~بعد قرن من وفاته، مع كتاب هاينريش شيفرز «هاينريش بارت: مستكشف في أفريقيا»، الذي ~~عرض بالتفصيل التقدم الذي أحرزه بارت في مجالات التاريخ والجغرافيا وعلم النبات ~~والطب واللغويات، وعلم الآثار وعلم الأعراق البشرية. ~~(ب) الثنائي الرهيب # قدم تصوير الحياة في المنزل الكائن في حي إيه سي آي 2000 من مصادر قريبة من ~~العملية فضلت عدم الكشف عن هويتها. أقر عبد القادر حيدرة بأنه كان يعمل في منزل ~~ستيفاني دياكيتي، وأجزاء من رواية التكوين المبكر لعملهما معا مأخوذة من مقابلات ~~معه. تفاصيل الاتصالات بين سافاما وصندوق الأمير كلاوس قدمتها ديبورا ستولك. كما ~~أقرت بأن دياكيتي هي التي كتبت الكثير من مراسلاتهما. # روى العديد من الأشخاص الذين أجريت معهم ms312 مقابلات في تمبكتو عن قمع حامد موسى ~~للنساء، والذين كانوا لا يزالون غاضبين من الأمر بعد مرور سنوات. في هذا الشأن، ~~كانت تينا تراوري مصدرا قيما، وهي بائعة سمك تعرضت للاضطهاد على يد موسى ~~ورجاله؛ إذ كانت إحدى المحرضات على مسيرة النساء في السادس من أكتوبر، عام 2012، ~~وكانت من ضمن النساء اللواتي مثلن أمام القادة الجهاديين. ظهرت لمحات عن المسيرة ~~في تقرير أدمانا ديارا، وتيموكو ديالو، وأجاث ماتشكورتر «مسيرة نسائية ضد الشريعة ~~في تمبكتو»، وتقرير بابا أحمد، «مالي: في تمبكتو، مسيرة من حوالي 200 امرأة تخرج ضد ~~الإسلاميين»، والذي قدر عدد من شاركن بنحو مائتي امرأة. وصفت آسا آغ غالي ~~الاضطهاد الذي تعرضت له على يد موسى، وفي ذلك الوقت الذي قضته في «سجن» النساء، ~~الذي زرته في أكتوبر من عام 2014، عندما كان قد عاد يستخدم ككشك ماكينة الصراف ~~الآلي كما كان في السابق. # قالت ديبورا ستولك إنها تلقت رسالة البريد الإلكتروني التي تحوي عبارة «الفرصة ~~السانحة» بين العاشر والسابع عشر من أكتوبر، عام 2012. ذكرت التكلفة التقريبية ~~البالغة أربعين دولارا (خمسة وعشرين ألف فرنك غرب أفريقي) للسفر بين باماكو ~~وتمبكتو في هذا الوقت على لسان المسافر المتمرس القاضي معيجا. نشر مقال «ذا نيو ~~ريببلك» عن الإجلاء، «محبو الكتب الجسورون: كيف خدع فريق من رجال المكتبات ~~المتسللين تنظيم القاعدة» بقلم يوتشي دريزن، على الإنترنت مع إحدى الصور ~~الفوتوغرافية، التي التقطت كإثبات، والتي كانت قد أرسلت إلى ستولك. # قصة المشكلات التي واجهت مكتب سافاما في تمبكتو والخلاف اللاحق بين محمد توريه ~~والجهاديين حكاها أبطالها الأربعة كلهم (ألفا، وديادي، وتوريه، وحيدرة). كان من ~~الصعب تحديد توقيت الأحداث؛ إذ حدد ألفا تاريخ التهديد بالاستيلاء على المكتب ~~بأنه في أغسطس، لكن يبدو أن هذا يتعارض مع عبارة توريه التي قالها للمفوض بأنه كان ~~ينقل المخطوطات قبل الموسم المطير، الذي يدوم في تمبكتو من يوليو إلى ~~سبتمبر. # أيد حيدرة رواية توريه عن «أسوأ رحلة» له، غير أن رب عمل توريه قال إنه لم ~~يكن مسافرا بمفرده: «كان ms313 يوجد أربعة أشخاص مسافرون مع الخزائن»، بحسب ~~حيدرة. # روى حيدرة واقعة الاختطاف بالقرب من نيافونكي. لم أتمكن من التحقق من صحتها ~~من آخرين. # تذكر ديادي وآخرون التجمع في إساكان. أورد زان رايس رقم ثلاثمائة شاحنة صغيرة في ~~تقريره «يوم جاء جهادي أعور إلى تمبكتو». شاهد العيان على هدم خمسة أضرحة أخرى ~~باستخدام «المعاول والمجارف» كان عثمان آغ محمد عثمان من موقع «صحراء ميديا» ~~الإخباري، الذي تحدث إلى قناة «فرنسا 24» التليفزيونية في تقرير بعنوان «في ~~تمبكتو المنعزلة عن العالم، يسود المكر». مطالبات إياد آغ غالي من الحكومة المالية ~~والهجوم التالي على الجنوب مأخوذان من تقارير إعلامية، من بينها تقرير لوران ~~توشار، «مالي: نظرة على معركة كونا الحاسمة»، وتقرير موسى سيديبي، «كيف عايش الناس ~~معركة كونا واحتلال المناطق الشمالية»، علاوة على صفحة «معركة كونا» على # wikipedia.fr ~~. # مخاوف شاميل جيبي بشأن التدخل العسكري أعرب عنها إلى فيفيان والت في تقريرها ~~«من أجل كنوز تمبكتو، لحظة خطر شديد.» مصدر تاريخ الرابع من يناير لزيارة حيدرة ~~ودياكيتي لتوماس شترايدر هو السفارة الألمانية في باماكو؛ إذ أخبرني به شترايدر، ~~القائم بالأعمال السابق. أتيحت محاضرة دياكيتي في جامعة أوريجون، «إجلاء مخطوطات ~~تومبوكتو وحياتها في المنفى: جهد حملة «تي 160 كيه»»، في الثالث عشر من مارس، 2013، ~~على القناة الإعلامية للجامعة وهي متاحة على العنوان التالي: # http://media.uoregon.edu/channel/archives/5647 ~~. ~~الروايات عن لقاء دياكيتي وحيدرة بالهولنديين، وعن تبرعاتهم، مستندة على مقابلة ~~أجريت مع تو تجيوكر والسفير الهولندي، مارتن بروير، وعلى وثائق وزارة الخارجية ~~الهولندية الداخلية. أنا ممتن لكلاس تجيوكر لإرساله لي الصور الفوتوغرافية التي ~~التقطها هو وتو للمخطوطات في باماكو في أواخر يناير 2013. تفاصيل طقوس ~~«الأوتو-دا-في» وحرق النازيين للكتب مأخوذة من كتاب جيه إم ريتشي، «حرق النازيين ~~للكتب». ~~(ج) ثقالة أوراق الملك ليوبولد # ظهرت رواية كونراد «قلب الظلام» لأول مرة على هيئة سلسلة من ثلاثة أجزاء في مجلة ~~«بلاكوود» في عام 1899، وتضمنها كتابه الصادر عام 1902 الذي بعنوان: «الشباب: ~~سردية، وقصتان أخريان». تقدير العشرة ملايين حالة وفاة تحت حكم ليوبولد مستقى من ~~كتاب آدم ms314 هوكشيلد «شبح الملك ليوبولد»، الذي يستشهد بلجنة حكومية بلجيكية أنشئت ~~عام 1919 ومصادر أخرى. أقوال جورج إف دبليو هيجل مقتبسة من ترجمة جون سيبري في كتاب ~~«فلسفة التاريخ» (1900). # يوجد خلاف حول الأسباب الدقيقة للتصارع على أفريقيا، لكن الدوافع التي كثيرا ما ~~يشار إليها هي تلك التي ذكرتها، وتشمل الركود الاقتصادي الغربي، والفجوة ~~التكنولوجية، والعنصرية، والأجواء التنافسية الناتجة عن أنشطة ليوبولد، وفرنسا، ~~وأطراف فاعلة أخرى؛ للاطلاع على مزيد من النقاش، انظر إم إي تشامبرلين في كتاب ~~«التصارع على أفريقيا». في «التقسيم الأوروبي لأفريقيا وغزوها: نظرة عامة»، يذكر جي ~~إن أوزويجوي أنه على الرغم من أن مؤتمر برلين لم يوزع أجزاء محددة من أفريقيا على ~~دول معينة، فإنه وضع الإطار القانوني للقيام بذلك. قال: «الحجة القائلة بأن ~~المؤتمر، خلافا للرأي الشائع، لم يقسم أفريقيا، صحيحة فقط بالمعنى الحرفي ... ~~لجميع المقاصد والأغراض، تم بالفعل الاستيلاء على الأراضي في المؤتمر ومسألة ~~التخصيص المستقبلي واضحة ضمنيا في قراراته. وفي الواقع، بحلول عام 1885، كانت ~~الخطوط العريضة للتقسيم النهائي لأفريقيا قد رسمت بالفعل». # ألقيت ملاحظات صامويل بيكر العنصرية في مأدبة لتكريمه في برايتون عام 1874، ~~وأوردتها صحيفة «ذا تايمز»، بينما ملاحظات إيه بي نيوتن مذكورة في عمل إيه أدو ~~بواهين، «أفريقيا تحت السيطرة الاستعمارية 1880-1935». # أسباب رفض بارت من قبل الأكاديمية الملكية للعلوم في برلين يستجليها كتاب ستيف ~~كيمبر، «متاهة من الممالك»، ومقدمة إيه إتش إم كيرك-جرين لكتاب «رحلات بارت في ~~نيجيريا»؛ وكتاب هاينريش شيفرز، «هاينريش بارت: مستكشف في أفريقيا». إن روايتي عن ~~الغزو الفرنسي لأفريقيا مأخوذة على نحو رئيسي من كتاب روبرت ألدريتش، «فرنسا ~~الكبرى»، وكتاب إيه إس كانيا-فورستنر، «غزو غرب السودان». وردت الإشارة إلى نقص ~~كراسي الأستاذية الجامعية في مجال التاريخ الأفريقي على لسان بيكا ماسونين في كتاب ~~«إعادة نظر في نيجرولاند». تفاصيل ما جرى لمخطوطات لويس أرشينار المنهوبة مأخوذة من ~~كتاب نور الدين غالي ومحمد ماهيبو «جرد كتب المكتبة العمرية بسيجو». أيضا يجرد ~~الكتاب محتويات المكتبة، التي كانت تتضمن نسخة من 189 صفحة من «كتاب السودان ms315»؛ ~~ونسخة من 363 صفحة من كتاب أحمد بابا «نيل الابتهاج»؛ وأطروحة مشهورة عن العبودية ~~لنفس المؤلف؛ وشذرات من كتاب «تاريخ الفتاش»؛ والعديد من الرسائل من أحمد البكاي. ~~وتوجد سيرة ذاتية عن أرشينار بقلم ريتشارد روبرتس في كتاب إيمانويل كيه أكيمبونج ~~وهنري لويس جيتس الابن «قاموس أعلام أفريقيا»، المجلد السادس. رواية جوزيف جوفر ~~لإعادة احتلاله للمنطقة موجودة في كتاب «مسيرتي إلى تمبكتو». # أفضل مصدر لرحلة فيليكس دوبوا هو كتابه «تمبكتو الغامضة». يمكن للقارئ أن يجد ~~المزيد من التفاصيل عن حياته، وحياة والده رئيس الطهاة الشهير، في كتاب إيف-جان ~~سان-مارتان «فيليكس دوبوا 1862-1945: المراسل الكبير ومستكشف بنما في تمنراست». ~~إهداء دوبوا لنسخة من كتاب «تاريخ السودان» إلى المكتبة الوطنية الفرنسية مذكور في ~~مقدمة أوكتاف هودا لترجمته الفرنسية الصادرة عام 1900، التي تشتمل أيضا على ~~تفاصيل عن المخطوطات المختلفة التي استعان بها هو وإدمون بينوا في عمله. وجد جون ~~هنويك المزيد من النسخ من المخطوطة في مجموعة أحمد بابا وفي المكتبة الوطنية ~~الجزائرية، بالجزائر العاصمة، من أجل ترجمته الصادرة عام 1999، والتي يشتمل عليها ~~كتابه «تمبكتو وإمبراطورية السونجاي». تفاصيل حياة السعدي وكتاب تاريخ السودان ~~مأخوذة من كتابات هودا وبينوا ومن كتابات هنويك، والمقتطفات المأخوذة من كتاب ~~«تاريخ السودان» مستقاة من ترجمة هنويك. يمكن للقارئ أن يجد سيرة ذاتية قصيرة عن ~~هودا بقلم آلان مسعودي وجان شميتز في كتاب «قاموس المستشرقين الناطقين ~~بالفرنسية». # يظل كتاب فلورا شو «تابعة استوائية» عملا رائعا عن تلك الحقبة. تفاصيل حياتها ~~المدهشة موجودة في كتاب دوروثي أو هيلي «فلورا شو وصحيفة «ذا تايمز»: امتهان ~~الصحافة، والدفاع عن إمبراطورية». تناولي المتشكك لاحتمال أن يكون أسطول مالي قد ~~وصل إلى المكسيك يحذو حذو تناول ماسونين في كتاب «إعادة نظر في نيجرولاند»، ولكن ~~يوجد الكثير من المؤيدين المعاصرين للنظرية، من بينهم إيفان فان سيرتيما، في كتابه ~~«جاءوا قبل كولومبوس»، وجاوسو دياوارا، في كتابه «أبو بكر الثاني، المستكشف ~~المالي». ~~(د) محرقة الكتب # أود أن أعرب عن امتناني للشيخ ديوارا لمشاركته معي ذكرياته عن كونه موجودا ms316 في ~~الطرف المتلقي للغارات الجوية الفرنسية خلال عملية سيرفال. تفاصيل ما تبقى من ~~قصر القذافي بعد قصفه سجلها درو هينشو، في تقريره «في فيلا القذافي بتمبكتو، ~~انسحاب لتنظيم القاعدة». ويتذكر ديادي أن الاجتماع الأخير بين لجنة الأزمة ~~والجهاديين كان قبل يوم من مقتل الشاب على يد الجهاديين، والذي سجلته تقارير وسائل ~~الإعلام في الثالث والعشرين من يناير. وكان ديفيد بلير هو من أجرى مقابلة مع شقيقة ~~القتيل في تقرير «تمبكتو: النساء اللواتي وقعن فريسة للاضطهاد»، الذي أورد إطلاق ~~النار على مصطفى بسبب هتافه «تحيا فرنسا!» على ناصية أحد الشوارع. # مثل عبد الله سيسيه، يتذكر إير مالي، الذي كان يعيش بالقرب من مبنى أحمد بابا في ~~سانكوري، اللحظة التي أدرك فيها أن المخطوطات قد أتلفت. قال: «استيقظنا في ~~الصباح، ووجدنا المخطوطات على الفور. كانوا قد أخذوها إلى الفناء وجمعوها معا. كل ~~ما استطاعوا الوصول إليه أحرقوه». ~~(ه) كتاب «تاريخ الفتاش» # أدلى أوكتاف هودا وموريس ديلافوس بسرد تفصيلي عن الصعوبات التي واجهاها مع كتاب ~~«تاريخ الفتاش» في المقدمة التي وضعاها لعملهما التوليفي، «تاريخ الفتاش أو تاريخ ~~الباحث»، في عام 1913. ذكر ماورو نوبيلي ومحمد شاهد ماثي، في كتاب «نحو دراسة جديدة ~~لما يعرف باسم «تاريخ الفتاش»»، حججا جازمة تفيد بأن ما ظن هودا وديلافوس أنه ~~كتاب تاريخ واحد هو في الحقيقة نصان منفصلان، أحدهما ألفه في القرن السابع عشر ~~عالم يعرف باسم ابن المختار، والآخر عبارة عن نص مزور ألفه في القرن ~~التاسع عشر أحد مستشاري أحمد لوبو، سلطان ماسينا، والذي نسب زورا إلى محمود كعت. ~~في عام 2011، نشر كريستوفر وايز وهالة أبو طالب ترجمة إنجليزية، «تاريخ الفتاش: ~~وقائع تاريخ تمبكتو 1493-1599»، غير أنهما فشلا في أن يأخذا في حسبانهما مشكلات ~~النص. المقاطع المقتبسة هنا في الكتاب هي ترجماتي لنسخة هودا وديلافوس الفرنسية، ~~وينبغي التعامل معها بحرص. «العنوان الإنجليزي الكامل» لكتاب «تاريخ الفتاش» وضعه ~~بول إي لفجوي في كتابه، «العلم الإسلامي وفهم التاريخ في غرب أفريقيا قبل عام ~~1800». # اعتبار تمبكتو القرن السادس عشر «مدينة ms317 علماء» مأخوذ من كتاب إلياس سعد «التاريخ ~~الاجتماعي لتمبكتو»، وكذلك تقدير أن تعداد السكان لم يكن يزيد عن خمسين ألف نسمة: ~~«تشير البيانات المتوفرة لدينا إلى أن عدد سكان المدينة تراوح بين ثلاثين ألفا ~~وخمسين ألف نسمة في القرن السادس عشر عندما مرت تمبكتو «بعصرها الذهبي» من ~~الازدهار والمعرفة الإسلامية.» تعبير «ولع شديد باقتناء الكتب» مأخوذ من كتاب برنت ~~سينجلتون «الأفارقة المولعون بالكتب: الكتب والمكتبات في تمبكتو في العصور ~~الوسطى». قاموس محمود كعت النادر، الذي ورد ذكره في كتاب «تاريخ الفتاش»، كان هو ~~«القاموس المحيط». سعر كتاب «شرح الأحكام» مأخوذ من كتاب سعد، والقاموس الذي كان في ~~ثمانية وعشرين مجلدا كان كتاب «المحكم في اللغة»، أيضا مذكور في كتاب سعد. ~~تفاصيل تكلفة نسخ المخطوطات مأخوذة من كتاب سينجلتون. # مصادر ما أوردت هنا في الكتاب عن الغزو المغربي لسونجاي وحكم أحمد المنصور تشمل ~~كتاب ستيفن كوري «الرجل الذي سيصبح خليفة»، وأيضا كتابي «تاريخ السودان» و«تاريخ ~~الفتاش». معظم رواية أحداث يوم الخراب مأخوذة من كتاب «تاريخ السودان»، الذي يحتوي ~~على القدر الأكبر من التفاصيل؛ وتتفق الفقرات المتصلة بالموضوع في كتاب «تاريخ ~~السودان» مع النقاط الرئيسية. للاستزادة بتفاصيل حول حياة أحمد بابا، انظر كتاب ~~محمود زوبر «أحمد بابا التمبكتي». # الفقرة المقتبسة من قصيدة أحمد بابا عن الاشتياق إلى تمبكتو سجلها العلامة ~~المغربي محمد الصغير الإفراني، الذي ولد في عام 1669-1670. وهي مكتوبة على مدخل ~~مبنى أحمد بابا القديم ويمكن للقارئ أن يجدها في كتاب جون هنويك، «تمبكتو ~~وإمبراطورية السونجاي». ~~(و) لحظة من الواقع تحاكي أفلام إنديانا جونز! # رواية أحداث التقدم الفرنسي نحو تمبكتو حكاها لي الكولونيل فريدريك جوت. كان هو ~~من تذكر عرض الكولونيل جيز على الضباط في مهبط الطائرات في جوندام أن يتناولوا ~~الشراب، وشغف الجنرال باريرا بكاييه، وزيارتهم للمنزل الذي كان المستكشف قد أقام ~~فيه في عام 1828. # أتت التقارير الإخبارية عن الحريق في معهد أحمد بابا من مصادر عديدة. يحدد الخط ~~الزمني لتويتر في الثامن والعشرين من يناير، 2013، توقيت تغريدة توماس ms318 فيسي «حرق ~~مخطوطات قديمة» بأنه كان في الثامنة وسبع وأربعين دقيقة، وذلك الخاص بتغريدة جنان ~~موسى بأنه كان في الساعة التاسعة وثماني دقائق. تقرير لوك هاردينج الإخباري في ~~صحيفة «ذا جارديان» كان بعنوان «رئيس بلدية تمبكتو: متمردو مالي أحرقوا مكتبة تضم ~~مخطوطات تاريخية». لم يصدق الجميع أن ما قاله رئيس البلدية سيسيه؛ فقد ألمح جيفري ~~يورك في تقريره الإخباري «السباق السري لإنقاذ مخطوطات تمبكتو» إلى أن الكثير من ~~المخطوطات كان قد نقل، بينما علق محمود زوبر في تقرير فيفيان والت «مالي: سكان ~~تمبكتو المحليون ينقذون بعض مخطوطات المدينة القديمة من أيدي الإسلاميين» قائلا إن ~~«المخطوطات التي كانت هناك [في المعهد] في أمان». # تكرم إنوسنت تشوكووما من مؤسسة فورد بتقديم تفاصيل مراسلات المنظمة مع عبد ~~القادر حيدرة في الأيام الأخيرة للاحتلال، وفي ذلك مقولة الدكتور جيتاري الخالدة ~~«لحظة من الواقع تحاكي أفلام إنديانا جونز!» ولدى سؤاله عن سبب استمرار الحاجة إلى ~~نقل المخطوطات إلى باماكو بعد تحرير المدينة، قال حيدرة إنه من الأفضل إكمال ~~الإجلاء بدلا من تركها في القرى. ~~(ز) حمى المخطوطات # نشر وصف جون هنويك لتأسيس مركز أحمد بابا في مقال بعنوان «سيدراب: مركز أحمد ~~بابا للتوثيق والأبحاث في تمبكتو». يمكن للقارئ أن يجد لمحات موجزة عن المكتبات ~~الرئيسية الأخرى في تمبكتو على الموقع الإلكتروني لمشروع مخطوطات تمبكتو، على ~~العنوان التالي: # tombouctoumanuscripts.org ~~. # أبرز جان لوي تريو في كتابه «تمبكتو أو عودة الأسطورة» الدور الذي لعبه الفيلم ~~الوثائقي لهنري لويس جيتس الابن في تضخيم شهرة المخطوطات. ذكر تريو، الذي لم يرد ~~التقليل من أهمية وقيمة هذه الوثائق، أن زيارة جيتس كانت قد أدت إلى الاحتفاء بها ~~بقدر أكبر بكثير من مجرد كونها تراث المعرفة الثري الذي كانت عليه بالفعل. كتب ~~يقول: «ثمة قدر من إضفاء صبغة الملحمة البطولية والأسطورية في إعادة اكتشافها ~~المعتمدة على وسائل الإعلام». لمزيد من التفاصيل حول زيارة جيتس، راجع الملاحظات ~~على الفصل الأول. # يوجد مزيد من التفاصيل عن زيارة تابو إيمبيكي إلى تمبكتو في قسم شاميل جيبي ms319 ~~«اكتشاف/إعادة اكتشاف تمبكتو» من كتاب «معاني تمبكتو». ~~(ح) مصنع الأساطير # قول جان-ميشيل دجيان نقلته عنه ليلى عزام زنجنه في مقالتها بعنوان «هل فقدت ~~مكتبة تمبكتو الكبرى؟» بحسب زنجنه، كان رئيس البلدية سيسيه قد أبلغ عن طريق «ملحق ~~الاتصالات» التابع له، الذي كان قد هرب للتو من المدينة، بأن مركز أحمد بابا قد ~~أحرق وأن أكثر من نصف مخطوطاته قد التهمتها النيران. أوردت زنجنه في مقالتها: ~~«ومع ذلك، بدا وكأنه يلمح إلى أنه لم يحدث إتلاف لجميع مخطوطات المدينة». مقالتا ~~تريستان ماكونيل كانتا بعنوان «تعرف على المجموعة غير المحتملة التي أنقذت مخطوطات ~~تمبكتو» و«كيف أنقذت تمبكتو كتبها؟». كان خبر صحيفة «دير شبيجل» على الإنترنت، ~~بالإنجليزية، بعنوان «معظم مخطوطات تمبكتو أنقذت من الهجمات.» رقم ال 377491 ~~مخطوطة خاصة التي أنقذت أعطاه لي حيدرة في ديسمبر عام 2015. # في الثامن والعشرين من مايو، عام 2013، أرسلت رسالة بريد إلكتروني من حملة «تي ~~160 كيه» موقعة باسم ستيفاني دياكيتي إلى القائمة البريدية «مانسا 1»، تفيد بأن ~~«التكلفة التقديرية البالغة سبعة ملايين دولار هي هدف طموح، ولكن جمع هذا المال أمر ~~ضروري». لم يكن كل مستقبلي هذا النداء سعداء به. رد أحد علماء الأنثروبولوجيا ~~البارزين: «شكرا على الاحتيال، ولكني لا أصدق هذا ... من المخزي أنك تستخدمين شبكات ~~أكاديمية لتسويق مشروعك الوهمي». رقم المليون دولار في العام الذي دفعته وزارة ~~الخارجية الألمانية ومؤسسة جيردا هنكل ذكر لي في مقابلة مع مصدر على صلة وثيقة ~~بالمشروع. بعض من هذا المال تحصلت عليه مكتبات أخرى في مالي. # للمزيد من التفاصيل حول مشروع «نهضة تمبكتو»، زر موقع # www.timbukturenaissance.org ~~. ~~العرض المقدم من شركة جوجل لتصوير لقطات فيلمية للمدينة، وخطط إقامة جامعة ~~تمبكتو، أخبرتني بهما ندياي راماتولاي ديالو، وزيرة الثقافة المالية. يمكن للقارئ ~~أن يجد تفاصيل منح عبد القادر حيدرة جائزة مؤسسة أفريقيا الألمانية لعام 2014 على ~~الموقع الإلكتروني لمؤسسة أفريقيا الألمانية. # عقد المؤتمر الذي أقيم في جامعة برمنجهام تحت اسم «ندوة لتكريم باولو فرناندو ~~دي مورايس فارياس» في يومي الثاني عشر والثالث عشر من ms320 نوفمبر، عام 2015. في وقت ~~كتابة هذا الكتاب الماثل بين يدي القارئ، كان من المقرر أن تنشر ورقة بروس هول ~~البحثية «إعادة التفكير في مكان تمبكتو في التاريخ الفكري لمنطقة غرب أفريقيا ~~المسلمة» ضمن مجموعة من الأوراق البحثية التي قدمت في المؤتمر. # في أبريل عام 2016، ظهر اسم ستيفاني دياكيتي على السطح في دعوى قضائية غريبة ~~متعلقة بمبلغ 4,25 ملايين دولار لا صلة لها بعملية إجلاء المخطوطات. في دعوى ~~رفعت أمام المحكمة العليا في إلينوي، اتهمت بأنها «محتالة» نسقت «سلسلة ~~من الرشاوى غير القانونية لمسئولين حكوميين في مالي» مقابل الحصول على وثائق مزيفة ~~(تقرير فرانك مين، «مسجون، يقول إن رشاوى أدت إلى اتهامه في قضية احتقار للمحكمة، ~~أفرج عنه بإطلاق سراح مشروط»، صحيفة «شيكاجو صن-تايمز»، السادس والعشرين من ~~أبريل، 2016). قيل للمحكمة إن الوثائق التي حصلت عليها دياكيتي قد أثبتت إدانة رجل ~~مالي، يدعى بنجالي سيلا، والذي كان قد حكم عليه بالسجن ست سنوات. أيضا، بحسب ~~ما زعم، لم تكن دياكيتي محامية كما كانت قد ادعت في بعض الأحيان. ذكر محام ~~للشركة التي قيل إنها كانت قد عينتها في قضية سيلا أنه لا يوجد دليل على دفع ~~رشاوى غير قانونية. لا تزال القضية جارية حتى وقت كتابة هذه السطور. ’حلا # الرقم الرسمي الذي يحدد عدد المخطوطات المفقودة من معهد أحمد بابا بأنه 4203 ~~مخطوطات أعطاه لي القاضي معيجا. كان من المستحيل تحديد تلك المخطوطات بالضبط. قال ~~عبد الله سيسيه إنها كانت وثائق كان المركز قد حصل عليها، ولكن لم تكن قد دخلت ~~بعد في طور التجهيز، ولذلك لم يكن يعرف عنها الكثير. # الدراسة عن وثائق مكتبة فوندو كاتي أجرتها سوزانا مولينز ليتيراس من جامعة كيب ~~تاون من أجل أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه التي بعنوان «أفريقيا تبدأ من جبال ~~البرانس: فوندو كاتي، بين الأندلس وتمبكتو». لم تكن الأطروحة قد أتيحت علنا ~~للاطلاع عليها وقت كتابة هذه السطور، ولكن فقرة مقتبسة منها، نشرت على الإنترنت، ~~أشارت إلى أن رسالة الدكتوراه «تثير تساؤلات حول موثوقية الهوامش، من ms321 حيث تواريخ ~~الإصدار والتأليف». # حول موضوع نقل المكتبات بعد التحرير، قال لي مالك المخطوطات التمبكتي عبد الواحد ~~حيدرة: «كانت ثمة مكتبتان أو ثلاث مكتبات نقلت بعد التحرير مباشرة، في الوقت ~~الذي كان فيه القائمون على منظمة سافاما قد أعلنوا بالفعل أنهم قد أخرجوا كل ~~المخطوطات من تمبكتو، وتعين عليهم أن يجدوا مكتبات أخرى لتعقبها.» ذكر أن أسماء ~~هذه المجموعات هي مكتبة أحمد بابا أبو العباس، ومكتبة مولاي، ومكتبة زاوية الكنتي، ~~وأعطى توقيتات لمحادثات محددة كان قد أجراها مع ملاك المكتبات حول عمليات النقل ~~هذه التي أعقبت التحرير. ~~(3) كلمات أخيرة # في سبتمبر من عام 2016، وضعت عددا من المزاعم التي أثيرت، أثناء البحث في هذا الكتاب، ~~أمام عبد القادر حيدرة، وستيفاني دياكيتي، وبعض الشخصيات المختارة عبر البريد الإلكتروني. ~~تحديدا، طلبت منهم الرد على مسألة ما إذا كان التهديد الذي تتعرض له المخطوطات مبالغا ~~فيه، إلى جانب أعدادها وقصة إنقاذها. # رد عبد القادر حيدرة بأنه لم يسمع المزاعم من أحد سواي. قال: «لم نر ولا قرأنا أي شيء ~~عنها. هل أنت الوحيد الذي يمتلك هذه المعلومات؟ ما هي مصادرك؟» لقد عمل هو وزملاؤه بجد في ~~هذا المجال لمدة سبعة وعشرين عاما وكانوا يعرفون العدد التقريبي للمخطوطات منذ الوقت الذي ~~أمضوه في العمل منقبين محترفين عن المخطوطات. وعمل هو أيضا بجد لبناء علاقات ثقة مع ~~شركائه، الذين جاءوا جميعهم إلى مالي لمراقبة الإجراءات التي اتخذت في باماكو أثناء ~~حالة الطوارئ وعملية إجلاء المخطوطات. وقال إنه من الغباء أن «يكذب على العالم كله». # وكتب: «نظل مقتنعين بأنه لم يقدنا إلى الاضطلاع بما أنجزناه أي شيء سوى حب تراثنا ~~والضمير الذي يدفعنا لحماية هذا التراث.» ثم أردف: «لم نختلق قصة. اليوم، مخطوطاتنا في ~~أمان وسنواصل العمل من أجل الحفاظ عليها بكل الموارد المالية والبشرية والتكنولوجية التي ~~تتوافر لنا في هذه اللحظة». # رفضت ستيفاني دياكيتي التعليق، سواء بشأن هذا الأمر أو بشأن القضية المعروضة أمام المحكمة ~~العليا في إلينوي. # أخبرني ديمتري بونداريف، الذي يقود الأبحاث في المخطوطات ms322 في مركز دراسات ثقافات المخطوطات ~~بجامعة هامبورج، أنه يعتقد أن بعض المتخصصين الدوليين بدءوا مؤخرا في تغيير نبرتهم لتكون ~~أقل إدانة وأكثر واقعية؛ «قد يأتي قريبا الوقت الذي يشعر فيه الآخرون بعدم الارتياح حيال ~~أحكامهم القاطعة بشأن ما حدث في عام 2012 (أيا كان جانب «الحقيقة» الذي يتخذونه) كما أشعر ~~الآن كلما تعين علي تقديم تلميحات عن «عملية الإنقاذ».» وكتب أنه كان «هناك الكثير من ~~اللاعقلانية في عقول زملائي العقلانية»، لدرجة أنه وجد ضغط دمه يرتفع. في رأيه، كان التقدير ~~الحالي بوجود حوالي 377000 مخطوطة خاصة «واقعيا؛ لأن المرء يأخذ في الاعتبار النهج ~~المختلفة بشأن ما يشكل مخطوطة». أما فيما يتعلق بتعاملاته مع منظمة سافاما، والتي كانت ~~صعبة في يوم من الأيام، قال: «بيننا الآن علاقة أفضل بكثير؛ فهذه الأشياء تستغرق وقتا ~~طويلا وتتطلب الصبر، خاصة في غرب أفريقيا وخاصة إذا كان المرء يريد أن يكون عمليا أكثر ~~من كونه ناقدا مدمرا.» # أما بروس هول، فتمسك بأن جوانب من قصة سافاما كانت «احتيالا ضخما». # جون ليديارد. # رجل يقف مع مخطوطات محترقة. # جنود استعماريون يرفعون علم فرنسا. # عبد القادر حيدرة. # إسماعيل ديادي حيدرة. # مسجد سانكوري. # متظاهرات ضد الحركات الجهادية. # خزانات مملوءة بالمخطوطات. # | المراجع # Abu al-Ma’ali, Mohammed Mahmoud. “Al-Qaeda and Its Allies in ~~the Sahel and the Sahara.” Al Jazeera Centre for Studies, April 30, ~~2012. # Abun-Nasr, Jamil M. # A History of the ~~Maghrib in the Islamic Period ~~. Cambridge, England: Cambridge ~~University Press, 1987. # Adams, Robert. # The Narrative of Robert ~~Adams, a Sailor, Who Was Wrecked on the Western Coast of Africa, in the ~~Year 1810, Was Detained Three Years in Slavery by the Arabs of the Great ~~Desert, and Resided Several Months in the City of Tombuctoo. # London: John Murray, 1816. # Ag Ghaly, Iyad. Transcript of audio message to the people of ~~Timbuktu. Translated by Aaron Y. Zelin. Cited at ~~jihadology.net. # Ag Mohamed, Houday. # Tombouctou 2012: La ~~ville sainte dans les ténèbres du jihadisme. # Bamako: La Ruche ~~à Livres, 2013. # Ag Mouchallatte, Aljimite. “Tombouctou: Manifestation anti ~~Ansar Adine/ AQMI ce weekend.” Toumast Press, April 24, ~~2012. # Ahmed, Baba. “Mali: À Tombouctou, près de 200 femmes marchent ~~contre les islamistes.” # Jeune Afrique ~~, ~~October 8, 2012. ~~--- ~~. “Mali: Le fantômes de Tomboctou.” # Jeune Afrique ~~, May 25, 2012. # Akyeampong, Emmanuel K., and Henry Louis Gates, Jr. # Dictionary of African Biography ~~. Oxford: Oxford ~~University Press, 2012. # Aldrich, Robert. # Greater France: A ~~History of French Overseas Expansion ~~. Basingstoke, England: ~~Macmillan, 1996. ~~“Alexander Gordon Laing.” In Robert Chambers, ed., # A Biographical Dictionary of Eminent Scotsmen ~~, ~~vol. 3. Glasgow: Blackie and Son, 1835. # American Foreign Policy Council. # World ~~Almanac of Islamism. # Lanham, MD: Rowman & Littlefield, ~~2014. # Amnesty International. # Mali: Five ~~Months of Crisis: Armed Rebellion and Military Coup. # May ~~2012. # Apollonj Ghetti, Pietro M. # Étude sur ~~les mausolées de Tombouctou ~~. Paris: UNESCO, ~~2014. # Archinard, [Louis]. # Le Soudan en ~~1893 ~~. Le Havre: Société des Anciens Courtiers, ~~1895. ~~--- ~~. # Le Soudan français en 1889-1890: ~~Rapport militaire ... Paris: Imprimerie Nationale, ~~1891. # Banks, Joseph. # The # Endeavour # Journal of Sir Joseph Banks ~~(1768-1771). Teddington, England: Echo Library, 2006. # Barrett, Ward. “World Bullion Flows, 1450-1800.” In # The Rise of Merchant Empires Long Distance Trade in the ~~Early Modern World, 1350-1750 ~~, edited by James D. Tracy. ~~Cambridge, England: Cambridge University Press, 1991. # Barth, Heinrich. “Schreiben des Dr. Barth an Prof. Rödiger.” # Zeitschrift der Deutschen Morgenländischen ~~Gesellschaft 9 ~~, no. 1 (1855): 261-308. ~~--- ~~. # Travels and Discoveries in North and ~~Central Africa: Being a Journal of an Expedition Undertaken Under the ~~Auspices of H.B.M.’s Government, in the Years 1849-1855. # London: Longman, Brown, Green, Longmans & Roberts, ~~1857-1858. ~~--- ~~. # Wanderungen durch das punische und ~~kyrenäische Küstenland oder Mâg’reb, Afrikîa und Barká ~~[Wanderings Along the Punic and Cyrenaic Shores of the Mediterranean ...]. ~~Volume 1 of # Wanderungen durch die Küstenländers des ~~Mittelmeeres ausgefuhrt in den Jahren 1845, 1846 und 1847. # London: Williams & Norgate, and David Nutt; Berlin: Wilhelm Herz; Paris: Klincksieck, and A. Franck, 1849. # Blair, David. “Timbuktu: The Women Singled Out for Persecution.” # The Daily Telegraph ~~, ~~February 3, 2013. # Blanchard, Ian. # Mining, Metallurgy and ~~Minting in the Middle Ages ~~, vol. 3: # Continuing Afro-European Supremacy, 1250-1450. # Wiesbaden: ~~Franz Steiner Verlag, 2005. # Boahen, A. Adu, ed. # Africa Under ~~Colonial Domination 1880-1935 ~~. Volume 7 of # General History of Africa ~~. Paris: UNESCO; ~~London: Heinemann; Berkeley: University of California Press, ~~1985. # Bonnel de Mézières, Albert. “Major Gordon Laing, and the ~~Circumstances Attending His Death.” # The Geographical ~~Journal # 39, no. 1 (1912): 54-57. # Bovill, E. W., ed. # Missions to the ~~Niger ~~, vol. 1: # The Journal of ~~Friedrich Hornemann’s Travels from Cairo to Murzuk in the Years ~~1797-98 # and # The Letters of Major ~~Alexander Gordon Laing, 1824-26 ~~. Cambridge, England: Published for the Hakluyt Society at the University Press, ~~1964. ~~--- ~~. # Missions to the Niger ~~, ~~vols. 2-4: # The Bornu Mission, 1822-25. # Cambridge, England: Published for the Hakluyt Society at the University Press, 1966. # Brenner, Louis, and David Robinson. “Project for the ~~Conservation of Malian Arabic Manuscripts.” # History ~~in Africa # 7 (1980): 329-32. # Bridges, R. C. “W. D. Cooley, the RGS and African Geography in ~~the Nineteenth Century. Part I: Cooley’s Contribution to the Geography of ~~Eastern Africa.” # The Geographical Journal # 142, no. 1 (1976): 27-47. ~~--- ~~. “William Desborough Cooley (1795?-1883).” In # Oxford Dictionary of National ~~Biography. # Burton, Richard F. # Zanzibar: City, ~~Island, and Coast ~~. London: Tinsley Brothers, ~~1872. # Caillié, René. # Journal d’un voyage à ~~Temboctou et à Jenné, dans l’Afrique centrale ... pendant les années ~~1824-1828. Paris: Atlas, 1830. ~~--- ~~. # Travels Through Central Africa to ~~Timbuctoo; and Across the Great Desert, to Morocco, Performed in the ~~Years 1824-1828. # London: Henry Colburn and Richard Bentley, ~~1830. # Callimachi, Rukmini. “In Timbuktu, al Qaida Left Behind a ~~Manifesto.” Associated Press, February 14, 2013. # Carter, Harold B. # Sir Joseph Banks ~~1743-1820. # London: British Museum (Natural History), ~~1988. # Cavendish, Julius. “Destroying Timbuktu: The Jihadist Who ~~Inspires the Demolition of the Shrines.” # Time ~~, July 10, 2012. # Chamberlain, M. E. # The Scramble for ~~Africa. # London: Longman, 1999. # Chambers, Neil, ed. # The Letters of Sir ~~Joseph Banks: A Selection 1768-1820. # River Edge, NJ: Imperial ~~College Press, 2000. # Champeaux, Nicolas. “Le projet du chef d’Aqmi pour le Mali.” ~~RFI/ # Libération ~~, October 6, ~~2013. # Chatwin, Bruce. # Anatomy of ~~Restlessness: Uncollected Writings ~~. Edited by Jan Borm and ~~Matthew Graves. London: Jonathan Cape, 1996. # Cherbonneau, Auguste. “Essai sur la littérature arabe du Soudan ~~d’après le # Tekmileted-dibadje # d’Ahmed-Baba, le tombouctien.” # Annuaire de la ~~Societé Archéologique de la Province de Constantine # 2 ~~(1854-1855). # Cissoko, Sékéné Mody. # Tombouctou et ~~l’empire Songhay: Épanouissement du Soudan nigérien aux XVe-XVIe ~~siècles. Paris: L’Harmattan, 1996. # Conrad, Joseph. # Heart of ~~Darkness ~~. London: Penguin, 2012. # Cooley, W. D. “Barth’s Discoveries in Africa; Made During an ~~Expedition Undertaken Under the Auspices of H. M. Government, 1849-1855.” # The Edinburgh Review # 109 ~~(1859). ~~--- ~~. # The Negroland of the Arabs Examined ~~and Explained; or, An Inquiry into the Early History and Geography of ~~Central Africa. # London: J. Arrowsmith, 1841. Reprinted ~~London: Frank Cass, 1966. ~~--- ~~.Review of Jean-Baptiste Douville, # Voyage au Congo et dans l’intérieur de l’Afrique équinoxiale. The ~~Foreign Quarterly Review # 10 (August 19, 1832): ~~163-206. # Cory, Stephen. “The Man Who Would Be Caliph: A ~~Sixteenth-Century Sultan’s Bid for an African Empire.” # The International Journal of African Historical ~~Studies # 42, no. 2 (2009): 179-200. # Crone, G. R., ed. # The Voyages of ~~Cadamosto and Other Documents on Western Africa in the Second Half of ~~the Fifteenth Century. # London: Hakluyt Society, ~~1938. # Curtin, Philip D. # Disease and Empire: ~~The Health of European Troops in the Conquest of Africa. # Cambridge, England: Cambridge University Press, 1998. ~~--- ~~. “The End of the 'White Man’s Grave’? Nineteenth-Century ~~Mortality in West Africa.” # The Journal of ~~Interdisciplinary History # 21, no. 1 (1990): ~~63-88. ~~--- ~~. # The Image of Africa: British Ideas ~~and Action, 1780-1850. # Madison: University of Wisconsin Press, 1973. # Daniel, Serge. “Mausolées détruits au Mali: Bamako denónce une ~~furie destructrice.” AFP, in # La Presse ~~(Canada), June 12, 2012. ~~--- ~~. “Timbuktu’s History at Risk As Rebellion Moves In.” AFP, in # National Post ~~(Canada), April 3, ~~2012. ~~“Dans Tombouctou coupée du monde, le régne de la débrouille.” ~~Les Observateurs, France 24, January 2, 2013. # Davidson, Basil. # Africa in History: ~~Themes and Outlines. # London: Phoenix Press, ~~2001. # De Jorio, Rosa. “The Fate of Timbuktu’s Sufi Heritage: ~~Controversies Around Past Traces and Current Practices.” In # Cultural Heritage in Mali in the Neoliberal ~~Era ~~, 116-34. Urbana: University of Illinois Press, ~~2016. ~~[Demarin, John Peter.] # A Treatise upon ~~the Trade from Great-Britain to Africa, Humbly Recommended to the ~~Attention of Government, by an African Merchant. # London: R. ~~Baldwin, 1772. ~~“Destruction des mausolées de Tombouctou: Un 'crime de guerre’ ~~selon la CPI.” # Le monde ~~, July 1, ~~2012. # Diarra, Admana, Tiémoko Diallo, and Agathe Machecourt. ~~“Manifestation de femmes contre la charia à Tombouctou.” Reuters, October 6, ~~2012. # Diawara, Gaoussou. # Abubakari II, ~~explorateur mandingue ~~. Paris: L’Harmattan, ~~2010. # Dreazen, Yochi. “The Brazen Bibliophiles of Timbuktu: How a ~~Team of Sneaky Librarians Duped Al Qaeda.” # The New ~~Republic ~~, April 25, 2013. # Dubois, Félix. # Timbuctoo the ~~Mysterious ~~. Translated by Diana White. London: William ~~Heinemann, 1897. # Farias, P. F. de Moraes. # Arabic ~~Medieval Inscriptions from the Republic of Mali: Epigraphy, Chronicles ~~and Songhay-Tuāreg History. # Oxford: Published for the British ~~Academy by Oxford University Press, 2003. # Fletcher, Pascal. “Timbuktu Librarians Protect Manuscripts from ~~Rebels.” Reuters, April 11, 2012. # Fowler, Robert R. # A Season in Hell: My ~~130 Days in the Sahara with Al Qaeda. # Toronto: HarperCollins ~~Canada, 2011. # Fyfe, Christoper. “Alexander Gordon Laing (1794-1826).” In # Oxford Dictionary of National Biography. ~~--- ~~. “Mungo Park (1771-1806).” In # Oxford ~~Dictionary of National Biography ~~. Gates, Henry Louis, Jr. ~~Excerpts from diary. In “Explore Gates’ Diary: The Road to Timbuktu.” # Wonders of the African World ~~, PBS, # http://www.pbs.org/wonders/fr_gt.htm ~~. (Cited as being ~~from # The New ~~Yorker ~~.) # Gelfand, Michael. “Rivers of Death in Africa, an Inaugural ~~Lecture Given at the University College of Rhodesia and Nyasaland” (1963). ~~London: Oxford University Press, 1964. # Ghali, Noureddine, and Mohamed Mahibou, with Louis Brenner. # Inventaire de la Bibliothèque 'Umarienne de ~~Segou (conservée à la Bibliothèque Nationale-Paris). Paris: ~~Centre National de la Recherche Scientifique, 1985. # Gobineau, Arthur de. # The Moral and ~~Intellectual Diversity of Races: With Particular Reference to Their ~~Respective Influence in the Civil and Political History of ~~Mankind. # Edited and expanded by H. Hotz and J. C. Nott. Philadelphia: J. B. Lippincott, 1856. # Gout, Frédéric. # Libérez Tombouctou! ~~Journal de guerre au Mali. Paris: Tallandier, ~~2015. # Grossman, Ron. “African Manuscripts Rewriting History: ~~Northwestern Professor Uncovers 16th Century Writings by a Black African ~~That Contradict Many Western Preconceptions.” # Chicago Tribune ~~, April 9, 2001. # Guidère, Mathieu. “The Timbuktu Letters: New Insights about ~~AQIM.” # Res Militaris # 4, no. 1 ~~(Winter-Spring 2014). # Haidara, Abdel Kader. “An Overview of the Major Manuscript ~~Libraries in Timbuktu.” In # The Trans-Saharan Book ~~Trade: Manuscript Culture, Arabic Literacy and Intellectual History in ~~Muslim Africa ~~, edited and translated by Graziano Krätli and ~~Ghislaine Lydon, 241-64. Leiden: Brill, 2011. # Haidara, Ismael Diadié. # Une cabane au ~~bord de l’eau ~~. Málaga, Spain: Fondo Kati, ~~2015. # Hall, Bruce S. # A History of Race in ~~Muslim West Africa 1600-1960 ~~. Cambridge, England: Cambridge ~~University Press, 2001. # Hallett, Robin, ed. # Records of the ~~African Association 1788-1831. # London: Thomas Nelson and ~~Sons, 1964. # Hammer, Joshua. # The Bad-Ass Librarians ~~of Timbuktu and Their Race to Save the World’s Most Precious ~~Manuscripts. # New York: Simon & Schuster, ~~2016. ~~--- ~~. “The Race to Save Mali’s Priceless Artifacts.” # Smithsonian Magazine ~~, January ~~2014. # Hampâté Bâ, Amadou, and Roger Gaetani. # A Spirit of Tolerance: The Inspiring Life of Tierno Bokar. # Bloomington, IN: World Wisdom, 2008. # Harding, Luke. “Timbuktu Mayor: Mali Rebels Torched Library of ~~Historic Manuscripts.” # The Guardian ~~, ~~January 28, 2013. # Harmon, Stephen A. # Terror and ~~Insurgency in the Sahara-Sahel Region: Corruption, Contraband, Jihad and ~~the Mali War of 2012-2013. # Burlington, VT: Ashgate, ~~2014. # Harris, James. # Hume: An Intellectual ~~Biography. # New York: Cambridge University Press, ~~2015. ~~“Head of UN Cultural Agency Urges Warring Factions in Mali to ~~Safeguard Timbuktu.” UN News Centre, April 2, 2012. # Helly, Dorothy O. “Flora Shaw and the # Times ~~: Becoming a Journalist, Advocating Empire.” In # Women in Journalism at the # Fin de ~~Siècle: ~~“Making a Name for Herself,” # edited by F. Elizabeth Gray, 110-28. Basingstoke, England: Palgrave ~~Macmillan, 2012. # Herbert, Eugenia. “Timbuktu: A Case Study of the Role of Legend ~~in History.” In # West African Culture Dynamics: ~~Archaeological and Historical Perspectives ~~, edited by B. K. ~~Swartz, Jr., and Raymond E. Dumett, 431-54. The Hague: De Gruyter Mouton, ~~1980. # Hinshaw, Drew. “In Gadhafi’s Timbuktu Villa, an al Qaeda ~~Retreat.” # The Wall Street Journal ~~, ~~February 4, 2013. # Hochschild, Adam. # King Leopold’s Ghost: ~~A Story of Greed, Terror, and Heroism in Colonial Africa. # Boston: Houghton Mifflin, 1998. # Houdas, Octave, trans. # Tarikh es-soudan ~~par Abderrahman Ben Abdallah Ben 'Imran Ben 'Amir es-Sa'di. Paris: Ernest Leroux, 1900. Arabic text, prepared with the collaboration of ~~Edmond Benoist, published Paris: Ernest Leroux, 1898. # Houdas, Octave, and Maurice Delafosse, trans. # Tarikh el-fettach ou chronique du chercheur ... par Mahmoûd ~~Kâti Ben El-Hâdj El-Motaouakkel Kâti et l’un de ses ~~petits-fils. Paris: Ernest Leroux, ~~1913. # Human Rights Watch. # Mali: War Crimes by ~~Northern Rebels. # April 2012. # Hunwick, John O. “Ahmad Baba and the Moroccan Invasion of the ~~Sudan (1591).” # Journal of the Historical Society of ~~Nigeria # 2, no. 3 (1962): 311-28. ~~--- ~~. # Arabic Literature of ~~Africa ~~, vol. 4: # Writings of Western ~~Sudanic Africa. # Leiden: Brill, 2003. ~~--- ~~. “CEDRAB: The Centre de Documentation et de Recherches Ahmad ~~Baba at Timbuktu.” # Sudanic Africa # 3 ~~(1992): 173-81. ~~--- ~~. “Timbuktu: A Refuge of Scholarly and Righteous Folk.” # Sudanic Africa # 14 (2003): ~~13-20. ~~--- ~~. # Timbuktu and the Songhay Empire: ~~Al-Sa'di’s Ta’rīkh al-sūdān down to 1613 and Other Contemporary ~~Documents. # Leiden: Brill, 1999. # Hunwick, John O., Alida Jay Boye, and Joseph Hunwick. # The Hidden Treasures of Timbuktu: Historic City of Islamic ~~Africa. # London: Thames & Hudson, ~~2008. # International Criminal Court. “Al Mahdi Case. # The Prosecutor v. Ahmad Al Faqi Al Mahdi, # ICC-01/12-01/15.” # https://www.icc-cpi.int/mali/al-mahdi ~~. # International Crisis Group. # Mali, ~~Avoiding Escalation ~~. July 18, 2012. # International Organization for Migration. # The Mali Migration Crisis at a Glance # March ~~2013. ~~“Isaaco’s Journal of a Voyage After Mr. Mungo Park, to ~~Ascertain His Life or Death.” # Annals of Philosophy # 4, no. 23 (November 1814): ~~369-85. # Jefferson, Thomas. # Autobiography of ~~Thomas Jefferson: 1743-1790 ~~. New York: G. P. Putnam’s Sons, ~~1914. # Jeppie, Shamil. “Re/discovering Timbuktu.” In Jeppie and ~~Diagne, # The Meanings of ~~Timbuktu ~~. # Jeppie, Shamil, and Souleymane Bachir Diagne, eds. # The Meanings of Timbuktu ~~. Cape Town: HSRC Press ~~in association with CODESRIA, 2008. # Jobson, Richard. # The Golden Trade; Or, ~~A Discovery of the River Gambra, and the Golden Trade of the ~~Aethiopians ~~(1623). London: William Dawson & Sons, ~~1968. # Joffre, General [Joseph]. # My March to ~~Timbuctoo. # London: Chatto & Windus, ~~1915. # Kaba, Lansiné. “Archers, Musketeers, and Mosquitoes: The ~~Moroccan Invasion of the Sudan and the Songhay Resistance (1591-1612).” # The Journal of African History # 22, ~~no. 4 (1981): 457-75. # Kanya-Forstner, A. S. # The Conquest of ~~the Western Sudan: A Study in French Military Imperialism. # London: Cambridge University Press, 1969. # Katz, Marion Holmes. “Women’s 'Mawlid’ Performances in Sanaa ~~and the Construction of 'Popular Islam.’” # International Journal of Middle East Studies # 40, no. 3 ~~(2008): 467-84. # Kemper, Steve. # A Labyrinth of Kingdoms: ~~10,000 Miles Through Islamic Africa. # New York: W. W. Norton, ~~2012. # Kirk-Greene, A. H. M. Introduction to # Barth’s Travels in Nigeria: Extracts from the Journal of Heinrich ~~Barth’s Travels in Nigeria, 1850-1855. # London: Oxford ~~University Press, 1962. # Kryza, Frank T. # The Race for Timbuktu: ~~In Search of Africa’s City of Gold. # New York: Ecco, ~~2006. # Lacher, Wolfram. “Organized Crime and Conflict in the ~~Sahel-Sahara Region.” In Perilous Desert: Insecurity ~~in the Sahara ~~, edited by Frederic Wehrey and Anouar Boukhars, ~~61-85. Washington, DC: Carnegie Endowment for International Peace, ~~2013. # Laing, Alexander Gordon. # The Letters of ~~Major Alexander Gordon Laing, 1824-26 ~~. In Bovill, # Missions to the Niger ~~, vol. ~~1. # Le Touzet, Jean-Louis. “La feuille de route d’Aqmi au Mali.” # Libération ~~, October 7, ~~2013. # Lebovich, Andrew. “The Local Face of Jihadism in Northern ~~Mali.” # CTC Sentinel ~~, June 25, ~~2013. # Ledyard, John. # A Journal of Captain ~~Cook’s Last Voyage to the Pacific Ocean, and in Quest of a North-West Passage ... Faithfully Narrated from the Original MS ... # Hartford: Nathaniel Patten, 1783. # Leo Africanus. “Description of the Middle Niger, Hausaland and ~~Bornu.” In Hunwick, # Timbuktu and the Songhay ~~Empire ~~. # Levtzion, Nehemia. # Ancient Ghana and ~~Mali. # London: Methuen, 1973. ~~--- ~~. “A Seventeenth-Century Chronicle by Ibn al-Mukhtār: A ~~Critical Study of 'Ta’rīkh al-fattāsh.’” # Bulletin of ~~the School of Oriental and African Studies ~~(University of ~~London), 34, no. 3 (1971): 571-93. # Levtzion, N., and Hopkins, J. F. P., eds. # Corpus of Early Arabic Sources for West African ~~History. # Translated by J. F. P. Hopkins. Cambridge, England: ~~Cambridge University Press, 1981. # Lovejoy, Paul E. “Islamic Scholarship and Understanding History ~~in West Africa Before 1800.” In # The Oxford History ~~of Historical Writing ~~, vol. 3: # 1400-1800 ~~. Oxford: Oxford University Press, ~~2012. ~~“Mali: L’indignation des artistes et intellectuels après les ~~profanations de Tombouctou.” RFI Afrique, May 6, ~~2012. ~~“Mali: Un mausolée profané par Aqmi à Tombouctou.” # L’express # and AFP, May 6, ~~2012. ~~“Mali Islamist Militants 'Destroy’ Timbuktu Saint’s Tomb.” BBC ~~News, May 6, 2012. ~~“Mali Separatists Ready to Act over Destruction of Tombs.” CNN, ~~July 2, 2012. # Marin La Meslée, Valérie. “Tombouctou, patrimoine mondial aux ~~mains des islamistes?” # Le point ~~, April 4, 2012. # http://www.lepoint.fr/monde/tombouctou-patrimoine-mondial-aux-mains- des-islamistes-04-04-2012-1448503_24.php ~~. # Masonen, Pekka. # The Negroland ~~Revisited: Discovery and Invention of the Sudanese Middle ~~Ages. # Helsinki: Finnish Academy of Science and Letters, ~~2000. # McConnell, Tristan. “How Timbuktu Saved Its Books.” # Harper’s Magazine ~~, February 4, ~~2013. ~~--- ~~. “Meet the Unlikely Group That Saved Timbuktu’s Manuscripts.” ~~GlobalPost, February 3, 2013. # McIntosh, Roderick J., and Susan Keech McIntosh. “The Inland ~~Niger Delta Before the Empire of Mali: Evidence from Jenne-Jeno.” # The Journal of African History # 22, no. 1 ~~(1981): 1-22. # McIntosh, Susan Keech, and Roderick J. McIntosh. “West African Prehistory.” # American Scientist # 69, no. 6 ~~(1981): 602-13. # Meek, C. K. “The Niger and the Classics: The History of a ~~Name.” # The Journal of African History # 1, ~~no. 1 (1960): 1-17. # Messaoudi, Alain, and Jean Schmitz, “Octave Houdas.” In # Dictionnaire des orientalistes de langue ~~française, # edited by François Pouillon. Paris: Institut ~~d’Études de l’Islam et des Sociétés du Monde Musulman and Karthala, ~~2008. # Molins Lliteras, Susana. “Africa Starts in the Pyrenees: The ~~Fondo Kati, Between al-Andalus and Timbuktu.” Ph.D. thesis, University of ~~Cape Town, August 2015. ~~--- ~~. “The Making of the Fondo Ka'ti Archive: A Family Collection ~~in Timbuktu.” # Islamic Africa # 6 (2015): ~~185-91. # Nobili, Mauro, and Mohamed Shahid Mathee. “Towards a New Study ~~of the So-Called # Tarikh al-fattash ~~.” # History in Africa # 42 (2015): ~~37-73. ~~“Nord du Mali: Gao est aux mains des islamistes.” RFI Afrique, ~~June 27, 2012. # Norris, H. T. “Sanhājah Scholars of Timbuctoo.” # Bulletin of the School of Oriental and African ~~Studies ~~(University of London), 30, no. 3 (1967): ~~634-40. # O’Brian, Patrick. # Joseph Banks: A ~~Life. # London: Collins Harvill, 1989. # Oxford Dictionary of National Biography. # Edited by H. C. G. Matthew and Brian Harrison. Oxford: Oxford University Press, 2004. Park, Mungo. # The Life and Travels of ~~Mungo Park. # Edinburgh: William and Robert Chambers, ~~1838. ~~--- ~~. # Travels in the Interior Districts of ~~Africa, Performed Under the Direction and Patronage of the African ~~Association, in the Years 1795, 1796, and 1797. # London: G. ~~and W. Nicol, 1799. Pelizzo, Riccardo. “Timbuktu: A Lesson in Underdevelopment.” # Journal of World-Systems Research 7, no. 2 ~~(2001): 265-83. Proceedings of the Association for Promoting the ~~Discovery of the Interior Parts of Africa ~~. London: C. Macrae, ~~1810. Reprint of issues from 1788 through 1810. Prothero, R. Mansell. “Heinrich Barth and the Western Sudan.” # The Geographical Journal # 124, no. 3 ~~(1958): 326-37. Pruneau de Pommegorge, Antoine E. # Description de la nigritie. # Amsterdam: Maradan, ~~1789. Purchas, Samuel. # Hakluytus Posthumus ~~or, Purchas His Pilgrimes ~~(1625). Cambridge, England: ~~Cambridge University Press, 2014. # Ralfs, C[hristian]. “Beiträge zur Geschichte und Geographie des ~~Sudan, Eingesandt von Dr. Barth.” # Zeitschrift der ~~Deutschen Morgenländischen Gesellschaft # 9, no. 2 (1855): ~~518-644. ~~“Report of the UNESCO Meeting of Experts on the Utilisation of ~~Written Sources for the History of Africa Held at Timbuktu, 30 November-7 ~~December 1967.” # Research Bulletin ~~(Centre ~~of Arabic Documentation, University of Ibadan), 4 (1968): ~~52-69. ~~“Révélations sur les hommes qui sément la terreur au nord ~~Mali.” # La dépêche ~~, January 9, 2013. ~~maliweb.net. # Review of Heinrich Barth, # Wanderings ~~Along the Punic and Cyrenaic Shores of the Mediterranean (Wanderungen ~~durch das punische und kyrenäische Küstenland). The Athenaum ~~, ~~no. 1166 (March 2, 1850): 229-30. # Review of René Caillié, # Journal d’un ~~voyage à Temboctoo [sic] et a Jenné, dans l’Afrique centrale, &c. ~~The Quarterly Review # 42, no. 84 (March 1830): ~~450-75. # Rice, Xan. “Day a One-Eyed Jihadist Came to Timbuktu.” # Financial Times ~~, January 25, ~~2013. # Richardson, James. # Narrative of a ~~Mission to Central Africa Performed in the Years 1850-51. # Edited by Bayle St. John. London: Chapman and Hall, ~~1853. # Ritchie, J. M. “The Nazi Book-Burning.” # Modern Language Review # 83, no. 3 (1988): ~~627-43. # Rousseau, Jean-Baptiste Louis Jacques. Excerpts of letters. # Bulletin de la Société de Géographie # 7, no. 54 (October 1827): 176-77; 9, no. 63 (July 1828): ~~41. # Saad, Elias N. # Social History of ~~Timbuktu: The Role of Muslim Scholars and Notables, ~~1400-1900. # Cambridge, England: Cambridge University Press, ~~1983. # Saint-Exupéry, Antoine de. # Wind, Sand ~~and Stars. ~~[Translated by Lewis Galantière.] London: Pan ~~Books, 1975. # Saint-Martin, Yves-Jean. # Félix Dubois ~~1862-1945: Grand reporter et explorateur de Panama à ~~Tamanrasset. Paris: L’Harmattan, 1999. # Sanche de Gramont. # The Strong Brown ~~God: Story of the River Niger. # New York: Mariner, ~~1991. # Sattin, Anthony. # The Gates of Africa: ~~Death, Discovery, and the Search for Timbuktu. # New York: St. ~~Martin’s Press, 2005. # Scheele, Judith. # Smugglers and Saints ~~of the Sahara: Regional Connectivity in the Twentieth ~~Century. # Cambridge, England: Cambridge University Press, ~~2012. # Schiffers, Heinrich, ed. # Heinrich ~~Barth: Ein Forscher in Afrika ~~. Wiesbaden: Franz Steiner ~~Verlag, 1967. # Schubert, Gustav von. # Heinrich Barth, ~~der Bahnbrecher der deutschen Afrikaforschung: Ein Lebens-und ~~Charakterbild ~~. Berlin: Reimer, 1897. # Shaw, Flora [Dame Flora Louise Lugard]. # A Tropical Dependency: An Outline of the Ancient History of the Western ~~Soudan with an Account of the Modern Settlement of Northern ~~Nigeria. # London: James Nisbet, 1905. # Sidibe, Moussa. “Comment les populations ont vécu la bataille ~~de Konna et l’occupation des régions du nord.” Maliweb.net, March 8, ~~2013. # Singleton, Brent D. “African Bibliophiles: Books and Libraries ~~in Medieval Timbuktu.” # Libraries & ~~Culture # 39, no. 1 (2004): 1-12. ~~“Smuggled Out: Most Timbuktu Manuscripts Saved from Attacks.” # Der Spiegel ~~(English website), ~~February 25, 2013. # Sparks, Jared. # Memoirs of the Life and ~~Travels of John Ledyard from His Journals and Correspondence. # London: Henry Colburn, 1828. # Spurr, David. # The Rhetoric of Empire: ~~Colonial Discourse in Journalism, Travel Writing, and Imperial ~~Administration. # Durham, NC: Duke University Press, ~~1993. # Touchard, Laurent. “Mali: Retour sur la bataille décisive de ~~Konna.” # Jeune Afrique ~~, January 30, ~~2014. # Triaud, Jean-Louis. “Tombouctou ou le retour du mythe: ~~L’exposition médiatique des manuscrits de Tombouctou.” In # L’Afrique des savoirs au sud du Sahara, XVIe-XXIe siècle: ~~Acteurs, supports, pratiques ~~, edited by Daouda Gary-Tounkara ~~and Didier Nativel. Paris: Karthala, 2012. # UNESCO. # Decisions Adopted by the World ~~Heritage Committee at Its 36th Session (Saint-Petersburg, 2012). World ~~Heritage 36 COM. # United Nations Educational, Scientific and ~~Cultural Organization Convention Concerning the Protection of the World ~~Cultural and Natural Heritage, World Heritage Committee, Thirty-sixth ~~Session. Saint Petersburg, June 24-July 6, 2012. # Uzoigwe, G. N. “European Partition and Conquest of Africa: An ~~Overview.” In Boahen, # Africa Under Colonial ~~Domination 1880-1935 ~~, 19-44. # Van Sertima, Ivan. # They Came Before ~~Columbus: The African Presence in Ancient America. # New York: ~~Random House, 2003. # Walpole, Horace. # Letters of Horace ~~Walpole, Earl of Orford, to Sir Horace Mann: His Britannic Majesty’s ~~Resident at the Court of Florence, from 1760 to 1785 ~~, vol. 2. ~~London: R. Bentley, 1843. # Walt, Vivienne. “For the Treasures of Timbuktu, a Moment of ~~Grave Peril.” # Time ~~, January 26, ~~2013. ~~--- ~~. “Mali: Timbuktu Locals Saved Some of City’s Ancient ~~Manuscripts from Islamists.” # Time ~~, ~~January 28, 2013. # Wesseling, H. L. # Divide and Rule: The Partition of Africa, 1888-1914 ~~. Translated by Arnold J. Pomerans. Westport, CT: Praeger, 1997. # Wise, Christopher, and Haba Abu Taleb, trans. # Ta’rīkh al fattāsh: The Timbuktu Chronicles 1493-1599: ~~English Translation of the Original Works in Arabic by Al Hajj Mahmud ~~Kati. # Edited by Christopher Wise. Trenton, NJ: Africa World Press, 2011. # York, Geoffrey. “The Secret Race to Save Timbuktu’s ~~Manuscripts.” # Globe and Mail ~~, December ~~27, 2012. # Zanganeh, Lila Azam. “Has the Great Library of Timbuktu Been ~~Lost?” # The New Yorker ~~, January 29, ~~2013. # Zouber, Mahmoud. # Ahmad Baba de ~~Tombouctou (1556-1627): Sa vie et son oeuvre Paris: G.-P. ~~Maisonneuve et Larose, 1977. # | مصادر الصور # Man with burned manuscripts: Photo © Eric Feferberg/AFP/Getty Images. # John Ledyard: Photo © ~~Dartmouth College. # Colonial troops raising the French ~~flag: Photo © The Print Collector/Alamy Stock Photo. # Abdel Kader Haidara: Photo ~~© Klaas Tjoelker. # Ismael Diadié Haidara: Photo ~~© Dr. Susana Molins Lliteras, Tombouctou Manuscripts Project, ~~University of Cape Town. # The Sankore mosque: Photo ~~© Ian Nellist/Alamy Stock Photo. # Anti-jihadist demonstrators: Photo © Magharebia/Flickr. # Lockers filled with ~~manuscripts: Photo © Klaas ~~Tjoelker. ms323